هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

المجلد 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على سيد الانبياء و المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين سيما الامام المبين و غيات المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الشريف،و اللعن على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين.

و بعد غير خفي على أهل العلم و الفضل أن كتاب «المتاجر» الذي صنفه فخر الطائفة. تاج الفقهاء و المجتهدين، علم العلم و التق، شيخنا المرتضى الأنصاري «نور الله مضجعه» من خير ما ألفه فقهاؤنا الأبرار في قسم المعاملات من الفقه الشريف، لما أودع فيه - بفكره الثاقب - آراء بديعة و أنظار دقيقة و تحقيقات شامخة جعلته محوراً للدراسات العليا في الحوزات من العلمية، و أقبل عليه جهابذة الفقه بالبحث و التدريس، و الشرح و التعليق. و قد كان من فضل الله عليّ أن وفقنى لشرح شطر وافٍ من هذا الكتاب الشريف أثناء اشتغالي ببحثه حينما كنت متشرفاً بجوار باب مدينة علم الرسول «صلى الله عليها و ألهما» و لم يتيسر نشره إلا في هذا الأوان، فأعدتُ النظر فيه - على ما أنا عليه من ضعف الحال و انحراف المزاج - و نهجت فيه منهج شرحي على الكفاية من الفصل بين توضيح المتن و التعليق عليه، عسى أن يكون عوناً لإخواني المحصلين في اتقان مطالبه و تفهم نكاته. و أسأله سبحانه و تعالى التوفيق لإتمامه، و أن يتقبل هذا الجهد بقبول حسن و أن يجعله خير الزاد ليوم المعاد.

قم المقدسة - 17 ربيع الأول 1416

محمد جعفر الموسوى الجزائرى المروج

ص: 3

لفت نظر

كان المأمول العثور على مصوّرة النسخة الأصلية من كتاب «المكاسب» ب-خط شيخنا الأعظم ليعول عليها في الشرح و لئلا يتكلف التلفيق بين الطبعات المختلفة. الا أنه لم يتيسر لنا - مع الأسف - ذلك رغم الفحص عنها، و السؤال ممن له خبرة بالمخطوطات. ولكن حصلنا - والحمد لله - على مصوّرة نسخة معتبرة، وهي المطبوعة عام 1286، و بهامشها تصحیحات بخط سيدنا الاستاذ العلامة الورع آية الله السيد علي النوري تغمده الله ب- ه برحمته، كان يعتمد عليها في التدريس، قائلاً: انها مصححة على نسخة المؤلف بواسطة واحدة أو بدونها - و التردد لبعد العهد - فاعتمدناها دون الطبعات الاخرى. هذا بالنسبة الى ما عدا الأخبار وكلمات

الأصحاب، و أما هما فقد راجعنا المصادر و نبهنا غالباً على موارد الاختلاف.

ص: 4

المقدمه

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين، و لعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم الدين.

كتاب البيع (1)

اشارة

______________________________

(1) الذي هو من كتب ثاني الأقسام الأربعة المنقسم إليها الفقه الشريف، و لعلّ التعرض له دون غيره من سائر العقود المعاوضية لأجل كثرة الابتلاء به و دورانه بين الناس، و وقوع أكثر المعاوضات و المبادلات المالية به.

و كيف كان فلا بأس قبل الخوض في تعريف البيع بتقديم أمور:

الأوّل: أنّ العقد عبارة عن الربط الخاص الحاصل بين التزامين، مثلا إذا قال أحد المتعاقدين: «بعت كتابي بدينار» و قال الآخر: «قبلت» فهنا أمور ثلاثة:

أحدها: التزام كل منهما بمبادلة الكتاب بالدينار اعتبارا، و هذان الالتزامان قائمان بهما، و كلّ منهما أمر خارجي حقيقي يتعلق به الإرادة تارة و الكراهة أخرى، و يكون الالتزام الأوّل إحداثا، و الثاني إمضاء، نظير الإعطاء و الأخذ، و الإقباض و القبض، فالالتزام الثاني منفعل بالالتزام الأوّل، و الأوّل فاعل له. و هذا الربط الخاص بين الالتزامين يسمّى عقدا، فلو لم يكن هذا الربط الخاص بين التزامين كما إذا التزم أحدهما ببيع الكتاب بدينار، و التزم الآخر بشراء دفتر بدرهم لم يكن ذلك عقدا، لعدم الربط بينهما، بل كل منهما أجنبي عن صاحبه.

و بالجملة: فالعقد هو الربط الخاص المتحقق بين التزامين، لا الإيجاب و القبول، لأنّهما

ص: 5

..........

______________________________

موضوعان للعقد أي الربط، فإطلاق العقد عليهما مسامحة. و الوجه في هذا الإطلاق المسامحي هو قيام الربط بهما.

فملخص هذا الأمر: أنّ العقد حقيقة هو نفس الربط الحاصل بين الالتزامين لأنفسهما و إن أطلق عليهما مسامحة.

ثانيها: الأمر الاعتباري الذي هو إضافة محضة قائمة بالكتاب و الدينار، المعبّر عنه بمبادلة مال بمال، و لا وجود له في الخارج، و الالتزم- الذي هو الأمر الأوّل- يتعلق بهذه الإضافة، فكل من الالتزامين متعلق بها، فهذه الإضافة ملتزم بها، و هي الأمر المعهود به.

ثالثها: الصيغة الحاكية عن الإيجاب و القبول، فإنّ قوله: «بعت الكتاب بدينار» حاك بالمطابقة عن الأثر- أعني به الأمر الاعتباري- المترتب على البيع، و بالالتزام عن الالتزام النفساني، بقرينة وروده في مقام الإنشاء، و قول الآخر: «قبلت» حاك بالمطابقة عن الالتزام النفساني، و بالالتزام عن الأمر الاعتباري، فالقبول- من هذه الحيثية- عكس الإيجاب، إذ مدلول «بعت» مطابقة مدلول التزامي ل «قبلت» و بالعكس.

و قد ظهر مما بينّاه في هذا الأمر: أنّ البيع القابل للإنشاء بقوله: «بعت» هو الأمر الاعتباري أعني به المبادلة. و أمّا الالتزام النفساني فهو أمر حقيقي خارجي قائم بالنفس، نظير الطلب الحقيقي القائم بها غير القابل للإنشاء. و كذا الصيغة من الإيجاب و القبول، فإنّها أمر خارجي متصرّم الوجود. و عليه فمفهوم البيع هو الإضافة الاعتبارية المحضة أي المبادلة بين المالين، إذ هي القابلة للاعتبار و الإنشاء سواء قلنا بمقالة المشهور من كون الإنشاء- قولا أو فعلا- إيجادا للأمر الاعتباري، أم كونه إبرازا له كما اختاره بعض الأجلّة.

هذا ما يتعلق بأصل العقد من غير فرق بين اللازم و الجائز، و أمّا كونه مطلق العهد أو خصوص الموثّق منه فلا علاقة له بما ذكرناه، و سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: أنّ العقد الذي يتوقف على إنشاءين يكون على ثلاثة أقسام:

ص: 6

..........

______________________________

أوّلها: العقود الإذنية كعقد الوكالة، و تسمية هذا القسم بالعقد إنّما هي باصطلاح خاص، و هو اصطلاح الفقهاء، إذ العقد بالمعنى اللغوي و العرفي- كما أفيد- هو العهد المؤكد و الالتزام المشدّد، و هذا المعنى مفقود في العقود الإذنية، لأنّ حقيقتها الإذن و الرضا بالتصرف في ما له ولاية التصرف فيه، و ليس فيها إلزام و التزام. و لعلّ وجه التسمية بالعقد هو كونه مرتبطا بشخصين كارتباط العقد بهما.

و كيف كان فليس هذا عقدا حقيقة، فلا يشمله قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فعدم شمول «العقود» لهذا القسم يكون من باب التخصص، لا التخصيص حتى يلزم تخصيص الأكثر.

ثانيها: العقود العهدية التعليقية، و هي التي يكون المنشأ فيها معلّقا على شي ء ب «إن» و نحوها من أدوات التعليق، كالسبق و الرماية و الجعالة، بناء على كونها عقدا منوطا بالقبول و إن كان فعلا، و كالوصية التمليكية بناء على المشهور، فإنّ المنشأ فيها- أعني به الملكية- معلّق على موت الموصى. و على هذا فالعقود العهدية التعليقية عقود حقيقة، لما فيها من الإلزام و الالتزام المنوطين بشي ء يتوقّع حصوله.

ثالثها: العقود العهدية التنجيزية، و هي التي لا يكون المنشأ فيها معلّقا على شي ء، كالبيع و الإجارة و النكاح، فإنّ المنشأ في الأوّل- على المشهور- تمليك العين، و في الثاني تمليك المنفعة، و في الثالث التزويج، و لا تعليق فيما ينشأ في هذه العقود أصلا. و تنقسم العقود العهدية إلى معاوضية مالية و غير معاوضية، فالبيع عقد عهدي تنجيزي معاوضي مالي. و يمتاز عن سائر العقود المالية كالصلح و الهبة بما سيأتي في تعريفه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: أنّ الأسباب المملّكة- الموجبة لحصول علقة الملكية بين المال و الشخص- تنحصر في ثلاثة أقسام، إذ السبب إمّا أن يكون قهريّا كالإرث، و إمّا أن يكون اختياريّا، و السبب الاختياري إما أن يكون من الأمور الاعتبارية الإنشائية كالبيع و الإجارة و الهبة، و إمّا أن يكون فعلا خارجيا كالحيازة و إحياء الموات، و لا ترتب بين هذه الأقسام، بل هي في

ص: 7

..........

______________________________

رتبة واحدة، و البيع من القسم الثاني، فإنّه من العقود المعاوضية المالية [1].

______________________________

[1] خلافا لما يظهر من المحقق الايرواني قدّس سرّه من إرجاع جميع النواقل إلى حيازة المباحات، و ترتب سائر الأسباب عليها، و قد أفاد ذلك في تعليقة مفصّلة لا بأس بالتعرض لجملة منها:

أوّلها: أنّ أمّ الأسباب المملّكة هي حيازة المباحات، و كلّ ما عداها من المعاملات الاختيارية و النواقل القهرية- كالإرث- متفرّع عليها وارد في موضوعها، لا أنّها أسباب في عرضها و رتبتها، فكلّ الأموال كانت أجنبية عن الأشخاص، و كانت نسبتها الى الكل نسبة واحدة، و بالحيازة صارت مرتبطة بالأشخاص، و وردت في سلطانها، و مملوكة لها، فالحيازة هي السبب الوحيد في حدوث الملك، و سائر النواقل تنتهي إليها و لو بوسائط، فإن ملكنا شيئا بالشراء فقد ملكناه بحيازتنا للثمن و لو بوسائط، و ان ملكنا شيئا بالهبة أو بالإرث فقد ملكناه بحيازة من انتقل عنه المال إلينا بما أنّ حيازته حيازتنا كما في الإرث، أو بتفويض منه حقّ حيازته إلينا كما في الهبة.

مثلا إذا حاز بالصيد طائرا، و باعه، فالمنتقل إلى المشتري- بحسب اللّب و الواقع- هو سلطنة الحائز، فكأنّ المشتري صار مالكا بالحيازة. هذا إذا لم تكن واسطة بين الحائز و المشتري، و كذا الحال مع فرض الواسطة، كما إذا مات الحائز و انتقل المال الى وارثه فباعه، فإنّ المشتري صار مالكا بالحيازة بواسطة قيام الوارث مقام مورّثه.

و على هذا لا ينبغي جعل الناقل القهري و المعاملات الاختيارية المملّكة في رتبة الحيازة، بل هما متأخران عنها و متفرّعان عليها.

ثانيها: أنّ الملكية كما تحصل بالحيازة تزول بالإعراض عن المال و صرف النظر عنه، فالحيازة و الإعراض متقابلان، كالنكاح و الطلاق بالنسبة إلى علقة الزوجية إيجادا و إعداما.

ص: 8

______________________________

و قد فصّل المحقق الايرواني الكلام في مسألة زوال الملك بالإعراض في رسالة «جمان السلك» المطبوعة مع حاشية المكاسب، فلاحظها.

ثالثها: أن المعاملات الموجبة لنقل الربط و تحويل السلطان من شخص الى آخر تنقسم إلى أقسام، لكون اختلاف بعضها مع بعض تارة في مجرّد العبارة و الألفاظ المنشئة بها، مع اتّحاد الواقع و الحقيقة، و اخرى بحسب المتعلّق، و ثالثة في كون بعضها لنقل ربط خاص، و بعضها لنقل ربط آخر.

أمّا القسم الأوّل- و هو الاختلاف في مجرّد العبارة مع وحدتها جوهرا و حقيقة- فكالبيع و الهبة و الصلح، فكل منها يقوم مقام الآخر، إذ كان المؤدّى واحدا، و الاختلاف في مجرد التعبير، فإذا أراد نقل كتابه إلى زيد بمبلغ كذا جاز له تأدية مقصوده بما يدلّ على كلّ واحد من هذه العقود، لاشتراكها في نقل الملك بالعوض.

نعم تختلف في أنّ الهبة تدل على نقل الملك بالمطابقة، سواء عبّر بها بلفظ التمليك أم الهبة، و البيع و الصلح يدلّان عليه بالكناية و الالتزام. أمّا البيع فلأنّ حقيقته تبديل طرف الإضافة، و لازم هذا التبديل الخاص نقل الملك. و أمّا الصلح فلأنّ حقيقته التسالم، فمعنى قوله: «صالحتك عن هذا بكذا هو: أنّي مسالمك غير منازعك في هذا، و لئن بسطت يدك لأخذ هذا ما أنا بباسط يدي إليك لأمنعك» و هذه العبارة إذا أتى بها في مقام التمليك أفادته بنحو أبلغ.

و على هذا فاختلاف ألفاظ العقود الثلاثة في تأدية نقل الملك بالعوض يكون بالصراحة و الظهور، نظير تأدية معنى واحد بعبارات متفاوتة، كقولك: «زيد جواد، و مهزول الفصيل، و كثير الرماد» إذ المراد الجدّي هو الإخبار عن كرم زيد و سخائه، و هو مدلول مطابقي للجملة الاولى، و كنائي للأخيرتين.

و مقتضى اتحاد البيع و أخويه حقيقة اشتراكها في الآثار و الشرائط، لكن اختلاف التعبيرات المؤدّية إليها صار منشأ لاختلاف الآثار. و لا غرو في ذلك، فإذا أنشأ إعطاء سلطانه

ص: 9

______________________________

لآخر بعوض بلسان التبديل بين الأصل و العوض كان بيعا، و جرى فيه خيار المجلس، و اعتبر فيه معلومية العوضين، و غير ذلك. و إذا أنشأه بلسان التصالح أو بنفس إعطاء السلطنة- لا بلسان آخر- لم يجر فيه أحكام البيع.

و أما القسم الثاني- و هو الاختلاف في المتعلق- فيمكن التنظير له بالبيع و الوديعة مثلا، لكون المقصود بالأوّل نقل الملك، و بالثاني الاستيمان في الحفظ.

و أما القسم الثالث- و هو كون بعض العقود لنقل ربط خاصّ غير ما ينقله الآخر- فكالبيع و الإجارة، فإنّ نقل المنفعة بالبيع و الهبة و الصلح و إن كان صحيحا، و لا يختص البيع بنقل الأعيان كما توهم، إلّا أنّ الفارق بين الإجارة و البيع هو عموم الثاني لنقل العين و المنفعة و الحق، و اختصاص الأوّل- إذا تعلق بالعين- بنقل المنفعة، فإذا أراد نقل رقبة الدار تعيّن التعبير بالبيع، و إذا أراد نقل سكناها تعيّن التعبير بلفظ الإجارة، فالإجارة شأنها نقل ربط خاص غير ما هو شأن البيع، فصحّ أنّ الفرق بين الإجارة و البيع معنوي، لا في مجرد العبارة كما في الفرق بين البيع و أخواته» «1». هذا محصل جملة مما أفاده قدّس سرّه في المطالب الثلاثة، و تركنا جملة أخرى من إفاداته خوفا من الإطالة.

لكن في كلماته قدّس سرّه مواقع للنظر ينبغي ذكر بعضها:

فمنها: ما أفاده في المطلب الأوّل من انتهاء جميع النواقل إلى حيازة المباحات، و وافقه بعض الأجلة كالسيد المحقق الخويي قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه الشريف «2».

إذ فيه: أنّ الظاهر عدم انتهاء النواقل إلى الحيازة خاصة، لاختصاص مملكية الحيازة بالمنقول، مثل ما يحاز بالاحتطاب، أو بالصيد أو بالغوص، و أمّا غير المنقول- كالأرض- فالظاهر توقف ملكيتها على الإحياء، و عدم كفاية التحجير و إن أوجب حقّا. بل لا يتمّ ذلك

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 71، لاحظ رسالة «جمان السلك في أحكام الملك» ص 216

(2) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 5 الى 7، مستند العروة الوثقى، كتاب الإجارة، ص 358

ص: 10

______________________________

حتى في المنقول كلّيّة، كما في بيع الحرّ عمله للغير، لتصريح المحقق الايرواني قدّس سرّه بجوازه، لكونه من شؤون سلطنته على نفسه، و لا معنى لمالكيّته بالحيازة. و كذا في تملك غنائم الحرب، و استرقاق العبيد و الإماء، لأجنبية ذلك كلّه عن الحيازة المصطلحة.

هذا إذا كان المقصود من كون الحيازة أمّ الأسباب هو الملكيّات المتعارفة بين العقلاء.

و لو كان مقصوده قدّس سرّه إنهاء جميع النواقل إليها حتى ما ليس متداولا فعلا كان أوضح منعا، فإنّ مالكية النبي و الامام «صلى اللّه عليهما و آلهما» للأنفال- كرؤوس الجبال و المعادن و الأرض الميتة التي لا ربّ لها- بالملكية الاعتبارية ابتدائية بتفضّله تعالى، و غير مسبوقة بحيازة و لا بسبب آخر، و من المعلوم أنّ الملكيات المتأخرة بهبة الإمام عليه السّلام و بيعه و وقفه و تحليله لا تنتهي إلى الحيازة التي جعلها المحقق الإيرواني قدّس سرّه أمّ الأسباب المملّكة.

و لو سلّم انتهاء جميع النواقل إلى الحيازة لم يكن ذلك مصحّحا لقيام المنتقل إليه مقام الحائز، على ما صرّح به في آخر كلامه بقوله: «فان ملكنا شيئا بالشراء فقد ملكناه بحيازتنا للثمن و لو بوسائط، أو ملكنا شيئا بالهبة أو بالإرث فقد ملكناه بحيازة من انتقل المال منه إلينا بما أنّ حيازته حيازتنا ..» و ذلك لتوقف مملّكية الحيازة التي هي فعل اختياري على التصدي لها مباشرة أو تسبيبا بالاستنابة. و أمّا مجرّد الشراء من الحائز الفاقد لكل من المباشرة، و التسبيب فلا يوجب صدق الحيازة عليه قطعا خصوصا مع كثرة الوسائط.

و منها: ما أفاده في المطلب الثاني من تقابل الحيازة و الإعراض. إذ فيه: عدم كون الإعراض بنفسه مزيلا لعلقة الملكية الحادثة بالحيازة، و ليس كالطلاق الرافع لعلقة الزوجية الحادثة بالنكاح، بل الظاهر كون الاعراض رافعا للمانع عن تملك الغير بالأخذ و وضع اليد على ما أعرض عنه مالكه، فلو لم يأخذه الغير كان باقيا على ملك المعرض، لوضوح توقف زوال الملك- كإحداثه- على الجعل الشرعي و لو بإمضاء سيرة العقلاء الحاكمة بإباحة تملك الغير لا بزوال ملك المعرض بمجرد الإعراض.

ص: 11

______________________________

و لو شك في ذلك كان مقتضى إطلاق دليل السبب المملّك- أحواليا و أزمانيا- بقاء سلطنة المعرض إلّا ما أخرجه الدليل، و من المعلوم أنّ المتيقن من السيرة في باب الإعراض هو رفع المانع عن تملك الغير، لا كونه بنفسه مزيلا للعلقة و الربط.

و لو فرض كون دليل السبب المملّك لبيّا لا لفظيا حتى تجري المقدمات فيه كان مقتضى استصحاب الملكية بقاءها و عدم زوالها بالإعراض.

و منها: ما أفاده قدّس سرّه في المطلب الثالث من اشتراك البيع و الصلح و الهبة المعوضة في جامع التمليك بالعوض، و افتراقها في مجرد التعبير. و هو كما ترى غير متضح المراد، فان كان مقصوده اتحاد النتائج المترتبة على كلّ منها- و إن تعددت المنشئات حقيقة- كان متينا، إذ لا ريب في حصول هذا النقل الخاص- أعني به نقل الملك بعوض- سواء أنشئ بعنوان البيع أم الهبة أم الصلح. و لا ينافيه اختلاف الآثار و الأحكام بتبع اختلاف المضمون المؤدّي إلى ذلك النقل الخاص.

و إن كان مقصوده قدّس سرّه وحدة هذه العناوين الثلاثة ماهية و حقيقة- فضلا عن اتحاد نتائجها- و كون الاختلاف بينها في مجرّد العبارة كما ربما يستفاد من تنظيرها في إفادة التمليك بعوض بباب الحقيقة و الكناية فهو غير ظاهر، لوضوح مغايرة البيع و الصلح و الهبة مفهوما، فالبيع في حدّ ذاته متقوّم بالمبادلة بين مالين كما سيأتي نقله عن المصباح و مصطلح الفقهاء.

و الهبة هي العطية الخالية عن الأعواض و الأغراض كما في عدة من كتب اللغة، فالمجّانيّة مأخوذة في حقيقتها، و لذا كان العوض- في الهبة المعوضة- في قبال الفعل لا العين، و لازم ذلك صدق العنوان حتى مع تخلّف الموهوب له عن الوفاء بالشرط. فيستند استحقاق ردّ العين الى تخلف الشرط، لا الى انتفاء العنوان. و هذا بخلاف المبادلة في باب البيع، فإنّه لولا العوضان لم يصدق العنوان قطعا.

و أما الصلح فمفهومه- كما قالوا- التراضي و التسالم بين المتنازعين، و هو عقد شرّع

ص: 12

______________________________

لقطع المنازعة، فالمنشأ فيه هو التسالم على مبادلة مالين أو على أمر آخر، و لا ربط له بنفس المبادلة.

و الحاصل: أن البيع و الهبة و الصلح أمور اعتبارية متمايزة حقيقة، و لذا يعتبر في تحقق كل منها في وعاء الاعتبار إنشاؤه بما يصلح عرفا للدلالة عليه صراحة أو ظهورا و لو بمعونة القرينة. و لعلّ اختلاف حقائقها منشأ اختلاف أحكامها كاشتراط الهبة بالقبض، و اختصاص البيع بخيار المجلس و نحوه، و من المعلوم أجنبية هذا المعنى عن إفادة مقصود وحداني بالمطابقة تارة و باللزوم أخرى، كما في الإخبار عن جود زيد بعبارات متفاوتة صراحة و ظهورا.

و وجه الفرق كون المخبر به في المعاني الكنائية واحدا حقيقة، بحيث يكون مدار صدق الخبر و كذبه هو نفس المخبر به كالجود، لا هزال الفصيل و لا كثرة الرماد، و هذا أجنبي عن التمليك المشترك بين البيع و أخويه.

و منها: ما أفاده من تعلق البيع و الهبة و الصلح بكل من العين و المنفعة و الحق. إذ فيه:

أنّه مخالف للمشهور- بل لما تسالموا عليه- من اعتبار كون المعوّض عينا، و إن أصرّ هذا المحقق قدّس سرّه على الأعمية و ادعى القطع بها.

و منها: ما أفاده من «أنّ النسبة بين البيع و الإجارة العموم المطلق، لكون البيع ناقلا للعين و المنفعة، و الإجارة للمنفعة خاصة» و هو لا يخلو من تهافت لكلامه الآتي بعد أسطر من: أنه لو أراد نقل العين تعيّن الإنشاء بعنوان البيع، و لو أراد تمليك المنفعة تعيّن الإنشاء بعنوان الإجارة.

و وجه التنافي ظاهر، إذ بناء على صدق البيع على نقل متعلق السلطان- عينا كان أو منفعة أو حقّا- بعوض لا وجه لتعين نقل المنفعة بعنوان الإجارة، لاقتضاء هذا التعيّن عدم أعمية البيع و اختصاصه بنقل الأعيان.

هذا بعض ما يتعلق بكلام المحقق الايرواني قدّس سرّه و إن أمكن التأمل في بعض آخر من

ص: 13

[تعريف البيع لغة]

و هو (1) في

______________________________

(1) هذا الضمير راجع إلى البيع في قوله: «كتاب البيع» و ليس المراد به فعل البائع.

توضيحه: أن «البيع» يطلق على معان ثلاثة:

الأوّل: فعل البائع- و هو باذل السلعة غالبا- سواء كان بالإنشاء القولي مثل «بعت الكتاب بدينار» أم الفعلي بإعطاء المثمن و أخذ الثمن. و البيع بهذا المعنى يقابل الشراء الذي هو فعل المشتري القابل. و إطلاق البيع على إنشاء الموجب شائع، بل هو المتبادر منه.

الثاني: فعل القابل، و هو معنى حقيقي للبيع أيضا، لكونه من الأضداد كما صرّح به ابن منظور «1» و غيره. و استشهد على إرادة الشراء من البيع بما رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا يخطب الرجل على خطبة أخيه، و لا يبع على بيع أخيه، قال أبو عبيد: كان أبو عبيدة و أبو زيد و غيرهما من أهل العلم يقولون: إنما النهي في قوله: لا يبع على بيع أخيه إنّما هو لا يشتري على شراء أخيه، فإنّما وقع النهي على المشتري لا على البائع .. إلخ» «2».

الثالث: المعاملة البيعية المعدودة من العقود المعاوضية، و هي في قبال سائر المعاملات من الصلح و الإجارة. و هذا المعنى شائع في الأدلة و في الكتب الفقهية، و هو المراد في قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و وَ ذَرُوا الْبَيْعَ و في قوله عليه السّلام في دليل خيار المجلس: «وجب البيع» و في قول الفقهاء: «كتاب البيع، أحكام البيع» و نحوها.

و الظاهر أن مقصود المصنف من التعرض لكلام المصباح هو بيان معنى المعاملة البيعية المقابلة لسائر المعاملات كالإجارة و الهبة و الصلح، فلذا يكون المناسب إرجاع ضمير «هو» الى البيع بهذا المعنى، لا بمعنى فعل البائع أو المشتري.

______________________________

إفاداته كجعل مآل عقد النكاح و المزارعة و المساقاة إلى الإجارة، و جعل القرض هبة و استئمانا، فراجع كلامه بتمامه زيد في علوّ مقامه.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 8، ص 23

(2) لسان العرب، ج 8، ص 23

ص: 14

الأصل كما عن المصباح (1)

______________________________

تعريف البيع لغة

(1) قال في المصباح: «و الأصل في البيع مبادلة مال بمال، لقولهم: بيع رابح و بيع خاسر، و ذلك حقيقة في وصف الأعيان، لكنه أطلق على العقد مجازا، لأنّه سبب التمليك و التملك، و قولهم: صح البيع أو بطل و نحوه: أي صيغة البيع، لكن لمّا حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه- و هو مذكّر- أسند الفعل إليه بلفظ التذكير» «1».

و يستفاد من كلامه: أن كلمة «البيع» تطلق على أمرين، أحدهما حقيقي، و هو المبادلة بين المالين، و ثانيهما مجازي، و هو العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول، من باب إطلاق اللفظ الموضوع للمسبّب على سببه. و على هذا فالمراد بالأصل بقرينة قوله: «أطلق على العقد مجازا» هو المعنى اللغوي الحقيقي الذي كان متداولا في الأيام السالفة بين عامّة الناس. و لعلّ الوجه في التنبيه على مجازية إطلاقه على العقد هو شيوع هذا الإطلاق بحيث ربما يتوهم كون البيع مشتركا بين المبادلة و العقد، أو كونه منقولا عن المعنى الأوّل إلى الثاني [1].

______________________________

[1] و قد يقال: بإمكان إرادة معنى آخر من الأصل «و هو ما كان متعارفا في الأيام السالفة من كون البيع عبارة عن مطلق المبادلة بين الأموال، بديهة أنّه لو كان غرض الفيّومي من هذه الكلمة هو اللغة لوجب أن يصدّر كلامه بلفظ الأصل عند شرح كل مادة ترد عليه. و قد وقع التصريح بما ذكرناه في لسان العرب و مجمع البحرين في مادة المال» «2».

لكن قد يشكل بأنّ كون البيع في الأيام السالفة عبارة عن مطلق المبادلة بين المالين لا ينافي إرادة الموضوع له من «الأصل» بعد مقابلته للمعنى المجازي بقوله: «ثمّ أطلق على العقد مجازا» لصلاحية هذه المقابلة للقرينية على إرادة المعنى بحسب الوضع الأوّلي من كلمة

______________________________

(1): المصباح المنير، ج 1، ص 69

(2) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 10

ص: 15

______________________________

«الأصل» بناء على تسليم كون اللغوي من أهل الخبرة بالأوضاع لا بمجرد موارد الاستعمال، كما هو غير بعيد بالنسبة إلى أئمة اللغة الّذين كان دأبهم استكشاف معاني الألفاظ من تتبع موارد الاستعمال و استعلامها من محاورات أهل البوادي و القرى بلا إعمال نظر من أنفسهم حتى يكون إخبارهم حدسيّا.

و أمّا الاستشهاد بما في لسان العرب و المجمع فلم يظهر صراحة كلاميهما في أنّ المراد بالأصل هو المعنى المتعارف في الأيام السالفة- لا المعنى الحقيقي اللغوي- قال في اللسان:

«قال ابن الأثير: المال في الأصل: ما يملك من الذهب و الفضة، ثم أطلق على كل ما يقتني و يملك من الأعيان، و أكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم» «1». إذ المذكور في هذه العبارة معان ثلاثة للمال، أحدها الذهب و الفضة، ثانيها كل عين متمولة. ثالثها الإبل. و حيث إن إطلاق المال على الأخيرين حدث في عصر متأخر بمقتضى قوله: «ثم أطلق» كان مقصوده من الأصل هو المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ أوّلا، ثم نقل الى وضع تعيني ثانيا و هو مطلق الأعيان المتموّلة.

و على هذا فلا يبعد أن يراد بالأصل في كلام المصباح و اللسان معنى واحد، و هو الموضوع له، و النكتة في تصدير الكلام بالأصل هو التنبيه على أنّ الموضوع له أوّلا مغاير لما يستعمل فيه اللفظ في عهد متأخر، و أنّ هذا المعنى الحادث إمّا مجاز بعلاقة السببية و المسببية كما في استعمال البيع في العقد، و إمّا حقيقي أيضا من باب النقل أو الاشتراك كما في إطلاق المال على كل عين متمولة. فلو لم يكن للفظ معان متعددة لم يكن وجه لتصدير المعنى بالأصل، كما لم نظفر بذلك في موارد وحدة المعنى. نعم عبارة المصباح لا تخلو من مسامحة سيأتي بيانها ان شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): لسان العرب، ج 11، ص 636

ص: 16

«مبادلة (1) مال بمال» (2).

______________________________

(1) فالبيع اسم للمبادلة التي هي الملتزم بها، لا للعقد الذي هو نفس الالتزامين المرتبطين، و من المعلوم مغايرة الالتزام للملتزم به، لكون الثاني نتيجة للأوّل، فإطلاق البيع على العقد مجاز بعلاقة التسبيب، كما تقدم في كلام المصباح بقوله: «ثم أطلق على العقد مجازا».

(2) قد تقدم آنفا كلام ابن الأثير في معنى المال، و نحوه عبارة مجمع البحرين، لكن فسّره في القاموس بأنّ «المال ما ملكته من كلّ شي ء» «1» و يحتمل التعميم لغير الأعيان، من المنافع و الحقوق، فيكون مخالفا لمن خصّه بالأعيان، كما يحتمل إرادة عدم اختصاص المال بالذهب و الفضة، و شموله لكل عين متموّلة، بلا نظر إلى إطلاقه على المنافع، و على هذا الاحتمال الثاني لا يختلف معنى «المال» بحسب اللغة، لكون «الأعيان» هي القدر المتيقن من «المال».

ثم إنّ مقتضى الجمود على تعريف المصباح اعتبار عينية كلا العوضين في صدق مفهوم البيع.

لكن الظاهر إطلاق المال على ما هو أعم من الأعيان، و صدقه على المنافع أيضا. و لو لم يكن المال حقيقة في الأعم فلا أقل من استقرار اصطلاح الفقهاء عليه، كما يظهر بمراجعة كلماتهم، و لذا حكم المصنف قدّس سرّه بجواز وقوع المنافع عوضا في البيع، و هو كاشف عن إطلاق المال عليها حقيقة كإطلاقه على الأعيان المتمولة. و كذا لا ريب في كون الإجارة من نواقل الملك، مع أنّ العوضين أو أحدهما من المنافع.

نعم تفترق الإجارة عن البيع من جهة المتعلق، فالبيع تمليك عين بعوض، و الإجارة تمليك منفعة كذلك. و سيأتي في المتن اعتبار عينية المبيع [1].

______________________________

[1] بقيت أمور تتعلق بتعريف المصباح:

الأوّل: أنّ المبادلة بين المالين قد تكون خارجية بحسب المكان و الزمان و نحوهما كجعل شي ء مكان آخر كتبديل ثوب برداء، و قد تكون اعتبارية. و لما كان البيع من نواقل الملك تعيّن إرادة المبادلة الاعتبارية في الإضافة القائمة بالمالين، لما أفيد من أنّها من سنخ

______________________________

(1): القاموس المحيط، ج 4، ص 52

ص: 17

______________________________

المعاني التي لا استقلال لها في التحصّل، بل لا بدّ أن تكون بلحاظ أمر كالحكومة و الرئاسة و الملكية، و حيث كانت مضافة هنا إلى المال- بما هو مال- علم منها إرادة التبديل المعاملي، و التسبب الى جعل شي ء مكان شي ء في الملكية أو الحقيّة أو المصرفية، و إن كان أظهر خواص البيع التمليك كما لا يخفى.

ثم إنّه بناء على كون الملكية إضافة اعتبارية، تتحقّق أمور ثلاثة، الأوّل: المضاف إليه، و هو المالك، الثاني: المضاف و هو المال، الثالث: نفس النسبة الخاصة و الإضافة المتحققة بين المالك و المملوك، المعبّر عنها بالملكية.

البيع تبديل الإضافة و طرفها و لا ريب في اقتضاء البيع- و سائر النواقل- التبديل في المضاف أعني به المالين المملوكين، فكلّ من المتعاملين يخلع يده عن ماله و يحلّ ربطه به و يشدّها بعوضه، إنما الكلام في أنّ البيع هل يقتضي بدليّة إحدى الإضافتين عن الأخرى بعد الفراغ عن اقتضائه بدليّة المضاف، أم يؤثّر في بدليّة المضاف خاصة و بقاء الإضافة على حالها؟ ذهب شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه إلى الثاني، و لأجله فسّر تعريف البيع «بالمبادلة بين مالين» بأنّه: تبديل أحد طرفي الإضافة بطرف إضافة أخرى، لا نفس تبديل إضافة بإضافة أخرى.

و محصل كلامه قدّس سرّه: أنّ التبديل إمّا أن يكون بين المالكين أو بين المملوكين، و لا معنى للتبديل بين الملكيتين، فالملكية الاعتبارية تكون كالخيط الذي أحد طرفيه بيد المالك، و طرفه الآخر بالمملوك، ففي باب الإرث يحلّ الربط الملكي عن المورّث و يشدّ بالوارث مع بقاء الربط و المال على حاليهما، و لذا لو كان المال متعلق حق الغير انتقل الى الوارث كذلك.

و في العقود المعاوضية- و كذا الخالية عن العوض كالهبة- يحدث التغيير في الطرف الآخر و هو المملوك، فيحلّ ربط المالك عن ماله و يشدّ بالعوض، و لا يحدث تغيير في المالكين و لا الملكيتين. و هذا هو المقصود من اقتضاء البيع بدلية أحد المضافين عن الآخر،

ص: 18

______________________________

لا بدلية إحدى الملكيتين عن الأخرى.

و يدل عليه أمران، أحدهما: أنّ نفوذ تصرف المالك في ماله بالتصرفات المشروعة يستند إلى قاعدة السلطنة، و من المعلوم أنّ المجعول هو السلطنة على الأموال لا على الملكية الاعتبارية الكائنة بين الملّاك و أموالهم، فلو اقتضى البيع تبديل ملكية بملكية أخرى- لا تبديل مملوك بمثله- لزم إثبات سلطنة المالك على ملكيته، و الملكية هي السلطنة على أنحاء التصرفات في المال، و لا معنى للسلطنة على السلطنة، لما عرفت من أنّ موضوع مثل «الناس مسلطون على أموالهم» هو الأموال لا الأحكام. و لعلّه لهذا يقال بعدم زوال الملكية بالإعراض، إذ لا دليل على ثبوت سلطنة المالك على إزالة ملكيته عن ملكه، و لذا لم يبن الجلّ لو لا الكل على مشرّعية قاعدة السلطنة.

ثانيهما: أنّ الوجدان حاكم بأن فعل المتبايعين نقل الأموال، لا نقل الملكية القائمة بها، فالبائع يعطي المثمن، لا أنه يعطي واجديّته له، و المشتري أيضا يعطي الثمن لا واجديته له.

و كذا الحال في الهبة الخالية عن العوض، فإنّ الواهب ينقل ماله الى المتّهب في عالم الاعتبار، و لازمه انعدام الإضافة الاعتبارية، و حدوث إضافة أخرى بين المتهب و العين الموهوبة، لا أنّ فعل الواهب- ابتداء- نقل إضافته إلى المتهب. هذا محصل ما أفاده مقرر بحثه الشريف «1».

و الإيراد عليه بالنقص «تارة ببيع الكلي الذي لا ريب في صحته مع أنّه لا نقل فيه من طرف إضافة البائع إلى طرف إضافة أخرى، لعدم كونه مملوكا له. و اخرى ببيع آلات المسجد بالغلّة الموقوفة عليه، لعدم خروج شي ء عن طرف إضافة ملكية الى طرف إضافة ملكية اخرى» لعلّه نشأ من عدم ملاحظة تمام كلامه، و أنّ تعريف البيع بتبديل طرفي الإضافة مخصوص بالبيوع المتعارفة بين الملّاك، و مورده الأعيان الخارجية، فموردا النقض خارجان عن حدّ التعريف المتقدم. أمّا بيع الكلّي فقد قال فيه المحقق النائيني: «ليس المعتبر في البيع إلّا كون

______________________________

(1): المكاسب و البيع للعلّامة الحجة الشيخ الآملي، ج 1، ص 86، 87

ص: 19

______________________________

المبيع منتقلا عن البائع إلى المشتري، و هو حاصل بالبيع، و لا يكون لاعتبار الأزيد منه دليل حتى يكون الالتزام به موجبا للإشكال» «1». نعم في تملك البائع للكلي بنفس البيع أو قبله آنا ما كلام لعلّه سيأتي التعرض له في اعتبار عينية المبيع.

و أمّا بيع وليّ الموقوفة فقد أفاد في حلّه بقوله: «إنّ الملكية المعتبرة في البيع عبارة عن السلطنة على البيع، و لذا يصح بيع الولي لماله الولاية على بيعه، مع أنه ليس ملكا له، و المراد بالملك في قوله:- لا بيع إلّا في ملك- هو السلطنة على البيع ..» «2».

نعم يشكل المساعدة على جملة ممّا أفاده الميرزا قدّس سرّه.

منها: «جعل البيع تبديل طرفي الإضافتين، على خلاف باب الإرث الذي يتبدل فيه المضاف إليه بمضاف إليه آخر، مع بقاء نفس الإضافة و المضاف و هو المال على حاليهما، فالبائع يحلّ ربطه بالمثمن و يعقده بالثمن». و وجه الاشكال فيه: أنّ القابل للنقل و إن كان هو المضاف لا الإضافة القائمة به، إلّا أنها تزول قطعا بزوال أحد طرفيها، إذ الإضافات تتشخّص بأطرافها، فحلّ الإضافة من طرف المملوك- و هو المبيع- مع بقائها في طرف المالك- أعني به البائع- محال، ضرورة امتناع بقاء الإضافة المتقومة بطرفين بعد ارتفاع أحدهما، فإذا خرج المبيع عن ملك البائع فلا محالة تزول الإضافة عن البائع أيضا، لتقوّمها به و بالمبيع، فتحدث إضافة أخرى قائمة بالبائع و بالثمن. و كذا الحال في المشتري. و ذلك لتضايف المالكية و المملوكية، و هما متكافئتان في القوة و الفعل. فكما لا يعقل بقاء المملوك بلا مالك- و لو كان كليّا، كما في مالكية السادة للخمس، و الفقراء للزكاة- فكذا لا يعقل بقاء المالك بلا مملوك، فكيف تبقى إضافة المالكية للبائع بعد زوال إضافة المملوكية عن المبيع؟ و عليه فلا بد من الالتزام بتبدل نفس الإضافة القائمة بالبائع و المبيع أيضا، و حدوث إضافة مثلها قائمة بالبائع و الثمن.

و منه يظهر حكم باب الإرث، لاستحالة بقاء المملوكية و الملكية مع انخلاع يد

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 1، ص 89

(2) المكاسب و البيع، ج 1، ص 89

ص: 20

______________________________

المورّث و قيام الوارث مقامه، فلا بد من حدوث إضافة جديدة أيضا بين الوارث و مال المورّث.

و منها: «الاستدلال على مدّعاه بقاعدة السلطنة و كون الملكية هي السلطنة».

و وجه غموضه أوّلا: منع كون الملك سلطنة، بل هي من لوازمه و آثاره، كما تثبت في غير الملك أيضا على ما سيأتي ان شاء اللّه تعالى في بحث الحقوق من افتراق أحدهما عن الآخر كما في ملك الصبي المحجور عن التصرف في ماله، و سلطنة ولي الموقوفة على التصرف الناقل عند طروء المسوّغ. و كذا عدّ الماتن قدّس سرّه بعض الحقوق سلطنة، مع اختلاف إضافتي الملكية و الحقيّة سنخا. و الاستشهاد بحديث السلطنة غير ظاهر، إذ لو كانت الملكية هي السلطنة- كما تكرر في كلماته- كان الحديث مسوقا لتوضيح الواضح أعنى به «الناس مالكون لأموالهم». و هو مما يأباه الذوق السليم. مضافا الى عدم التزامهم به كما سيأتي تفصيله في أدلة مملكية المعاطاة إن شاء اللّه تعالى. فالصحيح أنّ السلطنة من أحكام الملك لا نفسه، لأنّ المسلّط عليه ليست المباحات الأصليّة، بل بقرينة إضافتها إلى الملّاك هي الأموال المملوكة لهم، فالمقصود كون المالك سلطانا على أنحاء التصرفات المشروعة في ماله و لو بإخراجه عن الملك ببيع أو هبة أو إعراض.

و ثانيا: أنّ المحذور الذي ألجأ هذا المحقق الى جعل البيع تبديل طرفي الإضافة- لعدم سلطنة الناس على الملكية التي هي السلطنة، بل متعلقها الأموال- يترتب على كلامه أيضا، و ذلك لأنّ مقتضى تفسير الملكية بالسلطنة إثبات طرفيها و هما السلطان و المسلّط عليه أي المالك و المملوك، فخلع المال عن طرفية السلطنة تصرّف في موضوعها، و المفروض أن الناس مسلّطون على أموالهم لا على سلطانهم، فلا يتكفل الحديث التصرّف في نفس السلطنة القائمة بطرفين، و المفروض ارتكاب التصرف قهرا بإخراج المسلّط عليه عن طرفية السلطنة، و لازمه كما مرّ آنفا انتفاء أصل السلطنة، مع أنّ إعدام السلطنة ليس مدلول الحديث كما اعترف به.

ص: 21

______________________________

و منها: تفسير الملكية تارة بالجدة كما في قوله: «فالبائع يعطي المثمن لا واجديته له» و اخرى بالإضافة مكرّرا. و التنافي بين الجدة الاعتبارية و الإضافة الاعتبارية واضح، فإمّا أن تكون الملكية اعتبار مقولة الجدة تنزيلا لها منزلة الملكية الحقيقية المفسّرة في كلمات بعضهم بالجدة و ب «له»، و إمّا تكون اعتبار مقولة الإضافة كما مال إليها بعض المحققين قدّس سرّه.

و قد تحصّل: أنّ البيع يفيد بدلية المضاف و المضاف إليه و الإضافة، لما عرفت من أنّ الملكية- و نحوها- من البسائط المتقومة بطرفيها، و يستحيل تبدل الطرف و بقاء الإضافة. و الأمور الاعتبارية و ان افترقت عن المقولات و الحقائق المتأصلة، إلّا أنّها مشاركة لها في جملة من الأحكام كما لا يخفى، و لا فرق في استحالة بقاء الإضافة بدون المضاف بين المقولية و الاعتبارية.

المبادلة بين المالين تحصل بإنشاء البائع الأمر الثاني: أن المبادلة- التي هي البيع حقيقة- هل تتحقق بفعل البائع أم تتوقف على فعل المشتري أيضا؟ الظاهر ذلك، لأنّ ما ينشؤه البائع هو المبادلة، غاية الأمر أن تأثير إنشائه منوط بقبول المشتري.

و بعبارة أخرى: جعل كلّ من المالين قائما مقام الآخر و تلوّن كل منهما بلون الآخر يتحقق بإيجاب البائع، لأنّ تبديل المبيع بالثمن يستلزم العكس، لكون البدلية من المتضايفات، فصيرورة المبيع بدلا توجب بدليّة الثمن أيضا عن المبيع، فإنشاء البائع يوجب اتصاف كل من المالين بالبدلية. لكن تعارف التعبير عن أحدهما بالمعوّض و عن الآخر بالعوض، من جهة أنّ الملحوظ في إنشاء البيع- غالبا- مبدلية المبيع و أصالته، و بدليّة الثمن عنه، كما يدلّ عليه دخول الباء في الثمن في قول البائع: بعتك هذا بدينار مثلا.

و الحاصل: أنّ عنوان المبادلة و المعاوضة يقتضي اتصاف كل منهما بالبدلية. فباب المعاوضة يكون نظير الأبدال العرضية، كخصال الكفارة المخيّرة، لا الأبدال الطولية كالكفارة

ص: 22

______________________________

المترتبة، و الأبدال الاضطرارية كالصلوات العذرية، فإنّها و إن اتصفت بالبدلية، لكن لا تتصف مبدلاتها- و هي الصلوات الاختيارية- بالبدلية، لأنّها واجبات أوّليّة، و ليست هي أبدالا عن الصلوات الاضطرارية التي هي واجبات ثانوية كما لا يخفى.

لا يختص المبادلة في البيع بالإضافة الملكية الأمر الثالث: قد ظهر أنّ المبادلة البيعية تكون في الإضافة المالكية غالبا، و هل يتوقف صدق مفهوم البيع على هذه المبادلة الخاصة بحيث لولاها لم يكن المنشأ بيعا بل معاملة أخرى، أم أنها غير دخيلة في تحقق العنوان؟ الظاهر عدم اعتبار وقوع المبادلة في خصوص إضافة الملكية، لصدق مفهوم البيع على نقل الأعيان الموقوفة العامة بعوض- عند طروء المسوّغ لبيعها- لعدم كون الوقف العام ملكا لأحد، و المتولي الخاص أو الحاكم الشرعي و إن كان سلطانا على البيع، إلّا أنه لا مالك في البين. و كذا في بيع الحاكم الأجناس الزكوية أو حق الامام عليه السّلام، أو اشترى به شيئا- بناء على عدم صيرورته ملكا لأحد، بل جعل لمصرف خاص، فالمبادلة تكون بين إضافة مصرفية من طرف، و إضافة ملكية أو غيرها من طرف آخر.

و عليه فأخذ التمليك في حدّ البيع منزّل على الغالب، و ليس لحصر المفهوم فيه.

اعتبار مالية العوضين و كيف كان فهل يعتبر مالية العوضين في صدق البيع عرفا أم لا؟ و على الأوّل فهل اللازم الاتصاف بها قبل إنشاء المعاملة أم يصح البيع و لو صار مالا بنفس البيع كما هو مبنى التشكيك في مالية عمل الحر قبل المعاوضة عليه، و عدم وقوعه ثمنا في البيع أم تكفي ماليته مطلقا؟ الظاهر اعتبار مالية العوضين و إن كان الاتصاف بها بعد البيع، لصدق المبادلة بين مال و مال، فليتأمل.

و أمّا إنكار أصل المالية بدعوى: «أن المدار على صدق المعاوضة بين شيئين سواء أ كانا

ص: 23

______________________________

مالا عند العقلاء أم لا كالحشرات، فإذا لم يكن المبيع مما يرغب فيه النوع الذي هو المناط في مالية الأشياء لا الرغبات الشخصية و اشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. كما إذا اشترى أحد تصوير جدّه أو خطّه لرغبته في حفظه، و لم يكن بنظر العقلاء يساوي فلسا صحّ شراؤه.

و المعاملة و إن كانت سفهية، إلّا أنّه لا دليل على بطلانها، بعد ما شملتها أدلة الإمضاء، و الفاسد شرعا معاملة السفيه من جهة الحجر لا المعاملة السفهية. و عليه فأخذ المال في تعريف المصباح مبني على المسامحة، إذ لا تعتبر المالية فيه عرفا و شرعا، و لو سلّم قيام الدليل الشرعي على اعتبار المالية فيه كان ذلك حكما تعبديا غير مرتبط بمفهوم البيع حتى يؤخذ في تعريفه» «1».

فلا يخلو من غموض، و دعوى دخل المالية في مفهوم البيع عرفا قريبة جدّا، و دخلها شرعا في الصحة و النفوذ ليس لتعبد خاص، بل لتوقف صدقه على ذلك، لأنّ المقصود بالبيع هو المعاملة الاعتبارية التي يتداولها العقلاء لغرض تسديد حوائجهم و تمشية أمورهم، و هذا هو موضوع أدلة الإمضاء، و من المعلوم أنّ ما لا يتنافس العقلاء على اقتنائه و لا يرغبون في تحصيله لعدم ترتب فائدة عليه لا يتعاملون عليه، إذ لا غرض يتعلق بالمبادلة بين ما يكون فاقدا لمناط المالية، فيصح سلب عنوان البيع عن تبديل مقدار من الثلج بمثله في فصل الشتاء في منطقة جليدية، و عن تبديل كأس من ماء النهر بمثله على الشاطئ، و نحو ذلك، بل نفس هذا التبديل لغو بحيث لو صدر من بعضهم كان سفهيّا.

و الحاصل: أنّ البيع ماهية اعتبارية تدور في كل مورد مدار اعتبار العقلاء و تبانيهم، و ليس التبديل بين ما لا يتعلّق غرضهم بتحصيله بيعا. و حيث اعتبر مالية العوضين في صدق مفهومه فدخلها في البيع النافذ شرعا أمر مفروغ عنه. و لا أقل من كون الشبهة مفهومية، و لا مجال حينئذ للتمسك بالإطلاقات.

هذا بحسب الكبرى. و أما خصوص المثال المذكور في كلامه قدّس سرّه من بذل الثمن بإزاء

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 24

ص: 24

______________________________

اقتناء خط الجدّ و نحوه فيمكن أن يقال: بكونه بيعا، لوجود مناط المالية- و هو الرغبة النوعية- فيه، إذ من المتعارف- لا سيّما في هذا العصر- بذل المال الكثير لاقتناء آثار السلف كتراث يتحفّظ عليه، فشراء شخص خطّ جدّه لا يعدّ بنظر العقلاء سفهيّا بل هو أمر جرت سيرتهم عليه، لما عرفت من أن ما يوجب انحفاظ الخصوصيات و صفات الأب و الجد أو غيرهما- ممّن له علقة طبيعية أو معنوية بمن يطلب تصويره أو خطّه أو سائر آثاره- مال قطعا. و لو نوقش في صدق البيع عليه أمكن جعلها معاملة مستقلة.

و عليه فتعريف المصباح من جهة أخذ المال فيه سليم عن المناقشة.

نعم نوقش فيه بوجوه أخرى:

مناقشات في تعريف البيع بالمبادلة بين المالين أ- أعمية المال من العين و المنفعة منها: ما في حاشية السيد قدّس سرّه من قوله: «ثم لا يخفى ما في تعريف المصباح من المسامحة، لأنّ مطلق مبادلة مال بمال لا يكون بيعا، و إلّا فالصلح و الإجارة و نحوهما كذلك. و أيضا البيع ليس مبادلة بل تمليك عين بعوض .. و أيضا يعتبر أن يكون المبيع عينا، و المال أعم، فيعلم من هذه أنه ليس بصدد بيان الحقيقة إلّا في الجملة ..» «1».

أقول: لا ريب في عدم كون شأن اللغوي تحديد المفهوم من جميع الجهات، خصوصا في الأمور الاعتبارية التي هي من البسائط الفاقدة للجنس و الفصل و نحوهما ممّا يبيّن حقيقة الشي ء و يكشف عنه، كما اعترف السيد قدّس سرّه بذلك في آخر كلامه.

لكن لو فرض كون تعريف المصباح لفظيا لم يرد عليه بعض ما أورده السيّد عليه.

أما الإشكال الأوّل فلا يخلو من تهافت مع الثالث، و ذلك لابتناء النقض بالإجارة على فرض أعمية المال من العين، فلو قيل باختصاصه بها- كما هو مبنى الاشكال الثالث- لم ينتقض

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 53

ص: 25

______________________________

تعريف المصباح بالإجارة، لفرض عدم كونها مفيدة لتمليك العين سواء قيل في تعريفها بأنها تمليك منفعة بعوض، أم بأنها التسليط على العين لاستيفاء منفعتها كما اختاره السيد في العروة.

و على كلّ لا تقع العين طرفا للتمليك إلّا بناء على جعل حقيقة الإجارة «تمليك العين في جهة خاصة» في قبال البيع المفيد لملك العين من جميع الجهات، لكنه لا يخلو من بحث سيأتي التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

و الحاصل: أنّ النقض بالإجارة موقوف على أعمية المال من العين، كما هو مبنى الاشكال الأوّل، فلو قيل باعتبار كون المبيع عينا و هو الصحيح- كما أفاده في الاشكال الثالث- لم يبق مجال للنقض بالإجارة كما هو واضح.

و أمّا النقض بالصلح فغير ظاهر أيضا، لما تقدم في ما يتعلق بكلام المحقق الإيرواني قدّس سرّه من أنّ المناط في العناوين المعاملية القصدية هو المنشئات لا النتائج المترتبة عليها، و لمّا كان المنشأ بعقد الصلح نفس التسالم- مهما كان المتسالم عليه- لم ينتقض تعريف البيع به.

و أما الإشكال الثاني- و هو كون البيع تمليكا لا مبادلة- فنوقش فيه بظهور التمليك في المقابلة بين التسليطين لا المالين، و حيث إنّ السلطنة حكم شرعي موضوعه الأملاك لا الأحكام، فإنّ الناس مسلطون على أموالهم لا على أحكامهم، لم تكن قابلة للنقل الى الغير حتى يكون البيع نقلا لها، و إنما القابل له طرف الإضافة و هو المال، و إلّا فالسلطنة و الملكية كجواز شرب الماء أحكام شرعية ليست ممّا يتعلق به السلطان حتى تنتقل إلى الغير «1». هذا محصّل ما في تقرير بحث المحقق النائيني قدّس سرّه.

لكن يمكن أن يقال: بأنّه إن أريد بالتمليك إحداث السلطنة التي هي حكم شرعي، اتجه الاشكال عليه، لكونه نظير إحداث جواز شرب الماء، و هو غير قابل للنقل إلى الغير. و إن أريد به الإضافة الاعتبارية المعبّر عنها بالملكية فالظاهر جواز نقلها إلى الغير بما جعله الشارع ناقلا لها، كما لا مانع من سلبها عن نفسه بالإعراض بناء على زوال الملك به. و المبادلة البيعية و إن

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 34

ص: 26

______________________________

كانت بين المالين، إلّا أنّ أشخاص الملكيات و الإضافات تتغيّر أيضا بعد ما تقدم من تشخّص كل إضافة بطرفيها، و من عدم كون السلطنة هي الملكية بل من آثارها.

نعم يمكن منع إشكال السيد قدّس سرّه بعدم كون إنشاء التمليك جامعا لجزئيات البيع، لاختصاصه بما إذا نقل الملك. و أمّا في مثل بيع العبد تحت الشّدة و بيع آلات البناء لتعمير القناطر و الخانات و المساجد بسهم سبيل اللّه من الزكاة، فلا تمليك في البين إلّا على توجيه لا يخلو من تكلّف.

و على هذا فلو كان مقصود الفيّومي من تعريف البيع بالمبادلة خصوص التبديل الملكي كان إشكال عدم جامعية التعريف باقيا عليه. و لو كان مراده ما هو أعم من ذلك، أي قيام كل منهما مقام الآخر فيما له من الأوصاف- نظير التنزيلات الشرعية كتنزيل الطواف منزلة الصلاة في مالها من الأحكام و الآثار- كان متينا. كما لو باع المتولّي العين الموقوفة- عند طروء مسوّغ بيعها- فإنّها تصير ملكا للمشتري و تكتسب لون الثمن و هو الملكية، كما يكتسب الثمن لون المبيع و يصير وقفا، و من المعلوم كون المبادلة حيثية و إضافة قائمة بالمالين، و هذه الحيثية دعت الى تفسير البيع بالمبادلة. هذا إذا كان مقصود السيد قدّس سرّه أخذ التمليك في مفهوم البيع من جهة كونه من العقود المعاوضية الناقلة للملك.

و إن كان مقصوده لحاظ حيثية إضافة الفعل الى فاعله و مبدأ صدوره و هو البائع المتصدّي لتبديل الإضافة الاعتبارية من دون دخل لقبول المشتري إلّا في التنفيذ و الإمضاء- و هذا يناسبه التعبير بالتبديل دون المبادلة- فسيأتي بيانه في إشكال صاحب الكفاية إن شاء اللّه تعالى.

ب- البيع تبديل بين مالين لا مبادلة بينهما و منها: ما أورده المحقق الخراساني قدّس سرّه على تعريف المصباح بقوله: «التعبير بالمبادلة لا يخلو من مسامحة، و حقّه أن يقال: تبديل مال بمال، فإنه من فعل الواحد، لا الاثنين،

ص: 27

______________________________

فافهم» «1».

و محصله: أن المنسوب إلى مشهور علماء العربية في الفرق بين بابي المفاعلة و التفعيل دلالة الأوّل على قيام المبدأ باثنين و اشتراكهما في صدور الفعل كما هو ظاهر مثل «ضارب زيد عمروا» و تلبسهما بالضرب معا، بخلاف الفعل الثلاثي المجرّد من هذه المادة مثل «ضرب زيد عمروا» الظاهر في قيام المبدأ صدورا بزيد و وقوعا بعمرو. و دلالة الثاني- و هو التفعيل- على قيام الفعل بالفاعل مع لحاظ حيثية التعدية إلى الغير. و حيث إنّ إنشاء البيع يكون بيد البائع فقط و لا دخالة للمشتري فيه سوى الإمضاء كان المناسب التعبير بالتبديل لا المبادلة الظاهرة في تصدّي كلّ من الموجب و القابل لها، هذا.

و اعترض عليه تلميذه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بوجهين، يبتني أحدهما على تصحيح التعبير بالمبادلة على مختار مشهور علماء الأدب، و ثانيهما على مبنى آخر ابتكره في مدلول هيئة المفاعلة و التفاعل.

و محصل هذا الوجه الثاني: أن باب المفاعلة وضع للدلالة على مجرّد تعدية المادة و إنهائها الى الغير من غير فرق بين الأفعال اللازمة و المتعدية، فإنّ صوغها من باب المفاعلة يدل على أنّ حيثية إنهاء المادة إلى شخص آخر ملحوظة فيها. و استشهد على مدعاه بعديد من استعمالات هذه الهيئة في الكتاب العزيز و غيره مع عدم صحة إفادة الاشتراك في المبدأ، أو عدم إرادته، و قد تصدى قدّس سرّه لإثبات مرامه ببيان أو في في تعليقته الأنيقة على الكفاية «2» و قد تعرضنا له و لما يتعلق به في رسالة لا ضرر، فراجع «3».

و لهذا فالأولى الاقتصار هنا على ما أفاده في الوجه الأوّل من الاشكال قال قدّس سرّه: «و يمكن أن يقال: ان التبديل مجرد جعل شي ء ذا بدل، سواء كان له مساس بالغير أم لا، و المبادلة

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 3

(2) نهاية الدراية، ج 2، ص 317، الطبعة الحجرية.

(3) منتهى الدراية، ج 6، ص 566 الى 573

ص: 28

______________________________

تكون بهذا المعنى مع المساس بالغير، و ينسب الفعل المشتق منها إلى من هو الأصيل في التبديل كالموجب في البيع، و مع الأصالة في الطرفين ينسب إليهما التبادل كما هو الفارق بين المفاعلة و التفاعل في فنّ الأدبية، فتبيّن وجه التعبير عن البيع بالمبادلة دون التبديل ..» «1».

أقول: الظاهر أولوية تعريف البيع بالمبادلة سواء أريد به المعاملة البيعية أم فعل البائع و إنشاؤه. أمّا على الأوّل- كما هو الظاهر، إذ المقصود تعريف البيع و تمييز حقيقته عن سائر العقود المالية- فواضح، لقيام هذه الماهية الاعتبارية بطرفين و بمالين و لو كان قبول المشتري مجرد إمضاء و مطاوعة لإيجاب البائع.

و أما على الثاني فلأنه لا بدّ من وفاء التعريف بما يكون دخيلا في المعرّف، و هو في المقام أمران، أوّلهما: أنّ الملحوظ حين إنشاء البيع- غالبا- هو مبدلية المبيع و أصالته، و بدلية الثمن عنه، حيث يعتني المشتري بخصوصية المبيع. لا مجرّد ماليته، بخلاف البائع الذي لا يهمّه إلّا حفظ مالية ماله. فالبيع يمتاز عن سائر المعاوضات بهذه الجهة.

ثانيهما: أن البيع و إن كان من العقود القائمة بطرفين، إلّا أنّ إنشاء ماهيّته يكون بيد البائع، و شأن المشتري المطاوعة و الإمضاء، لا إحداث فرد آخر من المبادلة الاعتبارية.

و المتكفل لهذين الأمرين هيئة المفاعلة لا التفعيل، فإنّها تدل على قيام المبدأ بطرفين مع حيثية أخرى لا تتكفلها هيئة التفاعل بعد تضمن كلا البابين للاشتراك في المادة، و الفارق- كما نسب الى مشهور علماء الأدب- دلالة المفاعلة على انتساب المادة إلى أحدهما بالأصالة و إلى الآخر بالتبع، كما في «ضارب زيد عمروا». و دلالة التفاعل على استواء نسبتهما إليها بلا أصالة من أحدهما و تبعية من الآخر كما في: تضارب زيد و عمرو.

و عليه فتعريف البيع بالمبادلة يدلّ على أنّ الأصيل في التبديل هو البائع، و يكون قبول

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 2

ص: 29

______________________________

المشتري تبديلا ضمنيا تبعيا، فحيثية الأصالة و التبعية الملحوظة في الإيجاب و القبول مدلول عليها بهيئة المبادلة.

و من المعلوم قصور «التبديل» عن إفادة دخل هذه الحيثية في البيع، لما أفاده المحقق الأصفهاني- و يظهر بمراجعة اللغة- من أن التبديل مجرّد جعل الشي ء ذا بدل و لو بتغيير هيئته كتغيير صورة الخاتم بالحلقة، و تغيير صورة الثوب بالرداء، و هذا لا ربط له بالبيع القائم بطرفين. قال في لسان العرب: «و تبديل الشي ء تغييره و إن لم تأت ببدل. و الأصل في التبديل:

تغيير الشي ء عن حاله. و الأصل في الإبدال: جعل شي ء مكان شي ء آخر .. و بادل الرجل مبادلة و بدالا: أعطاه مثل ما أخذ منه ..» «1».

و على هذا فالبيع و إن كان فعل البائع، لكن المفروض مساسه بالغير و هو المشتري، و الدال على هذه الحيثية- مع الأصالة و التبعية- هي هيئة المفاعلة لا التبديل.

كما أنه تستفاد حيثية كون المبيع أصلا و الثمن بدلا من حرف الجر في «بمال» فإنّها للعوض، فتدل على مبدلية المال الأوّل و بدلية المال الثاني عنه. هذا لو لم يدل نفس هيئة المبادلة على لحاظ معوّضيّة المبيع و عوضيّة الثمن، و إلّا كان الدال على هذه الحيثية أمرين أحدهما هيئة المبادلة و ثانيهما حرف الجرّ.

و الحاصل: أنّ تعريف المصباح يتكفل الأمور المعتبرة في البيع من قيامه بطرفين، و كون إنشائه بيد البائع، و من ملاحظة المبيع أصلا و الثمن بدلا، كما ظهر قصور تعريفه بالتبديل عن إفادتها.

و لا فرق فيما ذكرناه- من أولوية المبادلة من التبديل- بين المصير الى ما هو المشهور بين علماء العربية من دلالة المفاعلة على نسبة المادة إلى أحد الطرفين أصالة و إلى الآخر تبعا،

______________________________

(1): لسان العرب، ج 11، ص 48

ص: 30

[اختصاص المبيع بالأعيان]

و الظاهر (1) اختصاص المعوّض

______________________________

اختصاص المبيع بالأعيان

(1) أي: الظاهر من إطلاق «البيع» اختصاص المعوّض بالعين، و مقصوده قدّس سرّه تصحيح تعريف المصباح و عدم كون مطلق مبادلة مال بمال آخر بيعا، بل البيع مبادلة عين متمولة بمال آخر، و يستفاد اعتبار عينية المبيع من نفس عنوان البيع، بحيث لو قال المتكلم: «بعت» استفيد منه نقل عين، و لو قال: «بعت عينا» كان تأكيدا لما دلّ عليه مادة البيع. و لو قال: «بعت كتابا» كان ذكر المبيع لأجل تعيينه، لا لتوقف صحة إطلاق البيع على ذكره حتى يتوهم أعمية المفهوم من تمليك العين و المنفعة.

و الغرض من هذا البحث تحديد موضوع الأدلة المتكفلة لإمضاء البيع و أحكامه و شرائطه، مثل «البيع حلال» و «وجب البيع» إذ يحتمل إرادة المعاوضة التي يكون العوضان عينين، كما يحتمل إرادة ما يكون المعوّض فيه عينا سواء أ كان العوض عينا أم منفعة أم حقّا قابلا للنقل إلى الغير.

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ «المال» إما أن يختص بالأعيان ذوات المنافع كما تقدم عن ابن الأثير، و يترتب عليه اعتبار عينية كلا العوضين كما ذهب إليه الوحيد البهبهاني قدّس سرّه لعدم صدق المال على المنافع، و لا أقلّ من الشك فيه. و إمّا أنّ يعمّ المنافع كسكنى الدار و ركوب الدابة و خياطة الثوب. و على هذا الاحتمال الثاني يبتني استظهار

______________________________

و بين ما اختاره نجم الأئمة في شرح الشافية من إنكار هذه الدلالة رأسا، و ظهورها في مجرد المشاركة في المبدأ «1». و ذلك لدلالة الباء الجارة على حيثية معوّضيّة المبيع و أصالته، و بدلية الثمن و عوضيّته عنه.

______________________________

(1): شرح الشافية، ج 1، ص 96

ص: 31

..........

______________________________

المصنف قدّس سرّه اختصاص المعوّض بالعين، لتصريحه بجواز وقوع المنفعة عوضا في البيع، مع وضوح اعتبار المالية في كلّ من الثمن و المثمن.

و لأجل صدق المال على المنافع تصدّى لتمييز البيع- من ناحية المتعلق- عن الإجارة و نحوها من العقود المالية، و قال باعتبار كون المعوّض عينا.

و هذه الدعوى تتوقف على أمرين مسلّمين:

أحدهما: أنّ المتبادر إلى الأذهان في هذه الأعصار من «البيع» هو تمليك العين لا مطلق المال.

ثانيهما: إحراز ذلك في عصر التشريع حتى يحمل إطلاق «البيع» في الأدلة على تمليك خصوص العين، و عدم إطلاقه على تمليك المنافع إلّا بالمسامحة.

و كلا الأمرين مسلّم. أمّا الأوّل فلوجهين: التبادر و صحة السلب، و هما من علائم الحقيقة و المجاز. أمّا التبادر فلأنّ المنسبق من إطلاق «البيع» و مشتقاته هو مبادلة عين بمال، و يكفيه شاهدا تعريفه في كتب الفقهاء بذلك، و جلّهم من أهل اللسان. و أمّا صحة السلب، فلاعترافهم بمجازية استعمال البيع في تمليك المنافع، كما إذا أنشأ تمليك سكنى الدار بقوله: «بعتك سكناها سنة بكذا» و هذا كاشف عن صحة سلب عنوان «البيع» عن تمليك غير الأعيان من الأموال، و عن مجازية إطلاق البيع على تمليك غير الأعيان.

و أما الثاني- أعني به إحراز كون معنى البيع في عصر التشريع تمليك الأعيان- فلأصالة عدم النقل الجارية في معاني اللغات عند الشك في الموضوع له سابقا، و أنّه هل هو المعنى المتبادر من اللفظ فعلا أم أنّه نقل المعنى الفعلي عن الوضع الأوّلي؟ فبناؤهم على التمسك بأصالة عدم النقل لإثبات وحدة المعنى. و عليه يحرز كون معنى «البيع» الوارد في الأدلة الشرعية هو المنسبق الى أذهاننا من تمليك خصوص العين، لا كلّ ما يملك و إن لم يكن عينا.

ص: 32

بالعين (1)

______________________________

هذا منشأ استظهار المصنف قدّس سرّه اختصاص المعوّض بالعين، و قد ظهرت المسامحة في تعريف المصباح، حيث أطلق كلمة «المال» و لم يقيّده- في جانب المعوّض- بالعين.

(1) قد تطلق «العين» و يراد بها ما يقابل الكلّي، أي الأعيان الخارجيّة، و قد تطلق و يراد بها ما يقابل المنفعة و الحق، و المراد بها هنا المعنى الثاني، سواء أ كانت موجودة بالفعل أم ممّا يمكن أن يوجد في المستقبل، فالعين في المقام هي ما إذا وجدت خارجا كانت جسما، و في قبالها المنفعة التي هي عرض قائم بالعين، و حيثيّة فيها توجب بذل المال بإزائها كسكنى الدار و خياطة الثوب و بناء الدار و نحوها.

و الدليل على عموم «العين» للشخصية و الكلية و عدم اختصاصها بالجزئيات الخارجية هو تسالمهم على جواز كون المبيع كلّيا في موارد:

الأوّل: بيع الكلّي في المعيّن، كصاع من صيعان صبرة الحنطة بدينار، فإنّ الصاع منتشر في الصّبرة، و يتعيّن بعد البيع في مقام الوفاء بالعقد.

الثاني: بيع الكلّي المشاع، كبيع نصف الدار بمائة دينار، إذ لا تعيّن للنصف قبل الإفراز و التقسيم، و يتعيّن بالتقسيم.

الثالث: بيع الكلّي الذّمي، و هو على أنحاء، فتارة يكون المبيع كلّيا ثابتا في ذمة غير البائع، كما إذا كان زيد مالكا لمنّ من الحنطة في ذمة عمرو، فيبيعه زيد من بكر، فتشتغل ذمة عمرو لبكر بعد ما كانت مشغولة لزيد. و أخرى يثبت الكلي في ذمة البائع، إمّا بأن يسلّم المبيع حالّا، كم إذا باع زيد منّا من الحنطة، الموصوفة بكذا من عمرو، و يسلّمه بعد العقد. و إمّا بأن يسلّم المبيع بعد مضيّ زمان، كما هو الحال في بيع السلف، كما إذا باع زيد في ذمة نفسه منّا من الحنطة على أن يسلّمها بعد ستة أشهر مثلا.

و صحة البيع في هذه الموارد كاشفة عن عدم اعتبار كون المبيع عينا خارجية متشخصة، بل يكفي وجودها في المستقبل، و لو وجد كان عينا لا عرضا لعين.

ص: 33

فلا يعمّ (1) إبدال المنافع بغيرها (2)، و عليه (3) استقرّ اصطلاح الفقهاء (4).

______________________________

(1) هذا متفرّع على اختصاص المبيع بالعين، يعني: أنّ إبدال المنافع و تمليكها ليس بيعا، بل هو إجارة، فتمليك منفعة الدار- و هي سكناها مدّة عام مثلا سواء أ كان العوض عينا كالدينار و الكتاب، أم منفعة كخياطة الثوب- ليس بيعا، بل لا بد من إنشائه بما يدل على نقل المنفعة، مثل «آجرتك الدار، أو ملّكتك سكناها، أو أكريتك الدار» و لا يصحّ إنشاؤه بمثل «بعتك منفعة الدار أو سكناها مدّة عام مثلا» سواء أ كان العوض عينا كالدينار و الكتاب، أم منفعة كخياطة الثوب، لعدم تعلّق البيع بما عدا العين. نعم لو قصد الإجارة و قيل بصحة إنشاء العقود بالمجازات جاز ذلك، كما سيأتي بيانه في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: بغير المنافع، و هذا الغير هو العوض سواء أ كان عينا أم منفعة أم حقّا.

(3) يعني: استقرّ اصطلاح الفقهاء على اختصاص المعوّض بالعين، حيث جعلوا البيع في قبال الإجارة، و قالوا: البيع لتمليك الأعيان، و الإجارة لتمليك المنافع. و المائز بينهما تعلق البيع بالعين، و الإجارة بالمنافع. و يترتب عليه أنه لو شكّ في صدق عنوان البيع على تمليك غير الأعيان كفى في عدم جواز التمسك بأدلة نفوذ البيع، لكون الشبهة مفهومية، فلا وجه لترتيب الأحكام المختصة به عليه.

(4) كما يظهر بمراجعة كلماتهم في تعريف البيع، و سيأتي طائفة منها في المتن، و هي و إن اختلفت مضامينها من الانتقال و النقل و العقد الدال على الانتقال أو على النقل و غير ذلك، إلّا أنّها تطابقت على أخذ «العين» و اعتبارها في المبيع، فمنها قول شيخ الطائفة قدّس سرّه: «انتقال عين مملوكة من شخص الى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي» «1» و اختاره ابن إدريس و العلامة في كثير من كتبه كالتذكرة و التحرير و القواعد و النهاية «2».

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 76

(2) السرائر، ج 2، ص 240؛ تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 164؛ قواعد الأحكام، ص 47؛ نهاية الأحكام، ج 2، ص 447

ص: 34

[استعمال البيع في نقل المنافع]

نعم (1) ربما يستعمل في

______________________________

و منها: قول ابن حمزة: «البيع عقد على انتقال عين مملوكة أو ما هو في حكمها من شخص إلى غيره بعوض مقدر على جهة [وجه] التراضي» «1» و اختاره العلامة في المختلف «2».

و منها: قول المحقق: «أما البيع فهو الإيجاب و القبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من مالك إلى غيره بعوض مقدّر» «3».

و منها: قول المحقق الثاني: «نقل العين بالصيغة المخصوصة» «4».

و عليه فاختصاص «البيع» بتمليك الأعيان كأنّه من المسلّمات، و لعلّه لذا قال في الجواهر: «ثم لا خلاف و لا إشكال في اعتبار كون المبيع عينا» «5».

نعم ورد تعريفه في بعض الكلمات بنقل الملك: كما في الشرائع و اللمعة، إلّا أنّ المراد بالملك هو العين لا ما يعمّ المنفعة، كما ستقف عليه في التعليقة.

استعمال البيع في نقل المنافع

(1) هذا استدراك على ما نسبه الى الفقهاء من اعتبار كون المبيع عينا. و حاصل الاستدراك: منع اختصاص البيع بكون المعوّض عينا، و منع استقرار اصطلاح الفقهاء على اعتبار عينية المبيع، و ذلك لما يتراءى من استعمال «البيع» في نقل المنافع و بعض الحقوق على حدّ استعماله في تمليك الأعيان، و لا قرينة في ذلك الاستعمال حتى يدّعى مجازيّته. فالظاهر كون الجميع معنى حقيقيّا للبيع، و معه لا وجه لدعوى اختصاص المعوّض بالعين.

و قد ورد استعمال البيع في تمليك ما عدا الأعيان في موضعين:

______________________________

(1): الوسيلة (ضمن الجوامع الفقهية) ص 740

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 51

(3) المختصر النافع، ص 118

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 55

(5) جواهر الكلام، ج 22، ص 208

ص: 35

كلمات بعضهم في نقل غيرها (1)، بل (2)

______________________________

الأوّل: في كلام غير واحد من الفقهاء كالشيخ و الإسكافي، و الثاني في عدة نصوص.

أمّا الأوّل فقد عبّر شيخ الطائفة قدّس سرّه عن تمليك منفعة العبد المدبّر بالبيع، فقال في المبسوط في مسألة «عدم جواز بيع رقبة العبد المدبّر إلّا إذا أراد نقض تدبيره» ما لفظه: «لأنّ عندنا يصحّ بيع خدمته دون رقبته مدة حياته» «1». و قال في النهاية- في بطلان بيع رقبته:- «إلّا أن يعلم المبتاع أنّه يبيعه خدمته» «2».

و حكي نحو ذلك عن ابن الجنيد، من أنه «تباع خدمته مدة حياة السيد» «3».

و أما الثاني، فقد استعمل «البيع» في روايات متعددة و أريد منه نقل غير العين، كما سنذكرها إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: تمليك غير الأعيان، و هذا الغير هو المنفعة و بعض الحقوق.

(2) هذا إشارة إلى الموضع الثاني- و هو استعمال البيع في النصوص في إبدال غير الأعيان- و الإتيان بأداة الإضراب لأجل التنبيه على أنّ استعمال البيع في كلام بعض الفقهاء في إبدال المنافع يمكن توجيهه بكونه مسامحيّا غير مناف لاستقرار ظهور اللفظ في تمليك الأعيان خاصة، إذ التنافي يترتب على اشتراك المادة لفظا بتعدد الوضع، أو معنى بالوضع لجامع نقل الملك، و أمّا إذا كان اللفظ حقيقة في حصّة من طبيعي النقل و مجازا في حصة أخرى منه بمعونة القرينة لم يكن بأس بكلا الاستعمالين.

و هذا التوجيه- لو تمّ- لا يجري بالنسبة إلى استعمال «البيع» في الكتاب و السّنة في غير نقل العين مجرّدا عن قرينة المجاز، ضرورة وروده في الأخبار في نقل الأعيان و المنافع و بعض الحقوق بوزان واحد. و معه يشكل ما استظهره المصنف قدّس سرّه من اختصاص المعوّض بالعين و استقرار الاصطلاح الفقهي عليه.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 6، ص 17

(2) النهاية، ص 552

(3) الحاكي هو الشهيد في الدروس الشرعية، ج 2، ص 233

ص: 36

يظهر ذلك (1) من كثير من الأخبار، كالخبر (2) الدال على جواز بيع خدمة العبد المدبّر (3)، و بيع (4) سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها،

______________________________

(1) أي: استعمال البيع في إبدال المنافع.

(2) المراد به الجنس لا الواحد الشخصي، لتعدد الأخبار الدالة على جواز بيع خدمة العبد المدبّر، و هو المملوك المعلّق عتقه على موت مولاه.

(3) كصحيح أبي مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر، أ يطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال: أيّ ذلك شاء فعل» «1». و الشاهد في تقرير الامام عليه السّلام لسؤال الراوي من إطلاق البيع على تمليك خدمة الأمة و عملها، و لا قرينة في الكلام على مجازية هذا الإطلاق.

و نحوه خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام، قال: «باع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خدمة المدبّر، و لم يبع رقبته» «2». و نحوهما غيرهما. و التقريب كما تقدم آنفا.

(4) معطوف على «بيع خدمة» و هذا إشارة إلى المورد الثاني من موارد استعمال البيع في الأخبار في تمليك غير الأعيان، و لا قرينة على مجازية الاستعمال، كمعتبرة إسحاق بن عمّار عن عبد صالح عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل في يده دار ليست له، و لم تزل في يده و يد آبائه من قبله، قد أعلمه من مضى من آبائه أنّها ليست لهم، و لا يدرون لمن هي، فيبيعها و يأخذ ثمنها؟

قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له. قلت: فإنّه ليس يعرف صاحبها و لا يدري لمن هي، و لا أظنّه يجي ء لها ربّ أبدا؟ قال: ما أحبّ أن يبيع ما ليس له. قلت: فيبيع سكناها أو مكانها في يده، فيقول: أبيعك سكناي، و تكون في يدك كما هي في يدي؟ قال: نعم، يبيعها على هذا» «3».

و دلالتها على المدّعى أوضح مما تقدم، لإطلاق الإمام عليه السّلام البيع على تمليك السكنى

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 16، ص 74، الباب 3 من أبواب التدبير، الحديث: 1

(2) المصدر، الحديث: 4

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 250، كتاب البيع، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 5

ص: 37

و كأخبار (1) بيع الأرض الخراجيّة و شرائها.

______________________________

بعد كراهته عليه السّلام بيع الرقبة، و لا قرينة في الكلام على كون الإطلاق بالعناية و المسامحة.

(1) معطوف على «كالخبر الدال ..» و هذا إشارة إلى المورد الثالث مما استعمل فيه البيع في إبدال غير الأعيان، كاستعماله في نقل حقّه من الأرض الخراجية، كما في خبر أبي بردة بن رجاء، قال: «قلت: لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين. قال: قلت: يبيعها الذي هي في يده، قال: و يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال: لا بأس، اشترى حقّه منها و يحوّل حقّ المسلمين عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» «1».

و تقريب الاستدلال: أن الامام عليه السّلام أفاد في جواب السائل حكمين، أحدهما: النهي عن بيع رقبة الأرض، لكونها ملكا لكافّة المسلمين، و ليس لأحد منهم أن يبيعها.

ثانيهما: جواز بيع الحق و شرائه، لقوله عليه السّلام: «لا بأس، اشترى حقّه منها» و المراد بالحقّ هو ماله من جواز التصرف، دون ملكية رقبة الأرض، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «إن أهل الذمة لا يخلو ما في أيديهم من الأرضين من أن يكون فتحت عنوة أو صولحوا عليه؛ فإن كانت مفتوحة عنوة فهي أرض المسلمين قاطبة، و لهم أن يبيعوها إذا كانت في أيديهم بحقّ التصرف، دون أصل الملك، و يكون على المشتري ما كان عليهم من الخراج كما كانت خيبر مع اليهود.

و ان كانت أرضا صولحوا عليها فهي أرض الجزية يجوز شراؤها منهم إذا انتقل ما عليها إلى جزئه رؤوسهم، أو يقبل عليها المشتري ما كانوا قبلوه من الصلح، و تكون الأرض ملكا يصلح التصرف فيه على كلّ حال» «2».

و على هذا فلمّا كانت ولاية التصرف من منافع الأرض الخراجية و هي ممّا يبذل المال بإزائها صحّ المعاوضة عليها بتفويض حقّ الانتفاع الى الغير. و بهذا يثبت استعمال البيع

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدوّ، الحديث: 1، و نحوه أخبار أخر وردت في ج 12، ص 274 و 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع.

(2) الاستبصار، ج 3، ص 111

ص: 38

..........

______________________________

و الشراء في إبدال المنافع و الحقوق، و عدم اختصاص استعماله بما كان المعوّض عينا.

هذا ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه من الموارد الثلاثة، و كذا ورد إطلاق البيع و الشراء على غير تمليك العين، في مواضع اخرى:

منها: جواز نظر مريد التزويج إلى وجه المرأة و محاسنها، كما في معتبرة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل يريد أن يتزوّج المرأة أ ينظر إليها؟ قال: نعم، إنّما يشتريها بأغلى الثمن» «1».

و دلالتها على المدّعى ظاهرة، إذ ليس المقصود شراء الرقبة، بل استيفاء منفعة خاصة، فأطلق الشراء- المقابل للبيع- على بذل المال بإزاء التمتع الخاص.

و منها: جواز أخذ الزوجة مالا على إسقاط حقّ القسم، كما في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل له امرأتان، قالت إحداهما: ليلتي و يومي لك يوما أو شهرا أو ما كان، أ يجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها و اشترى ذلك منها فلا بأس» «2».

و هي كالرواية السابقة في إطلاق الشراء على نقل غير العين، كرفع اليد عن حقّ القسم.

و الحاصل: أنّ شيوع استعمال البيع و الشراء في الأخبار في غير تمليك الأعيان مانع عن استقرار ظهور «البيع» في الأدلة المتكفلة لأحكامه- كأدلة خيار المجلس- في خصوص مبادلة الأعيان، بل مقتضى القاعدة تعميم المعوّض لمطلق ما يبذل بإزائه المال عينا كان أو منفعة أو حقّا.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 14، ص 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث: 1

(2) وسائل الشيعة، ج 15، ص 85، الباب 6 من أبواب القسم و النشوز، الحديث: 2

ص: 39

و الظاهر (1) أنّها مسامحة في التعبير، كما (2) أنّ لفظ الإجارة يستعمل عرفا في نقل بعض الأعيان

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه منع الاستدراك المتقدم بقوله: «نعم ربما يستعمل ..» و توجيه استعمال البيع في الروايات و كلمات بعض الفقهاء في إبدال غير الأعيان. و محصّل التوجيه: أنّ التنافي بين ما ذكرناه من اختصاص البيع بنقل العين و بين استعماله في الكلمات في الأعمّ من ذلك مبنيّ على كونه حقيقيا في كلا المقامين، لصيرورة «البيع» مشتركا بين معنيين أحدهما أخص و هو ما يعتبر فيه عينية المعوّض، و ثانيهما أعم و هو كفاية كونه مالا سواء أ كان عينا أم منفعة أم حقّا، و نتيجة الاشتراك إجمال موضوع الأدلة، لدورانه بين الخاص و العام.

لكنك عرفت آنفا أمارية التبادر و صحة السلب على كون البيع حقيقة في خصوص مبادلة الأعيان بعوض، و هو الذي استقرّ عليه اصطلاح الفقهاء، كاستقرار اصطلاحهم على اختصاص الإجارة بنقل المنافع بعوض. و على هذا يكون استعمال البيع في غير تمليك الأعيان مسامحيّا، كالمسامحة في إطلاق «الإجارة» في بعض الأخبار على تمليك العين. و عليه يتعيّن حمل «البيع» في الأدلة على معناه الحقيقي، إلّا مع قيام قرينة على إرادة المعنى المجازي.

و بالجملة: لا منافاة بين الاصطلاح المزبور و بين استعمال البيع في نقل غير العين، إذ المفروض كون الاستعمال المذكور مبنيّا على العناية و المسامحة، و هو غير قادح في حمل «البيع» على نقل الأعيان خاصة.

(2) غرضه إقامة الشاهد على أنّ الاستعمال المسامحي غير قادح فيما استقرّ عليه الاصطلاح، و حاصله: أنّ البيع الموضوع لنقل العين كما يستعمل مجازا في نقل المنفعة، كذلك الإجارة- التي استقرّ اصطلاح الفقهاء على كونها حقيقة في نقل المنفعة- قد تستعمل مجازا في «تبديل العين بعوض» الذي هو معنى حقيقي للبيع، و لمّا كان الاستعمال في المقامين مبنيّا على العناية و المسامحة، لم يلزم إجمال في أدلة كلا البابين، فيحمل «البيع» بدون القرينة على تمليك العين، و الإجارة كذلك على تمليك المنفعة مع بقاء العين على ملك المؤجر.

ص: 40

كالثمرة على الشجرة (1).

______________________________

(1) مقصوده قدّس سرّه أنّ الإجارة تطلق مسامحة على نقل الثمرة حال كونها على الشجرة، مع أنّ الثمرة عين، فلا بد من نقلها بالبيع لا بالإجارة، فإنّ مقتضى المقابلة للبيع هو إرادة إطلاق لفظ الإجارة على نقل العين، كإطلاق لفظ البيع على نقل المنفعة في روايات بيع خدمة العبد المدبّر و بيع سكنى الدار المجهول مالكها و بيع الأرض الخراجية. و ليس المقصود من استعمال الإجارة في تمليك العين إجارة الشجرة للانتفاع بثمرتها أو إجارة الدار للانتفاع بسكناها، و ذلك لوضوح كون المقصود تمليك منفعة الشجرة و الدار، و هذا هو مورد الإجارة.

و كيف كان فقد ورد استعمال الإجارة- مسامحة- في تمليك العين في معتبرة عبيد اللّه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «تقبّل الثمار إذا تبيّن لك بعض حملها سنة، و إن شئت أكثر.

و إن لم يتبيّن لك ثمرها فلا تستأجر» «1». و الشاهد إنّما هو في استعمال الإجارة في تمليك العين، إذ المراد بالتقبّل بقرينة الذيل- أعني به قوله عليه السّلام: فلا تستأجر- هو الإجارة، فمحصّل معنى الرواية- و اللّه العالم- هو: أنّ الثمار إذا ظهر بعضها جاز بيعها سنة أو أزيد. و إن لم تظهر- و لو بعضها- لم يجز بيعها، و قد عبّر بالإجارة عن نقل العين مسامحة، هذا [1].

______________________________

[1] و على هذا فلا وجه للإشكال على المتن «بعدم العثور على إطلاق الإجارة على نقل الثمرة، لا في الأخبار و لا في كلمات الفقهاء» «2» و ذلك لكفاية رواية الحلبي لإثبات ما أفاده المصنف من استعمال الإجارة في نقل العين مسامحة.

ثم إنّ للسيّد قدّس سرّه كلاما في الحاشية و العروة ينبغي التعرض له، قال في حاشيته على المتن: «الظاهر أنّ المراد إذا آجر الشجرة لثمرتها قبل وجودها، لا بعده، فإنّه لا يصح الإجارة حينئذ، و لا يطلق عليه أيضا لفظها لو ملكها بعنوان البيع مثلا. و أمّا الأوّل فصحيح، و لا يضرّ كونه نقلا للعين، لأنّها تعدّ منفعة للشجر عرفا، كما في إجارة الحمّام المستلزم لإهراق الماء،

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 8، الباب 2 من أبواب بيع الثمار، الحديث: 4

(2) محاضرات في الفقه الجعفري، ج 2، ص 15

ص: 41

______________________________

و إجارة الشاة للبنها، و إجارة المرضعة كذلك، فإنّ الإجارة في جميع ذلك صحيحة» «1».

و قال في إجارة العروة: «يجوز استيجار المرأة للإرضاع، بل للرضاع بمعنى الانتفاع بلبنها- و إن لم يكن منها فعل- مدة معيّنة .. إلخ» «2».

و قال فيها أيضا: «يجوز استيجار الشاة للبنها، و الأشجار للانتفاع بأثمارها، و الآبار للاستقاء، و نحو ذلك، و لا يضرّ كون الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان، لأنّ المناط في المنفعة هو العرف، و عندهم يعدّ اللّبن منفعة للشاة، و الثمر منفعة للشجر، و هكذا. و لذا قلنا بصحة استئجار المرأة للرضاع و إن لم يكن منها فعل بأن انتفع بلبنها في حال نومها، أو بوضع الولد في حجرها، و جعل ثديها في فم الولد من دون مباشرتها لذلك، فما عن بعض العلماء من إشكال الإجارة في المذكورات- لأنّ الانتفاع فيها بإتلاف الأعيان، و هو خلاف وضع الإجارة- لا وجه له» «3».

أقول: فيما أفاده قدّس سرّه مواقع للنظر:

منها: قوله في الحاشية: «الظاهر أن المراد إذا آجر الشجر لثمرتها ..» إذ فيه: أن مراد الشيخ الأعظم- كما تقدم في التوضيح- هو إطلاق لفظ الإجارة على نقل نفس الثمرة، لا إطلاقها على الشجرة لملكية ثمرتها كما هو صريح كلام السيد في الحاشية، فليس هذا بيانا لمقصود الشيخ، مع أن ظاهره بيان مراده و توضيح مرامه.

و منها: قوله: «لأنها تعدّ منفعة .. إلخ» إذ فيه: أن للمنفعة إطلاقين:

أحدهما: ما يتولّد و يتكوّن من شي ء، كاللّبن و الثمرة المتولدين من الشاة و الشجر، و نحو ذلك من موارد التولّد.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 54

(2) العروة الوثقى، كتاب الإجارة، الفصل السادس، المسألة السابعة، ص 618 من العروة المحشاة المطبوعة في مجلدين.

(3) المصدر، ص 620، المسألة 12 من الفصل السادس.

ص: 42

______________________________

ثانيهما: ما يقابل العين من الحيثية القائمة بها التي تستوفى تارة و لا تستوفى اخرى، كالسكنى القائمة بالدار، و الاستظلال القائم بالأشجار، و التنزّه القائم بالبستان، و نحو ذلك من الحيثيات القائمة بالأعيان.

و لا ينبغي الإشكال في تعلق الإجارة بالمنفعة بهذا المعنى، و إلّا لكانت جلّ الأعيان- بل كلّها- منافع، و جازت إجارة الحيوانات لتملّك نتاجها، و الجارية لتملك ولدها، ضرورة كونها منافع لامّهاتها، لتولدها منها، فإنّ الولد و اللّبن و الثمرة و السّخال و نحوها- ممّا يتكوّن من الأعيان- أعيان في أنفسها و منافع لغيرها، فالبيع الذي هو تمليك الأعيان يوجب نقلها، و الإجارة التي هي تمليك المنافع توجب نقل الحيثيات القائمة بها، فكما لا يصح تمليك الدار و الدكان بلفظ الإجارة فكذلك لا يصح تمليك الثمرة و اللّبن و نحوهما ممّا يتكوّن من الأعيان بلفظ الإجارة.

و منها: قوله: «كما في إجارة الحمّام المستلزم لإهراق الماء» إذ فيه: أن ظاهره كون الماء منفعة للحمّام، كاللّبن و الثمرة اللّذين هما منفعتا الشاة و الشجرة. و هو كما ترى، لعدم صدق المنفعة- بشي ء من معنييها المتقدمين- على الماء. أمّا معناها الأوّل فواضح، لعدم تكوّن الماء من الحمّام ليكون كاللّبن المتكوّن من الشاة.

و أمّا معناها الثاني فلعدم كون الماء عرضا قائما بالحمّام و حيثيّة عارضة له، كسائر منافع الأعيان التي هي أعراض قائمة بمعروضاتها. بل الماء جوهر قائم بنفسه، و ليس عرضا متقوما بغيره، فلا يعدّ منفعة للحمّام، فجعل ماء الحمّام كلبن الشاة و ثمر الشجرة في غير محله، لصدق المنفعة بمعناها الأوّل عليهما، بخلاف ماء الحمّام، فإنّه لا يصدق عليه المنفعة بشي ء من معنييها، هذا.

و منها: قوله: «فإنّ الإجارة في جميع ذلك صحيحة» إذ فيه: أن ظاهره التسالم أو الشهرة على صحة الإجارة في الجميع، مع عدم كونه كذلك، إذ المشهور- كما قيل- المنع عن إجارة الشاة للبنها. و في إجارة الشجرة للثمرة قيل بعدم الخلاف في فسادها. و في استيجار البئر

ص: 43

______________________________

للاستقاء قد حكي أن العلامة في القواعد و موضع من التذكرة، و المحقق الثاني في جامع المقاصد اختارا المنع.

و منها: قوله: «بل للرضاع بمعنى الانتفاع بلبنها و إن لم يكن منها فعل ..» إذ فيه: أنّ الانتفاع تارة يكون بنحو الارتضاع، فتصير المرأة كالدار و غيرها من الأعيان ذوات المنافع، في مقابل الإرضاع، الذي تكون الإجارة له كإجارة العامل للعمل. و اخرى لا يكون بنحو الارتضاع، بأن يحلب في إناء ليشربه الطفل، كحلب لبن البقر و الشاة في إناء ليشرب. و الإجارة صحيحة في الأولى دون الثانية، لكون اللّبن بعد الحلب كالخبز و غيره من الأعيان التي لا يجوز استيجارها، لتلفها بالانتفاع بها، فلا يجوز إجارة الخبز للأكل، و اللبن للشرب، و الحطب و الشمع للإشعال.

و عليه فلا بد من تقييد الانتفاع باللبن بأن يكون بنحو الارتضاع كما هو الحال في التقام الطفل ثدي المرأة و امتصاصه، الذي هو استيفاء لمنفعة المرأة مع بقاء عينها، كاستيفاء سكنى الدار مع بقائها على حالها. فمجرد إطلاق الانتفاع باللبن لا يصحّح الإجارة، لصدق التبعية للعين على اللبن ما دام في الثدي و كونه منفعة لها، و عدم صدقها على اللبن المحلوب في الإناء، و كذا على الثمرة المقتطفة من الشجرة، مع أنّ الإجارة تتعلق بالعين ذات المنفعة، و لا بدّ من بقاء العين التي تعلقت الإجارة بها، و عدم تلفها بالاستيفاء.

و لعلّ ما عن جامع المقاصد- من تعليل بطلان الإجارة للرضاع «بأنّ الإجارة مشروعة لنقل المنافع لا الأعيان، و اللّبن من الثانية» بل قيل: انّه يظهر من محكي التذكرة: «الإجماع على الفساد فيه، و أنّه يتم على قول المخالفين من أنّ الإجارة قد تكون لنقل الأعيان»- ناظر إلى اللبن المنفصل عنها بالحلب في إناء ثم شرب الطفل منه، لا إلى صورة امتصاص المرتضع ثدي المرضعة، لصدق تبعية اللبن للمرأة، فلا مانع من استئجار المرأة لذلك، لأنّها حينئذ بمنزلة الدار و نحوها من الأعيان ذوات المنافع، و لذا يكون الارتضاع مغايرا حكما لشرب لبن المرأة من الإناء، لانتشار الحرمة بالأوّل دون الثاني. و لو كانت الشاة كذلك جاز استيجارها للانتفاع بها

ص: 44

______________________________

بامتصاص ثديها.

و بالجملة: الانتفاع بالعين المستأجرة إن لم يكن متلفا لنفس تلك العين جاز الاستيجار له و إن استلزم الانتفاع بها إتلاف عين اخرى، كالاستيجار على الخياطة المنوطة بإتلاف الخيط، و الاستيجار على إيجاد السّرير أو الباب أو غيرهما ممّا يتوقف العمل على إتلاف عين من الخشب و المسمار، و نحو ذلك.

تحقيق اختصاص المبيع بالأعيان ثم إن تحقيق ما في المتن من اختصاص المعوّض بالعين يستدعي بسط الكلام في مقامين، أحدهما: في أصل اعتبار عينية المبيع، و ثانيهما في عدم الفرق بين الأعيان الشخصية و الكلّية.

أمّا المقام الأوّل، فمحصّله: أنّه لا ريب في اعتبار عينية المبيع عند المشهور، كما يشهد به تعريفهم للبيع بنقل العين و نحوه، بل لا يبعد دعوى تسالمهم عليه. و الظاهر تقوّم صدقه العرفي بذلك، بمعنى عدم إطلاق «البيع» على تمليك غير العين إلّا بالعناية و المسامحة، فيكون أخذها في التعريف ناظرا الى دخلها في المفهوم العرفي الموضوع لأحكام خاصة، لا للتعبد الشرعي، خصوصا مع ما تقدم عن ابن الأثير من عدم إطلاق المال على غير الأعيان المتمولة.

لكن أنكر المحقق الايرواني قدّس سرّه ذلك، و ادّعى القطع بصدق البيع على إبدال المنافع و غيرها، و أنّ معناه نقل متعلق السلطان عينا كان أو منفعة أو حقّا، و لأجله جاز للإنسان أن يبيع نفسه لولا التعبد الشرعي على المنع، و أن يبيع منفعته و عمله، كما جاز أن يشتري نفسه إذا كان مملوكا للغير «1».

و تظهر ثمرة النزاع في إنشاء تمليك المنافع بعنوان البيع، كأن يقول: «بعتك سكنى الدار بكذا» فبناء على المشهور لا ينعقد بيعا، و لا تجري فيه أحكامه المختصة به كخيار المجلس.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 74

ص: 45

______________________________

و صحته بعنوان الإجارة منوطة بدلالة البيع على نقل المنفعة، و على جواز إنشاء العقود اللازمة بالكناية و المجاز كما سيأتي تفصيله في بحث ألفاظ العقود إن شاء اللّه تعالى. و بناء على مختار المحقق الايرواني قدّس سرّه يصح الإنشاء المزبور بعنوان البيع، لصدق «نقل متعلق السلطان بعوض» عليه.

و لمّا كان «البيع» موضوعا لأحكام خاصة تعيّن تحديده و تمييزه عن سائر العناوين المعاملية، فنقول و به نستعين:

قد استدلّ للمشهور بالتبادر عند أهل اللسان، و صحة سلب العنوان عن تمليك ما عدا الأعيان، بضميمة أصالة عدم النقل عن معناه العرفي. و ممّا اشتهر بين الفقهاء جعل الفارق بين البيع و الإجارة كون الأوّل تمليك الأعيان، و الثاني تمليك المنافع.

و يمكن استظهار هذا المعنى من كلماتهم في بابي البيع و الإجارة، أمّا في البيع فلما تقدّم في التوضيح من تعريفه بنقل العين أو بانتقالها أو بالعقد الدال على النقل أو على الانتقال، مضافا إلى تصريح بعضهم كالعلّامة بعدم انعقاده على المنافع. و اشتهار المعنى بين الأصحاب من عصر شيخ الطائفة إلى المتأخرين كاف لإثبات معناه العرفي، و لا يقلّ عن أخبار اللغوي بما استعمل فيه اللفظ. و لعلّه لهذا نفى صاحب الجواهر قدّس سرّه الخلاف في المسألة، بل ادّعى الإجماع صريحا الشيخ الفقيه كاشف الغطاء في شرحه على القواعد معلّقا على قول العلامة «فلا ينعقد على المنافع» بما لفظه: «للأصل، مع القطع بعدم صدق الاسم، لما مرّ، أو الشك فيه، و للإجماع».

و أما في الإجارة فيكفي تصريح العلامة بذلك، حيث قال: «الإجارة عقد يتعلق بنقل المنافع، و ليست بيعا عندنا. و قال الشافعي و أحمد: الإجارة نوع من البيع، لأنّها تمليك من كل واحد منهما لصاحبه .. و هو غلط، لأنّ البيع مختص بنقل الأعيان. إذا ثبت هذا فلو قال في الإيجاب: بعتك منفعة هذه الدار شهرا بكذا، لم يصح عندنا، لما بيّنّا من اختصاص لفظ البيع

ص: 46

______________________________

بنقل الأعيان» «1». و كلمة «عندنا» لا تخلو من ظهور في الإجماع بل هي من ألفاظه. و لا وجه للخدشة فيه بأنه إجماع منقول لا يعتمد عليه، إذ المقصود استكشاف معنى اللفظ عند أهل اللسان، و مثله يثبت بدعوى الاتفاق على مدلول اللفظ.

فإن قلت: لم يثبت الاتفاق على اختصاص البيع بتمليك الأعيان، بل ثبت الخلاف فيه كما يظهر من كلام بعضهم في البيع و الإجارة. أما في البيع فقد عرّفه المحقّق في الشرائع بأنه «العقد الدال على نقل الملك» «2» و تبعه في ذلك جماعة من أساطين الفقه كالمحقق الثاني و الشهيد و الفاضل السبزواري، و الفاضل النراقي «3». و حيث إنّ الملك أعم من العين، فدعوى اختصاصه بالعين كما ترى.

و أما في كتاب الإجارة فقد تردّد المحقق في إنشاء الإجارة بلفظ البيع و لم يحكم ببطلانه، قال: «و لو قال: بعتك هذه الدار و نوى الإجارة لم يصح، و كذا لو قال بعتك سكناها، لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان. و فيه تردد» «4». كما تردّد الشهيد أيضا في المسألة، و معه لا سبيل لاستكشاف مدلول اللفظ بالاتفاق، بعد وقوع الخلاف فيه بين الفقهاء.

قلت: كلمات هؤلاء الأجلّة- في الموضعين- غير قادحة في دعوى الإجماع على اختصاص البيع بتمليك الأعيان، و إطلاقه على نقل المنافع مجازا. أمّا تعريف البيع بنقل الملك فلا يدلّ على صدق البيع على تمليك المنفعة حقيقة، لكون مرادهم بالملك العين لا ما يعمّ المنفعة، فالمحقق عرّف البيع في المختصر النافع «بالعقد الناقل للعين المملوكة» «5»،

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 291

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 7

(3) لاحظ جامع المقاصد، ج 4، ص 55، الروضة البهية في شرح اللمعة، ج 3، ص 221؛ كفاية الأحكام، ص 88، مستند الشيعة، ج 2، ص 360

(4) شرائع الإسلام، ج 2، ص 140؛ الروضة البهية في شرح اللمعة، ج 4، ص 328

(5) المختصر النافع، ص 118

ص: 47

______________________________

و المحقق الثاني صرّح بمجازية البيع في تمليك المنفعة «1» كما سيأتي نقل كلامه. و الشهيد عرّفه في الدروس بأنه «نقل العين» «2»، و صرّح في رهنه أيضا «ببطلان رهن المنفعة، لعدم إمكان بيعها» «3». و الفاضل النراقي اعتبر في شرائط العوضين «أن يكونا عينين، فلو كانا منفعة كسكنى الدار مدّة لم ينعقد للإجماع» «4».

و لأجل تسالمهم على الاختصاص و عدم كون المسألة خلافيّة أورد الشهيد الثاني في المسالك على تعريف المحقق بما لفظه: «أن الملك يشمل الأعيان و المنافع، فينتقض في طرده أيضا بالإجارة، فإنّ عقدها أيضا لفظ دالّ على نقل الملك- و هو المنفعة- بعوض معلوم» «5» و بمثله أورد في الروضة على تعريف الشهيد في اللمعة.

و عليه فما ذكروه في تعريف البيع بنقل الملك لا ينافي تسالمهم على اعتبار عينية المبيع.

و أمّا ما ذكروه في الإجارة من التردد في بطلان إنشائها ببيع السكنى فلا يصادم الاختصاص المزبور، و ذلك لعدم كون منشأ التردد احتمال إطلاق البيع على نقل الملك عينا أو منفعة، بل منشؤه الاختلاف في اعتبار الصراحة و الظهور الوضعي في ألفاظ العقود مطلقا أو خصوص اللازمة منها، و عدم تحققها بالمجاز و الكناية و المشترك. و يشهد له بيان الشهيد الثاني في المنع عن إنشاء الإجارة بلفظ العارية، حيث قال: «و لا يخفى أنّ التجوز بمثل ذلك خروج عن مقتضى العقود اللازمة» «6».

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 7، ص 83

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191

(3) المصدر، ص 387

(4) مستند الشيعة، ج 2، ص 371

(5) مسالك الافهام، ج 3، ص 146

(6) مسالك الأفهام، ج 5، ص 173

ص: 48

______________________________

و قال في الجواهر في جواز إنشاء البيع بلفظ السّلم: «قولان أشبههما العدم، لأنه مجاز في مطلق البيع، و العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات كما صرّحوا به» «1». و قال المحقق الثاني:

«و إذا قال: بعتك سكناها سنة فقد تجوّز في السّنة، فإنّ السكنى لا يقع عليها البيع إلّا مجازا» «2».

و الحاصل: أنّ اختصاص البيع عندهم بنقل الأعيان و مجازيّته في نقل المنافع من الواضحات، و مقصودهم بيان المتفاهم العرفي بما أنّهم من أهل اللسان، و لذا استند بعضهم إلى التبادر، و عليه فلا وجه لإشكال بعض الأعاظم على الاستناد إلى كلمات الأصحاب «بأن غرضهم بيان موضوع الأثر شرعا، مع أنّ الكلام في تحديد المعنى عرفا» و ذلك لأنّ الاستشهاد بكلماتهم ناظر إلى كونهم من أهل اللسان، لا إلى كونهم فقهاء حتى يكونوا بصدد بيان المعنى الشرعي، بل صرّح بعضهم بأن المعرّف هو المعنى العرفي لكونه المتبادر من اللفظ عند الإطلاق. و احتمال استناده إلى القرائن لا إلى حاقّ اللفظ مندفع بأن الحجة على الوضع عندهم أحد أمرين، تنصيص الواضع، و انسباق المعنى الى الذهن عند سماع اللفظ مجرّدا عن القرينة «3».

و قد تحصّل مما ذكرناه: أن مستند الفقهاء في أخذ العين في البيع هو التبادر عند أهل اللسان، و ليس الغرض تحديد ما هو موضوع الأثر شرعا، بل تحديد معناه العرفي. هذا ما يتعلق بالقول المشهور.

و أمّا القول الثاني- و هو عدم اعتبار عينية المبيع- كما اختاره المحقق الايرواني و غيره فيستدلّ له بإطلاق البيع في الاستعمالات الفصيحة على غير نقل الأعيان بلا قرينة، كما في مثل قوله تعالى أُولٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلٰالَةَ بِالْهُدىٰ «4». فإنّ المقابلة بين البيع و الشراء تقتضي كون المبيع هي الهداية التي ليست من سنخ الأعيان و المنافع التي يبذل بإزائها المال.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 248

(2) جامع المقاصد، ج 7، ص 83

(3) معارج الأصول، ص 50 للمحقق الحلي.

(4) البقرة، الآية: 16

ص: 49

______________________________

و قوله تعالى وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كٰانُوا يَعْلَمُونَ «1».

و قوله تعالى وَ لٰا تَشْتَرُوا بِآيٰاتِي ثَمَناً قَلِيلًا «2» و غير ذلك من الآيات التي أطلق فيها البيع و الشراء على غير نقل العين، على حدّ إطلاقهما عليها في قوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرٰاهِمَ مَعْدُودَةٍ «3».

و تقدمت روايات بيع خدمة العبد المدبّر و سكنى الدار و نحوهما من إطلاق البيع على نقل المنفعة و الحق بلا عناية. كما تعارف في هذه الأزمنة إطلاق البيع على نقل بعض الحقوق كالسرقفلية، و غيرها. و لا ريب في أن كثرة موارد الاستعمال- المجرّدة عن قرينة المجاز- كاشفة عن أعمية الموضوع له، أو المتفاهم من اللفظ، و أنّ البيع بمعنى نقل خصوص العين صنف خاص من طبيعي النقل المستفاد من إطلاقاته في الكتاب و السنة و المحاورات العرفية.

و لعلّه لهذا ذهب المحقق الأصفهاني قدّس سرّه إلى أنّ البيع العرفي بمعنى نقل العين صنف من مفهومه العام، حيث قال في التسبب إلى حقيقة الإجارة بالإعارة و البيع ما لفظه: «فإنّ أخبار بيع خدمة المدبّر و الإطلاقات الشائعة القرآنية و غيرها من دون عناية أصدق شاهد على أنّ مفهوم البيع عرفا غير مقصور على تمليك العين بعوض، و إن كان البيع المقابل للإجارة المحكوم بأحكام خاصّة صنفا مخصوصا من طبيعي معناه اللغوي و العرفي» «4».

لكنك خبير بأنّ مجرّد شيوع استعمال البيع في غير نقل الأعيان لا يكشف عن أعمية الموضوع له بعد ما عرفت من تبادر صنف خاص الى الذهن، و هو من أمارات الوضع. و يؤيّده تصريح مثل المحقق الثاني بمجازية البيع في تمليك المنفعة.

و عليه فالوضع للأعم أو وضعه تارة للصنف و اخرى لطبيعي النقل منوط بقيام إحدى

______________________________

(1): البقرة، الآية: 96

(2) المائدة، الآية: 48

(3) يوسف، الآية: 20

(4) كتاب الإجارة، ص 8

ص: 50

______________________________

أماراته عليه، و لا يكفي نفس الاستعمال، لما تقرّر من كون أصالة الحقيقة من الأصول المرادية التي يعوّل عليها عند الشك في مراد المتكلم بعد إحراز الحقيقة و المجاز.

و ما نسبه المحقّق الأصفهاني إلى اللغة و العرف محل تأمل، إذ لم أقف على معنى آخر في اللغة أعم من «مبادلة مال بمال» و ظهوره في حصر المعنى فيه لا كونه صنفا من معناه العام ممّا لا ينكر. و كذا في العرف كما تقدم.

مع أنّ لازم وضع البيع لطبيعي التبديل لغة و عرفا إجمال الأدلة المتكفلة لأحكام البيع كآية حلّ البيع و دليل خيار المجلس و نحوهما، لعدم إحراز الموضوع. حيث لا قرينة معيّنة على موضوعية الصنف أو الطبيعي.

و دعوى حمل البيع المقابل للإجارة على نقل العين غير ظاهرة، لفرض تردّد الموضوع في مثل «البيعان بالخيار» بين كون المعوّض عينا و ما يعمّ المنفعة، لفرض صدق البيع على بيع سكنى الدار حقيقة، و يلزمه إجراء أحكامه عليه، و لا أقلّ من كون الشبهة مفهومية، مع تسالمهم على مرجعية تلك الأدلة بلا فحص عن قرينة تعيّن المراد من البيع، و هذا كاف في استقرار ظهور اللفظ عندهم في ما كان المعوّض عينا.

و الحاصل: أنّ ما ذهب إليه المشهور من اختصاص البيع بتمليك الأعيان و نقلها هو المتيقن من مفهومه العرفي.

و لو شكّ في شموله لنقل المنافع امتنع التمسك بالإطلاقات لتصحيحه، للشك في الموضوع حسب الفرض، كما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه «1». و مجرد «صدق العقد العرفي على إنشاء نقل المنفعة بعنوان البيع فيحكم بصحته للأمر بالوفاء بالعقود و تنفيذها» لا يقتضي ترتيب الأحكام المختصة بالبيع عليه. بل يشكل ترتيب آثار الإجارة عليه أيضا، إلّا بناء على دلالة البيع- و لو بمعونة القرينة- على تمليك المنفعة، و على كفاية الإنشاء بالمجازات، و تحقيقه موكول الى بحث ألفاظ العقود.

______________________________

(1): المكاسب و البيع، ج 1، ص 88

ص: 51

______________________________

هذه جملة من الكلام في المقام الأوّل و هو أصل اعتبار العينية في المبيع.

لا فرق في المبيع بين الأعيان الشخصيّة و الكلية بأقسامها و أما المقام الثاني- و هو عدم الفرق في العين بين الشخصية و الكلية بأقسامها- فنخبة الكلام فيه: أنّ الظاهر عدم اختصاص المبيع بالعين الشخصية، فتعمّ الكلّية بأقسامها من المشاع و المعيّن و الدين و الذّمي، لصدق العين المقابل للمنفعة و الحق على جميع ذلك، و ادّعى السيد الطباطبائي قدّس سرّه «الإجماع على الصحة» «1».

و ربما يشكل انطباق مفهوم البيع على الكلّي الذمي، و منشأ الاشكال أمران، أحدهما:

انتفاء الملكية، و هو مشترك بين قسمي الذمي من الدين و الحال، و ثانيهما: انتفاء المالية، و هو مختص ببيع الكلي في ذمة نفسه من دون أن يكون دينا على غيره.

و تقريب الاشكال المشترك هو: انتفاء الملكية مع أن البيع تمليك عين بعوض، و بيانه:

أنّ الملكية تكون من قبيل الأعراض التي لا تتحقق في دار الوجود إلّا في موضوع محقّق، نظير السواد و البياض اللّذين يكون وجودهما المحمولي وجودا نعتيّا لمعروض فعلي. و حيث إنّ الكلّي الذّمي معدوم امتنع اتصافه بالمملوكية، و من المعلوم عدم صدق البيع بانتفاء الملكية التي تقع المبادلة فيها. و لا فرق في هذه الجهة بين الدين و غيره، لأنّ مناط الإشكال امتناع قيام الملكية بالمعدوم، نعم بيع الكلي المشاع و المعيّن سليم عن هذا المحذور، لكون معروض الملكية موجودا بالفعل.

و تقريب الإشكال الثاني- المختص بالكلي الذمي غير الدين- هو: أنّ البيع مبادلة مال بمال، و ظاهره اعتبار مالية العوضين مع الغضّ عن تعلق العقد بهما، و من المعلوم أنّ الكلّي الذمي لا يعدّ مالا قبل البيع، فلا يقال لمن ليس له حنطة: انه ذو مال بالنسبة إلى ألف منّ منها، نعم بعد تمليك كلّي الحنطة للغير يكون المشتري ذا مال في ذمة البائع، لكن المناط في صدق البيع

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 53

ص: 52

______________________________

كون كلّ من العوضين في حد نفسه مالا.

هكذا قرّر السيد قدّس سرّه الإشكالين، و جعل مصبّهما الكلّي الذّمي دينا أو غيره، ثم أجاب عنهما بما سيأتي.

لكن الظاهر أنّ إشكال ملكية المعدوم جار في القسمين الآخرين أعني بهما: المشاع و المعيّن. أمّا في المشاع كبيع نصف الدار فلما قيل من أنّ الوجود مساوق للتعين، و لا تعيّن للكسر المشاع قبل الإفراز، إذ الموجود هو الدار، و النصف بعد التقسيم موجود مستقل لا يصدق عليه النصف. فصحّ أن يقال: الكسر المشاع معدوم فلا ملك حينئذ.

و أمّا في الكلي في المعيّن كصاع من صبرة فكذلك، فإنّ الشي ء ما لم يوجد لم يتشخص، فالوجود مساوق للتشخص، و الصّاع بوصف كليته الصادق على كل واحد من صيعان الصبرة غير موجود بالفعل، لأنّ الموجود أبعاض الصبرة و آحادها، و الواحد الشخصي غير قابل الصدق على الكثير، مع أنّ المبيع حسب الفرض هو الصاع بوصف قابلية الانطباق على كل واحد من الصيعان، و ليس صاعا شخصيا، و لذا لا يملكه المشتري قبل التقسيم و الإفراز.

و الحاصل: أن محذور بيع الكلّي الذمي- أعني به انتفاء معروض الملكية- جار في المشاع و المعيّن، و إن كان الفارق تقيّد المبيع بصنف من الطبيعي و هو المحصور في الدار و الصبرة، و عدم تقيد الذمي به، لكن هذا المقدار من الفرق غير رافع للإشكال.

و الغرض الإشارة إلى عموم المحذور، و تحقيقه موكول إلى مسألة بيع نصف الدار و بيع الصاع.

و كيف كان فيندفع إشكال عدم كون الكلّي الذّمي مملوكا بأنّ الملكية تطلق تارة على الملكية الحقيقية التي يراد بها الإحاطة القيومية المعبّر عنها بالإضافة الإشراقية التي هي إفاضة الوجود على الممكنات، و هذه الإحاطة نظير إحاطة النفس بالصور المخلوقة لها. و الملكية بهذا المعنى ليست من المقولات، بل هي عين الإيجاد.

ص: 53

______________________________

و اخرى على الملكية المقولية المعبّر عنها بالجدة، التي هي هيئة حاصلة من إحاطة جسم بجسم، كإحاطة العمامة بالرأس، و القميص بالبدن، و الملكية بهذا المعنى عرض مقولي يتوقف على محيط و محاط خارجيّين.

و ثالثة على الملكية الاعتبارية، و هي الإضافة الخاصة بين شيئين لوحظ فيها تبعية أحدهما للآخر، كما في قولنا: «الدار لزيد» فإنّ اللّام تحكي عن كون الدار مضافة بالإضافة الملكية التي روعي فيها حيثية التابعية و المتبوعية، فلو كان طرفا هذه الإضافة من سنخ واحد كما إذا كانا جمادين غير صالحين لمتبوعية أحدهما للآخر امتنع اعتبار الملكية، لأنّ جعل أحدهما تابعا للآخر ترجيح بلا مرجّح و خال عن المقتضي.

و عليه فالملكية الاعتبارية- التي هي مدار المعاملات- ليست من الأعراض المقولية المنوطة بوجود موضوعاتها خارجا، فلا تتوقف على وجود معروضها كذلك، بل يكفي في اعتبارها وجود محلها اعتبارا بلحاظ ترقّب حصوله، فيكون كل من الملكية و المملوك- بل و كذا المالك في بعض الموارد ككلّي السيد و الفقير- أمرا اعتباريا، و من المعلوم أنّ العقلاء يعتبرون الملكية للكلّي الذمي- بقسميه- خصوصا الدين، كما يعتبرونها للثمرة المتجددة فيما بعد، و للمنفعة المعدومة، و للأعيان الشخصية الموجودة بالفعل.

و الحاصل: أنّ الملكية الاعتبارية تابعة لاعتبار العقلاء و الشارع، سواء أ كان المملوك فعليّا أم مما يتوقع وجوده، و يكفى شاهدا عليه تعارف بيع السلف عندهم بعد إحراز أهلية المتعهّد، فالبائع مالك لألف منّ من الحنطة في ذمة نفسه و إن لم تكن موجودة بالفعل.

و دعوى: أن الملكية الاعتبارية محقّقة في بيع دين على ذمة الغير، و أما «بيع السلم و نحوه فيشكل، إذ لا مملوك لا خارجا و لا في الذمة. أما انتفاؤه في الخارج فواضح، و أمّا في الذمة فلأنّه لا ملك قبل العقد حسب الفرض، فإن لم يعتبر مالكية نفسه للمبيع لم يكن بيعا، و إن اعتبرها بنفس إنشائه لزم إيجاد موضوع المبادلة بمحمولها المتأخر عنه، و من المعلوم استحالة إيجاد المتقدم بالرتبة بما هو متأخر عنه كذلك» غير مسموعة، لكفاية اعتبار مالكية المبيع آنا ما

ص: 54

______________________________

قبل الإنشاء كما التزموا بها في موارد كالمعاطاة بناء على الإباحة، و شراء العمودين و نحوهما ممّن ينعتق عليه بمجرد الشراء قهرا.

و ما أفاده بعض الأجلة قدّس سرّه من تصحيح بيع الكلي الذمي «بالملكية الرّتبية، نظير فسخ ذي الخيار» «1» فإن كان مراده بالرتبة الملكية الزمانية الآنيّة- حيث لا اعتبار للملكية في غير وعاء الزمان- فهو متين، و لعلّ تنظيره بعود المال الى ملك ذي الخيار بمجرد فسخه الفعلي شاهد على إرادة الملكية الآنيّة. و إن كان مراده بالرتبة ما يصطلح عليها في باب العلة و المعلول، مع وحدة وجودهما زمانا بمقتضى تكافؤ المتضايفين فغير ظاهر، إذ لا علّيّة بين اعتبار ملكية الكلي و بين إنشاء البيع عليه.

هذا كلّه في حلّ الاشكال عن بيع الكلي الذمي من جهة اعتبار ملكية المبيع.

و أما الإشكال الثاني- و هو انتفاء المالية المعتبرة في البيع- فقد أجاب عنه السيد قدّس سرّه بما لفظه: «ان المعتبر في البيع بل سائر التمليكات ليس إلّا كون المتعلق ممّا يتموّل في حدّ نفسه و إن لم يعدّ كونه مالا عرفيّا للمملّك، و من المعلوم أن ألف منّ من الحنطة مال بهذا المعنى» «2».

و ببيان المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: ان المالية صفة ثبوتية تنتزع من الشي ء بملاحظة كونه في حد ذاته مما يميل إليه النوع، كالمنّ من الحنطة، فإنّه ليس في حدّ نفسه كالمنّ من التراب. إلّا أنّ المالية كالملكية صفة اعتبارية، و ليست كالأعراض المقولية المنوطة بوجود معروضاتها خارجا، فمنشأ الانتزاع موجود خارجا تارة، و اعتبارا أخرى. و المال بهذا المعنى صادق على الكليات الذمية بلحاظ توقّع وجودها، و لذا يتنافس العقلاء على شرائها سلما «3».

______________________________

(1): جامع المدارك، ج 3، ص 69

(2) حاشية المكاسب، ص 54

(3) حاشية المكاسب، ص 3

ص: 55

______________________________

و لو قيل بأنّ عدم مالية الكلي الذمي ينشأ من تقيده بالذمة المانع عن قابلية وجوده خارجا، و مثله يمتنع اتصافه بالمالية، قلنا: انّ العهدة ظرف للكلي لا قيده حتى يمتنع وجوده العيني، و من المعلوم عدم اقتضاء الظرفية المنع عن قابلية الانطباق على ما في الخارج، و المالية تتوقف على هذه القابلية كما لا يخفى.

و قد تحصّل اندفاع إشكال بيع الكلي من ناحيتي الملكية و المالية معا، هذا. مضافا الى الإجماع المدّعى في كلام صاحب العروة قدّس سرّه.

و قد أجيب عن إشكال الملكية بوجوه اخرى تعرض السيّد لها و لما فيها، و نحن نقتصر على بيان وجهين منها:

الأوّل: ما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه في تصوير بيع المعدوم كالسّلم بقوله: «قلت: اللازم في البيع تحقق النقل حال البيع، لا تحقق الملك حينئذ، لجواز نقل الملك المتحقق غدا أو بعد شهر اليوم، كما في نقل المنفعة في الإجارة، سيّما إذا لم يكن مبدؤها متصلا بالعقد ..» «1».

و محصله: أنّ محذور بيع الكلي يتوقف على كون البيع نقلا للملك الفعلي، فيشكل حينئذ بامتناع التمليك مع انتفاء المملوك. و لكن البيع نقل الملك، و لا مانع من فعلية النقل و استقبالية المملوك، لعدم كون النقل عرضا حتى تتوقف فعليته على فعلية معروضه و هو الملك، هذا.

و لكنك خبير بأنّه لا وجه للتصرف في معنى البيع بجعله نقلا فعليا و إن كان المنقول معدوما حين النقل، بل يمكن تصحيحه حتى بناء على كون البيع نقلا للملك الفعلي، و ذلك لأنّ الملكية و الزوجية- كما صرّح به الفاضل النراقي بعد أسطر «2»- من الأحكام الوضعية، و من المعلوم أنّها أمور اعتبارية لا ثبوت لها إلّا في أفق الاعتبار بعد تحقق مصحّح الاعتبار عند

______________________________

(1): عوائد الأيام، ص 38

(2) المصدر، ص 39

ص: 56

______________________________

العقلاء و الشرع، و ليست من الأعراض المقولية التابعة لمعروضاتها قوّة و فعلا. و لا ريب في اعتبارهم مملوكية المعدوم بعد تعارف بيع السّلم عندهم، و هو كاشف عن كفاية فرض الوجود لطرف إضافة الملكية في المعاملة عليه، و عدم اعتبار وجوده العيني، و على هذا لم يتوقف تصحيح بيع الكلّي على التصرف فيه بما أفاده الفاضل قدّس سرّه من كون الملكية حكما وضعيّا دائرا مدار الاعتبار، و ليست عرضا مقوليا حتى يتخيل امتناع قيامها بالمعدوم.

مع أنّ عدوله الى جعل البيع نقلا فعليا- و إن كان المنقول استقباليا- غير مجد، أمّا أوّلا:

فلأنّ النقل و إن لم يكن عرضا مصطلحا، إلّا أنّه من المعاني التي لا استقلال لها في التحصّل، بل لا بد أن يكون بلحاظ مكان أو إضافة، فإذا لم تكن إضافة الملكية إلى المعدوم معقولة فالنقل بلحاظها غير معقول أيضا، فكما أنّ الملكية غير فعلية فكذا النقل غير فعلي، و إنّما هو معلّق على أمر متأخر، و من المعلوم مبطلية التعليق إجماعا.

و لو قيل: بأنّ الملكية فعلية، و الموجود بالقوّة هو المملوك، فنقل الملكية فعليّ و لا ربط له بالتعليق، قلنا: إنّ الملكية نسبة خاصة بين المالك و المملوك، و مع انتفاء المملوك حسب الفرض لا يعقل وجود الملكية فعلا، و هذا كرّ على ما فرّ منه.

هذا ما أفاده السيد «1» و المحقق الأصفهاني «2» قدّس سرّهما بتوضيح منّا.

و أمّا ثانيا: فللنقض بما في كلام السيد أيضا من: أن لازم كلام الفاضل قدّس سرّه بطلان البيع إذا تعذّر بعد ذلك تسليم الكلّي، أو أمكن و لم يحصل للبائع، لكونه كاشفا عن أنه باع ما ليس له، و من المعلوم أنّه لا يكون باطلا، بل له خيار تعذر التسليم «3».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 54

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 3

(3) حاشية المكاسب، ص 54

ص: 57

______________________________

إلّا أنّه يمكن ذبّه بتصريح الفاضل بدلالة الأخبار على اشتراط المملوكية حال البيع، و إنّما يخرج عنه بدليل كما في بيع السّلم و بيع المعدوم مع الضميمة. و مقتضى هذا البيان الالتزام بصحة بيع الكلّي سلما، و تعذر التسليم لا يستلزم البطلان بل يوجب الخيار.

الوجه الثاني: ما أفاده السيد، قدّس سرّه و محصله: أنّ الملكية و إن كانت من الأعراض الخارجية، إلّا أنّ حقيقتها عين اعتبار العقلاء أو الشارع، فيمكن أن يكون محلّها موجودا في وعاء الاعتبار كالكلي الذمي و المنفعة المعدومة و الثمرة المتجددة، نظير الوجوب و الحرمة، فإنّهما و إن كانا عرضين إلّا أنّهما يتعلقان بكلّي الصلاة و الشرب قبل وجودهما في الخارج «1».

أقول: إن كان مراده قدّس سرّه من كون الملكية عرضا خارجيا ما اصطلح عليه أهل المعقول- أي الماهية التي لو وجدت وجدت في موضوع- في قبال الجوهر توجّه عليه ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من امتناع الجمع بين كونها عرضا و اعتبارا عقلائيا، لما بينهما من التقابل، فالعرض المقولي أمر واقعي، و الاعتبار المقابل للمقولات لا ثبوت له إلّا في أفق الاعتبار، فعدّها من الأعراض معناه توقف فعليّتها على فعلية معروضها أي المملوك، كما أنّها إن كانت من الاعتباريات المغايرة سنخا للمقولات كان نفس اعتبارها منشأ لترتيب الآثار عليها. و كان المناسب أن يقتصر السيد قدّس سرّه على أن حقيقتها عين اعتبار العقلاء.

و إن كان مراده من العرض معناه اللغوي و هو اللحوق لا العرض المقولي فما أفاده متين، فالملكية نسبة بين المالك و المملوك و يتصف بها المال، و معنى خارجيّتها عدم كونها مجرّد تخيّل كأنياب الأغوال. و لا تنافي حينئذ بين توصيف الملكية بالعرض الخارجي و بالأمر الاعتباري، هذا.

و الإنصاف أن ما ألزمه به المحقق الأصفهاني في محله، لكونه أخذا بظاهر الكلام.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بالمعوّض.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 54

ص: 58

[الثمن في البيع أعم من العين و المنفعة]

و أمّا العوض (1) فلا إشكال (2) في جواز

______________________________

الثمن في البيع أعم من العين و المنفعة

(1) قد عرفت اختصاص المعوّض بالعين، و أمّا العوض فلا يعتبر فيه ذلك، بل يكفي كونه مالا يرغب فيه و يتنافس عليه، سواء أ كان عينا أم منفعة أم حقّا، و حيث إنّ صدق البيع على ما إذا كان كلا العوضين عينا من المسلّمات لم يتعرض له المصنف قدّس سرّه، و إنّما عقد الكلام في مقامات ثلاثة، أحدها: في كفاية كون العوض منفعة، و ثانيها: في حكم عمل الحرّ.

و ثالثها: في جواز جعل بعض الحقوق عوضا، و سيأتي تفصيل الكلام فيها عند تعرض المصنف له إن شاء اللّه تعالى.

أمّا إذا كان العوض عينا فيجري فيه ما تقدّم في المعوّض من الأقسام، من الشخصية و الكليّة بأنواعها.

(2) من هنا شرع المصنف في بيان المائز بين الثمن و المثمن، و هو إشارة إلى المورد الأوّل أعني به البحث عن جواز كون الثمن منفعة، خلافا للوحيد البهبهاني قدّس سرّه القائل باعتبار عينية العوضين معا.

ثم إن المنفعة تطلق على معنيين:

الأوّل: ما يقابل العين، و هي حيثية قائمة بالعين، سواء أ كانت منفعة الأعيان الجامدة كسكنى الدار، أم منفعة الأعيان الناطقة كالأعمال المحترمة التي يعملها الكسوب- حرّا كان أو عبدا- كالخياطة و الطبابة و النجارة.

الثاني: ما يشمل العين، فيكون بمعنى الرّبح و الفائدة، فكما يقال: استفاد بتجارته عشرة دنانير مثلا أو ربح فيها، فكذا يقال: إنه انتفع فيها بعشرة، و من المعلوم أنّ المنفعة بهذا المعنى أعمّ من العين الخارجية و من الحيثية القائمة بالعين.

و المقصود بالمنفعة هنا هو المعنى الأوّل أي ما يقابل العين، كما لا يخفى.

ثم إنّ المصنّف قدّس سرّه حكم بجواز وقوع المنافع ثمنا في البيع سواء أ كانت كسكنى الدار أم

ص: 59

كونها (1) منفعة، كما في غير موضع من القواعد (2) و عن التذكرة (3) و جامع المقاصد، و لا يبعد عدم الخلاف فيه (4).

______________________________

خدمة العبد أم عمل الحرّ، و فصّل في الأخير بين وقوع معاوضة عليه قبل جعله ثمنا في البيع، و بين عدم وقوع المعاوضة عليه قبله، بالجواز في الأوّل و التأمل في الثاني كما سيظهر.

(1) تأنيث الضمير باعتبار الخبر.

(2) قد ظفرت بتصريح العلامة بجواز كون العوض منفعة في موضعين من القواعد، أوّلهما بيع السلف، حيث قال فيه: «و لو كان الثمن خدمة عبد أو سكنى دار مدّة معيّنة صحّ» «1» و من المعلوم عدم الفرق بين بيع السلف و غيره في الحكم.

و ثانيهما: عوض الإجارة، حيث قال: «و كلّما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون عوضا، عينا كان أو منفعة، ماثلث أو خالفت» «2».

(3) قال في إجارة التذكرة: «مسألة: كلّما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة، لما بينهما من التناسب حتى ظنّا واحدا. فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينا أو منفعة» «3».

(4) أي: في جواز كون العوض منفعة، قال في الجواهر: «و أمّا الثمن فالظاهر من إطلاق الأدلّة و الفتاوى و ما صرّح به في المصابيح من أنّه مطلق المقابل، فيدخل فيه الشخصي و الكلّي، و العين و المنفعة، فيكون البيع بالنسبة إلى ذلك كالإجارة و الصلح يقع بكلّ منهما، و لا فرق بينها من هذه الجهة» «4».

______________________________

(1): قواعد الأحكام، ص 52

(2) قواعد الأحكام، ص 89

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 292، و لا حظ كلام المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 103

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 209

ص: 60

نعم (1) نسب (2) إلى بعض الأعيان (3) الخلاف فيه (4).

و لعلّه (5) لما اشتهر في كلامهم من «أنّ البيع لنقل الأعيان».

______________________________

(1) استدراك على نفي البعد عن تحقق الإجماع على وقوع المنفعة ثمنا في البيع، و حاصله:

أنّه نسب الى بعض الأعيان اعتبار كون العوض عينا كالمعوّض، و مع وجود المخالف في المسألة لا تتجه دعوى نفي الخلاف.

(2) الناسب هو الفقيه الكبير الشيخ جعفر النجفي في شرحه على بيع القواعد، قال فيه:

«و منع بعض الأعيان ناش من قول بعض الفقهاء: انه موضوع لنقل الأعيان. و ليس إلّا نظير قولهم: الإجارة موضوعة لنقل المنافع».

(3) و هو الوحيد البهبهاني قدّس سرّه في رسالته الفارسية في المعاملات، قال فيها ما ترجمته:

«و من شرائط البيع كون المبيع و الثمن عينا لا منفعة، إذ البيع انتقال عين بإزاء انتقال عين. و أمّا المنفعة فيمكن انتقالها بعنوان اللزوم بعقد إجارة أو صلح» «1». و وافقه الفاضل النراقي قدّس سرّه «2».

(4) أي: في جواز كون العوض منفعة.

(5) أي: و لعلّ خلاف بعض الأعيان، و مقصوده قدّس سرّه توجيه فتوى الوحيد البهبهاني قدّس سرّه من اعتبار عينية كلا العوضين، و هذا التوجيه مذكور في مفتاح الكرامة و الجواهر «3»، و سبقهما في التنبيه عليه الفقيه الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه. و توضيحه: أنّه يمكن أن يكون خلاف بعض الأعيان ناظرا إلى ما اشتهر في كلمات الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» في مقام الفرق بين البيع و الإجارة «أن البيع نقل الأعيان، و الإجارة نقل المنافع» و عليه لا يصدق مفهوم البيع

______________________________

(1): آداب التجارة، ص 25، و هذا نصّ كلامه: و از جملة شرائط بيع آن است كه مبيع و ثمن عين باشند نه منفعت، چه بيع انتقال عين بإزاء انتقال عين است. و أما منفعت پس انتقال آن بعنوان لزوم بعقد إجاره مى شود يا صلح.

(2) مستند الشيعة، ج 2، ص 371

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 148؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 209

ص: 61

و الظاهر (1) إرادتهم بيان المبيع، نظير قولهم: إنّ الإجارة لنقل المنافع.

______________________________

إلّا إذا كان كلا العوضين عينا، فمثل «تمليك كتاب بسكنى دار شهرا» ليس بيعا.

(1) هذا ردّ التوجيه المزبور، و حاصله: أنّ المراد بهذه الجملة المعروفة بين الفقهاء تعيين حال المعوّض خاصة، سواء في باب البيع و الإجارة، فمرادهم بوضع البيع لنقل الأعيان هو اعتبار عينية المبيع، كما أنّ مقصودهم بوضع الإجارة لتمليك المنافع هو اعتبار كون المعوّض منفعة، من دون نظر الى بيان حال العوض. و الشاهد على هذه الدعوى تصريح بعضهم- كما تقدم في عبارة قواعد العلامة- بجواز كون عوض الإجارة عينا و منفعة، فإذا آجر داره سنة للسكنى جاز أن يجعل الأجرة مائة دينار، كما جاز أن يجعلها خياطة ثوب أو بناء غرفة، و نحوهما. و هذا كاشف عن كون قولهم: «الإجارة لنقل المنافع» ناظرا إلى المعوّض خاصة، بلا نظر الى العوض، فيتعيّن حينئذ أن يراد بقولهم: «البيع لنقل الأعيان» اختصاص المعوّض بالعين، فالعوض إنّما تعتبر ماليّته سواء أ كان عينا أم منفعة أم حقّا، على خلاف في الأخير سيأتي بيانه.

هذا تمام ما أفاده المصنف في المقام الأوّل مما يتعلق بالعوض، و صار حاصله:

جواز كون المنافع ثمنا في البيع، إلّا صنفا خاصّا منها و هو عمل الحرّ كما سيأتي [1].

______________________________

[1] ما أفاده المصنف قدّس سرّه من نفي الاشكال عن كون العوض منفعة لا بدّ أن يكون لصدق «المال» عليها حتى ينطبق عنوان البيع أي «مبادلة مال بمال» على تمليك عين بمنفعة.

و لكنه ينافيه تردّده في مالية المنافع فيما يتعلق بالمقبوض بالعقد الفاسد من قوله تارة:

«بعد تسليم كون المنافع أموالا حقيقة» و أخرى: «بناء على صدق المال على المنفعة» و إن كان الصحيح ما اختاره هنا، من كفاية كون الثمن منفعة، إذ لا وجه لتخصيص الأموال بالأعيان كما هو ظاهر.

و كيف كان فيمكن الانتصار لمذهب الوحيد البهبهاني قدّس سرّه بوجوه اخرى غير ما تقدم

ص: 62

______________________________

في كلامه من كون البيع لنقل الأعيان.

الأوّل: انصراف أدلة البيع الى المتعارف من البيوع المتداولة بين الناس، من كون الأثمان أعيانا كالدراهم و الدنانير، لا منافع و إن كانت أموالا حقيقة.

و فيه: أن الموجب لانصراف الإطلاق إلى حصة من الطبيعي هو التشكيك في الصدق، لا مجرد غلبة الوجود. فمع الاعتراف بمالية المنافع كالأعيان- و صدق «مبادلة مال بمال» حقيقة على تمليك عين بمنفعة- لا وجه للشك في شمول الأدلة له كما هو واضح. نعم لا بأس بهذا الانصراف في مثل أدلة مانعية لبس ما لا يؤكل في الصلاة عن أجزاء الإنسان مع كونه من أفراده.

الثاني: الترديد في صدق «المال» على المنفعة، إمّا للجمود على ظاهر كلام ابن الأثير و غيره من عدم تسلّم صدقه على المنفعة، فيتوقف صدق البيع على كون العوضين من الأعيان.

و إمّا لأنّ المنافع معدومة حال العقد، و لا مالية للمعدوم، كما لعلّه يستفاد من كلام الشهيد قدّس سرّه في قواعده من أنّ «مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة، لأنّ المنافع معدومة» «1».

و فيه: أنّ المال صادق عرفا على المنافع بل الحقوق أيضا، فلو شكّ في سعة مفهومه لها لغة كفى التعويل على معناه لدى العرف العام، مع أنّ ظاهر القاموس تعميم المال للمنافع، لقوله:

«ما ملكته من جميع الأشياء» إلّا أن يدّعى عدم إطلاق الشي ء إلّا على الأعيان، فليتأمّل.

و أمّا مجرد كون المنفعة معدومة فلا يقتضي سلب المالية عنها، لما تقدم في بيع الكلي من أن المناط في الملكية و المالية وجود مصحّح الاعتبار العرفي أو الشرعي، لا وجود ذات المال و الملك خارجا. و عليه فسكنى الدار مثلا مما يبذل بإزائه المال و يرغب فيه، و معه لا وجه لنفي مالية المعدوم و لا ملكيته بقول مطلق.

الثالث: أن المنافع غير مملوكة، و هو إشكال حكاه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 2، ص 272، القاعدة: 264

ص: 63

______________________________

بيعه و إجارته عن بعض أهل الدقة- و وافقه بعض الأجلة- من المنع عن جعل المتعلق في إجارة الأعيان هو المنفعة، بل لا بد أن يكون تمليك العين في جهة خاصة. و محصل الاشكال:

أن المقصود من تمليك المنفعة تسليط الطرف المقابل على حيثية من حيثيات العين ذات المنفعة كالدار للسّكنى فيها، و الدابة للركوب عليها. و هذا مما يمتنع تحققه، لعدم كون السكنى من أعراض الدار حتى تكون مملوكة لمالك الدار بتبعها، بل هي عرض قائم بالساكن، و عرض الساكن لو كان مملوكا لكان لموضوعه لا لغيره، و إذا لم يملكه الموجر فكيف يملكه المستأجر؟

و لأجله لا بد من تعريف الإجارة بأنها «تمليك العين في جهة خاصة في مدة مخصوصة» في قبال البيع الذي هو تمليك العين من جميع الجهات بلا تقيد بجهة و لا مدّة «1».

و هذا الاشكال- لو تمّ- منع عن تمليك المنفعة وحدها، بل يتعين تمليك العين في جهة استيفاء منفعتها، و لا فرق في كون الاستيفاء عرضا قائما بمن يستوفيها- لا بالعين التي تقع موردا للإجارة- بين جعل المنفعة معوّضا كما في باب الإجارة، و بين جعلها عوضا كما في البيع. و لا يقدح اختلافهما في قصر السلطنة في الأوّل على حيثية معيّنة من العين، و شمولها في الثاني لجميع شؤونها، و وجه عدم الفرق استحالة تمليك المنفعة وحدها.

و أجاب عنه المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه بمنع مبنى العدول عن تعريف المشهور للإجارة إلى تعريفها بتمليك العين في جهة خاصة. و محصّل ما أفاده:- بتوضيح منّا- أنّ سكنى الدار ليست عرضا قائما بالمستأجر خاصة حتى يتوهم عدم مملوكيتها للموجر حتى يمتنع تمليكها للمستأجر، بل سكنى الدار كما هي مبدأ لعنوان الساكنية المنتزع من ذات الساكن- أي المستأجر- كذلك هي مبدأ لعنوان المسكونية المنتزع من الدار، كما هو حال كل عنوانين متضايفين، فما هو من شؤون الدار و حيثياتها هي حيثية المسكونية، لا حيثية

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 7 (رسالة الحق)، كتاب الإجارة، ص 5

ص: 64

______________________________

الساكنية التي هي عرض قائم بالمستأجر. غاية الأمر أن حيثية المسكونية لها نحوان من الوجود.

أحدهما: وجودها الاستعدادي القائم بالدار على حدّ وجود المقبول بوجود القابل كالنطفة و الطفل، و هو في الدار قابليتها للسكنى، و هذا أمر قارّ غير متدرج في الوجود، و باق ما دامت الدار باقية على حالها و لم تسقط عن قابلية السكنى فيها.

و ثانيهما: وجودها الفعلي أي المنفعة التدريجية، حيث إنّ فعليّتها تكون بفعلية مضايفها القائم بالمستأجر في مقام الاستيفاء، و من المعلوم أنّ متعلق الإجارة هو هذه الحيثية التي تكون من شؤون الدار، و لا ريب في أن شؤون العين قابلة لعروض الملكية لها بتبع مملوكية العين.

و الحاصل: أنّ مورد الإجارة هو حيثية المسكونية الفعلية المضايفة للساكنية الفعلية، و ما هو من أعراض المستأجر حيثية الساكنية، و ليست هي محطّ النظر.

هذا مضافا إلى: أن حقيقة السكنى- التي هي مبدأ عنواني الساكنية و المسكونية- و إن كانت هي عين الكون في الدار، و هو عرض لذات الكائن لا للدار، إلّا أنّ هذا العرض حيث إنه من الأعراض النسبية التي لها نسبة إلى غير موضوعاتها- في قبال الأعراض غير النسبية- جاز أن يكون زمام أمره بيد مالك الدار، و لا نعني بالملكية إلّا ذلك.

فتحصّل: أن منافع الأعيان مملوكة بتبع الأعيان، لكونها من شؤونها و حيثياتها. و عليه فلا وجه للتحاشي عن تعريف الإجارة بتمليك المنفعة.

و لو فرض تسليم الاشكال فتعريفها «بتمليك العين من جهة» لا يجدي في دفع الغائلة، إذ لو كان معروض الملكية نفس تلك الجهة- كالسكنى في الدار- لا العين عاد محذور تعلق الملكية بالمنفعة. و لو كان معروضها نفس العين المخصّصة بجهة بما هي مقيّدة بها لزم اجتماع ملكين استقلاليين على عين واحدة. و تقيّد مملوكيتها للمستأجر بجهة، و إطلاقها للموجر لا يوجب تعدد الموضوع. و دعوى خروجها عن ملك الموجر موقّتا، و صيرورتها ملك

ص: 65

______________________________

المستأجر خاصة فلا يلزم اجتماع مالكين على عين واحدة، ممنوعة، للقطع بمشروعية التصرفات المالكية فيها للموجر من بيعها و هبتها و سائر الآثار المترتبة على ملك الموجر لها غير المزاحمة لانتفاع المستأجر بها. و كلّ ذلك دليل على بقاء الرقبة على ملك الموجر «1».

و نتيجة هذا البحث: أنّ المنع عن وقوع المنافع عوضا في البيع و معوّضا في الإجارة ممّا لا وجه له، لا من جهة التشكيك في ملكية المعدوم، و لا في مالية المنفعة.

و لو انتهى البحث الى الشك في صدق المال على المنفعة لزم الاقتصار على القدر المتيقن من مفهوم البيع و هو عينية كلا العوضين، لكون الشبهة مفهومية، و في مثلها لا مجال للتمسك لنفيه بإطلاق ما دلّ على حلية البيع- كما في بعض الكلمات- لكون الشك في موضوع الدليل حسب الفرض.

نعم لا بأس بالتمسك لصحة هذه المعاوضة بما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود، و بحليّة الأكل بالتجارة عن تراض و نحوهما من العمومات، و إن لم يترتب عليها الأحكام المختصة بالبيع.

هذا بناء على عدم كون عنوان «العقد» مشيرا إلى خصوص العقود المتعارفة في عصر التشريع، و إلّا امتنع التمسك بالآية أيضا لمشروعية تمليك العين بالمنفعة ما لم يحرز التّعارف في ذلك العصر. إلّا أنّ الحمل على المشيرية مخالف لظهور العناوين المأخوذة في الخطابات في الموضوعية، كما هو ظاهر.

هذا كله فيما يتعلق بجعل المنفعة عوضا، و سيأتي الكلام في المقام الثاني و هو عمل الحر.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 7 و 8 (رسالة الحق)؛ كتاب الإجارة، ص 5

ص: 66

[جواز وقوع عمل الحرّ ثمنا في البيع]

و أمّا (1) عمل الحرّ

______________________________

جواز وقوع عمل الحرّ ثمنا في البيع

(1) استدراك على قوله: «و أمّا العوض فلا إشكال في جواز كونه منفعة» و عمل الحرّ و إن كان صنفا من طبيعيّ المنفعة، إلّا أنّ وجه إفراده بالبحث هو الشبهة في ماليّته، بخلاف سائر المنافع التي لا ريب في ماليّتها. و قد أشرنا إلى أنّ الثمن إمّا أن يكون عينا أو منفعة أو عمل حرّ أو حقّا، و تقدم الكلام في مطلق المنفعة، و جواز وقوعه عوضا، و يقع الكلام في المقام الثاني و هو استثناء عمل الحرّ عن حكم كلّي المنفعة، للشك في صدق مفهوم «المال» عليه.

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ منفعة الآدمي- التي يقصد جعلها ثمنا في البيع- إمّا أن تكون خدمة مملوك، و إمّا أن تكون عمل حرّ، و الثاني إمّا أن تقع المعاوضة عليه قبل البيع، و إمّا لا، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن تكون المنفعة عمل مملوك كما إذا أراد السيّد شراء كتاب و جعل ثمنه خدمة مملوكه يوما، و لا شبهة في صحة هذا البيع، لكون الثمن مالا مملوكا بتبع ملك رقبته، و من المعلوم سلطنة السيّد على أنحاء التصرفات المشروعة في ماله، و منها جعل عمل عبده أو أمته ثمنا في شراء سلعة.

الثاني: أن تكون المنفعة عمل حرّ قد عومل بها، كما إذا آجر زيد نفسه لخياطة ثوب عمرو بدينار، و صارت الخياطة مملوكة للمستأجر في ذمة أجيره، فإذا اشترى المستأجر كتابا من بكر صحّ جعل عوضه الخياطة التي يملكها في ذمة زيد، و تصير مشغولة حينئذ لبكر بعد ما كانت مشغولة لعمرو. و الوجه في الصحة كون هذه المنفعة الخاصة مالا مملوكا للمستأجر، و لا يعتبر في البيع إلّا صدق «مبادلة مال بمال» و المفروض تحققه في عمل الحرّ بعد وقوع معاوضة عليه بإجارة أو صلح.

الثالث: أن تكون المنفعة عمل حرّ و أريد جعله ثمنا في البيع ابتداء من دون سبق معاوضة عليه، و هذا هو مورد البحث فعلا، كما إذا اشترى الحرّ الكسوب كتابا و جعل ثمنه

ص: 67

..........

______________________________

خياطة ثوب، بأن يقول البائع: «بعتك كتابي بخياطة هذا الثوب» و قبله المشتري. و في صحة هذا البيع وجهان أحدهما الصحة، و الآخر البطلان.

و وجه الأوّل: انطباق تعريف البيع عليه، إذ المراد بالمال كل ما يتنافس العقلاء عليه و يبذلون بإزائه شيئا، عينا أم منفعة أم عمل حرّ أم خدمة عبد، و من الواضح صدق المال على عمل الحرّ كخياطته و نجارته سواء وقعت معاوضة عليه أم لم تقع، فالمناط كون العمل في حدّ نفسه مما يرغب فيه النوع. و لولاه لزم بطلان إجارة عمل الحرّ، لوضوح اعتبار مالية المنفعة في باب الإجارة أيضا، مع أنّه لا ريب في صحتها. و من المعلوم أن وزان الإجارة وزان البيع في مبادلة الأموال، غايته أن هذا يفيد تمليك الأعيان، و تلك تفيد تمليك المنافع.

و وجه الثاني:- و هو البطلان- احتمال اعتبار مالية العوضين- في حدّ ذاتهما- قبل ورود البيع عليهما، لظهور تعريف المصباح في وقوع المبادلة بين شيئين اتّصفا بالمالية مع الغض عن المعاوضة، و من المعلوم أن عمل الحرّ- قبل المعاوضة عليه بإجارة أو صلح- ليس مالا، بل ماليته تتوقف على المعاوضة عليه، فالخيّاط بمجرد معرفته بالخياطة ليس ذا مال، و إنّما يصير كذلك إذا ملّك عمله للغير بعوض.

و يكشف عن عدم مالية عمل الحرّ- في حد ذاته- ما ذكروه في مسائل:

الأولى: في الاستطاعة المالية للحج، حيث لا يعدّ الكسوب المحترف مستطيعا من ناحية كسبه و صنعته، و تتوقف استطاعته المالية على أن يؤجر نفسه للغير- قبل الحج- بما يفي بمئونة حجه، فلو خرج مع الرّفقة و لا يجد ما يحجّ به لا يجب عليه أن يؤجر نفسه في الطريق بما يكفي لنفقته، لأنّه تحصيل للاستطاعة، و من المعلوم عدم وجوب تحصيلها.

و لو كان نفس عمل الحر و صنعته مالا- سواء آجر نفسه للغير أم لا- لكان مستطيعا قبل الإجارة و واجدا لما يحجّ به، و وجب عليه إجارة نفسه مقدمة لأداء الحج الواجب عليه.

ص: 68

فان قلنا (1): إنّه قبل المعاوضة عليه (2) من الأموال فلا إشكال، و إلّا (3)

______________________________

الثانية: في ضمان حابس الحرّ الكسوب لمنافعه الفائتة منه في الحبس، حيث فصّلوا بين كون المحبوس أجيرا لغيره- قبل الحبس- فيضمنها الحابس، و بين عدم كونه أجيرا فلا يضمنها. و لو كان ذات عمله و منفعته متصفة بالمالية لزم تغريم الحابس مطلقا، و لم يبق وجه للتفصيل المزبور.

الثالثة: في حجر المفلّس، حيث إنه محجور بالنسبة إلى أمواله، لتعلق حق الغرماء بها، و ليس محجورا بالنسبة إلى أعماله. و لو كانت أعماله أموالا لكان محجورا بالنسبة إليها أيضا.

و الحاصل: أن الترديد في صدق المال على عمل الحرّ- قبل المعاوضة عليه- يكفي في المنع عن جعله عوضا في البيع، و لا يلزم الجزم بعدم ماليّته، لوضوح مانعية الشك في المالية عن التمسك بإطلاق أدلة الإمضاء، لكونه من الشك في موضوع الدليل.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 69

هذا توضيح كلام المصنّف قدّس سرّه في عمل الحرّ. و محصله: عدم صلاحية عمل الحر لوقوعه ثمنا في البيع، و ذلك لمقدّمتين:

الاولى: عدم كون عمله في حدّ نفسه مالا، و البيع مبادلة بين مالين.

ثانيتهما: أنّه يعتبر مالية العوضين قبل البيع، و لا يكفي اتصاف عمل الحرّ بالمالية بنفس البيع.

و قد ظهر مما ذكرناه وجه تقييد العمل بكونه عمل الحرّ، و هو الاحتراز عن عمل العبد، فإنّه مال مملوك لمولاه بلا ريب كما تقدم.

(1) هذا وجه تصحيح جعل عمل الحرّ- كسائر المنافع- ثمنا في البيع، و كأنّه قال: «و أما عمل الحر ففيه وجهان فان قلنا ..» و كيف كان فقد عرفت توضيح وجه الصحة بقولنا:

«و وجه الأوّل انطباق تعريف البيع عليه .. إلخ».

(2) هذا الضمير و ضمير «انه» راجعان الى عمل الحرّ.

(3) أي: و إن لم نقل بكون عمل الحر مالا في حد نفسه- بل تتوقف ماليته على المعاوضة عليه- أشكل وقوعه ثمنا في البيع. و قد عرفت وجه الاشكال بقولنا: «و وجه الثاني-

ص: 69

ففيه (1) إشكال، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع مالا قبل المعاوضة (2)، كما يدلّ عليه (3) ما تقدّم عن المصباح [1].

______________________________

و هو البطلان- احتمال اعتبار ..».

(1) أي: ففي جواز كون عمل الحرّ عوضا في البيع إشكال، منشؤه احتمال اشتراط البيع بمالية العوضين ذاتا، لا حدوث المالية لهما أو لأحدهما بالبيع.

(2) أي: قبل المعاوضة البيعية، يعني: سواء استؤجر على عمله قبل البيع أم لم يستأجر عليه، فليس المراد بكلمة «المعاوضة» هنا مطلق المعاملة، إذ لو آجر الحرّ نفسه لخياطة ثوب فقد صحّ أنه عاوض على عمله، فيقع عمله المملوك للمستأجر عوضا عن المبيع.

(3) أي: على اعتبار كون العوضين مالا قبل إنشاء البيع. و وجه دلالة تعريف المصباح عليه هو: أن «مبادلة مال بمال» مؤلّفة من موضوع و محمول، فالموضوع هو المالان، و المحمول هو المبادلة بينهما، و لا ريب في ظهور التعريف في وقوع المبادلة بين المالين الفعليين، لا بين ما سيصير مالا بنفس البيع، و لو فرض عدم هذا الظهور كان نفس الشك في الموضوع كالقطع بانتفائه في عدم جواز التمسك بدليل الإمضاء.

______________________________

[1] لا يخفى ظهور المتن في أن المراد بعمل الحرّ هو فعله بمعناه المصدري كما مثّلنا له بالخياطة و نحوها من الحرف، كما أنّ منشأ تردّد المصنف قدّس سرّه في كونه عوضا في البيع هو عدم اتصافه بالمالية قبل المعاوضة عليه، لا عدم كونه ملكا.

و قد يقال: إنّ المقصود من العمل معناه الاسم المصدري، و هو أثره ككون الثوب مخيطا، و توضيحه: أن المالية صفة وجودية تنتزع من الموجود، و فعلية الأمر الانتزاعي و شأنية منشئه غير معقولة، و العمل المتصف بالمالية بعد المعاوضة عليه هو الأثر، ضرورة كون العمل قبل الشروع فيه و بعد الفراغ منه معدوما، و هو في حال التلبس به معدوم أيضا بمقتضى تدرجه في الوجود و عدم كونه قارّا، و المعدوم ليس بمال. فما يقبل الاتصاف بالمالية

ص: 70

______________________________

هو أثره المحسوس كالخياطة و الصباغة، و هذا بخلاف ما لا يبقى أثره كصلاة الأجير و صومه، فإنّ صدق المال عليه مشكل، هذا ما قيل.

لكنك خبير بإمكان اتصاف المعدوم بالمالية و المملوكية، كما في الكلي المبيع، و الثمن في النسيئة، و المنفعة المتدرجة الوجود في باب الإجارة. و لو سلّم قيامهما بالموجود العيني لا الاعتباري لم يكن وجه لصرف العمل عن معناه الحدثي إلى أثره بعد ظهور الكلام بل صراحته في إرادة جعل العمل- بما هو صنف من طبيعي المنافع- عوضا في البيع، و من المعلوم كون المنفعة متصرّمة الوجود لا قرار لها، و لازمه الالتزام بمنع مالية مطلق المنافع، لا خصوص عمل الحرّ، و هو كما ترى.

ثم إنّ الاشكال في عمل الحرّ كما ينشأ من الترديد في ماليته أو الجزم بعدمها، فكذا ينشأ من انتفاء ملكيته، لعدم كونه مضافا إليه بإضافة الملكية الاعتبارية، مع أنّ البيع مبادلة المالين في الملكية، و يظهر من بعض أهل النظر حمل المتن- من الشك في المالية- على انتفاء الملكيّة بين الحرّ و عمله، و إن كان هذا التنزيل خلاف الظاهر جدّا.

و كيف كان فالمسألة ذات وجوه:

أحدها: كون عمله مالا مطلقا سواء أ كان قبل المعاوضة عليه أم بعدها، كما يظهر من تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه «1».

ثانيها: عدمه كذلك.

ثالثها: التفصيل بين وقوع المعاوضة عليه و عدمه كما في المتن.

رابعها: التفصيل بين عمل الكسوب و غيره كما مال إليه السيد قدّس سرّه «2».

و لا يبعد أن يقال بمالية عمله مطلقا، لصدق حدّ المال عليه من «كونه شيئا يبذل بإزائه المال» أو «شيئا يدّخر لوقت الضرورة و الحاجة» أو «شيئا يجري فيه الشّح» فعمل الحرّ كعمل

______________________________

(1): المكاسب و البيع، ج 1، ص 92

(2) حاشية المكاسب، ص 55

ص: 71

______________________________

العبد في الرغبة و النفع و الأثر، فكما لا تكون المعاملة على خدمة العبد سفهية، فكذا على عمل الحرّ، و لذا يصحّ جعله صداقا في النكاح، و أخذ العوض بإزائه في الإجارة و الصلح.

و الجزم بعدم ماليته قبل المعاوضة عليه أو الشك فيها إمّا أن يكون لاختصاص المال بالأعيان ذوات المنافع، و إمّا أن يكون لتقوّم مالية الشي ء بوجوده فعلا لا قوّة. و كلاهما ممنوع كما مرّ آنفا، و في بحث جعل مطلق المنفعة عوضا في البيع.

بل يمكن الالتزام بصحة وقوعه عوضا في البيع- قبل المعاوضة عليه- مع اعتبار مالية العوضين، لكفاية ماليّته بنفس البيع كما تقدّم في تصوير الملكية الآنامّائية في بيع الكلّي سلفا و نحوه.

و أما إشكال عدم تملك الإنسان لعمل نفسه بالملكية الاعتبارية ففيه:- بعد تسليم اعتبار الملكية بهذا المعنى في صحة المعاوضة- أنّ البيع مبادلة مال بمال، لا مبادلة مال مملوك بمثله، بشهادة جواز بيع الوقف عند طروء المسوّغ، و شراء الحاكم الشرعي آلات البناء للمساجد مثلا بسهم سبيل اللّه، مع أنه ليس ملكا لأحد.

و عليه فلا مانع من جعل عمل الحرّ عوضا في البيع بعد صدق المال عليه عرفا.

و أمّا ما تقدم في التوضيح- من الاستشهاد على عدم مالية عمله قبل المعاوضة عليه بمسألة الاستطاعة و ضمان الحابس و نحوهما- فلا ينفي ماليته، بل مالكيته لعمله بالملكية الاعتبارية العقلائية.

توضيحه: أمّا الاستطاعة فلأنّها- كما يظهر من أخبارها- منوطة بوجدان نفقة الحج فعلا من الزاد و الراحلة و نحوهما من المؤن، و عدم كفاية مجرّد التمكن من تحصيلها، ففي معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تفسير السبيل بقوله عليه السّلام: «أن يكون له ما يحجّ به» «1» و في معتبرة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في تفسير آية الاستطاعة: «من كان صحيحا في بدنه

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 8، ص 22، كتاب الحج، الباب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث: 3

ص: 72

______________________________

مخلّى سربه، له زاد و راحلة» «1» و نحوهما غيرهما «2»، و ظهور اللام في الملك مما لا ينكر، و من المعلوم أنّه لا يصدق على أرباب الأعمال- قبل المعاوضة عليها- أنّهم مالكون للأموال.

و إضافة العمل الى الحرّ ليست كإضافة الكتاب الى زيد اعتبارا في «كتاب زيد» بل من إضافة العرض الى موضوعه في القيام به تكوينا. نعم للحرّ سلطنة على تمليك عمله للغير، لكونها- كما أفيد- من مراتب سلطانه على النفس بجميع شؤونها.

فان قلت: إنّ مقتضى نصوص الاستطاعة و إن كان ملك الزاد و الراحلة فعلا، و عدم كفاية القدرة على تحصيلها في وجوب الحج، إلّا أنّ الحرّ الكسوب و ذا الصنعة ممّن يستطيع الحج أيضا، و ذلك لأنّ الأخبار المفسّرة للاستطاعة كما ورد فيها ما يكون ظاهرا في ملك النفقة فعلا كقوله عليه السّلام: «له ما يحج به» كذلك ورد فيها كفاية وجدان المؤن، كما في رواية حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ اللّه عزّ و جلّ فرض الحجّ على أهل الجدة ..» «3».

و مادة الوجود و الوجدان و إن كانت ظاهرة في حصول الشي ء فعلا، فهي مساوقة لقوله عليه السّلام: «له ما يحج به». إلّا أنّ هذا المضمون ورد أيضا في نصوص زكاة الفطرة الظاهرة في حصر المكلّفين في صنفين، أحدهما من يجب عليه أن يزكّي و هو «الواجد و الغني و ذو المرّة»، و ثانيهما من لا يجب عليه ذلك، و هو «الفقير و من لا يجد».

ففي رواية عبيد اللّه بن ميمون عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السّلام: «قال: ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج» «4». و في رواية الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قلت له: لمن تحلّ

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 8، ص 23، الباب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث: 7

(2) المصدر، الحديث: 1 و 4 و 9

(3) وسائل الشيعة، ج 8، ص 11، الباب 2 من أبواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث: 2، و نحوه الحديث 4 و 5

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 223، الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث: 2

ص: 73

______________________________

الفطرة؟ قال: لمن لا يجد، و من حلّت له لا تحلّ عليه، و من حلّ عليه، لم تحلّ له» «1».

و ظاهرهم حمل الوجدان على التمكن و القدرة على تحصيل المال، لا مالكيّته فعلا، قال السيد قدّس سرّه في العروة: «و كذا لا يجوز- يعني أخذ الزكاة- لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصّل منهما مقدار مئونته» «2» و مقتضاه عدم كون الحرّ المحترف فقيرا مستحقا للزكاة، بل هو غني بمجرّد تمكنه من الكسب و إعمال صنعته، و أنّ فقده للنقد ليلة العيد لا يقدح في غناه و واجديته لما يتصدّق به، و لا يوجب فقره و استحقاقه للزكاة.

و عليه فليكن المراد من الوجدان في نصوص الاستطاعة المالية مجرّد القدرة على تحصيل الزاد و الراحلة، لا مالكيتهما فعلا بملك النقد و الثمن.

و الحاصل: أنه لا وجه للتفكيك بين الاستطاعة و الزكاة، فإمّا أن يراد من كلمة «يجد» في المقامين فعليّة المال، التي مقتضاها عدم وجوب الزكاة على الكسوب، بل هو مستحق لها، و إمّا أن يراد منها في المقامين ما يعمّ القدرة على التحصيل، و لازمه وجوب الحجّ على الكسوب الفاقد للنقود، القادر على تحصيلها بالعمل في الطريق.

قلت: لا منافاة بين المقامين، لأنّ «الجدة و الوجود و الوجدان» و ما يشتق منها غير ظاهرة في الغنى و إصابة المال فعلا، بل قد يراد بها ذلك و قد يراد بها اليسار و التمكن، و التعيين منوط بالقرينة. و كذلك وردت في اللغة، ففي اللسان: «التهذيب: يقال: وجدت في المال- وجدا و وجدا و وجدا و وجدانا و جدة أي: صرت ذا مال .. و الوجد .. اليسار و السعة» «3». و في المفردات: «و يعبّر عن التمكن من الشي ء بالوجود، نحو: اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، أي: حيث رأيتموهم .. فلم تجدوا ماء: فمعناه: فلم تقدروا على الماء، و قوله: من وجدكم أي:

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 6، ص 224، الحديث 9

(2) العروة الوثقى، ج 2، ص 306، كتاب الزكاة، الفصل السادس في أصناف المستحقين.

(3) لسان العرب، ج 3، ص 445

ص: 74

______________________________

تمكنكم و قدر غناكم، و يعبّر عن الغنى بالوجدان و الجدة، و عن الضالّة بالوجود ..» «1».

و في بعض أخبار التيمم تفسير وجدان الماء بالتمكن منه و لو بالشراء مع عدم إصابته فعلا، كرواية الحسين بن أبي طلحة عن العبد الصالح عليه السّلام: «قال: فان لم تجدوا بشراء و بغير شراء» «2» فالقدرة على تحصيل الماء بالشراء وجدانه حقيقة.

و الحاصل: أن هذا المبدأ يستعمل تارة في حضور الشي ء فعلا و القدرة الفعلية على التصرف فيه، و اخرى في التمكن من تحصيله مع فقده فعلا. و يتوقف استظهار كلّ منهما على قرينة معيّنة.

و عليه فلا وجه لجعل نصوص الاستطاعة و زكاة الفطرة من باب واحد، لفرض إجمال مادة الوجدان و الوجود، و احتمال إرادة اليسار و الغنى الفعليين، و إرادة القدرة على تحصيله.

و من المعلوم أنّ النصوص المشتملة على «لام» الملك كقوله عليه السّلام: «له ما يحج به» ظاهرة جدّا في إصابة المال و القدرة الفعلية على التصرف فيه، و عدم كفاية التمكن من تحصيله، فتكون قرينة على المراد من «الجدة» في الأخبار المشتملة عليها. و لذا قال السيد قدّس سرّه في باب الاستطاعة: «إذا لم يكن عنده الزاد، و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه، و إن كان أحوط» «3».

و هذا بخلاف باب زكاة الفطرة، إذ لم يرد فيها ما يصرف اللفظ عن ظهوره في التمكن من التحصيل، و لذا أفتوا بعدم كون الكسوب مستحقا للزكاة لكونه ممّن يجد المال.

و الحاصل: أن عمل الحرّ و إن كان مالا عرفا، إلّا أنّه لا يوجب الاستطاعة، من جهة اعتبار وجدان المال فعلا فيها، إمّا بملك أو بإباحة كما في الحج البذلي.

و أما فرع ضمان حابس الحرّ ظلما لما فات من منافعه عنه في الحبس، فتفصيله: أنّ في

______________________________

(1): مفردات ألفاظ القرآن، ص 513

(2) وسائل الشيعة، ج 2، ص 998، الباب 26 من أبواب التيمم، الحديث: 2

(3) العروة الوثقى، ج 2، ص 430، كتاب الحج، الفصل 2 (شرائط وجوب الحج) الشرط الثالث، المسألة: 5

ص: 75

______________________________

المسألة قولين:

أحدهما:- و هو المشهور بل المدّعى عليه الإجماع- عدم ضمان منافعه.

و ثانيهما: الضمان، ذهب إليه المحقق الأردبيلي «1»، و وافقه جمع من أعيان الفقه كالوحيد البهبهاني و السيد الطباطبائي.

قال في الشرائع: «و لو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به، لأنّ منافعه في قبضته» «2». و علّق عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «فضلا عن غير الصانع، بلا خلاف أجده فيه. بل في الكفاية: هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و إن عبّر في التذكرة بلفظ الأقوى مشعرا باحتمال الضمان فيه. بل في مجمع البرهان: قوة ذلك، لقاعدة نفي الضرر مع كونه ظالما و عاديا، فيندرج في قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ و جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا و غيرهما مما دلّ على المقاصّة و العقاب بمثل ما عوقب به، فالضمان حينئذ لذلك، لا للغصب الذي لا يقتضيه باعتبار عدم كون المغصوب مالا تتبعه منافعه و لو شرعا في الدخول تحت اليد و اسم الغصب و غيرهما. و حكاه في الرياض عن خاله العلّامة في حواشيه عليه، حيث قال: إن ثبت إجماع على ما ذكره الأصحاب، و إلّا فالأمر كما ذكره الشارح، و مال إليه في الرياض، حيث يكون الحابس سببا مفوّتا لمنافع المحبوس ..

إلخ» «3».

و المستفاد منه أنّ في المسألة قولين كما تقدم بيانه. و المهمّ صرف النظر إلى أدلتهما، فنقول: يمكن أن يستدل على الضمان بوجوه:

الأوّل: ما في كلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه من الآيات الدالة على جواز الاعتداء بمثل ما اعتدى، و جواز سيئة سيئة مثلها، و جواز القصاص بالعقاب بمثل ما عوقب به، بتقريب: أن

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 513

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 185

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 39

ص: 76

______________________________

حبس الحرّ ظلما اعتداء عليه و عقاب و سيئة، فيجوز المقاصّة و العقاب بمثل ما عوقب به «1».

هذا.

لكن الظاهر أنّ الحكم الوضعي- أعني به الضمان- أجنبي عن مساق الآيات، لكون العقاب بالمثل عبارة عن إيجاد عمل مماثل لما عوقب به، و من المعلوم أنّ العقاب بالمثل هو الحبس و نحوه من الاعتداء الذي وقع عليه.

إلّا أن يقال: بصحة إطلاق العقاب و السيّئة على كلّ من الحرمة الوضعية و التكليفية، لأن كلّا منهما سيّئة و اعتداء، و عليه فالحابس ضامن، لكون ضمانه مماثلا لحبسه.

الثاني: ما في كلامه أيضا من الاستناد إلى قاعدة نفي الضرر، فإنّ تفويت المنفعة بلا تدارك ضرر منفيّ في الشريعة المقدّسة، و هو أيضا مفروض فيما إذا كان الضرر مسبّبا عن الحبس، كتسبب الضرر عن استعمال الماء في الوضوء.

إلّا أن يقال: إنّ المقام من عدم النفع، لا الضرر الذي هو النقص، فلا يصح التمسك بقاعدة الضرر لإثبات الضمان.

و أمّا منع جريانها في أمثال المقام بدعوى: «أنّها نافية للأحكام التي ينشأ منها الضرر كوجوب الوضوء و لزوم العقد، و عدم الضمان ليس حكما شرعيا حتى تجري فيه القاعدة» فغير مسموع، لأنّ العدم غير القابل للرفع بالقاعدة هو العدم الواقعي كعدم الوجوب و عدم الحرمة، لانتفاء الجعل الشرعي، و أمّا عدم الحكم إنشاء كأن يقول الشارع: «لا يجب أو لا يحرم» فهو لكونه مجعولا شرعيا تجري فيه الأحكام الثانوية، لوضوح كون الأعدام بعد التشريع مجعولة و لو بالإمضاء، فإبقاء الشارع لها جعلها بقاء لا إخبار ببقاء الأعدام الواقعية على حالها كما زعمه بعض. و هذا المقدار من الجعل كاف في نفيها بالقاعدة الامتنانية التي تقتضي حكومتها تقييد إطلاق كل ما يصح أن ينسب الى الشارع. و من المعلوم أنّ الحكم بعدم ضمان المنافع الفائتة في الحبس ضرر على الحرّ الكسوب الذي لو لا حبسه لكان يعوّضها بالمال.

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 513

ص: 77

______________________________

و عليه فالشبهة المانعة عن جريان القاعدة هنا هو كون الفائت منفعة، و لا يصدق «النقص» الذي هو المناط في جريانها.

و إن أمكن الخدشة فيه باختلاف الموارد، فقد يكون المحبوس ثريّا بحيث يعدّ الفائت منه مدة حبسه منفعة، و لا يبدو نقص في أمواله أصلا. و قد لا يكون كذلك، بل عليه العمل في كل يوم لإعاشة عياله بحيث يلزمه الاستدانة مدة حبسه للإنفاق عليهم، فإنّه لا ريب في صدق النقص عليه حينئذ، و لا مانع من جريان القاعدة في حقه.

الثالث: قاعدة التفويت أعني بها المنع عن الوجود، فإنّ الحبس يمنع عن وجود المنفعة، فيضمنها الحابس. و هذا يفرض فيما لو كان فوات المنفعة مسبّبا عن الحبس، لا عن تساهل المحبوس، كما إذا حبسه الظالم في مكان يمكنه العمل فيه، لكنه أهمل و لم يعمل باختياره و إرادته، لا لمانعية الحبس عن عمله، لأنّ التفويت إيجاد المانع عن الوجود، و عنوان المانع لا يصدق إلّا بعد وجود المقتضي- و هو إرادة الوجود- إذ العدم يستند إلى أسبق علله أعني به عدم المقتضي، لا إلى وجود المانع، و لذا لا يصحّ أن يستند عدم احتراق الثوب مثلا إلى الرطوبة مع عدم وجود النار، بل يستند إلى عدم المقتضي له كما لا يخفى.

و قد ظهر أنّ المناط في ضمان المنافع الفائتة هو صدق التفويت أي المنع عن الوجود، في قبال قاعدتي الاستيفاء الذي هو استخراج المنافع من القوة إلى الفعل، و الإتلاف الذي هو إعدام الموجود، هذا.

و لا يخفى أنّهم عبّروا- في قبال فوت منافعه في الحبس- تارة بالانتفاع كما في الشرائع، و اخرى بالاستخدام كما في الإرشاد، و ثالثة بالاستعمال كما في شرحه للمحقق الأردبيلي «1»، و رابعة بالاستيفاء كما في التذكرة، و الكل صحيح.

لكن في عبارة التذكرة مسامحة، حيث قال: «منفعة الحرّ تضمن بالتفويت لا بالفوات ..» «2»

ثم فسّر التفويت بالاستيفاء و الاستعمال، و الفوات بمجرد عدم تحقق المنفعة.

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 513

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 382

ص: 78

______________________________

و الظاهر أنّ هذا مجرد اصطلاح، و إلّا فظاهر التفويت هو الفوت المستند الى قاهر خارجي، بخلاف الفوت الظاهر في عدم المقتضي لوجود المنفعة، و الأمر سهل.

الرابع: ما أفاده سيّدنا الخويي قدّس سرّه من السيرة العقلائية القطعية على تضمين مانع الحرّ الكسوب عن عمله بحيث لولا منعه عنه لكان يكتسب المال «1».

و الظاهر استقرار سيرتهم على التغريم و عدم اقتصارهم على مجرّد اللّوم و التوبيخ، فالمناقشة في أصل السيرة لا تخلو من مكابرة. إنّما الكلام في الإمضاء. و لا يبعد كونها من السّير المرتكزة عندهم مرّ الأعصار، من حيث كون الإنسان مدنيّا بالطبع مع الغضّ عن تديّنه بشريعة، و ليست من السّير الحادثة بعد عصر التشريع حتى يدّعى توقفها على الإمضاء، بل الردع عنها منوط بالبيان، و حيث لا رادع شرعا عنها فهي ممضاة، مضافا الى وفاء الأدلة المتقدمة بإمضائها.

نعم لو نوقش في الأدلة المتقدمة و تمّ الإجماع المتضافر نقله في الكلمات على عدم الضمان أمكن جعله رادعا عن هذا البناء العملي. لكن الاعتماد عليه مشكل كما سيأتي.

هذا كله في أدلة الضمان، و قد ظهرت تماميتها في نفسها لولا وجود المعارض و هو الدليل النافي للضمان.

و يستدل على عدم الضمان- كما في الجواهر- تارة بنفي الخلاف، بل دعوى قطع الأصحاب بذلك كما في كفاية الفاضل السبزواري قدّس سرّه من قوله: «و المقطوع به في كلام الأصحاب أنّه لو حبس صانعا حرّا مدّة لها اجرة لم يضمن أجرته ما لم يستعمله، لأنّ منافعه في قبضته» «2». و نحوه كلام العلامة في التذكرة.

و اخرى: بأن منافعه تابعة لما لا يصحّ غصبه، فأشبهت ثيابه و أطرافه.

و ثالثة: بأنّ منافعه في قبضته، لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد المضمّنة، فمنافعه تفوت

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 36

(2) كفاية الأحكام، ص 255؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 382

ص: 79

______________________________

تحت يده، فلم يجب ضمانها، بخلاف الأموال، هذا.

و الظاهر رجوع هذا الوجه الى سابقه، لأنّ تبعية المنافع لما لا يصح غصبه- كالحرّ- تستلزم كون المنافع تحت قبضة نفس الحرّ، هذا.

و كيف كان ففي الوجوه المتقدمة ما لا يخفى. أمّا الإجماع ففيه: أنه لا عبرة به حتى لو سلّم اتفاق الكلّ على الفتوى، لكونه معلوم المدرك، و ذلك لتعليل عدم الضمان في كلام المجمعين بمثل «لأنّ منافعه في قبضته» أو «لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد». و من المعلوم ظهور التعليل في أنّ المتفق عليه ليس عدم ضمان منافع الحرّ بعنوانه، بل المجمع عليه كبرى عدم ضمان ما لم يقع تحت اليد، فطبّق هذا العموم على منافع الحرّ. و لا ريب في أنّ مثله غير مجد، إذ لا يستند القائل بالضمان إلى قاعدة اليد حتى توجب المناقشة في الضمان اليدي إنكار أصل الضمان المستند إلى وجوه اخرى. و لذا ذهب المحقق الأردبيلي قدّس سرّه الى الضمان، لجواز الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى، و لدفع الضرر و نحوهما، مع اطلاعه على كون المسألة اتفاقية بينهم، لقوله: «و لعلّهم ليس لهم خلاف فيه» «1».

و الحاصل: أنّ حجية الإجماع تتوقف على كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام أو عن حجة معتبرة، و المفروض استناد المجمعين في المقام الى قصور حديث «على اليد» عن شموله للمنافع، و من المعلوم عدم منافاته لما إذا قيل بالضمان بدليل آخر غير اليد.

و أما الوجه الثاني- و هو تبعية المنافع لما لا يصح غصبه- ففيه: أنّ الضمان المدّعى ليس لتبعية المنافع للمغصوب حتى يقال: إن الحرّ لا يصح غصبه، بل لقاعدة التفويت و غيرها مما ذكر.

و أما الوجه الثالث- و هو أن منافعه في قبضته- ففيه: أن منافعه تفوت بالتفويت الذي هو من موجبات الضمان، و هذا أجنبي عن التعليل بعدم دخول الحر تحت اليد، إذ ليس الإشكال في الضمان من ناحية دخول المنافع تحت اليد و عدمه حتى يقال: بعدم دخولها تحتها

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 513

ص: 80

______________________________

تبعا لعدم وقوع نفس الحرّ تحت اليد.

و الاشكال على ضمان المنافع الفائتة بغير استيفاء تارة بعدم كونها مالا، لأنّ المالية صفة وجودية و لو بوجود منشأ انتزاعها، فلا تنتزع من المعدوم. و اخرى بعدم صدق المال عرفا على عمل الحر، و لذا لا يقال: إنه ذو مال، و لأجله لا يصدق عليه المستطيع حتى يجب عليه الحج، و لا يضمن عمله إذا حبسه الظالم، إلّا إذا قدّر بمال كما إذا صار أجيرا للغير، فإنّ عمله حينئذ مال له كما لا يخفى.

مندفع، إذ في الأوّل: أنّ الوجود ليس مقوّما لمالية المال، و لذا يحمل عليه الوجود تارة و العدم اخرى، فيقال: المنّ من الحنطة مثلا موجود أو معدوم، فلو كان الوجود مقوّما لها لم يصح حمل الوجود و العدم على الشي ء المتصف بالمالية كالمنّ من الحنطة، و عليه فالمقوّم للمالية هو الوجود الاعتباري لا الخارجي.

و الحاصل: أنّ الذمة أو الخارج ظرف لوجود المال لا مقوّم لماليته.

و في الثاني:- بعد النقض بالمبيع و الثمن الكليين الذميين و المنافع العملية في الإجارة- أنّ غاية ما يقتضيه هذا الوجه هو نفي إضافة الملكية الاعتبارية، و عدم كونه ذا مال، لا نفي المالية. و ذلك لأن المالية و الملكية اعتباران عقلائيان، تنتزع الاولى من الشي ء باعتبار ما فيه من الخصوصية الذاتية الموجبة لميل الناس إليه و تنافس العقلاء عليه، و بذلهم الأموال بإزائه، فإنّ المنّ من الحنطة في حدّ نفسه ليس كالمنّ من التراب في انتزاع اعتبار الماليّة عن الأوّل باعتبار ما فيه من الخصوصية، دون الثاني. و المالية و إن كانت صفة وجودية، لكنّها اعتبارية، و الشي ء المتصف بالمالية الذاتية يكون موجودا تارة، و معدوما أخرى.

نعم فعلية بذل العقلاء مالا بإزائه موقوفة على تقدير وجوده في الذمة، أو تقدير وجوده بوجود العين كالمنفعة التي هي من حيثيات العين و شؤونها.

و تنتزع الثانية- أعني بها إضافة الملكية الاعتبارية- من كون الشي ء المسمّى بالمال مضافا إلى شخص بالأصالة كمالكية السيّد لرقبة مملوكه، أو بالتبع كمالكيته لمنفعة عبده بتبع

ص: 81

______________________________

رقبته. فالمنّ من الحنطة قبل التعهد، و المباحات قبل الحيازة و عمل الحرّ قبل المعاوضة عليه أموال، و ليست أملاكا بالملكية الاعتبارية، و إن كان بعضها كعمل الحرّ مضافا الى صاحبه بالملكية الذاتية التكوينية، فإنّ عمل كل شخص و نفسه و ذمّته مملوكة له ملكية ذاتية، و هذه المرتبة من الملكية فوق الملكية الاعتبارية و دون الملكية الحقيقية التي هي له تعالى بما أنه فاعل ما منه الوجود، و لأوليائه عليهم السّلام بما أنّهم فاعل ما به الوجود.

و المراد بالملكية الذاتية السلطنة على التصرف في نفسه و شؤونها، لحكم الوجدان و الضرورة و السيرة العقلائية بتسلط كل أحد على عمل نفسه و ما في ذمته، و أنّ له السلطنة على تمليك عمله بالإيجاد و غيره، و بيع ما في ذمته، و هذه السلطنة ممضاة شرعا و غير مردوع عنها. فالسلطنة الذاتية موضوع للسلطنة على إيجاد الملكية الاعتبارية إلّا ما خرج بالدليل، كعدم سلطنته شرعا على التمليك الاعتباري بالنسبة الى بعض المملوك الذاتي كالخمر المصنوع له، و آلات اللّهو التي صنعها، فإنّ الشارع ألغى الملكية الاعتبارية فيها.

و بالجملة: فالملكية الذاتية لعمل الحر ثابتة، دون الملكية الاعتبارية، إذ لا مجال لها مع الملكية الحقيقية، للغويتها و كونها من تحصيل الحاصل.

و قد تحصّل مما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ عمل الحرّ مال عرفي مملوك له بالملكية الذاتية التكوينية التي هي السلطنة على النفس و الذمة بتمليك عمله و ما في ذمّته للغير، و ليس مملوكا له بالملكية الاعتبارية.

فيشترك عمل الحرّ و العبد في المالية و الملكية الذاتية، و يفترقان في إضافة الملكية الاعتبارية، حيث إنّ عمل العبد- مع كونه مملوكا لنفسه ذاتا- مملوك لسيده تبعا لرقبته بالملكية الاعتبارية، كسائر الأعيان المملوكة له كالدار و الدابة و نحوهما. بخلاف عمل الحرّ، فإنّه مملوك له بالملكية الذاتية دون الاعتبارية، إلّا بعد تمليكه للغير بإجارة أو غيرها، فإنّه يصير حينئذ مملوكا للمستأجر كمملوكية عمل العبد لمولاه. و مقتضى مملوكية عمل العبد لمولاه وجوب الحج على المولى إن كان عمله مساويا لمال يفي بالحج، و اجتمع سائر شرائط وجوبه.

ص: 82

______________________________

الثاني: أن عمل الحرّ مال عرفا، فلا مانع من جعله ثمنا في البيع الذي هو مبادلة مال بمال، إذ ليست الملكية الاعتبارية شرطا في صحة البيع العرفي و لا الشرعي، فليس البيع مبادلة مال مملوك بالملكية الاعتبارية بمال كذلك، بل هو مبادلة المالين العرفيين.

الثالث: أنّ عدم حصول الاستطاعة- التي يترتب عليها وجوب الحج- بعمل الحرّ إنّما هو لأجل دخل الملكية الاعتبارية أو الإباحة في حصول الاستطاعة، و عدم كفاية الملكية الذاتية في حصولها، فراجع نصوص الاستطاعة كما أشرنا إلى بعضها.

الرابع: أنّ مقتضى مالية عمل الحرّ عرفا ضمانه بالتفويت، إلّا أنّه قد ادّعي ظهور أدلة الضمان في اعتبار إضافة الملكية الاعتبارية فيه، و لذا قال في الشرائع في عبارته المتقدمة:

«لو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به .. إلخ». لكنه يشكل المساعدة عليه، لأنّ حكمه بالضمان في صورة انتفاع الحابس به إن كان لأجل كون المنفعة ملكا اعتباريا للحرّ، ففيه ما لا يخفى، لما عرفت من أن مالكية الشخص لعمله ذاتية لا اعتبارية.

و إن كان لأجل كفاية الملكية الذاتية في الضمان و عدم إناطته بالملكية الاعتبارية فقد ثبت المطلوب.

و الحاصل: أنّ قاعدة اليد أو الإتلاف أو الاحترام أو غيرها من موجبات الضمان- لو سلّم دلالتها على اعتبار الملكية الاعتبارية في الضمان- يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بينها و بين ما دلّ على جواز الاعتداء بالمماثل و التّقاص به و نحوه مما يدل على الضمان من دون تقييد بالملكية الاعتبارية هو: أن المضمون لا بد أن يكون مضافا إلى شخص أو هيئة حتى تقوم تلك الإضافة بالمضمون به، فإذا أتلف الزكاة أو الخمس أو عوائد الوقف الخاص- كالوقف على الذريّة، و مثله الوقف على العناوين كالفقراء و الزّوار و العلماء- قامت إضافة الوقفية ببدل التالف، و يتصف البدل بالعنوان الذي كان قائما بالمبدل التالف.

و لا فرق بين كون الإضافة ذاتية و اعتبارية، إلّا إذا ألغى الشارع ماليّة المملوك الذاتي كالخمر، فإنّ المسلم إذا صنعه كان مالكا لها بالملكية الذاتية، لكن الشارع أسقط ماليّتها المعتبرة

ص: 83

______________________________

في الضمان، فلا يضمنها المسلم إذا غصبها من مسلم. فالملكية الذاتية توجب الضمان ما لم يلغ الشارع ماليّة المملوك الذاتي. و لذا نقول بضمان منافع الحرّ إذا استوفاها الحابس، مع أنّ عمل الحرّ قبل وقوع المعاوضة عليه- مع كونه مالا- ليس ملكا لأحد بالملكية الاعتبارية.

و لو كان الضمان منوطا بالملكية الاعتبارية لزم الاقتصار في ضمان الحابس على ما إذا قدّر عمله بإجارة أو صلح، و عدم تضمينه بمجرد الاستيفاء. مع أنّ ضمانه في مورد الانتفاع به لعلّه إجماعي عندهم، مستدلّين عليه «بأنه أخذ منه ماله بلا عوض، فكأنّه غصب منه مالا و حقّا أو أتلفه، فيضمن».

مع أن الضمان لو كان دائرا مدار غصب المال المضاف الى مالكه بالملكية الاعتبارية أو إتلافه توجه سؤال الفرق بين استخدام الحرّ قهرا و استعماله و بين منعه عن العمل، إذ المفروض عدم كون عمله ملكه بالملكية الاعتبارية ما لم تقع معاوضة عليه، بل هو مملوك له ذاتا، فكيف يحكم بضمان الحابس لو استعمل الحرّ؟

و قد مرّ أن سبب الضمان غير منحصر في اليد حتى يوجّه ضمان الحابس في صورة الاستخدام بوضع اليد العادية عليه، دون ما إذا منعه عن العمل، لعدم صدق وضع اليد عليه هذا.

الخامس: أنّ عمل الحرّ الصانع المحبوس مضمون على الحابس إذا لم يكن مانع عن وجود عمله إلّا الحبس، بمعنى أن يكون المقتضي لوجوده- و هو إرادة الحرّ لإيجاد العمل- موجودا، و لم يكن مانع عن وجوده إلّا الحبس بحيث يتصف الحبس بالمانعية و التفويت، و يستند العدم إليه لا إلى عدم المقتضي.

و لا فرق في ذلك بين الحبس و المنع، لوحدة المناط و هو المانعية.

و عليه فما في الجواهر من قوله: «أما لو منعه من العمل من غير حبس، فإنّه لا يضمن منافعه وجها واحدا، لأنّه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه فالحرّ أولى». و كذا ما ذكره بقوله:

«على أن التسبيب الذي ذكره- يعني صاحب الرياض- إنّما يقتضي الضمان إذا تعلق بتلف الأموال، و منفعة الحرّ معدومة، فلا يتصور التسبيب لتلفها». الى أن قال ما محصله: «انّه لو بني

ص: 84

______________________________

على شمول قاعدة الضرر و غيرها من الآيات للفرض و هو ضمان عمل الحرّ المحبوس لأثبتت فقها جديدا، لاقتضائها الضمان بالمنع عن العمل أو الانتفاع بماله، و غير ذلك مما عرفت عدم القول به من العامة الذين مبنى فقههم على القياس و الاستحسان، فضلا عن الإمامية الّذين مبنى فقههم على القواعد المقرّرة الثابتة من أهل بيت العصمة عليهم السّلام، فلا وجه للضمان في الفرض كما قطع به الأصحاب، لأنّ الحرّ لا يدخل تحت اليد على وجه تدخل منافعه معه كالمال و لو شرعا، بل منافعه في قبضته كثيابه باقية على أصالة عدم الضمان و ان ظلم و أثم بحبسه أو منعه» «1» في غاية الإشكال، لعدم استلزام القول بالضمان فقها جديدا، فإنّ التفويت من موجبات الضمان. و معدومية عمل الحر لا تقتضي سقوطها عن المالية كما مرّ مفصّلا، و الإجماع المدّعى على نفي الضمان في الحبس و المنع معلوم المدرك، فلا يصلح للاعتماد عليه و لا لردع السيرة العقلائية على تغريم المانع عن الكسب و العمل.

كما أنّ تخصيص السيرة- في كلام السيد الخويي قدّس سرّه- بالمنع دون الحبس لم يظهر له وجه، إذ لا فرق في بنائهم على التغريم بين الحبس و مجرد المنع عن العمل. و لو أريد رعاية الإجماع المنقول على عدم الضمان في الحبس فقيل بالضمان في المنع خاصة دون الحبس ففيه ما لا يخفى، ضرورة ظهور كلام العلّامة قدّس سرّه في التذكرة «بعدم الضمان وجها واحدا»- مع تعبيره بالأقوى في الحبس- في اتّفاق عامّة المسلمين على نفي الضمان في المنع دون الحبس، و مثله أولى بالرعاية في الفتوى، و عدم مخالفته.

و لعل مقصوده قدّس سرّه من المنع عن العمل ما يشمل الحبس، أي تفويت المنافع عليه قهرا، و هو مورد بناء العقلاء على الضمان، و قد أمضاه الشارع و لو بعدم الردع، بعد ما عرفت من قصور ما استدل به على نفي الضمان.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بعمل الحر.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 37، ص 40

ص: 85

[أقسام الحقوق و وقوعها عوضا في البيع]

اشارة

و أمّا الحقوق (1) [الأخر]

______________________________

أقسام الحقوق و وقوعها عوضا في البيع

(1) معطوف على قوله: «و أمّا عمل الحرّ» و مقصوده قدّس سرّه تحقيق حال الحقوق من حيث قابليتها لوقوعها عوضا في البيع و عدمها. و قد أشرنا في شرح قوله: «و أما العوض» الى: أنّ الثمن في البيع- بعد عدم اشتراطه بكونه عينا- يجوز أن يكون منفعة، و وقع الخلاف بينهم في عمل الحرّ و الحقوق، و قلنا: إنّ البحث يقع في مقامات ثلاثة، و تقدّم الكلام في مقامين، و هما كون العوض منفعة و حكم عمل الحر، و انتهى البحث الى المقام الثالث، و هو ما عنونه بقوله:

«و أما الحقوق».

ثم إنّه ينبغي بيان أمور ثلاثة قبل شرح المتن، فنقول و به نستعين:

الأمر الأوّل: أنّ كلمة «الأخر» موجودة في بعض النسخ المصحّحة دون جميعها، و الأولى حذفها، لعدم سبق ذكر لبعض الحقوق حتى يحترز بها عن سائر الحقوق. و على فرض وجودها في النسخة الأصليّة بقلم المصنف أعلى اللّه مقامه لا بدّ من توجيهها إمّا بالاحتراز عن العين و المنفعة، لكونهما من الحقوق بالمعنى الأعمّ حيث يقال: يحقّ للمالك أن ينتفع، و للحرّ المختار أن يعمل، فالمراد بالحق هو الثبوت. و إمّا بالاحتراز عن خصوص عمل الحرّ إذا استحقه شخص بالإجارة و نحوها من المملّكات، فيكون عمل الحرّ بعد تملّك الغير له من الحقوق، يعني يستحقه المستأجر.

و كلا الأمرين لا يخلو من تكلف. و احتمل بعض الأجلّة قدّس سرّه أن كلمة «الأخر» لم تذكر هنا، و إنّما يناسب وقوعها أوّل القسم الثالث، بأن كانت العبارة هكذا ..: «و أما الحقوق فان لم تقبل المعاوضة .. و أما الحقوق الأخر القابلة للانتقال كحق التحجير ..» و الأمر سهل بعد وضوح المطلب.

الأمر الثاني: في معنى الحق، و لم يظهر من المتن تعريف عام لكافّة الحقوق، لكنه في القسم الثاني منها جعل الحقّ سلطنة فعلية، فبناء على هذا التفسير يكون ذو الحق سلطانا على المتعلق، و أدنى مراتب السلطنة هو جواز إسقاط حقه على ما ذكره قدّس سرّه في الخيارات. كما في

ص: 86

..........

______________________________

مثل حق الخيار في العقود اللازمة أو الجائزة، فإنّ ذا الخيار إمّا مالك لأمر العقد من حيث الفسخ و الإمضاء، و إما لمتعلقه من حيث الرد و الاسترداد.

و الحقّ- بناء على كونه سلطنة- يشارك الحكم المصطلح من التكليفي و الوضعي في كونه مجعولا شرعيا تأسيسا أو إمضاء، و يفارقه في أنّ الملحوظ في الحقوق نوع سلطنة على المتعلق، بخلافه في الحكم، حيث لا يعتبر فيه إلّا الرخصة و عدم المنع من الشي ء، مثلا يطلق على جواز فسخ العقد بالخيار: أنه حقّ، و على جواز الرجوع في الهبة: أنّه حكم.

و الوجه فيه أنّ ذا الخيار اعتبره الشارع مسلّطا على أمر العقد، و من آثار سلطنته جواز إسقاطه و رفع اليد عنه. و لكن الجواز في الهبة حكمي، بمعنى أنّ الشارع رخّص للواهب في الرجوع عن هبته، كترخيصه في سائر المباحات، و لم يعتبر سلطنة على الرجوع، و لذا لا يرتفع هذا الجواز الحكمي بإسقاط الواهب، بل يبقى ما دامت العين الموهوبة باقية بعينها.

هذا معنى الحق، و قد ذكرناه بنحو الإجمال و الإشارة، و إن شئت الوقوف على أنظار الأعلام في تعريفه فلاحظ التعليقة الآتية إن شاء اللّه تعالى بعد الفراغ من توضيح المتن.

الأمر الثالث: في ما هو المقصود من جعل الحق ثمنا في البيع، إذ يحتمل فيه وجهان:

أحدهما: أن يراد بالحق نفس الإضافة الاعتبارية المعبّر عن بعض أقسامها في المتن بالسلطنة الفعلية، و معنى وقوع الحقّ عوضا في البيع تفويض هذه السلطنة الاعتبارية إلى البائع بدلا عن سلطنته على المبيع، فإذا باع زيد كتابا من عمرو و جعل عمرو ثمنه حقّ الخيار الثابت له في معاملة أخرى، انتقل حقّ الخيار إلى زيد، و صار كتابه ملكا لعمرو.

ثانيهما: أن يراد بالحق متعلقة، بدعوى عدم قابلية نفس الحق- بمعنى الإضافة و السلطنة- للنقل إلى الغير، لأنّ الإضافة نسبة قائمة بين طرفيها- و هما من له الحق، و ما يتعلق به الحق- سواء أ كان عينا كالأرض المحجرة التي هي متعلق حق المحجّر، أم منفعة أم عمل حرّ. هذا.

و الظاهر أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من البحث عن حكم جعل الحقوق عوضا هو

ص: 87

..........

______________________________

الاحتمال الأوّل، و ذلك لوجهين:

الأوّل: أنّه قدّس سرّه تعرّض لحكم العوض في البيع، و أفاد جواز كونه عينا- كالمعوّض- و منفعة- عدا عمل الحر- ثم تعرّض للبحث عن قابلية الحقوق لوقوعها عوضا و عدمها.

و هذا يقتضي أن يكون مراده من الحق نفس الإضافة أي السلطنة، إذ لو كان مقصوده منه متعلّقه لما كان وجه لإفراد الحقوق بالبحث، فإنّ متعلق الحق إمّا عين كما في مثل حق التحجير و الرّهانة، و إمّا منفعة كما في مثل حقّ الاستمتاع بالزوجة، و إمّا عمل حرّ كما في مثل حق الولاية و حق الحضانة، و ليس متعلق الحق أمرا خارجا عن هذه الأقسام حتى يختص بالبحث و النظر. و عليه فعقد أحكام الحقوق على حدة كاشف عن أنّ المبحوث عنه قابلية نفس الحق لوقوعه عوضا، لا متعلقة.

الثاني: أنّ المصنف قدّس سرّه استشكل في وقوع الحقوق عوضا في البيع- حتى ما يقابل بالمال في الصلح كحق التحجير- بدعوى اعتبار المالية في العوضين، و هي مشكوكة الصدق على الحقوق. و لو كان محطّ البحث و النزاع متعلّق الحق لما كان وجه للتشكيك في ماليّة حق التحجير، إذ لا ريب في ماليّة الأرض المحجّرة و تنافس العقلاء عليها، فلا بد أن يكون المقصود من الحق المشكوك ماليّته هو نفس الإضافة الاعتبارية لا متعلّقه.

و بهذا ظهر غموض ما في بعض الكلمات من «أن المراد عوضية متعلقات الحقوق بدعوى عدم قابلية نفس الحق للعوضية و المعوّضية» و ذلك لأنّه على فرض تسليمه ليس بيانا لما أفاده المصنف كما تقدم.

إذا عرفت ما ذكرناه فنقول: اختلف الفقهاء قدّس سرّهم في صحة جعل الحقوق عوضا في البيع، فذهب الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه الى المنع مطلقا، و اختار صاحب الجواهر قدّس سرّه الجواز كذلك. و فصّل المصنف بين أقسام الحقوق فجزم بالمنع في قسمين منها- و هما ما لا يقبل المعاوضة و ما لا يقبل النقل- و تردّد في القسم الثالث و هو ما يقبل الانتقال القهري و النقل بالصلح، و إن كان مآله الى عدم وقوعه عوضا كالقسمين الأوّلين:

كما أنّه قدّس سرّه تعرّض في القسم الثاني للفرق بين بيع الدين ممن هو عليه و بين نقل الحق

ص: 88

[القسم الأول الحقوق غير القابلة للإسقاط]

فإن لم تقبل (1) المعاوضة (2) بالمال كحقّ الحضانة و الولاية (3) فلا إشكال (4).

______________________________

الى من عليه الحق، بجواز الأوّل دون الثاني، و سيأتي توضيح تمام ما أفاده بعونه تعالى.

القسم الأوّل: الحقوق غير القابلة للإسقاط

(1) هذا هو القسم الأوّل من التقسيم الثلاثي للحقوق بنظر المصنف، و ضابطه- على ما قيل- كل حقّ روعي فيه مصلحة غير من قام به الحق كحقّ الحضانة التي لوحظ فيه مصلحة الطفل من حيث تربيته و إصلاح شأنه، و كحقّ الولاية المراعى فيه مصلحة المولّى عليه و غبطته، فليس زمام الحق في هذين الموردين بيد من له الحق و هو الامّ و الولي كالأب و الجد حتى يجوز لكل منهما التصرف فيه بنقله الى الغير أو إسقاطه للتخلص من تبعاته. فإذا اشترت الامّ سلعة لم يجز لها جعل الثمن حق حضانتها لولدها، و كذا لا يجوز للولي جعل حق ولايته ثمنا لمتاع يشتريه من المولّى عليه.

و الوجه في عدم جواز جعل هذا القسم عوضا هو: أنّ البيع مبادلة مال بمال، و تمليك للغير، و هو غير محقّق فيما كان الثمن هذا الصّنف من الحقوق، لفرض قيامه بذي الحق و عدم انفكاكه عنه، فهو غير قابل للإسقاط عمّن عليه الحق فضلا عن أن ينتقل الى غيره.

(2) ظاهر كلمة «المعاوضة» هو المبادلة بين المبيع و بين الحق، لكنه غير مراد هنا بقرينة ما سيأتي في القسم الثاني من الحق غير القابل للنقل، فيكون المقصود بالمعاوضة هو إسقاط الحق، و إطلاق المعاوضة عليه من جهة وقوع إسقاط الحق عوضا عن المبيع.

(3) أي: حق الولاية للحاكم الشرعي و لسائر الأولياء كالأب و الجدّ له.

(4) يعني: فلا إشكال في عدم وقوع هذا القسم عوضا في البيع، لعدم دخول شي ء في ملك البائع الذي خرج المعوّض عن ملكه.

ص: 89

[القسم الثاني الحقوق غير القابة للنقل]
اشارة

و كذا (1) لو لم تقبل النقل

______________________________

القسم الثاني: الحقوق غير القابلة للنقل

(1) يعني: و كذا لا إشكال في عدم وقوع القسم الثاني من الحقوق عوضا في البيع.

و المقصود بهذا القسم هو الحقّ الذي استفيد من دليله جواز إسقاطه مجّانا و مع العوض، لكنه لا يقبل الانتقال الى الغير بحيث يقوم الحق بالمنتقل إليه على نحو قيامه بالمنتقل عنه.

و مثّل المصنف قدّس سرّه له بحق الخيار و حق الشفعة، كما إذا باع زيد كتابه من عمرو بدينار على أن يكون له الخيار إلى شهر مثلا، ثم أراد شراء سلعة من عمرو- و هو من عليه الخيار- بجعل الثمن حقّ الخيار الذي كان له في بيع الكتاب بدينار.

و الوجه في عدم قابلية هذا القسم من الحقوق لوقوعه عوضا هو: تقوّم مفهوم البيع بالتمليك من الطرفين، و حيث إنّ مثل حق الخيار لا ينتقل الى الغير، لامتناع اتحاد المسلّط و المسلّط عليه- كما سيأتي توضيحه- لم يصح جعله عوضا. نعم لا بأس بأخذ المال بإزاء إسقاطه عمّن عليه الخيار، لكونه قابلا للإسقاط، بخلاف القسم الأوّل الذي دلّ دليله على عدم سقوطه عمّن يقوم به فضلا عن انتقاله الى الغير.

فإن قلت: لا وجه لجعل القسم الأوّل مقابلا للقسم الثاني، فإنّ ما لا يقبل المعاوضة لا يقبل النقل المعاوضي إلى الغير. و عليه فكل حقّ استفيد من دليله عدم قابليته لأخذ العوض بإزائه كان غير قابل للنقل أيضا، و كلّ حقّ دلّ دليل تشريعه على عدم نقله عمّن له الحق فهو غير قابل للمعاوضة عليه. و عليه ينبغي جمع القسمين تحت عنوان واحد، و هو ما لا يقبل المعاوضة و النقل.

قلت: قد أفاد بعض أجلة المحشين قدّس سرّه- و تقدمت الإشارة اليه- إنّ المعاوضة أعم من النقل، فالمراد بالحق غير القابل للمعاوضة هو ما لا ينتقل الى الغير، و لا يجوز إسقاطه أصلا سواء أ كان الإسقاط مجانا أم بإزاء عوض. و المراد بالحق غير القابل للنقل هو القابل لأخذ العوض بإزاء إسقاطه.

و عليه فمحصّل الفرق هو قابلية القسم الثاني للإسقاط مطلقا، و عدم قابلية القسم الأوّل له كذلك، فلا تداخل بين القسمين. كما أنّ القسم الثالث في كلام

ص: 90

[الفرق بين إسقاط الحق و بيع الدين]

كحق الشفعة (1) و حق الخيار، لأنّ (2) البيع تمليك الغير.

و لا ينتقض (3) ببيع الدّين

______________________________

المصنف قدّس سرّه هو القابل للإسقاط و للانتقال القهري بالإرث، و للنقل الاختياري ببعض وجوهه كالصلح، و لكن يشكل جعله ثمنا في البيع.

(1) و هو استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في شركته، كما إذا كانت الدار مشتركة بين زيد و عمرو، فباع زيد حصّته من بكر، فيحدث لعمرو حقّ على البيع الواقع بين زيد و بكر، و يجوز له دفع الثمن الى بكر و ضمّ الحصة المبيعة إلى حصته. فلو اشترى عمرو من بكر كتابا فهل يجوز له جعل ثمنه حقّ شفعته من الدار حتى لا يتمكن من فسخ العقد الواقع بين زيد و بكر أم لا؟ قد أفاد المصنف قدّس سرّه عدم جوازه، لما تقدم من إناطة البيع بانتقال كل من العوضين الى ملك الآخر، و حيث كان الحق قائما بصاحبه بحيث لا ينتقل الى غيره- و إن جاز إسقاطه- لم يتحقق الانتقال الملكي.

(2) هذا تعليل لعدم قابلية وقوع مثل حقّي الشفعة و الخيار- مما يقبل الإسقاط و لا يقبل النقل الى الغير- عوضا في البيع، و محصله: كون البيع من نواقل الأملاك، فإذا تعذّر انتقال الحق الى غير من له الحق لزم كون المبيع بلا عوض، و من المعلوم عدم صدق مفهوم البيع عليه حينئذ.

الفرق بين إسقاط الحق و بيع الدين

(3) يعني: و لا ينتقض عموم قولنا: «لأن البيع تمليك الغير»- في مقام تعليل عدم قابلية القسم الثاني من الحقوق لوقوعه عوضا- ببيع الدين ممّن هو عليه، إذ لا تمليك فيه، بل هو إسقاط لما في ذمة المديون.

و لا يخفى أن كلام المصنف هنا إلى آخر القسم الثاني من الحقوق تعريض بما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه من تصحيح جعل الحقوق عوضا في البيع، خلافا لشيخه الفقيه كاشف الغطاء، و لمسيس الحاجة الى توضيح الأمر لا مناص من بيان مرام كل منهم قدس اللّه أسرارهم الزكيّة، فنقول و به نستعين: إنّ هنا مطالب ثلاثة، أوّلها كلام كاشف الغطاء، ثانيها مناقشة

ص: 91

..........

______________________________

صاحب الجواهر فيه، ثالثها تحقيق المصنف.

أما الأوّل، فقد ذكر فيه الفقيه الكبير في شرحه على القواعد ما لفظه: «و أما الحقوق فالظاهر أنّها لا تقع ثمنا و لا مثمنا» و مقتضى إطلاقه عدم قابلية شي ء من الحقوق لوقوعها ثمنا في البيع. و أمّا عدم كونها مثمنا فمن مسلّماتهم، لاختصاص المعوض بالعين، فليس نقل المنفعة و الحق بيعا عندهم.

و أما الثاني، فقد قال فيه في الجواهر: «نعم في شرح الأستاد اعتبار عدم كونه- أي الثمن- حقّا، مع أنه لا يخلو من منع، كما عرفته من الإطلاق المزبور المقتضي لكونه كالصلح الذي لا إشكال في وقوعه على الحقوق، فلا يبعد صحة وقوعها ثمنا في البيع و غيره، من غير فرق بين اقتضاء ذلك سقوطها كبيع العين بحق الخيار و الشفعة على معنى سقوطهما، و بين اقتضائه نقلها كحقّ التحجير و نحوه. و كأنّ نظره في المنع إلى الأوّل، باعتبار كون البيع من النواقل لا من المسقطات، بخلاف الصلح. و فيه: أنّ من البيع بيع الدين على من هو عليه، و لا ريب في اقتضائه حينئذ الإسقاط و لو باعتبار أن الإنسان لا يملك على نفسه ما يملكه غيره عليه، الذي بعينه يقرّر في نحو حقّ الخيار و الشفعة، و اللّه أعلم» «1».

و لا بأس بتوضيحه، فنقول: قد أفاد صاحب الجواهر قدّس سرّه أنّ المراد بالثمن في باب البيع- على ما صرّح به السيد بحر العلوم قدّس سرّه في مصابيحه- هو مطلق المقابل للمثمن، لا خصوص العين الشخصية، و لذا جاز أن يكون العوض عينا كلّية و منفعة. و كذا يجوز كونه حقا سواء أ كان قابلا للنقل الى الغير كحق التحجير، أم لا و لكن جاز إسقاطه كحق الشفعة.

و الدليل على جواز كون الحقوق ثمنا وجوه ثلاثة:

أحدها: إطلاق أدلة صحة البيع كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لاقتضائه حليّة كل ما صدق عليه البيع عرفا، و لم ينهض دليل على تقييد الحلية و الصحة بما إذا لم يكن العوض

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 208، 209

ص: 92

..........

______________________________

حقّا حتى يدّعى بطلان عوضية الحقوق.

ثانيها: إطلاق الفتاوى بصحة البيع سواء كان العوض عينا أم منفعة أم حقّا. و ظاهره دعوى اتفاق الفقهاء على ذلك.

ثالثها: الاستشهاد بما ذكروه من جواز الصلح على العين بحق الخيار و الشفعة و التحجير، و إن كانت ثمرة الصلح على الحقوق مختلفة، فإذا صالح الكتاب على حقّ التحجير انتقل الحق من المتصالح الى المصالح، و إذا صالح الكتاب على حقّ الخيار سقط الحق و لم ينتقل الى المصالح. و لمّا كان الصلح على الحقوق نافذا شرعا فليكن بيع الأعيان بالحقوق صحيحا أيضا.

و لعلّ نظر كاشف الغطاء- المانع من جعل الحقوق عوضا في البيع- الى خصوص الحقوق التي لا تنتقل الى الغير كحقّ الشفعة القائم بشخص الشريك، لا إلى مطلق الحقوق حتى ما كان قابلا للنقل الى الغير كحق التحجير.

و الفارق بين البيع و الصلح بنظره قدّس سرّه- حيث يجوز الصلح على مطلق الحقوق سواء القابل منها للإسقاط فقط أم القابل له و للنقل الى الغير، و لا يجوز جعلها ثمنا في البيع- هو كون البيع من نواقل الملك، و هو غير صادق على ما إذا كان العوض حقّا لا يقبل النقل إلى الغير كحق الخيار، إذ لا يتحقق النقل الملكي من الجانبين. و هذا بخلاف الصلح، فإنّه من المسقطات، لا من النواقل، فيجوز جعل الحق غير القابل للنقل عوضا عن المتصالح عليه، و يكون أثره سقوط الحق عمّن عليه الحق و هو المصالح.

كما إذا صالح من عليه حق الشفعة مع من له الحق على كتاب بعوض حقّ الشفعة، فإنّه صلح نافذ، و أثره سقوط حق الشريك، و زوال سلطنته على حلّ عقد شريكه مع المشتري.

ثم أورد صاحب الجواهر على شيخه الفقيه قدّس سرّهما بالنقض عليه ببيع الدين، حيث يظهر به عدم كون الفارق المذكور بين البيع و الصلح مانعا عن جعل الحقوق عوضا في البيع.

و تقريب النقض: أنّه إذا كان زيد مديونا لعمرو بمائة منّ من الحنطة جاز لعمرو أن يبيع هذا المملوك الذمي من زيد، بأن يقول له عمرو: «بعتك ما أملكه في عهدتك بدينار» و يقول

ص: 93

..........

______________________________

زيد: «قبلت» و لا ريب في صحة بيع الدين ممّن هو عليه، مع عدم ترتب النقل من طرف البائع إلى المشتري، لعدم إعطائه إياه شيئا، و إنّما أسقط دينه المستقرّ على عهدة زيد، و فرغت ذمّته عما اشتغلت به لعمرو.

و عليه فإذا كان أثر البيع في بعض الموارد إسقاط الدين كان كالصلح في إفادته النقل تارة و الإسقاط أخرى. و هذا النقض كاشف عن بطلان عموم التعليل المتقدم في المتن من «أن البيع تمليك الغير» لما عرفت من صحة بيع الدين، مع أنّ التمليك يكون بدينار من طرف المشتري فقط- و هو المديون- لا من الجانبين. هذا توضيح ما أفاده صاحب الجواهر في تصحيح جعل الحق القابل للإسقاط عوضا في البيع.

و نتيجة هذا البيان: أنّ القسم الثاني من الحقوق يجوز كونه ثمنا في البيع، و ليس البيع منوطا بالمبادلة الملكية من الطرفين، بل يكفي تمليك أحدهما، و إسقاط الآخر لحقّه، بشهادة مشروعية بيع الدين ممن هو عليه، مع انحصار أثره في السقوط و فراغ ذمة المديون.

و أما الثالث: و هو إشكال المصنف على صاحب الجواهر قدّس سرّهما فمحصله: أنّ النقض ببيع الدين ممّن هو عليه ممنوع، للفرق بينه و بين وقوع الحق عوضا، و بيانه: أنّ تحقق عنوان البيع في جميع الموارد منوط بالانتقال الملكي من الجانبين، و هذا المعنى حاصل أيضا في بيع الدين من المديون، و ذلك لأن الدائن يملّك دينه للمديون، و يتملك المديون لما في ذمة نفسه، لكن لما لم يعتبر العقلاء مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه دائما فلذا يتملك المديون دينه آنا ما، ثم يسقط عما في ذمته. لا أنّ البيع يفيد سقوط الدين كما زعمه صاحب الجواهر. بل المديون يتملّك الدّين ثم يسقط عن عهدته.

و عليه فالتعليل المتقدم و هو «أن البيع تمليك الغير» كبرى تامة لم يرد عليها تخصيص، لا ببيع الدين و لا بغيره. و هذا بخلاف الصلح على الحق الذي أثره سقوطه عمّن عليه الحق، لعدم توقف الصلح على النقل و الانتقال الملكي، بل يكفي نفس الصلح في ترتب السقوط عليه.

و بعبارة أخرى: الذي يقتضيه البيع في جميع الموارد حدوث تمليك الغير لا بقاؤه،

ص: 94

ممّن (1) هو عليه، لأنّه (2) لا مانع من كونه (3) تمليكا، فيسقط (4)، و لذا (5) جعل الشهيد

______________________________

و الذي يقتضيه نقض صاحب الجواهر ببيع الدين هو امتناع بقاء تملّك الإنسان لما في ذمة نفسه، لا حدوثه. و مع اختلاف الاقتضاءين لا مانع من الالتزام بصحة بيع الدين ممّن هو عليه، لكونه كسائر أفراد البيع تمليكا من الطرفين هذا.

و قد ظهر الفرق بين المقيس- أعني به الحق القابل للإسقاط دون النقل- و بين المقيس عليه أعني به بيع الدين، فإنّ الدين قابل لدخوله في ملك المديون آنا مّا- أي حدوثا- و إن امتنع بقاؤه على ملكه، بخلاف الحق غير القابل للنقل، فإنّ عدم قابليته للدخول في ملك من عليه الحق حدوثا و بقاء مانع عن جعله عوضا في البيع المتوقف على التمليك من الجانبين.

و عليه فقياس الحق بالدين مع الفارق. هذا توضيح ما أجمله المصنف قدّس سرّه في المتن من النقض ببيع الدين و الجواب عنه.

(1) يعنى: المديون.

(2) الضمير للشأن، و هذا تعليل لقوله: «و لا ينتقض» و قد تقدم تقريب عدم ورود النقض بقولنا: «ان تحقق عنوان البيع في جميع الموارد منوط بالانتقال الملكي .. إلخ».

و محصله: أنّ المعتبر في البيع- سواء أ كان المبيع عينا شخصية أم كلّية- هو حدوث ملكية العوضين للمتبايعين، و أمّا بقاؤها فغير معتبر فيه، و من المعلوم حدوث تملك المديون لما في ذمة نفسه آنا ما، و سقوطه في الآن اللاحق غير قادح في تحقق عنوان البيع. و هذا المناط غير محقّق في نقل الحق الى من عليه الحق، لاستحالة اجتماع المتقابلين- و لو آنا ما- و هما من له الحق و من عليه الحق.

(3) أي: كون بيع الدين من المديون تمليكا للمديون، و أثره فراغ الذمة.

(4) الفاء تدل على ترتب سقوط الدين- عن الذمة- على تملكه فورا، و هذا النحو من الملك يعبّر عنه بالملكية الآنيّة.

(5) يعني: و لأجل أنّه لا مانع من كون بيع الدين مفيدا للملكيّة الآنيّة جعل الشهيد،

ص: 95

في قواعده (1) الإبراء مردّدا بين الإسقاط و التمليك.

و الحاصل (2): أنه يعقل أن يكون مالكا لما في ذمّته، فيؤثّر

______________________________

و غرض المصنف تأييد ما ذكره- في جواب صاحب الجواهر قدّس سرّه- من أن مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما و سقوط الدين بعده ليست محالا بل ممكنة، فإنّ الشهيد قدّس سرّه جعل إبراء الدائن لما يملكه في ذمة مديونه مردّدا بين كونه إسقاطا لما في ذمته ابتداء، أو تمليكا له، ثم سقوط الدين عن الذمة في الآن الثاني. و لو لم يكن أصل تملك المديون لما في ذمة نفسه ممكنا لم يكن وجه لهذا الترديد، إذ لا يعقل الترديد بين ما هو ممتنع و ما هو ممكن، فالترديد بين شيئين كاشف عن إمكان كليهما، و عدم كونهما من المحالات. و عليه فبيع الدين من المديون يفيد الملكية آنا ما فيسقط، و ليس أثر البيع هو السقوط من أوّل الأمر كما زعمه صاحب الجواهر قدّس سرّه حتى يكون إسقاط الحق مثل بيع الدين.

(1) ذكر الشهيد ذلك في قاعدة عنونها بقوله: «قد تردّد الشي ء بين أصلين يختلف الحكم فيه بحسب دليل الأصلين، منه الإقالة .. و من المتردّد بين الأصلين: الإبراء، هل هو إسقاط أو تمليك؟» «1».

(2) هذا تقرير آخر لما أفاده من عدم جواز جعل القسم الثاني من الحقوق ثمنا في البيع، و جواز بيع الدين ممن هو عليه، توضيحه: أنّ الفرق بين الحق و الملك ينشأ من مغايرتهما جوهرا و ذاتا، و لذا يترتب عليه استحالة انتقال الحق ممّن له الحق الى من هو عليه، و إمكان مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه آنا ما.

و الدليل على الفرق ما أفاده بقوله: «و السّر» و بيانه: أنّ هذا القسم من الحقوق نوع من أنواع السلطنة الاعتبارية، و هذا المبدأ لا يتعدى بنفسه بل بحرف الاستعلاء، كما ورد في النبوي: «الناس مسلطون على أموالهم» و مقتضى هذه التعدية تقوّم السلطنة بطرفين، أحدهما سلطان و الآخر مسلّط عليه، و هما متقابلان يستحيل اجتماعهما في شخص واحد.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 291، رقم القاعدة: 102.

ص: 96

..........

______________________________

و على هذا فلو صحّ وقوع مثل حق الخيار عوضا في البيع بأن ينتقل الى من عليه الخيار لزم كون شخص واحد مجمعا لعنوانين متقابلين «و هما المسلّط و المسلّط عليه» و استحالته من الواضحات. مثلا: حقّ الخيار سلطنة على من عليه الحق بحلّ عقده، كما إذا تبايع زيد و عمرو دارا بألف دينار، و شرط زيد لنفسه الخيار، أي السلطنة على إقرار العقد و فسخه، فإذا اشترى من عمرو كتابا و جعل ثمنه الخيار- الثابت له في بيع الدار بالألف- لزم صيرورة عمرو- و هو من عليه الحق- مجمعا لعنوانين متقابلين آنا ما أي كونه من له الحق و من عليه الحق، أو السلطان و المسلّط عليه، و قد تقرّر استحالة اجتماع المتقابلين في واحد شخصي و لو في لحظة واحدة.

و هكذا الكلام في حق الشفعة، إذ مناط الاستحالة في المقام كون هذا الحق سلطنة، و السلطنة بحسب طبعها تقوم بطرفين، و يمتنع قيامها بواحد و لو آنا ما.

و هذا بخلاف الملكية، فإنّها تتعدّى بنفسها الى المملوك، و لا تتعدى بحرف الاستعلاء، فيقال: «ملك زيد الدار» فهي إضافة اعتبارية- لا مقولية- و علاقة يعتبرها العقلاء و الشارع بين المالك و المملوك، و لا يتوقف وجودها في وعاء الاعتبار على قيام المبدأ- أي الملكية- بشي ء آخر يكون هو المملوك عليه. و حيث كانت الملكية ربطا و نسبة صحّ اعتبارها في شخص واحد بأن يكون هو من له الملك و من عليه الملك- أي مالكا و مملوكا.

و عليه لا مانع من مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه، لتحقق المغايرة المعتبرة بين المالك و المملوك، لكون المالك نفسه، و المملوك المال الذي في ذمته، و هما متغايران.

و بهذا البيان يظهر غموض تنظير صاحب الجواهر «أعلى اللّه مقامه» جواز جعل الحق- القابل للإسقاط عوضا في البيع- ببيع الدين لمن هو عليه. لما عرفت من أنّه يعتبر في البيع حصول التمليك من الطرفين سواء أ كان مستمرا أم زائلا كما في بيع الدين للمديون، و هذا التمليك الآنيّ لا يتحقق في نقل الحق إلى من عليه الحق، لاستحالة اجتماع المتقابلين و لو آنا ما، فإنّ اجتماع المسلّط و المسلّط عليه في شخص واحد يرجع الى التناقض و هو كونه سلطانا و غير سلطان، و هو كما ترى.

ص: 97

تمليكه (1) السقوط، و لا يعقل (2) أن يتسلّط على نفسه.

و السّر (3): أنّ مثل هذا الحق (4) سلطنة فعلية (5) لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد (6)، بخلاف الملك، فإنّه نسبة بين المالك و المملوك (7)،

______________________________

(1) يعني: أن تمليك البائع دينه للمديون أثره سقوط الدين عن ذمة المديون.

(2) يعني: أنّ ما ذكرناه- من حدوث الملكية في بيع الدين ثم سقوطه- غير جار في القسم الثاني من الحقوق، لأنّ انتقال الحق الى من عليه الحق- و لو حدوثا- يستلزم صيرورة شخص واحد سلطانا و مسلّطا عليه، و من المعلوم عدم الفرق في استحالة اجتماع المتقابلين بين الحدوث و البقاء.

(3) قد عرفت أنّه تعليل للفرق بين بيع الدين و بين عوضيّة الحق، و قد أوضحناه آنفا بقولنا: «و الدليل على الفرق ما أفاده بقوله: و السر .. إلخ».

(4) أي: القسم الثاني من الحقوق، كحق الخيار و الشفعة مما يقبل الإسقاط دون النقل.

هذا بناء على النسخة المصحّحة المعتمد عليها.

و إن كانت العبارة: «أن الحق سلطنة ..» فلا بد أن يكون اللام للعهد الى قسم خاص من الحقوق، و هو الذي يكون محل النزاع بين صاحب الجواهر و المصنف قدّس سرّهما، كالقسم الثاني من الحقوق، و ليس مقصوده تفسير مطلق الحقوق بالسلطنة الفعلية المتقومة بتعدد طرفيها، لوضوح أن حق التحجير لا يقوم بشخصين.

(5) التقييد بالفعلية في قبال السلطنة الشأنية الموجودة في الملك كما في موارد الحجر، فإنّ الصبي و السفيه مالكان لأموالهما بالملكية الاعتبارية، إلّا أنّه لا قدرة لهما- فعلا- شرعا على التصرف فيهما، للحجر. و عليه فالسلطنة و إن كانت أثرا مشتركا بين الحق و الملك، إلّا أنّها في الحق فعليّة و تتقوّم بطرفين، و في الملك أعم من الشأنية و الفعلية، فيصح اعتبار الملكية و لو لم تحدث قدرة فعلية على التقليب و التقلب في المملوك.

(6) لما عرفت من استحالة اجتماع المتقابلين.

(7) و هذه النسبة الاعتبارية مغايرة طبعا للحق، فيصح اعتبارها بين المالك و المملوك و إن اجتمعا في شخص واحد.

ص: 98

و لا يحتاج (1) إلى من يملك عليه حتى يستحيل (2) اتحاد المالك و المملوك عليه، فافهم (3) [1].

______________________________

(1) يعني: لا يتوقف اعتبار الملكية- في جميع مواردها- على وجود مملوك عليه، و ان احتيج إليه أحيانا، و هذا في قبال الحق المتوقف- بحسب طبعه- على وجود مسلّط عليه.

ففي المقام إذا باع الدائن دينه من المديون لا تتوقف مالكية المديون لما في ذمة نفسه على وجود مملوك عليه، بل يكفي وجود طرفين أحدهما المالك، و الآخر المال المملوك، و سيأتي مزيد توضيح له في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

(2) إذ لو توقّفت الملكية على وجود المملوك عليه استحال بيع الدين من المديون، كما استحال انتقال حق الشفعة ممّن له الحق إلى من عليه الحق، لوحدة المحذور- أعني به اجتماع المتقابلين في واحد- في كلا المقامين.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ استحالة قيام طرفي السلطنة بشخص واحد إنما تلزم إذا لم يكن نقل الحق إلى من هو عليه إسقاطا له، إذ بناء عليه لا يلزم امتناع اتّحاد السلطان و المسلّط عليه.

نعم يلزم إشكال اتحادهما بناء على كون نقل الحق الى من هو عليه تمليكا له.

إلّا أن يقال: إنّ لزومه مبني على بقاء الحق بعد انتقاله إلى من عليه الحق، و أمّا بناء على سقوطه عنه بالتمليك كترتب سقوط الدين عن المديون على مجرّد تمليكه- كما أفاده المصنف قدّس سرّه- فلا يلزم محذور الاتّحاد أصلا.

أو إشارة إلى: أنّ الحق هو الملك، و السلطنة تكون من أحكامه، لا أن الحق نفس السلطنة، كما سيأتي في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] ما أفاده المصنف قدّس سرّه في القسم الثاني من الحقوق- و هو ما لا يقبل النقل الى الغير- قد ناقشه المحققون من المحشين بوجوه، بعضها ناظر إلى تنظير الحق ببيع الدين، و بعضها إلى منع إطلاق قيام الحق بطرفين، و بعضها الى توقف بيع الدين على وجود من يملك عليه، فيكون كالحق، و بعضها إلى أصل تصوير الملكية- و لو آنا ما- في بيع الدين حتى يترتب عليه السقوط.

فمنها: ما أفاده السيد قدّس سرّه تارة: بأنّ تعليل امتناع جعل الحق عوضا بمحذور استحالة

ص: 99

______________________________

المتقابلين أخصّ من المدّعي: الذي هو عدم قابلية الحقوق لوقوعها ثمنا في البيع سواء أ كان البائع من عليه الحق أم غيره، و محذور الاتحاد يقتضي تخصيص المنع بما إذا انتقل الحقّ إلى من عليه الحق، لا إلى غيره.

و اخرى: بعدم لزوم محذور اتحاد المتقابلين لو انتقل الحق إلى من هو عليه، لعدم قيامه بشخصين في مثل حقّ الخيار و الشفعة، لكون متعلق الحق في الشفعة عقد الشريك مع المشتري لحصته، و في حقّي الخيار عقد من عليه الخيار، و عليه فلا موضوع لاستحالة اجتماع المتقابلين في شخص واحد.

و ثالثة: بأنّ التفرقة بين الملك و الحق بجعل الأوّل نسبة و الثاني سلطنة غير مجد في تصحيح بيع الدين ممن هو عليه مع اعتبار ترتب الملك على البيع، و ذلك لتوقف الملك في بيع ما في الذمم على مملوك عليه، إذ لا بدّ من التزام الذمة القابلة للتعهد بالوفاء بالكلّي، و يعود حينئذ محذور اجتماع المسلّط و المسلّط عليه في واحد، لفرض لزوم مغايرة المالك للمملوك عليه و تعددهما. و عليه فجعل الملك نسبة اعتبارية غير نافع لحلّ الإشكال في بيع الدين ممن هو عليه «1». هذا.

أقول: أمّا الإشكال الأوّل فتفصيله: أنه إن كان مقصود المصنف قدّس سرّه منع جعل الحق عوضا في البيع مطلقا سواء أ كان ممّن هو عليه أم من غيره تمّ ما أفاده السيد قدّس سرّه من الأخصية.

و إن كان مقصوده البحث مع صاحب الجواهر- القائل بجعل الحق عوضا عن مبيع يبذله من عليه الحق على وجه الاسقاط- لم يتّجه عليه هذا الاشكال، لكون النظر حينئذ مقصورا على ردّ مقالة الجواهر، فالنقض على المصنف- بما إذا كان البيع من غير من عليه الحق- في غير محلّه، لكونه أجنبيّا عن مورد كلام الجواهر، و إن كان أصل المطلب حقّا.

و بعبارة أخرى: محطّ الاستدلال باستحالة اجتماع المسلّط و المسلّط عليه هو صورة

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 57

ص: 100

______________________________

انتقال الحق الى من هو عليه، و ليس انتقاله إلى الأجنبي موردا للبحث حتى يورد على المصنف بالأخصية. نعم عدم جواز جعل الحق عوضا لغير من عليه الحق و إن كان صحيحا، لكنه لا بمناط اتحاد من له الحق و هو من عليه، بل بمناط عدم قابلية الحق للنقل و التمليك إلى الغير.

و أما الإشكال الثاني- و هو تعلق حقّي الخيار و الشفعة بالعقد لا بمن هو عليه- ففيه: أن مثل حقي الشفعة و الخيار و إن لم يكن كحق القصاص في تعلّقه بشخصين، فطرف الحق هو العقد كما صرّح به المصنف في الخيارات، لا السلطنة على استرداد العين، إلّا أنّ السلطنة على فسخ عقد الغير سلطنة عليه حقيقة، لاستلزام الاستيلاء على حلّ العقد- و هو الالتزامان المرتبطان- للسلطنة على الملتزم و العاقد، و معه يعود محذور اتّحاد المسلّط و المسلّط عليه عند نقل مثل حق الخيار الى من هو عليه. و كذا الحال في حق الشفعة، فإنّ السلطنة على عقد الشريك مع المشتري سلطنة على المشتري حقيقة و بلا عناية، فتأمّل.

و أما الإشكال الثالث- و هو توقف ملك الكلي على من يملك عليه- فيمكن أن يقال: إنّ توقف الملك في الكليات الذمية على مغايرة المالك للمملوك عليه و إن كان صحيحا، لكن الظاهر أنّ مقصود المصنف من نفي الحاجة الى المملوك عليه في المقام هو ملاحظة واقع الأمر بعد انتقال الدين إلى المديون، لا قبله، و المتوقف على المملوك عليه هو الدين كما إذا تعهّد البائع بالكلي سلفا أو حالا لغيره، فالمالك هو المشتري و المملوك هو الحنطة مثلا، و المملوك عليه هو البائع، و هذا مسلّم. لكن إذا باع المشتري ما يملكه في ذمة البائع من نفس البائع لا من الأجنبي لا تتوقف مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما- ثم سقوطه- على طرف آخر.

و بهذا يسلم كلام المصنف عن الاشكال، و لا مجال لتنظيره ببيع الحق ممن هو عليه في استلزامه الاستحالة. إلا أن يناقش في أصل تصوير مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه بالملكية الاعتبارية.

و منها: ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه- مضافا إلى إشكال الأخصية المتقدّم في كلام صاحب العروة- من وجهين:

أحدهما: أنّ مورد الكلام هو عدم صحة جعل الحق عوضا في البيع، فلا يناسبه التعليل

ص: 101

______________________________

بقوله: «لأن البيع تمليك الغير» لعدم دلالته على لزوم النقل من طرف الثمن أيضا، كما لا يناسبه النقض ببيع الدين أصلا، لعدم كونه بصدد بيان عدم وقوعه عوضا، إذ المفروض كون الدين مبيعا لا ثمنا.

و ثانيهما: أنّ الحق ليس بنفسه سلطنة، بل هي من آثاره، كما تكون لازمة للملك أيضا، فلو امتنع اتّحاد طرفي الحق لاستحالة اجتماع المتقابلين لزم في بيع الدين ممّن هو عليه أحد محذورين، إمّا اتّحاد المسلّط و المسلّط عليه لو حصلت السلطنة للمديون بصيرورته مالكا لما في ذمته، و إمّا تفكيك الملكية عن السلطنة التي هي أثرها لو قيل بأنّ الحاصل في بيع الدين من المديون هو مجرد الملكية و السقوط، لا السلطنة على نفسه حتى يترتب عليه اجتماع المتقابلين المحال «1».

أقول: أمّا الإشكال الأوّل فالظاهر عدم وروده على المتن بناء على مبناه من أنّ إنشاء التمليك في البيع يكون من الطرفين، و إن كان من طرف المشتري ضمنيّا كما صرّح به المصنف في الجواب عن النقض الرابع على تعريف البيع بإنشاء تمليك عين بمال. و عليه يكون تعليل عدم وقوع الحق- غير القابل للنقل- عوضا في البيع بقوله: «لأنّ البيع تمليك الغير» في محله، لعدم تمكن المشتري من تمليك الثمن- و هو الحق- للبائع، لفرض عدم قابليته للنقل، فلا يتحقق مفهوم المبادلة المأخوذة في تعريف المصباح.

و أمّا نقض عدم وقوع الحق ثمنا ببيع الدين ممن هو عليه فالمقصود منه النقض بالأولوية، لأنّ كل من اكتفى بالإسقاط في ناحية المعوّض الذي هو المبيع الملحوظ فيه الأصالة فقد اكتفى بالإسقاط في طرف العوض- الذي هو مورد البحث- بطريق أولى، فتأمل.

مضافا إلى: أنّ مقصوده منع تنظير صاحب الجواهر سقوط الحق ببيع الدين.

و أما الإشكال الثاني فالظاهر. وروده على المتن، فإنّ الملك الاعتباري- بأيّ معنى فسّر-

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 4

ص: 102

______________________________

موضوع للسلطنة كما يقتضيه مثل ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «الناس مسلّطون على أموالهم» فلو امتنع قيام طرفي السلطنة الفعلية- في الحق- بواحد من جهة استحالة اجتماع المتقابلين لزم امتناعه في الملك أيضا، كما أنّه لو أمكن تصوير قيامه بشخص واحد- كما سيأتي في كلام المحقق الأصفهاني- جرى ذلك في الملك أيضا.

و الحاصل: أن الحق و الملك بوزان واحد إمكانا و امتناعا.

و منه يظهر أن المناقشة فيه «بأنّ الحق سلطنة اعتبارية هي من الأحكام الوضعية كاعتبار الملكية، و جواز التصرف تكليفا و وضعا يعبّر عنه بعنوان السلطنة، لا أنه هناك سلطنة اعتبارية حتى يكون في كل ملك اعتبار الملكية و اعتبار السلطنة» «1» غير ظاهرة، لكون المجعول نفس السلطنة في مورد الملّاك بالنسبة إلى أموالهم، و لو كانت عنوانا مشيرا إلى مشروعية التصرفات تكليفا و وضعا كانت حكما مشتركا بين الملك و الحق، إذ لا يراد من كون الحق سلطنة إلّا جواز تصرّف ذي الحق في حقه.

و الحاصل: أنّ السلطنة أثر مشترك بين الملك و الحق، و هي إمّا اعتبار وضعي، و إمّا عنوان جامع بين أنحاء التصرفات، فلا وجه للتفكيك بين الملك و الحق بجعل السلطنة في الملك نفس الجواز تكليفا و وضعا، و في الحق اعتبار السلطنة.

هذا بناء على الاقتصار على ما في المتن من كون الملك نسبة اعتبارية منتزعة من جواز التصرف و نحوه من الأحكام التكليفية كما هو مبناه المصرّح به في باب الاستصحاب و غيره من انتزاع الأحكام الوضعية من التكليفيات، و ليست مستقلة بالجعل، كما أنّ الملكية ليست عنده كالطهارة و النجاسة من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع- على ما نسبه السيد إليه.

فعلى كلّ تكون السلطنة على التقليب و التقلب من آثار الملك و أحكامه.

و أمّا بناء على ما أفاده المصنف قدّس سرّه في رسالة قاعدة «من ملك» من التصريح بكون الملكية سلطنة فعلية، فالإشكال آكد، لمساوقة اعتبار الملكية لاعتبار السلطنة على المملوك،

______________________________

(1): حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 13

ص: 103

______________________________

و لذا تكون سلطنة الصبي و المحجور على ماله شأنية لا فعلية، و حينئذ يكون محذور استحالة قيام طرفي الملك بواحد- كما في مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما- محذور اجتماع المسلّط و المسلّط عليه في واحد.

و على كلّ حال فالسلطنة ملحوظة في الملك سواء أ كان حقيقته إضافة اعتبارية أثرها السلطنة، أم كانت نفس السلطنة الاعتبارية، هذا.

و الحاصل: أنّ إشكال المحقق الخراساني وارد على المتن و لا دافع له.

هذا مضافا الى ما في تفسير مثل حق الخيار بالسلطنة الفعلية من إشكال آخر، و هو:

أنه لا خلاف في كونه موروثا، فلو ورثه الصبي كان كسائر ما يرثه مما له سلطنة اقتضائية عليه لا فعلية، و سلطنة وليّه الفعلية لا ربط لها به. و دعوى انتزاع سلطنته من جواز تصرف الولي ممنوعة، إذ لا معنى لقيام الأمر الانتزاعي بالصبي و نحوه من القصّر، و قيام منشأ الانتزاع بمن له الولاية.

و منها: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من وجهين:

أحدهما- بتوضيح منّا-: أنّ منشأ استحالة انتقال الحق إلى من هو عليه تضايف عنواني السلطان و المسلّط عليه، و المتضايفان متقابلان لا يجتمعان في واحد. لكنه ممنوع، لعدم اقتضاء مطلق التضايف للتقابل، بل إنّما هو شأن قسم خاص منه، و هو المتضايفان المتغايران وجودا كالعلة و المعلول و التقدم و التأخر، و أمّا العالمية و المعلومية و المحبية و المحبوبية فيقومان بوجود واحد بلا ريب.

و حقيقة السلطنة- كالملكية الحقيقية- تكاد أن تكون من القسم الثاني، إذ ليست حقيقة السلطنة إلّا كون الشخص قاهرا على شخص، و كون الغير طوع إرادته في حركاته و سكناته، و من المعلوم أنّ أولى الأشخاص بهذا المعنى هو الإنسان بنفسه، فإنّه لا يتحرّك إلّا بإرادة نفسه، فهو مسلّط على نفسه حقيقة. و لا محذور في ذلك بعد كون مرتبة من النفس قاهرة على مرتبة اخرى منها، كما هو المشاهد في أصحاب الرياضات و المجاهدين بالجهاد الأكبر لأجل قهر

ص: 104

______________________________

النفس و جعل زمامها بأيديهم و طوع إرادتهم.

و عليه فالسلطنة الحقيقية- فضلا عن الاعتبارية- لا تتوقف على تعدد الطرف حتى يلزم المحال من اجتماعهما في شخص واحد.

و دعوى توقف السلطنة على تعدد الوجود- و امتناع قيامها بواحد- لأنّ خصوصية الاستعلاء المقتضية لكون السلطان فوقا على المسلّط عليه موجبة لمغايرتهما وجودا، لاستحالة كون الشخص فوق نفسه، فيتجه كلام الماتن من عدم معقولية قيام طرفي الحق بواحد (ممنوعة) بأنّ السلطنة هي القهر و الاستيلاء، و لا تتوقف بحسب طبعها على تعدد الوجود، و إن كانت كذلك في بعض الموارد كما في السلطان و رعيّته، و لكن لا تتوقف عليه في مثل كون النفس بمرتبة مريديتها قاهرة على مرتبة انفعالها و إطاعتها.

ثانيهما: أنّ محذور الاستحالة- على فرض ثبوته- إنّما هو في السلطنة الحقيقية، لا الاعتبارية التابعة للأثر المصحّح للاعتبار، فكما يعقل مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه، و أثرها السقوط، فكذا في السلطنة الاعتبارية. و كما أنّ اعتبار هذا المعنى لغو في السلطنة بدون أثر السقوط كذلك في الملكية.

و عليه لا مانع من أن يعتبر الشارع من عليه الخيار مسلّطا و مسلّطا عليه، إذ الكلام في السلطنة الاعتبارية. و امتناع اجتماع طرفي السلطنة الحقيقية في واحد لا يقتضي امتناعه في أمثال المقام، لكون التضايف و التقابل من خصوصيات دار الوجود لا المفاهيم الاعتبارية.

نعم يشكل أصل اعتبار الملكية في بيع الدين كي يترتب عليه السقوط من جهة أنّ سقوط ملكية ما في الذمة إن كان لعدم أثر لاعتبار كون الإنسان مالكا لما في ذمته فلا يبقى، ففيه:

أنّ الحدوث كالبقاء في الامتناع و الإمكان. و إن كان السقوط بنفسه أثر الملكية ففيه: أنه لا يعقل أن يكون الشي ء علّة لعدم نفسه.

و الظاهر ورود هذين الإشكالين على المتن من عدم معقولية اتّحاد طرفي السلطنة.

و دعوى أجنبية بيع الحق ممن هو عليه عن سلطنة مرتبة النفس على مرتبة اخرى، لأن

ص: 105

______________________________

مقتضى سلطنته على العقد تمكّنه من حلّه و إقراره، و مقتضى كونه ممّن عليه الحق عدم نفوذ تصرف فيه، و لا معنى لاعتبار قبض اليد و بسطها معا، (غير مسموعة) بما تقدم في بيان المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من دوران الأمور الاعتبارية مدار الأثر المصحّح، و حيث التزم شيخنا الأعظم بمالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما فليكن الأمر كذلك في انتقال الحق إلى من هو عليه.

و منها: ما أفاده العلامة الشيخ البلاغي قدّس سرّه من منع تصوير مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه آنا ما، و ذلك لأنّ المقصود بها هنا هي الملكية الاعتبارية التي يكون المرجع في سعة دائرة اعتبارها و ضيقها العقلاء، و من المعلوم أنّ الذمّة بنفسها ليست وعاء تميّز حصة من الكلّي للأغراض و الأحكام من دون سائر حصصه، و إنّما يكون منشأ اعتبار مملوكية ما في الذمة التزام صاحب الذمة به، و استحقاق الغير لأدائه. و هذا المعنى غير محقّق في مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه، إذ لا يستحقه الغير، و لا التزام بأدائه له. و عليه فلا منشأ لانتزاع ملك الدين عند العقلاء، و لا لما يترتب عليه من السقوط «1».

و هذا الاشكال لا يخلو من وجه، و لأجله يتفصّى عنه في مسألة بيع الدين تارة بالالتزام بالإبراء بالعوض دون التمليك، و كفاية هذا المقدار في صدق مفهوم البيع. و اخرى بأنّ الملكية الحاصلة في بيع الدين هي الذاتية لا الاعتبارية، فالإنسان كما يملك نفسه و أعماله و منافعه كذلك يملك ما في ذمة نفسه حقيقة لا اعتبارا. و ثالثة بالتهاتر، و سيأتي تحقيق الكلام عند تعرض المصنف للنقض الثاني على تعريف البيع إن شاء اللّه تعالى، فانتظر.

لكن تنزيل قول الماتن هنا: «لا مانع من كونه تمليكا فيسقط» على الملكية الذاتية- كما في تقرير بعض الأعاظم قدّس سرّه «2»- لا يخلو من نظر، لأنّ شيخنا الأعظم قدّس سرّه جعل الفارق بين الملك و الحق كون الأوّل نسبة و الثاني سلطنة فعلية، و هذه المقابلة تقتضي إرادة الإضافة

______________________________

(1): التعليقة على المكاسب، ص 4

(2) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 39

ص: 106

[القسم الثالث الحقوق القابلة للانتقال]

و أمّا (1) الحقوق القابلة

______________________________

القسم الثالث: الحقوق القابلة للانتقال

(1) هذا بيان حكم القسم الثالث من الحقوق من حيث وقوعها ثمنا في البيع و عدمه.

و قد أشرنا إلى أنّ المصنف قدّس سرّه لم يجزم ببطلان ذلك، بل تردّد فيه و إن كان مآله إلى عدم جواز جعله عوضا.

و محصل ما أفاده في الإشكال على وقوعه عوضا هو: أنّ مثل حق التحجير و إن كان قائما بشخص المحجّر كسائر الحقوق القائمة بذويها، إلّا أنه يجوز نقله الى الغير بصلح و نحوه و يصحّ أخذ المال بإزائه، فالمحذور المتقدم في القسمين الأوّلين- من عدم قابليتهما في حد ذاتيهما للنقل إلى الغير- غير جار في هذا القسم. إلّا أنّ المانع من جعله عوضا في البيع هو الخصوصية الملحوظة في مفهوم البيع لغة و عرفا، و هي وقوع المبادلة بين مالين، و صدق «المال» على الحقوق غير ظاهر لو لم يكن ظاهر العدم، و عليه فلا يجوز جعلها عوضا في البيع.

أمّا أخذ «المال» في معنى البيع لغة فلما تقدم في تعريف المصباح له بقوله: «مبادلة مال بمال» فلو لم تحرز مالية العوضين لم تكن المبادلة بينهما بيعا.

و أمّا أخذه في مفهومه عرفا- مضافا إلى استكشافه بقول اللغوي- فلما يظهر من تعريف الفقهاء للبيع العرفي، كما تقدّمت جملة منها عند البحث عن اعتبار عينية المبيع، و قد

______________________________

الاعتبارية التي تكون بين الملّاك و أموالهم سواء أ كانت فعلية كما في ملك غير المحجور عن التصرف، أم اقتضائية كما في ملك القصّر ممن لا سلطنة له فعلا على التصرف في ماله.

و عليه فيكون مقصود الشيخ قدّس سرّه من مالكية المديون لما في ذمة نفسه هو الملكية الاعتبارية لا الذاتية، فتوجيه معقولية ملك المديون للدين «بأنه من شؤون سلطنة النفس على ذمته و عمله ذاتا لا اعتبارا» لعلّه من التوجيه الذي لا يرضى به صاحبه.

و أما أصل تصوير مالكية الشخص لما في ذمة نفسه فسيأتي في نقوض تعريف المصنف للبيع إن شاء اللّه تعالى.

ص: 107

للانتقال (1)- كحقّ التحجير (2) و نحوه (3)- فهي و إن قبلت

______________________________

عرفت أيضا أن الموضوع للأدلة المتكفلة لأحكامه هو ما يصدق عليه البيع عرفا، إذ لا حقيقة شرعية و لا متشرعية له.

و يدلّ على اعتبار مالية العوضين أيضا ما أفاده الفقهاء (قدّست أسرارهم) في موضعين:

أحدهما: في شرائط العوضين من البيع، و ثانيهما: في شرائط الأجرة في كتاب الإجارة.

و عليه فلا يجوز جعل هذا القسم من الحقوق أيضا عوضا في البيع.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه لم يتعرّض لوجه جواز جعل هذا القسم ثمنا، و لعلّه لكون «المال» المأخوذ في تعريف البيع و سائر العقود المعاوضية عبارة عن مطلق ما يتنافس عليه العقلاء و إن لم يكن عينا و لا منفعة، و من المعلوم كون الحقّ مما يبذلون شيئا بإزاء نقله و إسقاطه و إراحة أنفسهم عنه، كم يبذلونه بإزاء ما اشتغلت ذممهم به من أموال الناس عينا و معنى.

و بعبارة أخرى: يكون أخذ «المال» في تعريف البيع منزّلا على الغالب من البيوع المتعارفة بين الناس، و مثالا لكل ما للشخص سلطنة عليه، و هذا المعنى العام صادق على الحقوق أيضا، لأنّها أموال عرفا.

(1) قد يراد بالانتقال ما يعم النقل الاختياري بالبيع و الشراء، و القهري بالإرث، و قد يراد به ما يخصّ النقل القهري، كما يختص النقل بالاختياري و مقصود المصنف قدّس سرّه من الانتقال هو الأوّل، لقوله بعده: «قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح».

هذا بيان المراد، و لكن الانصاف مقابلة الانتقال للنقل، لاختصاصه بالناقل القهري كاختصاص النقل بالاختياري.

(2) فيجوز للمحجّر نقل حقّه إلى الغير، و يصير المنقل إليه- كالأصيل- أولى من غيره في تملك الأرض بالإحياء، و لا يجوز للأجنبي مزاحمته فيه.

(3) كحق الرهانة و القصاص و الشرط كما قيل «1».

______________________________

(1): حاشية السيد الطباطبائي على المكاسب، ص 56

ص: 108

النقل (1) و قوبلت بالمال في الصلح (2)، إلّا (3) أنّ في جواز وقوعها (4) عوضا للبيع إشكالا، من (5) أخذ المال في عوضي المبايعة لغة (6) و عرفا (7)، مع (8) ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض

______________________________

(1) يعني: فلا يرد الإشكال على هذا القسم بما أورد على القسمين المتقدمين من قوله:

«لأن البيع تمليك الغير» إذ المفروض قابلية قيام القسم الثالث- من الحقوق- بالغير، فالإشكال في عوضيه هذا القسم من الحقوق لا بد أن يكون من ناحية الشك في صدق «المال» عليه.

(2) قال في الجواهر- في مسألة جواز الصلح على عين بعين أو بمنفعة، و بالعكس- ما لفظه: «للعمومات المقتضية لذلك، و لغيره من الصلح عن الحق إسقاطا أو نقلا، كحق الخيار و حق التحجير و حق الشفعة، بل الظاهر أنّها- أي عمومات الصلح- تقتضي صحة الصلح عن كل حق حتى يعلم عدم جواز إسقاطه أو نقله شرعا» «1».

(3) هذا استدراك على قوله: «و ان قبلت النقل و قوبلت بالمال في الصلح» و محصّله:

التفرقة بين باب البيع و الصلح، للاغتفار فيه بما لا يغتفر في البيع، فجواز الصلح عن الحقوق لا يقتضي جواز وقوعها عوضا في البيع.

(4) أي: وقوع الحقوق القابلة للانتقال.

(5) هذا وجه عدم الجواز، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «و محصل ما أفاده في الإشكال على وقوعها عوضا في البيع .. إلخ».

و وجه الإشكال أمران، أحدهما: دخل مالية العوضين في مفهوم البيع العرفي و اللغوي، و ثانيهما: ظهور كلمات الفقهاء في ذلك في موضعين.

(6) فإنّ ظهور تعريف المصباح للبيع- بالمبادلة بين مالين- في اعتبار المجانسة بين العوضين في الماليّة ممّا لا ينكر.

(7) لتسالمهم على دخل ماليّة العوضين في مفهوم البيع عرفا.

(8) هذا هو المنشأ الثاني للإشكال في وقوع الحقوق عوضا في البيع، و هو الاستشهاد بكلمات الفقهاء في موضعين.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 26، ص 230

ص: 109

لشروط العوضين (1)، و لما (2) يصحّ أن يكون اجرة في الإجارة في (3) حصر الثمن في المال.

______________________________

(1) هذا هو الموضع الأوّل من كلمات الفقهاء، و هو بحث شرائط العوضين في البيع.

(2) عطف على «لشروط» أي: عند التعرض لما يصحّ اجرة في باب الإجارة، و هو الموضع الثاني من كلمات الفقهاء.

(3) متعلق ب «ظهور كلمات الفقهاء» أي: أنّ الكلمات ظاهرة في انحصار ثمن البيع و اجرة الإجارة في المال، و هو مشكوك الصدق على الحقوق القابلة للانتقال.

و قد تحصّل: أن المصنف قدّس سرّه فصّل في جعل الحقوق عوضا في البيع بين صور نقتصر على ذكر مهماتها:

الاولى: إن لا يكون الحق قابلا للمعاوضة- بمعنى عدم كونه ممّا يقبل الإسقاط و النقل الاختياري و الانتقال القهري، إذ المعاوضة لا بدّ و أن تكون بإزاء النقل أو الإسقاط- كولاية الأب و الجدّ و الحاكم على ما قيل. و حكم هذه الصورة أنه لا يصح جعله عوضا في البيع، لكون البيع من النواقل المعاوضية.

و الظاهر أنّ هذه الصورة خارجة عن مورد النزاع بين المصنف و بين صاحب الجواهر قدّس سرّهما القائل بجواز جعل الحقوق عوضا في البيع، كما لا يخفى وجهه.

الثانية: أن يكون الحق قابلا للإسقاط دون النقل كحق الشفعة، فجعله عوضا عن المبيع قد يكون بنحو النقل إلى من عليه الحق، كأن يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب بحقّ الشفعة الذي لك عليّ». أو إلى غير من عليه الحق، كأن يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب بحقّ الشفعة الذي لك على زيد على أن ينتقل الحق إليّ». و قد يكون بنحو الإسقاط.

فإن كان بنحو النقل لم يصح جعله عوضا في البيع مطلقا- سواء أ كان البائع من عليه الحق أم غيره- إذ المفروض عدم قبوله للنقل، و البيع من النواقل، فجعله عوضا بنحو النقل مساوق لكون البيع بلا ثمن، فلا بد أن تكون هذه الصورة أيضا خارجة عن مورد كلام الجواهر بجواز جعل الحق عوضا في البيع.

و إن كان بنحو الإسقاط، فتارة يكون البائع من عليه الحق كأن يقول البائع: «بعتك

ص: 110

..........

______________________________

هذا الكتاب بأن يسقط ما لك من حقّ الشفعة عليّ». و اخرى يكون أجنبيّا، كأن يقول البائع لصاحب الحق: «بعتك هذا الكتاب بأن يسقط ما لك على زيد من حقّ الشفعة».

فإن كان البائع من عليه الحق ففساد البيع فيه مبنيّ على كون البيع هو النقل من الطرفين، كما هو مقتضى تعليل المصنف قدّس سرّه لذلك بقوله: «لأن البيع تمليك الغير». و أمّا بناء على عدم اعتبار النقل من الطرفين في البيع و كفاية مطلق انتفاع المتبايعين بالعوضين- أو انتفاع أحدهما بأحد العوضين- في تحقق البيع و لو بنحو الإسقاط و تخليص نفسه عن حق الغير، حيث إنّه انتفاع عقلائي مرغوب فيه عندهم، فلا مانع من صحته.

و حيث إنّ المصنف اعتبر في البيع النقل من الطرفين التزم بالفساد، و صاحب الجواهر لمّا لم يعتبر النقل من الطرفين- و اكتفى في تحقق البيع بمطلق الانتفاع بالعوضين، أو أحدهما و إن لم يكن بنحو الانتقال- حكم بالصحة، هذا.

و إن كان البائع أجنبيّا عمّن عليه الحق، ففساده مبنيّ على اعتبار أحد أمرين في صحة البيع، إمّا النقل من الطرفين كما هو مذهب المصنف قدّس سرّه، و إمّا الانتفاع بالعوضين و لو بغير النقل كما هو مذهب الجواهر. و كلاهما مفقود فيما إذا كان البائع أجنبيّا عمّن عليه الحق، ضرورة عدم نقل المشتري شيئا إلى البائع، إذ المفروض كون العوض إسقاط الحق لا نقله، و من المعلوم أن البائع الأجنبي عمّن عليه الحق لا ينتفع بإسقاطه، فالبائع لا ينتقل إليه الحق، و لا ينتفع أيضا بإذهابه، فلا يصح البيع.

و عليه ينبغي إخراج هذه الصورة أيضا عن مورد نزاع صاحب الجواهر و المصنف، لاقتضاء مذهب كل منهما بطلانه، لفقدان شرط صحته من النقل من الطرفين، أو الانتفاع بالعوضين و لو بغير الانتقال فيما إذا كان البائع غير من عليه الحق، هذا.

الثالثة: أن يكون الحق قابلا للنقل و مقابلته بالمال في الصلح، لأجل قابليته لكلّ من النقل و الإسقاط، كحق التحجير، فإن جعل عوضا عن المبيع على وجه الإسقاط، جرى فيه ما تقدم من بطلان البيع على مذاق المصنف، لفقدان النقل من الطرفين المعتبر في البيع

ص: 111

..........

______________________________

سواء أ كان البائع من عليه الحق أم غيره. و صحته على مذاق صاحب الجواهر القائل بكفاية انتفاع كل من المتبايعين بالعوضين و لو بغير الانتقال إن كان البائع من عليه الحق. و بطلانه إن كان البائع أجنبيّا، إذ لا ينتفع البائع بشي ء من أنحاء الانتفاعات بإسقاط الحق عمّن هو عليه.

و إن جعل الحقّ عوضا عن المبيع على وجه النقل- سواء أ كان البائع من عليه الحق أم أجنبيّا- فقد استشكل فيه المصنف قدّس سرّه بعدم وضوح صدق المال على الحق، مع لزوم اعتبار مالية كلا العوضين في البيع، فمقتضى أصالة الفساد في العقود فساد البيع.

و لو كان البائع أجنبيا ففي صحة البيع إشكال آخر، و هو عدم انتفاع البائع بعوض المبيع بنحو من الأنحاء. إلّا أن يكون في انتقال حق التحجير الى الغير- بهذا البيع- غرض عقلائي، فلا مانع من صحته حينئذ.

فاتضح من جميع ما ذكرناه: أنّ المصنف قدّس سرّه يمنع جعل الحقوق بأسرها عوضا عن المبيع، للإشكال في صدق المال على الحقوق، و لكون البيع من النواقل، و الأوّل جار في جميع الحقوق، و الثاني في خصوص الحقوق غير القابلة للنقل، فلاحظ و تأمّل.

ص: 112

نظرة في الحقوق أقسامها وأحكامها

قد يعد الحق عند جمع من الأعاظم نوعاً من الملك أو مرتبة منه، فينبغي البحث أولاً في

تعريف الملك، ثم في ماهية الحق و أقسامه وأحكامه، فيقع الكلام في موضعين:

الموضع الأول: في الملك

إختلفت كلماتهم في تعريف الملكية الإعتبارية المنشأة في المعاملات على أقوال. منها: ما اختاره المصنف الله في المتن من أنها نسبة بين المالك و المملوك. وينبغي أن تكون منتزعة من الحكم التكليفي كجواز التصرف، بناءً على ما حققه في الأصول من عدم تأصل الأحكام الوضعية في الجعل.

ومنها: ما إختاره في رسالة من ملك في من يصح منه الإقرار بالملك من أنها سلطنة فعلية كما تقتضيه اللغة و احترز بها عن إقرار الصبي بما يملكه، إذ ليست سلطنته إلا بالاقتضاء،

فراجع.

و منها: أنها سلطنة و لعل المراد بها ما يعم الفعلية والشأنية، إختاره جمع، منهم السيد ، حيث قال تارة في تفسير الحق: «سواء جعلناه إضافة و نسبة بين الطرفين، أم سلطنة كما في الملك، و أخرى في تعريف الملكية: «و يمكن أن يقال: إن الملكية هي نفس السلطنة الخاصة لا العُلقة الملزومة لها ب.

أ.

رسالة من ملك» المطبوعة مع عدة رسائل فقهية أخرى ، ص 184

ب حاشية المكاسب . ص 57 (آخر (الصفحة) و ص 58

ص: 113

. هدى الطالب / ج 1

و منها: أنها مرتبة من مقولة الجدة، كما في تقرير بحث شيخ مشايخنا المحقق النائيني قليل من: «أن الملكية في باب الأموال عبارة عن مرتبة من مقولة الجدة، أي: إعتبار كون شيء لشيء آخره.

و منها: أنها إضافة، كما ربما يظهر من المحقق الخراساني في باب الأحكام الوضعية، حيث قال: «ان الملك يقال بالاشتراك على ذلك - أي الجدة المقولية - و على إختصاص شيء

بشيء خاص».

و منها: أنها برزخ بين الإعتبارات الذهنية الصرفة و هي الوجودات الإدعائية كأنياب الأغوال العارية عن الحقيقة، الزائلة بالغفلة وذهول النفس و بين الإضافات المقولية و النسب الخارجية، كما في تقرير شيخنا المحقق العراقي لج.

ومنها: أنها تساوق الإحتواء و الوجدان تقريباً، كما مال إليه المحقق الإصفهاني تقليل الورد

ومنها: أنها إحاطة وسلطنة، كما في تقرير السيد الخوئي قليل

ومنها غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.

الظاهر أنّ التعاريف المذكورة تقريبية، لوحظ في كل منها حيثية من حيثيات الملك و أثر من آثاره. و لعل الأقرب - بالنظر إلى ورود هذه المادة في الإستعمالات الفصيحة هو الوجدان، فإنه المنسبق منه الى الذهن سواء في الملك الحقيقي و الإعتباري الذي هو مورد البحث، فقد تكرّر في الذكر الحكيم التعبير بعدم الوجدان فيمن لا يستطيع الهدي، و في الكفارة ،المرتبة قال عز من قائل: ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج ) . و فمن لم

-

:: المكاسب والبيع ، ج 1 ، ص 84

:

كفاية الاصول، ج 2، ص 307 المطبوعة مع حواشي العلامة المشكيني.

ج نهاية الافكار . ج 4 ، ص 102

د حاشية المكاسب ، ج 1، ص 7

ه- : مصباح الفقاهة ، ج 2، ص 44

و : البقرة الآية : 196:

ص: 114

1150000000

تعريف الملك .....

يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ) . و ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة

أيمانكم ) ب.

و روي عنه لا : الى الواجد بالدين يُحل عرضه و عقوبتهج و المقصود به

صَلَ اللَّهُ عَلَمٍ

المماطلة بالدين مع القدرة على أدائه. ووَرَدَ في النصوص المفسرة للاستطاعة المالية التعبير بالواجد وأهل الجدة كما أريد بها الغنى و اليسار فيمن يجب عليه زكاة الفطرة، وقد تقدم

جملة منها.

و عرفه اللغويون بالإحتواء و هو إحراز الشيء بحيث يتمكن المالك من التصرف في ملكه، ففي اللسان نقلاً عن ابن سيدة: «الملك و الملك و الملك: إحتواء الشيء، و القدرة على الإستبداد به و نحوه في القاموس وغيره و الإحتواء و إن لم يكن بنفسه منسبقاً إلى الذهن، لكن تقييد المفهوم بالقدرة على الإستبداد به في التصرف يجعله بمعنى الوجدان تقريباً و يدل على أخذ خصوصية في الملك بها تكون أضيق مفهوماً من الوجدان، و هي كون المالك متبوعاً و من ذوي الإرادة والعقل، فلا يقال للدار الواجدة للبيوت: «أنها مالكة لبيوت خمسة وإنما يقتصر على التعبير عنها بالوجدان.

ولا فرق في دخل هذه الحيثية في مفهوم الملك بين مطابقاته التكوينية و الإعتبارية،

كما سيظهر.

كما أنه لابد من تنزيل كلام اللغوي على الغالب لظهوره في دوران صدق الملك مدار سلطنة المالك فعلاً على التصرف في مملوكه و عدم كفاية السلطنة الشأنية فيه، و من المعلوم أن لازم هذه صحة سلب الملك عن القاصر المحجور عن التصرف في ماله، مع أنه لا ريب في صدق الملك عليه حقيقة عرفاً و شرعاً. أما عرفاً فلأنّ المحاكم العرفية المانعة عن تصرف

أ النساء الآية : 92 ،

ب المائدة . الآية : 5

ج: وسائل الشيعة . ج 13، ص 90 . الباب 8 من أبواب الدين و القرض ، الحديث : 4

د:

راجع الصفحة 73

لسان العرب ، ج 10، ص 492

ص: 115

116

... هدى الطالب / ج 1

الأطفال في أموالهم قبل بلوغ الثامنة عشر من العُمر تلتزم بمالكيتهم لما يرثونه من الأموال

و أما شرعاً فلوضوح حكمه بمالكية الصبي - بل الجنين - لحصته من تركة مورثه.

و المستفاد مما ذكرناه كفاية السلطنة الإقتضائية في الملك و إن كانت السلطنة الفعلية

للولي، و بطلان تعريفه بها.

بل قد يقال بأجنبية مفهوم الملك عن السلطنة حتى الشأنية، إذ الملك يتعدى بنفسه،

و السلطنة تتعدى بحرف الإستعلاء، فلا ترادف بين مفهوميهما. وعليه فالملك الإعتباري أمر آخر، و من أحكامه - عرفاً و شرعاً - السلطنة على أنحاء التصرفات.

وبالجملة: فالملك العقلائي و الشرعي هو الوجدان كم-ا م-ال إليه المحقق الإصفهاني له . وليكن المراد به إعتبار الواجدية، لوضوح كون الملك مفهوماً عاماً له مطابقات حقيقية و جعلية. و المقصود بالبحث هنا و إن كان تعريف الملك الإعتباري، إلا أنه لم-ا ك-ان وجوداً إدعائياً للملك الحقيقي كان المناسب الإشارة الى مطابقاته، فنقول: يطلق الملك ع-ل-ى

:معان

إطلاق الملك على معان أربع

الأوّل: الملكية الحقيقية و الإصافة الإشراقية، حيث يكون المالك قيوماً على مملوكه

بحسب ذاته و جميع شؤونه و له السلطنة الحقيقية عليه، و الإحاطة التامة به كما في ملك الباري جلّت عظمته لما سواه، قال عز من قائل: و عنت الوجوه للحي القيوم و قد خاب من حمل ظلماً ) و القيوم هو القائم الحافظ لكل شيء، و المعطي له ما به قوامه و ذلك هو

المعنى المذكور في قوله تعالى: ( الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى )

و مثلوا للملك بهذا المعنى في عالم الممكنات بوجدان النفس الناطقة للصور الادراكية المرتسمة في صفعها، حيث إن النفس واجدة لها حقيقةً، و هي قيومها، بحيث تنمحي عنها

أ: طه . الآية : 111

ب مفردات ألفاظ القرآن الكريم . ص 417

ص: 116

117 ....

موارد إطلاق الملك

بالغفلة و الذهول و النفس وإن كانت جوهراً موجودة لنفسها في نفسها، لكنها قائمة بغيرها - أي بارئها و موجدها - فلذا كانت الصور قائمة بذلك الغير.

و كيف كان فالملك بمعنى الإضافة الإشراقية مخصوص بالباري جل وعلا، و هو أمر تكويني خارج عن أفق المقولات فضلاً عن الإعتبار. ويثبت بالتبع و في مرتبة تالية لأوليائه من لال والأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة و السلام، لكونهم مجاري فيضه و مجالي

النبي

نوره فَلَهم السلطنة المعنوية على جميع الموجودات، وبهذا الإعتبار بهم تتحرك المتحركات و تسكن السواكن، قال المحقق الإصفهاني: «فإن الممكنات كما أنها مملوكة له تعالى بإحاطته الوجودية على جميع الموجودات بأفضل أنحاء الإحاطة الحقيقية، كذلك النبي والله والأئمة الالالالالام لكونهم لالالالالالام من وسائط فيض الوجود، فلهم الجاعلية و الإحاطة بذلك الوجه، بمعنى فاعل ما به الوجود، لا منه الوجود، فإنّه مختص بواجب الوجود، و لا بأس بأن تكون الأملاك و ملاكها مملوكة لهم بهذا الوجه، كما في قولهم الله : الأرض كلها لنا، وإن لم تكن مملوكة لهم بالملك الإعتباري الذي هو موضوع الأحكام الشرعية .

الثاني : الملك الذاتي، و هو حيثية وجودية هي قيام وجود شيء بشيء بحيث يختص به في التصرف فيه كيف شاء، و مثلوا له بمالكية الإنسان لنفسه و أعضائه و منافعه و أعماله. أما مالكيته لنفسه فلأن وجدان كل موجود لنفسه ضروري الثبوت له كوجدان كل ماهية لنفسها. و أما مالكيته لفعله فلان زمامه بيده الصدور عنه بإرادته وإختياره، فهو أملك بفعله من غيره لأن سلطنته على فعله من شؤون سلطنته على نفسه.

و هذا النحو من الملكية قد يتحقق بين شخصين إذا كان أحدهما طوع إرادة الآخر في حرکته و سکونه، كما حكاه تعالى عن الكليم بالنسبة الى هارون على نبينا و آله و عليهما الصلاة و السلام» بقوله: ( لا أملك إلا نفسي و أخي ) إذ لا يراد به الإضافة الإعتبارية بين السيد و العبد، بل المراد به إنقياد هارون له بحيث تكون أفعاله بإرادة أخيه الا الله والملكية بهذا المعنى حقيقية لا إعتبارية و لا ،مقولية و تسميتها بالذاتية دون الحقيقية لأجل إختصاص الملك

أ حاشية المكاسب ، ج 1، ص 212 1،

ص: 117

. هدى الطالب / ج 1

118.

الحقيقي بالإشراق و الإيجاد.

الثالث : الملك المقولي، أي ما يُعد في فن المعقول من الأعراض النسبية، المعبّر عنه بالجدة أيضاً، قال في الأسفار و ممّا عُدّ من المقولات الجدة و الملك، و هو هيئة تحصل بسبب كون جسم في محيط بكله أو بعضه، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط، مثل التسلح و التقمص و التعمم و التختُم و التنعل، وينقسم الى طبيعي كحال الحيوان بالنسبة إلى إهابه و غير طبيعي كالتسلح و التقمص ... الخ .

)

ب

و جَعَل في شرح الهداية ملكية الباري تعالى من الإختصاص الطبيعي، ككون القوى

و إدراج ملك الباري تعالى في الجدة مجرّد إصطلاح، لا بمعنى إنقسام الملك المقولي الى الطبيعي و الإعتباري، لوضوح أن المبدأ الأعلى جل و علاه و فعله الإطلاقي المعبر عنه بالإضافة الإشراقية جلّ أن يندرج تحت المقولات التي هي أجناس الماهيات الامكانية من الجواهر و الأعراض. بل الأمر كذلك في ملك النفس لقواها، فإنه حيثية وجودية، و الوج--ود مطلقاً ليس بجوهر و لا عرض إلّا بالعرض و التفصيل في محله.

و المقصود أن بعض الأمثلة المذكورة في مقولة الجدة - بمعنى الهيئة التكوينية الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم آخر به - أجنبي عنها، فمالكية النفس للقوى مثلاً مصداق للملكية الحقيقية، كما أن مالكية زيد للفرس إعتباري، لا ربط لها بالموجودات الحقيقية المنحصرة في الجواهر و الأعراض. إلا أن يراد من مالكية زيد للفرس الهيئة الحاصلة من ركوبه

عليه

الرابع : الملك الإعتباري و هو وجود إدعائي تنزيلي للملك الحقيقي أو المقولي.

و ليس المراد بالإعتبار هنا ما يصطلح عليه في فنّ المعقول من إطلاقه تارةً على الإعتبارات الذهنية، سواء أكان ظرف العروض والإنصاف الذهن كالكلية والجنسية، فانّهما مفهومان

أ الأسفار الأربعة ، ج 4 . ص 223 ب شرح الهداية الأثيرية ، ص 274

ص: 118

معنى الملكية الاعتبارية ......

114..

عارضان لمعروض ذهني، أم كان ظرف العروض الذهن و ظرف الإنصاف الخارج كالوجوب و الإمكان، و هما من المعقولات الثانية في قبال المعقولات الأولى كالانسان و الحجر من

المفاهيم الماهوية.

و أخرى على الأصالة و الاعتبارية في بحث أصالة الوجود أو الماهية، حيث إنّ مقصود هم بالإعتبارية تحقق الشيء بالعرض في قبال ما يكون تحققه بالذات، فبناءً على أصالة الوجود تُنسب الآثار الخارجية الى الوجود حقيقة و أصالة، و إلى الماهية بالعرض. و ينعكس الأمر بناءً على أصالة الماهية و إعتبارية الوجود. و على كُلُّ فإعتبارية الوجود أو الماهية تغاير الإعتبارية بالمعنى الأول، فإنّ الماهيات أمور ،حقيقية، وليست كالوجوب و الإمكان المنتزعين

من ذات الممكن و الواجب.

بل المراد بالاعتبار هنا هو الفرضُ و التنزيل، أي: جعل ما ليس مصداقاً حقيقياً لمفهوم مصداقاً له إدعاء وتنزيلاً، ثم استعمال اللفظ فيه نظير المجاز العقلي و الحقيقة الإدعائية في كلام ،السكاكي و يترتب عليه كون استعمال اللفظ في الفرد الإدعاني حقيقة لا بالعناية، فيقال: ان «الأسد» موضوع للحيوان الشجاع، إلا أن له مصداقين أحدهما حقيقي، و الآخر فرضي تنزيلي و هو الرجل الشجاع و استعمال اللفظ في الفرد الإدعائي أجنبي عن إستعماله في غير ما وضع له، لكونه إستعمالاً في ما ينطبق عليه المفهوم و إن كانت مصداقيته له إدعائية لأجل ترتيب آثار المصداق الحقيقي الواقعي - أو أظهر خواصه - على الفرد التنزيلي.

والحاصل أن الملكية العقلائية تكون من سنخ المعاني الإدعائية التي يعتبرها العقلاء لنظم شؤونهم الإجتماعية إقتصادياً وسياسياً كالزوجية و الحرية و الرئاسة و الحكومة ونحوها، ويكون وعاء تقررها الإعتبار الذي هو برزخ بين الوجودين الذهني و العيني، و يترتب على وجودها في ذلك الصُّقع أحكام و آثار ..

و حقيقة الإعتبار توسعة في المفاهيم الحقيقية و إعطاء حكم المعتبر عنه للمعتبر له، کاعتبار زيد رئيساً على قومه، فإن معناه تنزيله منزلة الرأس من الجسد، فالملكية الإعتبارية إعتبار للملك الحقيقي أو لمقولة الجدة كما سيظهر ، يعني: أنه لو وجد في الخارج لكان مصداقاً المقولة الجوهر أو الكيف أو الجدة، أو الإضافة، لكنه لا حظ له من الوجود الخارجي حتى

ص: 119

. هدى الطالب / ج 1

120

يكون مصداقاً حقيقياً للمقولة.

و الإعتبار بهذا المعنى يسري الى سائر المقولات أيضاً، فالأسد» مثلاً مُطابقه الحقيقي هو الحيوان المفترس، الذي هو نوع من الجسم النامي، الذي هو نوع لمطلق الجسم، و هو نوع من مقولة الجوهر. و مطابقه الإعتباري هو الرجل الشجاع كزيد، مع أنه مباين له حقيقة، لكونه نوعاً آخر من الحيوان وكذا البياض فإنّه عرض متأصل و مطابقه الحقيقي نوع من مقولة

الكيف المبصر المفرق للبصر ، ويعتبرونه لغير الجسم، فيقال: «قلبه أبيض» و المقصود منه بيان

أمر معنوي.

و الفوقية مثلاً إضافة حقيقية في مقولة الاين عند كون جسم في أين بالنسبة الى جسم آخر بينه و بين الأرض. ولكنها تطلق على المجردات تنزيلاً وإدعاء، فيقال: «علم زيد فوق علم عمرو و هكذا في سائر المقولات. فالعمى مثلاً هو عدم البصر في المحل القابل له، مع إطلاقه

في الذكر الحكيم على الضلال المقابل للهداية و الرشد.

و الغرض من ذكر المعاني الإعتبارية هو النظر في ما ذهب إليه شيخنا الأعظم . و . و من

تبعه من دعوى إنتزاع الملكية من التكليف، لكونها من الإعتباريات الذهنية التي يمتنع جعلها إستقلالاً كما سيأتي بيانه.

ثم إنه ينبغي تتميم البحث في الملكية بالتعرض إجمالاً لأمور:

الأمر الأوّل : أنّ إطلاق الملك على الموارد الأربعة المتقدمة حقيقي لا عناية فيه أصلاً، ولكنه ليس من إطلاق الكلي المشكك على جزئياته، إذ التشكيك صدق طبيعة واحدة على أفرادها بالتفاوت بأولية و شبهها و ليس مطلق عموم المفهوم من التشكيك، إذ لا جامع أصيل بين كل ما ينطبق عليه الملك حتى يكون صدقه على بعض أولى من صدقه على غيره، و ذلك لأن مطابقات الملك أمور متباينة بالذات لا تندرج تحت طبيعة واحدة، فمالكية الباري تعالى بإضافته الإشراقية وإحاطته الوجودية في مرحلة فعله بايجاد الممكنات، و من المعلوم أن الوجود مطلقاً ليس بجوهر ولا عرض إلّا بالعرض، فكيف بالوجود المطلق؟ و الملك بمعنى الجدة عرَضَ نسبي، و هو و إن كان موجوداً خارجاً بوجود ناعتي، إلا أنّ

الماهيات أمور عدمية و إن لم تكن أعداماً.

ص: 120

معنى الملكية الاعتبارية ...

و الملكية الإعتبارية لا خارجية لها أصلاً، و لذا عدوها دون مرتبة المقولات التي هي أجناس للموجودات الإمكانية؟ و مع تباين هذه المطابقات لا وجه لدعوى صدق الملكية

عليها بالتشكيك.

ولا ينافي تباين هذه الموارد سنخاً صدق المفهوم عليها حقيقةً، بلحاظ سعته و عمومه

لمراتب الموجودات، فينطبق على الموجود في وعاء الإعتبار و على المقولة، و على ما هو خارج عن أفق المقولات طُرّاً. و نظيره العلم فإنّه بمعنى الحضور، و هو مفهوم عام صادق على مقولات مختلفة و على ما هو خارج عن حدود المقولة، فحضور الصورة المجردة للجوهر العاقل من مقولة الكيف على المشهور و علم الجوهر النفساني بذاته من مقولة الجوهر النفساني و علم العقل بذاته من مقولة الجوهر العقلاني، و علمه تعالى بذاته وبمصنوعاته في مقام ذاته وجود واجبي خارج عن أفق المقولات، بل علمه الفعلي في مقام الإيجاد بعين الوجود المنبسط، و هو لا جوهر ولا عرضاً.

و بهذا يظهر غموض ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني من و تقرير السيد المحقق الخوني له من كون الملكية ذات مراتب أربع أطلق عليها بالتشكيك ب لما تقدم من أن الحقائق المتباينة بالذات لا تندرج تحت جامع أصيل مع أنّ جعلها مراتب لمقولة الجدة لا يخلو من تأمل آخر، إذ ليست مالكية الباري تعالى للعالم إلا بالإشراق، مع أن الجدة المقولية هي الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم آخر بكله أو بعضه. كما أن كون الملكية

الإعتبارية مرتبة لمقولة الجدة محل بحث كما سيأتي. الأمر الثاني: قد تقدم أن الملكية العقلانية و الشرعية ليست من الأمور الإعتبارية بحسب اصطلاح أهل المعقول، كالكلية و الجنسية لأنها عوارض ذهنية لمعروضات ذهنية، و الملكية الشرعية و العرفية من عوارض الموجودات الخارجية سواء وجدت بالفعل أم بالقوة، إذ الموصوف بالمالكية زيد الخارجي لا الذهني و الموصوف بالمملوكية هو العين

أ نهاية الدارية . ج 5 ، ص 116 المكاسب والبيع ، ج 1 ، ص 84 ؛ مصباح الفقاهة ، ج 2، ص 20 و 44

}

ص: 121

. هدى الطالب / ج 1

122

الخارجية أو المنفعة المتدرجة في الوجود.

وكذا ليست من سنخ المقولات العرضية سواء الموجود بوجود ما بحذائه أو الموجود بوجود منشأ إنتزاعه كمقولة الإضافة، وذلك لأنّ الأعراض المقولية برمتها يتوقف وجودها

الناعتي على وجود معروضاتها خارجاً. و الملكية الإعتبارية لا تتوقف فعليتها على موضوع ،محقق، فقد يعتبرها المعتبر في ظرف عدم أحد طرفي الاضافة أو كليهما، فتتعلق الملكية بالمعني المفعولي - أي المملوكية - بالكلي الذمي في بيع السلف، للاجماع على صحته. و كذا تتعلق في أبواب الضمانات بالمثل أو القيمة، و ربما لا يكون له وجود خارجي. كما أن الملكية

بالمعنى الفاعلي - أي المالكية - تتعلق بطبيعي السيد و الفقير في بابي الخمس و الزكاة.

و عليه فتمام المناط في الاعتبارات الوضعية التي منها الملكية هو اعتبار من بيده الأمر عند تحقق الجهة المقتضية للاعتبار و الجعل من عقد أو حيازة مباح أو إحياء موات أو موت

مورث و نحوها. ولا يعتبر فعلية طرفي إضافة الواجدية في جعلها كما عرفت.

و حيث كانت الملكية الادّعائية التنزيلية خارجة عن حدود المقولات العرضية فهل هي اعتبار لمقولة الكيف أو الاضافة أو الجدة أو غيرها؟ لا يبعد أن تكون إعتبار الواجدية، من جهة تبعية المملوك للمالك وكون زمامه بيده و بهذا اللحاظ لا مانع من جعلها إضافةً إعتبارية لما بينهما من الربط و التفصيل في محله.

الأحكام الوضعية مجعولة بالأصالة أم منتزعة من التكليف

الأمر الثالث : في أن الأحكام الوضعية كالملكية و الزوجية و الحرية هل هي منتزعة من الأحكام التكليفية في مواردها، أم هي بأنفسها قابلة للجعل ؟ نُسب الى شيخنا الأعظم في إمتناع تأصلها في الجعل، و كونها منتزعة من التكليف، و الأولى نقل كلامه، قال في بحث الإستصحاب عند التعرض لكلام الفاضل التوني في الأحكام الوضعية ما لفظه: «فان لوحظت المعاملة سبباً لحكم تكليفي كالبيع لإباحة التصرفات و النكاح لإباحة الإستمتاعات، فالكلام فيهما يعرف مما سبق في السببية و أخواتها. وإن لوحظت لأمر آخر كسببية البيع للملكية و النكاح للزوجية و العتق للحرية و سببية الغُسل للطهارة، فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاماً

ص: 122

الملكية الاعتبارية متأصلة في الجعل أو منتزعة

شرعية. نعم الحكم بثبوتها شرعي، و حقائقها أمور إعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية، كما يقال: الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به و بعوضه ... و إما أمور واقعية كشف عنها الشارع، فأسبابها على الأول في الحقيقة أسباب للتكليف، فيصير سببية تلك الأسباب في العادة كمسبباتها أموراً إنتزاعية .

-

و ظاهره التردد في كون الملكية و نحوها من الوضعيات إعتباراً ذهنياً منتزعاً من التكليف، أو أمراً واقعياً كشف عنه الشارع بما أنه محيط بحقائق الأمور، كإخباره عن الطهارة و النجاسة اللتين هما حالتان في الجسم الطاهر و النجس.

و بناءً على كلا شقي الترديد يتعين صرف الأدلة المتكفلة لترتيب أحكام تكليفية على الملكية - بمجرد إنشائها - عن ظاهرها إلى أن المجعول بها نفس التكاليف التي هي منشأ

الإنتزاع لفرض عدم قابلية الإعتبارات الوضعية للجعل الإستقلالي.

و اختار هذا المسلك جمع من الإعيان كالمحققين الميرزا الآشتياني و الإيرواني ا بل إستدل عليه و شيّد أركانه الميرزا الآشتياني بتمهيد أمور ستة مدعياً أنها مجموع إفادات شيخنا الأعظم في مجلس الدرس والكتاب و ملخصه أن الأحكام الوضعية كالسببية و الشرطية والملكية إعتبارات منتزعة من التكليف إذ الأمر الإعتباري لا يقبل الوجود الخارجي، و إنما يكون وجوده باعتبار المعتبر، بحيث لو لم يعتبره لم يكن شيئاً مذكوراً، مع أن الحكم الذي يُنشؤه الحاكم موجود خارجي، فكيف يوجد بالإعتبار بعد وضوح تباين الوجودات؟ ب

.

و كذا الحال لو كانت الاحكام الوضعية من الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع كالملكية التي هي علقة واقعية بين المالك و المملوك، وكالطهارة و النجاسة اللتين هما حالتان في الطاهر و النجس لما عرفت من أن الحكم الشرعي فعل قائم بالحاكم، و هذه الأمور على التقدير المذكور - من الاوصاف الكامنة في متعلقاتها واقعاً، فيستحيل قيامها بالحاكم. نعم قد

أ: الرسائل ، ص 603 ، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي بقم المقدسة.

ب راجع بحر الفوائد ، ج 3، ص 65 الى 69 ، ونهاية النهاية للمحقق الايرواني ، ج 2، ص 188 - 189

ص: 123

124

. هدى الطالب /ج

يصير الحكم كاشفاً عن وجودها الواقعي بمقتضى علمه، فهو إخبار حينئذ عن وجودها، لا جعل له بالجعل الشرعي هذا.

و بناءً على مسلك الإنتزاع فالمجعول بالأصالة هو التكليف كجواز أنحاء التصرفات

في المال حيث ينتزع منه الملكية، وكحلية النظر والإستمتاع المنتزع منها الزوجية، وهكذا. و يكفي في الإنتزاع وجود حكم تكليفي في المورد سواء أكان منجزاً أم معلقاً على أمر غیر حاصل فعلاً، فتنتزع ملكية البالغ من خطابه الفعلي بجواز التصرف، و تنتزع ملكية القاصر كالصبي من خطاب تعليقي كقول الشارع : إذا بلغت جاز لك التصرف ولا منافاة بين فعلية الامر الإنتزاعي و تعليقية منشئه، اذ المهم وجود الحكم التكليفي القابل لأن ينتزع منه الإعتبار الوضعي سواء أكان منجزاً أم معلقاً.

هذا محصل ما أفاده شيخنا الأعظم، وقرره عليه تلميذه الأجل لا بل زاد الميرزا الآشتياني: إنتزاع ضمان الصبي بالإتلاف من خطاب و ليه فعلاً بدفع غرامة ما أتلفه المولى عليه، حتى لا يلزم التفكيك بين الأمر الإنتزاعي و منشئه بجعل الأول فعلياً تنجيزياً، و الثاني

تقديرياً، هذا. أقول: الظاهر أنّ منشأ إنكار قابلية الأحكام الوضعية للجعل الاستقلالي هو مقايستها بالإعتبارات الذهنية باصطلاح أهل المعقول، كما يشهد بها تنظير الملكية بالسببية و الشرطية، مع وضوح الفرق بين الإعتبار باصطلاح الأصولي بينه باصطلاح غيره، فالمقصود بالإعتباريات التي منها الأحكام الشرعية هو الوجود الإدعائي التنزيلي. و عليه فالحق هنا ما صنعه المحقق الخراساني قليل من التفصيل بين ماعد من

الوضعيات بأن بعضها وجودات ذهنية تتقوم بالتصور و تنعدم بالغفلة و الذهول، و بعضها

إعتبارات عقلائية وشرعية موطنها وعاء الإعتبار. و ليست الملكية و الزوجية من قبيل السببية

حتى يحكم عليهما بعدم قابليتهما للجعل.

وكيف كان فقد أورد على مسلك الإنتزاع بوجوه:

الأول: ما أفاده المحقق الإصفهاني تي في مواضع من كلماته، و محصله - بتوضيح منا -

أن الحكم التكليفي ليس عين الحكم الوضعي و لا منشأ إنتزاعه، و لا مصحح إنتزاعه. فلا معنى

ص: 124

الملكية الاعتبارية متأصلة في الجعل أو منتزعة

للقول بالإنتزاع.

أما

ITO....

عدم كون الحكم التكليفي - كاباحة التصرف في المال - عين الحكم الوضعي

كالملكية، فلأن حقيقة الملكية إما النسبة بين المالك والمملوك و إما الإحتواء أو السلطنة أو

الواجدية، وليس شيء منها عين مفهوم إباحة التصرف كما لا يخفى.

و أما عدم كون التكليف منشأ الإنتزاع فلوجهين أحدهما: أن الأمر الإنتزاعي كالفوقية ليس إلا حيثية القبول القائمة بالمتحيّث، و لازمها صحة حمل العنوان الإشتقاقي - المأخوذ من الأمر الانتزاعي - على المتحيث بها أعني به منشأ ،إنتزاعه بلحاظ تلك الحيثية، كصحة حمل

عنوان «الفوق على السقف لأجل قيام مبدئه - أي الفوقية القائمة بقيام إنتزاعي - بالسقف. و من المعلوم عدم تحقق هذا الملاك في المقام، لأن الحكم التكليفي - مثل جواز التصرف الذي فُرِض كونه منشأ الإنتزاع - لا يحمل عليه عنوان المالك و المملوك. و يستكشف من عدم صحة الحمل أن مبدأ العنوانين المتضايفين غير قائم بجواز التصرف بقيام إنتزاعي.

و دعوى كون الملكية جواز التصرف والمالك من يجوز له التصرف و المملوك

ما يجوز فيه التصرف فينتزع الملك بتبع إنشاء التكليف ممنوعة بأن الملكية لو كانت إباحة التصرف كان ذلك عدولاً عن الإنتزاع الى دعوى العينية، و هو ممنوع، بعدم الترادف، مضافاً الى

كونه خلاف الفرض ثانيهما: أنّ الأمر الإنتزاعي تابع لمنشأ إنتزاعه فعليّة وقوة، و من البديهي إعتبار الملكية و الزوجية للصغير مع ارتفاع قلم التكليف عنه. و جعل منشأ الإنتزاع خطابه التعليقي المتوقف فعليته على البلوغ كما ترى لامتناع إنتزاع الملكية و الزوجية الفعليتين - لترتيب آثارهما عليهما - من الخطاب التقديري الذي لاحظ له من الوجود الفعلي.

كما أن تصحيحه بما أفاده المحقق الآشتياني فين من «انتزاع ملكية الصبي من خطاب وليه باباحة التصرف فيه و إنتزاع ضمانه لما أتلفه من خطاب الولي فعلاً بالتغريم غير ظاهر إذ لا يعقل قيام الحيثية المصححة للانتزاع بشيء، و الإنتزاع من شيء آخر.

و توجيه كلام الشيخ الأعظم لي من قابلية الخطاب التعليقي لانتزاع الملكية فعلاً

للصبي منه للفرق بين الأضافة المقولية وبين الاعتبارات الشرعية، فلا مانع من صحة إنتزاع

ص: 125

.....199

هدى الطالب / ج 1

الملكية والزوجية من التكليف المتوقف فعليته على البلوغ، فإن للحكم التعليقي حظاً من الوجود في صقع الإنشاء، فلا بأس بانتزاع ضمان الصبي فعلاً لما أتلفه من خطاب الشارع بعد بلوغه : «أغرم ما أتلفته حين صباك، ممنوع ، فإنّ تبعية الأمر الإنتزاعي لمنشئه حكم عقلي لمطلق وجود الإضافة، فالإضافة المقولية تتوقف على منشأ متأصل، والإضافة الإعتبارية على منشأ إعتباري، و ليس قيام الأمر الانتزاعي بمنشئه من أحكام الوجود الحقيقي حتى يتوهم إمتناع تسريته الى الإعتباريات.

هذا مضافاً إلى إباء صراحة ما قرره الميرزا الآشتياني الله عن هذا الحمل، فإنّه جَعَل

الملكية و السببية و الشرطية من وادٍ واحد و قال بأنها إعتبارات ذهنية.

هذا كله في إستحالة كون التكليف منشأ الإنتزاع.

و أما عدم كون الحكم التكليفي مصحح الإختراع فلأن لازمه كون الملكية مثلاً من المقولات الواقعية الموجودة في جميع الأنظار كسائر المقولات التي لا خلاف فيها بين نظر و نظر آخر، و من المعلوم توقف العَرَض المقولي على معروض موجود، مع أنّه لا شبهة في قيام الملكية العرفية و الشرعية بالمعدوم كما تقدم.

و على هذا فإن أراد شيخنا الأعظم بقوله: «الملكية كون الشيء بحيث يجوز الإنتفاع به و بعوضه» و حدتهما مفهوماً، وحكايتهما عن حقيقة واحدة، فقد عرفت منعه، فإن الملكية هي النسبة أو السلطنة، وهما غير إباحة التصرف مع أنه رجوع عن دعوى الإنتزاع الى

عنده

العينية.

و إن أراد كون التكليف منشأ الإنتزاع كما هو ظاهره، فالمفهومان ،متباينان و لكنهما

متصادقان في الوجود، ففيه ما عرفت من إنتفاء ملاك الإنتزاع بين التكليف و الوضع.

و منه يظهر الإشكال في إنتزاعها من العقد القولي أو الفعلي. مضافاً الى أن نسبة العقد الى الملكية نسبة المسبب الى سببه، بناءً على المشهور من كون ألفاظ العقود أسباباً لعناوينها، والسبب مباين لمسببه كما لا يخفى أ.

أ حاشية المكاسب ، ج 1 ، ص 6 ، نهاية الدراية ، ج 5 . ص 114 و 115

ص: 126

127 ...

..

الملكية الاعتبارية متأصلة في الجعل أو منتزعة

هذا محصل ما اعترض به المحقق الإصفهاني على إنكار قبول الأحكام الوضعية

للجعل المستقل، و إنتزاعها من التكليف أو العقد. و هو في غاية المتانة.

الثاني: ما في تقرير شيخنا المحقق العراقي دين و محصله: منافاة ظواهر الأدلة الشرعية التي جعلت الملكية و الزوجية ونحوهما من الإضافات الإعتبارية فيها موضوعات لأحكام تكليفية، كقوله لالالالان : لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بطيبة نفسه - لانتزاع تلك الإعتبارات من التكاليف، لوضوح أن موضوع الحلية هو الملك أي المال المضاف الى الغير، فلو كانت الملكية منتزعة من التكليف، فإما أن تنتزع من تكليف آخر، أو من نفس الحكم بحرمة التصرف، المتأخر عنها رتبة.

و كلاهما محال. أما الأول، فلاستلزامه إجتماع المثلين أحدهما التكليف الثابت في الرتبة السابقة، و هو محقق الأضافة وثانيهما التكليف المترتب عليها المدلول عليه بقوله:

لا يحل».

و أما الثاني فلاستلزامه تقدم المتأخر، لفرض أن مثل جواز التصرف متأخر عن الملكية رتبة، لتأخر كل حكم عن موضوعه كذلك، فلو كان هو محقق الإضافة ومنشأ الإنتزاع لزم تقدمه على الأمر الإنتزاعي كتقدم وجود العلة على معلولها رتبة، مع أن جواز التصرف متأخر عنها. و إستحالة إجتماع المتقابلين في واحدٍ من الأمور الواضحة سواء في التكوينيات

و الإعتباريات.

و عليه يتعين القول بأن الملكية و نحوها من الإعتباريات المتأصلة بالجعل، ولا وجه للتكليف و إتعاب النفس لإثبات انتزاعيتها من التكليف مع أنه لا تكليف في مثل من حاز

ملك».

الثالث: ما في التقرير المذكور أيضاً من أن الملكية و نحوها إعتبارات متداولة بين العقلاء من ذوي الأديان و غيرهم ممن لا يلتزم بشريعة، فلو كان مُصحح إعتبارها الخطاباتِ التكليفية الشرعية لزم عدم وجودها في حقهم، و عدم ترتيب الأثر على معاملاتهم، و هو كما

ص: 127

128.

هدى الطالب / ج 1

ترى، فلا مناص من القول بأن هذه الأمور مجعولة بالإستقلال، قد أمضاها الشارع، هذا أقول: أما الوجه الأول - مما أفاده شيخنا العراقي - فهو و إن كان متيناً في نفسه، إلا أنه لابد أوّلاً من إثبات أجنبية الإعتباريات العقلانية عن الأمور الإنتزاعية عند أهل المعقول فمجرد مخالفة مسلك الإنتزاع لظواهر الأدلة الشرعية لا يكفي في نفي نظر الشيخ الأعظم و من وافقه لتصريح الميرزا الآشتياني بلزوم التصرف في ظهور الأدلة المتكفلة لأحكام تكليفية مترتبة على مثل الملكية و الزوجية و عليه فالمهم على القائل بأصالتها في الجعل إبطال

الانتزاع حتى تصل النوبة الى إبقاء ظواهر الخطابات على حالها.

و أما الوجه الثاني فيمكن أن يقال فيه: إنّ كون الملكية و الزوجية من الإعتباريات المتداولة بين العقلاء حتى غير ذوي الأديان لا يكشف عن أصالتها في الجعل بالعقود المتعارفة بينهم و غيرها من الأسباب و لا يبطل به مسلك الإنتزاع، فإنّ المقصود من التكليف الذي يفرض منشأ للانتزاع ليس خصوص الحكم المتعبد به عند الكل، فإن الخطابات عامة لجميع المكلفين سواء من تديّن منهم بها و من لم يكن كذلك. و الحاصل: أنّ الأمور الإعتبارية لو قيل بانتزاعيتها من التكليف كانت الأحكام

المشتركة بين الجميع منشأ الإنتزاع و إن لم يلتزم بها بعضُهم.

هذه جملة من الكلام في الملكية. و تلخص مما ذكرناه أمور: الأول: أن الملكية العرفية و الشرعية خارجة عن حدود المقولات، فإن موطنها وعاء

الإعتبار - باصطلاح الأصولي - لا الإعتبار عند أهل المعقول بما له من الإطلاقات. الثاني: أن الملكية ليست مشتركة معنوية مقولة على مواردها بالتشكيك بل هي مفهوم

عام يكون مطابقها إشراقاً تارة، وجدة مقولية أخرى، و إعتباراً عقلانياً أو شرعياً ثالثة. الثالث: أن الملكية إعتبار الواجدية و هي متأصلة في الجعل إما بجعلها تأسيساً أو

إمضاء لما عند العرف و لا تنتزع من التكليف و لا من العقد. هذا كله في الموضع الأول، و هو البحث عن الملك.

أ نهاية الأفكار . ج 4 . ص 103

ص: 128

تعريف الحق

الموضع الثاني في الحق

1pq....

و استقصاء جهات البحث فيه يتم في طي مقامات:

المقام الأوّل: في بيان ماهيته و حقيقته.

فنقول: عرفه جمع من اللغويين بما يقابل الباطل، ففي القاموس و اللسان أنه «ضد الباطل، و في الصحاح «أنه خلافه، قال ابن منظور: «حق الأمر و يحق حقاً و حقوقاً: صار حقاً وثبت. قال الأزهري: معناه وجب يجب وجوباً. وفي التنزيل: قال الذين حق عليهم القول، أي: ثبت. ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين، أي: وجَبَت و ثَبَتَت ... ب .

و عرفه الراغب بأن أصل الحق المطابقة و الموافقة، و يُطلق على أمور أربعة أحدها مُوْجِدُ الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة، فيطلق عليه تعالى كما في قوله

جل و علا ثم رُدُّوا الى الله مولاهم الحق.

ثانيها الموجد - بمعناه المفعولي - بحسب ما تقتضيه الحكمة، ففعله تعالى حقّ، كما في

قوله عز من قائل : ما خلق الله ذلك إلا بالحق.

ثالثها: الإعتقاد بشيء ثابت في نفسه كالثواب والعقاب و حوادث القيامة.

رابعها الفعل و القول الواقع بحسب ما يجب و بقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب

كقوله تعالى: ﴿ حقت كلمة ربك، و حق القول مني ) ج .

ولا يبعد أن يكون معناه المصدري الثبوت - كما احتمله المحقق الإصفهاني - و رجوع سائر معانيه إليه من باب إشتباه المفهوم بالمصداق، ومعناه الوصفي هو الثابت، فإطلاقه عليه جل و علا لكونه ثابتاً بأفضل أنحاء الثبوت الذي لا يُخالطه عدم و لا عدمي هذا بحسب اللغة. و أما بحسب الإصطلاح الفقهي فهل هو إعتبار للثبوت الواقعي أم أمر آخر؟ قد تقدم

i

:

صحاح اللغة ، ج 4 . ص 1460

ب لسان العرب . ج 10، ص 49. القاموس المحيط ، ج 3، ص 221 :ج مفردات ألفاظ القرآن الكريم . ص 125

د: حاشية المكاسب ، ج 1، ص 9 (رسالة الحق).

ص: 129

130

. هدى الطالب / ج 1

في بحث الملك أن حقيقة الإعتبار هو الإدعاء وفرض الوجود لما لاحظ له من الوجود العيني فيقال: إن الملكية الإعتبارية إعتبار الواجدية، في قبال الواجدية الحقيقية في مثل مالكية النفس للقوى، و الإعتبار يدور مدار ترتب الأثر. و عليه يقال: إن الحق الإعتباري ليس إعتباراً للثبوت الواقعي للغوية إعتبار الثبوت المطلق كلغوية إعتبار ثبوت شيءٍ لشيء ، فليس المراد من مثل حق التحجير إعتبار ثبوت الأرض المحجرة ولا ثبوتها للمحجر، بل المقصود إثبات سلطنته عليها أو ملكه لها أو أولويته بها من غيره، فالمعنى الواقع في حيز الإعتبار هو الملكية و نحوها لا مجرد الثبوت، و يستكشف منه عدم كون الحق المصطلح إعتباراً للثبوت الواقعي. مضافاً إلى أنّ الثبوت مفهوم عام يصح إطلاقه على كل ما له تقرر في نفس الأمر، فالملك والحكم التكليفي حقٌّ أي ثابت في وعاء الإعتبار و التشريع، و منه قولهم في باب القضاء للمدعي حق الإستحلاف و زائد الصلاة حق الله لثبوتها على المكلف بنفس إيجابها

عليه

فيعلم من هذا أن الحق المصطلح إعتبار آخر أخص من مفهوم الثبوت، ويقع الكلام في أنه إعتبار الملك أو السلطنة أو الأولوية و ما شابه ذلك أو غيرها؟ لم نقف في كلماتهم على

تحديد جامع و مانع كما سيظهر بعد التعرض لجملة من الضوابط المذكورة :فمنها ما نُسب الى المشهور من كون الحق سلطنة، وربما تُقيّد بالفعلية في بعض

أقسامها كما تقدم في المتن بالنسبة الى حق الخيار و الشفعة. و اختاره جمع منهم السيد في أوّل كلامه وإن عرفه في آخره بأنه نوع من الملك. فقال ما محصله: إن الحق نوع من السلطنة على شيءٍ متعلق بعين كحق التحجير، أو غير عين كحق الخيار في العقود اللازمة، أو على شخص كحق القصاص و عليه فالحق مرتبة ضعيفة من الملك و نوع منه و صاحبه مالك لشيء يكون أمره إليه بخلاف الحكم، فإنه مجرد إعتبار الرخصة مثلا بلا إعتبار السلطنة كما في جواز الرجوع في العقد الجائز. و قال في آخر البحث: «و بالجملة: الحق نحو من الملك، بل هو ملك بحسب اللغة، وكونه في مقابل الملك إصطلاح عام أو خاص، و لا بد له من متعلق، سواء جعلناه إضافةً و نسبةً

ص: 130

تعريف الحق.

i

بين الطرفين، أو سلطنة كما في الملك .

للملك.

و مقتضى تفسير الحق بالملك و الملك بالسلطنة كون الحق سلطنة، لا إعتباراً مغايراً

و منهم المحقق الإيرواني من حيث إنه جَعَل الفارق بين الملك و الحق سعة دائرة متعلق السلطان وضيقها، فالشيء إذا كان متعلق سلطنة الشخص بجميع حيثياته كان ملكاً، و إن كان متعلقها ببعض شؤونه كان حقاً، نظير الأمة و الزوجة، فالأولى ملك سيدها، لأن له أنحاء التصرفات فيها من البيع و الهبة و المباشرة و الزوجة متعلق حق الزوج، إذ ليس له إلا السلطنة على البضع ..

و لكنك خبير بأنهم إن أرادوا بالسلطنة ما تكون فعلية غير مقترنة بالمانع فهو و إن كان صادقاً على كثير من الحقوق، لكنه ينتقض بما تسالموا عليه من إنتقال حق الخيار بالارث إذا كان الوارث صبيّاً غير مميز لحجره عن التصرف في كل ما انتقل اليه من مورثه و دعوى أن سلطنة القاصر سلطنة وليه ممنوعة بأن المحجور مسلوب السلطنة لا مفوّضها، و لا منشأ آخر

السلطنة الولي. و إن أرادوا بالسلطنة ما هو أعم من الفعلية والإقتضائية - فالصبي غير المميز و إن لم يكن سلطاناً فعلاً، لكنه لا مانع من جعله سلطاناً شأناً، و تتوقف فعليته على زوال المانع و هو الصبا، و بهذا الإعتبار يصح قيام وليه مقامه لتشريع أصل السلطنة في حقه - ففيه : أن الإعتبار هو الإدعاء و التنزيل المنوط بترتب الأثر، كما في تنزيل الطواف منزلة الصلاة لمشاركته لها في بعض أحكامها، فلو فرض سلب جميع آثار المنزل عليه لغا الإعتبار. و لما لم تكن للصبي

سلطنة على فسخ عقد مورثه وإمضائه ولا على إسقاط حقه و لا نقله الى الغير - بناء على كونه من الحقوق القابلة للنقل الى غير من عليه الخيار - لم يكن مُصحح الإعتبار و التنزيل موجوداً

حتى يتفضى به عن محذور تفسير الحق بالسلطنة الفعلية الى جعله سلطنة إعتبارية. و عليه

أ.

ب

حاشية المكاسب . ص 55 و 57 حاشية المكاسب ، ج 1، ص 73

ص: 131

هدى الطالب / ج 1

132

فلابد من كون الحق إضافة أخرى قد يكون ملزوماً للسلطنة و قد لا يكون . إلا أن يقال: ان السلطنة مجعولة للصبي فعلاً و إن لم يكن قادراً على الإعمال بنفسه مبل

كان الأمر مفوّضاً الى الولي، فالسلطنة الفعلية بيد الولي .

و أما ما أفاده المحقق الإيراوني فينتقض بمثل حق التحجير الذي التزم لي بجواز أنحاء التصرفات فيه بالبيع و الهبة ونحوهما من النواقل، إذ لو كان الفارق بين الحق والملك راجعاً الى متعلق السلطان لا نفسه كان حقُّ التحجير من الملك المصطلح لا من الحقوق، مع أنه تل جعله من الحقوق، و لذا إعترض على المصنف له في تردده في صدق المال عليه.

و قد تحصل أن تعريف الحق بالسلطنة لا مانع ولا جامع.

و منها: ما اختاره جمع من الأعيان من كون الحق نوعاً من الملك أو مرتبة منه - على

اختلاف بينهم في التعبير - فمنهم السيد الطباطبائي لكن في كلامه المتقدم، و منهم شيخ مشايخنا المحقق النائيني ليلة في بعض تعابيره، حيث فسّره بالملكية الناقصة و بالمرتبة الضعيفة من الملك، وإن عرّفه في موضع آخر تارة بالسلطنة الضعيفة» و أخرى «بالإعتبار الخاص الذي أثره السلطنة الضعيفة على شيء، و مرتبة ضعيفة من الملك.

منهم سيدنا الأستاد الي حيث فسره بالملك، و جعل الفارق بينهما إختلاف المملوك، و محصله: أن إضافة الملكية - و هي التابعية و المتبوعيّة - سنخ واحد في الملك و الحق لا تحادهما مفهوماً، و اختلافهما مورداً، و ذلك لأنّ طرف إضافة الملكية إما عين و إمّا عَرَضْ ومعنى، وكلّ منهما على ثلاثة أقسام، فالعين إما خارجية كالدرهم و الدار، و إما ذمية كالمبيع الكلي في باب السلف و الثمن الكلي في النسيئة، وإما لا هذا و لا ذاك، بل كحق الجناية المتعلق بالعبد الجاني، و حق الزكاة المتعلق بالنصاب، على بعض الأقوال.

و العرض و المعنى إما أن يكون ذمياً كعمل الحر الأجير للغير، وإما أن يكون قائماً بعين خارجية من دون توقف الإعتبار على الإضافة الى ذمّةٍ، كمنافع الأعيان المملوكة كالدار و العبد، حيث إن تعلق الملكية الإعتبارية بها منوط بقابلية العين للمنفعة، و يكفي إعتبار ملكية العين في

أ منية الطالب ، ج 1 ص 41 و 42. تقريرات المكاسب للعلامة الأملي ج 1 ، ص 84 و 87

ص: 132

تعريف الحق .....

إضافة المنفعة إليه بخلاف مثل عمل الحُرّ، فإن ملكيته الإعتبارية متوقفة على وقوع عقد عليه كالإجارة والصلح . و إما أن يكون إعتبار الملكية موقوفاً على إضافته إلى مالك، و وجود مصحح الإعتبار كحق الخيار القائم بالعقد، و حق الشفعة القائم بالمبيع، و حق القسم القائم الزوج، ونحوها من الحقوق، فاعتبار الخيار لأحد المتعاملين منوط بوجود غبن أو شرط أو عیب و نحوها كما أن الشركة في مثل الدار تصحح إستحقاقه لحصة شريكه المبيعة من الأجنبي. إذا عرفت هذه الأقسام السنة فاعلم أن إضافة الملكية في جميعها على حد سواء، فلا فرق بين أن تقول: زيد مالك للدينار الشخصي أو الكلي، أو لمنافع الدار التي إستأجرها، أو لعمل أجيره كخياطته، أو لأخذ المبيع المشاع بالشفعة، أو للاقتصاص من الجاني المتعمد، أو لاستيفاء دينه من العين المرهونة، أو للمضاجعة مع زوجته، أو للتصرف في الأرض المحجرة و لا تتفاوت إضافة الملكية بالشدة والضعف، نعم تسمى في قسمين منها - و هما ثالث أقسام العين و المعنى - بالحق. فالحقِّ الإصطلاحي عين أو معنى متعلق بغيره على نحو يتوقف إعتباره على إعتبار ملكية لمالكه، فاعتبار حق الجنابة مثلاً منوط بالجناية المصححة لاضافة ملكية

الإقتصاص، وإعتبار حق الخيار منوط بإضافة ملكيته لذي الخيار بسبب مثل الغبن و الشرط

و المجلس، هذا.

و يختلف الحق عن الذميات - حيث إنها أملاك و ليست بحقوق - بأن الذمة ظرفها

لا ،موضوعها، و لذا لا يكون الدين المستقر في ذمة الحُرّ من الحقوق، فلا يسقط بانعدام ذي الذمة، بل يُقضى من تركته أو غيرها، بخلاف الإقتصاص القائم برقبة الحُرّ الجاني حيث يسقط بموته، هذا .

أقول: الظاهر أنّ التابعية و المتبوعية أوسع مفهوماً من الملكية، لشمولها لتصرفات الأولياء فيما لهم الولاية عليه، كتصرف الفقيه الجامع للشرائط في سهم الإمام عليه الصلاة و السلام من الخمس - على ما مال إليه قليل في خمس المستمسك - و أنه ولي على مصرفه

نهج الفقاهة . ص 6 إلى 8

ص: 133

. 134

دى الطالب / ج 1

و على الجهات المتعلقة به ، و كتصرف ولي الموقوفة في عوائدها، و كتصرف الأب و الج-د له في مال الصبي، و غيرهم من الأولياء، إذ لا ريب في سلطنتهم على التصرفات، و نفوذها شرعاً، فإنّ الأموال والأملاك تابعة للأولياء مع عدم كونهم مالكين لها.

و لو أريد من التابعية في الملكية خصوص الذاتية فسلطنة الأولياء و إن كانت خارجة عن دائرة الملكية لفرض كونها بالعرض، وتكون التبعية الذاتية للمولى عليه، إلا أنه ينتقض بمثل حق الإختصاص بالخمر المنقلب عن الخل المعدّ للتخليل، حيث إن التبعية موجودة قطعاً، مع عدم الملكية المصطلحة، بشهادة تصريحهم بأن الخمر الكذائي ليس بملك، بل للمسلم نحو إختصاص به و لو جعلنا التبعية أعم مما هو بالذات وبالعرض لانتقض بتصرفات

الأولياء.

و الحاصل أنه إن أراد له من التبعية الإعتبارية خصوص الذاتية إنتقض بحق الإختصاص بالخمر، وكذلك بحقِّ التحجير، فإنّهم جعلوا هذا الحق مقابلاً للملك، وقالوا بتوقف تملك الرقبة على إحيائها، وليس له قبل الإحياء إلا الأولوية بها. و إن أراد قليل منها ما يعم التبعية بالعرض إنتقض بتصرف الأولياء، فإنّ الملك تابع للولي شرعاً و عرفاً، مع أن إضافة

الملكية للمولى عليه دون الولي.

و هذا كاشف عن عدم كون الملكية الإعتبارية بمعنى التابعية، بل إعتبار الواجدية فالمالك من يكون واجداً لشيءٍ إعتباراً، سواء أكانت له السلطنة على التصرف في مملوكه أم لا.

هذا بالنسبة إلى أصل جعل الحق من أقسام الملك.

و منه يظهر حال تعريفه بالمرتبة الضعيفة منه. إذ فيه: أن الملكية الإعتبارية هي إعتبار

الواجدية، و هي ليست ذات مراتب حتى تسمى مرتبة منها بالملك، و مرتبة أخرى بالحق. نعم لو كانت الملكية إعتباراً لمقولة الكيف أمكن تفاوت أفرادها بالشدة و الضعف

لكية إعتباراً إعتباراً لمقو

لكن الظاهر عدم كونها منها.

:i

و أما ما أفاده المحقق النائيني قال فمقتضى تعريف الحق بالسلطنة موافقته لما نسب الى

مستمسك العروة الوثق . ج 9 ص 584.

ص: 134

تعريف الحق

135000

.

.......

المشهور فيه و مقتضى تعريفه بالملكية الناقصة و الضعيفة - مع تفسير الملكية باعتبار مقولة الجدة - هو كون الحق مرتبة ضعيفة من هذه المقولة، و أثرها السلطنة. و هو موقوف على جريان الإشتداد والمرتبة في هذه المقولة. و مقتضى كلامه الآخر من كون الحق إعتباراً وضعياً مغايراً للملك و السلطنة هو العدول عما اشتهر في تعريف الحق بالسلطنة، والميل الى ما أفاده المحقق الخراساني مني من كونه إعتباراً خاصاً - مجهول الكنه - له آثار منها السلطنة، قال منير :

هو ... إعتبار خاص له آثارٌ ،مخصوصة منها السلطنة

و هو و إن كان سليماً عما يرد على تعريفه بالملك والسلطنة، إلا أن ظاهره كون ذلك الإعتبار الخاص واحداً سنخاً، فينطبق على أنحاء الحقوق، لكونها مصاديقه و موارده، و الأثر المشترك بينها سلطنة ذي الحق على شؤونه، و أقل مراتبها الإسقاط وإخراج نفسه من طرفية الإضافة. ولابأس به في مثل حق الخيار والشفعة و الرهانة و القصاص، إلا أنه لا يجري في مثل حق الولاية و الحضانة، بل يُشكل حتى في حق الخيار الذي يرثه القاصر، إلا بأن تكون سلطنة الولى سلطنة المولى عليه لا غيرها.

ومنها: ما اختاره المحقق الإصفهاني و - بعد تعذر تصور جامع لشتات الحقوق حتى ينطبق الحق عليها إنطباق الكلّي على مصاديقه - من أنه مشترك لفظي، فهو في كل مورد نحو من الإعتبار له أثر مخصوص و لأجله تختلف آثار الحقوق فحقُ التولية و الولاية و الرهانة و الإختصاص و الوصاية إعتبار لنفس هذه الأمور، و الإضافة بيانية، فحق الولاية للأب و الجد و الحاكم إعتبار ولايته على التصرف فيما يتعلق بالمولى عليه، و حق الرهانة إعتبار كون العين وثيقةً للدين أو محبوسة عليه، و أثره جواز إستيفاء الدين منه و حق الإختصاص نفس إعتبار إختصاصه بالخمر لسبق ملكه له قبل إنقلابه عن الخل الى الخمر و حق الوصاية إعتبار كون الشخص نائباً في التصرف عن الموصي. و حق التحجير إعتبار كون المحجر أولى بالأرض من

غيره في تملكها بالإحياء.

و حق الخيار و الشفعة والجناية إعتبار للسلطنة، فحق الشفعة إعتبار للسلطنة على ضمّ

أ حاشية المكاسب . ص 4

ص: 135

136

. هدى الطالب / ج 1

حصة الشريك الى حصة نفسه ببذل مثل الثمن للمشتري و حق الخيار إعتبار للسلطنة على

الفسخ. وحق الجناية إعتبار للسلطنة على الإسترقاق، و حق الإقتصاص هو اعتبار كونه سلطاناً شرعاً، وهكذا أ

ومنها: ما اختاره السيد المحقق الخوئي لي من عدم مغايرة الحق للحكم سنخاً، فالكل أمور إعتبارية إعتبرها الشارع المصالح خاصة، و أن الحق المصدري بمعنى الثبوت، والوصفي بمعنى الثابت و يصح إطلاقه على كل أمر متقرر في وعائه المناسب له. وإنما الفارق بين الحق و الحكم إختلاف آثارهما لاذاتهما، فالمجعول الشرعي إن كان قابلاً للاسقاط كان حقاً مصطلحاً، وإن لم يكن قابلاً له سُمِّي حكماً، لأن زمام الأمور الشرعية بيد الشارع حدوثاً و بقاء، فإن حكم ببقائه بعد إسقاط المكلف له كان حكماً، وإلا كان حقاً، و هذا المقدار من التفاوت في الأثر لا يوجب إختلافهما ماهية.

و يشهد له أن جواز فسخ العقد في الهبة الجائزة و في العقد الخياري إعتبار شرعي واحد ، و إنما يطلق الحكم على الأول بلحاظ عدم تأثير اسقاطه في ارتفاعه، و يطلق الحق على الثاني بلحاظ إنتهاء أمده باسقاط من له الخيار وكذا لا فرق بين جواز قتل الكافر الحربي و قتل الجاني قصاصاً، فالجواز في الجميع معنى واحد و إن اختلف أثرهما. و أما فرق الحق و الملك فهو أن متعلق الحق فعل من الافعال و متعلق الملك أعم من

العين الخارجية و الفعل. ب

أقول: إن أريد بالحكم مطلق ما هو مجعول للشارع - سواء أكان تكليفاً أم وضعاً و سواء أكان إلزاماً أم ترخيصاً فلا إشكال في شموله للحق، فإنه إعتبار وضعي تأسيسي أو إمضائي، كغيره من الإعتبارات التي تنالها يد الجعل و لو إمضاء كالملكية و الزوجية و الحرية، فالحكم بهذا المعنى العام صادق على الحق و الملك و التكليف على حد سواء. و إن أريد بالحكم ما يقابل الحقَّ و الملك - كما هو المقصود من تقسيم الأمر الإعتباري

أ: حاشية المكاسب . ص 4 و 5 و 10 و 11

ب : مصباح الفقاهة ، ج 2، ص 45 إلى 48 . المحاضرات ، ج 2، ص 20 و 21

ص: 136

تعريف الحق

137

..

الى هذه العناوين الثلاثة - فلا إشكال في مباينتها، لأن الحق - كما قالوا - متقوم بقابليته للإسقاط و سلطنة ذي الحق عليه، و هذا بخلاف مثل حلية الماء و الحنطة، فإنّها أحكام على موضوعاتها، و لا إضافة تُصحح إعتبار سلطنة أو ملك للمحكوم عليه.

و التعبير ب- الزيد شرب الماء كما أن له حل العقد و الإقتصاص من الجاني و إن كان صحيحاً، إلا أن اللام في حلية شرب الماء تكليفاً للتعدية و الظرف لغو، لتعلقه بمقدر مثل «يحل

و يجوز، كما هو الحال في إضافة الحلية الى الأعيان في الذكر الحكيم، قال عز من قائل:

) ) أحلت لكم بهيمة الأنعام ، و لكن الظرف في إعتبار حلية العقد مستقر، و يدل على اعتبار

إضافة خاصة كالسلطنة أو الملك.

و على هذا فما أفاده تر - من كون الحق حكماً حقيقة لأنه أمر إعتباري كاعتبار اللابدية و الحرمان في باب التكاليف، ولأنّ الحق بمعناه الوصفي بمعنى الثابت، و هو صادق على الحكم والحق - غير ظاهر ضرورة أن مجرّد إعتبارية الحق لا يوجب وحدته مع الحكم و لا مغايرته مع الملك لوضوح أن الإعتبارات الوضعية متقومة أيضاً بالجعل و لو إمضاء، مع أنه قال و الحكم بمغايرة الحق للملك، لكونه سلطنة أو إحاطة. لكنك خبير بصدق «الثابت» على الملك الإعتباري كصدقه على التكليف المحض و على الحق أيضاً، إذ المناط في جميعها هو

التقرر في الوعاء المناسب له.

و منه يظهر أنّ الحق المصطلح ليس بمعناه اللغوي أي الثابت لكونه مفهوماً عاماً

منطبقاً على الجواهر و الأعراض فضلاً عن الموجود الادعائي، هذا.

مضافاً إلى أن جعل الحق هنا مقابلاً للملك الذي هو السلطنة والاحاطة ينافيه تصريحه في مسألة قيام حق القصاص بمطلق الوجود من الولي أو بصرف الوجود منه أو بالمجموع - بأنه سلطنة منحلة بعدد أولياء الدم. و هذا عدول الى جعل هذا الحق بمعنى السلطنة كما ذهب إليه المشهور، و المحقق الإصفهاني الذي جعله مشتركاً لفظياً. و إلى أن جعل الحق عبارة عن الجواز واللزوم الشرعيين القابلين للاسقاط قد يشكل

أ

المائدة ، الآية : 1

ص: 137

138

هدى الطالب / ج 1

بتسالمهم على ثبوت الحق في موارد إنتفاء التكليف مما يكشف عن تغاير سنخ المجعول، فإذا كان حق الخيار بمعنى جواز فسخ العقد تكليفاً لَزِم إنعدامه بما يوجب زواله كالسفه الطارىء، الرافع للجواز التكليفي، فإنّه لا يُسقط حقه، و إنما يقوم وليه مقامه.

ولا يبعد أن يقال انه إن أريد بالحق المصطلح مفهومه العام الصادق على مطلق المجعولات الشرعية - ولو إمضاء - حتى إذا لم يقبل الإسقاط، فمن المعلوم أنه ليس نوعاً من الملك و لا مرتبةً منه ولا سلطنة ولا مرتبة منها، بل ينبغي تعريفه بما له ثبوت في وعاء الإعتبار، سواء لوحظ فيه حيثية التفويض الى المكلف في إبقائه و رفعه، أم لا، فيطلق الحق على وجوب الصلاة وإباحة شرب الماء و حرمة الربا وجواز فسخ العقد و نحوها على حد سواء، لكونها أموراً إعتبارية.

و إن أريد بالحق المجعول الذي إعتبر فيه سلطنة ذي الحق أو كونه مفوّضاً أو كونه

أولى به من غيره بحيث كان زمامه بيده و هو المسمى في كلام الشهيد بحق العبد في قبال حقه تعالى - فمن المعلوم أنه لا ينبغي تعريفه بما هو ثابت في وعاء الإعتبار لما عرفت من شموله المطلق المجعول. بل إما أن يختص بالمجعول الذي استفيد من دليل اعتباره نحو سلطنة أو أولوية، وحينئذ تخرج جملة معتد بها من الحقوق عن حريم البحث لفرض عدم قابليتها

للإسقاط.

و إما أن يلتزم بما سلكه المحقق الإصفهاني من إنكار معنى وحداني للحق و كونه مشتركاً لفظياً بين شتات الحقوق، فكل حق إعتبار خاص له أثر مخصوص، فكما لا جامع بين

وجوب الصلاة و بين حق التحجير سوى كونهما مجعولين شرعيين، فكذا لا جهة مشتركة بين حق الحضانة و حق الخيار إلا الثبوت في وعاء الإعتبار، مع أنهم عدوا حق الحضانة من الحقوق

بالمعنى الأخص - المقابلة للحكم و الملك.

و يتوقف حل الاشكال على الإلتزام بالإشتراك اللفظي، أو جعل مثل حق الولاية و الوصاية والأبوّة إعتباراً وضعياً أجنبياً عن الحق المصطلح، حيث لا دخل لإرادة المكلف في

بقائها و ارتفاعها

أو يقال: إن الحق بمعنى الأولوية منطبق على الكل، و مقتضاه جواز الإسقاط و النقل، إلا

ص: 138

ضابطة الحق و الحكم

أن للمنع الشرعي مجالاً آخر، فتأمل.

هذا بعض الكلام في ماهية الحق، و امتيازه ثبوتاً عن الحكم و الملك.

..

و أما الفارق الإثباتي فمنوط بالفحص التام عن دليل كل واحد من الأمور المعدودة من

الحقوق سواء أكانت تأسيسية أم إمضائية.

و قد يقال في ضابطه: إن دليل التشريع إن كان متكفلاً لإثبات شيء من عين أو فعل على

المخاطب كان ظاهراً في الحكم، كقوله تعالى شأنه وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن

-

بالمعروف ) ، و قوله عز من قائل: والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً )

( و إن كان متكفلاً لإثبات شيءٍ كذلك له كان ظاهراً في الحق، مثل ما ورد في مملكية

.

الحيازة من قول أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين: «اللعين ما رأت، و لليد ما أخذت مج، فإن العين المباحة الأصلية المقصودة ب- «ما» الموصولة حمل المكلف عليها، وصارت تحت يده و نحوه ما ورد في الخيارات، كقول الصادق الا الله في رواية الحلبي: «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري، و ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبدالله ال ، قال: «قال رسول الله ال : البيعان بالخيار حتى يفترقا .

ولكنه لا يخلو من غموض، إذ المثبت له إن كان عيناً كان ظاهر اللام ملكيتها للحائز و ليست حقاً مصطلحاً. و إن كان معنى كان أعم من الحق، لاحتمال كونه حكماً، إذ لا فرق بين قولنا: للمغبون حل العقد» و «لزيد شرب الماء مع أن مدلول الأول حق، والثاني حكم و عليه فمجرد كون لسان الدليل إثبات شيء للمكلف لا يدل على أن المجعول حق.

فالإنصاف أنه لم يُحرّر الى الآن ضابط إثباتي للحق و الحكم، و إن كان الفرق بينهما ثبوتاً من الواضحات فتمييزهما في مقام الإثبات لابد وأن يكون بالنظر إلى خصوصيات

أ: البقرة الآية : 233

ب آل عمران الآية : 97

ج : الكافي، ج 6 . ص 223 . كتاب الصيد ، باب صيد الطيور الأهليه الحديث: 6

د وسائل الشيعة ، ج 12، ص 349 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث : : ه- : وسائل الشيعة، ج 12، ص 345 الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث : 1

ص: 139

. هدى الطالب / ج 1

..140

الموارد والأدلة، هذا.

ولا يبعد أن يقال: - و إن كان محتاجاً إلى الدقة والتأمل فيه - إن مفاد الدليل إن كان ثبوت حكم لعين أو فعل من دون إضافته إلى فاعل ما، كأن يقال: «الماء أو شربه حلال، و المعاطاة جائزة، و التدبير و المضاربة و الوكالة ونحوها من العقود والإيقاعات جائزة كان ظاهراً في الحكم لظهور الدليل في كون الجواز حكماً للطبيعة من حيث هي مع الغضّ عن كل شخص. و أن اشتمال الخطاب أحياناً على أشخاص لأجل الإمتنان أو غيره من النكات كقوله تعالى:

أُحِلَّت لكم بهيمة الأنعام و لذا كان الظرف لغواً لا مستقراً.

و إن كان مفاد الدليل إثبات شيءٍ لشخص، فان كان ذلك الشيء عيناً خارجية أو ذمية كان ظاهراً في الملك. و إن كان معنى كان حقاً، مثل للمغبون حل العقد، و هذا الظاهر متبع حتى

يثبت خلافه.

هذا بعض الكلام في المقام الأول.

المقام الثاني: في أقسام الحقوق

و حيث عرفت الفرق بين الحق و الحكم ثبوتاً، وعدم إنطباق أحدهما على الآخر، فاعلم أنّ الفقهاء رضوان الله عليهم» قيموا الحق باعتبار قابليته للسقوط بالإسقاط و عدمها،

:

و نقله الاختياري مع العوض و بدونه و عدمه وإنتقاله القهري بالموت و نحوه و عدمه على أنحاء شتى. وقبل التعرض لها لا بأس بالتنبيه على أمر ربما يكون دخيلاً في وضوح الحال، فإنّ كثيراً مما ذكروه من الحقوق خارج عنها و مندرج في الحكم، و ذلك الأمر هو ملاحظة ما ورد في الروايات من إطلاق الحق على كثير من الأحكام، فلاحظ باب جوامع الحقوق من كتاب العشرة من الوسائل، الذي هو مختصر من جوامع الحقوق المدوّنة في بحار الأنوار، فإن الحق أطلق في تلك الروايات على حكم الأب بالنسبة الى الولد و بالعكس، و على عبادة الله سبحانه

و تعالی و عدم الإشراك له و على ولاية الحاكم والسلطان، و على الماء وكيفية شربه من الكوز

و غيره مما لا ينطبق عليه ضابط الحق المصطلح.

و بالجملة: يظهر بمراجعة الروايات المشتملة على إطلاق الحق على الحكم أن التقسيم

الى ما لا يسقط بالإسقاط وإلى ما يسقط به و يجوز نقله ليس في محله، لأن ما لا يسقط بالإسقاط

ص: 140

أقسام الحقوق.

ينافي ما ذكروه من القاعدة المسلمة بينهم، و هي أن لكل ذي حق إسقاط حقه.

1410

و لا يندفع هذا التنافي إلا بإخراج ما لا يسقط بالإسقاط كحق الأبوة و الولاية و حق

،السلام على ما حكاه الفقيه المامقاني و عن بعض المشايخ ، و حق الرجوع في الطلاق

الرجعي، و غير ذلك عن حريم الحق موضوعاً، وإدراجه في الحكم.

-

نعم من لم يلتزم بتلك القاعدة كالمحقق الإصفهاني صح له تقسيم الحقوق الى ما

لا يسقط بالإسقاط و إلى ما يسقط به، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

إن قلت: إن تقسيم الحقوق الى ما يسقط بالإسقاط و ما لا يسقط به لا ينافي تسلم قاعدة

لكل ذي حق إسقاط حقه لكونها من العمومات القابلة للتخصيص، فتخصص بالحقوق غير

القابلة للإسقاط ، فكأنه قيل: كل حق قابل للاسقاط إلا حق الأبوة وحق السلام و غير ذلك. قلت :أولاً: منع كون ما لا يسقط بالإسقاط حقاً، لاباء الروايات الدالة على الحقوق عن حملها على الحق المصطلح و هو السلطنة و تفويض الأمر والأولوية، بل هي أحكام إلزامية أو ترخيصية أو وضعية سُمِّيت بالحق، فلا تندرج في قاعدة ان لكل ذي حق إسقاطه حقه حتى يلتزم بالتخصيص لأجل دلالة الروايات على عدم سقوطها بالإسقاط، بل الشك في إنطباق

الحق المصطلح عليها كاف في عدم جريان التخصيص في القاعدة، لوضوح كون التخصيص إخراجاً حكمياً متوقفاً على مصداقية الفرد الخارج بالتخصيص للعام، وحينئذ يدور الأمر بين التخصيص و التخصص، و يتعين تقديم الثاني و عليه فلو شك في صدق الحق على ما لا يقبل الإسقاط كان مقتضى عكس القاعدة خروجه عنه موضوعاً لا حكماً.

و ثانياً: أنه لو سُلّم شمول الحق لما لا يقبل الإسقاط قلنا: إن قاعدة «سلطنة كل ذي حق على إسقاط حقه من العمومات الآبية عن التخصيص لظهوره في علية عنوان الحق للسلطنة على إسقاطه، نظير قبح الظلم، و أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» و «أنه لا يطاع الله من حيث يعصى الى غير ذلك من العمومات الآبية عن التخصيص، خصوصاً بملاحظة ما اشتمل عليه من تقديم ما حقه التأخير، فإن تقديم الخبر على المبتدأ يوجب خصوصية في الكلام

غاية الآمال، ص 171

ص: 141

....£r

و يورث تأكيداً في ثبوت المحمول للموضوع.

. هدى الطالب / ج 1

و ثالثاً: ان البناء عل-ى ك-ون م-ا لا يقبل الإسقاط حقاً يستلزم تخصيص الأكثر

المستهجن، و لا مناص منه إلا باختصاص الحق بالمجعول الذي جاز لمن ثبت له بعض أنحاء التصرفات وأقلها الإسقاط

فتلخص: أن ما لا يقبل الإسقاط ليس حقاً، بل هو حكم، فحق الأبوة والسلام و الحضانة

والولاية و نحوها مما لا يقبل الإسقاط غير مندرجة في الحق المصطلح حتى يصح تقسيم

الحق الى ما يقبل الإسقاط و ما لا يقبله.

و المنافاة المذكورة - و هي إدراج ما لا يقبل الإسقاط في الحق، مع تسليم قاعدة وان لكل ذي حق إسقاط حقه» - باقية على حالها، و لا يمكن دفعها عمّن التزم بها، ثم قسم الحقوق

إلى ما لا يقبل الإسقاط وإلى ما يقبله، فلاحظ و تدبّر.

و منه يظهر غموض ما صنعه جمع منهم الشهيد و المصنف يا من إلتزامهما بهذه

القاعدة مع تقسيم الحق المقابل للحكم الى ما يقبل الإسقاط و ما لا يقبله.

أما الشهيد الليل فقد جَعَل الفارق بين حق الله و حق العبد قابلية الثاني للاسقاط دون الأول، حيث قال في قواعده و الضابط فيه أنّ كلّ ما للعبد إسقاطه فهو حق للعبد، و ما لا فلا كتحريم الربا والغرر ... الخ . إذ ظاهر المقابلة و التمثيل لحكم الله تعالى بحرمة الربا أنّ ما لا

يسقط بالإسقاط لا يكون من حقوق العبد بل من حقوقه تعالى المعبر عنها بالحكم، و مقتضاه الإلتزام بقابلية مطلق الحقوق للإسقاط، لكونها راجعة الى العبد و زمامها بيده. مع أنه لو قسم

الحق - المقابل للحكم - من حيث القابلية للاسقاط و عدمها الى قسمين و المنافاة كما ترى. و أما المصنف من فقد تقدم منه في المتن تقسيم الحقوق الى ما لا يقبل المعاوضة بالمال، و ما لا يقبل النقل، وما ينتقل قهراً و يُنقل بالصلح، والقسم الأول هو ما لا يقبل الإسقاط، على ما استفاده محققوا المحشين، بشهادة تمثيله بحق الولاية و الحضانة. و هذا التقسيم منافٍ

لتصريحه - في مسقطات خيار المجلس - بسقوط الحق بالإسقاط للقاعدة المتقدمة، قال: «و

أ

القواعد و الفوائد ، ج 2، ص 43 ، القاعدة : 161

ص: 142

أقسام الحقوق.

1430

...

من المسقطات إسقاط هذا الخيار بعد العقد... الى أن قال: ويدل عليه بعد الاجماع فحوى ما

يجيء من النص ... مضافاً الى القاعدة المسلمة من أن لكل ذي حقٌّ إسقاط حقها و التهافت واضح، إذ لو كان قوام الحق بقبوله للاسقاط وكونه أدنى مراتبه لم يبق مجال

لإدراج ما لا يقبل الإسقاط في الحقوق، ثم البحث عن وقوعها عوضاً في البيع و عدمه. إلا أن يُعوّل في دفع هذا التنافي على تصريح السيد لين بأن جملة مما عُد من الحقوق

ليست منها حقيقةً، بل هي أحكام، إذ ليس المجعول فيها سلطنة لذي الحق و لا ملكاً لهب. فبناءً على هذا التوجيه لا مانع من تقسيم ما يُسمّى بالحق إلى أقسام ستة، و منها ما

لا يسقط بالإسقاط، ضرورة كون المقسم ما يستعمل فيه كلمة الحق، لا ماهيته التي فسرها

السيد كالمصنف را بالسلطنة.

هذا كله بناءً على كون قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه حجة شرعاً، فلو نوقش فيها سنداً أو دلالة كان الحكم بعدم قابلية بعض الحقوق للاسقاط منوطاً بإحراز علية العنوان، و دوران الحق ،مداره، دون ما كان مقتضياً له كما سيأتي.

وقد ناقش المحقق الإصفهاني لي فيها تارة بمنعها سنداً، لعدم ورودها في آية و لا

رواية، ولا هي معقد إجماع حتى يؤخذ بعمومها أو إطلاقها، و عليه فالحق ينقسم حقيقة الى ما يقبل الإسقاط و إلى ما لا يقبلهج، و أخرى دلالة، بناءً على إستفادتها من فحوى قوله قال :

و

الناس مسلطون على أموالهم لا قتضائه سلطنة الناس على حقوقهم بالأولوية القطعية. و محصل المناقشة منع الفحوى، و ذلك لأن مفاد الحديث سلطنة المُلاك على أموالهم لا على ملكياتهم حتى تثبت لهم السلطنة على حقوقهم بالأولوية، بيانه: أن الملكية تنحل إلى أمرين، أحدهما الإضافة المعبر عنها بالملكية، وثانيهما المضاف و هو المملوك، وكذلك الحق

ينحل الى الإضافة و إلى طرفها من عين أو عقد أو فعل تعلق به الإعتبار الحقي. و السلطنة على

أ المكاسب المطبوعة مع حاشية العلامة الشهيدي ، ص 221

ب حاشية المكاسب . ص 56

:ج: حاشية المكاسب ، ج 1، ص 13 ، رسالة الحق.

ص: 143

00144

. هدى الطالب /ج

المملوك إنما تقتضي اخراجه عن طرفية الإضافة، فتنقطع نفس الإضافة بالتبع، فإذا أبرأ الدائن حقه أو أعرض المالك عن العين المملوكة كان معناه إخراج المال عن طرفية إضافته، فتزول

ملكيته لا متناع بقائها بدون طرف و هذا هو مقتضى السلطنة على المملوك بالتصرف فيه

و عدم سلطنة المالك على نفس الملكية.

و لكن هذا المعنى لا يجري في الحق، ضرورة أن ما يقصد إسقاطه هو نفس الحق لا متعلقه من المال والعين و الفعل، و من المعلوم أن سلطنة ذي الحق على إزالة نفس الإضافة - المعبر عنها بالحق - أجنبية عن مفاد الحديث الدال على سلطنة الناس على أموالهم - لا على

ملكياتهم - حتى يبقى مجال للتمسك بالفحوى

i

لكن يمكن أن يقال: أما الخدشة في مستند قاعدة «الكل ذي حق إسقاط حقه» فيجاب عنها بأن هذا المضمون وإن لم يرد في آية ولا رواية ولا معقد إجماع معتبر، إلا أنها من القواعد العقلائية المرتكزة عندهم، ويكفي في إمضاء الشارع لها عدم ردعه عنها، بل يمكن إستفادة إمضائها مما ورد في سقوط خيار الحيوان بالتصرف فيه من قوله الا : فذلك رضاً منه بتقريب أن المناط في سقوط الخيار هو رضا المشتري بالبيع سواء أظهره بالتصرف أو بإسقاط حقه. و يتعدى من حق الخيار إلى الحقوق الأخر التي استفيد من أدلتها جعل التفويض و الأولوية لشخص بحيث يكون لرضاه دخل في زوال سلطنته على المتعلق. ولا مانع من الالتزام

بشمول القاعدة للحق المصطلح. و يؤيد إرتكازية القاعدة - بل يدل عليها - اعتماد الأصحاب عليها و ارسالها إرسال المسلمات، كما يظهر من تعبير العلامة ليلي في التذكرة و غيرها من قوله في سقوط خيار المجلس بالاسقاط «و لأنه حقه أسقطه فسقط كالدين و نحوه في حق الشفعة و غيرها

فراجع. و عليه فدعوى كون القاعدة من الإرتكازيات العقلائية غير المستحدثة كارتكازهم

أ: حاشية المكاسب ، ج 2، ص 26

ب : تذكرة الفقهاء ، ج 1 ، ص 522 ، وكذلك لاحظ ص 517 و ص 604

ص: 144

120....

أقسام الحقوق.

على العمل بظواهر الألفاظ و بخبر الثقة قريبة جداً، مضافاً الى إنتفاء الرادع أو ما يصلح

للرادعية.

نعم لا ريب في أن موضوع سلطنة ذي الحق على إسقاط حقه ليس خصوص الحق المصطلح المقابل للملك و الحكم، بل يعم الذميات كالديون و هو الذي يعبر عنه الفقهاء

بالإبراء في قبال الاسقاط الذي خصصوا إطلاقه بمثل حق الشفعة و الخيار والقصاص. و أما الخدشة في الفحوى التي ادعاها المصنف في خيار المجلس، فيمكن التخلص عنها :أولاً: بامكان كون القاعدة بنفسها مورد التسالم، لا كونها من شؤون سلطنة الناس على

أملاكهم حتى تتجه المناقشة بالفرق بين إبراء الملك وإسقاط الحق.

و ثانياً: بأن إسقاط الملك و الحق من وادٍ واحد و ذلك لأن إسقاط الحق إما أن يراد به

إخراج المتعلق عن طرفية الإضافة الحقية، كما التزم به المحقق الإصفهاني في رسالة الحق حيث قال - بعد نفي كون الإسقاط مطلقاً بمعنى العفو - ما لفظه: «ثم إن الإسقاط هل هو بمعنى

i

رفع الإضافة أو إخراج الشخص أو الطرف عن الطرفية للإضافة، ربما يترجح الثاني ... و عليه لا يبقى فرق بين إبراء الملك وإسقاط الحق، لاشتراكهما في إخراج المضاف عن

طرفية الإضافة، وتزول الإضافة حينئذ بتبع زوال الطرف فلو كان مفاد قاعدة السلطنة سلطنة المالك على التصرف في مملوكه بإخراجه عن ظرفية علقته كانت سلطنة ذي الحق على إسقاط حقه أيضاً بمعنى إخراج المتعلق عن طرفية إضافة الحقية، لا بمعنى إعدام نفس الإضافة إبتداءً

حتى يختلف الملك عن الحق.

وإما أن يراد به إعدام نفس الإضافة وقطع العلقة إبتداءً كما لعله يستفاد من كلماتهم، إلا أنه

لا يوجب وهنا في الإستدلال، لإمكان كون الإبراء في باب الكليات المملوكة في الذمم متعلقاً بنفس الملكية لا إخراجاً للطرف.

و لا يبعد دلالة حديث السلطنة على أنّ كلّ ما يُعد من شؤون الملك عرفاً كان متعلق

سلطان المالك؛ حتى قطع نفس الإضافة، وسيأتي في أدلة مملكية المعاطاة الكلام في مفاد

أ حاشية المكاسب ، ج 1، ص 11

ص: 145

127

. هدى الطالب / ج 1

قاعدة السلطنة إن شاء الله تعالى.

و قد تحصل أنّه لا مانع من التشبث بقاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه و الحكم بعدم حقية ما لا يقبل الإسقاط فيختص الحق بما كان المجعول سلطنة أو أولوية أو نحو إختصاص يوجب كون زمامه بيده، و المعوّل في ذلك كله أدلة الحقوق، و ذلك نظير حق القصاص و حق

الخيار والشفعة و حق التحجير. و حق الإسترقاق على رقبة العبد الجاني و نحوها. أما حق القصاص فلأن المجعول هو سلطنة ولي الدم على القاتل ظلماً، سواء أكان حق

القصاص نفس هذه السلطنة أم كانت من آثاره وأحكامه و أما حق الخيار فلأن المستفاد من الأخبار جعل المختارية و تفويض أمر العقد فسخاً

و إمضاء إليه، فالخيار هو التفويض في ترجيح أحد الأمرين.

و أما حق الشفعة فالمستفاد من رواية الغنوي أولوية الشريك بالحصة المبتاعة

و أحقيته بها، و استيلاؤه على إنتزاعها من يد المشتري ببذل مثل الثمن إليه. و أما حق التحجير فالمستفاد من دليله إعتبار أولويته من غيره بتملك الأرض بالإحياء

و إن لم تكن ملكاً مصطلحاً له قبل الإحياء.

و أما حق الجناية فالمجعول هو تفويض أمر قتل الجاني و إسترقاقه إلى ولي الدم. ب ثم إنه لو لم تتم القاعدة المذكورة التي هي كالقرينة الحافة بأدلة الحقوق، أو قلنا بكون الحقوق إعتبارات متفاوتة لكل منها أثر مخصوص كما اختاره المحقق الإصفهاني قلنا فتنقسم الى ما يسقط بالإسقاط و ما لا يسقط به و الضابط المذكور في كلام بعض الأعلام كالسيد صاحب البلغة قال لي : هو أن ما كان العنوان الموجب للحق علة تامة له إستحال إسقاطه ونقله، لاستحالة تخلف المعلول عن علته التامة، و إن كان مقتضياً له، فإما أن يقترن بمانع عن النقل والإسقاط كما إذا تقوم الموضوع بعنوان خاص أو تقيّد مورد الحق و متعلقه بقيد يوجب

أ وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 316. الباب 2 من كتاب الشفعة ، الحديث : 1 ب وسائل الشيعة ، ج 19 ، ص 73 ، الباب 41 من أبواب قصاص النفس.

ص: 146

أقسام الحقوق.

\εV....

تضيق دائرته لم يقبل النقل و الإنتقال، وإما أن لا يقترن بمانع فيقبل الإسقاط و النقل، هذا. و هذا الضابط الثبوتي و إن كان متيناً في نفسه، لكنه لا يجدي في مقام الإثبات لو لم يستظهر من نفس دليل الحق العلية والاقتضاء. إذ لا معين لكون الموجب لولاية الحاكم مثلاً علة تامة و لحق الخيار و الشفعة مقتضياً، مع اقتضاء أصالة الموضوعية في العناوين المأخوذة في الخطابات دخلها بأنفسها في الأحكام المترتبة عليها و عدم إنفكاكها عنها. و حملها على المشيرية الى أمر آخر هو موضوع الحكم واقعاً خلاف الأصل لا يُصار إليه بلا

قرينة، و من المعلوم إستحالة تخلف الحكم عن موضوعه

و لأجله تصدّى المحقق الإصفهاني مدير الاستظهار ضابط إثباتي ينتفع به لو شك في قابلية المجعول للاسقاط أو النقل، و محصله بعد إنكار اقتضاء طبع الحق لقابلية الإسقاط أن

المرجع في ذلك دليل الحق و مناسبة الحكم والموضوع و الحكمة الباعثة على الجعل و التشريع، فإن روعي في مقام الجعل مصلحة ذي الحق كالإرفاق به اقتضت مناسبة الحكم

و الموضوع جواز إسقاطه. و إن روعي فيه غبطة الغير ومصلحته لم يجز إسقاطه، بل يقوم

بذي الحق، خاصة. هذا بحسب الكبرى. و أما في مقام التطبيق على أنحاء الحقوق فسيأتي التعرض لبعض كلامه تير في ذلك

ان شاء الله تعالى .

و حيث إنك عرفت اقتضاء طبع الحق لقبول الإسقاط كان الأولى إخراج ما لا يقبله عن التقسيم، لكن لا بأس بذكره تبعاً للقوم، أو بناءً على عدم تقوم الحق بالملكية و السلطنة، بل هي إعتبارات وضعية مختلفة ذاتاً و أثراً، والمرجع في ذلك دليل كل واحد من الحقوق و القرائن المكتنفه به فنقول و به نستعین و بولیه و عجل فرجه الشريف نستجير:

الله

القسم الأول: ما لا يقبل الإسقاط و النقل الإختياري و الإنتقال القهري.

و عُدّ منها حق الأبوة و النظارة والولاية والوصاية و الحضانة و الضابط فيه ما روعي فيه مصلحة غير من له الحق فمثل حق ولاية الحاكم غير قابل للسقوط و النقل. أما عدم قبوله

أ : بلغة الفقيه . ص 5 ، الطبعة الحجرية . ،

ص: 147

. هدى الطالب / ج 1

...VEA

للسقوط فلأن الملحوظ في مقام الجعل مصلحة المولى عليه، وكذا في حق الوصاية المجعول لأجل القيام بشؤون الموصي.

و أما تقوم الحق بنفس العنوان المأخوذ في الدليل و عدم قبوله للنقل إلى الغير فلأنّ موضوع الولاية الشرعية هو الفقيه الجامع للشرائط. فلا معنى لنقله إلّا لمثله، ولكنه لا يعقل نقله إلى حاكم آخر، لفرض كونه بنفسه مشمولاً لأدلة الولاية العامة، فلا معنى لتفويضها إليه من

قبل حاكم آخر.

و كذا خصوصية تعيين الوصي من بين الأشخاص - في نظر الموصي - مانعة عن نقل

الحق إلى غيره إلا مع إيصاء الموصي بذلك.

و هكذا حق الحضانة المجعول للأم لأجل مصلحة الطفل وتربيته، و ظاهر مكاتبة أيوب بن نوح «المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، إلا أن تشاء المرأة وإن كان جواز رفع اليد عن حقها إن شاءت. لكن لا أظن الإلتزام بمضمونه، فنفس حكمة الجعل تقتضي عدم

قبوله للإسقاط.

القسم الثاني: ما يقبل السقوط دون النقل و الإنتقال كحق الغيبة و الشتم و الإهانة، بناءً على كونها من الحقوق التي لا ترتفع بالتوبة فقط، بل لابد من إرضاء صاحبها وإبرائه. أما كونها من الحقوق فلأنها ظلم وإيذاء، ولا ريب في قبحه عقلاً، وشرعاً، للنصوص الدالة على «أن من حق المؤمن على المؤمن أن لا يغتابه» و «أن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله هج

ب

و نحوهما، فلاحظ.

و أما توقف إرتفاعها على إبراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل الدالة على أنّ الغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها و للنبوي: من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو

وسائل الشيعة ، ج 15، ص 192 . الباب 81 من أبواب أحكام الاولاد ، الحديث : 6 15 ب وسائل الشيعة ، ج 8، ص 543 الباب 122 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث : 4 :ج: المصدر ، ص 610 . الباب 158 من أبواب العشرة.

د:

وسائل الشيعة ، ج 8، ص 298 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث : 9

ص: 148

أ

129...

أقسام الحقوق....

مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته، فان لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيتزايد على سيئاته . و النبوي الآخر: «من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله صلاته ولا صيامه أربعين يوماً و ليلة، إلا أن يغفر له صاحبه، ب. الى غير ذلك من الروايات و الأدعية الدالة على كونها من الحقوق التي يتوقف إرتفاعها على إبراء

ذي الحق، و عدم كفاية التوبة و التفصيل موكول الى محله

القسم الثالث ما يقبل الإسقاط والنقل الى آخر ينطبق عليه العنوان أيضاً و لا ينتقل بالموت، كحق القسم في الزوجات، أما جواز إسقاطه فلأنه مقتضى كونه حقاً للزوجة، فإذا طابت نفسها بعدم إستيفائه كان لها ذلك و أما عدم الإنتقال بالإرث فلأنه حق للزوجة مادامت

حية وكانت في حبالة زوجها، فإذا ماتت لم يكن لها شيء حتى ينتقل الى الوارث. و أما جواز نقله الى زوجة أخرى فلعله مما لا خلاف فيه، إنما الكلام في جواز أخذ العوض بازائه و عدمه، قال العلامة في قواعده و لو وهبت ليلتها من ضرتها فللزوج الإمتناع، فانْ قَبِلَ فليس للموهوبة الإمتناع ولا لغيرها، و ليس له المبيت عند غير الموهوبة أو الواهبة... الى أن قال: ولو عاوَضَها عن ليلتها بشيءٍ لم يصح المعاوضة، لأن المعوّض كون الرجل عندها و هو لا يقابله عوض، فترد ما أخذته، ويقضى، لأنه لم يسلم لها العوض هج.

و علل الشهيد الثاني في الروضة فتوى الشهيد - في اللمعة و لا يصح الإعتياض عن القسم بشيءٍ من المال - بما لفظه : «لأن المعوّض كون الرجل عندها، و هو لا يقابل بالعوض، لأنه ليس بعين و لا منفعة. كذا ذكره الشيخ تر و تبعه عليه الجماعة. و في التحرير نسب القول إليه ساكتاً عليه، مُشيراً بتوقفه فيه أو تمريضه و له وجه، لأن المعاوضة غير منحصرة فيما ذكر، و لقد كان ينبغي جواز الصلح عليه كما يجوز الصلح على حق الشفعة والتحجير ونحوهما من الحقوق. و حيث لا تجوز المعاوضة فيجب عليها ردّ العوض إن كانت قبضَته، و يجب عليه

أ : كشف الريبة ، ص 110

110

ب: مستدرك الوسائل، ج 9، ص 122 ، الباب 132 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث : 34

:ج قواعد الأحكام، ص 164

ص: 149

10.

القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت، لأنه لم يسلم لها العوض، أ.

. هدى الطالب / ج 1

و قال في كشف اللثام - في ذيل تعليل القواعد المتقدم آنفاً - ما لفظه: «و فيه تردد، لمنع الحصر، و لأن علي بن جعفر الا سأل أخاه الا ، عن رجل له إمرأتان، فقالت إحداهما: ليلي و يومي لك يوماً أو شهراً أو ما كان أيجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها و اشترى ذلك منها فلا بأس ب.

و هذا مما تقتضيه القاعدة في الحقوق التي جُعل فيها السلطنة لذي الحق أو الأولوية بالشيء، فيجوز له إسقاطه ونقله الى الغير بعد إحراز قابليته له عرفاً، سواء أكان مع العوض أم .بدونه. نعم لو استفيد من الدليل تَقَومُ الحق بعنوان لا ينطبق على غير ذي الحق أو المماثل له تعين تخصيص جواز النقل بما اذا كان المنتقل إليه مماثلاً لمن له الحق كالضرة في حق القسم

الصدق عنوان الزوجة على كل واحدة من الضرات.

و عليه فما في بعض الكلمات من تجويز نقل هذا الحق الى الأجنبي ليكون له الاسقاط أو النقل و إن لم يتمكن من إستيفاء الحق بنفسه للمنع الشرعي لا يخلو من غموض، لكون الأثر المطلوب من المعاوضة إباحة التصرف فيما إنتقل الى كلُّ من المتعاملين ، و من المعلوم أن مضاجعة الزوجة مع الأجنبي مما يأباه العقلاء فضلاً عن الشرع، فعدم قابلية خصوص حق القسم للنقل الى الغير عرفاً يكون من باب قصور المقتضي لا للمانع الشرعي.

و بالجملة : لولا النّص الخاص و هو رواية علي بن جعفر الدال على جواز نقل حق

القسم إختياراً لكان ذلك مقتضى القاعدة في كل مجعول أحرز كونه حقاً لا حكماً. و عليه فلا فرق في جواز النقل الإختياري بين المجاني و المعاوضي. فعدم القابلية ينشأ من قيام الحق بشخص خاص كالوصي و الناظر و المتولي للموقوفة، حيث إن للموصي عناية بشخص الوصي، والواقف يجعل التولية لشخص خاص من حيث إنه خاص، لا من حيث إنّه إنسان أو عالم مثلاً حتى يكون قابلاً للنقل الى الغير.

أ الروضة البهية ، ج 5 ، ص 4240423

ب كشف اللثام ، ج 1 ، ص 63 و 64

ص: 150

أقسام الحقوق.

101......

لكن تَقُومُ الحق بصاحبه لابد أن يستفاد من نفس الدليل بماله من الخصوصيات المكتنفة به، أو من دليل خارجي، فمع الشك يرجع الى عموم قاعدة سلطنة ذوي الحقوق في

حقوقهم.

القسم الرابع ما يقبل السقوط و النقل - مجاناً و مع العوض و الإنتقال كحق التحجير،

بل حق الخيار والشفعة ونحوهما.

أما حق التحجير فلأن ما اعتبره الشارع فيه هو كونه أولى بالأرض المحجرة بتملكها بالإحياء، و عدم جواز مزاحمة الغير له، فللمحجر إسقاط أولويته بمعنى إخراج الأرض عن طرفية الإضافة الخاصة المعبر عنها بالأولوية، ويرتفع المانع حينئذ عن تملك الغير بإحيائها و عمارتها. كما أن له نقل أولويته إلى الغير مجاناً أو مع العوض، و كذا تنتقل الى الوارث، فيقوم مقام مورثه في أولويته بالأرض.

و أما حق الشفعة و الخيار فقد حكم المحقق الإصفهاني من بجواز الإسقاط والانتقال، و منع من نقلهما. أما جواز الإسقاط في باب الخيار فلأن مصلحة الإرفاق بالبايع أو بالمشتري أو بهما معاً أوجب إعتبار السلطنة لهم على فسخ البيع و إمضائه رعاية لذي الحق، لا لمن عليه الحق كما كان في حق الولاية و الحضانة و من المعلوم أن لصاحب الحق إسقاط حقه.

و كذا في حق الشفعة، فإنّ حكمة الجعل - و هي عدم تضرر الشريك ببيع حصة شريكه ممن لا يلائمه أحياناً - أو جبت جعل حق إنتزاع الحصة من المشتري ببذل مثل الثمن إليه، فلذي الحق إسقاط حقه كما إذا لم يكن تضرُّرٌ في البين، أو تحمل الضرر.

و أما الإنتقال بالإرث فلأنه مقتضى قيام الوارث مقام مورثه فيما كان له من مال و حق

كما يدل عليه ماورد من أن كل ما تركه الميت من مال أو حق فلوارثه».

و أما عدم جواز النقل فلان حق الخيار ثبت لعنوان البيع والمغبون وصاحب الحيوان و من له الشرط و نحوه من العناوين و هذا العنوان كما يحتمل كونه معرفاً كذلك يحتمل كونه مقوماً، والمجدي في جواز النقل إحراز المعرفية و مع عدمه يقتصر على نفس العنوان المأخوذ في أدلة جعل الخيار.

و أما حق الشفعة فلأن حكمة التشريع هي عدم تضرر الشريك، دون غيره، فلا معنى

ص: 151

152

هدى الطالب / ج 1

لنقله الى الأجنبي أو إلى الشريك. أما الأجنبي فلعدم تضرره و أما المشتري فلأنه قد تملك الشقص بشرائها من أحد الشريكين فلا معنى لتملكه له مرة أخرى بانتقال الحق إليها، هذا. أقول: لا ريب في أن القرائن المكتنفة بالكلام توجب ظهوراً ثانوياً في توسعة موضوع الحكم تارة و تضييقه أخرى، إن كانت تلك القرائن بمثابة يصح للمتكلم الإعتماد عليها في إفادة مراده الجدّي، وإلا فالمتبع بحسب الأصل العقلاني المتسالم عليه هو الظهور الأولي مالم تقم على خلافه حجة أقوى كما في موارد حمل الظاهر على النص أو الأظهر.

و على هذا فحكمة تشريع حق الشفعة و إن كانت سد باب تضرر الشريك أحياناً، إلا أنّ

النسبة بين موارد مشروعية هذا الحق و الضرر عموم من وجه فقد يجتمعان، و قد يتضرر ولا شفعة كما في زيادة الشركاء على إثنين، وكما في الشركة في غير الأرضين و الدور على ما تضمنته عدة من النصوص ب . و قد يثبت الشفعة مع إنتفاء الضرر كلية، بل ربما كان المشتري أنفع للشريك من شريكه السابق.

النبي

و عليه فلا سبيل لجعل التضرر قرينة على عدم قابلية الحق للنقل الى الغير. خصوصاً بناءً على ميل هذا المحقق في قاعدة لا ضرر إلى مختار الفقيه شيخ الشريعة قليل من : أن قضاء النبي الا الله بالشفعة لم يكن مذيلاً بلا ضرر، وإن وردا مجتمعين في رواية عقبة بن خالد عن الصادق ال: «قضى رسول الله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، و قال: لا ضرر ولا ضرار ، ج. لكنه من الجمع في الرواية لا من الجمع في المروي حتى يكون ملاك

الجعل المنّة على الشريك بنفي الضرر عنه خاصة.

كما أن حكمهم بثبوت حق الشفعة مطلقاً حتى مع عدم التضرر بشركته مع المشتري - بل مع الإنتفاع به كاشف عن عدم دوران الحق مدار التضرر أصلاً. و عليه فليس من ثبت له الحق إلا عنوان الشريك، وكما يحتمل كون العنوان معرفاً فكذا يحتمل كونه مقوماً، و معه لم

أ حاشية المكاسب ، ج 1 ص 12

ب

:

وسائل الشيعة : ج 17، ص 320 و 322 ، الباب 7 و 8 من أبواب الشفعة.

ج وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 319 ، الباب 5 من كتاب الشفعة ، الحديث : 1

ص: 152

153

أقسام الحقوق.

يكن الحكم بانتقال الحق الى الوارث بذلك الوضوح. فلو فرض كون الضرر حكمة الجعل كان كتعليل وجوب الإعتداد على الزوجة بمنع إختلاط المياه، و المناسبة تقتضي تضيق موضوع الحكم بمن يتمشى فيه إحتمال الإختلاط، مع أنهم تسالموا على وجوب العدة على الزوجة مطلقاً و لو مع القطع بانتفاء الإختلاط . و هذا كاشف عن عدم كون حكمة التشريع موجبةً

للتوسعة والتضييق في جميع الموارد

i

فالمهم في الحكم بجواز الإسقاط والنقل و الإنتقال ملاحظة دليل الحق كرواية الغنوي عن أبي عبد الله الله بعد سؤاله عن مورد الشفعة، فقال : «الشفعة في البيوع إذا كان شريكاً فهو أحق بها بالثمن، و ورد هذا التعبير في بعض الأخبار، كما دلّ على هذا الحق في بعض النصوص كلمة اللام الذي قد يُدعَى ظهوره في الملك، فلاحظ روايات الباب و من المعلوم أن تفويض الأمر الى الشريك وكونه أولى بحصة شريكه التي باعها ظاهر عرفاً في

قابلية إسقاطه ونقله و إنتقاله.

و أما في حق الخيار فالحكمة و إن كانت هي الإرفاق بذي الخيار، إلا أن إلغاء خصوصية العناوين المأخوذة في الأدلة «كالبيع، و المشتري، و صاحب الحيوان» و نحوها - حتى يترتب عليه قابلية إسقاطها و إنتقالها دون نقلها لا يخلو من تأمل.

فالأولى إستظهار القابلية من لسان الدليل المتكفل للسلطنة على ترجيح أحد الطرفين من الفسخ و الإمضاء، كقوله : البيعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام، ب. و كتعليل سقوط خيار الحيوان إن أحدث المشتري في الحيوان حدثاً قبل إنقضاء الثلاثة بما روي عن الصادق الا : فذلك رضى منه فلا شرط »ج . فإن ظهوره العرفي في كون المجعول حقاً مما لا يُنكر .

و على هذا فلا يبعد جواز نقل حق الخيار إلى الغير كجواز إسقاطه، فيكون للمنتقل إليه

أ.

وسائل الشيعة ، ج 17 ، ص 316 ، الباب 2 من كتاب الشفعة . الحديث : 1 ب وسائل الشيعة ، ج 12، ص 345 الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث : 1 ج المصدر ، ص 351 ، الباب 4 من أبواب الخيار . الحديث : 4

ص: 153

154

...102

. هدى الطالب / ج 1

السلطنة على أمر العقد فسخاً و إمضاء، أو على الإسترداد فجواز نقل الخيار إلى الأجنبي کجواز جعله له ابتداءً في ضمن العقد. نعم لابد من ترتب غرض عقلائي عليه، وإلا فالعوضان يعودان الى مالكيهما لا إلى من إنتقل الحق إليه. و لذا قد يشكل نقل حق الشفعة الى الأجنبي. إلا أن يراد منه التوكيل في إعمال الحق، كما إذا لم يتمكن الشفيع - لجهة من الجهات - من ضمّ

الحصة الى ملكه.

و الحاصل أن مجرد أخذ عنوان خاص في دليل الخيار والشفعة لا يمنع عن قبول النقل الى الغير، إلا بإحراز كون العنوان مقوماً، فهما نظير الحبوة المخصوصة بالولد الأكبر من بين

الورثة، و لكن لا مانع من سلطنته على نقلها الى غيره ببيع أو هبة أو صلح.

و أما حقُ الرهانة فهو حق متعلق بالعين المرهونة لاستيفاء الدين منها. و حيث إن غير الدائن لاحق له فيها فقد يشك في جواز نقله، إلا أن يكون من باب التوكيل في الإنقاذ و استيفاء الدين منها. نعم لا مانع من إنتقاله بالموت فيكون الوارث قائماً مقام الدائن في جعل العين وثيقةً لدينه المستقر في ذمة المديون. هذا بعض الكلام في أقسام الحقوق بلحاظ ما يستفاد من أدلتها من قبولها للسقوط

و النقل و الإنتقال

المقام الثالث: في حكم الشك في كيفية الجعل، فتارة يكون الشك في أن المجعول حكم - بمعناه الأخص المقابل للحق - أو حق، و أخرى في قابلية الحق للسقوط، و ثالثة في

قابلية نقله و انتقاله

أ - حكم الشك في أن المجعول حق أو حكم

أما الأوّل: فإن كان لدليله عموم أو إطلاق أخذ به و مقتضاه إحراز إطلاق المجعول

و عدم سقوطه بالإسقاط، ويندرج في الحكم المصطلح المقابل للحق، و لا بأس بالتعرض

البعض ماعُدّ مثالاً للمسألة.

فمنه ما اذا شك في أن جواز أكل المارة من الشجرة الممرور بها حق يسقط بالإسقاط

أو حكم يبقى بعد إسقاط المار.

ص: 154

الشك في أن المجعول حق أو حكم

100..

و إن كان دليله مجملاً، فإن كان في المورد عام فوق كان هو المرجع كحرمة أكل أموال الناس بالباطل، و القدر المتيقن من دليل التقييد أو التخصيص هو المارّ الأكل للثمرة، فيبقى غيره مندرجاً في عموم حرمة الأكل، و نتيجته عدم بقاء الجواز بعد إسقاطه. و لو منع من مرجعية الآية الشريفة هنا أمكن الرجوع الى عموم النهي عن التصرف في مال الغير بدون إذنه و رضاه، لأنه من الشك في التقييد الزائد على جواز التصرف - للمار - في ملك غيره. و إن لم يكن في المورد عام فوق كان المرجع إستصحاب بقاء المجعول، و نتيجته بقاء

الحق بعد إسقاطه، بناءً على حجية الإستصحاب في الشبهات الحكمية. و منه: ما إذا شك في بقاء سلطنة ولي الدم على القاتل عند إسقاط حقه من القصاص، فمقتضى إطلاق قوله تعالى : ( ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً ) أبقاء الجواز بعد

إسقاطه لإطلاق السلطنة المجعولة لحالتي الإسقاط و عدمه. ولو نوقش في إطلاق الآية كان المرجع إستصحاب بقاء المجعول بناء على جريانه في

الشبهات الحكمية فيترتب عليه جواز الاقتصاص بعده.

و أما ما أفاده السيد المحقق الخوئي من من مرجعية عموم الآيات و الروايات الدالة على حرمة قتل النفس المحترمة، كقوله تعالى : ( و من يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ب و قوله عزّ من قائل : ( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )ج، و کالروايات المتضافرة المروية في أبواب قصاص النفس. و بها يثبت عدم جواز الإقتصاص بعد إسقاطه، فلا يخلو من تأمل، فإنّ العام و إن كان حجة في غير القدر المتيقن

من التخصيص بالمجمل، كما إذا تردد الفاسق بين مرتكب خصوص الكبائر و مطلق المعصية فإن عموم أكرم العلماء» يُعين حكم مرتكب الصغيرة، فيجب إكرامه، و يكون الخارج عن

:: الاسراء ، الآية : 25

ب النساء الآية : 95 ج الأنعام ، الآية : 152

د:

راجع وسائل الشيعة ، ج 19، ص 10 الی 20 الباب 1 و 2 و غيرهما من أبواب قصاص النفس

مصباح الفقاهة . ج 2 . ص 48 و 49

ص: 155

.107

. هدى الطالب /ج

حكم العام خصوص مقترف الكبيرة.

إلا أن تطبيقه على مثل حق القصاص بعد الإسقاط لا يخلو من شيء، وذلك لأن الآيات

و الروايات الناهية عن سفك الدماء محفوفة بقرينة قطعية من أول الأمر مانعة عن إنعقاد الإطلاق فيها لمن يُقتل قصاصاً، فإنّه من مرتكزات العقلاء و من أحكام الشرائع السابقة، خصوصاً بملاحظة مثل قوله تعالى : ( و جزاء سيئة سيئة مثلها ) وقوله تعالى : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) ب و ما دل على حرمة الإسراف في القتل، و الكُلّ شاهد على أن حرمة قتل المؤمن والوعيد بخلود القاتل في النار غير ناظر إلى حكم وليّ الدم الذي يأخذ بحق قصاصه. وليس القتل بسبب حقٌّ كالقصاص مندرجاً في عموم النهي عن قتل المؤمن حتى يرجع إليه لو شك في بقاء السلطنة على القاتل بعد الإسقاط.

و بعبارة أخرى إرتكازية حق القصاص عند العقلاء - بقرينة وروده في الشرائع السابقة و إباء سياق ما دلّ على حرمة قتل المؤمن متعمداً عن التخصيص، وكون تضيق المحمول من أقوى القرائن على تضيق الموضوع و تقيده بغير القتل القصاصي - تقتضي خروج القتل قصاصاً عن عموم النهي موضوعاً، وليس مندرجاً فيه حتى يرجع اليه في الشك في التقيد الزائد و المستفاد منها أنّ القتل قد يكون بحق كما في الأخذ بالقصاص، و قد لا يكون بحق و هو الذي توعد عليه بالخلود في النار. و أنهما متقابلان لا يندرج أحدهما في الآخر.

ومنه: ما إذا شك في بقاء حقي الخيار و الشفعة بعد الإسقاط كبقاء الجواز الحكمي في رجوع الواهب عن هبته و ارتفاعهما لكونهما من الحقوق التي يكون زمامها بيد ذي الحق، و قد أفاد تقولون أنه لا إطلاق في دليل ثبوتهما لذي الخيار و الشفيع، بل المرجع الإستصحاب بناءً على حجيته في الشبهات الحكمية و على تقدير عدم حجيته فيها فالعمومات الدالة على حرمة أكل مال الناس من دون رضاه محكمةج.

أ: الشورى ، الآية : 4

:

البقرة الآية : 194

2

:ج مصباح الفقاهة ، ج 2، ص 49

ص: 156

الشك في أن المجعول حق أو حكم

lov....

أقول: أما إنكار إطلاق دليل حقي الخيار والشفعة فغير ظاهر، فإنه كما يتمسك بإطلاق ما روي عنه : «من سبق إلى مالم يسبقه إليه مسلم فهو له و يلتزم ببقاء أولويته بما

الالالا

سبق إليه من المكان سواء أسقط حقه أم لم يسقطه، كما اعترف به، فكذا لامانع من الأخذ باطلاق قوله لا : « البيعان بالخيار ما لم يفترقاء سواء أسقط أحدهما أو كلاهما حقه أم لم يُسقطه و كذا قوله لالالالالا في حق الشفعة: «فهو أحق به» مع وضوح كون الإسقاط في كلا المقامين من الحالات المتبادلة المندرجة في الدليل.

و أما الحكم بمرجعية الإستصحاب أولاً ثم عموم حرمة أكل مال الغير بالباطل فلا يخلو

من غموض، إذ مع فرض وجود العموم الذي هو حجة في ماعدا القدر المتيقن من دليل المخصص - أعني به الأخذ بحقي الخيار والشفعة و عدم إسقاطهما - لا يبقى مجال للرجوع الى الأصل العملي، وبيانه أن لدليل حرمة الأكل عموماً أفرادياً و إطلاقاً أزمانياً و أحوالياً، فلا يجوز للبائع التصرف في ما إنتقل عنه الى المشتري، و لا للشريك التصرف في حصة المشتري التي إشتراها من شريكه. و إجمال المخصص - و هو دليل تشريع الخيار و الشفعة - يقضي بالأخذ بالقدر المتيقن منه و هو إعمال ذي الخيار و الشفيع حقهما، وإنتزاع ما كان بيد من عليه الخيار و المشتري. وأما إذا أسقطا حقهما وأرادا الأخذ به بعده كان عموم حرمة الأكل حاكماً بعدم

الجواز.

هذا ما تقتضيه الصناعة، لكنه مجرد فرض، إذ لا وجه للشك في أن المجعول في مورد القصاص و الخيار و الشفعة هو السلطنة والأولوية المعبر عنهما بالحق المقابل للجواز الحكمي و من المعلوم كون أدنى مراتبه قابلية سقوطه بإسقاط من له الحق. هذا كله في حكم الشك في السقوط و البقاء، و مرجعه الى الشك في كون المجعول حقاً مصطلحاً أو حكماً.

ب - حكم الشك في قابلية الحق للإسقاط

و أما الثاني و هو الشك في قابلية الحق للسقوط بعد إحراز عدم كونه حكماً مصطلحاً

أ: مستدرك الوسائل، ج 17 ، ص 112 ، الباب من أبواب إحياء الموات ، الحديث : 4

ص: 157

158

...... هدى الطالب / ج 1

فإن قلنا باقتضاء قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه عدم حقية ما لا يقبله فهو، وإلا فإن أمكن

رفع الشك بالرجوع إلى دليل الحق و لو بمعونة القرائن المكتنفة به و إستفادة قيام الحق

بشخص ذي الحق كالوصي والمتولي للموقوفة و الناظر عليها، أو قيامه بعنوان خاص كالفقيه أو روعي فيه مصلحة الغير كما في حق الحضانة، فالظاهر عدم قابليته للسقوط، لظهور العنوان

في دوران الحق مداره.

و إن لم يمكن إستفادة شيء من ذلك كان مقتضى جريان الإستصحاب في الشبهات

الحكمية بقاءه و عدم سقوطه.

ج - حكم الشك في قابلية الحق للانتقال

و أما الثالث: و هو الشك في إنتقال الحق قهراً بموت و ارتداد فنقول: إن أمكن إستفادة الحكم من الدليل و الخصوصيات المكتنفة به فهو و إلا يجرى الإستصحاب فيه و يحكم

بعدم سقوطه بالموت، الذي هو من قبيل الشك في رافعية الموجود، و هو مورد تسالمهم على

حجية الإستصحاب. فلو شك في إنتقال حق الخيار و الشفعة و التحجير الى الوارث لم يكن مانع من الإلتزام بانتقاله.

و مناقشة المصنف لليله في هذا الإستصحاب بما أفاده في أحكام الخيار بقوله: «و التمسك في ذلك - أي في قابلية حق الخيار للانتقال - باستصحاب بقاء الحق، و عدم إنقطاعه بموت ذي الحق أشكل لعدم إحراز الموضوع، لأن الحق لا يتقوم إلا بالمستحق، غير ظاهرة، لاعترافه لي بأن هذا القسم من الحقوق سلطنة، وهي كالملك قابلة للانتقال القهري و الشك إنما هو في رافعية الموت لها كالشك في إطفاء الريح الخفيفة للسراج مع إستعداد نورها للبقاء لوجود الوقود. فيندرج هذا الحق ببركة الإستصحاب في «ما تركة الميت».

و الإشكال في جريانه بعدم إحراز الموضوع - لتقوم الحق بالمستحق - ممنوع بالنقض

بأملاكه، لتقومها بالمالك، مع أنه لا ريب في إنتقالها الى الوارث.

و حله أن سبب الإنتقال الى الوارث بقاء الملك أو الحق إلى زهوق روح المورث،

والأوّل محرز بالإستصحاب، و الثاني بالوجدان.

ص: 158

109.

........

الشك في قابلية الحق للانتقال.

بل لا يبعد الإستغناء عن الإستصحاب في المقام بناءً على كون الحق سلطنة فعلية، أو إضافة إعتبارية أخرى أثرها السلطنة، فإنّه كالملك مشمول لإطلاق الموصول في قولهم لالالالالام : ما تركه الميت فهو لوارثه بناءً على أن مفاده عدم إيجاب الموت سقوط ما كان للميت من المال أو الحق عن إضافة الملكية، بل تنتقل هذه الإضافة الى الوارث و إن كانت الدقة تقتضي حدوث إضافة أخرى للوارث مماثلة لإضافة المورث، لاستحالة بقاء شخص الإضافة مع تبدل

طرفها.

و الحاصل أن مدلول الرواية عقدان سلبي و إيجابي، فالأول عدم سقوط الملكية

بالموت و الثاني إنتقال الإضافة الى الوارث على النحو الذي كان للمورث. لا يقال: إن مقتضى أصالة عدم الانتقال إلى الوارث ذهاب الحق بالموت، فلا يصدق

عليه ما تركه الميت، حتى ينتقل الى الوارث

فانه يقال: إن الشك في الإنتقال مسبب عن بقاء الحق بعد الموت و ارتفاعه به، فإذا جرى الأصل في السبب و أحرز به بقاؤه و عدم سقوطه بالموت إندرج في «ما تركه الميت»

وانتقل الى الوارث.

نعم الشك في البقاء إلى ما بعد الموت ناش عن الشك في القابلية، إذ لو كان الحق

مجعولاً بنحو يتقوم بمن له الحق خاصة كان إرتفاعه بموت صاحبه مسلماً، و لا موضوع لعنوان «ما تركة الميت، حتى ينتقل الى الوارث.

لكن لا يجري الأصل في نفس القابلية، لعدم العلم بها سابقاً، فيجري الأصل - لا محالة -

في مستبه، و هو البقاء إلى ما بعد الموت الملازم لانتقاله إلى الوارث لصدق ما تركه الميت

.عليه

و هذا نظير عدم جريان الإستصحاب في قابلية الحيوان للتذكية و عدمها، و جريانه في عدم التذكية، فإذا تحقق كل ماله دخل في التذكية من فري الأوداج بشرائطه، و تمخض الشك

في حلية الحيوان في قابليته للتذكية جرى الأصل في المسبب، و يُحكم بعدم التذكية.

هذا كله في تقريب التمسك باستصحاب شخص الحق و الحكم ببقائه بعد الموت. و يمكن أن يقرر بنحو يندرج في القسم الثاني من أقسام إستصحاب الكلي، بتقريب: أن

ص: 159

17.

هدى الطالب / ج 1

الحق المشكوك إنتقاله بالموت - إن كان متقوماً بصاحبه كان ساقطاً بموته، وإلا فهو باقٍ، و هذا

نظير الشك في كون الحيوان الداخل في الدار موجوداً بفرد قصير العمر و طويله. و بعبارة أخرى: مناط القسم الثاني - و هو كون الشبهة موضوعية - موجود في المقام، حيث إن الحقوق على نوعين، فمنها ما يتقوم بمن له الحق ويرتفع بموته قطعاً كحق القسم و الإستمتاع، ومنها ما لا يتقوم به كحق التحجير، فلو شك في مثل حق الخيار أمكن إبقاؤه تعبداً ،بالإستصحاب فيندرج في موضوع تشريع الإرث.

و توهم كونه من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، ببيان: «أنه يعلم بارتفاع الفرد الأول من المستحق - بالموت - و يشك في قيام الثاني مقامه. نظير العلم بخروج زيد من الدار و الشك في دخول عمر و فيها مقارناً لخروج زيد عنها، فاسد، بأن هذا الشك ناش عن كيفية جعل الحق و تشريعه، فيجري الإستصحاب في نفس المجعول الشرعي الجامع بين الخصوصيتين، و يحكم ببقائه إلى ما بعد الموت ببركة الأصل، ويندرج في الموصول في «ما

تركه الميت.

و لكن ما ذكرناه - من إستصحاب كلي الحق إلى ما بعد الموت بنحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي - مخدوش بأن جريانه منوط بموضوعية نفس الكلي للأثر الشرعي، كاستصحاب كلّي الحدث لمن توضاً بعد البلل المشتبه، فإنّه لا مانع من جريانه لإثبات حرمة مس الكتاب العزيز، بناءً على موضوعية كلّي الحدث لحرمة المس على ما استفيد من قوله

ال

تعالى : ( لا يمسه إلا المطهرون ) و عدم كونه مشيراً إلى خصوصيتي الحدث الأكبر و الأصغر، إذ عليه لا أثر لكلي الحدث حتى يستصحب، و التفصيل في محله. و عليه يقال في المقام إنّ المنتقل إلى الوارث ليس كلي الحق الثابت للمورث، بل الحق غير المتقوم بمستحقه، و الإستصحاب قاصر عن إثبات هذه الخصوصية إلا بناءً على القول بالأصل المثبت. فاستصحاب الحق - الجامع بين فرديه - لا يجري لعدم كونه موضوعاً للأثر المقصود و هو الإنتقال الى الوارث، وإنما موضوع الأثر هو الحق المتخصص بعدم كونه متقوّماً بمن له الحق و استصحاب الجامع لا يُثبت هذه الخصوصية. فلا يجري، لعدم أثر له. و حينئذ فلا محيص عن إستصحاب عدم الإنتقال.

خصوص

ص: 160

الشك في قابلية الحق للنقل

171.

و عليه فالشكوك الثلاثة المترتبة - و هي الشك في كيفية جعل الحق، و الشك في بقائه، و الشك في إنتقاله - إنما يجري الأصل في ثالثها و هو عدم الإنتقال كما أفاده السيد المحقق

الخوئي قالي انا

إلا أن يقال: إن شبهة تقوم الحق بالمستحق في كلام الشيخ الأعظم لي إن كان منشؤها كونها من الشك في المقتضي لفرض عدم إحراز استعداد الحق للبقاء بعد موت ذيه أمكن الجواب عنه بأنّ المبنى المنصور في المسألة حجية الإستصحاب مطلقاً سواء كان الشك في المقتضي أم في الرافع و عليه لا مانع من استصحاب بقاء الحق، و الحكم بانتقاله ظاهراً

بالموت.

د - حكم الشك في قابلية الحق للنقل الاختياري

و أما الرابع : - و هو الشك في قابلية نقل الحق الى الغير إختياراً - فإن أمكن إستظهار قبوله للنقل من حكمهم بانتقاله بالارث كما في حقي الخيار و الشفعة، بدعوى إستكشاف عدم تَقَومِ الحقِّ بمن له الحق، وإلا لم ينتقل الى وارثه، فهو للملازمة العرفية بين إنتقاله قهراً و نقله إختياراً في عدم قيامه بذي الحق.

و إن لم يمكن ذلك الإستظهار، لعدم ثبوت الملازمة بين جواز النقل و الإنتقال أو

لكون الحق مما لا ينتقل بالإرث كحق القسم و الإستمتاع، كان المعوّل في جواز نقله الى الغير قابليته العرفية للنقل و المعاوضة عليه، وكون الشك في الجواز متمحضاً في إحتمال المنع تعبداً عن سقوطه أو نقله أو إعتبار شرط فيه و من المعلوم أن المرجع فيه عمومات إمضاء العقود و المعاوضات وإطلاقاتها.

إلا أنْ يناقش في التمسك بها بأحد وجهين:

الأول: أنّ الرجوع إليها من التشبث بالعام في الشبهة الموضوعية، و هو ممنوع على ماحقق في محله بيانه: أنّ طائفة من الحقوق غير القابلة للاسقاط و النقل خَرَجَت عن حيز أدلة تنفيذ المعاملات كالأمر بالوفاء بالعقود، و حلية البيع، وجواز الصلح بين المسلمين، و وجوب العمل بالشرط، ونحوها، فحقُ الولاية و الأبوة خرج عن تلك العمومات لما ثبت من عدم

ص: 161

162

. هدى الطالب / ج 1

قابليتهما للاسقاط و النقل، كما أن طائفة منها باقية تحت العمومات كحق التحجير. ولا يُعلم أن المشكوك فيه مندرج في هذا القسم أو ذاك، و في مثله لا وجه للرجوع الى العام لإحراز حال الفرد، لكونه نظير الشك في كون زيد عالماً أو جاهلاً، حيث إن عموم أكرم العلماء قاصر عن

إحراز حاله و تعيين حكمه، و هذا معنى عدم حجية أصالة العموم في الشبهة المصداقية. و لكن يمكن دفعه بأن يقال: إنّ الخارج عن عموم أدلة المعاوضات إنما خرج عنها فردياً لا عنوانياً، و من المعلوم أن القادح في التمسك بالعام هو القسم الثاني لا الأول، مثلاً إذا قال : «أكرم العلماء، ولا تكرم البصريين منهم و تردّد «زید» بين البصري و الكوفي - لتعارض البينتين فيه مثلاً - لم يجز التمسك ب- «أكرم العلماء» لإثبات وجوب إكرام زيد، بل المرجع فيه أصالة البراءة عن وجوب إكرامه. و أما إذا قال: «أكرم العلماء إلا زيداً و عمرواً، ثم شُك في إستثناء بكر أيضاً لم يكن مانع من التمسك بالعام لإثبات وجوب إكرامه، لأنّه من الشك في التخصيص الزائد، الذي هو كالشك في أصل التخصيص في جواز الرجوع الى العام. و مانحن فيه من هذا القبيل، لأن الخارج عن حيز العمومات حقوق معينة كحق الأبوة ر السلام و ولاية الحاكم الشرعي و الحضانة، لا العنوان الكلّي حتى يكون الشك في إندراج المشكوك فيه في عنوان الخاص أو العام من باب الرجوع الى العام في الشبهة الموضوعية. و العنوان الإنتزاعي كعدم القابلية لا يُجدي، إذ ليس ذلك العنوان خارجاً عن العمومات حتى يوجب تعنون العام وعليه فالشك في كون الحق قابلاً للمعاوضة يكون من الشك في التخصيص ،الزائد، و من المعلوم مرجعية أصالة العموم فيه.

الثاني: ما أفاده المحقق الإصفهاني، ووافقه بعض الأجلة من تلامذته وبيانه: أن الشك في صحة معاملةٍ ينشأ تارةً من الشك في قابلية مورد المعاملة للمعاوضة عليه، كما إذا شك في قابلية جعل الغناء - المشكوك حرمته ثمناً في بيع أو عوضاً في صلح أو مورداً لإجارة. و أخرى من الشك في دخل سبب خاص في صحة المعاملة بعد إحراز قابلية العوضين لها، كما إذا شك في صحة البيع المعاطاتي بين مالين قابلين للتمليك و التملك، أو شك في دخل العربية

و الماضوية في صيغ العقود.

ص: 162

الشك في قابلية الحق للنقل

17......

و أدلة الإمضاء كالأمر بالوفاء بالعقود و نفوذ الصلح بين المسلمين و حلية البيع

و مشروعية الإجارة ناظرة الى نفوذ أسباب النقل و الإنتقال فيتمسك بإطلاق حلية البيع على مملكية المعاطاة على حد البيع بالصيغة، و أنه لا يعتنى بالشك في دخل سبب خاص في صحة

المبادلة بين المالين لمكان عموم دليل الإمضاء وإطلاقه.

و أما الشك من الناحية الأولى - و هي الشك في قابلية العوضين للمعاملة عليهما - فلابد

من رفعه بدليل آخر، لعدم إرتباط هذا الشك بسببية سبب خاص حتى يُجدي الإطلاق لنفيه. و عليه فالشك في جواز جعل أحد العوضين الغناء في كلام صحيح كالدعاء يكون المرجع فيه أدلة شرائط العوضين، و لو فرض عدم إستفادة شيء منها فالمرجع أصالة الفساد المحكمة في المعاملات، و لا تتكفل أدلة الإمضاء هذه الجهة حتى يتجه تصحيح المعاملة المذكورة بها.

و ببيان آخر أن أدلة المعاملات بما أنها صادرة عن الحكيم الملتفت الى إنقسام موضوع المعاملة إلى المورد القابل و غير القابل يستحيل إهمالها، فإما أن يتعلق الإمضاء بمسمى المعاملة سواء أكان المورد قابلاً لها أم لم يكن. وإما أن يتعلق بحصة خاصة منها و هي ما أحرز قابليته قبل الإمضاء. و لا مجال للإطلاق فيتعين التقييد، و يكون الرجوع الى العام أو الإطلاق

لاحراز حال المشكوك فيه - من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

و على هذا فلو شُك في جواز نقل حق الخيار إلى الغير بهبة أو بيع أو صلح لم يتجه تصحيحه بالرجوع الى أدلة تنفيذ المعاملات، بل المرجع فيه الأصل العملي و هو أصالة عدم قبوله للنقل، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إن أدلة المعاملات إمضائية، و ليست تأسيسية، و موضوعها هو العنوان العرفي لا الشرعي، فما أحله الشارع و أمر بالوفاء به هو البيع العرفي لا البيع الصحيح شرعاً، وكذا بالنسبة الى سائر العقود. و من المعلوم أن تمام المناط قابلية العوضين للمبادلة في

أ حاشية المكاسب للمحقق الاصفهاني ج 1، ص 12 و 13 ، رسالة الحق ، محاضرات في الفقه الجعفري .

ج 2 . ص 24

ص: 163

164

.... هدى الطالب / ج 1

نظرهم، فلو كان تبديل من من التراب بمثله سفهياً عندهم، أو لم يترتب على بيع الخنافس و الديدان غرض عقلائي يعتنى به بحيث يصح سلب عنوان المعاقدة و البيع عنه عرفاً لم يكن موضوعاً لذليل الإمضاء قطعاً. و أما إذا أحرزت قابلية العوضين بنظرهم للمبادلة و تمحض الشكُ في مشروعيتها في المنع التعبدي كانت أدلة المعاملات هي المرجع لإثبات صحتها، فلو كان بيع الجنسين بالتفاضل متداولاً عند العقلاء كتداول بيع الخمر والخنزير عندهم كان

ا

موضوع أدلة الإمضاء محققاً، وبطلان البيع موقوفاً على تقييدها أو تخصيصها شرعاً.

و لا يبعد جريان ديدنهم على الرجوع الى العمومات و الإطلاقات في رفع الشك في إعتبار شرط تعبداً أو مانع كذلك بعد إحراز الموضوع العرفي و لم يظهر وجه لتخصيص مرجعية الأدلة بالشك في تنفيذ الاسباب خاصة.

نعم في التمسك بقاعدة السلطنة في المقام إشكال، ينشأ من إحتمال كونها بصدد بيان

عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة، لا كونها مُشرعة للتصرف المشكوك في حكمه على ما سيأتي في المعاطاة إن شاء الله تعالى.

و أما قياس الحق القابل عرفاً للنقل إلى الغير بجعل الغناء مثلاً أحد العوضين - حيث لا تتكفل أدلة الإمضاء حليته وصحة جعله عوضاً - فالظاهر أنه مع الفارق، و ذلك لأن تلك الأدلة غير ناظرة الى بيان حكم الأفعال تكليفاً بعناوينها الأولية، لكونها واردة لبيان حكم الفعل بعنوانه الثانوي أي صحة وقوعه في العقد المعاوضي أحد العوضين، فلو كان الفعل مشكوك الحكم - بعنوان أنه غناء مثلاً - لم يكن وقوعه عوضاً في البيع أو معوضاً في الإجارة كاشفاً عن مشروعيته بعنوانه الأولى.

و هذا بخلاف المقام، إذ ليس المقصود من التمسك بدليل الإمضاء إحراز مشروعية أصل الحق حتى تكون الأدلة قاصرة عن إثباته، بل المراد إستكشاف صحة وقوعه عوضاً بعد

كون أصل الحق مشروعاً و قابلاً للنقل عرفاً.

فالمتحصل - بعد إندفاع كلتا جهتي الإشكال - أن كل حق شك في قبوله شرعاً للنقل

يرجع فيه الى عمومات المعاوضة، فعدم قبوله للنقل لابد أن يستفاد من دليله بأن يكون ظاهراً في تقومه بعنوان خاص أو شخص كذلك، كحق الولاية، ضرورة كون العنوان أو الشخص

ص: 164

دوران المجعول بين الحق و الحكم

موضوعاً للحق يدور ،مداره لا مورداً له حتى يجوز تفويضه الى غيره، هذا.

و أما جواز المعاوضة على الحقوق فسيأتي في المقام الخامس

المقام الرابع في ذكر بعض ما يتردد بين الحق و الحكم.

170...

إعلم أنهم ذكروا أموراً جعلوها من المصاديق المشتبهة بين الحق و الحكم منها: الأولوية بالسبق إلى المساجد والمدارس والقناطر و الرباطات و الطرق النافذة،

و نحو ذلك من الحقوق الراجعة إلى عموم الناس أو المتلبس بعنوان خاص منهم كالمصلين و الزائرين و العابرين و نحوهم فإنّه لم يظهر المراد من الأولوية، فهل يراد بها الحق بحيث يصير السابق إلى مكان من الأمكنة المذكورة ذا حقٌّ فيها، فتكون العبادة مع دفع السابق وإخراجه عنه ،باطلة، لكون المكان متعلقاً لحق الغير كحقي الرهانة و التحجير؟ أم يراد بها حرمة المزاحمة مع السابق تكليفاً، فدفع السابق وإن كان حراماً تكليفياً، لكنه لا يوجب الغصبية

حتى تبطل الصلاة، فتقديم السابق حينئذ في تزاحم الحقوق يكون من باب الحكم نظير تقديم الأهم في تزاحم الواجبات. فإطلاق الأحقية في النصوص على السابق الدالة على زيادة المبدأ - و هو الحق - في السابق إنما هو باعتبار اختصاص الإستيفاء فعلاً بالسابق ما دام شاغلاً للمكان

فالحق المشترك بينه و بين غيره من الموقوف عليهم الثابت بنفس الوقف يختص إستيفاؤه

بالسابق، و ليس لغيره إستيفاء ذلك الحق المشترك حتى يُعرض السابق عن المكان؟ ظاهر كلمات الأصحاب كون السبق سبباً لحدوث حقٌّ للسابق، حيث إنهم عبروا بكونه أحق من غيره. قال في الشرائع : و أما المسجد فمن سبق إلى مكان منه فهو أحق به مادام جالساء.

و قال في القواعد: «و أما المسجد فمن سبق الى مكان فهو أحق به، فإذا قام بطل حقه

و إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة أو نوى العود، إلا أن يكون رحله باقياً فيه ب.

و في اللمعة وشرحها: «فمنها المسجد، و في معناه المشهد، فمن سبق إلى مكان منه

أ: شرائع الاسلام ، ج 3، ص 277 ب قواعد الأحكام ، ص 87

ص: 165

. هدى الطالب / ج 1

177 66

فهو أولى به مادام باقياً فيها.

و في الجواهر: «و أما المسجد فلا إشكال و لا خلاف في أن من سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالساً فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة عليه بل في المسالك و غيرها سواء أكان جلوسه لصلاة أم لمطلق العبادة أم لتدريس العلم و الإفتاء ونحو ذلك ... الى أن قال: وعلى كل حال فلو قام مفارقاً رافعاً يده عنه بطل حقه، بلا خلاف و لا إشكال حتى لو عاد و قد شغله غيره. و إن قام ناوياً للعود إليه، فإن كان رحله باقياً فيه فهو أحق به، وإلا كان مع غیره سواء كما صرح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم. بل في جامع المقاصد: أنه المشهور. بل في محكي المبسوط نفي الخلاف فيه، قال: فمن سبق الى مكان في المسجد كان أحقُّ به، فان قام و ترك رحله فيه فحقه باقٍ، وإن حول رحله منه إنقطع حقه منه، و لا خلاف فيه، و فيه نص لنا عن الأئمة الالا لا ب.

و ظهور هذه العبارات و غيرها مما لم نذكرها في حدوث حقٌّ للسابق مما لا يمكن إنكاره و مستندهم في ذلك - بعد الإجماع الذي إدعاه في مفتاح الكرامة بعد قول العلامة فهو أحق به مادام فيه إجماعاً محصلاً بل كاد يكون ضرورياً هج وكذا غيره من الاصحاب -

:روایات

إحداها خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله الله ، قال : قال أمير المؤمنين الا : سوق

الله

المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ، و كان لا يأخذ على بيوت

السوق كراء».

ثانيها: مرسلة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي عبدالله ال ، قال: «قلت له: نكون بمكة أو بالمدينة أو بالحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضأ

أ الروضة البهية ، ج 7، ص 170

ب جواهر الکلام، ج 38، ص 88 و 89

:ج مفتاح الكرامة ، ج 7، ص 36

د وسائل الشيعة ، ج 3، ص 542 ، الباب 56 من أبواب أحكام المساجد ، الحديث : 2

ص: 166

167 ..

+

·

حقُّ السبق في المشتركات

فيجيء آخر فيصير مكانه، فقال ال : من سبق الى مكان [موضع ] فهو أحق به يومه و ليلته . و التعبير بالإرسال من جهة سقوط الواسطة بين محمد و بين الإمام الله لعدم كون إبن بزيع من أصحاب الإمام الصادق علل و رواه في البحار عن أمالي الشيخ عن ابن بزيع عن بعض أصحابه يرفعه الى الإمام أبي عبد الله الا الله و عليه فلا تبقى شبهة في الإرسال و حذف

الواسطة.

:ثالثتها مرسلة إبن أبي عمير عن أبي عبد الله الله قال: «سوق المسلمين [ القوم ]

کمسجدهم، يعني، إذا سبق الى السوق كان له مثل المسجدب.

رابعتها النبوي من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحق به مج. أما سندها فغير نقي، لأن في سند الأولى «طلحة بن زيد» و هو عامي، و لم أعثر الى الآن على توثيقه. و ما في الفهرست من أن طلحة بن زيد عامي المذهب، إلا أن كتابه معتمد ليس توثيقاً لطلحة، بل تصحيحاً لكتابه، و هو لا يدل على توثيق طلحة، لعدم الملازمة بينهما، إذ من الممكن أنّ الشيخ صحح كتابه لكون مافيه مروياً في الكتب المعتبرة، لا لأجل كون صاحب الكتاب موثقاً عنده حتى يكون قول الشيخ: «ان كتابه معتمد شهادة بوثاقته، بل يكون قوله هذا تصحيحاً لكتابه، فيندرج في البحث المعروف بينهم و هو: أن تصحيح الغير هل يجوز الإعتماد عليه؟ و يُغني الآخرين عن نقد السند أم لا؟

هذا مضافاً إلى أنه - بعد تسليم صحة الإعتماد على تصحيح الغير - إنما يجدي ذلك فيما إذا أحرز أنّ الرواي نَقَل عن كتاب طلحة لا عن نفسه، و هو مما لا سبيل الى إحرازه، فالرواية مشكوكة الاعتبار، و من المعلوم أن الأصل يقتضي عدم حجيتها، هذا. و يظهر مما ذكرناه ضعف ما أفاده بعض المعاصرين من قوله: «و يكفيه في إعتبار خبره

أ وسائل الشيعة . ج 3، ص 542 ، الباب 56 من أبواب أحكام المسجد.

وسائل الشيعة، ج 12، ص 300 ، الباب 17 من أبواب آداب التجارة ، الحديث : 2 ج مستدرك الوسائل، ج 17، ص 112 الباب 1 من أبواب إحياء الموات . الحديث : 4

د:

د الفهرست، ص 112 . رقم 374

ص: 167

168

هدى الطالب / ج 1

- مضافاً الى تصريح شيخ الطائفة بكون كتابه معتمداً - رواية إبن الوليد الذي لم يرو بعض كتب الصفار و سعد، لعدم معلومية صحة مضمون ذلك البعض، وإستثنى كثيراً من أخبار كتاب

محمد بن أحمد بن يحين لكتابه

i

وجه الضعف أن رواية إبن الوليد لكتاب طلحة لاتدلّ على أزيد من إعتقاد إبن الوليد

بصحة مضامين الكتاب و مطابقتها للواقع أو للزوايات المعتبرة، و لاتدل على وثاقة مؤلفه،

و تكون الشهادة بصحة الكتاب من قبيل تصحيح شخص لرواية في كون حجية تصحيحه

لغيره مورداً للبحث و النظر والإشكال. وعليه فالشهادة بصحة الكتاب ليست إلا شهادة باعتبار

الكتاب، و لا تكون شهادة بوثاقة مؤلفه. و قد عرفت عدم طريق لإحراز كون الرواية المزبورة

مروية عن كتابه حتى نلتزم باعتبارها بعد البناء على إعتبار الكتاب المزبور بشهادة الشيخ

و رواية ابن الوليد له.

و أما كونه من رجال كامل الزيارة و تفسير علي بن إبراهيم فلا يكفي للتوثيق كما قرر

في محله.

و بالجملة: فلم يثبت إعتبار الخبر المزبور بسبب ضعف طلحة، فالإعتماد عليه في غاية

الإشكال. هذا ما في سند خبر طلحة من الضعف.

و أما مرسلتا إبن أبي عمير و محمد بن إسماعيل بن يزيع فالإشكال في إعتبارهما ظاهر لأنهما مرسلتان، و لا عبرة بالمراسيل ما لم تنجبر بعمل المشهور بناء على ما هو الأقوى من

جبر عمل المشهور لضعف الرواية، كمو هنية إعراضهم عنها لاعتبارها. وكذا الحال في النبوي. و دعوى إنجبارها بعمل المشهور الذين بنوا على ثبوت حق السبق للسابق في المسجد خالية عن البينة، إذ يعتبر في جبر الشهرة لضعف الرواية إحراز إستناد المشهور في فتواهم إلى الرواية الضعيفة حتى يدلّ إستنادهم إليها على إعتبارها لديهم، وإلا فمجرد موافقة

فتواهم لرواية ضعيفة لا تكشف عن حجيتها عندهم كما هو واضح.

أ قاموس الرجال ، ج 5 ، ص 568

ص: 168

حقُّ السبق في المشتركات

و بالجملة فلا سبيل إلى إثبات حجية الروايات المزبورة.

179....

إلا أن يدعى أن سياق عباراتهم يدل على إستنادهم إلى هذه الروايات، لتعبير هم بما عُبر به فيها. و ان كان هذا مخدوشاً أيضاً، لإمكان كون مستندهم رواية معتبرة سنداً مع كون متنها مثل متن المرسلتين، فاقتبس الأصحاب من تلك الرواية لا من هاتين الروايتين، فلا يحصل

الوثوق باستنادهم إليهما.

كما لا وجه لحجية الإجماع المدعى في المقام بعد إحتمال مدركيته، إذ من المحتمل

إستناد المجمعين الى الروايات المزبورة، فلا يصح الإستناد إلى شيء من الروايات والإجماع.

نعم يمكن الإستناد إلى السيرة العقلائية الحاكمة باختصاص من سَبَق الى ما يشترك فيه غيره - كالمباحات الأصلية و نحوها - بذلك المشترك، بحيث يرى العقلاء نحو إختصاص للسابق بذلك الشيء، بل هذا مركوز في الحيوانات أيضاً، و الشارع لم يردع عن هذه السيرة،

فهي حجة.

كما يمكن أن يكون مستندهم مرسلة ابن أبي عمير، و لا يقدح إرسالها لما يظهر من الأصحاب من تسالمهم على العمل بمراسيله، لقول النجاشي: «أصحابنا يسكنون إلى مراسيله . و لقول الشيخ في حقه و حق آخرين من أصحاب الإجماع في بحث تعارض الرواية المسندة مع المرسلة : هو إذا كان أحد الراويين مُسنداً و الآخر مُرسِلاً نظر في حال المرسل، فان كان ممن يعلم أنه لا يُرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجیح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى و أحمد بن محمد ابن أبي نصر و غيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنهم لا يروون ولا يُرسلون إلا عمن يوثق به و بین ما أسنده ،غيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم إذا إنفرد عن رواية غيرهم .

و كذا عد الكشي جمعاً من أصحاب أبي إبراهيم و أبي الحسن الرضا الا ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم والانقياد لهم و الإقرار لهم بالفقه، و منهم إبن أبي

:أ رجال النجاشي ، ص 229

ب عدة الاصول ، ج 1، ص 386 و 387

ص: 169

170

عميراً.

. هدى الطالب / ج 1

و عليه تتصف مرسلة إبن أبي عمير بالإعتبار بعد شهادة أعلام الرجال بالتسوية بين

المسندات و المرسلات

لكن في أصل تحقق هذا الإجماع التعبدي تأملاً بل منعاً قد تعرّضنا له في شرح الكفاية

فيما يتعلق بسند مقبولة عمر بن حنظلة، فراجع ..

فتلخض: أن مراسيل أصحاب الإجماع كمراسيل غيرهم مالم تنجبر بعمل المشهور

لا تكون حجة بحيث تُخصص عموم أدلة حرمة العمل بالظن، فمر سلة ابن أبي عمير الدالة على

حق السبق لا تصلح للاستناد إليها. هذا كله في السند.

و أما دلالتها فعن المشهور - بناء على استنادهم إليها كما لعل كلماتهم مقتبسة منها - دلالتها على ثبوت حقٌّ للسابق، و اللازم حينئذ ترتيب آثار الحق عليه من جواز إسقاطه ونقله مجاناً و مع العوض و انتقاله قهراً الى الوارث، و من بطلان العمل العبادي الصادر من المزاحم المخرج للسابق عن المكان، لكونه غصباً كما في إعتكاف العروة، حيث قال: «إذا غصب مكاناً من المسجد سَبقَ إليه غيره، بأن أزاله وجَلَسَ فيه فالأقوى بطلان إعتكافه ج. إلا إذا نهض دليل

على منع بعض هذه الآثار. و لم أعثر إلى الآن على قائل بهذا التعميم. كما أن لازم الحقية هو صيرورة السابق ذا حقين أحدهما بالوقف، والآخر بالسبق،

و هذا بعيد.

فالمحتمل قوياً: أن المراد بالأحقية هو حرمة المزاحمة مع السابق و إزعاجه و دفعه عن المكان مادام باقياً فيه وشاغلاً له ، فالسبق لا يوجب الاحرمة المزاحمة كحرمة مزاحمة غير الولي للولي في تجهيز الميت بناءً على كون المراد بالولاية هناك - على ما عن جماعة من القدماء - حرمة المزاحمة معه، فإن تصدّى الولي للتجهيز مباشرة أو تسبيباً فليس لأحد مزاحمته،

أ: رجال الكشي ، ص 466 ، طبع النجف الأشرف.

،

ب منتهى الدراية . ج 8 ص 150 الى 164

ج العروة الوثقى . ج 2 ص 256 ، كتاب الاعتكاف ، المسألة : 32

ص: 170

حق السبق في المشتركات

و إن لم يتصدّ لذلك جاز لغيره - بل وجب عليه كفاية - القيام به.

WWW.....

الأهم

و بالجملة: فالسبق في الحقوق كالأهمية في تزاحم الواجبات فكما أن تقديم ا هناك ليس من باب الحق في شيء، فكذلك السبق في باب الحقوق، فإنه لا يوجب حقاً للسابق حتى يصير المكان متعلقاً لحقه، ويندرج دفع الغير له عن ذلك المكان و إشغاله له - في الغصب، وتكون صلاة المزاحم الدافع للسابق من صغريات مسألة الإجتماع، لصيرورة المكان حينئذ مغصوباً، إذ لا فرق فى المغصوب بين كون الرقبة مال الغير و بين كونها متعلقة لحق الغير كحقي الرهانة و التحجير، فيكون هنا أمر متعلق بطبيعي الصلاة، و نهي متعلق بطبيعي الغصب، و تكون الصلاة مندرجةً تحت هذين العنوانين، فبناءً على الإجتماع - بمعنى صغروية المورد لكبرى التزاحم لتعدد المتعلق وكون التركيب إنضمامياً - تصح الصلاة في وجه. و بناءً على الإمتناع - لوحدة المتعلق، لكون التركيب إتحادياً - لا تصح الصلاة، لكون مسألة الإجتماع

حينئذ من صغريات النهي في العبادة.

فالمتحصل: أن المراد بالأحقية في الروايات - بعد البناء على اعتبارها - يحتمل أن يكون إختصاص السابق في إستيفاء الحق المشترك بين السابق و بين سائر أفراد الموقوف عليهم الثابت لهم بالوقف فالسبق يوجب هذا الإختصاص.

كما يحتمل أن يراد به الحق المصطلح بأن يكون السبق موجباً لتعين مصداق كلي الموقوف عليه في السابق مادام شاغلاً للمكان أو غير مُعرِض عنه، كتعين مصداق كلّي المالك في الخمس و الزكاة و غيرهما من الجهات العامة بالقبض، فإنّ الكلي لا يتعين إلا به، و قد عرفت بعد هذا الإحتمال و عدم الإلتزام بكثير من آثار الحق من الإنتقال و النقل. و إذا شك في كون السبق موجباً للحق و دار أمر تقديم السابق على غيره بين الحكم والحق فالأثر المشترك - و هو سقوطه بالاعراض - يترتب عليه قطعاً. و أما جواز النقل الإختياري مع العوض و بدونه فلا يترتب عليه، للشك في القابلية العرفية، إذ لو كان حكماً لم يقبل النقل أصلاً كما هو ظاهر ، فلا وجه للتمسك بأدلة العقود الجائزة لإثبات جوازه. و كذا

الحال في الإنتقال القهري، فلا يترتب عليه، لكونه من الآثار المختصة بالحق.

ص: 171

172

.. هدى الطالب / ج 1

و أما أخذ المال بازاء الإعراض عن المكان فالظاهر أنه لا بأس به، لأن رفع موضوع الحرمة - و هو المزاحمة - يكون تحت سلطنة السابق، لكونه عملاً من أعماله كسائر أعمال

الحُرّ.

و أما صلاة المزاحم الدافع للسابق فلا تبعد صحتها للبراءة عن الشك في مانعية المزاحمة، إذ لو كان السبق موجباً للحق كانت الصلاة باطلة، وإلا فهي صحيحة. و لما كان منشأ الشك في الصحة الشكٍّ في مانعية التزاحم جرى الأصل في المانعية. نعم بناءً على اقتضاء الأمر بشيءٍ للنهي عن ضده يُحكم بفساد الصلاة، للعلم ببطلانها،

إما لكون السبق موجباً للحق، وإما لكون الأمر مقتضياً للنهي عن ضده، فتدبر.

ثم إنه بناء على ما تقدم من الإشكال في سند الروايات كالإشكال في حجية الإجماع لاحتمال مدركيته لا يبقى مستند لحق السبق. إلا أن يتمسك بالسيرة العقلائية القاضية بتقديم

السابق في المشتركات، بل تقديم السابق من مرتكزات الحيوانات أيضاً، حيث إن ما تقدم من السباع إلى إفتراس حيوان ليأكله لا يزاحمه غيره من السباع في أكله، فعدم مزاحمة السابق من الأمور الارتكازية الجارية عليها السيرة العقلائية التي لم يردع عنها الشريعة المقدسة

الإسلامية، بل الإجماع والروايات المتقدمة - على تقدير تماميتها دليل على إمضاء تلك

السيرة.

لكن المتيقن منها هو إختصاص السابق، بمعنى عدم جواز مزاحمة أحدٍ له فيما سبق إليه. و أما الإختصاص بمعنى الحق فليس مما تقتضيه السيرة، بل لابد حينئذ من معاملة الحكم

مع ما جرت عليه السيرة دون معاملة الحق معه فلا يبطل العمل الصادر من المزاحم، كما

لا ينتقل قهراً بموت و نحوه إلى غير السابق. و كذا لا يقبل النقل.

نعم لا بأس بأخذ مال لتخلية المكان وتفريغه، لأن التفريغ عمل يبذل بازائه المال،

و بعد التخلية يُشغله باذل الفلوس فيصير هو السابق، والله العالم.

و من المصاديق المشتبهة بين الحق و الحكم جواز الرجوع في المطلقة الرجعية على

ما قيل، و إن كان الظاهر كونه من الأحكام، والتفصيل في محله.

ص: 172

جواز المعاوضة على الحقوق

173 ..

و من المصاديق المشتبهة - على ما قيل أيضاً - جواز الرجوع في العقود الجائزة، فان كان

حكماً لم يسقط بالإسقاط، وإلا يسقط به لكن الحق أن الجواز فيها حكم، فلا تصير العقود

الجائزة لازمة بإسقاطه، فلاحظ

ومنها غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.

المقام الخامس: في حكم المعاوضة على الحقوق القابلة للنقل و الإسقاط.

أما ما لا يقبل الإسقاط - بناءً على كونه حقاً - فلا كلام في عدم جواز أخذ العوض بازائه، و أما القابل للنقل و الإسقاط فقد تقدم في أول بحث الحقوق خلاف الأعلام فيه، فمنهم من منَعَ من وقوع الحق عوضاً في البيع مطلقاً، كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء، و اختاره المحقق النائيني يا أيضاً. و منهم من جوّز ذلك مطلقاً كصاحب الجواهر ل . و منهم من فصل بين ما يقبل الإنتقال و بين ما بين لا يقبله ويقبل الإسقاط خاصة، كالمصنف لله و إن مال في آخر كلامه الى المنع مطلقاً.

أحدهما:

و التحقيق جواز جعل الحقوق عوضاً عن المبيع مطلقاً أي جعل إسقاط ما يقبل

الإسقاط ثمناً، وانتقاله الى باذل المبيع فيما يقبل الإنتقال الى الغير، و ذلك بعد تمامية أمرين: عدم إختصاص «المال» بالأعيان المتمولة، و صدقه على منافع الأعيان الصامتة و عمل الحر و لو بعد المعاوضة عليه وجواز أخذ العوض في الصلح على إسقاط بعض الحقوق كاشف عن ماليته عرفاً، و عدم إختصاص المال بالأعيان. و يتعين حمل كلام إبن الأثير في تفسير المال على الغالب، وإلّا أشكل الأمر في بذل المال بازاء المنافع في الإجارة و الصلح.

و لو فرض تعذر توجيه كلام اللغوي بالحمل على الغالب لم يقدح في إنصاف الحقوق بالمالية لأعمية المال عرفاً من العين و المعنى والحق، إذ المال عندهم كل ما يرغب فيه العقلاء و يتنافسون عليه، ولاشك في أعمية المعنى العرفي حتى تجري فيه أصالة عدم النقل عن معناه

اللغوي

ص: 173

. 174

. هدى الطالب / ج 1

:ثانيهما كفاية صدق المعاوضة على البيع ولو لم يكن فيها نقل و تمليك من الطرفين،

و لا إنتفاع أحد المتبايعين بمال صاحبه، فالعبرة فيه بتحقق عنوان المعاوضة و المبادلة بحيث لا يخلو البيع عن الثمن والعوض، ويكون بذل المال مورد غرض العقلاء. والقيود المأخوذة

في تعريف البيع بالمبادلة بين المالين - المستفادة من كلام المصباح - غير دخيلة في حقيقته العرفية، سوى كون المبيع عيناً، و أما عينية الثمن، أو تحقق المبادلة في خصوص إضافة الملكية، أو إختصاص المال بالأعيان فلا دليل على شيءٍ منها لو لم ينهض على خلافها، ففي بيع سهم سبيل الله من الزكاة لا ينتفع البائع بالعوض لفرض صرفه في جهات القُرب و سُبُل الخير كالمساجد والمشاهد و القناطر و إنكار صدق البيع على هذه المعاوضة لا يخلو من

مكابرة، وكذا بيع الوقف بمثله عند اقتضاء المصلحة و بيع الحاكم مقداراً من زكاة الحنطة

بشيء من زكاة النقدين.

و بناءً على تمامية هذين الأمرين و تسلُّمهما يظهر أن الأصل الأولي في الحقوق القابلة للإسقاط و النقل جواز المعاوضة عليها، فهي وإن لم يصح جعلها مبيعاً لعدم كونها من الأعيان، لكنها كالمنافع و عمل الحَرُ يصح جعلها ثمناً في البيع، كصحة أخذ العوض بإزاء نقلها وإسقاطها في باب الصلح، و ذلك لصدق المال عرفاً عليها، وكفاية مالية الإسقاط و النقل في صحة المعاوضة، وإمضائها بأدلة المعاملات.

إلا أن يستشكل في مالية الحقوق بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني من حيث قال: «و الأقوى عدم قابلية الحق لوقوعه ثمناً في البيع، كعدم قابلية وقوعه مثمناً، سواء جعل نفس الإسقاط و السقوط ثمناً أو جعل نفس الحق. أما الأول فلأن الثمن لابد من دخوله في ملك البائع و الإسقاط بما أنه فعل من الأفعال و السقوط بما أنه اسم المصدر ليس كالخياطة و سائر أفعال الحر والعبد ممّا يملكه البائع، ويكون طرفاً لإضافة ملكية البائع، و يقوم مقام المبيع في الملكية، فإنّ هذا المعنى معنى حر في غير قابل لأن يتموّل إلا باعتبار نفس الحق. و سيجيء مافيه. و بالجملة: نفس الإسقاط بما أنه فعل، وأثره بما أنه إسم المصدر لا يقبل الدخول في

ملك الغير بحيث يتحقق بالنسبة إليه الخروج عن ملك المشتري الى ملك البائع، ويكون البائع

ص: 174

جواز المعاوضة على الحقوق

مالكاً لهذا العمل.

و لا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم، لأن في باب الشرط يملك المشروط له على المشروط عليه إسقاط الحق أو سقوطه. و لا ملازمة بين قابليته للدخول تحت الشرط و بين قابلية وقوعه ثمناً، لأن إسقاط الحق يصير بالشرط مملوكاً للغير على صاحب الحق، ولكنه لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكاً، و يحل محل المبيع في الملكية.

الملك سنخاً

و أما الثاني - و هو جعل نفس الحق ثمناً بعد فرض كونه قابلاً للنقل إلى الغير كحق التحجير - فلما عرفت من أنه في باب البيع يعتبر أن يكون كل من الثمن والمثمن داخلاً في ملك مالك الآخر، ولا شبهة في أن الحق لا يكون قابلاً لذلك، فإنه مباين مع و إن كان من أنحاء السلطنة بالمعنى الأعم. و من المراتب الضعيفة للملك. و لكن كونه كذلك غير كافٍ لوقوعه عوضاً، لأنه لابد من حلول الثمن محل المثمن في الملكية، فلابد أن يكون كل منهما من سنخ الآخرة.

لكنه لا يخلو من غموض، لأن دخول كل واحد من العوضين في ملك الآخر غير معتبر في مفهوم البيع عرفاً، بل المعتبر فيه هو صدق المبادلة و المعاوضة، و من المسلّم صدقها على ما إذا جعل الثمن حقاً على وجه النقل أو الإسقاط و عدم صدق «البيع بلا ثمن على هذا البيع ليكون أكل المبيع أكلاً للمال بالباطل، هذا.

و غير خفي على المتأمل مواقع النظر في كلامه ت :

منها قوله: «و الإسقاط بما أنه فعل من الأفعال و السقوط بما أنه إسم المصدر ليس كالخياطة... إذ فيه أنه لا مانع من صيرورة الإسقاط بما أنه فعل مبذول بإزائه المال عند العقلاء كسائر أعمال الحر مملوكاً، فالبائع يصير مالكاً للإسقاط بسبب البيع كما يصير المشروط له مالكاً له بالشرط، لوجود مناط مملوكية الفعل و هو كونه مرغوباً فيه عند العرف بحيث يبذلون المال ،بازائه فللبائع إجبار المشتري على الإسقاط كما له الإجبار على الخياطة والكتابة

أمنية الطالب ، ج 1 ، ص 43 و 44

ص: 175

176

ونحوهما.

. هدى الطالب / ج 1

نعم جعل العوض في البيع السقوط - لا الإسقاط - لا يخلو من إشكال، لعدم معلومية تعلق الملكية بالنتائج كما قرر ذلك في شرط النتيجة و حديث عدم تمول المعنى الحرفي أجنبي عن الإسقاط بما هو فعل و معنى إسمي، فتدبر.

و منها: قوله: «و لا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم... إذ فيه: أن الإسقاط إن كان في نفسه قابلاً لأن يكون طرفاً لإضافة الملكية فصيرورته مملوكاً بالبيع أولى من مملوكيته بالشرط في ضمن عقد لازم، لأنّ تأثير نفس العقد في ملكية أحد ركنيه - و هو الثمن - أولى من تأثير الشرط الواقع في ضمنه - الذي هو كالجزء من العقد - في

الملكية.

و إن لم يكن في نفسه قابلاً للملكية - كما هو مقتضى قوله: فان هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتمول - لم يعقل أن يؤثر الشرط في ملكيته، و لا يؤثر نفس العقد اللازم في ملكيته كما هو واضح، بل لابد من عدم تأثير شيء من العقد و الشرط في ملكيته.

و على هذا فبين قوله: «و لا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم و قوله: «فان هذا المعنى معنى حرفي تهافت واضح، لأن مقتضى هذه العبارة إمتناع صيرورة الإسقاط طرفاً لإضافة الملكية، و مقتضى قوله : و لا يقاس» إمكانها، فتدبر.

و منها قوله: «و لا ملازمة بين قابلية الدخول تحت الشرط الى قوله: «و لكن لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكاً و يحل محل المبيع في الملكية» إذ فيه: أن الملازمة ضرورية، لأن نفس العقد اللازم أقوى بمراتب في التأثير في الملكية من الشرط الواقع في ضمنه كما عرفت آنفاً، فقوله: «و لكن لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكاً، في غاية الغرابة، إذ لا يدعيه أحد، وإنما المدعى الملكية بسبب البيع.

ومنها: قوله: «و لا شبهة أن الحق لا يكون قابلاً لذلك، إذ فيه: أن الشبهة إن كانت من جهة

صدق المال على الحق فقد عرفت دفعها. وإن كانت من جهة إعتبار التمليك، بتقريب: أن الحق لا يملك، لمباينته للملك، فقد عرفت عدم إعتبار المبادلة في إضافة الملكية خاصة في مفهوم

ص: 176

جواز المعاوضة على الحقوق

البيع عرفاً.

1770

ومنها: قوله: «فانه مباين مع الملك سنخاً، إذ فيه: منافاته لقوله: «و من المراتب الضعيفة للملك، وقد تقدمت الإشارة الى تهافت كلماته لي في تفسير الحق و بيان ماهيته في المقام الأول، عند التعرض للأقوال، فراجع. و قد تحصل: أنّ الأقوى وفاقاً لجماعة منهم صاحب الجواهر وسيدنا الأستاداً

و غيرهما من أعلام المحسين على صحة جعل الحقوق القابلة للإسقاط و النقل و الإنتقال

عوض المبيع لأعمية المال عرفاً من العين و المنفعة و العمل و الحق، كما لا يعتبر في صدق المعاوضة المبادلة في خصوص الملكية، والله العالم. هذا تمام الكلام في هذا

المقام.

و لنختم الكلام في بحث الحقوق بالإشارة الى مامر من الأبحاث في ضمن أمور: الأول: أن الحق إعتبار وضعي مجعول تأسيساً أو إمضاء كالحكم التكليفي، ولكنه يفترق عنه بأن زمام الحق بيد من ثبت له بخلاف الحكم الذي لا خيرة للمحكوم عليه في رفعه وإبقائه. و الأحسن في تعريفه إما جعله نحو إختصاص أو أولوية، فتكون السلطنة من أحكامه و آثاره، و يختص بطائفة مما عُدّ من الحقوق. و إمّا جعله مشتركاً لفظياً بين أنحاء الإعتبارات. و حينئذ لا مانع من إطلاق الحق على ما لا سلطنة لذي الحق على إسقاطه.

الثاني: أن الحق ينقسم الى ما يقبل كُلاً من الإسقاط والنقل الإختياري و الإنتقال القهري، مع العوض و بدونه كحق التحجير، وإلى ما لا يقبل شيئاً غير الإسقاط كحق الغيبة، و إلى ما يقبل الإسقاط و النقل بلا عوض - عند بعض - كحق القسم، و إلى غير ذلك كما تقدم. الثالث: أن المرجع في الشك في كل من الأقسام إطلاق دليل نفس الحق إن كان، و إلا

فالعموم الفوق، وإلا فاستصحاب بقاء المجعول بناءً على حجيته في الشبهات الحكمية. الرابع: أن المرجع في الشك في قبول الحق للنقل شرعاً - بعد إحراز قبوله له عرفاً - هو

.i

جواهر الکلام، ج 22 ، ص 209 نهج ا الفقاهة . .

ص

10

ص: 177

. هدى الطالب / ج 1

إطلاق أدلة إمضاء المعاملات لرجوع الشك الى التقييد بخصوصية ما، و ليس من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية حتى يرجع فيها إلى أصالة الفساد المحكمة في العقود والايقاعات. الخامس: أن متعلق الحق كالحكم فعل المكلّف، فيقال: «اللمغبون حل العقد، كما يقال يباح شرب الماء و لو تعلق بعين كما في حق التحجير و الإختصاص و الرهانة كان متعلقه لباً فعلاً، فالمحجر أولى من غيره في عمارة الأرض، و صاحب الخمر أولى من غيره بتخليله، و المرتهن له إستيفاء دينه من الرهن و هكذا سائر الحقوق و هذا مما يفترق به الحق عن الملك، حيث إنه أعم مورداً ، فقد يتعلق بالعين الشخصية و الذمية، و بالفعل كالخياطة، و بمنافع الأعيان كالسكني، أي كون الدار مسكونة، و هكذا.

ص: 178

[تعريف البيع في كلمات الفقهاء]

اشارة

ثم الظاهر (1) أن لفظ البيع ليس له

______________________________

تعريف البيع في كلمات الفقهاء

(1) قد تقدم تعريف البيع عن المصباح المنير ب «مبادلة مال بمال» و كان ظاهر المصنف ارتضاءه و عدم التصرف فيه سوى اعتبار كون المعوّض عينا، و تردّد قدّس سرّه في صدق «المال»- في طرف العوض- على عمل الحرّ و الحقوق. و على هذا فالبيع العرفي هو «مبادلة عين بمال» و هذا المعنى هو موضوع أدلة الإمضاء، كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1»، فالبيع الممضى شرعا هو مبادلة عين بمال، لا غير.

لكن قد ينافي هذا تعريف البيع في كلمات الفقهاء بما يغاير تعريف المصباح، فعرّفوه تارة بالنقل، و أخرى بالانتقال، و ثالثة بالإيجاب و القبول، و رابعة بالتمليك الإنشائي، مع اختلافهم في القيود المأخوذة فيه. و لمّا كان كلّ منهم بصدد تعريف حقيقة البيع كان اختلافهم فيه كاشفا عن اختلاف حقيقته، و من المعلوم أن ذلك يقتضي إجمال مفهوم «البيع» و هو مانع عن التمسك بالآية الشريفة و نحوها من الأدلة الإمضائية، إذ لم يعلم أن موضوع الحلية هل هو النقل الذي يكون فعل البائع، أم العقد الذي يكون فعل البائع و المشتري معا، أم الانتقال الذي هو أثر البيع، أم غير ذلك؟ و مع إجمال الموضوع لا وجه للتمسّك بالدليل كما هو واضح. و كيف يوجّه استقرار سيرتهم قديما و حديثا على التشبث بالآية الشريفة لإثبات مشروعية البيع و صحته و نفوذه؟

و الظاهر أن مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «ثم الظاهر» دفع هذه الشبهة و تصحيح الرجوع الى الآية و نحوها من أدلّة الإمضاء، و محصله: أنّ اختلاف الفقهاء في تعريف البيع ليس لأجل تعدد معانيه العرفية حتى يشكل الأمر من جهة إجمال الموضوع و ينسدّ باب التمسك بالأدلة، بل لأجل أنّ كل واحد من التعاريف ناظر إلى جهة من جهات المعنى العرفي المركوز في الأذهان، الذي هو موضوع أدلّة الإمضاء.

و عليه فجميع التعاريف تشير الى معنى واحد، و هو المعنى العرفي الذي فسّره المصباح

______________________________

(1): البقرة، الآية: 274

ص: 179

حقيقة شرعية (1) و لا متشرّعيّة (2) [1]، بل هو باق على معناه العرفي

______________________________

بالمبادلة بين مالين، و لم ينقل لفظ «البيع» منه الى معنى آخر شرعا، لا بالوضع التعييني و لا التعيّني.

و الشاهد على أنّ الفقهاء بصدد الإشارة الى ما هو المتفاهم عرفا من لفظ «البيع» هو إنكارهم الحقيقة الشرعية، و اعترافهم ببقاء اللفظ على معناه العرفي، الذي كشف كلّ تعريف له عن حيثية من حيثياته، فمن عرّفه بالعقد لاحظ كونه سببا للمبادلة الاعتبارية بين المالين، و من عرّفه بالنقل لاحظ تعنون الإنشاء بالنقل عند استجماعه لشرائط التأثير. و من عرّفه بالانتقال لاحظ الأثر الحاصل في المالين، و تبدّل إضافة كل منهما الى صاحبه بإضافة أخرى، و هكذا.

و عليه لا يلزم إجمال المفهوم حتى ينسدّ باب الرجوع الى الأدلة الإمضائية.

(1) يعني: أنّ الشارع- الذي جعل البيع موضوعا لأحكامه- لم يتصرّف في مفهوم لفظه عرفا، كما لم يتصرف في سائر الألفاظ المأخوذة في الخطابات كالماء و الصعيد و التراب و نحوها.

(2) يعني: لم ينقل «البيع» عن مفهومه العرفي- في لسان الأئمّة المعصومين «عليهم الصلاة و السلام» و الفقهاء العظام- إلى معنى آخر.

______________________________

[1] لا تبعد دعوى الحقيقة المتشرعية، إذ المنسوب الى المشهور- كما قيل، و الشائع المعروف بين الفقهاء كما في المقابس «1»، بل عن العلامة دعوى الإجماع عليه، و في المختلف «2»: أنه المتبادر- هو كون البيع العقد المركب من الإيجاب و القبول، إذ التبادر علامة الحقيقة.

الا أن يقال: ان مقصود الفقهاء لمّا كان تعريف البيع المؤثر شرعا، فلذا عرّفوه بالعقد، مع إرادتهم البيع العرفي.

______________________________

(1): مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 2

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 51

ص: 180

كما سنوضّحه (1) إن شاء اللّه، إلّا (2) أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه.

[تعريفه بالانتقال]

ففي المبسوط و التذكرة و غيرهما (3): «انتقال عين (4) من شخص إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي» «1». و حيث إنّ في هذا التعريف مسامحة واضحة (5)

______________________________

(1) أي: في خلال كلامه المتعلق بتعريفات القوم، خصوصا ما يتعلق بكلام الشهيدين، فانتظر.

(2) هذا كالاستدراك على قوله: «باق على معناه العرفي» حيث إنّ مقتضى نفي الحقيقة الشرعية و بقاء «البيع» على مفهومه العرفي هو عدم اختلاف الفقهاء في تعريفه، و اقتصارهم على ما يتفاهم منه عند العرف العام، لكنّهم اختلفوا في تحديده على عناوين شتّى، و ربّما أوجب ذلك إجمال المفهوم. إلّا أنّ مقصودهم بيان المعنى العرفي، و الإشارة الإجمالية إليه، و ليس اختلافهم في حقيقة البيع و ماهيّته.

(3) كالسرائر و التحرير و القواعد و النهاية «2» و قد نقلنا بعض كلماتهم للاستشهاد بها على اعتبار كون المبيع عينا، فراجع ص 34.

(4) الموجود في الكتب المذكورة «انتقال عين مملوكة» و الأمر سهل.

(5) الوجه في وضوح المسامحة- كما عن مصابيح العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه- وجوه ثلاثة:

«أحدها: أن البيع فعل، فلا يكون انتقالا، لأنّه انفعال. ثانيها: أن الانتقال أثر البيع و غايته المسببة عنه، لا نفسه. ثالثها: أن تعريفه بالانتقال لا يوافق تصاريف البيع، إذ لا يراد من لفظ

______________________________

و ببيان آخر: ان العقد محصّل للبيع العرفي و سبب له.

أو يقال: ان هذا تعريف لعقد البيع لا لنفسه، فلا يكون التعريف بالإيجاب و القبول معنى آخر للبيع، فالحقيقة المتشرّعيّة غير ثابتة فيه.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 76، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) السرائر الحاوي، ج 2، ص 240، قواعد الأحكام، ص 47، نهاية الأحكام، ج 2، ص 447 تحرير الأحكام، ج 1، ص 164.

ص: 181

..........

______________________________

- بعت- انتقلت، و كذا سائر تصاريفه» انتهى ملخّصا.

و الوجه الأوّل ناظر إلى امتناع تفسير المباين بالمباين، لتقابل المقولات و عدم صدق بعضها على الآخر، و عليه لا وجه لتفسير «البيع»- الذي هو فعل- بالانتقال الذي هو افتعال، و هو هنا الانفعال [1].

و الوجه الثاني ناظر إلى امتناع تفسير الشي ء بعلّته الغائيّة، كتعريف السرير بالجلوس عليه. وجه الامتناع: أن غاية الشي ء مباينة للشي ء، فلا وجه لتعريف البيع بالانتقال، كما أنّ الأثر لازم للمؤثّر، و اللازم غير الملزوم، فلا يعرّف أحدهما بالآخر.

______________________________

[1] يمكن منعه بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أجنبية المقام عن تعريف مقولة الفعل بمقولة الانفعال، و ذلك لأن الفعل المقولي هو ما له حالة التأثير التجددي في الشي ء كتأثير النار في سخونة الماء، و الانفعال المقولي هو ما له حالة التأثر التجددي كالماء المتأثر تدريجا بحرارة النار. و ليس كل فعل خارجي- فضلا عن النقل الاعتباري- مصداقا لمقولة «أن يفعل» حتى يندرج تفسير البيع- الذي هو نقل- بالانتقال في التعريف بالمباين «1».

كما يمكن منع كون الانتقال أثرا للبيع بما سيأتي تفصيله فيما يتعلق بكلام المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه من أن النسبة بين النقل و الانتقال هل هي كالإيجاد و الوجود أم كالإيجاب و الوجوب.

فإن أريد من الانتقال حكم الشارع به إمضاء لما أنشأه المتبايعان كان أثرا للعقد.

و إن أريد به الانتقال في نظر البائع- و هو موضوع الإمضاء- فهو لا ينفك عن النقل في نظره حتى يكون أثرا له.

و الحاصل: أن التعريف بالنقل أو الانتقال ناظر إلى نفس المعنى الحدثي، لا المادة المنتسبة إلى البائع أو الى المبيع حتى يتعيّن تعريفه بالنقل بلحاظ حيثية صدوره، لا الانتقال

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 14.

ص: 182

[تعريفه بالعقد الدّال على الانتقال]

عدل آخرون (1) إلى تعريفه «بالإيجاب و القبول الدّالّين على الانتقال» (2).

______________________________

و الوجه الثالث ناظر إلى بطلان التعريف بالانتقال، لأنّ قاعدة «لزوم توافق المشتق و المشتق منه في المعنى الكلّي الساري في المشتقات» تقتضي وحدة مدلولي «بعت و انتقلت» لو كان البيع هو الانتقال.

هذا مضافا الى مسامحتين أخريين:

إحداهما: توصيف «العين» بالمملوكة، لعدم اشتراط صحة البيع بكون المبيع مملوكا، و إلّا لم يصح بيع الوقف و الزكاة، مع أنّه لا ريب في صدق البيع العرفي عليه.

ثانيتهما: انّ الانتقال صفة العوضين، و البيع كالتمليك و التبديل و نحوهما ممّا يقوم بالبائع، فجعل الانتقال قائما بالبائع مسامحة، لأنّه من قبيل الوصف باعتبار المتعلق.

(1) كابن حمزة و العلامة في خصوص كتابه «المختلف» حيث قال في تعريفه بعد نقل تعريف المبسوط: «و قال ابن حمزة: البيع عقد على انتقال عين مملوكة- أو ما في حكمها- من شخص إلى غيره بقدر معيّن على وجه التراضي «1». و الأقرب قول ابن حمزة، لنا: انه المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق، فيكون حقيقة فيه» «2».

(2) أي: انتقال عين مملوكة أو ما في حكمها من شخص الى غيره بقدر معيّن على وجه التراضي، و لم يذكر المصنف قدّس سرّه تمام التعريف اتّكالا على وضوحه، و لأنّ مقصوده الإشارة إلى تعريف البيع بالعقد في قبال تعريفه بالانتقال.

______________________________

الذي يوصف به المبيع.

إلّا أن يقال: ان تكثير القيود في تعريفاتهم- ككون العين مملوكة، و العوض معلوما، و اشتراط الرضا- شاهد على إرادة الانتقال الشرعي الذي هو أثر الإنشاء، لا الانتقال في نظر المنشئ حتى يتّحد مع النقل، و عليه فما أفاده السيد الطباطبائي في وجه المسامحة في محله.

______________________________

(1): لاحظ كتاب الوسيلة في الجوامع الفقهية، ص 740

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 51

ص: 183

..........

______________________________

ثمّ إنّ تعريف البيع بالعقد شائع بين الفقهاء كما نسبه صاحب المقابس قدّس سرّه إليهم، قال في مقام بيان إطلاقات البيع: «رابعها نفس العقد المركّب من الإيجاب و القبول، و هذا هو الشائع المعروف بين الفقهاء في سائر ألفاظ العقود ممّا كان منها مصدرا بصيغة الفعال و المفاعلة، أو بمعناه كالقراض و المضاربة و المزارعة» «1». و عليه فأشهر معاني البيع- بل مشهورها- هو هذا المعنى.

و أمّا وجه العدول عن تعريفه «بالانتقال» الى تعريفه «بالإيجاب و القبول الدالّين عليه» فهو ما تقدم من كون الانتقال اسم مصدر، و صفة للعوضين، مع أن البيع المقصود في التعريف معنى مصدري لكونه فعل البائع، و لا ينبغي تعريف المعنى المصدري بالمعنى الاسمي المغاير له. و هذه المسامحة لا ترد على تعريفه بالإيجاب و القبول، لأنّ ما بيد المتعاقدين هو العقد المؤثّر في الانتقال، لا نفس الانتقال المترتب عليهما [1].

______________________________

[1] ربما يستفاد من تعبير المصنف قدّس سرّه: «و حيث ان في هذا التعريف مسامحة واضحة عدل آخرون .. إلخ» أنّ كلّ من لم يرتض من الفقهاء تعريف البيع بالانتقال عدل إلى تعريفه بالعقد الدال على الانتقال، مع أنّه يظهر للمتتبع في كلماتهم خلافه، لوجود تعاريف أخرى فيها، فعرّفه جمع بالعقد الدال على النقل، كالمحقق في الشرائع «2»، و الشهيد في الدروس و اللمعة «3»، و عرّفه أبو الصلاح الحلبي بأنه «عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع و الثمن و تسليمهما» «4». و عليه فلعلّ الأنسب تبديل «آخرون» ب «الجمع» بأن يقال: «عدل جمع الى تعريفه بالإيجاب و القبول ..» و الأمر سهل.

______________________________

(1): مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 2

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191، الروضة البهية، ج 3، ص 221

(4) الكافي في الفقه، ص 352

ص: 184

و حيث (1) إنّ البيع

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه تزييف تعريف البيع بالعقد- الدال على الانتقال- بأنّ ظاهره كون البيع من مقولة اللفظ، مع أنّه من مقولة المعنى، لأنّه مقتضى أمور مسلّمة:

الأوّل: أنّ الإنشاء- على المشهور- هو التسبيب باللفظ أو بالفعل إلى حصول أمر اعتباري موجود في صقع النفس، كما إذا اعتبر الشارع لا بديّة الصلاة على المكلّف و أنشأها بقوله: «أقم الصلاة» فيوجد به الصلاة في عهدته.

و المعاملات من العقود و الإيقاعات كلّها أمور اعتبارية، فهي أمور قصدية يتوقف وجودها في وعاء الاعتبار على إيجادها بآلة كالصيغ المخصوصة بها.

الثاني: أنّ اللفظ موجود خارجي متصرم الوجود كالزمان، و هو من مقولة الكيف المسموع، و وجود كلّ لفظ منوط بسبب تكويني كتحريك اللسان نحو مقاطع الحروف، و لا يصير لفظ من مبادئ وجود لفظ آخر كما لا يخفى.

الثالث: أنّ حقيقة البيع- بناء على توقف إيجادها على اللفظ- لا تخلو من أحد وجوه أربعة، أشار المصنف إلى ثلاثة منها:

أحدها: أن يكون البيع أمرا معنويا اعتباريا يقصده المتبايعان، و لا دخل للفظ في ماهيته أصلا، سوى أنه يوجد به في مقام الإنشاء، و قد أشار الماتن إلى هذا الاحتمال بقوله:

«من مقولة المعنى».

ثانيها: أن يكون من مقولة اللفظ، يعني: أن الإيجاب و القبول اللفظيين هما تمام ماهية البيع، و وجوده في موطن الاعتبار أجنبي عن حقيقته التي هي نفس العقد اللفظي. و قد أشار إلى هذا بقوله: «دون اللفظ مجرّدا».

ثالثها: أن يكون هو العقد اللفظي، لكن بشرط قصد ذلك الأمر الاعتباري. و يفترق عن سابقه بأنّ قصد المبادلة الاعتبارية غير مؤثّرة في تحقق البيع على الاحتمال الثاني، و مؤثّر على الاحتمال الثالث، لأنّ مقتضى الاشتراط انتفاء المشروط بعدم شرطه.

رابعها: عكس الثالث، بأن يكون البيع هو الأمر المعنوي الاعتباري، لكن لا مطلقا

ص: 185

من مقولة المعنى (1)- دون اللفظ مجرّدا، أو بشرط قصد المعنى، و إلّا (2) لم يعقل إنشاؤه

______________________________

- كما كان في الاحتمال الأوّل- بل بشرط أن يتأدّى باللفظ، فإن أنشئ التمليك و التبديل باللفظ كان بيعا، و إلّا فلا بيع. و هذا الاحتمال لم يتعرض له المصنف.

و مما ذكرناه يظهر وجه بطلان تعريف البيع بالإيجاب و القبول الدالين على الانتقال، ضرورة كونه كسائر المعاملات- من الإجارة و الهبة و الوصية و الوقف- من الأمور الاعتبارية المنشئة تارة باللفظ و اخرى بالتعاطي، و ثالثة بالإشارة، و رابعة بالمنابذة، و خامسة بالكتابة، و نحوها. و لا دخل للفظ في حقيقتها شطرا و شرطا، إذ لو كان اللفظ مؤثّرا فيها لزم استحالة إنشائها، لما عرفت من استحالة إنشاء لفظ بلفظ آخر، و إنّما القابل للإنشاء هو الأمر المعنوي الذي موطنه وعاء الاعتبار، و لا يصلح للوجود الخارجي أصلا.

و على هذا فإن كان البيع نفس الانتقال- كما عرّفه به الشيخ و العلّامة- أمكن إنشاؤه باللفظ كإنشائه بالفعل بناء على مملكية المعاطاة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و إن كان البيع نفس الإيجاب و القبول استحال إنشاؤه، لأنّ اللفظ موجود مقولي خارجي، و يمتنع إنشاؤه بلفظ آخر أي بإيجاب و قبول. و لا مناص من هذا المحذور إلّا إنكار تعريف البيع بالعقد. هذا.

(1) هذا هو الوجه الأوّل- و المتعيّن- ممّا يحتمل في حقيقة البيع، و المراد بمقولة المعنى هو الأمر الاعتباري الموجود في موطن الاعتبار، الذي هو وعاء وجود الأحكام العقلائية و الشرعية، من التكليفية و الوضعية. و لو فرض دخل اللفظ فيها فإنّما هو في مقام الإنشاء و الإيجاد، و إلّا فنفس البيع بما أنّه «مبادلة اعتبارية بين المالين» أجنبي عن اللفظ و الفعل و غيرهما من آلات الإنشاء و أسبابه.

(2) أي: و إن لم يكن البيع من مقولة المعنى- بل كان من مقولة اللّفظ مجرّدا عن المعنى أو مشروطا بقصد معناه- لزم استحالة إنشاء البيع، لما عرفت من أنّ الإنشاء لا يتعلّق إلّا بالأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلّا في صقع الاعتبار كالأحكام الشرعية. و لا يتعلق الإنشاء باللفظ، لأنّه موجود حقيقي مغاير للموجود الاعتباري سنخا، و يتوقف وجود اللفظ خارجا

ص: 186

باللفظ [1]-

______________________________

على مباد خاصة، و لا يصلح لفظ لأن يصير من مبادي وجود لفظ آخر.

و لا فرق في استحالة إنشاء البيع- لو كان هو العقد- بين كون اللفظ تمام حقيقته أو بعضها. مضافا الى استلزامه نفي بيعية المعاطاة، لخلوّها عن الإيجاب و القبول اللفظيين، مع أنّها بيع عندهم و لو كانت فاسدة عند بعضهم.

______________________________

[1] مضافا إلى ما فيه من: أن هذا التعريف ليس حدّا للبيع الذي هو فعل البائع فقط كما هو واضح.

و إلى: عدم شموله للبيع المعاطاتي، لظهور الدلالة في الإيجاب و القبول اللفظيين، فتأمّل.

و إلى: عدم اعتبار الانتقال في مفهوم البيع، لصدقه على بيع الوقف و سهم سبيل اللّه من الزكاة إذا كان العوضان منهما، فإنّه لا انتقال فيهما أصلا، مع صدق مفهوم البيع عرفا على بيعهما، لوجود مفهوم المعاوضة فيه، هذا.

و إلى: صدقه على جميع العقود المعاوضية، بل و المجانية كالهبة، لأنّ جميعها تشتمل على الإيجاب و القبول الدالين على الانتقال.

و على كلّ حال: المراد بالمعنى هنا ما ذكرناه من كون البيع أمرا اعتباريا، لأنّه تبديل اعتباري بين مالين. لا ما في حاشية السيد قدّس سرّه من أن بعض معاصريه قال: «المراد بالمعنى هو النقل القلبي، و هو راجع الى الكلام النفسي المزيّف في محله، فلا بدّ أن يكون البيع من مقولة اللفظ. كما انّ هذا القائل التزم لدفع محذور الالتزام بالكلام النفسي بأن الطلب أيضا عبارة عن نفس القول، إذ لو كان غير اللفظ يلزم الالتزام بالكلام النفسي» «1». هذا.

فإنّه لا وجه للالتزام المزبور، لوضوح أنّ النقل القلبي- و هو الالتزام النفساني به من دون إيجاده بما يكون آلة للإنشاء- ليس بيعا عرفيا قطعا، لعدم كون مجرّد النقل القلبي كافيا في

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 58، 59

ص: 187

[تعريفه بالنقل بالصيغة المخصوصة]

عدل (1) [1] جامع المقاصد إلى تعريفه «بنقل العين بالصيغة المخصوصة».

______________________________

(1) جواب «و حيث إن البيع» و توجيه عدول المحقق الكركي قدّس سرّه عن تعريف البيع «بالإيجاب و القبول» الى تعريف آخر، قال في جامع المقاصد- بعد أن حكى عن المختلف تعريفه تبعا لابن حمزة بالعقد، و توجيه فخر المحققين و الشهيد له- ما لفظه: «و فيه نظر، فإنّ المفهوم من- بعت- ليس هو عقد البيع قطعا، و إنّما المفهوم منه هو المفهوم من- ملّكت- فانّ كليهما إيجاب للبيع. و لو كان المفهوم من- بعت- هو عقد البيع لما صحّ الإيجاب بملّكت. و لأنّ البيع هو المقصود بالعقد لا نفسه .. الى أن قال: و الأقرب: أن البيع هو نقل الملك من مالك الى آخر بصيغة مخصوصة لا انتقاله، فإنّ ذلك أثره إن كان صحيحا. و أيضا فإنّ البيع فعل، فكيف يكون انتقالا؟» «1».

و لمّا كان البيع نفس النقل الاعتباري الذي هو من مقولة المعنى كان سليما عن محذور استحالة إنشاء اللفظ باللفظ.

______________________________

البيع الناقل عندهم للأموال.

و بالجملة: فجعل البيع من المعنى و إرادة الكلام النفسي منه في غير محله. و مراد المصنف من المعنى هو ما ذكرناه من الأمر الاعتباري في قبال الوجود الخارجي الحقيقي كالأفعال الخارجية من التكلّم و الضرب و الأكل و الشرب و نحوها.

[1] ظاهر هذا الكلام- لو لم يكن صريحه- أنّ وجه عدول المحقق الثاني قدّس سرّه عن تعريف البيع «بالإيجاب و القبول الدالين على الانتقال» هو كون البيع من مقولة المعنى لا من مقولة اللفظ. مع أنّ وجه عدوله عنه ليس ما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون البيع من مقولة المعنى، بل لما ذكره من وجهين:

أحدهما: أنّ المفهوم من لفظ «بعت» ليس هو العقد قطعا، لعدم سريان هذا المعنى في جميع تصاريفه، فإنّ لفظ البائع ليس معناه العاقد للإيجاب و القبول، و كذا سائر مشتقاته، بل معناه إيجاب البيع فقط كإيجاب التمليك.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 55

ص: 188

و يرد عليه (1)- مع أنّ

______________________________

(1) أي: على تعريف جامع المقاصد للبيع، و قد أورد المصنف عليه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّه يعتبر في باب الحدود و التعريفات- ترادف الحد للمحدود كترادف «الحيوان الناطق» للإنسان، و لذا يصح إطلاق أحدهما مكان الآخر. و لم تراع هذه الضابطة في تعريف المحقق الثاني للبيع بالنقل، و ذلك لعدم ترادفهما، إذ لا يصح استعمال النقل موضع البيع، فلا يقال: «نقلت الدار» مثلا بدل «بعت الدار» و من المعلوم أن عدم صحة هذا الاستعمال يكشف عن عدم الترادف.

و يدل عليه تصريح العلامة في التذكرة بعدم وقوع البيع بلفظ «نقلت» لكونه من الألفاظ الكنائيّة، مع أنّ المعتبر في صيغ العقود الصراحة أو الظهور الوضعي، و لا تقع بالألفاظ الكنائية.

و عليه فلا وجه لتفسير البيع بالنقل أصلا، بل لا بد من تعريفه بمثل التمليك ممّا يرادف البيع كما سيأتي تعريفه في المتن ب «إنشاء تمليك عين بعوض».

الثاني: أنّ تقييد البيع بكونه «نقلا بالصيغة» يوجب خروج البيع المعاطاتي عن التعريف، لوقوع النقل بالفعل لا بالقول، مع أنّ «المعاطاة بيع» جزما، خصوصا عند المحقق الثاني الذي حمل مذهب المشهور- من إفادتها الإباحة- على الملك الجائز، على ما سيأتي تفصيله في المعاطاة إن شاء اللّه تعالى، و معه يختلّ أخذ «الصيغة» في التعريف، بل ينبغي جعل البيع مطلق نقل العين سواء أ كان باللفظ أم بالتعاطي.

______________________________

ثانيهما: أن البيع ليس نفس العقد، بل ما يترتب عليه، و بعبارة أخرى: العقد سبب للبيع لا نفسه، و لا يصحّ تعريف المسبب بالسبب، لعدم الاتحاد بينهما كما لا يخفى.

مضافا إلى: ما عرفت من التأمل في ظهور تعريف المشهور- بالإيجاب و القبول الدالّين على الانتقال- في إرادة الإيجاب و القبول اللفظيين، لوضوح أن الدلالة لا تختص باللفظ، فإنّ الأفعال تدلّ أيضا على الإيجاب و القبول.

ص: 189

النقل (1) ليس مرادفا للبيع [1]،

______________________________

ثم إنّ هذا الإشكال نبّه عليه في الجواهر أيضا بقوله: «مضافا الى منافاته ما عنده من كون المعاطاة بيعا، مدّعيا الاتفاق عليه» «1».

الثالث: أنّ المحذور المتقدم في تعريف البيع «بالإيجاب و القبول الدالّين على الانتقال»- من استحالة الإنشاء حينئذ لعدم قابلية العقد للإنشاء- يرد على تعريف المحقق الثاني قدّس سرّه أيضا، لوضوح أنّ القابل للإنشاء بصيغة مخصوصة مثل «بعت و ملّكت» هو نفس النقل الاعتباري، لا النقل المقيّد بكونه بصيغة مخصوصة، لكون الصيغة لفظا، و هو مما لا يقبل الإنشاء، و إنّما القابل له هو الأمور الاعتبارية التي توجد في صقع الاعتبار بواسطة ألفاظ خاصة، و قد مرّ توضيحه. و لو اقتصر المحقّق الكركي قدّس سرّه على قوله: «نقل الملك من مالك إلى آخر» و لم يعقّبه «بالصيغة المخصوصة» كان سليما عن هذا المحذور.

(1) هذا أوّل وجوه المناقشة في تعريف جامع المقاصد، و حاصله: عدم ترادف البيع و النقل، مع لزوم رعاية الترادف في التعريف، بل النقل من لوازم المبادلة الاعتبارية، كما أنّ كثرة الرماد و هزال الفصيل من لوازم جود زيد مثلا.

______________________________

[1] يمكن دفعه بأن المعتبر في الحدّ هو كون مجموعه- من الجنس و الفصل أو غيرهما من القيود- مرادفا للمحدود كالحيوان الناطق في تعريف الإنسان، دون كل ما يذكر في تعريفه من الألفاظ، فإنّ الحيوان ليس مرادفا للإنسان مع صحة التعريف به. و عليه فالنقل الذي هو بمنزلة الجنس للبيع- على ما قيل- لا مانع من تعريف البيع به مع عدم كونه مرادفا له.

و كيف كان فصحة إيقاع الصيغة بلفظ معرّف للبيع منوطة بالصراحة و عدم الكناية، فإن قلنا بأنّ المدار في الصراحة صراحة نفس اللفظ دون ما ينضمّ إليه، فإيقاع الصيغة بلفظ «نقلت» غير صحيح، و إلّا فلا مانع منه كما لا يخفى.

و يمكن دفع الإشكال الثاني- و هو كون المعاطاة عند المحقق الثاني بيعا مع خلوّها عن الصيغة- بأنّه في مقام تحديد البيع الذي يقتضي اللزوم بطبعه، و ليست المعاطاة كذلك، فتأمّل.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 205

ص: 190

و لذا (1) صرّح في التذكرة بأنّ إيجاب البيع لا يقع بلفظ «نقلت» و جعله (2) من الكنايات. و أنّ (3) المعاطاة عنده بيع مع خلوّها عن الصيغة-: أن (4) النقل بالصيغة أيضا (5) لا يعقل إنشاؤه بالصيغة [1].

______________________________

(1) أي: و لأجل عدم الترادف، و مقصوده تثبيت الإشكال على المحقق الثاني بالاستشهاد بكلام العلّامة. و لكن لم أظفر بما نسبه إليه بعد الفحص، و إنّما قال في التذكرة:

«و يشترط في الصيغة أمور .. الرابع: التصريح، فلا يقع بالكناية مع النيّة، مثل: أدخلته في ملكك، أو: جعلته لك، أو: خذه منّي، أو: سلّطتك عليه بكذا. عملا بأصالة بقاء الملك، و لأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب به ..» «1». و لا بد من مزيد التتبّع.

(2) يعني: جعل العلّامة في التذكرة- النقل- كناية عن البيع الذي هو تمليك العين بعوض.

(3) معطوف على «أنّ النقل» و اشارة إلى المناقشة الثانية في تعريف جامع المقاصد، و محصّلها: النقض بالمعاطاة التي هي بيع مجرّد عن الصيغة.

(4) مرفوع محلّا على أنّه فاعل لقوله: «و يرد عليه» و كأنّ هذا الاشكال هو الأصل في الإيراد على تعريف جامع المقاصد، و هو- كما عرفت- محذور مشترك بين تعريف ابن حمزة بالعقد و تعريف المحقق الكركي، و محصّله: أنّ دخل اللفظ في حقيقة البيع يوجب استحالة إنشائه، لفرض كون بعض المنشأ لفظا، و الإنشاء لفظا آخر، و كل لفظ بما أنّه عرض متأصّل- و من مقولة الكيف المسموع- يستحيل أن يتسبّب وجوده من لفظ آخر.

(5) يعني: كما لا يعقل إنشاء «الإيجاب و القبول الدالّين على الانتقال» بصيغة مثل «بعت».

______________________________

[1] و يمكن أن يقال: إنّ هذا الاشكال إنّما يرد على تعريف جامع المقاصد إذا كان قوله:

«بالصيغة المخصوصة» قيدا. و أمّا إذا لوحظ مشيرا إلى نفس النقل فلا يرد ذلك أصلا، إذ لا يعتبر

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

ص: 191

و لا يندفع هذا (1) بأنّ المراد

______________________________

(1) أي: و لا يندفع الاشكال الثالث- و هو امتناع إنشاء اللفظ بلفظ آخر- و محصّل وجه اندفاع الاشكال: أنّ مقصود المحقق الكركي قدّس سرّه من تعريف البيع بأنه «نقل الملك بالصيغة المخصوصة» بيان كون البيع نقلا اعتباريا لا خارجيا، توضيحه: أنّ نقل الملك قد يكون خارجيا، كما إذا بدّل الكتاب بدينار بجعل كل منهما في مكان الآخر، و قد يكون اعتباريا، و هو المبادلة بينهما في إضافة الملكية، بأن يصير المبيع ملكا للمشتري بدلا عن ديناره، و الثمن ملكا للبائع كذلك. و حيث إن البيع مبادلة اعتبارية بين المالين أراد المحقق الثاني تعريفه بالنقل الاعتباري، و لا دخل للفظ في حقيقته حتى يتّجه عليه المحذور، و إنّما أتى بقوله:

«بالصيغة المخصوصة» لمجرّد الإشارة إلى أنّ البيع نقل اعتباري ينشأ بالصيغة تارة و بالمعاطاة أخرى. و ليس قوله: «بالصيغة» قيدا لحقيقة البيع و دخيلا في ماهيته حتى يستحيل إنشاؤه.

و بعبارة أخرى: البيع نفس النقل الاعتباري، لا المقيّد بكونه مدلول الصيغة، فجعله مدلول الصيغة للإشارة الى ذلك الفرد من النقل الذي هو بيع، و من المعلوم خروج العناوين المشيرة عن المشار إليها، إذ العنوان المشير ليس إلّا حاكيا عن ذات المشار إليه و مرآة لها.

______________________________

مساواة العنوان المشير مع العنوان المشار اليه، هذا.

لكن الإنصاف أنّه خلاف الظاهر جدّا، فلا يرتكب في الحدود.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 192

إلّا أن يدّعى: إنّ التزام المحقق الثاني بكون المعاطاة بيعا قرينة على إرادة المشيرية من الصيغة.

لكن يرد عليه حينئذ الإشكال الأوّل، و هو: أنّه إذا كان البيع نفس النقل من دون دخل الصيغة فيه لزم عدم الترادف، مع أنّه لا بد من الترادف.

إلا أن يقال: إنّ النقل بمنزلة الجنس للبيع، و الترادف بين الحد و المحدود معتبر بين الحدّ بتمامه من الجنس و الفصل أو ما هو بمنزلتهما و بين المحدود، فإشكال الترادف غير وارد.

ص: 192

من البيع (1) نفس النقل الذي هو مدلول الصيغة (2)، فجعله (3) مدلول الصيغة إشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النقل (4)، لا أنّه (5) مأخوذ في مفهومه حتى يكون مدلول «بعت» نقلت بالصيغة (6). لأنّه (7) إن أريد بالصيغة خصوص «بعت» لزوم الدور،

______________________________

(1) أي: البيع الذي أريد تعريفه بقوله: «نقل الملك بصيغة مخصوصة» هو نفس النقل و التبادل الاعتباريين.

(2) أي: مدلول صيغة «بعت أو ملّكت».

(3) أي: فجعل البيع مدلول صيغة «بعت» إشارة إلى النقل الاعتباري، لا قيدا في التعريف.

(4) أي: النقل الاعتباري في قبال النقل الخارجي، و من المعلوم أنّ النقل في وعاء الاعتبار ينشأ باللفظ و شبهه، و لكن ليس اللفظ جزءا من مفهومه و لا دخيلا في حقيقته، و عليه فتعريف المحقق الكركي قدّس سرّه سليم عن الاشكال الثالث.

(5) أي: لا أنّ كون البيع مدلولا للصيغة مأخوذ في ماهية البيع حتى يستحيل إنشاؤه باللفظ من جهة امتناع إنشاء لفظ بلفظ آخر.

(6) بل مدلول «بعت»: هو «نقلت» فالصيغة غير مأخوذة في حقيقة البيع، بل هي آلة لإنشائه.

(7) تعليل لقوله: «و لا يندفع هذا» و مقصوده تثبيت الإشكال الثالث و عدم إمكان التفصّي عنه بما أفيد من جعل الصيغة المخصوصة عنوانا مشيرا لا قيدا في مفهوم البيع.

توضيح عدم اندفاع الاشكال بذلك هو: أنّه يلزم من إرادة ما ذكر أحد محذورين على سبيل منع الخلوّ، إذ لو كان مراد المحقق الثاني قدّس سرّه من «الصيغة المخصوصة» خصوص صيغة «بعت» لزم الدور، لوقوع المعرّف في المعرّف، مع توقف معرفة المحدود- أعني به البيع- على الحدّ، و المفروض أخذ «بعت» في الحدّ، و كلّما توقف معرفة الحد- كلّا أو بعضا- على المحدود لزم الدور، فكأنه قيل «البيع هو نقل الملك بالبيع».

و هذا الشق من الاشكال قد نبّه عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله- في الإيراد على تعريف

ص: 193

لأنّ المقصود (1) معرفة مادة (2) «بعت» [1]

______________________________

ابن حمزة و العلّامة، و هذا التعريف-: «و الأوّل منهما .. مشتمل على الدور، لذكر المبيع فيه، بل لعلّ الثاني كذلك أيضا، ضرورة إرادة صيغة البيع من الصيغة فيه، و إلّا انتقض بغيره» «1». ثم دفعه بما سيأتي نقله في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

و إن كان مراد المحقق الثاني قدّس سرّه من «الصيغة المخصوصة»- في مقام إنشاء النقل الاعتباري- صيغة «نقلت و ملّكت» فكأنّه قيل: «البيع نقل الملك بصيغة نقلت أو ملّكت» قلنا: إنّ إشكال الدور و إن لم يتجه حينئذ، لكن فيه محذور آخر، و هو لزوم الاقتصار في مقام الإنشاء على لفظ النقل و التمليك و التبديل مثلا، و عدم صحة إنشائه بلفظ «بعت» أصلا. مع كون صيغة «بعت» أصرح صيغ البيع، لأنّ جواز الإنشاء بلفظي النقل و التمليك مورد بحث بينهم كما ستقف عليه في ألفاظ العقود إن شاء اللّه تعالى، و معه كيف يقتصر على هذين اللفظين و يترك الإنشاء بمادة البيع مع صراحتها في إرادة تمليك العين بعوض؟

فالنتيجة: أنّه بعد بطلان كلا شقّي الترديد يبقى الاشكال الثالث- أعني به: استحالة إنشاء اللفظ باللفظ- على حاله، و لا يصلح جعل الصيغة عنوانا مشيرا للتخلّص عنه، هذا.

(1) هذا تقريب الدور، لأنّ المقصود معرفة «البيع» الذي هو مادة صيغة «بعت» فكيف يؤخذ المعرّف في المعرّف؟

(2) التي يكون معناها ساريا في جميع التصاريف و المشتقّات التي منها صيغة «بعت».

______________________________

[1] قيل في دفع الدور كما في حاشية السيد قدّس سرّه: «بأن المراد من- بعت- لفظه، فهو في قوة قولنا: ان البيع هو النقل بلفظ بعت، و لا يلزم العلم بمعنى- بعت- حتى يلزم الدور. و على فرضه يكفيه العلم إجمالا» «2» و قريب منه ما في حاشية العلامة المامقاني قدّس سرّه «3».

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 205

(2) حاشية المكاسب، ص 59

(3) غاية الآمال، ص 174

ص: 194

..........

______________________________

و لعلّه مقتبس مما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «اللهم إلّا أن يدفع الدور بأن الموقوف معرفة البيع بالرسم أو الوجه الأتمّ، و الموقوف عليه معرفته بالوجه الظاهر المعلوم لكل أحد» «1».

و حاصل وجه دفع الدور: أن المحدود هو معنى البيع، و المأخوذ في الحد- أعني به:

بعت- هو نفس اللفظ، فالموقوف هو المعنى، و الموقوف عليه هو اللفظ، و هما متغايران، ألا ترى أنّه لو قيل: «البيع نقل العين بلفظ: بعت» لم يلزم الدور، لأنّ الدال على النقل هو اللفظ، لا المعنى.

أقول: لا مجال لشي ء من إشكال الدور، و لزوم الاقتصار على النقل و التمليك حتى تصل النوبة إلى دفعهما، و ذلك لأنّ «الصيغة المخصوصة» بناء على صحة وجه الاندفاع- أعني به مشيرية قوله: بالصيغة المخصوصة- خارجة عن الحد رأسا، لأنّ معنى المشيرية هو خروج العنوان المشير عن الحد، و عدم دخله فيه أصلا. و مع فرض خروجه عن حيّز الحد لا معنى لإيراد أحد الإشكالين من الدور أو لزوم الاقتصار على النقل و التمليك على التعريف المزبور، بداهة أنّ القيود المأخوذة في الحدود دخيلة في نفس المفهوم، بخلاف العناوين المشيرة، فإنّها خارجة عن الحد، و حاكية عن المفهوم المبيّن حدوده.

و بعبارة أخرى: دخل الحدود في المحدودات ثبوتي، و دخل العناوين المشيرة في المحدودات إثباتي، لأنّها واسطة في العلم و الإثبات.

و على هذا فلا موضوع لإشكال المصنف قدّس سرّه- على جعل «الصيغة المخصوصة» مرآة- بما ذكره من الدور، أو لزوم الاقتصار في التعريف على مجرد التمليك و النقل، و إسقاط الصيغة المخصوصة، و ذلك لأن موضوع الاشكال هو ما يؤخذ في الحد، و المفروض خلافه، إذ لا دخل للعنوان المشير في الحد أصلا.

نعم يرد على المشيرية: أنّها خلاف الأصل في القيود، سيّما الواقعة في الحدود، إذ المقصود بها بيان حدود المفهوم، و الحمل على المشيرية إلغاء للقيد حقيقة، كالحمل على

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 205

ص: 195

و إن أريد بها (1) ما يشمل (2) «ملّكت» وجب (3) الاقتصار على مجرّد التمليك و النقل.

______________________________

(1) أي: بالصيغة المخصوصة، و هذا هو الشق الثاني مما أجاب به المصنّف قدّس سرّه عن اندفاع الاشكال الثالث. و قد عرفت توضيحه آنفا بقولنا: «و إن كان مراد المحقق الثاني قدّس سرّه من الصيغة المخصوصة في مقام .. إلخ».

(2) لا تخلو العبارة عن قصور في التأدية، لأنّ المقصود بهذا الشق هو إرادة ما عدا صيغة «بعت» من قول المحقق الثاني: «بصيغة مخصوصة» فالبيع هو نقل الملك بصيغة «نقلت أو ملّكت» حتى يندفع محذور الدور، إذ لو أريد من الصيغة ما هو أعم من «بعت و ملّكت» لم يندفع المحذور، فحقّ العبارة بقرينة قوله: «وجب الاقتصار» أن تكون هكذا: «و إن أريد بها ما عدا لفظ بعت وجب الاقتصار ..».

(3) وجه وجوب الاقتصار هو عدم قابلية لفظ «بعت» لإنشاء البيع به.

______________________________

التوضيحية التي هي كإلغاء القيد و جعله كالعدم.

و على هذا فقول المحقق الثاني: «بالصيغة المخصوصة» ظاهر في القيديّة للمفهوم، فيرد عليه ما أورد به على تعريف المشهور: من عدم تعقل إنشاء اللفظ في وعاء الاعتبار، لكونه من الموجودات الحقيقية غير القابلة للوجود الاعتباري كما لا يخفى.

ثم إنّه إن أغمضنا عن مقتضى المشيرية- من عدم دخل العنوان المشير في مفهوم المحدود- لا يلزم الدور أيضا، لأنّ النقل بالصيغة- أعني بها: بعت- يوجب معرفة معنى «بعت» و هو النقل، لأنّ لفظ «بعت» إن لم يكن معناه: «نقلت» فلا وجه لجعله آلة للنقل، فمعنى البيع المصدري إذا كان هو النقل فلا محالة يكون معنى «بعت» و سائر مشتقاته أيضا هو النقل.

و كيف كان فيرد على تعريف المحقق الثاني أوّلا: أنه لا يدل على اعتبار العوض في البيع.

و ثانيا: عدم صدقه على بيع الزكاة و الوقف إذا كان كل واحد من العوضين منهما، إذ لا نقل فيه، مع صدق البيع العرفي عليه.

ص: 196

[المختار في تعريف البيع]

فالأولى (1) تعريفه (2) بأنّه

______________________________

المختار في تعريف البيع

(1) هذه الأولوية تعيينيّة كالأولوية في استحقاق أولى الأرحام للإرث، و ليس المراد مجرّد تفضيل هذا التعريف على ما سبق من التعاريف، فإنّها لمّا لم تكن خالية عن الخلل و لا وافية بتعريف البيع لم تكن مشاركة للتعريف الآتي حتى يكون هذا التعريف راجحا عليها، بل المتعيّن تعريف البيع بإنشاء التمليك، و لا وجه لتعريفه بما تقدّم من الانتقال و العقد و نحوهما.

(2) أي: تعريف البيع، و هذا مأخوذ- مع بعض التصرف- من العلامة الطباطبائي قدّس سرّه حيث قال في محكي المصابيح: «ان الأخصر و الأسدّ تعريفه بأنّه إنشاء تمليك العين بعوض على وجه التراضي» «1».

و يتلخّص وجه الأولوية في سلامة هذا التعريف من وجوه الخلل و الإشكالات الواردة على التعاريف الثلاثة المتقدمة.

و بيانه: أنّه لا يرد على تعريف المصنف قدّس سرّه ما أورد به على تعريف المبسوط و التذكرة «بانتقال عين من شخص إلى غيره ..» تارة بأنّ البيع من مقولة الفعل، و الانتقال من مقولة الانفعال. و اخرى بأنّ الانتقال من الغايات المترتبة على البيع لا نفسه. و ثالثة بانخرام قاعدة لزوم موافقة التصاريف لمبدإ الاشتقاق في المعنى، بداهة عدم كون معنى «بعت، أبيع: انتقلت، أنتقل» و هكذا سائر التصاريف.

و كذا لا يلزم على تعريف المتن ما أورد به على تعريفه «بالعقد الدال على الانتقال» من عدم تعقل إنشاء اللفظ باللفظ.

و كذا ما أورد به على تعريف جامع المقاصد «بنقل الملك بالصيغة المخصوصة» من عدم مرادفة البيع للنقل، و من خروج المعاطاة عن التعريف مع كونها بيعا عنده، و من عدم تعقل إنشاء النقل- المقيّد بالصيغة- باللفظ.

هذا مضافا إلى: إسقاط قيد «على وجه التراضي» المذكور في تعريف شيخ الطائفة

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 205 و 206، و اختاره في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 148 من دون نسبته الى السيد بحر العلوم.

ص: 197

«إنشاء (1) تمليك عين بمال» [1].

______________________________

و السيد بحر العلوم و غيرهما قدّس سرّهم، لأنّ أخذه في التعريف يوجب خروج بيع المكره عن الحدّ، مع أنه بيع عندهم إذا لحقه الرضا، بل بدونه أيضا في بعض الموارد كبيع الحاكم في موارد جواز إكراهه البائع عليه، فإنّ البيع صحيح مع عدم التراضي.

و إلى: العدول عن «العوض» إلى «مال» من جهة أعمية العوض من المال، لشموله لجملة من الحقوق كحقّ السلام و حقّ ولاية الأب و الجد على الصغير، و حق الحضانة، و نحوها مما لا يصدق عليه المال مع صدق العوض عليها، على ما قيل. و قد تقدم تحقيق الحال في بحث الحقوق، و أنّ ما يقبل منها الإسقاط فقط- أو مع النقل- مال عرفا، فلا مانع من جعله عوضا في البيع.

(1) وجه زيادة لفظ «الإنشاء» في التعريف هو: كون البيع تمليكا إنشائيا لا تمليكا خارجيا أي ممضى شرعا، أو عقلائيا، لأنّ ما بيد البائع هو التمليك الإنشائي، و الملكية الشرعية أو العقلائية خارجة عن حيّز قدرته، فلا معنى لإيجادها بالإنشاء، فإن كان ما أنشأه واجدا لشرائط البيع الصحيح العرفي و الشرعي ترتّبت الملكية على إنشائه، و إلّا فلا.

______________________________

[1] لا بأس بالبحث إجمالا عن حقيقة الإنشاء، فنقول: نسب إلى المشهور الإيجاد و التسبيب، بمعنى ترتب عناوين العقود و الإيقاعات على الصيغ الإنشائية ترتب المسببات على أسبابها.

لكن أنكر ذلك جمع من الأعيان و ذهب كل منهم إلى أن حقيقة الإنشاء أمر آخر، فاختار شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه أن ترتب العناوين المعاملية على الصيغ كترتب ذوات الآلة على آلاتها.

و ذهب شيخنا المحقق العراقي قدّس سرّه إلى اشتراك الإخبار و الإنشاء في الحكاية عن نسبة إيقاعية، و إنّما يفترقان في المحكي، و وافقه السيد المحقق الخويي قدّس سرّه إلا أنه قال بأنّ الإنشاء اعتبار نفساني و إبرازه بمبرز، فالبيع مثلا مجموع الأمرين، لا محض الاعتبار، و لا الإبراز المجرّد عن الاعتبار.

و أبدى المحقق الأصفهاني قدّس سرّه نظرا آخر، فقال إنّ الإنشاء إيجاد نفس الأمر الاعتباري

ص: 198

______________________________

بوجود لفظي في قبال وجوده في أفق الاعتبار. هذا.

و يمكن أن يستدلّ للمشهور- و هو الإيجادية بمعنى التسبيب- بتمهيد أمور:

أحدها: أنّ الإنشاء لغة هو الخلق، ففي الصحاح: «أنشأه اللّه: خلقه». و في المجمع:

«أنشأكم، أي: ابتدأكم و خلقكم ..، و النشأة الأخرى: الخلق الثاني» «1» و لم يثبت نقله الى معنى آخر، فالإنشاء هو الإيجاد و الخلق، و ليس الإبراز مرادفا له و لا مما يؤدّي معناه، حيث إنّ الإبراز هو الإظهار. قال في المجمع: «و ترى الأرض بارزة أي: ظاهرة» «2» و من المعلوم أنّ الإبراز مترتب على الوجود، لأنّه إظهار، و هو منوط بوجود شي ء قبل الإظهار، فلا يكون الإبراز إنشاء أي إيجادا.

ثانيها: أنّ كل معنى يتصف بالوجود اللفظي حين الاستعمال، سواء أ كان ذلك المعنى موجودا عينيا أم ذهنيا، و سواء أ كان جوهرا أم عرضا. و لكن هذا الوجود اللفظي ليس محل البحث في إيجاد المعنى باللفظ في الإنشاء، إذ المقصود به وجوده في وعاء الاعتبار، هذا.

ثالثها: أنّ ترتب الوجود الخارجي و كذا الصفات النفسانية على الألفاظ ترتب المعلول على العلة بمكان من الإمكان، بل واقع، كتأثير الكلام العنيف في اصفرار وجه الوجل. و كتأثير ذكر النار و دركاتها و شدة عذابها في حصول الخوف الذي هو من صفات النفس. و من المعلوم أنّه لا فرق بين الوجود الخارجي و الوجود الاعتباري في إمكان عليّة اللفظ لهما، بل الثاني أهون من الأوّل، لأنّه اعتبار محض، بخلاف الوجود الخارجي.

فدعوى إمكان إيجاد المعنى في الجملة في وعاء الاعتبار باللفظ- سواء أ كان المعنى خارجيا أم اعتباريا و سواء أ كان معنى حقيقيّا للفظ أم غيره كالأمثلة المتقدمة من اصفرار وجه الوجل بالكلام العنيف و نحوه- غير مجازفة.

رابعها: أنّ المسلّم عدم اتصاف الإنشاء بالصدق و الكذب، و إنّما المتصف بهما هو الإخبار، و حينئذ فإن قلنا: إنّ الإنشاء هو الإبراز بمعنى إظهار ما في النفس فلا بد من اتّصافه

______________________________

(1): مجمع البحرين، ج 1، ص 415 و 416

(2) مجمع البحرين، ج 4، ص 6

ص: 199

______________________________

بالصدق و الكذب، لأنّ إظهار ما في النفس إخبار و حكاية عن الشي ء الموجود فيها من صفة أو اعتبار كالوجوب، فإن كان هذا الإظهار- الذي يكون إخبارا و حكاية عن وجود صفة أو اعتبار في النفس- مطابقا للواقع، بأن كان المبرز موجودا في النفس كان الإبراز متصفا بالصدق، و إلّا فهو موصوف بالكذب.

و إن قلنا: إنّ الإنشاء هو الإيجاد بأن يكون اللفظ موجدا لما لم يكن موجودا قبل الإنشاء لم يتصور الاتصاف بالصدق و الكذب، إذ ليس للنسبة الكلامية خارج تطابقه أو لا تطابقه، لوضوح أنّه ليس شي ء موجودا قبل الإنشاء كي يكون الإنشاء حاكيا عنه و مبرزا له، حتى ينتزع الصدق عن مطابقة الحاكي للمحكي عنه، و الكذب عن عدم المطابقة له. بل يوجد شي ء بنفس هذا اللفظ، فلا يكون اللفظ مبرزا و مخبرا عن شي ء موجود، بل هو علّة لوجود شي ء، فلا إبراز و لا حكاية أصلا.

خامسها: أنّ الإنشائية و الإخبارية من صفات اللفظ، فيقال: الكلام إمّا خبر و إمّا إنشاء.

قال في تهذيب المنطق بعد تقسيم دلالة اللفظ إلى المطابقة و التضمن و الالتزام: «و الموضوع- يعني اللفظ الموضوع- إن قصد بجزء منه الدلالة على جزء المعنى فمركّب إمّا تام خبر أو إنشاء ..

إلخ» و نحو ذلك ما في سائر الكتب الأدبية.

فلو لم يكن اللفظ موجدا للمعنى في باب الإنشاء- بل كان مبرزا للاعتبار الذي اعتبرته النفس- لم يصح توصيفه بالإنشاء. كما أنّه إذا لم يكن حاكيا عن النسبة لم يصح توصيفه بالإخبار، لأنّ هذين الوصفين حينئذ ثابتان للمدلول، فيكون الوصف باعتبار المتعلق.

إذا عرفت هذه الأمور تعرف أنّ الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى المقصود- و إخراجه عن العدم الى الوجود- باللفظ إيجادا اعتباريا، مضافا إلى إيجاده اللفظي الموجود في استعمال كلّ لفظ في معناه. كما أنّ الإخبار عبارة عن حكاية كلام عن مبدء فارغا عن ثبوته أو عدمه.

و هذا يلازم نسبة خارجية تطابقها النسبة الكلامية أو تخالفها.

بخلاف الإنشاء، فإنّ إيجاد النسبة ملازم لعدم نسبة خارجية، فإنّ وجود النسبة الخارجية شأن الحكاية المقوّمة للإخبار. و بعد اتصاف الكلام بالإخباريّة و الإنشائيّة- إذا انضمّ إليهما جهة الجدّ بالإنشاء و الحكاية- يتصف الإنشاء بالموجديّة، و الخبر بالمبرزيّة للواقع،

ص: 200

______________________________

و إلّا يبقى الإنشاء على مجرّد إنشائيّته المحفوظة مع الهزل و السخرية، و يبقى الإخبار على صرف إخباريّته، المجتمع مع الهزل و السخريّة و غيرهما.

و لا ينافي الإنشاء بهذا المعنى ما أفاده بعض مشايخنا الأساطين و سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّهما من أن حقيقة الوضع هي التعهد و الالتزام النفسي بجعل لفظ خاص أو هيئة خاصة مبرزا لقصد تفهيم أمر تعلّق به غرض المتكلم.

وجه عدم التنافي: أنّ بعض الهيئات كصيغة «افعل» وضعت لإيجاد أمر اعتباري و إيقاع المبدأ في وعاء الاعتبار على عهدة المخاطب، كما أنّ بعض الهيئات كالجملة الاسمية وضعت لإبراز قصد الحكاية عن وقوع نسبة أو لا وقوعها، فالمعنى المقصود تفهيمه في القسم الأوّل و هو إيجاد المعنى في وعاء الاعتبار، و في القسم الثاني هو الحكاية عن نسبة ثبوتية أو سلبية.

و أما غيرهما من الهيئات التي تطلق و يراد بها الإنشاء تارة و الإخبار اخرى فالموضوع له فيها هو انتساب المبدإ إلى الفاعل، و إرادة الإيجاد و الحكاية منه منوطة بقرينة خارجية، فتكون إرادة الإنشاء أو الإخبار حينئذ من باب تعدّد الدال و المدلول.

و بالجملة: فالموضوع له في الهيئات المختصة بالإخبار- كالفعل الماضي و المضارع و الجملة الاسمية- هو الحكاية عن ثبوت النسبة أو نفيها. و في الهيئات المختصة بالإنشاء كصيغة الأمر هو إيجاد الأمر الاعتباري في وعاء الاعتبار، فالمعنى الموضوع له في هذين القسمين هو المقصود بالتفهيم، و في غيرهما تفهيم المقصود بالقرينة على المراد حتى لا يلزم المجاز في الكلمة.

و الحاصل: أنّ الإخبار و الإنشاء مفهومان متغايران، لأنّ الأخبار هو الحكاية عن نسبة لها خارج تطابقه أو لا تطابقه، و الإنشاء عبارة عن إيجاد نسبة ملازم لعدم خارج لها، بل حقيقتها هي تحققها بنفس الإنشاء الناشئ عن اللفظ. فإن كان الإنشاء بداعي الجدّ ترتّب عليه المنشأ بحكم العقل أو الشرع أو العرف أو الجميع، حيث إنّ الإنشاء بهذا الداعي موضوع لحكم و موصوف بالموجدية، دون الإنشاء الهزلي، فإنّ داعي الهزل يجعل الإنشاء صوريّا و خارجا عمّا هو موضوع لاعتبار العقلاء أو الشارع.

و كذا الحال في الإخبار، فإن كان الداعي الى الإخبار الجدّ يتصف بالمبرزية للواقع، و إلّا

ص: 201

______________________________

فيبقى على خبريّته المجتمع مع الهزل و السخريّة.

فالمتحصل مما ذكرنا: أنّ الإنشاء يوجد معناه إذا كان عن جدّ، و لا ينافيه ما تقدم من معنى الوضع، لأنّا ندّعي أنّ إيجاد الأمور الاعتبارية من المعاني المقصودة بالتفهيم، فوضع الواضع هيئات خاصة لإيجادها، كما أنّ حكاية النسبة- التي لها خارج- من المعاني المقصودة بالتفهيم، فوضع لها هيئات خاصة كالجملة الاسمية. فدعوى إمكان إيجاد اللفظ للمعنى في الإنشاء غير مجازفة، هذا.

هذا كله في الانتصار لما نسب الى المشهور من الإيجاد بمعنى التسبيب.

و استدلّ المحقق النائيني قدّس سرّه على مقالته من كون ألفاظ المعاملات موجدة لتلك العناوين الاعتبارية على حدّ إيجاد الآلة لذي الآلة بما حاصله: أنّ العقود و الإيقاعات ليست من باب الأسباب و المسببات و إن أطلق عليها ذلك، بل إنّما هي من باب الإيجاد بالآلة.

و الفرق بين الأسباب و المسببات و بين الإيجاد بالآلة هو: أنّ المسبّب لم يكن بنفسه فعلا اختياريا للفاعل بحيث تتعلق إرادته به أوّلا و بالذات، بل الفعل الاختياري المتعلّق للإرادة هو السبب، فيترتّب عليه المسبب قهرا. و هذا بخلاف باب الإيجاد بالآلة، فإنّ ما يوجد بالآلة كالكتابة باستعانة القلم هو بنفسه فعل اختياري للفاعل و متعلّق إرادته، و يصدر عنه أوّلا و بالذات، ضرورة أنّ الكتابة ليست إلّا عبارة عن حركة القلم على القرطاس بوضع مخصوص، و من المعلوم أنّها بنفسها فعل اختياري صادر عن المكلف أوّلا و بالذات، بخلاف الإحراق، حيث إنّ الصادر عن المكلّف هو الإلقاء في النار لا الإحراق.

و كذا الكلام في سائر ما يوجد بالآلة من آلات النجارة و الصياغة و الخياطة و غير ذلك، فإنّ جميع ما يوجده النجّار مثلا يكون فعلا اختياريّا له، و المنشار و غيره من آلات النّجارة آلة لإيجاده.

و باب العقود و الإيقاعات كلها من هذا القبيل، فإنّ هذه الألفاظ كلّها آلة لإيجاد الملكية و الزوجية و الفرقة و غير ذلك. و ليس البيع مثلا مسبّبا توليديّا لهذه الألفاظ، بل البيع بنفسه فعل اختياري للفاعل تتعلّق إرادته به أوّلا و بالذات و يكون إيجاده بيده «1».

______________________________

(1): فوائد الأصول، ج 1، ص 81

ص: 202

______________________________

و بهذا الوجه تخلّص المحقق النائيني قدّس سرّه عن الإشكال الآتي بيانه في التمسك بإطلاق أدلة الإمضاء- لفظيا أو مقاميّا- من أنّ حلية معاملة كالبيع هل تقتضي حلية كل ما يتسبب به أم لا؟

و ذلك لأنّ معنى صحة البيع- بناء على هذا المسلك- صحة إيجاده بكل ما يكون إيجادا له بنظر العرف. هذا.

و ذهب شيخنا المحقق العراقي قدّس سرّه الى أنّ المائز بين الإخبار و الإنشاء ليس هو قصد الحكاية و الإيجاد كما ذكروه، بل كما أنّ بينهما جهة مشتركة و هي الدلالة على إيقاعية النسبة- خلافا للمركّبات الناقصة- فكذا يفترقان في أنّ المحكي في الجملة الخبرية مبدأ ثابت فارغا عن ثبوته، و أنّ المحكي في الجملة الإنشائية إيقاع المبدأ، الملازم لعدم وجود نسبة خارجية تطابقه النسبة الكلامية أو لا تطابقه. فإذا قال: «بعتك» إخبارا كان المتبادر منه إبراز نسبة ثابتة محفوظة في قبال كونه إنشاء، إذ المتبادر منه إبراز نسبة إيقاعية أوجدها المستعمل في وعائها المناسب لها.

و حيث كانت الحكاية و الإبراز عمّا في الضمير مأخوذة في استعمال الجملة في الإخبار تارة و الإنشاء اخرى جرى فيهما قصد الجدّ و الهزل، و يكون قصد الإيجاد من أطوار الإنشاء لا مقوّما له، و إلّا لزم لحاظ الإيجاد مرّتين لو قصد موجديّة الإنشاء لمضمونه، و هو خلاف الوجدان «1».

و بهذا البيان يجاب عن بعض ما أورده القائل بالايجادية على هذا القول أعني به اشتراك الإنشاء و الاخبار في جهة الإبراز و الحكاية، و افتراقهما في المبرز و المحكي.

و رتّب قدّس سرّه على هذا المبنى كون الإنشاء في باب الأحكام التكليفية من وسائط إثبات الإرادة، لأنّ قول المولى «صلّ» مثلا يدل على إيقاع المادة- أعني بها الصلاة- على المخاطب، و هذه النسبة الإيقاعية من لوازم الطلب القائم بنفس المولى، فيكون «صلّ» مبرزا لذلك الطلب الحقيقي، و يترتب على هذا الإبراز الوجوب و البعث و التحريك و نحوها من العناوين، فلا توجد هذه العناوين بنفس الإنشاء، بل توجد بإبراز الطلب النفساني الذي يكون إبرازه منشأ لاعتبار عنوان الوجوب و البعث مثلا، فالإنشاء واسطة في إثبات الوجوب، لا واسطة ثبوتية له.

______________________________

(1): مقالات الأصول، ج 1، ص 25 (الطبعة الحجرية)، نهاية الأفكار، ج 1، ص 56 الى 58

ص: 203

______________________________

و هذا بخلاف الإنشاء في باب العقود و الإيقاعات، فإنّه من الوسائط الثبوتية، لمضامينها التي هي حقائق اعتبارية «1».

هذا كله في الفرق بين الإنشاء و الإخبار ثبوتا. و أمّا في مقام الإثبات فحيث إن طبع هذه الجمل كان على الحكاية عن واقع ثابت فيحمل الكلام على الإخبار، و يتوقف إرادة الإنشاء على قرينة صارفة عن الحكاية عن الواقع الثابت إلى إبراز الإيقاع الذي هو خروج النسبة من العدم الى الوجود «2». هذا.

و ذهب سيّدنا الخويي قدّس سرّه الى هذا المسلك ببيان آخر، محصّله: أنّ الإنشاء و الإخبار يشتركان في كون كل منهما مبرزا لمقاصد المتكلم في مقام التفهيم، و يستعمل اللفظ في كل منهما في معناه الموضوع له. و يفترقان في أنّ الجمل الإنشائية بما لها من الهيئات الخاصة وضعت لإبراز الأمور النفسانية سواء أ كانت من الاعتباريّات كالملكية و الزوجية و الوجوب و الحرمة و غيرها، أم من الصفات كالتمني و الترجّي و نحوهما، و لمّا لم يكن في مواردها خارج- تطابقه النسبة الكلامية أو لا تطابقه- لا تتصف بالصدق و الكذب، بخلاف الجمل الخبرية، فإنّ المعنى الموضوع له فيها- المبرز بها- لمّا كان عبارة عن قصد الحكاية، و هو متصف بالصدق و الكذب- اتصف بأحدهما لا محالة بالتبع.

فالفرق بين الخبر و الإنشاء ليس من ناحية دواعي الاستعمال كما ذهب إليه صاحب الكفاية قدّس سرّه، بل من ناحية الوضع الذي هو التعهد و الالتزام النفساني بجعل لفظ خاص أو هيئة خاصة مبرزا لقصد تفهيم أمر تعلق غرض المتكلم بتفهيمه.

و ما اشتهر من أنّ «الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ» ممنوع، إذ الإيجاد إمّا تكويني كإيجاد الجواهر و الأعراض، و هو ضروري البطلان، لعدم كون الألفاظ من سلسلة علل وجود الموجودات الخارجية، بل لها علل و معدّات أجنبية عن عالم الألفاظ. و إمّا اعتباري كايجاد الوجوب و الحرمة و الملكية و الزوجية و نظائرها من الأمور الاعتبارية. و هو أيضا كذلك،

______________________________

(1): مقالات الأصول، ج 1، ص 26

(2) نهاية الأفكار، ج 1، ص 58

ص: 204

______________________________

ضرورة كفاية نفس اعتبار المعتبر في وجودها في وعاء الاعتبار بلا حاجة الى اللفظ أصلا، و إنّما اللفظ مبرز له و حاك عنه.

و عليه فالصحيح أنّ الإنشاء مبرز للاعتبار النفساني لا موجده.

هذا محصل ما أفاده قدّس سرّه «1» في مواضع. و أضاف إليه في بعض كلماته: أنّ العناوين المعاملية ليست هي مجرد الأمور النفسانية الموجودة في أفق الاعتبار فحسب حتى يكون اللفظ مجرّد مبرز لها، بل البيع مثلا لا يترتب عليه الأثر عرفا و شرعا إلّا بإبرازه، فموضوع الأثر مجموع المبرز و المبرز. «2» هذا.

و يمكن أن يورد على القول بالإبراز أوّلا: بأن الإبراز و الكشف يستلزمان حصول المنشأ بكلّ ما يدلّ عليه و يبرزه و لو غير اللفظ من إشارة أو كتابة أو إلقاء حصاة أو فتح باب أو غير ذلك، لأنّ هذا من لوازم العناوين المشيرة التي لا دخل لها في هويّة العناوين المحكية بها و المشار إليها. و الالتزام بذلك كما ترى.

و أمّا ثانيا: فلاستلزام ذلك كون الإنشاءات بأسرها إخبارا، لأنّها حاكية عمّا في النفس، فإن كانت النسبة الكلامية مطابقة لما في النفس فهي صادقة، و إلّا فهي كاذبة، فتتصف بالصدق و الكذب. و هذا خلاف ما اتفقت عليه كلمتهم من أنّ الإنشاء لا يتصف بالصدق و الكذب، و إنّما المتصف بهما هو الخبر فقط.

و أمّا ثالثا: فلاستلزامه كون الأحكام الشرعية هي الطلب و الكراهة الحقيقيّين القائمين بالنفس اللّذين هما من الأمور الخارجية المباينة للأمور الاعتبارية.

و هذه الوجوه يمكن التفصّي عنها- أو عن بعضها- بما تقدم في كلامي شيخنا المحقق العراقي و السيد المحقق الخويي قدّس سرّهما.

و قد يفرض للقول بالإبراز وجه آخر غير ما أفاده العلمان، و محصله: أنّ إيجاد الأمر الاعتباري الشرعي أو العقلائي ليس بيد المنشئ، و إنّما بيده إيجاد موضوع ذلك الأمر الاعتباري كالسفر و الحضر، فانّ المكلف لا يتمكّن من إيجاد حكمهما و هو وجوب القصر أو التمام، لكنه يقدر على إيجاد موضوعهما أعني به السفر و الحضر اللّذين هما موضوعا وجوب

______________________________

(1): أجود التقريرات، ج 1، ص 26 و 27

(2) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 53

ص: 205

______________________________

القصر و التمام. و الألفاظ لم توضع إلّا لتفهيم المقاصد و ما في الضمائر، و هذا من الأفعال الاختيارية، فما بيد المتكلم هو إبراز ما في نفسه باللفظ سواء أ كان صفة راسخة فيها كالشجاعة، أم اعتبارا- كالملكية و الزوجية و الرقية و نحوها من الاعتبارات الشرعية أو العقلائية، فإنّ إيجاد تلك الاعتبارات في وعاء الاعتبار بيد معتبرها من الشارع أو العقلاء.

و عليه فمقتضى عدم اختياريّة تلك الاعتبارات للمتكلم، و كون الألفاظ مبرزة للمعاني المقصودة- حيث إنّ الغرض من وضع الألفاظ هو المبرزية و الحكاية عن المقاصد، على اختلافها في التفهيم من كونها حكاية عن نسبة لها خارج أو عن إيجاد نسبة- هو كون الإنشاء عبارة عن إبراز نسبة إيجادية، فإن كان ما في النفس إيجاد نسبة بين الصلاة مثلا و بين المخاطب و إيقاع المادة عليه فيبرزه بقوله: «صلّ» أو كان ما في النفس ملكية دار معيّنة لزيد، أو زوجية هند له، فيبرزه بقوله: «بعت، أو زوّجت» فإذا أبرز ما في النفس بألفاظ وضعت لإفهامها و إبرازها اعتبر العقلاء أو الشرع في عالم الاعتبار ذلك الاعتبار المقصود له الكامن في نفسه.

فالإخبار و الإنشاء يشتركان في الإبراز عمّا في النفس كما هو الغرض من وضع الألفاظ، و يفترقان في المبرز، لأنّه في الإنشاء قصد إيجاد نسبة، و في الإخبار قصد الحكاية عن نسبة لها خارج تطابقه أو تخالفه، فلذا يتصف الخبر بالصدق و الكذب، بخلاف الإنشاء، لأنّه إيجاد نسبة كانت معدومة، فليس لها خارج حتى يتصف بالصدق و الكذب.

و الحاصل: أنّ الأمرين المتقدمين- و هما: كون الألفاظ موضوعة لتفهيم المقاصد و ما في الضمائر، و كون الأمر غير الاختياري غير قابل للإيجاد- يقتضيان أن يكون موضوع الأمر الاعتباري بيد المتكلم، لا نفس الاعتبار، فإنّ ذلك من شأن معتبره من العقلاء أو الشرع.

فالمتكلم حين تلفظه بقوله: «بعت» مثلا يبرز ما في نفسه من تبديل ماله بمال، فيبرز هذا المقصود بلفظ «بعت» المستعمل فيما وضع له. و هذا الإبراز موضوع لحكم الشرع أو العقلاء بالملكية. و هكذا التزويج و نحوه. فالاختلاف بين الإنشاء و الإخبار إنّما هو في الوضع، لا في القصد كما عليه صاحب الكفاية، و لا يرد عليه شي ء مما أسلفناه كما هو ظاهر بالتأمّل.

لكن هذا التقريب لا يخلو أيضا من تأمل، فإنّ مصبّ النزاع في إيجادية الإنشاءات

ص: 206

و لا يلزم (1) عليه شي ء ممّا تقدّم.

[مناقشات في التعريف المختار]
اشارة

نعم (2)

______________________________

(1) أي: لا يرد على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» شي ء من الإشكالات المتقدمة على تعريفه بالانتقال أو بالعقد أو بالنقل بالصيغة، نعم تبقى وجوه من المناقشة في التعريف المتقدم تعرّض المصنف قدّس سرّه لجملة منها، و نتعرض- بعدها- لجملة أخرى منها في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

مناقشات في التعريف المختار

(2) استدارك على قوله: «لا يلزم» يعني: أنّ إشكالات سائر التعاريف و إن لم ترد على تعريف المتن، لكن هنا وجوه اخرى ربما يتوهم ورودها عليه، فلا بد من ذكرها و بيان سلامة التعريف منها.

و ليعلم أنّ جملة من الوجوه- التي تعرّض المصنف لها- لا تختص بتعريفه، بل يشترك فيها تعريف البيع بالعقد أو بالانتقال أو بالنقل، فإنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه أورد بها على تعريف المحقق بالعقد كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

و مبرزيّتها هو فعل المنشئ، سواء في إنشاء الشارع في مقام التشريع كاعتبار اللابدية و الحرمان أو اعتبار البعث و الزجر النسبيين، أم في إنشاء العقلاء، أم في إنشاء كل من له إنشاء، و قد تحقق في محلّه- و سيأتي التنبيه عليه- أنّ الملكية و نحوها من الاعتباريات تكون بيد المنشئ سواء قلنا بالإيجاد أم بالإبراز، و ليس للعرف و الشرع إلّا الاعتبار المماثل.

و عليه فلا وجه لجعل إنشاء المنشئ إبرازا و إمضائه عقلا و شرعا إيجادا له في وعاء الاعتبار، بل إمّا أن يلتزم بالإيجاد في المراحل الثلاث و هي فعل المنشئ و اعتبار العقلاء و الشارع، أو بالإبراز فيها.

هذا بعض الكلام في المسألة، و تحقيقه موكول إلى علم الأصول.

و الإنصاف أنّ المسألة لا تخلو من إعضال، فكلّ على ما يختاره ثمة، و اللّه الهادي إلى الصواب.

ص: 207

يبقى عليه (1) أمور:

[ا توقف التعريف على جواز الإنشاء بالتمليك]

منها (2): أنّه موقوف على جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» و إلّا (3) لم يكن مرادفا له.

و يردّه (4): أنّه (5) الحق كما سيجي ء (6) [1].

______________________________

(1) أي: على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال».

أ- توقف التعريف على جواز الإنشاء بالتمليك

(2) هذا أوّل الإشكالات التي أوردها المصنف على تعريفه البيع بما ذكره، و محصله: أنّ هذا التعريف يتوقّف صحته على جواز إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» و وجه التوقف واضح، إذ المفروض تفسير ماهية البيع بالتمليك الإنشائي، فلو لم يصح إنشاء البيع بلفظ التمليك امتنع تفسيره به، لاحتمال كون حقيقته أمرا آخر غير التمليك. و عليه فصحة التعريف موقوفة على جواز إنشاء البيع بالتمليك، فإن جاز إنشاؤه به صحّ تعريفه به، و إلّا فلا.

(3) أي: و إن لم يجز الإيجاب بلفظ «ملّكت» لم يكن التمليك مرادفا للبيع، و لم يصح حينئذ تعريف البيع بإنشاء التمليك.

(4) هذا جواب الإشكال الأوّل، و حاصله: الالتزام بجواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» فلا محذور من هذه الناحية في تعريف البيع بإنشاء التمليك، فالترادف ثابت بين المادّتين.

(5) أي: أنّ جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» هو الحق.

(6) سيأتي تصريحه بجواز الإنشاء بلفظ «ملّكت» في موضعين:

أحدهما: قوله في جواب الاشكال الخامس على تعريف البيع: «فلو قال: ملكتك كذا بكذا كان بيعا، و لا يصح صلحا و لا هبة معوّضة و ان قصداهما ..».

ثانيهما: في المقدمة المعقودة لألفاظ العقود- بعد تنبيهات المعاطاة- حيث قال: «و منها:

لفظ- ملّكت- بالتشديد».

______________________________

[1] ظاهره تسليم الاشكال، و أنّ تعريف البيع بالتمليك يلزمه جواز إنشائه به، لكن

ص: 208

______________________________

يمكن منع الملازمة كمنع الترادف بينهما.

أمّا منع الملازمة بين تعريف العنوان المعاملي بمادة خاصة و جواز الإنشاء بها فلإمكان اعتبار الإنشاء بلفظ خاص، و عدم الاكتفاء بمطلق ما يدلّ عليه، فإنّ الطلاق الذي حقيقته البينونة بين الزوجين لا يتعين إنشاؤه بصيغة خاصة، و لا يقع بلفظ البائن الصريح في المنشأ.

و عليه فالمهم في التعريف اتّحاد الحدّ و المحدود ذاتا و اختلافهما بالإجمال و التفصيل، فلا مانع من صحة تعريف البيع بالتمليك مع عدم جواز الإنشاء به.

إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الترادف جواز إنشاء الطلاق بالبينونة أيضا لو لا التعبد الشرعي، و حيث إنه لم يؤخذ في البيع خصوص لفظ «بعت» فلا بد من الالتزام بجواز إنشائه بالتمليك.

و أمّا منع الترادف فلأنّ مفهوم البيع هو التبديل لا التمليك. و ما عن فخر المحققين قدّس سرّه من «أن بعت في لغة العرب ملكت غيري» معارض بما عن الشهيد الثاني من «أنّ- ملّكت- يفيد معنى غير البيع».

نعم التمليك يلزم البيع غالبا، و لذا جعله العلامة من الكنايات، هذا أولا.

و ثانيا: أنّ جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» على فرض ثبوته أعم من المرادفة، إذ يمكن أن تكون دلالته على البيع مع قرينة و لو مقاميّة، فالدلالة على البيع تكون من قبيل تعدد الدال و المدلول. فلعلّ التمليك بمنزلة الجنس للبيع أو من لوازمه، و القرينة المقامية أو غيرها تدلّ على النوع و هو البيع. كما أنّ عدم جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» لا يدل على عدم الترادف بعد إمكان التعبّد في صيغ العقود، فتدبّر.

و ثالثا: أنّ التعريف لم يكن بلفظ التمليك حتى يتوجه عليه هذا الاشكال، بل كان بإنشاء التمليك، فالإشكال المتوجه عليه هو استلزامه جواز إنشاء التمليك، و هو عين إشكال عدم قابلية الإنشاء للإنشاء، حيث إنّ التبديل متضمن للإنشاء، فيلزم إنشاء إنشاء الملكية.

ص: 209

[ب خروج بيع الدين عن التعريف]

و منها (1):

______________________________

ب- خروج بيع الدين عن الحدّ

(1) هذا ثاني الإشكالات التي أوردها المصنف قدّس سرّه على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» و حاصله: عدم جامعية التعريف لأفراد البيع، و ذلك لأنّ مقتضى أخذ التمليك في حقيقة البيع هو صيرورة المشتري مالكا للمبيع، كمالكية البائع للثمن، فلو لم يترتب عليه مالكية المشتري له لم يكن بيعا، و من المعلوم عدم صدق التعريف على بيع الدين على المديون، إذ لا يصير المشتري مالكا لمال على نفسه.

مثلا: لو كان زيد مديونا لعمرو بمنّ من الحنطة، فباعه عمرو على زيد بدينار، فإنّ المشتري لم يتملك شيئا في هذه المعاملة، لعدم معقولية تملك الإنسان شيئا على عهدة نفسه، و إذا امتنع التملك امتنع تمليك البائع إيّاه، لتضايف التمليك و التملّك، فلا يفيد بيع الدين تمليك الدين للمديون، و إنّما يؤثّر في سقوط ما في ذمته.

و عليه فلازم عدم ترتّب انتقال الملك- في بيع الدين- هو عدم صحة إطلاق البيع عليه، مع أنّ كون «بيع الدين» من أفراد البيع لعلّه مما لا خلاف في مشروعيّته و صحته في الجملة، قال العلامة قدّس سرّه: «قد بيّنّا أنه يجوز بيع الدين، و هو مذهب علمائنا، و لا فرق بين بيعه على من هو عليه أو على غيره» «1».

و في الجواهر: «يجوز بيع الدين- بعد حلوله- على الذي هو عليه، بلا خلاف فيه بيننا و لا إشكال، بل و على غيره، وفاقا للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، بعد انحصار الخلاف في الحلّي «2»، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع ..» «3».

و الحاصل: أنّ بيع الدين على الغريم بيع حقيقة، مع أنّ أثره سقوط الدين، و لا تمليك فيه.

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 379

(2) راجع السرائر، ج 2، ص 38 الى 40

(3) جواهر الكلام، ج 24، ص 344

ص: 210

أنّه (1) لا يشمل بيع الدين على من هو عليه (2)، لأنّ (3) الإنسان لا يملك مالا على نفسه.

و فيه (4)- مع ما

______________________________

و هذا النقض يوجب بطلان تعريف البيع بإنشاء التمليك. بل لا بد من تعريفه بما ينطبق على بيع الدين و نحوه مما لا يترتب عليه تبديل إضافة الملكية.

ثم لا يخفى أنّ هذا النقض- لو تمّ في نفسه- لا يختص بتعريف المصنف، بل يرد على التعاريف المتقدمة أيضا، إذ كما لا يتملك المديون ما في ذمة نفسه، فكذا لا ينتقل إليه شي ء، و عليه فلا بد من علاج الاشكال على جميع التعاريف، هذا.

(1) أي: أنّ هذا التعريف غير جامع لأفراد البيع.

(2) تقييد بيع الدين ببيعه على خصوص المديون إنّما هو لأجل إفادته التمليك لو باع الدائن دينه للأجنبي، فيصير المشتري مالكا للكلّي في ذمة المديون بدلا عن مالكية البائع له.

و على هذا فإشكال عدم اطّراد التعريف مختص بما إذا كان المشتري للدين هو المديون، لا الأجنبي.

(3) محصل هذا التعليل: أنّ عنواني «المالك و المملوك عليه» متقابلان كتقابل عنواني «المسلّط و المسلّط عليه» و من المستحيل اتحاد المتقابلين، فإذا بني على جواز تملك المديون لما في ذمة نفسه لزم وحدة المتقابلين و هما المالك و المملوك عليه، و هذا المحذور ألجأ بعضهم الى القول بأن بيع الدين على المديون يفيد السقوط لا الملك.

(4) هذا جواب الإشكال الثاني على تعريف البيع، و هو يرجع الى وجهين، أحدهما:

تقدّم في القسم الثاني من أقسام الحقوق، و أضاف إليه هنا تنظيره بباب التهاتر، و ثانيهما: نقض على المستشكل، و أنّ الإشكال لا يختص بتعريف البيع بإنشاء التمليك، بل يرد على تعريفه بالنقل و الانتقال أيضا، فلا بدّ من علاجه على جميع التعاريف.

هذا إجمال الوجهين.

أمّا توضيح الوجه الأوّل فهو: أنّه لا مانع من تعريف البيع ب «إنشاء التمليك» و ترتب الملكيّة عليه في جميع الموارد حتى في بيع الدين على المديون، و لا منافاة بين مالكية المديون لما

ص: 211

..........

______________________________

في عهدة نفسه و بين سقوطه عنه، لأنّ الممتنع هو تملك الإنسان لمال على نفسه حدوثا و بقاء، و أمّا تملّكه له حدوثا فقط ثم سقوط المال عن ذمته فليس بممتنع. فالمقام- من حيث التملك آنا ما ثم السقوط- نظير أن يكون زيد مديونا لعمرو دينارا، و اشترى عمرو منه متاعا بدينار كلّي في ذمته، فإنّ الدينارين يسقطان عن كلتا الذمّتين بالتهاتر.

و عليه فلم ينتقض تعريف المصنف ببيع الدين أصلا، لفرض دخول المبيع الكلّي في ملك المديون آنا ما، و هذا المقدار كاف في صحة البيع، و لا يعتبر فيه تأثيره في بقاء المبيع على ملك المشتري.

و أمّا توضيح الوجه الثاني فهو: أنّ إشكال عدم جامعية التعريف لأفراد المعرّف لا يختص بما إذا كان البيع بمعنى التمليك، بل هو مشترك الورود على تعريفه بالانتقال أو بالنقل أو بالعقد الدال على أحدهما، إذ لو كانت نتيجة بيع الدين على من هو عليه مجرّد فراغ الذمة لا التملّك كان تعريفه بالنقل و الانتقال منتقضا أيضا ببيع الدين، لفرض عدم انتقال شي ء إلى المديون.

و عليه فلا وجه لإيراد هذا المحذور على خصوص تعريف المصنف قدّس سرّه بل اللازم- على من عرّفه بالنقل و شبهه- التفصّي عن هذا الاشكال، و تصحيح بيع الدين على المديون على كلّ حال، سواء أ كان البيع هو التمليك، كما عن فخر المحققين، حيث قال فيما حكي عنه: «انّ بعت في لغة العرب بمعنى ملّكت غيري» «1» أم هو المبادلة أم النقل، لأنّ عدم معقولية مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه يوجب عدم معقولية البيع، الذي هو عبارة في العرف و اللغة عن المبادلة و النقل و التمليك و ما يساويها من الألفاظ.

و الحاصل: أنّ استحالة تملك الشخص لما في ذمته يوجب عدم معقولية بيع الدين مطلقا حتى لو عرّفنا البيع بالمبادلة و النقل، مع أنّ من عرّفه بالانتقال- كشيخ الطائفة و العلامة و غيرهما، أو بالعقد الدال على نقل الملك كما في الشرائع- صرّح بجواز بيع الدين ممّن هو عليه،

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 152

ص: 212

عرفت (1) و ستعرف (2) من تعقل تملك ما على نفسه، و رجوعه (3) إلى سقوطه عنه (4)، نظير (5) تملك ما هو مساو لما في ذمته و سقوطه (6) بالتهاتر- أنّه (7) لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع، إذ ليس للبيع لغة و عرفا معنى غير المبادلة و النقل و التمليك

______________________________

كما تقدم في عبارة المختلف و الجواهر.

(1) يعني: في القسم الثاني من الحقوق، حيث قال: «لأنّه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط .. و الحاصل: أنه يعقل أن يكون مالكا لما في ذمته، فيؤثّر تمليكه السقوط».

(2) يعني: بعد أسطر، حيث يقول: «فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه، لم يعقل شي ء مما يساويها .. إلخ».

(3) أي: و رجوع التملّك، يعني: أنّ مآل تملك الإنسان لما في ذمة نفسه هو سقوط الدين الذي كان في ذمته.

(4) أي: سقوط ما على عهدته عن نفسه.

(5) كالمثال المتقدم آنفا من كون زيد مديونا لعمرو دينارا، ثم شراء عمرو من زيد متاعا بدينار كلّي نسيئة، إذ يتساقط الديناران عن الذمتين قهرا.

و غرضه من هذا التنظير رفع الاستبعاد عن سقوط ما في الذمة قهرا بدون الإسقاط في بيع الدّين على المديون، و أنّ السقوط يترتب على مالكية المديون لما في ذمته آنا ما. و ليس الغرض من هذا التنظير ما أفاده بعض المحشين من «مجرّد رفع الاستبعاد عن سقوط ما في الذمة قهرا بدون الاسقاط» «1» بل المقصود إثبات مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما أيضا حتى يتجه بيع الدين من المديون.

(6) أي: سقوط ما في ذمة المديون بسبب التهاتر القهري.

(7) هذا و بعده مرفوع محلّا لكونه مبتدأ مؤخرا لقوله: «و فيه» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني مما أجاب به عن الاشكال، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «و أما توضيح الوجه الثاني فهو .. إلخ».

______________________________

(1): هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 152

ص: 213

و ما يساويها من الألفاظ، و لذا قال (1) فخر الدين: «ان معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري» فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شي ء ممّا يساويها، فلا يعقل البيع (2).

______________________________

(1) مقصوده قدّس سرّه جعل كلام فخر المحققين قدّس سرّه شاهدا على أنّ معنى البيع في اللغة و العرف هو التمليك، فإذا لم يتحقق «تمليك الغير» في مثل بيع الدين من جهة استحالة تملك الإنسان لما في ذمة نفسه لم يعقل النقل و المبادلة أيضا، لاتحاد هذه العناوين مفهوما، و حيث إنّ القائلين بأن البيع هو الانتقال أو العقد أو المبادلة صرّحوا بصحة بيع الدين، فلا بدّ من صحته بناء على كونه التمليك أيضا. و ينحلّ الاشكال بحصول النقل و الملك و المبادلة آنا ما، ثم يسقط الدين عن المديون.

(2) مع أن البيع بمعنى النقل و الانتقال معقول في بيع الدين، فليكن معقولا بناء على تعريفه بالتمليك [1].

______________________________

[1] ما أفاده قدّس سرّه في بيع الدين من تصحيحه بالالتزام بالملكية آنا ما و من تنظيره بالتهاتر لا يخلو من تأمل.

أمّا تأثيره في الملكية ثم سقوط الدين عن المديون ففيه: أنّ السقوط إن كان معلولا لمالكية الإنسان لما في ذمة نفسه فمن المعلوم عدم معقولية تأثير الشي ء في عدم نفسه. و إن كان للغوية بقاء الملكية فمانع البقاء مانع الحدوث أيضا، إذ لو لم يكن مانع عن التمليك فلم يسقط، و إن كان مانع عنه فلم يثبت.

و بالجملة: محذور استحالة اجتماع المتقابلين كما يمنع من البقاء كذلك يمنع من الحدوث، نعم لو كان المانع شرعيا كما في مالكية العمودين تعيّن الالتزام بالملكية الآنامائية جمعا بين الأدلة.

إلّا أن يقال: بأجنبية المقام عن المحذور العقلي، إذ حكم العقلاء بالسقوط كحكمهم بالملكية اعتباري لا حقيقي، و لو لأجل لغوية اعتبار مالكية الشخص لما على عهدة نفسه،

ص: 214

______________________________

و هذا المقدار لا يزاحم الإجماع على جواز بيع الدين على من هو عليه، فيلتزم بالملكية الآنية.

و لكنّك خبير بأنّ منشأ الاشكال أخذ التمليك في البيع، فلو نوقش فيه- كما تقدم في جعل إسقاط الحق عوضا- لم تكن منافاة بين صحة بيع الدين و تأثيره السقوط من أوّل الأمر بعد المناقشة في اعتبار التمليك في البيع، فيكون نفس سقوط الدين عوضا من دون حاجة الى اعتبار سبق ملكية الدين للمديون في سقوطه عنه.

و أمّا تنظيره بالتهاتر فيمكن منعه أوّلا: بالفرق بين البابين، بأنّه في بيع الدين تتّحد الذمة المالكة و المملوكة، و لا بدّ حينئذ من الالتزام بالسقوط، و إلّا يلزم كون الإنسان مديونا لنفسه، و ذا حقّ المطالبة على نفسه. بخلاف باب التهاتر، لتعدد الذمة فيه، و إنّما أوجبت المماثلة بين ما عليهما براءتهما.

و ثانيا: بأنّ التهاتر- فيما إذا أتلف الدائن مماثلا لما له في عهدة المديون- و إن كان مشهورا بين الفقهاء، لكن يمكن منعه بصيرورة كل منهما مديونا للآخر، و يتوقف براءة الذمة على الصلح أو الإبراء كما ذهب إليه المحقق الأردبيلي قدّس سرّه حيث قال معلّقا على كلام العلامة:

«و من عليه حقّ، و له مثله تساقطا، و إن كان مخالفا افتقر إلى التراضي» ما لفظه: «لعلّ دليله ما يظهر أنّ الحقّين متساويان من غير فرق و مرجّح، فيبرء ذمة كل واحد بما له في ذمة الآخر، و لا يظهر دليل آخر.

و ينبغي التراضي، لأن شغل الذمة معلوم، و لا تحصل البراءة إلّا به شرعا، إذ لكلّ حقّ يمكن أن يكون له طلبه و استيفاؤه، و لا يمنع من ذلك حقّه في ذمته، كما في الحدود و التعزيرات. و لا شك أنّ الأحوط هو التراضي من الجانبين بالإبراء و الصلح و نحوهما، كما إذا كان مخالفا ..» «1».

و هو في غاية المتانة، إذ لا دليل على أن مجرد المماثلة بين ما في الذمتين يكون مسقطا قهريّا، خصوصا مع تنظيره بباب الحدود و التعزيرات، كما لو قذف شخصان كل منهما الآخر، فإنّ اشتغال الذمة قطعي، و مجرّد المماثلة لا يسقط الحد و لا الاستحلال، فليكن كذلك في

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 99

ص: 215

______________________________

الحقوق المالية. هذا.

و منه يظهر غموض الوجه الثاني أيضا، فإنّه التزام بالإشكال لا جواب عنه، إذ لا مناص- من محذور استحالة ملك الشخص لما في ذمته- بجعل البيع نقلا أو مبادلة بناء على إرادة التبديل في إضافة الملكية أو في طرفي الإضافة. فالإشكال كلّه ينشأ من تخصيص البيع بالتمليك، فمع إنكار إطلاقه لا مانع من صحة بيع الدين على من هو عليه و إن كان فائدته السقوط لا الملك حتى آنا ما.

إلّا أن يشكل صدق البيع عليه من جهة اعتبار عينية المبيع، المختصة بالعين الخارجية و الكلّية الذمية التي يترقّب وجودها خارجا كالمبيع سلفا. و أمّا الدين فحيث إنه يمتنع وجوده ببيعه على من هو عليه فلا يصح، فتأمل.

و عليه فلا بد من أن يكون حقيقته الإبراء بالعوض، و إطلاق البيع عليه لا يخلو من مسامحة. و صحته بعنوان البيع و إن كان إجماعيا كما ادعاه الحلي و العلامة و غيرهما، إلّا أنّه محتمل الاستناد إلى إطلاق الأدلة و خصوص ما ورد في نصوص بيع الدين بأقلّ منه، و لا مناص إمّا من التوسعة في مفهوم البيع، و إمّا من إرادة جواز أخذ الدائن مالا من غريمه بإزاء إبراء ذمته عن الدين.

كما يمكن تصحيحه بجعله من باب الهبة المشروطة، بأن يهب المديون شيئا للدائن على أن يبرئ ذمّته، و يكون عوض الهبة نفس الإبراء الذي هو فعل يبذل بإزائه المال كإسقاط الحق.

و لا يخفى أن للمحقق النائيني قدّس سرّه كلاما في الجواب عن النقض المزبور لا بأس بنقله، قال المقرر: «فالصواب أن يقال: بيع الدين على من هو عليه و إن كان صحيحا، إلّا أن البيع لم يقع على ما في الذمة بقيد كونه في الذمة، فيكون من قبيل مالكية الشخص لما في ذمته، و ذلك لأنّه بهذا القيد لا يمكن تحققه في الخارج. و لا شبهة أنّه يعتبر في المبيع أن يكون من الأعيان الخارجية، بل يقع البيع على الكلي و هو منّ من الحنطة مثلا، فيصير المشتري- أعني المديون- مالكا لذلك الكلي على البائع و حيث إنّ البائع كان مالكا لمنّ من الحنطة على ذمة المديون

ص: 216

______________________________

- و هو المشتري- فينطبق ما على البائع على ما كان له على المديون المشتري، فيوجب سقوط ذمة كليهما. و هذا و إن لم يكن من التهاتر حقيقة، إلّا أنّه أشبه شي ء به» «1».

و ملخّصه: أنّ بيع الدين تارة يقع على نفس ما في ذمة المديون- بوصف كونه ما في الذمة- و هو باطل، لأنّه بهذا القيد لا يصلح للوجود الخارجي. و اخرى يقع على كليّ في ذمة البائع مماثل لما في ذمة المشتري و هو المديون. و لمّا كان المبيع منطبقا على ما على المشتري من الدين صار هذا الانطباق منشأ لسقوط ما في ذمة البائع و المشتري. ففي الحقيقة بيع الدين من المديون ليس بيعا لنفس الدين، بل لما ينطبق على الدين. هذا.

و في كلامه مواقع للنظر:

منها: قوله: «إلّا أن البيع لم يقع على ما في الذمة بقيد كونه في الذمة» إذ فيه: أنه لا وجه لهذا الاستثناء بعد وضوح كون الذمة ظرفا للمبيع، إذ لو لم يضف الكلي إلى ذمة شخص لا يتعلق به إضافة الملكية، و ليست الذمة قيدا له، فإنّ الالتزام بصحة البيع موقوف على عدم قيدية الذمة للمبيع، و إلّا لم يكن المبيع حينئذ مالا حتى يبذل بإزائه المال، فيختل أحد أركان البيع و هو مالية المبيع.

فالأولى تعليل عدم جواز بيع الدين على المديون بعدم المالية. بل يتجه حينئذ عدم جواز بيعه مطلقا و لو من غير المديون، لسقوطه عن المالية بسبب تقيده بذمة المديون المانع عن صلاحية الانطباق على الخارجيات، فعدم تقيده بالذمة مقوّم للمالية، و ليس شرطا لبيعه من خصوص المديون.

و الحاصل: أنّه لا وجه للاستثناء المزبور، إذ التقييد بعدم الذمة شرط لمالية الكلي الذمي سواء قلنا بجواز بيع الدين على من هو عليه، أم لم نقل.

نعم إن كان الإشكال في بيع الدين من المديون من جهة المالية كان للاستثناء المزبور وجه، فتدبّر.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 43

ص: 217

______________________________

و منها: قوله: «ليكون من قبيل مالكية الشخص لما في ذمته» إذ فيه: أنّه موهم بل ظاهر في أن ما في الذمة- بقيد كونه في الذمة- مملوك للشخص، و حينئذ لا يمكن بيعه من أحد، إذ مع هذا القيد يمتنع وجوده في الخارج. و كذا سائر المعاملات، مع أنّ المعاملات الذمية في غاية الكثرة.

و بالجملة: لا مجال لتوهم مالكية الشخص لما في ذمته مقيّدا بكونه في الذمة، إذ لا يصلح حينئذ للمعاوضة عليه أصلا، بل الذمة ظرف للكلّي.

و منها: قوله: «و لا شبهة أنّه يعتبر في المبيع أن يكون من الأعيان الخارجية». إذ فيه: أنّه لا يعتبر الوجود الخارجي الفعلي في المبيع قطعا، بل المعتبر فيه هو إمكان وجوده في موطن استحقاق المشتري له، إذ لو كان وجوده الخارجي الفعلي معتبرا فيه لانسدّ باب بيع الذمي رأسا، و هو كما ترى. و لعلّ مقصوده من عينية المبيع الخارجي هو قابلية الوجود لا فعليته، فيرتفع الاشكال.

و منها: قوله: «بل يقع البيع على الكلي .. إلخ» إذ فيه: أنّ هذا ليس من بيع الدين على من هو عليه في شي ء، ضرورة أنّ المبيع هو الكلي الذي ظرفه ذمة البائع لا ذمة المديون و المفروض أنّ المبيع في «بيع الدين من المديون» هو نفس ذلك الدين، لا شي ء آخر ينطبق على الدين حتى يسقط عن ذمة المديون بسبب انطباق كلّيّ آخر عليه، فإنّه خارج عن مورد النقض المذكور في المتن أعني به بيع الدين على من هو عليه.

و الحاصل: أنّ الكلام في بيع نفس ما في ذمة المديون، و أنّه كما يجوز بيعه من أجنبي بلا إشكال، كذلك يجوز بيعه من نفس المديون.

و أمّا جعل المبيع كلّيا في ذمة البائع الدائن قابلا للانطباق على ما في ذمة المديون فهو خارج عن بيع الدين الثابت على المديون كما لا يخفى. فكلام المحقق النائيني قدّس سرّه ليس جوابا عن نقض تعريف البيع ببيع الدين من المديون، فتدبّر.

ص: 218

[ج انتقاض تعريف البيع بالمعاطاة]

و منها (1): أنه يشمل التمليك بالمعاطاة (2)، مع (3) حكم المشهور (4) بل (5) دعوى الإجماع على أنّها ليست بيعا.

______________________________

ج- انتقاض التعريف بالمعاطاة

(1) أي: و من الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» عدم كونه مانعا عمّا لا يفيد التمليك، فينتقض بالمعاطاة، فإنّها و إن كانت تمليكا فعليا فاقدا للصيغة المعتبرة في العقود اللازمة، إلّا أنّه يصدق عليها «إنشاء تمليك عين بمال» كالبيع القولي، فإنّ كل واحد من المتعاطيين يدفع ماله الى الآخر بقصد التمليك. مع أنّ المشهور- بل المجمع عليه- عدم كون المعاطاة بيعا، فيلزم أن يكون تعريف المصنف للبيع غير مانع عن دخول ما ليس من أفراد البيع في البيع.

(2) لعلّ تعبيره بالتمليك بالمعاطاة دون «يشمل المعاطاة» لأجل التنبيه على أنّ المعاطاة- كما سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى- قد يقصد بها إباحة التصرف، و قد يقصد بها التمليك.

و من المعلوم أن انتقاض تعريف البيع إنّما هو بالمعاطاة المقصود بها التمليك دون ما يقصد بها الإباحة، لخروجها موضوعا عن تعريف البيع، لفرض بقاء المالين على ملك المتعاطيين كما كانا قبل التعاطي.

(3) هذا هو منشأ ورود الإشكال الثالث على التعريف، و محصله: ذهاب مشهور الفقهاء إلى نفي بيعية المعاطاة المقصود بها التمليك، لتوقف العقود اللازمة على اللفظ، و المعاطاة فاقدة للصيغة، فليست بيعا، مع أنّها إنشاء فعليّ لتمليك عين بمال، فلو عرّف المصنف البيع بقوله:

«إنشاء تمليك عين بمال بالصيغة» كان سليما عن نقضه بالمعاطاة.

(4) قال السيد الفقيه العاملي: «و في الميسية: أن المشهور بين الأصحاب أنّها ليست بيعا محضا» «1».

(5) غرضه تقوية الاشكال و الإضراب عن قيام مجرّد الشهرة على نفي بيعية المعاطاة، حتى يقال بكفاية كونها بيعا عند بعض الفقهاء، فلا ينتقض التعريف حينئذ بها.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 154

ص: 219

و فيه (1):

______________________________

و محصل الإضراب: انعقاد الإجماع على عدم كون المعاطاة بيعا، قال السيد ابن زهرة:

«إنّها ليست ببيع، و إنّما هي إباحة للتصرف. يدل عليه الإجماع المشار إليه .. إلخ» «1». و قال الشهيد الثاني معلّقا على كلام المحقق: «و لا يكفي التقابض من غير لفظ» ما لفظه: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كان يكون إجماعا ..» «2».

(1) هذا جواب الاشكال الثالث، و توضيحه: أنّ النقض بالمعاطاة غير وارد، لأنّ المحدود هو البيع بالمعنى الأعم الشامل للصحيح و الفاسد، و من المعلوم أنّ المعاطاة- المقصود بها التمليك- بيع عرفا، و نفي بيعيتها في بعض العبائر راجع إلى حكمها أي عدم ترتب أثر البيع اللفظي على مجرد التعاطي، و هذا نظير بيع ما لا يملك شرعا- كالخمر- بالصيغة، فإنّه لا يؤثّر في الملكية و إن صدق عليه عرفا حدّ البيع.

و بعبارة اخرى: إن كان مورد النفي بيعية المعاطاة كان للنقض المزبور مجال، إذ المفروض وجود «إنشاء التمليك» في المعاطاة مع عدم كونها بيعا. و إن كان مصبّ النفي حكم المعاطاة من الصحة أو اللزوم لم يبق مورد للنقض المذكور، إذ المفروض صدق البيع على المعاطاة و إن كانت بيعا باطلا. و على هذا فنفي بيعيّتها- الذي هو المشهور أو المجمع عليه- يرجع إلى نفي الحكم أعني الصحة، لا الموضوع، و ورود النقض يتوقف على كون مورد النفي هو الموضوع أعني البيعية، لا الحكم.

و الشاهد على أنّ مراد النافين نفي الحكم لا الموضوع- بعد بداهة صدق مفهوم البيع لغة و عرفا على المعاطاة المقصود بها التمليك- أنّ الإجماع لا بدّ أن ينعقد على حكم شرعي، لا على ثبوت موضوع عرفي أو نفيه. و عليه فلا محيص عن كون معقد الإجماع على النفي هو الحكم الشرعي من صحة المعاطاة أو لزومها.

______________________________

(1): غنية النزوع في الأصول و الفروع، ص 524

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 147، و نحوه كلامه في الروضة، ج 3، ص 222

ص: 220

ما سيجي ء (1) من كون المعاطاة بيعا، و أنّ (2) مراد النافين نفي صحتها (3).

[د انتقاض تعريف البيع بالشراء]

و منها (4):

______________________________

(1) يعني: في بحث المعاطاة عند الاستدلال على إفادتها للملك بآية أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ حيث قال: «و أمّا منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة، و أمّا دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية، فمرادهم بالبيع: المعاملة اللازمة التي هي إحدى العقود .. إلخ».

(2) معطوف على «كون» و مبيّن لمراد النافين حتى يندفع توهم المنافاة بين دعوى بيعية المعاطاة و بين نفي بيعيتها. و عليه فلا ينتقض تعريف المصنف قدّس سرّه بالمعاطاة.

(3) فلم يتوارد النفي و الإثبات على أمر واحد، بل المثبت ناظر الى الموضوع، و النافي إلى الحكم.

د- انتقاض التعريف بالشراء

(4) يعني: و من الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» و هذا رابع الإشكالات التي أوردها المصنف قدّس سرّه على تعريف نفسه. و محصله: انتقاض التعريف بالشراء، لصدق «إنشاء التمليك» على قبول المشتري، لأنّ البيع «تمليك الغير» كما صرّح به المصنف قدّس سرّه في المنع من جعل القسم الثاني من الحقوق- اى ما لا يقبل النقل الى الغير- ثمنا في البيع، فكما يملّك البائع المبيع للمشتري، كذلك المشتري يملّك الثمن للبائع، و هذا معنى المبادلة في إضافة الملكية، فكلّ من المتبايعين ينشئ التمليك، و لا يختص بالبائع. مع أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه تعريف البيع بالمعنى المصدري الذي هو فعل البائع و قائم به، لا الملكية و النقل بالمعنى الاسمي المترتب على مجموع الإيجاب و القبول.

نعم لو لم يعتبر التمليك من الطرفين و كان تمليك البائع كافيا كان تعريفه ب «إنشاء تمليك عين بمال» سليما عن هذا النقض، لكنه خلاف تصريحه باعتبار التمليك من كلا المتبايعين. و على هذا فتعريف البيع بما في المتن غير مانع للغير، و هو إنشاء قبول المشتري.

ص: 221

صدقه (1) على الشراء، فإنّ (2) المشتري بقبوله للبيع يملّك ماله بعوض المبيع (3) [1].

______________________________

و ليعلم أن هذا النقض ناظر إلى ما هو الغالب من كون الثمن عينا خارجية كالمثمن، سواء أ كان نقدا أم عرضا، إذ يتوجه حينئذ محذور صدق تعريف البيع على قبول المشتري.

و أمّا لو كان الثمن منفعة مملوكة- كسكنى الدار أو عمل الحرّ بعد المعاوضة عليه- لم ينتقض تعريف البيع بقبول المشتري، لفرض عدم كون الثمن عينا، حتى يصدق البيع على تمليكه، لما تقدم من اعتبار عينية المعوّض دون العوض.

(1) أي: صدق تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» على الشراء الذي هو فعل المشتري.

(2) هذا تقريب النقض، و قد عرفته آنفا.

(3) فيصدق على الشراء «أنه إنشاء تمليك عين بمال» مع أنّ المقصود تعريف البيع القائم بالبائع، فلا بدّ من تعريفه بما لا ينطبق على قبول المشتري.

______________________________

[1] قال سيدنا الأستاذ قدّس سرّه: «هذا الإيراد لو تمّ توجّه أيضا على التعريف الأوّل و الثالث، و لا يختصّ بهذا التعريف» «1».

أقول: المراد بالأوّل هو تعريف البيع بما في المبسوط و التذكرة و غيرهما «من انتقال عين من شخص الى غيره .. إلخ». و بالثالث هو تعريف جامع المقاصد للبيع: «بنقل العين بالصيغة المخصوصة». و لم يظهر صدق شي ء من هذين التعريفين على الشراء.

أما الأوّل فلما فيه أوّلا: من أنّ الشراء- بناء على كونه إنشاء التمليك- يكون من مقولة الفعل، و الانتقال من مقولة الانفعال، و لا يصدق أحدهما على الآخر.

و ثانيا: من أنّ المال المنتقل من المشتري الى البائع لا يعتبر أن يكون عينا، لما تقدم من أنّ العينية غير معتبرة في الثمن.

و أمّا الثالث فلما فيه أوّلا: من مغايرة النقل للتمليك.

______________________________

(1): نهج الفقاهة، ص 15

ص: 222

و فيه (1): أنّ التمليك فيه (2) ضمنيّ، و إنّما حقيقته التملّك بعوض، و لذا (3)

______________________________

(1) هذا جواب الاشكال، و حاصله: عدم انتقاض تعريف البيع بقبول المشتري، و ذلك لأن المتصدّي لإيجاد المبادلة بين المالين هو البائع، فهو يملّك ماله للمشتري بالعوض، و إنشاء المشتري يتعلق بما أنشأه البائع من التمليك بالعوض، فوظيفة المشتري إنشاء التملّك الذي هو مطاوعة فعل البائع، و إن انحلّ هذا التملك المطاوعي المعاوضي إلى تمليك ماله للبائع، إلّا أنّه ليس متعلّقا للإنشاء أوّلا و بالذات، بل بالتحليل، حيث إن مطاوعة تمليك البائع تستلزم تمليك المشتري.

و الحاصل: أنّ متعلّق إنشاء البائع- أوّلا و بالذات- هو التمليك، و متعلق إنشاء المشتري كذلك هو التملك الذي يكون مطاوعة لفعل البائع، و حيث إنّ فعل البائع هو التمليك بالعوض فلا محالة يكون فعل المشتري تملّكا بالعوض، فهذا التملّك- الذي هو متعلق إنشاء المشتري أوّلا- يتضمّن التمليك أيضا، لأنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم عدم انتقال إضافتهم الملكية إلى غيرهم إلّا بفعل اختياري مسمّى بالتمليك.

و إن شئت فقل: إنّ متعلق إنشاء المشتري- أوّلا و بالذات- هو التملك المتضمن لتمليك الثمن للبائع، لفرض كون البيع من المعاوضات. و متعلّق إنشاء البائع أوّلا و بالذات هو التمليك، فالإنشاء ان متعاكسان، و لا يصدق أحدهما على الآخر.

(2) أي: في الشراء.

(3) أي: و لأجل كون التمليك في الشراء ضمنيا غير مستقل لا يجوز إنشاء الشراء بلفظ «ملّكت» و ذلك لأنّ هذا اللفظ ليس صريحا و لا ظاهرا في التمليك الضمني، بل ظاهر في التمليك

______________________________

و ثانيا: من عدم اعتبار العينية في الثمن، و المفروض اعتبارها في التعريف المزبور، و هو نقل العين بالصيغة المخصوصة.

و ثالثا: أنّ الشراء لا يقع بلفظ «بعت» الذي هو المراد بالصيغة المخصوصة. و لم يظهر لنا مراده قدّس سرّه، و هو أعلم بما قال.

ص: 223

لا يجوز الشراء بلفظ «ملّكت» تقدّم على الإيجاب أو تأخّر (1) [1].

______________________________

الأصلي الابتدائي، و المفروض عدم كون الشراء تمليكا أصليا، فلا يجوز إنشاؤه بلفظ ليس صريحا و لا ظاهرا في التمليك الضمني.

(1) عدم دلالته على التمليك الضمني واضح، إذ ليس فيه شائبة التمليك التبعي و لا التملّك بالعوض أصلا، و لا فرق في هذه الجهة بين تقدم القبول على الإيجاب و تأخره عنه، لأنّ تمام المناط هو دلالة القبول- أوّلا و بالذات- على مطاوعة الإيجاب و التملك بالعوض، ثم دلالته على تمليك الثمن للبائع، و المفروض عدم تكفل «ملّكت» للتملك بالعوض و التمليك التبعي، و إنّما مدلوله التمليك الأصلي الذي هو مدلول الإيجاب.

______________________________

[1] و عليه فالفرق بين إنشاء البيع و إنشاء الشراء ثبوتي، حيث إنّ مفهوم القبول هو إنشاء التملك بعوض، سواء أ كان الدال عليه اللفظ أم الفعل كما في المعاطاة، فيترتب القبول على الإيجاب ترتّب الانفعال على الفعل، فلا يكون القبول في رتبة الإيجاب، لكونه بمنزلة العلة للقبول، فليس التمليك الضمني مفاد اللفظ، هذا.

لكن قد يورد عليه بما في كلام جمع من الأعيان، منهم السيد الخويي قدّس سرّه قال المقرّر:

«و لكنّا لم نفهم معنى محصّلا للتمليك الضمني، إذ يرد عليه أوّلا: أنّه إن كان مراده من التمليك الضمني: التمليك التبعيّ- بمعنى أنّ البائع يملّك ماله للمشتري أوّلا، و يملّك المشتري ماله للبائع ثانيا- فيرد عليه: أنّ لازم ذلك أن ينعكس الأمر فيما إذا تقدّم القبول على الإيجاب، بأن يكون التمليك من ناحية المشتري أوّلا، و البيع من ناحية البائع ثانيا.

و إن كان مراده من التمليك الضمني أنّ ألفاظ الإيجاب و القبول إنّما تدلّ بالدلالة المطابقية على تمليك المشتري ماله للبائع، سواء في ذلك تقدّم القبول على الإيجاب و عدمه، فيرد عليه: أنّ هذا يرجع إلى جهة الدلالة و مقام الإثبات، فلا يوجب فرقا بين التمليكين لبّا و في

ص: 224

______________________________

مقام الثبوت، بداهة أنّ البيع تبديل شي ء بشي ء في جهة الإضافة، و من الضروري أنّه يستحيل تحقق التبديل بين شيئين إلّا أن ينتقل كل منهما إلى محلّ الآخر في آن واحد و في مرتبة واحدة.

و عليه فلا يعقل وجود التمليك من ناحية البائع، إلّا في آن وجود التمليك من ناحية المشتري ..

و إذن فلا أصالة و لا تبعية في المقام ..» «1».

و أنت خبير بأنّ المراد بتبعية تمليك المشتري لتملّكه هنا هو كون التمليك الشرائي من لوازم التملك الشرائي، بحيث لا يحتاج إلى جعل على حدة، و لذا يصح قصد التملك من المشتري و إن لم يلتفت إلى لازمه و هو التمليك حتى يقصده، فالإصالة و التبعية ملحوظتان في نفس مفهومي البيع و الشراء. فالقبول إن كان بلفظ: «قبلت» لم يكن لتقديمه معنى صحيح، بعد وضوح ترتب مفهوم القبول على مفهوم الإيجاب. نعم إن كان بلفظ آخر يفيد التمليك بالأصالة كان إيجابا لا قبولا.

بل يمكن دعوى عدم الوجه في اعتبار التمليك التبعي في الشراء أيضا، بدعوى: أنّ البيع هو الإيجاب و القبول، و ليس حقيقة القبول إلّا إمضاء تمليك البائع، فالعقد هو التمليك و التملّك، و هما موضوعان لحكم الشارع أو العقلاء بالملكية، فلا يرد عليه ما في التقرير المزبور من: «أنّه إن سلّمنا التمليك فلا يندفع الإشكال، لإطلاق إنشاء التمليك على التمليك الضمني، فنقض تعريف البيع وارد عليه».

و أما ما أفاده من: «أن معنى البيع يقتضي تحقق التبديل بينهما في رتبة واحدة ..» ففيه:

أنّ المراد بالتبديل هو التبديل الإنشائي القائم بالبائع، و من المعلوم أنّ بدلية كلّ من المالين عن الآخر تحصل في رتبة واحدة بنفس هذا الإنشاء، لكنه لا يجدي بنفسه في ترتب الأثر و هو

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 60 و 61، و نحوه ما في حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 17، و حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 74

ص: 225

______________________________

التبديل الخارجي الاعتباري، لأنّه مترتب على إنشاء المشتري قبول إنشاء البائع، و إلّا كان البيع إيقاعا لا عقدا، و بعد ضمّ هذا الإنشاء إلى إنشاء البائع يترتب عليه التبديل الاعتباري، فهنا أمور ثلاثة:

أحدها: إنشاء البائع تمليك المبيع بمال، و هذا التمليك الإنشائي يتحقق بين المالين في آن واحد و في رتبة واحدة، بمعنى صيرورة كلّ من المالين بدلا عن الآخر في مقام الإنشاء.

ثانيها: إنشاء المشتري مطاوعة ما أنشأه البائع، فمتعلق هذا الإنشاء أوّلا و بالذات هو تملّك المبيع بإزاء الثمن الذي مرجعه مطاوعة بدلية الثمن عن المبيع. و لا إشكال في تأخر هذا الإنشاء عن إنشاء البائع رتبة و زمانا، و من المعلوم أنّ إنشاء التملك متضمن لإنشاء تمليك المشتري للثمن، لكونه مقتضى المعاوضة المترتبة على التمليكين، أعني بهما: تمليك البائع و تمليك المشتري، و من البديهي تأخّر تمليك المشتري عن تمليك البائع برتبتين، إحداهما:

تأخره عن تملك المشتري الذي هو متعلق إنشاء الشراء أوّلا و بالذات، و الأخرى: تأخّره عن تمليك البائع، و مع التأخّر برتبتين كيف يعقل اتحاد التمليكين رتبة؟ كما في التقرير المزبور.

ثالثها: حكم الشارع أو غيره ممّن بيده الاعتبار بترتب الأثر كالملكية على مجموع الإنشاءين، فهما كموضوع الحكم التكليفي كوجوب الحج المترتب على البالغ العاقل المستطيع، فإنشاء تمليك البائع و إنشاء تملّك المشتري معا موضوع لحكم الشارع أو العرف بالملكية.

فتحصّل مما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ التمليك الإنشائي بين المالين يتحقق بنفس إنشاء البائع و في زمان واحد.

الثاني: أنّ المراد بضمنية تمليك المشتري هو ترتبّه على إنشاء مطاوعة فعل البائع، بمعنى: أنّ إنشاء المشتري يتعلّق أوّلا و بالذات بتملّك المبيع، و ثانيا بتمليك الثمن، و هذا التمليك يكون في ضمن إنشاء التملّك.

ص: 226

______________________________

الثالث: أنّ التمليك الضمني ليس راجعا إلى مقام الدلالة و الإثبات، بل إلى مقام الثبوت و اللّب.

الرابع: أنّ تمليك المشتري للثمن ليس في عرض تمليك البائع و رتبته، بل في طوله.

و عليه فما أفاده المصنف قدّس سرّه في دفع النقض بالشراء من كون تمليك الثمن ضمنيا في محله.

لكن يرد عليه: أنّ إطلاق تعريف البيع «بإنشاء تمليك العين بمال» يشمل التمليك الضمني كالاستقلالي، فينتقض بالشراء، فيما كان الثمن عينا لا منفعة.

و أما النقض عليه ببيع السلم، حيث إن المحكي إطباقهم على جواز كون الإيجاب فيه من المشتري بأن يقول: «أسلمت إليك عشرة دراهم في منّ من الحنطة» و تعقّبه قبول البائع، فيكون تمليك المشتري أصليا و تمليك البائع ضمنيا، مع أنّ البائع هو صاحب الطعام، الذي يترتب قبوله على تمليك المشتري للدراهم، فقد تخلّص منه السيد قدّس سرّه «بأنّ الإيجاب و إن كان من المشتري، إلّا أنّه يملّك بعنوان العوض، فكأنّه قال: أعطيتك الدراهم عوضا عن تمليكك الطعام، فالتمليك الأصلي من البائع و الضمني من المشتري، فلا نقض» «1».

هذا، مع إمكان كون العوض في باب السلم منفعة مملوكة كسكنى الدار، بأن يخلّي المشتري بينها و بين البائع لاستيفائها، فإنّ الثمن مقبوض، و لا ينتقض تعريف البيع حينئذ، لاعتبار كون المعوّض عينا و لو كليّا في الذمة، هذا.

إلّا أن يقال: بورود الاشكال على تعريف البيع حينئذ، إذ لازم ذلك إنكار صدق الحدّ على تمليك المنفعة، لعدم كونها عينا، مع أنّه لا ريب في مصداقيّته لبيع السّلم، فينحصر الجواب في توجيه السيد قدّس سرّه من أنّ ما يدفعه المشتري إلى البائع معنون بكونه عوضا لا معوّضا، سواء أ كان الثمن عينا أم منفعة أم حقّا قابلا للنقل الى الغير.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 60

ص: 227

[ه انتقاض تعريف البيع باستئجار عين بعين]

و به (1) يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه (2) بمستأجر العين

______________________________

ه- انتقاض التعريف بالاستيجار بالعين

(1) أي: و بما ذكرناه- من كون التمليك في الشراء ضمنيا- يظهر اندفاع الإيراد، .. إلخ.

و هذا إشكال خامس على تعريف البيع بإنشاء تمليك عين بمال، و لم يفرده بالبحث لأجل مشاركته للإشكال الرابع نقضا و جوابا، فهنا أمران، أحدهما تقريب النقض، و ثانيهما دفعه.

أما الأوّل- و هو أصل النقض- فبيانه: أن حقيقة الإجارة- كما سبق التعرض له في اعتبار عينية المبيع- هي تمليك المنفعة بعوض، سواء أ كان العوض عينا كالدينار و الكتاب و نحوهما، كما إذا آجر داره شهرا بدينار، أم منفعة كما إذا آجر داره شهرا بخياطة ثوب أو نجارة سرير و نحوهما، فإذا استأجر زيد دارا من عمرو و كانت الأجرة عينا كدينار صدق على تمليك الدينار للموجر: أنّه إنشاء تمليك عين بمال، و هذا معنى انتقاض تعريف البيع باستئجار عين بعين.

و يظهر من هذا البيان ورود هذا النقض أيضا على تعريف البيع بانتقال عين مملوكة بعوض.

و أمّا الثاني- و هو جواب النقض- فتوضيحه: أن الاستيجار ليس إنشاء تمليك الأجرة كالدينار بالمنفعة، بل حقيقته إنشاء تملّك المنفعة بالأجرة، فتمليك الأجرة لمالك الدار مثلا ضمني، و ليس بنفسه- أوّلا و بالذات- متعلّقا للإنشاء، كما تقدّم في حقيقة الشراء.

(2) بيان للإيراد، يعني: ينتقض تعريف البيع- بإنشاء تمليك عين بمال- بباب الإجارة إذا كانت الأجرة عينا كالدينار و الكتاب.

______________________________

ثم إنّ في استشهاد المصنف قدّس سرّه- على ضمنية تمليك المشتري- بعدم جواز إنشاء القبول بلفظ «ملّكت» مسامحة، إذ لا شهادة في عدم جواز ذلك على كون التمليك الشرائي ضمنيا، إذ لو أريد عدم الجواز شرعا كان خارجا عن محل الكلام، إذ مورد البحث هو البيع العرفي. و إن أريد عدم الجواز عرفا فهو غير ظاهر، بل ممنوع.

ص: 228

بعين (1)، حيث (2) إنّ الاستيجار يتضمّن تمليك العين بمال أعني المنفعة [1].

[و انتقاض تعريف البيع بالصلح]

و منها (3): انتقاض

______________________________

(1) قد عرفت أنّ تقييد النقض- بالإجارة- بما إذا كانت الأجرة عينا إنّما هو لأجل إخراج مستأجر العين بالمنفعة، فإنّه لا تمليك للعين أصلا لا من طرف المؤجر لكونه مملّكا لمنفعة العين لا رقبتها، و لا من طرف المستأجر، لفرض كونه مملّكا لمنفعة كالخياطة و النجارة، فتقع المبادلة بين منفعتين، فلا مورد حينئذ لدخول الإجارة في تعريف البيع حتى ينتقض تعريفه بها.

(2) هذا تقريب النقض، و قد عرفته. و أمّا جواب النقض فقد أحاله المصنف على ما ذكره في دفع النقض بالشراء، و محصله: أن المستأجر بالعين إنما يتملّك المنفعة بعوض بالأصالة، و يملّك عينه للموجر ضمنا، كما أنّ المشتري يتملّك المبيع أصالة، و يملّك الثمن للبائع ضمنا، فلا موضوع للنقض.

و- انتقاض التعريف بالصلح

(3) أي: و من الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» انتقاضه

______________________________

[1] لا يخفى أنّ دفع الاشكال عن الاستيجار بالعين بما في المتن مبني على كون الإجارة بمعنى «تمليك المنفعة» حتى يكون الاستيجار تملك المنفعة، كي يجاب عن الإشكال بأنّ مفهوم الاستيجار- إذا كانت الأجرة عينا- هو تملك المنفعة بالعين ليصير تمليك العين بعوض ضمنيا.

لكن الأمر ليس كذلك، لأنّ حقيقة الإجارة ليست تمليك المنفعة بعوض و الاستيجار تملك المنفعة، إذ لو كانت حقيقتها التمليك لخرجت الإجارات الواقعة على الموقوفات، خصوصا إذا كانت الأجرة غير مملوكة أيضا، كما إذا استأجر الوليّ العام خانا وقفيا لحفظ الزكوات أو للزّوّار و الغرباء، فإنّ شيئا من المنفعة و الأجرة ليس مملوكا للموجر و المستأجر، مع صحة الإجارة، و دخول هذا النحو من المعاملة في عنوان الإجارة عرفا، فحقيقة الإجارة هي التبديل بين المنفعة و الأجرة.

ص: 229

طرده [1] بالصلح على العين

______________________________

بالصلح على عين بعوض و بالهبة المعوضة، و هذا خامس الإشكالات التي أوردها المصنف قدّس سرّه على تعريفه للبيع، و قد أورده صاحب الجواهر قدّس سرّه على تعريف المصابيح- الذي هو كالأصل لما في المتن- بقوله: «و فيه- مع كونه مبنيّا على أصالة البيع في نقل الأعيان بالعوض- من دون توقف على قصد البيع- ينتقض بالصلح و الهبة المعوضة» «1».

و قد سبقهما الشهيد الثاني، حيث عدّ النقض بالصلح و الهبة المعوّضة من وجوه الخلل في تعريف البيع «بالعقد الدال على نقل الملك» كما في الشرائع، قال في المسالك: «الثالث: ينتقض أيضا بالهبة المشروط فيها عوض معيّن، فإنّ التعريف يشملها و ليست بيعا. الرابع: يدخل فيه أيضا: الصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معيّن، فإنّه ليس بيعا عند المصنف» «2».

و يظهر منه عدم اختصاص النقض بهما بتعريف البيع بإنشاء التمليك أو بالعقد الدال على نقل الملك، بل يرد على تعريفه بانتقال عين مملوكة أيضا، كما أورد به المحقق الثاني على تعريف العلّامة، فراجع «3».

و كيف كان فتوضيح هذا الاشكال الخامس هو: عدم مانعية التعريف عن دخول غير البيع في الحدّ، و ذلك لأنّ «إنشاء تمليك عين بمال» يصدق على عقدين آخرين.

أحدهما: الصلح على العين بمال، كما إذا صالح على الدار بألف دينار.

______________________________

[1] الأولى أن يقال: «و منها: صدقه على الصلح بعين ..» أو «انتقاض طرده أيضا بالصلح ..» إذ ربما يوهم تعبير المتن «طرده» مخالفة هذا النقض سنخا للنقوض المتقدمة، و المفروض أنّ النقض بالصلح إشكال على عدم طرد التعريف كالنقوض السابقة، و ليس إشكالا على عكس التعريف حتى يكون مغايرا لتلك النقوض سنخا. فإنّ الإشكال على عكسه- أي: جامعيته- سيأتي إن شاء اللّه تعالى، و لم يظهر وجه للعدول عن السياق.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 206.

(2) مسالك الافهام، ج 3، ص 146

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 55

ص: 230

بمال (1)،

[ز انتقاض تعريف البيع بعقد الهبة المعوضة]
اشارة

و بالهبة (2) المعوّضة [1].

______________________________

الثاني: الهبة المعوّضة، كما إذا وهبه كتابا بشرط أن يدفع المتهب دينارا إلى الواهب.

و الوجه في النقض واضح، لما فيهما من إنشاء تمليك عين بمال كإنشاء تمليكها به في البيع، و عليه لا يكون تعريف البيع هنا مانعا عن دخول الغير فيه، كالصلح و الهبة المعوضة و الإجارة، مع أنه لا ريب في خروجها عن حد البيع، بشهادة عقد باب على حدة لكل منها في المعاملات، فتعيّن حينئذ تعريف البيع بتعريف آخر مطرد و منعكس.

(1) تقييد النقض بما إذا كان «الصلح على عين» إنّما هو لسلامة تعريف البيع عن هذا النقض إذا كان الصلح على منفعة أو على حقّ قابل للإسقاط أو النقل، أو كان الصلح على إبراء دين، فالأوّل كما إذا صالح على سكنى الدار شهرا بدينار، و الثاني كالصلح على حق الخيار أو حق التحجير بدينار، و الثالث كالصلح على إبراء ما في ذمة المديون من الدين بدينار، فالصلح في هذه الموارد لا يصدق عليه «إنشاء تمليك عين بمال» حتى ينتقض تعريف البيع به كما هو واضح.

ز- انتقاض التعريف بالهبة المعوّضة

(2) معطوف على قوله: «بالصلح» و تقريب انتقاض التعريف بالهبة المعوّضة هو: أنّ الموهوب لا بدّ أن يكون عينا، ففي الهبة المعوّضة ينشئ الواهب تمليك عين بعوض، فيصدق تعريف البيع على الهبة، و تندرج هي في الحدّ مع وضوح خروجها عنه، و عليه فليس التعريف مانعا للأغيار.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الهبة المعوضة تكون على أقسام:

أحدها: أن يعطي المتهب شيئا للواهب من دون أن يشترط الواهب عليه عوضا، بل يعطيه تداركا لإحسانه.

ثانيها: أن يشترط الواهب على المتهب عوضا، كأن يهبه دارا بشرط أن يعطيه كتاب البحار مثلا.

ثالثها: أن تكون الهبة في مقابل مثلها، كأن يقول: «وهبتك كذا بهبتك كذا» بحيث تكون المقابلة بين الهبتين.

ص: 231

و فيه (1): أنّ حقيقة الصلح

______________________________

(1) هذا دفع الاشكال الخامس، و لمّا كان متضمنا لنقض تعريف البيع بعقدين آخرين- و هما الصلح و الهبة المعوضة- فلذا تصدّى للجواب عن كل واحد منهما بما يناسبه. فيقع الكلام في مقامين: أحدهما في التفصّي عن النقض بالصلح، و الثاني في دفع النقض بالهبة المعوّضة.

أمّا المقام الأوّل، فمحصّل ما أفاده فيه: مغايرة البيع و الصلح مفهوما، و استدل عليه بأمور ثلاثة.

أمّا اختلافهما مفهوما فبيانه: أنّ البيع- كما تقدّم في كلام بعض أهل اللغة كالفيومي

______________________________

رابعها: أن تكون الهبة مشروطة بشي ء بنحو شرط النتيجة، كأن يقول الواهب: «وهبتك كذا بشرط أن تكون دارك ملكي».

و المناسب للنقض هو الهبة التي تقع المقابلة فيها بين المالين بنحو يكون العوض جزءا لا شرطا كما في القسم الثالث، إذ الهبة الثانية تكون عوضا عن الهبة الأولى، فيصدق عليه:

«إنشاء تمليك عين بعوض» بخلاف ما عداه من الأقسام المزبورة، فإنّ شرط العوض غير نفس العوض بنحو الجزئية، و كونه مقابلا للعين الموهوبة كمقابلة الثمن للمثمن في البيع. و لذا تبطل الهبة بانتفاء العوض فيما إذا كان مقابلا للموهوب، كبطلان كلّ معاوضة بفقدان أحد العوضين قبل القبض، دون ما إذا كان بنحو الشرطية، لأنّ انتفاء الشرط لا يوجب البطلان، بل يوجب الخيار.

و بالجملة: فتمليك مال بإزاء مال خارجي بيع، و كذا تمليك مال بإزاء فعل من الأفعال المتمولة من إعطاء و تمليك و خياطة و قصارة و غير ذلك من الأعمال المتمولة، فإنّ جميع هذه التمليكات مصاديق البيع الذي هو تمليك عين متمولة بمال.

و مما ذكرناه يظهر ما في حاشية السيد قدّس سرّه من جعل بعض أقسام التمليكات المزبورة من الهبة مع أنّها من البيع «1». لأنّ تمليك العين بعوض- سواء أ كان العوض عينا أم منفعة أم حقا- ليس إلّا البيع، فإنّ التمليك المقابل بالتمليك أيضا بيع، لكون التمليك عملا، و سيأتي تفصيل مقابلة العين بالتمليك أو التمليك بمثله في رابع تنبيهات المعاطاة إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 61

ص: 232

..........

______________________________

و كذا في كلمات الفقهاء- تمليك عين بمال على وجه المقابلة، فلا يصدق على تمليك غير الأعيان من الحقوق و المنافع، كما لا يصدق على تمليك عين خال عن العوض. و معنى الصلح هو التراضي بين المتنازعين و تسالمهما على أمر من تمليك عين أو منفعة، أو إباحة تصرّف، أو سقوط حقّ، أو إبراء دين، و نحوها. قال العلامة الطريحي في بيان النبوي: «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» ما لفظه: «أراد بالصلح: التراضي بين المتنازعين، لأنّه عقد شرّع لقطع المنازعة» «1».

و عليه فحقيقة الصلح- إذا تعلّق بعين مع عوض- ليست إنشاء تمليك عين بمال حتى ينتقض به البيع، بل هي التسالم الاعتباري، يعني: أنّ الإنشاء يتعلّق أوّلا بالتراضي و الموافقة، لا بالتمليك، إلّا أنّ التسالم حيث إنّه من سنخ المعاني التعلّقية- لاستحالة التراضي المطلق كاستحالة تعلقه بالأعيان- فلا بد من تعلّقه بفعل أو بحكم، فالأوّل- أي تعلّقه بالفعل- نظير الصلح عن الدار بألف دينار، بأن يكون المقصود التسالم على تمليكها بالألف، و الثاني كالصلح على ملكيتها بالألف.

و فائدة هذا السنخ من الصلح- إذا تعلّق بالتمليك- و إن كانت متّحدة مع البيع من حيث وقوع المبادلة بين عين و عوض، إلّا أنّ العبرة في صدق كل عقد- ليترتب عليه أحكامه الخاصة به- هي نفس العنوان المنشأ، سواء اتحدت نتيجته مع عقد آخر أم اختلفت عنه. هذا كلّه في اختلاف مفهومي البيع و الصلح سنخا.

و أما الدليل عليه فوجوه ثلاثة نشير إليها فعلا، و سيأتي توضيحها عند شرح كلمات المصنف قدّس سرّه.

أوّلها: تعدي البيع بنفسه الى المبيع، و تعدي الصلح إلى متعلّقه بالحرف، سواء أ كان المتصالح عليه عينا أم منفعة، و سواء أفاد الملك أم الإباحة أم غيرها، و من المعلوم أنّ التعدّي بالنفس و بالحرف أمارة اختلاف المفهومين.

ثانيها: أنّ الصلح يجري في موارد طائفة من العقود المعاوضية و الإيقاعات، فلو كان

______________________________

(1): مجمع البحرين، ج 2، ص 388

ص: 233

- و لو (1) تعلّق بالعين- ليس هو التمليك على وجه المقابلة (2) و المعاوضة، بل معناه الأصلي (3) هو التسالم، و لذا (4) لا يتعدّى بنفسه إلى المال.

______________________________

مدلوله كالبيع تمليك عين بعوض فإمّا أن يكون إطلاقه في تمليك المنفعة و إسقاط الحق و نحوهما مجازيا، و إمّا بنحو الاشتراك اللفظي، و كلاهما ممنوع.

ثالثها: أنّه لو كان التمليك مأخوذا في مفهوم الصلح لزم أن يكون طلبه من الخصم إقرارا بمالكيّته، مع أنّهم فرّقوا بين طلب التمليك و طلب الصلح على المتنازع فيه.

فهذه أمور تشهد بأنّ «التمليك على وجه المقابلة» غير ملحوظ في تعريف الصلح، و أنّ مفهومه مجرّد التسالم مهما كان المتسالم عليه، هذا.

(1) وصليّة، يعني: لا فرق في عدم تضمّن مفهوم الصلح للتمليك على وجه المقابلة بين كون المتصالح عليه عينا، و غيرها، فالمنشأ في وعاء الاعتبار هو التسالم، لا التمليك بنحو المعاوضة بين عين و مال.

و نبّه بقوله: «و لو تعلق بعين» على مورد النقض، حيث إنّ مورد انتقاض تعريف البيع إنّما هو الصلح على العين، كما تقدّم في عبارتي المسالك و الجواهر، فدفعه المصنف قدّس سرّه بأجنبية مفهوم الصلح عن التمليك بالعوض، بل هو التسالم و التراضي بلا فرق بين تعلّقه بالعين أو بالمنفعة أو بغيرهما كالحقوق.

(2) أي: المقابلة بين العوضين، و بهذه العبارة يمكن إخراج الهبة المعوّضة عن تعريف البيع أيضا، لأنّ تمليك المتّهب للواهب ليس لاقتضاء تمليك العين الموهوبة له، بل للشرط، مع أنّ الثمن في باب البيع عوض نفس المبيع، و لذا يصحّ سلب العنوان حقيقة عمّا إذا قال: «بعتك بلا ثمن».

(3) الذي هو المنشأ، و هو المناط في تعنون الإنشاء بعنوان الصلح، و لا عبرة بالفائدة المترتبة عليه.

(4) هذا هو الدليل الأوّل على تغاير مفهومي البيع و الصلح سنخا، و محصّله: أنّ مادة

ص: 234

نعم (1) هو متضمن للتمليك إذا تعلّق بعين، لا أنّه (2) نفسه.

و الّذي يدلّك على هذا (3) أنّ الصلح قد يتعلّق

______________________________

«البيع» تتعدى الى المبيع بنفسها، فيقال: «بعت الدار بكذا». و لكن الصلح لا يتعدّى الى المتصالح عليه بنفسه، بل بمعونة حرف المجاوزة أو الاستعلاء، فيقال: «صالحتك عمّا علم بما علم» أو «صالحتك على أن يكون هذا لك و ذلك لي» فيعلم منه عدم كون الصلح بمعنى التمليك و النقل و البيع المتعدية بأنفسها إلى العين، لأنّ التعدية بالنفس و بالحرف أمارة اختلاف المفهومين. و لو كان الصلح بمعنى التمليك على وجه المقابلة لصحّ إنشاؤه بمثل «صالحتك الدار بألف دينار» مع عدم صحته.

(1) استدراك على قوله: «ليس هو التمليك» و قد عرفت عدم المنافاة بين كون المنشأ في الصلح هو التراضي على أمر، و بين إفادته التمليك.

(2) يعني: لا أنّ الصلح نفس تمليك العين على وجه المقابلة كالبيع.

(3) أي: على أنّ الصلح هو التسالم الاعتباري، لا التمليك. و غرضه إقامة دليل ثان على عدم كون الصلح نفس التمليك، و حاصله: أنّ الصلح يجري في موارد عقود و معاوضات متعددة، و يفيد في كل واحد منها فائدة تلك المعاملة. و المذكور منها في المتن خمسة:

أوّلها: أن يتعلق التسالم بتمليك عين في قبال عوض، و فائدته فائدة البيع، غير أنّ الأحكام الخاصة به لا تجري في الصلح، كخيار المجلس، فيتملك لزوما كلّ من المتصالحين المال عقيب وقوع العقد و إن لم يفترقا عن مجلس المعاملة.

ثانيها: أن يتعلّق التسالم بتمليك منفعة كسكنى الدار مدة شهر بدينار، و ثمرته متّحدة مع الإجارة.

ثالثها: أن يتعلّق التسالم بتسلط المتصالح على الانتفاع بملك المصالح، فيباح له الانتفاع به من دون دخول المنفعة في ملكه، و هذا فائدة عقد العارية.

رابعها: أن يتعلّق الصلح بإسقاط حقّ أو بنقله، فالأوّل كما إذا تصالح الشفيع و المشتري

ص: 235

..........

______________________________

على إسقاط حق الشفعة، أو تصالح ذو الخيار مع من عليه الخيار على رفع اليد عن حقّه.

و الثاني كالصلح على نقل حق التحجير الى الغير حتى يكون المتصالح- بمنزلة المحجّر- أولى بإحياء الأرض و عمارتها من غيره.

خامسها: أن يتعلّق الصلح بتقرير مقاولة بين المتصالحين، كما إذا اشترك شخصان في رأس مال للتجارة به، فاتّجرا و ربحا، غير أنّ الفوائد موزّعة بعضها نقود و بعضها ديون على آخرين، فإنّ مقتضى عقد الشركة توزيع الأرباح و الخسائر على ذوي الحصص بنسبتها. لكن لو أراد أحد الشريكين فسخ الشركة و أخذ رأس ماله جاز أن يصالح شريكه على سحب حصته، بأن يكون الربح و الخسارة المحتملان في مال الآخر، فإن كانت شركتهما رابحة كانت الفائدة له بمنزلة هبة من الذي أخذ حصّته، و إن كانت خاسرة فالمتضرّر أبرأ ذمة ذلك الذي استقلّ برأس ماله.

و فائدة هذا الصلح تثبيت المقاولة المذكورة بين المتصالحين، إذ لولاها كان اللازم العمل بمقتضى عقد الشركة من توزيع الربح و الخسارة على الشريكين بنسبة الحصص.

هذه جملة من الموارد التي شرّع عقد الصلح فيها، و لا يترتب تمليك العين فيها إلّا على الأوّل منها أعني به الصلح على عين بعوض، و هو متحد مع البيع أثرا و فائدة.

و حيث كانت الفوائد في هذه المقامات متفاوتة فالمتعيّن جعل المنشأ جامع التسالم و التراضي كي ينطبق المفهوم على جميع الموارد، و لم يؤخذ التمليك في حقيقة عقد الصلح حينئذ. و لو لم يكن المنشأ هو جامع التسالم فإمّا أن يلتزم بأنّ الصلح كالبيع تمليك عين بعوض لا غير، فيكون استعماله مجازا في ما لو تعلق بتمليك المنفعة أو بإباحة الانتفاع أو بإسقاط حقّ و ما شابه ذلك. و إمّا أن يلتزم بتعدد الوضع، بأن يكون موضوعا مرة لتمليك العين، و اخرى لإباحة الانتفاع، و ثالثة للإبراء، و هكذا.

ص: 236

بالمال عينا (1) أو منفعة، فيفيد التمليك.

و قد يتعلّق (2) بالانتفاع فيفيد فائدة العارية، و هو مجرّد التسليط.

و قد يتعلّق (3) بالحقوق، فيفيد الإسقاط أو الانتقال.

______________________________

و كلاهما كما ترى أمّا مجازية استعماله فيما عدا تمليك الأعيان فظاهر المنع، فإنّ استعماله في الأمثلة المتقدمة يكون بوزان واحد، و ليس في الصلح على الإبراء مثلا قرينة صارفة عن معناه الحقيقي- أي تمليك العين- الى معنى آخر. و أمّا اشتراكه اللفظي فكذلك واضح البطلان، إذ المعهود بينهم هو انطباق الصلح بمفهومه الوحداني على تلك الموارد، و إن كان مفيدا في كل مورد فائدة غير الفائدة المترتبة على مورد آخر.

(1) هذا إشارة إلى المورد الأوّل، و هو يفيد فائدة البيع، و إن لم يترتب عليه أحكامه الخاصة به، فلا يثبت في هذا الصلح خيار المجلس.

كما أنّ قوله: «أو منفعة» إشارة إلى المورد الثاني، و هو يفيد فائدة الإجارة.

ثم إنّ تصريحه بأعمّيّة المال من العين و المنفعة يوافق ما أفاده في أوّل كتاب البيع من كفاية كون الثمن منفعة متمولة، و يخالف ما سيأتي منه في بحث المقبوض بالعقد الفاسد من التشكيك في صدق المال على المنافع.

(2) هذا إشارة إلى المورد الثالث، و هو: إفادة الصلح فائدة العارية و هي التسليط على العين للانتفاع بها. و الفارق بين الانتفاع و المنفعة أن الانتفاع عرض قائم بالمستعير، بخلاف المنفعة التي هي حيثية في نفس العين ذات المنفعة.

و هل تفيد العارية الإذن في الانتفاع من دون أن يتملّك المستعير شيئا، أم تفيد الملك، كما أنّ الإجارة تمليك المنفعة؟ وجهان، و لا صراحة في عبارة المصنف قدّس سرّه في واحد منهما.

و لعلّ قوله: «مجرد التسليط» أقرب الى إفادة الإباحة المالكية لا التمليك.

(3) هذا إشارة إلى المورد الرابع، و هو الصلح على الحقوق، فإن كان الحقّ قابلا للإسقاط خاصة ترتّب على الصلح عليه سقوطه عمّن عليه الحق. و إن كان قابلا لكلّ من الإسقاط و النقل جاز الصلح على كلتا الحيثيتين. و أمّا الحق غير القابل للإسقاط كحق الولاية و نحوه

ص: 237

و قد يتعلّق (1) بتقرير أمر بين المتصالحين، كما في قول أحد الشريكين لصاحبه: «صالحتك على أن يكون الربح لك و الخسران عليك» فيفيد مجرّد التقرير.

فلو كانت (2) حقيقة الصلح هي عين كلّ من هذه المفادات الخمسة، لزم كونه مشتركا لفظيّا، و هو واضح البطلان (3)، فلم يبق إلّا أن يكون مفهومه معنى آخر (4)،

______________________________

فلا يقبل الصلح عليه.

(1) هذا إشارة إلى المورد الخامس و هو الصلح على مقاولة بين شريكين لأجل تقريرها و تثبيتها، و الظاهر مشروعية هذا النوع من الصلح، قال المحقق: «و إذا اصطلح الشريكان، على أن يكون الربح و الخسران على أحدهما، و للآخر رأس ماله، صحّ» «1».

و مستنده- مضافا الى إطلاق دليل الصلح- خصوص معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجلين اشتركا في مال، فربحا فيه، و كان من المال دين، و عليهما دين [و في التهذيب: و كان من المال دين و عين] و قال لصاحبه: أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التّوى، فقال: لا بأس إذا اشترطا، فإذا كان شرط يخالف كتاب اللّه فهو ردّ إلى كتاب اللّه عزّ و جلّ» «2».

(2) غرضه قدّس سرّه الاستنتاج مما ذكره بقوله: «و يدلك على هذا» إلى هنا، و أنّ الصلح لو استعمل في تلك الموارد حقيقة- بعد عدم وجود جامع بينها كالتمليك- لزم كونه مشتركا لفظيا، و المقرر في محلّه بطلانه، فهذا التالي الفاسد شاهد على نفى تعدّد الوضع، فلا بدّ من فرض جامع بين الموارد و هو التسالم. و عليه يخرج التمليك- في الصلح على العين- عن حريم المفهوم، و إنّما يقتضيه المتعلّق.

(3) إذ لم يدّعه أحد، و عدم ادّعائه يدلّ على عدم اشتراكه اللفظي، مضافا إلى كونه خلاف الأصل.

(4) يعني: غير التمليك و التسليط و الإسقاط و التقرير و نحوها.

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 121

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 165، الباب 4 من كتاب الصلح، الحديث: 1

ص: 238

و هو التسالم [1]، فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما يقتضيه متعلّقه. فالصلح (1) على العين بعوض تسالم عليه، و هو (2) يتضمّن التمليك، لا أنّ مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام (3) و حقيقته

______________________________

(1) هذه نتيجة نفي الاشتراك اللفظي، و أنّ الصلح موضوع بنحو الاشتراك المعنوي لجامع التسالم و التراضي، فيكون التسالم على كل شي ء بحسبه مقتضى متعلق الصلح، و لا دخل لذلك الأثر المترتب عليه في مفهوم الصلح و معناه.

(2) أي: الصلح على العين يقتضي التمليك و إن لم يكن المنشأ تمليك عين بعوض. و قد عرفت أنّ المدار في صدق عنوان من العناوين الاعتبارية نفس المنشأ، لا الخواص التي قد يشترك فيها عقدان أو أكثر.

(3) و هو مقام نقض تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» بالصلح على عين بعوض، فكما أنّ الصلح على الانتفاع ليس معناه التسليط بل معناه التسالم، فكذا في الصلح على عين بعوض، فليس مفهومه التمليك و إن ترتّب عليه لأجل خصوصيّة في متعلق التسالم.

______________________________

[1] قد يشكل التفصي عن النقض- بجعل حقيقة الصلح تسالما على أمر- بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ التسالم من مقولة الالتزام، و هو سنخ معنى لا يتعلق بالعين، بل لا بدّ من تقدير الفعل المناسب كالحلية و الحرمة المتعلقتين بالأعيان، و عليه فلا معنى للتسالم على العين إلّا باعتبار فعل كالتمليك أو نتيجته كالملكية، فالمنشأ حقيقة هو التسالم على مثل التمليك أو الإباحة، لا التراضي المطلق حتى يخرج المتعلق عن حاق المفهوم و يصير فائدة له.

فالتسالم كالتنازع و إن تعلّقا ظاهرا بالأعيان، إلّا أنّ المتسالم عليه لبّا و المتنازع فيه كذلك ليس هو نفس العين، بل حيثية أخرى من حيثياتها، كملك الرقبة أو المنفعة أو إباحة الانتفاع بها، و نتيجة ذلك انتقاض تعريف البيع «بإنشاء التمليك» و نحوه بالصلح على العين بعوض، كما ذكره الشهيد الثاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما إذ المنشأ هو التسالم على تمليكها لا التسالم المطلق حتى يكون متضمّنا للتمليك «1»، هذا.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 17

ص: 239

هو إنشاء التمليك (1).

و من هنا (2) لم يكن

______________________________

(1) حتى ينتقض تعريف البيع بهذا المورد من موارد الصلح.

(2) يعني: و من عدم كون مفهوم الصلح- إذا تعلّق بعين على عوض- هو التمليك لم يكن طلب الصلح من المنكر إقرارا بصحة ما يدّعيه المدّعي، و غرضه إقامة دليل ثالث على اختلاف البيع و الصلح مفهوما، و عدم كون الصلح تمليكا، و توضيحه: أنّهم ذكروا في كتاب الصلح: إذا تنازع زيد و عمرو على أرض- مثلا- فادّعى زيد ملكيّتها، و أنكر عمرو ذلك، فأرادا التصالح و فصل الخصومة، أمكن ذلك بأحد نحوين:

الأوّل: أن يستدعي عمرو من زيد بيع الأرض أو تمليكها، فيقول: «بعني الأرض أو ملّكنيها».

______________________________

مضافا إلى: أنّ حقيقة الصلح لو كانت هي التسالم للزم جواز إنشاء الصلح بلفظ «سالمت» مقام «صالحت» كما تقدّم نظير هذا الاشكال من المصنف على بعض التعاريف، و لم يظهر من الأصحاب جوازه، و ذلك يكشف عن عدم كون التسالم مرادفا للصلح، و إلّا جاز إنشاؤه به.

فلعل الأولى أن يقال: إنّ الجامع بين موارد الصلح- بحيث ينطبق عليها- هو التجاوز و رفع اليد عن متعلق الصلح، فمعنى قوله: «صالحتك عن الدار أو عن منفعتها أو عن الخيار أو غيره من الحقوق» هو رفع اليد و الإعراض عنه.

أو يقال: إنّ الصلح في غير موارد التمليك أجنبي عن البيع، فلا ينتقض به، و في موارد التمليك إذا كان- متعلّقا بالعين- كالصلح على الدار و الدكّان و غيرهما من الأعيان بعوض، فيمكن أن يقال: إنّه بيع حقيقة، غاية الأمر أنّه إنشاء بغير لفظ البيع، فلا يرد نقض.

نعم بناء على عدم جواز إنشاء البيع بلفظ آخر فالنقض وارد، و دفعه منحصر بكون الصلح حقيقة في التجاوز و رفع اليد عما تعلّق به كما قيل.

ص: 240

طلبه (1) من الخصم إقرارا له، بخلاف طلب التمليك (2).

و أمّا (3) الهبة المعوّضة

______________________________

الثاني: أن يستدعي منه الصلح على تلك الأرض، فيقول: «صالحني عليها بكذا».

و فرّقوا بين الطريقين بأنّ الأوّل- و هو طلب التمليك و البيع- يعدّ تنازلا من المنكر و اعترافا بمالكية المدّعي للعين المتنازع فيها، إذ لا معنى لاستدعاء البيع من غير المالك، فلا بدّ أن يتضمّن طلب البيع إقرارا بصحة دعوى زيد و مالكيته للأرض. بخلاف الثاني، فإنّ استدعاء الصلح ليس إقرارا بصحة دعوى زيد، لأنّ همّه قطع المنازعة.

قال المحقق: «و إذا قال المدّعى عليه: صالحني عليه، لم يكن إقرارا، لأنّه قد يصحّ مع الإنكار. أمّا لو قال: بعني أو ملّكني كان إقرارا» «1».

و هذا التفصيل خير شاهد على أنّ حقيقة الصلح- مع الغضّ عن متعلّقه- ليست تمليكا، و إلّا لم يكن فرق بين أن يطالب المنكر من المدّعي تمليك العين بالبيع، و بين أن يطالب الصلح عليها.

هذا توضيح كلمات المصنف قدّس سرّه في المقام الأوّل من الجواب عن الاشكال الخامس.

و أما المقام الثاني المتعلق بدفع النقض بالهبة المعوّضة فسيأتي.

(1) يعني: أنّ طلب المنكر الصلح و استدعاءه من المدّعي ليس إقرارا له بكونه مالكا.

(2) حيث إنّ طلب التمليك من المنكر إقرار منه للخصم، فلو كانت حقيقة الصلح تمليكا لكان طلبه كطلب التمليك إقرارا للخصم و تصديقا له في دعواه، بداهة أنّ طلب التمليك لا يصحّ إلّا فيما إذا كان بناء طالب التمليك على مالكيّة الخصم للمدّعى به، إذ لا معنى لطلب التمليك من غير المالك.

(3) هذا شروع في المقام الثاني أعني به دفع نقض تعريف البيع- بإنشاء تمليك عين بمال- بالهبة المعوّضة، أي المشروط فيها العوض، و محصّله: اختلاف مفهومي البيع و الهبة، فالبيع متقوّم بالعوض بحيث لو كان التمليك من طرف واحد صحّ سلب العنوان عنه، و لكنّ الهبة متقوّمة بالمجّانية و تمليك العين بلا عوض، ففي الهبة المعوّضة لا بدّ من إناطة وجوب العوض

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 123

ص: 241

و المراد بها هنا (1) ما اشترط فيها العوض، فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة

______________________________

بالشرط، بأن يشترط الواهب على المتهب تمليك شي ء في قبال هبته، و من المعلوم الفرق بين اقتضاء ذات العنوان المعاملي للعوض بحيث لا يصدق بدونه كما في البيع، و بين عدم اقتضاء نفس العنوان له، و توقّف وجوب دفعه على الشرط، الذي هو خارج عن حدود المفهوم كما لا يخفى.

هذا بحسب الدعوى.

و الدليل على الفرق المزبور ما أفتى به الأصحاب في بحث الهبة المعوّضة من: أنّ الواهب لا يتملّك العوض- المشروط على المتّهب- بمجرّد هبته و قبول المتهب، بل يتوقف تملكه للعوض على أن يملّكه المتهب، بحيث لو تخلّف المتهب عن الشرط و لم يف به لم تبطل هبة الواهب، و إنّما يثبت له خيار تخلّف الشرط، فيكون رجوعه عن هبته و استرداد عينه مستندا الى الخيار، لا إلى اقتضاء ذات الهبة للمعاوضة و المقابلة، إذ لو كان كذلك امتنع تملّك المتهب للعين الموهوبة من دون أن يتملّك الواهب للعوض الذي اشترطه على المتهب.

و هذا الفرق كاشف عن كون هبة المتهب للواهب تمليكا مستقلّا، و لا يقدح التخلف عنه في صدق عنوان «الهبة» على فعل الواهب. و هذا بخلاف البيع، فإنّ عدم قبول المشتري- بحيث يصير البيع بلا ثمن- يمنع عن صدق البيع عليه.

(1) أي: في مقام النقض على تعريف البيع، و مقصوده قدّس سرّه إخراج قسم آخر من الهبة المعوّضة عن مورد النقض، و هو ما إذا لم يشترط العوض في عقد الهبة، و لكن المتهب يهب شيئا للواهب جبرا لإحسانه، و هذه و إن صدقت عليها الهبة المعوّضة- على ما قيل- لاشتمالها على العوض، لكن لا ينتقض تعريف البيع بها، لعدم كون الإعطاء بعنوان العوضيّة حتى يصدق المعاوضة بين المالين أو بين الإعطاءين.

و بهذا ظهر أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه بقوله: «هنا» ليس الاحتراز عن مثل العطية و النحلة و الصدقة و الوقف مما يطلق عليها الهبة بالمعنى العام، كما في بعض الحواشي، بل المراد به إخراج الهبة المعوّضة التي يعطي المتهب شيئا للواهب إحسانا إليه، لا لأجل الشرط.

ص: 242

المقابلة (1)، و إلّا (2) لم يعقل [1] تملّك أحدهما (3) لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر،

______________________________

(1) كما في البيع، فإنّه تمليك عين بعوض على جهة المقابلة بين المالين، فالهبة المعوّضة يقصد فيها المعاوضة بين الهبتين لا بين العين الموهوبة و العوض، فالهبة المعوّضة تمليك في قبال تمليك، لا معاوضة بين مالين كما هو المقصود في باب المعاوضات.

(2) يعني: و لو كانت الهبة- المشروط فيها العوض- إنشاء تمليك عين بعوض على وجه المقابلة، لم يعقل تملك المتّهب للعين الموهوبة قبل أن يملّك العوض للواهب، لامتناع اعتبار المعاوضة بين المالين إلّا بتملّك كلّ من المتعاملين للعوض في ظرف خروج المعوّض عنه، مع أنّهم حكموا بانتقال العين الموهوبة إلى المتهب من دون تملّك الواهب لشي ء من مال المتهب. و هذا أقوى دليل على عدم كون الهبة مطلقا- حتى المعوضة- من سنخ المعاوضات.

(3) يعني: تملّك المتّهب للموهوبة من دون تملك الواهب لعوضه الذي استحقه بالشرط.

______________________________

[1] اعترض عليه المحقق الايرواني قدّس سرّه بقوله: «هذا إذا كان العوض مالا، و أمّا إذا كان فعلا أعني تمليك الآخر للمال على أن تكون الهبة تمليكا بإزاء تمليك، استحقّ الواهب بقبول المتهب تمليك المتّهب للمال، لا نفس المال، فان ملّك فهو، و إلّا كان كامتناع المشتري من تسليم الثمن، و المقابلة مع ذلك محفوظة، لكن بين الفعلين لا بين المالين، أو بين مال و فعل» «1».

لكنه غير ظاهر، ضرورة أنّ المفروض أخذ العوض شرطا في الهبة لا مقابلا لها، فالعوض المشروط سواء كان عينا أم فعلا- كالتمليك- لم يؤخذ على وجه المقابلة كما صرّح به المصنف بقوله: «على جهة المقابلة» و من المعلوم أنّ المعاوضة متقومة بجعل كل من المالين أو الفعلين عوضا عن الآخر، و المعاوضة بهذا المعنى مفقودة في الهبة المعوّضة، فالهبة المشروطة بهبة لا تقابل فيها بين الفعلين، و استحقاق الواهب بقبول المتهب تمليكه أعمّ من كونه على وجه المقابلة و على نحو الشرط، فالمقابلة- مطلقا- مفقودة في الهبة المعوّضة.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 74

ص: 243

مع (1) أنّ ظاهرهم عدم تملّك العوض (2) بمجرد تملّك الموهوب له الهبة (3)، بل (4) غاية الأمر أنّ المتّهب لو لم يؤدّ (5) العوض كان للواهب الرجوع

______________________________

(1) غرضه الاستدلال- على أجنبية الهبة المعوّضة عن باب المعاوضات- بفتوى الأصحاب بأنّ المتّهب يتملّك العين الموهوبة بمجرّد قبول الهبة سواء وفى بالشرط أم لم يف به.

قال المحقق: «و لا يجبر الموهوب له على دفع المشترط، بل يكون بالخيار» «1» يعني: يكون المتّهب مخيّرا بين التعويض و ردّ العين الموهوبة إلى الواهب، فلو امتنع عن دفع العوض تخيّر الواهب- بمقتضى الشرط- بين الرجوع و الإمضاء، و من المعلوم أنّ جواز رجوع الواهب كاشف عن تملّك الموهب له- و لو بالملك المتزلزل- للعين الموهوبة قبل الوفاء بالشرط. و لو كان تملّكه لها منوطا بالعمل بالشرط لم يبق وجه لأن يكون الواهب بالخيار، لبطلان أصل العقد حينئذ.

و عليه فليست الهبة المشروط فيها الثواب من سنخ المعاوضات، لاقتضاء المعاوضة ملكيّة كلّ واحد من المالين في رتبة الآخر، فحكمهم بتملّك المتهب- قبل أن يهب العوض للواهب- دليل على خروج الهبة عن المعاوضات.

(2) يعني: عدم تملّك الواهب للعوض قبل أن يهبه المتّهب، فمجرّد عقد الهبة المعوّضة لا يقتضي تحقّق ملكيّة كلّ منهما في آن ملكية الآخر.

(3) مفعول لقوله: «تملك» و المراد بالهبة هنا: العين الموهوبة.

(4) يعني: ليس شرط العوض في الهبة كالبيع الموجب لتملّك كلّ من المتعاملين لكلّ من العوضين في رتبة واحدة، بل غاية ما يترتب على هذا الشرط هي: أنّ الواهب يتسلّط على الرجوع عن هبته لو لم يف المتّهب بالشرط، إذ ليست حينئذ هبة معوّضة، فهي و إن لم تكن باطلة من أوّل الأمر، لكنها جائزة كما هو الأصل في الهبة.

(5) المقصود من الأداء هو الهبة الواجبة على المتّهب من جهة الشرط.

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 232

ص: 244

في هبته (1) [1]، فالظاهر (2) أنّ التعويض المشترط في الهبة كالتعويض غير المشترط

______________________________

(1) المقصود بجواز رجوع الواهب هنا هو الجواز الحقّي الناشئ من تخلف المتّهب عن الوفاء بالشرط، و هذا و إن اتّحد أثره مع جواز فسخ عقد الهبة ذاتا، إلا أنّ الأوّل جواز حقي قابل للإسقاط و متعلّقه العقد، و الثاني حكمي غير قابل للإسقاط، و متعلقة استرداد العين الموهوبة. مضافا إلى ظهور الثمرة في الهبة المشروطة لذي رحم، لانتفاء جوازها الحكمي، و يبقى جوازها الحقّي خاصة.

(2) هذه نتيجة عدم كون الهبة معاوضة، يعني: أنّ شرط العوض في الهبة- بعد أن لم يكن موجبا لصيرورة الهبة كالمعاوضات- صار كالتعويض من باب الإحسان في كونه تمليكا مستقلّا يقصد به وقوعه عوضا، فكما لا يكون التعويض غير المشروط في ضمن الهبة إلّا تمليكا مستقلا، فكذلك التعويض المشروط في ضمنها، غايته أنّه يكون في الهبة المشروطة هبتان، بخلاف غير المشروطة، حيث إنّها واحدة.

و الحاصل: أنّ الهبة متقوّمة بالمجّانيّة، في مقابل المعاوضة، فلا يصدق عليها «تمليك العين بعوض» حتى ينتقض بها تعريف البيع بإنشاء تمليك عين بمال.

______________________________

[1] و يشهد أيضا بعدم اقتضاء الشرط كون الهبة من المعاوضات: ما ذكره الفقهاء من أنّه لو ظهر كون العوض مستحقا للغير لم تبطل الهبة، بل يجب دفع البدل مطلقا أو خصوص المثل أو القيمة، و لو كانت المقابلة بين المالين بطل العقد بظهور الاستحقاق، قال في الجواهر:

«و لو خرج العوض أو بعضه مستحقا أخذه مالكه، ثمّ إن كانت الهبة مطلقة لم يجب دفع بدله، و لكن للواهب الرجوع. و إن شرطت بالعوض ففي القواعد: دفع المتّهب مثله أو قيمته مع التعيين، أو العين، أو ما شاء إن رضي الواهب مع الإطلاق. و هو ظاهر أيضا في وجوب دفع العوض، و في وجوب قبول الواهب له مع بذله، فيكون الهبة كالنكاح في عدم كون ظهور استحقاق المهر مبطلا لها» «1».

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 28، ص 207

ص: 245

فيها في (1) كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه (2) عوضا، لا أنّ حقيقة المعاوضة و المقابلة مقصودة في كلّ من العوضين (3)، كما يتّضح ذلك (4) بملاحظة التعويض غير المشترط في ضمن الهبة الأولى (5).

فقد تحقق (6) مما ذكرنا (7) أنّ حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلّا البيع،

______________________________

(1) متعلق بالتعويض، و هو وجه اشتراك الهبة التي يكون العوض بسبب الشرط، مع الهبة التي يكون التعويض فيها من جهة الإحسان إلى الواهب، و وجه الاشتراك ما عرفته من كون هبة المتّهب تمليكا جديدا، و ليس باقتضاء الهبة الأولى أي هبة الواهب.

(2) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان الى التمليك المستقل.

(3) إذ لو كانت المقابلة ملحوظة كانت منافية للهبة التي قصد بها المجانية المقوّمة لحقيقتها، بداهة منافاة المجانية للمقابلة بين المالين.

(4) أي: عدم كون الهبة المعوّضة معاوضة حقيقية، و حاصله: أنّ بذل المتّهب عوضا الى الواهب تداركا لإحسانه كما لا يوجب صيرورة الهبة معاوضة حقيقية بأن تكون البدلية ملحوظة في العين الموهوبة و ما يبذله المتّهب، فكذلك لا تكون الهبة المشروطة بالعوض مندرجة في المعاوضة الحقيقية، لوضوح خروج الشرط عن حقيقة الهبة، كما في سائر الشروط الضمنية المأخوذة في المعاملات، فإنّ المشروط أمر لا يقتضيه طبع تلك المعاملة.

(5) هذه الكلمة قرينة على أنّ المراد بالهبة المعوّضة في المقام هو القسم الثالث المتقدم عند بيان النقض، أعني به ما يكون المقابلة بين الفعلين أي الهبتين، فالهبة الأولى تصير مشروطة بالثانية، بأن يقول الواهب: «وهبتك هذا الكتاب على أن تهبني هذا الدرهم» فالهبة الأولى فعل الواهب، و الثانية فعل المتهب.

هذا تمام ما حقّقه المصنف قدّس سرّه في المقام الثاني أعني به دفع النقض بالهبة المعوّضة.

(6) هذا تلخيص لما سبق في دفع النقض بالصلح و الهبة المعوّضة، و تمهيد للإشكال على جعل الأصل في تمليك الأعيان هو البيع كما صرّح به الفقيه الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه.

(7) يعني: في جواب انتقاض تعريف البيع بالصلح على عين و بالهبة المعوّضة، حيث

ص: 246

فلو (1) قال: «ملّكتك كذا بكذا» كان بيعا (2)، و لا يصحّ صلحا و لا هبة معوّضة

______________________________

أفاد: أنّ حقيقة الصلح هي التسالم على أمر، و ليس التمليك مأخوذا فيها، و أنّ الهبة المعوّضة ليست تمليكا على وجه المقابلة بأن يدخل العوض في ملك الواهب بمجرد هبته، بل هبة المتهب تمليك جديد، و قد دخل الموهوب في ملكه سواء وفى بالشرط أم لا.

و من هنا يعلم أنّ «تمليك عين بعوض»- على وجه المقابلة بين العوضين- منحصر في البيع، فلذا لو أنشأ البائع الإيجاب بالتمليك لا بالبيع كان بيعا لا معاملة أخرى، بأن قال:

«ملكتك الكتاب بدينار» فإنّه متحد مفهوما مع قوله: «بعتك الكتاب بدينار» و لا يكون هذا التمليك صلحا و لا هبة معوّضة، إذ ليس المنشأ فيهما جعل مال عوض مال آخر. و المفروض كما عرفت أنه جعل في قوله: «ملكتك الكتاب بدينار» مال و هو الدينار عوض الكتاب.

(1) هذه نتيجة انحصار «تمليك عين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» في البيع، و عدم كون هذا النحو من التمليك مشتركا معنويا جامعا بين البيع و الصلح على عين و الهبة المعوّضة، و لا مشتركا لفظيا بينها. و عليه فحقيقة التمليك بالعوض هي البيع، و استعماله فيما عداه مجاز يتوقف إرادته على قرينة.

(2) أمّا كونه بيعا فلأنّ مضمون هذه الصيغة الخاصة ليس إلّا البيع، و المفروض قصده في مقام الإنشاء. و أمّا عدم كونه صلحا و لا هبة فواضح، لأنّه إمّا أن يقصد الموجب بقوله:

«ملّكتك كذا بكذا» الصلح أو الهبة المشروطة بالعوض، و إما أن لا يقصد شيئا منهما. فإن قصد أحد الأمرين لم يقع، لما تقرّر من أنّ المعاملات و إن كانت متوقفة على القصد، و لذا قيل:

«العقود تابعة للقصود» إلّا أن تأثير القصد في حصول المقصود منوط بكون اللفظ كاشفا عمّا قصده، و ظاهرا فيه عرفا و لو بوضع ثانوي، فلو لم يكن اللفظ كذلك لم يؤثّر في حصول المقصود. و إن لم يقصد بقوله: «ملّكتك كذا بكذا» أحد الأمرين من الصلح و الهبة، كان عدم تحققهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و كان كإنشاء النائم و الهازل في عدم تأثيره في حصول العنوان الاعتباري.

ص: 247

و إن قصدهما (1)، إذ (2) التمليك على جهة المقابلة الحقيقية (3) ليس صلحا و لا هبة، فلا يقعان به (4). نعم (5) لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجّه تحقّقهما مع قصدهما (6).

[أصالة البيع في تمليك الأعيان]

فما قيل (7) من: «أن البيع

______________________________

(1) أمّا إذا لم يقصدهما لم يقعا قطعا، فإنّ قوام الأمر الإنشائي بالقصد.

(2) تعليل لقوله: «كان بيعا ..»

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 248

(3) التقييد بالمقابلة الحقيقية لأجل اشتمال الصلح و الهبة على التمليك من الطرفين، إلّا أنّه ليس مأخوذا في حقيقتهما كما عرفت.

(4) أي: فلا يقع الصلح و الهبة بقول المنشئ: «ملّكتك كذا بكذا» و وجه عدم الوقوع عدم صراحة لفظ التمليك في إفادة العنوانين.

(5) استدراك على قوله: «فلا يقعان به» و مقصوده أنّ عدم وقوع الصلح و الهبة المعوضة بقوله: «ملّكتك» مبني على اعتبار الألفاظ الصريحة في صيغ العقود، كعدم وقوع الإجارة بمثل «بعتك سكنى الدار».

فلو قيل بجواز استعمال الألفاظ غير الصريحة- من المجازات و الكنايات- في مقام الإنشاء جاز إنشاء الصلح و الهبة بالتمليك عند قصد العنوان.

(6) هذا الضمير و ضميرا «بوقوعهما، تحققهما» راجعة إلى الصلح و الهبة.

أصالة البيع في تمليك الأعيان

(7) هذا متفرّع على اختصاص التمليك على وجه المقابلة الحقيقية بالبيع، و عدم كونه جامعا بين أقسام العقود المعاوضيّة، و مقصوده قدّس سرّه الخدشة فيما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء في موضعين من شرح القواعد، حيث قال في أحدهما: «و أنّ الأصل في مطلق التمليك للأعيان التنزيل على البيع» و قال في ثانيهما: «فالظاهر: أنّه متى جاء الفعل مستقلّا أو مع ألفاظ لا تستجمع الشروط مقصود بها المسامحة جاء حكم المعاطاة. و على الأوّل، فإن صرّح فيها بإلحاق ببيع و غيره بنى عليه. و إلّا فالبيع أصل في المعاوضة على الأعيان مقدّم على الصلح

ص: 248

هو الأصل [1] في تمليك الأعيان بالعوض،

______________________________

و الهبة المعوّضة. و الإجارة في نقل المنافع مقدمة على الصلح و الجعالة».

و محصله: أنّ «نقل العين بالعوض» و إن كان جامعا بين البيع و الصلح و الهبة المعوضة، إلّا أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى البيع، لأنّ الأصل في «انتقال عين بعوض» هو البيع.

و ظاهر هذا الكلام: أنّ تمليك الأعيان مشترك معنوي بين البيع و الصلح و الهبة، فإذا قصد الصلح أو الهبة فلا كلام، لأنّ مميّزهما هو القصد، فيحمل الإنشاء على ما قصده.

و إن لم يقصد شيئا منهما كان بيعا، لكونه الأصل في تمليك عين بعوض. و عليه فخصوصية البيع عدمية، و خصوصيتهما وجودية.

و ناقشه المصنف قدّس سرّه بما عرفت آنفا من منع الاشتراك المعنوي، و أنّ «تمليك عين بعوض» هو حقيقة عقد البيع خاصة، و استعماله في غيره مجاز منوط بالقرينة، فإرادة البيع من قوله: «ملكتك الكتاب بدينار» ليست لكونه الفرد الغالب من تمليك العين بعوض حتى يكون صدقه على الصلح و الهبة المعوضة حقيقيا أيضا بدعوى مصداقيّتهما لجامع التمليك. بل تكون إرادة البيع من التمليك لأجل أنّه الموضوع له بالخصوص.

نعم يمكن توجيه كون البيع أصلا في تمليك الأعيان بما يبعد عن مساق كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه بأن يقال: إنّ التمليك بالعوض معنى حقيقي لخصوص البيع، فلو شكّ في أنّ الموجب بقوله: «ملّكتك» أراد معناه الحقيقي أي البيع، أو معناه المجازي من الصلح و الهبة، اقتضت أصالة الحقيقة- التي هي من الأصول العقلائية الكاشفة عن المرادات- إرادة البيع لا غير، كما لو شكّ في أن القائل: «رأيت أسدا» أراد معناه الموضوع له أو الرجل الشجاع، فإنّ أصالة الحقيقة تقضي بالحمل على المعنى الحقيقي.

لكن الظاهر أنّ مقصود كاشف الغطاء من الأصل ليس أصالة الحقيقة الكاشفة عن المراد في مقام الإثبات، بل مراده الغلبة، و سيأتي مزيد توضيح له.

______________________________

[1] يرد عليه- مضافا إلى ما أورده المصنف قدّس سرّه عليه-: أنّ المراد بالأصل ظاهرا هو

ص: 249

فيقدّم (1) على الصلح و الهبة المعوّضة» محل تأمّل بل منع، لما عرفت (2) من أنّ تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير (3).

نعم (4) لو أتى بلفظ التمليك بالعوض و احتمل إرادة

______________________________

(1) يعني: فيقدّم البيع- عند إطلاق «ملكتك كذا بكذا» و عدم قصد خصوصية الصلح و الهبة- على إرادة أحدهما.

(2) تعليل لقوله: «محل تأمل» و قد عرفت توضيحه.

(3) يعني: فليس تمليك الأعيان مشتركا معنويا حتى يدّعى انصرافه عند الإطلاق إلى البيع، بل ليس تمليك الأعيان بالعوض إلّا البيع.

(4) استدراك على قوله: «محل تأمل بل منع» و مقصوده قدّس سرّه تصحيح أصالة البيع في تمليك الأعيان بإرادة أصالة الحقيقة في معنى التمليك، لا الأصل الذي ادّعاه كاشف الغطاء قدّس سرّه و هو الغلبة و الانصراف.

و عليه فيكون قوله: «نعم» كالاستثناء المنقطع الذي يختلف فيه المستثنى و المستثنى منه موضوعا. و ليس هذا توجيها للأصل الذي أسّسه الشيخ الكبير قدّس سرّه في شرح قواعده، لإباء كلامه عنه. و وجه كون الاستثناء منقطعا أجنبية الأصل بمعنى الغلبة- و الانصراف في المشترك المعنوي- عن أصالة الحقيقة المعوّل عليها في تمييز المراد من المعنى الحقيقي عن المجازي.

______________________________

الغلبة. بتقريب: أنّ غالب ما يقع في الخارج من تمليك العين بالعوض هو البيع، و هذه الغلبة تلحق الفرد المشكوك منه بالبيع، لقاعدة لحوق الشي ء بالأعم الأغلب.

و فيه: أنّ مجرّد الغلبة لا حجية فيها، بل و لو مع إفادتها الظن أيضا، لعدم الدليل على اعتباره، فيقع تحت عموم دليل عدم الحجية.

إلّا أن يقال: إنّ المراد بالأصل هو الإطلاق في مقام الثبوت بمعنى عدم قصد خصوصية الصلح أو الهبة التي بها يمتازان عن البيع المعرّى عن الخصوصية، فيكون مراد القائل بهذا الأصل هو عدم الخصوصية، و هذا أصل ثبوتي أجنبي عن الغلبة التي هي أصل إثباتي.

ص: 250

غير حقيقته (1) كان مقتضى الأصل اللفظي حمله (2) على المعنى الحقيقي، فيحكم بالبيع (3).

لكن (4) الظاهر أنّ الأصل بهذا المعنى (5) ليس مراد القائل المتقدم، و سيجي ء (6) توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء اللّه تعالى.

[ح نقض تعريف البيع بعقد القرض]

بقي القرض (7) داخلا في ظاهر الحد.

______________________________

(1) أي غير حقيقة «التمليك بالعوض» التي هي البيع، و المراد بالغير احتمال إرادة الصلح و الهبة المعوّضة، و من المعلوم أنّ حمل كل لفظ على معناه الموضوع له عند دوران الأمر بين إرادته و إرادة المعنى المجازي هو مقتضى أصالة الحقيقة كما عرفت في مثل الأسد.

(2) أي: حمل «التمليك بالعوض» على معناه الحقيقي و هو البيع.

(3) و لا يقبل منه دعوى إرادة الصلح أو الهبة المعوّضة.

(4) هذا بيان أجنبية التوجيه الذي أفاده بقوله: «نعم» عن مراد الشيخ الكبير قدّس سرّه.

(5) أي: أصالة الحقيقة التي هي حجة في تشخيص المراد، و لذا عدّت من الأصول المراديّة التي هي معتبرة في مقام الإثبات. و الظاهر عدم إرادة كاشف الغطاء قدّس سرّه هذا المعنى، لظهور عبارته في مقام الثبوت، و هو تحديد مفهوم البيع و تمييزه عن مفهومي الصلح و الهبة، فمراده بالأصل هو عدم دخل خصوصية في مفهوم البيع، و المفروض أنّه لم يقصد إلا التمليك بالعوض، و هذا أصل ثبوتي لا إثباتي، فالبيع لا خصوصية فيه، بخلاف الصلح و الهبة، فإنّ مفهومهما متخصّص بخصوصية وجودية و هي قصد عنوانهما.

(6) في خامس تنبيهات المعاطاة. لكنه قدّس سرّه لم يف بوعده في ذلك التنبيه كما ستقف عليه.

ح- انتقاض التعريف بعقد القرض

(7) هذا سابع النقوض التي أوردها المصنف قدّس سرّه على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» تقريب النقض: أن هذا التعريف يصدق على القرض كصدقه على البيع، حيث إنّ المقرض يملّك المقترض عينا في قبال العوض الذي يؤدّيه المقترض عند المطالبة أو عند حلول

ص: 251

و يمكن إخراجه (1) بأنّ مفهومه ليس نفس المعاوضة، بل هو تمليك على وجه

______________________________

الأجل، فإذا أقرض زيد عمروا دينارا مثلا فقد ملّكه دينارا بعوض، و هو الدينار المماثل للدينار الذي أقرضه، و عليه ف «إنشاء تمليك العين بعوض» صادق على القرض أيضا.

ثم إنّ هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما.

الأوّل: أنّ سوق العبارة يقتضي أن يقال: «و منها: صدقه على القرض» يعني: و من الأمور الباقية على تعريف البيع عدم مانعيّته للغير- أي القرض- كعدم مانعيّته عن الشراء و الصلح و الهبة المعوّضة، مع خروج القرض عن البيع قطعا، فلا بد من تعريفه بما لا ينتقض بالقرض. و لم يظهر وجه عدول المصنف قدّس سرّه عن السياق الى قوله: «بقي القرض».

الثاني: أنّ هذا النقض لا يختص بتعريف البيع بما في المتن من «إنشاء تمليك عين بعوض» لوروده على تعريفه بالانتقال و بالعقد الدال عليه أو على النقل إذا كان الإنشاء بلفظ التمليك، لاشتراك الكل في جامع التمليك بالعوض. نعم في ورود النقض على تعريفه بما في جامع المقاصد من «نقل العين بالصيغة المخصوصة» تأمل لا يخفى وجهه.

(1) هذا الضمير و ضمير «مفهومه» راجعان الى القرض، و هذا جواب الاشكال.

و محصل ما أفاده في دفع نقض تعريف البيع بالقرض هو: أنّ حقيقة القرض تمليك و تضمين، بمعنى أنّ المقرض تارة ينشئ تمليك المال للمديون، و اخرى ينشئ شرطية ضمانه عليه بما يناسبه و يكون أقرب إليه من المثل إذا كان مثليّا أو القيمة إذا كان قيميّا. فيكون نظير الهبة بشرط العوض في كون شرط العوض خارجا عن البدلية المقوّمة للمقابلة المعتبرة في حقيقة المعاوضة.

و ببيان آخر: يخرج القرض عن تعريف البيع بقيد «العوض».

توضيحه: أنّه يعتبر عرفا في مفهوم المعاوضة المقوّمة للبيع تغاير العوض للمعوّض و تعدّدهما، إذ لا يعقل اعتبار المعاوضة في شي ء واحد بأن يكون عوضا عن نفسه كما هو واضح.

إذا عرفت هذا فنقول: إنّ المديون تشتغل ذمته بكلّيّ ينطبق على الأفراد الخارجية المساوية للعين المقترضة في الخصوصيات النوعية و الصنفيّة الدخيلة في المالية التي تدخل

ص: 252

ضمان المثل أو القيمة، لا معاوضة للعين بهما [1].

______________________________

تحت الضمان، بخلاف الخصوصيات الشخصية فإنها لا تدخل تحت الضمان، لبناء الدائن و المديون على ذلك، حيث إنّ القرض يوجب ملكية العين للمديون ليتمكن من صرفه في حوائجه، فلو كانت الخصوصيات الشخصية داخلة تحت الضمان لزم من ذلك نقض الغرض من القرض، و كان ضمان الدين كضمان الغصب، حيث إنّ العين المغصوبة بجميع خصوصياتها النوعية و الصنفية و الشخصية مضمونة على الغاصب.

فالفارق بين الضمان القرضي و الغصبي هو: أنّ جميع الخصوصيات في الغصب مضمونة على الغاصب، و لذا يجب دفع العين لو كانت موجودة إلى المغصوب منه. بخلاف القرض، إذ المضمون على المديون ليس إلّا الخصوصيات النوعية و الصنفية، و أمّا الشخصية فلا، و لذا لا يجب على المديون دفع العين إذا كانت موجودة، كما ليس للدائن إلزام المديون بذلك بقاعدة اليد، لعدم موضوع لها بعد وضوح كون يد المقترض على العين المقترضة مالكية. و لا قاعدة الإقدام، لأنّها تابعة لما تعهّد به الضامن. و قد عرفت أنّ ما ثبت به تعهّده هو المال المقترض بخصوصياته النوعية و الصنفية دون الشخصية. هذا كله في اختلاف البيع و القرض مفهوما.

و يترتب عليه اختلافهما بحسب الآثار و الأحكام، و هو كاشف إنّا عن مغايرتهما سنخا، و قد استشهد المصنف قدّس سرّه بأمور أربعة يفترق فيها البيع عن القرض، و سيأتي بيانها.

______________________________

[1] قد يشكل هذا الجواب بما في حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه من أنّ إنكار المعاوضة في عقد القرض و الالتزام بكونه تمليكا على وجه ضمان البدل لا يخلو من أحد وجهين لا سبيل إلى شي ء منهما، لكون أحدهما تسليما للنقض مع تغيير العبارة، و الآخر غير معقول.

توضيحه: أنّ «التمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة» إن كان بمعنى المقابلة بأن يكون تمليك العين بإزاء عوض كلّيّ في الذمة كان التزاما بالإشكال، لصدق «تمليك عين

ص: 253

______________________________

بعوض» على القرض كصدقه على البيع، إذ ليس مفاد صيغة «أقرضتك» أو «ملّكتك هذا و عليك ردّ عوضه» إلا تمليك عين في قبال عوضها.

و إن كان تمليك المقرض لا على وجه المقابلة بل كان تمليكه مجّانيا و خاليا عن العوض- و إنّما اشترط على المقترض ضمان البدل، كحكم الشارع على الضامن باشتغال العهدة في موارد الضمانات كالإتلاف- كان غير معقول. لاستحالة أن يضمن الشخص مال نفسه، لا سيّما مع قيام عينه، فيكون العين له قد تملّكها مجّانا، و مع ذلك يضمنها على أن يؤدّي العوض للغير «1».

و هذا الاشكال لا يخلو من وجه، و التفصي منه «بأنّ ضمان المقترض للإقدام عليه لا لقاعدة اليد، فالمقترض أقدم على ضمان مالية العين و إن لم يضمن خصوصيتها» «2» لا يخلو من غموض، إذ لا إقدام هنا إلّا على القرض، و الإشكال كلّه في تصوير الضمان، لانحصار سببه في أحد أمرين، إمّا اقتضاء ذات العقد للمعاوضة، فيعود انتقاض تعريف البيع بالقرض، لاشتراكهما في جامع التمليك بالعوض، و إن كان العوض فيه كلّيا دائما، بخلاف الثمن في البيع، فإنّه أعمّ منه و من العين الشخصية و المنافع المملوكة، بل و بعض الحقوق.

و إمّا لاقتضاء الشرط المدلول عليه بقوله: «و عليك ردّ عوضه» مع فرض عدم اقتضاء نفس تمليك المقرض للبدل، و هذا هو محذور ضمان الشخص لما تملّكه مجّانا، و هو غير معقول.

و بهذا ظهر أنّه لا إقدام على ضمان العين من غير ناحية الاقتراض، فإمّا أن يكون الضمان مقتضى طبع القرض، و إمّا أن يكون مقتضى الشرط.

و تخلّص المحقّق الإيرواني قدّس سرّه عن النقض بإنكار المعاوضة في باب القرض، و أنّ حقيقته تمليك العين و تأمين المالية، و قد أوضحه في موضع آخر بقوله: «إنّ القرض ينحل إلى أمرين: هبة و استيمان. أمّا الهبة فبالنسبة إلى العين، فإنّ المقرض يرفع يده عن العين و يدفعها إلى المقترض مجّانا و بلا عوض. و أمّا الاستيمان فبالنسبة إلى مالية العين، فإنّه يستأمن ماليّة

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 74

(2) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 68

ص: 254

______________________________

العين عند المقترض، و في ذمّته على أن يردّها إليه في رأس الأجل، و لذا يطالب حينما يطالب بماله، لا بعوض ماله. فلا معاوضة في القرض بوجه. و إنّما هو إعراض عن خصوصية العين و استيمان لماليتها» «1».

و هذا البيان كما تراه إنكار للمعاوضة في القرض رأسا، فينهدم أساس النقض، و لا بأس به من جهة التفكيك في حيثيات العين الشخصية بين خصوصيتها و نوعيتها، فيكون نظير اللقطة التي حكم الشارع بجواز التصرف فيها مع ضمان البدل الواقعي مثلا أو قيمة.

لكنه قد يشكل الالتزام به من جهة تصريحات الأصحاب بعدّ القرض من العقود المعاوضية، فنفس تمليك المقرض يقتضي استحقاق البدل، فإن أنشأه بقوله: «أقرضتك» لم يفتقر الى الاشتراط، و إن أنشأه بمثل «ملّكتك» لزم الاشتراط بمثل «و عليك ردّ عوضه».

و جعل حقيقته منحلّا الى عقدين هبة العين و استيمان المالية و إن كان محتملا ثبوتا، لكنه لا شاهد عليه في مقام الإثبات، بل الكلمات ظاهرة في خلافه، قال ابن حمزة قدّس سرّه في تعريفه: «القرض كل مال لزم في الذمة بعقد عوضا عن مثله» «2». فالقرض عنده ذلك البدل الكلي المستقر في العهدة عوضا عمّا أخذه من المقرض.

و قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه لدى التعليق على قول العلّامة: «فإن كان مثليا يثبت في الذمة مثله، و إلّا القيمة وقت التسليم» ما لفظه: «لعلّ دليله: أن القيمي إنّما خرج عن ملك المالك بالعوض، و ليس له العوض إلّا القيمة، لعدم المماثلة كما في سائر المعاوضات ..» «3». و قال في موضع آخر: «لأنّ الاذن إنّما حصل من المالك بأن يكون مالكا و يكون عليه العوض، لا مطلقا

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 71

(2) الجوامع الفقهية، كتاب الوسيلة، ص 748

(3) مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان، ج 9، ص 69

ص: 255

______________________________

كما في سائر المعاوضات» «1».

و قال في الجواهر: «انّ القرض و إن كان له شبه بالضمانات، إلّا أنه من المعاوضات أيضا» «2».

و في هذه الكلمات كفاية لعدّ القرض من العقود المعاوضية و إن كان له أحكام خاصة به، و لا سبيل لإخراجه منها، كما لا وجه لجعله منحلّا الى عقد هبة للعين، و عقد استيمان و استيداع للمالية.

و بالجملة: فما تفصّى به المحقق الايرواني قدّس سرّه عن النقض غير ظاهر.

و اختار المحقق الأصفهاني قدّس سرّه لدفع النقض وجها آخر، فأفاد في توضيح المتن ما حاصله: أنّ العوض و إن كان مقصودا في القرض، لكنه لا يكفي في عدّه من العقود المعاوضية، إذ المناط فيها أن يتسبّب إليه بنفس الإنشاء كأن يقال: «بعت هذا بهذا» فلو كان العوض مقصودا و لم يتسبّب الى وجوده الاعتباري بالإنشاء لم يكن معاوضة، و لذا فعقد القرض تمليك على وجه التضمين، لا تمليك محض و لا تضمين محض «3».

و هذا الوجه أيضا لا يخلو من تأمل، إذ لا ريب في أنّ التمليك على وجه التضمين، إمّا أن يلاحظ فيه الضمان بنحو العوض، و امّا أن يلاحظ فيه بنحو الشرط، و على كلّ منهما يكون تمليك المقرض حصّة من طبيعي التمليك، و هي الملحوظ فيها استحقاق العوض.

فالأولى الالتزام بكون القرض من المعاوضات، و إن اختصّ بأحكام لم تجر في البيع كما سيأتي التنبيه عليها في المتن.

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 74

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 16

(3) حاشية المكاسب، ج 1، ص 18

ص: 256

و لذا (1) لا يجري فيه ربا المعاوضة، و لا (2) الغرر المنفيّ فيها، و لا (3) ذكر العوض،

______________________________

(1) أي: و لأجل عدم كون مفهوم القرض هو التمليك على وجه المقابلة، بل مفهومه «التمليك على وجه ضمان المثل أو القيمة» لا يجري فيه ربا المعاوضة.

و هذا أوّل الوجوه الأربعة التي استشهد بها المصنف قدّس سرّه على خروج القرض عن مفهوم البيع، و حاصله: أنهم ذكروا انقسام الربا الى قسمين أحدهما معاوضي، و الآخر قرضي.

و اعتبروا في صدق الربا في المعاوضة أن يكون العوضان من جنس واحد، و أن يكونا مكيلين أو موزونين، فلا يحرم مطلق التفاضل بين العوضين كما إذا كانا من جنسين أو لم يكونا من المكيل و الموزون.

و هذا بخلاف الربا القرضي، فإنّه يحرم التفاضل- في القرض- مطلقا، و لا يشترط بكون العين المقترضة من المكيل و الموزون، و لا بوحدة الجنس.

و على هذا نقول: بخروج القرض عن باب المعاوضة، إذ لو كان بيعا لاعتبر في رباه ما يعتبر في ربا المعاوضة، مع وضوح حرمة اشتراط التفاضل- مطلقا- في باب القرض، حتى إذا لم تكن العين المقترضة من المكيل و الموزون، فلو أقرض معدودا كالبيض- كما هو المتعارف في بيعه بالعدّ في بعض البلاد، لا بالوزن- بأكثر منه كان ربا حراما. أو أقرض منّا من حنطة بمنّين من عدس، و هكذا. بخلاف ما إذا باع بيضة واحدة باثنتين، أو منّا من حنطة بمنّين من عدس، فإنّه لا بأس بذلك. و هذا شاهد على عدم كون القرض بيعا.

(2) هذا ثاني الوجوه التي استشهد بها على عدم كون القرض معاوضة، و حاصله: أنّه لو كان القرض بيعا لم يجز قرض المجهول، إذ يعتبر في البيع كون المبيع معلوما، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر «1»، فجواز قرض المجهول- كصبرة أو قبضة من الدراهم- دليل على عدم كون القرض بيعا، إذ القرض وقع صحيحا.

(3) هذا ثالث الوجوه، و حاصله: أنّه يعتبر في المعاوضة ذكر العوضين في متن العقد، لأنّهما ركنان في باب المعاوضة، فعدم ذكر أحدهما أو كليهما يوجب اختلال العقد، لعدم ذكر

______________________________

(1): عيون أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 45 و 46، الحديث 168، و فيه: «و قد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع المضطر و عن بيع الغرر» و على هذا فالرواية منقولة بطرقنا أيضا.

ص: 257

و لا (1) العلم به، فتأمّل (2).

______________________________

ركنية أو أحدهما. مع أنّه لا يجب ذكر العوض في باب القرض، و عليه فعدم وجوب ذكره فيه كاشف عن خروجه عن باب المعاوضة.

(1) هذا رابع تلك الوجوه، و محصله: أنّه يعتبر العلم بالعوض في باب المعاوضة، مع أنّه غير معتبر في القرض، بشهادة صحة القرض مع عدم العلم بكون العين المقترضة مثليّا أو قيميّا، و من المعلوم أنه لو كان القرض معاوضة بين العين المقترضة و ما يؤدّيه المقترض لزم إحراز كون العين مثليا أو قيميا حتى يعلم بما اشتغلت الذمة به من المثل أو القيمة.

(2) لعلّه كما أفاده جماعة من المحشّين- منهم الفقيهان المامقاني و السيد قدّس سرّهما «1»- إشارة إلى:

أنّ الوجوه الأربعة المتقدمة لا تشهد بعدم كون القرض من المعاوضات، لإمكان اختلاف أنواع المعاوضات في الأحكام، فلا يدلّ شي ء من تلك الوجوه على خروج القرض موضوعا عن حيّز المعاوضات، كما هو المقصود من الاستشهاد بها، إذ ليست تلك الأمور الأربعة مقوّمة لمفهوم المعاوضة عرفا حتى يكون انتفاؤها موجبا لانتفاء حقيقة المعاوضة، بل هي أحكام تعبّديّة ثبتت في البيع لقيام الدليل على ثبوتها له، و على هذا فلا سبيل لإخراج القرض عن باب المعاوضات و لا بدّ من افتراقه عن البيع بوجه آخر [1].

______________________________

[1] لكن الظاهر دلالة الأمور الأربعة المتقدمة على خروج القرض عن باب المعاوضات بنظر المصنف، و أنّ أمره بالتأمل ناظر إلى مطلب آخر، لكون المقام من صغريات دوران الأمر بين التخصيص و التخصّص، و قد اختار قدّس سرّه حجية أصالة العموم في مثله و اقتضائها إحراز حال الفرد و عدم كونه من مصاديق العام، مثلا: إذا علمنا بعدم وجوب إكرام زيد و شككنا في أنّ خروجه عن عموم «أكرم العلماء» هل يكون تخصيصا أم تخصّصا لعدم كونه منهم، فمقتضى أصالة عدم تخصيص العام الحكم بخروجه تخصّصا، لحجية مثبتات الأصول اللفظية.

قال مقرّر بحث المصنف: «و على ذلك جرى ديدنهم في الاستدلالات الفقهية،

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 175، حاشية السيد على المكاسب، ص 61

ص: 258

______________________________

كاستدلالهم على طهارة الغسالة على أنّها لا تنجّس المحلّ، فإن كان نجسا غير منجّس يلزم تخصيص قولنا: كل نجس منجّس» «1».

و على هذا المبنى يمكن الاستشهاد على خروج القرض من المعاوضة موضوعا- بهذه القاعدة- ببيان: أنّه يشك في كيفية خروج القرض عن عموم أدلة أحكام المعاوضات، و أنه موضوعي أو حكمي، فأصالة عدم تخصيص تلك الأدلة تثبت عدم كون القرض من المعاوضات، لا أنه معاوضة غير محكومة بتلك الأحكام الأربعة.

و عليه فمرجع الاستشهاد بتلك الوجوه- ببركة حجية أصالة عدم التخصيص- إلى عدم كون القرض من المعاوضات، فتدبّر جيّدا.

و لذا كان ينبغي تنزيل الأمر بالتأمل هنا على تثبيت ما أفاده بقوله: «و لذا لا يجري فيه ربا المعاوضة .. إلخ» من استكشاف خروج القرض موضوعا عن باب المعاوضات، لا حمله على عدم التنافي بينها و بين كونه معاوضة كما أفاده الشرّاح قدّس سرّهم.

نعم، الإشكال كلّه في المبنى، لما تقرّر في أصالة العموم من اقتصار حجيّتها على جهة الحكم، سواء كان الشك في أصل التخصيص أم في التخصيص الزائد، و لا أقلّ من الشك في بناء العقلاء على العمل بها لإحراز حال الموضوع، عند العلم بعدم محكوميته بحكم العام.

مناقشات أخرى في تعريف البيع هذا تمام الكلام في الإشكالات التي أوردها المصنف قدّس سرّه على تعريفه للبيع و دفعها، و قد أورد عليه جمع من المحشين بوجوه أخرى، ينبغي التعرّض لجملة منها:

الأوّل: أن البيع يوجد بالإنشاء، فهو موضوع له لا نفسه. و إن شئت فقل: إن الإنشاء سبب للبيع لا نفسه، فهو من الاعتبارات الناشئة منه، فتعريفه به تعريف للشي ء بسببه. نعم هذا التعريف يلائم إنشاء البيع لا نفسه كما لا يخفى.

و قد تقدّم توضيح وجه الحاجة الى ذكر لفظ الإنشاء في تعريف المصنف قدّس سرّه.

______________________________

(1): مطارح الأنظار، ص 196

ص: 259

______________________________

و لكن مع ذلك لا نحتاج الى ذكر لفظ الإنشاء، لأنّ وجه الحاجة إليه- و هو إخراج التمليك الشرعي و العرفي الذي ليس تحت قدرة البائع و كون ما بيده هو التمليك الإنشائي- يتأدّى بلفظ «التمليك» لأنّه عبارة عن إيجاد الملكية الإنشائية، فيكون لفظ الإنشاء مستدركا، إذ مرجع إضافة الإنشاء إلى التمليك إلى «إنشاء إنشاء الملكية».

و لو فرض الحاجة إلى زيادة لفظ الإنشاء بدعوى: عدم دلالة التمليك على الإنشائي لم يحسن جعل الإنشاء جنسا للحد، إذ ليس ذلك جنسا، بل سببا للبيع، فالمناسب ان يقال: البيع هو التمليك الإنشائي.

الثاني: أنه يستلزم انخرام قاعدة توافق المشتق و المشتق منه في المعنى، لوضوح أنّ «الإنشاء» لم يؤخذ في مفهوم شي ء من تصاريف البيع، فإنّ قوله في مقام الاخبار: «بعت، أو أبيع، أو باع زيد، و يبيع» و نحو ذلك لا يراد به إلّا التمليك، لا إنشاؤه الذي هو سبب له، هذا.

و يمكن دفعه: بأنّ المراد بالإنشاء هو التمليك الإنشائي، في قبال التمليك الخارجي الممضى شرعا أو عرفا، لا الإنشاء في مقابل الإخبار، و من المعلوم سريان التمليك الإنشائي في جميع تصاريف البيع، فقوله: «بعت» إخبارا يراد به الإخبار عن التمليك الإنشائي، فلا يلزم انخرام قاعدة لزوم توافق المشتقات للمشتق منه في المعنى، فتدبّر.

الثالث: ما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه من «أن العوض غير مأخوذ في مفهوم البيع وضعا، فيصح الإخبار بالبيع عمّن قال: بعت هذه الدار مثلا بدون ذكر العوض. و الوجه في ذلك واضح، فإنّه اسم لما هو أعم من الصحيح و الفاسد، و لذلك تراهم يذكرون مسألة البيع بلا ثمن، و يختلفون في حكمه، فلو لم يكن بيعا لم يكن لذلك وجه» «1».

و فيه ما لا يخفى، لما مرّ في تعريف المصباح للبيع بأنه «مبادلة مال بمال» فالعوض مأخوذ في مفهوم البيع لغة. و أمّا صحة الاخبار بالبيع بدون ذكر العوض فلعدم الحاجة إلى ذكر العوض بعد وضوح دخله في مفهوم البيع لغة و عرفا، و كون البيع من العقود المعاوضية. و أمّا كون البيع اسما للأعم من الصحيح و الفاسد و كون التعريف للأعم فلا كلام في ذلك، إلّا أنّ

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 174

ص: 260

______________________________

الشأن في صدق البيع العرفي على ما يكون فاسدا شرعا كالبيع بلا ثمن، فإنّ إطلاق البيع عليه عرفا ممنوع، و لذا يعدّ شرط خلوّ البيع عن الثمن منافيا لمقتضى حقيقة البيع، لا منافيا لمقتضى إطلاقه، كما لا يخفى.

الرابع: ما في حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه من: «أن العين تشمل غير المتمولة كالخنافس و الديدان» «1».

و فيه: أنّه لا ضير في ذلك، لكون المعرّف هو البيع الأعم من الصحيح و الفاسد. إلّا أن يمنع صدق البيع عليه لغة كما يظهر من المصباح، بل و عرفا.

و يمكن دفع الاشكال عن تعريف المصنف باختصاص العين بالمتموّلة، لما تقدم منه في ذيل تعريف المصباح من استظهار كون المعوّض عينا، في قبال أعمية العوض منها و من المنافع، فإنّ ذلك كلّه بعد الفراغ عن اعتبار مالية العوضين، و لذلك منع من جعل العوض عمل الحرّ، كما منع عن قابلية وقوع بعض الحقوق عوضا. و عليه فلفظ «العين» و إن كان ظاهرا بدوا في ما يقابل المنفعة مطلقا سواء اتصف بالمالية أم لا، إلّا أن التأمل في كلام المصنف قدّس سرّه قاض بإرادة خصوص ما يتموّل كما ذكرناه، فلاحظ.

الخامس: ما في الحاشية المزبورة أيضا من «شموله لإنشاء العابث و اللّاغي، و إنشاء الإيجاب غير المتعقّب بالقبول، مع أنّ شيئا من ذلك ليس بيعا، بل إنشاء البيع».

و فيه: أنّه لا يصدق البيع على إنشاء العابث و اللّاغي، لأنّه- على ما عرفت- ما يكون مبرزا للاعتبار الموجد في النفس أو موجدا للأمر الاعتباري، على الخلاف المتقدّم في حقيقة الإنشاء، و من المعلوم أنّ إنشاء اللّاغي الفاقد للقصد لا يبرز ذلك و لا يوجده. و أمّا إنشاء الإيجاب غير المتعقب بالقبول فهو بيع قطعا، إذ المحدود هو فعل البائع، لا المعاملة الخاصة القائمة بكلا المتبايعين.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 74

ص: 261

______________________________

السادس: ما في حاشيته أيضا من: «أنه يشمل الإنشاء الصريح و الضمني، مع أن مقصوده الإنشاء الصحيح كيلا يشمل القبول من المشتري، و لا يشمل قبول مستأجر العين، و لا يشمل الصلح».

و يمكن دفعه: بأن قبول البيع و الإجارة عبارة عن إنشاء التملك، و ليس مفهومه لغة أو عرفا إنشاء التمليك، و إنّما يرجع الى إنشاء التمليك بعد التحليل، فليس القبول إلّا مطاوعة لإنشاء الموجب، فمفهوم القبول ليس إلّا إنشاء التملك.

و أمّا الصلح فليس هو أيضا إنشاء التمليك بل إنشاء التسالم، و التمليك مما يترتب عليه، فليس الصلح أوّلا و بالذات إنشاء التمليك.

السابع: ما في حاشيته أيضا من: أنه يلزم تعلق الجار بالعين أو بصفة مقدرة لها حتى يكون تقدير الكلام: «إنشاء تمليك عين مقابل بالمال» لينطبق على البيع، مع أن ظاهره التعلق بالتمليك، و ينطبق التعريف على الهبة المعوّضة بناء على ما تقدم في المتن من كون العوض عوضا لفعل الواهب و هو التمليك، لا عوضا عن العين الموهوبة المتعلق بها التمليك. و الفارق بين البيع و الهبة عند المصنف هو هذا أي كون الثمن عوضا عن العين في البيع، و كونه عوضا عن الفعل في الهبة، هذا.

و هذا الاشكال و إن كان واردا على تعريف المصنف قدّس سرّه، لكنه لا يختص به، إذ لا بدّ من تعيين متعلّق للباء الدالة على المقابلة بين العين و الثمن حتى يتميّز البيع عن الهبة، فلا مناص من صرف ظهوره في تعلّقه بالتمليك الى تعلّقه بمقدّر.

هذه جملة من مناقشاتهم في تعريف المتن. و قد تقدم فيما يتعلق بتعريف المصباح بعض وجوه النظر فيه أيضا، فراجع.

و كذا يظهر ما في تعريف البيع بما في تقرير بحث شيخنا المحقق النائيني قدّس سرّه قال المقرر: «الأولى في تعريف البيع أن يقال: هو تمليك العين بالعوض في ظرف تملّك

ص: 262

______________________________

المشتري» «1» و ذلك لما مرّ مرارا من أنّ البيع ليس هو التمليك، بل مفهومه التبديل.

مضافا إلى: أنّ تملك المشتري ليس دخيلا في البيع المصدري الذي هو فعل البائع، و إنّما هو دخيل في ترتب الأثر المقصود على المعاملة الخاصة القائمة بالبائع و المشتري.

و إلى: لزوم تقييد كل من العين و العوض بالتموّل، لما عرفت من أنّ البيع هو المبادلة بين المالين لغة و عرفا و لو بأصالة عدم النقل، هذا.

كما يظهر مما ذكرناه: ما في تعريف البيع بما أفاده الحلبي في كافيه من: «أنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع و الثمن و تسليمهما» «2» من الإشكال، و ذلك لما فيه أوّلا: من أنّ «العقد» إن أريد به الإيجاب و القبول اللفظيّان توجّه عليه ما تقدم في تعريف البيع- بالإيجاب و القبول الدالين على الانتقال- من: أنّ البيع من مقولة المعنى، و هو الأمر الاعتباري، و ليس من مقولة اللفظ. و من خروج المعاطاة عنه.

و إن أريد به ما يقوم بالبائع و المشتري من العهد، ففيه: أنّ المحدود هو البيع بمعناه المصدري الذي هو فعل البائع فقط، و من المعلوم أن العهد قائم بالطرفين كما لا يخفى.

و ثانيا: أنّ المحدود أعمّ من البيع الصحيح و الفاسد، و من البديهي أن استحقاق التصرف و التسليم من آثار خصوص البيع الصحيح، فلا يشمل الحدّ البيع الفاسد.

و ثالثا: أنّه يستلزم الدور، لاشتمال الحدّ على المبيع الذي هو من مشتقات البيع، فإذا توقّف معرفة الحدّ- كلّا أو بعضا- على المحدود لزم الدور، لتوقف معرفة المحدود أيضا عليه.

و رابعا: أنّه يقتضي عدم اعتبار العينية في المبيع.

و خامسا: أنّه يقتضي عدم اعتبار الماليّة في العوضين كما لا يخفى.

فالأولى في تعريف البيع أن يقال: «أنّه تبديل اعتباري بين عين و شي ء متموّلين» فإنّ هذا هو البيع العرفي الصادق على الصحيح و الفاسد.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 45

(2) الكافي في الفقه، ص 352

ص: 263

ثم إنّ ما ذكرنا (1)

______________________________

(1) يعني: من تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» و غرضه بيان أمرين:

الأوّل: أنّ البيع الذي يكون أصلا للمشتقات هو البيع بمعناه المصدري، الذي هو فعل البائع، في قبال الشراء الذي هو فعل القابل، لا البيع بمعناه الاسمي، فإذا قال: «بعت» فمعناه:

أنشأت البيع، و هذا هو مختار المصنف قدّس سرّه في تعريف البيع، حيث قال: «إنه إنشاء تمليك عين بمال».

الثاني: عدم منافاة التعريف المزبور لإطلاق البيع على معان آخر، و رجوعها إلى المعنى الذي اختاره، و هو: إنشاء تمليك عين بمال، كما سيتّضح عند تعرّضها في المتن.

هذا إجمال الأمر، و المقصود الأصلي النظر في كلام صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث إنّه ادّعى إطلاق البيع حقيقة على معان أربعة، و أوّل تلك الإطلاقات هو: إنشاء تمليك البائع، و إنشاء تملك المشتري- لكون البيع من الأضداد- لكن بشرط انضمام أحدهما إلى الآخر، فلو لم يتعقب إنشاء البائع بقبول المشتري لم يطلق على إنشاء البائع: أنه بيع.

و ثانيها: إنشاء التمليك، الذي هو فعل البائع.

و ثالث تلك المعاني هو النقل المترتب على الإيجاب و القبول.

و رابعها: نفس العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول. و الفرق بين هذا الإطلاق الأخير و بين إطلاقه على إيجاب البائع بشرط تعقبه بتملّك المشتري هو دخل القبول شرطا في الأوّل، و شطرا في الأخير.

هذا ما أفاده صاحب المقابس من إطلاق البيع على معان أربعة «1»، و قد سبقه في التنبيه عليه شيخه الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرح القواعد، حيث قال- بعد تعريف البيع بالانتقال كما في القواعد- ما لفظه: «و قد يراد به- أي البيع- مجموع النقلين في العوضين أو الانتقالين، أو مجموع كلا القسمين، أو ما دلّ على النحو السابق و إن لم يوافق ما أريد به في هذا الكتاب.

و على نحو اختلاف التعريفات اختلفت الإطلاقات، فمرّة يقع الشراء قسيمه، و مرّة قسمه، و مرّة جزأه. و يتعيّن الأوّل عند تعاطفهما، و الثاني إذا أريد النقل بالنحو الخاص، و الثالث إذا

______________________________

(1): مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 2

ص: 264

تعريف للبيع المأخوذ في صيغة «بعت» و غيره من المشتقات (1).

[إطلاق البيع على معان أخرى]
اشارة

و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله في معان أخر (2) غير ما ذكر [1]:

______________________________

أريد به العقد في مقابلة العقود الأخر. و معنى النقل أو إيجابه هو الشائع على اللسان. و العقد إيجابا و قبولا ألصق بباب المعاملات و مذاق الفقهاء. و أمّا الانتقال فلا يوافق مقتضى الحال، لأنّ البيع على الظاهر من مقولة الفعل لا الانفعال، و يشهد لذلك تعديته بالاستقلال ..» «1».

و عليه فإطلاق البيع على معان أربعة و إن كان موجودا في كلام صاحب المقابس و شيخه الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّهما، إلا أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من «بعض من قارب عصرنا» هو الأوّل، بقرينة ما سيأتي نقله في المتن بقوله: «قال: بل الظاهر اتفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب المعاملات ..» فإنّها نصّ كلام صاحب المقابس.

(1) ك «أبيع و بائع و بع» و نحوها من التصاريف، فالمبدأ الساري في الكل معنى وحداني و هو إنشاء تمليك عين بمال. «نعم لو كان في مقام الإخبار عما أنشأه كان معناه «إنشاء التمليك المقرون بقبول المشتري» لا إنشاء البيع مطلقا حتى بدون انضمام القبول، و لكن خصوصية التعقب مستفادة من كونه في مقام الإخبار عن إنشاء المعاملة المتوقفة على تمامية العقد شطرا و شرطا.

إطلاق البيع على معان أخرى

(2) أي: معان ثلاثة أخرى ذكرها الفقيهان كاشف الغطاء و صاحب المقابس.

______________________________

[1] قال المحقق الايرواني قدّس سرّه ما لفظه: «لا يخفى أنّ ما ذكره من المعاني هنا هي عين ما تقدم من المعاني، فلا وجه للإعادة. نعم المعنى الأوّل مما ذكره هنا مشتمل على قيد زائد على المعنى الذي اختاره المصنف سابقا في تعريف البيع و هو: إنشاء التمليك، بلا قيد التعقب بإنشاء التملك من المشتري» «2».

______________________________

(1): شرح القواعد- مخطوط- الصفحة الأولى من عقد البيع.

(2) حاشية المكاسب ج 1 ص 74.

ص: 265

أحدها: التمليك المذكور (1)، لكن بشرط تعقّبه بتملّك المشتري. و إليه (2) نظر بعض مشايخنا، حيث أخذ قيد التعقّب بالقبول في تعريف البيع المصطلح (3).

و لعلّه (4) لتبادر التمليك المقرون بالقبول من اللفظ، بل و صحّة السلب عن المجرّد،

______________________________

(1) أي: إنشاء تمليك عين بمال، و هو فعل البائع، و لكن البيع ليس مجرّد هذا الإنشاء، بل المشروط بانضمام القبول إليه. و إطلاق «البيع» على الإيجاب المشروط بالقبول هو أوّل المعاني الأربعة المذكورة في المقابس، حيث قال:- بعد إطلاقه حقيقة على كلّ واحد من الإيجاب و القبول، لكونه من الأضداد- ما لفظه: «و يشترط في كلا الإطلاقين انضمام الفعلين و اجتماعهما في الوجود، فلا يقال لمن أوجب البيع بقوله: بعت: أنّه باع، إلّا بعد أن ينضمّ قول الآخر.

و قبوله. و مثله الآخر، بل الحكم فيه أظهر .. إلخ».

و وجّه المصنف قدّس سرّه هذا الاشتراط بالتبادر و صحة السلب، حيث إنّ المتبادر من لفظ «البيع» و مشتقاته هو التمليك المتعقّب بتملّك المشتري. و كذا يصح سلب عنوان «البيع» عن التمليك المجرّد عن قبول المشتري، بشهادة أنّه لا يقال في مقام الإخبار: «باع زيد داره» إلّا بعد أن يشتريها شخص منه. و على هذا فلو لم ينضمّ قبول المشتري إلى إيجاب البائع لا يصدق عنوان «البيع» على إنشاء التمليك الذي هو فعل البائع.

(2) أي: و إلى استعمال البيع في التمليك الإنشائي المشروط بقبول المشتري نظر بعض المشايخ، و لعلّ هذا البعض صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(3) يعني: ما يقابل سائر المعاملات و العقود، و إلّا فالبيع المقابل للشراء لم يؤخذ فيه قيد التعقّب بالقبول قطعا.

(4) غرضه قدّس سرّه توجيه كلام بعض من عاصره من إطلاق البيع حقيقة على إنشاء تمليك البائع بشرط انضمام القبول إليه. و محصّل التوجيه: وجود أمارتين من علائم الحقيقة في المقام

______________________________

قول: لعل الوجه في التعرض لها مع ذكرها سابقا هو دفع التنافي في بين مختاره في تعريف البيع من كونه إنشاء تمليك عين بمال و بين تلك المعاني، فالنكتة في الإعادة هي إثبات عدم التنافي بينهما، فلا تغفل.

ص: 266

و لهذا (1) لا يقال: «باع فلان ماله» إلّا بعد أن يكون قد اشتراه غيره. و يستفاد (2) من قول القائل: «بعت مالي» أنّه اشتراه غيره، لا أنّه أوجب البيع فقط.

الثاني (3): الأثر الحاصل من الإيجاب و القبول، و هو الانتقال [1]

______________________________

تكشفان عن وضع «البيع» لفعل البائع المنضمّ الى قبول المشتري.

أحدهما: تبادر هذه الحصة- دون طبيعي التمليك الإنشائي- لو قال المخبر: «بعت داري» إذ لا يراد منه الإيجاب المحض.

و الآخر: صحة سلب عنوان «البيع» عن الإيجاب المجرد عن قبول المشتري.

و عليه فالتمليك غير المقرون بالتملّك ليس بيعا.

(1) يعني: و لتبادر الإنشاء المتعقب بالقبول- و صحة سلب البيع عن الإيجاب المجرّد عن القبول- لا يقال لمن يخبر عن بيع داره: أنّه باعها إلّا بعد أن اشتراها غيره.

(2) زاد المصنف قدّس سرّه هذا المثال الثاني لأجل تثبيت التبادر و صحة السلب، و كان المثال الأوّل وافيا بإثبات الأمارتين، و لذا اقتصر صاحب المقابس قدّس سرّه على مثال واحد.

(3) قال في المقابس: «ثالثها: الأثر المترتب على تحقق جزأي العقد معا، و هو النقل العرفي مطلقا، و الشرعي مع صحة العقد، و يعبّر عنه بالانتقال أيضا و يختلفان بالاعتبار» و حاصله: أنّ البيع موضوع لمعنى ثالث- غير ما تقدّم من وضعه تارة للإيجاب المحض، و أخرى للإيجاب المنضمّ الى القبول- و هو الأثر المترتّب على كلا الفعلين: تمليك البائع و تملّك المشتري. و هذا المعنى الثالث هو ظاهر جمع من الفقهاء كشيخ الطائفة و الحلّي و العلّامة- في ما عدا المختلف من كتبه- حيث عرّفوا البيع ب «انتقال عين مملوكة ..» و من المعلوم أنّ الانتقال- القائم بالمال- أثر مترتب على مجموع الإيجاب و القبول.

______________________________

[1] قال السيد قدّس سرّه: «لا يخفى أنّ الانتقال أثر الإيجاب فقط، لا أثر المجموع، إلّا أن يراد منه الانتقال الشرعي» «1».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 61

ص: 267

كما يظهر من المبسوط «1» و غيره.

الثالث (1): نفس العقد المركّب من الإيجاب و القبول (2)، و إليه (3) ينظر [1] من عرّف البيع بالعقد، قال (4): بل الظاهر اتّفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب

______________________________

(1) قال في المقابس: «رابعها: نفس العقد المركّب من الإيجاب و القبول، و هذا هو الشائع المعروف بين الفقهاء في سائر ألفاظ العقود، ممّا كان منها مصدرا بصيغة الفعال و المفاعلة، أو بمعناه كالقراض و المضاربة و المزارعة و المساقاة و المسابقة و المبارأة و المكاتبة و الشركة و الصلح. أو اسم عين كالوديعة و العارية .. إلخ».

(2) ظاهره إرادة الإيجاب و القبول اللفظيين، لظهور «العقد» في خصوص القولي، فكلّ من عبّر عن البيع بالعقد أراد العقد اللفظي، خصوصا مع بناء جلّهم على إفادة المعاطاة للإباحة، و تصريح بعضهم بنفي بيعيّتها.

(3) أي: و إلى إرادة نفس العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول نظر من عرّف البيع بالعقد كالحلبي و ابن حمزة و المحقق و غيرهم قدّس سرّهم.

(4) يعني: قال بعض من قارب عصرنا- و هو صاحب المقابس- بأنّ إرادة العقد لا تختص بالبيع، بل الأمر كذلك في مطلق العقود و المعاملات كالصلح و الهبة و الإجارة و الشركة و العارية و المضاربة و غيرها، فتعريف كلّ منها في كلمات الفقهاء يراد به تعريف عقدها المؤلّف من الإيجاب و القبول، و سيأتي مزيد توضيح له.

______________________________

لا ينبغي التأمل في إرادة الأثر المترقب و هو الانتقال الخارجي، لأنّه الحاصل من الإيجاب و القبول معا، دون الانتقال المترتب على الإيجاب فقط.

[1] كما أنّه يحتمل أن يكون نظر من عرّفه بالعقد إلى المبادلة الحاصلة من الإيجاب و القبول، لا إلى العقد اللفظي، كما هو ظاهر تعريف المصباح المتقدم من أنّه «مبادلة مال بمال» بل هو ظاهر قوله تعالى وَ ذَرُوا الْبَيْعَ و قوله تعالى لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ

______________________________

(1): المبسوط، ج 2، ص 76، و تقدمت جملة من المصادر أيضا في ص 34 و 35 فلاحظ.

ص: 268

المعاملات حتّى (1) الإجارة و شبهها التي ليست هي في الأصل اسما لأحد طرفي

______________________________

(1) كلمة «حتى» تدلّ على كون مدخولة أضعف من سابقه، كقوله: «قدم الحاجّ حتى المشاة». و توضيح وجه أضعفيته منوط ببيان أقسام عناوين المعاملات على ما ذكره صاحب المقابس قدّس سرّه.

فمنها: ما يكون عنوان المعاملة مصدرا من باب المفاعلة أو الفعال، فالأوّل كالمزارعة و المسابقة و المساقاة و المكاتبة و المضاربة، و الثاني كالقراض. و من المعلوم أنّ مقتضى الاشتراك في المبدأ في بابي المفاعلة و التفاعل هو كون العنوان المعاملي اسما لطرفي العقد أي الموجب و القابل.

و يلحق بهذا القسم مثل الشركة و الصلح، فإنّهما و إن كانا مصدرين للفعل المجرّد، إلّا أن العنوان قائم بشخصين.

و منها: ما يكون عنوان المعاملة اسما لأحد طرفي العقد كالبيع و الضمان و الخلع و ما أشبهها، فإنّها أسماء للإيجاب الذي هو أحد طرفي العقد.

و منها: ما يكون العنوان المعاملي اسم عين، لا هو فعل أحد المتعاقدين و لا فعل كليهما، و ذلك كالوديعة و العارية و الصدقة، فإن معناها لغة و عرفا و شرعا نفس المال الذي يستأمن الودعي على حفظه، و يسلّط المستعير على الانتفاع به، و يعطى للغير بقصد القربة.

و قد تستعمل هذه الثلاثة بمعنى المصادر أيضا نادرا. و من هذا القبيل الإجارة، فإنّها ليست في الأصل فعل الموجر و لا المستأجر، بل هي اسم لعوض المنفعة. قال في القاموس:

«الأجر الجزاء على العمل، كالإجارة» «1».

______________________________

و غيرهما من الآيات، بل هو ظاهر الفقهاء في عناوين المعاملات، كقولهم: «كتاب البيع، شرائط البيع، أحكام البيع، و كتاب الإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة» و غيرها من عناوين المعاملات، فإنّ مورد البحث في تلك الأبواب نفس المعاملات لا عقودها. نعم وقوعها منوط بالعقد المركب من الإيجاب و القبول، فاحتياجها إلى العقد من أحكامها، لا أنّها نفس العقود.

______________________________

(1): القاموس المحيط، ج 1، ص 363

ص: 269

العقد (1).

______________________________

إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة في العناوين المعاملية، فنقول: إنّ المقصود بكل واحدة من المعاملات العقد الدال عليه. و لكن إطلاق المعاملات على عقودها ليس على السواء، فإطلاق المزارعة مثلا على إيجابها و قبولها قريب جدا، لدلالة «المفاعلة» على قيام المبدأ بالموجب و القابل. و إطلاق البيع و نظائره مما يكون اسما لأحد طرفي العقد إنما هو لوجود علاقة الكلّ و الجزء فيها، حيث إنّ استعمالها في العقد يكون من استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل، الذي هو من جنسه أعني به اللفظ الجامع بين الإيجاب و القبول.

و أمّا استعمال الإجارة في العقد القائم بطرفين- مع كونها اسما للمال- لا فعلا لهما فأبعد من استعمال البيع في العقد، لأنّ علاقة الجزء و الكل المتحققة في البيع مفقودة في مثل الإجارة، لعدم كون الإجارة- بمعنى الأجرة التي هي عين المال- بمعنى المصدر حتى تصاغ منها المشتقات. نظير الأمر بمعنى الفعل و الشأن، فإنّه لا يصح حينئذ صوغ المشتقات منه، بخلاف الأمر بمعناه المصدري، فإنّه مبدأ للمشتقات و أصل لها.

و عليه فاستعمال الإجارة و الوديعة في العقد ليس لعلاقة الكلّ و الجزء، بل لعلاقة السببيّة و المسببيّة.

و الحاصل: أنّ مقصودهم من كلّ عنوان معامليّ عقده، و لكن إطلاق عناوين المعاملات على عقودها ليست على سواء، فالأقرب ما كان عنوان المعاملة اسما للطرفين كالمزارعة، و يتلوه مثل البيع ممّا كان العنوان اسما لأحد الطرفين. و يتلوه مثل الإجارة ممّا ليس العنوان اسما لشي ء من الإيجاب و القبول، و كان مصحّح الإطلاق مجرّد علاقة السببية و المسببية، هذا.

(1) و إنّما هي أسماء لأعيان خارجية، فالإجارة كالأجرة عوض المنفعة غالبا، و الوديعة اسم للعين المودعة عند المستودع. و العارية اسم للعين التي ينتفع بها المستعير.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل، و هو توضيح كلام صاحب المقابس قدّس سرّه.

ص: 270

[تحقيق إطلاق البيع على معان اخرى 1- إطلاقه على الإيجاب المنضم الى القبول]

أقول (1): أمّا البيع بمعنى الإيجاب المتعقّب للقبول فالظاهر أنّه ليس مقابلا للأوّل (2)، و إنّما هو (3) فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة (4) على إرادة

______________________________

تحقيق إطلاق البيع على معان اخرى 1- إطلاقه على الإيجاب المنضم الى القبول

(1) هذا شروع في الأمر الثاني الذي أشرنا إليه بقولنا: «الثاني عدم منافاة التعريف المزبور لإطلاق البيع على معان أخر .. إلخ» فالمقصود مناقشة كلام بعض من قارب عصره، و أنّ إطلاق البيع على معان أخر- غير إنشاء تمليك عين بمال- ليس حقيقيا ناشئا من تعدّد الوضع كما يظهر من إطلاق كلامه.

أمّا عدم التنافي بين المختار في تعريف البيع- من إنشاء تمليك عين بمال- و بين المعنى الأوّل من المعاني الثلاثة الأخرى، و هو الإيجاب المتعقّب للقبول- فلأنّ البيع في جميع موارد إطلاقه يراد به إنشاء التمليك خاصة، سواء تعقّبه تملّك المشتري أم لا. و دلالة قولنا: «باع زيد داره» على خصوص الإيجاب المقرون بالقبول و إن كانت مسلّمة، إلّا أنّها ليست مستندة إلى الوضع، بل منشؤها قرينية الإخبار على وقوع بيع مؤثّر و هو التمليك المتعقّب بالقبول، فيكون من باب تعدّد الدال و المدلول. لا أنّ البيع استعمل في التمليك المقيّد بالقبول حتى يكون استعمالا آخر في مقابل المعنى المختار، و منافيا لانحصار معناه في جامع التمليك المقرون بالقبول و غير المقرون به.

و عليه فليس مختارنا في تعريف البيع مغايرا لما ذكره بعض من قارب عصرنا من «أن البيع هو التمليك المشروط بتمليك المشتري» بل هذا المعنى الذي ذكره يكون من أفراد البيع بالمعنى الذي ذكرناه و هو «تمليك العين بمال». فالموضوع له هو «إنشاء التمليك» الجامع للمتعقب بالقبول و غيره، و يتوقف إرادة خصوص المتعقّب على قرينة. و أما إرادة الإنشاء المجرّد فلا يتوقف على شي ء، بل يكفيه الإطلاق الذي هو عدم التقيّد بالتعقب بالقبول.

(2) المراد بالأوّل هو «إنشاء تمليك عين بمال» الذي اختاره المصنف قدّس سرّه في تعريف البيع، لا الأوّل في كلام صاحب المقابس.

(3) هذا الضمير و ضميرا «أنه، إليه» راجعة إلى البيع بمعنى الإيجاب المتعقب للقبول.

(4) يعني: فيكون قيد تملّك المشتري مستفادا من قرينة مقامية، و هي كون المتكلم

ص: 271

الإيجاب المثمر، إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرّد (1)، فقول المخبر: «بعت» إنّما أراد الإيجاب المقيّد، فالقيد مستفاد من الخارج (2)، لا أنّ البيع مستعمل في الإيجاب المتعقّب للقبول (3). و كذلك (4) [1] لفظ النقل و الإبدال و التمليك و شبهها، مع (5) أنّه لم يقل أحد بأنّ تعقّب القبول له دخل في معناها (6).

______________________________

بصدد الإخبار عن فعله، لا أنّ البيع استعمل في مجموع تمليك البائع و تملّك المشتري.

(1) أي: الإيجاب المجرّد عن القبول، فلو لم تكن القرينة المقامية لكان المراد من لفظ «البيع» الإيجاب المحض.

(2) أي: من قرينة مقامية، لا من حاقّ لفظ «البيع» حتى تكون دلالته على اقتران الإيجاب بالقبول بالوضع. و عليه فتكون استفادة قيد التعقّب من باب تعدد الدال و المدلول، نظير دلالة «أعتق رقبة مؤمنة» على مطلوبية عتق الصنف لا طبيعي الرقبة، فإنّ «الرقبة» لم تستعمل إلّا في طبيعة الرقبة، و قيد «الايمان» استفيد من لفظ «المؤمنة».

(3) حتى يكون مغايرا للمعنى المختار و هو تمليك العين بالمال.

(4) غرضه إثبات مقصوده- و هو عدم دخل تعقّب القبول في مفهوم البيع- بما حاصله:

أنّ ما يرادف البيع من «النقل، و الإبدال، و التمليك، و شبهها كالتبديل» لا يتوقف صدق مفاهيمها على تعقّب القبول، بل يتحقق مفهومها بدونه، إذ لم يقل أحد بدخل تعقب القبول في معناها، فلا بدّ أن يكون الأمر في البيع كذلك، فلا يعتبر في مفهوم البيع أيضا تعقّبه بالقبول كما هو مقتضى الترادف.

(5) ليس هذا وجها آخر، بل هو متمّم استشهاده، فكأنّه قال: «لا يعتبر في مفهوم البيع تعقبه بالقبول، لعدم اعتباره فيما يرادفه من النقل و غيره، حيث إنّه لم يلتزم أحد من الأصحاب باعتبار القبول فيه، فلا بد أن يكون البيع كالنقل و التمليك في عدم اعتبار القبول فيه».

(6) أي: في معنى النقل و الإبدال و التمليك و شبهها ممّا يرادف البيع.

______________________________

[1] هذا بمنزلة الدليل لعدم شرطية تعقّب القبول، فحق العبارة أن تكون هكذا: «و يدل

ص: 272

______________________________

عليه عدم اعتبار القبول في معنى لفظ النقل و نحوه ممّا هو مرادف للبيع، و إن كان القبول معتبرا في ترتب الأثر الخارجي على البيع. لكنّه غير اعتباره في مفهوم البيع.

و الوجه في عدم اعتبار القبول في معنى البيع و النقل و التمليك و شبهها هو أنّها من قبيل الإيجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار، فإنّ الآمر قد يأمر بشي ء و لا يكون واجبا في الخارج، فينفك الوجوب عن الإيجاب. و كذلك البيع، فإنّ البائع قد ينشؤه و لا يوجد في الخارج. بخلاف الكسر و الانكسار، فإنّه لا ينفك الانكسار عن الكسر» هذا.

ثم إنّ جعل النقل و الإبدال و التمليك مما يرادف البيع لا يخلو من غموض.

أمّا النقل فلأنّه موضوع لمفهوم عام يصدق على النقل الخارجي، كنقل شي ء من مكان الى آخر، و الاعتباري كنقل إضافة مال شخص إلى غيره، كنقل إضافة داره الى زيد مثلا، و نقل زيد إلى مالك الدار عشرة دنانير، فليس معنى النقل مساويا لمعنى البيع.

و كذا الحال في الإبدال فإنّه- لأعميته من الإبدال الخارجي و الاعتباري- لا يكون مساويا لمعنى البيع.

و أمّا التمليك فلأنّ النسبة بينه و بين البيع عموم من وجه، لوجود التمليك بدون البيع كالهبة و الوصية و تمليكه سبحانه و تعالى لعباده بالإرث أو الفقر كما في الزكاة، أو السّيادة كما في الخمس. و وجود البيع بدون التمليك كبيع متاع بسهم سبيل اللّه من الزكاة، و بيع الطعام للصرف في التعازي الحسينية بالفلوس المبذولة من الشيعة طول السنة لهذا الأمر الخير، فإنّ البيع موجود بدون التمليك كما هو واضح. و اجتماع التمليك و البيع معا كالبيوع الواقعة على المملوكات بالأثمان المملوكة كبيع زيد داره من عمرو بمائة دينار.

و بالجملة: فلا يكون التمليك مساويا للبيع حتى يقال: إنّ عدم اعتبار قيد التعقب بالقبول في مفهوم النقل و الإبدال و التمليك يدلّ على عدم اعتباره في البيع أيضا، هذا.

و الحقّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من عدم دخل القبول في مفهوم البيع، و ذلك لأنّ البيع المبحوث عنه هو معناه المصدري الذي يكون مبدأ لمشتقاته، و هو بهذا المعنى فعل البائع،

ص: 273

______________________________

و من المعلوم أنّ الصادر منه هو التبديل الإنشائي، إلّا أنّ الإنشاء متقوم بالقصد، و من المعلوم أنّ القصد لا يتمشّى إلا مع العلم بتعقب القبول للإيجاب، أو رجاء تعقبه له. و أمّا مع القطع بعدمه فلا يتحقق القصد إلى إنشائه.

و بعبارة أخرى: لمّا كان البيع من العناوين القصدية لم يتحقق إلّا بالقصد، فمع القطع بعدم لحوق القبول لا يحصل قصد الإنشاء الناقل حتى في نظره.

و تفصيل البحث: أنّ للبيع إطلاقات أربعة:

الأوّل: الإنشاء الساذج من دون انضمام القبول إليه، بمعنى القطع بعدم انضمامه إليه، و هذا ليس بيعا حتى في نظر الموجب، لعدم تمشّي القصد المقوّم لإنشائه، فيصحّ سلب البيع عنه، و يقال: انّه ليس ببيع.

الثاني: الإيجاب و القبول بدون إمضاء العرف و الشرع، كأن يقول بعتك هذا المنّ من التراب بكذا» فإنّه بيع بنظر الموجب، لكنّه غير ممضى عرفا و شرعا، فتأمّل.

الثالث: هذه الصورة مع إمضاء العرف دون الشرع كبيع الخمر، فإنّه فاسد شرعا و صحيح عرفا.

الرابع: أن يكون ممضى شرعا أيضا، كبيع منّ من الحنطة بدرهم مثلا، مع اشتماله لجميع ما يعتبر فيه، فإنّه صحيح عرفا و شرعا.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ البيع المصدري الذي هو فعل الموجب ليس إلّا ما يعدّ فعلا له، و من المعلوم أنّ فعله- بحيث يضاف اليه- ليس إلّا التمليك أو التبديل الإنشائي، و أمّا القبول فليس جزءا و لا شرطا، لصدق مفهوم البيع عليه بدونه، كيف؟ و هو- أي القبول- يكون معنى الشراء الذي هو مقابل البيع و فعل القابل.

نعم بناء على ما ذكره المصباح من كون البيع «مبادلة مال بمال» و كون المفاعلة مثل التفاعل في الدلالة على اعتبار التعدّد في معناه يتجه دخل القبول في مفهوم البيع شطرا، و إلّا فلا دليل على اعتباره فيه، و التبادر و صحة سلب مفهوم البيع عن فاقد القبول لا يدلّان على

ص: 274

______________________________

اعتبار القبول في مفهومه، لنشو الانسباق المزبور عن القرينة كما لا يخفى، كما أنّ انسباقه في النذر- فيما إذا نذر بيع شي ء- يكون لأجل القرينة.

فما في حاشية السيد و تقرير السيد الخويي قدّس سرّهما- من الاستدلال على اعتبار القبول في مفهوم البيع بوجوه «1»- لا يخلو من غموض. إذ منها التبادر و صحة سلب البيع عن فاقد القبول، و قد عرفت حالهما من الاستناد إلى القرينة.

و منها: أنّ البيع «إنشاء تبديل عين بعوض في جهة الإضافة» و من الظاهر أنّ هذا المعنى لا يتحقق إلّا بتعقب الإنشاء بالقبول.

و فيه: أنّ التبديل الإنشائي لا يتوقف على ذلك، و إنّما المتوقف عليه هو التبديل الخارجي العرفي أو الشرعي الذي يكون التبديل الإنشائي موضوعا له.

و منها: أنّ البيع من العقود، و بناء على كون البيع الإيجاب الساذج يلزم أن يكون من الإيقاعات.

و فيه: أنه إن أريد بالإيقاع ترتب الأثر الخارجي على الإيجاب فقط فهو ممّا لا ريب في بطلانه، لأنّ الأثر كالملكية حكم شرعي وضعي يترتب على العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول، لا خصوص الإيجاب.

و إن أريد به الأثر المترتب على الإيجاب في نظر الموجب و إن لم يترتب عليه في نظر غيره- نظير الإيجاب و الوجوب، حيث انّ الوجوب يترتب على الإيجاب في نظر الآمر و إن لم يترتب عليه في نظر غيره، و لذا لا يكون وجوبا في نظر العقل حتى يستلزم مخالفته استحقاق العقوبة، إلّا إذا كان الآمر عاليا مثلا- فلا محيص عن الالتزام به، لأنّ الموجب لا بدّ أن ينشئ ما يريده و يقدر عليه، و هو ليس إلّا التبديل الإنشائي، كما أنّ القابل لا ينشئ إلّا القبول الإنشائي، و هذان الإنشاءان معا عقد يترتب عليه الحكم الشرعي بالملكية أو غيرها، فتدبر جيدا.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 62، 63، مصباح الفقاهة، ج 2، ص 72

ص: 275

نعم (1) تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج، لا في نظر الناقل، إذ (2)

______________________________

(1) بعد أن نفى دخل القبول في مفهوم البيع- و التزم بتحققه بدون القبول- استدرك عليه و قال: نعم يشترط القبول في تحقق الانتقال الخارجي لا الانتقال في نظر البائع، لأنّ النقل الإنشائي يؤثّر في الانتقال الإنشائي لا محالة، و إلّا يلزم انفكاك الأثر عن المؤثّر، فالأثر المترتب على الإيجاب المتعقّب للقبول هو الانتقال الخارجي، لا الانتقال في نظر البائع.

(2) تعليل لعدم شرطيّة القبول للانتقال في نظر الناقل، و ملخّصه: أنّ المؤثر التام في الانتقال الإنشائي في نظر الناقل هو نقله المفروض تحققه، و لا يمكن التفكيك بين المؤثّر و أثره، غاية الأمر أنّ هذا الأثر الإنشائي غير الأثر الخارجي الذي يترتّب على الإيجاب المتعقّب بالقبول.

______________________________

فالمتحصل: أنّه لا وجه لأخذ القبول في مفهوم البيع الإنشائي.

و أمّا ما أفاده السيد من الاشكال على المتن بقوله: «و ما ذكره المصنف قدّس سرّه من أن ذلك من جهة الانصراف الى البيع المثمر فيه: أنّه لو كان كذلك وجب أن يكون كذلك في فقد جميع الشرائط الشرعية. مع أنّه لو تحقق القبول و لم يكن صحيحا شرعيا من جهة فقد بعضها يكون بيعا قطعا، و لا يكون اللفظ منصرفا عنه، و لا يعدّ الإخبار به معه من الكذب. و أيضا لو قال:

بعت، و ما قبل المشتري يعدّ تناقضا» فغير ظاهر، إذ مع قرينية الإخبار على إرادة الإيجاب المثمر لم يفرّق فيه بين اعتبار لحوق القبول و بين اجتماع شرائط الصحة، فلو قصد الإخبار عن بيع داره وفاء بالنذر أو أداء للدين، و كانت المعاملة فاقدة لبعض شرائط الصحة كان قوله: «بعت داري» كذبا قطعا، لفرض عدم تأثير العقد- غير المستجمع لشرائط النفوذ- في النقل و الانتقال.

و إن كان مقصوده الإخبار عن إيجابه البيع بلا نظر الى تحقق جميع ماله دخل في ترتب الأثر كان إخباره صدقا، سواء أ كان عدم ترتب الأثر مستندا إلى عدم تعقّب القبول أم الى اختلال الشرائط.

و عليه فما في المتن من قوله: «الإيجاب المثمر» سليم عمّا أورد عليه.

ص: 276

التأثير لا ينفك (1) عن الأثر، فالبيع (2) و ما يساويه معنى من قبيل الإيجاب و الوجوب، لا الكسر و الانكسار كما تخيّله بعض (3)، فتأمّل (4).

______________________________

(1) بل التأثير و الأثر واحد و تعددهما اعتباري، لأنّه إذا نسب الى الفاعل فهو تأثير، و إذا نسب الى المحل فهو أثر، فلا يعقل التأثير بدون الأثر.

(2) هذا بمنزلة التعليل لعدم اعتبار القبول في مفهوم البيع، يعني: أنه لا يعتبر القبول في البيع، لأنّه من قبيل الإيجاب و الوجوب، فكما ينفك الوجوب عن الإيجاب، فكذلك ينفك إيجاب البيع عن الانتقال الخارجي المترتب على انضمام القبول. و ليس البيع من قبيل الكسر و الانكسار حتى لا ينفك إيجاب البيع عن الانتقال، كما لا ينفك الكسر عن الانكسار.

(3) و هو المدقق صاحب المقابس قدّس سرّه.

(4) لعله- كما قيل- إشارة إلى: أنّ البيع من قبيل الكسر و الانكسار، حيث إنّ الانتقال الإنشائي لا ينفك عن النقل، فلا يتوقف على القبول. نعم الانتقال الشرعي الذي هو الحكم الشرعي موقوف على القبول. و كذا الحال في الوجوب و الإيجاب، فإنّه لا يكاد يمكن انفكاكهما في مرتبة واحدة بحسب نظر واحد. نعم إنّما ينفكّ الإيجاب في مرتبة- أو بحسب نظر- عن الوجوب في مرتبة اخرى و نظر آخر.

و بالجملة: فالإيجاب في نظر أو في مرتبة لا ينفكّ عن الوجوب في ذلك النظر أو تلك المرتبة، و ينفكّ عنه في مرتبة اخرى أو نظر آخر.

و كذا النقل و الانتقال، فإنّ النقل في كل نظر أو مرتبة لا ينفكّ عن الانتقال في ذلك النظر أو تلك المرتبة. فلا فرق بين الإيجاب و الوجوب و النقل و الانتقال و الكسر و الانكسار

______________________________

و لا يبعد أن يكون النزاع بين المثبتين و النافين لفظيا، ببيان: أنّ البيع المثمر لمّا كان متوقفا على الإيجاب و القبول معا قالوا: ان البيع مركّب منهما، غفلة عن أنّ ذلك خارج عن مفهوم البيع المصدري، و أنّ اعتباره فيه ناش عن القرينة، فمن ادّعى اعتبار القبول فيه أراد اعتباره في تأثيره، و من نفى ذلك عنه أراد خروجه عن مفهومه.

ص: 277

و منه (1) يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح (2)

______________________________

إلّا في كونهما من الأمور الخارجية التي لها مرتبة واحدة، بخلاف الإيجاب و الوجوب و النقل و الانتقال، فإنّهما من الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها إلّا بحسب الاعتبار الذي يختلف بحسب الأنظار.

و لعلّه إشارة إلى الدقّة و الإمعان فيما أفاده لا تمريضه. و لعلّه أولى بملاحظة ما فرّعه عليه بقوله: «و منه يظهر ضعف ..» إذ لو كان المطلب السابق موهونا لم يبق مجال لبناء قدحه في مطالب الآخرين على أساس ضعيف في نظره.

(1) أي: و من عدم دخل القبول في النقل و الانتقال في نظر البائع- و أنّ البيع لم يستعمل إلّا في مجرّد النقل، و أنّ قيد التعقب بالقبول يستفاد من دالّ آخر- يظهر ضعف أخذ قيد التعقب بالقبول في معنى البيع الاصطلاحي.

و مقصوده قدّس سرّه في خاتمة مناقشته في أوّل إطلاقات البيع هو التنبيه على أن قيد التعقب بالقبول غير دخيل في معنى البيع سواء أريد به معناه المصطلح عليه بين الفقهاء من «إنشاء تمليك عين بمال» و ما يقرب منه، أم أريد به معناه اللغوي من مبادلة مال بمال.

و عليه فلا وجه لما ذهب إليه بعض مشايخه من عدم دخل قيد التعقب بالقبول في معناه اللغوي، و إنّما هو دخيل في معناه باصطلاح الفقهاء. و لا لما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه من أخذ قيد التعقب في معناه اللغوي، حيث ادّعى إطلاق البيع حقيقة على معان أربعة، و كونه مشتركا لفظيا بينها، و جعل أوّل تلك المعاني: الإيجاب المشروط بالقبول و المقترن به.

و قد نفى المصنف قدّس سرّه دخل القبول في البيع الاصطلاحي و اللغوي معا، و من المعلوم أنّ عدم دخله في البيع الاصطلاحي يدلّ بالأولوية القطعية على عدم دخله في معناه اللغوي، و وجه الأولوية: أنّ الفقيه ربّما يتصرّف في المعنى اللغوي بزيادة قيد التعقب بالقبول في مصطلحه و إن لم يكن دخيلا في الوضع اللغوي، فإذا ثبت عدم دخله في معناه الاصطلاحي فقد ثبت- بالأولوية- خلوّ معناه اللغوي عن هذا القيد.

(2) الذي أخذه بعض مشايخه، على ما تقدم في قوله: «و إليه نظر بعض مشايخنا حيث أخذ قيد التعقب بالقبول في تعريف البيع المصطلح».

ص: 278

فضلا (1) عن أن يجعل أحد معانيه.

[إطلاق البيع على الأثر]

و أما البيع (2) بمعنى الأثر- و هو الانتقال- فلم يوجد في اللغة (3) و لا في العرف (4)،

______________________________

(1) قد عرفت آنفا وجه الأولوية، و محصله: أنّ القبول لا يكون دخيلا في المعنى الاصطلاحي الذي هو أهون من المعنى الأصلي اللغوي، فكيف جعله صاحب المقابس قدّس سرّه دخيلا في معناه اللغوي؟

إلّا أن يناقش في هذه الأولوية بمنع الملازمة بين اللغة و الاصطلاح الفقهي، لإمكان دخل القبول في البيع باصطلاح الفقهاء و إن لم يكن دخيلا في معناه اللغوي.

هذا تمام الكلام فيما يتعلق بإطلاق البيع حقيقة على الإيجاب المشروط بتعقبه بالقبول، و قد ظهر أنّ شرطية التعقب ليست مدلول نفس البيع، بل استفيدت من قرينة خارجية من باب تعدّد الدال و المدلول.

2- إطلاق البيع على الأثر

(2) هذا هو المعنى الثاني الذي قيل بإطلاق البيع عليه حقيقة في قبال إطلاقه على إنشاء تمليك عين بمال. و حاصل إشكال المصنف عليه: أنّ استعمال «البيع» في الانتقال- المترتب على الإيجاب و القبول- غير معهود لا لغة و لا عرفا، على ما سبق تفصيله في مناقشة تعريف الشيخ و العلّامة و غيرهما بالانتقال.

و عليه فلم يثبت كونه من معاني البيع حتى يتكلّف في دفع التنافي بينه و بين ما اختاره المصنف- و جعله صاحب المقابس ثاني إطلاقات البيع- من كونه إنشاء تمليك عين بمال.

فالانتقال أثر البيع و غايته، و يكون استعماله فيه مجازيا، و من المعلوم عدم التنافي بين استعمال لفظ في معناه الحقيقي تارة و المجازي أخرى.

(3) لأنّ معناه اللغوي «مبادلة مال بمال» و المبادلة مغايرة للانتقال مفهوما.

(4) لأنّ معناه العرفي إمّا هو إيجاب البائع خاصة، و إمّا العقد كما ادّعى العلّامة في المختلف تبادره منه «1».

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 51

ص: 279

و إنّما وقع في تعريف جماعة (1) تبعا للمبسوط. و قد يوجّه (2) بأن المراد من البيع المحدود المصدر من المبني للمفعول

______________________________

(1) كابن إدريس و العلّامة في ما عدا المختلف من كتبه.

(2) نسب هذا التوجيه إلى العلامة الطباطبائي قدّس سرّه في المصابيح و نقله صاحب الجواهر معترضا عليه، قال قدّس سرّه: «بل ربما قيل: انّ التعريف بالانتقال للبيع مصدرا للفعل المبني للمجهول، فيوافق حينئذ تعريفه بالنقل مصدرا للفعل المعلوم، و يسلم من التجوز في الحد و المحدود، و ان كان فيه ما فيه» «1».

و توضيح هذا التوجيه: أنّ للمصدر حيثيتين، إحداهما: انتساب المادة إلى الفاعل، و هو في المقام من يصدر منه البيع، و هذا موافق لتعريفه بإنشاء التمليك و نحوه ممّا ظاهره الصدور من البائع، و أثره الانتقال.

ثانيتهما: حيثية انتساب المادة إلى المفعول به، و هو ما يقع عليه البيع أعني به العوضين.

و الفرق بين هاتين الحيثيتين: أنّ الملحوظ في الأولى نسبة الصدور من الفاعل، و الملحوظ في الثانية نسبة الوقوع على المفعول به. مثلا «الضرب» يراد به تارة ضاربية زيد، و اخرى مضروبية عمرو.

و على هذا فتعريف البيع ب «إنشاء التمليك» ناظر إلى ظهوره في نسبة المادة إلى البائع، فيكون المعرّف حيثية بايعيّته. و لكن هذا الظهور لا يمنع من إرادة المعنى المفعولي من المصدر، فيكون المعرّف مبيعية المعوّض، و من المعلوم أنّ تعريف البيع بالانتقال ناظر إلى تعريف المصدر المبني للمفعول الذي هو أثر البيع المصدري المبني للفاعل.

و عليه فليس إطلاق البيع على الانتقال مجازيا، بدعوى: كونه أثرا مسبّبا عن الإيجاب و القبول. و ذلك لما عرفت من إرادة المبيعية من «البيع» المعرّف بالانتقال، لكون الانتقال صفة للمبيع، هذا.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 207

ص: 280

أعني المبيعية (1) [1].

______________________________

(1) و هو المعبّر عنه بالفارسية ب «فروخته شده، منتقل شده».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا المعنى يرجع الى المعنى الأوّل، و لا يكون مغايرا له، بناء على ما تقدم آنفا من اتحاد النقل و الانتقال، و الإيجاب و الوجوب، و الكسر و الانكسار ذاتا، و اختلافها اعتبارا، حيث إنّها باعتبار إضافتها إلى الفاعل نقل و إيجاب و كسر، و باعتبار إضافتها إلى القابل وجوب و انتقال و انكسار، لأنّ نسبة كلّ مصدر مجرّد إلى مصدر مزيد فيه من تلك المادة تكون كنسبة الوجود إلى الإيجاد، فكما أنّ الوجود و الإيجاد متّحدان حقيقة و مختلفان اعتبارا، فكذلك المصادر المجرّدة و المزيد فيها. هذا ما يقال في الفرق بين المصادر المجرّدة و المزيد عليها.

لكن فيه: أنّ هذا الفرق يتمّ في المصادر المجرّدة اللازمة كالحسن و الوجود و نحوهما حتى تكون ملحوظة بالنسبة إلى المحل، و أمّا في المجردة المتعديّة فلا يتم ذلك، لأنّها مضافة إلى الفاعل و ملحوظة بالنسبة إلى جهة الصدور.

و بالجملة: إن أريد بالانتقال ما يكون بنظر الموجب فيرجع الى المعنى الأوّل، لاتحاد النقل و الانتقال ذاتا. و إن أريد به ما هو ثابت شرعا و عرفا بأن يراد بالانتقال الملكية الشرعية أو العرفية فقيل بغلطية هذا الاستعمال، أي استعمال كلمة البيع في الانتقال، لأنّ الانتقال حكم مترتب على البيع ترتب الحكم على الموضوع، و متأخر عنه تأخّر المعلول عن العلة، لأنّ نسبة البيع إلى الاعتبار الشرعي أو العرفي نسبة الموضوع إلى حكمه، فإطلاق البيع على حكمه و لو مجازا غلط كما في تقرير السيد الخويي قدّس سرّه «1» هذا.

لكن يمكن أن يقال: بصحة هذا الاستعمال لعلاقة السببية و المسببية، فإنّ الموضوع كالسبب و العلة للحكم، فلا بأس بإطلاق البيع و إرادة الحكم منه مجازا بالعلاقة المزبورة.

إلّا أن يقال: إنّ صحة الاستعمال المجازي منوطة باستحسان الطبع له، لا بالعلاقة، و الطبع لا يستحسن استعمال لفظ الموضوع في الحكم الذي يترتب عليه، فإنّ البيع غير الحكم الشرعي المترتب عليه، و لا يستحسن الطبع استعمال لفظ البيع فيه.

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 76

ص: 281

و هو (1) تكلّف حسن [1].

[3- إطلاق البيع على العقد مجازا]

و أمّا البيع (2) بمعنى العقد فقد صرّح (3) الشهيد الثاني رحمه اللّه بأنّ إطلاقه عليه مجاز، لعلاقة السببيّة.

______________________________

(1) يعني: أنّ هذا التوجيه تكلّف حسن. أمّا كونه تكلّفا فلظهور التعريف في إرادة البيع بمعناه المصدري، لا بلحاظ ما يشتقّ منه كالمبيعية التي لوحظ فيها حيثية زائدة على أصل المبدأ، و هي وقوع البيع على عين متموّلة.

و أما كونه حسنا فلأنّ إشراب المعنى المفعولي لا يوجب خروج «البيع» المحدود عن المبدأ المقصود تعريفه.

3- إطلاق البيع على العقد مجازا

(2) هذا هو المعنى الثالث المتقدم في كلام صاحب المقابس و محصل ما أفاده المصنف قدّس سرّهما في دفع التنافي بين تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» و بين جعله بمعنى العقد هو: أنّ إطلاق البيع على الإيجاب و القبول ليس حقيقيا، بل هو مجازيّ بعلاقة السببية و المسببية، لما تقدم في تعريف البيع «بالعقد الدال على الانتقال» من كون المعاملات أمورا اعتبارية أي من مقولة المعنى، و ليست من مقولة اللفظ، و من المعلوم أنّ إطلاق اللفظ الموضوع للمسبّب على سببه مجازيّ لا حقيقيّ.

و عليه فللبيع معنى حقيقي واحد، و لا منافاة بينه و بين استعماله في ما عداه بقرينة كعلاقة السببية و المسببية و نحوها. فما تقدم في كلام صاحب المقابس و غيره من «أن للبيع إطلاقات، و عدّ منها إطلاقه على الإيجاب و القبول» ممنوع بما عرفت.

(3) غرضه قدّس سرّه الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدّس سرّه على مجازية تعريف البيع بالعقد

______________________________

[1] بل لا حسن فيه، لأنّ الانتقال في نظر الناقل المنشئ للبيع يترتّب على إنشائه، لا على الإيجاب و القبول معا، و الانتقال في نظر الشارع أو العرف ليس بيعا، بل هو حكم شرعي أو عرفي يترتب على البيع، و لا ينشأ بالإيجاب و القبول حتى يكون أثرا لهما.

ص: 282

..........

______________________________

الدال على الانتقال، و بيانه: أنّه قدّس سرّه ذكر في المسالك تعريفين للبيع.

أحدهما: العقد كما في الشرائع و المختصر النافع و الدروس، بدعوى أنّه المتبادر عرفا من معنى البيع.

و ثانيهما: أثر العقد و هو الانتقال كما في كلام المبسوط و غيره. ثم نقل الشهيد الثاني عن الشهيد الأوّل: إرجاع تعريف البيع بالانتقال الى تعريفه بالعقد، و وجّهه بقوله: «نظرا إلى أنّ الصيغة المخصوصة سبب في الانتقال، فأطلق اسم المسبب على السبب، و عرّف المغيّا بالغاية» ثم اعترض الشهيد الثاني عليه بقوله: «و فيه نظر، لأنّ الإطلاق المذكور مجازيّ يجب الاحتراز عنه في التعريفات الكاشفة للماهيّة، إلّا مع قيام قرينة واضحة، و هو منتف. و أمّا التعريف بالغاية بهذا المعنى فغير جائز .. إلخ» «1».

و المقصود من نقل عبارة المسالك أمران:

أحدهما: أنّ قول المصنف- من تصريح الشهيد الثاني قدّس سرّه بمجازية إطلاق البيع على العقد- لا يخلو من شي ء، فإنّه و إن صرّح بهذا الإطلاق المجازي، إلّا أنّ علاقة السببية و المسببية قد نقلها عن الشهيد الأوّل في مقام توجيه تعريف البيع بالعقد، و كان مقصود الشهيد الثاني الإيراد على الشهيد الأوّل بإلزامه بما اعترف به من وضع البيع للانتقال- أي المسبّب- و أطلق مجازا على العقد، لكونه سببا له. لا أنّ الشهيد الثاني صرّح بمجازية إطلاق البيع على الإيجاب و القبول.

ثانيهما: أنّ ما في بعض الحواشي «من عدم العثور على تصريح الشهيد الثاني في المسالك» غير ظاهر، لوفاء عبارته المتقدمة بكون العقد معنى مجازيا للبيع بعلاقة السببية و المسببية، غايته أنّه نقله عن الشهيد الأوّل و لم يعترف به.

و قد ظهر مما ذكرناه مسامحة دعوى صاحب الجواهر من «أن الشهيد صرّح بالمجازية

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 144

ص: 283

و الظاهر (1) أنّ المسبّب هو الأثر الحاصل في نظر

______________________________

في الروضة» «1» لا في المسالك، فإنّا لم نظفر على المطلب في بيع شرح اللمعة، فراجع.

هذا تمام الكلام في نفي ما ذكره الفقيهان في شرح القواعد و المقابس من إطلاق البيع حقيقة على معان أربعة، فيكون مشتركا لفظيا فيها.

و قد تحصّل من كلمات المصنف: أنّ تلك الإطلاقات ليست على نحو الحقيقة إلّا واحدا منها و هو الإيجاب القائم بالبائع، و عليه فاستعمال اللفظ في المعاني الثلاثة الأخر مجازي، فلا ينافي إرادة الحقيقة عند التجرّد عن القرينة.

وجه عدم المنافاة: أنّ المعنى الأوّل قد استفيد قيد التعقب بالقبول فيه من قرينة خارجية مثل كون المتكلم في مقام الإخبار عن بيع داره.

و المعنى الثاني أيضا ليس مدلول البيع أصلا، إذ النقل المعتبر في مقام الإنشاء هو قصد المنشئ مبادلة مال بمال، و ليس ترتب الأثر- أعني به الانتقال في وعاء الاعتبار عرفا أو شرعا- دخيلا في المفهوم.

و المعنى الثالث- و هو العقد- قد عرفت أنّ استعمال البيع فيه مجازيّ بعلاقة السببية و المسببية.

(1) غرضه قدّس سرّه توجيه ما حكاه عن الشهيد الثاني قدّس سرّه- من أنّ إطلاق البيع على العقد مجاز بعلاقة السببية- بنحو لا يرد عليه إشكال، و هو عدم كون المقام من صغريات إطلاق اللفظ الموضوع للمسبب على السبب، بتقريب: أنّ لفظ «البيع» وضع للنقل الذي هو فعل البائع فقط- على ما اختاره المصنف من عدم دخل القبول في معناه- و من الواضح أنّ البيع بهذا المعنى مسبّب عن جزء العقد و هو الإيجاب فقط، لا عن جزئي العقد معا حتى يصح إطلاق البيع على العقد بعلاقة السببية، فهذا الإطلاق خارج عن حيّز استعمال اللفظ الموضوع للمسبّب في السبب مجازا بعلاقة السببيّة و المسببيّة.

و ملخّص ما أفاده المصنف في دفع الاشكال و توجيه هذا الإطلاق المجازي بعلاقة

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 206

ص: 284

الشارع (1)، لأنّه (2) المسبّب عن العقد (3). لا النقل الحاصل من فعل الموجب، لما (4) عرفت من أنه (5) حاصل بنفس إنشاء الموجب من دون توقف على شي ء (6)، كحصول وجوب الضرب

______________________________

السببية بقوله: «و الظاهر ..» هو: أنّ الإشكال المذكور إنّما يتوجه على الشهيد قدّس سرّه إذا أراد من المسبّب الأثر المتحقق في نظر الموجب. و أمّا إذا أراد من المسبّب الأثر الحاصل في نظر الشارع لم يرد عليه هذا الإشكال أصلا، بداهة أنّ السبب فيه هو تمام العقد لا جزؤه، فيصح حينئذ استعمال «البيع» بمعنى الأثر الشرعي المترتب على العقد- بكلا جزئية- في العقد بعلاقة السببية و المسببية.

(1) و الشاهد على إرادة هذا النقل الشرعي لا النقل في نظر البائع ما ورد- في تعريف شيخ الطائفة بالانتقال- من القيود مثل كون العين مملوكة و العوض مقدّرا، و رضى المتبايعين، فإنّها تكشف عن إرادة الانتقال بنظر الشارع أي الإنشاء المثمر، لا مطلق الإنشاء و إن كان فاقدا لشرائط التأثير في نظر الشارع.

(2) أي: لأنّ الأثر الحاصل في نظر الشارع من النقل الاعتباري هو المسبّب عن العقد.

(3) فالمصنف و الشهيد الثاني قدّس سرّهما متفقان على كون البيع مجازا في العقد المراد به الإيجاب و القبول، و مختلفان في العلاقة المصحّحة للاستعمال المجازي، فالمصنف يقول: إنّها علاقة الكل و الجزء، إذ البيع اسم للإيجاب، فاستعماله في العقد يكون بعلاقة الكل و الجزء، و الشهيد يقول: إنّها علاقة السببية و المسببية.

(4) تعليل لقوله: «لا النقل ..».

(5) أي: أنّ النقل الحاصل من فعل الموجب حاصل بنفس إنشائه.

(6) فيكون إنشاء الموجب و النقل المترتب عليه في نظره نظير الكسر و الانكسار، و الإيجاب و الوجوب، و الإيجاد و الوجود، و لا فرق بينها إلّا في كون ما عدا الكسر و الانكسار من الأمور الاعتبارية التي يمكن اختلاف الأنظار فيها كما مرّت الإشارة إليه، بخلاف الكسر و الانكسار، فإنّه أمر خارجي لا اختلاف فيه حتى يحصل بنظر دون نظر آخر.

ص: 285

في نظر الآمر (1) بمجرد الأمر و إن لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره.

و إلى هذا (2) [1] نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى من قولهم: «لزم البيع» (3)

______________________________

(1) الظاهر أنّ مقصوده من الآمر هنا هو من لم يحكم العقل بلزوم إطاعته، و إلّا فالسيادة الحقيقية تقتضي الوجوب و الامتثال في نظر المأمور قطعا. نعم إذا لم يكن الآمر عاليا و لا مستعليا لم يكن إيجابه مستتبعا للوجوب كما هو واضح.

(2) يعني: و إلى الأثر الحاصل في نظر الشارع- الذي هو المسبب عن العقد- نظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى، فالمراد بالبيع الموجود فيهما هو هذا المعنى، لا النقل الحاصل من فعل الموجب.

(3) كما في رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى أرضا على أنّها عشرة أجربة، فإذا هي خمسة أجربة، قال: ان شاء استرجع فضل ماله، و إن شاء ردّ البيع و أخذ ماله كلّه، إلّا أن يكون له الى جنب تلك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ و يكون البيع

______________________________

[1] بل إلى المعاملة الخاصة الحاصلة بالإيجاب و القبول ينظر جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى و غيرهما، لأنّها هي التي يعرضها البقاء و يتعلّق بها الفسخ و الإمضاء، و يرد عليها الشروط و الأحكام. بخلاف العقد، فإنّه من مقولة اللفظ و يتصرّم و لا يقبل الاستمرار حتى يمضي أو يفسخ، فلا يصحّ إرادة الإيجاب و القبول من البيع في قولهم: «كتاب البيع» أو «عقد البيع». فالمراد بالبيع في كلمات الفقهاء و كذا الآيات الشريفة و النصوص هو المعاهدة الخاصة الحاصلة بين المتبايعين المترتبة عليها الأحكام، فإضافة العقد حينئذ إلى البيع بيانيّة، فإطلاق لفظ البيع على الإيجاب و القبول و إن كان صحيحا بعلاقة السببية و المسببية، إذ العقد سبب لتحقق تلك المعاملة، و ليس من الأغلاط الواضحة- كما قيل- إلّا أنّه لم يعهد ذلك في الإطلاقات المتعارفة.

ص: 286

أو «وجب البيع» (1) أو «لا بيع بينهما» (2) أو «أقاله في البيع» (3) و نحو ذلك (4).

و الحاصل (5) [1]: أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف على تحقق الإيجاب و القبول، فإضافة العقد الى البيع- بهذا المعنى- ليس بيانية: و لذا يقال: انعقد البيع و لا ينعقد البيع.

______________________________

لازما له، و عليه الوفاء بتمام البيع ..» الحديث «1».

(1) كما في عدة نصوص، منها معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع» «2» الحديث.

(2) كما في معتبرة علي بن يقطين «أنّه سأل أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه، و لا يقبض الثمن، قال: فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام، فإن قبض بيعه، و إلّا فلا بيع بينهما» «3».

(3) كما في مثل رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله اللّه عثرته يوم القيامة» «4».

(4) مثل قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و قوله عليه السّلام في ما رواه إسحاق بن عمار:

«فلا بيع له» «5».

(5) يعني: و حاصل كلام الشهيد بملاحظة التوجيه المذكور: أنّ البيع- الذي يعدّونه من

______________________________

[1] لا يخفى أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه في توجيه كلام الشهيد قدّس سرّه- من كون إطلاق البيع على العقد مجازا بعلاقة السببية بإرادة النقل الشرعي من البيع و إطلاقه على سببه و هو العقد-

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 361، الباب 14 من أبواب الخيار، الحديث: 1

(2) المصدر، ص 346، الباب 1، من أبواب الخيار، الحديث: 4

(3) المصدر، ص 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث: 3

(4) المصدر، ص 286، الباب 3 من أبواب آداب التجارة، الحديث: 2

(5) المصدر، ص 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث: 24

ص: 287

..........

______________________________

العقود، و يستعملونه في العقد بعلاقة السببية، و يقولون: البيع عقد مركب من إيجاب و قبول- يراد به النقل الشرعي المسبّب عن العقد، و يطلق عليه العقد بعلاقة السببية، لا النقل في نظر الموجب، لما مرّ من أنّه مسبّب عن الإيجاب خاصة.

و على هذا فإضافة العقد إلى البيع لاميّة من قبيل إضافة السبب الى المسبّب، لا بيانية بأن يكون البيع بمعنى العقد، إذ لا يصح حينئذ أن يقال: «انعقد البيع أو لم ينعقد» حيث إنّ مرجعه إلى انعقاد العقد و عدمه، و من المعلوم أنّه لا معنى له، لأنّ العقد بمعنى الإيجاب و القبول اللفظيين بعد تحققه لا يكون موردا للنفي، فلا يقال: لم ينعقد البيع، مع أنّه يصحّ ورود النفي و الإثبات على البيع بعد تحقق العقد، فلا بدّ أن تكون الإضافة لاميّة حتى يصح أن يقال:

«انعقد البيع أو لم ينعقد» لأنّ انعقاده عبارة عن ترتب الأثر الشرعي، و عدم انعقاده عبارة عن عدم ترتب الأثر الشرعي عليه. فبعد تحقق الإيجاب و القبول يمكن أن ينعقد البيع- أي الأثر الشرعي- إذا كان العقد جامعا للشرائط، و يمكن أن لا ينعقد كما إذا كان فاقدا لها.

______________________________

تمهيد للإشكال عليه.

و محصل ما يستفاد من مجموع عبارات المصنف في المقام: أنه إن أريد بالبيع النقل بنظر الموجب، ففيه: أن علاقة السببية المصحّحة لإطلاق البيع بهذا المعنى على العقد مفقودة، حيث إنّ العقد ليس سببا للبيع بمعنى النقل في نظر الموجب، بل سببه الإيجاب فقط الذي هو أحد جزئي العقد، لا العقد المركّب من الإيجاب و القبول.

و إن أريد بالبيع النقل الشرعي فالعلاقة المصحّحة لإطلاق البيع على العقد مجازا و إن كانت موجودة، بداهة سببيّة العقد للنقل الشرعي. لكن فيه: أنّ جعل البيع بمعنى الأثر الشرعي مما لم يثبت لا في اللغة و لا في العرف كما مرّ في المعنى الثاني.

مضافا إلى: أنّ إطلاق البيع على العقد غير سديد، لأنّ البيع من مقولة المعنى، و العقد من مقولة اللفظ، و تصحيحه بما أفاده الشهيد- من إطلاق البيع على العقد مجازا بعلاقة السببية- قد عرفت ما فيه.

ص: 288

[ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم]
اشارة

ثمّ (1) إنّ الشهيد الثاني نصّ في كتاب اليمين من المسالك على أنّ عقد البيع

______________________________

ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم

(1) لمّا فرغ المصنف قدّس سرّه من تثبيت تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» و دفع ما أورده عليه، و ناقش في كلام بعض من قارب عصره و هو إطلاق «البيع» على معان ثلاثة أخرى غير إنشاء التمليك- من باب تعدد الوضع و الاشتراك اللفظي، أراد التنبيه على أمر آخر،

______________________________

إلّا أن يوجّه كلام الشهيد الثاني بما لا يرد عليه الإشكال بأن يقال: إنّ المراد بالمسبّب الذي وضع له لفظ البيع هو اعتبار المتعاقدين، و سببه هو الإيجاب و القبول، فالمسبّب- و هو اعتبارهما يوجد بإنشاء الإيجاب و القبول، بناء على ما ذهب إليه القدماء من كون الإنشاء عبارة عن إيجاد المعنى باللفظ. و على هذا فالمسبّب يوجد بالعقد و هو الإيجاب و القبول اللفظيان، أو مطلقا، فيصح كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه من كون استعمال لفظ البيع في العقد مجازا بعلاقة السببية.

و لا يرد عليه تعريض المصنف قدّس سرّه به من: أنّ المراد بالمسبّب هو الأثر الشرعي، و المفروض أنّ استعمال لفظ البيع في الأثر الشرعي غير ثابت، لا لغة و لا عرفا، كما أفاده في بيان المعنى الثاني و الاشكال عليه، هذا.

لكن صحة هذا التوجيه مبنية على كون الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ، و هو غير ثابت، لما مرّ سابقا من أنّ في الإنشاء مسلكا آخر و هو أنّه عبارة عن إبراز الاعتبار النفساني بالمبرز اللفظي أو الفعلي، فلا سببيّة في البين أصلا.

فالمتحصل: أنه لا منافاة بين ما اختاره المصنف من معنى البيع و بين المعاني الثلاثة التي ذكرها بعض من قارب عصره.

أما المعنى الأوّل فلأنّه فرد من أفراد معنى البيع الذي اختاره المصنف من كونه إنشاء تمليك عين بمال.

و أما المعنى الثاني فلم يثبت لا لغة و لا عرفا.

و أما المعنى الثالث فلرجوعه الى المعنى الثاني.

ص: 289

و غيره حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد (1)،

______________________________

و هو وضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح أو للأعم منه و من الفاسد، فنقل كلام الشهيدين قدّس سرّهما الظاهر في الوضع للصحيح، ثم أورد عليهما بأنّ لازم ذلك إجمال الأدلة الإمضائية المانع عن التمسك بها، ثم وجّه التمسك بالإطلاقات حتى على القول بوضعها لخصوص الصحيح، و ستظهر هذه الأمور إن شاء اللّه تعالى.

كما أنّ في نقل خصوص كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه غرضا آخر، و هو التنبيه على تهافت كلامه المتقدم- من كون إطلاق البيع على العقد مجازا بعلاقة السببية و المسببية- مع ما أفاده في كتاب اليمين، و ذلك لدلالة كلامه المتقدم على كون البيع حقيقة في المسبب و هو الانتقال الشرعي، و على خروج القبول عن مفهوم البيع، و كون استعماله في العقد المركّب من الإيجاب و القبول مجازا بعلاقة السببية، و لدلالة كلامه في يمين المسالك- الذي سيتلى عليك- على دخل القبول في مفهوم البيع، لأنّه حقيقة في العقد الصحيح، فيكون البيع على هذا اسما للسبب و هو العقد، لا المسبب أعني به الأثر الشرعي، و من المعلوم أنّ هذا تناقض.

توضيحه: أنّ المتصف بالصحة و الفساد هو الشي ء المفروغ عن وجوده، لكونهما وصفين للشي ء الموجود. فإن أريد بالبيع «العقد» اتّصف بالصحة تارة و بالفساد اخرى.

و إن أريد به الأثر الحاصل- و هو الانتقال- لم يتصف بالصحة و الفساد، بل يتصف بالوجود تارة و بالعدم اخرى. و كذا الحال لو أريد بالعقد معناه اللغوي- المعبّر عنه بالفارسية ب- گره- لدوران أمره بين الوجود و العدم.

فالمتحصل: أنّ المراد بعقد البيع هو الإيجاب و القبول، لأنّه المتصف بالصحة إن كان جامعا لشرائط التأثير، و بالفساد إن كان فاقدا لها و لو لبعضها، فيكون إضافة «العقد» إلى «البيع» لاميّة، كما أنّ إضافة العقد بمعناه اللغوي إلى البيع بيانية من قبيل إضافة الكلّي إلى الفرد.

(1) الأولى نقل كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه بألفاظه، قال في المسألة الثانية من مسائل المطلب الرابع- ذيل قول المحقق: إطلاق العقد ينصرف الى الصحيح دون الفاسد- ما لفظه:

«عقد البيع و غيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد، لوجود خواصّ الحقيقة و المجاز فيهما، كمبادرة المعنى الى ذهن السّامع عند إطلاق قولهم: باع فلان داره، و غيره، و من

ص: 290

لوجود (1) خواصّ الحقيقة و المجاز كالتبادر و صحة السلب (2)، قال: «

______________________________

ثمّ حمل الإقرار به عليه، حتّى لو ادّعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا. و عدم صحة السلب، و غير ذلك من خواصّه. و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد ليقبل تفسيره بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة. و انقسامه الى الصحيح و الفاسد أعمّ من الحقيقة. و حيث كان الإطلاق محمولا على الصحيح لا يبرّ بالفاسد، و لو حلف على الإثبات سواء أ كان فساده لعدم صلاحيته للمعاوضة كالخمر و الخنزير، أو لفقد شرط فيه كجهالة مقداره و عينه، و سيأتي البحث فيه» «1».

و المستفاد من كلامه قدّس سرّه أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح المؤثّر، لا للجامع بينه و بين الفاسد، و ذلك لوجود أمارة الحقيقة من تبادر خصوص الصحيح، و صحة السلب عن الفاسد، و اطّراد استعمالها في الصحيح. و حيث إنّ المتّصف بالصحة و الفساد هو العقد لا الأثر المترتب عليه كان دعوى وضع عناوين المعاملات لخصوص العقود الصحيحة منافية لما تقدم عن الشهيد الثاني قدّس سرّه- بناء على صحة النسبة- من التصريح بكون إطلاق البيع على العقد مجازا بعلاقة السببية، فلاحظ.

ثم إنّ في كلامه تأمّلا من جهات سيأتي بيانها في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

(1) تعليل لقوله: «حقيقة في الصحيح، مجاز في الفاسد» و قد تقدم آنفا

(2) هذا التعبير أولى مما في عبارة المسالك من قوله: «و عدم صحة السلب» فإنّ مقصود الشهيد الثاني قدّس سرّه إقامة أمارة على وضع «البيع» و نحوه من العقود لخصوص الصحيح المؤثّر، فكان المناسب أن يقول: «و صحة السلب عن الفاسد» لا «و عدم صحة السلب» و ذلك لأنّ عدم صحة السلب عن الصحيح ليس أمارة الوضع لخصوص الصحيح، لوضوح أنّ عدم صحة السلب عن الحصة لا يشهد بعدم كون الجامع و الطبيعي موضوعا له، فإذا لم يصح سلب الإنسان عن العالم لم يكشف ذلك عن عدم وضع لفظ «الإنسان» للجامع بين العالم و الجاهل، فعلامة الوضع لخصوص العالم صحة سلب الإنسان عن الجاهل، لا عدم صحة سلبه عن العالم.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 2، ص 242 (الطبعة الحجرية).

ص: 291

و من ثمّ (1) حمل الإقرار به عليه (2) حتّى لو ادّعى (3) إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا.

و لو كان مشتركا بين الصحيح و الفاسد لقبل تفسيره بأحدهما، كغيره من الألفاظ المشتركة. و انقسامه (4) إلى الصحيح و الفاسد أعم

______________________________

و الحاصل: أنّ عدم صحة سلب «البيع» عن العقد الصحيح لا يدلّ على كون الموضوع له هو خصوص الصحيح. كما أنّ عدم صحة سلب الإنسان عن العالم لا يشهد بوضعه لخصوص العالم و مجازيته في غيره. و لعلّه لهذا أصلح المصنف قدّس سرّه العبارة و قال: و صحة السلب.

(1) أي: و لأجل وجود علائم الحقيقة في إطلاق العقود على خصوص الصحيح منها- و مجازية إطلاقها على الفاسد- حمل الإقرار بالبيع على الصحيح خاصة، كما لو ترافع شخصان في بيع دار فادّعاه أحدهما و أنكره الآخر، ثمّ اعترف المنكر بوقوع البيع، و لكنّه وجّهه بكون عقده فاسدا لفقده بعض الشرائط، فإنّه يلزم المقرّ بالبيع، و لا يسمع منه اعتذاره بفساد العقد. و من المعلوم أنّ قبول أصل إقراره بوقوع البيع- و عدم سماع اعتذاره بفساد العقد- دليل على وضع «البيع» لخصوص الصحيح، لا للجامع بينه و بين الفاسد، إذ لو كان الموضوع له هو الجامع المشترك بين الصحيح و الفاسد لزم قبول دعوى فساد العقد، كما هو الحال في الإقرار بلفظ مشترك بين معنيين أو أكثر.

(2) أي: حمل إقرار أحد المترافعين بالبيع على الصحيح.

(3) أي: لو ادّعى المقرّ بالبيع إرادة عقد فاسد لم يقبل منه، بل يؤاخذ بظاهر إقراره، و هو البيع الصحيح أي العقد الجامع للشرائط.

(4) أي: و انقسام البيع، و مقصود الشهيد قدّس سرّه دفع دخل، أمّا الدخل فتقريبه: أنّ القائل بوضع ألفاظ المعاملات للجامع بين الصحيح و الفاسد يستدلّ بصحة تقسيم العنوان المعاملي- كالبيع- الى الصحيح و السقيم، فيقال: «هذا بيع صحيح لاستجماعه لشرائط الصحة، و ذاك بيع فاسد لاختلال شرائطه لكونه غرريا مثلا» و لو كان «البيع» حقيقة في خصوص الصحيح و مجازا في الفاسد لم يصح توصيف البيع بأنّه فاسد، إذ البيع الفاسد ليس ببيع و إنّما هو كإنشاء العابث و اللّاغي يصح سلب العنوان عنه، مع أنّه لا ريب في صحة تقسيم البيع الى الصحيح

ص: 292

من الحقيقة» [1].

______________________________

و الفاسد، كصحة تقسيم كل لفظ موضوع للجامع إلى حصصه و أفراده.

و أمّا الدفع فهو: أنّ مجرّد الانقسام الى الصحيح و الفاسد لا يدلّ على كون المقسم معنى حقيقيا للفظ، فيمكن أن يكون المقسم معنى مجازيا له، فلا يثبت كون لفظ «البيع» و نحوه حقيقة في الجامع بين الصحيح و الفاسد، لأنّ مجرّد الاستعمال- الذي هو أعم من المعنى الحقيقي- لا يثبت الوضع، و ذلك لما ثبت في محله من اختصاص أصالة الحقيقة بالشك في المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي. و أمّا لو علم بالمراد و شك في الموضوع له فلا تجري حتى يثبت كون المراد معنى حقيقيا.

______________________________

[1] لا يخفى أن في كلامه مواقع للنظر:

منها: الاستدلال بالتبادر على الوضع للصحيح.

إذ فيه: أنّ تبادر الصحيح هنا ليس دليلا على الحقيقة، لقوّة احتمال نشوه عن القرينة، و من المعلوم أنّه حينئذ ليس أمارة عليها، فإنّ التبادر- بناء على تسليم أماريته على الوضع- يختص بما إذا كان من حاقّ اللفظ، و هذا في المقام غير ظاهر. و إثبات كونه من حاقّ اللفظ- بأصالة عدم القرينة- غير سديد، لاختصاصها بالشك في المراد، فلا يشمل الشك في الوضع.

و منها: الاستدلال بصحة السلب عن الفاسد. إذ فيه: أنه مخصوص بما إذا كان الفساد من جهة عدم انضمام القبول، و أمّا من جهة غيره فلا.

و منها: قوله «لم يسمع إجماعا» إذ فيه: أنّه يمكن أن يكون عدم سماع إرادة العقد الفاسد لأجل ظهور حال المسلم، لا لظهور لفظ البيع في العقد الصحيح الشرعي.

و يشهد لهذا كلامه في المسالك و الروضة في تقديم قول مدّعي الصحة عند اختلاف المتبايعين في صحة العقد و فساده. قال قدّس سرّه في المسالك: «نبّه بقوله:- فالقول قول مدّعي صحة العقد- على علّة الحكم، و هو أصالة الصحة في العقود، فإنّ الظاهر من العقود الجارية بين

ص: 293

و قال (1) الشهيد الأوّل في قواعده: «الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم

______________________________

(1) غرضه من نقل كلام الشهيد قدّس سرّهما أنّ مختاره في مسألة الصحيح و الأعم هو الوضع

______________________________

المسلمين الصحة، فيكون قول مدّعي الصحة موافقا للأصل ..» «1».

و قال في شرح اللمعة في مسألة اختلافهما في الشرط: «يقدّم قول مدّعي الصحة، لأنّها الأصل في تصرفات المسلم» «2».

و عليه فمجرد عدم سماع إرادة الفاسد لا يكشف عن وضع ألفاظ المعاملات للعقود الصحيحة منها.

و منها: التنافي بين قوله في أوّل كلامه: «عقد البيع و غيره حقيقة في الصحيح، مجاز في الفاسد، لوجود خواص الحقيقة و المجاز» و آخره من قوله: «و حيث كان الإطلاق محمولا على الصحيح لا يبرّ بالفاسد». وجه التنافي: أنّ انصراف إطلاق العقد إلى حصّة منه- و هو الصحيح- يقتضي تسليم كون اللفظ حقيقة في الأعم حتى ينصرف إلى فرد من الجامع، لبعض موجبات الانصراف كالتشكيك في الصدق، و من المعلوم أنّه مع إقامة أمارات الحقيقة على الوضع لخصوص الصحيح- في أوّل كلامه- لا يبقى موضوع للانصراف، هذا.

مضافا إلى: أنّ ظاهر كلام المحقق قدّس سرّه: «إطلاق العقد ينصرف الى الصحيح» تسليم الوضع للجامع، و لكنّه ينصرف الى الصحيح من باب ظهور حال المسلم، و معه لا يتّجه استدلال الشهيد الثاني على الوضع للصحيح بالتبادر و نحوه من خواصّ الحقيقة و المجاز.

فتأمل في العبارة حقه.

و منها: قوله في آخر كلامه «بأعمية التقسيم من الحقيقة» إذ يمكن يقال: إنّ الظاهر من تقسيم شي ء هو تقسيمه باعتبار معناه الحقيقي لا المجازي، فتأمل.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 267 و 268

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 541

ص: 294

و سائر العقود لا تطلق على الفاسد إلّا الحجّ، لوجوب المضيّ فيه» (1). و ظاهره (2)

______________________________

لخصوص الصحيح، و الفارق بينه و بين كلام الشهيد الثاني المتقدم: أنه قدّس سرّه خصّ نزاع الصحيح و الأعم بالمعاملات، و لم يتعرّض للنزاع في العبادات، و لكن الشهيد الأوّل عمّم الوضع للصحيح لمطلق الألفاظ المتداولة في الخطابات الشرعية، سواء أ كانت معاملة أم عبادة.

(1) و قال بعد ذلك: «فلو حلف على ترك الصلاة أو الصوم اكتفى بمسمّى الصحة، و هو الدخول فيهما، فلو أفسدهما بعد ذلك لم يزل الحنث. و يحتمل عدمه، لأنّها لا تسمّى صلاة شرعا و لا صوما مع الفساد. أمّا لو تحرّم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث قطعا» «1».

و على هذا فكلام الشهيد الأوّل موافق لما حكاه المصنف عن الشهيد الثاني قدّس سرّه من وضع ألفاظ العبادات و المعاملات للصحيح أي الواجد لكلّ ما يعتبر فيه شرطا و شطرا.

و استثنى الشهيد الأوّل قدّس سرّه الحجّ، لكونه موضوعا للأعم من الصحيح و الفاسد، بشهادة إطلاقه- على الفاسد- في النصوص الآمرة بإتمام الحج فيمن أفسده بالوقاع قبل الوقوفين، كمضمرة زرارة، قال: «قلت: فأيّ الحجّتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، و الأخرى عليهما عقوبة» «2». فإنّ الحجّة الاولى مع فسادها بالجماع قد وجب إتمامها. و من المعلوم أنّ إطلاق الحج على الفاسد منه ظاهر في كونه على نحو الحقيقة.

و هذا بخلاف الصلاة و الصوم و الزكاة و المعاملات، فإنّها موضوعة للصحيح خاصة، و استعمالها في الفاسد- أي الفاقد شطرا أو شرطا- مجاز.

(2) يعني: و ظاهر قول الشهيد: «لا تطلق على الفاسد» هو الإطلاق الحقيقي، و عليه فاستعمال هذه الألفاظ على نحو الحقيقة منوط بكون تلك الماهية المخترعة واجدة للأجزاء

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 158، القاعدة: 42 الفائدة: 2

(2) وسائل الشيعة، ج 9، ص 257، الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام، الحديث: 9

ص: 295

إرادة الإطلاق الحقيقي [1].

______________________________

و الشرائط و فاقدة للموانع، فلو كانت فاسدة كالصلاة الفاقدة للستر أو للسورة كان استعمالها فيها مجازيا. و كذا الحال في ألفاظ المعاملات كالبيع، فإنّها موضوعة لخصوص المؤثّر في النقل و المبادلة، فالبيع الربوي و الغرري ليسا بيعا حقيقة، و لا يصحّ أن يقال: إنّهما بيع فاسد.

______________________________

[1] نعم، لكن تعليل استثناء الحج الفاسد بوجوب المضيّ فيه قرينة على أنّ مراده الإطلاق في مقام الطلب و الأمر، يعني: أنّ المأمور به من الصلاة و الصوم و سائر العبادات و المعاملات هو الصحيح دون الفاسد، إلّا الحج، لأنّ فاسده كصحيحه مأمور به، حيث إنّه يجب إتمامه إذا أفسده الحاج بما يفسده من الجماع قبل الوقوفين.

و على هذا فيراد من قوله: «لا تطلق على الفاسد» أنّه لا يطلب الفاسد إلّا مسامحة، فيراد من الإطلاق تعلّق الطلب بالفاسد، يعني: أنّ الأمر لا يتعلق بالفاسد إلّا الحج، فإنّ فاسده أيضا يتعلّق به الأمر. و عليه فليس مورد كلام الشهيد الاستعمال الحقيقي- كما استظهره المحقق القمي قدّس سرّه- حتى يقال: إنّه قائل بوضع ألفاظ العبادات و المعاملات للصحيح. و لا أقلّ من الاحتمال، خصوصا بقرينة تعقيبه بحنث النذر.

نعم ما جزم به الشهيد هنا من إطلاق الحج على الفاسد حقيقة ينافيه ما أفاده في الدروس من تقوية كون الفرض ما بيده، و أنّ الحج الواجب عليه من قابل عقوبة، قال: «و روى زرارة أن الأولى فرضه، و تسميتها فاسدة مجاز» «1». فيتعين الجمع بينها و بين معتبر سليمان بن خالد من «أنّ الرفث فساد الحج» بحمل الفساد على النقص، كالنقص الوارد عليه بارتكاب محرّمات الإحرام المنجبر بالكفارة، فيكون الحجّ من قابل كفّارة للرّفث قبل الوقوفين و التفصيل موكول إلى محله.

______________________________

(1): الدروس الشرعية، ج 1، ص 370

ص: 296

[امتناع التمسك بالإطلاق بناء على الوضع للصحيح]

و يشكل (1) ما ذكراه

______________________________

امتناع التمسك بالإطلاق بناء على الوضع للصحيح

(1) بعد أن فرغ المصنف قدّس سرّه من نقل كلام الشهيدين قدّس سرّهما الظاهر في وضع ألفاظ المعاملات- بل و العبادات كما في قواعد الشهيد الأوّل- لخصوص الصحيح، أخذ في بيان الإشكال الوارد على هذه المقالة، و محصله: أنّ مقتضى وضع ألفاظ المعاملات للصحيح، و عدم شمول الموضوع له فيها للفرد الفاسد هو عدم صحة التمسك بإطلاق ما دلّ على مشروعية المعاملة عند الشك في أصل مشروعيّتها أو في اعتبار أمر فيها، ضرورة أنّ الشك حينئذ يكون في موضوع دليل الإمضاء، و من المعلوم أنّه مع الشك في انطباق موضوع الدليل على المشكوك فيه لا سبيل للتمسّك بإطلاقه، فينسدّ باب التمسّك بإطلاقات أدلة المعاملات طرّا، و يجري أصالة الفساد في جميع موارد الشك في دخل شي ء شطرا أو شرطا في المعاملة.

و هذه الدعوى مما يقطع بفساده، لاستقرار سيرة الأصحاب «رضوان اللّه عليهم» قديما و حديثا على التمسك، بالإطلاقات في دفع الشك في جزئية شي ء أو شرطيته في المعاملات، بل نسب المصنف على ما في تقرير بحثه الشريف الى الشهيد تمسكه بها، قال مقرر بحثه: «حتى أنّ الشهيد قد ملأ الأساطير من ذلك، بل و لولاه لما دار رحى الفقه كما لا يخفى على المستأنس بكلامهم. و قد ادّعى الفاضل الإجماع على جواز التمسك بعموم قوله تعالى «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «1».

ثم لا يخفى أنّ كلام المصنف قدّس سرّه مسوق لبيان الاشكال من جهة إجمال الأدلة الإمضائية بناء على الوضع للصحيح.

و لمّا كان ذلك متوقفا على القول بالحقيقة الشرعية و تصرّف الشارع في الأوضاع اللغوية و العرفية كان الاشكال منحلّا إلى أمرين و إن لم يصرّح بهما معا.

الأوّل: أنّ اختصاص وضع الماهيّات المخترعة الشرعية- و العقود- بالأفراد الصحيحة

______________________________

(1): مطارح الأنظار، ص 5

ص: 297

بأنّ وضعها (1) للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق نحو (2) أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و إطلاقات (3) أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شي ء فيها (4)،

______________________________

مبني على القول بالحقيقة الشرعية بمعنى أخذ قيد الصحة في الموضوع له، فكما أنّ الشارع وضع لفظ «الصلاة» للماهية التي تحريمها التكبير و تحليلها التسليم، فكذلك وضع لفظ «البيع» مثلا للمعاملة المؤثّرة في نقل العوضين، و هي الواجدة لجميع الشرائط و القيود، فالمعاملة الفاقدة لبعضها ليست بيعا حقيقة.

الثاني: أنّ لازم وضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيح المؤثّر في ترتب الأثر المقصود على العقد هو إجمال الأدلة عند صدق العنوان عرفا على المعاملة، و الشك في اعتبار شي ء فيه شرعا. مثلا إذا أحرز صدق «البيع» عرفا على عقد المكره، و شكّ في اشتراط البيع الممضى شرعا بالرضا المقارن للعقد لم يمكن الرجوع إلى مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ للحكم بنفوذ عقد المكره المتعقب بالرضا، إذ المفروض كون البيع موضوعا للصحيح الشرعي لا العرفي، و مع الشك في اعتبار مقارنة الرضا للعقد يشك في صدق موضوع الدليل، و من المعلوم عدم جواز التمسك بالدليل ما لم يحرز موضوعه من الخارج.

هذا تقريب الإشكالين، و سيأتي الجواب عنهما.

(1) يفهم من هذه الكلمة ابتناء إشكال إجمال الأدلة على القول بالحقيقة الشرعية، بمعنى: جعل وضع شرعيّ لأسامي المعاملات كالعبادات، فكما أنّ «الصلاة» في عرف الشارع تختلف عن معناها اللغوي و العرفي و هو الدعاء، فكذلك البيع و النكاح و الصلح و نحوها من عناوين المعاملات موضوعة بوضع جديد لمفهوم آخر أضيق من مفاهيمها العرفية و اللغوية.

(2) مثل تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بناء على اختصاص التجارة بالبيع و الشراء، و قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على كونه عنوانا مشيرا إلى آحاد العقود.

(3) مثل «النكاح سنّتي» و «الصلح جائز بين المسلمين» و نحوهما.

(4) للإجمال الناشي من احتمال دخل ما يحتمل اعتباره- في صحة المعاملة- في صدق الاسم، فيتوقف صدق «البيع» على رعاية جميع الشرائط الشرعية، و لا يكفي إطلاقه عرفا

ص: 298

مع (1) أنّ سيرة علماء الإسلام التمسك بها في هذه المقامات (2) [1].

______________________________

على العقد الفاقد لبعض ما يحتمل دخله شرعا فيه.

(1) هذا وجه الاشكال على كلام الشهيدين قدّس سرّهما و محصله: منافاة الوضع للصحيح- المستلزم للإجمال- لسيرة الفقهاء على تسليم إطلاق الأدلة، و نفي دخل ما يشك في اعتباره في المعاملات بها، فيتمسكون بإطلاق آية حلّ البيع لمشروعية العقد بالفارسية و بالمعاطاة، و ذلك لصدق البيع العرفي عليهما.

(2) أي: مقام الحكم بعدم دخل ما يحتمل اعتباره شرعا في المعاملات.

______________________________

[1] هذا الاشكال مبني على أمرين:

أحدهما: وضع ألفاظ المعاملات للصحيح الشرعي لا العرفي.

و فيه أوّلا: أنّه مبنيّ على ثبوت الحقيقة الشرعية، و هي غير ثابتة في ألفاظ العبادات فضلا عن المعاملات.

و ثانيا: أنّه يمتنع إرادة الصحيح في ألفاظ المعاملات الواقعة في حيّز الخطابات، كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و «الصلح جائز بين المسلمين» و نحو ذلك من أدلة إمضاء المعاملات، و ذلك لأنّ الصحة مستفادة من نفس الأدلة، فكيف تؤخذ في متعلقها مع تأخرها عنها؟ فإنّ من الممتنع دخل ما يتأتى من الحكم في متعلقة.

نعم إن استفيدت الصحة من غير دليل الإمضاء لا يلزم الامتناع، لكن يترتب عليه اللغوية، إذ لا فائدة حينئذ في جعل الحلية بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مثلا مع فرض صحته بدون هذا الدليل، هذا.

ثانيهما: كون المراد من عقد البيع في كلام الشهيد الثاني نفس البيع، على أن تكون الإضافة بيانيّة، لا عقده حتى تكون الإضافة لاميّة. و الظاهر هو الأوّل، لأنّه جعل عقد البيع كسائر ألفاظ المعاملات و العقود أسامي لخصوص الصحيح، و من المعلوم أنّ مورد النزاع هو عناوين العقود كالإجارة و الهبة و العارية و الوديعة و المزارعة و المساقاة و غيرها.

مضافا إلى القرائن الموجودة في كلامه كالإقرار به و الإخبار به، فإنّها قرائن على إرادة العقد من البيع، هذا.

ص: 299

[توجيه الوضع للصحيح]

نعم (1) يمكن أن يقال: إنّ البيع

______________________________

توجيه الوضع للصحيح

(1) استدراك على قوله: «و يشكل ما ذكراه» و غرضه قدّس سرّه دفع الاشكال الوارد على مقالة الشهيدين قدّس سرّهما من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح، و كونها مجازا في الفاسد. و كلام المصنف متضمن لمقامين.

أحدهما: إمكان وضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيح، بنحو لا يترتب عليه إجمال الأدلة الإمضائية، و لا ينسدّ باب التمسك بإطلاقاتها.

و ثانيهما: توجيه التمسك بالإطلاق بناء على الوضع لخصوص الصحيح.

و الكلام فعلا في المقام الأوّل، و لا بأس بالإشارة إلى أمرين تمهيدا لتوضيح المتن:

الأوّل: أنّ المعاملات أمور اعتبارية، متقوم حقائقها باعتبار المعتبر، و ليس لها وجود وراء وجودها في وعاء الاعتبار، و بهذا تمتاز عن الموجودات الحقيقية التي لا دخل للجعل و المواضعة في وجودها في موطنها، و لا تتغيّر حقائقها باختلاف الأنظار. و أمّا الأمر الاعتباري فيمكن وجوده باعتبار معتبر، دون آخر، و ذلك كالأوراق النقدية التي يعتبر ماليّتها حكومة، و لا يعتبرها حكومة أخرى، فتسقط عن الاعتبار حينئذ.

الثاني: أنّ انطباق العنوان و المفهوم على المصاديق مختلف، فقد يكون قهريّا لا يتوقف على أزيد من تحققه خارجا بمعدّاته و مباديه كالقتل، الصادق على إزهاق الروح قسرا سواء أ كان مع القصد أم بدونه، و لذا يسند القتل حقيقة إلى القاتل في القتل الخطائي الذي لم يقصد القاتل ذلك أصلا. و قد يكون متوقفا على القصد و الاعتبار كالتعظيم، فإنّه لا ينطبق على مجرّد القيام عند قدوم الغير، بل لا بدّ من كونه بقصد إكرامه و رعاية عظمته.

ثم إنّ مثل التعظيم مما يناط صدقه بالاعتبار ربما يقع الخلاف في مصداقه مع عدم الخلاف في أصل المفهوم، فقد يعدّ القيام بنظر جمع- بقصد إكرام القادم الى مجلس- من أظهر أنحاء التعظيم، بينما يرى آخرون كشف الرأس أو الانحناء إلى حدّ الركوع مطابقا للمفهوم.

و هذا الاختلاف ناش من اعتبار فعل مصداقا للتعظيم عند جمع، و اعتبار فعل آخر كذلك

ص: 300

و شبهه (1) في العرف إذا استعمل في الحاصل

______________________________

بنظر غيرهم. و نتيجة تعدد الاعتبارات كون كلّ واحد من الأفعال مصداقا حقيقيا لذلك المفهوم الوحداني، من دون أن يخطئ بعضهم بعضا.

إذا اتّضح ما ذكرناه فنقول في توجيه كلام الشهيدين قدّس سرّهما- من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح، و أنّ استعمالها في الفاسد مجاز-: إنّ المعاملات أمور عرفية اعتبرها العقلاء قبل الشريعة الإسلامية لتنظيم شؤون مجتمعهم، و لم يخالفهم الشارع الأقدس في أصل المفهوم، و لم يخترع طريقا آخر، و لم يتصرّف فيها تصرّفا أساسيا، و إنّما ردع عن بعضها كالبيع الربوي و الملامسة و المنابذة، و نكاح الشغار، و زاد قيدا في بعضها الآخر كاعتبار البلوغ في المتعاقدين، و اعتبر في بعضها صيغة خاصة كما في الطلاق.

و ليس هذا التصرف راجعا الى تغيير أصل المفهوم حتى يكون المستعمل فيه من لفظ «البيع» عند الشارع مغايرا لما هو عند العرف، بل المستعمل فيه واحد عندهما، و هو ما يترتّب عليه الأثر المترقب كمبادلة إضافة الملكية، غاية الأمر أنّ للبيع مثلا مصداقين حقيقيين أحدهما منسوب الى الشارع و مضاف اليه، و هو موضوع للآثار الشرعية، و الآخر منسوب الى العرف و هو الموضوع للآثار الخاصة عندهم، و ينطبق على كليهما ذلك الجامع الوحداني أعني به «النقل المؤثّر» فيكون اختلاف العرف و الشرع في ترتب الملكية عند أحدهما دون الآخر نظير اختلاف طائفتين في كون ما به التعظيم هو القيام خاصّة أو فعل آخر. و السّر في تعدد الأنظار حينئذ هو أنّ المعاملات لا حقائق لها وراء الاعتبار.

و المتحصّل: أنّ الموضوع له في مثل «البيع» بمعناه المصدري هو الإنشاء المؤثّر في النقل و الانتقال، فإن ترتّب عليه الأثر- و لو بنظر العرف- اتّصف بالصحة، و إلّا كان فاسدا، و يتوقف استعماله فيه مجازا على قرينة. و إرادة هذا المعنى من الصحة لا يمنع من الرجوع الى إطلاقات أدلّة الإمضاء كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(1) كالإجارة و النكاح و الرهن و نحوها من عناوين العقود و الإيقاعات مما يكون رائجا عند العقلاء مع الغضّ عن الشرع.

ص: 301

من المصدر (1)- الذي (2) يراد من قول القائل: «بعت» عند الإنشاء- لا يستعمل (3) حقيقة إلّا فيما (4) كان صحيحا مؤثّرا و لو في نظرهم، ثمّ إذا كان مؤثّرا في نظر الشارع

______________________________

(1) المراد بالمصدر هو «إنشاء تمليك عين بمال» و هذا مختار المصنف في تعريف البيع.

و المراد بحاصل المصدر هو الملكية و الانتقال المترتبان على الإنشاء، فإذا أنشأ البائع فقد حصلت الملكية به في اعتبار نفسه، و كذا بنظر العرف، و إن لم تحصل بنظر الشارع.

(2) صفة للمصدر، يعني: أنّ المراد من قول البائع: «بعت» هو المعنى المصدري.

(3) خبر قوله: «ان البيع» يعني: أنّ ما يستعمل فيه لفظ «البيع» هو الملكية المنشئة المؤثّرة- بنظر العرف- في انتقال إضافة العوضين، فإذا لم يترتب عليها أثر كان استعمال البيع فيها مجازا.

(4) المراد بالموصول هو التمليك، و المقصود بالتمليك الصحيح هو المؤثّر، فالبيع مستعمل حقيقة في النقل المؤثّر، فما ليس بمؤثّر ليس بصحيح. لكن التأثير قد يكون بنظر العرف دون الشرع، فإن اعتبر العرف الملكية كان البيع متصفا بالصحة عنده، و إن اعتبرها الشرع كان صحيحا بنظره، فلا منافاة بين وضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح، و بين اختلاف العرف و الشرع في المصداق.

و بالجملة: أنّ إيجاب البائع يتضمن أمورا ثلاثة:

الأوّل: نفس الإنشاء و التمليك الذي هو معنى البيع المصدري.

الثاني: الملكيّة في اعتبار نفس البائع، حيث إنّه يعتبر تبادل إضافة العوضين من كلّ منهما الى الآخر.

الثالث: تأثير هذا الاعتبار في حكم العرف و الشرع بترتب الانتقال على الإنشاء.

و الأمران الأوّلان متحققان في كل إنشاء صادر بداعي الجدّ. و لكن الأمر الثالث قد يتخلّف، فإن كان اعتبار الموجب مؤثّرا- أي واجدا للشرائط العرفية- كان ذلك بيعا صحيحا، و إلّا كان فاسدا نظير إيجاب الهازل، فإنّه يعتبر الملكية، لكن العرف لا يراه مؤثّرا.

ص: 302

كان بيعا عنده (1)، و إلّا كان صورة بيع، نظير بيع الهازل عند العرف. فالبيع (2) الذي يراد منه ما (3) حصل عقيب قول القائل: «بعت» عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر، و مجاز في غيره. إلّا (4) أنّ الإفادة و ثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف و الشرع (5).

______________________________

(1) فيصير الصحيح الشرعي أخص من الصحيح العرفي، ضرورة أنّ العقلاء يعتبرون الملكية في بيع الخمر، و يرونه مؤثّرا في الانتقال، و لكن الشارع لا يعتبر ذلك التأثير، فيصير بيع الخمر عند العرف- في عدم التأثير بنظر الشارع- نظير ما إذا اعتبر البائع ملكية منّ من التراب بمثله، و لم يعتبرها العقلاء، فيكون فاسدا بنظرهم.

و عليه فالموضوع له عند العرف و الشرع هو النقل المؤثّر، لكن ما به يتحقق هذا النقل مختلف بنظر العرف و الشرع.

(2) هذه نتيجة جعل معنى البيع هو خصوص الملكية- في نظر البائع- المؤثّر في إمضائه عرفا و شرعا، فإذا كانت الملكية و الانتقال مخصوصين باعتبار البائع فقط كان استعمال البيع فيهما مجازا.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 303

و على هذا فلو كان مقصود الشهيدين قدّس سرّهما- من وضع ألفاظ العقود للصحيح- وضعها للإنشاء المؤثّر بنظر العرف أو الشرع كان وجيها، و لو كان مقصودهما وضعها لخصوص ما يراه الشارع مؤثّرا لم يمكن المساعدة عليه.

(3) المراد بالموصول كما عرفت هو الملكية و الانتقال في نظر البائع، و قد أفاده فيما يتعلق بكلام كاشف الغطاء قدّس سرّه بقوله: «نعم تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج لا في نظر الناقل».

فالانتقال بنظر الناقل يحصل بمجرد إنشائه، و هذا الانتقال يتصف بالصحة تارة و بالفساد أخرى.

(4) يعني: لا منافاة بين وضع عناوين المعاملات للصحيح المفيد للأثر و بين اختلاف العرف و الشرع، كما لا منافاة في اختلاف الملل فيما به التعظيم مع اتفاق الكلّ على مفهومه.

(5) فإنّه يعتبر شرعا في بيع المكيل و الموزون- إذا كانا متجانسين- عدم زيادة أحدهما على الآخر، و يعتبر في بيع الصرف التقابض في المجلس، و لا يعتبر شي ء منهما في البيع العرفي.

ص: 303

[طريق التمسك بالإطلاق بناء على الوضع للصحيح]

و أمّا (1) وجه تمسّك العلماء

______________________________

هذا تمام الكلام في توجيه كلام الشهيدين قدّس سرّهما من وضع أسماء العقود للصحيح، لا للأعم منه و من الفاسد. و سيأتي الكلام في توجيه التمسك بالإطلاق.

طريق التمسك بالإطلاق بناء على الوضع للصحيح

(1) هذا هو المقام الثاني مما أفاده قدّس سرّه في دفع الإشكال المتقدم على كلام الشهيدين قدّس سرّهما و تقريبه: أنّ جهة البحث الى الآن كانت في توجيه كلامهما و تحقيق مرادهما من وضع ألفاظ العقود للصحيح، و قلنا إنّ المقصود به في البيع مثلا هو طبيعي النقل المؤثّر في انتقال الإضافتين، و لهذا المفهوم الجامع مصداقان، أحدهما النقل المؤثّر عرفا، و الآخر النقل المؤثّر شرعا.

و بعد استيفاء هذه الجهة عطف عنان البحث الى تصحيح الرجوع الى الخطابات الشرعية بوجهين.

و ينبغي تقديم أمرين قبل بيانهما:

الأمر الأوّل: أنّهم فرّقوا في مسألة الصحيح و الأعمّ بين ألفاظ العبادات و المعاملات بناء على إنكار وضعها للأعمّ، و القول باختصاصها بالصحيح، و محصّل الفرق: أنّ العبادات ماهيات مخترعة شرعية غير معلومة للعرف، فمع عدم معرفة تلك الماهيات لا وجه للتمسك بإطلاقاتها، لكون الشك في صدق مفهوم «الصلاة» مثلا على فاقد ما يشك دخله فيها جزءا أو شرطا. فلا بد من علاج الشك بالرجوع إلى إطلاق مقامي أو أصل عملي كما حرّر ذلك في الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و هذا بخلاف المعاملات، فإنّها أمور عرفية كانت متداولة بينهم- قبل عصر التشريع- لتنظيم شؤونهم الاجتماعية. و قد أمضى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذه الطريقة و لم يخالفهم فيها، و لم يخترع طريقا آخر، و لم يتصرّف فيها تصرّفا أساسيّا، بل كان تصرّفه بالردع عن بعضها كالبيع الربوي و نكاح الشغار، و بزيادة قيد كاعتبار البلوغ في المتعاقدين، و اعتبار صيغة خاصّة في بعضها كالطلاق و النكاح.

ص: 304

..........

______________________________

و الحاصل: أنّ الشارع لم يستعمل ألفاظ المعاملات إلّا في مفاهيمها العرفية، و دخل القيود في مقام تأثيرها شرعا إنّما استفيد من دوالّ اخرى، و ليست مقوّمة لمفاهيمها، فكما لم يستعمل الشارع ألفاظ الخمر و الحنطة و الماء- في الأدلة التي جعلها موضوعات لأحكامه- إلّا في مفاهيمها العرفية، فكذلك لم يستعمل لفظ البيع و الصلح و النكاح في قوله: «البيع حلال، الصلح جائز، النكاح سنّتي» إلّا في معانيها العرفية التي تنسبق إلى أذهانهم.

الأمر الثاني: أنّ أدلة المعاملات لا يستفاد منها أزيد من كونها إمضاء للمعاملات العرفية، فمثل قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إمضائي لا تأسيسي، و الممضى هو المعاملة العرفية، لا المعاملة الشرعية حتى يكون مفهومها مجملا مانعا عن الرجوع الى الإطلاق. نعم لا بدّ من إحراز الصحة العرفية، فلو شك في صدق العنوان- كما إذا شكّ في اعتبار معرفة العوضين، أو شكّ في قابلية وقوع المنافع ثمنا في البيع العرفي- امتنع التمسك بالآية الشريفة لإثبات الصحة و نفي دخل ما يحتمل اعتباره في المفهوم العرفي. و أمّا إذا أحرز صدق الاسم عندهم و كان الشك متمحّضا في الدخل التعبّدي كان الإطلاق نافيا له، إذ لو كان ذلك المشكوك فيه دخيلا في ترتب الأثر على المعاملة شرعا لزم التنبيه عليه لئلّا يكون عدم بيانه مخلّا بالغرض.

إذا اتّضح ما قدّمناه قلنا في تقريب الوجهين المشار إليهما في المتن:

الوجه الأوّل: أن يحمل «البيع» الوارد في الخطابات الشرعية على المنشإ- أي المسبّب- كالملكية و الانتقال المترتبين على الإنشاء، فالممضى هو الملكية العقلائية الحاصلة بالعقد القولي أو الفعلي. و على هذا فليس المراد بالبيع طبيعيّ النقل المؤثّر حتى يكون نظر العرف و الشرع طريقا إليه و مصداقا له، بل المراد خصوص المؤثّر بنظر العرف، فمفاد آية حل البيع هو: أنه تعالى أمضى كلّ ملكية حاصلة بالعقد المؤثّر في الانتقال بنظر العرف، و من المعلوم أنّ هذا خطاب انحلالي يعمّ جميع المصاديق العرفية.

فمقتضى عموم الإمضاء مشروعية بيع المنابذة و الملامسة و الغرر و الخمر و الخنزير و البيع الربوي و بيع الكالي بالكالي و غير ذلك من البيوع الفاسدة الشرعية. و يتوقف الحكم

ص: 305

..........

______________________________

ببطلان هذه على ورود مقيّد لإطلاق الآية، إذ لو لا التقييد و التخصيص كان موضوع الخطاب- و هو البيع المؤثر عرفا- صادقا على جميعها، و ينحصر الردع الشرعي عنها في الإخراج الحكمي مع محفوظية موضوع الإمضاء.

و لا ربط لهذا التقريب بالتصرف في الموضوع بأن يكون إمضاء طريقة العرف تصويبا لنظرهم، و ردعها في مثل بيع الخمر تخطئة لهم. و ذلك لما عرفته من أنّ الموضوع العرفي بحدوده محفوظ في مورد النهي الشرعي، فيتعين تصرف الشارع في التخصيص و التقييد.

الوجه الثاني: أن يحمل «البيع» الواقع في الأدلة الإمضائية على المصدر الذي يراد من لفظ «بعت» و المصدر هو ما تقدّم في تعريف المصنف قدّس سرّه للبيع بقوله: «فالأولى تعريفه بإنشاء تمليك عين بمال» و هذا فعل الموجب فقط، فمعنى آية حلّ البيع: أن إنشاء النقل حلال مطلقا و يؤثّر في النقل و الملكية، إذ لو لا تأثيره فيهما لم يكن حلالا و لم يجب الوفاء به، فإذا كان معنى البيع عرفا هو إنشاء التمليك كان معنى إمضاء الشارع تأثير هذا الإيجاب في حصول الملكية عرفا و شرعا، سواء أ كان إنشاء النقل متعلقا بجنس ربوي أم بالخمر أم بالأعيان المحلّلة.

و لو لم يكن هذا الإنشاء مؤثّرا في اعتبار الملكية شرعا كان عليه التنبيه لئلّا يلزم الإخلال بالغرض، فيقيّد هذا الإطلاق بما دلّ على عدم تأثير «إنشاء التمليك» في مثل الخمر و الأعيان النجسة و المنابذة و نحوها. و يبقى موارد احتمال التصرف الشرعي مندرجا في إطلاق الحلّ، كما لو شك في اعتبار مقارنة الرضا بالعقد، و عدم كفاية الرضا المتأخر في مثل بيع المكره، فإنّه لا مانع من نفي هذا الشك بالتمسّك بإطلاق حلية إنشاء النقل المؤثّر بنظر العرف.

و هذا الوجه يشترك مع سابقه في أنّ موضوع الإمضاء مبيّن، و التصرف الشرعي راجع الى الإخراج الحكمي تخصيصا أو تقييدا. و يفترق عنه بأنّ الوجه الأوّل ناظر إلى كون الموضوع العرفي هو البيع بالمعنى الاسمي كالملكية و الانتقال، و الوجه الثاني ناظر إلى ما اختاره في معنى البيع من إرادة المعنى المصدريّ، و هو إنشاء التمليك.

ثم إنّ الحلّية المدلول عليها بالآية الشريفة تكون تكليفية بناء على ما سيأتي في

ص: 306

بإطلاق أدلّة البيع (1) و نحوه (2) فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف (3) حمل لفظ «البيع» و شبهه في الخطابات الشرعية على ما (4) هو الصحيح المؤثّر عند العرف (5)، أو (6) على المصدر الذي يراد من لفظ «بعت» فيستدلّ (7)

______________________________

المعاطاة من جعل متعلق الحلّ التصرفات. و بناء على كونها للجامع بين التكليف و الوضع أو إرشادا إلى خصوص الوضع كانت الحلية للأعم أو لخصوص الوضع، فالمسألة مبنائيّة.

(1) كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ سواء أ كانت التجارة خصوص البيع و الشراء، أم شاملة لغيرهما من المعاملات التي يقصد بها الاسترباح و تنمية المال.

(2) كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الصلح جائز بين المسلمين» و «النكاح سنّتي» فالمراد في الجميع هو المسبّب- كالتسالم و الزوجية- الصحيح عرفا أي موضوعا لترتيب الآثار عليها عندهم.

(3) لما تقدّم من أنّه ليس للشارع في المعاملات اصطلاح جديد، بخلاف العبادات التي هي مخترعاته، و هو المرجع في تعيين حدودها.

(4) هذا إشارة إلى أوّل الوجهين لتوجيه التمسك بإطلاق الأدلة الإمضائية بناء على الالتزام بوضع أسامي المعاملات للصحيح، لا للأعمّ منه و من الفاسد.

(5) لا المؤثر واقعا حتى يكون نظر العرف طريقا إليه، بل تمام الموضوع التأثير بنظر العرف. و عليه فما ليس بمؤثّر في نظر العقلاء ليس موضوعا للأدلة الإمضائية، لصحة سلب العنوان عنه.

ثم إنّ هذا المعنى للصحّة يجعل موارد الردع الشرعي خارجة حكما، لكونها بيوعا عرفية صحيحة، لا أنّها خارجة عنه موضوعا من باب التخطئة كما مال إليه جمع من الأعلام.

(6) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من توجيه التمسك بأدلة المعاملات بناء على وضعها للصحيح لا للأعم، و حاصله: أنّ كل ما يعدّ عرفا مصداقا لإنشاء التمليك فهو حلال.

(7) يعني: لمّا كانت أدلة المعاملات إمضائية لا تأسيسية، و كان الممضى هو المعاملة المؤثّرة بنظر العرف لا الشرع، فلا محالة يتمسك بها- فيما إذا أحرز إطلاقها- و ينفى دخل ما يحتمل اعتباره في المعاملة، سواء قلنا بوضع البيع مثلا للمعنى الاسمي- أي المسبّب- كما هو

ص: 307

بإطلاق الحكم بحلّه (1) أو بوجوب الوفاء (2) على (3) كونه مؤثّرا في نظر الشارع أيضا (4)، فتأمّل (5)، فإنّ للكلام محلّا آخر [1].

______________________________

مقتضى الوجه الأوّل، أم للمعنى المصدري- أي السبب- كما هو مقتضى الوجه الثاني.

و عليه فقوله: «فيستدل» متفرّع على الوضع للصحيح المؤثّر، سواء أ كان الموضوع له اسم المصدر أو نفسه.

فإن قلت: بناء على الوجه الثاني كيف يحمل البيع على المعنى المصدري القائم بالبائع؟

مع أنّ الإنشاء المؤثّر بنظر العرف يتوقف في مطلق العقود على انضمام القبول إلى الإيجاب.

قلت: لا منافاة بين وضع البيع للمعنى المصدري و بين توقّف تأثيره على تعقب القبول للإيجاب، و ذلك لقابلية الإطلاق للتقييد، فكما قيّد الإيجاب المؤثّر عرفا بموارد ردع الشارع و تصرّفه، فكذلك قيّد بانضمام القبول إليه، فالبيع حينئذ هو السبب القابل للاتصاف بالصحة و الفساد.

(1) كما هو مقتضى قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(2) كما هو مقتضى قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(3) متعلق بقوله: «فيستدل».

(4) كما هو مؤثّر بنظر العرف.

(5) لعلّه إشارة إلى: أنّ التوجيه الثاني ينافي ما تقدم عنه من كون البيع «إنشاء تمليك عين بمال» و إن لم يتعقبه القبول، ضرورة أنّ المؤثّر ليس خصوص الإيجاب، بل هو مع القبول.

إلّا أن يقال: إنّ البيع حقيقة في المؤثّر أيضا، فيكون مشتركا. لكنه بعيد، فتدبّر.

______________________________

[1] قد يقال: لا وجه للتقييد بالمؤثر عرفا، إذ معنى البيع هو المؤثّر واقعا، و العرف طريق إلى معرفته. و مجرّد كون الاستعمال جاريا على طبق الاستعمالات العرفية لا يصلح قرينة على إرادة غير معناه الحقيقي و هو المؤثّر واقعا، بل لا بدّ من حمله على المعنى الحقيقي.

هذا.

إلّا أن يقال: إنّ حمله على الصحيح الواقعي يوجب لغويّة دليل الإمضاء، حيث إنّ

ص: 308

______________________________

الموضوع- على الفرض- هو الصحيح الواقعي، و معه يكون تصحيحه بمثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لغوا، إذ مرجعه إلى: أنّه تعالى شأنه أحلّ البيع الحلال، أو: أمضى البيع الممضى. و هذا من اجتماع الحكمين المثلين في موضوع واحد. فلا محيص عن جعل موضوع الحلية البيع الصحيح العرفي، بمعنى كون المفهوم عرفيا حتى يكون نظرهم حجة فيه، لا بمعنى مرجعية العرف في تشخيص فرديّة الفاقد- لمشكوك الدخل- لمفهوم البيع، ضرورة أنّ نظرهم حجة في تشخيص نفس المفاهيم العرفية، لا في تطبيقها على أفرادها، فمع الشك في فرديّة الفاقد لما احتمل دخله فيه للبيع مثلا لا يصح التمسك بإطلاق الآية الشريفة و لو حكم العرف بفرديّته له. و حينئذ يكون مفاد دليل الإمضاء أن الصحيح عرفا صحيح شرعا، فالدليل يصحّح نظر العرف في كون أفراد البيع صحيحة.

هذا بناء على اتصاف المسبّب بالصحة و الفساد كما هو مبناه قدّس سرّه.

و أمّا بناء على عدم اتصافه بهما- كما ذهب إليه المحقق الخراساني قدّس سرّه و غيره، بدعوى:

أنّهما من المحمولات المترتبة، و موضوعها هو المركّب حتى يكون صحيحا إذا كان تامّا، و فاسدا إذا كان ناقصا. و أمّا البسائط كالملكية و الزوجية المترتبتين على العقد فلا تتصف إلّا بالوجود و العدم، فلا يتعلّق بها الإمضاء- فلا بدّ من إرادة البيع السببي، فيكون مفاد دليل الإمضاء تنفيذ الأسباب العرفية إذا شك في دخل شي ء فيها شرعا، مع العلم بعدم اعتباره فيها عرفا، إذ مع الشك في دخله عرفا لا مجال للتمسك بالدليل، لعدم إحراز موضوعه، و إجماله المانع عن الأخذ به.

و لذا جعل المحقق الخراساني كلا الوجهين المذكورين في المتن ناظرين الى تنفيذ السبب، و أنّ قول المصنف: «فيحمل على الصحيح المؤثّر عند العرف» ناظر إلى العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول، و قوله: «أو على المصدر» إلى إيجاب البائع خاصة، إذ يتّجه حينئذ توصيفهما بالصحة و الفساد. أما العقد فواضح. و أمّا الإيجاب فاتصافه بالصحة بلحاظ تعقبه

ص: 309

______________________________

بالقبول، و بالفساد إذا لم يتعقبه، هذا «1».

و هذا البيان و إن كان أخذا بظاهر المتن «الصحيح المؤثّر» إذ المؤثّر في الملكية الاعتبارية هو الإنشاء لا المنشأ، لكن يشكل بأنّ المصنف يرى اتصاف البيع الاسمي بالصحة و الفساد، كما هو صريح قوله قبل أسطر: «إذا استعمل في الحاصل من المصدر الذي يراد من قول القائل بعت عند الإنشاء لا يستعمل ..» و قوله «فالبيع الذي يراد منه ما حصل عقيب قول القائل بعت عند العرف و الشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر». و لا مانع من توصيف المنشأ بالصحة تارة و بالفساد أخرى، إذ المنشأ هو الملكية في اعتبار نفس المنشئ و هو البائع، فإن كان مؤثّرا في محيط العقلاء ثم الشرع اتصف بالصحة، و إلّا كان فاسدا.

و لو سلّم اختصاص الوصفين بالأسباب لكونها مركبات، و امتنع حملها على البسائط لم يكن ذلك موجبا لحمل كلام المصنف قدّس سرّه على إرادة العقد أو الإيجاب خاصة، لقابلية البسائط- بنظر شيخنا الأعظم- للاتصاف بالصحة و الفساد أيضا.

بقي أمران ينبغي التعرض لهما تتميما للبحث:

أحدهما: أجنبية المقام عن باب تصويب نظر العرف في موارد الإمضاء، و تخطئته في موارد الاستثناء كالبيع الربوي.

ثانيهما: أن الصحة و الفساد كما توصف بهما الأسباب فهل توصف بهما المسببات أم لا؟ و هل الممضى بأدلة المعاملات المسببات أم الأسباب؟

أمّا الأمر الأوّل: فقد اتّضح بما ذكرناه في بيان مرام المصنف قدّس سرّه عدم ابتناء تصحيح الرجوع الى الأدلة- بناء على وضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح- على تخطئة نظر العرف في موارد التصرف الشرعي، خلافا لما يظهر من حاشية المحقق التقي قدّس سرّه على المعالم، حيث إنه بعد نقل كلام الشهيدين و الاشكال عليهما وجّه التمسك بالإطلاقات بإرادة الوضع

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 8 و 9

ص: 310

______________________________

للصحيح الواقعي كما سيظهر، و لأجله حمل بعض أجلة المحشين كالسيدين الطباطبائي و الإشكوري جواب المصنف على ذلك معترفا بعدم وفاء العبارة به، قال السيد: «و بالجملة:

و إن كان لا إشارة في كلام المصنف إلى كون المطلب من باب التخطئة في المصداق، إلّا أنه لا بدّ من حمله عليه» «1». ثم اعترض السيد على المصنف بابتنائه على كون الملكية من الأمور الواقعية، لا من الأحكام الوضعية.

و الأولى نقل كلام المحقق التقي قدّس سرّه وقوفا على حقيقة الحال، قال في هداية المسترشدين- قبيل بحث المشترك- ما لفظه: «فالأظهر أن يقال: بوضعها لخصوص الصحيحة أي المعاملة الباعثة على النقل و الانتقال، أو نحو ذلك مما قرّر له تلك المعاملة الخاصة، فالبيع و الإجارة و النكاح و نحوها إنّما وضعت لتلك العقود الباعثة على الآثار المطلوبة منها، و إطلاقها على غيرها ليس إلّا من جهة المشاكلة أو نحوها على سبيل المجاز. لكن لا يلزم من ذلك أن يكون حقيقة في خصوص الصحيح الشرعي حتى يلزم أن تكون توقيفية متوقفة على بيان الشارع لخصوص الصحيحة منها.

بل المراد منها إذا وردت في كلام الشارع قبل ما يقوم دليل على فساد بعضها هو العقود الباعثة على تلك الآثار المطلوبة في المتعارف بين الناس، فيكون حكم الشرع بحلّها أو صحتها أو وجوب الوفاء بها قاضيا بترتب تلك الآثار عليها في حكم الشرع أيضا، فيتطابق صحتها العرفية و الشرعية. و إذا دلّ الدليل على عدم ترتب تلك الآثار على بعضها خرج ذلك عن مصداق تلك المعاملة في حكم الشرع و إن صدق عليه اسمها بحسب العرف، نظرا إلى ترتب الأثر عليه عندهم.

و حينئذ فعدم صدق اسم البيع مثلا عليه حقيقة عند الشارع و المتشرعة لا ينافي صدقه عليه عند أهل العرف مع فرض اتحاد العرفين و عدم ثبوت عرف خاص عند الشارع، إذ المفروض اتحاد المفهوم منه عند الجميع، و إنّما الاختلاف هناك في المصداق، فأهل العرف

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 65، حاشية السيد الاشكوري، ص 8

ص: 311

______________________________

إنّما يحكمون بصدق ذلك المفهوم عليه من جهة الحكم بترتب الأثر المطلوب عليه، و إنّما يحكم بعدم صدقه عليه بحسب الشرع، للحكم بعدم ترتب ذلك الأثر عليه.

و لو انكشف عدم ترتب الأثر عليه عند أهل العرف- لا من قبل الشارع- لم يحكم عرفا بصدق ذلك عليه أيضا، كما أنّ البيوع الفاسدة في حكم العرف خارجة عندهم عن حقيقة البيع.

فظهر أنّه لا منافاة بين خروج العقود الفاسدة عند الشارع عن تلك العقود على سبيل الحقيقة، و كون المرجع في تلك الألفاظ هو المعاني العرفية، من غير أن يتحقق هناك حقيقة شرعية جديدة، فتأمّل جدّا».

و ملخّصه: أنّ البيع موضوع لخصوص ما يؤثّر في الملكية واقعا، و يعبّر عنه بالصحيح، و نظر العرف و الشرع طريق إليه، و ليس اختلافهما في مفهومه بل في مصداقه، إذ ما هو مملّك واقعا واحد لا تعدد فيه، و استعمال العرف البيع حقيقة في البيوع الفاسدة الشرعية كالمنابذة إنّما هو لعدم اطلاعه على نفي الشارع بيعيّتها، فلو اطّلع عليه اعترف بخطائه في تطبيق مفهوم البيع عليها، و حكم بخروجها عن المفهوم جدّا، كخروج إنشاء التمليك هزلا عنه.

و عليه فإذا كان الشارع في مقام البيان، و حكم بحلّية ما يؤثّر في الملكية واقعا و لم ينصب طريقا إليه علم من إطلاقه في مقام البيان أنّ نظر العرف طريق إلى ذلك المؤثّر واقعا، و أنّ ما هو محقّق للملكية الواقعية في نظرهم محقّق لها في نظره.

و على هذا لا مانع من التمسك بإطلاق أدلة العقود، و استفادة تصديق نظر العرف في تطبيق ما هو المؤثّر على المورد، و إمضاء الأسباب العرفية و تنفيذها، و استفادة تخطئة نظرهم في موارد الردع.

و لا يخفى أنّ لفظي «التصويب و التخطئة» الناظرين الى الموضوع لا الحكم و إن لم يردا في عبارة المحقق التقي قدّس سرّه إلّا أنّ قوله: «و لو انكشف عدم ترتب الأثر عليه عند أهل العرف لا من قبل الشارع لم يحكم عرفا بصدق ذلك عليه أيضا، كما أنّ البيوع الفاسدة في حكم العرف خارجة عندهم حقيقة عن البيع» كالصريح في أنّ الإمضاء و الردع الشرعيين ناظران إلى التصرف في الموضوع، و معناه أن يلتزم العرف- بعد اطّلاعه على فساد البيع الربوي مثلا- بعدم

ص: 312

______________________________

صدق البيع عليه حقيقة، لا أنّه بيع فاسد حتى يكون التصرف في الحكم.

و قد اختار المحقق الخراساني قدّس سرّه في كفايته هذا المسلك- أي التصويب و التخطئة- في بحث الصحيح و الأعم، فراجع.

و كيف كان فما أفاده المحقق التقي قدّس سرّه يلتئم مع كون الملكية من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع، إذ الكشف منوط بوجود واقع محفوظ حتى تتصوّر طريقية الأنظار إليه، فتصوّبه تارة و تخطّئه أخرى. و هو مناسب لبعض كلمات المصنف قدّس سرّه في الرسائل من احتمال كون الملكية و الطهارة و نحوها أمورا واقعية كشف عنها الشارع.

و أمّا في خصوص المقام فقوله في المتن: «فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع و شبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثّر عند العرف ..» ظاهر جدّا في أنّ المستعمل فيه في الأدلة هو خصوص الصحيح العرفي، لا الواقعي، و حينئذ يندرج تصرّف الشارع في الردع عن بعض البيوع في الإخراج الحكمي، فالعرف حتى بعد اطلاعه على فساد بيع الخمر يذعن ببقاء اعتبار الملكية له، و صحة مبادلته بمال.

كما أنّ قوله قبل ذلك: «يحمل البيع الصحيح على النقل المؤثّر» لا يبتني على كلام هداية المسترشدين من إرادة الصحة الواقعية، و ذلك لأنّ البيع أمر اعتباري، فيمكن أن يعتبر العرف تأثير البيوع الفاسدة شرعا، و لا يعتبر الشارع تأثيرها، إذ لا واقع للأمور الاعتبارية وراء الاعتبار حتى يجري حديث التخطئة و التصويب فيها.

هذا كلّه مضافا إلى: أنّ المصنف قدّس سرّه اعترض- فيما نسب إليه في التقريرات- على كلام المحقق التقي، و معه لا يظن اقتباس المتن منه. و محصله- بعد أجنبية التوجيه عن كلام الشهيدين- أنّ نظر العرف حجة في تشخيص المفاهيم، لا في تطبيق المفهوم المبيّن على المصاديق المشتبهة بعد العلم بالمفهوم بحدوده. و ما أفاده المحقق التقي من التخطئة لا مجال له في المقام، لعدم تبدل نظر العرف بعد كشف الشارع عن الخطأ، فلو حكم الشارع بنجاسة الكافر أمكن تبدل نظرهم، لإحاطة الشارع بقذارة معنوية خفيت عليهم. و أمّا إذا لم يتبدل النظر بعد الكشف و حكموا بوجود المصداق بعده أيضا كحكمهم بمصداقية الإنشاء بالفارسية

ص: 313

______________________________

لمفهوم البيع لم يكن وجه للتخطئة، بل الخروج حكمي، و قياس ذلك ببيع الهازل مما يصح السلب عنه حقيقة ممنوع. فراجع تمام كلامه هناك «1».

و بالجملة: لا ظهور في كلام المصنف في تخطئة نظر العرف و تصويبه، سواء ما أفاده في قوله: «نعم لا يبعد أن يقال» أو في قوله: «و أما وجه تمسك العلماء» كما لا ملزم لتنزيله على ذلك أصلا.

نعم تنظير البيوع الفاسدة شرعا بإنشاء الهازل- الذي لا يصدق عليه البيع عرفا حقيقة- لا يخلو من ظهور في خروج موارد النهي الشرعي عن المفهوم موضوعا، و هو المعبّر عنه بالتخطئة في مقام التطبيق، فيتّجه حينئذ ما استظهره السيد قدّس سرّه من وحدة معنى البيع واقعا و طريقية الأنظار إليه.

لكن الظاهر أنّ مجرّد التنظير ببيع الهازل لا يوجب الحمل على ما استفاده السيد من تخطئة نظر العرف في موارد الردع، و تصويبه في موارد الإمضاء، بعد ما عرفت من مناقشة المصنف في ما أفاده المحقق التقي، و تصريحه هنا بأنّ الموضوع له هو البيع المؤثّر عرفا.

فتدبّره فإنّه حقيق به، و اللّه العالم بحقائق الأمور.

و أمّا الأمر الثاني و هو: أنّ إمضاء المسبب هل يستلزم إمضاء السبب أم لا؟ فنقول:

قد يورد على المتن بأنّ وضع ألفاظ المعاملات كالبيع لما هو مؤثّر بنظر العرف خاصة أو للمصدر لا يجدي في التمسك بالأدلة الإمضائية لو شك في اعتبار شي ء في الإيجاب و القبول كالعربية و الماضوية، أو مطلق اللفظ، أو صيغة خاصة، و ذلك فإنّ عناوين المعاملات أسام للمسببات لا لأسبابها، و لتعددهما وجودا لا يكون إمضاء الأمر الاعتباري كالملكية إمضاء لسببه بنحو الإطلاق، بل يتعيّن إنشاؤه بسببه المتيقن، و هو الواجد لما يحتمل دخله في تأثيره.

نعم لو كان له سبب واحد كان إمضاؤه إمضاءه، إذ لولاه لزم لغوية إمضاء المسبّب هذا.

أقول: ينبغي البحث في جهتين: إحداهما: ورود الإشكال على المتن، و ثانيتهما: في أصل تصحيح التمسك بإطلاقات المعاملات في موارد الشك في المسبب أو في السبب.

______________________________

(1): مطارح الأنظار، ص 5 و 6

ص: 314

______________________________

أمّا الجهة الأولى فيمكن أن يقال: إنّ المصنف قدّس سرّه جعل الموضوع له- بناء على الصحيح- البيع المؤثّر عند العرف، و المراد به إمّا المعنى المصدري كما استظهره المحقق الخراساني قدّس سرّه و إما المعنى الاسمي كما استفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بقرينة قوله: «أو على المصدر».

فإن أريد بالبيع المؤثّر عند العرف إنشاؤه إيجابا و قبولا لم يبق موضوع للإشكال، لفرض كون الموضوع له هو السبب المؤثّر في ترتب الملكية عليه، فالممضى هو الإيجاب و القبول، و معه لا مجال للبحث عن استلزام تنفيذ المسبب تنفيذ سببه، كما هو واضح.

و إن أريد بالبيع المؤثر عرفا معناه الاسمي كالملكية و الانتقال كان مقتضى إطلاق تنفيذ المسبب تنفيذ كل ما يراه العرف سببا له، و بيانه: أنّ ما دلّ على حلية التصرف المترتب على البيع العرفي يكون إطلاقه أفراديا و أحواليا، يعني: أنّ كل مال وقعت المبادلة عليه فهو حلال و يجب ترتيب الأثر عليه، سواء أ كان سببه عقدا يقطع بتأثيره شرعا، أم لا كالعقد بالفارسية و المعاطاة، إذ لو كانت حلّيّة المسبب مقيّدة بعدم حصولها من مشكوك السببية كالمعاطاة كان مقتضى عدم الإخلال بالغرض التنبيه عليه مع فرض كون المتكلم في مقام البيان لا الإهمال.

و دعوى أنّ المتبع أنظار العرف في تشخيص المفاهيم لا التطبيق ممنوعة، بأنّ مفروض الكلام إرادة الصحة العرفية، لا الصحة الواقعية حتى يتجه اختصاص نظرهم بتعيين حدود المفهوم لا تطبيقه على المصداق مسامحة، و عليه فالعرف كما يعتبر ملكية الخمر كذلك يتسبب إليها بالمعاطاة.

و منه يظهر أن الإطلاق في كلام المصنف قدّس سرّه لا يتعيّن في الإطلاق المقامي كما حمله عليه جمع من الأعيان، بل لا يبعد إرادة الإطلاق اللفظي بناء على وضع «البيع» للمعنى المصدري، كما يظهر وجهه بالتأمل.

هذا كله بناء على كون النسبة بين العقد و أثره نسبة السبب الى مسبّبه، و هما متعددان وجودا.

و أمّا بناء على إنكاره فلا مجال لهذا البحث، إمّا لأنّ النسبة بين صيغ العقود و الإيقاعات إلى المعاملات- بالمعنى الأعم- نسبة الآلة إلى ذيها كما اختاره شيخ مشايخنا المحقق

ص: 315

______________________________

النائيني قدّس سرّه على ما تقدم بيانه في بحث الإنشاء.

و على هذا المبنى فلمّا كانت العناوين المعاملية من البيع و الصلح و النكاح و الطلاق و العتق أفعالا مباشرية توجد بآلات خاصة كالصيغ الإنشائية كان إمضاؤها إمضاء للآلات المتعارفة.

و إمّا لأن المعاملات ليست أسامي لخصوص الإنشاء و لا لخصوص المنشأ، بناء على بطلان مبنى إيجادية الإنشاء، بل هي أسام لمجموع الأمر الاعتباري القائم بنفس المعتبر و إبرازه بمبرز خارجي.

و عليه ينحسم مادة الإشكال، إذ لا مسبّب و لا سبب، كما لا آلة و لا ذيها، فمعنى حلية البيع إمضاء الاعتبار القائم بنفس البائع المظهر بما يدل عليه و يحكى عنه. كما لا مجال للبحث عن أن إطلاق إمضاء المسبب لفظا هل يستلزم إطلاق السبب أم لا، ضرورة كون متعلق الإمضاء أمرا واحدا لا تعدد فيه حتى يتّجه البحث عن استلزام إطلاق المسبّب إطلاق السبب.

و إمّا لأنّ نسبة المصدر إلى اسمه ليس نسبة السبب الى المسبب، لاتحادهما ذاتا و اختلافهما اعتبارا، حيث إنّ الحدث مع النسبة الناقصة عين الحدث بدونها، فإمضاء المعنى المصدري- و هو الحدث المنسوب الى فاعل مّا- كالتمليك متحد مع الملكية التي هي اسم المصدر، فيسقط البحث عن أنّ إمضاء السبب أو المسبب هل يستلزم إمضاء الآخر أم لا؟

و لا يخفى انحلال المعضل بكلّ من هذه الوجوه الثلاثة، و يتم التمسك بإطلاق أدلة المعاملات سواء قلنا بوضعها للأعم أم لخصوص الصحيح.

إلّا أنّ في تمامية ما سلكه المحقق النائيني قدّس سرّه خفاء، لمغايرة الآلة لذيها وجودا، كمغايرة السبب للمسبب، فإشكال تعدد الوجود جار في الآلات أيضا.

و ينحصر الحلّ بأنّ دليل الإمضاء ظاهر في أنّ الممضى هي الجهة الصدورية الملحوظ فيها نسبة ناقصة، فمثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ظاهر في توجه الأمر بالوفاء الى الّذين تصدر عنهم العقود، فكأنّه قيل: «أوفوا بما تصدرونه من العقود» فحيثية الصدور ملحوظة في مقام الإمضاء، و من المعلوم إناطة صدور البيع بالآلة المعمولة عند العرف لإيجاده، فإمضاء ذي الآلة إمضاء لنفس الآلة.

ص: 316

الكلام في المعاطاة (1)

اشارة

______________________________

(1) لمّا فرغ المصنف قدّس سرّه من تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» تعرّض- تبعا للقوم- لحكم المعاطاة، و أنّه هل يعتبر في إفادة الملكية اللازمة إنشاء البيع باللفظ، أم يكفي إنشاؤه بالفعل، و قد فرّع الفقهاء هذا البحث على اعتبار الصيغة في المعاملة، كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، قال المحقق في تعريف عقد البيع: «العقد هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك الى آخر بعوض معلوم. و لا يكفي التقابض من غير لفظ و إن حصل من الأمارات ما يدل على إرادة البيع .. إلخ» «1».

و ظاهر هذا التفريع اعتبار جميع ماله دخل في البيع بالصيغة في المعاطاة، من شرائط العوضين و المتعاقدين، و ينحصر الفرق في فقد العقد القولي.

ثم إنّ المصنّف قدّس سرّه بسط الكلام في المعاطاة و ما يتعلق بها، فتعرّض لجملة من أحكامها و فروعها في التنبيهات، و قدّم البحث عن مفهومها و حكمها الشرعي، في طيّ مقامات:

أحدها: بيان مفهومها، لأنّ معرفة الموضوع مقدّمة على حكمه، و يذكر فيه صور المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين.

ثانيها: الأقوال المذكورة فيها.

ثالثها: حكمها على ما يقتضيه الدليل الاجتهادي و الأصل العملي، و سيأتي بيانها

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

ص: 317

[المقام الأوّل: تعريف المعاطاة]
اشارة

اعلم: أنّ المعاطاة (1) [1] على ما فسّره جماعة (2): أن يعطي كلّ من اثنين عوضا عمّا يأخذه

______________________________

مرتّبا إن شاء اللّه تعالى.

المقام الأوّل: تعريف المعاطاة

(1) هذا شروع في المقام الأوّل المتكفّل لبيان مفهوم المعاطاة، و محصّله: أنّ مقتضى دلالة باب المفاعلة على قيام المبدأ باثنين هو أن يعطي كلّ من المتعاملين ماله للآخر، و هذا هو القدر المتيقن من قيام العقد الفعلي مقام العقد القولي، فلا ينافي ما سيأتي منه في التنبيه الثامن من تقوية كفاية وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرّف بناء على الإباحة.

(2) كالعلّامة و الشّهيد الثاني و السّيد الطباطبائي، ففي شرح اللمعة: «و هي: إعطاء كل واحد من المتبايعين ما يريده من المال عوضا عمّا يأخذه من الآخر باتفاقهما على ذلك بغير العقد المخصوص» «1».

______________________________

[1] لمّا لم تقع المعاطاة في شي ء من الأدلة موضوعا لحكم فلا جدوى في التعرض لحقيقتها التي هي العطاء من الطرفين بناء على اشتراك المفاعلة كالتفاعل بين اثنين، بل لا بدّ من بيان ما تداول بين الناس من المعاملة المبنيّة على عدم الصيغة، و الظاهر أنّ المتعارف بينهم من المعاملة المسماة بالمعاطاة عدم اختصاصه بتحقّق التعاطي من الطرفين كما في السلف و النسيئة. بل يمكن تحقق الإيجاب به و القبول بالأخذ، و كون إعطاء الآخر وفاء بالمعاملة.

بل يمكن أن يقال: بعدم اعتبار الإعطاء و لو من طرف واحد أصلا كالمعاملة الواقعة بإنشاء العقد بألفاظ ملحونة أو فاقدة للشرائط.

______________________________

(1): الروضة البهية، ج 3، ص 222، و كذلك لاحظ: تذكرة الفقهاء، ج 1 ص 462، نهاية الأحكام، ج 2، ص 449، رياض المسائل، ج 1، ص 510

ص: 318

من الآخر (1). و هو (2) يتصوّر على وجهين:

[صور المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين]

أحدهما: أن يبيح كلّ منهما للآخر التصرّف فيما يعطيه من دون نظر

______________________________

(1) هذا معنى المعاطاة لغة بناء على المشهور بين علماء العربية في مدلول هيئة المفاعلة، قال في شرح النظّام: «و- فاعل- لنسبة أصله و هو مصدر ثلاثيّة إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر، للمشاركة صريحا، فيجي ء العكس ضمنا، نحو: ضاربته و شاركته. الى أن قال:

و بمعنى- فعّل- نحو: ضاعفته، بمعنى: ضعّفت. و بمعنى- فعل- نحو: سافرت بمعنى سفرت» «1».

و المستفاد من كلامه استعمال هيئة المفاعلة في غير الاثنين أيضا، فجعل المعاطاة إعطاء كلّ من اثنين- بحيث يكون استعمالها في إعطاء واحد لكونها من المفاعلة مجازا- غير ظاهر.

و قد عرفت آنفا أعمية المعاملة المتداولة من ذلك، لجريان النزاع فيما لو كان الإعطاء من طرف واحد، و غير ذلك.

صور المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين

(2) يعني: أنّ إعطاء كل واحد للآخر لمّا كان منبعثا عن القصد فإمّا أن يكون المقصود مجرّد إباحة التصرف بمقتضى الإذن المالكي، و إمّا أن يكون المقصود التمليك على حدّ البيع اللفظي.

ثم إنّ ظاهر المتن جعل مقسم الوجهين المذكورين المعاطاة المعنونة في كتاب البيع، حيث ذهب جمع من الخاصة و العامة إلى كونها مفيدة للملك، خلافا لمشهور القدماء من إفادتها الإباحة. و ليس المقسم مطلق التعاطي، و ذلك لإمكان تصويره على نحو لا يقصد فيها تمليك و لا إباحة، كالوديعة بناء على جريان المعاطاة فيها، و هكذا غيرها من العقود و الإيقاعات على ما سيأتي تفصيله في التنبيه الخامس إن شاء اللّه تعالى.

فان قلت: لو كان المقصود تصوير المعاطاة الواقعة بعنوان البيع فمن المعلوم أنّ مقصود المتبايعين هو تمليك ماليهما لا إباحتهما، فينبغي حصر المعاطاة- بقصد البيع- في الصورة الثانية

______________________________

(1): شرح النظام، ص 55

ص: 319

إلى تمليكه (1).

الثاني (2): أن يتعاطيا على وجه التمليك (3).

و ربما يذكر (4) وجهان آخران:

______________________________

و هي قصد التمليك، و إخراج قصد الإباحة عن حريم البحث.

قلت: نعم، إذ مقتضى التفريع أجنبية قصد الإباحة عن المعاطاة المقصود بها البيع، إلّا أنّ الموجب لذكر الوجه الأوّل- و هو قصد الإباحة- ما سيأتي تفصيله في المقام الثاني من دلالة بعض عبائر القوم على قصد الإباحة كما في كلام شيخ الطائفة: «و إنّما هي استباحات محضة» لظهور هيئة «الاستفعال» في قصد الإباحة، لا في ترتبها تعبدا على ما إذا قصدا التمليك.

و عليه فلا مانع من جعل قصد المتعاطيين للإباحة من أقسام المعاطاة في البيع.

(1) فتكون الإباحة بإزاء الإباحة، فالمقابلة بين الفعلين و هما الإباحتان.

(2) هذا هو الشائع من المعاطاة البيعية، و هو المناسب لعقد البحث عن حكمها في كتاب البيع، إذ لو لم يقصدا التمليك كان عدم ترتب الملك على تعاطيهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فلا بدّ من قصد التمليك حتى يتمحّض البحث عن حكمها من إفادة الإباحة أو الملك المتزلزل أو اللازم.

(3) فيكون مقصودهما تمليك عين بإزاء تمليك عوض.

(4) الذاكر صاحب الجواهر قدّس سرّه فإنّه جعل صور المعاطاة أربعا: أولاها: قصد الإباحة المطلقة مع التصريح بها. ثانيتها: قصد التمليك. ثم قال: «ثالثها: أن يقع الفعل من المتعاطيين، من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة، بل يعطي البقّال مثلا شيئا ليتناول عوضه، فيدفعه إليه .. الى أن قال: رابعها: أن يقصد الملك المطلق» «1».

و ظاهر كلامه في الصورة الثالثة: أنّ كل واحد من المتعاطيين يدفع مالا الى الآخر لا بقصد التمليك البيعي و لا بتصريح بالإباحة المالكية، فيكون المقصود الأصلي مجرّد حصول مال كلّ منهما عند الآخر، كما إذا دفع باذل الفلوس ماله الى البقّال ليتناول البقل، فقبض البقليّ

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 226 و 227

ص: 320

أحدهما: أن يقع النقل (1) من غير قصد البيع و لا تصريح بالإباحة المزبورة، بل يعطي شيئا ليتناول شيئا (2)، فدفعه الآخر إليه.

و الثاني: أن يقصد الملك المطلق، دون خصوص البيع.

و يردّ الأوّل (3)

______________________________

الفلوس و أعطى البقل إلى الباذل، ففي هذا التعاطي لم يقصدا التمليك، و لم يصرّحا بالإباحة.

و إنّما الحاصل به مطلق التسليط. و لم يستبعد صاحب الجواهر قدّس سرّه مشروعية هذا الوجه.

و أمّا الصورة الرابعة- و هي قصد الملك المطلق- فقد حكم قدّس سرّه بفسادها، لأنّ تمليك العين لا بدّ أن يكون بعنوان البيع أو الهبة أو الصلح، فمع عدم قصد خصوصية إحدى المعاملات لا ينطبق عليها عنوان خاص، فتبطل. إلّا أن يكون الأصل في تمليك الأعيان هو البيع، فيحمل عليه. و يصير كالصورة الثانية أي: قصد المتعاطيين التمليك البيعي.

(1) الموجود في الجواهر- كما تقدم آنفا- في بيان هذه الصورة: «أن يقع الفعل من المتعاطيين .. إلخ» لا «النقل» و لعل المصنف حكاه بالمعنى.

و كيف كان فالمراد بالنقل هو النقل الخارجي الحسّي المعبّر عنه بالمعاطاة، و ليس المراد به النقل الاعتباري- الذي يفسّر به البيع في جملة من الكلمات- أي الملكية المترتبة في موطن الاعتبار على الإعطاء و الأخذ الخارجيين.

و الوجه في إرادة النقل الخارجي في كلام صاحب الجواهر هو: أنّ المفروض عدم قصد المتعاطيين البيع و التمليك، فلا مقتضي لحصول الملكية بهذا التعاطي.

(2) بأن أعطى أحدهما قطعة ليتناول بقلا، فدفع صاحب البقل بقلة إلى باذل الفلوس.

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلا الوجهين المذكورين في الجواهر. و ما أفاده في منع أوّل الوجهين مبنيّ على أمرين:

الأوّل: أنّ النقل الخارجي- أي إعطاء كلّ واحد منهما ماله للآخر- فعل إرادي لهما، و ليس كحركة يد المرتعش خارجا عن الاختيار.

الثاني: أنّ العناوين المعاملية محصورة في أمور معلومة، بعضها يفيد ملك العين كالبيع

ص: 321

بامتناع (1) خلوّ الدافع [الواقع] عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الإباحة (2)

______________________________

و القرض و الهبة، و بعضها يفيد ملك المنفعة كالإجارة و الصلح على المنفعة، و بعضها يفيد إباحة الانتفاع كالعارية، و بعضها يفيد الاستيمان في الحفظ عن التلف و الضياع كالوديعة، و بعضها يفيد الإذن في التصرف كالوكالة، إلى غير ذلك.

و على هذا فإذا وقع النقل الخارجي من الناقل الملتفت و كان قصده المعاملة امتنع خلوّه عن قصد عنوان خاص من عناوين المعاملات، فإمّا أن يقصد تمليك العين بعوض و هو البيع، أو يقصد التسالم على العين بعوض و هو الصلح، أو يقصد تمليك العين في قبال هبة عين أخرى، و هو الهبة المعوّضة، أو يقصد التسليط على الانتفاع و إباحته و هو العارية، أو يقصد المتعاطيان إباحة التصرف كما في الضيافة و هي الإباحة المالكية المصطلحة. و لا يعقل تحقق النقل و التعاطي من الشاعر المختار مجرّدا عن أحد العناوين المتقدّمة.

و عليه فلا وجه لما في الجواهر من تصوير المعاطاة على نحو النقل المطلق الخالي عن قصد البيع، و عن قرينة على إرادة الإباحة.

هذا توضيح مناقشة المصنف قدّس سرّه في الوجه الأوّل. و يمكن أن يورد على صاحب الجواهر بوجه آخر ذكرناه في التعليقة.

و ناقش في الوجه الثاني بما حاصله: أنّ «تمليك عين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» هو مفهوم البيع، و ليس أمرا آخر حتى يعدّ الإعطاء بقصد التمليك المطلق أمرا آخر مغايرا للتعاطي بقصد التمليك البيعي. و عليه لم يظهر فرق بين الوجه الثاني و الرابع من صور المعاطاة في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(1) وجه الاستحالة ما عرفت من أنّ الفعل الإراديّ- القابل للانطباق على عناوين مختلفة- يتشخّص بالقصد، فلا معنى للتعاطي المهمل أو المطلق.

(2) المراد بها الإباحة المصطلحة و لو استلزمت إتلاف العين كما في الضيافة و نحوها، و بهذا تفترق عن إباحة الانتفاع بالعارية، حيث إنّ المستعير يضمن العين لو أتلفها.

ص: 322

أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك (1) من العنوانات الخاصة [1].

______________________________

(1) كقصد الإعراض أو التوكيل، فالأوّل: بأن يقصد كلّ منهما بإعطاء ماله الإعراض عن ملكه و رفع المانع عن تملك غيره له، فيكون الفعل الصادر من كلّ منهما إعراضا، فيقع التقابل بين الإعراضين، و من المعلوم أنّ الإعراض عنوان قصدي كالعناوين الخاصة المزبورة.

و الثاني: بأن يقصد كلّ واحد من المتعاطيين توكيل الآخر في أن يأخذه لنفسه، إمّا تملكا و إمّا على وجه الإباحة، فيكون إعطاء كل منهما توكيلا معاطاتيا بإزاء توكيل.

______________________________

[1] يمكن منعه بعدم خلوّ المتعاطيين عن القصد، فإنّ الموجود في الجواهر في تقريب هذه الصورة «عدم قصد الملك و لا تصريح بالإباحة» في قبال الصورة الاولى و هي قصد الإباحة مع التصريح بها و لو بمعونة القرائن، فالمقصود في هذه الصورة الثالثة هو الإباحة المطلقة و إن لم يصرّح بها، و ذلك لأنّ كل واحد منهما يسلّط الآخر على ماله من دون تمليك، و التسليط غير المقرون بقصد التمليك إباحة مطلقة، يعني: أنّ فصلها أمر عدمي و هو عدم قصد قطع إضافة الملك عن نفسه، فالتسليط المتفصّل بهذا الفصل العدمي تسليط إباحي، فالقصد متحقق قطعا، و معه لا يبقى موضوع للإشكال عليه: بامتناع خلوّ الدافع عن قصد عنوان .. إلخ.

و إن شئت فلاحظ كلام الجواهر في حكم هذه الصورة: «و لعلّ القائل باشتراط الصيغة في البيع يشرّعه أيضا على جهة الإباحة التي هي كالأصل فيما يقصد به مطلق التسليط، فغيرها محتاج الى قصد آخر، بخلافها، فإنّه يكفي فيها قصد هذا التسليط المطلق» «1».

نعم يرد على الجواهر إشكال آخر نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه، و هو: أنّ السلطنة حكم شرعي مترتب على العقود المعاملية و الإباحات المالكية، فتمليك العين بالبيع و الهبة و الصلح أثره السلطنة عليها، و هكذا السلطنة على المنفعة في تمليكها بالإجارة، و على الانتفاع في إباحته بالعارية و نحو ذلك، و من المعلوم إناطة تحقق السلطنة الاعتبارية- اللازمة للعنوان

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 227

ص: 323

______________________________

المعاملي و للإباحة- بتحقق ذلك العنوان الخاص الذي هو موضوع لها، فلو لم يقصد المتعاطيان عنوانا خاصا بل قصدا التسليط المطلق كان معناه ترتب اللازم الأعم من دون قصد الملزوم الخاص، و هو ممتنع، إذ لا وجود للازم بغير ملزومه «1».

ثم إنّ ما أفاده المصنف بقوله: «بامتناع خلوّ الدافع ..» يحتمل وجها آخر ذكره السيد قدّس سرّه بقوله: «و لعلّه من جهة امتناع إيجاد الجنس من دون فصل، فإنّ الإيجاد الإنشائي في ذلك كالإيجاد الخارجي في الامتناع، و لذا ذكروا أنّه لا يمكن الطلب بإرادة القدر المشترك بين الوجوب و الندب، بل لا بدّ من كونه في ضمن أحد الفصلين» «2».

و عليه فمنشأ استحالة خلوّ الدافع عن القصد هو استحالة تحقق الجنس- أي الإباحة المطلقة- بدون فصل معيّن من فصولها، هذا.

و الظاهر أنّ كلام السيد قدّس سرّه مقتبس ممّا أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في الإشكال تارة على إرادة ترتب الإباحة عند قصد المتعاطيين البيع، و اخرى على الصورة الرابعة و هي قصد الملك المطلق، فقال في الموضع الأوّل: «فلا أعرف للثاني منها- و هو ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها البيع- وجها، ضرورة أنّهم إن أرادوا أنّها من المالك فالفرض عدمها، لكون المقصود له أمرا خاصّا لم يحصل، فارتفع الجنس بارتفاعه. و إن أرادوا بها إباحة شرعية، فهو مع أنّه من الغرائب .. إلخ» «3».

و على هذا الأساس احتمل السّيد قدّس سرّه أنّ وجه استحالة الإباحة المطلقة- بنظر المصنف- هو وجه الاستحالة في الإباحة المالكية بنظر صاحب الجواهر، هذا.

لكن لا يبعد أن يكون مراد المصنف من تعليل بطلان الإباحة المطلقة بقوله: «بامتناع خلوّ الدافع عن القصد» هو ما أثبتناه في التوضيح من أن الإعطاء الخارجي فعل اختياري لا بدّ

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 23

(2) حاشية المكاسب، ص 66

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 222 و نظيره كلامه في ص 227 في استحالة الملك المطلق، فراجع.

ص: 324

و الثاني (1) بما تقدّم في تعريف البيع (2) من: أن التمليك بالعوض على وجه المبادلة (3) هو مفهوم البيع لا غير.

نعم (4) يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود- كبيع (5) لبن الشاة مدّة

______________________________

(1) يعني: و يردّ الوجه الثاني بأن التمليك المطلق بين عين و عوض هو معنى البيع، و ليس قدرا جامعا بينه و بين الصلح و الهبة حتى يحمل على خصوص البيع- عند الشك في إرادة غيره- لأجل الغلبة مثلا. و عليه فالوجه الرابع في كلام الجواهر متحد مع الوجه الثاني فيه، و ليس وجها على حدة.

(2) في ردّ ما أفاده الشيخ الكبير من أن الأصل في تمليك الأعيان هو البيع، فيقدّم على الصلح و الهبة المعوّضة «1»، حيث قال المصنف: «ان تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير».

(3) و اشتمال الصلح على العين و الهبة المعوّضة على البدل لا يقتضي كون «التمليك بالعوض» مشتركا معنويا بين مفادات عقود ثلاثة، إذ المنشأ في الصلح هو التسالم لا التمليك.

و البدل في الهبة ليس مقابلا للعين الموهوبة، كما تقدم تفصيله، فراجع.

(4) استدراك على قوله: «ان التمليك بالعوض هو مفهوم البيع» يعني: أنّ ما ذكرناه- من إنكار تعدد مفهوم البيع و التمليك المطلق- ليس أمرا متفقا عليه، لذهاب غير واحد من الفقهاء إلى أعمية «التمليك المطلق» من البيع، و حينئذ يتجه ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه من جعل التعاطي بقصد التمليك البيعي وجها، و بقصد التمليك المطلق وجها آخر. فتصير المسألة مبنائيّة بعد وجود الخلاف فيها. نعم حكم صاحب الجواهر قدّس سرّه بفساد التعاطي بقصد الملك المطلق، فراجع.

(5) الأولى تبديل كلمة «البيع» بالتمليك، بأن يقال: «كتمليك لبن الشّاة مدّة ..» و ذلك لأنّ غرض المصنف قدّس سرّه من نقل هذا الكلام إثبات أعمية «تمليك العين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» من البيع، فكما أن تمليك اللّبن مدّة لا يكون صلحا و لا هبة معوّضة و لا إجارة للشاة للبنها فكذا لا يكون بيعا، بل هو معاملة مستقلة، و من المعلوم أن هذه الأعمية منافية لما اختاره شيخنا الأعظم من أن «التمليك على وجه المقابلة بين العوضين» هو البيع لا أمر آخر.

______________________________

أن ينبعث عن قصد أحد العناوين المعاملية.

هذا مضافا الى ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أنّ السلطنة ليست جنسا، بل لازما عامّا لكافة موارد التمليك و الإذن. و اللّه العالم بحقائق الأمور.

______________________________

(1): تقدم نقل كلامه في ص 248، فراجع.

ص: 325

و غير ذلك- كون (1) التمليك المطلق أعمّ من البيع.

[المقام الثاني: آراء الفقهاء في حكم المعاطاة]
اشارة

ثم إنّ (2) المعروف بين علمائنا في حكمها أنّها مفيدة

______________________________

و كيف كان فلا ريب في صحة ما نسبه المصنف إلى بعض الأصحاب من أعمية «تمليك العين بعوض» من البيع، للتصريح بصحته في مسألتين:

إحداهما: في تمليك لبن الشاة مدّة معلومة بعوض. و لعلّ الأصل فيه كلام العلّامة، حيث قال: «مسألة: قال الشيخ في النهاية: لا بأس أن يعطي الإنسان الغنم و البقر بالضريبة مدّة من الزمان بشي ء من الدراهم و الدنانير و السمن، و إعطاء ذلك بالذهب و الفضّة أجود في الاحتياط. و قال ابن إدريس: لا يجوز ذلك. و التحقيق: أنّ هذا ليس ببيع، و إنّما هو معاوضة و مراضاة غير لازمة، بل سائغة، و لا منع من ذلك .. إلخ» «1».

و وافقه المحقق الثاني قدّس سرّه في جامع المقاصد «2» و محكي تعليق الإرشاد «3».

ثانيتهما: في مسألة القبالة، و هي: أن يتقبّل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم. قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «إنّ هذا التقبيل هل هو معاملة برأسها غير الصلح و البيع أو أحدهما و يكون مستثنى من القاعدة؟ ظاهر الأصحاب الأوّل، كما في المسالك، و هو كما قال، بل صريح جماعة» «4».

و الغرض من نقل العبارتين هو مشروعية تمليك اللّبن مدّة و تمليك الثمرة، مع عدم اندراجه في البيع و سائر العقود المعهودة.

(1) بالرفع فاعل «يظهر». هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المتكفل لمفهوم المعاطاة، و الوجوه المحتملة ثبوتا في قصد المتعاطيين.

و لا يخفى عدم انحصار الصّور في الأربعة المتقدمة، لإمكان أن يقصد أحدهما التمليك و الآخر الإباحة بحيث تكون الإباحة بإزاء التمليك، و سيأتي في التنبيه الرابع أحكام جملة من الصور إن شاء اللّه تعالى.

المقام الثاني: آراء الفقهاء في حكم المعاطاة

(2) هذا هو المقام الثاني أعني به الأقوال المذكورة في حكم المعاطاة، و هي ستة كما

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 248 و 249

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 110

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 284

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 391

ص: 326

لإباحة التصرّف (1)، و يحصل الملك بتلف إحدى العينين (2).

______________________________

سيأتي تصريح المصنف بها، لكنه قدّس سرّه أشار- فعلا- إلى ثلاثة منها، مقدّمة للخوض في تحرير محل النزاع حتى تتوارد الأقوال المختلفة على موضوع واحد.

و محصّله: أنه اختلف نظرا المحقق الكركي و صاحب الجواهر قدّس سرّهما في أن مصبّ الآراء المتضاربة في المعاطاة هل هو المعاملة الفعلية المقصود بها مجرد إباحة التصرف أم التي يقصد المتعاطيان بها التمليك كما في البيع بالصيغة؟ كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(1) كما في المسالك، حيث قال: «لكن هل يفيد- أي التقابض- إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض، نظرا إلى إذن كل منهما للآخر في التصرف، أم يكون بيعا فاسدا من حيث اختلال شرطه و هو الصيغة المخصوصة؟ المشهور الأوّل. فعلى هذا يباح لكل منهما التصرف، و يجوز له الرجوع في المعاوضة ما دامت العين باقية، فإذا ذهبت لزمت» «1».

و قد حكيت الشهرة على إفادتها الإباحة عن كفاية الفاضل السبزواري و مفاتيح المحدّث الفيض و غيرهما «2». و على هذا فالشهرة على الإباحة- التي هي القول الأوّل- متضافرة النقل. و هل الإباحة شرعية أم مالكية؟ سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(2) كما صرّح به الشهيد الثاني بقوله: «لو تلفت العينان معا تحقق الملك فيهما. و لو تلفت إحداهما خاصة فقد صرّح جماعة بالاكتفاء به في تحقق ملك الأخرى» «3».

و المستفاد منه: أنّ المراد باللزوم هو الملك لا لزوم الإباحة، و إنّما الخلاف في كفاية تلف إحدى العينين في حصول الملكيّة- و تبدل الإباحة بالملك- أو توقفه على تلفهما معا.

فإن قلت: إنّ ما نسبه المصنف الى المشهور- من حصول الملك اللازم بتلف إحدى العينين في المعاطاة المفيدة للإباحة عندهم- غير سديد، لخلوّ عبارات الأصحاب عن الحكم بحصول الملك بالتلف، بل حكموا باللزوم بالتلف، فإنّ عبارة جمع من المتأخرين- كما صرّح به

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 147

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 154

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 149

ص: 327

و عن المفيد (1) القول بكونها لازمة كالبيع. و عن العلّامة

______________________________

في جامع المقاصد- هي: أنّها تفيد الإباحة، و إنّما تلزم بتلف إحدى العينين. و ظاهره لزوم الإباحة- لا الملك- بالتلف، إذ حصول الملك بمجرّد التلف مع كون الحاصل قبله هو الإباحة خلاف القواعد» «1» و عليه فالأولى تغيير قول المصنف: «و يحصل الملك بتلف ..» بأن يقال:

«و تحصل الإباحة اللازمة بتلف إحدى العينين» كي لا يكون مخالفا لكلمات المشهور.

قلت: ما نسبه المصنف قدّس سرّه إلى المشهور في غاية المتانة، لما عرفت من صراحة عبارة الشهيد الثاني قدّس سرّه في تبدّل الإباحة- بالتلف- بالملك، لا صيرورة الإباحة لازمة بعد أن كانت جائزة. بل يتعيّن إرادة هذا المعنى أيضا من عبارة جامع المقاصد، لأنّ المحقق الثاني- كما سيأتي في المتن- استغرب من فتوى المشهور بترتب الإباحة على المعاطاة، و أنّها تنقلب الى الملك بسبب تلف إحدى العينين أو التصرف فيها، و لأجله حمل المحقق الثاني الإباحة- في كلمات القدماء- على الملك المتزلزل، إذ لا غرابة حينئذ في صيرورة الملك الجائز لازما بالتلف، لكونه كالعقد الخياري الذي ينقلب جوازه باللزوم بانقضاء زمان الخيار أو بإسقاطه.

(1) إشارة إلى ثاني الأقوال في المعاطاة، و هو كونها كالبيع القولي مفيدا للملكية، نسب الى المفيد منّا، و إلى بعض العامة. قال الشيخ المفيد قدّس سرّه: «و البيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له، إذا عرفاه جميعا، و تراضيا بالبيع، و تقابضا، و افترقا بالأبدان» «2».

و دلالته على تأثير المعاطاة في الملك اللازم- كالبيع بالصيغة- إنّما هي لاقتصاره قدّس سرّه على التقابض، و عدم تعرّضه لشرطية الصيغة في البيع [1].

______________________________

[1] لكنّه أعمّ من عدم اعتبار الصيغة، لاحتمال كون عدم تعرضه للصيغة لأجل التسالم على اعتبارها في اللزوم، لا في صحته. و يؤيده ما في الجواهر من: «أن المفيد قدّس سرّه ترك التعرض لها- أي الصيغة- في الكتاب المزبور في النكاح و الطلاق و نحوهما مما لا إشكال في اعتبار

______________________________

(1): هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 156

(2) المقنعة، ص 591

ص: 328

و بعض العامّة (1) القول بكونها لازمة كالبيع (2). و عن العلّامة رحمه اللّه في النهاية (3)

______________________________

(1) يعني: جماعة منهم، على ما يظهر من تعبير بعضهم: «الصيغة في البيع هي كلّ ما يدلّ على رضاء الجانبين: البائع و المشتري، و هي أمران، الأوّل: القول و ما يقوم مقامه من رسول أو كتاب .. و الثاني: المعاطاة» «1». ثم نقل عن الشافعية: «أنّ البيع لا ينعقد إلّا بالصيغة الكلامية، أو ما يقوم مقامها .. أمّا المعاطاة فإنّ البيع لا ينعقد بها .. إلخ».

و المقصود من نقل هذه العبارة أن القول بكون المعاطاة لازمة كالبيع القولي مذهب جماعة من العامة، و لم ينقل الخلاف من غير الشافعية.

(2) يعني: كالبيع اللفظي.

(3) هذا إشارة إلى القول الثالث، و لعلّ المتفرّد به هو العلّامة في النهاية لا في سائر

______________________________

الصيغة فيه و أنّ بتركها يتحقق الزنا و إن حصل التراضي، بل هو من ضروريات الدين» «2».

و عن المختلف: «أن للمفيد قولا يوهم الجواز» ثم نقل العبارة المتقدمة و قال: «ليس في هذا تصريح بصحته، إلّا أنّه موهم» بل في كشف الرموز «3» في باب الفضول: نسبة اعتبار اللفظ المخصوص في البيع إلى المفيد و الطوسي قدّس سرّهما.

و على هذا فنسبة القول بعدم اعتبار اللفظ في البيع إلى المفيد قدّس سرّه لا تخلو من التأمل.

و لم ينسب هذا القول إلى غير المفيد من القدماء.

و أمّا قول المصنف: «يكفي في وجود القائل به قول العلّامة في التذكرة: الأشهر عندنا أنه لا بدّ من الصيغة» فلا يدل على وجود القول المزبور المنسوب الى المفيد، لاحتمال إرادة العلامة من قوله: «الأشهر» الإشارة الى ما نسب الى المفيد الذي قد عرفت التأمل في صحته، بل معارضة هذه النسبة لنسبة خلافه، و هو اعتبار الصيغة الخاصة في البيع الى المفيد كما تقدّم عن كشف الرموز.

______________________________

(1): الفقه على المذاهب الأربعة، ج 2، ص 155 و 156

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 211

(3) كشف الرموز، ج 1، ص 446 للشيخ الفقيه عزّ الدين أبو علي الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي، و هو تلميذ المحقق، و كتب «كشف الرموز» شرحا على كتاب «النافع».

ص: 329

احتمال كونها فاسدا في (1) عدم إفادتها لإباحة التصرف.

[تحرير محلّ النزاع في المعاطاة]

و لا بدّ أوّلا (2) من ملاحظة

______________________________

كتبه، قال قدّس سرّه: «و المعاطاة ليست بيعا، .. و هل هو إباحة؟ أو يكون حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة؟ الأقرب الثاني، فلكل منهما مطالبة الآخر بما سلّمه إليه ما دام باقيا، و يضمنانه إن كان تالفا» «1».

و هذا مختاره في النهاية، فلا بد من حمل قول المصنف: «احتمال كونها ..» على الاحتمال الراجح الذي يسكن إليه الفقيه، لا مجرّد الاحتمال الثبوتي الموهوم، إذ المفروض أنّ العلّامة قدّس سرّه استقرب فساد المعاطاة.

(1) خلافا للمشهور القائلين بترتب الإباحة عليها و لو كانت بيعا فاسدا، و لعلّ الأولى بسلاسة العبارة أن يقال: «بيعا فاسدا في جميع الجهات حتى في عدم إفادتها إباحة التصرف» وجه الأولوية: اتفاق الأكثر على أنّ المعاطاة بيع فاسد لا يؤثر في النقل الملكي، و إنّما الخلاف في أنها فاسدة من جميع الجهات فيكون المأخوذ بالمعاطاة كالمأخوذ غصبا في حرمة التصرف و الضمان، أو أنّها فاسدة من حيث خصوص عدم ترتب الملك عليها، و لا تكون كالغصب، بل يباح التصرف في العينين.

تحرير محلّ النزاع في المعاطاة

(2) اقتصر المصنف قدّس سرّه هنا على ثلاثة من الأقوال، و سيأتي نقل تمامها قبيل استدلاله على المختار من إفادتها الملك. و غرضه الآن تحرير محلّ النزاع بين الفقهاء، إذ بعد ما عرفت في المقام الأوّل من تصوّر وجهين- بحسب قصد المتعاطيين- في المسألة لا بدّ من تعيين مصبّ الأقوال المتضاربة، و أنّ الفقهاء- القائلين بفساد المعاطاة أو بصحتها أو بجواز التصرفات غير المتوقفة على الملك، أو بغير ذلك- هل يكون موضوع حكمهم المعاطاة المقصود بها الملك، أم المقصود بها الإباحة؟ إذ بهذا يصير نزاعهم معنويا، لتوارد الآراء على موضوع واحد.

______________________________

(1): نهاية الأحكام، ج 2، ص 449

ص: 330

أن النزاع في (1) المعاطاة المقصود بها الإباحة أو في المقصود بها التمليك؟ الظاهر من الخاصة و العامة هو المعنى الثاني (2).

و حيث (3) إنّ الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف و حصوله (4) بعده لا يجامع (5) ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزّل (6) المحقّق الكركي الإباحة في كلامهم على الملك الجائز المتزلزل، و أنّه (7) يلزم بذهاب إحدى العينين،

______________________________

و أمّا إذا قال بعضهم بفساد المعاطاة المقصود بها الملك، و قال آخرون بصحة المعاطاة المقصود بها الإباحة كان النزاع بينهم صوريّا لا معنويّا.

(1) الظرف متعلق بمحذوف، يعني: هل يكون محلّ النزاع المعاطاة المقصود بها الملك، أم المقصود بها الإباحة؟

(2) كما سيظهر عند نقل العبارات، فإنّ تفريع المعاطاة على اعتبار الصيغة في البيع أقوى شاهد على كون المراد هي المعاطاة المقصود بها التمليك، و أنّ للبيع فردين قوليّا و فعليّا.

(3) هذا شروع في تقرير النزاع بين المحقّق الثاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما في أنّ معركة الآراء هل هي المعاطاة المقصود بها الإباحة أم المقصود بها التمليك؟ فالمحقق الكركي ذهب الى الثاني مصرّا على حمل «الإباحة» في كلمات القدماء على الملك المتزلزل. و صاحب الجواهر حكم بلزوم إبقاء الإباحة على ظاهرها، و يتعيّن جعل محلّ النزاع هي المعاطاة المقصود بها الإباحة.

(4) بالجرّ معطوف على «الإباحة» أي: الحكم بحصول الملك بعد التلف.

(5) أمّا عدم اجتماع الحكم بالإباحة مع قصد التمليك فلأنّ الإباحة غير مقصودة، فما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد. و أمّا عدم اجتماع الملك بعد التلف مع قصد التمليك فلأنّ قصد التمليك إذا لم يكن مؤثّرا في الملكية قبل التلف فكيف يؤثّر في الملكية بعده؟ و ليس هذا إلّا من كون التلف مملّكا، و هو كما ترى. و هذا دعا المحقّق الثاني إلى حمل الإباحة في كلامهم على الملك الجائز، و لزومه بالتلف.

(6) جواب «و حيث ان الحكم» و المراد بالتنزيل التوجيه و التصرف في ظاهر الكلام.

(7) معطوف على «الملك» و ضميره و ضمير «يلزم» راجعان الى الملك الجائز.

ص: 331

و حقّق (1) ذلك في شرحه على القواعد و تعليقه على الإرشاد بما لا مزيد عليه.

لكنّ بعض المعاصرين (2) لمّا استبعد هذا الوجه التجأ إلى جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرّد الإباحة، و رجّح بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها المقابل للملك، و نزّل مورد حكم قدماء الأصحاب بالإباحة على هذا الوجه (3)، و طعن على من جعل محلّ النزاع في المعاطاة بقصد التمليك، قائلا: «إنّ القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك ممّا لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب و كبرائهم» «1» [1].

______________________________

(1) معطوف على «نزّل».

(2) هو صاحب الجواهر قدّس سرّه و وجه استبعاده هو: أنّ إرادة الملك من الإباحة- بعد نفي حصول الملك بالمعاطاة- في غاية البعد، بل غير صحيحة كما سيظهر من جملة من الكلمات المذكورة في المتن، مثل قول الشيخ في الخلاف: «فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه .. إلخ». و نحوه كلام غيره. و لذا أبقى صاحب الجواهر قدّس سرّه «الإباحة» المذكورة في كلامهم على حالها، و نزّل مورد حكم القدماء بالإباحة على المعاطاة المقصود بها الإباحة، لا التمليك.

(3) أي: الإباحة المقابلة للملك، لا المترتبة عليه.

______________________________

[1] لكن في حاشية العلامة الشهيديّ قدّس سرّه: أن صاحب الجواهر قدّس سرّه لم يجعل مورد نزاع العامة و الخاصة المعاطاة المقصود بها الإباحة، فجعل هذه النسبة إليه اشتباه، إذ من الأقوال كون المعاطاة بيعا مفيدا للملك اللازم كما عن المفيد و بعض العامة و لا سبيل إلى ذلك، إذ لا وجه لكون ما قصد به الإباحة لا التمليك بيعا، لأنّ قصد التمليك مقوّم للبيع العرفي. و هذا مما لا يمكن صدوره عن مثل صاحب الجواهر قدّس سرّه.

بل غرضه بيان أنّ مورد حكمهم بإفادة المعاطاة للإباحة ليس عين مورد حكمهم بإفادة المعاطاة للملك، و أنّ الإباحة إنّما يكون موردها المعاطاة التي قصد بها الإباحة،

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 224 و 225

ص: 332

و الإنصاف (1) أنّ ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب مثل الشيخ في المبسوط و الخلاف، و الحلّي

______________________________

(1) بعد ما عرفت من كمال المقابلة بين دعويي المحقق الثاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما شرع المصنف قدّس سرّه في مناقشة كلتا الدعويين بمخالفتهما لظواهر كلمات الأصحاب، و لا ملزم بهذا الحمل و التوجيه، فلا بد من إبقائها على ظاهرها من قصد المتعاطيين التمليك، و ترتب الإباحة عليها تعبدا. و لا تفيد هذه المعاطاة ملكا متزلزلا، كما أنّه ليس محطّ النزاع و مصبّ الأقوال ما إذا قصد المتعاطيان الإباحة كما زعمه صاحب الجواهر أعلى اللّه مقامه.

و الدليل على بطلان التوجيهين المزبورين ما سيأتي من المصنف قدّس سرّه من الأخذ بظاهر كلمات أساطين الفقه، الآبية عن الحمل على الملك المتزلزل و على قصد الإباحة، فانتظر.

______________________________

فالحكم بالإباحة مختص بما إذا قصدت بالمعاطاة. و أمّا إذا قصد بها التمليك فلا يترتب عليها الإباحة، بل إمّا تفيد الملك اللازم أو الجائز أو هي بيع فاسد لا يترتب عليها شي ء.

و الحاصل: أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ليس ممّن جعل مصبّ الأقوال المعاطاة المقصود بها الإباحة، لعدم صدور ذلك عن عاقل فضلا عن فاضل. فما أفاده المصنف قدّس سرّه من نسبة كون محل النزاع و مصبّ الأقوال الى صاحب الجواهر قدّس سرّه هو المعاطاة المقصود بها الإباحة اشتباه، فالنسبة في غير محلها «1»، هذا.

و لا يبعد ما أفاده العلامة الشهيديّ، فإنّ الجواهر يصرّح بذلك، حيث قال: «و أما دعوى أن النزاع فيما إذا قصد المتعاقدان بفعلهما البيع مثلا على حسب البيع بالصيغة و كان جامعا للشرائط عدا الصيغة، فهل يقع بيعا ذلك أو يكون إباحة، أم يقع بيعا فاسدا؟ كما وقع من المتأخرين، فلا أعرف للثاني منها وجها .. إلخ» «2» الى أن قال: «لا ريب في أن حمل كلام قدماء الأصحاب على ما ذكرناه من أن مرادهم بيان قابلية الأفعال للإباحة لو قصداها، و أنّ

______________________________

(1): هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 156 و 157

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 222

ص: 333

في السرائر، و ابن زهرة في الغنية، و الحلبي في الكافي، و العلّامة في التذكرة و غيرها،

______________________________

ذلك مشروع، دون التمليك البيعي مثلا خير من ذلك» «1».

فليس مقصود الجواهر جعل مصبّ جميع الأقوال المعاطاة التي قصد بها الإباحة، لأنّ ذلك مما يمتنع صدوره منه مع علوّ مقامه العلمي، فهذه النسبة اشتباه.

لكن ما أفاده الجواهر مخالف لظاهر كلمات القدماء، فإنّ عباراتهم ظاهرة في كون مصبّ الأقوال المعاطاة المقصود بها التمليك، بقرينة تفريع المعاطاة صحة و فسادا على اعتبار الصيغة في البيع و عدمه، و من المعلوم أنّ شرطية الصيغة إنّما تكون في مورد قصد التمليك، و نفي البيعية إنّما هو لأجل فقدان الشرط، و إلّا كان المتعيّن إسناد هذا النفي إلى عدم قصد التمليك و البيعية، لا إلى فقدان الشرط أعني الصيغة.

و بالجملة: فلا يرد على الجواهر ما أورده المصنف عليه من جعل مورد النزاع و الأقوال المعاطاة المقصود بها الإباحة.

لكن يرد عليه: أنّ جعل مورد قول القدماء بالإباحة المعاطاة المقصود بها الإباحة خلاف ظاهر كلماتهم، لما عرفت من أنّ موضوع الإباحة عندهم على ما هو ظاهر عباراتهم هو المعاطاة المقصود بها التمليك، فلاحظ و تدبّر، و اللّه تعالى هو الهادي.

و قد يوجّه كلام الأصحاب بما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه من: أنّ المعاطاة المقصود بها الملك تؤثّر فيه بشرط التصرف في العين كتأثير القبض- بنحو الشرط المتأخر- في مملّكيّة عقد الصرف و السّلم. و أمّا الإباحة قبله فمالكية ضمنية و ليست شرعية. و لو سلّم كونها تعبّدية لم يكن لاستبعادها مجال بعد تحقق السيرة التي هي العمدة في الباب «2».

لكنك خبير بأنّ تنزيل التصرّف الملزم في المقام على القبض في بيع الصرف في توقف الملك عليه و إن كان ممكنا، إلّا أنّ مجرد الإمكان ثبوتا غير مجد في الالتزام به، بل لا بدّ من وفاء الدليل بإثباته.

و أمّا جعل الإباحة قبل التصرف مالكية ضمنية- أي في ضمن قصد التمليك-

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 224

(2) حاشية المكاسب، ص 10

ص: 334

بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف (1).

إلّا أنّ جعل محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك (2) أبعد منه (3)، بل لا يكاد يوجد [1]

______________________________

(1) و مع هذه الصراحة كيف تحمل الإباحة على الملك و لو الجائز منه؟

(2) كما صنعه صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث إنّه جعل محلّ النزاع و مصبّ الأقوال المعاطاة المقصود بها الإباحة دون التمليك.

(3) أي: أبعد من توجيه الإباحة بالملك المتزلزل، وجه الأبعديّة أمور ثلاثة:

الأوّل: ظهور كلمات العامة و الخاصة في تفريع المعاطاة على اشتراط الصيغة في البيع و عدمه، فمن اشترطها فرّع عليه عدم كفاية المعاطاة. و من المعلوم عدم صحة هذا التفريع نفيا و إثباتا على صورة قصد الإباحة، فلا يصح أن يكون مورد النزاع صورة قصد الإباحة.

الثاني: أنّ مورد نفي الخاصة إفادة المعاطاة للملك عين مورد إثبات العامة لإفادتها الملك، و من المعلوم أنّ مورد الخلاف لا يمكن أن يكون صورة قصد الإباحة، بل لا بدّ أن يكون صورة قصد التمليك، إذ لا يصدر القول بالملك اللازم- مع قصد الإباحة- من عاقل فضلا عن فاضل.

الثالث: أنّ مورد البحث و الخلاف إنّما هو المعاطاة المتداولة بين الناس، و من المعلوم أنّها هي المعاطاة المقصود بها التمليك. و أمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة ففي غاية الندرة، بل عامة الناس لا يلتفتون إلى الإباحة حتى يقصدوها، فلو كان محلّ النزاع بينهم المعاطاة المقصود بها الإباحة لزم تعرّضهم للنادر و إهمالهم لحكم ما هو الشائع بينهم و هذا في غاية البعد.

______________________________

فلم يتضح وجهه، لتقابل الإباحة المالكية و التمليك، ضرورة أن قصد التمليك معناه سلب إضافة المال عن نفسه و جعلها متعلقة بالآخذ، و لا يمكن الجمع بينه و بين الإباحة المالكية المنوطة بإبقاء ملكية الرقبة و جواز استردادها منه، لبقاء سلطنته على ماله و عدم انقطاعها عنه، فكيف يجمع في إنشاء واحد بين إبقاء السلطنة و إعدامها؟

[1] بل يوجد، كما في موضع من المبسوط، حيث قال- بعد وجوب تقديم الإيجاب

ص: 335

في كلام أحد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى (1).

و لننقل أوّلا كلمات جماعة ممّن ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة على الملك المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي، و أبعديّة جعل محلّ الكلام في كلمات قدمائنا الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرّد إباحة التصرفات دون التمليك (2)، فنقول و باللّه التوفيق:

قال في الخلاف: «إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب فقال: أعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه، فإنّه لا يكون بيعا، و كذلك سائر المحقّرات، و إنّما يكون إباحة له، فيتصرّف كل منهما فيما أخذه تصرّفا مباحا من دون أن يكون ملكه. و فائدة ذلك أنّ البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته

______________________________

(1) أي: كون مورد كلامهم صورة المعاطاة المقصود بها الإباحة.

(2) كما صنعه صاحب الجواهر قدّس سرّه.

______________________________

على القبول، و غيره مما يعتبر في البيع-: «فإذا ثبت هذا فكلّ ما جرى بين الناس إنّما هي استباحات و تراض، من دون أن يكون ذلك بيعا منعقدا. مثل: أن يعطي درهما للخبّاز فيعطيه الخبز، أو قطعة للبقلي فيناوله البقل، و ما أشبه ذلك. و لو أنّ كلّا منهما يرجع فيما أعطاه كان له ذلك، لأنّه ليس بعقد صحيح هو بيع» «1» فإنّ ظاهر الاستباحة هو قصد الإباحة، كما ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه «2».

إلّا أن يقال: ان قوله: «لانه ليس بعقد صحيح هو بيع» قرينة على إرادة البيع الشرعي المتقدم بالصيغة، لا العرفي. و من المعلوم أنّ هذا التعليل إنّما يصح فيما إذا كان المتعاطيان قاصدين للتمليك، و إلّا كان اللازم التعليل بعدم قصد الملك، لأنّ عدم المقتضي أولى من الشرط في استناد العدم إليه.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإماميّة، ج 2، ص 87

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 215

ص: 336

كان لهما ذلك، لأنّ الملك لم يحصل لهما. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة:

يكون بيعا صحيحا و إن لم يوجد الإيجاب و القبول، و قال ذلك في المحقرات دون غيرها. دليلنا: أنّ العقد حكم شرعي، و لا دلالة في الشرع على وجوده هنا، فيجب أن لا يثبت (1). و أمّا الإباحة (2) بذلك فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها» «1» انتهى.

و لا يخفى (3) صراحة هذا الكلام في عدم حصول الملك (4)، و في أنّ محل الخلاف بينه و بين أبي حنيفة ما لو قصد البيع، لا الإباحة المجردة (5)، كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية، حيث إنّه- بعد تفسير البيع بمبادلة مال بمال- قال: «و ينعقد بالإيجاب و القبول و التعاطي».

______________________________

(1) للاستصحاب.

(2) يعني: أنّ مقتضى عدم ثبوت العقد الشرعي عدم ترتب شي ء من الملك و الإباحة على المعاطاة، لانتفاء السبب المؤثر. و لكن الالتزام بالإباحة إنّما هو لدليل تعبدي، و هو الإجماع على تأثير التعاطي في إباحة التصرفات.

(3) غرضه وفاء عبارة الخلاف بأمرين:

أحدهما: عدم حصول الملك، و به يضعف تأويل المحقق الثاني للإباحة المذكورة في كلام الأصحاب بالملك.

ثانيهما: كون مورد الأقوال خصوص المعاطاة المقصود بها التمليك، و به يضعف ما أفاده الجواهر من جعل مورد النزاع المعاطاة المقصود بها الإباحة.

(4) فلا وجه مع هذه الصراحة لتأويل المحقق الكركي الإباحة بالملك المتزلزل.

(5) فلا يبقى وجه لما نسبه إلى الجواهر من جعل محل النزاع المعاطاة المقصود بها الإباحة لا التمليك.

______________________________

(1): الخلاف، ج 3، ص 41، المسألة: 59

ص: 337

و أيضا: فتمسّكه (1) بأنّ العقد حكم شرعي يدلّ على عدم انتفاء قصد البيعيّة، و إلّا (2) لكان الأولى بل المتعيّن التعليل به (3)، إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة و عرفا لا معنى للتمسّك بتوقيفيّة الأسباب الشرعية كما لا يخفى.

و قال في السرائر- بعد ذكر اعتبار الإيجاب و القبول، و اعتبار تقدم الأوّل على الثاني- ما لفظه: «فإذا دفع قطعة إلى البقليّ أو إلى الشارب فقال: أعطني، فإنّه لا يكون بيعا (4) و لا عقدا (5)، لأنّ الإيجاب و القبول (6) ما حصلا. و كذلك سائر المحقّرات و سائر الأشياء محقّرا كان أو غير محقّر من الثياب و الحيوان، أو غير ذلك، و إنّما يكون إباحة له، فيتصرّف كلّ منهما فيما أخذه تصرفا مباحا، من غير أن يكون ملكه (7)، أو دخل (8) في ملكه. و لكلّ منهما أن يرجع فيما بذله، لأنّ الملك لم يحصل لهما.

______________________________

(1) يعني: و كذا يدلّ تمسّك شيخ الطائفة ب «أن العقد حكم شرعي» على وجود قصد التمليك، و كان المانع عن حصوله انتفاء الصيغة الخاصة.

(2) أي: و إن لم يقصد المتعاطيان التمليك كان اللازم إسناد عدم الملك إلى عدم مقتضية و هو القصد، لا إلى عدم شرطه و هو العقد الذي هو سبب شرعي لترتيب آثار الملك.

(3) أي: بانتفاء قصد البيعية أي بانتفاء المقتضي للملك.

(4) حتى يشمله إطلاق قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ كي يكون التعاطي مفيدا للملك.

(5) حتى يكون كالعقد اللفظي مفيدا للملك بمقتضى عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(6) أي: اللفظيّين. و كذا في قول المسالك: «و إن لم يوجد الإيجاب و القبول» فلو كان المفقود قصد التمليك كان التعليل به أولى، لأنّ التعليل بعدم المقتضي أولى منه بعد الشرط.

(7) أي: بنفس التعاطي.

(8) أي: بما يوجب الملك بعده كالتلف، و ذلك بقرينة جملة لم يذكرها المصنف، بعد قوله:

- فيما بذله- و هي: «بشرط إن بقيا، فإن لم يبق أحدهما بحاله كما كان أوّلا فلا خيار لأحدهما»

ص: 338

و ليس ذلك (1) من العقود الفاسدة، لأنّه لو كان عقدا فاسدا لم يصحّ التصرف فيما صار إلى كلّ واحد منهما، و إنّما ذلك (2) على جهة الإباحة» «1» انتهى.

فإنّ تعليله (3) عدم الملك بعدم حصول الإيجاب و القبول يدلّ على أن ليس المفروض ما لو لم يقصد التمليك (4). مع أنّ ذكره في حيّز شروط العقد يدلّ على ما ذكرنا (5). و لا ينافي ذلك (6) قوله: «و ليس هذا من العقود الفاسدة .. إلخ» كما لا يخفى.

______________________________

لدلالة انتفاء الخيار بعد التّلف على دخول العين الأخرى في ملك الآخذ. و عليه فقول ابن إدريس: «أو دخل في ملكه» ليس عطفا تفسيريا لقوله: «و من غير أن يكون ملكه».

(1) يعني: فيكون التعاطي المفيد للإباحة برزخا بين العقد القولي المفيد للملك و بين العقد الفاسد الذي يكون كالغصب في الحرمة و الضمان.

(2) أي: دفع القطعة إلى البقلي أو الشارب إنّما هو على جهة الإباحة، لا البيع حتى يقال:

إنّ البيع الفاسد كسائر العقود الفاسدة لا يجوّز التصرف مطلقا.

(3) غرضه قدّس سرّه أنّ كلام ابن إدريس واف بما هو المقصود من نقل عبارات الأصحاب- من أنّ محطّ الكلام في المعاطاة قصد الملك و ترتب الإباحة التعبّديّة عليها- و ذلك لوجهين:

أحدهما: تعليل عدم إفادتها الملك بانتفاء الشرط الشرعي و هو الصيغة.

ثانيهما: أنّ تفريع المعاطاة- على شرائط عقد البيع- ممّا يدلّ على أنّ قصد المتعاطيين تمليك مالهما مفروغ عنه.

(4) بل يكون مورد الكلام قصد التمليك، و إلّا كان الأولى تعليل عدم الملك بعدم المقتضي لا بفقدان الشرط كما لا يخفى.

(5) و هو قصد التمليك، لما عرفت آنفا من أنّ الاستناد إلى عدم المقتضي أولى من الاستناد إلى عدم الشرط، فهذا التفريع يدلّ على أنّ عدم بيعية المعاطاة إنّما هو لفقدان الإيجاب و القبول، لا لعدم قصد التمليك.

(6) المراد بالمشار إليه عدم حصول الملك بالتعاطي، و حصول الإباحة به في صورة

______________________________

(1): السرائر، ج 2، ص 250

ص: 339

و قال في الغنية- بعد ذكر الإيجاب و القبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي و معلوميّة العوضين، و بعد بيان الاحتراز بكلّ من الشروط عن المعاملة الفاقدة له- ما هذا لفظه: «و اعتبرنا حصول الإيجاب و القبول تحرّزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الإيجاب من البائع، بأن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك بألف، فإنّه لا ينعقد بذلك، بل لا بدّ أن يقول المشتري بعد ذلك:

اشتريت أو قبلت، حتى ينعقد. و احترازا أيضا (1) عن القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة و يقول: أعطني بقلا، فيعطيه، فأنّ ذلك ليس ببيع، و إنّما هو إباحة للتصرف. يدل على ما قلناه الإجماع المشار إليه (2). و أيضا (3) فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به، و ليس على صحة ما عداه دليل. و لما ذكرنا (4) نهى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

قصد التمليك منه.

و تقريب وجه المنافاة هو: أنّه في صورة قصد البيع- مع فرض عدم ترتّب الأثر عليه- لا معنى لنفي كونه من العقود الفاسدة، إذ لا معنى للفساد إلّا عدم ترتب الأثر المقصود عليه، هذا.

و وجه عدم المنافاة: أنّ الفساد من حيثية البيع لا ينافي الصحة من الحيثية الأخرى، فلا منافاة بين فساد البيع من حيث البيعية، و صحته من حيث الإباحة. فليس مقصود السرائر نفي الصحة مطلقا، بل الصحة من حيث البيعية، فلا مانع من كونه صحيحا بلحاظ إفادته الإباحة، و هذا معنى ما ذكرناه من كون المعاطاة برزخا بين العقد اللفظي و الغصب.

(1) يعني: كما احترزنا عن انعقاد البيع بالاستدعاء.

(2) لم يصرّح السيد ابن زهرة قدّس سرّه بالإجماع على عدم بيعية المعاطاة حتى يشير إليه، و لعل مراده ما ذكره في أول البيع من شرطية الإيجاب و القبول، بلا نقل خلاف فيه.

(3) يعني: كما تحقّق- الإجماع على إفادة الإباحة، كذلك على نفي بيعية المعاطاة المقصود بها الملك.

(4) أي: و لاعتبار الإيجاب و القبول اللفظيين نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع المنابذة.

ص: 340

عن بيع المنابذة و الملامسة و عن بيع الحصاة «1» على التأويل الآخر (1). و معنى ذلك (2) أن يجعل اللمس بشي ء و النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا» «2» انتهى. فإنّ (3) دلالة هذا الكلام على أنّ المفروض قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة:

منها: ظهور أدلته الثلاثة (4) في ذلك (5).

و منها: احترازه عن المعاطاة و المعاملة بالاستدعاء بنحو واحد (6).

______________________________

(1) التأويل الأوّل المذكور في كلامه هو: أن يكون بيع الحصاة عبارة عن كون المبيع ما يقع عليه الحصاة، فبطلان البيع إنّما هو لجهالة المبيع، و فقدان شرط الصحة و هو العلم بالعوضين و هذا المعنى أجنبي عما نحن فيه، و المرتبط بالمقام معناه الآخر، و هو: أن يكون بيع الحصاة إيجاب البيع بنفس إلقاء الحصاة، و لذا فرّع بطلانه على اعتبار الإيجاب و القبول.

(2) أي: و معنى التأويل الآخر أن يجعل .. إلخ.

(3) غرضه: استظهار مدّعاه- و هو قصد التمليك بالمعاطاة- من عبارة الغنية.

(4) أوّلها الإجماع الذي معقده عدم حصول البيع بالمعاطاة.

ثانيها: قوله: «و أيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به .. إلخ». و المراد بهذا الكلام هو كون الأصل في ما عداه البطلان، و المعاطاة تكون ممّا عداه.

و ثالثها: قوله: «و لما ذكرنا نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .. إلخ» حيث إنّه لا وجه لبطلان المعاطاة إلّا فقدان اللفظ كإنشاء البيع بالملامسة.

(5) أي: في قصد المتعاطيين التمليك.

(6) حيث فرّع السيّد ابن زهرة- على اشتراط البيع بالإيجاب و القبول- أمرين:

أحدهما: المنع من انعقاده بالاستدعاء من المشتري.

و الآخر: المنع من انعقاده بالمعاطاة. و مقتضى التفريع وجود قصد التمليك في المعاطاة كوجوده في الاستدعاء.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 266، الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 13

(2) غنية النزوع في الأصول و الفروع، ص 524 (الجوامع الفقهية).

ص: 341

و قال في الكافي- بعد ذكر أنه يشترط في صحة البيع أمور ثمانية- ما لفظه:

«و اشترط الإيجاب و القبول، لخروجه (1) من دونهما (2) عن حكم البيع» الى أن قال:

«فإن اختلّ شرط من هذه لم ينعقد البيع، و لم يستحق التسليم و إن جاز التصرف مع إخلال بعضها، للتراضي (3)، دون عقد البيع، و يصح معه الرجوع» «1» انتهى.

و هو في الظهور قريب (4) من عبارة الغنية.

و قال المحقق قدّس سرّه في الشرائع: «و لا يكفي التقابض من غير لفظ و إن حصل من الأمارات ما دلّ على إرادة البيع» «2» انتهى.

و ذكر (5) كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة

______________________________

(1) أي: البيع الفاقد للإيجاب و القبول يخرج عن البيع شرعا و إن كان بيعا عرفا، و من المعلوم تقوّم البيع العرفي بقصد التمليك.

(2) أي: من دون الإيجاب و القبول.

(3) متعلق بقوله: «و ان جاز» يعني: و إن جاز التصرف للتراضي لا لأجل عقد البيع، إذ المفروض عدم تحققه بغير الإيجاب و القبول اللفظيين.

ثم لا يخفى أن قوله: «للتراضي» شاهد على أنّ الإباحة الحاصلة بالمعاطاة مالكية لا تعبدية، لفرض رضى كلّ من المتعاطيين بتصرف الآخر في المأخوذ بالمعاطاة. نعم تختص هذه الإباحة المالكية بما إذا علم المتعاطيان باشتراط الصيغة الخاصة في حصول الملكية و عدم انعقاد البيع بالتعاطي.

(4) وجه القرب صراحة قول أبي الصلاح: «لم ينعقد البيع، و لم يستحق التسليم» في نفي البيعية في فرض بناء المتعاطيين على التمليك.

(5) يعني: قوله: «و إن حصل .. إلخ» توضيحه: أنّ حرف الوصل يشير الى الفرد الخفي، و هو في عبارة المحقق قدّس سرّه يحتمل وجهين:

______________________________

(1): الكافي في الفقه لأبي الصلاح الحلبي، ص 352 و 353

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

ص: 342

لما لم يقصد به البيع (1) بل للتنبيه على أنّه لا عبرة بقصد البيع من الفعل.

و قال في التذكرة في حكم الصيغة: «الأشهر عندنا أنّه لا بدّ منها، فلا يكفي التعاطي في الجليل و الحقير، مثل: أعطني بهذا الدينار ثوبا، فيعطيه ما يرضيه أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار فيأخذه. و به قال الشافعي مطلقا، لأصالة بقاء الملك، و قصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد. و عن بعض الحنفية و ابن شريح: في الجليل. و قال أحمد: ينعقد مطلقا، و نحوه قال مالك، فإنّه قال: ينعقد بما يعتقده الناس بيعا» «1» انتهى.

و دلالته على قصد المتعاطيين للملك لا تخفى من وجوه (2): أدونها جعل مالك موافقا لأحمد في الانعقاد من جهة أنه قال: «ينعقد بما يعتقده الناس بيعا».

______________________________

الأوّل: أن يكون مقصوده عدم كفاية التقابض في حصول الملك، سواء قصد المتعاطيان التمليك كما في البيع القولي، أم قصدا مجرّد إباحة التصرفات و الإذن فيها.

الثاني: أن يكون مقصوده عدم تأثير التقابض في ترتب الملك عليه، سواء قامت قرينة على أنّ المتعاطيين قصدا التمليك- كاستظهار قصدهما من المقاولة التي تسبق التقابض غالبا- أم لم تقم قرينة على قصد التمليك.

و المصنف قدّس سرّه استظهر الاحتمال الثاني، لأنّ المحقق قدّس سرّه فرّع عدم كفاية التقابض على العقد الدال على نقل الملك، فلا بدّ أن يكون المتعاطيان قاصدين للتمليك حتى يتجه التفريع المذكور، إذ لو كانا قاصدين للإباحة كان عدم حصول الملك مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى فقد الشرط. و من المعلوم أنّ المبيح يجوز له الرجوع عن إذنه في التصرف، و له استرداد ماله.

(1) كما زعمه صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث وجّه عدم ترتب الملك في المعاطاة بعدم قصده، إذ مقصودهما الإباحة لا التمليك.

(2) أحدها: قوله: «فلا يكفي التعاطي .. إلخ» فإنّ تفريعه على اعتبار الصيغة يدل على كون المتعاطيين قاصدين للتمليك، و أنّ الفساد نشأ من فقدان الشرط و هو الصيغة.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

ص: 343

و قال الشهيد في قواعده- بعد قوله: قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي و ذكر أمثلة لذلك- ما لفظه: «و أمّا المعاطاة (1) في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك و إن كان في الحقير عندنا» «1».

و دلالتها على قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى (2).

هذا كله (3) مع أنّ الواقع في أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك، و يبعد فرض الفقهاء من العامة و الخاصة الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس، مع أنّهم صرّحوا بإرادة المعاملة المتعارفة بين الناس.

______________________________

ثانيها: قوله: «و قصور الأفعال .. إلخ» لظهوره في أنّ مقصود المتعاطيين هو الملك، و عدم الوقوع إنّما هو لقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد و ما في الضمائر.

ثالثها: قوله: «ينعقد بما يعتقده الناس بيعا» إذ لا معنى لوقوع البيع عند الناس بدون قصد التمليك كما لا يخفى.

(1) ليس في النسخة المطبوعة من قواعد الشهيد «قيام السبب الفعلي مقام القولي» لأنّه قدّس سرّه قال: «قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام الفعلي المنصوب ابتداء، كتقديم الطعام الى الضيف، فإنّه مغن عن الإذن في الأصح، و تسليم الهدية إلى المهدي إليه و إن لم يحصل القبول القولي في الظاهر من فعل السلف و الخلف، و كذلك صدقة التطوع .. إلخ».

نعم الأمثلة المذكورة قرينة على إرادة السبب القولي من قوله: «السبب الفعلي المنصوب» فراجع كلامه.

(2) يعني: أنّ المعاطاة عند غيرنا تفيد الملك.

(3) يعني: أنّه- مضافا الى كلمات الفقهاء الدالة على أنّ محلّ النزاع هو المعاطاة المقصود بها الملك- يكفي لإثبات المطلب المراجعة إلى سيرة العقلاء في بيوعهم المعاطاتية المبنيّة على التمليك لا على الإذن المالكي مع بقاء العينين على ملكهما كما كان قبل التعاطي.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 178، القاعدة: 47

ص: 344

ثم إنّك (1) قد عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك، بل صراحة بعضها كالخلاف و السرائر و القواعد.

و مع ذلك (2) كلّه فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد: «انّهم أرادوا بالإباحة الملك المتزلزل».

فقال: «المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع و إن لم يكن كالعقد في اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد (3)، و لا يقول أحد بأنّها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية، و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة. و قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ عام (4) إلّا ما أخرجه الدليل. و ما (5) يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب- من أنّها تفيد الإباحة و تلزم بذهاب إحدى العينين- يريدون به عدم اللزوم في أوّل الأمر، و بالذهاب يتحقق اللزوم، لامتناع (6) إرادة الإباحة المجرّدة من أصل الملك إذ (7) المقصود للمتعاطيين الملك، فإذا لم يحصل كان بيعا فاسدا،

______________________________

(1) بعد أن استوفى المصنف قدّس سرّه مقصوده من نقل كلمات الفقهاء في تحرير محلّ النزاع، و أنّ مرادهم قصد الملك، و يترتب عليه الإباحة تعبدا، تعرّض لجملة مما أفاده المحقق الكركي قدّس سرّه في وجه حمل الإباحة على الملك الجائز، و سيورد المصنف عليه بإباء عبارات الأصحاب عن هذا الحمل.

(2) أي: مع صراحة بعضها، و ظهور بعضها الآخر.

(3) قد تقدمت عبارة المفيد التي استفيد منها كون المعاطاة بيعا لازما كالبيع القولي.

(4) يعني: أنّ الآية المباركة- التي هي من أدلة إمضاء البيع- قد أخذت التجارة فيها موضوعا للنفوذ و الصحة، و من المعلوم شمول «التجارة» لكلّ من القول و الفعل، و لا تختص بالمعاملة اللفظية.

(5) من هنا أخذ المحقق الكركي في التصرف في «الإباحة» الواردة في كلمات القوم بحملها على الملك الجائز.

(6) تعليل لقوله: «يريدون ..» و المعنى واضح.

(7) تعليل لامتناع إرادة الإباحة العارية عن الملك، و محصله: أنّ قاعدة «تبعية العقود

ص: 345

و لم يجز التصرف و كافة (1) الأصحاب على خلافه. و أيضا (2) فإنّ الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا، فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده.

و إنّما (3) الأفعال لمّا لم تكن دلالتها على المراد بالصراحة كالقول- لأنّها تدلّ بالقرائن- منعوا من لزوم العقد بها، فيجوز التّراد ما دام ممكنا، و مع تلف إحدى العينين يمتنع التّراد، فيتحقق اللزوم، و يكفي تلف بعض إحدى العينين، لامتناع التّراد في الباقي، إذ هو موجب لتبعض الصفقة و الضرر» «1» انتهى.

______________________________

للقصود» من القواعد المسلّمة عندهم، و عليه فلمّا كان المتعاطيان قاصدين للتمليك كان اللازم إمّا ترتب الملك على تعاطيهما حتى تتحقق متابعة عقد المعاطاة للقصد، و إمّا فساد أصل المعاملة و كون التصرف في العينين كالغصب في الحرمة و الضمان، و من المعلوم أنّ ترتب الإباحة المحضة ليس مقتضى صحة المعاملة و لا فسادها. فلا مجال للقول بها.

(1) يعني: و الحال أنّ كافة الأصحاب قائلون بجواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة.

و هذا الإجماع كاشف عن حصول الملك.

(2) هذا وجه آخر استدل به المحقق الثاني على ضرورة توجيه الإباحة بالملك المتزلزل.

و محصله: أنّ الفقهاء حكموا بلزوم المعاطاة بتلف إحدى العينين، و يستبعد جدّا أن تصير إحدى العينين ملكا لمن هي في يده بسبب تلف العين الأخرى في يد المتعاطي الآخر. و يزول هذا الاستغراب بالالتزام بحصول الملك الجائز حتى يصير لازما بتلف إحدى العينين، فإنّ ترتب الملك الجائز على العقد ثم انقلابه بالملك اللازم أمر واقع في الشريعة كما في موارد الخيارات.

(3) مقصود المحقق الثاني قدّس سرّه تأييد توجيه الإباحة بالملك الجائز، و محصله: أنّ الفقهاء حكموا بتوقف العقود اللازمة على إنشائها باللفظ، لقصور الأفعال عن تأدية القصود و المرادات، و لأجله منعوا من إفادة المعاطاة للملك اللازم، و حكموا بجواز ترادّ العينين مع الإمكان، و بلزوم الملك إذا تلفت إحدى العينين. و ليس مقصودهم من جواز التّراد حصول

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 58

ص: 346

و نحوه المحكيّ عنه في تعليقه على الإرشاد، و زاد فيه: «أن مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع، فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلنا، و إلّا لوجب أن لا تحصل إباحة بالكلية، بل يتعيّن الحكم بالفساد، إذ المقصود غير واقع، فلو وقع غيره لوقع بغير قصد، و هو باطل. و عليه يتفرّع النماء و جواز وطي الجارية، و من منع فقد أغرب» (1) انتهى.

و الذي (2) يقوى في النفس إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها،

______________________________

الإباحة المجرّدة عن الملك كما اشتهر نسبة ذلك الى الأصحاب، بل مرادهم الملك الجائز الذي يجوز استرداد المال كما في العقد الخياري.

و النتيجة: أنّ جواز التراد أعم من الإباحة و الملك المتزلزل، فليس قرينة على إرادة الإباحة في كلمات الأصحاب.

(1) هذه العبارة قد نقلها السيد العاملي قدّس سرّه «1». و راجعنا نسخة مخطوطة من تعليق المحقق الكركي على إرشاد العلامة قدّس سرّهما و فيها زيادة على ما في المتن، و هي قوله: «و ممّا يرشد إلى ما قلناه- مضافا الى ما تقدم- عبارات القوم، فإنّ بعضها كالصريح فيما قلناه. قال المصنف في التحرير: فتجويز الفسخ يستلزم الاعتراف بثبوت ملك في الجملة. و كذا تسميتها معاوضة.

و الحكم باللزوم بعد الذهاب يستلزم ثبوت شي ء متزلزل قبله ليتصف باللزوم بعده .. إلخ».

(2) لمّا فرغ المصنف من نقل كلمات المحقق الثاني قدّس سرّهما في شرح القواعد و تعليقه على الإرشاد، شرع في تحقيقها، و المستفاد من أوّل كلام الماتن الى آخره مطالب ثلاثة.

أحدها: الإيراد على المحقق الكركي.

ثانيها: الانتصار له في إيراده على المشهور.

ثالثها: الاعتراض على المحقق الكركي مرّة أخرى بأن استلزام مقالتهم لمخالفة القواعد المسلّمة لا يوجب التصرف في كلامهم بحمل الإباحة على الملك المتزلزل. و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 155

ص: 347

و أنّهم (1) يحكمون بالإباحة المجرّدة عن الملك في المعاطاة (2) مع فرض قصد المتعاطيين التمليك، و أنّ الإباحة لم تحصل بإنشائها ابتداء (3)، بل إنّما حصلت كما اعترف به في المسالك (4) من «استلزام إعطاء كلّ منهما سلعته مسلّطا عليها الإذن (5) في التصرف فيها بوجوه التصرفات».

______________________________

(1) عطف تفسيري لقوله: «حالها» و هذا هو المطلب الأوّل، و محصله: أنّه لا وجه لتنزيل الإباحة- الواردة في عبارات الأصحاب- على الملك المتزلزل كما أفاده المحقق الكركي، لكونه خلاف الظاهر، لا يصار إليه بلا قرينة، و المفروض عدم وجود قرينة على التصرف المزبور.

(2) خلافا للمحقق الثاني، حيث جعل الإباحة بمعنى الملك لئلّا يلزم تخلف العقد عن القصد، و قال: إنّ مرادهم بالإباحة هو الملك المتزلزل.

(3) يعني: كما هو مقتضى توجيه الجواهر، لأنّ المفروض أنّ المتعاطيين قصدا التمليك لا الإباحة.

(4) أي: كما اعترف الشهيد الثاني بحصول الإباحة في المسالك، حيث قال فيه- بعد نفي الملك احتجاجا بأنّ الناقل للملك لا بدّ أن يكون من الأقوال الصريحة في الإنشاء المنصوبة من قبل الشارع- ما لفظه: «و إنما حصلت الإباحة باستلزام إعطاء كلّ منهما الآخر سلعته مسلّطا عليها الإذن في التصرّف فيها بوجوه التصرّفات، فإذا حصل كان الآخر عوضا عمّا قابله، لتراضيهما على ذلك. و قبله يكون كل واحد من العوضين باقيا على ملك مالكه، فيجوز له الرجوع فيه. و لو كانت بيعا قاصرا عن إفادة الملك المترتب عليه لوجب كونها بيعا فاسدا إذ لم يجتمع شرائط صحته، و ما جاء من قبل الشارع أنّ البيع على قسمين، فما حصل فيه الإيجاب و القبول على وجههما لازم، و ما حصل فيه التراضي بدونه جائز، و من ثمّ ذهب العلامة في النهاية إلى كونها بيعا فاسدا، و أنّه لا يجوز لأحدهما التصرف فيما صار إليه أصلا» «1».

(5) بالنصب مفعول قوله: «استلزام» و «مسلّطا» حال من «إعطاء» يعني: أنّ الإعطاء التسليطي يستلزم الإذن في التصرف.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 148 و 149

ص: 348

و لا يرد عليهم (1) عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة (2) و حاصله (3): أن المقصود هو الملك، فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة التصرف،

______________________________

(1) هذا هو المطلب الثاني، و هو تقوية كلام المحقق الثاني في الإيراد على المشهور، الذي دعاه الى حمل الإباحة- في كلامهم- على الملك الجائز.

(2) و هو قول المحقق الكركي: «إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك لا الإباحة».

(3) أي: حاصل ما ذكره المحقق الكركي: أنّ المقصود هو الملك، فإذا لم يحصل لزم عدم تأثير المعاطاة أصلا، لكونها عقدا فاسدا، فلا منشأ للإباحة.

ثم إنّ هذا بيان المطلب الثاني المشار إليه آنفا، و هو الانتصار للمحقق الثاني في الاعتراض على المشهور، و هو يتضمن أمرين، أحدهما: المناقشة في ترتب الإباحة على المعاطاة، و ثانيهما: تأييد المناقشة بالاستناد إلى إطلاق كلامهم.

أمّا أصل المناقشة فبيانها: أنّ الإباحة التي ادّعاها المشهور إمّا مالكية و إمّا تعبدية.

فإن أرادوا ترتب الإباحة المالكية على المعاطاة اتّجه عليهم: أنّه لا ريب في انتفائها، إذ مفروض الكلام قصد المتعاطيين للملك لا الإباحة المحضة، و من المعلوم إناطتها بالقصد كالملك.

و إن أرادوا ترتّب الإباحة التعبدية اتجه عليهم أوّلا: أنّ هذه الإباحة حكم شرعي يتوقف إسناده إلى الشارع على حجة شرعية، و المفروض خلوّ كلمات الأصحاب عن الاستناد إلى نصّ يدلّ على ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها التمليك.

و ثانيا: لا ريب في أنّ قاعدة «العقود تابعة للقصود» من القواعد الفقهية المسلّمة بينهم، و مقتضى هذه التبعية عدم وقوع ما لم يقصده المتعاقدان، و عليه يستبعد جدّا أن يلغي الشارع التمليك الذي قصده المتعاطيان، و أن يحكم بحصول الإباحة المحضة غير المقصودة.

هذا مضافا إلى: منع أصل النسبة، إذ لم يثبت التزام المشهور بترتب الإباحة الشرعية على المعاطاة المقصود بها التمليك، فإنّ التأمل في كلماتهم يعطي ترتب الإباحة المالكية لا التعبدية، لقولهم «برضى المتعاطيين بتصرف كلّ منهما فيما يأخذه من الآخر بالمعاطاة» و من المعلوم

ص: 349

إذ (1) الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنّه لم يصدر منه إلّا التمليك (2)،

______________________________

بعد- بل منع- حمل الرضا بالتصرف على أنّ الشارع حكم بترتب الإباحة على المعاطاة تعبدا من باب إعمال مولويّته، و لم يمض إذن المالك المبيح بتصرف الآخذ فيما أخذه.

فالنتيجة: أنّه- بعد بطلان إرادة الإباحة المالكية و التعبدية في كلمات المشهور- يتعين الالتزام بترتب الملك الجائز على المعاطاة طبقا لقصد المتعاطيين. و هذا هو الذي استظهره المحقق الثاني من عبارات القوم.

و أما تأييد المناقشة المتقدمة فبيانه: أنّه لا بدّ أن يريد المشهور بقولهم: «المعاطاة تفيد الإباحة» الملك. و ذلك لأنّهم حكموا بجواز تصرف المتعاطيين مطلقا فيما يأخذانه، سواء أ كان ذلك التصرف منوطا بالملك، كالبيع و الوقف و العتق و نحوها، أم لم يكن منوطا به، كجواز أكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها، و كجواز الأكل من بيوت من تضمّنته الآية المباركة من الأقارب.

و وجه التأييد واضح، فإنّ تجويز أنحاء التصرفات المخصوصة بالمالك- و من يقوم مقامه- يتوقف على صيرورة المتعاطيين مالكين لما يأخذانه، و إلّا لزم مخالفة حكم الشارع في قوله عليه السّلام: «لا بيع إلّا في ملك» و نحوه. و لو كان مقصودهم من الإباحة ظاهرها- لا الملك- كان عليهم تقييد جواز التصرف بأن يقولوا: «إنّ المعاطاة تفيد إباحة خصوص التصرفات غير المتوقفة على الملك» فإطلاق الجواز كاشف عن إرادة الملك.

و أمّا وجه التعبير بالتأييد فسيأتي.

(1) تعليل لقوله: «فلا منشأ لإباحة التصرف» و هذا وجه بطلان ترتب الإباحة على المعاطاة، و قد أوضحناه بقولنا: «فإن أرادوا ترتب الإباحة المالكية على المعاطاة اتجه عليهم .. إلخ».

(2) و من المعلوم أنّ التمليك مضادّ للإباحة، و ليست الإباحة من مراتب الملك، فإنّ حقيقة الإباحة هي الإذن في التصرف في ملك الغير، و هي غير إباحة التصرف للمالك في ملكه لقاعدة السلطنة.

ص: 350

و إن كانت (1) من الشارع فليس عليها دليل، و لم يشعر كلامهم بالاستناد إلى نصّ (2) في ذلك. مع (3) أنّ إلغاء الشارع للأثر المقصود و ترتيب غيره بعيد جدّا. مع (4) أنّ التأمّل في كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية (5).

و يؤيّد (6) إرادة الملك أنّ ظاهر إطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا تصحّ إلّا من المالك كالوطي و العتق

______________________________

(1) معطوف على قوله: «إن كانت من المالك» و هذا إبطال لترتب الإباحة التعبدية على المعاطاة، و قد أوضحناه بقولنا: «و إن أرادوا ترتب الإباحة التعبدية اتجه عليهم أوّلا .. إلخ».

(2) بل استند بعضهم- كالخلاف و الغنية- إلى الإجماع، فراجع.

(3) هذا إشارة إلى الإشكال الثاني على المشهور إن أرادوا بالإباحة التعبدية، و قد تقدم بيانه بقولنا: «و ثانيا: لا ريب في أن قاعدة العقود تابعة للقصود .. إلخ».

(4) مقصوده قدّس سرّه منع صحة ما نسب الى المشهور من ترتب الإباحة التعبدية على المعاطاة، و من أنّ مرادهم من الإباحة هي المالكية. و قد عرفته بقولنا: «مضافا إلى منع أصل النسبة، إذ لم يثبت التزام المشهور .. إلخ».

(5) بل كلام المسالك- المتقدم آنفا- كالصريح في كون الإباحة مالكية، لقوله: «استلزام إعطاء كل منهما الآخر سلعته مسلّطا عليها الإذن في التصرف فيها».

(6) بعد أن أبطل المصنف قدّس سرّه ترتب الإباحة- بقسميها- على المعاطاة و أنّه يتعيّن إرادة ما استظهره المحقق الثاني قدّس سرّه من الملك الجائز من قولهم: «المعاطاة تفيد الإباحة» أراد تأييده بالاستناد إلى كلماتهم الظاهرة في جواز كلّ تصرف في المأخوذ بالمعاطاة سواء أتوقف على الملك أم لا، و من المعلوم أنّ المعاطاة لو لم تؤثّر في الملك لم يكن للمتعاطيين إباحة مثل البيع و العتق فيما وصل إليهما، فإنّ توقّف البيع على كون العوضين مملوكين- أو كالمملوكين- حكم شرعي ليس بيد المتعاطيين جوازه و منعه.

و أمّا وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة- مع أنّ الإطلاق أصل لفظي يصح الاحتجاج به على المشهور- فهو: أنّ الأخذ بالإطلاق منوط بعدم معارض أقوى منه. و لعلّ صراحة

ص: 351

و البيع لنفسه (1)، و التزامهم (2) حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات- كما إذا وقعت

______________________________

كلمة «الإباحة» في ما يقابل الملك مانعة عن انعقاد الإطلاق في قولهم: «المعاطاة تفيد الإباحة» فيكون نتيجة تقديم أقوائية الإباحة- في الإذن المجرّد- على إطلاق التصرف هي: اختصاص إباحة التصرف بما لا يتوقف على الملك، و قد صرّح بهذا التقييد الشهيد في محكي حواشيه على القواعد، حيث منع دفع المال- المأخوذ بالمعاطاة- بعنوان الخمس و الزكاة المتوقفين على الملك.

(1) تقييد البيع لنفسه لأجل أنّ المتعاطي يجوز له أن يبيع المأخوذ بالمعاطاة بقصد مالكه، فجواز البيع للمالك لا يصير مؤيّدا لإرادة الملك من «الإباحة» في كلام المشهور، و إنّما يحصل التأييد إذا استفيد من إطلاق كلام المشهور إباحة أن يبيع المباح له لنفسه بأن يصير الثمن ملكا له لا للمبيح.

(2) هذا دفع دخل مقدر، و حاصل الدخل: أنّ ما ذكره المصنف بقوله: «و يؤيد إرادة الملك» ممنوع، و ذلك لتوقف التأييد المزبور على أنّ المشهور أرادوا «بإباحة أنحاء التصرفات» حصول الملك للمتعاطيين بمجرّد التقابض، إذ يتعيّن حينئذ حمل الإباحة على الملك، ضرورة توقف بعض التصرفات على الملك.

و لكن يمكن منع هذه الاستفادة، بأن يلتزم المشهور بالملكية الآنيّة، و بيانه: أن المشهور أرادوا بالإباحة الإذن المقابل للملك، و تجويز البيع و العتق و الوقف ليس قرينة على إرادة الملك من حين التعاطي، فما دامت العين باقية على حالها فهي ملك المبيح، و إذا أراد المباح له بيعها أو وقفها دخلت العين في ملكه آنا مّا، فيكون ذلك التصرف المتوقف على الملك واقعا في ملكه، لا في ملك المبيح.

و عليه فلا وجه لاستفادة مالكية المتعاطيين- من حين التعاطي- من إطلاق قول المشهور بإباحة التصرفات. بل لا بد من إبقاء الإباحة على ظاهرها، و الالتزام بالملكية الآنيّة التي ليست هي عديمة النظير في الشريعة المقدسة. و ذلك كتصرف ذي الخيار، فإنّهم حكموا بأنّ البائع إذا جعل لنفسه الخيار صارت العين ملكا جائزا للمشتري، فإن أمضى البائع العقد

ص: 352

هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع- بعيد (1).

و سيجي ء (2) ما ذكره بعض. الأساطين من أنّ هذا القول (3) مستلزم لتأسيس قواعد جديدة (4).

______________________________

صارت ملكا لازما للمشتري، و إن فسخ بقوله: «فسخت» عادت الى ملكه كما كانت قبل البيع، و إن فسخ بالفعل بأن باعها من شخص آخر فقد قالوا بصحة هذا البيع، و يكون فسخا فعليا للبيع الأوّل، و تصير العين ملكا له آنا مّا قبل بيعه الثاني حتى يقع البيع في ملكه.

و كذلك حكم الفقهاء بالملكية الآنيّة في رجوع الواهب عن هبته. و ليكن المقام كذلك.

و عليه فلا مجال للتأييد المتقدم.

(1) خبر قوله: «و التزامهم» و دفع للدخل المزبور. و حاصل الدفع: أنّ حمل إطلاق كلام المشهور على بقاء العينين على ملك المتعاطيين- و دخول كل منهما في ملك الآخر آنا مّا قبل التصرف المتوقف على الملك- بعيد جدّا، لعدم كون الملكية الآنيّة معهودة منهم في باب المعاطاة. و مجرّد التزامهم بها في فسخ ذي الخيار و رجوع الواهب لا يوجب الالتزام بها في المقام، فإنّ الجمع بين الأدلة يقتضي القول بالملكية الآنيّة في المسألتين السابقتين، و هما: فسخ ذي الخيار و رجوع الواهب.

بخلاف المعاطاة- بناء على المشهور من إفادتها للإباحة المحضة- إذ كان عليهم تقييد التصرفات الجائزة بما لم يتوقف على الملك، لا إبقاء «جواز التصرف» على إطلاقه حتى يتكلف لمشروعيّته بالملكيّة الآنيّة بلا دليل عليها. و عليه فالتأييد المتقدم في محله.

(2) مقصوده قدّس سرّه إقامة الشاهد على بعد حمل كلام المشهور على الملكية الآنيّة، و هو ما أفاده الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه- و سيأتي كلامه مفصّلا- من أن القول بترتّب الإباحة المحضة على المعاطاة ثم تبدّلها بالملك يستلزم تأسيس قواعد جديدة. و ليس البعد منحصرا في الالتزام بدخول العين آنا مّا في ملك المباح له قبل تصرفه فيها، بل هناك محاذير أخرى سيأتي بيانها ان شاء اللّه تعالى.

(3) أي: القول المنسوب إلى المشهور، و هو إفادة المعاطاة للإباحة مع قصد الملك.

(4) يعني: فعلى هذا لا بدّ من إرادة الملك من الإباحة المذكورة في كلماتهم، لا ظاهرها من

ص: 353

لكنّ الإنصاف (1) أنّ القول بالتزامهم لهذه الأمور أهون من توجيه

______________________________

الإباحة المجرّدة عن الملك، لاستلزام ذلك تأسيس قواعد جديدة.

(1) هذا شروع في المطلب الثالث مما أفاده المصنف حول كلام المحقق الثاني قدّس سرّهما و محصّله: المناقشة في حمل الإباحة- في كلام المشهور- على الملك المتزلزل، و ذلك لوجهين:

أحدهما: راجع إلى منع الكبرى، و هو أصل الاستبعاد عن ترتيب آثار الملك على المأخوذ بالمعاطاة المفيدة للإباحة المحضة.

و ثانيهما: راجع الى منع الصغرى، و هو عدم جواز التصرفات المتوقفة على الملك في المأخوذ بالمعاطاة.

و توضيح الوجه الأوّل: أنّ حكم المشهور بإباحة التصرفات المتوقفة على الملك مع كون المعاطاة مفيدة للإباحة عندهم و إن لم يكن مستأنسا، إلّا أنّ في رفع اليد عن الإباحة بحملها على الملك الجائز- كما صنعه المحقق الكركي- محذورا أكثر، و ذلك لإمكان توجيه رأي المشهور بما ينطبق على القواعد الفقهية و لا تبقى غرابة في البين.

و بيانه: أنّ الدليل على الحكم الشرعي لا ينحصر في الآية و الرواية الواضحتين دلالة، بل الجمع بين الأدلة المختلفة لو اقتضى حكما شرعيا كان حجة أيضا بنظر الفقيه.

و على هذا يقال في تأييد كلام المشهور: إنّ هنا طائفتين من الأدلة.

إحداهما: استصحاب عدم مالكية المتعاطيين لما انتقل إليهما، بعد قصور الأدلّة الاجتهادية عن إفادة حكم المعاطاة.

ثانيتهما: الإجماع المدّعى في كلامهم على مشروعية أنحاء التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقفت على الملك أم لا. و من المعلوم أنّ الجمع بين هذين الدليلين يقتضي الالتزام بالإباحة العارية عن الملك ما لم يتصرف المباح له فيما أخذه تصرّفا متوقفا على الملك كالوقف و العتق، فإذا تصرّف فيه بهذا التصرف الخاص دخل في ملكه آنا ما.

و أما قاعدة «تبعية العقود للقصود» فهي قاعدة شرعية قابلة للتخصيص كما سيأتي تفصيله.

و عليه فليس في كلام المشهور ما يكون خارقا للقواعد الفقهية المسلّمة، و الأحكام

ص: 354

كلامهم (1)، فإنّ هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الأصل عدم الملكية، و لم يساعد عليها (2) دليل معتبر، و اقتضى (3) الدليل (4) صحّة التصرفات المذكورة.

______________________________

الضرورية.

و توضيح الوجه الثاني- و هو المنع الصغرويّ-: أنّ جواز التصرفات المتوقفة على الملك ليس مجمعا عليه حتى يتجه الاستبعاد، بل هو من المسائل الخلافية، و ذلك لما يستفاد من تضاعيف كلماتهم، فشيخ الطائفة قدّس سرّه منع من مباشرة الجارية المهداة بالمعاطاة. و الشهيد منع من أداء الزكاة و الخمس بالمأخوذ بالمعاطاة، لتوقّفهما على الملك، و المعاطاة مفيدة للإباحة دون الملك.

و قد تحصّل: أنّ توجيه المحقق الكركي للإباحة بالملك المتزلزل- لأجل تلك الاستبعادات- غير سديد، فالأولى إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها، و التخلّص عن الاستبعادات بوجه آخر.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 355

(1) بإرادة الملك من الإباحة كما صنعه المحقق الكركي قدّس سرّه و ذلك لأنّ الأمور المبعّدة المذكورة الموجبة لتأسيس قواعد جديدة لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الدليل صحة تلك التصرفات، مع أنّ صحّتها ليست مسلّمة عند الكل كما عرفت آنفا.

(2) أي: لم يقم على الملكية دليل معتبر حتى يكون حاكما على أصالة عدم حدوث الملك بالتعاطي.

(3) معطوف على قوله: «اقتضى» و مقصوده الجمع بين الاستصحاب و ما دلّ على نفوذ التصرف المتوقف على الملك في المأخوذ بالمعاطاة، و محصّله: الالتزام بالملكية الآنيّة أي دخول العين في ملك الآخذ في الآن المقارن للتصرف المتوقف على الملك كالبيع لنفسه و العتق و نحوهما. و قد تقدم توضيح هذا الوجه بقولنا: «و توضيح الوجه الأوّل: أن حكم المشهور ..

إلخ».

(4) الكلام كلّه في وجود هذا الدليل، و سيأتي تفصيله فيما يتعلق باستبعادات الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه.

ص: 355

مع (1) أنّ المحكىّ عن حواشي الشهيد على القواعد: المنع عمّا يتوقف على الملك كإخراجه في خمس أو زكاة، و كوطي الجارية «1».

و ممّا يشهد (2) على نفي البعد عمّا ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجرّدة مع قصد المتعاطيين التمليك: أنّه قد صرّح الشيخ في المبسوط «2» و الحلّي في السرائر كظاهر العلّامة في القواعد بعدم حصول الملك بإهداء الهديّة (3) بدون الإيجاب و القبول (4) و لو من الرّسول (5)،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الإشكال على المحقق الكركي. و محصله: منع الصغرى، و به لا يبقى موضوع للاستبعاد أصلا، لفرض عدم جواز التصرف المتوقف على الملك في المأخوذ بالمعاطاة.

(2) وجه الشهادة: أنّه لو كان التعاطي مفيدا للملك المتزلزل لم يكن وجه لاستثناء وطي الجارية، لأنّه يسوغ بالملك و لو كان متزلزلا، فاستثناؤه يشهد بأنّ المعاطاة- المقصود بها التمليك- لا تسوّغ إلّا إباحة التصرف، دون التصرفات المتوقفة على الملك كالوطي، و مع هذا الاستثناء كيف تحمل الإباحة على الملك المتزلزل كما أصرّ عليه المحقق الثاني قدّس سرّه؟

(3) مطلقا سواء كانت جارية أم شيئا آخر.

(4) قال الشيخ: «و إذا وصلت الهدية الى المهدي إليه لم يملكها بالوصول و لم تلزم، و يكون ذلك إباحة من المهدي، حتى أنّه لو أهدي إليه جارية لم يجز أن يستمتع بها، لأنّ الإباحة لا تدخل في الاستمتاع. و من أراد الهدية و لزومها و انتقال الملك فيها الى المهدي إليه الغائب فليوكّل رسوله في عقد الهدية معه .. إلخ». و نحوه كلام ابن إدريس، فلاحظ.

(5) هذا إشارة إلى الفرد الخفي من الهدية المفيدة للملك. إذ تارة يكون العاقد هو الواهب الأصيل، و أخرى رسوله بالوكالة من مرسل الهدية، فلو لم يقترن إقباض الهدية بالعقد- سواء من المالك أم من وكيله- لم يفد إلّا إباحة التصرف، و لا تشرع التصرفات المنوطة بالملك فيه.

______________________________

(1): الحاكي هو الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 31، السرائر، ج 3، ص 177، قواعد الاحكام، ص 110

ص: 356

نعم (1) يفيد ذلك إباحة التصرف، لكن الشيخ استثنى وطي الجارية (2).

ثم (3) إنّ المعروف بين المتأخرين أنّ من قال بالإباحة المجرّدة في المعاطاة قال بأنّها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة (4) و معقد إجماع الغنية (5)

______________________________

(1) استدراك على قوله: «بعدم حصول الملك» و مقصوده أنّ الهبة المعاطاتية ليست عقدا فاسدا بالكليّة حتى لا يباح التصرف غير المنوط بالملك فيها، بل تؤثر في إباحة ما لا يتوقف على الملك.

(2) ففرق- بنظر شيخ الطائفة- بين الاستمتاع و بين سائر التصرفات، فتباح هذه دون الاستمتاع، لتوقفه على الملك، و لم يحصل حسب الفرض.

(3) غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام الى الشروع في الأقوال: التنبيه على أمرين:

أحدهما: أنّهم اختلفوا فيما يراد من قول القدماء: «المعاطاة تفيد الإباحة» فاستظهر منه جماعة عدم كونها بيعا حقيقة، إذ البيع عقد مملّك، فترتب الإباحة المحضة على المعاطاة كاشف عن عدم كونها بيعا حقيقة، فيصح سلب الاسم عنها.

و استظهر منه المحقق الثاني قدّس سرّه الملك المتزلزل- كما تقدم كلامه مشروحا- فالمعاطاة بيع قطعا، و لا يقدح جواز الملك في بيعيّتها كما هو حال البيوع الخيارية، حيث إنه لا يصير الملك لازما إلّا بانقضاء أمد الخيار.

و لا يخفى على المتأمّل تقابل هذين الاستظهارين و تهافتهما.

ثانيهما: أنّ كلا الاستظهارين المذكورين ممنوع، فلا وجه لدعوى نفي بيعية المعاطاة المفيدة للإباحة، كما لا وجه لدعوى كون المعاطاة بيعا جائزا. و سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(4) مثل قول الشيخ في الخلاف: «فإنّه لا يكون بيعا» و قول ابن إدريس في السرائر:

«فإنّه لا يكون بيعا و لا عقدا» و قول السيد ابن زهرة في الغنية: «فإنّ ذلك ليس ببيع، و إنّما هو اباحة للتصرف».

(5) حيث قال: «يدلّ على ما قلناه: الإجماع المشار إليه» و المشار إليه في كلامه هو نفي بيعية المعاطاة.

ص: 357

و ما أبعد ما بينه (1) و بين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم.

و كلاهما (2) خلاف الظاهر.

و يدفع الثاني (3) تصريح بعضهم بأنّ شرط لزوم البيع منحصر في

______________________________

(1) يعني: ما بين نفي البيع حقيقة و بين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم، و هذا هو الأمر الأوّل الذي ذكرناه.

(2) يعني: أنّ نفي بيعية المعاطاة، و توجيه الإباحة بالملك الجائز خلاف الظاهر.

أمّا كون الأوّل خلاف الظاهر فلأنّ المعاطاة بيع عرفي يقصد بها التمليك.

و أمّا الثاني فلأنّ الإباحة المحضة و الملك المتزلزل مغايرتان ماهية، فلا معنى لتنزيلها عليه، لكونه تصرفا في ظاهر الإباحة بلا شاهد.

(3) هذا شروع في إبطال كلا الاستظهارين سواء أراد المشهور من قولهم: «المعاطاة تفيد الإباحة» نفي البيعية أم الملك المتزلزل أم أرادوا معنى آخر.

و إرادة الملك الجائز من الإباحة و إن ناقش فيها المصنف قدّس سرّه بقوله: «لكن الإنصاف ..

إلخ» إلّا أن ما أفاده هنا وجه آخر للمناقشة فيه، و محصّله وجهان:

الأوّل: أنّ بعض الفقهاء صرّح بكون البيع عقدا لازما من غير جهة الخيارات، فتزلزله منوط بوجود خيار فيه، فلو لم يكن فيه خيار فلا بد من لزومه. فلو اقتضت المعاطاة ملكا جائزا كان ذلك مخالفا لطبع البيع المبني على اللزوم، و انحصار سبب جوازه في ثبوت خيار فيه. و عليه فصدق البيع على معاملة مساوق للزومه، و لا معنى لصدق البيع على المعاطاة مع الالتزام بإفادتها ملكا جائزا.

الثاني: أنّ جماعة صرّحوا بكون الإيجاب و القبول اللفظيين من شرائط صحة انعقاد البيع، لا من شرائط لزومه، و معنى هذا الاشتراط عدم بيعية المعاملة العارية عن الإيجاب و القبول، فكيف التزم المحقق الثاني قدّس سرّه بصدق البيع على المعاطاة حقيقة، و بإفادتها للملك الجائز.

ثم إنّه لا يخفى الفرق بين ما أورده المصنف على المحقق الثاني هنا. بقوله: «و يرد الثاني» و بين ما تقدم في قوله: «لكن الإنصاف أن القول بالتزامهم بهذه الأمور أهون ..» و ذلك لأنّ

ص: 358

مسقطات الخيار (1) فكلّ بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات. و تصريح (2) غير واحد (3) بأنّ الإيجاب و القبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة (4).

و أمّا الأوّل (5) فإن قلنا بأنّ البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح

______________________________

مقصود المصنف هناك إبطال ما صنعه المحقق الكركي من حمل عبارات القوم على الملك المتزلزل. و مقصوده هنا إبطال أصل كون البيع مفيدا للملك الجائز، و هذا مع الغضّ عن أنّ حمل الإباحة على الملك المتزلزل ممكن أولا. و عليه فليس في كلمات المصنف هنا تكرار.

(1) كان الأولى بسلاسة العبارة أن يقال: «بأن شرط جواز البيع منحصر في الخيار».

(2) معطوف على «تصريح» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني المانع عن الالتزام بإفادة المعاطاة ملكا جائزا. و المصرّح بتوقف صحّة البيع على العقد جمع، منهم القاضي حيث قال:

«و تفتقر صحته- أي صحة عقد البيع- الى شروط ثمانية .. و قول يقتضي إيجابا من البائع و قبولا من المبتاع» «1».

(3) كما تقدم في عبارتي الغنية و الكافي و غيرهما من جعل الإيجاب و القبول من شرائط الصحّة، لا من شرائط اللزوم.

(4) هذه اللفظة مخلّة بالمقصود، إذ الصيغة هي الإيجاب و القبول اللفظيان، فلا معنى لشرطية الصيغة للإيجاب و القبول.

و يمكن توجيهه: بأنّ البيع يقع بالصيغة تارة و بالفعل أخرى. فالبيع القولي يعتبر فيه الإيجاب و القبول، بخلاف الفعلي، إذ لا يعتبر فيه ذلك.

لكنه كما ترى، إذ «البيع بالصيغة» ليس إلّا البيع بالإيجاب و القبول.

نعم لو كانت العبارة: «انعقاد البيع باللفظ أو بالقول» أمكن توجيهها، و ذلك لأعمية مطلق اللفظ من الصيغة، فأمكن اعتبار لفظ خاص في البيع القولي، و أمّا البيع بالصيغة فهو بيع بلفظ خاص، فلا يعقل التقييد بالصيغة. فلاحظ.

(5) و هو نفي بيعيّة المعاطاة الذي صرّح به جماعة كالشيخ في الخلاف، و الحلّي

______________________________

(1): الكافي في الفقه، ص 352

ص: 359

- و لو (1) بناء على ما قدّمناه في آخر تعريف البيع من أنّ البيع في العرف اسم للمؤثّر منه في النقل، فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث إنّهم متشرعة و متديّنون بالشرع- صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيّا، و إلّا كان (2) صوريّا، نظير بيع الهازل في نظر العرف «1»- فيصح (3) على ذلك نفي البيعيّة على وجه

______________________________

في السرائر، و ابن زهرة في الغنية. و مقصوده المناقشة في قولهم: «المعاطاة ليست بيعا» فإنّهم إن أرادوا نفي البيع العرفي كان واضح المنع، لما تقدم من أنّ المعاطاة المقصود بها التمليك بيع عرفي، و إنّما الكلام في صحته شرعا و عدمها.

و إن أرادوا نفي الصحة الشرعية أمكن توجيه النفي بأن يكون على نحو الحقيقة، و ذلك بما تقدم في التمسك بالإطلاقات من أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح المؤثّر عند العرف فالبيع موضوع لما يؤثّر في الملكيّة بنظر العرف، فإن كان مؤثّرا فيها بنظر الشارع بل المتشرّعة أيضا كان بيعا حقيقة. و إلّا كان البيع العرفيّ بيعا صوريّا لا حقيقيّا، كما أنّ بيع الهازل ليس عند العرف بيعا حقيقة.

و على هذا فبناء على جعل الإيجاب و القبول شرط صحة البيع، أو جعل البيع نفس العقد الدال على النقل- كما تقدم في كلام جماعة كالمحقق و ابن حمزة و العلامة في المختلف- كان البيع الصحيح هو المنشأ باللفظ، و صحّ سلب البيع عن المعاطاة حقيقة.

(1) هذا بيان للفرد الخفيّ، إذ الصحة إمّا أن تكون بنظر الشارع، كما كان ظاهر كلام الشهيدين من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح، و عليه فعدم كون المعاطاة بيعا حقيقيا واضح.

حيث إنّ المشروط عدم عند عدم شرطه. و إمّا أن تكون بنظر العرف أي الإنشاء المستجمع لشرائط التأثير عندهم، فإذا كان مؤثّرا عرفا لا شرعا- لخلوّه عن الإيجاب و القبول اللفظيين- صحّ سلب العنوان عنه حقيقة، لعدم كونه مؤثّرا في النقل شرعا، و يعدّه العرف كإنشاء الهازل مما لا يصدق عليه البيع حقيقة.

(2) أي: و إن لم يكن البيع مؤثّرا في النقل كان بيعا صوريا.

(3) جواب قوله: «فان قلنا» و جملة الشرط و الجزاء جواب قوله: «و أما الأوّل»

______________________________

(1): تقدّم كلامه في ص 303، فراجع.

ص: 360

الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسّره بالعقد، لأنّهم (1) في مقام تعريف البيع بصدد بيان ما هو المؤثّر في النقل في نظر الشارع.

[تفصيل الأقوال في حكم المعاطاة]

إذا عرفت ما ذكرنا (2) فالأقوال في المعاطاة على ما يساعده ظواهر كلماتهم ستة (3):

اللزوم مطلقا (4) كما عن ظاهر المفيد (5)، و يكفي في وجود القائل به

______________________________

و لم يذكر المصنف قدّس سرّه عدلا لقوله: «فان قلنا» اتّكالا على وضوحه، و تقديره: أنه إذا لم نقل بالوضع للصحيح لا شرعا و لا عرفا- بل قلنا بالوضع للأعمّ منه و من الفاسد- فلا ريب في كون المعاطاة بيعا و إن كانت فاسدة.

(1) تعليل قوله: «فيصح» يعني: بناء على كلا القولين- من جعل الصيغة من شرائط الصحة أو تفسير البيع بالعقد المؤثّر- يتجه نفي بيعية المعاطاة، لفرض عدم تأثيرها في النقل و الانتقال، و إنّما تفيد إباحة التصرف مع بقاء العينين على ملك المتعاطيين المبيحين.

هذا تمام الكلام في تحرير محلّ النزاع و مصبّ الأقوال في المعاطاة.

و قد تحصّل: أنّ محطّ البحث هو المعاطاة المقصود بها الملك، لا الإباحة، و لم يتم توجيه المحقق الكركي من حملها على الملك الجائز، و لا توجيه صاحب الجواهر قدّس سرّهما من جعل مقصود المشهور القائلين بترتب الإباحة عليها ما لو قصدها المتعاطيان و لم يقصدا الملك.

تفصيل الأقوال في حكم المعاطاة

(2) هذا شروع في بيان الأقوال في حكم المعاطاة مقدّمة للاستدلال على القول المختار.

(3) بل سبعة، و القول السابع منسوب الى كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرحه على القواعد من:

أنّ المعاطاة معاوضة مستقلة مفيدة للملك.

(4) أي: سواء كان الدال على التراضي لفظا أم غيره.

(5) قد تقدّمت عبارة المفيد، و مرّ الكلام في هذا الاستظهار. و كيف كان فقد اختاره المحقق الأردبيلي قدّس سرّه جازما بأنّ المعاطاة بيع صحيح مفيد للملك، قال: «فاعلم: أنّ الذي

ص: 361

قول العلامة قدّس سرّه في التذكرة: «الأشهر (1) عندنا أنّه لا بدّ من الصيغة» «1».

و اللزوم بشرط كون الدال على التراضي (2) أو المعاملة (3) لفظا (4). حكي عن

______________________________

يظهر أنّه لا يحتاج في انعقاد عقد البيع المملّك الناقل للملك من البائع إلى المشتري و بالعكس- إلى الصيغة المعيّنة كما هو المشهور. بل يكفي كل ما يدلّ على قصد ذلك مع الإقباض، و هذا المذهب منسوب الى الشيخ المفيد من القدماء، و إلى بعض معاصري الشهيد الثاني رحمه اللّه، و هو المفهوم عرفا من البيع .. إلخ» «2» و وافقه المحدث الكاشاني. ثم استدل المحقق الأردبيلي بأربعة عشر دليلا على مدّعاه، فراجع.

نعم في عدّ بعض معاصري الشهيد من أصحاب هذا القول تأمل، فإنّ الشهيد الثاني حكى عنه اعتبار مطلق اللفظ الدال على التراضي، لا خصوص الإيجاب و القبول اللفظيين.

(1) هذا التعبير يدلّ على وجود القول المعتدّ به بحيث يكون مشهورا، و إلّا كان المناسب التعبير عنه بالمشهور بدل «الأشهر» و سيأتي من المصنف في خاتمة الاستدلال اختيار هذا القول. و مستنده العمومات، كقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بعد وضوح كون المعاطاة المقصود بها التمليك بيعا عرفا.

(2) هذا هو القول الثاني، و الظاهر أنّ أوّل من قال به بعض مشايخ الشهيد الثاني، و لعلّ وجهه: إناطة العقود اللازمة بإنشائها بلفظ، فبدونه لا يصير لازما، لعدم دليل عليه.

(3) أي: المقاولة التي هي قبل إنشاء المعاملة، و إلّا فمفروض الكلام وقوع الإنشاء بالتعاطي.

(4) بأن كان اللفظ الفاقد للشرائط كالعربية و الماضوية- بناء على اعتبارهما- آلة إنشاء البيع.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 139 الى 142

ص: 362

بعض (1) معاصري الشهيد الثاني، و بعض (2) متأخّري المحدثين.

لكن في عدّ هذا من الأقوال في المعاطاة تأمّل (3).

و الملك الغير اللازم، ذهب إليه المحقق الثاني (4)، و نسبه الى كلّ من قال بالإباحة، و في النسبة ما عرفت (5).

______________________________

(1) و هو السيد حسن ابن السيد جعفر الكركي، كما حكاه السيد العاملي «1» عن حاشية المسالك، قال الشهيد الثاني- بعد نقل خلاف المفيد مع المشهور- ما لفظه: «و قد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب الى ذلك أيضا، لكن يشترط في الدال كونه لفظا، و إطلاق كلام المفيد أعم منه .. إلخ» «2»

(2) كصاحب الحدائق، و نسبه الى جمع من علماء البحرين، فراجع «3».

(3) هذه العبارة حاشية من المصنف قدّس سرّه على قوله: «و اللزوم بشرط كون الدال .. إلخ» و لعل وجه التأمل هو: أنّه مع شرطيّة مطلق اللفظ يكون إنشاء البيع بالصيغة لا بالفعل، غاية الأمر ذهب هذا القائل الى عدم اعتبار لفظ خاص.

إلّا أن يكون المراد اعتبار اللفظ في مقام المساومة، لا إنشاء المعاملة، بل لا بد من إنشاء البيع باللفظ، فتأمل.

(4) هذا هو القول الثالث، ذهب اليه المحقق الكركي قدّس سرّه مصرّا عليه، حتى أوّل كلمات القائلين بالإباحة به، و تقدم نصّ كلامه في المتن. و استدل عليه بالسيرة المستمرة على معاملتهم مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك و بآيتي التجارة عن تراض و حلّ البيع.

(5) من الاشكال، و أنّ حمل «الإباحة» في كلمات القدماء على «الملك الجائز» بعيد غايته، بل خلاف تصريح بعضهم بعدم الملك.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 156

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 147

(3) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 350 و 355

ص: 363

و عدم الملك مع إباحة جميع التصرفات (1) حتى المتوقفة على الملك، كما هو ظاهر عبائر كثير، بل ذكر في المسالك: «أنّ كل من قال بالإباحة يسوّغ جميع التصرفات» (2).

و إباحة (3) ما لا يتوقف على الملك، و هو الظاهر من الكلام المتقدم عن حواشي الشهيد على القواعد (4)، و هو (5) المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب و قبول.

______________________________

(1) هذا هو القول الرابع، و مستنده وجوه:

الأوّل: استقرار السيرة من الخاص و العام و النسوان و الصبيان على التصرف في المأخوذ بالمعاطاة و يؤيّده الإجماع المنقول عن الغنية و الروضة و المسالك المعتضد بالشهرة المحققة، إذ لم يقل أحد- ممّن عدا المفيد رحمه اللّه- بإفادة المعاطاة للملك الى زمان المحقق الكركي.

الثاني: الأخبار الدالة على حصر المحلّل و المحرّم في الكلام، فإنّها و إن اقتضت نفي الحلّ عند انتفاء الكلام، لكنها تحمل على نفي لزوم المعاملة عند انتفائه، جمعا بينها و بين ما دلّ على حصول الإباحة بالتراضي.

الثالث: استصحاب بقاء ملك المالك الأوّل مع فرض الشك في انتقال كل مال عن صاحبه إلى غيره.

(2) عبارة المسالك هذه: «لأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرفات» «1».

(3) هذا هو القول الخامس، و وجهه: أنّ الإباحة غير الملك، فدليل الإباحة- من الإجماع المنقول عن الغنية أو السيرة- لا يقتضي التصرفات المنوطة بالملك كالبيع و العتق و الوطي.

(4) حيث ذكر المصنف: أنّ المحكيّ عن حواشي الشهيد على القواعد: المنع عمّا يتوقف على الملك كإخراجه في خمس أو زكاة، و كوطي الجارية.

(5) يعني: و ما ذكره الشهيد- من إباحة التصرفات غير المتوقفة على الملك- هو

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 149

ص: 364

و القول (1) بعدم إباحة التصرف مطلقا (2).

______________________________

المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية، حيث قلنا: «و صرّح الشيخ في المبسوط: بأنّ الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب و القبول و لا يحلّ وطيها» فإنّ المنع عن وطي الجارية المهداة بالهديّة المعاطاتية ينطبق على هذا القول أي: عدم الملك مع إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

(1) هذا هو القول السادس أي: كون المعاطاة بيعا فاسدا، و مستنده وجهان:

أحدهما: أنّ ما قصد لم يقع، لأنّ المقصود و هو الملك لم يقع، و الإباحة غير مقصودة، فلا وجه لحصولها، فالمرجع عمومات حرمة التصرف في مال الغير بدون رضاه.

ثانيهما: ما ورد من أنّه «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» قال في الوافي: «الكلام هو إيجاب البيع، و إنّما يحلّل نفيا و يحرّم إثباتا» «1».

(2) يعني: حتّى التصرفات غير المتوقفة على الملك، فتكون المعاطاة على هذا كالعقود الفاسدة التي ادّعي الإجماع على كون المقبوض بها كالمغصوب.

و هنا قول سابع ذكره السيد قدّس سرّه في حاشيته، و هو: «أنّ المعاطاة معاملة مستقلة مفيدة للملكية، و ليست بيعا و إن كانت في مقامه، و نسب هذا القول الى الشيخ الكبير كاشف الغطاء» «2».

و في مفتاح الكرامة عن حواشي الشهيد على قواعد العلّامة: «أنّها معاوضة برأسها إمّا لازمة و إما جائزة» و قال بعد أسطر: «حيث يجعلونها معاوضة برأسها» «3».

و الفرق بين هذا القول و بين ما عن المحقق الثاني- من كون المعاطاة بيعا جائزا- هو: أنّ المعاطاة بناء على قول الشيخ كاشف الغطاء ليست بيعا، فلا تجري عليها أحكام البيع، بخلافها على قول المحقق الثاني، لأنّ المعاطاة بناء عليه بيع جائز، فتجري عليها أحكام البيع.

______________________________

(1): الوافي، ج 3، ص 95، كتاب المعايش و المكاسب و المعاملات، الطبعة الحجرية.

(2) حاشية المكاسب، ص 68.

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158، 159.

ص: 365

نسب إلى ظاهر النهاية، لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها (1).

و المشهور (2) بين علمائنا عدم ثبوت الملك (3) بالمعاطاة و إن قصد المتعاطيان بها التمليك، بل لم نجد قائلا به إلى زمان المحقق الثاني الذي قال به، و لم يقتصر على ذلك (4) حتى نسبه (5) الى الأصحاب (6).

______________________________

و مستند هذا القول السابع- مع عدم كونها بيعا- هو آية التجارة عن تراض، لوضوح صدق «التجارة» على المعاطاة و إن لم يصدق عليها البيع، لتوقف صدق البيع على الإيجاب و القبول اللفظيين. و هذا القول يدلّ على كون النزاع في المعاطاة صغرويا، لأنّه يكشف عن عدم صغرويتها للبيع، و عدم فرديّتها له، فيكون مساوقا لنفي بيعيّتها في العبائر المتقدمة.

(1) يعني: ثبت رجوع العلامة قدّس سرّه عن هذا القول في غير «نهاية الأحكام» من كتبه، و سيأتي كلامه في التحرير- الموهم لموافقته للمحقّق الكركي في الالتزام بالملك الجائز.

ثم إنّ النزاع في المعاطاة على هذه الأقوال صغرويّ على بعضها، و كبرويّ على بعضها الآخر، فإنّ من نفى بيعيّتها نظر إلى عدم صغرويّتها لمفهوم البيع بناء على كون النفي حقيقيّا.

و من قال ببيعيّتها و نفى صحّتها أو لزومها و أثبت جوازها كان نزاعه كبرويّا، لتسليمه بيعية المعاطاة، و إنّما يناقش في الكبرى، و هي: أنّ كل بيع لازم.

(2) بعد أن أشار إلى الأقوال و أربابها أراد التنبيه على ما هو المشهور منها و ما ليس كذلك، و ما تفرّد به بعض دون آخر.

(3) لما عرفت من أنّ حمل الإباحة في كلامهم على الملك الجائز- كما صنعه المحقق الكركي قدّس سرّه- بعيد جدّا.

(4) أي: على إفادة المعاطاة للملك.

(5) هذا الضمير و ضميرا «به» في الموضعين راجعة إلى الملك.

(6) حيث قال في جامع المقاصد و تعليقه على إرشاد العلامة: «المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع و إن لم تكن كالعقد في اللزوم» «1».

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 58.

ص: 366

نعم (1) ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير، حيث قال فيه [1]: «الأقوى (2) أنّ المعاطاة غير لازمة، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، فإن تلفت

______________________________

(1) هذا استدارك على قوله: «بل لم نجد قائلا به» يعني: أنّ كلام العلامة في التحرير يوهم ترتّب الملك على المعاطاة، فلعلّ الأولى نسبة إفادة الملك الجائز إلى العلامة المتقدم عصرا على المحقق الكركي قدّس سرّهما.

(2) فإنّ ظاهره وجود القول القوي بالملك اللازم. توضيحه: أن تعبير العلّامة ب «الأقوى» يحتمل أمرين، قال بكلّ منهما بعض.

الأوّل: أن يكون القول القوي- المقابل للأقوى- هو الإباحة المحضة التي هي القول المشهور المتداول على الألسن إلى زمان العلّامة.

الثاني: أن يكون القول القوي: الملك اللازم المنسوب الى المفيد.

و على كلا الوجهين يتمّ استشهاد المصنف قدّس سرّه بعبارة التحرير، لأنّ محطّ نظر شيخنا الأعظم هو قول العلامة: «ان المعاطاة غير لازمة» سواء أ كان مقصود العلامة من القول الآخر الملك اللازم المنسوب إلى المفيد، أم الإباحة التي ذهب إليها المشهور.

______________________________

[1] لا يقال: إنّ إيهام عبارة التحرير لإفادة المعاطاة للملك مبني على كون المراد بالمعاطاة في كلامه ما قصد به التمليك، و هو غير معلوم، لاحتمال أن يراد بها ما قصد به الإباحة، و لا ينافيه التعبير باللزوم و الفسخ، لأنّ هذا التعبير إنّما هو بلحاظ كون المعاطاة عقدا قد أنشئ بالفعل، كما أنّ التعبير بالمعاوضة إنّما هو لأجل كون الإباحة بإزاء الإباحة كما هو مقتضى باب المفاعلة، فالمعاوضة ثابتة، غاية الأمر أنّها بين الفعلين لا المالين، فلا حاجة معه الى ما تكلف به المصنف قدّس سرّه.

فإنه يقال: لا يراد هذا الاحتمال، لمكان قوله بعد ذلك: «بخلاف البيع الفاسد» إذ لا مجال لتوهم كون المعاطاة المقصود بها الإباحة كالبيع الفاسد حتى يدفع بذلك، و هذا بخلاف المقصود بها التمليك، فتدبر.

ص: 367

لزمت» «1» انتهى. و لذا (1) نسب ذلك إليه في المسالك. لكن (2) قوله بعد ذلك: «و لا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه، بخلاف البيع الفاسد» ظاهر في أنّ مراده مجرد

______________________________

(1) يعني: و لأجل توهم هذا الظهور قال الشهيد الثاني: «و عبارة العلّامة في التحرير كالصريحة في إفادة هذا المعنى، لأنّه قال: الأقوى عندي: أن المعاطاة غير لازمة .. إلخ» «2».

و ما أبعد ما بين تعبير المصنف بالإيهام و دعوى الشهيد الثاني التصريح.

(2) غرضه دفع قوله: «نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير» و محصل ما أفاده تضعيفا لتوهم الظهور المزبور هو: أنّ منشأ توهم الظهور في الملك في عبارة التحرير أمور:

أحدها: قوله: «الأقوى».

ثانيها: قوله: «بل لكل منهما فسخ المعاوضة» لظهوره في كون المعاطاة من المعاوضات، كما أنّ الفسخ مخصوص بالعقود، و في موارد الإباحة استرداد للعين.

ثالثها: قوله: «فان تلفت لزمت» فإنّ جميع ذلك ظاهر في حصول الملك المتزلزل و لزومه بالتلف.

و المصنف قدّس سرّه ناقش في الجميع. أما في الأوّل فبأنّ المراد بقوله: «الأقوى» هو في مقابل قول المفيد باللزوم.

و أمّا في الثاني فبأن إطلاق المعاوضة عليها إنّما هو باعتبار قصد المتعاطيين. و كذا إطلاق الفسخ على الرد، لا باعتبار تحقق عقد مملّك.

و أمّا الثالث فبأنّ إطلاق اللزوم بالتلف إنّما هو بهذا الاعتبار أيضا.

و على فرض ظهور هذه الجمل في الملك يكون قوله: «و لا يحرم على كل منهما الانتفاع ..

إلخ» أظهر من تلك الجمل في عدم حصول الملك، إذ مع فرض حصوله لا يبقى مجال لقوله:

«و لا يحرم» لأنّه لا ينبغي الارتياب في جواز التصرف في الملك، فمع حصول الملك بالمعاطاة لا يبقى شك في حليّة التصرف.

______________________________

(1): تحرير الأحكام، ج 1، ص 164.

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 148.

ص: 368

الانتفاع، إذ لا معنى [1] لهذه (1) العبارة بعد الحكم بالملك.

و أمّا قوله: «و الأقوى .. الى آخره» فهو إشارة إلى خلاف المفيد رحمه اللّه و العامة القائلين باللزوم [2].

و إطلاق (2) المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان. و إطلاق الفسخ على الرّد بهذا الاعتبار (3)

______________________________

(1) أي: لقول العلامة: «و لا يحرم على كل منهما الانتفاع» إذ لو كانت المعاطاة مفيدة للملك، لم يكن معنى لحكم العلامة بعدم حرمة الانتفاع، لكون جواز انتفاع كلّ واحد منهما- فيما انتقل إليه- من آثار الملك، فلا حاجة الى التنبيه عليه، فصون كلام العلامة عن توضيح الواضح يقتضي إرادة الإباحة من الملك، لما بين الإباحة و جواز الانتفاع من الملائمة و المناسبة.

(2) معطوف على: «و أما قوله» و هو إشارة إلى منع المنشأ الثاني لظهور عبارة التحرير في الملك، و هذا هو إطلاق المعاوضة على المعاطاة، و إطلاق الفسخ على استرداد العينين ما دامتا باقيتين.

(3) أي: باعتبار قصد المتعاطيين.

______________________________

[1] بل لا معنى لهذه العبارة بعد الحكم بالإباحة، لأنّه تكرار لما يستفاد من العبارة السابقة على القول بالإباحة، بخلافه على القول بالملك، لأنّه بناء على هذا يكون من قبيل الحكم بعد حصول موضوعه، فكأنّه قال: «الأقوى: أن المعاطاة تفيد الملك غير اللازم، فلا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه، ليتحقق الملك. بخلاف البيع الفاسد، فإنّه يحرم الانتفاع فيه، لعدم تحقق الملك، فلا مسوّغ للتصرف فيه».

و عليه فما استظهره المسالك من عبارة التحرير و نسبه إليه من كون المعاطاة مفيدة للملك الجائز لا يخلو من جودة.

[2] لا يخفى أنّ المنسوب الى شيخنا المفيد و بعض العامة هو الملك اللازم، فالمقابلة تقتضي أن يكون المراد بقوله: «الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة» أنّ المعاطاة تفيد الملك الجائز، فاستظهار المسالك في محله، و اللّه العالم.

ص: 369

أيضا (1)، و كذا اللزوم (2).

و يؤيّد (3) ما ذكرنا- بل يدل عليه-: أنّ الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها على الإيجاب و القبول، ثم قال: «و هل يستغنى عن الإيجاب و القبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه (4)، نعم (5) يباح التصرف بشاهد الحال» «1» انتهى.

و صرّح بذلك (6) أيضا في الهدية «2»، فإذا لم يقل (7) في الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول بها في البيع؟

______________________________

(1) أي: كصدق المعاوضة على المعاطاة باعتبار قصدهما.

(2) أي: إطلاق لزوم المعاطاة باعتبار القصد. و هذا منع المنشأ الثالث.

(3) أي: يؤيّد إرادة مجرّد الانتفاع- لا الملكية المتزلزلة- في عبارة التحرير ما أفاده العلامة في هديّة التحرير من توقف مملّكيّتها على الإيجاب و القبول اللفظيين، و إلّا أفادت إباحة محضة.

و التعبير بالتأييد لعلّه لاحتمال وجود تعبّد في البين فارق بين باب المعاطاة في البيع و الهدية. و الإضراب عنه إلى الدلالة ناظر الى منع التعبد، و كونهما من باب واحد.

(4) أي: عدم الاستغناء عن الإيجاب و القبول.

(5) الشاهد في تصريح العلامة قدّس سرّه بحصول إباحة التصرف في الهدية الفعلية، و لو كانت بالإيجاب و القبول اللفظيين لأفادت الملك.

(6) أي: بعدم استغناء الهدية عن الإيجاب و القبول اللفظيين، و بحصول مجرّد إباحة التصرف، كعدم استغناء الهبة عنهما.

(7) يعني: أنّ عدم التزام العلّامة قدّس سرّه بالمعاطاة في عقد الهبة يستلزم إنكار المعاطاة في البيع بالأولوية القطعية، إذ البيع عقد لازم، و الهبة جائزة، فتوقف العقد الجائز على إنشائه باللفظ يستلزم أولوية توقف العقد اللازم عليه.

______________________________

(1): تحرير الاحكام، ج 1، ص 281.

(2) المصدر، ص 284.

ص: 370

و ذهب (1) جماعة تبعا للمحقق الثاني إلى حصول الملك (2).

[المقام الثالث: الاستدلال على القول المختار]
[الدليل الأوّل: السيرة]

و لا يخلو عن قوّة، للسيرة (3) المستمرة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق و البيع و الوطي و الإيصاء و توريثه، و غير ذلك من آثار الملك.

______________________________

(1) معطوف على قوله: «و المشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة» و هذا إشارة إلى القول الثاني- المعتنى به- في حكم المعاطاة، بعد القول المشهور النافي للملك.

(2) هذا مختاره قدّس سرّه من بين الأقوال الستة المتقدمة. و العبارة ظاهرة بدوا في الميل الى مختار المحقق الكركي قدّس سرّه من الملك المتزلزل. لكن مقصود المصنف قدّس سرّه- بقرينة أدلة مملّكيّة المعاطاة و ما سيأتي من أدلة اللزوم- هو الاستدلال على أصل إفادة المعاطاة للملك، مع الغض عن جوازه و لزومه، بقرينة قوله: «الى حصول الملك» و لم يقل «الملك المتزلزل» و ليس مقصوده تقوية خصوص الملك الجائز الذي أسّسه المحقق الكركي حتى يتوهم منافاة قوله:

«و لا يخلو عن قوة» لما سيأتي من الأدلة الثمانية على كون المعاطاة كالبيع بالصيغة مفيدة للملك اللازم.

ثم إن هذا شروع في المقام الثالث المتكفل لحكم المعاطاة بحسب الأدلّة الاجتهادية، و تعرّض المصنف لوجوه خمسة استدلّ بها القوم، و ناقش في بعضها. أوّلها: السيرة، ثانيها:

آية حلّ البيع، ثالثها: آية التجارة عن تراض. رابعها: حديث السلطنة، خامسها: الإجماع المركّب.

المقام الثالث: الاستدلال على القول المختار الدليل الأوّل: السيرة

(3) هذا هو الدليل الأوّل على مملّكية المعاطاة، و قد استدل به المحقق الثاني في ما تقدم من عبارتي جامع المقاصد و تعليق الإرشاد، و تبعه غيره ممّن قال بالملك.

ثم إنّ السيرة أمّا عقلائية و إمّا متشرعية، و المراد بالأولى بناء العقلاء- بما هو عقلاء- مع الغضّ عن تديّنهم بشريعة، كسيرتهم على الأخذ بظاهر الكلام في مقام الاحتجاج، و بالعمل

ص: 371

..........

______________________________

بإخبار الثقة و نحوهما. و المراد بالثانية عمل المتشرّعة بأمر و التزامهم به بما أنّهم متديّنون.

و الفارق بين السيرتين: أنّ اعتبار الاولى يتوقف على إمضاء الشارع لها و لو بعدم الردع، دون الثانية، لكونها إجماعا عمليا متلقاة من الشارع.

و الظاهر أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من السيرة هنا هي السيرة العقلائية دون المتشرعية، و ذلك لما سيأتي منه في التشكيك في حجيتها بقوله: «فهي كسائر سيرهم الناشئة عن المسامحة و قلّة المبالاة في الدين ..» و من المعلوم أنّ سيرة المتشرعة لا سبيل للطعن فيها بمثله، و إلّا لم تكن سيرة المتشرعة.

و كيف كان فالاستدلال بالسيرة العقلائية على ترتيب آثار الملك على المعاطاة منوط بأمور ثلاثة لا بدّ من إحرازها:

الأوّل: أصل ثبوت بناء العقلاء على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.

الثاني: استمرار عملهم من زماننا إلى عهد الشارع و عدم كونه من السير الحادثة.

الثالث: عدم ردع الشارع الأقدس عنه حتى يستكشف إمضاؤه له و تقريره إيّاه.

و هذه الأمور الثلاثة محققة في المقام.

أمّا الأمر الأوّل، فلوضوح استقرار بناء العقلاء على ترتيب آثار الملك على المعاطاة، لتصرفهم في المأخوذ بها بما يكون من شؤون سلطنة المالك خاصة، من جواز بيعه و عتقه و الإيصاء به الى الغير، و توريثه، و وقفه، و التصدّق به، و نحو ذلك من التصرفات التي يتوقف نفوذها على صدورها من المالك أو من يقوم مقامه، و لا تكون مشروعة من المباح له.

و لو كانت المعاطاة مؤثّرة في الإباحة المحضة دون الملك لكانت التصرفات المذكورة غير نافذة شرعا، و أوجب ذلك اختلال نظام المعيشة. و إنكار هذه السيرة مكابرة، فإنّها ثابتة من العقلاء بما هم عقلاء، و من المتشرعة بما هم متشرّعون. فدعوى كون المتيقن من هذه السيرة هو إباحة التصرفات لا الملكية مجازفة.

و أمّا الأمر الثاني: فلأنّ هذه السيرة ليست حادثة في الزمن المتأخر عن عصر الشارع،

ص: 372

[الدليل الثاني: آية حلّ البيع]

و يدلّ عليه (1)

______________________________

بل مقتضى تشابه الأزمنة و عدم نقل خلافها في التواريخ ثبوت هذه السيرة في عصر الشارع.

و قد أشار المصنف الى هذه الجهة بقوله: «المستمرة».

و أمّا الأمر الثالث فلأنه يكفي في إحراز الإمضاء- بعد ثبوت الاستمرار- عدم ثبوت الردع الشرعي، و لو لم تكن سيرة العقلاء مرضيّة له لزمه الردع عنها.

فان قلت: يكفي في الردع إطلاق دليل الاستصحاب القاضي بلزوم الجري العملي على اليقين- أو المتيقّن- السابق، و عدم نقضه بالشك، فأصالة عدم حدوث الملك بالمعاطاة حجة شرعية صالحة للردع. و كذا الإجماع المتقدم- في عبارة شيخ الطائفة و ابنا زهرة و إدريس- على كون المعاطاة مبيحة لا مملّكة. و عليه فالسيرة هنا ساقطة عن الاعتبار.

قلت: لا مجال للردع بإطلاق دليل الاستصحاب مع كون السيرة دليلا اجتهاديا حاكما على الاستصحاب، بعد البناء على حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلّية، و أما الإجماع المنقول ففيه عدم حجيّته في نفسه خصوصا مع احتمال مدركيّته.

الدليل الثاني: آية حلّ البيع

(1) أي: و يدلّ على حصول الملك بالمعاطاة عموم قوله تعالى. و هذا هو الدليل الثاني على كون المعاطاة- كالبيع بالصيغة- في إفادة الملكية. و المذكور في المتن في تقريب دلالة الآية المباركة على المدّعى وجوه ثلاثة:

أوّلها: دلالة الآية بالمطابقة على حلية أنحاء التصرفات- تكليفا في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقفت على الملك أم لا، و مدلولها الالتزامي الشرعي هو صحة المعاطاة أي: كونها مؤثّرة في النقل.

و الشاهد على ابتناء هذا الوجه على الملازمة الشرعية بين حلية البيع و صحته هو ما سيأتي منه قدّس سرّه في مقام المناقشة فيه بقوله: «و إباحة هذه التصرفات إنّما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات .. إلخ».

ص: 373

..........

______________________________

ثانيها: دلالتها بالمطابقة على الصحة، لأنّ تعلق الحلية بالأمر الاعتباري يناسب إرادة الوضع لا التكليف، و معه لا حاجة الى تقدير الأفعال الخارجية التي هي متعلقات الأحكام التكليفية.

ثالثها: دلالة الآية بالملازمة العرفية- لا الشرعية- على صحة المعاطاة، و إفادتها للملك من أوّل الأمر. و سيأتي بيان الأخيرين عند تعرّض الماتن لهما.

و أما الأوّل فتقريبه: أنّه مبني على أمور مسلّمة:

أحدها: أنّ المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفا.

ثانيها: أنّ مقتضى إلقاء الخطابات الى العرف كون موضوع الأدلة الشرعية هو البيع الصحيح- بنظرهم، لا الصحيح- شرعا، لما تقدم قبيل بحث المعاطاة من أن المستعمل فيه- من كلمة البيع في الأدلة- هو النقل المؤثّر عند العرف.

ثالثها: أنّ الموجب لتقدير «التصرفات» و إرادة الحلية التكليفية من الآية المباركة- مع تعلق الحلّ بنفس البيع- أحد أمور أربعة:

الأول: ظهور «الحلّ» في التكليفي، خصوصا مع تأكّد هذا الظهور الذاتي بالعرضي و هو تحريم الربا، و عدم تعلق الحلّ التكليفي بالبيع بمعنى إنشاء التمليك، إذ لا يتوهم فيه غير الحلّ حتى يحتاج إلى البيان.

الثاني: ورود الآية مورد الامتنان، و من المعلوم عدم الامتنان في حلّيّة مجرّد الإنشاء، بل لا بدّ في حصول الامتنان من تحليل التصرفات المترتبة على البيع.

الثالث: كون البيع بنفسه غير اختياري، لترتبه على سببه بلا اختيار، فلا بدّ حينئذ من تقدير ما يصحّ تعلق الحلّ التكليفي به و هو التصرفات.

الرابع: أنّ الملكية اعتبار ذهني لا يتعلق بها الجعل، بل تنتزع من التكليف المجعول بالاستقلال.

و بهذا يتم الاستدلال، حيث إنّ إباحة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة تستلزم شرعا

ص: 374

أيضا (1) عموم (2) قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» حيث إنّه (3) يدلّ على حليّة جميع التصرفات المترتبة على البيع [1].

______________________________

صحّتها، إذ لو لم تكن مؤثّرة في النقل لم يحلّ التصرف فيه أصلا.

هذا تقريب الاستدلال، و سيأتي مناقشة المصنف قدّس سرّه فيه من عدم اقتضائه أزيد من الملك الآنيّ، و أمّا حصول الملكية من أوّل الأمر فلا.

(1) أي: كما دلّت السيرة العقلائية الممضاة شرعا على صحة المعاطاة و تأثيرها في الملك من حين التعاطي.

(2) المراد به الشمول الصادق على كل من العموم الوضعي و الإطلاق الحكمي، لوضوح أنّ شمول «البيع» للقولي و الفعلي ليس بالوضع، بل بمعونة مقدمات الحكمة.

(3) يعني: حيث إنّ عموم الآية يدلّ على حلّيّة جميع التصرفات، و الوجه في هذه الدلالة بعد تقدير متعلق الحلّ أي- التصرف- هو العموم الناشي من حذف المتعلق، فتثبت حلّية كل تصرف في المأخوذ بالمعاطاة، سواء توقف على الملك أم لا.

______________________________

[1] الحق دلالة الآية على المدّعى بلا حاجة الى تقدير أصلا. و توضيحه يتوقف على تقديم أمور:

الأوّل: أنّ التصرفات المترتبة على البيع مختلفة بحسب الحكم، مثلا: إذا باع زيد فرسه بدنانير معيّنة، فركوبه حلال تكليفا، و بيعه و وقفه و هبته و صلحه و نحوها حلال وضعا، و إنفاقه واجب تكليفا، و حمل ما يحرم أكله و شربه عليه كالميتة و الخمر حرام تكليفا.

و الحاصل: أنّ التصرفات المترتبة على البيع مختلفة سنخا و حكما، لكون بعضها خارجيّا كالركوب و الأكل و الشرب و اللّبس، و هذا القسم محكوم بالحلّ التكليفي أو الحرمة أو الوجوب كذلك، كحرمة حمل المحرّمات من الخمر و لحم الخنزير و نحوهما عليه، و كوجوب الإنفاق عليه. و بعضها اعتباريا كالبيع و الصلح و الهبة و الوقف و العتق و نحوها،

______________________________

(1): البقرة، الآية 275.

ص: 375

______________________________

و هذا القسم محكوم بالحكم الوضعي كما لا يخفى.

الثاني: أنّ القيود الناشئة عن الحكم يمتنع دخلها في المتعلق، و من تلك القيود الصحة، فإنّها ناشئة عن الدليل، فدخلها في موضوع الدليل غير صحيح كما هو واضح.

الثالث: أن الحل في اللغة- كما عن الصحاح- هو الطلق الذي هو الإرسال و عدم المنع و الحجر، في مقابل الحرمة الّتي هي المنع و الحجر، و من المعلوم أنّ الحلّ بهذا المعنى أعم من التكليفي و الوضعي، فنفوذ البيع يصدق عليه الحلّ، لعدم منع عنه، في مقابل البيع غير النافذ، فإنّه ممنوع عنه، للمنع عن نفوذه و كونه كسائر البيوع النافذة. فمعنى حرمة بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة و المجهول و غير ذلك هو عدم نفوذها و عدم ترتب الأثر المقصود عليها.

فكلّ من الحل و الحرمة يعمّ التكليفي و الوضعي، و تعيّن أحدهما في بعض الموارد إنّما هو بالقرينة، فتنظر بعض المحشين قدّس سرّه في جواز إرادتهما معا، نظرا إلى عدم القدر المشترك «1»، غير ظاهر الوجه.

فالمتحصل: أنّه مع عدم القرينة على إرادة خصوص أحدهما يحمل كلّ من الحلّ و الحرمة على القدر المشترك.

الرابع: أنّ الأصل عدم التجوز و عدم التقدير، فمع إمكان إرادة الظاهر لا تصل النوبة إلى ارتكابهما، لأنّه رفع اليد عن الظاهر و ارتكاب خلافه بلا دليل، فلا يصار إليه بلا موجب.

الخامس: أنّ الحلّ كالحرمة تارة يتعلق بالأعيان الخارجية كقوله تعالى أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «2». و أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ «3» و حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ «4». و اخرى يتعلق بالأفعال الخارجية كالأكل و الشرب

______________________________

(1): حاشية المحقق الايرواني على المكاسب، ج 1، ص 77.

(2) المائدة، الآية: 1.

(3) المائدة، الآية: 5.

(4) النساء، الآية: 23.

ص: 376

______________________________

و النكاح و غير ذلك. و ثالثة يتعلق بالأمور الاعتبارية المبرزة بمبرز خارجي أو المنشئة بإنشاء قولي أو فعلى كالصلح و البيع و الإجارة، و غيرها من الأمور الاعتبارية.

فإن تعلّق بأعيان خارجية لم يصح الكلام إلّا بتقدير فعل مناسب يتعلّق به الحكم، و إلّا كان لغوا، فدلالة الاقتضاء توجب التقدير المزبور، فيتعلق الحلّ في الآيات المتقدمة بالأكل و في آية حرمة الأمّهات بالنكاح.

و إن تعلّق بالأفعال الخارجية يصحّ الكلام من دون حاجة الى تقدير، كقوله تعالى:

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيٰامِ الرَّفَثُ إِلىٰ نِسٰائِكُمْ «1» لكون متعلق الحل- و هو الفعل كالرفث في الآية الشريفة- مذكورا في الكلام.

و إن تعلق بالأمور الاعتبارية فكذلك، لصحة تعلّقه بها من دون حاجة الى تقدير.

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم: أن مقتضاه إرادة حلية نفس البيع من الآية الشريفة و عدم تقدير التصرفات، لأنّه خلاف الأصل كما عرفت، فمعنى الآية الشريفة- و اللّه العالم-: أنّ اللّه تعالى شأنه قد رخّص في إيجاد البيع و أطلقه، و لم يمنع عن تحققه في الخارج. فيراد بالحلّ الجامع بين التكليفي و الوضعي، فتدلّ الآية المباركة- بالمطابقة- على جواز البيع تكليفا و نفوذه وضعا. و لا ينبغي الارتياب في كون المعاطاة المقصود بها التمليك بيعا، فيشمله قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لأنّ المراد بالبيع في هذه الآية المباركة هو معناه العرفي لا الشرعي، بمعنى ما يكون جامعا للشرائط الشرعية حتى يكون مؤثرا فعلا، لما عرفت- في بعض الأمور المتقدمة من امتناع دخل ما ينشأ عن الحكم في متعلقة، و المفروض أنّ الصحة مترتبة على الدليل، فلا يمكن أخذها في متعلقة. فالمقصود من البيع في الآية هو العرفي، فالبيع العرفي بمقتضى هذه الآية حلال تكليفا و وضعا، فالمعاطاة حلال كذلك، لأنّها بيع عرفي.

فالمتحصل: أنّ الاستدلال بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ على كون المعاطاة بيعا جائزا و نافذا في غاية المتانة.

______________________________

(1): البقرة، الآية: 187.

ص: 377

______________________________

و قد ظهر أن الدلالة على ذلك تكون مطابقيّة.

لا يقال: إنّ مقتضى المقابلة بين حلية البيع و حرمة الربا هو إرادة الحلية التكليفية في مقابل الحرمة التكليفية للربا، و حيث إنّ حلية البيع- الذي هو إنشاء تمليك عين بمال- تكليفا غير محتاجة إلى البيان، فلا بد من تقدير ليصحّ تعلق الحلية التكليفية به، و المقدّر هو التصرفات، فجميع التصرفات المترتبة على البيع حلال تكليفا بالدلالة المطابقية، و نفس البيع حلال التزاما، فالتصرفات المترتبة على المعاطاة حلال تكليفا و إن كانت متوقفة على الملك، فلا يستفاد من الآية الملكية بل حلية التصرفات، إذ لا يراد حينئذ من «أَحَلَّ» إلّا الحلية التكليفية كما هو ظاهر المصنف قدّس سرّه.

فإنّه يقال: لا مجال لإرادة حلية التصرفات المترتبة على البيع من قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ لما عرفت من اختلاف أحكامها بحيث لا يشملها الحلّ، و إرادة بعضها مما لا قرينة عليه، هذا.

مضافا إلى: لغوية ذلك، لتضمن أدلة تشريع تلك الأحكام لها، فتشريعها ثانيا ممتنع على الحكيم.

و إلى: أنّ الحمل على التصرفات محتاج الى تقدير أو تجوز. و كلاهما خلاف الظاهر جدّا من دون حاجة إليه، لما مرّ من صحة تعلق الحل بنفس البيع، و عدم الوجه في رفع اليد عن هذا الظاهر.

و أمّا حرمة الربا فليست قرينة على إرادة خصوص الحل التكليفي، لأنّ المرادة بالحرمة هو المنع و الحجر، في مقابل الإطلاق و الإرسال، فالمراد بحرمة الربا هو المنع عنها، و عدم نفوذ البيع فيها. و ليس المراد خصوص الحرمة التكليفية، لأنّها إن كانت عين حرمة التصرف في مال الغير فهي لغو، فلا بد من الالتزام بالتأكد، و هو خلاف الأصل. و إن كانت غيرها لزم تعدد العقاب على المخالفة، و تعدد الثواب على الموافقة، و هو كما ترى ممّا يبعد الالتزام به. و هذا يصلح لأن يكون قرينة على إرادة الحل الوضعي و هو نفوذ البيع من «أَحَلَّ» و يقابله حرمة الربا،

ص: 378

______________________________

فيراد بها عدم النفوذ.

فحاصل المعنى: أن البيع نافذ، و الربا غير نافذة، فبالقرينة المقامية يتعيّن إرادة الحلية الوضعيّة من «أَحَلَّ» و الحرمة الوضعيّة من «حَرَّمَ الرِّبٰا».

و مع الغضّ عن هذه القرينة لا مانع من إرادة القدر المشترك- و هو الإرسال- من «أَحَلَّ» و المنع الذي هو ضدّ الإرسال من «حَرَّمَ الرِّبٰا».

فقد ظهر من جميع ما ذكرنا: ضعف ما أفاده المصنف قدّس سرّه من دلالة الآية الشريفة على حلّية التصرفات المترتبة على البيع، بل المراد الحلية الوضعية، فالبيع يوجب الملكية، لا أنّه يبيح التصرفات بدون الملكية كما أفاده المصنف قدّس سرّه حتى نحتاج الى الالتزام بالملك التقديري بالنسبة إلى التصرفات المتوقفة على الملك.

نعم يتجه ما أفاده قدّس سرّه من تعلق الحلية بالتصرفات بناء على أنّ المراد بالبيع خصوص الصحيح، حيث إنّه لا معنى حينئذ لحلية البيع الصحيح، بل لا بدّ من جعل متعلّق الحلّ التصرفات المترتبة على البيع الصحيح.

لكن لا مجال لذلك بعد البناء على إرادة البيع العرفي، و بعد ما عرفت من امتناع جعل الحلّ بالنسبة إلى التصرفات المختلفة الأحكام المترتبة على البيع.

و أما ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جعل الحلّ متعلقا بالتصرفات ففيه أوّلا: أنّ التقدير خلاف الأصل، و لا موجب له بعد صحة تعلق الحلّ بنفس البيع الذي هو معاملة خاصة عرفية، حيث إنها من الأمور الاعتبارية التي يصح أن يتعلّق بها الحلية و الحرمة كما مرّ في بعض المقدمات.

و ثانيا: عدم صحة تعلق الحلّ التكليفي بتلك التصرفات بعد اختلافها في الأحكام كما تقدم أيضا.

و ثالثا: أنّ حليّة التصرفات لا تنطبق على المدّعى، و هو كون المعاطاة مفيدة للملك، لأنّ مجرّد إباحة التصرفات لا يدلّ على الملكية التي هي المدّعاة، إذ المفروض أنّ

ص: 379

______________________________

المحقق الثاني قدّس سرّه يلتزم بمملّكية المعاطاة، لا مجرّد كونها مبيحة للتصرفات، و المصنف قدّس سرّه يريد إثبات هذا المدّعى بالسيرة و بآية حلّ البيع. و من المعلوم أنّ حلية التصرفات- تكليفا- المترتبة على البيع لا تثبت الملكية، فالدليل لا ينطبق على المدّعى.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ المقصود ترتب حلية جميع التصرفات- حتى المتوقفة على الملك- على البيع الصادق على المعاطاة، فالآية حينئذ تدلّ بالمطابقة على حلية التصرفات المترتبة على البيع، و بالالتزام على تأثير البيع الصادق على المعاطاة في الملكية.

لكن قد عرفت عدم صحة تعلق الحلّ بالتصرفات المختلفة حكما، فلا وجه لتقدير «التصرفات» و جعل الحلّ متعلّقا بها.

و أمّا شي ء من الوجوه الأربعة- من ظهور الحلّ في التكليفي، و ورد الآية مورد الامتنان، و كون البيع غير اختياري و انتزاعية الملكية- فلا يصلح لإثبات تقدير التصرفات و جعلها متعلقة للحل.

إذ في الأوّل أوّلا: منع الظهور في الحلّ التكليفي، بعد ما عرفت من عدم إرادة الحرمة التكليفية في قوله تعالى وَ حَرَّمَ الرِّبٰا.

و ثانيا: بعد تسليمه عدم مانع عن إرادة الحل التكليفي، لأنّ متعلقة المعاملة الخاصة المعهودة بين الناس، و حليّتها التكليفية ملازمة عرفا لحليتها الوضعية.

و في الثاني: حصول الامتنان بحلّ البيع العرفي تكليفا المستلزم لحلّه وضعا، فلا حاجة الى تقدير التصرفات.

و في الثالث: منع عدم اختيارية البيع، لأنّ المراد به هو المعاملة المتداولة بين العقلاء التي هي من أفعالهم الاختيارية. نعم ليست هذه المعاملة فعلا اختياريا لأحد المتعاقدين، لأنّها فعلهما معا، لا واحد منهما، فتأمّل.

و في الرابع: أن الملكية ليست اعتبارا ذهنيا، بل هي حكم وضعي قابل لتعلق الجعل به، استقلالا، كما تقدم مرارا.

ص: 380

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا: صحة الاستدلال بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ على كون المعاطاة مفيدة للملك، سواء أريد بالحل التكليفي أم الوضعي.

أمّا على الأوّل فلاستلزام حلّ المعاملة الخاصة البيعية تكليفا لحلّها وضعا، إمّا للامتنان، و إمّا لعدم احتياج الحلّ التكليفي المجرّد عن الوضعي إلى البيان، لوضوحه و عدم توهّم حرمته غاية الأمر أنّ دلالته على الحلّ الوضعي بناء على هذا تكون التزامية لا مطابقية.

و أمّا على الثاني- كما هو الأصح- فلكون متعلق الحلّ أوّلا و بالذات نفس البيع، فدلالته على نفوذ البيع و مملّكيته تكون بالمطابقة، فلا يتوقف الاستدلال بالآية المباركة على تجوز أو تقدير ليكون متعلق الحلّ التصرفات.

ثم إنه قد أورد على المصنف قدّس سرّه بوجوه عديدة، اثنان منها راجعان الى منع دلالة الآية الشريفة التزاما على إفادة البيع للملكيّة، و واحد منها راجع الى كون المعاطاة بيعا، و هي:

الأوّل: أن حلية التصرفات تكليفا لا تدلّ على الملكية بالدلالة الالتزامية، إذ لا ملازمة بينهما لا عقلا و لا شرعا. أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلأنّ جواز التصرف في أموال الناس في حال الضرورة و المجاعة مسلّم عندهم، من غير أن يكون ذلك ملكا للمتصرّف. نعم التصرفات المنوطة بالملك تكشف عن حصوله آنا مّا قبل التصرف جمعا بين الأدلة. فالاستدلال بالآية الشريفة- بناء على كون مدلولها المطابقي حلية التصرفات تكليفا- على تحقق الملكية من حين التعاطي في غير محلّه، لعدم الملازمة بين الملكية و إباحة التصرّفات، هذا.

لكن يمكن دفعه بأنّ المراد التصرفات التي يرتّبها العقلاء على بيوعهم. و من المعلوم أنّ المتداول بينهم هي التصرفات المالكية، بمعنى: أنّ العرف يرى استناد تصرفات المشتري في المبيع الى مالكيّته له، لا إلى إباحة المالك أو الشارع له، و إباحة هذه التصرفات- لا محالة- تدل التزاما على ملكية المبيع للمشتري و الثمن للبائع.

و هذا بخلاف التصرفات المباحة من جهة الضرورة، فإنّ الضرورات تتقدر بقدرها. و من المعلوم ارتفاع الضرورة بمجرّد الإباحة في التصرف كالأكل، فلا موجب للالتزام بالملكية كما لا يخفى.

ص: 381

______________________________

الثاني: ما تقدّم من أنّ الحلّ التكليفي يمتنع أن يشمل جميع التصرفات، لاختلافها سنخا و حكما، فإنّ وجوب الإنفاق على الدابة المبيعة أو حرمة العمل عليها مما لا يمكن تناول الحلّ التكليفي له. و الالتزام بحلية بعض التصرفات دون بعضها بلا ملزم و بلا دليل يقتضيه.

و دعوى «شمول الحلّ لجميع التصرفات، غاية الأمر أنّه يخرج بعضها- كوجوب الإنفاق و حرمة الصرف في المعصية- بالدليل، فيخصّص عموم حلّ التصرفات بالدليل الخارجي» غير مسموعة، لمنافاة التخصيص للامتنان المناسب للمعلوم، و لمنافاته أيضا لما يقتضيه حذف المتعلق من إرادة العموم.

مضافا إلى: عدم الحاجة الى إثبات الحلّ التكليفي بالآية المباركة بعد ثبوته بأدلة تشريع تلك التصرفات، فيلزم إمّا المحال و هو إيجاد الحاصل، و إمّا ارتكاب خلاف الأصل، و هو التأكّد.

الثالث: أنه لو سلّم دلالة الآية الشريفة على جواز البيع وضعا و تكليفا، أو قلنا بدلالتها على حلية التصرفات و استكشفنا منها الملكية من أوّل الأمر، لكنّها لا تشمل المعاطاة، لعدم صدق البيع عليها، إذ لا يخلو إمّا أن يكون البيع من مقولة اللفظ أو من مقولة المعنى. و على التقديرين لا يصدق مفهوم البيع على المعاطاة.

أمّا على الأوّل فواضح. و أمّا على الثاني فلأنّ البيع و إن كان من مقولة المعنى، لكن صدق عنوان البيع عليه يتوقف على إبرازه باللفظ، لأنّ الكلام النفسي مدلول الكلام اللفظي.

و من المعلوم أنّ المعاطاة لم تبرز باللفظ، فتكون خارجة عن حدّ البيع، فلا وجه للاستدلال على مملّكيّتها بآية الحلّ، هذا.

و فيه: أنّ البيع ليس اسما لمجرّد اللفظ، و إلّا يلزم تحققه بلفظ «بعت» بدون الإنشاء.

و ليس أيضا اسما للاعتبار النفساني غير المبرز بمظهر خارجي، و إلّا لزم تحققه بنفس الاعتبار و إن لم يكن مبرزا خارجا، بل البيع هو الاعتبار النفساني المبرز بمظهر خارجي سواء أ كان لفظا أم فعلا، و لا دليل على حصر المبرز في اللفظ خاصة.

ص: 382

بل قد يقال (1): بأنّ الآية دالّة عرفا بالمطابقة على صحة البيع، لا مجرّد الحكم التكليفي (2).

لكنه محل تأمّل (3) [1].

______________________________

(1) هذا هو التقريب الثاني من وجوه الاستدلال بالآية الشريفة على مملكية المعاطاة، و لعلّه مختار من يقول بقابلية الأحكام الوضعية للجعل الاستقلالي، و أنّ الحلّية لو كانت ظاهرة بدوا في خصوص التكليف، إلّا أنّ ذلك منوط بتعلّقها بالتصرّف الخارجي كالأكل و الشرب، و أمّا إذا تعلقت بالتصرف الاعتباري من عقد أو إيقاع فلا، حيث إنّ الحلّ الوضعي عبارة عن نفوذ متعلقة و تأثيره في الأثر المقصود، فالبيع المقصود به التمليك تكون صحته عبارة عن تأثيره في الملكية، فالآية الشريفة حينئذ يكون مدلولها المطابقي إفادة البيع للملكيّة، و قد تقدّمت فرديّة المعاطاة للبيع و صغرويّتها له، فتشملها آية الحلّ.

و بهذا ظهر وجه الإضراب المستفاد من قوله: «بل قد يقال» لأولوية استظهار صحة البيع المعاطاتي من الآية الشريفة بالمطابقة من استظهارها بالدلالة الالتزامية المتفرعة على تمامية الدلالة المطابقية، فلو نوقش في دلالة الآية على حلية التصرفات المترتبة على البيع امتنع إثبات مملّكية المعاطاة كالبيع القولي، و هذا بخلاف ظهور الحلية ابتداء في الوضع.

(2) و هو إباحة التصرفات- المترتبة على البيع- المستلزمة لصحته.

(3) وجهه: أنّ حمل الحلّ على الوضعي خلاف الظاهر، لظهوره في التكليفي، و لا بدّ حينئذ من تعلّقه بالتصرفات مطلقا خارجية كانت أم اعتبارية، إذ لا يتوهم حرمة إنشاء البيع حتى يدفع بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فلا بدّ أن يتعلق بالتصرفات. فالآية الشريفة تدل بالدلالة المطابقية على حلية التصرفات تكليفا، و بالدلالة الالتزامية على حلية البيع وضعا.

______________________________

[1] قد عرفت مفصّلا أنّه ظاهر الآية الشريفة، و لا ينبغي التأمل فيه. و دعوى ظهور «الحلّ» في التكليفي استنادا الى الوجوه المتقدمة قد عرفت ما فيها، فلاحظ و تدبّر.

ص: 383

و أمّا (1) منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة.

و أمّا (2) دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا- كابن زهرة في الغنية- فمرادهم (3) بالبيع المعاملة اللازمة التي هي أحد العقود،

______________________________

(1) هذا راجع إلى أصل استدلاله قدّس سرّه على مملكية المعاطاة بالآية الشريفة بالدلالة الالتزامية، و ليس متعلقا بخصوص قوله: «بل قد يقال» و بيانه: أنّ الاستدلال بالآية المباركة منوط بصدق الموضوع- أعني به البيع- على المعاطاة، إذ بدونه لا يكون المورد فردا لموضوع الدليل حتّى يصحّ التمسّك به لإثبات حكمه، و لذا قال: «إنّ منع صدق البيع الذي هو موضوع الدليل على المعاطاة مكابرة» حيث إنّ صدق مفهوم البيع عرفا على المعاطاة من الواضحات التي لا يعتريها ريب. و قد أشرنا الى هذا بقولنا: «ان المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفا».

(2) هذا اعتراض على قوله: «فمكابرة» و حاصله: أنّ وضوح صدق البيع على المعاطاة عرفا- بحيث يكون منع صدقه عليها مكابرة- ينافي دعوى ابن زهرة رحمه اللّه: الإجماع على عدم بيعية المعاطاة.

(3) هذا دفع الاعتراض، و حاصله: أنّ المنافاة المذكورة مبتنية على أن يكون مراد المجمعين نفي بيعيّة المعاطاة حقيقة، و ليس الأمر كذلك، لأنّ مرادهم من البيع- الذي نفوه عن المعاطاة- هو المعاملة الصحيحة المؤثّرة في إفادة الملك فعلا الموصوفة باللزوم بحسب طبعها، و الجائزة لأمر خارج عن ذاته كالخيار. و إذا كان معقد إجماعهم على نفي البيع عن المعاطاة ذلك لم يكن منافاة بين هذا الإجماع النافي لبيعية المعاطاة و بين بناء العرف على بيعيّتها، لأنّ نفي الصحة غير نفي الحقيقة، و المنفي في كلامهم و معقد إجماعهم هو البيع الصحيح الشرعي كما مرّ، و المثبت هو البيع العرفي، فتعدّد مورد النفي و الإثبات فلا إشكال.

لا يقال: إنّ ظاهر عبارة الغنية عدم انعقاد البيع بالتعاطي، لا عدم لزومه، لقوله فيها:

«و أمّا شروطه فعلى ضربين، أحدهما شرائط صحة انعقاده، و الثاني شرائط لزومه، فالضرب الأوّل ثبوت الولاية في المعقود عليه .. و أن يحصل الإيجاب من البائع و القبول من المشتري ..

إلخ» و من المعلوم أنّ مقتضى شرطية الصيغة للانعقاد عدم بيعية المعاطاة حقيقة، فلا يشملها قوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

و على هذا فقول المصنف: «و لذا صرّح في الغنية» شاهد على عدم بيعية المعاطاة،

ص: 384

و لذا (1) صرّح في الغنية بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع.

و دعوى (2)- أنّ البيع الفاسد عندهم ليس بيعا-

______________________________

لا على عدم لزومها.

فإنّه يقال: إنّ مقصود السيد ابن زهرة قدّس سرّه عدم بيعية المعاطاة شرعا لا عرفا، إذ لو كان مراده نفي بيعيّتها عرفا لكان اللازم التمسك له بعدم الصدق العرفي الذي هو من قبيل عدم المقتضي، لا بالإجماع الذي هو دليل شرعي، و يكون من قبيل المانع. و عليه فالتمسك بالإجماع دليل على كون الإيجاب و القبول من الشرائط الشرعية لا العرفية، فصدق البيع على المعاطاة ممّا لا ينبغي الارتياب فيه. هذا.

و لو سلّم ظهور إجماع الغنية في نفي بيعية المعاطاة حقيقة قلنا: إنّه إجماع منقول، و قد ثبت في محله عدم حجيته، مضافا الى معارضته بدعوى المحقق الثاني: «ان المعروف بين الأصحاب كون المعاطاة بيعا».

(1) غرضه إقامة الشاهد على التصرف المزبور، و هو كون المنفي في كلامهم البيع الصحيح المؤثّر شرعا، لا البيع العرفي. وجه الشهادة: أنّه لو كان مرادهم ما هو ظاهر كلامهم- من نفي البيع حقيقة- لم يكن وجه لجعل الإيجاب و القبول من شرائط الصحة، بل كان اللازم حينئذ جعلهما من شرائط محقّق مفهوم البيع و حقيقته، فيستكشف من تصريح السيد في الغنية «بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع» أنّ المنفي هو البيع الصحيح، لا البيع العرفي.

(2) هذه مناقشة في الاستشهاد بعبارة الغنية من جعلها قرينة على التصرف في كلامهم من عدم كون المعاطاة بيعا حقيقة.

توضيح المناقشة: أنّ كلام السيد ابن زهرة قدّس سرّه يكون شاهدا على التصرف في كلامهم لو كان البيع الفاسد بيعا عندهم ليكشف ذلك عن وضعه للأعم، و ذلك ممنوع، فتكون الصحة مساوقة لتحقق المفهوم، فبانتفائها ينتفي الحقيقة، فيكشف ذلك عن وضعه للصحيح. و عليه فتصريح ابن زهرة في الغنية- بكون الإيجاب و القبول من شرائط الصحة- لا يكون شاهدا على التصرف في كلامهم بحمل النفي على نفي الصحة مع بقاء الحقيقة، حيث إنّه بناء على هذا

ص: 385

قد عرفت (1) الحال فيها [1].

______________________________

يكون نفي الصحة مساوقا لنفي الحقيقة.

و نتيجة ذلك: أنّه لا يصحّ الاستدلال بالآية الشريفة على مملّكية المعاطاة، إذ المفروض عدم كونها بيعا حقيقة.

(1) هذا دفع المناقشة المزبورة، و حاصل الدفع: أنّه قد ذكرنا سابقا: أنّ البيع ليس إلّا إنشاء تمليك عين بمال، و لم يؤخذ في مفهومه قيد التعقب بالقبول فضلا عن الإيجاب و القبول اللفظيين.

و يمكن أن يكون نظره بقوله: «قد عرفت الحال» إلى ما تقدم عن جامع المقاصد من قوله: «المعروف بين الأصحاب أن المعاطاة بيع و إن لم يكن كالعقد في اللزوم». و على التقديرين يكون البيع الفاسد بيعا حقيقة و إن لم يكن مؤثرا شرعا.

هذا تمام الكلام في التقريب الأوّل و الثاني من وجوه الاستدلال بآية حلّ البيع، و بقي التقريب الثالث، و سيأتي بقوله: «فالأولى حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حلّ البيع صحّته شرعا» فانتظر.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ البيع الفاسد و إن كان بيعا عرفيّا، لكن فساده شرعا يمنع عن التمسك بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحوه من أدلة نفوذ البيع و صحته، و المقصود من إثبات بيعية المعاطاة هو الاستدلال على صحتها بهذه الآية و نحوها. فجعل المنفي في معقد إجماع الغنية صحة البيع لا حقيقته: و إن كان متينا في نفسه، لكنه ينافي التمسك بالآية المزبورة لكون المعاطاة بيعا نافذا، بل تصير المعاطاة حينئذ كبيع المنابذة و الملامسة و نحوهما من البيوع الفاسدة الخارجة عن حيّز عموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و الوجه في خروج المعاطاة عن العموم المزبور هو إجماع الغنية على عدم كونها بيعا صحيحا.

فتوجيه معقد الإجماع بإرادة البيع الصحيح ينتج ضدّ المقصود- الذي هو إثبات بيعية المعاطاة- حتى يصح الاستدلال لها بمثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فالأولى كما تقدم منع الإجماع أوّلا، و منع حجيته بعد تسليمه ثانيا.

ص: 386

[الدليل الثالث: آية التجارة عن تراض]

و ممّا ذكر (1) يظهر وجه التمسك بقوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

______________________________

الدليل الثالث: آية التجارة عن تراض

(1) أي: من جعل متعلّق الحلّ في آية حلّ البيع: التصرفات و ملازمتها شرعا لصحة البيع و نفوذه يظهر وجه التمسك بقوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1». و هذا هو الدليل الثالث ممّا تعرض له المصنف قدّس سرّه من الأدلة على مملّكية المعاطاة. و قد سبقه في الاستدلال به المحقق الكركي قدّس سرّه في كلامه المتقدم عن جامع المقاصد و تعليق الإرشاد، و المحقق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح الإرشاد «2».

و لا يخفى أنّ الوجوه الثلاثة المشار إليها في الاستدلال بآية حلّ البيع تجري في هذه الآية المباركة أيضا، و المهمّ منها فعلا- بنظر الماتن- هو الوجه الأوّل، أعني به دلالة الآية بالمطابقة على حلية التصرف تكليفا في المأخوذ بالتجارة عن تراض، و بالدلالة الالتزامية على صحتها و مملّكيتها، لأنه قدّس سرّه أحال تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة على ما ركن إليه في آية حلّ البيع، فيقال: المعاطاة المقصود بها الملك تجارة عن تراض- إذ التجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح «3»- و التصرفات المالكيّة المترتبة على التجارة جائزة، فالتصرف في المأخوذ بالمعاطاة جائز، و هذا الجواز التكليفي يستلزم شرعا صحة المعاطاة و مملّكيتها.

و كيف كان فوجوه الاستدلال بهذه الآية الشريفة متعددة، من جهة كون الأكل كناية عن التصرف أو عن التملك، و من جهة كون النهي في المستثنى منه مولويا أو إرشادا إلى الفساد، و كون الجواز في المستثنى إباحة تكليفية أو إرشادا إلى الصحة، و من كون الاستثناء متصلا أو منقطعا. لكن المهم منها اثنان، تعرض المصنف لأحدهما، و سيأتي ذكر الآخر في التعليقة

______________________________

(1): النساء الآية: 28.

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 58، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 142.

(3) مفردات ألفاظ القرآن الكريم للراغب الأصفهاني، ص 73.

ص: 387

..........

______________________________

إن شاء اللّه تعالى.

و توضيح الوجه المذكور في المتن منوط بالإشارة إلى أمرين:

أوّلهما: أنّ النهي في المستثنى منه ظاهر في حرمة الأكل تكليفا، فيكون الجواز في المستثنى ظاهرا في الحلية التكليفية أيضا.

ثانيهما: أنّ متعلّق النهي و ان كان هو الأكل لكن لا يراد به ظاهره أي الازدراد المقابل للشرب قطعا، بل المراد به التصرف في أموال الناس بغير حق، و مقتضى حذف المتعلق إرادة مطلق التصرف سواء أ كان متوقفا على الملك أم لا، إذ لا قرينة في الآية الشريفة على إرادة صنف خاص من التصرفات. و مقتضى المقابلة إرادة حلية كل تصرف- سواء توقف على الملك أم لا- في المأخوذ بالتجارة عن تراض.

قال في مجمع البيان: «ذكر الأكل و أراد سائر التصرفات، و إنّما خصّ الأكل لأنّه معظم المنافع .. الى أن قال: و في قوله: بالباطل قولان: أحدهما: أنّه الربا و القمار و النجش و الظلم، عن السدي، و هو المروي عن الباقر عليه السّلام. و الآخر: أنّ معناه: بغير استحقاق من طريق الأعواض، عن الحسن. قال: و كان الرجل منهم يتحرّج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية إلى أن نسخ ذلك بقوله في سورة النور وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ .. الى قوله أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتٰاتاً .. إلى أن قال: و ثالثها: أنّ معناه: أخذه من غير وجهه، و صرفه فيما لا يحلّ له، إلّا أن تكون تجارة أي مبايعة» «1».

و بوضوح الأمرين المتقدمين نقول في تقريب الاستدلال بالآية المباركة: إنّ «الأكل» كناية عن مطلق التصرف، إذ لا قرينة على إرادة فعل خاص، فيتعيّن إرادة مطلق التصرف، و المعنى حينئذ: أنّه لا تتصرّفوا في أموال الناس بالأسباب الباطلة، إلّا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض كالمعاطاة التي هي تجارة لغة و عرفا. و الاستثناء من الحرمة التكليفية يقتضي الحلّ التكليفي، فتدل الآية بالمطابقة على حليّة التصرفات- تكليفا- المترتبة على

______________________________

(1): مجمع البيان، ج 5، ص 37.

ص: 388

..........

______________________________

التجارة عن تراض، و تدلّ على تحقق الملكية من أوّل الأمر- لا حين إرادة التصرف- بالملازمة العرفية، لأنّ السلطنة المطلقة على شي ء لا تنفك عرفا عن الملكية، و إن كانت الملكية قد تنفك عن السلطنة كالمحجور لأحد موجبات الحجر من صغر أو فلس أو جنون أو غيرها.

و بالجملة: فوزان الاستدلال بهذه الآية المباركة وزان الآية المتقدمة، غاية الأمر أنّ الاستدلال بهذه الآية لا يتوقف على التقدير، لكون متعلق الجواز مذكورا و هو «الأكل» المراد به التصرف. بخلاف الاستدلال بتلك الآية، فإنّه منوط بتقدير التصرفات. فالاستدلال بهاتين الآيتين على مملكية التجارة و البيع- الذي تكون المعاطاة من أفراده- يكون بالدلالة الالتزامية الشرعية، لأنّ مدلولهما المطابقي هو حلية التصرفات تكليفا كما عرفت [1].

______________________________

[1] و يرد عليه- مضافا الى ما أورد به على الاستدلال بآية حل البيع- أنّ عموم التصرفات للتصرفات الاعتبارية غير ظاهر، لأنّ الأكل الذي هو تصرف خارجي و إن لم يكن نفسه بمراد، إلّا أن المتيقن من التعدي عنه هو التصرفات الخارجية. و أمّا التعدي إلى التصرفات الاعتبارية المغايرة سنخا للتصرفات الخارجية فلا قرينة عليه. و الدلالة الالتزامية الدالة على الملكية لا يكفي فيها إباحة التصرفات الخارجية، فلا يصح الاستدلال بهذه الآية المباركة بالدلالة الالتزامية على مملّكية المعاطاة التي هي تجارة عن تراض.

و يرد عليه أيضا ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه من: أنّ غاية مدلول الآية حلية التصرفات المترتبة على المعاطاة، و أمّا الملكية من أوّل الأمر فلا، لكفاية الملكية الآنيّة في حلية مطلق التصرف المتوقف على الملك «1».

و هذا الإشكال- الذي أورد به المصنف على الاستدلال بآية الحل- مخصوص بالتقريب الأوّل. و أمّا التقريب الثالث و هو دلالة الآية على الصحة بالملازمة العرفية بينها و بين الحلية فهو سليم عن هذا الإشكال، إذ المفروض أنّ العرف يرتّب آثار الملك على المعاطاة من حين

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 77.

ص: 389

______________________________

التعاطي، سواء تصرّف فيه بما يتوقف على الملك أم لا.

هذا ما يتعلق بالوجه الأوّل الذي استظهره المصنف قدّس سرّه من الآية الشريفة.

الوجه الثاني:- الذي لم يتعرض له في المتن- هو: أن المراد من الأكل التملك، فإنّه الشائع بعد الصرف عن ظاهره، للقطع بعدم إرادته بالخصوص في المقام، لوضوح عدم إرادة خصوص المأكولات هنا، و هذا النحو من الاستعمال متعارف في القرآن الكريم و كلمات الفصحاء. و إرادة «التملك» أظهر من إرادة «التصرف» الذي هو مبنى الوجه الأوّل. إذ «التجارة عن تراض» إنّما تكون من الأسباب الناقلة للملك، فتملّك الأموال لا بدّ أن يكون بها، فإنّ التجارة تناسب الملكية، لا مجرّد جواز التصرف تكليفا.

و كيف كان فمفاد الآية- بناء على كون الأكل كناية على التملك-: أنّه يحرم عليكم تملّك أموال الناس إلّا بالتجارة عن تراض. و المراد بالتجارة هي العرفية، كما هو شأن كل موضوع عرفي يقع في حيّز حكم من الأحكام، و من المعلوم أنّ المعاطاة تجارة عرفية، فيشملها المستثنى، فيجوز تملك الأموال بالمعاطاة.

و عليه فالآية بهذا التقريب تدل بالدلالة المطابقية على المقصود و هو إفادة المعاطاة للملك. كما أن تقريب الاستدلال بها على الوجه الأوّل يكون بالدلالة الالتزامية، على ما عرفت مفصّلا.

بقي التعرض لأمر، و هو: أنّ الاستثناء متصل أو منقطع، و ما يترتب عليه من إفادة الآية حصر السبب المملّك في التجارة عن تراض و عدمها، فنقول: لم يظهر من المصنف قدّس سرّه هنا أحد الأمرين، لكنه صرّح بانقطاع الاستثناء في ردّ أدلة بطلان بيع الفضولي، و هو المحكي عن جمع من المفسّرين. و الظاهر أنّه كذلك، إذ لا معنى لكون التجارة عن تراض سببا للملكية مع انطباق عنوان الباطل عليها. فإنّ عقد المستثنى منه و إن دلّ على العموم، إذ ليس شي ء من الأكل بالباطل مرخّصا فيه، لكنه لا يدل على حصر محلّل الأكل في التجارة عن تراض.

و لا فرق في هذه الجهة بين كون «تجارة» مرفوعا- كما عن الكوفيين- بناء على أنّ «كان» تامّة، يعني: إلّا أن تقع تجارة عن تراض، إذ من المعلوم أنّ التجارة كذلك ليست من جنس

ص: 390

______________________________

الباطل حتى يكون المعنى: إلّا أن تكون التجارة الباطلة تجارة عن تراض. و بين كون «تجارة» منصوبا- كما عن عاصم و حمزة و الكسائي- على أن يكون «كان» ناقصة، و التقدير: إلّا أن تكون التجارة تجارة عن تراض، أو: أموالكم أموال تجارة، بحذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه.

و الحاصل: أنّ «التجارة عن تراض» ضدّ الباطل، فلا تكون من جنسه حتى يكون الاستثناء متصلا. فما في تقرير بحث السيد المحقق الخويي قدّس سرّه: «من كون الاستثناء متصلا، حيث قال المقرّر: «فان كان الاستثناء متصلا كما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربية كان مفاد الآية: أنّه لا يجوز تملك أموال الناس بسبب من الأسباب، فإنّه باطل، إلّا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض، فتفيد الآية حصر الأسباب الصحيحة للمعاملة بالتجارة عن تراض» «1» غير ظاهر، لأنّ «الباطل» يكون نعتا للسبب المستفاد من الباء السببية، فالمعنى: أنّه يحرم تملّك أموال الناس بسبب باطل إلّا أن يكون ذلك السبب الباطل تجارة عن تراض، إذ النعت قيد للمنعوت، و الاستثناء يكون من مجموع النعت و المنعوت، كقوله: «جاءني العلماء العدول، أو:

أكرم العلماء العدول إلّا زيدا» فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم صحة هذا الاستثناء إذا لم يكن زيد عالما عادلا. و مجرد كونه عالما لا يكفي في صحة هذا الاستثناء، لخروجه عن العام موضوعا من دون حاجة الى الاستثناء، بل الاستثناء حينئذ مستهجن عند أبناء المحاورة.

من غير فرق في ذلك بين التخصيص الفردي كالمثال، و بين النوعي كقوله: «أكرم العلماء العدول إلّا شعراءهم، أو فلاسفتهم، أو البصريين منهم» أو غير ذلك من الأنواع، فإنّ هذا الاستثناء لا يصح إلّا إذا كان المستثنى من العلماء العدول.

نعم إذا كان الكلام هكذا: «كل تجارة باطلة إلّا تجارة عن تراض» كان الاستثناء متصلا، لكنه ليس كذلك، لأنّ «الباطل» في الآية الشريفة نعت للموصوف المستفاد من الباء السببية، فالكلام يكون هكذا: «لا تتصرّفوا في أموال الناس بالسبب الباطل، إلّا أن يكون ذلك السبب

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 103.

ص: 391

______________________________

الباطل تجارة عن تراض» و فساده غنيّ عن البيان. هذا.

مضافا إلى: أن اتصال الاستثناء و إن كان مقتضى القواعد العربية، لأنّه إخراج حكمي متفرع على اندراج المستثنى موضوعا في المستثنى منه، فالانقطاع منوط بقرينة، إلّا أنّه يناط بعدم معارضته بأصل عقلائي آخر، فإنّ الحذف و التقدير خلاف الأصل، و لا وجه لترجيح أصالة الاتصال على أصالة عدم التقدير.

ثمّ إنّ مقتضى انقطاع الاستثناء هو عدم حلّ تملك أموال الناس بالأسباب الباطلة، و إناطة حلّة بالتجارة عن تراض، فالمستفاد حينئذ من الآية الشريفة حكمان كلّيان، أحدهما:

عدم كون الأسباب الباطلة مملّكة أو محلّلة. و الآخر: كون التجارة عن تراض محلّلة أو مملّكة.

و عليه فلا تدل الآية على انحصار التصرف أو التملك بالتجارة عن تراض حتى يقال:

بعدم صحة هذا الحصر، لوجود سبب آخر غير التجارة عن تراض كالهبة و الصدقة و الوقف و غيرها من الأسباب الناقلة للأموال، و أنّ هذا الحصر يوجب النسخ أو التخصيص المستهجن- كما في البلغة- حيث قال قدّس سرّه ما ملخصه: انّه لو كان الاستثناء في آية التجارة عن تراض متصلا لزم منه إمّا القول بالنسخ، و إمّا القول بكثرة التخصيص المستهجن، بداهة أنّ أسباب حلّ الأكل ليست منحصرة بالتجارة عن تراض، بل يحلّ ذلك بالهبات و الوقوف و الصدقات و الوصايا و أروش الجنايات، و سائر النواقل الشرعية و الإباحات، سواء أ كانت الإباحة مالكيّة أم شرعية، فلا ملازمة حينئذ بين أكل المال بالباطل و بين ما لا يكون تجارة عن تراض، فيمكن انتفاء التجارة عن تراض مع كون أكل المال بالحق لا بالباطل كالهبات و الصدقات و نحوهما.

و إن دفع قدّس سرّه هذا الإشكال بأنّ ما يحتاج تملّكه بالقبول يندرج في التجارة عن تراض، لأنّ المراد بها هو الاكتساب عن تراض، و من المعلوم صدقها على الهبة و الوصية التمليكية بناء على اعتبار القبول فيها، و كذا الصدقات المندوبة. و ما لا يحتاج الى القبول كالوقوف و أروش الجنايات و الوصايا- بناء على عدم اعتبار القبول فيها- فلا بأس بالتزام التخصيص فيها، و ليس

ص: 392

______________________________

ذلك من التخصيص المستهجن «1».

بل يمكن أن يقال: بخروجها عن دائرة كل من المستثنى و المستثنى منه بالتخصص، و ذلك لأنّ المستثنى منه في الآية المباركة هو تملك مال الغير بالاختيار بغير التجارة عن تراض، فالمستثنى هو تملك مال الغير بالتجارة عن تراض.

و على هذا فلا يندرج مثل الوقوف و أروش الجنايات في شي ء من المستثنى و المستثنى منه، لعدم اندارجها في التملك الاختياري، فتخرج عن حريم مورد الآية رأسا، فلا يلزم شي ء من محذوري النسخ و تخصيص الأكثر المستهجن.

لكن الإنصاف أن هذا الجواب الذي اختاره السيد الخويي قدّس سرّه أيضا لا يخلو من تأمل، فإنّ التجارة و إن لم تكن مرادفة للبيع، لاقتضاء العطف في قوله تعالى لٰا تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لٰا بَيْعٌ المغايرة بينهما، إلّا أنّ صدقها على قبول الهبة و الوصية التمليكية في غاية الغموض، إذ التجارة لغة هي «المعاملة برأس المال بقصد الاسترباح» و صدقها على مجرد قبول المتهب و الموصى له محل تأمّل. و عليه لا بد من الالتزام بالتخصيص كما يلتزم به في ما لا يعتبر فيه القبول كالوقوف و أروش الجنايات و الوصايا بناء على عدم اعتبار القبول فيها.

و قد يقال: بعدم ارتكاب التخصيص في ما لا يتوقف على القبول كالوقوف و التملك بالخمس و الزكاة و نحوها، لخروجها عن دائرة المستثنى و المستثنى منه تخصصا، و ذلك لأنّ المستثنى منه هو تملك مال الغير بالاختيار بغير التجارة عن تراض، فالمستثنى هو تملك مال الغير بالتجارة عن تراض. و على هذا فلا يندرج مثل الوقوف في شي ء من المستثنى و المستثنى منه، لعدم كون التملك فيه اختياريا، فتخرج عن حريم الآية رأسا، فلا يلزم شي ء من محذوري النسخ و تخصيص الأكثر المستهجن.

إلّا أنّه يشكل أيضا بعدم اختصاص المستثنى منه بالتملك الاختياري و إن كان ظاهر الآية ذلك، فإنّ تطبيق «الباطل» في عدة من النصوص على القمار و الربا و ما يؤخذ بحكم

______________________________

(1): بلغة الفقيه، ص 130.

ص: 393

[الدليل الرابع: حديث السلطنة]

و أما قوله (1): «الناس مسلّطون على أموالهم» «1»

______________________________

الدليل الرابع: حديث السلطنة

(1) هذا إشارة إلى رابع الأدلة على مملّكية المعاطاة، و إن ناقش المصنف في دلالته بما سيأتي بعد تقريب الاستدلال به، فنقول: قد استدلّ بهذا النبوي على كون المعاطاة مفيدة للملك، بتقريب: أنّ المراد بتسلّط الناس و قدرتهم على أموالهم هو نفوذ تصرفاتهم فيها، و مقتضى عموم السلطنة- المستفاد من الحكمة أو حذف المتعلق- نفوذ جميع التصرفات الخارجية و الاعتبارية التي منها المعاطاة، و من المعلوم أنّ نفوذ المعاطاة المقصود بها التمليك هو كونها مملّكة كسائر الأسباب المملّكة. و المنع عن نفوذ المعاطاة في الملكية مناف لعموم السلطنة الذي يقتضيه الحديث.

______________________________

حكّام الجور و نحوها مانع من الاختصاص المزبور، فالمنهي عنه ليس التملك، بل تمليك المقامر حرام قطعا بمقتضى التطبيق. و عليه فما عدا التجارة عن تراض مندرج في عقد المستثنى منه سواء أ كان تمليكا أو تملكا اختيارا أو غير اختياري. و لا مفرّ من الإشكال إلّا إنكار الحصر المترتب على اتصال الاستثناء.

الأمر الثاني: الظاهر أنّ المراد بالباطل ما لا سببية له واقعا للأكل و التصرف، كما أنّ السبب الحق هو المؤثّر في التملك و التصرف واقعا، و ذلك لما أشرنا إليه من تطبيق الأكل بالباطل على القمار بمثل قوله عليه السّلام: «ذلك القمار» «2» مع أنه سبب حق عرفي.

و معه لا مجال لدعوى إرادة الحق و الباطل العرفيين، و حمل التطبيق على التخصيص أو التخطئة أو الحكومة. فإنّ لسان التطبيق آب عن حمله على أحد الأمور المذكورة كما لا يخفى.

______________________________

(1): بحار الأنوار، ج 2، ص 272

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 121، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 14، و نحوه الحديث:

1 و 8 و 9.

ص: 394

فلا (1) دلالة فيه على المدّعى، لأنّ عمومه باعتبار أنواع السلطنة (2)،

______________________________

(1) غرضه المناقشة في دلالة الحديث المزبور على مملّكية المعاطاة. و حاصل المناقشة:

أنّ الاستدلال به على المقام منوط بعمومه لأسباب أنواع السلطنة و موجبات تحققها، حتى يقال: إنّ تمليك المال بالمعاطاة من أنواع السلطنة المشمولة للحديث، فالتمليك بالبيع القولي كما يكون جائزا كذلك البيع المعاطاتي.

لكنه ليس كذلك، لأنّ المتيقن من الحديث هو السلطنة على أنواع التصرفات من البيع و الهبة و الصلح و غيرها من التصرفات الاعتبارية، فإذا شكّ في قدرة المالك على نوع من أنواع التصرفات حكم له بالعموم المزبور. و أمّا بالنسبة إلى سبب حصول ذلك النوع و أنّه هل يحصل بفعل أو قول خاص أم لا؟ فلا يتمسك لذلك بالعموم المذكور، لأنّ الحديث مهمل بالنسبة إليه، فهو مجمل من هذه الجهة، و إن كان مطلقا من جهة أنواع التصرف. و لمّا كان الشك في مملّكية المعاطاة شكّا في السبب لم يكن للحديث إطلاق من هذه الحيثية حتى يتمسك به و يثبت به سببيّة المعاطاة للتمليك.

و إن شئت فقل: القدر المسلّم من العموم هو العموم بحسب الكمّ لا بحسب الكيف، فلا وجه للاستدلال بالحديث لمشروعية الأسباب. و من هنا اشتهر أنّ قاعدة السلطنة ليست مشرّعة للأسباب، بل هي في مقام جواز المسببات- و هي الأمور الاعتبارية كالهبة و الصلح- و عدم حجر المالكين عن أنواع التصرفات في أموالهم، و التقلب فيها، فإذا دلّ دليل على اعتبار اللفظ مثلا في البيع و أنّ النقل لا يتحقق إلّا بصيغة مخصوصة لم يكن ذلك منافيا لقاعدة السلطنة و مخصّصا لها.

و بعبارة أخرى: سببية شي ء لحصول نوع ثابت من السلطنة تكون حكما، و قاعدة السلطنة لا تشرّع الحكم، و لذا قيل: انّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «ان الناس مسلطون على أموالهم» لا على أحكامهم بحيث تكون سببية الأسباب تحت سلطنتهم.

(2) كالبيع و الصلح و الهبة و المزارعة و المساقاة و نحوها، فعموم السلطنة- المستفاد من الحكمة أو حذف المتعلّق- لا يجدي في الأسباب.

ص: 395

فهو (1) إنّما يجدي فيما إذا شك في أنّ هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك و ماضية شرعا في حقه أم لا، أمّا إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير نافذة في حقه ماضية شرعا، لكن شك في أنّ هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرّد التعاطي مع القصد (2) أم لا بدّ من القول الدال عليه (3) فلا يجوز (4) الاستدلال على سببية المعاطاة في الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس على أموالهم.

و منه (5) يظهر أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجي ء من شروط الصيغة.

______________________________

(1) أي قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ان الناس مسلّطون» إنّما يجدي في دفع الشك عن نوع التصرف.

(2) أي: قصد التمليك قصدا مجرّدا عن اللفظ.

(3) أي: على التمليك.

(4) جواب «أما إذا قطعنا» و هذا متفرّع على عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب، حيث إنّ النظر إلى المسببات- و هي أنواع التصرفات- غير النظر إلى الأسباب، فإنّ تشريع السلطنة على البيع- أي التمليك- ليس ناظرا إلى تشريع أسبابه، فالاستدلال بالحديث المزبور لإثبات كون المعاطاة مفيدة للملك غير تام.

و بالجملة: فالحديث مهمل بالنسبة إلى الأسباب، فلا يصح الاستدلال به لسببية المعاطاة للتمليك.

(5) أي: و من عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب يظهر أيضا عدم جواز التمسك به في مقام آخر، و هو نفي ما يشك في اعتباره في الصيغة، لوحدة المناط، يعني: كما لا يجوز التمسك بالحديث لسببية المعاطاة للتمليك، كذلك لا يجوز التمسك به لما سيجي ء من شروط الصيغة، إذ المفروض عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب التي منها المعاطاة و البيع القولي، فلا يجري فيه أصالة العموم أو الإطلاق حتى يصح التمسك به لنفي الشك في شرطية شي ء

ص: 396

..........

______________________________

في الصيغة [1].

______________________________

[1] ينبغي البحث هنا في جهتين: الاولى في سند الحديث، و الثانية في دلالته.

أما الأولى فحاصل الكلام فيها: أن النبوي المزبور رواه العلامة المجلسي قدّس سرّه في البحار «1» عن عوالي اللئالي «2»، و رواه ابن أبي جمهور في مواضع أربعة من عواليه، فرواه تارة عن كتب بعض الأصحاب، و اخرى عن بعض كتب الشهيد، و ثالثة عن الفاضل المقداد، و رابعة عن ابن فهد الحلّي. و الواسطة بين ابن أبي جمهور و هذه العدّة من الفقهاء هم من الأعلام الثقات المذكورين في مقدمة الكتاب في عداد مشيخته.

إلّا أنّ الحديث مرسل، إذ لم يذكر له في كتبهم سند حتى يفحص عن رجاله، فالتعويل عليه في استنباط الحكم الشرعي منوط بإحراز عمل المشهور به حتى يطمأنّ بصدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بناء على المبنى المنصور من كون عمل المشهور برواية ضعيفة سندا جابرا لضعفها، و إعراضهم عن رواية صحيحة موهنا لها.

و الظاهر اعتماد الفقهاء على هذه الرواية و اسنادها إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعنوان «قال» لا «روي عنه» حتى من دأبه نقد أسناد الأحاديث و تمييز صحيحها عن سقيمها.

و الذي ظفرت عليه في كتب الفقه الاستدلالية هو: أنّ أوّل من أسند الحديث الى المعصوم عليه الصلاة و السلام هو العلامة في المختلف، حيث قال في مسألة جواز تفضيل بعض الأولاد في العطية- ردّا على ابن الجنيد-: «فإن قصد بذلك التحريم فهو ممنوع، للأصل، و لقوله عليه السّلام: الناس مسلّطون على أموالهم .. إلخ» «3» و قريب منه قوله في التذكرة في كراهة

______________________________

(1): بحار الأنوار، ج 2، ص 272.

(2) عوالي اللئالي، ج 1، ص 222، رقم الحديث: 99. و ص 457، رقم: 198، و ج 2، ص 138، رقم: 383 و ج 3، ص 208، رقم: 49.

(3) مختلف الشيعة، ج 6، ص 278.

ص: 397

______________________________

الاحتكار: «و لأنّ الإنسان مسلّط على ماله» «1».

و تكرر ذكر الحديث في كتب من تأخّر عنه كالمحقق الأردبيلي، ففي شرح الإرشاد:

«و النقل مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الناس مسلّطون على أموالهم» «2» و جعله من القواعد المسلّمة في مواضع «3».

و كذا الشهيد الثاني، حيث ذكر الحديث كدليل على الحكم في مواضع «4»، و رماه في موضع آخر بضعف السند «5».

و قال الشيخ في المبسوط و الحلي في السرائر: «و أما إذا أراد أن يحفر بئرا في داره و أراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا بقرب ذلك لم يمنع منه، بلا خلاف في جميع ذلك، و إن كان ينقص بذلك ماء البئر الأولى، لأنّ الناس مسلّطون على أملاكهم» «6». و المظنون قويّا أنه نقل الحديث بالمعنى.

و لم أجد في كلمات القدماء استنادهم الى هذا الحديث، إلّا أنه نسب فخر المحققين قدّس سرّه في موضعين من الشرح إلى جماعة كالمفيد و أبي علي و ابن البرّاج و ابن إدريس الاستدلال به، فقال في كراهة التفرقة بين أم الولد و ولدها قبل الاستغناء: «احتج القائلون بالكراهة و بالأصل، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الناس مسلطون على أموالهم» «7».

و كذلك نسب الفاضل الآبي الى ابن إدريس استدلاله في هذه المسألة بحديث

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 489.

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 358.

(3) لاحظ المصدر، ص 214، 243، 380، 390.

(4) مسالك الافهام، ج 6، ص 28، 135، 314.

(5) مسالك الافهام، ج 6، ص 310.

(6) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 272، السرائر، ج 2، ص 382.

(7) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 444.

ص: 398

______________________________

السلطنة «1».

و قال فخر المحققين في مسألة خروج منجزات المريض من الأصل أو الثلث: «و احتج القائلون بالثاني- أي بالخروج من الأصل- بأنه مالك، و الأصل جواز تصرف المالك في ملكه، لعموم قوله عليه السّلام: الناس مسلطون على أموالهم. و الجواب أن العام يخصص بالخاص» «2».

و عدم ظفرنا باستدلال مثل المفيد في المقنعة و ابن إدريس في السرائر لا ينافي حجية إخبار فخر المحققين قدّس سرّه بأنّهم احتجوا على الحكم بهذا الحديث، و لم يقل: «و يحتج لهم» حتى يحتمل استنادهم الى حجة أخرى، لكونه من باب عدم الوجدان الذي لا يدلّ على عدم الوجود.

فدعوى حصول الاطمئنان من مجموع ما ذكرناه- و لم نذكره من كلمات الفقهاء- بعمل المشهور بهذا الحديث في أبواب عديدة من الفقه الشريف قريبة جدّا.

نعم لا يتوقع العمل به ممن يقتصر في حجية الخبر على الوثوق المخبري خاصة في الأخبار الآحاد كصاحب المدارك و من حذا حذوه، لكن المبنى كفاية مطلق الوثوق بالصدور سواء نشأ من وثاقة الرواة- مع العمل بالمضمون- أم من فتوى المشهور به. هذا.

و قد يناقش في سند الحديث بما في تقرير السيد الخويي قدّس سرّه من منع انجبار ضعفه بعمل المشهور بما محصله: أنّ الشهرة إن كانت بنفسها حجة أخذ بها، و إلّا فإنّ ضمّها إلى غير الحجة لا يوجب الاعتبار، و قد اشتهر أنّ فاقد الشي ء لا يكون معطيا له. و احتمال اطلاع المشهور على قرائن تدل على صدور الرواية و لم نظفر بها غير مفيد. مع أنّه منقوض بتصريحهم بعدم انجبار ضعف الدلالة بعمل المشهور مع وحدة الملاك في البابين. و احتمال الاطلاع على القرائن مشترك بينهما. هذا بحسب الكبرى. و أما خصوص هذا النبوي فلما فيه من احتمال استنادهم في فتياهم بصحة البيع المعاطاتي إلى غيره من الوجوه التي استدل بها

______________________________

(1): كشف الرموز، ج 1، ص 514.

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 594.

ص: 399

______________________________

على ذلك. مضافا الى أن المشهور بين القدماء هو القول بالإباحة، فلا شهرة على إفادة الملك حتى يدعى استنادهم الى حديث السلطنة كي ينجبر ضعفه سندا «1».

لكنه غير ظاهر. أما بحسب الكبرى فلأنّ المدّعى حصول الوثوق بالصدور تكوينا من عمل المشهور برواية ضعيفة، و موضوع دليل حجية الخبر الواحد هو الخبر المفيد للوثوق به سواء أ كان خبريا أو مخبريا. و الدليل على اعتبار الشهرة إنما يحتاج إليه لو كان الترجيح بها تعبديا و لو لم تكن مفيدة للوثوق، فيقال: إنّ المرجحية فرع الحجية.

و لا فرق في حصول هذا الوثوق العقلائي بين الجهل بحال رواة الحديث، و الجرح فيهم، و عدم معرفتهم رأسا كما في المرسلات، لما عرفت من أنّ مناط الحجية هو الوثوق.

و أمّا النقض بجبر ضعف الدلالة فهو كما ترى قياس مع الفارق، لأنّ الدلالة عبارة عن ظهور اللفظ في المعنى، و لا بد من إحراز هذا الظهور بالوجدان لكلّ من يريد الأخذ بالكلام و الاحتجاج به، إذ لو لم يكن ظاهرا كان من المجمل الذي لا يكون حجة عند العقلاء، و لذا قيل:

إنّ المجمل و المبيّن من الأمور الإضافية، إذ ربما يكون لفظ ظاهرا في معنى عند شخص، و غير ظاهر فيه عند آخر.

و عليه فكون لفظ ظاهرا عند شخص أو جماعة لا يوجب حجيته عند من لا يرى اللفظ ظاهرا في المقصود، لعدم بناء العقلاء- الذي هو دليل حجية الظواهر- على حجية كلام لا ظاهر له بنظر شخص و إن كان له ظاهر بنظر غيره.

و هذا بخلاف الصدور، فإنّ العمل ممّن له تثبّت و خبرة بكلام يكشف عن صدوره من متكلمه، و يكون العمل محرزا لصدوره بنحو يوثق به، و المفروض أن الوثوق بالصدور هو مناط الحجية. و لو فرض كون العمل في مقام موجبا للظهور العرفي بنظر شخص آخر لم نضايق في حجيته.

و بالجملة: الظهور مترتب على دلالة تصورية لمفردات الجملة الكلامية، و تصديقية

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 100

ص: 400

______________________________

للهيئة الحاصلة من ضمّ المفردات بعضها إلى بعض، و الظهورات أمور وجدانية لا بد من حصولها عند كل من يتمسّك بكلام. و لو فرض حصوله بعملهم كان حجة ببناء العقلاء لأنّ عمل المشهور حينئذ جهة تعليلية لحصول الظهور، نظير قول اللغوي، و لا نعني بهذا حجية استظهار شخص- و فهمه من الكلام- على غيره تعبدا.

و أما بحسب الصغرى فلكفاية عمل المشهور برواية في مورد واحد في تحقق الجبر، و لا يعتبر استنادهم إليها في جميع المقامات، و عليه فذهاب المشهور إلى الإباحة في المعاطاة و اعتمادهم على غير حديث السلطنة لا يوجب قدحا في انجباره إذا أحرز عملهم به في مسألة أخرى، لاتصافه بالحجية بعملهم به إجمالا. و عدم استدلال المشهور به في غير ذلك المورد- لعدم دلالته بنظرهم على غير ما فهموه منه- غير قادح في حجية سنده.

فالمتحصل: أنّ انجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور- إذا كان الاستناد موجبا للوثوق تكوينا بصدوره- مما لا ينبغي الارتياب فيه، و إن لم يكن استنادهم إليه توثيقا للرواة، إذ المدار في الحجية هو الوثوق بالصدور و ان لم يحصل وثوق بالرواة.

فتلخص: أنّ الاشكال كلّه في إحراز عمل المشهور بخصوص هذا النبوي لا سيّما مع كون قاعدة سلطنة الناس على أموالهم أصلا عقلائيّا متّبعا عندهم في جميع الأعصار و الأمصار.

و أمّا تصحيح السند بما أثبته ابن أبي جمهور في مقدمة العوالي «من رواية جميع أحاديث كتابة بطرق متعددة عن مشايخ الحديث، و منهم إلى الأئمة المعصومين عليهم الصلاة و السلام فيصير هذا النبوي مسندا لا مرسلا» فلا يخلو من تأمل ذكرناه في ما يتعلق بأحاديث قاعدة الميسور من شرح الكفاية «1». هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

و أمّا الجهة الثانية- و هي دلالة الحديث- فمحصّل الكلام فيها: أنّه يحتمل فيه وجوه ثلاثة، ذهب الى كل منها ذاهب:

الأوّل: تشريع السلطنة للمالك على أنحاء التصرفات كمّا و كيفا- كما هو مبنى الاستدلال به على مملّكية المعاطاة- فإذا شكّ في جواز بيع ماله أو في كيفية بيعه كالمعاطاة

______________________________

(1): منتهى الدراية، ج 6، ص 367 الى 371.

ص: 401

______________________________

و الصيغة الملحونة أمكن دفع الشك بهذا الحديث، فإنّ أصل البيع و كيفية إنشائه تصرّف في المال، مشروع بمقتضى جعل السلطنة. و يستفاد عمومه لجميع التصرفات من حذف المتعلق و هو التصرف، إذ السلطنة التشريعية على الأموال كناية عن السلطنة على التصرف فيها، و حذف المتعلق يفيد العموم، فيدل الحديث على إمضاء جميع الأسباب المتداولة عند العرف، كدلالة آية حلّ البيع على إمضاء البيوع العرفية.

و مال إلى هذا الوجه السيّدان صاحبا البلغة و العروة قدّس سرّهما. بل هو ظاهر استدلال صاحب الجواهر قدّس سرّه على مشروعية المعاطاة المقصود بها الإباحة مع التصريح بها و لو بالقرائن، حيث قال: «لعموم تسلط الناس على أموالهم» «1». بل هو مقتضى كلام المصنف قدّس سرّه في أوّل تنبيهات المعاطاة: «و حيث إن المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته بعموم: أنّ الناس مسلّطون على أموالهم كان مقتضى القاعدة نفي شرطية غير ما ثبتت شرطيته».

الثاني: أنّ الحديث في مقام تشريع أنحاء التصرفات كمّا- لا كيفا- فللمالك السلطنة على بيع ماله و إجارته و هبته و الصلح عليه و نحوها، فلو شكّ في مشروعيّة الهبة- مثلا- جاز التمسك لإثباتها بالحديث. و لكن لو شكّ في اعتبار صيغة خاصة فيها أو حصولها بالتعاطي لم يكن الحديث متكفّلا لهذه الجهة لعدم كونه في مقام تشريع الأسباب و تنفيذها.

و هذا الوجه هو مختار المصنف قدّس سرّه هنا.

الثالث: أنّ الحديث في مقام بيان سلطنة المالك- بما هو مالك- على التصرفات المشروعة في أمواله في مقابل الحجر، فالمالك غير محجور عن التصرف في ماله، فليس الحديث في مقام تشريع السلطنة لا كمّا و لا كيفا، حتى يتمسك به لرفع الشك في أصل جواز تصرّف خاص في المال و لا في كيفية وقوعه، بل لا بد من إحراز مشروعية التصرفات و أسبابها بوجه آخر، و يقتصر مدلول الحديث على إثبات استقلال المالك في تصرّفاته المشروعة، و عدم توقفها على إجازة الغير. مثلا إذا شكّ في استقلال الزوجة في هبة شي ء من مالها كان الحديث دالّا على استقلالها و عدم توقف هبتها على إمضاء الزوج. و أمّا إذا شك في أنّ للمالك

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 218.

ص: 402

______________________________

هبة ماله أو شك في التسبب إليها بالفعل كما يتسبب إليها بالإيجاب و القبول اللفظيين لم يصحّ التمسك بهذا الحديث في شي ء من المقامين.

و هذا الوجه مختار المحقق الخراساني قدّس سرّه في حاشية الكتاب «1» و ارتضاه بعض الأعاظم.

و لعلّه يستفاد من كلام المصنف قدّس سرّه في التنبيه الرابع، حيث قال- في ردّ التمسك بالحديث لإثبات الملك التقديري جمعا بينه و بين أدلة توقف مثل العتق و البيع على الملك- ما لفظه: «بأنّ عموم الناس مسلّطون على أموالهم إنّما يدلّ على تسلّط الناس على أموالهم، لا على أحكامهم، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كلّ تصرف جائز شرعا، فالإباحة و إن كانت مطلقة، إلّا أنّه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلّا ما هو جائز بذاته في الشريعة». لصراحة كلامه قدّس سرّه في عدم مشرّعية الحديث للتصرف المشكوك حكمه.

و هنا احتمال رابع حكي عن المحقق الرشتي و أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّهما و هو: كون الحديث أضيق مدلولا مما تقدم، فإنّ ظاهر تسلّط المالك على التصرف في ماله مع بقاء الموضوع و هو المال، و من المعلوم أنّ إخراج المال- عن إضافته إلى المالك- ليس تصرّفا في المال المضاف الى مالكه، لأنّه من قبيل إعدام الموضوع بالحكم «2»، فالحديث قاصر عن إثبات جواز التمليك. هذا.

هذه محتملات الحديث ثبوتا. و قد عرفت أنّ لكلّ منها قائلا، و لا بد من عطف عنان البحث الى مقام الاستظهار، فنقول و به نستعين:

يستدل للقول الأوّل بوجهين:

أحدهما: أنّه مقتضى عموم المتعلق المحذوف- و هو التصرف- فإنّ كل ما يعدّ تصرفا للمالك في ماله يكون نافذا و مسلّطا عليه، و من المعلوم أنّ البيع المعاطاتي تصرف في المال،

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 12 و 14.

(2) حاشية المكاسب للسيد الاشكوري، ص 10. حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1 ص 77.

ص: 403

______________________________

فالمالك مسلّط عليه، و لا معنى لسلطنته عليه إلّا جوازه و نفوذه شرعا. و بيانه: أنّ هنا أمورا ينبغي الالتفات إليها:

أحدها: أنّ السلطنة تشريعية لا تكوينية.

ثانيها: ظهور السلطنة في الوضع، لعدم السلطنة على التكليف الشرعي كما هو واضح، فلسلطنة المالك على التصرف في ماله عبارة عن نفوذ تصرفاته في ماله و إمضائها.

ثالثها: أنّ الأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، فإنّه خلاف الأصل، فيقدّم عليه عند الدوران بينهما.

رابعها: أنّ حذف المتعلّق يفيد العموم كما في مثل قوله عليه السّلام: «الماء يطهّر، و لا يطهّر» إلّا إذا كان هناك قرينة على خلافه.

إذا تحققت هذه الأمور كان مقتضاها الإطلاق كمّا و كيفا، إذ لا قرينة على إرادة تصرف خاص من متعلق السلطنة، و حذفه يفيد العموم، و حمله على خصوص الأنواع دون أسبابها- كما عليه المصنف هنا- بلا قرينة، بل الحذف و التأسيس قرينتان على العموم، إذ لو حمل على خصوص الأنواع- دون أصناف كل منها- لزم كون الحديث مؤكّدا لا مؤسّسا. و من المعلوم أنّ نقل المال الى شخص بالمعاطاة أو بغيرها ممّا يراه المالك سببا للنقل تصرف في ماله، و هو- بمقتضى عموم الحديث- مسلّط على هذا التصرف، و منع المالك عنه ينافي عموم السلطنة.

و بعبارة اخرى: أنّ منع الإطلاق في الحديث يوجب انسداد باب التمسك بالإطلاق، و مجرّد احتمال الإهمال لا يقتضي رفع اليد عن ظاهر الكلام الذي هو كاف في إحرازه، من دون حاجة الى الإحراز القطعي الموجب لانسداد باب الإطلاق. و من المعلوم أنّ إطلاق السلطنة يشمل جميع أنحائها حتى إخراج المال عن ملكه كابقائه، إذ لا فرق- في نظر العقلاء- في السلطنة على المال بين الإبقاء و الإخراج و لو بالإعراض، ضرورة كون كل منهما من حصص السلطنة التي موضوعها إضافة المال الى المالك، و الإخراج يتعلق بهذه الإضافة، و في الرتبة المتأخرة تزول الإضافة. نظير العتق و الوقف، فإنّهما يتعلقان بهذه الإضافة مع انعدامها في الرتبة المتأخرة.

ص: 404

______________________________

و الكاشف عن هذا الإطلاق جواز التصريح به و بتقييده: بأن يقال: المالك مسلّط على التصرف الإبقائي و الإخراجي إلّا التصرف الكذائي.

و الحاصل: أنّه لا ينبغي التأمل في كون الإبقاء و الإخراج من حالات الملك اعتبارا، و من أنحاء التصرفات التي يشملها إطلاق دليل السلطنة، فلا فرق في ثبوت السلطنة على المال لمالكه بين التصرفات أصلا من إعدام المال و إتلافه بأكل و شرب و ضيافة، و من إخراجه عن ملكه مع بقاء عينه كبيعه و هبته، فإنّ من راجع العقلاء في معاملاتهم مع أموالهم يرى أنّهم يثبتون السلطنة للمالك على إبقاء المال و إخراجه على نهج واحد.

الوجه الثاني: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فإنّه- بعد أن أورد على المتن من «جعل حقائق المعاملات أنواع السلطنة» بأنّ السلطنة المجعولة هي القدرة على التصرفات المعاملية المتحققة بترخيص الشارع تكليفا و وضعا، فتحقق بالترخيص تكليفا القدرة على إيجادها بما هي عمل من الأعمال، و بالترخيص وضعا القدرة على المعاملة بما هي معاملة مؤثرة في مضمونها، فالتصرفات متعلقات السلطنة لا عينها و أنواعها- قال ما محصله: انّ إطلاق الحديث لا يكون بلحاظ الكمّ خاصة، بل إطلاقه بلحاظ الكيف أقوى منه بلحاظ الكم، و ذلك لأنّ السلطنة على البيع مثلا باعتبار تخصّصها بمتعلّقها تكون حصّة من طبيعي السلطنة، و لمّا كان البيع المتحقق بالمعاطاة حصّة من طبيعي البيع قطعا كانت السلطنة على هذه الحصة حصّة من طبيعي السلطنة، فإذا كان الشارع في مقام الترخيص التكليفي و الوضعي لذي المال- و هو المحقّق لحقيقة السلطنة- فلا محالة تكون الأسباب ملحوظة إمّا ابتداء و بنفسها، أو بتبع لحاظ المسببات المفروضة حصصا، و بهذا الاعتبار لها نفوذ و مضيّ، كما هو مقتضى اعتراف الماتن بقوله: «ثابتة للمالك و ماضية في حقه شرعا» و لا نفوذ و لا مضي إلّا بملاحظة الأسباب و لو من حيث القيدية المحصّصة للتمليك و المحصّصة للسلطنة «1».

و لعلّ هذا الوجه أقوى من سابقه في إثبات السلطنة المطلقة كمّا و كيفا، بلحاظ أنّ

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 26.

ص: 405

______________________________

مقتضى إطلاق السلطنة على البيع هو السلطنة على كل حصّة من طبيعي البيع. و يتعيّن المصير إليه لو لا النقض- الآتي بيانه- المانع عن الالتزام بالإطلاق أصلا.

و يستدل للقول الثاني بأنّ دليل السلطنة يثبت أنحاء السلطنة على المال بما هو مضاف الى مالكه، فكل سلطنة راجعة الى هذه الإضافة جائزة و نافذة، بخلاف ما لا يرجع الى ذلك، بل يرجع إلى الحكم الشرعي، فإنّه لا موجب لإثباته، إذ لم يرد «الناس مسلطون على أحكامهم» و الشك في اعتبار الصيغة أو غيرها مما يتعلّق بالسبب يرجع الى الحكم الشرعي، و هو كون الفعل كالقول سببا للنقل و الانتقال، و من المعلوم أنّه أجنبي عن حيثية إضافة المال إلى مالكه، فلا يندرج تحت سلطنة المالك على ماله، بل هو من الأحكام المقرّرة شرعا أو عرفا، فلا بد فيه من الرجوع الى الشرع أو العرف.

و بالجملة: ليس كون شي ء سببا لتحقق البيع أو الهبة أو كون الإعراض مزيلا للملكية من حدود السلطنة و شؤونها حتى يشمله دليل السلطنة، فدليل السلطنة يشمل المسببات دون الأسباب، و إطلاقها بالنسبة الى جميع أنحاء التصرفات المترتبة على إضافة المال الى مالكه محكّم، لا ما يكون أجنبيا عن هذه الحيثية، مثل دخل العربية و نحوها في سببية البيع مثلا للتمليك.

و يستدل للقول الثالث: بأنّ إضافة المال الى المالك حيثية تقييدية في حكم الشارع بالسلطنة و تصلح قرينة على عدم إرادة العموم في المتعلق، و أنّ المراد به خصوص الأحكام الراجعة إلى المالك من حيث كونه مالكا، كما إذا شكّ مثلا في نفوذ هبة المالك ماله بدون إذن أولاده أو ولاة أمره، و أنّه يفتقر هذا التصرف إلى إذنهم أم لا؟ فيدفع الشك المزبور بهذا الحديث الدال على استقلال المالك في تصرفاته المشروعة، و عدم كونه محجورا عنها، و ليس للغير مزاحمته فيها.

و أمّا الأحكام الشرعية- المتعلقة بالمال- التي لا ربط لها بحيثية إضافته إلى المالك فليس الحديث متكلفلا بها و لا ناظرا إليها. و من المعلوم أنّ جواز بيع المالك ماله للغير

ص: 406

______________________________

و تمليكه إيّاه حكم شرعي غير مرتبط بالمالك من حيث كونه مالكا. و كذا سببية المعاطاة للتمليك ليست من أحكام إضافة المال الى المالك حتى يتمسك بإطلاق السلطنة لإمضاها.

فمعنى الحديث- و اللّه العالم- أنّ للمالك كل تصرف ثبتت له مشروعيته في ماله، بلا حاجة الى مراجعة شخص آخر، فتصرّف المالك نافذ بالاستقلال.

و هذا هو السّر في عدم تمسك أحد من الأصحاب بهذا الحديث لجواز أكل ما يشك في حلية لحمه كالإرنب المملوك، بدعوى إطلاق السلطنة على المال لكل تصرف خارجي و اعتباري.

بل مقتضى إطلاق مشرّعية الحديث وقوع المعارضة بينه و بين أدلة بعض المحرّمات كحرمة أكل الطحال و نحوه من أجزاء حيوان مأكول اللحم، و حرمة شرب العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه، بتقريب: أنّ إطلاق السلطنة قاض بجواز الأكل و الشرب و بصحة بيعهما، و دليل حرمة الأكل و الشرب شامل لما إذا كانا مملوكين أو مغصوبين أو مرخّصا فيهما من قبل مالكيهما، فيتعارض الإطلاقان بالعموم من وجه في الطحال و العصير المملوكين، و يتساقطان لفقد المرجح، فتصل النوبة إلى عمومات الحلّ، و هذا مما لا يظنّ أن يجترئ عليه متفقة فضلا عن فقيه.

و التخلص من هذا النقض منوط بقصر مدلول الحديث على جعل استقلال الملّاك في تصرفاتهم المشروعة في أموالهم و عدم حجرهم عنها.

نعم يشكل هذا الوجه الذي ركن إليه المحقق الخراساني قدّس سرّه- و ربما استفيد من كلام المصنف قدّس سرّه أيضا- بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ المقتضي للسلطنة هو إضافة المال الى مالكه، و المقتضى هو القدرة المجعولة تكليفا و وضعا، و لا مانع من الإخبار بثبوت السلطنة بمجرد ثبوت مقتضيها سواء أ كانت هي فعلية أم شأنية، لوجود مانع كالصغر و الفلس و نحوهما.

و أمّا الحجر فهو مانع عن فعلية السلطنة، و لم يعهد الإخبار عن عدم المانع عن الشي ء بمجرد ثبوت مقتضية، فإنّ عدم المانع يستند الى عدم سببه لا إلى وجود المقتضي و هو الملكية.

ص: 407

______________________________

و عليه فلا وجه لحمل الحديث- الظاهر في جعل السلطنة التي تقتضيها الملكية- على بيان أمر عدمي و هو الحجر المانع عن نفوذ تصرّفات المالك.

لكن يمكن أن يقال: إنه لا غرابة في استظهار استقلال المالك و عدم حجره من الحديث، إذ لو كانت إضافة الملكية حيثية تعليلية في جعل السلطنة بأن كانت العبارة «الناس مسلطون على أموالهم لأنّها أموالهم» أمكن استبعاد إسناد عدم الحجر إلى تمامية المقتضي، بناء على جريان حديث المقتضي و المقتضي في موضوعات الأحكام الشرعية. مع أنّ مقام الاستظهار من الخطابات الملقاة إلى العرف مقام آخر، فالمهمّ قالبية اللفظ للمراد، و تعارف إفادته به، و لا مانع من إرادة عدم الحجر و حرمة المزاحمة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلطون على أموالهم».

و لو فرض عدم تمامية ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه من سوق الحديث بحسب ظهوره الأوّلي في الاحتمال الثالث دار الأمر بين سقوطه رأسا بعد تعذر الأخذ بمشرّعيته لأنواع التصرفات و أسبابها، و بين حمله على إفادة مجرّد استقلال الملّاك في تصرفاتهم المشروعة في أموالهم، و الظاهر أنّه المتعيّن.

هذا مضافا إلى: تقييد الإطلاق من حيث السبب بما دلّ على حرمة أكل أموال الناس بالباطل واقعا، و سيأتي توضيحه في أدلة اللزوم إن شاء اللّه تعالى.

و قد تحصّل من هذا البحث الطويل الذيل أمور:

الأوّل: اعتبار الحديث سندا بعمل المشهور و إرسالهم إياه إرسال المسلّمات.

الثاني: أنه لا يستفاد من الحديث أزيد من استقلال المالك في التصرف، لا مشرّعيته كمّا و كيفا.

الثالث: أنّه لا فرق في سلطنة المالك على ماله في التصرفات المشروعة بين التصرف المزيل لعلقة الملكية و المبقي لها.

الرابع: أنّه لا مانع من التمسك بإطلاق السلطنة عند الشك في ورود دليل على منع المالك عن بعض أنحائها، لأنّ مرجعه الى الشك في وجود المانع، و الإطلاق يدفعه.

ص: 408

و كيف كان (1) ففي الآيتين (2) مع السيرة (3) كفاية.

اللهم إلّا أن يقال (4): إنّهما (5) لا تدلان [1] على الملك، و إنّما تدلّان على إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، كالبيع و الوطي و العتق و الإيصاء،

______________________________

(1) يعني: سواء تمّ الاستدلال بحديث السلطنة على مملّكية المعاطاة أم لم يتم، لما عرفت من المناقشة في دلالته، لعدم كونه ناظرا الى تشريع السلطنة على الأسباب حتى يؤخذ بإطلاقه.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 409

(2) و هما آية حلّ البيع، و التجارة عن تراض، لأنّ حلية مطلق التصرفات تستلزم شرعا مملّكية المعاطاة.

(3) أي: السيرة العقلائية المستمرة إلى عصر المعصومين عليهم السّلام، الممضاة بعدم الردع عنها.

إلى هنا تعرّض المصنف قدّس سرّه لأدلة أربعة على إفادة المعاطاة للملك، و اختار وفاء ثلاثة منها بالمقصود، و ناقش في دلالة حديث السلطنة كما عرفت مفصّلا.

(4) مقصوده من هنا إلى قوله بعد أسطر: «فالأولى التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حلّ البيع صحته شرعا» الخدشة في دلالة الآيتين و السيرة على إفادة المعاطاة للملك من حين التعاطي.

(5) أي: أنّ الآيتين لا تدلان على الملك- من أوّل الأمر- الذي ادّعاه المحقق الثاني و وافقه المصنف بقوله: «لا يخلو من قوة». و ليعلم أنّ مناقشته في الآيتين ليست بمعنى كونهما أجنبيتين عن تأثير المعاطاة في الملكية رأسا كما كان حديث السلطنة أجنبيا عنه، بل غرضه قدّس سرّه من الخدشة في دلالة الآيتين الكريمتين هو: أنّ المدّعى حصول النقل الملكي من حين وقوع التعاطي، و الآيتان إنّما تدلّان على حصول الملكية الآنيّة قبل تصرف كل من

______________________________

[1] بل تدلان على الملك. أمّا الأوّلى فبالدلالة المطابقية إن أريد بحلّ البيع ما هو أعم من التكليفي و الوضعي، و بالالتزامية إن أريد به خصوص التكليفي.

ص: 409

..........

______________________________

المتعاطيين فيما أخذه من الآخر تصرّفا منوطا بالملك كالوقف و العتق، و لا تدلّان على الملك من أوّل الأمر.

و توضيح المناقشة: أنّ دلالة الآيتين على كون المعاطاة كالبيع القولي مفيدا للملكية من أوّل الأمر تتوقف على مقدمات ثلاث:

الاولى: أنّ المدلول المطابقي للآيتين هو حكم تكليفي أعني به إباحة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة.

الثانية: أنّ حلية بعض أنحاء التصرفات تكليفا و صحتها وضعا منوطة بصدورها من المالك، لا من المباح له.

الثالثة: أنّ إباحة جميع التصرفات المترتبة على البيع تستلزم شرعا تأثير المعاطاة- التي هي بيع عرفي- في الملكية من أوّل الأمر.

و لو اختلّت إحدى هذه المقدمات اختلّ الاستدلال بالآيتين على تأثير المعاطاة في الملكية من أوّل الأمر. و غرضه قدّس سرّه منع المقدمة الثالثة- و هي الملازمة الشرعية بين الحلية التكليفية و الملكية- و ذلك لأنّ الملازمة بين إباحة التصرف المترتب على البيع القولي و بين

______________________________

و أما الثانية فهي و إن كان مفادها حلية التصرفات، إلّا أنّها لمّا كانت مترتبة على التجارة عن تراض فهم العرف منه صحة التجارة، و أنّ ترتّب حلية تلك التصرفات على التجارة يكون لأجل التجارة، فيكون من قبيل ذكر اللازم و إرادة الملزوم، نظير قول مالك الأمة بعد تزويجها من الغير: «يجوز لك وطيها» فلا يفهم منه إلّا الزوجية، لا جواز الوطي من باب التمليك.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه من «استفادة الملكية في سائر المقامات من جهة الإجماع على الملازمة الشرعية بين إباحة التصرفات و الملكية، و الإجماع في البيع المعاطاة مفقود» في غاية الغموض. فالإنصاف وفاء الآيتين بالدلالة على مملكية المعاطاة.

و أما مناقشته قدّس سرّه في السيرة فممنوع لمن راجع السيرة و أهلها.

ص: 410

و إباحة (1) هذه التصرفات إنّما تستلزم الملك

______________________________

الملكية ثابتة من جهة قيام الإجماع على إباحة مطلق التصرف حتى المتوقف على الملك، و هو كاشف عن حصول الملكية بمجرد العقد اللفظي. و أمّا في البيع المعاطاتي فلا دليل على هذه الملازمة، بل صرّح بعض الفقهاء بالتفكيك بينهما، فقال بإباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، و بعدم إفادة المعاطاة للملك، و تتوقّف الملكية على تلف إحدى العينين. و مع هذا التصريح كيف تتجه دعوى الملازمة الشرعية بين حلية التصرفات المترتبة على البيع و بين الملك من أوّل الأمر؟

نعم لا مناص من الالتزام بالملكية الآنامائيّة إذا أراد أحد المتعاطيين أن يتصرّف في المأخوذ بالمعاطاة- بما يتوقف على الملك، جمعا بين الأدلة، و لكن هذه الملكية الآنيّة أجنبية عن المدّعى و هو تأثير المعاطاة في الملك من أوّل الأمر.

و قد تحصل مما ذكرنا: قصور دلالة الآيتين الكريمتين على إثبات مملكية المعاطاة على حدّ البيع القولي.

(1) هذا إشارة إلى توهم و دفعه- و قد اتّضحا مما ذكرناه- أمّا التوهم فحاصله: أنّ الآيتين و إن لم تدلّا مطابقة على الملك، لكنهما تدلّان عليه التزاما، إذ الإباحة المطلقة تقتضي حصول الملك من أوّل الأمر، لوجود الملازمة بينهما كما في غير مقامنا من البيوع القولية، حيث إنّه يحصل الملك في البيع القولي من حين العقد بلا إشكال، فوزان البيع المعاطاتي وزان البيع القولي في استكشاف الملكية- من أوّل الأمر- من إباحة التصرفات حتى المتوقفة على الملك، للملازمة الشرعية بين الإباحة المطلقة و بين الملك كذلك. فتحقق اللّازم أي الملك من أوّل الأمر في البيع المعاطاتي، و هو المطلوب.

و أمّا الدفع فحاصله: أنّ القياس مع الفارق، بداهة كون الملازمة بين إباحة التصرفات و بين الملكية من أوّل الأمر- في البيع اللفظي- شرعية، لا عقلية و عادية حتى يتعدّى من موردها و هو البيع القولي إلى المعاطاتي.

و الوجه في كون الملازمة شرعية: أنّ الدليل على حصول الملكية من حين العقد هو الإجماع على عدم انفكاك الملك عن العقد المفيد لإباحة جميع التصرفات في العوضين، و من المعلوم اختصاص هذه الملازمة بالبيع القولي الذي هو المقيس عليه.

ص: 411

بالملازمة الشرعية (1) الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع و عدم القول بالانفكاك (2)، دون المقام (3) الذي لا يعلم ذلك (4) منهم، حيث (5) أطلق القائلون (6) بعدم الملك إباحة التصرفات،

______________________________

و أمّا البيع المعاطاتي فلم يثبت فيه التلازم المزبور، بل علم من المشهور الانفكاك بينهما فيه، لأنّ القدماء- مع قولهم بالإباحة و عدم مملّكية المعاطاة- قائلون بإباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، على ما يقتضيه إطلاق كلماتهم، حيث لم يقيّدوا «إباحة التصرف» بما لا يتوقف على الملك.

و يشهد بهذا الإطلاق فهم الشهيد الثاني قدّس سرّه على ما صرّح به في المسالك من «أنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرفات» «1» فإنّه لا مسوّغ لهذه النسبة إليهم إلّا إطلاق كلماتهم.

(1) هذه الكلمة هي القرينة القطعية على أنّ مراد المصنف قدّس سرّه من الاستدلال بالآيتين- بالتقريب الأوّل من الوجوه الثلاثة- هو الملازمة الشرعية بين الإباحة التكليفية و مملكية المعاطاة و صحتها. و تقييد الملازمة ب «الشرعيّة» لأجل التنبيه على أنّ الملازمة لو كانت عرفية كانت حليّة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة دالة على إفادة الملك من حين التعاطي كالبيع القولي، إذ لا يرى العرف فرقا بينهما في إفادة الملك من أوّل الأمر.

(2) بين إباحة جميع التصرفات و بين الملك من أوّل الأمر، و أنّ الملكيّة لا تتوقف على التصرف أو التلف و نحوهما من الملزمات.

(3) و هو البيع المعاطاتي، و هذا إشارة إلى الدفع المتقدم بقولنا: «ان القياس مع الفارق .. إلخ».

(4) أي: عدم الانفكاك بين إباحة جميع التصرفات و بين الملك من أوّل الأمر.

(5) تعليل لقوله: «لا يعلم ذلك منهم» فإنّ إطلاق إباحة التصرفات مع القول بعدم الملك يوجب القول بالانفكاك بين إباحة التصرفات و بين الملك.

(6) كقول الشيخ في الخلاف: «و إنّما يكون إباحة له، فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرّفا مباحا من غير أن يكون ملكه» و نحوه عبارة ابن إدريس و السيد ابن زهرة و القاضي

______________________________

(1): مسالك الافهام، ج 3، ص 149.

ص: 412

و صرّح (1) في المسالك «بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرفات» غاية الأمر (2) أنه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرّف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما، فإنّ (3) الجمع

______________________________

الحلبي و غيرهم، و قد تقدمت في المقام الأوّل المنعقد لتحرير محل النزاع في المعاطاة.

(1) معطوف على «أطلق القائلون» يعني- مضافا الى إطلاق كلام القدماء- صرّح في المسالك، و مقصوده قدّس سرّه أنّ كلمات الأصحاب في الحكم بإباحة التصرف و إن كانت دالة بإطلاقها على إباحة كل تصرف حتى ما يتوقف على الملك، إلّا أنّه يؤيّد هذا الاستظهار بفهم الشهيد الثاني قدّس سرّه حيث نسب الى المشهور إباحة مطلق التصرفات مع التزامهم بعدم الملك.

و على هذا فالقول بالملازمة غير معلوم بل معلوم العدم، فكيف يقاس البيع المعاطاتي- الذي لم يثبت فيه الإجماع على الملازمة بين إباحة كل تصرف و بين الملك- على البيع القولي الذي ثبت فيه الإجماع المزبور.

و عليه فلا يحصل الملك الابتدائي بالمعاطاة، و تصل النوبة إلى الملكية الآنيّة من باب الجمع بين الأدلة.

(2) غرضه قدّس سرّه توجيه فتوى المشهور حتى لا يرد عليهم إشكال، محصّله: أن نفي مملّكية المعاطاة ينافي إباحة التصرفات المتوقفة على الملك كالعتق و الوقف، فإنّهما لا يقعان من المباح له. فأجاب قدّس سرّه بأنّ المشهور لا بدّ أن يلتزموا بالملكية الآنامّائية في التصرفات المنوطة بالملك، و إلّا كان اللازم تخصيص إباحة التصرف، بما يتوقف على الملك، فإذا لم ينبّه المشهور على هذه الملكية الآنيّة فإنّما هو للاتّكال على وضوحها لا لأجل إنكارها.

(3) تعليل لقوله: «يكشف عن سبق» يعني: أن دخول المأخوذ بالمعاطاة في ملك المتصرّف- آنا مّا- يستفاد من الجمع بين دليلين، أحدهما: ما دلّ على إباحة جميع التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة.

ثانيهما: الأدلة الخاصة على توقف بعض التصرفات على الملك و عدم صحتها من المباح له، مثل قولهم عليهم السّلام: «لا بيع إلّا في ملك، لا وقف إلّا في ملك، لا عتق إلّا في ملك».

فالجمع بين كل واحد من هذه و بين الإجماع على إباحة جميع التصرفات يقتضي

ص: 413

بين إباحة هذه التصرفات (1) و بين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار (2)، و لا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر ليقال: إنّ مرجع هذه الإباحة أيضا الى التمليك (3).

و أمّا ثبوت السيرة و استمرارها على التوريث فهي (4) كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة و قلّة المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم و معاملاتهم و سياساتهم كما لا يخفى.

و دعوى (5) أنّه لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة

______________________________

الالتزام بدخول المال في ملك المتعاطي- آنا مّا- حتى يقع البيع و الوقف و العتق في ملكه، لا في ملك المبيح.

(1) المتوقفة على الملك.

(2) أي: الملك آنا ما.

(3) يعني: حتى يصحّ التمسك بالآيتين على مملّكية المعاطاة من أوّل الأمر.

و بهذا ظهرت المناقشة في دلالتهما على كون المعاطاة كالبيع القولي مفيدا للملك من أوّل الأمر. و لهذه المناقشة تتمة سيأتي بيانها بعد الخدشة في السيرة.

(4) غرضه المناقشة في الدليل الأوّل و هو السيرة- التي تشبّث بها سابقا على صحة المعاطاة و إفادتها الملك- بأنّ هذه السيرة من السير التي لا عبرة بها، لنشوها عن المسامحة و قلّة المبالاة بالدين، فلا يكشف استمرارها عن رضى المعصوم عليه السّلام بها حتى تكون حجة، و من المعلوم أنّ مجرّد الاستمرار الى عصر المعصوم عليه السّلام ليس إمضاء لها، فهي كسيرتهم على المنكرات كأكل الربا و حلق اللحى، فهل يكون مجرّد تعارفها في عصر المعصوم إمضاء لها؟

و لا يخفى أنّ الخدشة في السيرة بما في المتن ظاهر في أنّ السيرة المستدل بها على مملّكية المعاطاة هي العقلائية لا المتشرعية، إذ لو كانت متشرعية كانت حجة بمجرّد إحراز استمرارها، لأنّها إجماع عملي كاشف عن رضى الشارع.

(5) كان المناسب ذكر هذه الدعوى قبل قوله: «و أما ثبوت السيرة .. إلخ» لأنّ هذه

ص: 414

على الملك، كما يظهر من المحكي «1» عن حواشي الشهيد على القواعد من: منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي، و عدم جواز وطي الجارية المأخوذة بها (1). و قد صرّح الشيخ «2» رحمه اللّه بالأخير في معاطاة الهدايا، فيتوجّه التمسك

______________________________

الدعوى من بقية الإشكالات المتعلقة بالآيتين، و غرض المستشكل نفي ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الملكية الآنيّة و إثبات الملكية من أوّل الأمر، و أنّه لا وجه للجمع بين الأدلة بالالتزام بالملك آنا ما.

و توضيح ذلك: أنّ نفي الإجماع على الملازمة بين إباحة جميع التصرفات و بين الملك مبني على العلم بأنّ المشهور- القائلين بعدم الملك من أوّل الأمر- ملتزمون بإباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، لأنّه حينئذ يثبت عدم الإجماع على الملازمة بين إباحة جميع التصرفات و بين ثبوت الملك من أوّل الأمر.

لكنّه لم يعلم هذا الالتزام منهم، إذ لا طريق الى العلم بذلك إلّا الإطلاق، و هو غير ثابت، لعدم إحراز كونهم في مقام البيان من هذه الجهة، لقوّة احتمال إرادتهم التصرفات غير المتوقفة على الملك، كما يؤيّده- بل يشهد به- ما عن الشهيد قدّس سرّه في حواشيه على القواعد:

من منع التصرفات المتوقفة على الملك، كإخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس، و الزكاة، و ثمن الهدي، و عدم جواز وطي الجارية المأخوذة بالمعاطاة. و كذا يشهد به تصريح شيخ الطائفة في المبسوط بعدم جواز وطي الجارية المأخوذة بالهدية المعاطاتية.

و عليه فإذا لم يثبت من القائلين بالإباحة جواز التصرفات المتوقفة على الملك فيتمسك في إثبات جوازها بالآيتين، إذ لا دليل آخر حسب الفرض على حلية هذه التصرفات، فيثبت الملك من أوّل الأمر، فيكون المأخوذ بالمعاطاة كالمأخوذ بالبيع اللفظي في ثبوت الملك من أوّل الأمر.

(1) أي: بالمعاطاة البيعية، في قبال معاطاة الهدايا الآتية في كلام شيخ الطائفة.

______________________________

(1): الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158.

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 315.

ص: 415

حينئذ (1) بعموم الآية على جوازها، فيثبت الملك (2)، مدفوعة (3) بأنّه و إن لم يثبت ذلك (4) إلّا أنّه لم يثبت (5) أنّ كلّ من قال بإباحة جميع التصرفات قال بالملك من أوّل الأمر.

______________________________

(1) أي: حين عدم العلم بالتزام القائلين بالإباحة بجواز التصرفات المنوطة بالملك يتوجه التمسك بعموم الآية بجواز تلك التصرفات من أوّل الأمر.

(2) يعني: من أوّل الأمر، لأنّه مقتضى عموم الآية، فتكون الآيتان ردّا على القائلين بالإباحة، و لا وجه للالتزام بالملكية الآنيّة من باب الجمع بين الأدلة.

(3) هذا دفع الدعوى المذكورة، و حاصله: أنّ مجرّد عدم المعلومية- و جواز إثبات هذا النحو من التصرفات و لو بالآيتين- غير كاف في إثبات المطلوب و هو الملكية من أوّل الأمر، بل يتوقف ذلك على إثبات الملازمة بالإجماع، و أنّ كل من قال بإباحة جميع التصرفات قال بحصول الملك من أوّل الأمر، و دون إثبات هذه الملازمة خرط القتاد.

(4) أي: و إن لم يثبت من القائل بالإباحة جواز التصرفات المتوقفة على الملك. و وجه عدم الثبوت: تصريح الشهيد بعدم جواز بذل المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة المتوقفين على الملك.

(5) يعني: لم يثبت التلازم بين إباحة جميع التصرفات و بين الملك من أوّل الأمر. و وجه عدم ثبوت الملازمة: إمكان التزام القائل بإباحة جميع التصرفات- حتى المتوقفة على الملك- بالملك في آن التصرف، لا بالملك من أوّل الأمر، فيتعيّن حينئذ الالتزام بالملكية الآنيّة جمعا بين الأدلة.

و قد تحصّل الى هنا: أنّ المصنف قدّس سرّه أبطل استدلاله بالآيتين الشريفتين بناء على التقريب الأوّل، و هو حلية التصرفات المترتبة تكليفا على البيع و استلزامها شرعا مملّكية المعاطاة من أوّل الأمر كالبيع القولي.

ص: 416

فالأولى (1) حينئذ التمسك في المطلب بأنّ المتبادر عرفا من حلّ البيع صحته شرعا، هذا.

______________________________

(1) هذا متفرع على المناقشة في دلالة الآيتين بالملازمة الشرعية بين حلية التصرف و الملكية من أوّل الأمر. و مقصوده تقريب دلالة الآيتين على مملكية المعاطاة بوجه آخر، و هذا تقريب ثالث أشرنا إليه في صدر البحث عن آية حلّ البيع، و محصله: إثبات الملازمة العرفية بين إباحة التصرف و بين الملك. و توضيحه: أن متعلّق الحلّ هو التصرفات المترتبة على البيع، و حليّتها يتصور على نحوين:

أحدهما: مجرّد تحليل التصرفات الموقوفة على الملك، و هذا المدلول المطابقي لا يستلزم شرعا و لا عرفا صحة المعاطاة و مملّكيتها من حين الانعقاد. و قد تقدّم وجه عدم الملازمة بالتفصيل.

ثانيهما: تحليل التصرفات المترتبة على البيع بما أنّه معاملة يتسبب بها إلى الملك، بأن تدلّ الآية على حلية التصرف بخصوص هذا السبب- أي البيع الصادق على المعاطاة- و من المعلوم أنّ جواز التصرف بهذا السبب الخاص يلازم عرفا سببية المعاطاة للحلية و تأثيرها فيها، و هذا معنى استلزام الحلية التكليفية للصحة و النفوذ عرفا، يعني: أنّ المعاطاة من حين انعقادها بيع مؤثر في النقل الملكي، و لا بد من ترتيب آثار البيع عليها في إفادة الملكية من أوّل الأمر.

و هكذا يقال في استلزام إباحة الأكل لسببية التجارة عن تراض، يعني: أنّ حلية التصرف المتوقف على الملك فيما يؤخذ بالتجارة عن تراض- بما أنّها سبب مملّك- تستلزم صحتها و تأثيرها في الملكية من أوّل الأمر، و إلّا لم تكن الحلية مستندة إلى سببية التجارة، لإمكان تصوير الملكية الآنامائية.

و قد تحصل من كلمات المصنف في الاستدلال بآيتي الحلّ و التجارة وجوه ثلاثة:

الأوّل: دلالة الآيتين على حلية التصرفات المترتبة على البيع و التجارة تكليفا بالمطابقة، و دلالتهما بالملازمة الشرعية على الصحة و الملكية. و قد ناقش فيه بمنع الملازمة

ص: 417

[الدليل الخامس: الإجماع المركّب]
اشارة

مع إمكان (1) إثبات صحة المعاطاة في الهبة و الإجارة ببعض

______________________________

الشرعية، و إنّما غايته إثبات الملكية الآنيّة قبل التصرف المنوط بالملك.

الثاني: دلالة الآيتين على الحكم الوضعي و هو الصحة لا مجرّد الحكم التكليفي. و قد ناقش فيه بالأمر بالتأمل فيه. و لعلّ وجهه انتفاء الجامع بين الحلّ التكليفي و الوضعي، فلا بد أن يراد أحدهما، و مقتضى ظهوره في التكليف تعلقه بالتصرفات، و هو الوجه الأوّل.

الثالث: دلالة الآيتين بالمطابقة على حلية التصرفات، و بالملازمة العرفية على صحة المعاملة المعاطاتية، يعني: أن مدلول الآيتين ليس مجرّد اشتراك المعاطاة مع البيع و التجارة في ترتيب الآثار حتى تنفك الملكية عن الحلية، بل مدلولهما هو الحلية الناشئة من سببيّتهما للملك، لكونهما سببين عرفيين له. و هذا هو الذي استقرّ عليه رأيه في الحكم بإفادة المعاطاة للملك. هذا.

و يحتمل أن يريد المصنف قدّس سرّه بهذا الوجه الثالث أمرا آخر، و هو: دلالة الآية بالمطابقة على صحة البيع المعاطاتي، و لعلّه أوفق بقوله: «بأن المتبادر عرفا من حلّ البيع صحته شرعا» لا ما ذكرناه- أخذا من المحقق الأصفهاني قدّس سرّه- من إرادة الملازمة العرفية بين تحليل التصرفات و صحة المعاطاة. و عليه يكون مختاره قريبا من التقريب الثاني و هو إرادة الحل الوضعي.

لكن قد يشكل بأنّ دلالة الآية بالمطابقة على الصحة ينافي انتزاع الوضعيات من التكليف و عدم استقلالها بالجعل، فلعلّ الأولى إرادة الملازمة العرفية كما ذكرناه.

الدليل الخامس: الإجماع المركّب

(1) هذا إشارة إلى دليل خامس على مملّكية المعاطاة، و هو الاستدلال بالإجماع المركّب حتى إذا نوقش في الأدلة الثلاثة المتقدمة من الآيتين و السيرة. تقريبه: أنّ من الممكن تصحيح المعاطاة في الهبة و الإجارة ببعض إطلاقاتهما، و تتميمه في البيع بالإجماع المركّب، إذ لا يقول أحد بصحة المعاطاة في الهبة و الإجارة و عدم صحتها في البيع، فكل من يقول بصحتها فيهما يقول بصحتها في البيع.

ص: 418

إطلاقاتهما (1) [1] و تتميمه في البيع بالإجماع المركّب، هذا.

______________________________

(1) أي: إطلاقات الهبة و الإجارة. أما إطلاق أدلّة الهبة، فكرواية جرّاح المدائني، قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن عطيّة الوالد لولده يبينه، قال: إذا أعطاه في صحّة جاز» «1» تقريب الإطلاق: أنّ الإعطاء إن لم يكن ظاهرا في خصوص الإعطاء الخارجي- لا المترتب من باب الوفاء على الإيجاب و القبول اللفظيين- فلا أقلّ من شموله لكل من الهبة القولية و الفعلية، و الوجه في الإطلاق عدم استفصال الامام عليه السّلام عن أنّ العطيّة هل كانت باللفظ أم بالفعل.

و كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم» «2» الحديث.

و أما إطلاق بعض أدلة الإجارة فمثل ما جاء في حديث تحف العقول: «و أما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملكه، أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارة» «3» و وجه الإطلاق: عدم تقييد الإجارة النافذة شرعا بما إذا وقعت بالإيجاب و القبول اللفظيين.

و كذلك ما في مكاتبة اليقطيني الى الامام أبي محمد العسكري عليهما السّلام: «في رجل دفع ابنه الى رجل و سلّمه منه سنة بأجرة معلومة ليخيط له، ثم جاء رجل، فقال: سلّم ابنك منّي

______________________________

[1] هذا لا يخلو من غرابة، لأنّ إطلاقات البيع إن لم تكن أزيد من إطلاقاتهما لم تكن بأقلّ منها، مضافا إلى أنّه يرد عليهما من الاشكال ما يرد على إطلاقه.

و إلى: أنّ المحكي عن المصنف قدّس سرّه إنكار وجود الإطلاق فيهما.

و إلى: أنّه لا معنى لدعوى الإجماع المركب في المقام مع وجود القول بالفصل، و هو ذهاب مشهور القدماء إلى الإباحة. و سيأتي بعض ما يناسب المقام في التنبيهات.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 344، الباب 11 من كتاب الهبات، الحديث: 5.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 335، الباب 4، من كتاب الهبات الحديث: 4

(3) تحف العقول، ص 331.

ص: 419

مع (1) أنّ ما ذكر- من أنّ للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه-

______________________________

بزيادة، هل له الخيار في ذلك؟ و هل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم لا؟ فكتب عليه السّلام:

يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف» «1» فإنّ الدفع و التسليم ظاهران في إنشاء عقد الإجارة بهما، لا كونهما وفاء بإنشاء الإجارة بالصيغة سابقا على الدفع. و لا أقلّ من الإطلاق المستند إلى ترك الاستفصال، فإنّه عليه الصلاة و السّلام لم يسأل هل أنشئت الإجارة باللفظ أم لا؟ و إنّما حكم بوجوب الوفاء للأوّل مطلقا، سواء كان إنشاؤها باللفظ أم بالفعل.

فان قلت: هذا الإطلاق محكّم في آية حل البيع أيضا، لشمول العنوان للمعاملة الفعلية و القولية على حدّ سواء، لصدق البيع العرفي على المعاطاة قطعا، و معه لا حاجة الى تطويل الطريق بالتمسك بإطلاق الهبة و الإجارة أوّلا و إثبات عدم الفصل بين البيع و بينهما ثانيا.

فنفس إطلاق البيع على المعاطاة كاف في ترتيب آثاره عليها.

قلت: إطلاق الآية المباركة و إن كان ثابتا بدوا، إلّا أنّ تشتت الأقوال في المعاطاة و إجماع السيد ابن زهرة على نفي بيعيتها أوجبا ضعف الإطلاق و قوّة اختصاص البيع- المفيد للملك اللازم- باللفظي، و عدم شموله للمعاطاة، و لأجله تصدّى المصنف قدّس سرّه للتمسك بالإجماع المركب.

(1) غرضه تصحيح الاستدلال بآيتي الحلّ و التجارة- بالملازمة الشرعية بين الحلية التكليفية و الملك من أوّل الأمر- و إبطال ما نوقش فيه بقوله: «اللّهم إلّا أن يقال: إنّهما لا تدلّان على الملك، و إنّما تدلّان على إباحة جميع التصرفات .. غاية الأمر: أنّه لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما .. إلخ».

و حاصل وجه الإبطال- الكاشف عن صحة الاستدلال بالآيتين- هو: أنّ الالتزام بالملك آنا ما قبل التصرف ممّا لا يليق بالمتفقّه فضلا عن الفقيه، فهو فاسد، و لا يمنع عن الاستدلال بالآيتين على الملكية من أوّل الأمر. فالاستدلال بهما على مملكية المعاطاة كالبيع

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 254، الباب 15 من أحكام الإجارة، الحديث: 1.

ص: 420

لا يليق (1) بالمتفقه فضلا عن الفقيه، و لذا (2) ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد، في مقام الاستبعاد:

[استلزام القول بالإباحة تأسيس قواعد جديدة]
اشارة

أنّ القول بالإباحة المجرّدة مع فرض قصد المتعاطيين التمليك و البيع مستلزم لتأسيس قواعد (3) جديدة: «

______________________________

القولي صحيح، و الالتزام بالملك الآنيّ قبل التصرف فاسد. و عليه فإمّا أن يقال بإفادة المعاطاة لإباحة التصرفات و عدم حصول الملك أصلا حتى آنا ما قبل التصرف، و إما أن يقال بإفادتها للملك من أوّل الأمر، و حيث لا سبيل للالتزام بالأوّل تعيّن الأخير و هو إفادتها للملك من حين التعاطي.

(1) خبر «أنّ ما ذكر» و وجه عدم اللياقة هي الاستبعادات التي ذكرها الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه على المشهور القائلين بالإباحة.

(2) أي: و لأجل فساد الملك آنا ما قبل التصرف ذكر كاشف الغطاء قدّس سرّه في مقام الاستبعاد .. إلخ، حيث نقل في شرح القواعد بعض الأقوال في حكم المعاطاة، و قال: «و القول بمجرد الإباحة و الاذن في التصرف من غير ملك، كما ادعيت عليه الشهرة و نقل فيه الإجماع، و هو مردود بالسيرة المستمرة القاطعة في إجراء حكم الأملاك على ما أخذ بالمعاطاة من إيقاع عقد البيع و الإجارة و الهبة و الصلح و الصدقة و جميع العقود و ما يتعلق بتمليك الأعيان أو المنافع عليه، و تعلق العتق و الوقف و الحبس و الرهن و الربا و النذر و الأيمان و الوصايا و نحوه به، و كذا حكم المواريث و الأخماس و الزكوات و استطاعة الحج، و النظر إلى الجواري و لمسهن و وطئهن و تحليلهن و تزويجهن و نحو ذلك. فيلزم إمّا إنكار ما جاز بديهة أو إثبات قواعد جديدة: منها: أن العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود .. إلخ».

استلزام القول بالإباحة تأسيس قواعد جديدة

(3) يعني: أنّ القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة لم تكن مشروعة، و مع استلزام القول بالإباحة لتأسيسها يتعيّن المصير إلى كون المعاطاة مفيدة للملك من أوّل الأمر.

و بعبارة أخرى: إباحة جميع التصرفات تستلزم قواعد غير مشروعة، فعدم مشروعيتها دليل إنّي على فساد القول بإفادة المعاطاة للإباحة.

ص: 421

[القاعدة الاولى: عدم تبعية العقود للقصود]

منها: أنّ العقود (1) و ما قام مقامها لا تتبع القصود.

______________________________

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها:

الأوّل: أنّ أصول استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه ثمانية، و ان انحلّ بعضها الى استبعادين أو أكثر كما سننبّه عليه إن شاء اللّه تعالى.

الثاني: أنّ جملة من هذه الاستبعادات قد نبّه عليها المحقّق الثاني قدّس سرّه الذي التجأ إلى تأويل القول بالإباحة إلى الملك المتزلزل. و لكنّه قدّس سرّه لم يذكرها بهذا الترتيب و البسط كما صنعه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه.

الثالث: أن هذه الاستبعادات تدور بين ترتيب آثار الملك على غير الملك، و بين كون التلف و التصرف مملّكا- عند التلف أو التصرف، من دون ربط له بالإباحة بما هي. و عليه ينبغي أن يضاف إلى قوله: «التمليك و البيع»: و حصول الملكية قبل التلف أو التصرف.

القاعدة الاولى: عدم تبعية العقود للقصود

(1) هذا هو الاستبعاد الأوّل، أي: القاعدة الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها لو قلنا بإفادة المعاطاة- المقصود بها الملك- للإباحة المحضة، و حصول الملكية آنا ما قبل التصرف المملّك.

و توضيحه: أنّ العناوين الاعتبارية كالملكية و الزوجية و الحرية و البينونة لا تترتب على أسبابها- من الإنشاء اللفظي و الفعلي- قهرا، بل يناط ترتبها بقصد ذلك العنوان الإنشائي، و لذلك أسّس الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» قاعدة «أنّ العقود تابعة للقصود». و هذه الجملة تتكفل عقدين، أحدهما: إيجابي، و هو لزوم وقوع ما يقصده المتعاقدان. و الآخر سلبي و هو عدم وقوع ما لا يقصدانه.

و على هذا فلو ترتّبت الإباحة المحضة على المعاطاة المقصود بها الملك لزم مخالفة كلا العقدين، و لا بدّ من تأسيس قاعدة جديدة، و هي: «أنّ العقود لا يلزم متابعتها للقصود» إذ المقصود هو الملك و لم يحصل، و الحاصل و هو الإباحة لم يكن مقصودا. و لا سبيل للفقيه أن يلتزم بهذه القاعدة الجديدة. و يتوقف إنكارها على القول بإفادة المعاطاة للملك من حين انعقادها.

ص: 422

[القاعدة الثانية: مملّكية التصرف أو إرادته]

و منها (1): أن يكون إرادة التصرف من المملّكات،

______________________________

القاعدة الثانية: مملّكية التصرف أو إرادته

(1) هذا ثاني اللوازم الفاسدة المترتبة على مقالة المشهور من إفادة المعاطاة لإباحة التصرف دون الملك، و محصله: لزوم تأسيس قاعدة فقهية جديدة لم تكن معهودة من ذي قبل، و هي: كون إرادة التصرف- أو نفس التصرف أو هما معا- من الأسباب المملّكة. توضيحه: أنّ مقصود المتعاطيين- و هو الملكية- لم يحصل حسب الفرض. و حيث إنّ بعض التصرفات كالبيع و الوقف و العتق موقوف على الملك، فلا بد أن تكون مجرد إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة موجبة لدخول المباح له في ملك مريد التصرف، أو تكون تلك الإرادة مع نفس التصرف مملّكة بأن يكون كل من الإرادة و التصرّف جزء السبب المملّك.

و كلا الشقّين ممنوع، لأنّ إدخال المال في ملك الآخذ قبل التصرف- حتى يقع ذلك التصرف في ملكه- لم يكن مشمولا لإذن المالك الأوّل الدافع للمال، لأنّه قصد التمليك، و لم يحصل حسب الفرض، فالإذن الضمني في إدخاله في ملكه لم يكن موجودا حين التعاطي، فكيف يجوز للآخذ إدخال مال الغير في ملك نفسه بمجرد تصرفه فيه أو بإرادة تصرّفه؟

فإن قلت: لا مانع من إدخال المأخوذ بالمعاطاة في ملك الآخذ بمجرد التصرف أو بإرادته، لوجود الإذن في التملّك ضمنا من قبل الدافع، نظير الإذن الضمني في التملّك في مسألتين:

إحداهما: فيما إذا أمر شخص غيره بعتق عبده من قبل الآمر.

و ثانيتهما: فيما إذا أمره بالتصدق بماله عنه.

مثلا: إذا قال زيد لعمرو: «أعتق عبدك عنّي» كان أمره متضمّنا للوكالة في أمرين، الأول: تمليك عمرو عبده لزيد، الثاني: عتق العبد عن الآمر- و هو زيد- فالمأمور يملّك عبده لزيد بالأصالة، لكونه مالكا للعبد، و يقبل هذا التمليك- عن زيد- بالوكالة، ثم يعتقه عن الآمر بالوكالة أيضا. و عليه فالإذن الضمني في إدخال العبد في ملك زيد متحقق.

و كذا الحال في مسألة الأمر بالتصدق.

و ليكن المقام من قبيل هذين الفرعين المتسالم على صحتهما. يعني: أنّ من يدفع ماله

ص: 423

فيملك العين (1) أو المنفعة (2) بإرادة التصرف بهما (3)، أو معه (4) دفعة (5)، و إن لم يخطر (6)

______________________________

للغير بالمعاطاة يعلم بترتب إباحة جميع التصرفات- حتى المتوقفة على الملك- على الدفع، و هذا يتضمن كون الآخذ مأذونا في إدخال المال في ملك نفسه قبل التصرف المتوقف على الملك. و مع وجود هذا الإذن لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة، و هي كون التصرف في مال الغير إحدى المملّكات.

قلت: قياس المقام بالأمر بالعتق و الصدقة مع الفارق، لوجود الإذن و التوكيل فيهما، بخلاف المعاطاة، فإنّ المقصود أمر واحد و هو التمليك بنفس التعاطي، و المفروض عدم حصوله، لأنّ الشارع ألغى هذا القصد و حكم بترتب الإباحة المحضة، فكيف يتضمن الدفع إذنا للآخر في التمليك، بل مقتضاه أمّا حرمة التصرف المتوقف على الملك، و المفروض عدم التزامهم بها، و إمّا جعل إرادة تصرّف الآخذ موجبة لدخول المال في ملكه. و هذا هو القاعدة التي لم تعهد من الفقهاء، و التخلص منها يتوقف على إنكار الإباحة رأسا، و الالتزام بالملك كالبيع القولي.

(1) فيما إذا كان المعاطاة في البيع، الذي هو تمليك عين بعوض.

(2) فيما إذا كانت المعاطاة في الإجارة- التي هي تمليك المنفعة بعوض- كتمليك سكنى الدار سنة بدينار.

(3) الباء بمعنى «في» أي: يتملّك الآخذ العين أو المنفعة بمجرّد إرادة تصرّفه في كلتيهما.

(4) معطوف على «ارادة التصرف» يعني: لا فرق في لزوم تأسيس قاعدة جديدة بين الالتزام بمملّكية إرادة التصرف وحدها، و بين جعل المملّك مؤلّفا من إرادة التصرف و نفس التصرف.

(5) قيد لقوله: «فيملك» يعني: فيملك العين أو المنفعة دفعة. و لعلّ المقصود بالدفعة عدم دخل لفعل المالك المبيح في تملك صاحبه للمال أصلا.

(6) إذ لو خطر ببال المالك المبيح الإذن في التصرف صارت المعاطاة نظير الأمر بالعتق و الصدقة في اشتمالهما على التوكيل في التملك.

ص: 424

ببال المالك الأوّل الإذن (1) في شي ء من هذه التصرفات، لأنّه (2) قاصد للنقل من حين الدفع، لأنّه (3) لا سلطان له بعد ذلك (4). بخلاف (5) من قال: أعتق عبدك عنّي، و تصدّق بمالي عنك.

[القاعدة الثالثة: ترتيب آثار الملك على المباح]

و منها (6): أنّ

______________________________

(1) حتى يكون إذنه دخيلا في تملّك صاحبه لما أخذه بالمعاطاة.

(2) تعليل لعدم خطور الإذن ببال المالك في شي ء من التصرفات، يعني: أنّ عدم الخطور إنّما هو لأجل كون المالك قاصدا للنقل حين إعطاء المال، و لا سلطنة له بعد ذلك على المال حتى يخطر بباله الإذن في التصرف، حيث إنّ المالك يعتقد- حين الإعطاء- صيرورة المال ملكا للآخذ و خارجا عن حيّز سلطنته.

(3) أي: لأنّ المالك قاصد للنقل من حين الدفع لا من حين تصرّف الآخذ، و هذا تعليل لعدم كون المالك معتقدا بمالكية نفسه بعد الإعطاء حتى يأذن للآخر في التصرف في المال، بل يرى سلطنته منقطعة بعد الإعطاء، فكيف يتمشى منه الإذن في التصرف في المال؟

(4) أي: بعد الدفع.

(5) مقصود كاشف الغطاء قدّس سرّه بهذا منع تمسّك القائل بالإباحة لإثبات الإذن الضمني المالكي- في تملك المباح له قبل تصرّفه في المأخوذ بالمعاطاة- بمقايسته بما تسالموا عليه من صحة الأمر بالعتق و التصدق. و وقوعهما عن الآمر لا المأمور. و قد أوضحناه بقولنا: «فان قلت .. قلت .. إلخ».

القاعدة الثالثة: ترتيب آثار الملك على المباح

(6) هذا هو الاستبعاد الثالث المترتب على القول بالإباحة، و القاعدة الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها هي: الحكم بترتب عدّة من الأمور على ما في يد المباح له، مع عدم كونه ملكا له، مع أنّ هذه الأمور من آثار الملك و شؤونه، و لازم عدم إفادة المعاطاة للملك هو تعلّقها بغير الملك، لأنّ المال المأخوذ بالمعاطاة- مع بقاء عينه و عدم تلفها- باق على ملك مالكه الأوّل، و لم ينتقل الى الآخذ، و مع ذلك يتعلق به الأمور المذكورة في المتن، و هي أحد عشر موردا.

فإن قلت: لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة و هي ترتيب آثار الملك على المباح، و ذلك

ص: 425

الأخماس (1)

______________________________

لأنّ المنسوب إلى القدماء و إن كان إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن الملك، إلّا أنّهم قالوا بحصول الملك عند تلف إحدى العينين أو كلتيهما. و على هذا فالعين الباقية بحالها عند أحد المتعاطيين تصير ملكا له بمجرد تلف الأخرى عند الآخر، أو تصرفه فيها.

مثلا إذ تعاطى زيد و عمرو جنسا زكويا كالحنطة و الشعير بمائة دينار، و اجتمعت شرائط وجوب الزكاة في الحنطة و الشعير، فإنّهما تدخلان في ملك عمرو بمجرّد تصرّف زيد في الدنانير، و عليه فإذا حكم الشارع على عمرو بوجوب إخراج زكاتهما لم يستلزم تأسيس قاعدة جديدة و هي إخراج الزكاة من المباح لا الملك، بل كان وجوب الزكاة مترتبا على الملك، لفرض دخولهما في ملكه بمجرد تصرف زيد في الدنانير.

قلت: مبنى هذا الاستبعاد هو بقاء العين و عدم تصرف الآخر أو الشك فيه، إذ هنا صور ثلاث:

الأولى: العلم بتصرف زيد في الثمن أو العلم بتلفه.

الثانية: العلم بعدم تصرفه في الثمن أصلا و العلم ببقائه.

الثالثة: الشك في تصرّفه فيه و في بقائه و تلفه. و تأسيس قاعدة جديدة يبتني على الصورتين الأخيرتين، ضرورة أنّه مع العلم بعدم تصرف زيد في الثمن أو الشك فيه- و كذا مع العلم ببقائه- تكون الحنطة و الشعير مباحة لعمرو و ليستا ملكا له، و مع ذلك يجب عليه إخراج الزكاة، فثبت ما استغربه الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه من ترتيب حكم الملك- و هو وجوب إخراج الزكاة- على غير الملك.

(1) هذا هو المورد الأوّل من الموارد الأحد عشر، و توضيحه: أنّه إذا كان المأخوذ بالمعاطاة فاضلا عن مئونة سنته بأن بقي على حاله من دون أن يتصرّف فيه إلى أن مضت السّنة عليه، فإنّه يجب عليه أداء خمسه، مع أنّه ليس بملك له، و إنّما أبيح له التصرف فيه. فيلزم تأسيس قاعدة جديدة، و هي: عدم اختصاص وجوب الخمس بما يملكه الإنسان و يفضل عن مئونته، بل يعمّ كل ما في يده سواء أ كان ملكا أم مباحا، و هو غريب.

ص: 426

و الزكوات (1) و الاستطاعة (2) و الديون (3) و النفقات (4) و حقّ المقاصّة (5) [المقاسمة]

______________________________

(1) هذا هو المورد الثاني، و قد ظهر المراد به آنفا.

(2) هذا ثالث الموارد، و توضيحه: أنّه إذا كان الثمن في المعاطاة وافيا بمئونة الحج، و بقي إلى آن خروج الرّفقة، فإنّه لا بد أن يحكم على الآخذ بأنّه مستطيع واجد للزاد و الراحلة، مع وضوح عدم كونه مالكا لهما بالمعاطاة، بل أبيح له التصرف في ذلك الثمن، فيلزم ترتيب حكم الملك- و هو وجوب الحج على من له الزاد و الراحلة- على غير الملك.

(3) هذا رابع الموارد، و توضيحه: أنّ المديون يجب عليه أداء دينه ممّا يملكه، فإذا اشترى بالمعاطاة شيئا و أراد أداء دينه به- مع عدم صيرورته ملكا له- لزم جواز أداء الدين بالمباح لا بالملك، و هو كما ترى.

(4) هذا خامس الموارد، و بيانه: أنّه يجب على الزوج الإنفاق على زوجته- بل على غيرها من الأقارب مع التمكن- و النفقة إنّما تجب عند مالكيته لما ينفقه، فلو تعامل بالمعاطاة و اشترى الطعام و الملبس، وجب عليه صرفهما في النفقة الواجبة، مع عدم دخولهما في ملكه، بل وقعا في يده بعنوان الإباحة. فيدور الأمر بين عدم وجوب الإنفاق أصلا- لعدم كونه مالكا- و بين وجوبه عليه حتى في المباح، و لا سبيل للأوّل، و الثاني هو معنى تأسيس قاعدة جديدة.

(5) هذا سادس الموارد، و توضيحه: أنّ المديون الذي لا يؤدّي دينه- إمّا قصورا و إمّا تقصيرا- إذا باع بالمعاطاة شيئا، و كان ثمنه وافيا بدينه، فظفر به الدائن، جاز له أخذه منه تقاصّا، مع أنّ المأخوذ مقاصّة لا بد أن يكون ملكا للمديون حتى يجوز للدائن أخذه مقاصّة، و لا يكفي مجرّد الإباحة و وقوع الشي ء في يد المديون.

هذا بناء على كون العبارة «حق المقاصة». و بناء على ما في بعض نسخ شرح القواعد من «حق المقاسمة» فبيانه: أنّه إذا اشترك اثنان في شراء شي ء مشاعا، ثبت لكل منهما حق القسمة و إفراز حصته من حصة شريكه، مع أنّه ليس ملكا له، بل ثبت بالمعاطاة مجرد إباحة التصرف، و عليه يلزم تعلق حق القسمة بما في اليد دون الملك.

ص: 427

و الشفعة (1) و المواريث (2) و الربا (3) و الوصايا (4) تتعلّق بما في اليد،

______________________________

(1) هذا سابع الموارد، و بيانه: أنّه إذا كانت دار مشتركة بين زيد و عمرو، فباع زيد حصّته من بكر بالمعاطاة، فيثبت لعمرو حق الشفعة، و يستحق إرجاعها إلى نفسه ببذل مثل الثمن الى بكر. فعلى القول بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة يلزم تعلق حق الشفعة بحصة الشريك- أي زيد- مع عدم خروجها عن ملكه، و من المعلوم أنّه لا بدّ في تعلّق حق الشفعة من خروج الحصة عن ملك الشريك.

(2) هذا ثامن الموارد، كما إذا اشترى زيد بالمعاطاة دارا و مات، فإنّها تنتقل كسائر أمواله إلى ورثته، مع أنّ هذه الدار لم تكن ملكا للمورّث، بل كانت في يده مباحة، فيلزم تأسيس قاعدة جديدة: و هي: تعلق الإرث بالمباحات و عدم اختصاصه بالأملاك و الحقوق.

(3) هذا هو المورد التاسع، و بيانه: أنّه إذا كان العوضان في المعاطاة من جنس واحد مع التفاضل، فإنّ الزيادة محرّمة، فلو لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم يكن وجه لحرمة الزيادة، لأنّ موضوع الحرمة هو المعاملة الصحيحة المؤثّرة في الملك لولا الربا، و من المعلوم فقدان الصحّة بدون الربا أيضا، إذ المفروض عدم كون المعاطاة بيعا مؤثّرا و لو بدون الربا.

و كما إذا باع المأخوذ بالمعاطاة بجنسه مع التفاضل.

(4) هذا عاشر الموارد، و بيانه: أنّه إذا أوصى شخص بصرف المأخوذ بالمعاطاة في الوجوه البرّيّة، أو أوصى بإعطائه لشخص بعد وفاته، فإنّ المعاطاة لو أفادت الإباحة لزم كون الوصية بمال غيره لا بمال نفسه، لفرض عدم دخوله- بمجرد المعاطاة- في ملكه [1].

______________________________

[1] هذا هو المقصود، لا ما عن المحقق النائيني قدّس سرّه من التكسب به مرارا بالمعاطاة، حتى يستشكل عليه بكونه مسبوقا بالتصرّف الذي هو المملّك.

ص: 428

مع (1) العلم ببقاء مقابله (2) و عدم (3) التصرف فيه، أو (4) عدم العلم به (5)، فينفى (6) [فيقى] بالأصل،

______________________________

(1) قيد لقوله: «تتعلق» يعني: أنّ تأسيس قاعدة جديدة يبتني على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ:

الأوّل: العلم ببقاء العين الأخرى في يد المتعاطي الآخر، و أنّها لم تتلف بعد، و لم يتصرّف فيها أصلا.

الثاني: الشك في بقائها، أو تصرّفه فيها.

فلو علم أحد المتعاطيين بأنّ العين الّتي أخذها المتعاطي الآخر قد تلفت أو تصرّف فيها لم يلزم تأسيس قاعدة جديدة، لأنّ هذه العين أيضا تصير ملكا لزيد بمجرد تصرف عمرو في تلك العين. و قد أوضحنا هذا بقولنا: «ان قلت .. قلت ..» راجع (ص 426).

(2) أي: مقابل ما في اليد، إذ مع تلف العين الأخرى عند عمرو يصير ما في يد زيد ملكا له قهرا.

(3) معطوف على «بقاء» يعني: مع العلم بعدم تصرف عمرو في ما أخذه بالمعاطاة.

و الوجه في هذا العطف أنّ الموجب لتبدل الإباحة بالملك- عند المشهور أحد أمرين: إمّا تلف إحدى العينين، و إمّا التصرف فيها.

(4) معطوف على «العلم» يعني: أو مع عدم العلم ببقاء مقابله عند الآخذ، فيحكم ببقائه بالاستصحاب. و عليه ففي كلتا الصورتين- و هما العلم ببقاء مقابله، أو الشك في بقائه- يكون ما بيده ملكا للغير، و مع ذلك يجري عليه أحكام الملك.

(5) أي: عدم العلم ببقاء المقابل، و عدم العلم بعدم التصرف في المقابل.

(6) هذه الكلمة اختلف ضبطها في نسخ شرح القواعد، ففي بعضها «فينفى» و في بعضها «فيبقى» و على كل منهما لا يختلف المقصود. إذ لو كانت «فينفى أو فينتفي» كان الضمير المستتر راجعا إلى «عدم التصرف فيه» يعني: يحرز- باستصحاب عدم تصرف عمرو في العين- أنّ ما في يد زيد لم ينتقل إلى ملكه، فيلزم ترتيب آثار الملك عليه مع كونه محكوما بالإباحة المحضة.

و لو كانت «فيبقى بالأصل» كان الضمير المستتر في الفعل المبني للفاعل راجعا إلى كل

ص: 429

فتكون (1) متعلّقة بغير الأملاك. و أنّ (2) صفة الغنى و الفقر

______________________________

من «بقاء مقابله، عدم التصرف فيه» يعني: يحرز- ببركة الاستصحاب- بقاء العين الأخرى في يد عمرو على حالها و لم تتلف، و يحرز أيضا عدم تصرف عمرو فيها، و يترتب على كلّ- من البقاء و عدم التصرف- كون ما في يد زيد مباحا لا ملكا له.

و لعلّ الأوفق بسياق الكلام: «فينفى بالأصل» أي: فينفى بالأصل التصرف المشكوك فيه، و يحرز الموضوع المؤلّف من وجودي و هو بقاء العين، و عدمي و هو عدم التصرف فيه.

(1) هذا متفرّع على إحراز بقاء العين الأخرى في يد عمرو و عدم تصرفه فيها، إمّا بالوجدان و إمّا بالتعبد، إذ في كلتا الصورتين يلزم تأسيس قاعدة جديدة، و هي تعلّق أحكام الملك بما ليس ملكا، كما مرّ في الموارد العشرة.

(2) الظاهر أنّه معطوف على قوله: «أن الأخماس» و لازمه أن يكون هذا أمرا على حدة في مقابل الموارد العشرة من الأخماس و الزكوات. لكن حيث إنّ القاعدة التي يتعيّن تأسيسها في الجميع هي إجراء حكم الملك على ما ليس بملك كان المناسب جعل قوله: «و أنّ الغنى» المورد الحادي عشر لما تقدم عليه.

و كيف كان فتوضيحه: أنّ الاتّصاف بالفقر و الغنى موقوف على الملك، فإن كان الإنسان واجدا لمئونة سنته و لو بالقوة كان غنيّا و حرم عليه أخذ الصدقات، و الخمس إن كان هاشميا. و إن لم يكن واجدا لها- و لو بالقوّة- كان فقيرا و جاز له أخذها.

و عليه فإذا باع زيد بالمعاطاة شيئا من مئونته- ككتاب يحتاج إليه- بثمن غال لصرفه في نفقة عياله، و لم يتلف الكتاب في يد المشتري و لم يتصرف فيه، و بقي الثمن في يد زيد أيضا و هو واف بمئونة سنته، فإنّه يلزم تأسيس قاعدة جديدة، و هي: دوران الغنى و الفقر مدار الإباحة دون الملك، و ذلك لأنّ الكتاب باق على ملك زيد حسب الفرض، كما أنّ الثمن باق على ملك عمرو، فلو صار زيد غنيّا بالمأخوذ بالمعاطاة كان معناه ترتّب الغنى على مجرّد كون المال في يده و إن كان ملكا للغير، و صار عمرو فقيرا بشراء الكتاب مع أنّ الثمن باق على ملكه.

و الحاصل: أنّه يلزم ترتب صفة الغنى و الفقر على ما في اليد مع كونه ملكا للغير، فيترتب وجود الغنى على المأخوذ بالمعاطاة، و يرتفع به الفقر مع عدم كون هذا المأخوذ ملكا،

ص: 430

تترتّب عليه (1) كذلك (2)، فيصير (3) ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.

[القاعدة الرابعة: مملّكية تصرف أحد المتعاطيين للآخر]

و منها (4): كون التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر (5). مضافا إلى غرابة (6) استناد الملك الى التصرف.

______________________________

فالآخذ غني و ليس بمالك، و المعطي للمال فقير مع عدم خروج المال عن ملكه.

(1) أي: على ما في اليد و إن لم يكن ملكا له.

(2) أي: مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف فيه، أو مع الشك في البقاء و التصرف.

و هذا إشارة إلى الصورتين المتقدمتين.

القاعدة الرابعة: مملّكية تصرف أحد المتعاطيين للآخر

(3) هذا هي القاعدة التي يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة.

(4) أي: و من القواعد الجديدة، و هذه رابع الاستبعادات، و هو يتضمن أمرين لا بدّ من تأسيسها.

أحدهما: كون أصل التصرف في المباح سببا لدخوله في الملك، و هو بعيد، لأنّ الأسباب المملّكة المعهودة من الشرع محصورة في أمور اختياريّة و قهرية، و ليس التصرف منها، فالاختيارية إمّا خارجية كحيازة المباحات، و إمّا اعتبارية كالبيع و الإجارة و المضاربة و الصلح و نحوها. و القهريّة كالموت و الارتداد. فكيف حكم المشهور بدخول المأخوذ بالمعاطاة في الملك بالتصرف فيه؟

ثانيهما: أن يكون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا لصيرورة الآخر مالكا لما في يده. و هذا أكثر غرابة من الأوّل.

(5) و لم يعهد كون التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر، إذ لم يتحقق إلّا أمران، أحدهما: المعاطاة، و الآخر: التصرف، و المفروض أنّ الأوّل لم يؤثّر في الملكية، فالمملّك هو التصرف.

(6) وجه الغرابة أنّ التصرف مؤخّر طبعا عن الملك، لأنّه مقتضى توقف التصرف على الملك، و مع تأخّره عن الملك كيف يستند الملك إليه؟

ص: 431

[القاعدة الخامسة: ترتب آثار غير معهودة على التلف]

و منها (1): جعل التلف السماوي (2) من جانب مملّكا للجانب الآخر (3).

و التلف (4) من الجانبين مع التفريط معيّنا للمسمّى

______________________________

القاعدة الخامسة: ترتب آثار غير معهودة على التلف

(1) أي: و من القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة، و هذا الاستبعاد الخامس يتضمن قواعد أربعة تتعلق بتلف إحدى العينين أو كلتيهما.

الاولى: أنّ المشهور قالوا: «إذا تلفت إحدى العينين لزمت» و التلف الملزم أعم من الاختياري كالأكل و الشرب و نحوهما من التصرفات الخارجية و الاعتباريّة، و القهري و هو ما لم يكن بإرادة الإنسان كالسيل و الصاعقة و الزلزال و شبهها من أنواع البلاء، المعبّر عنها بالتلف السماوي.

و وجه الغرابة: أنّ تلف المال قهرا عند أحد المتعاطيين كيف يوجب دخول المال الآخر في ملك المتعاطي الآخر قهرا؟ فإنّ مملّكية هذا التلف السماوي أكثر مئونة من مملّكية تصرف أحدهما للآخر، إذ التصرف فعل اختياري قد يتيسّر توجيه مملّكيته، و أمّا التلف القهري فلا.

هذا و سيأتي بيان القواعد الثلاث الأخر التي تضمنها هذا الاستبعاد الخامس.

(2) التقييد بالسماوي في قبال الإتلاف الأناسي فإنّه تصرّف في المال، و يندرج في الاستبعاد الرابع، و هو غرابة مملّكية التصرف.

(3) فيلزم أن يكون أكل الهرّة مثلا للحم المأخوذ بالمعاطاة مملّكا للثمن الذي أخذه الآخر بالمعاطاة. و من المعلوم أن كون التلف مملّكا و ناقلا في غاية البعد. و أمّا بناء على إفادة المعاطاة للملك فلا يلزم هذا المحذور أصلا.

(4) معطوف على «التلف» و هذا إشارة إلى القاعدة الثانية التي ينبغي تأسيسها، و بيانها: أنّ مقتضى تأثير المعاطاة في خصوص الإباحة هو: أنّ العينين باقيتان على ملك مالكيهما، و هما أمانتان عند المتعاطيين، و من المعلوم أنّ إتلاف الأمانة و التفريط في حفظها يوجب ضمان بدلها الواقعي من المثل أو القيمة، لاقتضاء قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» اشتغال الذمة بالبدل الواقعي، لا بالمسمّى، فإنّه مخصوص بالمعاوضة الصحيحة، كما إذا باع زيد كتابا بدينار من عمرو، و كانت قيمته الواقعية دينارين، فتبيّن غبن زيد بدينار، فإذا أتلف كلّ منهما

ص: 432

من الطرفين (1)، و لا رجوع إلى قيمة المثل (2) حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.

و مع حصوله (3) في يد الغاصب

______________________________

ما في يده مفرّطا في ذلك كان الضمان بالمسمّى، و لا يرجع زيد على عمرو بدينار آخر و هو التفاوت بين المسمّى و القيمة الواقعية.

و على هذا فلو أتلف كل من المتعاطيين ما في يده لزم أن يضمن للآخر بدله الواقعي، لعدم كون المعاطاة عقدا صحيحا مملّكا حسب الفرض، بل هي مبيحة للتصرف، و معه كيف حكم المشهور بأنّ إتلاف المأخوذ بالمعاطاة لا يوجب انتقال الضمان من المسمّى إلى الواقعي؟

إذ مقتضى قاعدة «اليد» استقرار البدل الواقعي على العهدة، و لا وجه لصيرورة الضمان معاوضيّا.

(1) مع أنّ مقتضى قاعدة «اليد» هو الضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة، و جواز الرجوع بالتفاوت.

(2) يعني: كما هو مقتضى قاعدة المعاوضة الفاسدة حتى يرجع المغبون منهما الى التفاوت.

مثلا: إذا أعطى كتاب المكاسب بدينار، فأتلف كلّ منهما ما في يده مفرّطا في ذلك، فالضمان على كل منهما يكون بالمسمّى، فإذا كانت قيمة الكتاب دينارين مثلا لا يرجع مالك الكتاب على الآخر- الآخذ له- بدينار يكون ما به التفاوت بين المسمّى و بين القيمة الواقعية.

(3) أي: و مع حصول المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب، و هذا إشارة إلى القاعدة الثالثة التي تضمّنها الاستبعاد الخامس، و حاصل ذلك: أنّه إذا تعاطي زيد و عمرو كتابا بدينار، فغصب بكر الكتاب، سواء تلف عنده أم بقي بحاله. فإن قلنا بأن القابض بالمعاطاة- و هو عمرو- هو الذي يطالب الكتاب من الغاصب كان القول به بعيدا، لأنّ غصب الغاصب للمأخوذ بالمعاطاة أو تلفه عنده كيف يوجب ملكية المأخوذ للقابض بالمعاطاة حتى تصير المطالبة من الغاصب للمالك؟ إذ لم يعهد نهوض دليل على كون الغصب أو التلف عند الغاصب من النواقل الشرعية.

و إن قلنا بأنّ المطالب هو القابض بالمعاطاة- و هو عمرو- مع فرض عدم تملكه للمأخوذ بالمعاطاة بسبب غصب الغاصب أو تلف المال عنده كان أيضا بعيدا جدّا، حيث إنّ

ص: 433

أو تلفه (1) فيها، فالقول بأنّه (2) المطالب (3) لأنّه (4) تملّك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب (5)، و القول (6) بعدم الملك بعيد جدّا.

مع (7) أنّ في التلف القهري

______________________________

المطالبة من الغاصب من شؤون سلطنة المالك على ماله، فليس لغير المالك سلطنة المطالبة من الغاصب.

(1) يعني: تلف المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب.

(2) أي: بأنّ القابض بالمعاطاة.

(3) بصيغة الفاعل، و المراد به القابض بالمعاطاة.

(4) أي: لأنّ القابض بالمعاطاة.

(5) خبر «فالقول» و هذا إشارة إلى أحد الأمرين الغريبين، و قد تقدم بقولنا: «فإن قلنا بأن القابض بالمعاطاة- و هو عمرو- هو الذي يطالب .. إلخ».

(6) معطوف على «فالقول» و هذا إشارة إلى ثاني الأمرين الغريبين، و وجه الغرابة:

ما عرفت من أنّ المباح له إذا لم يصر مالكا للمأخوذ بالمعاطاة- بسبب غصب الغاصب أو التلف عنده- لم يكن له حقّ مطالبة تلك العين- أو بدلها- من الغاصب، لأنّ الغاصب ضامن للمالك المبيح لا للآخذ المباح له. و معنى هذا عدم جواز رجوع المباح له على الغاصب لاسترداد ماله. مع أنّه لا ريب في ثبوت حق المطالبة للآخذ، و هو كاشف عن كونه مالكا لما أخذه بالمعاطاة، و لا أثر من الإباحة في نظر العرف أصلا.

(7) هذا إشكال آخر على مملّكية التلف القهري غير ما أفاده بقوله: «جعل التلف السماوي من جانب مملّكا للجانب الآخر» و هذه هي القاعدة الرابعة التي تضمّنها الاستبعاد الخامس. و مقصود كاشف الغطاء قدّس سرّه إنكار أصل مملّكية التلف القهري سواء أ كان التلف في يد الغاصب أم القابض.

و حاصل الاشكال: أنّه إن قلنا بأنّ القابض بالمعاطاة ملك المأخوذ بها قبل التلف كان عجيبا، إذ لو حصلت الملكية بغير سبب لزم وجود المعلول بلا علّة، و لو حصلت بسبب التلف لزم تقدم المعلول على علّته، و كلاهما غير معقول.

ص: 434

إن ملك التالف قبل التلف فعجيب (1)، و معه (2) بعيد، لعدم قابليته. و بعده (3) ملك معدوم. و مع عدم (4) الدخول في الملك (5) يكون ملك الآخر بغير عوض.

______________________________

و إن قلنا بحصول الملكية مع التلف كان بعيدا، إذ لا موجب لها في خصوص زمان التلف دون ما قبله. مضافا إلى: أنّ زمان التلف هو زمان انتفاء الملكية لا حدوثها.

و منه يظهر بطلان الملكية بعد التلف- لو قيل بها- لأنّ تملك المعدوم غير معقول.

و عليه لا يعقل مملّكية التلف القهري أصلا. لا قبله و لا مقارنا له و لا بعده.

(1) لما عرفت آنفا من أنّه إمّا من تقدم المعلول على العلّة، و إمّا من وجود المعلول بلا علّة.

(2) أي: و مع التلف فبعيد، و الأولى اقتران «بعيد» بالفاء، لاقتضاء العطف على «قبل التلف» كونه جزاء لقوله: «ان ملك» فكأنّه قال: «و إن ملك التالف مقارنا للتلف فبعيد» و الوجه في البعد ما أفاده بقوله: «لعدم قابلية» لأنّ آن التلف هو آن انتفاء الملكية بانتفاء المملوك، فكيف تحصل الملكية مقارنة للتلف؟

(3) أي: بعد التلف، يعني: يكون حصول الملكية- بعد تلف المأخوذ بالمعاطاة- من ملك المعدوم، و هو غير معقول. و الأولى أيضا اقتران «ملك» بالفاء لما أشرنا إليه آنفا.

(4) هذا بمنزلة نتيجة ما أفاده من عدم معقولية مملّكية التلف القهري، يعني: و لازم عدم دخول المأخوذ بالمعاطاة- بسبب التلف- هو اجتماع العوض و المعوّض عند المتعاطي الآخر.

(5) يعني: في صورة التلف إن بني على عدم صيرورة التالف ملكا للقابض لزم منه أن يكون ملك المتعاطي الآخر لما قبضه- من صاحبه- بلا عوض، و لازمه الجمع بين العوض و المعوّض.

فإن قلت: إذا لم يكن التلف مملّكا لمن تلف عنده المال فليكن غير مملّك للمتعاطي الآخر أيضا بالنسبة إلى العوض.

قلت: لا سبيل لنفي ملكية الآخر لما عنده، و ذلك لوجهين.

أحدهما: قيام السيرة على صيرورة المال ملكا للقابض بمجرّد تلف إحدى العينين عند الآخر.

و ثانيهما: بناء المتعاطيين على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.

ص: 435

و نفي الملك (1) مخالف للسيرة و بناء (2) المتعاطيين.

[القاعدة السادسة: التصرف سبب مملّك قهرا أو اختيارا]

و منها (3): أنّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد، و إن أوقفناه عليها (4) كان الواطي للجارية (5) من غيرها (6)

______________________________

(1) يعني: و نفي ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالف للسيرة التي قامت على كونه مالكا له.

(2) بالجر معطوف على «السيرة». أمّا كون نفي ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالفا لبناء المتعاقدين فلأنّ المفروض كونهما قاصدين للتمليك بالمعاطاة كقصدهما له بالبيع القولي.

القاعدة السادسة: التصرف سبب مملّك قهرا أو اختيارا

(3) أي: و من القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة: أنّ التصرف .. إلخ. و هذا هو الاستبعاد السادس، و هو ناظر إلى بعد مملّكية التصرف سواء أ كان من النواقل القهرية أم الاختياريّة.

توضيحه: أنّ التصرف لا يكون مملّكا و لا ناقلا، إذ لو قلنا بذلك، فإن كانت مملّكيته قهرية- أي: بلا حاجة إلى نيّة التملّك- كان بعيدا، إذ لا دليل عليه، و مجرّد الإمكان لا يجدي في الوقوع.

و إن كانت مملّكيّته متوقفة على قصد التملك لزم منه ما لم يلتزم به أحد، و هو كون الواطئ للجارية المأخوذة بالمعاطاة واطيا لها بالشبهة إذا لم ينو تملكها به، و جريان حكم وطي الشبهة عليه.

و كذا لزم منه كون الجاني على ما أخذه بالمعاطاة و المتلف له جانيا على مال الغير و متلفا له لا لمال نفسه، و هذا خلاف ما جرت عليه سيرتهم، و نتيجة ذلك بعد كون نفس التصرف مملّكا، بل لا بدّ من القول بحصول الملكية من أوّل الأمر.

(4) أي: و إن قلنا بتوقف ناقلية التصرف على النيّة لزم منه كون الواطئ للجارية ..

إلخ.

(5) المأخوذة بالمعاطاة.

(6) أي: من غير النّيّة.

ص: 436

واطيا بالشبهة [1] و الجاني عليه و المتلف له (1) جانيا على مال الغير و متلفا له (2).

[القاعدة السابعة: مملّكية حدوث النماء]

و منها (3): أنّ النماء الحادث قبل التصرف (4) إن جعلنا حدوثه مملّكا له (5) دون العين فبعيد، أو معها (6) فكذلك (7)،

______________________________

(1) تذكير هذا الضمير و ضمير «عليه» باعتبار المأخوذ بالمعاطاة.

(2) أي: لمال الغير.

القاعدة السابعة: مملّكية حدوث النماء

(3) أي: و من القواعد الجديدة التي لا بد من تأسيسها هو: أنّه لا بد من القول بمملّكية حدوث النماء، و هو غير معهود، توضيحه: أنّه يجوز للآخذ بالمعاطاة التصرف في نماء المأخوذ بها الحادث في العين قبل التصرف فيها، و جواز التصرف في النماء إمّا لأجل كون حدوث النماء مملّكا له، و إمّا لأنّ المالك الأصلي أذن له في التصرف في النماء كإذنه في التصرف في ذي النماء.

و على الأوّل فإن قلنا بكون حدوث النماء مملّكا للنماء فقط- أي بدون ذي النماء- كان بعيدا، إذ لا وجه للتفكيك في الملكية بين النماء و الأصل، خصوصا في النماء المتصل. مع أنّه لم يعهد من مذاق الشارع الأقدس كون حدوث النماء من موجبات تملك النماء.

و إن قلنا بأنّ حدوث النماء مملّك له و للأصل معا كان بعيدا أيضا، لمنافاته لظاهر أكثر الفقهاء القائلين بعدم حصول الملكية في المأخوذ بالمعاطاة من دون التصرف فيه.

و على الثاني- و هو أن يكون التصرف في النماء مستندا إلى إذن المالك- قلنا: إنّ شمول الإذن- في التصرف في العين- للتصرف في النماء أمر خفي، فلا يمكن الالتزام به، حيث إنّ المالك الأصلي لم يأذن للمباح له إلّا في التصرف في نفس المأخوذ بالمعاطاة لا في نماءاته المتكوّنة منه بعد التعاطي.

(4) التقييد بالقبليّة لأجل كون التصرف قبل حدوث النماء مملّكا للأصل، فلا يبقى موضوع للاستبعاد.

(5) هذا الضمير و ضمير «حدوثه» راجعان الى النماء.

(6) أي: جعل حدوث النماء مملّكا له و للعين معا.

(7) أي: بعيد.

______________________________

[1] إذا كان جهله عن قصور، و إلّا كان زانيا.

ص: 437

و كلاهما (1) مناف لظاهر الأكثر. و شمول (2) الإذن له خفيّ.

[القاعدة الثامنة: مملكية التصرف تستلزم اجتماع المتقابلين]

و منها (3): قصر التمليك على التصرف

______________________________

(1) أي: كون حدوث النماء مملّكا للنماء خاصة- أو مملّكا للعين و النماء معا- خلاف ظاهر الأكثر، لأنّهم قائلون بمملّكية التصرف، لا بمملّكية حدوث النماء.

(2) هذا دفع دخل مقدر، حاصله: عدم كون حدوث النماء مملّكا من جهة مخالفة المشهور، و لكن نقول بجواز التصرف في نماء المأخوذ بالمعاطاة من باب إذن المالك في التصرف.

فأجاب قدّس سرّه عنه بأنّ شمول الإذن المالكي لإباحة التصرف في النماء خفيّ، خصوصا إذا كان حدوث النماء بعد وقوع المعاطاة بزمان طويل، كما إذا تعاطيا سخلة بدينار فأحبلت بعد سنة، أو تعاطيا على شجرة بدينار فأثمرت بعد أشهر، فإنّه لم يعلم إذن المالك في التصرف في لبن الشاة أو ثمرة الشجرة، لاحتمال- غفلته حين التقابض- عن التصرف في النماء حتى يأذن له.

القاعدة الثامنة: مملكية التصرف تستلزم اجتماع المتقابلين

(3) أي: و من القواعد الجديدة: قصر التمليك .. إلخ، و هذا هو الاستبعاد الثامن و الأخير من استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه و هو يتضمن استبعادين:

أحدهما: أنّه يلزم من مملّكية التصرف اجتماع المتقابلين في واحد، أي صيرورة الموجب و القابل واحدا في المعاطاة.

ثانيهما: أولوية استناد الملكية إلى نفس المعاطاة من استنادها الى التصرف.

توضيحه: أنّه يلزم- بناء على إفادة المعاطاة للإباحة، و استناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك، لأجل كون الإذن في الشي ء إذنا فيما يتوقف عليه- كون المتعاطي موجبا و قابلا، لأنّه موجب من ناحية المالك المبيح، حيث إنّه مأذون من المالك في تمليك المال لنفسه، و قابل لتملّكه للمال.

لكنه- بناء على استناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك- يلزم أن يكون نفس التعاطي مملّكا بالأولوية، و ذلك لاقتران التعاطي بقصد التمليك من المعطي، دون التصرف الصادر بعد المعاطاة، لانفصاله عنها، بخلاف التعاطي، فإنّ الإذن في التمليك مقرون به.

و بالجملة: فالإذن في التصرف المملّك يوجب مملّكية نفس المعاطاة بالأولوية

ص: 438

مع الاستناد فيه (1) إلى: أنّ إذن المالك فيه (2) إذن في التمليك، فيرجع (3) الى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا، و ذلك (4) جار في القبض، بل هو (5) أولى منه، لاقترانه (6) بقصد التمليك، دونه» انتهى (7).

و المقصود من ذلك كلّه استبعاد هذا القول (8)، لا أنّ الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول و العمومات (9)، إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف

______________________________

(1) أي: أنّ التمليك المستند إلى الإذن في التصرف جار في القبض أيضا و هو الأخذ من المعطي، لاقتران الإعطاء بقصد تمليك المعطي.

(2) أي: أن إذن المالك في التصرف إذن في أن يتملّك المتصرّف المأخوذ بالمعاطاة.

(3) يعني: أن مآل إذن المالك في التصرف إلى صيرورة المتصرّف موجبا و قابلا.

(4) يعني: أنّ ما ذكر- من كون الإذن في التصرف إذنا في التمليك- جار في القبض.

(5) أي: القبض المعاطاتي أولى من التصرف الذي تكون مملكيّته مستندة إلى: أنّ إذن المالك في التصرف إذن في التمليك. وجه الأولوية ما عرفته من اقتران المعاطاة بقصد التمليك دون التصرف، فإنّ الإذن في التمليك و إن كان موجودا حين التصرف أيضا فيتملّك المتصرف المأخوذ بالمعاطاة، إلّا أنّ الإذن في التمليك موجود في نفس زمان المعاطاة، فليكن هو المملّك بوجوده الحدوثي، لا بوجوده البقائي.

هذا ظاهر العبارة. لكن التعليل لا يخلو من مسامحة، إذ الإذن المملّك موجود من زمان حدوثه بالمعاطاة إلى جميع الآنات المتأخرة، و لا يعتبر حدوث إذن آخر في زمان التصرف حتّى تتجه الأولويّة.

(6) أي: لأن القبض مقترن بالاذن المملّك، دون التصرف، فإنّ إذن التمليك غير مقترن به، بل الاذن سابق عليه.

(7) أي: انتهى ما ذكره بعض الأساطين في مقام الاستبعاد عن القول بالإباحة.

(8) أي: القول بإفادة المعاطاة للإباحة.

(9) و هي ما يأتي إليه الإشارة في كلامه من أدلة توقف التصرفات على الملك، و عموم «على اليد» و غير ذلك. و ليس المراد بها العمومات الدالة على صحة المعاطاة و كونها بيعا مفيدا للملكيّة كما قد يتوهم، إذ لو كانت تلك العمومات دالّة على مملكية المعاطاة كانت

ص: 439

القواعد المتداولة بين الفقهاء.

[المناقشة في القواعد المرتبة على القول بالإباحة]
[1- المناقشة في ما يتعلق بقاعدة التبعية]

أمّا (1) حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها للقصود ففيها أوّلا (2):

______________________________

هي المعوّل و لم تصل النوبة الى هذه الاستبعادات التي هي كالدليل الإنّي كاشفة عن فساد القول بالإباحة.

و اعلم أنّ غرض الشيخ الكبير قدّس سرّه من بيان الوجوه المزبورة هو: أنه لو لم يتم الاستدلال على مملّكية المعاطاة بما تقدم من آيتي الحلّ و التجارة و غيرهما كفى في إثبات مملّكيتها ما ذكر من الاستبعادات، و إلّا لزم تأسيس قواعد جديدة. و المصنف قدّس سرّه ناقش في ذلك بأنّ تلك الوجوه لا تفي بإثبات المقصود، و هو إفادة المعاطاة للملك، لأنّ لتلك الأمور نظائر في الشريعة، فليست قواعد جديدة توجب رفع اليد عن القول بالإباحة.

المناقشة في القواعد المرتبة على القول بالإباحة

(1) أجاب المصنف قدّس سرّه عن استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّهما بوجهين: أحدهما:

بالتفصيل بالنظر في كل واحد من الأمور الثمانية، كما ستقف عليه. و الآخر بالإجمال، و هو الذي تعرض له في آخر كلامه بقوله: «مع أنه لم يذكرها للاعتماد» و هو اعتذار عن كاشف الغطاء بأن مقصوده مجرّد الاستبعاد عن الالتزام بهذه القواعد، لا أنّها تصلح لرفع اليد عن القول بالإباحة.

1- المناقشة في ما يتعلق بقاعدة التبعية

(2) قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن أوّل تلك الوجوه بجوابين، أحدهما حلّي، و الآخر نقضي.

و محصل الأوّل هو: أنّ المعاطاة ليست من صغريات تلك القاعدة، لأنّ مورد تلك القاعدة هو العقود الصحيحة شرعا، و معنى الصحة ترتب الأثر المقصود عليها، فإذا دلّ دليل على صحة عقد البيع فمعناه ترتب الأثر المقصود- و هو الملكية- عليه، و يستحيل مع صحته عدم ترتب الأثر عليه، إذ ليس ذلك إلّا التناقض. و أمّا إذا لم يدلّ دليل على صحة عمل بمعنى ترتب الأثر المقصود عليه، و لكن حكم الشارع في مورده بالإباحة التي لم تكن مقصودة من ذلك العمل لم يلزم تخلف العقد عن القصد.

ص: 440

أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود (1)، و لا من القائم مقامها (2) شرعا، فإنّ (3) تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه إنّما هو لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى (4) ترتب الأثر المقصود عليه، فلا يعقل (5) حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه. أمّا المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحتها (6) دليل

______________________________

و المعاطاة التي لا تفيد الملكيّة- و تترتب عليها الإباحة شرعا- كذلك، لأنّ الإباحة حكم شرعي تعبدي يترتّب على المعاطاة، و ليست هذه الإباحة عقديّة حتى يلزم من ثبوتها محذور مخالفة العقد للقصد.

و بالجملة: المعاطاة التي لم يترتّب عليها الملكية- التي هي المقصودة منها- موضوع لحكم الشارع بالإباحة، نظير حكمه بجواز الأكل من أموال الناس في المجاعة، و جواز أكل المارّة من ثمرة الشجرة التي يمرّ بها و إن لم يرض به المالك، بناء على جواز الأكل مطلقا، و عدم إناطته برضى المالك.

(1) خبر «أنّ المعاطاة» أي: ليست من العقود حتى تندرج في كبرى «تبعية العقود للقصود» فعدم ترتب الملكية على المعاطاة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، إذ ليست عقدا حتى يجري فيها قاعدة التبعية.

(2) كالوصية التمليكية بناء على كون قبول الموصى له شرطا لا جزء، فإذا قبل الموصى له ترتب عليه أثر العقد الصحيح و إن لم تكن هذه الوصية عقدا حقيقة، لأنّه مؤلّف من جزأين الإيجاب و القبول، فلو كان القبول شرطا صار العنوان ملحقا بالعقد حكما. و على كلّ فالمعاطاة عند القائل بالإباحة ليست عقدا و لا قائمة مقامه، بل هي إباحة تعبدية.

(3) تعليل لقوله: «ليست من العقود» و قد عرفت توضيحه.

(4) هذا مفسّر لقوله: «صحة العقد» يعني: أنّ معنى صحة العقد ترتب أثره الذي قصده المتعاقدان.

(5) هذا نتيجة حكم الشارع بصحة عقد، و أنّه يمتنع انفكاك الأثر عن العقد الصحيح.

(6) على مذاق القدماء القائلين بإفادة المعاطاة للإباحة.

ص: 441

فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها (1) كما نبّه عليه (2) الشهيد في كلامه المتقدم من:

أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المعاملات.

نعم (3) إذا دلّ الدليل على ترتب أثر عليه حكم به و إن لم يكن مقصودا.

و ثانيا (4): أنّ تخلّف العقد عن مقصود

______________________________

(1) أي: على المعاملات الفعلية.

(2) أي: نبّه الشهيد قدّس سرّه على عدم صحة المعاملة الفعلية، و أنّ السبب الفعلي لم يقم دليل على صحته و تأثيره. حيث قال: «و أما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد الإباحة دون الملك» «1».

و هذه العبارة و إن لم تكن صريحة في عدم قيام السبب الفعلي مقام القولي، إلّا أنّها تدل عليه بالالتزام، إذ السبب القولي- و هو الإيجاب و القبول- يؤثّر في الملكية المقصودة من البيع، و لمّا لم تكن المعاطاة مشتملة على القول لم تكن مؤثّرة في الملكية، و أمّا تأثيرها في الإباحة فهو تعبد محض، و لولاه لكان مقتضى القاعدة فسادها و عدم تأثيرها أصلا حتى في إباحة التصرف.

(3) استدراك على قوله: «فلا يحكم» و غرضه دفع التنافي بين عدم ترتب الأثر المقصود على المعاطاة و بين إفادتها لإباحة التصرف بدليل خاص و إن لم تكن الإباحة مقصودة، إذ المقصود هو الملك، و لم يحصل.

(4) هذا هو الجواب الثاني- أي النقض بموارد ثبت فيها التخلف عن القصد- و حاصله:

أنّه لا غرابة في تحلف العقد عن القصد، لوقوعه في موارد، نبّه المصنف على خمسة منها في المتن و سيأتي بيانها.

و لا يخفى أنّ ظاهر الكلام ذكر موارد النقض على قاعدة «تبعية العقود للقصود» و أنّها ليست كالقواعد العقلية الآبية عن التخصيص، فورد تخصيصها بموارد خمسة، و لتكن المعاطاة

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 178، رقم القاعدة 47 و عبارة المتن منقولة بالمعنى كما سبق التنبيه عليه.

ص: 442

المتبايعين (1) كثير، فإنّهم (2) أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسدا

______________________________

سادسة تلك الموارد، فهي عقد يقصد به الملك، و لكنها تفيد الإباحة.

لكن في عبارة المصنف احتمال آخر تفطّن له المحقق الأصفهاني قدّس سرّه و هو: أنّ غرضه من ذكر موارد النقض ليس تخصيص قاعدة التبعية، بل انّ ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها الملك تخلّف صوري غير قادح بعموم القاعدة، فالقاعدة آبية عن التخصيص و لو بمورد واحد. و الشاهد على إرادة هذا الاحتمال أمران:

أحدهما: صراحة كلام المصنف: «فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه» في أن الشارع إذا حكم بصحة عقد و ترتّب أثر خاصّ عليه امتنع تخلف ذلك الأثر عن القصد. و أمّا ترتب أثر آخر- غير مقصود- على العقد فلا ينافي صحته أصلا.

و ثانيهما: أنّ الموارد الخمسة المذكورة في المتن من هذا القبيل، لأنّ العقد إمّا ليس بصحيح فلا يبقى موضوع للتخلف، و إمّا يكون التخلف صوريا.

هذا ما احتملناه، و عليك بالتدبر في كلام المصنف قدّس سرّه لعلّك تقف على حقيقة الأمر.

(1) الأولي تبديله ب «المتعاقدين» ليشمل المورد الخامس و هو نسيان ذكر الأجل في النكاح المنقطع، و كذا المورد الثاني، لعدم اختصاص مفسدية الشرط الفاسد و عدمها بالبيع.

(2) هذا شروع في بيان المورد الأوّل، و هو انقلاب ضمان المسمّى إلى الواقعي عند فساد العقد، توضيحه: أنّ المقصود في العقد المعاوضي هو الضمان بالمسمّى، مع أنّه في فاسده واقعي، فإذا باع متاعه بدينار ثمّ تبيّن فساد البيع كان ضمان كل من العوضين بقيمته الواقعية، مع أنّ هذا الضمان لم يكن مقصودا، بل المقصود كان ضمان المتاع بالدينار، و بالعكس، فتخلّف العقد عن القصد، لأنّ المقصود منه هو الضمان بالمسمّى، مع أنّ الضمان صار بالقيمة الواقعية، و هو غير مقصود.

فان قلت: إنّ عموم قاعدة تبعية العقود للقصود باق بحاله، و لم ينتقض بانقلاب ضمان المقبوض بالعقد الفاسد من المسمّى إلى الواقعي. وجه عدم النقض: أنّ ضمان القيمة الواقعية

ص: 443

يؤثّر في ضمان كلّ من العوضين القيمة (1)، لإفادة (2) العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه،

______________________________

لا يستند إلى العقد حتى يتخلّف عن القصد، بل إلى قاعدة اليد، إذ من المعلوم أنّ كلّا من المتعاقدين وضع يده على مال الآخر. و مقتضى وضع اليد هو الضمان الواقعي. و عليه فلا وجه للنقض على كاشف الغطاء قدّس سرّه بما أفاده المصنف من تبدّل الضمان المسمّى- عند فساد العقد- بضمان القيمة الواقعية.

قلت: إن عموم القاعدة قد خصّص بمورد النقض، و ذلك لأنّ انقلاب ضمان المسمّى إلى ضمان القيمة الواقعية لا يستند إلى قاعدة اليد، لدلالة كلماتهم على أنّ المؤثّر في الضمان الواقعي هو نفس العقد الفاسد، و إقدامهما على الضمان. و إنّما ذكر بعض الأصحاب قاعدة اليد مستندا للضمان الواقعي، و لا عبرة به، إذ المهم رعاية نظر الأكثر. و قد عرفت أنّ مستندهم في هذا الانقلاب الى نفس الإقدام العقدي لا غير. و به يتّجه صورة النقض على قاعدة التبعيّة.

(1) بالنصب مفعول «ضمان» و المراد به القيمة الواقعية، قال في الجواهر في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد: «و لذا أطلق المصنف و غيره الضمان على وجه يراد منه الضمان بالمثل أو القيمة. بل لعلّه هو الظاهر من معاقد إجماعاتهم في المقام، فضلا عن التصريح به من بعضهم ..» «1».

و عليه فضمان المقبوض بالعقد الفاسد بالبدل الواقعي كأنّه من مسلّماتهم، و لذا كان الأولى التعبير «بالبدل» من التعبير بالقيمة، إلّا أن يريدوا بالقيمة ماليّته الفعلية، و الأمر سهل.

(2) تعليل لقوله: «يؤثّر» يعني: أنّ تأثير العقد المعاوضي الفاسد- كالبيع- في الضمان بالبدل الواقعي لا المسمّى إنّما هو لكونه من صغريات قاعدة مسلّمة عندهم و هي: «أنّ كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و حيث إنّ البيع الصحيح يؤثّر في الضمان بالعوض المسمّى كان فاسده مؤثّرا في الضمان بالعوض الواقعي من المثل أو القيمة.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 258، و لاحظ كلامه أيضا في ص 413 و 414 من نفس الجزء.

ص: 444

مع (1) أنّهما لم يقصدا إلّا ضمان كل منهما (2) بالآخر [1].

و توهّم (3) أنّ دليلهم على ذلك قاعدة اليد

______________________________

(1) هذا هو محطّ الاشكال و النقض على قاعدة تبعية العقود للقصود، حيث إنّ الضمان بالبدل الواقعي غير مقصود للمتعاملين بالعقد الفاسد، و قد حصل، و المقصود- و هو الضمان بالمسمّى- لم يحصل، فتخلّف العقد عن القصد.

(2) أي: كل من العوضين، يعني: أنّهما لم يقصدا إلّا الضمان المعاوضي لا الواقعي، فوقع ما لم يقصد، و قصد ما لم يقع.

(3) غرض المتوهّم الذّب عن عموم قاعدة تبعية العقود للقصود، و عدم نقضه بتبدل ضمان العوض المسمّى بضمان البدل الواقعي في المقبوض بالعقد الفاسد، و أنّ الموجب للضمان الواقعيّ هو قاعدة اليد لا العقد الفاسد. حتّى يتوهّم حصول ما لم يقصده المتعاقدان، و قد تقدّم توضيحه بقولنا: «ان قلت .. قلت ..».

______________________________

[1] فيه: أن سبب الضمان في العقود الفاسدة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى هو اليد لا العقد حتى يلزم تخلف العقد عن القصد، و لذا لا يحكم بضمان المسمّى بنفس تحقق المعاملة بالإيجاب و القبول مع عدم تحقق القبض و الإقباض، فلو كان مجرّد الإقدام العقدي موجبا للضمان لكان الإقدام هنا على المعاملة متحققا، فلا بد فيه من الحكم بالضمان مع عدمه قطعا.

و الحاصل: أنّ مورد تبعية العقد للقصد هو ما إذا صحّ العقد، إذ لا معنى حينئذ لعدم ترتب الأثر عليه، و ليس هذا إلّا التناقض، لأنّ مرجع النقض إلى صحة العقد مع تخلفه عن القصد، و من المعلوم مناقضة الصحة- التي هي ترتب الأثر المقصود- مع تخلف العقد عن القصد، فإنّ تخلفه عن القصد ليس إلّا عدم ترتب الأثر المقصود على العقد، فكيف يجتمع الصحة مع التخلّف؟.

ص: 445

مدفوع (1) بأنّه لم يذكر هذا الوجه (2) إلّا بعضهم معطوفا على الوجه الأوّل، و هو إقدامهما على الضمان، فلاحظ المسالك (3).

و كذا (4) الشرط الفاسد- لم يقصد المعاملة إلّا مقرونة به-

______________________________

(1) خبر «و توهم» و دفعه، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «قلت: ان عموم القاعدة قد خصّص بمورد النقض، و ذلك ..».

(2) أي: قاعدة اليد الموجبة للضمان الواقعي- لا المسمّى- في العقد الفاسد.

(3) قال الشهيد الثاني في شرح قول المحقق قدّس سرّهما: «و لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه» ما لفظه: «لا إشكال في ضمانه إذا كان جاهلا بالفساد، لأنّه أقدم على أن يكون مضمونا عليه، فيحكم عليه به، و ان تلف بغير تفريط. و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» «1» [1].

هذا ما يتعلّق بأوّل الموارد الخمسة من النقض على قاعدة التبعية.

(4) معطوف على «فإنهم أطبقوا» و هذا هو المورد الثاني من موارد النقض، و حاصله:

أنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد عند أكثر القدماء، مع أنّ ما قصد- و هو العقد المقيّد بالشرط الفاسد- غير واقع، و الواقع الذي هو ذات العقد- المعرّى عن الشرط- لم يقصد، فتخلّف العقد عن القصد. نعم بناء على مفسديّة الشرط الفاسد للعقد لم يتوجّه هذا النقض على بعض الأساطين، لكنّه خلاف التحقيق.

______________________________

[1] الإنصاف أن هذا الكلام ظاهر بل صريح في استنادهم في الحكم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد إلى دليلين: أحدهما الاقدام و الآخر قاعدة اليد، و توجيهه تارة بما في المتن من أنّ المعتمد منهما هو الإقدام دون اليد، و اخرى بأن ذكر الاقدام ليس للاستدلال به مستقلا بل لإتمام الاستدلال باليد و بيان عدم كونها مجانيّة، بلا شاهد و مما لا يرضى به صاحبه. و التفصيل موكول إلى مسألة المقبوض بالعقد الفاسد إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 154.

ص: 446

غير (1) مفسد عند أكثر القدماء (2) [1].

و بيع (3) ما يملك و ما لا يملك

______________________________

(1) خبر «الشرط الفاسد» و جملة «لم يقصد» صفة للشرط الفاسد، و ضمير «به» راجع الى الشرط الفاسد.

(2) قال في مفتاح الكرامة: «الأصحاب في البيع الذي تضمّن شرطا فاسدا على أنحاء:

الأوّل: صحة البيع و بطلان الشرط. و هو خيرة الشيخ في المبسوط، و ابن سعيد في الجامع، و الآبي في كشف الرموز، و المحكي عن أبي علي و القاضي، و ربما حكي عن الحلي و لم أجده في السرائر، و وافقهم أبو المكارم في الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة .. و وافقهم ابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض، كما لو شرط أكل طعام بعينه أو لبس ثوب و نحوه، فليتأمّل» «1». و عليه فنسبة الحكم إلى جماعة من القدماء في محلّها.

(3) معطوف على «فإنهم» و هذا ثالث موارد النقض، و حاصله: أنّ بيع المملوك و غير المملوك صحيح عند المحققين بالنسبة إلى المملوك، و باطل بالنسبة إلى غير المملوك، كما لو باع الشاة و الخنزير- صفقة واحدة- من شخص. مع أنّ مقصود المتبايعين- و هو بيع المجموع- لم يقع في الخارج، فما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

______________________________

[1] فيه: أنّ الشرط إن كان ممّا علّق عليه العقد كما إذا قال: «بعتك هذا الكتاب إن قدم الحاج» كان العقد باطلا لأجل التعليق.

و إن كان الشرط التزاما آخر في ضمن الالتزام العقدي، فإن كان من باب تعدد المطلوب لا من باب تقييد الالتزام العقدي به لم يسر فساد الشرط الى العقد، و لم يلزم تخلّف العقد عن القصد. و إن كان من باب وحدة المطلوب سرى فساده الى العقد، و لم يجب الوفاء لا بأصل العقد و لا بشرطه، و لا مورد حينئذ للنقض على قاعدة التبعية، لاختصاص مورده بالعقود الصحيحة.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 732.

ص: 447

صحيح عند الكلّ (1) [1].

و بيع الغاصب (2) لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير (3) [2].

______________________________

(1) و في الجواهر- بعد الاستدلال على الصحة فيما يملك-: «مضافا الى عدم الخلاف المعتدّ به بين من تعرّض له» «1».

(2) معطوف على «فإنهم أطبقوا». و هذا رابع النقوض، و هو ما إذا باع الغاصب لنفسه المال المغصوب، فإنّ جمعا كثيرا ذهبوا إلى أنّ البيع يقع عن المالك فضولا، و تتوقف صحّته على إجازته، مع أنّ المقصود- و هو كون البيع للبائع- لم يقع، و الواقع- و هو وقوع البيع عن المالك- غير مقصود.

(3) بل نسبه المصنف في بيع الفضولي إلى المشهور، حيث قال: «المسألة الثالثة: أن يبيع الفضولي لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب .. و الأقوى فيه الصحة وفاقا للمشهور».

______________________________

[1] فيه: أنّ العقد ينحلّ إلى عقدين أحدهما صحيح، و الآخر باطل، و لا يلزم تخلف العقد عن القصد.

إلّا أن يقال: إن مقصود المصنف النقض على كاشف الغطاء قدّس سرّهما بما إذا كان المقصود انضمام ما يملك و ما لا يملك، إذ يلزم حينئذ من إمضاء بيع ما يملك- دون ما لا يملك- تخلّف القصد عن الواقع، فيتم صورة النقض.

لكن يندفع بخروجه عن قاعدة التبعية أيضا، لاختصاصها بالعقود الصحيحة، و المفروض عدم صحته فيما لا يملك.

[2] فيه: ما مرّ في تعريف البيع من: أنّه تبديل إنشائي بين عين متمولة و بين عوض متموّل في جهة الإضافة، أو: تمليك عين بمال. و على كلّ فقصد وقوعه عن المالك أو البائع خارج عن حدوده، فقصده لغو، كما يأتي تفصيله في بيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 320.

ص: 448

و ترك (1) ذكر الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه في المسالك و كشف اللثام إلى المشهور (2) [1].

______________________________

(1) معطوف على «فإنّهم أطبقوا» و هذا خامس النقوض، و محصله: أنّ العاقد إذا ترك ذكر الأجل في النكاح المنقطع انقلب دائما على ما أفتى به جماعة، مع أنّ المقصود هو الزواج المنقطع لا الدائم، فالمقصود غير واقع، و الواقع غير مقصود.

(2) قال في المسالك: «و لو قصدا المتعة و أخلّا بذكر الأجل، فالمشهور بين الأصحاب:

أنّه ينعقد دائما، و هو الذي اختاره المصنف، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكل منهما، و إنّما يتمحّض للمتعة بذكر الأجل، و للدوام بعدمه، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني. و لأنّ الأصل في العقد الصحة، و الفساد على خلاف الأصل. و لموثقة عبد اللّه بن بكير .. الى أن قال: ليس فيه دلالة على أنّ من قصد المتعة و لم يذكر الأجل يكون دائما، بل إنّما دلّ على أنّ الدوام لا يذكر فيه الأجل، و هو كذلك، لكنه غير المدّعى، و حينئذ فالقول بالبطلان مطلقا أقوى» «1».

و عليه فليس انقلاب العقد دائما- عند ترك ذكر الأجل- مسلّما عندهم حتى يصحّ النقض به، إذ لا بد في صحة النقض من تسلّم المورد، و مع الخلاف لا يصح النقض به كما لا يخفى.

______________________________

[1] و يدلّ عليه موثّق ابن بكير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: إن سمّى الأجل فهو متعة، و إن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات» «2».

لكن الانصاف- كما أفاده في المسالك- كون الحديث أجنبيا عن المدّعى و هو ما إذا قصدا المتعة و أخلّا بذكر الأجل انعقد دائما، بل ظاهر الحديث كونه في مقام اعتبار ذكر الأجل في المتعة، و عدم اعتباره في النكاح الدائم، و لا دلالة فيه على أنّه إذا قصدا المتعة و نسيا ذكر الأجل انعقد دائما، حتى يلزم فيه تخلف العقد عن القصد.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 1، ص 539 (الطبعة الحجرية) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح ص 50.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 469، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث: 1.

ص: 449

______________________________

فالذي ينبغي أن يقال: إنّ بناء العاقد إن كان على إنشاء النكاح المنقطع- و لكن نسي ذكر الأجل عند الإنشاء و قصد النكاح الدائم- فلا شبهة في وقوعه دائما، لأنّه المقصود بعد نسيان ذكر الأجل. و إن كان بناء العاقد على إنشاء المتعة، و لكن نسي ذكر الأجل أو تركه عمدا فالقاعدة تقتضي البطلان، لأنّ المقصود بالفرض و هو المتعة لم ينشأ، و المنشأ صورة هو الدوام، لكنه غير مقصود، و من المعلوم أنّ الإنشاء هو إبراز الأمر النفساني في الخارج، و مع فرض عدم قصد الدوام لا يكون ذلك مبرزا باللفظ. و المتعة و إن كانت مقصودة، لكنها لم تبرز باللفظ، فلا بد من الالتزام بعدم وقوع شي ء من الدوام و المتعة.

أمّا الأوّل فلعدم كونه مقصودا، و قصد عنوان العقد و مضمونه لا بدّ منه في وقوعه.

و أمّا الثاني فلفقدان شرط صحته أعني ذكر الأجل، على ما دلّت عليه الروايات.

فما عن المشهور كما في عبارة المسالك المتقدمة عند شرح كلام المصنف- من: أنّه مع البناء على إنشاء النكاح المنقطع لكنه غفل حين الإنشاء و لم يذكر الأجل انعقد دائما استنادا إلى الوجوه الثلاثة المتقدمة في المسالك: من أصالة الصحة و من تعيّن الدوام بعد انتفاء الانقطاع، للإخلال بشرطه و هو ذكر الأجل، و لموثقة ابن بكير المتقدمة- في غاية الإشكال.

أمّا في أصالة الصحة: فلأنّها غير مشرّعة، بل شأنها تطبيق الكبرى على الصغرى، و متعلق الخطاب على المأتي به.

و بعبارة أخرى: شأن أصالة الصحة إثبات مطابقة الواقع مع المأتيّ به، و أمّا كون الشي ء الفلاني شرطا شرعيا لعقد أو لا فلا يمكن إثبات شرطيته أو نفيها بأصالة الصحة.

و أمّا في تعيّن الدوام بعد انتفاء الانقطاع: فلأنّ العقد لا يتمحّض لأحدهما إلّا بإنشائه بما يكون دالّا عليه، و الإنشاء منوط بالقصد، و المفروض أنّ المقصود هو المتعة، و القصور يكون في الدالّ، لعدم ذكر الأجل نسيانا، فلا يقع شي ء من النكاحين. أمّا الدوام فلعدم قصده، و أمّا الانقطاع فلفقدان شرطه و هو ذكر الأجل.

و أمّا في موثقة ابن بكير فلعدم الدلالة كما عرفت آنفا.

فالحق بطلان العقد رأسا، فأين تخلّف العقد فيه عن القصد؟ هذا.

ص: 450

______________________________

ثم إنّه قد يتمسّك للمشهور برواية أبان بن تغلب في حديث صيغة المتعة: «أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فإنّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام قال: هو أضرّ عليك. قلت: و كيف؟ قال: لأنّك إن لم تشرط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة في العدة، و كانت وارثا و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السّنة» «1».

بتقريب: أنّ الاستحياء ظاهر في ان مقصوده النكاح المنقطع، لكن الحياء أوجب إهمال ذكر الأجل، و مع ذلك يحكم بأنّ المترتّب على هذا الإنشاء هو النكاح الدائم، فثبت المطلوب و هو تخلّف العقد عن القصد، إذ المقصود هو المنقطع، و لم يقع، و الواقع و هو الدائم غير مقصود، هذا.

و فيه: أنّ المحتمل كون السؤال عمّا إذا بدا له القصد إلى الدوام حياء عمّا يعتبر في قوام المتعة من اشتراط ذكر الأجل، فيقصد الدوام لذلك، فيقع في لوازمه و أحكامه، فنبّهه الامام عليه الصلاة و السلام على أنّ ذلك يضرّه.

و على هذا فلا يصح الاستدلال بهذا الخبر على انقلاب العقد المعرّى عن ذكر الأجل دائما مع كون المقصود المنقطع. هذا.

و قد يقال: إنّ مقتضى القاعدة هو ما ذهب إليه المشهور من انقلاب العقد دائما، بتقريب: أنّ الزواج فيهما حقيقة واحدة، و ليس له إلّا قسم واحد، و أنّ الزمان مطلقا ظرف وقوع الزوجية، و ليس قيدا فيهما أبدا، و ذكر الأجل مع ذلك- فيما يسمّى بالمتعة- حكم شرعي، و يكون تنزيلا له عند ذكر الأجل منزلة ما يكون الزمان قيدا له.

و يدلّ على كون الدوام و الانقطاع حقيقة واحدة قوله تعالى عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ ..، فَمَنِ ابْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ العٰادُونَ «2» فإنّ الزوجية في المتعة و الدوام لو كانت مختلفة الحقيقة لم يكن وجه لاستناد أصحابنا القائلين بمشروعية المتعة الى هذه

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 14، ص 470، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث: 2.

(2) المؤمنون، الآية: 7.

ص: 451

______________________________

الآية الشريفة، في قبال العامّة المنكرين لمشروعية المتعة. و لوحدة حقيقة الزوجية و عدم اختلافها استقرّ بناؤهم على عدم الحاجة في النكاح الدائم إلى اعتبار الدوام. و لو كانت نظير ملك المنافع لكان اللازم ذكر الغاية و الدوام. هذا ما عن بعض الأجلّة على ما في فوائد «1» المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه.

لكن فيه ما لا يخفى، فإن المتعة تباين النكاح الدائم في جهات ثلاث:

إحداها: في السبب الموجب للإنشاء، فإنّ في عقد المتعة لا بدّ من ذكر المهر و الأجل، بخلاف الدوام فإنّه لا يعتبر فيه شي ء من ذلك، بل يعتبر في الدوام أن لا يكون مغيّا بغاية و أجل.

ثانيتها: في المسبب، فإنّ المنشأ في المتعة- و هو الزوجية المحدودة بوقت خاص الّتي تزول بمجرد انقضاء أجلها من دون حاجة إلى طلاق- مغاير لما ينشأ في الدائم، لأنّ المنشأ فيه هو الزوجية غير المحدودة.

ثالثتها: في الأحكام و الآثار، لاختصاص الدوام بحرمة الخامسة، و بالإرث، و وجوب الإنفاق، و ثبوت الطلاق، و القسم و غير ذلك. و اختصاص المتعة ببذل المدّة، و تنقيص المهر بالامتناع عن الاستمتاع.

و هذا الاختلاف الفاحش في هذه الجهات الثلاث يدلّ على كونهما نوعين متغايرين.

و لا ينافي ذلك وضع لفظي التزويج و النكاح للقدر المشترك بين الدوام و المتعة، و ذلك لأنّه كلفظ التمليك الذي وضع للقدر المشترك بين الهبة و البيع، فيكون تخصيصه بكل منهما بالقرينة.

و ممّا ذكرنا ظهر: أنّ النكاح يكون جنسا للدوام و المتعة، و هما نوعان له، فهنا أمور ثلاثة:

أحدها: زواج مرسل، و هو المسمّى بالنكاح الدائم.

ثانيها: زواج محدود بوقت خاص، و هو المسمّى بالمنقطع.

______________________________

(1): حاشية الرسائل، ص 299.

ص: 452

نعم (1) الفرق بين العقود و ما نحن فيه: أنّ التخلّف عن القصود يحتاج الى

______________________________

(1) استدراك على قوله: «و ثانيا» أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير» و حاصله: أن مقتضى قابلية عموم «تبعية العقود للقصود» للتخصيص بالموارد الخمسة المتقدمة و إن كان جواز تخصيصها بمورد سادس و هو المعاطاة المقصود بها الملك، حيث إنّها لا تؤثّر إلّا في الإباحة المجرّدة عن الملك، إلّا أنّ في الخروج عن عموم قاعدة التبعية فرقا بين المعاطاة و بين تلك الموارد الخمسة. و الفارق هو: أنّ التخلف في المعاطاة إنّما هو من جهة عدم المقتضي للتبعية، لما تقدم من عدم قيام دليل- بعد- على صحتها و ترتب الملك المقصود عليها، و التخلف في الموارد الخمسة يكون من جهة وجود المانع، و هو الدليل الدال على خروجها عن أدلة صحة العقود. فخروج المعاطاة عن قاعدة التبعية يكون بالتخصص، و خروج غيرها عنها يكون بالتخصيص.

هذا ظاهر المتن أو صريحه في الفرق بين المعاطاة و موارد النقض.

______________________________

ثالثها: زواج جامع بينهما متحد معهما في الخارج. لكن المنشأ للآثار و المحمول بالحمل الشائع ليس إلّا اثنين.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا: أنّ الدوام و الانقطاع ماهيتان مختلفتان، و ليستا حقيقة واحدة، فإذا قصد إنشاء المتعة و نسي ذكر الأجل، أو تركه عمدا بطل العقد رأسا، و لا ينعقد المتعة، لفقدان شرطها و هو ذكر الأجل، كما لا ينعقد الدوام لعدم قصده.

فما في الجواهر من كون الانقلاب على وفق القواعد مع اعترافه ظاهرا بكون الأجل في المنقطع قيدا و شرطا، بتوهّم: «كفاية إنشاء أصل النكاح و عدم اشتراط الأجل في حصول الدوام، و في محل البحث قد أنشئ النكاح بلا شرط الأجل فهو الدائم» «1» لا يخلو من غموض، لأنّ إنشاء القدر الجامع لا يكفي في إنشاء أحد أفراده ضرورة، بل لا بدّ في وقوع الفرد و تحقّقه من إنشاء خصوصه، لا الجامع بينه و بين غيره.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 30، ص 173، 174.

ص: 453

الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود (1)، و ما نحن فيه (2) عدم الترتب مطابق للأصل.

[2- التصرف مملّك للمتصرف]

و أمّا (3) ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملّكا فلا بأس بالتزامه

______________________________

لكن بناء على اختصاص قاعدة «تبعية العقود للقصود» بالعقود الصحيحة الممضاة شرعا استحال التخلّف عن القصد فيها كما نبّه عليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «لم يعقل».

و عليه فموضوع القاعدة خصوص العقود الصحيحة، لا الأعم منها و من الفاسدة، فالعقد الفاسد- كالمعاطاة- خارج موضوعا عن عموم القاعدة. و الفارق بين العقد الفاسد و المعاطاة حينئذ هو عدم صدق العقد على المعاطاة المفيدة للإباحة، بخلاف العقد الفاسد، فإنّه عقد عرفا و إن لم يكن صحيحا شرعا.

(1) كما دلّ في نسيان ذكر الأجل في المتعة، بناء على ما عن المشهور من انقلابها قهرا بالدّوام.

(2) و هو المعاطاة على مسلك القدماء من إفادتها الإباحة المحضة. هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ أوّل استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه، و أنّه لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة- في قبال قاعدة تبعية العقود للقصود- بعنوان «أن العقود لا تتبع القصود» بل العقود الصحيحة لا تتخلّف عن القصود، و لو تخلّفت لم يقدح ذلك في عموم القاعدة، إذ ما من عام إلّا و قد خصّ.

2- التصرف مملّك للمتصرف

(3) هذا شروع في مناقشة ثاني الاستبعادات المذكورة في شرح القواعد، و هو: استبعاد كون إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة مملّكة له للمتصرّف فيه.

و محصل ما أفاده المصنف: أنّه و إن لم يدلّ دليل مستقل على مملّكية إرادة التصرف، إلّا أنّه لا ينحصر الدليل الشرعي في ذلك، بل الجمع بين الدليلين- أو الأدلة- لو اقتضى حكما شرعيا كفى في الأخذ به، كما هو غير عزيز في الفقه.

و المقام من هذا القبيل، لوجود طوائف ثلاث من الأدلة لا بد من الجمع بينها.

الاولى: استصحاب بقاء علقة كل من المتعاطيين بما دفعه للآخر، كما إذا تعاطى زيد و عمرو كتابا بدينار، فأصالة بقاء الكتاب على ملك زيد، و أصالة بقاء الدينار على ملك

ص: 454

إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل (1) و دليل جواز التصرف المطلق (2) و أدلّة توقف بعض التصرفات على الملك (3)،

______________________________

عمرو تقتضي بقاء هذه الملكية و عدم زوالها أصلا إلّا بقيام حجة على قطع هذه العلقة.

الثانية: الإجماع على إباحة مطلق التصرف في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقّف على الملك أم لم يتوقف.

الثالثة: الأدلة الدالة على توقف بعض التصرفات على الملك، كالبيع و العتق و الوقف.

و مقتضى الجمع بين هذه الطوائف الثلاث هو الحكم بأنّ المأخوذ بالمعاطاة يدخل في ملك الآخذ بمجرّد إرادة التصرف فيه بما يتوقف على الملك.

و الجمع بهذا النحو قد التزموا به في مسألتين:

إحداهما: تصرّف ذي الخيار- فيما انتقل عنه بمثل البيع- تصرفا منوطا بالملك، كما إذا باع مبيعه الخياري على شخص آخر، فإنّ مقتضى الجمع بين سلطنته على فسخ العقد الأوّل و توقف صحة بيعه ثانيا على دخول المال في ملكه هو: أنّ إرادة بيع ماله في زمن الخيار توجب فسخ العقد السابق و تملّكه له آنا ما حتى يصح بيعه ثانيا من شخص آخر.

و ثانيتهما: تصرف الواهب- فيما وهبه لغيره- تصرّفا منوطا بالملك.

و عليه فكما أن تصرّف ذي الخيار- فيما انتقل عنه- بأحد التصرفات المتوقفة على الملك يكشف عن انفساخ العقد و رجوع المال الى مالكه الأوّل. و كذا تصرف الواهب في الهبة يكشف عن انحلال عقد الهبة و عود العين الموهوبة إلى الواهب، و وقوع تصرفه في ملكه.

فكذلك المقام، أعني به المعاطاة، فإنّ المتعاطي- الذي يتصرف فيما أخذه بالمعاطاة- يتملّك المأخوذ بها قبل تصرفه بإرادة التصرف.

(1) المراد به استصحاب بقاء كل من المالين على ملك المعطي ماله للآخر.

(2) و هو الإجماع المدّعى في كلام بعضهم على إباحة مطلق التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة.

(3) مثل ما قيل: من دلالة «لا بيع و لا وقف و لا عتق إلّا في ملك» على اعتبار إضافة الملكية في نفوذ بيعه و وقفه و عتقه و نحوها من التصرفات.

ص: 455

فيكون (1) كتصرف ذي الخيار و الواهب فيما انتقل عنهما بالوطي (2) و البيع و العتق و شبهها (3) [1].

______________________________

(1) يعني: فيكون الالتزام بمملّكية إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة نظير الالتزام بمملّكية إرادة التصرف من قبل ذي الخيار و الواهب.

(2) هذا و «البيع و العتق» متعلق ب «تصرف ذي الخيار و الواهب» يعني: أنّ ذا الخيار و الواهب إذا لم يفسخا العقد بل تصرفا في ما انتقل عنهما تصرّفا متوقفا على الملك- كالمباشرة مع الأمة المبيعة ببيع خياري أو الموهوبة بهبة جائزة- كان ذلك التصرف فسخا فعليا، و إرادة الفسخ توجب عود المال الى الملك، فيقع التصرف في ملكي الواهب و ذي الخيار.

(3) كالوقف. و قد تحصّل: أن مملّكية إرادة التصرف ليست قاعدة غريبة يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة المعاطاة للإباحة- كما زعمه كاشف الغطاء قدّس سرّه- بل لا بدّ من الالتزام بها، لاقتضاء الجمع بين الأدلة ذلك. مضافا الى وجود نظيره في الفقه.

______________________________

[1] لا يخفى: أنّ جهة الاشكال إن كانت هي استبعاد مملكية إرادة التصرف فما أفاده المصنف قدّس سرّه في رفعها- من كون ذلك مقتضى الجمع بين أصالة بقاء الملك الى زمان التصرف، و بين دليل جواز التصرف المطلق، و بين أدلة توقف بعض التصرفات على الملك من قبيل البيع و العتق- متين. إلّا أنّ ظاهر كلام بعض الأساطين عدم كون الاشكال من جهة كون الإرادة من المملّكات حتى يدفع ذلك بأنّه مقتضى الجمع بين الأدلة.

بل جهة الإشكال هي كون مملكية الإرادة خلاف سلطنة المالك على ماله، حيث إنّ كلّا من المتعاطيين إنّما يقصد الملك حال التعاطي، لا حال التصرف، فوقوع الملك حال التصرف خلاف سلطنته على ماله. و لذا فرّق بين المعاطاة و بين قوله: «أعتق عبدك عنّي، و تصدّق بما لي عنك» حيث انّ تمليك عبده لمن أمره بالعتق كان ناشئا عن إذنه. و كذا تملك المال الذي أمر بالصدقة به عنه كان بإذن المالك، و ليس فيه مخالفة للقاعدة المذكورة أعني سلطنة المالك.

ص: 456

______________________________

فقياس مملّكيّة إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة على تصرف ذي الخيار و الواهب- فيما انتقل عنهما- في غير محله، إذ ليس فيه مخالفة لقاعدة السلطنة بعد فرض ثبوت الخيار و جواز الرجوع في الهبة.

و الحاصل: أنّ الاشكال في المقام راجع الى تخصيص قاعدة السلطنة. بخلاف النظائر المزبورة.

و أمّا إذا بنينا على الملكية من أوّل الأمر فلا يلزم تخصيص عموم السلطنة أصلا، لكون الملكية مقصودة للمتعاطيين، فيتعيّن البناء عليه لدفع محذور هذا التخصيص، فيبني على ثبوت الملكية من أوّل الأمر حتى لا يلزم تخصيص قاعدة السلطنة. فالجمع بين الأدلّة يقتضي الملكية من أوّل الأمر.

نعم يلزم منه خلاف استصحاب بقاء المال على ملك مالكه الى حين التصرف. لكن عموم قاعدة السلطنة يدفع هذا الاستصحاب، فإنّ أصالة العموم و عدم التخصيص تصلح لإثبات الملكية من أوّل الأمر، فلا يبقى شك في بقاء الملك على ملك مالكه حتى يجري فيه الاستصحاب. هذا.

مضافا الى: أنّ تنظير مملّكيّة إرادة التصرف بتصرف ذي الخيار و الواهب لا يخلو من تأمّل آخر نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه، و هو: أنّ تصرف ذي الخيار بالفعل إمّا بعنوان السبب أو بعنوان الكاشف عن قصد الفسخ و الرجوع على الخلاف في المسألة، و على كلّ فالفعل الاختياري الذي قصد به الفسخ محقّق، بخلافه في المقام و هو: أنّ نفس تصرف أحدهما مملّك قهري، لا أنّه يقصد التملك، بل ربما يكون غافلا عنه، فلا وجه لهذا التنظير.

و المناسب للمقام التنظير بباب الرجوع بالمباشرة في المطلقة الرجعية بناء على حصوله بمجرد الاستمتاع و لو لم يقصد به الرجوع أصلا، فإنّ الشارع حكم على غشيانها أنّه رجوع إليها «1».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 29.

ص: 457

[3- تعلق الاستطاعة و الغنى بالمأخوذ بالمعاطاة]

و أمّا (1) ما ذكره من «تعلّق الأخماس و الزكوات إلى آخر ما ذكره» فهو استبعاد محض.

______________________________

3- تعلق الاستطاعة و الغنى بالمأخوذ بالمعاطاة

(1) هذا شروع في ردّ ثالث استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه و هو لزوم تعلق الأخماس و الزكوات و نحوهما بما في اليد دون الملك، مع أنّ المعهود من الشرع تعلّقها بالملك.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ردّه أمران أحدهما: منع أصل الاستبعاد، و أنّه لا مانع من الالتزام بعدم تعلق هذه الأمور الأحد عشر- المذكورة في الاستبعاد الثالث- بالمأخوذ بالمعاطاة بناء على إفادتها للإباحة كما عليها القدماء.

و ثانيهما: المنع الصغروي، بمعنى أنّ بعض الأمور المذكورة في كلامه لا مانع من الالتزام به، و إجرائه في المأخوذ بالمعاطاة، لعدم توقفه على الملك، و معه لا يبقى موضوع للاستبعاد، لأنّه يتوقف على اختصاص الموارد الأحد عشر بالملك حتى يستغرب من عدم تعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة، فإذا لم تتوقف على الملك بل جرت في المباح أيضا التزمنا بترتبها على ما في اليد و إن لم يصر ملكا أصلا.

و توضيح الوجه الأوّل- و إن لم تف به العبارة لقصورها- هو: أنّ الحكم بعدم تعلق الخمس و الزكاة و الاستطاعة و نحوها بالمأخوذ بالمعاطاة استبعاد محض، فلا بأس بالالتزام بعدم التعلّق.

فان قلت: إنّ عدم التعلّق مخالف للسيرة القائمة على تعلق المذكورات بالمأخوذ بالمعاطاة، فلا وجه لدعوى عدم التعلق، مع قيام السيرة على تعلق هذه الأمور بالمأخوذ بالمعاطاة، و هذا التعلق المستند إلى السيرة كاشف عن إفادة المعاطاة للملك، لا لإباحة التصرف.

قلت: لا ريب في قيام السيرة على التعلّق، و لكن على هذا تكون السيرة دليلا على التعلق و إن كان التعلّق مخالفا للقاعدة، فتكون السيرة دليلا على تخصيصها. فالقاعدة تقتضي عدم التعلق، و لكن في خصوص هذه الأمور نلتزم بالتعلق لأجل دليل تعبدي و هو السيرة.

ص: 458

و دفعه بمخالفته (1) للسيرة رجوع إليها (2). مع (3) أنّ تعلّق الاستطاعة الموجبة للحجّ، و تحقّق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك [1].

______________________________

و حينئذ فالسيرة دليل على التعلّق، لا على الاستبعاد المزبور الذي يريد بعض الأساطين جعله دليلا على مملّكية المعاطاة، لأنّ غرضه كون الاستبعاد دليلا على إفادة المعاطاة للملك، لا السيرة، فجعل السيرة دليلا على الملكية من أوّل الأمر رجوع عن الاستبعاد إلى السيرة.

(1) هذا الضمير و ضمير «دفعه» راجعان الى عدم التعلّق.

(2) أي: إلى السيرة، و أنّ الرجوع الى السيرة عدول عن جعل الاستبعاد دليلا على مملّكية المعاطاة إلى جعل السيرة دليلا على مملّكيّة المعاطاة.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني و هو المنع الصغروي، يعني: أنّ الأمور المذكورة في كلام كاشف الغطاء ليس جميعها متوقفة على الملك، حتى يلزم تأسيس قاعدة جديدة لو قلنا بتعلقها بالمأخوذ بالمعاطاة المفيدة للإباحة لا الملك. و وجه عدم توقفها على الملك هو: أنّ الاستطاعة كما تحصل بملك الزاد و الراحلة كذلك تحصل بإباحتهما بالبذل نصّا و فتوى.

و كذلك الغنى المانع عن استحقاق الزكاة، لأنّ الظاهر صدقه عرفا بوجدان ما يحتاج إليه في مئونة سنته و إن لم يكن مملوكا له. و تفسير الفقير في كلمات الفقهاء ب «من لا يملك قوت سنته» يراد به من لا يجد ذلك و لو بنحو الإباحة، فليتأمّل.

______________________________

[1] ظاهر اقتصار المصنف قدّس سرّه على الاستطاعة و الغنى هو تسليم توقف غيرهما على الملك.

لكنّه يستشكل فيه. أمّا في توقف تعلق حق الديّان على الملك فبأنّ المباح له و إن لم يكن مالكا للعين، لكنه مالك لأن يملكها باسترداد العوض أو بالتصرف فيما عنده، فللغريم إلزامه بأحدهما.

و فيه: أنّ الإلزام فرع الحق، و ليس في المعاطاة حق، بل حكم شرعي و هو السلطنة على الاسترداد أو التصرّف فيما عنده، لكون الإباحة تعبّديّة لا مالكية، و لذا ليس له إسقاطها، فحديث التوقف على الملك في محله.

نعم إن كان المراد بالتوقّف على الملك كون الوفاء متوقفا على الملك بحيث

ص: 459

______________________________

لا يحصل الوفاء إلّا بما يملكه، لا بما يباح له ففيه: عدم التوقف على الملك، لجواز التبرع بالوفاء.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 460

و أما النفقات فالظاهر عدم توقفها- بمعنى وجوب الإنفاق- على الملك، كما هو قضية إطلاق قوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «1».

و أما حق الشفعة فالظاهر عدم ثبوتها للمباح له، لاختصاصها بالبيع، و المفروض عدم كون المعاطاة على هذا المبنى بيعا.

إلّا أن يقال- كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه- بكفاية البيع العرفي في تحقق الشفعة، و المفروض أن المعاطاة بيع عرفي، فيشملها دليل حق الشفعة «2»، هذا.

لكن فيه: أنّ حق الشفعة عبارة عن أخذ الشريك ما باعه شريكه من حصته و تملكه و لو قهرا، فإنّ للشريك سلطنة على أخذ الحصة المبيعة من المشتري و تملكها منه، و هو فرع صيرورة المأخوذ بالمعاطاة ملكا لمن اشتراه بالمعاطاة. و مجرد كون المعاطاة بيعا عرفيا مع عدم ترتب الأثر الشرعي عليها من الملكية غير مجد. فالشفعة لا تترتب إلّا على البيع المؤثّر في الملكية حتى يكون المشتري مالكا لموضوع حق الشفعة، و يتسلّط الشريك على أخذه من المشتري و لو قهرا، هذا.

و لو أريد من تعلق حق الشفعة ثبوته للمباح له إذا باع شريكه المالك حصّته من شخص، فالحكم بعدم ثبوته أوضح، لكون موضوع الحق هو الشريك الذي لا ينطبق ضرورة على المباح له.

و أما المواريث فتختص بالملك و الحق اللّذين هما منفيّان بناء على الإباحة.

و أمّا الربا فهو إمّا مختص بالبيع، و إمّا جار في مطلق المعاوضة. و المعاطاة بناء على الإباحة ليست بشي ء منهما.

و أمّا الوصية فهي متوقفة على الملك، لعدم دليل على نفوذها في ملك الغير فالمرجع

______________________________

(1): البقرة، الآية: 233.

(2) حاشية المكاسب، ص 13.

ص: 460

[4- تصرّف أحد المتعاطيين مملّك للجانب الآخر]

و أمّا (1) كون التصرّف مملّكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه (2) [1].

______________________________

4- تصرّف أحد المتعاطيين مملّك للجانب الآخر

(1) هذا رابع الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه من كون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا لصيرورة العوض في ملك المتعاطي الآخر قهرا.

(2) يعني: ظهر جوابه ممّا ذكره في الجواب عن الاستبعاد الثاني، بقوله: «فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع .. إلخ» و حاصل ذلك الجواب: أن مملّكية التصرف تكون مقتضى الجمع بين الأدلة، فإذا كانت مملّكية التصرف من أحدهما للجانب الآخر مقتضى الجمع بين الأدلة فلا إشكال. و إن لم يكن مملّكا للجانب الآخر- بأن كان مملّكا للمتصرف فقط- لزم اجتماع العوض و المعوّض في ملك المتصرّف، و هو كما ترى. و عليه فالجمع بين الأدلة يقتضي كون التصرّف مملّكا للطرف الآخر أيضا.

______________________________

فيها أصالة عدم ترتب الأثر.

و أمّا توقف الإخراج في الخمس و الزكاة على الملك فلم يظهر له وجه وجيه، لاحتمال جواز تبرّع الغير في وفائهما عمّا استقرّ في ذمة المالك، لأنّهما كسائر الديون التي يجوز التبرّع بوفائها. نعم توقف تعلقهما على الملك لا يخلو من وجه، لكن فيه بحث موكول الى محله.

و أمّا ثمن الهدي فالظاهر عدم توقف صحة الهدي على كون ثمنه ملكا للحاجّ كما يظهر من هدي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ما في بعض الروايات.

و أمّا حق المقاسمة و الافراز فهو لا يختص بالمالك، بل يثبت لكل من أبيح له التصرف في المال المشاع و إن لم يكن مالكا لجزء منه. فعلى القول بإفادة المعاطاة للإباحة لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة من الالتزام بثبوت حقّ الافراز لغير المالك.

[1] قد عرفت أنّ هذا الجمع مخالف لقاعدة سلطنة المالك على ماله، فمقتضى الجمع هو الالتزام بالملك من أوّل الأمر.

ص: 461

[5- تلف إحدى العينين مملّك للطرفين]

و أمّا (1) «كون التلف مملّكا للجانبين»

______________________________

5- تلف إحدى العينين مملّك للطرفين

(1) هذا خامس الاستبعادات، و المراد بالتلف أعم من تلف إحدى العينين أو كلتيهما.

و محصل ما أفاده جوابا عنه هو: أنه يمكن أوّلا أن لا نلتزم بمملّكية التلف أصلا، بدعوى كون التلف من مال مالكه بدون ضمان من تلف في يده، للإذن المالكي أو الشرعي، غاية الأمر أنّ التالف إن كان إحدى العينين فقط صارت الإباحة لازمة، فلا يجوز لمن تلف مال الآخر في يده أن يرجع على الآخر بماله الذي في يده.

هذا، مع الغض عن إجماع أو سيرة على مملّكية التلف. و مع النظر إليه فلا إشكال، لأنّه قبل التلف آنا ما ينتقل كل من المالين إلى آخذه، فيقع التلف في ملكه، فيكون ضمان كل منهما بعوضه المسمّى، لا بالمثل أو القيمة، فيكون المقام نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع في رجوعه آنا ما قبل التلف إلى ملكه.

و الوجه في الالتزام بالملكية التقديرية هو دوران الأمر بين وجهين:

أحدهما: تخصيص عموم اليد- المقتضي للضمان بالمثل أو القيمة في المعاطاة كسائر موارد اليد- بالإجماع و السيرة القائمين على عدم الضمان بالمثل أو القيمة في مورد المعاطاة.

و ثانيهما: التخصّص، بأن يلتزم بالملكية من أوّل الأمر، حفظا لعموم «على اليد» عن التخصيص.

و مقتضى القاعدة- على ما قيل في محلّه- و إن كان تقديم التخصّص على التخصيص المقتضي للحكم في المعاطاة بالملكيّة من أوّل الأمر، لكن أصالة عدم الملكيّة تقتضي عدم الملكية إلّا آنا ما قبل التلف، و عدم حصول الملكية من أوّل الأمر.

ثم إنّ غرض المصنف قدّس سرّه مراعاة عموم دليل اليد عن التخصيص و إبقائه على عمومه، لما ثبت في محله من تقديم التخصّص على التخصيص عند الدوران بينهما، فيحكم في المقام- لأجل عموم اليد- بأنّ ضمان المسمّى في المأخوذ بالمعاطاة خارج عن موضوع عموم «على اليد» بالإجماع، و ليس الإجماع مخصّصا لعموم اليد، لأنّه بعد فرض دخول كلّ من المالين في

ص: 462

فإن ثبت (1) بإجماع (2) أو سيرة (3) كما هو الظاهر كان (4) كلّ من المالين مضمونا بعوضه (5) فيكون تلفه (6) في يد كلّ منهما من ماله مضمونا بعوضه (7)

______________________________

ملك آخذه آنا ما قبل التلف يقع التلف في ملكه، فيكون أجنبيّا عن موضوع دليل اليد- و هو مال الغير- فيبقى عموم اليد بحاله، و مقتضى عمومها عدم كون الضمان بالمسمّى من أفراده، لصيرورة العوضين ملكا للمتعاطيين، فضمان المسمّى ليس مستندا إلى عموم اليد، بل إلى الإجماع.

و الكاشف عن صيرورة المالين قبل التلف آنا مّا ملكا للمتعاطيين هو العموم المذكور، فلا يكون الإجماع المزبور مخصّصا لعموم اليد، بل عمومها يثبت كون المأخوذ بالمعاطاة داخلا في ملك الآخذ و أنّ التلف وقع في ملكه، لا في ملك الغير الذي هو موضوع اليد.

و بالجملة: فغرض المصنف قدّس سرّه حفظ عموم اليد عن التخصيص، لا إثبات ضمان المسمّى به [1].

(1) لم يذكر المصنف عدلا لقوله: «فان ثبت» فالأولى أن يقال: «كما ثبت» بقرينة اعترافه بثبوته بقوله: «كما هو الظاهر».

و كيف كان فقوله: «فان ثبت» و ما بعده جواب الشرط في قوله: «و أما كون التلف ..».

(2) الإجماع على مملّكيّة التصرّف و التلف موجود في بعض كلمات القدماء.

(3) أي: السيرة العقلائية الممضاة شرعا و لو بعدم الردع.

(4) جواب «فان ثبت». أي: كان ضمان المأخوذ بالمعاطاة بالمسمّى، لكون العقد المعاوضي صحيحا، و لا موجب لانقلاب ضمان المسمّى بالواقعي.

(5) أي: بعوضه المسمّى.

(6) أي: تلف المأخوذ بالمعاطاة.

(7) أي: بعوضه المسمّى لا الواقعي.

______________________________

[1] فلا يرد عليه ما أفاده السيد قدّس سرّه بقوله: «لا يخفى أن الحكم بالضمان بعوضه

ص: 463

______________________________

المسمّى ليس عملا بعموم- على اليد- لأنّ مقتضاه وجوب المثل أو القيمة لا المسمّى، فمع فرض الإجماع على الملكية لا بدّ من الالتزام بتخصيص قاعدة اليد إذا لم نحكم بالملكية من أوّل الأمر» «1».

وجه عدم الورود ما عرفته: من أن غرض المصنف قدّس سرّه ليس إثبات ضمان المسمّى بعموم اليد، إذ المفروض أنّ هذا الضمان يثبت بحصول الملكية للمتعاطيين قبل التلف آنا ما، على ما ادّعي عليه من الإجماع، فليس ضمان المسمى بعموم اليد حتى يتوجه عليه إشكال السيد قدّس سرّه بأن ضمان المسمى ليس عملا بقاعدة اليد .. إلخ، فلاحظ و تأمل.

ثم لا يخفى أنّ إثبات الملك للآخذ بعموم «على اليد» في المقام من جزئيات مسألة أصولية، و هي: أنّه إذا ورد عام، ثم علم بعدم ثبوت حكمه لشي ء شكّ في فرديّته للعامّ، فبالتمسك بأصالة العموم و صيانته عن التخصيص يحكم بعدم كون ما شكّ في فرديّته للعام من أفراده، و بخروج ذلك المشكوك فيه عن موضوع العام، لا عن حكمه.

ففي المقام يتمسك بعموم «اليد» و به يحرز أنّ اليد هنا ليست يدا على مال الغير الذي هو موضوع قاعدة اليد، بعد العلم بعدم كون الضمان هنا محكوما بحكم العام أعني اليد التي حكمها ضمان المثل أو القيمة. فبعموم اليد يحرز خروج الضمان هنا عن موضوعه و هو مال الغير نظير ما إذا علم بعدم محكومية زيد بوجوب الإكرام، و شك في أنّ عدم وجوب إكرامه هل هو لأجل التخصيص و إخراجه عن حيّز حكم «العلماء» أم لعدم كونه من أفراد العلماء، فنشك في أنّ خروجه عن دليل وجوب إكرام العلماء يكون بالتخصص أو التخصيص.

لكن التمسك بالعموم لإثبات أنّ الخارج منه حكما خارج منه موضوعا من المسائل النظرية التي يمنعها بعض، و إن نسبه المصنف- على ما في التقرير المنسوب إليه- إلى الأصحاب، حيث قال المقرّر ما لفظه: «و على ذلك- أي التمسك بأصالة العموم- جرى ديدنهم

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 72.

ص: 464

نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع (1)، لأنّ (2) هذا هو مقتضى الجمع بين هذا الإجماع (3) و بين عموم (4) «على اليد ما أخذت» «1» و بين أصالة عدم الملك إلّا في

______________________________

(1) في وقوع التلف في ماله، لا في مال المشتري.

(2) علّة لكون التلف من مال ذي اليد، المتوقف على كونه ملكا له قبل التلف.

(3) أي: الإجماع على كون المأخوذ بالمعاطاة مضمونا بعوضه المسمّى لا بقيمته الواقعية.

(4) المقتضي للضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.

______________________________

في الاستدلالات الفقهية، كاستدلالهم على طهارة الغسالة على أنّها لا تنجّس المحل، فإن كان نجسا غير منجّس يلزم تخصيص قولنا: كل نجس منجّس» «2».

و عليه فينعكس قولنا: «كل عالم يجب إكرامه» بعكس النقيض الى قولنا: «كل من لا يجب إكرامه ليس بعالم».

لكن الحق عدم صحته، إذ لم يثبت بناء أهل اللسان على هذا التمسك. و لذا تأمّل فيه في الكفاية.

فالتمسك بعموم «اليد» في المقام لإثبات كون العوضين في المعاطاة ملكا للمتعاطيين محل النظر. فالقول بتخصيص عموم اليد هنا ممّا لا مانع منه، هذا.

مضافا إلى: عدم التزام الأصحاب بما نسب إليهم في التقريرات في جميع الموارد، فلاحظ كلماتهم. و لعلّ عدم التزامهم إنّما هو لعدم ثبوت مدركها و هو بناء العقلاء على إحراز عنوان الخارج من حكم العام بأصالة العموم، فحجيّة العام في ذلك مشكوكة، و الأصل عدم حجيته.

و عليه ففي المقام لا مجال لقاعدة اليد، لكونها أمانية مالكية أو شرعية، فمقتضى القاعدة عدم الضمان.

نعم قام الإجماع على ثبوت الضمان بالمسمّى، فيدلّ إنّا على تحقق الملكية آنا ما قبل التلف، فيصير كل من المالين ملكا لآخذه، و يقع التلف في ملكه.

______________________________

(1): عوالي اللئالي، ج 1، ص 224، الحديث: 106.

(2) مطارح الأنظار، ص 295.

ص: 465

الزمان المتيقّن (1) بوقوعه (2) فيه.

توضيحه (3): أنّ الإجماع لمّا دلّ على عدم ضمانه (4) بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد (5)، رعاية لعموم «على اليد ما أخذت» فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة الرواية الواردة في «أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه» (6) فإذا قدّر التلف من مال ذي اليد فلا بدّ من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره، رعاية (7) لأصالة عدم حدوث الملكية

______________________________

(1) و هو الزمان المتصل بالتصرف.

(2) أي: بوقوع الملك في ذلك الزمان، و هو زمان التصرف.

(3) أي: توضيح أنّ مقتضى الجمع بين عموم اليد و الإجماع و استصحاب عدم الملك هو الالتزام بحدوث الملك للآخذ في الآن المتصل بالتصرف، أو بالتلف: أن الإجماع .. إلخ.

(4) أي: دلّ الإجماع على عدم ضمان التالف ببدله الواقعي من المثل أو القيمة، بل دلّ على ضمانه بالمسمّى.

(5) يعني: يحكم بحصول الملكية لذي اليد قبل التلف رعاية لعموم «اليد» من عروض التخصيص عليه، إذ مع بقاء المالين على ملك مالكيهما يلزم تخصيص عموم اليد، و المفروض أنّ التخصص مقدّم على التخصيص.

(6) فكما أنّ تلك الرواية تدلّ على أنّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه- لا من مال المشتري- المترتب على انفساخ العقد قبل التلف و عوده إلى ملك البائع، و إلّا لم يكن من ماله، و كان ضمانه بالمثل أو القيمة لا ضمان المسمّى، فكذلك الإجماع على الضمان بالمسمّى في المقام- بضميمة إبقاء العموم على حاله- يدلّ على كون التلف من مال ذي اليد، المتوقف على حصول الملكية آنا ما قبل التلف.

(7) تعليل لما أفاده من لزوم فرض ملكية الآخذ في آخر أزمنة تقدير الملكية، و هو الآن المتصل بالتلف، لأنّ مقتضى الاستصحاب بقاء المال على ملك الدافع إلى زمان تلفه في يد الآخذ، و في آن التلف ينقطع الاستصحاب، لقيام الدليل على انتقال المال- في ذلك الآن- الى ملك الآخذ.

ص: 466

قبله (1)، كما (2) يقدّر ملكيّة المبيع للبائع و فسخ البيع من حين التلف استصحابا لأثر (3) العقد.

[6- يجوز للمبيح و المباح له المطالبة من الغاصب]

و أمّا (4) ما ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر- على القول بالإباحة- أنّ لكل منهما (5) المطالبة ما دام باقيا، و إذا تلف فظاهر إطلاقهم «التملّك بالتلف» تلفه من مال المغصوب منه (6).

______________________________

(1) أي: قبل آخر أزمنة إمكان تقدير الملك، و هو الآن المتصل بالتلف.

(2) هذا تنظير لجزاء «إذا» الشرطية، و هو قوله: فلا بد من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره .. إلخ يعني: كما يقدّر ملكية المبيع للبائع المترتبة على انفساخ البيع من حين تلفه لا قبله، لكون استصحاب ملكيته للمشتري- التي هي أثر العقد- مانعا عن حدوث ملكية المبيع للبائع قبل التلف.

(3) و هو ملكية المبيع للمشتري عند ما يتلف في يد البائع، ففي الآن قبل التلف ينقطع أثر العقد و تزول ملكية المشتري، و ينتقل المال إلى البائع حتى يقع التلف في ماله، لا في مال المشتري.

6- يجوز للمبيح و المباح له المطالبة من الغاصب

(4) هذا سادس الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه، و هو ناظر إلى حكم مطالبة المأخوذ بالمعاطاة لو غصبه غاصب.

(5) أي: من المتعاطيين، أمّا جواز المطالبة للمالك فواضح، لأنّه من شؤون سلطنته على ماله. و أمّا جوازها للمباح له فلأنّه- بناء على القول بالإباحة- يكون الآخذ مسلّطا على جميع التصرفات، و مطالبة الغاصب به من شؤون تلك السلطنة، هذا إذا كانت العين باقية.

و أمّا مع تلفها فمقتضى إطلاقهم «كون التلف مملّكا» و عدم تقييده بالتلف عند المباح له- و شموله للتلف عند الغاصب- هو: صيرورة التالف بيد الغاصب آنا ما قبل التلف ملكا للمباح له. فعلى هذا لا يكون المطالب من الغاصب إلّا المباح له، لأنّه المالك للتالف حسب الفرض، فمطالبته على طبق القاعدة و لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة كما زعمه كاشف الغطاء قدّس سرّه.

(6) و هو الذي أخذ منه المال، فله المطالبة، لا للمالك الأوّل، لذهاب ملكه بالتلف.

ص: 467

نعم (1) لو قام إجماع [لو لا قام الإجماع] كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه (2) قبله.

[7- احتمال حدوث النماء في ملك المبيع]

و أمّا (3) ما ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي

______________________________

(1) هذا استدراك على قوله: «فظاهر إطلاقهم .. إلخ» و حاصله: أنّ مقتضى إطلاق مملّكية التلف هو كونه مملّكا مطلقا سواء أ كان العوض باقيا أم تالفا، فتلف إحدى العينين مملّك للجانبين. نعم إذا لم يتم هذا الإطلاق، و قلنا باختصاص التملّك بالتلف بتلف كلا العوضين فحينئذ يلاحظ أنّ العوض الآخر تلف قبل تلف المغصوب عند الغاصب أو لا، فعلى الأوّل يكون المطالب من الغاصب هو المباح له، و إلّا فالمطالب هو المالك الأصلي.

هذا بناء على كون العبارة كما في النسخ المتداولة: «نعم لو قام إجماع .. إلخ».

و أمّا بناء على كونها: «لو لا قام الإجماع» كما أنّه حكي كون نسخة المصنف المصحّحة كذلك، فالمراد بها: أنّه لو لا الإجماع على الملكيّة قبل التلف آنا ما كان مقتضى القاعدة اختصاص حق المطالبة من الغاصب بالمالك، لكون العين تالفة في ملكه، إلّا إذا تلفت العين الأخرى قبل تلف المغصوب، فإنّ حق المطالبة حينئذ للمغصوب منه، لأنّه صار مالكا للمغصوب منه بسبب تلف عوضه قبله.

و على كل حال لا تخلو العبارة من سوء التأدية، فتدبّر فيها.

(2) أي: لو لم يتلف عوض المغصوب قبل تلف نفس المغصوب.

7- احتمال حدوث النماء في ملك المبيع

(3) هذا سابع الاستبعادات، و هو ما ذكره الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه حول حكم نماء المأخوذ بالمعاطاة، و كان حاصله: استبعاد كون حدوث النماء مملّكا للأصل.

و حاصل جواب المصنف قدّس سرّه: أنّ هنا احتمالين يندفع الاستبعاد بكل منهما:

الأوّل: أنّ حدوث النماء لا يوجب صيرورة النماء و لا أصله ملكا للآخر، بل كلاهما باق على ملك الدافع، لا القابض، فكما يجوز للدافع الرجوع في العين- ما دامت باقية و لم يتصرف فيها- و استردادها من الطرف الآخر، فكذا يجوز استرداد نمائها، لأنّه حدث في ملكه. و على هذا لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة، لأنّ المحكي عن بعض القائلين بالإباحة تبعية النماء للأصل في عدم الانتقال الى الآخذ.

ص: 468

عن بعض (1) أنّ القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ، بل حكمه حكم أصله (2) [1].

و يحتمل (3) أن يحدث النماء في ملكه (4)

______________________________

الثاني: أنّ حدوث النماء يوجب ملكيّته للآخذ، لأنّ المالك قد أباح التصرف في العين و توابعها، فإباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه، يعني: أنّ كلّا من إباحة الأصل و حدوث النماء- معا- موضوع لحكم الشارع بملكية النماء. و مع التزام القائل بالإباحة بملكية النماء للآخذ لم يبق مجال للإشكال عليه بالاستبعاد و تأسيس قاعدة جديدة.

(1) لا يحضرني القول بعدم الانتقال، كما حكاه المصنف عن بعض. نعم احتمله الشهيد الثاني قدّس سرّه حيث ذكر في المراد بالإباحة وجهين: أحدهما الملك المتزلزل، و الآخر: الإباحة المحضة التي هي الإذن في التصرف، ثم قال: «و على الوجهين يتفرّع النماء، فان قلنا بالأوّل- أي الملك المتزلزل- كان تابعا للانتقال و عدمه. و إن قلنا بالثاني احتمل كونه مباحا لمن هو في يده كالعين، و عدمه» «1». و في الجواهر جزم بتبعية النماء للعين على جميع الأقوال، سواء قلنا بالملك أم بالإباحة، و باللزوم أم بالتزلزل، فلاحظ «2».

(2) و هو الذي جعله في شرح القواعد ظاهر الأكثر، فدخوله في ملك الآخذ يحتاج إلى التصرف الذي تتوقف سببيته للملك على إذن المالك فيه، و قد تقدّم أنّ شمول إذن المالك- في التصرف في ذي النماء- للتصرف في النماء خفيّ كما صرّح به بعض الأساطين.

و الحاصل: أنّ النماء بحكم الأصل في عدم الملكية، فكما لا يكون الأصل ملكا للآخذ فكذلك النماء. نعم يباح له التصرف في النماء كإباحة التصرف في الأصل.

(3) حاصله: أنّ إباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه، فإباحة الأصل و حدوث النماء معا موضوع لحكم الشارع بملكية النماء.

(4) أي: في ملك الآخذ، يعني: بأن يكون حدوث النماء- بضميمة إباحة التصرف في الأصل- مملّكا له.

______________________________

[1] لكن يستشكل فيه بأنّ لازمه جواز الرجوع فيه ما دام باقيا و إن تلف أصله،

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 149.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 233.

ص: 469

بمجرّد الإباحة [1].

______________________________

لاختصاص أدلة مملكية التلف بمملكيته للعين، دون النماء. كما أنّ لازمه عدم جواز تصرف المباح له فيه، لما عرفت من خفاء شمول الاذن للتصرف في الأصل للإذن في النماء سيّما المنفصل.

[1] و ببيان آخر: انّ كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه يتضمّن استبعادين:

أحدهما: ما ذكره في الصدر من مملّكية حدوث النماء.

و ثانيهما: ما أفاده في ذيل كلامه من شمول الإذن المالكي للتصرف في النماء، خصوصا النماء المنفصل، مع عدم الملازمة بين الاذن في الأصل و نمائه.

و جواب المصنف قدّس سرّه- على فرض تسليمه، لكونه مجرّد احتمال لا يغني شيئا- ناظر الى الصدر، دون الذيل و هو خفاء شمول الإذن المالكي للنماء. فكما يشكل أصل مملّكية حدوث النماء، كذلك جواز التصرف فيه استنادا إلى إذن المالك في التصرف في الأصل.

و ما أفاده المصنف- من أنّ القائل بالإباحة لا يلتزم بمملكية حدوث النماء- غير كاف، لأنّ حدوث النماء لو لم يكن مملّكا كان هو ملكا للمبيح لا للمباح له، و لا بد من استناد جواز تصرف المباح له فيه الى أنّ إذن المالك في الأصل إذن في نمائه. و لكن لا مجال لهذا الإذن المالكي هنا، لأنّ مفروض الكلام ترتب الإباحة على المعاطاة تعبدا لا مالكيّا، و مع قصر جواز التصرف على المأخوذ بالمعاطاة لا كاشف عن إباحة التصرف في النماء، لأنّ المسوّغ في التصرف إمّا تمليك، و إمّا إباحة مالكية أو شرعية، و المفروض انتفاء الأوّلين، فينحصر المسوّغ في تحليل التصرفات بحكم الشارع، و لا ريب في أنّ المسلّط عليه نفس العين و نماؤه المتصل التابع له عرفا، و أمّا المنفصل فلا.

و لم يتعرض المصنف قدّس سرّه للجواب عن الإشكال المزبور. و لعلّه لشمول الاذن للنماء، فإنّ الإذن في الأصل- مع عدم منع المالك عن التصرف في النماء مع القدرة عليه و العلم بكون العين منشأ للنماء الواقع تحت يد آخذ العين- ملازم عرفا للإذن في التصرف في توابعها، فلو لم يكن راضيا بالتصرف في النماء لكان عليه التنبيه عليه بالنهي عنه، فيمكن التمسك بالإطلاق المقامي على شمول الإذن للنماء.

فلا يتوجّه عليه ما أفيد من «كون تصرف المباح له في النماء تصرفا في مال غيره بدون

ص: 470

______________________________

إذنه، فهو حرام عقلا و شرعا» «1». و ذلك لكفاية الإطلاق المقامي في تحقق الإذن في التصرف في النماء. و معه لا يكون حراما كما لا يخفى.

و قد أجاب المحقق النائيني قدّس سرّه عن إشكال النماء بما هذا نصّه: «فالحق أن يقال: إنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الخراج بالضمان «2» أن يكون النماء ملكا له- أي للمباح له- بناء على ما سيجي ء في معنى الخبر .. الى ان قال: و حاصله: أنّ كل من تعهد ضمان شي ء بالتضمين المعاملي فمنافعه له، و هذا من غير فرق بين أن يكون التضمين على نحو الإباحة أو التمليك، فإنّ مقتضى إطلاقه كون منافعه للضامن. و معنى كون الشخص ضامنا لما يتملكه أو لما أبيح له هو: أنّه لو تلف كان دركه عليه و صار عوضه المسمّى ملكا للطرف الآخر .. إلخ» «3».

و فيه: ضعف النبوي- سندا و عدم انجباره- كما قيل- بعمل المشهور.

و لا يرد عليه ما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه: «من عدم شمول الحديث لموارد التضمين على نحو الإباحة، لوجهين: أحدهما: أنّ لازم ذلك أن لا يكون للمالك الأصلي حق الرجوع الى النماء، مع عدم كون الأصل ملكا للمباح له، و هو بعيد.

ثانيهما: أنّ لازمه التفكيك بين الأصل و نمائه. و هو غريب» انتهى ملخصا «4».

و ذلك لأنّه بعد فرض دلالة النبوي على ذلك- و اعتباره سندا- لا وجه للإشكالين المذكورين، لأنّه يخصص عموم قاعدة سلطنة المالك على ماله، و عموم دليل تبعية النماء للعين، بل يكون حاكما عليهما.

و الحاصل: أنّ إطلاق «الخراج بالضمان» للتضمين على نحو الإباحة محكّم، و مقتضاه ملكية النماء بسبب ضمان الأصل و لو على نحو الإباحة. و تقييده بالتضمين على نحو التمليك

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 121.

(2) عوالي اللئالي، ج 2، ص 219، الحديث: 89.

(3) منية الطالب، ج 1، ص 58.

(4) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 122.

ص: 471

[المناقشة في سائر وجوه الاستبعاد]

ثم إنّك (1)

______________________________

المناقشة في سائر وجوه الاستبعاد

(1) لمّا لم يتعرض المصنف قدّس سرّه لدفع جميع استبعادات كاشف الغطاء و اقتصر على جملة منها أراد إحالة دفع ما بقي منها على ما أفاده من الأجوبة، و لنذكرها تتميما للكلام:

فمنها: ما أفاده كاشف الغطاء قدّس سرّه في الاستبعاد الخامس في مملكية التلف القهري بقوله: «إن ملك التالف فعجيب، و معه بعيد، لعدم قابليته، و بعده ملك معدوم».

إذ يرد عليه: إمكان اختيار الشق الأوّل و هو تملّك التالف آنا ما قبل التلف، لما عرفت في نظائره من أنّ الملكية الآنيّة وجه جمع بين الأدلة. و عليه يكون التلف كاشفا عن سبق دخول المال في ملك الآخذ آنا ما، كما أنّ تلف المبيع في يد البائع- قبل قبضه من المشتري- كاشف عن انفساخ العقد و عود المال الى ملك البائع آنا ما، و وقوع التلف في ملكه.

و ليس التلف سببا للملك حتى يتجه استعجاب كاشف الغطاء قدّس سرّه.

مضافا إلى: أنّ تعليل استحالة دخول المال في ملك الآخذ بعد التلف بقوله:

«و بعده ملك معدوم» ممنوع، إذ لو تمّ لم يختصّ بما بعد التلف، بل يجري في الدخول مقارنا لآن التلف، لأنّ حال التلف حال العدم، و لا واسطة بين الوجود و العدم.

و منها: ما أفاده كاشف الغطاء قدّس سرّه في الاستبعاد السادس من قوله: «انّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية، فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد».

إذ يرد عليه: أنّه لا مانع من كون التصرف ناقلا قهريا غير متوقف على النيّة، لاقتضاء الجمع بين الأدلة ذلك، و لا بعد فيه.

و منها: ما أفاده في الاستبعاد الثامن بقوله: «قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه الى أنّ إذن المالك فيه إذن في التمليك، فيرجع إلى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا،

______________________________

بلا مقيّد، فإطلاقه محكم.

نعم الاشكال كلّه في ضعف سنده و عدم انجباره، و سيأتي تفصيل الكلام فيه في المقبوض بالعقد الفاسد إن شاء اللّه تعالى.

ص: 472

مما ذكرنا (1) تقدر على التخلّص عن سائر ما ذكره (2).

مع (3) أنّه رحمه اللّه لم يذكرها للاعتماد.

______________________________

و ذلك جار في القبض بل هو أولى منه».

إذ يمكن أن يجاب عن اتحاد الموجب و القابل بأحد وجوه:

الأوّل: أنّ التصرف مملّك، للجمع بين الأدلة، فلا حاجة الى الإيجاب و القبول حتى يلزم اتحاد الموجب و القابل، إذ ليس هنا إذن من الدافع للآخذ في تمليك المال لنفسه حتى يكون الآخذ موجبا و قابلا، كي يتوهم استحالته، لكونهما متقابلين لا يجتمعان في واحد.

الثاني: أنّه لا مانع من اتحاد الموجب و القابل في العقود مع تعددهما اعتبارا كما حقق في محلّه، و ليسا متقابلين حتى يستحيل اجتماعهما في واحد.

الثالث: أنّ اتحاد الموجب و القابل إنّما يترتب على الإذن المالكي في تمليك الآخذ المال لنفسه، و هذا لا مجال له هنا، لأنّ الإباحة تعبدية مستندة الى الإجماع، لا مالكية.

و أمّا قوله في ذيل كلامه: «و ذلك جار في القبض» ففيه: أنّ القبض لا يتوقف على الملك حتى يكون الإذن فيه إذنا فيما يتوقف عليه من جهة اقتضاء الجمع بين الأدلة مملكية القبض حينئذ. و هذا بخلاف الإذن في البيع و الوقف و نحوهما من التصرفات المتوقفة على الملك، فإنّ الإذن فيها إذن في التملك الذي تتوقف عليه تلك التصرفات، و إلّا يلزم لغوية الإذن في البيع و شبهه.

و عليه ففرق واضح بين القبض و البيع، و مجرّد اقتران القبض بقصد التمليك لا يجعله مساويا لتلك التصرفات، فضلا عن أولويته منها.

هذا تمام الكلام في الجواب التفصيلي الحلّي الذي أفاده المصنف عن استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّهما.

(1) يعني: في دفع جملة من استبعادات بعض الأساطين قدّس سرّه.

(2) كالاستبعاد الأخير و جملة مما تضمّنه الاستبعادان الخامس و السادس.

(3) هذه الجملة ناظرة الى جميع الاستبعادات الثمانية التي ذكرها الفقيه

ص: 473

و الانصاف أنّها استبعادات في محلّها (1).

[فذلكة الكلام في المقام الثالث]

و بالجملة (2): فالخروج

______________________________

كاشف الغطاء قدّس سرّه و هو جواب ثان عنها كما أشرنا إليه قبل الشروع في مناقشة كل واحد من الأمور الثمانية. و مقصود المصنف: أنّ الأجوبة المتقدمة لو لم تكن وافية بدفع تلك الاستبعادات لم يقدح بقاؤها على حالها في القول بإفادة المعاطاة للإباحة تعبّدا.

و وجه عدم القدح: أنّ كاشف الغطاء قدّس سرّه لم يذكر هذه الاستبعادات من باب إقامة الدليل على تعيّن إفادة المعاطاة للملك، و إنّما كان مقصوده مجرّد استبعاد القول بالإباحة، فلا بد للقول بالملك من إقامة دليل آخر حتى لو لم يمكن المناقشة في تلك الاستبعادات، و بقيت على حالها.

(1) و ذلك لأنّ غاية ما أفاده المصنف قدّس سرّه في تصحيح القول بالإباحة و التخلّص عن تلك الاستبعادات هو اقتضاء الجمع بين الأدلة للقول بالملك الآنامّائي قبل التصرف أو إرادته أو قبل التلف. مع أنّ مقصود كاشف الغطاء قدّس سرّه من هذه الوجوه إنكار هذا الجمع، للخدشة في تلك الأدلة، فإنّ إجماع السيد ابن زهرة مظنون المدركية بحديث نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع المنابذة و الملامسة، مع أنّه إجماع منقول، و بسقوطه عن الحجية لا يبقى موضوع للجمع المزبور من باب دلالة الاقتضاء، حتى يترتب أثر الملك على غير الملك، أو جعل ما لم يعهد سببيّته للتمليك سببا له كالتلف و التصرف، أو إرادته على التفصيل المتقدم [1].

فذلكة الكلام في المقام الثالث

(2) هذا إلى قوله: «فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة» نتيجة ما فصّله المصنف قدّس سرّه في المقام الثالث المنعقد لتحقيق حكم المعاطاة، من الاستدلال على الملك بوجوه خمسة، ثم المناقشة في

______________________________

[1] و يمكن الإيراد على بعض الأساطين بالالتزام بعدم مملكية المعاطاة إلى الآخر، و مع ذلك نلتزم بترتيب جميع آثار الملكية على المأخوذ بالمعاطاة، و لا يلزم من ذلك إلّا مخالفة قاعدة واحدة، و هي جعل ما ليس بملك بحكم الملك في جميع الآثار، فلا يلزم من القول بالإباحة مخالفة قواعد عديدة و تأسيس قواعد جديدة، فتدبّر.

ص: 474

..........

______________________________

الدلالة الالتزامية الشرعية، و في السيرة، و توجيه الملك الآني، ثم استبعادات كاشف الغطاء المترتبة على قول مشهور القدماء من إفادتها للإباحة، ثم المناقشة فيها، فالمقصود فعلا بيان المختار من الأقوال.

و توضيح ما أفاده قدّس سرّه: أنّ هنا طائفتين من الأدلة تقتضي إحداهما المصير الى مسلك القدماء من الإباحة المحضة، و تقتضي ثانيتهما القول بالملك بنفسه مع الغضّ عن خصوصيّة الجواز و اللزوم.

أما الطائفة الأولى فهي ثلاثة وجوه:

الأوّل: استصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع، و عدم مملوكيته للآخذ.

الثاني: الشهرة الفتوائية القدمائية على إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن الملك، كما طفحت به كلماتهم المتقدمة في المقام الثاني.

الثالث: الإجماع المدّعى في الخلاف و الغنية على عدم تأثير المعاطاة في الملك، بل تؤثّر في الإباحة.

و المهمّ من هذه الأدلة هو الاستصحاب، إذ لا دليل على اعتبار الشهرة الفتوائية و الإجماع المنقول، فهما يصلحان لتأييد المطلب، و معاضدة الاستصحاب الذي هو دليل معتمد على القول بالإباحة، لو لم يكن هناك دليل حاكم عليه.

و أما الطائفة الثانية فهي ثلاثة وجوه أيضا.

الأوّل: عمومات حلّ البيع و التجارة عن تراض، و إطلاقات بعض العقود كالهبة و الإجارة الشاملة للعقود القولية و الفعلية على حدّ سواء.

الثاني: السيرة العقلائية القطعيّة على ترتيب آثار الملك على المأخوذ بالمعاطاة.

الثالث: الإجماع المدّعى في جامع المقاصد و تعليق الإرشاد على إفادة المعاطاة للملك، بناء على حمل كلمات القائلين بالإباحة على الملك المتزلزل. فإن تمّ هذا التوجيه فهو، و إلّا كان الدليل على الملك أمرين: العمومات و السيرة.

ص: 475

عن أصالة (1) عدم الملك المعتضدة بالشهرة (2) المحقّقة إلى زمان المحقّق الثاني، و بالاتفاق (3).

______________________________

و العمدة من هذه الثلاثة عمومات البيع و العقود، و جعل المصنف قدّس سرّه السيرة و إجماع المحقق الكركي قدّس سرّه مؤيّدين للعمومات.

أمّا السيرة فلإمكان الخدشة فيها بعدم إحراز الإمضاء، و أنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.

و أمّا الإجماع فيمكن منعه بوجهين:

أحدهما: منع تحقق هذا الاتفاق، بعد صراحة كلمات القدماء في الإباحة، الآبية عن الحمل على الملك المتزلزل.

و ثانيهما: كونه- يعد تسليمه- محتمل المدركية، لاحتمال استناد المجمعين إلى السيرة و العمومات، فيكون العبرة بالمستند لا بالاتفاق.

و حيث اتّضح أنّ عمدة الدليل على الإباحة هو الاستصحاب، و عمدة الدليل على الملك هو العمومات، تعيّن الأخذ بالثاني، لعدم صلاحية الأصل العملي للمعارضة مع الدليل الاجتهادي حتى تصل النوبة إلى الترجيح أو التساقط، لما تقرّر في الأصول من تقدم الدليل على الأصل العملي بالحكومة كما عليه المصنف، أو بالورود كما عليه المحقق الخراساني.

و نتيجة البحث: أنّ المختار كون المعاطاة مؤثّرة في الملك، لا في الإباحة.

(1) هذا الأصل عمدة وجوه القول بالإباحة.

(2) هذه هي المؤيّدة الاولى لاستصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع.

و تقييد الشهرة بزمان المحقق الثاني للتنبيه على انقطاع شهرة القدماء على الإباحة، و حدوث شهرة اخرى على الملك المتزلزل.

(3) هذا هو المؤيّد الثاني للاستصحاب المزبور. و قد تقدم كلام السيد في الغنية و الشهيد في القواعد عند نقل الأقوال في المقام الثاني، و الفرق بينهما صراحة كلام السيد في الإجماع، و ظهور «عندنا» فيه في قواعد الشهيد.

ص: 476

المدّعى في الغنية و القواعد هنا (1)، و في (2) المسالك في مسألة توقف الهبة على الإيجاب و القبول مشكل (3). و رفع (4) اليد عن عموم أدلة البيع و الهبة و نحوهما (5) المعتضدة (6) بالسيرة (7) القطعية المستمرة (8)،

______________________________

(1) أي: في حكم المعاطاة في خصوص البيع، و غرضه من التقييد ب «هنا» التنبيه على إجماع المسالك في عقد الهبة.

(2) حيث قال فيه: «و ظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا إلى العقد القولي في الجملة، فعلى هذا، ما يقع بين الناس على وجه الهديّة من غير لفظ يدلّ على إيجابها و قبولها لا يفيد الملك، بل مجرّد الإباحة» «1». بناء على اتحاد حكم البيع و الهبة في توقفهما على الصيغة و عدمه.

(3) خبر «فالخروج» و وجه الإشكال: أنّ الاستصحاب حجة شرعية، و إطلاقه يقتضي الحكم ببقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع. هذا كلّه في دليل القول بالإباحة.

(4) معطوف على «فالخروج» و غرضه بيان وجوه القول بالملك.

(5) كالإجارة. و هذه العمومات هي العمدة في القول بالملك.

(6) نعت ل «أدلة».

(7) هذه هي المعاضدة الاولى للعمومات، حيث إنّ بناء العقلاء على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.

(8) إلى عصر المعصومين عليهم السّلام، و ليست من السير المستحدثة حتى يشك في إمضائها.

و لا بدّ أن يكون مقصود المصنف قدّس سرّه من السيرة هنا ما يعمّ سيرة العقلاء و المتشرعة حتى تكون حجة في نفسها، إذ لو كانت السيرة عقلائية لا متشرعية كانت مخدوشة بما تقدم عنه من أنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.

و أما سيرة المتشرعة فلا سبيل لهذه الخدشة فيها، لأنّ بناء المتشرعة- بما هم متدينون- على أمر يكشف عن تلقّيه من الشارع و رضاه به.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 5، ص 10.

ص: 477

و بدعوى (1) الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني- بناء (2) على تأويله لكلمات القائلين بالإباحة- أشكل (3) [1].

فالقول الثاني (4) لا يخلو عن قوّة.

[المعاطاة تفيد الملك اللازم أو الجائز]
اشارة

و عليه (5) فهل هي لازمة ابتداء

______________________________

(1) معطوف على «بالسيرة» و هذا هو المؤيّد الثاني للقول بالملك.

(2) قيد ل «بدعوى الاتفاق» يعني: لو تمّ تأويل كلمات القدماء بالملك المتزلزل فهو، و إلّا لم يكن إجماع المحقق الثاني على الملك ثابتا، لفرض تصريح القدماء بالإباحة، فأين الإجماع على الملك؟

(3) خبر «و رفع» و وجه أشدية الإشكال- في رفع اليد عن العمومات- ما تقدّم من أنّها دليل اجتهادي حاكم على الأصل العملي.

فإن قلت: بناء على الحكومة لا إشكال في الخروج عن استصحاب بقاء الملك حتى يكون رفع اليد عن العمومات أشدّ إشكالا، لفرض ارتفاع موضوع الأصل العملي ببركة الدليل الاجتهادي.

قلت: نعم، لكن المصنف قدّس سرّه متحرّز عن مخالفة المشهور، فلذلك لم يكن عدم الاعتناء بالقول بالإباحة هيّنا، و إنّما التزم بالملك لأجل الحجة الشرعية و هي العمومات.

(4) هذه نتيجة المباحث المتقدمة في حكم المعاطاة، و أنّه يتعيّن الأخذ بالعمومات المقتضية لنفوذ المعاطاة و تأثيرها في الملكية بعد صدق البيع و التجارة و العقد عليها عرفا، على ما مرّ مفصّلا.

المعاطاة تفيد الملك اللازم أو الجائز

(5) أي: و على القول الثاني- و هو إفادة الملك- فهل هي لازمة؟ يعني: بعد إحراز تأثير المعاطاة في الملك، و بطلان سائر الأقوال تصل النوبة إلى البحث عن أنّ الملك المترتب عليها

______________________________

[1] الصواب أن يقال: «أشد إشكالا» لأنّه لا يجي ء صيغة التفضيل من الأفعال المزيدة كما لا يخفى.

ص: 478

مطلقا (1) كما حكي عن ظاهر المفيد رحمه اللّه، أو (2) بشرط كون الدال على التراضي لفظا، كما حكي عن بعض معاصري الشهيد الثاني، و قوّاه جماعة من متأخري المحدثين، أو (3) هي غير لازمة مطلقا، فيجوز (4) لكل منهما الرجوع في ماله، كما عليه أكثر القائلين بالملك (5)، بل كلّهم عدا من عرفت (6)؟

______________________________

لازم كما في البيع بالصيغة، أم متزلزل يجوز لكل منهما الرجوع؟ في المسألة أقوال ثلاثة:

أوّلها: إفادة المعاطاة للملك اللازم سواء أ كان الدال على التراضي لفظا أم كتابة أم إشارة أم غيرها. و هذا منسوب الى الشيخ المفيد قدّس سرّه من أنّها كالبيع القولي في اللزوم، و لا جواز إلّا من ناحية الخيار.

ثانيها: إفادتها للملك اللازم، بشرط كون الدال على التراضي لفظا، حكاه الشهيد الثاني عن بعض مشايخه. و وافقه جمع، و قد تقدّمت كلمات بعضهم في المقام الثاني عند بيان الأقوال.

ثالثها: إفادتها للملك الجائز دون اللازم، سواء أ كان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ، و يتوقف اللزوم على طروء أحد الملزمات، و هو منسوب إلى أكثر القائلين بالملك من عصر المحقق الثاني قدّس سرّه.

و اختار المصنف قدّس سرّه القول الأوّل، و استدل عليه بوجوه ثمانية كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: سواء كان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ.

(2) هذا هو القول الثاني الذي أبداه بعض معاصري الشهيد الثاني قدّس سرّهما.

(3) هذا هو القول الثالث الذي نسبه المصنف قدّس سرّه الى أكثر القائلين بالملك.

(4) هذا متفرع على تأثير المعاطاة في الملك الجائز، كسائر العقود الجائزة كالهبة في جواز الرجوع في العين ما دامت باقية.

(5) حيث إنّ لزوم العقد موقوف على إنشائه باللفظ.

(6) من المحقق الأردبيلي و جمع من علماء البحرين الّذين اعتبروا دلالة اللفظ على

ص: 479

[أدلة القول باللزوم]
[الدليل الأول: استصحاب الملك الحادث بالمعاطاة]

وجوه (1) أوفقها بالقواعد هو الأوّل (2) بناء على أصالة اللزوم (3) في الملك [1]

______________________________

التراضي في اللزوم، و إن لم تعتبر صيغة خاصة عندهم.

(1) مبتدأ مؤخّر لخبر محذوف، فكأنّه قيل: «فيه وجوه ثلاثة».

(2) و هو اللزوم من أوّل الأمر و إن لم يكن الدال على التراضي لفظا.

أدلة القول باللزوم الدليل الأول: استصحاب الملك الحادث بالمعاطاة

(3) المراد بهذا الأصل ما يعمّ اللفظي و العملي، لأنّه قدّس سرّه استدلّ على اللزوم بالاستصحاب، ثم بالأدلة اللفظية الاجتهادية، و عليه فقوله بعده: «للشك في زواله» ليس قرينة على إرادة خصوص الأصل العملي، بعد صراحة قوله بعد الفراغ من الاستصحاب:

«و يدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر عموم .. إلخ».

______________________________

[1] ثم إنّه ينبغي التعرض لأمور قبل الخوض في أدلة اللزوم.

منها: أن الغرض من البحث عن أصالة اللزوم و إن كان إثبات لزوم الملك بالمعاطاة كالبيع بالصيغة، و عدم تأثير رجوع أحدهما فيما دفعه الى الآخر، إلّا أنّ الأدلة المذكورة في المتن مختلفة المفاد، فبعضها يختص بالبيع كروايات خيار المجلس. و بعضها يثبت لزوم الملك سواء أنشئ بالبيع أم بغيره من العقود المملّكة كالهبة و الصلح، و ذلك كالاستصحاب، و عدّة من الأدلّة الاجتهادية كآية التجارة عن تراض و حديثي الحلّ و السلطنة. و بعضها يفيد لزوم كل عقد شكّ في لزومه و جوازه كآية الوفاء بالعقود، و حديث «المؤمنون عند شروطهم» كما لو أحرز زوجية امرأة، و شكّ في دوامها و انقطاعها، فإنّه ينبغي البناء على الدوام.

و منها: أن مصبّ البحث عن أصالة اللزوم في الملك أو فيه و في غيره هو العقود

ص: 480

______________________________

العهدية، لخروج العقود الإذنية كالوكالة و العارية- على قول- عن حريم النزاع، لتقومها بالإذن المالكي، فيجوز الرجوع فيها قطعا.

و لا فرق في العقود العهدية بين التنجيزية منها كالبيع و الإجارة و الهبة و الصلح، و التعليقية كالسبق و الرماية، لشمول الأدلة الاجتهادية الآتية لكلا القسمين، بل و كذا الاستصحاب بناء على جريانه في الأحكام التعليقية كما يراه المصنف قدّس سرّه.

و لم يظهر وجه لتخصيص مجرى الأصل بالعقود العهدية، إذ لا فرق بين استصحاب حرمة العصير العنبي على تقدير الغليان، و بين استصحاب ملكيّة الرّامي على تقدير إصابة النصل مثلا.

إلّا أن يقال: إنّ الملكية ليست عنده حكما وضعيا مجعولا. بل هي متنزعة من التكليف، و هو كما ترى.

كما أنّه بناء على إنكار الاستصحاب التعليقي- كما ذهب إليه المحقق النائيني قدّس سرّه- لا وجه للقول باستصحاب الملك في مثل عقد السبق.

و منها: أنّ أصالة اللزوم تجري تارة في الشبهة الحكمية كالشك في لزوم المعاطاة، و جريانها فيها منوط بحجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية. و اخرى في الشبهة الموضوعية كما صرّح به المصنف في آخر استدلاله بالاستصحاب، كما إذا تنازع المتعاقدان فادّعى أحدهما أنّ المنشأ هبة حتى يجوز له الرجوع، و الآخر أنّه صلح حتى يكون لازما، فإنّه لا مانع من إثبات لزومه باستصحاب بقاء الملك.

نعم بناء على عدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية يعوّل فيها على الأصل اللفظي المستفاد من عمومات الكتاب و السّنة، بل هي المعتمد أيضا في الشبهات الموضوعية، لعدم وصول النوبة إلى الاستصحاب مع وفاء الأدلة الاجتهادية بإثبات لزوم العقد سواء في الشبهات الحكمية و الموضوعية.

ص: 481

للشك (1) في زواله بمجرّد رجوع مالكه الأصلي (2) [1].

______________________________

(1) استدل المصنف قدّس سرّه على أصالة اللزوم بأدلة ثمانية كما يظهر من عدّها هنا، و صرّح به في أوّل التنبيه السادس بقوله: «اعلم أن الأصل على القول بالملك اللزوم، لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة» و الدليل الأوّل هو الاستصحاب، و قد أجراه تارة في شخص الملك الحادث بالمعاطاة، و اخرى في الملك الجامع بين الجائز و اللازم، و ثالثة في الملك مع تردده بين الشخصي و الكلّي، فهنا تقاريب ثلاثة ينبغي بيانها تبعا لتعرض الماتن لها.

الأوّل: ما أفاده بقوله: «للشك في زواله ..» و هو استصحاب بقاء شخص الملك- الحادث بالمعاطاة- بعد الرجوع، حيث يشكّ في ارتفاعه بسبب رجوع مالكه الأوّل، و هو الدافع للمال إلى المتعاطي الآخر، فيستصحب بقاء ملك الآخذ، لكونه من موارد الشك في رافعية الموجود، الذي لا ينبغي الارتياب في حجية الاستصحاب فيه، كحجيّته في الشك في وجود الرافع. فهو نظير العلم بدخول زيد في الدار و الشك في موته بفجأة أو صاعقة أو انهدام سقف عليه أو غيرها، فتستصحب حياته و تترتب عليها الأحكام الشرعية المترتبة عليها من حرمة تقسيم أمواله و وجوب الإنفاق و غيرهما.

(2) المراد به كل من المتعاطيين، لأنّ كل واحد منهما ملّك الآخر ماله بالمعاطاة، و يشك في انفساخها برجوع أحدهما، فيستصحب بقاء الملك الحادث بالمعاطاة، و عدم تأثير الرجوع في عود ملكيّتهما كما كان قبل المعاطاة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه لا فرق في جريان الاستصحاب في الملك بين كون الملكية من أوصاف المال و بين كونها حكما شرعيا، و ذلك لأنّ الأحكام الشرعية من الأمور الاعتبارية التي لها في حدّ ذاتها ثبات و دوام ما لم يرفعها رافع، و من المعلوم أنّ الملكية أيضا من الاعتباريات التي تقتضي بالطبع البقاء و الاستمرار، فإذا حدثت يحكم ببقائها إلى أن يرفعها رافع، فما في حاشية السيد الاشكوري رحمه اللّه من «أن الملكية إذا كانت حكما شرعيا لا يجري فيها الاستصحاب، لكون الشك في المقتضي» محل تأمل، بل منع بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية.

ص: 482

و دعوى (1)

______________________________

(1) هذا إشكال على استصحاب بقاء شخص الملك- لأجل إثبات لزوم المعاطاة- و منشأ الاشكال وجهان:

أحدهما: اختلال بعض أركان الاستصحاب.

و الآخر: وجود أصل حاكم عليه حتى لو فرض اجتماع أركانه.

أمّا الوجه الأوّل، فتوضيحه: أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب تعلّق اليقين و الشك بشي ء واحد ذاتا مع تعدده زمانا، بحيث تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة، كالقطع بعدالة زيد يوم الجمعة، و الشك في بقائها يوم السبت، فإنّ متعلّق اليقين و الشك- و هو العدالة- واحد ذاتا و متعدد زمانا.

و ليس المقام كذلك، لأنّ متعلّق اليقين هو القدر المشترك بين الفردين أعني به الملك اللازم و الجائز، و متعلّق الشك هو الفرد المعيّن و هو اللازم، إذ الحادث على تقدير كونه الفرد الآخر- و هو الملك الجائز- قد علم ارتفاعه بالرجوع، فالشك في بقاء المستصحب يستند إلى الشك في حدوث الفرد اللازم، فيصح أن يقال: اليقين و الشك لم يتواردا على مورد واحد حتى يجري فيه الاستصحاب، لتعلّق اليقين بالقدر المشترك، و تعلق الشك بحدوث الفرد المعيّن، و مع اختلاف المتعلّق لا يجري الاستصحاب، لعدم موضوع له حقيقة مع الاختلاف المزبور.

و هذا نظير اختلاف شهادة البينة في تعيين المشهود به و ترديده، كما إذا شهد أحد العدلين بنجاسة أحد الكأسين مردّدا، و الآخر بنجاسة أحدهما المعيّن، فلا يثبت النجاسة حينئذ بشهادتهما، لاختلاف المشهود به، فيبني على طهارتهما، إمّا لقاعدتها، و إمّا لاستصحابها.

و على هذا فجهة الإشكال هي تعدّد متعلقي اليقين و الشك، لتعلق اليقين بالكلي، و تعلق الشك بحدوث الفرد الطويل، فلا يجري استصحاب الشخص.

و أمّا الوجه الثاني، فتقريبه: أنّ استصحاب الملكيّة و إن كان واجدا للشرائط من اجتماع أركانه من اليقين و الشك، إلّا أنّ هنا أصلا حاكما عليه يمنع عن جريان استصحاب الملك،

ص: 483

أنّ الثابت (1) هو الملك المشترك بين المتزلزل و المستقرّ، و المفروض انتفاء الفرد الأوّل بعد الرجوع (2)، و الفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أوّل الأمر (3) فلا ينفع (4) الاستصحاب- بل (5) ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك- مدفوعة (6)

______________________________

و ذلك لأنّ الشك في بقاء الملك بعد رجوع المالك الأوّل ناش من انقطاع علقته بالمرّة بسبب البيع المعاطاتي، و بقاء شي ء من تلك العلقة التي أثرها جواز الرجوع، فإذا استصحبنا بقاء العلقة لم يبق لاستصحاب ملكية المالك الثاني مجال. هذا توضيح الوجهين و سيأتي الجواب عنهما.

(1) يعني: أنّ المعلوم سابقا هو كلّي الملك المشترك بين المتزلزل و المستقرّ، و ليس المعلوم هو خصوصية اللزوم، فلا يكون المستصحب شخصيّا، بل يكون كلّيّا.

(2) إذ لو كان المعلوم الملك المتخصّص بخصوصية الجواز فقد ارتفع قطعا بالرجوع.

(3) يعني: فيجري فيه استصحاب العدم، فينتفي بذلك القدر المشترك، لأنّه لو كان باقيا فهو لأجل حدوث الفرد الطويل كاللزوم في المقام، و المفروض أنّه محكوم بالعدم بمقتضى الأصل.

(4) بل لا يجري استصحاب الفرد، لعدم العلم بحدوث الخصوصية- أي اللزوم- حتى يشك في بقائها، فيجري فيها الاستصحاب، بل العلم تعلّق بالجامع، و الشك تعلّق بحدوث الفرد الطويل، و مع مغايرة متعلّقي اليقين و الشك لا يجري الاستصحاب.

(5) هذا إشارة إلى ثاني وجهي الإشكال في استصحاب شخص الملكية الحادثة بالمعاطاة، و محصله: عدم جريانه، لوجود الأصل الحاكم.

(6) خبر قوله: «و دعوى» و هذا دفع الاشكال، و ليعلم أنّ المصنف قدّس سرّه اقتصر هنا على دفع الإشكال الأوّل، و لم يتعرض لدفع الإشكال الثاني- و لعلّه اتكالا على وضوح وهنه- و إنّما أجاب عنه في أوّل الخيارات كما تقف عليه في التعليقة [1]، فالأولى الاقتصار هنا على

______________________________

[1] محصل ما أفاده في أوّل الخيارات هو: أنّ المستصحب إمّا علقة الملكية، و إمّا السلطنة على إعادة العين في ملكه، و إمّا العلاقة التي كانت بين المالك و عينه في مجلس البيع.

ص: 484

..........

______________________________

ما أفاده من دفع الإشكال الأوّل، فنقول: قد دفعه بوجهين:

أحدهما: أنه لو سلّم كون المستصحب هو الجامع بين الملك المتزلزل و المستقر أمكن إجراء الاستصحاب فيه بناء على ما تقرّر في الأصول من حجية القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي.

و ثانيهما: أنّ المستصحب في المقام هو شخص الملكية الحادثة بالمعاطاة، و ليس كلّيا أصلا، و قد برهن عليه بما سيأتي توضيحه.

______________________________

و لا مجال لاستصحاب شي ء منها.

أمّا الملكية فللقطع بارتفاعها و انقطاعها بالمعاطاة حسب الفرض من إفادتها الملك، لا الإباحة المحضة. فالعين بجميع شؤونها صارت ملكا للغير، و لم تبق الملكية السابقة على التعاطي. و لو بقيت لزم اجتماع ملكيتين على مملوك واحد، و هو محال عقلي أو عقلائي.

و أمّا السلطنة على استرداد العين فهي لم تكن مجعولة للمالك حتى تستصحب، و إنّما هي سلطنة حادثة بعد زوال الملك، لدلالة دليل كما في الخيار، فإن دلّ دليل على ثبوتها فهو، و إلّا فالأصل عدمها. و ليست هذه السلطنة من شؤون سلطنة المالك على ماله حتى تستصحب، لأنّ موضوع هذه هو المال المنتقل الى الغير، فما لم ينتقل الى الغير لا مجال لجعل سلطنة الاسترداد للمالك الأوّل.

و أمّا العلقة المتحققة في مجلس العقد ففيها أوّلا: اختصاصها بما ثبت فيه الخيار في المجلس.

و ثانيا: أنّه لو شك في ثبوتها كان المرجع عموم وجوب الوفاء بالعقود القاضي بلزوم العقد، و لا مجال للاستصحاب.

و ثالثا: أنّه لا معنى للشك المزبور مع دلالة النص على انتفاء الخيار مع الافتراق.

و عليه يبقى استصحاب الملك الحاصل بالعقد سليما عن الاشكال.

ص: 485

- مضافا (1) إلى إمكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب،

______________________________

أمّا الوجه الأوّل فتقريبه: أنّا نلتزم بكون المستصحب هنا كلّيا، لا شخصيا، و لكن لا يسقط الاستصحاب عن الاعتبار، لما تقرّر في علم الأصول من شمول أدلة حجيته- كقوله عليه الصلاة و السلام: «لا تنقض اليقين بالشك»- لما إذا كان المتيقن شخصيا و كلّيا، كما إذا علم بحدث مردّد بين الأكبر و الأصغر، أو بنجاسة مرددة بين البول و الدم، فإنّه بعد الإتيان برافع الحدث الأصغر كالوضوء، و بغسل المحل مرّة يشكّ في بقاء الحدث و النجاسة، فيستصحب كلّي الحدث و النجاسة، و هذا هو ثاني أقسام استصحاب الكلي الذي حقيقته العلم بوجود الكلي في ضمن أحد فردين: أحدهما معلوم الارتفاع، و الآخر محتمل الحدوث.

و المقام من هذا القبيل، فإنّه و إن لم يعلم بحدوث إحدى الخصوصيتين بالمعاطاة- من جواز الملك و لزومه- حتى تستصحب، لكنه لا مانع من استصحاب الجامع بينهما بعد كون الأثر مترتبا عليه، لا على الخصوصية.

و عليه فملخص هذا الجواب هو: كفاية استصحاب كلّي الملك في إثبات المقصود، و هو لزوم المعاطاة، و عدم الحاجة الى استصحاب الفرد- أي اللزوم- حتى يقال: إنّه مشكوك الحدوث، فلا يجري فيه الاستصحاب. لكن أركان الاستصحاب في القدر المشترك مجتمعة، لليقين بحدوث الملكية بالمعاطاة و الشك في ارتفاعها برجوع أحد المتعاطيين، و منشأ الشك في بقاء القدر المشترك هو تردّد الحادث بين مقطوع البقاء و الارتفاع.

هذا توضيح الجواب الأوّل. و أمّا الجواب الثاني فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) الترتيب الطبعي يقتضي تقديم الجواب الثاني على هذا الجواب، لأنّه قدّس سرّه جعل المستصحب شخصيا، و مقصوده من الجواب الذّب عنه، و أجنبية الملك عن القدر المشترك، لكونه حقيقة واحدة، و لو سلّم كونه كلّيا لم تمنع كلّيته عن جريان الاستصحاب فيه، لما ثبت في الأصول من حجيته في القسم الثاني، بل و بعض أقسام القسم الثالث.

ص: 486

فتأمّل (1)-

______________________________

(1) يمكن أنّ يكون إشارة إلى وجوه:

منها: عدم كفاية استصحاب القدر المشترك في إثبات اللزوم، لأنّ الشك في بقائه مسبّب عن الشك في حدوث الفرد الطويل، و الأصل عدمه، فلا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب في القدر المشترك، لكون الشك فيه مسبّبا عن الشك في حدوث الفرد الطويل، و الأصل الجاري في الشك السببي حاكم على الأصل الجاري في الشك المسببي، هذا.

ففي المقام يتسبّب الشك في بقاء الملك و ارتفاعه- بعد الرجوع- عن الشك في حدوث ملك لازم بالمعاطاة، و يستصحب عدم حدوثه، لكون هذا العدم متيقنا قبل التعاطي، و يترتب على إحراز عدم حدوث الملك اللازم ارتفاع الملك بالرجوع، و ينتفي الشكّ تعبدا في بقاء القدر المشترك بين الملك اللازم و الجائز.

لكن المصنف أجاب عنه في رسالة الاستصحاب «بأنّ ارتفاع القدر المشترك من آثار كون الحادث ذلك المقطوع الارتفاع، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر. نعم اللازم من عدم حدوثه عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني، لا ارتفاع المشترك بين الأمرين، و بينهما فرق واضح» [1].

______________________________

[1] لكن أورد عليه السيد قدّس سرّه بأن المناط في جريان الأصل ترتب الأثر على المستصحب، و من المعلوم أنّ الحكم بمانعيّة النجاسة مثلا مترتب على وجود القدر المشترك بين قذارة البول و الدم، لا على بقائه الذي هو الوجود بعد الوجود، و لا على حدوثه الذي هو الوجود بعد العدم، و موضوع الأثر الشرعي في المقام هو وجود الملك بعد رجوع أحد المتعاطيين، و من المعلوم أنّ وجوده من لوازم وجود الفرد الطويل، كما أنّ عدمه من لوازم عدمه، و يترتب على استصحاب عدم الفرد الطويل عدم القدر المشترك بين الفردين.

و عليه فأصالة عدم الفرد الطويل حاكمة على أصالة وجود الكلي، لتسبّب الشك فيه عن الشك في وجود ذلك الفرد من أوّل الأمر. قال قدّس سرّه: «فالشك في وجوده بعد حدوث ما يزيل أحد الفردين- على تقديره- ناش عن الشك في وجود الفرد الآخر من الأوّل و عدمه،

ص: 487

..........

______________________________

و منها: أنّ الشك ليس في المقتضي حتى لا يجري فيه الاستصحاب على مبنى المصنف، بل في رافعيّة الموجود و هو الرجوع، حيث إنّ الملكية من الأمور الاعتبارية التي لها في حدّ ذاتها اقتضاء الدوام و الاستمرار، فليست الملكية الجائزة كالنكاح المنقطع الذي لا استمرار فيه، بل يرتفع بنفس مضيّ زمانه و أمده. و هذا بخلاف الملك، فإنّ زواله منوط بطروء زماني كرجوع المالك الأصلي، فلا يكون الشك في الملكية شكّا في المقتضي، بل من الشك في وجود الرافع و رافعيّة الموجود.

فيندفع بهذا البيان ما في حاشية المحقق الخراساني قدّس سرّه من «عدم كفاية استصحاب القدر المشترك، لكونه من الشك في المقتضي الذي لا يكون الاستصحاب حجّة فيه» «1».

و وجه الاندفاع ظاهر مما ذكرنا.

و منها: أنّ المقصود من استصحاب القدر المشترك هو عدم تأثير الرجوع في زوال الملكية، و ليس هو من آثار القدر المشترك بين الملك اللازم و الجائز، بل من آثار خصوص الأوّل، فلا تصح دعوى كفاية تحقق القدر المشترك.

و محصل دفعه منع كون المقصود ذلك، بل المقصود من استصحاب القدر المشترك إثبات صرف الملك، و عدم تأثير الرجوع في زواله لازم عقلي له، و لا ضير فيه بعد كون المستصحب حكما شرعيا، كوجوب الإطاعة عقلا المترتب على الوجوب و الحرمة الثابتين شرعا بالاستصحاب.

______________________________

و إذا كان الأصل عدمه فلا يبقى بعد ذلك شكّ في الوجود، بل ينبغي أن يبنى على العدم» «2».

و ما أفاده- من موضوعية نفس الوجود للأثر الشرعي دون خصوصية الحدوث و البقاء- و إن كان متينا، إلّا أنّ في استصحاب الكلي يكون أصل حدوثه متيقنا، و إنّما يتمحض

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 13.

(2) حاشية المكاسب، ص 73.

ص: 488

______________________________

الشك في ناحية استمرار وجوده المعبّر عنه بالبقاء، و الإهمال في المتيقن و المشكوك غير معقول. و عليه يتجه كلام الشيخ هنا من أنّ بقاء الكلّي- بعد طروء مزيل أحد الفردين- من لوازم كون الحادث الفرد الطويل، و ارتفاعه أثر وجوده بوجود الفرد القصير، و لا أصل يحرز به خصوصية الحادث. فيجري في الكلي بلا مانع.

هذا مضافا الى: ما في تعبيره بعلّية وجود الفرد لوجود الكلي و عدمه لعدمه من المسامحة، لاقتضاء العلّية و السببية للاثنينية و التعدد، مع أنّه لا اثنينية بين الكلي الطبيعي و مصداقه، فزيد هو الإنسان، لا أنّ وجود النوع معلول وجود الفرد، كالإحراق المسبب عن وجود النار.

و إلى: أنّ الشك في بقاء الكلي و ارتفاعه لم يتسبب عن الشك في حدوث الفرد حتى تتجه حكومة أصالة عدم حدوث الفرد الطويل على أصالة بقاء الجامع، بل يتسبب عن الشك في بقاء الفرد الحادث و ارتفاعه. هذا مع الغض عن اعتبار التسبب الشرعي في حكومة الأصل السببي على المسببي.

و منها: ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه من منع صغروية المقام لاستصحاب الكلي، و بيانه: أنّه يعتبر في جريان استصحاب الكلي تنوّعه بنوعين أو أكثر مع الغضّ عن تعبد الشارع بالبقاء، كالحدث المردّد بين الأصغر و الأكبر، و الحيوان المردّد بين طويل العمر و قصيره، فيجري استصحاب القدر المشترك عند اليقين بنقض عدمه المحمولي بوجوده كذلك و الشك في بقائه، فيتعبد ببقاء ما يكون له في حد ذاته استعداد البقاء.

و هذا بخلاف المقام، فإنّ تنوّع الملكية بنوعي الجواز و اللزوم يستند إلى حكم الشارع ببقاء العلقة بعد الفسخ و الرجوع تارة، و بزوالها أخرى. و لا حقيقة لهاتين الحصّتين مع الغض عن التعبد الشرعي كما كان الأمر في الحدث و الحيوان و نحوهما من الطبائع ذوات الأنواع.

و بعبارة أخرى: الحكم ببقاء الملكية و ارتفاعها مأخوذ في عقد الحمل، لا الوضع، مع أنّ المعتبر في استصحاب القسم الثاني كون الموضوع بنفسه قدرا مشتركا بين نوعين، سواء

ص: 489

______________________________

حكم عليه بالبقاء و الارتفاع أم لا.

ثم قال مقرّر بحثه الشريف: «و إلى هذه الدقيقة أشار بقوله: فتأمل» «1».

و يظهر من موضع آخر من كلامه: أنّ جهة الإشكال في استصحاب الملكية هنا هي: أنّه يعتبر في استصحاب الكلي موضوعيته بنفسه للأثر غير ما يترتّب على الخصوصية، فلو أريد ترتيب أثرها على استصحاب الجامع لم يجر لأجل الإثبات «2».

أقول: ما أفاده «قدس اللّه نفسه الزكية» من ضابط جريان الاستصحاب في القدر المشترك ممّا لا غبار عليه، فيعتبر وجود الطبيعة المتنوعة- بنفسها- بنوعين أو أكثر، مع قطع النظر عن حكم الشرع و العقلاء، و يعتبر أن يكون لها أثر غير أثر الفرد.

لكن الكلام كله في أنّ اللزوم و الجواز هل هما نوعان من الملك أم حكمان مترتّبان على موضوع بسيط، و هما خارجان عن حريمه حقيقة؟ و كلماته قدّس سرّه هنا لا تخلو من تشويش فقد صرّح تارة «بأنّ اللزوم و الجواز نوعان من الملك متباينان بتمام هويّتهما» و أخرى بأنّ الملك يتنوّع بالحكم، حيث قال: «فإنّ تنوعه بنوعين ليس باختلاف السبب المملّك و لا باختلاف حقيقته و ماهيته من غير جهة أنّ أحدهما يرتفع بالفسخ، و الآخر لا يرتفع».

فبناء على كلامه الأوّل ينهدم أصل الإشكال في استصحاب جامع الملك، و ذلك لكون الملكية كالحيوان و الحدث في أنّ لكلّ منهما نوعين متباينين، و إن كان في الجمع بين النوعين و «التباين بتمام الهوية» مسامحة، إذ ليست الأنواع متباينة بتمام الهوية للمتنوّع، كما لا يخفى.

و بناء على كلامه الآخر يتجه الاشكال لو تمّ في نفسه، إذ لو كان اللزوم و الجواز مأخوذين شرعا في عقد الحمل تعيّن أن يكون الموضوع ذات الملك، و حينئذ يستحيل تنوّعه بلحاظ حكمه، و ذلك لأمرين مسلّمين:

أحدهما: تأخر كل حكم عن موضوعه رتبة تأخر المعلول عن علته.

______________________________

(1): المكاسب و البيع، ج 1، ص 172 و 173.

(2) المصدر، ص 167.

ص: 490

بأنّ (1) انقسام الملك الى المتزلزل و المستقرّ ليس باعتبار اختلاف في حقيقته، و إنما

______________________________

(1) هذا هو الجواب الثاني من وجهي دفع الاشكال، و حاصله: منع انقسام الملك الى قسمين و تنوّعه بنوعين حتى يكون كل من المتزلزل و المستقر فردا لطبيعة الملك كي يجري الاستصحاب في تلك الطبيعة التي هي القدر المشترك بينهما. و على هذا فلا كليّ هنا حتى يجري فيه الاستصحاب، بل يجري في الشخص، و هو الملكية التي هي إضافة خاصة بين المالك و المملوك، فالتزلزل و الاستقرار ينشأان- من حكم الشارع على الملك بزواله برجوع المالك الأصلي في بعض الموارد، و ببقائه و عدم زواله برجوع المالك الأصلي في بعضها الآخر.

فاللّزوم و الجواز حكمان للملك، و ليسا منوّعين له، بل هما من أحكام السبب المملّك لا من خصوصيات المسبّب و هو الملك.

______________________________

و ثانيهما: أنّ منوّع الطبيعة يكون في رتبة المتنوّع، لا متأخرا عنه، كتنوّع الكلمة إلى أنواعها الثلاثة: الاسم و الفعل و الحرف، فإنّ المنوّع و هي هذه الأنواع في رتبة ذات المتنوّع و هي الكلمة.

و عليه فلو كان اللزوم و الجواز حكمين مترتبين على الملك لزم أن يكون تنوّع الملك بهما من باب تنوع الموضوع بحكمه المتأخر عنه.

نعم إن أريد من التنوع ما يكون في رتبة الأثر مسامحة لا حقيقة كان صحيحا، حيث إنّ الموضوع يتنوّع بحكمه، لكن هذا المقدار غير قادح في استصحاب الجامع.

و المتحصل: أنّ حمل الأمر بالتأمل على ما أفاده السيد الطباطبائي و المحقق الخراساني و المحقق النائيني قدّس سرّهم لا يخلو من خفاء. و لعلّ الأولى حمله على الإمعان في المطلب، و سلامته عن إشكالات استصحاب القسم الثاني المذكورة في علم الأصول.

و هذا لا ينافي إصرار المصنف قدّس سرّه على أنّ اللزوم و الجواز حكمان شرعيان، و الملكية حقيقة بسيطة لا تعدد فيها.

وجه عدم المنافاة: أنّ إجراء الاستصحاب في القدر المشترك يكون من باب التنزل و تسليم تعدّد الملك اللازم و الجائز حقيقة بالنوع أو بالفرد أو بالمرتبة كما سيأتي بيانه عن قريب.

ص: 491

هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع (1) المالك الأصلي.

و منشأ هذا (2) الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملّك، لا اختلاف حقيقة الملك، فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعية للسبب (3)، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب (4) [1].

______________________________

و الحاصل: أنّه بعد كون الجواز و اللزوم من أحكام الملك- لا من خصوصيات نفس الملك- لا جامع بينهما حتى يجري فيه استصحاب الكلّي، بل الجاري فيه هو استصحاب الشخص.

هذا كله بحسب الدعوى، و قد استدلّ عليه بوجهين سيأتي بيانهما.

(1) متعلق ب «زوال» و ضميرا «حقيقته عليه» راجعان الى الملك.

(2) يعني: اختلاف حكم الشارع بجواز الرجوع و عدمه.

(3) كالبيع و الهبة و غيرهما من الأسباب المملّكة.

(4) و هو الملك، فلا يكون اللزوم و الجواز من الخصوصيات الدخيلة في حقيقة الملك.

______________________________

[1] أورد المحقق الخراساني قدّس سرّه عليه بما لفظه: «لو كان الجواز و اللزوم هاهنا بمعنى جواز فسخ المعاملة و عدمه كما في باب الخيار فلا شبهة في كونهما من أحكام الأسباب. و أمّا لو كانا بمعنى ترادّ العينين و تملك ما انتقل عنه و عدمه بلا توسيط فسخ المعاملة- كما في الهبة- على ما صرّح به في الملزمات، فهما من أحكام المسببات لا محالة، و اختلافها فيهما كاشف عن اختلافها في الخصوصيات المختلفة في اقتضاء الجواز و اللزوم لئلّا يلزم الجزاف في أحكام الحكيم تعالى شأنه، و إن كان اختلافها فيهما ناشئا من اختلاف الأسباب ذاتا أو عرضا» «1».

و محصله: أن إبطال أثر العقد قد يكون بفسخه أو بإقالة أحدهما للآخر فمقتضاه كون اللزوم و الجواز من أحكام السبب، و قد يكون باسترداد العين كما في الهبة أو بتراد العينين كما في المعاطاة، فيكونان من أحكام نفس الملك، كما أفاده المصنف في الملزمات. و حينئذ يكون اختلافهما كاشفا عن وجود خصوصية في كل منهما غير ما في الآخر، و هذا المقدار كاف في

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 13.

ص: 492

______________________________

اختلاف الأحكام، و إن لم يكن اختلافهما بالحقيقة و الماهية. و عليه يشكل استصحاب الشخص، و يتعيّن إجراؤه في القدر المشترك، هذا.

لكن يمكن أن يقال أوّلا: إنّ مقتضى استدلال المصنف قدّس سرّه على أصالة اللزوم في الملك بما سيأتي من آية وجوب الوفاء و أخبار خيار المجلس هو خروج اللزوم و الجواز عن حقيقة الملك و كونهما من أحكام السبب المملّك. فالفسخ و الإقالة يتعلّقان بنفس السبب كتعلق الإمضاء به. و هذا لا ينافي ما سيأتي منه في الملزمات من أنّ المعاطاة- مع قطع النظر عن أصالة اللزوم- تكون جائزة بالإجماع قبل تلف العينين، و لمّا كان دليلا لبيّا وجب الأخذ بالقدر المتيقن منه و هو تعلّق الجواز بالتراد المنوط ببقاء كلتا العينين بحالهما، و من المعلوم أنّ رفع اليد عن أصالة اللزوم في الأسباب المملّكة- بالإجماع على عدم لزوم المعاطاة قبل التلف- لا يدلّ على كون جواز التراد من خصوصيات نفس الملك لا السبب المملّك.

نعم جواز استرداد العين الموهوبة ابتداء قبل فسخ العقد قد يكون شاهدا على اختلاف الملك الحاصل في الهبة الجائزة و اللازمة سنخا أو مرتبة.

و ثانيا: أنّ اللزوم و الجواز سواء استفيدا من نحو قول الشارع: «البيع لازم و غير لازم» أم من مثل قوله: «يجوز ترادّ العينين و لا يجوز» يكونان من أحكام الملك، و ينشأان من اختلاف الأسباب، لما فيها من الخصوصيات المقوّمة للسبب المنوّعة له أنواعا مختلفة الحقيقة، المقتضية للزوم تارة و للجواز اخرى، و لهما معا في وقتين كالبيع الخياري الجائز في مدة الخيار، و اللازم في غيرها، و الهبة للأجنبي المقتضية للجواز قبل التصرف، و للّزوم بعده.

و لو كانا من الخصوصيات الموجبة لتنوّع الملك لزم تغاير الملكية في البيع في زمان الخيار للملكية فيما بعده، نظير تغاير زيد و عمرو، كما أنّ ذلك شأن الأفراد، فإنّها و إن اندرجت تحت حقيقة واحدة لكنها متباينات، لامتناع صدق كل منها على الآخر، فلو بني على مغايرة الملك اللازم للجائز- كمغايرة زيد لعمرو- لزم انعدام الملك الحادث أوّلا، و حدوث ملك آخر، و هو كما ترى، إذ لا إنشاء غير الإنشاء الأوّل الموجب لحدوث الملكية، فإن كانت جائزة

ص: 493

و يدل عليه (1)- مع (2) أنّه يكفي في الاستصحاب الشّك في أنّ اللزوم من

______________________________

(1) أي: و يدلّ على كون الجواز و اللزوم من أحكام الملك لا من الخصوصيات المنوّعة له .. إلخ.

(2) ظاهره- بمقتضى السياق- كونه دليلا على أنّ اللزوم و الجواز من أحكام الملك، لا من الخصوصيات الدخيلة في حقيقته، لكن من البديهي عدم إرادة ذلك، لأنّ غرضه قدّس سرّه عدم الحاجة الى إقامة الدليل على كون اللزوم و الجواز من أحكام السبب لا من الخصوصيات الدخيلة في المسبب و هو الملك.

وجه عدم الحاجة إلى ذلك: عدم توقف صحة الاستصحاب المزبور- و هو استصحاب الملك- على إحراز كون اللزوم و الجواز من أحكام الملك لا من خصوصياته المنوّعة له، لأنّ الاستصحاب المزبور يجري، و يثبت اللزوم، و لو مع الشك في كون اللزوم و الجواز من خصوصيات نفس الملك حتى يكون المستصحب كلّيا، أو من أحكام الملك حتى يكون شخصيّا.

و الوجه في جريان استصحاب الملكية مع هذا الشك هو: أنّه بناء على كون الإشكال في جريان استصحاب الكلي حكومة الأصل السببي يكون الشك هنا في وجود المانع عن استصحاب الملكية، إذ لو كان المستصحب كلّيا فالمانع موجود، و إن كان شخصيّا فلا مانع، فمرجع الشك حينئذ إلى الشك في وجود المانع و هو الأصل الحاكم و عدمه. و عليه لا مانع من جريان استصحاب الملكية.

و بالجملة: بناء على المنع عن جريان استصحاب الكلي- لأجل حكومة الأصل السببي

______________________________

تصير لازمة بانقضاء زمان الخيار مثلا.

و عليه فما أفاده المصنف في المتن «من إرجاع الاختلاف بين الملك اللازم و الجائز إلى الأسباب و وحدة حقيقته في جميع الموارد» سليم عن الاشكال، و سيأتي مزيد بيان له إن شاء اللّه تعالى.

ص: 494

..........

______________________________

عليه- لا مانع من جريان استصحاب الملكية في المقام، لكون الشك في وجود المانع عن جريانه، حيث إنّه لو كان اللزوم و الجواز من خصوصيات الملك لا من أحكامه لم يجر الاستصحاب، لكون المستصحب حينئذ كلّيا، و الأصل الحاكم عليه موجود. و إن كان من أحكامه فالمستصحب شخصي، و الاستصحاب جار فيه، فمرجع الشك حينئذ إلى وجود المانع و هو الأصل الحاكم و عدمه، و ما لم يحرز وجود الحاكم يجري الأصل المحكوم، فلا مانع من جريان استصحاب الملكية، فلا يتوقف جريان استصحاب الملكية على إحراز كون اللزوم و الجواز من أحكام الملك، لا من خصوصياته المنوّعة له [1].

هذا توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

و منه يظهر أن قوله: «مع أنّه يكفي في الاستصحاب» إشارة إلى تقريب ثالث لاستصحاب الملك الحاصل بالمعاطاة، سواء أحرز كون المستصحب شخصيا أم كليا، أم شك في شخصيته و كلّيته، و كان المناسب تأخيره عمّا هو بصدده فعلا من الاستدلال على أنّ الملك الحاصل بالعقد واحد شخصي، و يرجع تزلزله و استقراره إلى السبب المملّك.

______________________________

[1] نعم بناء على كون الإشكال في استصحاب الكلي مغايرة القضية المتيقنة للمشكوكة اتّجه عدم جريان استصحاب الملكية إذا لم يحرز كون اللزوم و الجواز من أحكام الملك أو من خصوصياته المنوّعة له، لأنّه مع هذا الشك لا يحرز العنوان المأخوذ في أدلة الاستصحاب، إذ المستصحب إن كان كلّيا لم ينطبق عليه نقض اليقين بالشك، لمغايرة القضية المشكوكة للمتيقنة، فلا يصدق عليه الإبقاء و لا النقض. و إن كان شخصيا انطبق عليه ذلك.

و مع الشك في انطباقه لا يجوز التمسك بعموم دليل الاستصحاب، فإنّ إحراز موضوع الدليل شرط عقلا لجواز التمسك به.

و إلى هذا ينظر ما أفاده سيدنا الأستاد قدّس سرّه من الاشكال على هذا الاستصحاب بقوله: «إذ مع الشك المذكور لا يحرز اجتماع ركني الاستصحاب اللّذين هما شرط في جريانه، و مع عدم

ص: 495

______________________________

إحراز ذلك لا مجال للتمسك بدليله، لعدم جواز التمسك بالعام ما لم يحرز عنوان موضوعه» «1».

فإنّ قوله قدّس سرّه: «إذ مع الشك» قرينة على إرادة الإشكال الأوّل على استصحاب الكلّي، و هو مغايرة القضية المتيقنة للمشكوكة، لعدم تطرق هذا التعليل في المقام بناء على الإشكال الثاني و هو حكومة الأصل السببي على المسببي كما هو ظاهر.

و يظهر مما ذكرنا غموض ما في تقرير المحقق النائيني قدّس سرّه في جريان الاستصحاب هنا من: أنّ المورد و إن كان من موارد التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إلّا أنّه لا بأس به في المقام، بداهة أنّ المانع عن جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي هو حكم العقل، حيث إنّه لم يقم دليل لفظي على تخصيص عموم- لا تنقض- و إخراج استصحاب الكلي عن حيّزه، فمع الشك في كون المستصحب كلّيا أو شخصيا يجري الاستصحاب، للزوم الاقتصار في تخصيص العام بالمخصص اللّبي على الأفراد المتيقنة، و التمسك في غيرها بعموم العام، ففي المقام لا مانع من التمسك بالاستصحاب مع الشك في كون الملك كلّيا أو شخصيا «2».

انتهى ملخص كلامه على ما تقرير بعض أجلّة تلامذته قدّس سرّهما.

وجه الغموض: أنّه- بعد البناء على صحة المبنى و هو جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المخصص اللّبي- يكون مورد البحث فيه ما إذا أحرز عنوان العام و كان الشك في اندراجه تحت الخاص و عدمه لشبهة خارجية، كتردّد اليد الموضوعة على مال الغير بين العادية و الأمانية، و كالماء المردّد بين كونه معتصما و غير معتصم، و هكذا سائر الموارد التي أحرز كونها من مصاديق العام و شك في دخولها تحت الخاص. و كالشك في أيمان شخص من بني أميّة مثلا، فإنّ عنوان العام و هو كونه من بني أميّة معلوم، و الشك إنما هو في كونه مؤمنا ليحرم لعنه، و عدمه حتى يجوز لعنة.

فحينئذ يقال: إنّ تخصيص عموم «لعن اللّه بني أميّة» بمن علم إيمانه منهم معلوم، و أمّا

______________________________

(1): نهج الفقاهة، ص 44.

(2) المكاسب و البيع، ج 1، ص 173 و 174.

ص: 496

______________________________

من شك في إيمانه منهم فخروجه عنهم غير معلوم، فظهور العام فيه لم تنثلم حجيته، فيتمسك به، فيقال بجواز لعنه.

و أمّا إذا لم يحرز عنوان العام، فلا وجه للتمسك به، كالمقام، فإنّه بناء على أن يكون الملك كلّيا لا يندرج تحت عموم أدلة الاستصحاب، لو كان إشكال استصحاب الكلّي عدم وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة، نعم بناء على كون إشكاله حكومة الأصل السببي لا مانع من جريانه، لأنّه ما لم يحرز الأصل الحاكم يجري الأصل المحكوم.

ثم إنّ السيد قدّس سرّه أفاد: «أنّه لا حاجة الى استصحاب القدر المشترك حتى يستشكل فيه بما ذكر، بل يكفي استصحاب الفرد الواقعي المردّد بين الفردين، و لا يقدح تردّده بحسب علمنا في تيقن وجوده سابقا، و المفروض كون الأثر الثابت للقدر المشترك أثرا لكل من الفردين، فيمكن ترتيبه باستصحاب الشخص الواقعي المعلوم سابقا، كما في القسم الأوّل من أقسام الاستصحاب الكلي، و هو ما إذا علم بوجود الكلي في ضمن فرد معيّن، فشك في بقائه، حيث إنّه حكم فيه بجواز استصحاب كل من الكلي و الفرد» انتهى ملخصا «1».

و فيه: أنّه إن أريد بالشخص العلم بتشخّصه فهو ممنوع، لامتناع العلم بتشخصه مع فرض تردده بين شخصين.

و بالجملة: لا يعقل العلم بالشخص الحقيقي الواقعي الخارجي مع تردده بين فردين.

و إن أريد بالمردد ما هو مردد واقعا، ففيه: أنّه لا يعقل وجوده بوصف كونه مرددا، فإنّ الموجود في أيّ وعاء من أوعية الوجود متشخص بمشخصات وجودية توجب تعينه، و يمتنع حينئذ تردّده.

و إن أريد بالفرد المردّد المردّد عندنا و المعيّن في الواقع ليرجع الى العلم الإجمالي بأحدهما ففيه: أنّه عين الكلي، إذ مع الغض عن الخصوصيات المفرّدة يكون متعلق العلم نفس الكلي.

فالمتحصل: أنّه لا معنى لاستصحاب الفرد المردد، لأنّه على المعنى الصحيح ليس إلّا الكلي. و قد تعرضنا في بحث الاستصحاب لشطر مما يتعلق باستصحاب الفرد المردّد، فراجع «2».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 73.

(2) منتهى الدراية، ج 7، ص 381 الى 388.

ص: 497

خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملّك. و مع أنّ المحسوس (1) بالوجدان أنّ إنشاء (2) الملك في الهبة اللازمة و غيرها على نهج واحد- أنّ (3) اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك فإمّا أن يكون تخصيص القدر المشترك

______________________________

(1) قد تقدم في توضيح قوله: «لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب» الإشارة إلى:

أنّه قدّس سرّه استدل بدليلين على مدعاه من أنّ الملكية في جميع الموارد حقيقة واحدة، و أنّ اللّزوم و الجواز غير منوّعين لها، بل هما حكمان شرعيان عارضان عليها، و لا يتنوع الموضوع بحكمه المتأخر عنه.

و ما أفاده بقوله: «مع أن المحسوس» هو الدليل الأوّل على هذه الدعوى، بتقريب: أنّ الملكية المنشئة في الهبة اللازمة- التي يكون الملك فيها لازما- و الملكية المنشئة في غير الهبة اللازمة من العقود الجائزة كالهبة للأجنبي تكونان على نهج واحد، فليس المنشأ في العقود اللّازمة و الجائزة إلّا إضافة الملكية التي هي أمر بسيط شخصي، و إنّما الشارع حكم في هبة ذي الرحم باللزوم، و في هبة الأجنبي بجواز الرجوع.

و عليه فلا يوجب الحكم باللزوم تارة و بالجواز أخرى تنوّعا في حقيقة الملك حتى يصير الملك اللازم حقيقة مباينة للملك الجائز، بل هما حكمان شرعيّان للملك يستندان إلى السبب المملّك.

(2) الأولى أن يقال: الملكية المنشئة في الهبة.

(3) هذا دليل ثان على كون اللزوم و الجواز من أحكام الملك لا من مقوّماته، و محصله:

أنّ اللزوم و الجواز لو كانا من خصوصيات الملك كان تخصيص القدر المشترك باللزوم و الجواز- الموجبين لتشخّصه- إمّا بجعل المالك، و إمّا بجعل الشارع، و لا ثالث لهما، لأنّهما إن كانا حكمين لموضوعهما فلا بد أن يكون التخصيص وظيفة الشارع، و إن كانا دخيلين في الموضوع فلا بد أن يكونا من فعل المالك، فلا ثالث في البين.

فإن كان الأوّل فلازمه التفصيل في الحكم باللزوم أو الجواز بين صور ثلاث:

إحداها: أن يقصد المالك اللزوم، و يجعله، فيحكم به لا غير.

ص: 498

بإحدى (1) الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع.

فان كان الأوّل (2) كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب (3) قصد الرجوع (4) و قصد عدمه،

______________________________

ثانيتها: أن يقصد الجواز، و يجعله، فيحكم به دون غيره.

ثالثتها: أن لا يحكم بشي ء من اللزوم و الجواز فيما إذا لم يجعل المالك شيئا منهما و لم يقصده، بأن أنشأ الملكية المهملة عن خصوصيتي اللزوم و الجواز.

و بالجملة: يدور اللزوم و الجواز مدار قصد المالك لهما، فإذا قصد أحدهما حكم به، و إلّا فلا يحكم بشي ء منهما. و ذلك- أي دوران اللزوم و الجواز مدار قصد المالك- بديهيّ البطلان، ضرورة أنّه لا يؤثّر قصد المالك في ذلك أصلا، و لذا لو وهب لأجنبيّ عينا و لذي رحم اخرى مع الغفلة عن الجواز و اللزوم كانت الهبة الأولى جائزة و الثانية لازمة، و قصد اللزوم في الأولى يوجب البطلان، لأنّه على خلاف تشريع الهبة للأجنبي، و على فرض الصحة تكون جائزة.

و كذا الحال إذا قصد الجواز في الثانية، فإنّها لا تصح جائزة، بل إمّا تبطل و إمّا تصحّ لازمة.

فالنتيجة: أنّه ثبت بالدليلين المتقدمين كون اللزوم و الجواز من أحكام الملك.

(1) هذا و قوله: «بجعل» و «بحكم» متعلق ب «تخصيص» يعني: أنّ تعيين كلّي الملك تارة في الجائز و اخرى في اللازم إمّا يتسبّب عن قصد المالك و جعله، و إمّا يتسبب عن إرادة الشارع و حكمه، و لا ثالث لهما.

(2) أي: كان تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين بجعل المالك، و عليه فاسم «كان» ضمير راجع الى التخصيص.

(3) متعلق ب «المختلفة» أي: كان اختلاف حصول الملك الجائز تارة و اللازم اخرى دائرا مدار قصد المملّك الرجوع حتى يكون جائزا، و قصده عدم الرجوع حتى يكون الملك لازما.

(4) الأولى تبديله بقصد الجواز و اللزوم، و كذا قوله: «إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع».

ص: 499

أو عدم قصده (1). و هو (2) بديهي البطلان، إذ (3) لا تأثير لقصد المالك في الرجوع و عدمه.

و إن كان (4) الثاني لزم إمضاء الشارع العقد على غير ما قصده (5) المنشئ، و هو (6) باطل في العقود،

______________________________

(1) أي: عدم قصد الرجوع، بأن قصد المالك التمليك المهمل العاري عن خصوصيتي اللزوم و الجواز، فيلزم أن يقع الملك المشترك بينهما، لا خصوص اللازم و الجائز. مع أنّه بديهي البطلان، إذ الملكية الاعتبارية لا تخلو من أن تقع لازمة أو جائزة، فعدم قصد الخصوصية لا يوجب وقوع الملك الجامع بين الخصوصيتين، و هذا دليل قطعي على بطلان الاحتمال الأوّل و هو دوران الجواز و اللزوم مدار قصد المالك.

(2) أي: التفصيل بين أقسام الملك- بحسب قصد الملك- باطل بالبداهة، فإنّ الهبة لغير ذي رحم تفيد ملكا متزلزلا سواء قصد الواهب الرجوع في هبته أم لم يقصده، أو قصد عدم الرجوع.

(3) تعليل لبداهة البطلان، و قد عرفته.

(4) معطوف على «فان كان الأوّل» و هذا هو الشق الثاني من المنفصلة، يعني: إذا كان تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين مسبّبا عن حكم الشارع باللزوم تارة و بالجواز أخرى لزم تخلف قاعدة تبعية العقود للقصود، فإذا قصد المالك في الهبة لذي رحم الجواز- لقصده الرجوع، و حكم الشارع بصحة هبته و لزومها- لزم تخلف العقد عن قصد الرجوع، مع وضوح تبعية العقود الصحيحة للقصود.

(5) لأنّ الشارع جعل الملكية اللازمة مع قصد المالك الملكية الجائزة، و بالعكس.

(6) يعني: و إمضاء الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ باطل، لما تقدم من أنّ العقود المصحّحة شرعا تابعة للقصود، يعني: أنّ العقد الصحيح عبارة عن إمضاء الشارع العقد على النحو المقصود للمنشئ، فلا يمكن أن يكون ممضى شرعا مع مخالفته لمقصود المنشئ، فلو قصد اللّزوم مثلا لم يصحّ إمضاء الشارع لذلك العقد على وجه الجواز.

ص: 500

..........

______________________________

و عليه فلا ربط لحكم الشارع- باللزوم و الجواز- بقصد المتعاقدين أصلا، إذ لا عبرة بقصدهما في لزوم العقد و جوازه.

فإن قلت: هذا الشق الثاني من المنفصلة ممنوع، لمنع الملازمة بين قوله: «و ان كان الثاني لزم إمضاء .. إلخ» و حينئذ لا سبيل لإحراز كون الملك المنشأ في العقود أمرا بسيطا حتى يرجع الاختلاف باللزوم و الجواز إلى التعبد الشرعي، بل يحتمل كون الملك الجائز مغايرا للملك اللازم حقيقة، فلا يتم استصحاب الشخص حينئذ، و لا بد من استصحاب القدر المشترك.

وجه منع الملازمة: أنّ المصنف قدّس سرّه صرّح في مناقشة أول استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه بأنّ مورد قاعدة تبعية العقود للقصود هو العقد الصحيح الذي أمضى الشارع ما قصده المتعاقدان، فإن أحرز الإمضاء تعيّن ترتب الأثر المقصود على العقد، و إن لم يحرز فلا.

و على هذا فلمّا كانت المعاطاة معاملة فعلية لم يحرز إمضاؤها شرعا لم يكن بأس بتخلّفها عن التمليك اللازم الذي قصده المتعاطيان. فلا مانع من كون الملك طبيعيا جامعا بين اللازم و الجائز، و يتوقف حصول كل واحد من النوعين أو الفردين على تعيين الشارع.

و لم يلزم منه مخالفة قاعدة التبعية أصلا، لأنّ هذه القاعدة مخصوصة بالعقود الصحيحة.

و نتيجة ذلك عدم إثبات شخصية الملك حتى يرجع اللزوم و الجواز إلى محض التعبد الشرعي.

قلت: بل الملازمة ثابتة، فإنّها مبتنية على مقدمتين مسلّمتين:

الأولى: أنّ أصالة اللزوم لا تختص بالمعاملة الفعلية المملّكة، بل تجري في العقد اللفظي المملّك، مثلا لو شكّ في أنّ الملكية المنشئة بعقد السبق و الرماية جائزة يجوز الرجوع فيها قبل إصابة النصل، أو لازمة لا يجوز الرجوع فيها؟ جرى استصحاب شخص الملك الحادث بالعقد، و يحكم بلزومه. و لا ريب في أنّ الملكية المنشئة بالعقد اللفظي حقيقة واحدة لا تعدد فيها بالنوع و المرتبة و الفرد، و يرجع اللزوم و الجواز إلى تأثير السبب المملّك، لا إلى نفس الملك.

الثانية: أنّه ثبت عدم القول بالفصل بين موارد حصول الملك، فسواء كان اللزوم و الجواز من خصوصيات السبب القولي أم من خصوصيات المسبّب- في المعاملة الفعلية-

ص: 501

لما (1) تقدّم (2) أنّ العقود المصحّحة عند الشارع تتبع القصود. و إن أمكن (3) القول بالتخلّف هنا في مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا (4) انتصارا للقائل

______________________________

تجري أصالة اللزوم في الملك، لبنائهم على حجية هذا الأصل في العقود القولية و المعاملات الفعلية، و لمّا كان المستصحب في العقد اللفظي شخص الملك الحادث بالعقد كان كذلك في السبب الفعلي أيضا.

و نتيجة هاتين المقدمتين: أنّ قاعدة التبعية و إن لم تجر في المعاملة الفعلية كالمعاطاة، إلّا أنّ قاعدة اللزوم لا تختص بالمعاطاة، بل تشمل العقود اللفظية المفيدة للملك أيضا، فحينئذ نجري فيها الدليل المزبور، و هو «أنّ اللزوم و الجواز إن كانا من خصوصيات الملك بحكم الشارع لزم إمضاء الشارع العقد على غير الوجه الذي أنشأه العاقد، فيلزم تخلف العقد عنه، و هو باطل بالضرورة».

و عليه فإذا ثبت عدم كون اللزوم و الجواز في العقود اللفظية من خصوصيات الملك- بحكم الشارع- ثبت عدم كونهما من خصوصيات الملك في العقود الفعلية بحكم الشارع أيضا، لعدم القول بالفصل في حقيقة الملك بين سببها القولي و الفعلي، فاللزوم و الجواز خارجان عن حقيقة الملك مطلقا من دون فرق بين موارده من العقود اللفظية و الفعلية.

(1) تعليل لبطلان الشق الثاني من المنفصلة، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «يعني: إذا كان تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين .. إلخ».

(2) حيث قال في مناقشة استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه: فإنّ تبعية العقد للقصد و عدم انفكاكه عنه إنما هي لأجل دليل صحة ذلك العقد .. إلخ.

(3) غرضه رفع محذور منافاة إمضاء الشارع لقاعدة تبعية العقود للقصود، و محصل ما أفاده في رفع المنافاة هو: أنّ مورد قاعدة تبعية العقود للقصود هو العقود القولية لا الفعلية، و قد تقدّم توضيحه بقولنا: «فان قلت: هذا الشق الثاني من المنفصلة ممنوع .. إلخ».

(4) عند التعرض لأجوبة استبعادات بعض الأساطين، حيث قال: «أما حكاية تبعية العقود و ما قام مقامها .. الى أن قال: أمّا المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحتها دليل فلا يحكم

ص: 502

بعدم الملك من (1) منع وجوب إمضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود المتعاطيين.

لكن (2) الكلام في قاعدة اللزوم في الملك يشمل العقود أيضا (3).

______________________________

بترتب الأثر المقصود عليها».

(1) بيان لقوله: «ما ذكرنا».

(2) هذا جواب قوله: «و إن أمكن القول بالتخلف» و غرضه تصحيح الشق الثاني من المنفصلة المتقدمة، و قد أوضحناه بقولنا: «قلت، بل الملازمة ثابتة .. إلخ».

(3) يعني: كما تشمل المعاملات الفعلية، فقاعدة تبعية العقد للقصد و إن اختصت بالعقود اللفظية، لكن أصالة اللزوم لا تختص بالمعاطاة، بل تعمّ العقود اللفظية أيضا [1].

______________________________

[1] فتحصّل: أن المستصحب شخص الملك الحادث بالمعاطاة، و اللزوم و الجواز حكمان على هذا الموضوع، و لا اختلاف في حقيقته، إذ لو كان فإمّا أن يستند الى قصد المالك أو إلى الشارع، و كلاهما ممنوع، لما تقدّم في التوضيح.

لكن قد يشكل بأنّ اختلاف الملك الجائز و اللازم و إن كان مستندا الى السبب المملّك، إلّا أنّه لا ريب في اقتضاء الأسباب المختلفة مسببات كذلك، فعقد الهبة يقتضي ملكا جائزا، و عقد الصلح يقتضي ملكا لازما، و لو لا تفاوت اقتضاء هذين العقدين لم يعقل ترتب أمرين متفاوتين عليهما، لاستحالة تأثير المتباينين أثرا واحدا، و عليه يستكشف اختلاف المسبّب من اختلاف السبب، لامتناع تأثير أسباب مختلفة في مسبّب واحد. و بهذا يشكل استصحاب شخص الملك، إذ لا علم بالخصوصية اللاحقة.

و أجاب المحقق الأصفهاني قدّس سرّه عنه بما توضيحه: أن الأسباب و إن كانت مختلفة، إلّا أنّه لا يلزم تعدد حقيقة المسبب المترتب عليها، و ذلك لأنّ السببين المملّكين بينهما جهة اشتراك، و جهة امتياز، فبالنظر إلى الجهة الأولى يؤثّران في الملك، و إلى الثانية يؤثّران في الحكم باللزوم و الجواز. فالبيع العقدي و المعاطاة يؤثّران بجامعهما في تمليك عين بعوض، و خصوصية البيع العقدي- و هي الصيغة الجامعة لشرائط التأثير- تؤثر في جعل اللزوم،

ص: 503

______________________________

كما تقتضي خصوصية البيع الفعلي جعل الجواز. و بهذا يتجه استصحاب شخص الملك الذي اقتضته الحيثية الجامعة بين السببين «1»، هذا.

لكن يمكن أن يقال: لا يبعد أن يكون مراده قدّس سرّه إمكان تأثير الجامع بين السببين في الملك، و من المعلوم أنّ مجرد إمكان ذلك لا يجدي في استصحاب شخص الملك الحادث المترتب على السببين المختلفين، بل لا بد من إحراز وحدته. فلو شكّ في كونهما مؤثّرين بجامعهما في أصل الملك أو بخصوصيتهما حتى يكون الملك الجائز مغايرا للازم لم يتجه التمسك بدليل الاستصحاب لإحراز الشخص، بل هو مندرج في الشك في كون المستصحب الفرد أو الكلّي، و هو التقريب الثالث المتقدّم في المتن.

مضافا الى: اختصاص هذا التوجيه بالشبهة الحكمية أعني بها المعاطاة التي يحتمل فيها بقاء الملك بعد الرجوع و عدمه. و يشكل تطبيقه على الشبهة الموضوعية، كما لو تردّد العقد الخارجي بين الهبة و الصلح، إذ لا جامع أصيل بين إنشاء التسالم و التمليك المجّاني، و سببية العقود أمر واقعي و إن كان اعتباريا، و لا يكفي فيه الجامع الانتزاعي كعنوان المعاملة. مع أنّه سيأتي من المصنف قدّس سرّه التصريح بحجية أصالة اللزوم في الشبهة الموضوعية كالحكمية.

و لعلّ الأولى في حسم مادة الاشكال أن يقال: إن المستصحب شخصي لا كلّي، لأنّ كلية الملكيّة إمّا أن تكون بالنوع أو بالمرتبة أو بالفرد، و الكل ممنوع. فإنّ الملكية العقلائية و الشرعية إمّا اعتبار مقولة الجدة، و إمّا اعتبار مقولة الإضافة، و إمّا اعتبار أمر آخر، و على كل منها لا مجال للتنوع فيها، لبساطتها.

و أمّا الاختلاف بالشدة و الضعف فكذلك، لفقدان مناط التشكيك فيها، إذ مناطه أن يكون لحقيقة الشي ء عرض عريض كالنور و السواد و البياض و نحوها ممّا يكون بعض مراتبه أشدّ من بعض. و أمّا إذا كان هناك شيئان تصدق الطبيعة عليهما على السواء- و إن كان أحدهما باقيا لبقاء علته و الآخر زائلا بزوال علّته- كان أجنبيا عن الكلي المشكّك، فلا يصح أن

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 33.

ص: 504

______________________________

يقال: ان زيدا مالك للشي ء الكذائي و أملك للآخر، و لا أنّ الشي ء الفلاني مملوك و الآخر أشدّ مملوكا منه.

مع أنه تقرّر عند أهله اختصاص الشدة و الضعف بالحركة، و الأمور الاعتبارية أجنبية عن الاشتداد و الضعف المخصوصين بالمقولة الواقعية كالكيف. و عليه فليست الملكية اللازمة مرتبة قوية و الجائزة ضعيفة.

و أمّا الاختلاف الفردي بأن يكون الملك اللازم و الجائز فردين لطبيعة نوعية واحدة كزيد و عمرو، فممنوع أيضا، ضرورة أنّ الملكية المنشئة بالعقد الخياري أو بالهبة الجائزة تصير بنفسها لازمة بانقضاء الخيار أو بتصرف المتهب، لا أنّ الملكية الجائزة تنعدم و يحدث فرد آخر، أو تنقلب إليه. لاستحالة كليهما.

أمّا انعدام فرد و حدوث آخر فلتوقف الحدوث على الإنشاء سواء قلنا بالتسبيب أم بالموضوع و الحكم، و المفروض عدم حدوث إنشاء آخر غير العقد الخياري أو العقد الجائز.

و أما الانقلاب فلما قيل من استحالة انقلاب الموجود عمّا هو عليه.

و بالجملة: فالبرهان يقتضي الالتزام بكون الملكية المنشئة حقيقة واحدة في السبب المفيد للجواز و اللزوم، فيحكم عليها في برهة بالجواز، و في أخرى باللزوم.

بل هذا هو مقتضى مقام الإثبات أيضا، فإنّ قوله عليه الصلاة و السلام: «فإذا افترقا وجب البيع» ظاهر في صيرورة نفس البيع الجائز لازما بالتفرق عن مجلس المعاملة، لا حدوث فرد آخر أو مرتبة اخرى.

هذا كله في امتناع تعدد الملكية الاعتبارية في نفسها.

و أمّا احتمال كون اللزوم و الجواز موجبين للتعدد النوعي أو الصنفي أو الفردي، فيدفعه: أنّ هذا الاختلاف ليس بذاته مع الغضّ عن الأسباب المملّكة، بل بملاحظتها، بداهة اختلاف الأسباب في اقتضاء اللزوم و الجواز عند العقلاء، فإنّ العقد عندهم على قسمين لازم و جائز، فالملك يتبع سببه أيضا كذلك.

ص: 505

______________________________

إذا عرفت هذا فنقول: إنّ العقد اللازم إمّا سبب قهريّ للملك اللازم و واسطة ثبوتية له، بأن ينسب اللزوم إلى الملك حقيقة، و إمّا واسطة عروضية له بحيث ينسب اللزوم الى العقد أوّلا و بالذات و إلى الملك ثانيا و بالعرض. لا سبيل إلى الأوّل كما ثبت في محله من امتناع السببية الحقيقية للأسباب العقلائية و التشريعية، فيتعين الثاني و هو الوساطة العروضية، و كون اتصاف الملك باللزوم و الجواز بالعرض و المجاز، و من المعلوم أنّه لا يوجب الاختلاف نوعا أو صنفا أو شخصا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنّ استصحاب الملك شخصي، و لا إشكال فيه، و ليس كلّيا.

و قد ظهر مما بيّنا ضعف الاستدلال لاختلاف المسبّبات بسبب اختلاف الأسباب.

و كذا ضعف الاستدلال «بأنّ اختلاف الأسباب لو لم يكن موجبا لاختلاف المسببات لا يقتضي اختلاف الأحكام» و ذلك لأنّه إن أريد باختلاف الأحكام اختلاف أحكام الأسباب، فهو لا يقتضي إلّا اختلاف الأسباب، لا اختلاف المسبّبات.

و إن أريد به اختلاف أحكام المسبّبات- مع كون المقصود بالأحكام اللزوم و الجواز- ففيه: أنّه مصادرة.

و إن أريد به كشف الأسباب المختلفة عن المسببات المختلفة، ففيه: أنّه غير صحيح، لما عرفت من عدم السببية الحقيقية في الأسباب العقلائية و التشريعية. هذا.

ثم إنّه بناء على كون الملك كلّيا، و أنّ اللزوم الجواز من الخصوصيات المنوّعة له يشكل جريان الاستصحاب فيه، لا لأجل الإشكالات التي أوردوها على استصحاب الكلي في الأصول، لأنّها واضحة الدفع، بل لأجل عدم وجود للجامع بين الأفراد الذي هو موضوع الأثر، إذ الموجود في كل فرد حصة من الكلي متخصصة بخصوصية مباينة لخصوصية اخرى مخصصة لحصة أخرى من الطبيعة، فلا يصدق شي ء من الحصص الموجودة على الأخرى، لمباينتها لها، و مع عدم وجود الجامع كيف يصح استصحابه؟ فحينئذ يصعب جريان استصحاب الكلي و ينحصر في الشخصي، فتدبّر.

و يمكن دفعه بأن يقال: إنّ موضوع الحكم إن كان وجود الكلي بحده الجنسي

ص: 506

و بالجملة (1): فلا إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد (2) شكّ في لزومه شرعا.

و كذا (3) لو شكّ في أنّ الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز كالصلح من

______________________________

(1) هذه خلاصة ما حقّقه المصنف قدّس سرّه في جريان استصحاب الملك في الشبهة الحكمية- عند الشك في لزومه و جوازه- بتقاريب ثلاثة تقدمت مفصّلا.

(2) مملّك، لا كلّ عقد و لو غير مملّك أيضا، و لذا لا تجري قاعدة اللزوم في العقد المردّد بين كونه قرضا و بين كونه وديعة، لعدم إحراز أصل الملك حتى تجري أصالة اللزوم في الشك في اللزوم و الجواز كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في جريان أصالة اللزوم في الشبهة الحكمية التي هي المقصد الأصلي من عقد البحث، إذ الغرض المهم في المقام هو إثبات ترتب الملك اللازم على المعاطاة بعد الفراغ عن ترتب أصل الملك عليها. و سيأتي لهذا الأصل تتمة في جريانه في الشبهة الموضوعية إن شاء اللّه تعالى.

(3) هذا إشارة إلى حجية أصالة اللزوم في الشبهة الموضوعية كالحكمية. و كلامه قدّس سرّه يتضمن جهتين من البحث:

إحداهما: بيان الحكم الكلّي، أي ما يفتي به الفقيه في كل مورد تردّد العقد الخارجي

______________________________

لا الفصلي فالمعلوم هو نفس الجنس، و لا مانع من استصحابه و إن كان الجنس لا يوجد إلّا بالفصل، لكن لمّا لم يكن الفصل ملحوظا في مقام موضوعية الجنس فيصح أن يقال: إنّ الكلي علم بوجوده و شك في بقائه، فيستصحب.

و هذا نظير الحدث الذي هو موضوع لحرمة مسّ الكتاب العزيز فإذا علم بحدث مردّد بين الأصغر و الأكبر جاز استصحابه، فالمراد باستصحاب الكلي هو استصحاب الجنس المعلوم وجوده في ضمن فصل. إلّا أن الفصل لعدم دخله في موضوع الحكم غير ملحوظ حال الشك في بقاء الكلي، فإذا كانت الخصوصية الفصلية أو الفردية دخيلة في موضوع الحكم و تردّدت بين الخصوصيتين لا يجري استصحاب الجامع، لكونه مثبتا، بداهة مثبتية الأصل الجاري في الكلي لإثبات أحد الفردين أو كليهما، بل يعامل معه معاملة العلم الإجمالي بوجود موضوع ذي حكم مردّد بين موضوعين، فيحتاط بالجمع بين كلتا الوظيفتين.

ص: 507

دون عوض، و الهبة (1).

نعم (2) لو تداعيا احتمل

______________________________

المملّك بين كونه مفيدا للزوم و الجواز، كما لو شك في أنّ المنشأ صلح على هذه العين بلا عوض حتى يكون العقد لازما، أم هبة حتى يكون العقد جائزا يصح فيه الرجوع؟ فيبني على لزوم العقد باستصحاب الملك، و إن لم يترتب عليه أحكام عقد الصلح، لقصور الأصل الجاري في الجامع بين الخصوصيتين عن إثبات خصوصية الحادث. و الظاهر أنّ المستصحب هنا هو الكلّي لا شخص الملك.

ثانيتهما: بيان حكم ترافع المتعاقدين، و ادّعاء أحدهما وقوع عقد لازم، و الآخر وقوع عقد جائز حتى يصح معه الرجوع. و الحكم هنا يبتني على ما هو مذكور في كتاب القضاء من أنّ العبرة بالغرض من الترافع أم بمصبّ النزاع؟ و سيأتي بيان حكم هذه الصورة.

(1) أي: هبة غير ذي رحم، و إلّا كان العقد الواقع لازما على كل حال، لكون الصلح لازما.

فتحصل: أنّ أصالة اللزوم تجري في الملك مطلقا من غير فرق بين كونه ناشئا من العقود اللفظية و الفعلية، فإنّ للملك حقيقة واحدة في جميع العقود.

(2) استدراك على قوله: «و كذا لو شك .. إلخ» و هذا إشارة إلى الجهة الثانية مما تعرض له في الشبهة الموضوعية، يعني: أنّ مقتضى أصالة اللزوم- مع شك كلّ من المتعاقدين في كون الواقع عقدا لازما أو جائزا- هو البناء على اللزوم، و عدم تأثير رجوع المالك الأصلي في الفسخ لكنه في صورة الاختلاف و الترافع هو التحالف، كما لو ادّعى أحدهما العلم باللزوم لكون العقد الواقع صلحا، و ادعى الآخر العلم بالجواز و أنّه هبة.

توضيحه: أنّه تارة يكون الغرض من الدعوى تعيين خصوصية السبب الواقع، و أنّه صلح أو هبة، و أخرى يكون الغرض بقاء الملك بالرجوع و عدمه.

ففي الصورة الأولى يرجع الى التحالف، لعدم أصل يقتضي تعيين العقد الواقع، و قول كلّ منهما مخالف للأصل، فكلّ منهما مدّع لشي ء ينكره الآخر، فينطبق على هذه الصورة ضابطة التحالف التي هي ادّعاء كلّ من المتداعيين على الآخر ما ينفيه الآخر، بدون الاتفاق على أمر واحد، كما في الحدائق التصريح به «1».

______________________________

(1): الحدائق الناظرة، ج 19، ص 197.

ص: 508

التحالف (1) في الجملة (2).

[الدليل الثاني: حديث السلطنة]

و يدل (3) على اللزوم- مضافا إلى ما ذكر (4)- عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم [قولهم]:

«الناس مسلّطون على أموالهم (5)» «1»

______________________________

و إن شئت فقل: إنّ قول كلّ منهما موافق للأصل من جهة و مخالف له من جهة أخرى.

و في الصورة الثانية يقدّم قول من يدّعي انتفاء الملكيّة بالرجوع، لمخالفة قوله لقاعدة اللزوم.

(1) و يقابل هذا الاحتمال ما عن المشهور من احتمال كون اليمين على مدّعي الجواز، و إن كانت صورة الدعوى تعيين العقد. و هذا وجيه، لأنّ المدار في المرافعات على أغراض المترافعين و نتيجة دعواهم، و من المعلوم أنّه لا أثر لتعيين العقد إلّا ما يترتب عليه من الأثر و هو اللزوم أو الجواز.

و ما عن الجواهر من «احتمال التحالف مطلقا سواء أ كانت صورة الدعوى تعيين العقد أم الجواز و اللزوم» لا يخلو من غموض. و التفصيل في محله.

(2) و هو الصورة الأولى، و هي كون الغرض تعيين العقد الواقع.

الدليل الثاني: حديث السلطنة

(3) هذا هو الدليل الثاني على أصالة اللزوم، و هذا و ما بعده من عمومات الكتاب و السنة تدل على أصالة اللزوم في الملك بما أنّها أصل لفظي لا عملي، و لذا كان الأنسب تقديم هذه الأدلة السبعة على ما ذكره من الاستصحاب كما لا يخفى وجهه.

(4) و هو أصالة اللزوم في الملك.

(5) هذا تقريب الاستدلال بالحديث الشريف النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أصالة اللزوم في الملك بالإطلاق.

و محصّل تقريب الاستدلال- على نحو لا يرد عليه إشكال الشبهة المصداقية- هو: أنّه قد تقدم في أدلة مملكية المعاطاة أنّ هذا الحديث و ان كان قاصرا عن إثبات مشروعية

______________________________

(1): بحار الأنوار، ج 2، ص 272، عوالي اللئالي، ج 1، ص 222.

ص: 509

..........

______________________________

الأسباب، إلّا أنّه يدل على سلطنة المالك على أنحاء التصرفات في ماله، سواء أ كان تصرفا خارجيا أم اعتباريا.

و على هذا نقول: إنّ مقتضى تشريع سلطنة مطلقة للمالكين على أموالهم هو جواز كل تصرف للمالك بمجرّد تحقق التعاطي المفيد للملك حسب الفرض، و منع الغير عن التصرفات المزاحمة، و من المعلوم أنّ فسخ المالك الأوّل و تملّكه لما انتقل عنه بالمعاطاة ينافي تلك السلطنة المطلقة، فيدفع بإطلاق السلطنة، و يثبت به عدم نفوذ فسخه، و لا نعني بلزوم الملك إلّا عدم تأثير فسخ المالك الأوّل فيه.

فإن قلت: إنّ التمسك بهذا الحديث للزوم الملك تشبّث به في الشبهة المصداقية، لأنّ موضوع السلطنة هو المال المضاف إلى المالك، و أنّ السلطنة مترتبة على هذه الإضافة ترتّب الحكم على موضوعه، و من المعلوم أنّ إطلاق السلطنة- كسائر الأحكام- لا يقتضي حفظ الموضوع، إذ ليس شأن الحكم ذلك، بل الحكم يثبت على تقدير وجود الموضوع من باب الاتفاق، فانحفاظ ملكيّة المال للمالك خارج عن مدلول السلطنة التي هي متفرعة على هذه الإضافة، و لعلّ رجوع المالك الأوّل يرفع موضوع السلطنة و هو ملكيّة المال للمالك الآخذ، لاحتمال خروجه عن ملكه برجوع مالكه الأصلي، و حينئذ لا يمكن تطبيق القاعدة، لعدم إحراز موضوعها.

و لو قيل بأنّ الاستصحاب يقتضي بقاء المال على ملك من انتقل إليه بالمملّك الشرعي، قلنا: انه رجوع عن الاستدلال بقاعدة السلطنة على اللزوم إلى الاستصحاب، هذا.

قلت: لا يرد هذا الاشكال، و ذلك لأنّ مقتضى إطلاق السلطنة الفعليّة للمالك على ماله هو المنع عن المزاحمات التي منها تملّك الغير له بالفسخ، فإنّ تملّك الغير ينافي سلطنة المالك بداهة، فالقاعدة تقتضي عدم تأثير الفسخ في رجوع المال إلى ملك مالكه الأوّل، و لا نعني باللزوم إلّا عدم نفوذ تملك المالك الأصلي له بالفسخ.

و بالجملة: فاحتمال خروج المال عن ملك المالك بلا إذنه منفي بقاعدة السلطنة، فليست الشبهة مصداقيّة حتى لا يجوز التمسك بالقاعدة.

ص: 510

فإنّ (1) مقتضى السلطنة أن لا يخرج (2) عن ملكيته (3) [ملكه] بغير اختياره، فجواز تملّكه (4) عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة.

فاندفع (5) ما ربما يتوهم من (6): أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه، و لا نسلّم ملكيّته له بعد رجوع المالك الأصلي (7) [1].

______________________________

(1) هذا تقريب الاستدلال بالحديث، و محصله: ظهوره في أنّ المجعول هو السلطنة المطلقة غير المحدودة بشي ء، فإذا تحققت إضافة الملكية بالمعاطاة مثلا وقعت جميع شؤون المملوك تحت اختيار المالك الفعلي و سلطنته، و لم يجز لغيره- سواء كان هذا الغير المالك الأوّل أم شخصا أجنبيا- أن ينتزع المال من مالكه بدون رضاه، و من المعلوم أنّ المال لو لم يكن ملكا لازما للمتعاطي لجاز للمالك الأوّل أن يستردّه منه، و لم تكن سلطنة المتعاطي مطلقة، بل كانت مقيّدة بعدم رجوع الطرف، مع أنّ مدلول الحديث سلطنة المالك مطلقة و غير مقيّدة برجوع الآخر و عدم رجوعه، و هذا هو اللزوم.

(2) الضمير المستتر و ضميرا «تملّكه، فيه» راجعة إلى المال.

(3) هذا الضمير و ضمائر «اختياره، عنه، رضاه» راجعة إلى المالك، المستفاد من العبارة.

(4) يعني: إذا جاز للمالك الأوّل أن يتملّك المال بالرجوع كان منافيا للسلطنة المطلقة للمالك الفعلي.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 511

(5) هذه نتيجة تقريب الاستدلال، و مقتضاه عدم المجال لاحتمال كون المقام من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، الذي تقرّر عدم جوازه في الأصول.

(6) قد تقدّم توضيح هذا التوهم بقولنا: «فان قلت: ان التمسك بهذا الحديث .. إلخ» كما تقدّم جوابه بقولنا: «قلت: لا يرد هذا الإشكال».

(7) إذ لعلّه عاد بالرجوع الى ملك المالك الأوّل، و يرتفع موضوع سلطنة المالك الفعلي حينئذ. هذا تمام التوهم. و لم يذكر المصنف قدّس سرّه جوابه اتكالا على ما أفاده في تقريب الاستدلال بالحديث، و قد تقدم توضيحه.

______________________________

[1] قد استشكل في هذا النبوي تارة بضعف السند.

و أخرى بأنه غير مسوق لبيان أنحاء السلطنة ليكون دليلا على لزوم العقد بمعنى عدم

ص: 511

______________________________

جواز الرد، لمنافاته لإطلاقها، بل مفاده عدم الحجر و استقلال المالك فيما ثبت مشروعيته.

و ثالثة- بعد تسليم دلالته على جعل السلطنة- بأنه لا إطلاق له، بل الثابت السلطنة في الجملة، و هو غير مجد في المقام.

و رابعة بأنّ التمسك بالحديث لعدم نفوذ رجوع المالك الأصلي في عود المال إليه منوط بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لأنّه يشك في كون رجوعه فسخا للمعاملة و موجبا لعود المال إلى مالكه، و مع الشك لا مجال للتشبث بدليل السلطنة كما هو واضح، هذا.

أقول: قد اتضح مما ذكرناه حول الحديث- في أدلة مملكية المعاطاة- حال الإشكالات الثلاثة الأول، و لا حاجة الى الإعادة.

إنما الكلام في الاشكال المختص بالمقام و هو شبهة اندراجه في التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، فنقول: لا ريب في كون دليل السلطنة معلّقا على عدم مزاحمة سلطنة العبد لسلطنة مولاه. لكنه منوط باحرازها بالعلم بها أو بقيام الحجة عليها. و أمّا مع الشك في تحقق سلطنة المولى يبنى على عدمها كالشك في ورود المخصص اللفظي أو الوارد أو الحاكم، فإنّه لا أثر لمجرّد احتمالها- بعد الفحص عنه و عدم الظفر به- في قبال إطلاق الدليل اللفظي، و لا وجه لرفع اليد عنه بمجرد الاحتمال المزبور.

فهو نظير ما إذا ورد «أكرم العلماء» و احتمل خروج شعرائهم عن حيّز وجوب الإكرام، أو ورد «كل مشكوك الحكم حلال» و احتمل قيام أمارة على حرمة شرب التتن، و من المعلوم أنّ هذه الأمارة على فرض وجودها واردة أو حاكمة على دليل حلية مشكوك الحكم، و لكن لا نرفع اليد عن هذا الدليل بصرف احتمال قيام أمارة على الحرمة، كما لا نرفع اليد عن عموم دليل وجوب «إكرام العلماء» بمجرد احتمال ورود دليل على حرمة إكرام شعرائهم.

و كذا الحال في دليل السلطنة، فلا نرفع اليد عن إطلاقه بمجرّد احتمال وجود الرافع.

نعم لا بد في التمسك بالإطلاق من الفحص عن المقيّد كما ثبت في محلّه.

ص: 512

______________________________

ثم إنّ هنا إشكالا آخر على الاستدلال أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بقوله: «ان المنفي بالالتزام هي السلطنة المنافية لسلطنة المالك على جميع التصرفات الواردة على المال، دون غيرها من أنحاء السلطنة .. و ليس سلطنة الغير على الرجوع سلطنة على تملك المال على حدّ سلطنة الشفيع على تملك مال المشتري ببذل مثل الثمن لتكون مزاحمة لسلطان المالك، بل سلطنة على الردّ و الاسترداد، فهو في الحقيقة سلطنة على إزالة الملكية، و المالك له السلطان على الملك لا على الملكية ..» «1».

و محصّله: أنّ الفسخ و الرجوع يؤثّر في إبطال موضوع السلطنة، و بيانه: أنّ مقتضى ترتب السلطنة على «أموالهم» تأخّرها رتبة عن إضافة الملكية تأخّر كل حكم عن موضوعه، و الإضافة متأخرة عن العقد المملّك كالمعاطاة، و حيث إنّ نسبة الفسخ الى العقد نسبة الرافع إلى المرفوع فلو فسخ المالك الأصلي كان مقتضاه إعدام العقد الموضوع لإضافة الملكية الموضوعة للسلطنة، و مع تأخر سلطنة المتعاطي عن العقد- الذي ينحلّ بالفسخ و الرجوع- برتبتين لم تكن سلطنته بقول مطلق منافية لتأثير الفسخ في إعدام العقد، لاستحالة تكفل الحكم إبقاء موضوع نفسه، و لا تأثيره في أمر متقدم بالرتبة على موضوع نفسه.

و بعبارة أخرى: الفسخ يزيل العقد، و سلطنة المتعاطي لا تمنع من تأثير الفسخ، لقيامها بموضوعها و هو الملكية الناشئة من العقد.

و عليه فلا يصلح الحديث لإثبات أصالة اللزوم، فإنّ دلالته إنّما هي بمدلوله الالتزامي و هو اقتضاء سلطنة المالك- على جميع التصرفات سلطنة مطلقة- عدم سلطنة الغير على ما يزاحم هذه السلطنة المطلقة، و إلّا لم تكن مطلقة. و أنت خبير بأن موضوع هذه السلطنة المطلقة المال المضاف- بإضافة الملكية- إلى المالك. و مع تعلق الفسخ بالعقد الموجب للملكية لا مجال لنفيه بإطلاق سلطنة المالك لكل تصرف في ملكه، هذا.

و هذا البيان و إن لم يخل عن قوّة و دقّة، إلّا أنّه يمكن أن يقال: انّ الفسخ و إن تعلق

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، 34.

ص: 513

و لما (1) ذكرنا تمسّك المحقّق قدّس سرّه في الشرائع على لزوم القرض بعد القبض بأنّ (2)

______________________________

(1) أي: و لأجل كون مقتضى السلطنة المطلقة على الملك عدم خروجه عن ملكه بغير اختياره تمسّك المحقق في الشرائع على لزوم القرض- الذي هو من موجبات الملك- بأنّ فائدة الملك السلطنة. و غرض المصنف إقامة الشاهد على ما استظهره من الحديث النبوي من دلالته على جعل السلطنة المطلقة للملّاك على أموالهم، و أنّ تحديدها بشي ء يتوقف على دليل.

قال المحقق: «القرض يملك بالقبض، لا بالتصرف، لأنّه فرع الملك، فلا يكون مشروطا به. و هل للمقرض ارتجاعه؟ قيل: نعم و لو كره [اكره] المقترض. و قيل: لا، و هو الأشبه، لأنّ فائدة الملك التسلّط» «1».

(2) يعني: أنّ فائدة ملك المقترض هي السلطنة على العين المقترضة، و هذه السلطنة مانعة عن رجوع المقرض، فليس له الرجوع بدون إذن المديون، لأنّ تملّكه برجوعه مناف لسلطنة المقترض على ماله، فلا ينفذ. فدليل السلطنة يدلّ بالدلالة الالتزامية على عدم جواز الرجوع، و عدم نفوذه، لأنّ لازم نفوذه عدم سلطنة المالك على ماله.

______________________________

بالعقد ابتداء لا بالمال، لكن الظاهر عدم موضوعية حلّ العقد بما هو، و إنّما الغرض التوسل بالفسخ الى استرداد المال، و إخراجه عن ملك مالكه الفعلي، كما أنّ نفس العقد طريق لتملّك مال الغير، و حينئذ فلو كان لغير المالك حق الفسخ و الرجوع كان معناه سلطنته على إخراج المال عن ملك مالكه الفعلي رغما لأنفه و بلا طيب نفسه، و هذا ينافي جدّا- بحسب النظر العرفي- لجعل سلطنة مطلقة للمالك، لفرض عدم مانعيّتها عن تصرّف غير المالك بفسخ العقد.

و حديث تعدد الرتبة و إن كان صحيحا، لكنّه أجنبي عن باب الاستظهار العرفي المعوّل عليه في الخطابات الشرعية. و عليه فهذا الاشكال يمكن منعه.

و المتحصّل: أنّ المهم في الاستدلال بحديث السلطنة هو إحراز مشرّعيته و عدم كونه في مقام بيان أمر عدمي، و هو استقلال المالك و عدم حجره عن التصرفات المشروعة في نفسها. و المسألة لا تخلو بعد من تأمّل.

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 68.

ص: 514

فائدة الملك السلطنة. و نحوه العلّامة قدّس سرّه في موضع آخر (1).

[الدليل الثالث: حديث توقف حلية مال الغير على طيب نفسه]

و منه (2) يظهر جواز التمسك بقوله عليه السلام: «لا يحلّ مال امرء إلّا عن طيب نفسه»

______________________________

فالمتحصل: أنّه لا ينبغي الإشكال في كون تملّك مال الغير بلا إذنه- و بدون طيب نفسه- منافيا لسلطنة المالك، فيدفع بإطلاق دليل السلطنة.

(1) يعني: غير كتاب القرض، و لعلّ مقصود المصنف ما أفاده العلامة في بيع التذكرة بقوله: «يجوز بيع كل ما فيه منفعة، لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف» «1».

و في قرض المختلف ما يستفاد منه المطلب أيضا، حيث قال- في مسألة عدم جواز استرجاع المقرض العين المستقرضة- ما لفظه: «و قال ابن إدريس: ليس له ذلك إلّا برضى المقترض. و هو الأجود. لنا: أنّه ملكه بالقرض و القبض، فلا يتسلّط المالك على أخذه منه، لانتقال حقه الى المثل أو القيمة» «2» لدلالته على اقتضاء الملك السلطنة على التصرف في ماله، و إنّما لا يجوز للمقرض الرجوع في العين من جهة انقطاع إضافته عن العين بمالها من المشخّصات، و انتقال حقه الى البدل.

الدليل الثالث: حديث توقف حلية مال الغير على طيب نفسه

(2) يعني: و من تقريب الاستدلال- على أصالة اللزوم في الملك- بحديث السلطنة يظهر جواز التمسك بقوله عليه السّلام: «لا يحل ..» و هذا هو الدليل الثالث على أصالة اللزوم، و ينبغي البحث أوّلا في متن الحديث و سنده، ثم دلالته على المدّعى، فنقول: لم أظفر في كتب الأخبار بالنصّ المذكور في المتن، إذ فيها روايات خمس تختلف عمّا أثبته المصنف قدّس سرّه.

الاولى: معتبرة سماعة و زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 464.

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 392.

ص: 515

..........

______________________________

امرء مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه [نفسه]» «1».

الثانية: ما في تحف العقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنه قال في خطبة حجة الوداع: أيّها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه» «2».

الثالثة: ما في عوالي اللئالي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «المسلم أخو المسلم، لا يحلّ ماله إلّا عن طيب نفس منه» «3».

الرابعة: رواية محمد بن زيد الطبري، قال: «كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السّلام: يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم .. لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه» «4».

الخامسة: ما في التوقيع المبارك إلى محمد بن جعفر الأسدي- في جواب مسائله عنه عليه الصلاة و السلام: «و أمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية، احتسابا للأجر، و تقرّبا إليكم، فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في ما لنا، من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، و من أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا، و سيصلى سعيرا» «5».

و هذا التوقيع الشريف و إن كان مرسلا في الاحتجاج، لكنه مسند بنقل الصدوق في

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 3، ص 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث: 1، و رواه أيضا في ج 19، ص 3، الباب 1 من أبواب قصاص النفس، الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة، ج 3، ص 425، الحديث: 3.

(3) عوالي اللئالي، ج 3، ص 473، الحديث: 1، و بمضمونه الحديث 3 من نفس الصفحة، و في ج 1، ص 222، الحديث: 898 و ج 2، ص 113 و 240.

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 375، الباب 3 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام، الحديث: 2.

(5) بحار الأنوار، ج 53، ص 183، كمال الدين و تمام النعمة ص 485، طبع النجف الأشرف، و فيه «و لا يحل» بدل «فلا يحل». وسائل الشيعة، ج 6، ص 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث: 6.

ص: 516

..........

______________________________

كمال الدين، فلا وجه لرميه بالإرسال بقول مطلق، فلاحظ.

و عدم انطباق ما في المتن على إحداها واضح، فيحتمل أنّ المصنف قدّس سرّه نقل المضمون و المعنى لا اللفظ، و يحتمل سهو الناسخ.

و كيف كان فتقريب الاستدلال بما في المتن: أنّ الحديث يدلّ على كون سبب حلية التصرف في أموال الناس منحصرا في رضا الملّاك، و أنّه لا يجوز لغير المالك شي ء من التصرفات، و حيث إنّ المال انتقل الى ملك المتعاطي بنفس المعاطاة لم يجز للغير- سواء أ كان هو المالك السابق أم أجنبيا عن المعاملة- أن يتملّك ذلك المال بدون رضا مالكه الفعلي، حيث إن تملّكه كذلك مناف لانحصار سبب الحلّ في الرضا و طيب النفس، كمنافاة تملكه بدون رضاه لسلطنة المالك المطلقة.

و عليه فانحصار سبب الحلّ في رضا المالك يكشف عن عدم نفوذ فسخ المالك الأصلي، لأنّ الفسخ و الرجوع تصرّف في مال من انتقل إليه المال بالمعاطاة، و كل تصرّف غير مقرون برضا المالك ممنوع شرعا، فلا عبرة برجوع المالك الأصلي، و هذا معنى لزوم الملك بالمعاطاة.

فإن قلت: إنّ موضوع حرمة التصرف و التملك هو المال المضاف إلى الغير، فما دام هذا الموضوع محقّقا ثبتت الحرمة، و إلّا فلا، إذ لا يتكفل الحكم لموضوعه نفيا و إثباتا.

و عليه فالتمسك بأحاديث الحل على لزوم المعاطاة لا يخلو من شبهة التشبث بالدليل في الشبهة الموضوعية، إذ لو اشترى زيد كتابا من عمرو بدينار- بالمعاطاة- حرم على عمرو التصرف في الكتاب ما لم يرجع عن بيعه، لأنّه تصرف في مال الغير. و أمّا إذا رجع و فسخ المعاطاة احتمل خروج الكتاب عن ملك زيد و انتقاله إلى ملك نفسه، لاحتمال إفادة المعاطاة ملكا جائزا، فلم يحرز حينئذ كون الكتاب مال زيد كي يترتب عليه حكمه- أعني به حرمة تصرّف عمرو فيه- حتى يستكشف منها لزوم المعاملة.

قلت: لا مجال لهذه الشبهة، لما تقدم في حديث السلطنة، من أنّه ليس المجعول سلطنة

ص: 517

حيث (1) دلّ على انحصار سبب حلّ مال الغير (2) أو جزء (3) سببه في (4) رضا المالك، فلا يحل (5) بغير رضاه.

______________________________

مهملة حتى يتطرّق إليه الشك في تأثير الرجوع، بل السلطنة مطلقة، و نقول هنا: إنّ المقرّر في الأصول: إفادة حذف المتعلّق للعموم، و في المقام يكون الفعل المحذوف المتعلق بالمال في قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء» كل فعل يتعلّق بمال الغير سواء أ كان تصرفا خارجيا كالأكل و الشرب و اللبس و مطالعة الكتاب و سكنى الدار و نحوها، أم تصرفا اعتباريا كتملكه و بيعه و وقفه، و عليه فكلّ تصرف في مال الغير منهي عنه إلّا إذا كان بطيب نفس المالك، فلا ينفذ تملكه إلّا بإذنه، فلا أثر لرجوع المالك الأوّل.

و بهذا ظهر أجنبية المقام عن التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، لدلالة الحديث على أنّ نفس رجوع المالك الأوّل- الذي يوجب الشك في انقطاع إضافة المال الى الغير و هو المتعاطي- مما لا عبرة به، لانّ الرجوع الموجب لخروج المال عن ملك المتعاطي منهيّ عنه و غير نافذ شرعا.

(1) هذا تقريب الاستدلال، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «و كيف كان فتقريب الاستدلال بما في المتن .. إلخ».

(2) كما في موارد إباحة المالك ماله للغير كالإذن له في شربه و أكله، فإنّ الرضا هنا سبب منحصر لحلية تصرف غير المالك.

(3) معطوف على «سبب» أي: دلّ على انحصار جزء سبب الحلّ في رضا المالك، و ذلك كما في موارد التمليك بالعوض كالبيع أو بلا عوض كالهبة، فإنّ الرضا جزء السبب، و جزؤه الآخر هو العقد سواء أ كان قوليّا أم فعليّا.

(4) متعلق ب «انحصار».

(5) أي: فلا يحلّ مال الغير من دون رضا مالكه.

ص: 518

و توهّم (1) تعلّق الحلّ بمال الغير (2)، و كونه (3) مال الغير- بعد الرجوع- أوّل الكلام- مدفوع (4) بما تقدّم (5) من أن تعلّق الحلّ بالمال يفيد العموم، بحيث يشمل التملّك أيضا (6)، فلا يحلّ (7) التصرف فيه، و لا تملّكه إلّا بطيب نفس المالك [1].

______________________________

(1) غرض المتوهّم درج المقام في التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، و هو ممنوع عندهم.

(2) يعني: أنّ قوله عليه السّلام: «لا يحل» متعلق ب «مال امرء» و من المعلوم أن الحكم بالحرمة منوط بإحراز كون المال «مال امرء» حتى لا يجوز التصرف فيه، و المفروض الشكّ في بقاء إضافة الملكية بعد الرجوع و الفسخ.

(3) أي: لم يحرز كون المال مال الغير بعد رجوع المالك الأصلي حتى يحرم عليه التصرف فيه.

(4) خبر «و توهّم» و تقدم توضيحه بقولنا: «قلت: لا مجال لهذه الشبهة، لما تقدّم ..».

(5) يعني: في حديث السلطنة، فكما أنّ حذف متعلق السلطان يفيد إطلاق السلطنة المجعولة، كذلك يفيد حذف متعلق «لا يحلّ» عموم التصرف، الشامل للخارجي و الاعتباري، و من المعلوم أنّ المالك الأصلي لو فسخ المعاملة و تملّك- ما باعه بالمعاطاة- كان فسخه تصرّفا في مال غيره، فهذا الفسخ غير نافذ.

(6) كما يشمل التصرّف الخارجيّ كالأكل و الشرب و ركوب الدابة و نحوها.

(7) هذا متفرّع على عموم حرمة التصرّف في مال الغير، المستفاد من حذف المتعلق، و مقصوده من قوله: «فلا يحلّ له» هو التصرّف الخارجي، بقرينة قوله: «و لا تملّكه» الناظر إلى التصرّف الاعتباري.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى عموم المحذوف الذي يتعلّق به الحلّ هو إرادة الجامع بين الحلّ التكليفي و الوضعي، لامتناع أعمية الموضوع من المحمول، و لذا لا يصحّ أن يقال:

«الحيوان إنسان». و في المقام لمّا كان المحذوف عامّا للتصرف الخارجي كالأكل و الشرب و نحوهما، و الاعتباري كالبيع و الصلح و الهبة و نحوها لزم أن يكون المحمول- و هو الحلّ-

ص: 519

______________________________

أيضا عاما، فيصير المعنى حينئذ: أنّ كل تصرف خارجي و اعتباري في مال الغير ممنوع إلّا بطيب نفس المالك، فالمراد بالحلّ عدم المنع، و استفادة خصوص التكليف أو الوضع إنّما هي باختلاف المتعلق، فإذا قيل: «أكل مال الغير مثلا أو شرب الفقّاع أو أكل لحم الخنزير عند الاضطرار حلال» فالمراد الحلّ التكليفي. و إذا قيل: «غسل الرجلين في الوضوء حال التقية أو لبس الميتة أو الحرير أو الذهب أو ما لا يؤكل في الصلاة كذلك حلال» فالمراد به الحل الوضعي.

و الحاصل: أنّ الحلّ و الحرمة يستعملان في الجامع، و يراد الخصوصية باختلاف المتعلق، فلا يتوقف الاستدلال على إرادة خصوص الحل الوضعي من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا يحل».

نعم قد يشكل الاستدلال بما أفاده سيدنا الأستاد قدّس سرّه: من توقف الاستدلال به على أن يكون المراد من الحلية الحلية الوضعية، ليكون موضوعها التصرفات الاعتبارية التي منها التملّك. أمّا لو كان المراد منها الحلية التكليفية كما هو الظاهر منها، و لا سيّما بقرينة السياق و المورد، إذ لم نعثر على المتن المذكور إلّا على ما رواه سماعة .. الى أن قال: اختصت بالتصرفات الحقيقيّة مثل أكله و لبسه و نحوهما، فلا تشمل التملّك» «1».

و قريب منه ما في تقرير السيد المحقق الخويي قدّس سرّه و محصله: أن الحلّ و إن كان أعمّ من التكليف و الوضع، لكونه لغة بمعنى الإطلاق و الإرسال، في قبال التحريم الذي هو بمعنى المنع و الحجر، فيناسب كليهما، و يصح استعماله فيهما، و تستفاد خصوصية إحداهما من اختلاف القرائن و الموارد، فإذا أسند الحلّ إلى أمر اعتباري كالبيع أريد منه الحلّ التكليفي و الوضعي معا، و إذا أسند إلى الأعيان الخارجية أريد منه التكليف خاصة كقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ و هكذا لفظ التحريم. و لفظ الحلّ في الحديث الشريف نسب الى المال، و هو إمّا عين خارجية، و إمّا منفعتها.

______________________________

(1): نهج الفقاهة، ص 46

ص: 520

______________________________

و على كلا التقديرين لا معنى لحلّيته إلّا باعتبار ما يناسبه كالتصرف، فيراد من حلية المال حلية التصرف فيه، كما أنّ المراد من حلية المأكولات حلّية استعمالها الأكلي، فمعنى الرواية: أنّ الشارع المقدس لم يرخّص في التصرف في مال امرء إلّا بطيب نفسه، فتكون أجنبية عما نحن فيه «1».

لكن يمكن أن يقال: إنّ الاستدلال لا يتوقف على إرادة الحلّية الوضعية، لتماميته مع إرادة الجامع أيضا. بل يتم حتى مع ظهورها في التكليف خاصة، لدلالة حرمة التصرف الخارجي- في مال الغير بعد الفسخ- التزاما على عدم تملكه بالفسخ، إذ مع نفوذ تملكه لا وجه لحرمة التصرف فيه تكليفا. و عليه فلو سلّمنا اختصاص التصرف بالخارجي دون الاعتباري، و الحلّ بالتكليفي تمّ الاستدلال بالحديث أيضا على المدعى.

و أمّا استفادة خصوص الحلية التكليفية عند الإضافة إلى الأعيان فلا تخلو من غموض.

فإنّ الحلية المسندة إلى الأعيان يراد بها كلّ من التكليف و الوضع، كقوله تعالى أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ، وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ، وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ، وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ «2» فإنّ الحلّ المضاف الى الطيبات و الطعام تكليفي، و المضاف الى المحصنات وضعي، لأنّ المراد به العقد عليهن. و كذا في قوله تعالى في المطلقة ثلاثا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ «3».

و بالجملة: فإطلاق «الحلّ» المضاف إلى الأعيان على كلّ من الحلّ التكليفي و الوضعي ممّا لا ينبغي التأمل فيه.

بل يمكن أن يقال: بعدم الحاجة الى التقدير حتى يقال: إنّ المقدّر هو التصرف الخارجي، بتقريب: أنّ إطلاق إضافة الحلّ الى ذات المال مبنيّ على الادّعاء، ضرورة أنه لا معنى

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 139.

(2) المائدة، الآية: 5.

(3) البقرة، الآية: 230.

ص: 521

______________________________

لكون الذات حلالا أو حراما، و بديهي أنّ صحّة هذا الادعاء منوطة بكون المال بجميع شؤونه غير حلال، فلا تصح هذه الدعوى إذا كان المال ببعض شؤونه حلالا. و لا ريب في كون التصرفات المعاملية من أوضح شؤون المال و تحولاته، فلو حلّ لغير المالك تلك التحولات المعامليّة كان ادّعاء عدم حلية الذات له مستهجنا.

و دعوى «عدم كون التحولات المعامليّة من التصرفات» مدفوعة، بما عرفت من أنّ التصرفات المعاملية من التحولات الشائعة في المال، كما يشهد به مراجعة العقلاء، فإنّ المعاملات تعدّ عندهم من أوضح التصرفات. و لو تنزّلنا عن صدق التصرف على المعاملة كفى كونها من الشؤون البارزة للمال بحيث لا تصحّ دعوى نفى حلّ ذات المال بدونها.

فلا يمكن المساعدة على ما في تقرير سيدنا الخويي: من كون المقدّر خصوص التصرف، فيراد من نفي الحل نفي الترخيص، و هو أجنبي عما نحن فيه من نفي تملك الغير الذي هو حكم وضعي.

فالمتحصّل: أنّ كون المعاملات من التصرف مما لا ينبغي الارتياب فيه. و يشهد له التبادر، فإنّه بالنسبة إلى التصرفات الخارجية و المعاملية سواء.

و قد ظهر مما ذكرنا- من كون التحولات المعاملية تصرفا حقيقة بمقتضى التبادر لا مجازا- صحة التمسك على أصالة اللزوم في الملك بموثقة سماعة المتقدمة من دون ورود شي ء من الإشكالات عليه، من كون التمسك بها بعد رجوع المالك الأصلي تشبّثا بها في الشبهة المصداقية، و من كون متعلق الحلّ المضاف الى المال خصوص التصرفات الخارجية، و من كون ظاهر «لا يحلّ» بقرينة السياق و المورد الحلية التكليفية المتعلقة بالتصرفات الخارجية، و من كون الجمع بين إرادة الحكم التكليفي و الوضعي استعمالا للفظ في أكثر من معنى. فإنّه بعد النظر الى مقدمات ثلاث، قبل الاستدلال بالموثّقة يظهر عدم ورود شي ء من هذه الإشكالات.

المقدّمة الأولى: كون الحلّ بمعنى المضيّ و عدم المنع عنه في الشريعة، و هذا المعنى أعمّ من التكليف و الوضع مع وحدة المعنى.

ص: 522

[الدليل الرابع: حرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض]

و يمكن الاستدلال أيضا (1) بقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1».

______________________________

الدليل الرابع: حرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض

(1) يعني: كما أمكن الاستدلال بما مضى من حديثي السلطنة و الحلّ. و كان الأنسب تقديم الاستدلال بهذه الآية المباركة- و آية وجوب الوفاء بالعقود- على الاستدلال بالحديثين الشريفين.

______________________________

المقدمة الثانية: أنّ التصرف أعمّ من الخارجي و الاعتباري بحكم التبادر.

المقدمة الثالثة: كون الحذف أمارة على كون المقدّر عامّا، بل قد عرفت عدم الحاجة إلى التقدير و كفاية الادّعاء في صحة الاستدلال، و إرادة جميع التحولات في الذات و إن لم تسمّى تصرفا، إذ لا يصح إطلاق عدم حلية الذات إلّا بملاحظة كون المنفي جميع الشؤون و التحولات.

و ربما يشهد به مورد الرواية و هو حبس الأمانة و عدم ردّها، إذ ليس الحبس تصرّفا محسوسا كالأكل و الشرب، فلو كان المراد خصوص التصرفات الحسّيّة لم تنطبق الكبرى الكلية على المورد، و هو حبس الأمانة، و استهجانه غير خفي.

و أمّا عطف حرمة المال فيها على حرمة دم المسلم فليس قرينة على تعيّن إرادة الحرمة التكليفيّة فيه من جهة عدم تصوّر حرمة الدم وضعا. و وجه عدم القرينية ما ذكرناه من أعمية الحلية من التكليف و الوضع.

و لو سلّمت قرينيّتها عليها لم يقدح في الاستدلال، لما تقدم أيضا من اقتضاء حرمة مطلق التصرف في مال الغير- بدلالتها الالتزامية- على عدم تملّكه بالفسخ.

فالمتحصل: أنّ الاستدلال بالموثقة و ما بمضمونها- على فرض اعتباره- على أصالة اللزوم في الملك وجيه كما اختاره المصنف قدّس سرّه.

______________________________

(1): النساء، الآية: 29.

ص: 523

و لا ريب (1) أنّ الرجوع ليست تجارة (2) و لا عن تراض (3)،

______________________________

و كيف كان فهذه الآية دليل على أصالة اللزوم في الملك، و للمصنف تقريبان للاستدلال بها.

أحدهما: بالنظر الى مجموع المستثنى و المستثنى منه: و هو رابع الأدلة على اللزوم.

و الآخر: مقصور على استفادة الحكم من عقد المستثنى منه بلا ضمّ الاستثناء، و هو خامس الأدلة و سيأتي توضيح كلا الوجهين إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا شروع في تقريب الوجه الأوّل- أعني به دلالة المستثنى منه و المستثنى معا على لزوم الملك- و حاصله: أنّ الأكل كناية عن التصرف كما هو الشائع، يعني: أنّ مجوّز التصرف في مال الغير منحصر- بمقتضى الحصر- في التجارة عن تراض، فالآية في مقام سلب سببيّة الباطل للنقل و التمليك، و من المعلوم أنّ الرجوع ليس تجارة عرفا، بل حلّا و فسخا لها، و لا عن تراض، لعدم رضا المالك الفعلي برجوع المالك الأصلي.

و عليه فمقتضى انحصار السبب الناقل و المملّك للأموال في التجارة عن تراض هو عدم كون الرجوع مملّكا و ناقلا، لكونه باطلا عند العقلاء عرفا و شرعا. فالآية الشريفة تدلّ على بطلان الفسخ و عدم تأثير رجوع المتعاطي فيما أعطاه للآخر، و ذلك لأنّ المدار في جواز أكل مال الغير هو صدق التجارة عن تراض على السبب المحلّل له، و حيث إنّه لا يصدق أصل التجارة- و لا بقيد التراضي- على الرجوع استكشف منه حرمة التصرف في المال بعد الرجوع، و هو دليل لزوم المعاطاة، و كون الرجوع لغوا.

(2) وجه عدم صدق عنوان التجارة على رجوع المتعاطي هو كون التجارة لغة:

الإعطاء و الأخذ بقصد الاسترباح، و هذا المفهوم منحصر في المعاملات الموجبة لنموّ رأس المال و زيادته. و من المعلوم أنّ المتعاطي عند رجوعه لا يحصّل ربحا، و إنّما يستردّ عين ماله التي تعاطى بها.

(3) وجه عدم كون الرجوع تجارة عن تراض- لو سلّم صدق التجارة عليه- واضح،

ص: 524

فلا يجوز (1) أكل المال.

و التوهم المتقدم في السابق (2) غير جار هنا، لأنّ (3) [1] حصر مجوّز أكل المال

______________________________

لفرض عدم رضا المتعاطي الآخر به، و إلّا كان إقالة من الطرفين.

(1) يعني: فلا يجوز لأحد المتعاطيين أن يتصرف فيما أعطاه للآخر، لأنّ تصرّفه فيه أكل لمال غيره بالباطل.

(2) يعني: في تقريب الاستدلال بحديثي السلطنة و عدم حلّ مال غيره إلّا بطيب نفسه.

و التوهّم المزبور هناك هو: أنّ التمسك بهما من التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة، ضرورة أنّه بعد رجوع المالك الأصليّ يشكّ في كون المال ملكا للغير، لاحتمال رجوع المال إليه، فلا يكون أكله حينئذ أكلا لمال غيره، بل لمال نفسه. و مع هذا الشك لا تحرز الإضافة التي هي موضوع السلطنة و حرمة التصرّف، فيكون التمسّك بالدليل تشبّثا به في الشبهة الموضوعية.

(3) تعليل لعدم جريان التوهّم المزبور، و حاصل وجه عدم جريانه هنا هو: أنّ المستفاد من الآية حصر سبب تملّك أموال الناس في التجارة عن تراض، بحيث يكون تصرف الآكل فيه تصرفا في ماله لا في مال غيره، و من المعلوم أنّ هذا الحصر ينفي سببيّة رجوع المالك الأصلي بتملّكه، لعدم كون رجوعه تجارة عن تراض، بل من الأسباب الباطلة، فهذه الآية الشريفة نصّ في عدم كون رجوع المالك مملّكا، لعدم اندراج الرجوع في «التجارة عن تراض» و كلّ ما لم يكن كذلك يعدّ من الأسباب الباطلة.

و بالجملة: فمفاد الآية الشريفة هو: أنّه لا يجوز للإنسان أن يأكل مالا على أنّه ماله، و هو مال لغيره واقعا، إلّا إذا كان بسبب التجارة عن تراض. و ليس مفادها عدم جواز تصرفه في مال الغير حتى يقال: إنّه بعد رجوع المالك يشكّ في أنّه مال الغير، فلا يصح التمسك بالآية، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة المصداقية.

______________________________

[1] هذا التقريب- كما عرفت- ناظر إلى سلب سببية الباطل للتملك.

و يمكن أن يقرّب على وجه آخر، و هو: أنّ النهي عن الأكل ناظر إلى حرمة الأكل ابتداء،

ص: 525

في التجارة إنّما يراد به أكله على أن يكون ملكا للآكل (1) لا لغيره.

[الدليل الخامس: حرمة الأكل بالباطل]

و يمكن التمسّك أيضا بالجملة المستثنى منها (2)، حيث إنّ أكل المال و نقله

______________________________

(1) يستفاد هذا القيد في المستثنى منه بقرينة المقابلة للمستثنى، بداهة أنّ المترتب على المستثنى هو الأكل بعنوان كون المال ملكا للآكل، لأنّ أثر التجارة عن تراض التي هي سبب شرعي للنقل و التمليك هو كون المتصرّف- بعد وقوع هذه التجارة- مالكا للمال، و قرينة المقابلة تقتضي كون المأكول في المستثنى منه أيضا- بعنوان كونه ملكا لذي اليد، و عدم جواز أخذه منه.

و على هذا فلا يرد عليه التخصيص بمثل الضيافة و غيرها مما يجوز الأكل فيه بدون تجارة عن تراض، لأنّ خروجها بناء على هذا المعنى موضوعي، إذ المفروض أنّ المالك أجاز للآكل أن يتصرف فيه.

نعم يرد عليه التخصيص بالإرث و نحوه، كانتقال مال المرتد الفطري إلى وارثه بالارتداد، فإنّ الوارث يتصرف في المال على أنّه مال الآكل مع عدم كون السبب المحلّل تجارة عن تراض.

الدليل الخامس: حرمة الأكل بالباطل

(2) يعني: مع الغضّ عن الاستثناء، بخلاف التقريب الأوّل الذي كان تمسّكا بمجموع جملتي المستثنى منه و الاستثناء.

و محصّل تقريب الاستدلال بالوجه الثاني: أعني به جملة المستثنى منها- مع قطع النظر

______________________________

و إلى بطلان السبب ثانيا، فدلالته على حرمة الأكل مطابقية، و على بطلان السبب الذي ينشأ منه الأكل التزاميّة، حيث إنّ النهي يدلّ مطابقة على حرمة الأكل، و التزاما على بطلان سببها، إذ لا منشأ لحرمة الأكل إلّا بطلان منشأها و سببها، فيعلم من حرمة الأكل عدم صحة سببه و كونه من الباطل، فحرمة الأكل تكشف عن كون الفسخ و التّرادّ سببا باطلا عرفا و غير نافذ شرعا.

و الفرق بين التقريبين واضح، لأنّ الأوّل مدلول مطابقي، و الثاني التزامي.

ص: 526

عن مالكه (1) بغير رضى المالك أكل و تصرف بالباطل عرفا (2). نعم (3) بعد إذن المالك الحقيقي و هو الشارع- و حكمه التسلّط على فسخ المعاملة من دون رضا المالك- يخرج (4) عن البطلان [1]

______________________________

عن الاستثناء- هو: أنّ تملّك أموال الناس قهرا و بغير رضى منهم تملّك بالباطل، و هو حرام بمقتضى النهي عنه، فيكون تملّك المال بالفسخ بدون رضى مالكه أكلا له بالباطل، إلّا إذا أذن له الشارع في الفسخ، فحينئذ يخرج التملك بالفسخ عن الباطل و يكون جائزا، كما ثبت ذلك شرعا في موارد:

منها: أكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها، فإنّه بعد إذن الشارع يخرج عن أكل المال بالباطل.

و منها: الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار.

و منها: تملك أموال المرتد الفطري بالارتداد. و غير ذلك من الأسباب القهريّة لتملّك أموال الناس، فإنّ إذن الشارع يخرجها عن الباطل.

هذا بحسب الكبرى. و تطبيقها على المقام هو: أنّ الشارع لمّا لم يأذن في فسخ المعاطاة- لفرض عدم ثبوت جواز الرجوع بعد- كان التصرف في مال الغير بإخراجه عن ملكه أكلا له بالباطل، و هو حرام تكليفا و وضعا.

(1) و هو الذي اشترى المال بالمعاطاة و صار مالكا له.

(2) هذه الكلمة صريحة في أنّ موضوع حرمة الأكل هو الباطل العرفي الصادق على فسخ أحد المتعاطيين و رجوعه فيما انتقل عنه، و ليس المراد به الباطل الشرعيّ حتى تتجه شبهة التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقية.

(3) استدراك على موضوعية الباطل العرفي لحرمة الأكل، يعني: أنّ ترخيص الشارع لأكل مال الغير كاشف عن كونه سببا حقّا لا باطلا.

(4) ظاهر الخروج عن البطلان هو الخروج الموضوعي لا الحكمي بالتخصيص،

______________________________

[1] لكن مقتضى خروجه عن البطلان موضوعا عدم جواز التمسك بالآية فيما إذا كان

ص: 527

و لذا (1) كان أكل المارّة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لو لا إذن المالك الحقيقي (2)، و كذا الأخذ بالشفعة (3)، و الفسخ بالخيار (4)، و غير ذلك من الأسباب القهرية (5) [1].

______________________________

فمقصوده ظاهرا تخطئة الشارع نظر العرف فيما يرونه باطلا كأكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها، فهذا سبب حق عرفي بعد التفاته إلى إباحة الأكل شرعا.

و الوجه في الخروج الموضوعيّ لا الحكمي هو: أن عنوان «الباطل» كالعلّة التامة لحرمة الأكل غير قابل للتخصيص، و عليه فموارد ترخيص الشارع في الأكل خارجة عن الباطل تخصصا.

(1) يعني: و لأجل خروج موارد ترخيص الشارع في الأكل عن «الباطل» موضوعا كان أكل المارّة باطلا بنظر العرف لو لا إذن الشارع، و أمّا بعد إذنه فليس أكله باطلا.

(2) يعني: و بعد إذن المالك الحقيقي يخرج الأكل عن كونه أكلا بالباطل إلى كونه أكلا بالحق.

(3) حيث إنّ الشريك مسلّط على فسخ عقد المشتري ببذل مثل الثمن إليه، فيضمّ حصة المشتري الى حصة نفسه قهرا و إن لم يرض المشتري به، و هذا أكل للمال بالباطل بنظر العرف لو لا اطّلاعه على ترخيص المالك الحقيقي.

(4) الظاهر إرادة الخيار التعبّدي كخياري المجلس و الحيوان، فإنّ الفسخ بهما باطل عرفا، ما لم يطلع على تخيير الشارع للمتعاقدين أو لصاحب الحيوان. و أمّا الأخذ بالخيارات المستندة إلى شرط ارتكازي أو إلى جعل نفس المتعاقدين فليس أكلا للمال بالباطل عرفا من أوّل الأمر، بل هو سبب حقّ بنظرهم.

(5) كالإرث و الارتداد و الإتلاف في حال الغفلة كالنوم، فإنّ هذه أسباب باطلة للتملك ما لم يطّلع العرف على جعل الشارع، و أما مع الاطلاع فيحكم العرف أيضا بحقية هذه الأسباب للأكل.

______________________________

باطلا عرفا مع احتمال إذن الشارع فيه، للشك في الموضوع، إذ مع الإذن الشرعي يخرج عن الباطل حقيقة، فالشك حينئذ يكون في عنوان الباطل كما حرّرناه في التعليقة الآتية فلاحظ.

[1] قد يمنع دلالة الآية الشريفة على لزوم الملك بما في تقرير السيد الخويي قدّس سرّه من:

أنّ الاستدلال بها مبني على أن يكون المراد بالباطل هو الباطل العرفي ليكون متميزا عند العرف

ص: 528

______________________________

عن السبب الصحيح. أمّا لو أريد الباطل الواقعي كما هو قضية وضع الألفاظ للمفاهيم الواقعية أو احتملت إرادة ذلك من كلمة الباطل في الآية فلا يمكن الاستدلال بها على المقصود، لاحتمال أن يكون الفسخ من الأسباب الصحيحة الواقعية لا الباطلة كذلك. فحينئذ يكون التمسك بالآية لكون الفسخ سببا باطلا من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. «1» انتهى ملخّصا.

و فيه: أنّ المراد بالباطل هو الباطل العرفي، لكون المخاطب بهذا الخطاب هو العرف كسائر الخطابات، ما لم يثبت كون موضوع الخطاب مخترعا شرعيا، لأنّه لا بد حينئذ من الرجوع الى الشارع، إذ لا سبيل للعرف الى معرفته، و الالتزام بكون الباطل هو الواقعي الذي لا سبيل للعرف إليه يستلزم سقوط الخطاب عن الاعتبار، لصيرورته حينئذ مجملا.

بل تطبيق الآية على القمار الذي هو مورد نزول هذه الآية المباركة- كما في صحيحة زياد بن عيسى: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوله عزّ و جلّ وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ فقال: كانت قريش يقامر الرجل بأهله و ماله، فنهاهم اللّه عزّ و جلّ عن ذلك» «2» و قريب منه ما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى و نحوهما غيرهما» «3»- يدلّ على كون المراد بالباطل هو العرفي حيث إنّ القمار عند العرف و العقلاء من مصاديق الباطل، فليتأمّل.

ثم إنّه على تقدير كون الباطل هو الواقعيّ يمكن التمسك أيضا بالآية المباركة لأجل الإطلاق المقامي، فإنّه لو لم يكن نظر العرف حينئذ معتبرا في مقام التمييز كان الخطاب ساقطا، للإجمال كما مرّت الإشارة إليه.

و بالجملة: فالباطل العرفي هو موضوع حرمة الأكل في الآية المباركة، و إذا شككنا في تخصيصه فمقتضى أصالة العموم هو عدم التخصيص، فمن هذه الناحية لا يرد إشكال على

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 141.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 119، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(3) المصدر، ص 121، الحديث: 14.

ص: 529

______________________________

التمسك بالآية الشريفة.

نعم يرد عليه: أنّ عنوان «الباطل» معلق على عدم ورود دليل من الشارع، إذ مع وروده يخرج موضوعا عن الباطل، و يكون خروجه بالتخصص لا التخصيص، لإباء الآية المباركة عن التخصيص الحكمي كما لا يخفى. فالتعليق على عدم الورود من الشارع بشي ء من قيود موضوع الحكم، فكأنه قيل: الباطل العرفي هو المعلّق على عدم ورود شي ء من الشرع على خلافه كأكل المارّة و الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخيار، فإنّها باطلة عرفا، لكن مع ورودها من الشرع تخرج حقيقة عن الباطل، فالتمسك بالآية الشريفة- مع احتمال ورود دليل من الشارع على خلافه- يكون تشبثا بالدليل في الشبهة المصداقية.

ففرق بين هذه الآية و بين حديث السلطنة، حيث إنّ احتمال إعماله تعالى سلطنته من قبيل المخصّص الذي يكون الموضوع محفوظا معه. بخلاف الباطل، فإنّه معلّق موضوعا على عدم حكم الشارع، إذ مع حكمه لا يكون باطلا حقيقة، فالتمسك بالآية حينئذ تشبث بالدليل في الشبهة المصداقية، هذا.

إلّا أن يقال: إنّ مرجع ذلك الى كون المراد بالباطل هو الشرعي، إذ لا أثر للباطل العرفي بدون كونه باطلا شرعيا. و البناء عليه يوجب كون الباطل في الآية المباركة عنوانا مشيرا إلى ما جعله الشارع باطلا كالقمار و بيع الحصاة و البيع الربوي، و نحوها، و هذا خلاف ظاهر العناوين المأخوذة في الخطابات، و يكون النهي عن أكل المال مؤكّدا لسلب سببية الباطل الشرعي للتمليك، و لا يكون حكما تأسيسيا، و من المعلوم أنّ حمل الباطل و النهي عن الأكل على المشيرية و التأكيد خلاف الأصل، فلا محيص عن الالتزام بكون المراد بالباطل هو العرفي، غاية الأمر أنه يخرج عن حكمه في بعض الموارد، كالشفعة و الخيار و أكل المارّة من ثمرة الشجرة، مع صدق الموضوع و هو الباطل العرفي عليه. نظير سلب الماليّة عن بعض الأموال العرفية كالخمر و الخنزير و نحوهما مما يعدّ مالا عرفا، و الشارع الأقدس ألغى ماليّتها، فيكون خروج بعض الموارد عن الباطل العرفي بالتخصيص، لا التخصّص حتى لا يجوز التمسك بالآية الشريفة في صورة الشك في كون الرجوع سببا باطلا أو صحيحا، لكون الشبهة مصداقية.

ص: 530

______________________________

فالظاهر أنّ الآية الشريفة وزانها وزان حديث السلطنة، فكما لا مانع من التمسّك به لعدم نفوذ رجوع المالك الأصلي، فكذلك لا مانع من التمسك بهذه الآية لذلك. فالفرق بينهما «بالتخصّص في الآية، فلا يجوز التمسك بها، و التخصيص في حديث السلطنة فيجوز ذلك فيه» لا يخلو من غموض.

مع أنّه بعد تسليم كون المراد بالباطل هو الشرعي يمكن التمسك بالآية أيضا بمقتضى الإطلاق المقامي، بأن يقال: إنّ المقصود بالباطل و إن كان شرعيا، لكن تمييزه منوط بنظر العرف، فكلّما كان باطلا عرفا فهو باطل شرعا إلّا ما ثبت خروجه.

ثم إن المحقق الايرواني قدّس سرّه ناقش في الاستدلال بالآية المباركة بأنّ الاستدلال بها إنّما يصح إذا قلنا إن الفسخ و الرجوع من الأسباب المفيدة للملك. أمّا إذا قلنا بأنّ شأنهما رفع أثر السبب المملّك، ثم الملك يكون حاصلا بما كان من السبب أوّلا، لم يكن الأكل بسبب الفسخ أكلا بالباطل «1».

لكن لا يخفى ما فيه، لأنّ هذه المناقشة إنّما تتجه بناء على دلالة الآية على حرمة الأكل إن حصل المال بسبب باطل مستقل. لكنه ليس كذلك، لظهورها في إبقاء تأثير الباطل مطلقا و إن كان جزء العلة، فإنّ تأثير الفسخ في دفع المانع عن تأثير السبب الأوّل أكل للمال بالباطل و لو بنحو جزء العلة.

و الحاصل: إنّ التسبب بالباطل لأكل مال الناس- و لو بنحو دفع المانع- حرام و لو بمناسبة الحكم و الموضوع، إذ المناسب للباطل هو عدم دخله في سببيّته للنقل و التمليك حتى بنحو جزء السبب أو الشرط أو عدم المانع.

فتحصّل مما ذكرناه: أنه يمكن التمسك تارة بالمستثنى منه مع الغض عن الاستثناء بما تقدّم من التقريبين، أحدهما: سلب سببية الباطل للنقل و التمليك.

و الآخر: النهي عن أكل المال الحاصل بسبب باطل.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 81.

ص: 531

______________________________

و أخرى بالمستثنى، بأن يقال: إنّ إطلاق تجويز أكل المال الحاصل بالتجارة يقتضي جوازه بعد الرجوع و الفسخ أيضا، و هذا الإطلاق الأحوالي يكشف عن عدم نفوذ الفسخ، و إلّا لم يكن وجه لجواز الأكل حينئذ.

و ثالثة: بالحصر المستفاد من مجموع الجملتين.

لكن ابتنى السيد قدّس سرّه في حاشيته الاستدلال بالحصر على كون الاستثناء متّصلا بأن يقال في تقريب الاتصال: كأنّه قيل: لا تأكلوا أموال الناس إلّا أن تكون تجارة، فإنّ كل أكل باطل نظير قولك: «لا تعبد غير اللّه شركا» أي فإنّه شرك، فيكون المستثنى منه الأموال، و قوله تعالى:

«بِالْبٰاطِلِ» قيدا توضيحيا، و ذكره لبيان علة الحكم، لا احترازيا. أو يقال: انّ المستثنى منه محذوف أي: لا تأكلوا أموال الناس بوجه من الوجوه إلّا بوجه التجارة فإنّ الأكل لا بهذا الوجه باطل «1».

و أنت خبير بما فيه، إذ الكلام في ظهور الآية في كون الاستثناء متّصلا، لا في إمكانه حتى يتكلّف في وجه تصوره بما ذكره. و ما أفاده في وجه الاتصال خلاف الظاهر و تأويل مخالف لفهم العقلاء و لكلمات المفسرين و للروايات الواردة في نزول الآية المباركة، و قد تقدم بعضها كصحيحة زياد بن عيسى، فإنّ ظاهر تلك الروايات كظاهر نفس الآية هو النهي عن الأكل بالسبب الباطل، فالقيد احترازي لا توضيحي، فالاستثناء حينئذ منقطع كقوله تعالى:

لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لٰا تَأْثِيماً إِلّٰا قِيلًا سَلٰاماً سَلٰاماً «2».

و الحاصل: أنّ الاستثناء ليس متصلا أوّلا. و على فرض الاتصال يمكن منع دلالة الآية على الحصر في التجارة ثانيا، لأنّ قوله تعالى «بِالْبٰاطِلِ» تعليل لحرمة الأكل، إذ المتفاهم العرفي منه كون البطلان موجبا لذلك، كما أنّ الظاهر المتفاهم عرفا أنّ استثناء التجارة في مقابل الباطل لكونها حقّا.

و على هذا فالمستفاد حلية الأكل بكل حقّ، و حرمته بكل باطل، فلا يختص الحق

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 74.

(2) الواقعة، الآية: 25.

ص: 532

[الدليل السادس: أخبار خيار المجلس]

هذا كلّه (1) مضافا إلى ما دلّ على لزوم خصوص البيع (2)، مثل قوله عليه السّلام:

«البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» «1».

______________________________

(1) يعني: أنّ الأدلة المتقدمة على أصالة لزوم الملك- من الاستصحاب و حديثي السلطنة و الحلّ، و آية النهي عن أكل أموال الناس بالباطل- كانت أدلة عامة على لزوم الملك سواء أ كان السبب المملّك فعلا اختياريّا من العناوين المعاملية و الحيازة و نحوها، أم قهريّا كالإرث و الارتداد. و هذا بخلاف الدليل الآتي فإنّ مفاده لزوم الملك الحاصل بالبيع خاصّة.

الدليل السادس: أخبار خيار المجلس

(2) هذا دليل سادس على لزوم الملك، و هي طائفة من الأخبار الواردة في خيار المجلس، و تقريب الاستدلال بها يتم بوجوه ثلاثة:

الأوّل: جعل الخيار في البيع، حيث إنّ جعله مختص بالبيع اللازم، و مقتضى إطلاق الجعل ثبوت الخيار في البيع المعاطاتي، فثبوت الخيار فيه يكشف عن اللزوم، فتكون المعاطاة بيعا لازما لأجل ثبوت الخيار فيها، الذي هو من خصائص البيع اللازم.

الثاني: دلالة مفهوم الغاية، ببيان: أنّ ماهيّة الخيار مغيّاة بعدم الافتراق، لقوله عليه السّلام:

______________________________

بالتجارة، بل يندرج فيه كل حق ليس بتجارة كالإباحات و القرض، و التملّك في مجهول المالك، و غيره من الحقوق الواجبة و المستحبة، و لا ينتقض الحصر بها حتى نحتاج الى بعض التكلّفات كما صدر عن بعضهم.

كما أنّه على فرض كون الاستثناء منقطعا تدل الآية على التنويع بين الباطل و الحق بمناسبة الحكم و الموضوع، فلا فرق في دلالة الآية عرفا على سقوط الباطل لبطلانه عن السببية- أو صيرورته موجبا لحرمة الأكل من المال الحاصل بالباطل، و ثبوت سببية الحق لحقّيّته- بين كون الاستثناء متصلا و منقطعا، فلا يتوقف الاستدلال بالآية الشريفة على أن يكون الاستثناء متّصلا.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 346، الباب الأوّل من أبواب الخيار، الحديث: 3 و غيره.

ص: 533

..........

______________________________

«فإذا افترقا وجب البيع» إذ مفهومه بقاء الخيار قبل الافتراق، و معه يسقط الخيار، و سقوطه ملازم للزوم، و من المعلوم أنّ مقتضى إطلاق البيع على المعاطاة هو صدق البائع على من باع معاطاة، فتكون لازمة.

الثالث: قوله عليه السّلام: «فإذا افترقا وجب البيع» بتقريب: أنّ الإطلاق يقتضي أن يكون البيع واجبا فعليا من جميع الجهات، لكن يقيّد بأدلة سائر الخيارات أمّا لو أريد جعل اللزوم من حيث خيار المجلس لا مطلقا فلا يدل سقوط الخيار- من حيث المجلس- على اللزوم من سائر الحيثيّات، و حينئذ يشترك المعاطاة مع البيع بالصيغة في أنّ المدلول عليه برواية خيار المجلس هو اللزوم الحيثي أي من حيث خيار المجلس، و أمّا من سائر الجهات فلا دلالة فيها على اللزوم.

و على كلّ فهذا المقدار من اللزوم الثابت للمعاطاة كاف لإثبات المدّعى و هو اقتضاء طبع البيع مطلقا للّزوم [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على جواز جعل الخيار في البيع الجائز ذاتا لا يدلّ جعله على لزومه، لأنّ الخيار حينئذ لازم أعم، و من المعلوم أنّه لا يدل على الملزوم الخاصّ و هو البيع اللازم، فالإستدلال حينئذ على التقريب الأوّل ساقط، لما عرفت من عدم دلالة اللازم الأعمّ على الملزوم الخاص.

و بناء على عدم صحة جعل الخيار للجائز ذاتا بحسب حكم العقل أو العقلاء، فان كان هذا الحكم كالقيد الحافّ بالكلام كان إطلاق قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار» مقيّدا بالبيع اللازم، فمع الشك في لزوم بيع كالمعاطاة لا يصح التمسك بإطلاقه، لكون الشبهة مصداقية.

و إن كان الحكم المذكور كالمخصّص المنفصل الذي لا يوجب تقيّد الموضوع عند صدور الخطاب المطلق، بل يقيّده لبّا، لكون القيد لبيّا منفصلا، فعلى القول بجواز التمسك

ص: 534

______________________________

بالعام في الشبهة المصداقية في مثله- كما قيل- فيصح التمسك بإطلاق «البيعان بالخيار» لإثبات الخيار في المعاطاة و كشف لزومها. نظير التمسك بقوله عليه السّلام: «لعن اللّه بني أميّة قاطبة» في مورد الشك في أيمان واحد منهم لجواز لعنه، و كشف عدم إيمانه.

و بالجملة: فبناء على جواز التمسك بالعام في المخصص اللّبيّ المنفصل يجوز التمسك بمثل «البيّعان بالخيار» لإثبات الخيار في المعاطاة و كشف لزومها.

و على القول بعدم جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة مطلقا من غير فرق بين المخصصات اللفظية و اللبية المتصلة و المنفصلة كما هو المنصور فلا يصح التمسك بالإطلاق لكشف حال الموضوع، هذا.

فان قلت: إنّ الشبهة المصداقية للمخصّص اللّبيّ الذي لا يجوز فيها التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة هو ما إذا خرج عن العام عنوان بحسب حكم العقل كالمؤمن الذي خرج عن حيّز عموم «لعن اللّه بني أمية» و شك في مورد أنّه مصداق الخارج أو لا. و أمّا إذا شك في أصل الخروج و لو من جهة عدم إحراز مصداق للعنوان العقلي- كما فيما نحن بصدده، إذ لم يحرز أنّ للبيع مصداقا جائزا- فليس الشك فيه من قبيل الشبهة المصداقية للمخصّص المحرزة مخصّصيته.

قلت: لا فرق في عدم جواز التمسك إذا كان المخصص عقليا بين ما ثبت تحقق أفراد من العنوان الخارج عن العام و شكّ في فرد آخر، و بين ما لم يثبت ذلك لأنّ تحقق الفرد و عدمه لا دخل له في الحكم العقلي بالتخصيص.

مثلا حكم العقل بعدم جواز لعن المؤمن ثابت، و موجب لعدم دخوله في قوله: «لعن اللّه بني أميّة قاطبة» من غير نظر إلى خصوصيات المصاديق و خروجها و دخولها، فلو شك في فرد أنّه مؤمن أو لا مع العلم بعدم إيمان غيره منهم يكون من الشبهة المصداقية للمخصّص، لا من الشبهة في أصل التخصيص، لأنّ التخصيص بحكم العقل ثابت على النحو الكلي لا الجزئي، إذ لا شكّ في خروج المؤمن عن هذا العام، فالشك في أيمان واحد منهم يندرج في

ص: 535

______________________________

الشك في مصداق المخصص، لا في أصل التخصيص.

و ما نحن فيه من هذا القبيل بناء على كون عدم الدخول أو التخصيص بحكم العقل، فإنّ البيع الواقع بين البيّعين مخصّص بعدم كونه جائزا بالذات، فإذا شكّ في أنّ المعاطاة جائزة بالذات أو لا، لا يجوز التمسك بمثل: البيّعان بالخيار، هذا.

لكنه لا يخلو من غموض، لأنّ الشبهة المصداقية هي الشبهة الموضوعية التي يرجع في رفع الشك عنها الى غير الشارع. و ليس المقام كذلك، لأنّ المرجع في لزوم المعاطاة و جوازها هو الشارع لا غيره، و إن كانت بالنظر الى المخصص العقلي شبهة مصداقية، للشك في مصداقيتها له كما هو واضح، لكن في كون هذا النحو من الشبهة المصداقية مانعا عن التمسك بإطلاق دليل التشريع منع.

فالحقّ: أنّ مثل هذه الشبهة تلحق بالشبهة الحكمية التي مرجعها الى الشك في التخصيص، لا مصداق المخصص المعلوم، فلا مانع من هذه الحيثية من التمسك بإطلاق مثل «البيّعان بالخيار» لإثبات لزوم المعاطاة، هذا.

و أمّا الاستدلال بمفهوم الغاية ففيه: أنّ نفي ماهية الخيار لا يكون ملازما للزوم، و نفي الجواز، ضرورة مغايرة ماهية الخيار للجواز الحكمي، لما ثبت في محله من أنّ الخيار حق مجعول لذي الخيار قابل للنقل و الاسقاط و الإرث، بخلاف الجواز الحكمي، حيث إنّه حكم للمعاملة كالهبة و الوكالة، و ليس حقّا مجعولا لأحد حتى يقبل ما ذكر في الخيار، فنفي ماهية الخيار لا ينافي بقاء الجواز الحكمي.

و أمّا الاستدلال بذيل الرواية و هو قوله عليه السّلام: «فإذا افترقا وجب البيع» ففيه: أنّه يقع التعارض بين إطلاق الصدر و إطلاق الذيل بعد وضوح كون الموضوع فيهما واحدا من حيث الإطلاق و التقييد، يعني أنّه لو أريد من الصدر مطلق البيع أو مقيّدة كان في الذيل كذلك.

توضيحه: أنّ أصالة الإطلاق في الصدر تقتضي كون البيع بلا قيد موضوع الحكم، فإطلاقه يشمل البيع القولي و المعاطاتي سواء أ كانت المعاطاة لازمة واقعا أم جائزة. و أصالة

ص: 536

______________________________

الإطلاق في الذيل تقتضي الوجوب مطلقا بعد الافتراق في الموضوع المأخوذ في الصدر، فيقع التعارض بينهما، لأنّ الوجوب المطلق يضادّ البيع الجائز. فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الذّيل أو الصدر. و على التقديرين لا يصح التمسك بالذيل لإثبات اللزوم في مورد الشك فيه.

أمّا على الأوّل فلأنّ الوجوب الحيثي لا ينافي الجواز، فوجوب البيع من حيث خيار المجلس لا ينافي جوازه من حيث الذات و سائر الحيثيات، فهذا الوجوب لا يثبت اللزوم في مورد الشك كالمعاطاة. و على القول بالوجوب الفعلي و ارتكاب التقييد بالنسبة إلى الجائز- على فرض وجوده- كان التمسك به تشبثا بالدليل في الشبهة المصداقية للمخصص لاحتمال كون المعاطاة مصداقا للمخصص، فلا تكون لازمة.

و أمّا على الثاني فلأنّ البيع في الصّدر إذا اختصّ بالبيع اللازم كان في الذيل كذلك، فتصير الشبهة مصداقية، لأنّه يشك في أنّ المعاطاة مثلا من النوع الجائز بالذات أو اللازم، فيشك في موضوعيّته للدليل، فلا يصح التمسك به مع هذا الشك، من دون فرق بين كون التخصيص متصلا و منفصلا، لفظيا و لبيّا.

و بالجملة: فلا يصح التمسك بالعام لإثبات لزوم ما يشك في لزومه كالمعاطاة مطلقا، سواء أقلنا بتقييد إطلاق الصدر أم الذيل، لما عرفت من أنّ تقييد الذيل بالوجوب الحيثي لا يثبت اللزوم، لعدم منافاة بين الجواز و بين الوجوب الحيثي. و من أن تقييد الصّدر بالبيع اللازم يوجب كون الشبهة في مشكوك اللزوم مصداقية.

هذا كله مع الغض عن الروايات.

و أمّا مع النظر إليها فهي على طوائف ثلاث:

الأولى- و هي أكثر ما في الباب- ما لم يصرح فيها بالمفهوم كقوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم: «البيّعان بالخيار حتى يفترقا، و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام» «1». و نحوها

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 345، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث: 1، رواه الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه: البيّعان ..» الحديث و الرواية صحيحة، لكون الرواة بأجمعهم ثقات، فلاحظ تراجمهم.

ص: 537

______________________________

في عدم التصريح بالمفهوم صحيحة زرارة «1» و رواية علي بن أسباط «2» و الحسين بن عمر بن يزيد «3» و غيرها.

الثانية: ما صرّح فيه بالمفهوم، كصحيحة فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ فقال لي: ثلاثة أيّام للمشتري. قلت: و ما الشرط في غير الحيوان؟ قال:

البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» «4».

و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتّى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع» «5».

الثالثة: ما يتضمن حكاية فعل المعصوم عليه السّلام لما يوجب البيع، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه «عليه الصلاة و السّلام» أنّه قال: «إنّ أبي اشترى أرضا يقال لها العريض، فلما استوجبها قام فمضى، فقلت له: يا أبة عجلت القيام؟ فقال: يا بنيّ أردت أن يجب البيع» «6» و نحوها غيرها.

أمّا الطائفة الأولى فلا ريب في عدم دلالتها على المقصود، إذ فيها- مضافا إلى ما مرّ من:

أنّ نفي طبيعة الخيار لا ينافي الجواز الحكمي، لأنّ الخيار حق و الجواز حكم، و نفي الأوّل لا ينفي الثاني، فلا يثبت نفي الخيار اللزوم في مشكوك اللزوم- أنّ دلالتها على المدعى منوطة بكون المراد بالخيار المجعول ماهيّته المطلقة حتى تدلّ الغاية النافية للخيار على سلب ماهيّته، كي يدّعى أنّ هذا السلب ملازم للزوم. و من المعلوم عدم إرادة ماهية الخيار، إذ لا معنى

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 345، الباب 1 من أبواب الخيار، الحديث: 2.

(2) المصدر، ص 346، الحديث: 5.

(3) المصدر، ص 346، الحديث: 6.

(4) المصدر، ص 346، الحديث: 3، رواه الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن جميل عن فضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و الكل ثقات، فالرواية صحيحة.

(5) المصدر، الحديث: 4.

(6) المصدر، ص 347، الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث: 1 و 2 و غيرهما من أخبار الباب.

ص: 538

______________________________

لجعل الافتراق غاية لمطلق الخيار مع كونه غاية لخيار واحد فقط، بداهة أنّ سائر الخيارات على كثرتها غير مغيّاة بالافتراق، فجعل الافتراق غاية لماهية الخيار- مع كونه غاية لخيار واحد و مسقطا له فقط مع ثبوت سائر الخيارات- مستهجن عند أبناء المحاورة، فلا بد من إرادة خيار خاصّ و هو خيار المجلس، و من المعلوم أنّ سلبه من السلب الخاص غير الملازم للزوم.

و أمّا الطائفة الثانية فيظهر الجواب عنها مما تقدم في الجواب عن الطائفة الأولى، فإنّ قوله عليه السّلام: «فلا خيار» محمول على الخيار المذكور في الصدر، لتبعية الذيل له.

مضافا إلى: ما عرفت من أنّ سلب ماهيّة الخيار مع ثبوت جميع الخيارات- إلّا واحدا- مستهجن عرفا، فمع كون جميع الروايات بصدد بيان ثبوت خيار خاص لا طبيعة الخيار- و أنّ المسلوب بعد الغاية و هي الافتراق هو الخيار الخاص، لا لأجل أنّه المفهوم، بداهة كون المفهوم الاصطلاحي هو ما إذا علّق على الغاية سنخ الحكم لا شخصه- لا يبقى ظهور لصحيحة الحلبي في الإطلاق، و لا في حكم آخر غير ما في سائر الروايات، فلا محيص عن حمله على الوجوب الحيثي.

و بالجملة: فلو دار الأمر بين الحمل على الوجوب الفعلي المطلق، و الالتزام بخروج جميع الخيارات على كثرتها تقييدا، و بين الحمل على الوجوب الحيثي، فالترجيح للثاني.

فعلى هذا لا يصحّ التمسك بالروايات التي صرّح فيها بالمفهوم، لأنّه ليس من المفهوم المصطلح، بل من السلب الخاصّ الذي لا يترتّب عليه إلّا الوجوب الحيثيّ، لا الوجوب الفعلي المطلق المترتّب على المفهوم المصطلح كما لا يخفى.

و أمّا الطائفة الثالثة ففيها- مضافا إلى ظهورها باعتبار قوله عليه السّلام: «استوجبها» في البيع بالصيغة، و إلى: تعارف البيع بالصيغة في الأراضي و القرى، و بعد اشترائها معاطاة- أنّها قضية شخصية لا يعلم الحال فيها، فليس لها إطلاق يشمل المعاطاة.

فتلخص: أنّ روايات خيار المجلس بطوائفها الثلاث لا تدل على لزوم المعاطاة،

ص: 539

[الدليل السابع: الأمر بالوفاء بالعقود]

و قد يستدلّ أيضا بعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) «1»

______________________________

الدليل السابع: الأمر بالوفاء بالعقود

(1) هذه الآية الشريفة دليل سابع على أصالة اللزوم، و نسب الفاضل النراقي قدّس سرّه «2» الى المشهور استدلالهم بها على لزوم كل عقد عرفي. و لم يتعرّض المصنف قدّس سرّه هنا لتقريب دلالتها على المدّعى، و إنّما أفاده في أدلة اللزوم في أوّل الخيارات، فينبغي توضيح كلامه هنا و عدم الإحالة على بحث الخيارات مع ما بين المبحثين من الفصل الكثير، فنقول و به نستعين و بوليّه

______________________________

و عمدة الوجه في عدم دلالتها على ذلك هو كون الوجوب حيثيّا، بعد وضوح جعل الافتراق غاية لخصوص خيار المجلس، فسلب الخيار حينئذ سلب الخاص، فكيف يترتب عليه سلب العام و هو طبيعة الخيار؟ فلا إطلاق لوجوب البيع يقتضي لزومه على وجه الإطلاق بعد الافتراق.

فما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه من «أنّ إطلاقها يقتضي اللزوم على وجه الإطلاق بعد التفرّق، فلا موجب لصرفها إلى اللزوم من ناحية خيار المجلس» «3» في غاية الغموض، فلاحظ و تأمّل.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ مقتضى إطلاق البيع الموضوع للخيار هو لزوم البيع بالافتراق، سواء أ كان بيعا فعليا أم قوليا، فنفس هذا الإطلاق ينفي الفرد الجوازيّ للبيع.

و بعبارة أخرى: كأنّه قيل: كلّ فرد من أفراد البيع فيه الخيار، ما لم يفترق المتبايعان، فمع افتراقهما يجب البيع وجوبا مطلقا. غاية الأمر أنّ هذا الإطلاق يقيد بأدلة سائر الخيارات، فإنّ سائر الخيارات ثابتة بأسبابها الخاصة. بخلاف خيار المجلس، فإنّه ثابت للبيع أوّلا و بالذات، و لذا أطلق الخيار فيه بقوله: «البيعان بالخيار» و أريد به أنّ الخيار الثابت لطبع البيع مع الغض عن خصوصية المبيع هو خيار المجلس فقط، فلا ينافي ثبوت خيار الحيوان و غيره من الخيارات.

فدعوى دلالة أخبار خيار المجلس على لزوم البيع بسقوطه قريبة جدّا، و اللّه العالم.

______________________________

(1): المائدة، الآية: 1.

(2) عوائد الأيّام، ص 1.

(3) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 143.

ص: 540

..........

______________________________

صلوات اللّه و سلامه عليه نتوسّل و نستجير:

إنّ الاستدلال بالآية المباركة يكون تارة بجعل الأمر بالوفاء مولويا، و أخرى إرشادا إلى صحة المعاملة بالمعنى الأعم، و لمّا كان مختار المصنف هو الأوّل كان اللازم الاقتصار على المقدمات الدخيلة في إثبات مقصوده قدّس سرّه.

الأولى: أنّ الأصل الأوّلي في مدلول هيئة «افعل» هو الوجوب التكليفي و بعث المكلّف نحو المادّة، و هذا أصل متّبع لا يرفع اليد عنه إلّا بقرينة، كما التزموا به في صرف الأمر بأجزاء المركبات إلى الإرشاد إلى الجزئية. و أمّا في المقام فلا قرينة تقتضي الحمل على الإرشاد إلى صحة المعاملة و لزوم العقد، فيبقى الأمر بالوفاء على ظاهره من الوجوب المولوي.

الثانية: أنّ معنى الوفاء الذي وقع في حيّز الأمر هو القيام بمقتضى العقد، كما عن البيضاوي، فإذا دلّ عقد البيع على تمليك العاقد ماله لغيره وجب عليه العمل بمقتضاه من تسليمه الى المشتري، و ترتيب آثار مملوكيته له، فلا يجوز أخذه منه بغير رضاه، فإذا تصرّف البائع فيه بغير رضى المشتري كان ذلك نقضا للعقد لا وفاء به.

ثم إنّ في هذا الوفاء المأمور به مدلولا آخر، و هو إطلاقه الأزماني و الأحوالي، و ربما يعبّر عن الأوّل بعمومه بحسب الأزمان، كما في دوران الأمر بين الرجوع الى حكم العام و استصحاب حكم المخصّص.

الثالثة: أنّ «العقود» التي يجب الوفاء بها تكليفا و العمل بمقتضاها قد اختلفت كلماتهم في المراد بها في خصوص الآية المباركة، كما اختلفت كلمات أعلام اللغة في أصل معنى العقد، فينبغي الإشارة إلى كلا الاختلافين.

أمّا في معناه اللغوي ففي اللسان: «العقد نقيض الحل» «1» و في المفردات: «الجمع بين أطراف الشي ء، و يستعمل ذلك في الأجسام الصلبة كعقد الحبل و عقد البناء، ثم يستعار ذلك

______________________________

(1): لسان العرب، ج 3، ص 296.

ص: 541

..........

______________________________

للمعاني نحو عقد البيع» «1» و في القاموس: «عقد الحبل و البيع و العهد يعقده: شدّه» «2» و في الصحاح: «عقدت البيع و الحبل و العهد فانعقد» «3» و عن البيضاوي: «العقد: العهد المشدّد».

و في مجمع البيان: «العقود جمع عقد بمعنى معقود، و هو أوكد العهود. و الفرق بين العقد و العهد: أنّ العقد فيه معنى الاستيثاق و الشّد، و لا يكون إلّا بين متعاقدين، و العهد قد ينفرد به الواحد، فكل عهد عقد، و لا يكون كل عقد عهدا. و أصله: عقد الشي ء بغيره، و هو وصله به، كما يعقد الحبل» «4».

هذه بعض كلماتهم، و لعلّها تتلخّص في معنيين:

أحدهما: مطلق العهد و الالتزام النفساني سواء أ كان بين شخصين كالعقود، أم شخص واحد كالحلف و اليمين، و سواء أ كان مشدّدا لا يجوز فسخه و العدول عنه أم غير مشدّد.

ثانيهما: خصوص العهد المؤكّد الذي يقتضي بحسب طبعه العمل بمقتضاه، و عدم الرجوع عنه. هذا بحسب اللغة.

و أما اختلاف المفسّرين في خصوص ما يراد من العقود في هذه الآية المباركة، فقد نقل أمين الإسلام أقوالا أربعة بعد تفسير العقود بالعهود.

أحدها: العهود التي كان أهل الجاهلية يعاهد بعضهم بعضا على النّصرة و المؤازرة و المظاهرة على من حاول ظلمهم.

ثانيها: العهود التي أخذها الباري جلّ و علا على عباده بالايمان به و طاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم.

______________________________

(1): مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص 341.

(2) القاموس المحيط، ج 1، ص 315.

(3) صحاح اللغة، ج 2، ص 510.

(4) مجمع البيان، ج 3، ص 151.

ص: 542

..........

______________________________

ثالثها: العقود التي يتعاهدها الناس كعقد الأيمان و عقد النكاح و العهد و البيع، أي العقود الفقهية و المعاملات بالمعنى الأعم.

رابعها: العهود المأخوذة من أهل الكتاب على العمل بما فيها من تصديق نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ثم رجّح أمين الإسلام قدّس سرّه القول بعموم العهود لكلّ ما أوجبه اللّه تعالى على العباد و الفرائض و الحدود و العقود الفقهية المتداولة بين العقلاء «1».

و هذه المعاني الأربعة أنهاها الفاضل النراقي إلى ستة أو ثمانية، فراجع كلامه «2».

و كيف كان فتقريب الاستدلال بالآية الشريفة على لزوم المعاطاة هو: أنّ العقد- سواء أ كان مطلق العهد أم خصوص المؤكّد- يصدق على المعاطاة، إذ لا شبهة في أنّ عنوان العقد لا يتقوّم باللفظ، لحصول المعاقدة- و الربط بين التزامين- بكلّ من اللفظ و الفعل، فيجب الوفاء بما يقتضيه العقد من تمليك أو تزويج أو غيرهما، و يحرم نقضه.

و من المعلوم أنّ الوفاء بالعقد ليس مجرّد ترتيب الأثر عليه حدوثا، بل يدور صدق الوفاء مدار القيام بمقتضى العقد بقاء أيضا، فلو لم يستمرّ العاقد في العمل بمقتضى العقد لم يصدق الوفاء به، بل صدق مقابله و هو النقض الذي هو رفع اليد عن بقاء مقتضى العقد.

فإذا باع زيد كتابا من عمرو بالمعاطاة و سلّمه إيّاه، و لكنّه بعد ساعة رجع و استردّ الكتاب منه لم يصدق أنّه وفى بالعقد بقول مطلق، بل صدق عليه عنوان النقض، لأنّ وفاءه كان في الساعة الأولى خاصة، مع أنّ مدلول الآية الشريفة وجوب ترتيب أثر العقد في جميع الآنات المتأخرة عن العقد، و هذا هو اللزوم، إذ لا يجوز للبائع أن يفسخ العقد و يتملّك الكتاب مرّة أخرى.

و بهذا التقريب ظهر عدم جريان توهم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية «لاحتمال تأثير الفسخ و الرجوع في رفع أثر العقد، و عود المال إلى البائع» وجه عدم الجريان: أنّ الآية

______________________________

(1): مجمع البيان، ج 3، ص 151 و 152.

(2) عوائد الأيام، العائدة الاولى، ص 2 إلى 5.

ص: 543

بناء (1) على أنّ العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان «1»، أو العهد المشدّد كما عن بعض أهل اللغة (2)، و كيف كان (3) فلا يختص (4)

______________________________

المباركة- بمقتضى الإطلاق- تدل على وجوب الوفاء بالعقد في كل حال و في كل زمان، فالتصرفات الواقعة بعد الفسخ محرّمة أيضا، لكونها نقضا للعقد، و ينتزع من حرمة هذه التصرفات تكليفا فساد الفسخ وضعا، و عدم ارتفاع العقد به بناء على ما حرّر في الأصول من انتزاع الوضع من التكليف و عدم تأصّله في الجعل، هذا.

(1) قد عرفت وجه هذا التقييد، و أنّ الاستدلال بالآية يتوقف على أحد القولين في المراد بالعقد.

أحدهما: مطلق العهد، كما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره- بسند صحيح- عن الصادق عليه السّلام.

ثانيهما: خصوص العهد المشدّد، كما ورد في كلام جمع من اللغويين.

و أمّا لو كان المراد بالعقود في هذه الآية المباركة أمورا أخر- كما تقدمت في كلام مجمع البيان- كانت أجنبية عمّا نحن فيه.

(2) كالفيروزآبادي و الجوهري و البيضاوي، و نحوهم صاحب معيار اللغة.

(3) أي: سواء أ كان العقد مطلق العهد أم خصوص المشدّد يتجه الاستدلال، لعدم اختصاص مطلق العهد- و لا خصوص المشدّد منه- باللفظ، لصدقه على إنشائه بالفعل أيضا.

و بالجملة: فالمراد بالوفاء بالعقد هو العمل به مستمرّا، و يقابله الحلّ و النقض.

و المقصود بالأمر هو وجوب الوفاء تكليفا في جميع الأزمنة التي منها زمان فسخ أحدهما، فلا ينفذ الفسخ في انحلال العقد.

(4) أي: لا يختص العقد باللفظ كما قيل، إذ المعاقدة كما تحصل بالقول كذلك تحصل بالفعل، فتكون المعاطاة عقدا، حيث إنّ المراد بالشّد مطلق الربط و إن لم يكن لازما، و لذا يمكن الجمع بين التفسير بالعهد الموثق و بين حسن الوفاء به، و هو كالمفسّر لسائر كلمات أهل اللّغة ممّن عبّر بالشّد كالقاموس و المعيار و المنجد و أقرب الموارد، فالمراد بالأحكام

______________________________

(1): تفسير القمي، ج 1، ص 160.

ص: 544

باللفظ [1] فيشمل المعاطاة.

______________________________

و الشّد هو إيقاع الربط كما يستفاد من المحكيّ عن أقرب الموارد «عقد الحبل و البيع و العهد و اليمين و نحوها عقدا: أحكمه و شدّه، و هو نقيض حلّه» و عنه «حل العقدة حلّا: نقضها و فتحها».

______________________________

[1] خلافا للمحقق النائيني قدّس سرّه حيث ذهب إلى اختصاص العقد باللفظ، فإنّه بعد تقسيم اللزوم إلى حكمي و حقي- و تمثيله للأوّل بالنكاح و الضمان و الهبة لذي الرحم و نحو ذلك من القربات التي لا رجعة فيها، و لذا لا تصحّ فيها الإقالة، و لا يصح جعل الخيار لأحد الزوجين في النكاح و للثاني بالعقود المعاوضية اللفظية من التنجيزيّة كالصلح و البيع و الإجارة، و التعليقيّة كالسبق و الرماية- قال ما لفظه:

«فإنّ بقوله: بعت ينشأ أمران: أحدهما مدلول مطابقي للّفظ، و هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الذي ينشأ بالفعل أيضا، لأنّه أيضا مصداق لعنوان البيع بالحمل الشائع الصناعي.

و ثانيهما: مدلول التزامي له، و هو التزامهما بما أنشئاه، و هو يختص بما إذا أنشأ التبديل باللفظ دون الفعل، فإنّ الدلالة الالتزامية بحيث يرى في العرف و العادة ملازمة بين تبديل طرف إضافة بمثله و التزام البائع بكون المبيع بدلا عن الثمن و التزام المشتري بكون الثمن عوضا عن المثمن تجري في اللفظ.

و أمّا الفعل فقاصر عن إفادة هذا المعنى، فإنّ غاية ما يفيده هو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله إذا قصد منه. و أمّا التزام البائع ببقاء بدلية المبيع للثمن فليس الفعل دالّا عليه ..

الى أن قال: فعلى هذا لا يمكن ثبوتا أن يفيد الفعل الالتزام العقدي، بل هو خارج بالتخصص عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فإنّ العقد إنّما يسمى عقدا لكونه مفيدا للعهد المؤكّد و الميثاق و التعهد، و الفعل قاصر عن إفادة هذا المعنى.

نعم يمكن إيجاد هذا المعنى بالفعل أيضا، إلّا أنّه لا بالتعاطي، بل بالمصافقة و نحوها.

و أمّا باب الألفاظ فحيث إنّ الملازمات العرفية من أنحاء المدلولات، و العرف يرى من أوجد البيع بلفظ- بعت- أنّه التزم ببقائه على ما أنشأه، فيمكن أن ينشأ بلفظ- بعت-

ص: 545

______________________________

معنيان: أحدهما نفس التبديل، و ثانيهما التزامهما بما التزما به من التبديل» «1».

و أنت خبير بأن ما أفاده قدّس سرّه مما لم يقم عليه دليل، إذ قوله: «بعت» مثلا لا يدلّ بمادته و لا بهيئته على الالتزام ببقاء بدليّة المبيع عن الثمن، و ذلك لأنّ معنى مادّة- بعت- هو التبديل أو التمليك، فمدلول المادة ليس غير تبديل طرف الإضافة. و الهيئة تدلّ على نسبة البيع الى المتكلم نسبة صدورية. و أمّا الالتزام باستمرار البدليّة بين المالين فهو معنى اسميّ أجنبيّ عن مدلول كل من المادة و الهيئة.

فالحق أن يقال: إن كان الالتزام المزبور من لوازم التبديل المذكور عرفا، فهذا اللازم ثابت له بمجرد تحققه، لأنّه من لوازم ذات التبديل، لا بما أنّه مفاد اللفظ، فإذا ثبت المعنى و هو التبديل بلفظ أو فعل ثبت لازمه المزبور. و عليه فيمتنع التفكيك بين التبديل المتحقق باللّفظ أو الفعل و بين الالتزام ببقائه.

و إن لم يكن الالتزام المزبور من لوازم التبديل لم يدلّ التبديل عليه، سواء أنشئ التبديل باللفظ أم بالفعل، و من المعلوم أنّ بناء العرف في تبديل الأموال بالبيع على استمرار البدلية بين الثمن و المبيع، فنفس التبديل من غير فرق بين إنشائه باللفظ أو الفعل يدلّ على الالتزام المزبور. فدعوى «عدم صدق العقد على المعاطاة لخلوّها عن اللفظ، فلا تدل على الالتزام بالبقاء» خالية عن البرهان.

فلا فرق بين اللفظ و الفعل في الدلالة على الالتزام المذكور، فصدق العقد على المعاطاة مما لا ينبغي الارتياب فيه، فيشملها عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و يدل على نفوذ التبديل الحاصل من المعاطاة، و الالتزام ببقائه و عدم نقضه هذا.

و قد أورد على الاستدلال بالآية المباركة بوجوه:

الأوّل: ما في حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه و غيرها من: أنّ التمسك بالآية بعد الفسخ غير جائز، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة المصداقية، إذ من المحتمل كون الفسخ موجبا لانحلال العقد و ارتفاعه، فلا يحرز معه وجود العقد و بقاؤه حتى يشمله عموم «أَوْفُوا»، هذا «2».

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 64.

(2) حاشية المكاسب، ص 81.

ص: 546

______________________________

و فيه: أنّه إن أريد بالعقد الإنشائي أو النفساني المقيّد بالإنشاء فلا إشكال في زواله بنفسه لا بالفسخ. و إن أريد به العهد النفساني فزواله بالفسخ منوط بجعل الفسخ رافعا له، و مقتضى الإطلاق الأحوالي هو بقاء العقد، و يترتب عليه وجوب إبقائه و عدم نقضه.

و كذا لو كان المشكوك فيه موضوع العقد كالمبادلة التي وقع العقد عليها.

تقرير الشبهة: أنّه يحتمل ارتفاع المبادلة بالفسخ، فلا معنى حينئذ لوجوب الوفاء بالعقد عليها، للشك في موضوع العقد، الموجب للشك في اندراجه في موضوع وجوب الوفاء.

و الجواب عن ذلك: أنّ الإطلاق الأحوالي يقتضي لزوم الوفاء في جميع الحالات التي منها حال الفسخ و مقتضى هذا الإطلاق وجود العقد بعد الفسخ، فالمبادلة مثلا باقية بعد، فيجب الوفاء بالعقد عليها.

و بالجملة: الإطلاق الأحوالي يحرز بقاء موضوع العقد بعد الفسخ.

الثاني: أنّ خطاب «أَوْفُوا» يمنع تكليفا عن الفسخ و استرجاع العين، لا وضعا، و المدّعى هو عدم تأثير الفسخ في حلّ العقد لا حرمة التصرف تكليفا، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ وجوب الوفاء ليس تكليفيّا، بل هو إرشاد إلى صحة المعاملة في جميع الأزمنة و الحالات التي منها حال الفسخ، إذ لا معنى لحرمة التلفظ بكلمة «فسخت أو رجعت» بل المراد هو الإرشاد إلى صحة العقود و نفوذها حدوثا و بقاء، بحيث لا يؤثّر الفسخ في انحلال العقد و نقضه.

و ثانيا: أنّ حرمة التصرف في العين بعد الفسخ تكشف عن عدم نفوذ الفسخ في رجوع الفاسخ، إذ لا وجه لحرمته فيها بعد الفسخ إلّا بقاء العين على ملك مالكه الفعلي و عدم رجوعه الى ملك الفاسخ، فحرمة التصرف لازم بقاء العقد و عدم انفساحه، و هذه الدلالة الالتزامية كافية في إثبات بقاء العقد و عدم تأثير الفسخ فيه، و لا نعني باللزوم الّا بقاء العقد بعد الفسخ، هذا.

الثالث: أنّ الآية لا تجدي في إثبات اللزوم عموما، و إنّما تجدي لإثباته في خصوص ما إذا كان العقد متعلّقا بالفعل حتى يخاطب بخطاب «أَوْفُوا» فلا تشمل الآية العقد الواقع على

ص: 547

______________________________

النتيجة كالمقام، إذ العقد المعاطاتيّ واقع على النتيجة. هذا محصل ما يظهر من حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه «1».

و فيه: أنّ البيع المعاطاتي كالقولي يتعلق بالتمليك أو التبديل، من دون فرق بين العقد القولي و الفعلي، فكلّ منهما يتعلق بالتبديل مثلا الذي هو فعل يتعلق به خطاب أَوْفُوا، هذا.

مع أنّ العقد الواقع على النتيجة يتعلق ب «أَوْفُوا» باعتبار مقتضياته، فإنّ الملكية يترتب عليها آثار من حرمة تصرف غير المالك أو حرمة مزاحمته، فالوفاء بالملكية عبارة عن التصرفات المترتبة عليها، كما لا يخفى.

الرابع: احتمال إرادة غير ما تعارف بين الناس من المعاطاة و نحوها مما لا يكون مفاده غير التمليك و التملك، بأن يكون مرادهم بالعقد- زائدا على الصيغة و نحوها- التشديد و الإحكام بقول أو عمل، فلا تشمل الآية المعاطاة المبحوث عنها في المقام، فحينئذ لا يصح الاستدلال بالآية للزوم المعاطاة، هذا.

و فيه: أنّه لا منشأ لهذا الاحتمال إلّا ما ورد في كلام بعض اللغويين من تفسير العقد بالعهد المشدّد. لكنّه غير وجيه، لما فيه أوّلا من عدم ثبوته، و الظاهر أنّه بمعنى العقدة، و هي أعم من المشدّدة، فهي بالفارسية بمعنى «گره» سواء أ كانت محكمة مبرمة أم لا، ففي المنجد:

«و عقد الخيط جعل فيه عقدة» «2».

و التبادر يقضي بأنّه مطلق ما جعل في الحبل و الخيط.

و يشهد لعدم اعتبار الاستيثاق و التوكيد في معناه قول من فسّره بمطلق العهود

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 81.

(2) المنجد في اللغة، ص 518، الطبعة العشرون.

ص: 548

______________________________

كابن عبّاس و جماعة من المفسرين على ما في مجمع البيان «1». و على هذا فاستعير عقد الحبل لمطلق الربط في الأمور الاعتبارية سواء أ كان فيها شدّ أم لا.

و ثانيا: من معارضة من قال من اللغويين باعتبار الشدّ فيه لقول من لا يقول باعتباره منهم، فلا دليل حينئذ على اعتبار الشدّ فيه، فلا مانع من التمسك بالآية الشريفة للزوم المعاطاة.

الخامس: لزوم تخصيص الأكثر، لخروج المعاملات الجائزة، و هي أكثر من العقود اللازمة، بل و خروج العقود الخيارية، فيخرج بسبب خيار المجلس مثلا مطلق البيوع، هذا.

و فيه أوّلا: أنّه لا يلزم ذلك، لكثرة العقود اللازمة، و قلة العقود الجائزة.

و ثانيا: أنّ كل تخصيص أكثري ليس مستهجنا، و أنّ المستهجن منه هو ما إذا كان الباقي تحت العام بعد التخصيص في غاية القلّة، بحيث يكون التعبير عن القليل ببيان العام مستهجنا عند أبناء المحاورة، و خارجا عن طريقة البيان عندهم، هذا و أمّا الخيارات فهي من باب التقييد لا التخصيص، و الخيار يكون حينئذ من قبيل اعتبار التقابض في صحة بيع الصرف، فالبيع المشدّد المعبّر عنه باللازم مقيّد بعدم الخيار فيه، فالتقييد تارة يكون في ناحية الصحة، و أخرى في ناحية اللزوم.

ثمّ إنّ هذا الإشكال- أي: لزوم تخصيص الأكثر- مبني على كون الآية المباركة بصدد بيان الوجوب التكليفي أو اللزوم الوضعي. و أمّا إذا كانت بصدد الإرشاد إلى الصحة فلا إشكال، إذ ليس مفادها حينئذ إلّا الصحة المشتركة بين العقود- بأسرها- اللازمة و الجائزة، فلا يلزم تخصيص أصلا كما لا يخفى. لكن لازمه أجنبية الآية عن أدلة اللزوم بناء على ما يستفاد من المصنّف قدّس سرّه من عدم كونها من أدلة صحة البيع، حيث إنه لم يستدل بها عليها.

السادس: أنّ المراد بالعقود هي العقود المتعارفة في زمان نزول الآية الشريفة، فلا عموم فيها يشمل المعاطاة.

و فيه: أنّ الجمع المحلّى باللام ظاهر في العموم الشامل للعقود المتعارفة في

______________________________

(1): مجمع البيان، ج 3، ص 151.

ص: 549

______________________________

ذلك الزمان و غيره، و من المعلوم أنّ حمل اللام على العهد إلى عقود خاصة خلاف الأصل.

و نظير هذا الاشكال ما يقال أيضا من: أجنبية الآية عن العقود الفقهية و العهود المتعارفة، إذ المراد بها العقود التي أخذها الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من المسلمين من الإقرار بولاية أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين، كما يظهر ممّا رواه القمّي عن أبي جعفر الثاني عليه السّلام، قال عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عقد عليهم لعليّ عليه السّلام بالخلافة في عشرة مواطن، ثم أنزل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السّلام» «1».

و عليه فلا موضوع للاستدلال بهذه الآية على اللزوم من كون الأمر بالوفاء مولويا أو إرشاديا، و من كون العقود مطلق العهود أو خصوص الموثّق منها.

لكن يمكن أن يقال: بأنّ ورود الآية المباركة في الأمر بالوفاء بالميثاق المأخوذ من المسلمين- بل من كافّة أهل السماوات و الأرضين- و تطبيقها عليه لا يمنع من عموميّتها المستفادة من الجمع المحلّى باللام، و من تفسيره بمطلق العهود كما في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة، فالمأمور به هو الوفاء بكل عقد و عهد التزم به المؤمن و أقرّ به، سواء أ كان التزاما معامليا أم نذرا أم عقد القلب على الانقياد للإمام المفترض الطاعة، و القيام بما يقتضيه.

و عليه فلا مانع من هذه الجهة عن الأخذ بالعموم، و اللّه العالم.

السابع: ما عن الفاضل النراقي قدّس سرّه من أنّه يحتمل أن يكون المراد بالعقود في الآية سائر معاني العهد كالوصية و الأمر و الضمان، قال: «و لو سلّمنا أنّ للعهد معنى يلائم العقود الفقهية، فإرادة ذلك من الآية غير معلومة». «2»

و فيه: أوّلا: أنّه لم يظهر مرادفة العقد للعهد، بل الظاهر خلافه.

و ثانيا: أنّ المتسالم عليه بين اللّغويّين و الفقهاء و غيرهم شمول «العقد» للعقود الفقهية.

______________________________

(1): تفسير البرهان، ج 1، ص 431.

(2) عوائد الأيام، ص 8.

ص: 550

[الدليل الثامن: الأمر بالعمل بالشرط]

و كذلك (1) قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» «1»

______________________________

الدليل الثامن: الأمر بالعمل بالشرط

(1) كما دلت آية وجوب الوفاء بالعقود على اللزوم، كذلك يدلّ عليه ما روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «المؤمنون عند شروطهم» و هذا هو الدليل الثامن، و ذلك آخر الأدلة التي استدل بها المصنف قدّس سرّه على أصالة اللزوم في الملك.

و ينبغي التعرض لأمرين قبل تقريب الاستدلال:

الأوّل: أنّ هذا الحديث الشريف روي مرسلا عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و ربما يرمى بالضّعف للإرسال، لكنّه روي مسندا في نصوص معتبرة أسنده الإمام عليه السّلام في بعضها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لم يسندها إليه في بعضها الآخر، و إن كان كلام أوّلهم و آخرهم صلى اللّه عليهم أجمعين نورا واحدا نابعا من الوحي الإلهي و ترجمانا له.

______________________________

الثامن: ما عنه قدّس سرّه أيضا من: أنّ العهد الموثق إمّا العقد اللازم شرعا، فلا بدّ من إحرازه.

و معه لا حاجة الى التمسك بالآية. أو الموثّق العرفي، فلا بدّ من إثباته. و ليس مجرّد بنائهم على الإبقاء على مقتضى العقد توثيقا له، لأنّ ما لا يقصد فيه الإتيان البتّة ليس عهدا، فحصول التوثيق يحتاج إلى أمر آخر، و على المستدل إثبات التوثيق عرفا «2».

و فيه: ما عرفته من أنّ المراد بالتوثيق هو العرفي، و لا موجب لإرادة اللزوم الشرعي من العقود اللازمة، بعد ما مرّ من عدم كون الوثاقة أمرا زائدا على نفس الربط أو خصوص اللازم منه على الاحتمالين المتقدّمين، فيصحّ التمسّك بالآية لصحّة كلّ معاملة على الثاني، و لصحّة المعاملات المبنيّة على اللزوم عند العرف على الأوّل.

نعم مع الشك في الموضوع- أعني به العقدية- لا مجال للرجوع الى الآية المباركة كما هو واضح.

فتحصل: أنّه يصح التمسك بالآية على صحة المعاطاة بناء على كون أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بصدد بيان صحة العقود، و على لزومها بناء على كونها بصدد اللزوم الوضعي، هذا.

______________________________

(1): عوالي اللئالي، ج 1، ص 218، الحديث: 84، و ص 293، الحديث: 173.

(2) عوائد الأيام، ص 8.

ص: 551

..........

______________________________

ففي معتبرة منصور بن بزرج- الآتية في التعليقة- استدلّ الامام الكاظم عليه السّلام بهذه الجملة على وجوب الوفاء بالشرط فقال: «فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المؤمنون عند شروطهم». «1»

و في موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يقول: من شرط لامرأته شرطا فليف لها به، فإنّ المسلمين عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما». «2»

و كذا في معتبرتي عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السّلام «3».

و في معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «و المسلمون عند شروطهم ..». «4»

و عليه فهذا المضمون قد قامت الحجة على صدوره من أهل بيت الوحي عليهم الصلاة و السّلام، و مجرّد روايتها مرسلة في عوالي اللئالي غير قادح في الاعتبار.

مضافا الى: أنّها من الروايات المعتمد عليها في الكتب الفقهية من عصر شيخ الطائفة كما لا يخفى على المتتبع.

الثاني: أنّ المحقق الأردبيلي قدّس سرّه استدل بهذا الحديث الشريف على اللزوم، حيث قال:

«لعلّه يظهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى البيع هو اللزوم، مستندا إلى الكتاب و السنة، مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و مثل قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: المسلمون عند شروطهم، إلّا كل شرط خالف كتاب اللّه، فإنّه لا يجوز، في صحيحة عبد اللّه بن سنان، و غير ذلك كما سيجي ء، فهو مؤيّد لما قلناه من اللزوم في بيع المعاطاة، فتذكّر» «5».

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث: 4.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث: 5.

(3) المصدر، الحديث: 1 و 2.

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 408، الباب 21 من أبواب موانع الإرث، الحديث: 1.

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 383.

ص: 552

..........

______________________________

و قد حكاه المصنف عنه في أوّل الخيارات عند ذكر هذا النبوي في عداد أدلة اللزوم، لكنه ناقش في دلالته بمنع صدق الشرط على الالتزامات الابتدائيّة، فراجع.

و أمّا تقريب الاستدلال بهذا النبوي على لزوم كل عقد سواء أ كان مقتضاه الملكية أم غيرها فهو: أنّ الشرط أطلق على الالتزام الابتدائي- لا خصوص الالتزام المأخوذ في ضمن عقد و معاملة- في موارد:

منها: قوله عليه السّلام في ردّ من اشترط على نفسه عدم التزويج بامرأة اخرى: «انّ شرط اللّه قبل شرطكم» حيث أطلق الشرط الأوّل على حكم اللّه الأوّلي من تشريع التزويج بأربع.

و منها: قوله عليه السّلام في خيار الحيوان: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام» إذ المقصود بالشرط ليس الالتزام المجعول في عقد البيع، بل نفس كون المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيام.

و منها: ما ورد في دعاء الندبة: «بعد أن شرطت عليهم الزهد في هذه الدنيا» فإنّ المقصود بالشرط هو الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم الصلاة و السّلام من الإعراض عن زخارف الدنيا و الزهد فيها.

و منها: غير ذلك مما سيأتي في التعليقة.

فإطلاق الشرط في النصوص على التعهّد الابتدائي مسلّم.

و كذا ورد في كلام بعض اللغويين، قال في المنجد: «الشرط: إلزام الشي ء و التزامه» «1» و ظاهره أعمية الشرط من الالتزام الابتدائي و الضمني، فكما يصدق الشرط على الالتزام بخياطة ثوب في ضمن بيع كتاب بدينار، كذلك يصدق على نفس بيع الكتاب بدينار، لما فيه من الالتزام بالمعاملة و المبادلة بين المالين.

و عليه فيشمل الشرط الالتزامات المعاملية، من غير فرق بين كونها مبرزة بمظهر قولي كالبيع بالصيغة، و فعلي كالبيع المعاطاتي، فكأنّه قيل: إنّ المؤمن ملزم بشرطه، و أنّه لا يزول شرطه بالفسخ، فالبيع المعاطاتي من الالتزامات التي لا تزول بالفسخ، و ليس هذا إلّا اللزوم،

______________________________

(1): المنجد في اللغة، ص 382، الطبعة العشرون.

ص: 553

فإنّ الشرط لغة (1) مطلق الالتزام (2) فيشمل ما كان بغير اللفظ (3).

______________________________

فيدل الحديث المزبور على لزوم المعاطاة [1].

(1) لا بد أن يكون مقصود المصنف من اللغة: بعض اللغويين، و إلّا لما صحّ نسبته إلى اللغة بقول مطلق، إذ فيما بأيدينا من كتبهم تخصيص الشرط بالالتزام الضمني، ففي اللسان:

«إلزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه» «1» و نحوه في القاموس و أقرب الموارد. بل في المنجد أيضا قبل عبارته المتقدمة، حيث قال: «شرط عليه في بيع و نحوه: ألزمه شيئا فيه».

و عليه فكون الشرط في اللغة بمعنى مطلق الالتزام غير ثابت. و تمام الكلام في التعليقة الآتية.

(2) يعني: سواء أ كان ابتدائيا أم ضمنيا، و سواء أ كان قوليا أم فعليا، و عليه فالإطلاق هنا من ناحيتين.

(3) كالمعاطاة، فإنّ الالتزام القلبي فيها يكون كالالتزام في البيع القولي، فيشمله الحديث الدال على وجوب الوفاء به بقول مطلق، و من المعلوم أنّ رجوع أحد المتعاطيين فيما انتقل عنه بالمعاطاة نقض للشرط، و هو منهي عنه تكليفا، و ليس بنافذ وضعا، و هذا هو المقصود من لزوم المعاطاة.

______________________________

[1] فيه: أنّ الاستدلال المزبور مبني على كون الشرط مطلق الالتزام، لا خصوص الالتزام الضمني، و ذلك غير ثابت، لما عرفت من اختلاف اللغويين في معنى الشرط، و ذهاب أكثرهم إلى كونه التزاما في ضمن بيع و نحوه. و مقتضى القاعدة التساقط، و المتيقّن- بل المتبادر- خصوص الالتزام الضمني، فلا يطلق على الابتدائي حقيقة حتى يصح الاستدلال به على المعاطاة، و لا أقلّ من الشك في الشمول.

لا يقال: إنّ استعماله في الشروط الابتدائية في الروايات كاف في ردّ قول بعض أهل اللغة ممّن خصّ الشرط بالضمني، و إثبات كونه أعمّ منه و من الابتدائي، فيطلق «الشرط» على

______________________________

(1): لسان العرب، ج 7، ص 329.

ص: 554

______________________________

نفس البيع كما يطلق على الالتزام الواقع في ضمنه.

فمن تلك الروايات: قول أبي جعفر عليه السّلام- في ردّ من اشتراط عدم التزويج بامرأة أخرى-: «ان شرط اللّه قبل شرطكم» «1» إذ المراد بشرط اللّه جلّ و علا هو نفس تشريع التزويج بالثانية، فأطلق الشرط على الحكم الأوّلي على حدّ إطلاقه على الالتزام الضمني، المدلول عليه بقوله عليه السّلام: «شرطكم».

و منها: قول عائشة لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- في قضية شراء بريرة- «إنّ أهل بريرة اشترطوا ولاءها» «2» فتأمل.

و منها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «.. و شرط اللّه آكد». «3»

و منها: قوله عليه السّلام: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام» «4».

و منها: قول الامام السجّاد عليه السّلام في دعاء التوبة: «و أوجب لي محبّتك كما شرطت.

و لك يا ربّ شرطي أن لا أعود في مكروهك». «5»

و منها: ما ورد في دعاء الندبة من قوله عليه السّلام: «بعد أن شرطت عليهم الزّهد .. إلخ». هذا.

فإنّه يقال: بعد تسليم كونه مستعملا في الموارد المذكورة في الشرط الابتدائي- أنّ الاستعمال أعم من الحقيقة. مع إمكان التفصّي عن ذلك: أمّا في قوله عليه السّلام: «شرط اللّه قبل شرطكم» و «شرط اللّه آكد» فبكونهما مجازا بقرينة المشابهة، حيث إنّ شرط الرجل في ضمن عقد النكاح عدم التزويج على امرأته مشابه لشرطه تعالى جواز تعدد التزويج في النكاح.

و أمّا مثل قوله عليه السّلام: «الشرط في الحيوان .. إلخ» فبأنّ المراد به ظاهرا غير الإلزام

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 46، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث: 1.

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 40، الباب 37 من كتاب العتق، الحديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل، ج 13، ص 300، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث: 2.

(4) وسائل الشيعة، ج 12، ص 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 1.

(5) الصحيفة السجادية، الدعاء الحادي و الثلاثون: دعاء التوبة.

ص: 555

______________________________

و الالتزام. و إطلاق الشرط عليه باعتبار الشرط الأصولي و هو كون اللزوم معلّقا على انقضاء الثلاثة، فلزومه معلّق على انقضائها، و جوازه معلّق على بقاء الثلاثة.

و الحاصل: أنّ شرط جواز البيع هو عدم مضي الثلاثة، فإطلاق الشرط على خيار الحيوان بهذه العناية.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و أوجب لي محبّتك كما شرطت» فبإرادة التعليق منه أيضا، حيث إنّ الحبّ معلّق على التوبة، فليس المراد به الإلزام أو الالتزام كما هو مورد البحث.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و لك يا ربّ شرطي» فالمراد به هو الضمني، لأنّ شرط عدم العود وقع في ضمن التوبة.

و أمّا شرط الولاء للبائع في قصّة شراء بريرة فظهوره في الالتزام الضمني لا الابتدائي مما لا يخفى، فراجع الرواية الثانية من نفس الباب، فإنّها كالصريحة في أنّ موالي بريرة شرطوا الولاء في ضمن البيع، فقضى صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأن الولاء للمعتق لا للبائع.

و أمّا إطلاقه على البيع في روايات باب من باع سلعة بثمن حالّا و بأزيد منه مؤجّلا- كقوله عليه السّلام في رواية عمار في حديث «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعث رجلا إلى أهل مكة، و أمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع» «1» و في رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع» «2» و رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام في مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «قال: و نهى عن بيعين في بيع» «3»- فالظاهر أنّه من الإطلاق على الشرط بمعنى التعليق، لا بمعنى الالتزام الابتدائي حتى يتم مدّعى المستدل.

توضيحه: أنّ المراد هو بيع سلعة بثمنين مختلفين- زيادة و نقيصة- باختلاف كونه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ص 367 و 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة، ص 367 و 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 4.

(3) وسائل الشيعة، ص 367 و 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 5.

ص: 556

______________________________

مؤجلا و حالّا، فكأنه قال: إن كان حالّا فبكذا، و إن كان مؤجّلا فبكذا، فإطلاق الشرط على البيع حينئذ باعتبار هذا التعليق الذي هو شرط، لا بمعنى الإلزام و الالتزام حتى يكون التزاما ابتدائيا، و يثبت به إطلاق الشرط على الالتزام مطلقا و إن كان ابتدائيا، و باعتبار التبادل يصدق «بيعان في بيع».

و أمّا الروايتان الواردتان في أبواب المهور فهما:

الأولى: ما رواه منصور بن بزرج عن عبد صالح عليه السّلام قال: «قلت له: إنّ رجلا من مواليك تزوّج امرأة، ثم طلّقها، فبانت منه، فأراد أن يراجعها، فأبت عليه إلّا أن يجعل للّه عليه أن لا يطلقها و لا يتزوّج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟ فقال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار؟ قل له: فليف للمرأة بشرطها، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: المؤمنون عند شروطهم». «1»

الثانية: ما رواه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشي ء إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه». «2»

و نقول فيهما: أمّا الرواية الأولى التي استدلّ بها على إلحاق الشروط الابتدائية بالضمنيّة حكما- و إن لم يصدق عليها الشرط موضوعا- فالجواب عنها- بعد الغض عن ظهورها في الشرط الضمني الواقع في ضمن العقد أو وقوع العقد مبنيّا عليه- هو: أنّ الإلحاق الحكمي إنّما يصح بعد اعتبار الرواية. و ليس كذلك، لأنّها معارضة بما دلّ على بطلان هذا النحو من

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث: 4.

و كلمة: «بزرج» بضم الباء الموحدة- و قد تفتح- و ضمّ الزاء المعجمة، و سكون الراء المهملة ثم الجيم، معرّب: بزرگ أي الكبير، نصّ عليه في القاموس، كما نقله العلامة المامقاني قدّس سرّه في تنقيح المقال.

(2) وسائل الشيعة، ج 15، ص 47، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث: 2.

ص: 557

______________________________

الشروط، و لذا حملت على التقية أو الاستحباب، هذا.

و أمّا الرواية الثانية الظاهرة في كون شرطيته مفروغا عنها، و أنّ عدم الجواز إنّما هو لأجل مخالفته لكتاب اللّه، و لا أقلّ من إثبات الإلحاق حكما، ففيها:- مضافا إلى عدم ثبوت كونه ابتدائيا، لقوة احتمال أن يكون الشرط في ضمن العقد و لو بوقوع عقد النكاح مبنيّا عليه- أن الاستدلال المزبور مبني على التقيّة، حيث إنّ الطلاق لا يقع بهذا النحو مطلقا و إن كان الشرط سائغا، و لعلّ بناء الناس على إدراج هذا النحو من الالتزام في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» إنّما كان لأجل قرائن، لا لكونه مقتضى العرف و اللغة.

و الحاصل: أنّ دلالة هذين الخبرين على أعمية الشرط للابتدائي- و إلحاق الابتدائي بالضمني حكما- في غاية المنع.

و أمّا ما ورد في باب اشتراء الطعام و تغيّر السعر قبل قبضه من الروايات «1»- التي يظنّ منها إطلاق الشرط على البيع، أو مطلق القرار، و كذا في باب السلف و غيره- ففيه: أنّ المراد به ظاهرا هو الشرط بمعنى التعليق، أو الشرط الضمني، فلا تجدي في المقام، و لا تثبت إطلاق الشرط على الالتزام الابتدائي حتى يقال: إنّ المعاطاة أيضا التزام ابتدائي، فيشمله حديث:

المؤمنون عند شروطهم.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّه لم يثبت إطلاق الشرط لغة و عرفا على الالتزام الابتدائي الذي جعل المصنّف قدّس سرّه الاستدلال مبنيّا عليه، هذا.

و لا يخفى أنّه يمكن منع صحة الاستدلال بالحديث المزبور و لو بعد تسليم أعمية الشرط للشرط الابتدائي موضوعا أو حكما، و ذلك لأنّ البيع مبادلة خاصة أو تمليك عين متمولة بعوض متمول على ما تقدم في محله، و على التقديرين لا يندرج البيع و غيره من

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 401، الباب 26 من أبواب أحكام العقود.

ص: 558

______________________________

العقود في الشرط الذي معناه الالتزام، و من المعلوم أنّ الإلزام أو الالتزام ليس معنى مطابقيا للمعاملات، و لا التزاميا لها. نعم بناء العقلاء على لزوم بعض المعاملات و إن كان مسلّما، لكنه غير كون المعاملة إلزاما و التزاما، كما هو مورد البحث، فدعوى تماميّة الاستدلال بناء على أعمية الشرط للشروط الابتدائية غير مسموعة.

نعم لو ثبت كون الشرط مطلق الجعل و القرار- أو مطلق الجعل المستتبع للإلزام و الضّيق كما عن بعض حواشي المتن- لكان البيع و نحوه داخلا فيه، و لصحّ التمسك بحديث:

المؤمنون عند شروطهم.

لكنهما ضعيفان، إذ لازم الأوّل صحة إطلاق الشرط على جعل النصب و الإشارات، و هو كما ترى.

و لازم الثاني صحة إطلاق الشرط على جعل الأمارة الشرعية المستتبعة للضيق و الإلزام، و لم يعهد هذا الإطلاق أصلا.

نعم يمكن إلغاء الخصوصية عرفا و التعدي إلى الشروط الابتدائية- بل الى مطلق الجعل و القرار- بمناسبة الحكم و الموضوع، بدعوى: أنّ العرف يفهم من مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«المؤمنون عند شروطهم» أن ما يكون المؤمن ملزما به هو نفس الجعل و قراره من غير دخالة لعنوان الشرط فيه، فالضمنيّة و الابتدائية و الشرط و سائر عهوده على السواء في ذلك، فيتجه الاستدلال حينئذ بحديث «المؤمنون عند شروطهم» على لزوم المعاطاة، هذا.

لكنه لا يخلو من تأمل، لأنّ إلغاء الخصوصيّة منوط بالعلم بوحدة المناط، أو ظهور اللفظ في العموم و لو بقرينة توجب كون اللفظ ظاهرا فيه عرفا. و الكل مفقود في المقام.

و مجرد الاحتمال غير مجد كما لا يخفى. فالاستدلال بالحديث لإثبات لزوم المعاطاة و كونها كالبيع بالصيغة غير وجيه. هذا.

فتلخص ممّا ذكرنا: أنّ الاستدلال بحديث «المؤمنون عند شروطهم» لا يستقيم بشي ء من الوجوه المزبورة: من أعمية الشرط للشروط الابتدائية، و من إلغاء خصوصية الشرط،

ص: 559

و الحاصل (1): أن الحكم باللزوم

______________________________

(1) لمّا فرغ المصنف قدّس سرّه من إقامة الدليل على أصالة اللزوم نبّه على ما تحصّل منها تمهيدا للمناقشة في ترتب الملك اللازم على خصوص المعاطاة في البيع. و حاصل تلك الأدلة الثمانية أمران:

الأوّل: أنّ الأصل في كل عقد مملّك هو اللزوم، سواء حصل بالبيع أم الصلح أم الهبة أم غيرها، و تزلزله منوط بدليل خاص.

الثاني: أنّ الأصل في خصوص البيع هو اللزوم، سواء أنشئ باللفظ أم بالتعاطي.

و عليه فلا يبقى مجال لسائر الأقوال في المسألة، مثل كون المعاطاة بيعا فاسدا كما في نهاية العلامة، و كونها مفيدة للإباحة المحضة كما نصّ عليه المشهور في كلماتهم، و كونها مفيدة للملك اللازم بشرط كون الدال على التراضي لفظا كما نقله الشهيد الثاني عن بعض مشايخه، و وافقه جمع.

و مقصود المصنف فعلا تمهيد الكلام لرفع اليد عن هذا الأمر الثاني، و أنّ أصالة اللزوم في العقود المملّكة و البيع اللفظي و إن كانت حجة، إلّا أنها في خصوص المعاطاة معارضة

______________________________

و من جعل الشرط مطلق الجعل أو خصوص الجعل المستتبع للإلزام و الضيق، و لا من إطلاق الشرط على البيع في بعض الروايات المتقدمة، و ذلك لما عرفت من المناقشة في الجميع.

ثم إنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» جملة خبرية استعملت في مقام الإنشاء كسائر الجمل الخبرية المستعملة في الإنشاء، و المنشأ هو الوجوب كما يقتضيه الغلبة.

فدعوى: «كون المستفاد منها حكما أخلاقيا مسوقا لما يقتضيه الايمان و يقود إليه، نظير:

المؤمن إذا وعد وفى» كما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه «1» غير مسموعة. فدلالة الحديث على وجوب الوفاء بالشروط مما لا مساغ لإنكاره. و بقية الكلام في هذا المقام موكولة إلى مبحث الشروط.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 81.

ص: 560

في مطلق الملك (1)، و في خصوص البيع (2) مما لا ينكر.

لكن (3) الظاهر فيما نحن فيه (4) قيام الإجماع

______________________________

بالإجماع على عدم لزوم الملك فيها، فلا بد من علاج المعارضة، و ستأتي تتمة الكلام في ذلك.

(1) كما اقتضته الأدلة العامة، و هي آيتا حرمة الأكل بالباطل و وجوب الوفاء بالعقود، و حديث السلطنة و الحل و الشرط، و الاستصحاب.

(2) كما اقتضاه أخبار خيار المجلس، لاختصاص مدلولها بلزوم عقد البيع.

(3) هذا شروع في الاشكال على القول بإفادة المعاطاة للملك اللّازم، و غرضه إقامة الدليل على تخصيص قاعدة اللزوم- في الملك و البيع- بالمعاطاة، و أنّ الملك الحاصل بالمعاطاة خارج عن حيّز هذه القاعدة، لوجوه:

أوّلها: الإجماع، و هو يقرّر تارة بنحو الإجماع البسيط، و أخرى بنحو الإجماع المركب.

ثانيها: دلالة بعض الأخبار على اعتبار اللفظ في إنشاء البيع.

ثالثها: السيرة على عدم الاكتفاء بالتعاطي في البيوع الخطيرة.

أمّا الإجماع فالظاهر تحققه، ففي الجواهر- لدى التعليق على قول المحقق: و لا يكفي التقابض- ما لفظه: «للأصل المقرّر بوجوه: الإجماع بقسميه أو الضرورة. و صدق البيع مثلا بعد التسليم و التجارة عن تراض لا يستلزم تحقق العقد الذي يترتب عليه اللزوم ..». «1»

و عليه لا بد من تخصيص أصالة اللزوم في الملك و البيع، و الالتزام بالملك المتزلزل الذي اختاره المحقق الثاني، و يتوقف لزوم المعاطاة على طروء بعض الملزمات من التلف و التصرف و نحوهما.

هذا كله في أصل تحقق الإجماع، و سيأتي بيان بعض الوجوه المؤيّدة له.

و أمّا سائر الأدلة فسيأتي بيانها بعد ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(4) و هو المعاطاة.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 210.

ص: 561

على عدم لزوم المعاطاة (1) بل ادّعاه صريحا بعض (2) الأساطين في شرح القواعد.

و يعضده (3) الشهرة المحققة، بل لم يوجد به (4) قائل

______________________________

(1) هذا هو الإجماع البسيط على عدم لزوم المعاطاة، في مقابل الإجماع المركب الآتي.

(2) يعني: أنّ كاشف الغطاء قدّس سرّه ادّعى الإجماع على عدم لزوم المعاطاة، لا مجرّد الإجماع على اعتبار اللفظ في البيع، لاحتمال إرادة عدم الصحة لا عدم اللزوم. لوضوح أنّ الإجماع على اعتبار اللفظ يلتئم مع القول بالإباحة كما هو المشهور، و القول بالملك المتزلزل.

و بهذا ظهر وجه إضرابه عن ظهور الإجماع إلى صراحته في نفي اللزوم، حيث إنّ معقد إجماع مثل صاحب الجواهر مجرّد اعتبار اللفظ في البيع و العقود اللازمة. و معقد إجماع كاشف الغطاء نفي تأثير المعاطاة في الملك اللازم.

(3) أي: و تعضد الشهرة الإجماع، و غرضه تأييد دعواه الإجماع- على عدم لزوم المعاطاة- بأمور ثلاثة، و هي الشهرة و اجماعان منقولان:

فالأوّل هو الشهرة الفتوائية القطعية على عدم ترتب الملك اللازم على المعاطاة. قال الشهيد الثاني- في شرح قول المحقق: و لا يكفي التقابض- ما لفظه: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد أن يكون إجماعا، غير أنّ ظاهر المفيد رحمه اللّه يدل على الاكتفاء في تحقق البيع بما دلّ على الرّضا به ..» «1» فإنّ المشهور ينكرون لزوم الملك بالمعاطاة، سواء أبقيت عبائرهم على ظاهرها من الإباحة المحضة، أم حملت على الملك الجائز.

و على هذا فالإجماع المدّعى على عدم اللزوم يتأيّد بفتوى المشهور، و يشكل مخالفته بدعوى كونه منقولا بخبر الواحد.

(4) أي: بلزوم المعاطاة، و غرضه الترقّي عن الشهرة إلى دعوى الإجماع، يعني: أنّ الإجماع الذي ادّعاه كاشف الغطاء على عدم اللزوم ليس إجماعا حادثا، بل هو متلقّى من السلف الصالح، لذهاب الأصحاب طرّا- قبل عصر المحقق الأردبيلي- الى عدم اللزوم.

فان قلت: إنّ القائل باللزوم من القدماء هو المفيد، فلا إجماع منهم على عدم اللزوم،

______________________________

(1): مسالك الافهام، ج 3، ص 147.

ص: 562

إلى زمان بعض (1) متأخري المتأخرين، فإن (2) العبارة المحكيّة عن المفيد قدّس سرّه في المقنعة لا تدلّ على هذا القول كما عن المختلف الاعتراف به (3)، فإنّ المحكي عنه أنه قال: «ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالأبدان» «1» انتهى.

______________________________

و لا ينحصر القائل باللزوم في المحقق الأردبيلي و غيره ممن هو في طبقة متأخري المتأخرين.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

هدى الطالب في شرح المكاسب؛ ج 1، ص: 563

قلت: الظاهر اتفاق القدماء على عدم اللزوم، لعدم إحراز مخالفة الشيخ المفيد لهم، إذ في عبارته احتمالان، و ليس كلامه صريحا و لا ظاهرا في اللزوم حتّى يعدّ مخالفا للمشهور.

(1) و هو المحقق الأردبيلي و الكاشاني «2» و المحدث الجزائري قدّس سرّهم قال جدّنا الأجل السيد الجزائري قدّس سرّه في ذيل الكلام المتعلق بآية التجارة- على ما حكي عنه- ما لفظه: «و اعلم أنّه يمكن أن يستفاد من ظاهر الآية حكمان، أحدهما عدم توقف المبايعة و لزومها على العقد المصطلح بين فقهائنا من الإيجاب و القبول كميّة و كيفيّة، لأنّه جعل مناط الصحة هو التراضي، و هذا عن شيخنا المفيد طاب ثراه في تجويز بيع المعاطاة. و ثانيهما: فساد بيع الفضولي، لأنّه لم يقع عن تراض من أهل المال، و إليه ذهب الشيخ رحمه اللّه في المبسوط. و المشهور بين علمائنا الجواز تعويلا على رواية عروة، و ذكر مضمون الرواية، ثم قال: و فيه بعد تسليم الرواية جاز أن يكون ذلك لكون النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وكّله وكالة مطلقة» «3» انتهى كلامه رفع مقامه.

و الشاهد في قوله: «عدم توقف المبايعة و لزومها على العقد المصطلح بين الفقهاء» لصراحة هذا الكلام في إفادة المعاطاة ملكا لازما.

(2) هذا دفع ما يتوهم من منافاة ما عن المفيد من اللزوم لقوله: «بل لم يوجد به قائل ..

إلخ» و قد تقدم توضيحه بقولنا: «ان قلت .. قلت».

(3) أي: الاعتراف بعدم الدلالة، قال العلامة في المختلف: «و لا تكفي المعاطاة في العقد،

______________________________

(1): المقنعة، ص 591.

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 142، مفاتيح الشرائع، ج 3، ص 48.

(3) غاية المرام في شرح تهذيب الاحكام، الجزء الثالث، مخطوط.

ص: 563

و يقوى (1) إرادة بيان شروط صحّة العقد الواقع بين اثنين و تأثيره في اللزوم، و كأنّه لذلك (2) حكى كاشف الرّموز عن المفيد و الشيخ رحمه اللّه: أنّه لا بدّ في البيع عندهما من لفظ مخصوص.

______________________________

ذهب إليه أكثر علمائنا، و للمفيد رحمه اللّه قول يوهم الجواز، فإنّه قال: و البيع ينعقد .. إلخ» ثم قال العلّامة: «و ليس في هذا تصريح بصحته، إلّا أنّه موهم». «1»

و مقصوده: أنّ العبارة المذكورة توهم صحة المعاطاة- عند المفيد- و إفادتها للملك، و ليست صريحة في ذلك حتى يعدّ المفيد مخالفا للقائلين بعدم لزوم المعاطاة.

(1) غرضه أنّ عبارة الشيخ المفيد قدّس سرّه تحتمل ضعيفا إرادة اللزوم بعد استجماع البيع للشروط التي ذكرها، و من المعلوم أنّ الصيغة لم تذكر من تلك الشروط، و مقتضى ذلك كون المعاطاة الجامعة لتلك الشرائط لازمة، فعليه يكون الشيخ المفيد قدّس سرّه مخالفا للمجمعين.

و لكن يحتمل في عبارته قويّا عدم إرادة انحصار شروط الصحة و اللزوم فيما ذكره حتى يقتضي عدم التصريح بشرط آخر انعقاد البيع و لزومه، بل مقصوده بيان شرائط الصحة كمعرفة العوضين، و التراضي بالبيع، و شرائط اللزوم كالتقابض المترتب على البيع، و الافتراق بالأبدان، و مقتضى شرطيّة شي ء هو فقدان المشروط بانتفائه، كشرطية الطهارة للصلاة، فإنّ مقتضى شرطيّتها هو انعدام الصلاة بانعدامها، و من المعلوم أنّ شرطية الطهارة لها لا تنافي شرطية شي ء آخر للصلاة كما لا يخفى.

و عليه فشرطيّة ما ذكره الشيخ المفيد رحمه اللّه لصحة البيع و لزومه لا تنافي شرطية غيره كالإيجاب و القبول.

و يؤيّده أنّ الشيخ المفيد لم يذكر الصيغة في عقد النكاح، مع أنّ اعتبارها فيه من القطعيّات، فحينئذ لا يمكن عدّ المفيد مخالفا.

فغرض المصنف من قوله: «و يقوى» هو عدم كون المفيد مخالفا للمجمعين.

(2) يعني: و لأجل كون مراد المفيد شروط صحة البيع و لزومه حكى كاشف الرموز .. إلخ، حيث بنى الفاضل الآبي قدّس سرّه صحة بيع الفضولي و بطلانه على اقتضاء النهي في المعاملات فساد

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 51.

ص: 564

و قد تقدّم (1) دعوى الإجماع من الغنية على عدم كونها بيعا (2)،

______________________________

المنهي عنه، و عدمه، فالقائل بالاقتضاء يلزمه القول بالفساد، إلّا أن يقول إنّ عقد البيع لا يستلزم لفظا مخصوصا، بل كلّ ما يدل على الانتقال فهو عقد، ثم قال: «و إذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا دام ظله- و هو المحقق الحلّي- لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد، و لا للبيع لفظ مخصوص. بل يشكل على الشيخين، لأنّهما يخالفانه في المسألتين» «1».

و الشاهد في الجملة الأخيرة، حيث إنه نسب- جازما- إلى الشيخ المفيد و الطوسي قدّس سرّهما اعتبار لفظ مخصوص في عقد البيع، فيكون مختار الشيخ المفيد ما هو المشهور من اعتبار الصيغة المخصوصة في انعقاد البيع، و ليست المعاطاة بيعا.

و لعلّ إسناد كاشف الرموز اعتبار اللفظ المخصوص في البيع الى المفيد قدّس سرّه يكون لأجل اعتبار التقابض بعد قوله: «و ينعقد البيع» إذ لا معنى لشرطية التقابض للمعاطاة، لأنّ حقيقتها التقابض، و لا معنى لكون شي ء شرطا لنفسه، فلا بد أن يراد بالبيع بقوله: «و ينعقد البيع» خصوص القولي. و عليه فمورد كلام الشيخ المفيد هو البيع اللفظي، لا الأعم منه و من الفعلي، و لا خصوص الفعلي حتى يقال: إنّه قائل باللزوم، و مخالف للمجمعين القائلين بعدم لزوم المعاطاة.

(1) غرضه قدّس سرّه من الإشارة إلى كلام السيد ابن زهرة قدّس سرّه تأييد ما ادعاه بقوله: «بل لم يوجد به قائل إلى زمان بعض متأخري المتأخرين» و هذا معاضد ثان للإجماع المنقول الذي ادّعاه بعض الأساطين، فليس ذلك إجماعا منقولا بخبر الواحد حتى يرمى بعدم الاعتبار، بل هو إجماع متضافر النقل.

(2) حيث قال في عبارته المنقولة عند نقل الأقوال في المعاطاة: «و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة .. فإنّ ذلك ليس ببيع. يدلّ على ما قلناه الإجماع المشار إليه». «2»

______________________________

(1): كشف الرموز، ج 1، ص 445 و 446.

(2) غنية النزوع، ص 524 (الجوامع الفقهية).

ص: 565

و هو (1) نصّ في عدم اللزوم [1].

______________________________

(1) يعني: و إجماع السيد ابن زهرة على نفي بيعية المعاطاة نصّ في عدم لزومها بلحاظ القدر المتيقن منه.

فان قلت: لا وجه لجعل إجماع السيد مؤيّدا و معاضدا لإجماع بعض الأساطين على عدم ترتب الملك اللازم على المعاطاة، و ذلك لأنّ مقصود السيد من الإجماع على نفي بيعية المعاطاة نفي الماهية و الصحة، لقوله: «و إنّما هو إباحة التصرف» و عليه فالمعاطاة عند ابن زهرة بيع فاسد لا يفيد الملك أصلا لا متزلزلا و لا مستقرا، و تفيد الإباحة تعبدا، فلا ربط لكلامه بنفي الملك اللازم و إثبات الملك الجائز حتى يكون معاضدا لإجماع كاشف الغطاء على نفي اللزوم.

قلت: لا مانع من الاستشهاد بكلام السيد و جعل دعواه الإجماع مؤيّدا لعدم اللزوم، و ذلك لدلالة قوله: «ليس ببيع» على أمرين: أحدهما: نفي اللزوم، و الآخر: نفي الصحة.

و دلالته على الأوّل تكون بالصراحة، إذ الأثر الأقصى المترتب على البيع هو الملك اللازم، و هو غير مترتب على المعاطاة سواء قيل بإفادتها الإباحة أم بإفادتها الملك المتزلزل.

و دلالته على الثاني- و هو نفي طبيعة البيع عن المعاطاة- تكون بالظهور، لاحتمال إرادة نفي اللزوم خاصة. و حينئذ فيؤخذ بالقدر المتيقن من قول السيد: «ليس ببيع» و هو عدم مماثلة المعاطاة للبيع بالصيغة في اللزوم، و لا يؤخذ بظهور كلامه في نفي أصل بيعية المعاطاة.

و عليه يتجه ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جعل إجماع الغنية موافقا لإجماع بعض الأساطين على عدم لزوم المعاطاة.

______________________________

[1] هذا غير ظاهر، لأنّ نفي البيعية لا يستلزم عدم اللزوم، لإمكان أن يكون المعاطاة إباحة لازمة عندهم، فنفي بيعية المعاطاة لا يدلّ- و لو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع- على نفي اللزوم.

إلّا أن يقال: انّ المدّعى. هو نفي الملك اللازم، و الإباحة اللازمة غير الملك اللازم.

ص: 566

و لا يقدح (1) كونه (2) ظاهرا في عدم الملكية الذي (3) لا نقول به.

و عن جامع المقاصد: «يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع» (4).

نعم (5) قول العلّامة رحمه اللّه في التذكرة: «انّ الأشهر عندنا: أنّه لا بدّ من الصيغة» «1»

______________________________

(1) يعني: لا يقدح ظهور كلام الغنية- في نفي بيعية المعاطاة- في المدّعى، و هو عدم لزوم المعاطاة.

وجه عدم القدح رفع اليد عن ظهور كلام السيد في نفي مملّكية المعاطاة، و ذلك لقيام الأدلة على إفادتها للملك الجائز، فهذا الظهور لا يمكن الأخذ به من جهة معارضة الأدلّة على مملّكية المعاطاة بمنعها صغرويّا. و قد تقدم توضيح وجه عدم القدح بقولنا: «فان قلت .. قلت».

(2) يعني: كون إجماع الغنية ظاهرا في نفي الموصوف و هو طبيعة البيع، لا خصوص الوصف و هو اللزوم.

(3) وصف لقوله: «عدم الملكية» يعني: لا نقول بعدم الملكية.

(4) هذا الإجماع معاضد ثالث لإجماع بعض الأساطين.

و قد تحصّل إلى هنا: أنّ الإجماع المتضافر نقله قد قام على عدم ترتب ملك لازم على المعاطاة، و عليه لا بدّ من تخصيص أصالة اللزوم- في الملك و البيع- بهذه الإجماعات المنقولة.

و سيشرع المصنف في هدم هذه الإجماعات، فانتظر.

(5) استدراك على قوله: «لكن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة» و مقصوده الإشكال على هذا الإجماع بوجهين:

أحدهما: منع تحققه في نفسه، لوجود المخالف المعتدّ به.

و ثانيهما: منع حجيته، لكونه فاقدا لمناط الاعتبار و هو الكشف عن رأي المعصوم عليه السّلام.

و توضيح الوجه الأوّل: أنّ كلام العلّامة في التذكرة: «أن الأشهر عندنا .. إلخ» يدلّ عرفا على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة، بحيث يقدح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم، إذ لو كان المخالف شاذّا لعبّر العلامة بالمشهور، كما لا يخفى على العارف بمحاورات الفقهاء.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462.

ص: 567

يدلّ (1) على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة. و لو كان المخالف شاذّا لعبّر بالمشهور.

و كذلك (2) نسبته في المختلف «1» إلى الأكثر.

و في التحرير: «أنّ الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة» «2».

ثم (3) لو فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنّها ليست مملّكة، و إنّما تفيد الإباحة

______________________________

(1) خبر قوله: «قول العلّامة».

(2) يعني: و كذلك كلام العلامة في المختلف و التحرير يدل على وجود الخلاف المعتدّ به، و ذلك فإنّ نسبة عدم اللزوم إلى الأكثر في الأوّل- و جعله أقوى في الثاني- يدلّ أيضا على وجود الخلاف المعتدّ به القادح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة.

و مع دلالة هذه العبارات الثلاث- من التذكرة و المختلف و التحرير- على وجود الخلاف المعتدّ به كيف تصح دعوى الإجماع على اللزوم؟ فغرض المصنف من ذكر هذه العبائر الثلاث توهين الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.

(3) هذا هو الوجه الثاني من الاشكال على الإجماع البسيط على عدم اللزوم، و حاصله: أنّ الإجماع على عدم اللزوم- بعد تسليمه و الإغماض عن وجود الخلاف المعتدّ به الذي استظهرناه من كلمات العلامة قدّس سرّه في التذكرة و المختلف و التحرير- غير مفيد، لذهاب كثير من القائلين بعدم اللزوم بل أكثرهم إلى كون المعاطاة مفيدة للإباحة، و هذا الإجماع لا يكشف عن إفادة المعاطاة للملك الجائز، لإمكان ذهاب كلّهم أو جلّهم إلى اللزوم على تقدير عدولهم عن الإباحة، و بنائهم على إفادة المعاطاة للملك. فالإجماع المفيد المطابق للمدّعى هو اتفاقهم على عدم اللزوم على تقدير إفادتها للملك، و هذا غير معلوم، فالإجماع المفيد غير متحقق، و المتحقق غير مفيد.

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 51.

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 164.

ص: 568

لم يكن (1) هذا الاتفاق كاشفا (2)، إذ (3) القول باللزوم فرع الملكية، و لم (4) يقل بها إلّا بعض من تأخّر عن المحقق الثاني تبعا له. و هذا مما (5) يوهن حصول القطع بل الظنّ من الاتّفاق المذكور، لأنّ (6) قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة بانتفاء الموضوع (7).

نعم (8) يمكن أن يقال:- بعد ثبوت الاتفاق المذكور- إنّ أصحابنا بين قائل

______________________________

(1) جواب «لو فرضنا».

(2) يعني: عن رأي المعصوم عليه السّلام بعدم لزوم الملك في المعاطاة، مع أنّ مناط حجيّة الإجماع عندنا هو الكشف عن رأيه عليه السّلام.

(3) تعليل لعدم كاشفية الإجماعات المتقدمة.

(4) يعني: و الحال أنّه لم يقل بالملكية إلّا بعض .. إلخ.

(5) يعني: و عدم القول بالملكية إلّا من بعض متأخري المتأخرين تبعا للمحقق الثاني يوهن حصول القطع أو الظن بقول المعصوم عليه السّلام من الاتفاق المزبور الذي ادّعاه السيد و المحقق الكركي، و المفروض أنّ مناط حجية الإجماع إنّما هو الكشف عن قوله عليه السّلام أو عن حجة معتبرة.

(6) تعليل لقوله: «يوهن» توضيحه: أنّ السالبة بانتفاء الموضوع لا تثبت السالبة بانتفاء المحمول التي هي مورد البحث، فإنّ نفي الملكية لا يثبت الملك الجائز على تقدير القول بإفادة المعاطاة للملك.

و إن شئت فقل: انّ الإجماع تقييدي، و هو غير كاشف عن كون إفادة المعاطاة للملك المتزلزل إجماعية، لأنّ نفي اللزوم و إن كان ظاهرا في سلب المحمول على ما هو الأصل في القضايا السلبية، إلّا أنّ هنا قرينة على إرادة سلب الموضوع، حيث إنّ الأكثر قائلون بإفادة المعاطاة للإباحة دون الملك، فالمراد بنفي اللزوم نفي الملك، لا نفي وصفه و هو اللزوم مع وجود أصل الملك.

(7) لكونهم قائلين بالإباحة، فلا بيع حتى يكون لازما أو جائزا.

(8) هذا بظاهره استدراك على مناقشته في الإجماع على عدم اللزوم، و لكنه في الحقيقة

ص: 569

بالملك الجائز (1) و بين قائل بعدم الملك رأسا (2) فالقول بالملك اللازم قول ثالث (3)، فتأمّل (4).

و كيف كان (5) فتحصيل (6) الإجماع على وجه استكشاف قول الامام عليه السّلام

______________________________

إشارة إلى الدليل الثاني على تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة، و هو الإجماع المركّب.

و حاصل تقريبه: أنّ الأصحاب بين قائل بالملك الجائز و بين قائل بعدم الملك رأسا، بل بالإباحة، فهم على هذين القولين، و من المعلوم أنّ القول بالملك اللازم مخالف لهما معا، و يكون قولا ثالثا لا يجوز إبداعه.

و عليه فلا بدّ من الالتزام باختصاص الملك اللازم بالبيع القولي، دون المعاطاتي.

(1) كالمحقق الثاني و من تبعه.

(2) كما هو مذهب مشهور القدماء من القول بإباحة التصرف.

(3) يعني: فلا يجوز إحداثه، لكونه خرقا للإجماع المركّب.

(4) لعلّه إشارة إلى: أنّ عدم جواز إحداث القول الثالث مبنيّ على رجوع الإجماع المركّب إلى البسيط، بأن يكون الفريقان متّفقين على نفي الثالث، لا أن يكون نفي الثالث منتزعا منهما. و من المعلوم أنّه لم يثبت اتفاقهم هنا على نفي الثالث.

و عليه فدعوى الإجماع المركب غير مفيدة في المقام.

أو إشارة إلى: أنّه إذا كان المقصود نفي القول بالملك اللازم من دون قصد إلى إثبات الملك الجائز لم يكن حاجة حينئذ إلى التشبث بالإجماع المركب، لكفاية نفس الإجماع البسيط على عدم اللزوم في نفي الملك اللازم.

(5) يعني: سواء أريد تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة بالإجماع البسيط أو المركّب، فإنّ كليهما ممنوع.

(6) هذا تقريب الاشكال على كلا تقريبي الإجماع على نفي اللزوم، و محصّله: عدم تحقق الاتفاق- بسيطا و مركّبا- لدلالة كلمات العلّامة في التذكرة و المختلف و التحرير على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة، و معه لا تصحّ دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة، إذ

ص: 570

من قول غيره من العلماء- كما هو طريق المتأخرين- مشكل (1)، لما ذكرنا (2)، و إن كان هذا (3) لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء، كما بيّن في الأصول.

و بالجملة (4): فما ذكره في المسالك (5) من قوله- بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ في اللزوم-: «ما أحسنه و ما أمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه» في غاية الحسن و المتانة.

______________________________

ليس اتفاق جماعة كاشفا عن قول المعصوم عليه السّلام كما هو مناط حجية الإجماع عند المتأخرين.

(1) خبر «و تحصيل».

(2) من عدم تحقق الاتفاق على عدم لزوم المعاطاة، بل المسألة خلافية.

(3) أي: ما ذكرناه من وجود الخلاف المعتدّ به، حاصله: أنّ الخلاف قادح في الإجماع على طريقة المتأخرين، و هي كشف قول المعصوم عليه السّلام حدسا عن قول المجمعين. و غير قادح فيه على طريقة القائلين بأنّ مناط حجية الإجماع دخول المعصوم عليه السّلام، فلا مانع حينئذ من تحقق الإجماع و لو مع مخالفة كثير منهم ممّن هو معلوم النسب، إذ المفروض وجود الامام عليه السّلام في غيرهم.

(4) هذه خلاصة ما ذكره من النقض و الإبرام حول الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.

(5) حيث قال: «و الذي اختاره متأخرو الشافعية و جميع المالكية انعقاد البيع بكلّ ما دلّ على التراضي، و عدّه الناس بيعا، و هو قريب من قول المفيد و شيخنا المتقدم. و ما أحسنه و أمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه». «1»

و هذه العبارة و إن كانت ظاهرة في كفاية مطلق الكاشف لا خصوص اللفظ، لكن تعبيره ب «و هو قريب من قول المفيد و شيخنا المتقدم» قرينة على أنّ مراده من الحسن و المتانة هو ما نبّه عليه في أوّل بحث المعاطاة- بعد نقل كلام المفيد- بما لفظه: «و قد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك أيضا- أي إلى اللزوم- لكن يشترط في الدال كونه لفظا» «2».

و كيف كان فوجه المناسبة في نقل كلام المسالك هو: تأييد ما أفاده المصنف قدّس سرّه من

______________________________

(1): مسالك الافهام، ج 3، ص 152.

(2) المصدر، ص 147.

ص: 571

و الإجماع (1) و إن لم يكن محقّقا على وجه يوجب القطع، إلّا أنّ المظنون قويّا تحققه (2) على عدم اللزوم مع عدم لفظ دالّ على إنشاء التمليك، سواء لم يوجد لفظ أصلا (3) أم وجد و لكن لم ينشأ التمليك به (4)، بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض (5) [1].

______________________________

التردد و التأمل في ثبوت الإجماع على إناطة لزوم الملك باللفظ، حيث إنّ ظاهر المسالك هو تردّده في ثبوت الإجماع، و مع التردد فيه يتعيّن التمسك بعموم ما دلّ على لزوم الملك.

(1) مقصوده قدّس سرّه- بعد أن منع آنفا من تحقق إجماع تعبدي على اعتبار الصيغة في لزوم الملك- التفصيل في المسألة، و تأييد الإجماع في صورتين، إذ الصّور ثلاث:

الأولى: أن لا يوجد لفظ دالّ على التمليك أصلا، بأن كانت المقاولة بالإشارة و الكتابة، ثم تحققت المعاطاة. و حكم هذه الصورة عدم اللزوم، للإجماع المظنون تحققه.

الثانية: أن يوجد لفظ دالّ على التراضي، و لكن كان في مقام المقاولة، لا في مقام إنشاء التمليك، فكان الإنشاء كالصورة السابقة بنفس التقابض. و هذه الصورة كالأولى في عدم اللزوم، للإجماع.

الثالثة: أن يوجد لفظ دال على التراضي و أنشئت المعاملة به، لا بنفس التقابض.

و حكم هذه الصورة اللزوم، لفرض تحقق الإنشاء بالصيغة، سواء أ كانت ملحونة مادة أو هيئة، أم صحيحة جامعة لشرائط الصحة و التأثير في الملك اللازم.

(2) و الظنّ و إن لم يغن من الحقّ شيئا، لكن لا بأس بالاعتماد عليه في الخروج عن مخالفة المشهور القائلين باعتبار الإنشاء القولي.

(3) أي: لا في مقام المقاولة و لا في مقام الإنشاء. و هذه اولى الصور الثلاث.

(4) أي: باللفظ، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية.

(5) و بقيت صورة واحدة خارجة عن معقد الإجماع، و هي ما إذا كان إنشاء المعاملة باللفظ الملحون مثلا، فإنّه يؤثّر في اللزوم كالصيغة الجامعة للشرائط.

______________________________

[1] محصل الكلام: أنّ المدعى هو تخصيص عموم قاعدة لزوم الملك بالمعاطاة،

ص: 572

______________________________

فالمقصود هو كون المعاطاة مفيدة للملك الجائز، و من المعلوم أنّ الإجماع البسيط على هذا المدّعى غير ثابت، لأنّ جلّ القائلين بعدم اللزوم ذهبوا إلى أنّ المعاطاة لا تفيد الملك، بل تفيد الإباحة، و حيث إنّ مناط حجيّة الإجماع كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام لم يكن قول القائلين بالإباحة كاشفا عن كون رأيه عليه السّلام هو الملك الجائز، بل يكون كاشفا عن عدمه.

و أمّا قول غيرهم ممّن يقول بالملك الجائز فهو و إن كان مطابقا للمدّعى، لكنه ليس إجماعا كما هو ظاهر، فالإجماع البسيط المحصّل غير حاصل، و المنقول منه و إن كان ثابتا، لكنه ليس فيه طائل، لعدم اعتباره على ما ثبت في الأصول.

و أمّا الإجماع المركب فهو ما لم يرجع الى البسيط لا يكون حجة، و من المعلوم أنّ رجوعه إليه منوط بالعلم بذهاب كل من الطائفتين- على تقدير بطلان قوله- إلى قول الطائفة الأخرى حتى يثبت إجماعهم على نفي القول الثالث. و عدم ثبوته هنا بديهي، لكون مسألة المعاطاة ذات أقوال سبعة كما عرفت سابقا، فالإجماع بقسميه أعني البسيط و المركب غير حاصل.

ثم إنّه على فرض حصول الإجماع المحصّل لا سبيل الى القطع بكونه من الإجماع التعبدي، لقوة احتمال استناد المجمعين الى بعض الوجوه كالروايات التي زعموا دلالتها على اعتبار اللفظ في اللزوم.

و أمّا الشهرة على ثبوت الملك الجائز ففيها أوّلا: عدم حجيتها كما ثبت في الأصول.

و ثانيا: معارضتها لشهرة القدماء على إفادة المعاطاة للإباحة.

و أمّا ما أفاده المصنف قدّس سرّه من دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في الأشياء الخطيرة بالمعاطاة، و إنّما يكتفون بها في المحقّرات التي لا يلتزمون بلزوم المعاملة فيها، ففيه أوّلا: عدم تحقق السيرة كذلك، بل السيرة في الكل على نهج واحد.

و ثانيا:- بعد تسليمها- تكون أخص من المدّعي الذي هو أعم من المعاطاة الواقعة على الأمتعة الخطيرة و الحقيرة.

و ثالثا: يمكن أن يكون الوجه في التفصيل احتمال عدم إمكان التعاطي من الطرفين

ص: 573

و قد يظهر (1) ذلك (2) من غير واحد من الأخبار (3)،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الدليل الثاني على لزوم تخصيص أصالة اللزوم في الملك بالمعاطاة، كما أنّ الإجماع المتقدم- من بسيطه و مركبة- هو الدليل الأوّل على التخصيص.

و محصّل هذا الوجه: دلالة طائفة من الأخبار على اعتبار اللفظ- في الجملة- في مقام إنشاء البيع، و عدم كفاية التعاطي العاري عنه.

(2) قال السيد الطباطبائي قدّس سرّه: «يعني: يظهر اشتراط اللزوم بكون إنشاء المعاملة باللفظ في الجملة» «1». و قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «يعني: أنّه يظهر منها انتفاء اللزوم بانتفاء مطلق اللفظ الدال على الإنشاء، سواء لم يوجد أصلا أم وجد و لكن لم ينشأ به التمليك» «2».

و مفاد كلام كلا العلمين واحد بالتأمّل.

(3) قال السيد: «و لعلّ نظره في ذلك إلى ما أشرنا إليه سابقا من الخبر الوارد في بيع المصحف و أطنان القصب» «3» مثل قوله عليه السّلام في موثّق سماعة: «لا تشتر كتاب اللّه عزّ و جلّ، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل: أشتري منك هذا بكذا و كذا» «4».

______________________________

المعتبر في المعاطاة في مثل الدار و البستان و الدّكان و نحوها من غير المنقولات التي زعموا أنّه لا يتحقق فيها العطاء من الطرفين.

أو: احتمال عدم إفادة المعاطاة للملكية، بل للإباحة. و حيث إنّ بناءهم على التمليك اللازم في الأمتعة الخطيرة لئلّا يرجعوا فيها تشبّثوا في نقلها بالبيع القولي.

و مع هذه الاحتمالات لا تكشف السيرة عن اعتبار اللفظ في لزوم الملك حتى تصلح لتخصيص عموم أدلة لزوم الملك في المعاطاة كما لا يخفى.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 74.

(2) غاية الآمال، ص 186.

(3) حاشية المكاسب، ص 74.

(4) وسائل الشيعة، ج 12، ص 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب، الحديث: 2.

ص: 574

بل (1) يظهر منها أنّ إيجاب البيع باللفظ- دون مجرّد التعاطي- كان متعارفا بين أهل السّوق و التجار.

______________________________

و نحوه غيره من الروايات الواردة بهذا المضمون التي جمعها في الوسائل في باب عدم جواز بيع المصحف و جواز بيع الورق و الجلد «1».

و مثل رواية العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة طن، فقال المشتري: قد قبلت و اشتريت و رضيت .. إلخ» «2» [1].

(1) قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه ما لفظه: «هذا الظهور يحصل من ملاحظة أخبار متعدّدة، بمعنى: أنّ التعارف يستفاد من المجموع، لا أنّ كل واحد منها يدلّ عليه ..» ثم ذكر جملة من تلك الروايات:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السمسار أ يشتري بالأجر؟ فيدفع إليه الورق و يشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري، فما شئت أخذته و ما شئت تركته، فيذهب و يشتري، ثم يأتي بالمتاع فيقول: خذ ما رضيت و دع ما كرهت. قال:

______________________________

[1] لكنّك خبير- بعد الغضّ عمّا في سند ما عدا الموثق من الضعف- بعدم الدلالة على اشتراط اللزوم بالصيغة، لقوة احتمال كونها في مقام بيان كيفية إنشاء القبول في البيع القولي، و من المعلوم عدم دلالتها حينئذ على اشتراط الصيغة في صحة البيع أو لزومه حتى تدلّ على عدم صحة أو لزوم البيع المعاطاتي، هذا.

مع أنّ ذلك في الخبر الأخير من كلام الراوي لا الامام عليه السّلام.

و بالجملة: فهذه الروايات و أمثالها لا تدل على اعتبار الصيغة في صحة البيع أو لزومه.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 114- 116، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 272، الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 1.

ص: 575

..........

______________________________

لا بأس» «1».

و منها: ما رواه إسحاق المدائني في جواز بيع المبيع قبل قبضه، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام، فيتساومون بها، ثم يشتريه رجل منهم، فيسألونه، فيعطيهم ما يريدون من الطعام، فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليهم و يقبض الثمن. قال: لا بأس، ما أراهم إلّا و قد شركوه» الحديث «2».

ثم قال قدّس سرّه: «وجه الدلالة: أنّه ليس شي ء من المعاملتين على وجه وقع فيه الصيغة الخاصة المقرّرة، و إنّما وقع المقاولة كما لا يخفى على من تدبّر فيها. و يمكن استظهار ما ذكره المصنف رحمه اللّه من ملاحظة أخبار أخر في أبواب البيع» «3» [1].

______________________________

[1] لكن في دلالتها على كون المتعارف إيجاب البيع باللفظ تأمّل، بل منع، لأنّ ما وقع في تلك الروايات من الألفاظ بين المتبايعين إنّما وقع في مقام المقاولة، لا في مقام إنشاء البيع، و إلّا يلزم جواز بيع المجهول، إذ لا يعلم السمسار المقدار الذي يأخذه صاحب الورق. و أمّا إنشاؤه فهل وقع باللفظ أم بالفعل- أي التعاطي- فالروايات لا تدل عليه أصلا.

ثم إنّه على فرض دلالتها على التعارف المزبور فلا تنفي تعارف إنشاء البيع بالتعاطي أيضا.

و على تقدير دلالتها على عدم التعارف بالتعاطي لا تدلّ على عدم اعتبار التعاطي في مقام الإنشاء، كما لا توجب انصراف أدلة البيع و نفوذه عن البيع المنشأ بالفعل.

بل يظهر من بعض الأخبار عدم دخل اللفظ في اللزوم، كصحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى طعاما، كلّ كرّ بشي ء معلوم، فارتفع الطعام أو نقص، و قد اكتال

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 2.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 388، الباب 16 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 7.

(3) غاية الآمال، ص 186.

ص: 576

بل (1) يمكن دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة

______________________________

و بهذا يظهر وجه إضراب المصنف عن قوله: «و قد يظهر ذلك» الى قوله: «بل يظهر» و ذلك لأنّ قوله: «قد يظهر» ربما يوهم ضعف ظهور بعض الأخبار في توقف لزوم الملك على اللفظ، فأراد قدّس سرّه التنبيه على قوة دلالة الأخبار على المدّعى، و وجه القوة: أنّ البيع بالصيغة إذا كان متعارفا بين أهل السوق و التجار في عصر التشريع اقتضى انصراف إطلاق أدلة الإمضاء- مثل آية حلّ البيع- الى خصوص البيع القولي، و خروج الفعلي عن حريم تلك الأدلة. فالمهمّ حينئذ إحراز صغرى التعارف، و المدّعى دلالة مجموع الأخبار على هذا التعارف من قبيل تراكم الظنون و إن كان كل واحد من الأخبار بخصوصه قاصرا عن إثباته.

(1) هذا دليل ثالث على خروج المعاطاة عن عموم قاعدة اللزوم في الملك- غير ما سبق من الإجماع و التعارف- و ظاهره الترقّي عن مجرّد تداول البيع القولي إلى قيام السيرة المستمرة

______________________________

بعضه، فأبى صاحب الطعام أن يسلّم له ما بقي، و قال: إنّما لك ما قبضت. فقال: إن كان يوم اشتراه ساعره على أنّه له، فله ما بقي. و إن كان إنّما اشتراه و لم يشترط ذلك، فإنّ له بقدر ما نقد» «1».

وجه الدلالة: أنّه عليه السّلام حكم باللزوم بمجرّد المساعرة و إن لم يكن إنشاء المعاملة باللفظ، فإطلاق «الاشتراء» يشمل الإنشاء باللفظ و الفعل، هذا.

لكن الظاهر أنّه ليس إلّا في مقام بيان حكم الباقي الذي لم يقبضه المشتري، و أنّه هل يستحق المشتري مطالبته من البائع أم لا؟ فأجاب عليه السّلام بأنّه إن كان يوم اشتراه قدّر المبيع بتمام ذلك الطعام فله المطالبة من البائع، و إلّا فلا. و أمّا كون إنشاء البيع باللفظ أو الفعل فليس الخبر في مقام بيانه حتى يصح التمسك بإطلاقه.

ثم إنّه بعد تسليم الدلالة على عدم التعارف المزبور يقع التعارض بينه و بين ما ذكره الفقيه المامقاني قدّس سرّه من الروايات التي ادعى رحمه اللّه دلالتها على التعارف المذكور، فيرجع الى إطلاق أدلة البيع سواء أ كان إنشاؤه باللفظ أم بالفعل.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 401، الباب 26 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 3.

ص: 577

- التي (1) يراد بها عدم الرجوع- بمجرد (2)

______________________________

على إنشاء المعاملات الخطيرة بالصيغة، فلو لم يكن مجرّد تعارف البيع اللفظي موجبا لانصراف أدلة صحة البيع الى خصوص ما كان متداولا في ذلك العصر قلنا: إنّ قيام سيرة المتشرعة و العقلاء على عدم الإكتفاء بمجرد التعاطي كاف في اختصاص قاعدة لزوم الملك بالبيع اللفظي.

و الفرق بين هذا الدليل و سابقيه هو: أنّ الوجهين المتقدمين يدلّان على عدم كفاية التعاطي مطلقا سواء أ كان العوضان خطيرين أم حقيرين. و لكن هذا الدليل مخصوص بالأموال الخطيرة مع زيادة قيد، فهنا صور ثلاث:

الأولى: أن يكون العوضان من المحقّرات- و ربما يقدّر بما لا يبلغ حدّ القطع في السرقة- فهنا جرت سيرتهم على كفاية التعاطي و ترتب ملك جائز عليه، و جواز الرجوع فيه.

الثانية: أن يكون العوضان من الأموال الخطيرة كالدور و البساتين، و يجعل المتبايعان أو أحدهما خيارا فيه، فهذه كالصورة الأولى في بنائهم عملا على إنشاء المعاملة بالمعاطاة.

الثالثة: أن يكون العوضان من الأموال الخطيرة مع بنائهم على لزوم المعاملة و عدم جواز فسخها أصلا، و هذه الصورة مورد قيام سيرة المتشرعة و العقلاء على عدم الاقتصار بالفعل كالمصافقة، بل يلتزمون بالإنشاء اللفظي، بحيث يكون لزوم الملك بنظرهم متوقفا عليه.

و على هذا فالسيرة مخصّصة لعموم أدلة لزوم الملك في المعاطاة بالنسبة إلى الأموال الخطيرة التي لا يلتزم فيها بعدم الفسخ و الرجوع. و من المعلوم أنّ سيرة المتشرعة حجة بنفسها، لكونها متلقّاة من الشرع، و لا يطالب بدليل على إمضائها، فالمهم إحراز أصل السيرة التي هي إجماع عملي.

(1) هذه إشارة إلى الصورة الثالثة المتقدمة، و مفهومها يدلّ على الاكتفاء بالتعاطي في الأمور الخطيرة عند جعل الخيار لهما أو لأحدهما.

(2) متعلق بقوله: «الاكتفاء».

ص: 578

التراضي [1].

نعم (1) ربما يكتفون بالمصافقة، فيقول البائع: «بارك اللّه لك» أو ما أدّى هذا المعنى بالفارسية (2).

نعم (3) يكتفون بالتعاطي في المحقّرات، و لا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها، بل ينكرون على الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين (4).

نعم (5) الاكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد،

______________________________

(1) مقصوده قدّس سرّه أنّ سيرتهم و إن استقرّت على إنشاء المعاملة باللفظ في البيوع الخطيرة، لكنّه لا ينافيها اكتفاؤهم في بعض الموارد بالمصافقة، و عدم الإتيان بالصيغة التامّة مادة و هيئة. و وجه عدم المنافاة واضح، إذ المناط في السيرة التزام أغلب المتشرعة و العقلاء، و لا يقدح مخالفة بعضهم في تحققها.

(2) كقول البائع: «خيرش را ببيني».

(3) هذا إشارة إلى الصورة الاولى من الصور الثلاث، و هي الاقتصار على التعاطي في المحقّرات، مع اعتقادهم جواز المعاملة و عدم لزومها ما دامت العينان باقيتين. و عليه فالاقتصار على المعاطاة في المحقّرات ليس بمعنى كونها عقدا لازما فيها، بل يلتزمون بكونها جائزة، يصحّ الرجوع فيها.

(4) و أمّا مع تلفهما فتصير لازمة قطعا.

(5) هذه كالتتمّة لما أفاده بقوله: «بل يمكن دعوى السيرة» و مقصوده أنّ البناء العملي على عدم الاكتفاء بمجرد التراضي- و لزوم الإتيان باللفظ- لا ينافي قيام السيرة العملية على

______________________________

[1] هذه الدعوى ممنوعة، بل دعوى جريان السيرة العقلائية على معاملة أموالهم بالمعاطاة من غير فرق بين الأموال الخطيرة و الحقيرة قريبة جدا. و على تقدير تسليم السيرة المزبورة يكفي في ردعها مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا و نحوهما من أدلّة اللزوم. و مع هذا الردع كيف تكشف عن السنة حتى تخصص العمومات؟.

ص: 579

للسيرة (1) [1] و لغير واحد من الأخبار (2)، كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى في شروط الصيغة.

______________________________

الاقتصار بمطلق اللفظ في إنشاء البيع سواء أ كان واجدا لجميع ما يعتبر في الإيجاب و القبول مادّة و هيئة، أم كان فاقدا لبعض ما يعتبر فيهما. و على كلّ يثبت المقصود، و هو قيام السيرة على عدم الاكتفاء بمجرّد التراضي، و دخل اللفظ في اللزوم.

(1) أي: سيرة المتشرعة بما هم متشرّعة.

(2) التي تقدّم بعضها، و إليك بعضها الآخر:

فمنها: ما ورد في بيع العبد الآبق مع الضميمة، كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يشتري العبد، و هو آبق عن أهله؟ قال: لا يصلح، إلّا أن يشتري معه شيئا آخر، و يقول: أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» «1». بتقريب: أنّه عليه السّلام علّم السائل كيفية إنشاء شراء العبد الآبق مع ضميمته، فكأنّ أصل دخل اللفظ في اللزوم مستغن عن البيان.

و منها: ما ورد في بيع اللبن في الضّرع، كموثّقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن اللّبن يشترى و هو في الضّرع، فقال: لا، إلّا أن يحلب لك منه أسكرجة، فيقول:

اشتر منّي هذا اللّبن الذي في الأسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمّى، فإن لم يكن في الضّرع شي ء كان ما في الاسكرجة» «2» و تقريب الدلالة كما تقدم.

و منها: فحوى الأخبار الواردة في النكاح المشتملة جميعا على الإيجاب و القبول بلفظ

______________________________

[1] هذه السيرة ممنوعة جدّا إن أريد بها سيرة العقلاء بما هم عقلاء. و إن أريد بها بما هم متشرعون فنمنع ثبوت هذه السيرة لهم أيضا. و على فرض الثبوت نمنع استقرارها على جنس اللفظ بل يراعون جميع الخصوصيات من الماضوية و العربية و تقديم الإيجاب على القبول.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 263، الباب 11 من أبواب عقد البيع، الحديث: 2.

(2) المصدر، ص 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع، الحديث: 2.

ص: 580

بقي الكلام في الخبر الّذي تمسّك به في باب المعاطاة تارة على عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف (1)، و أخرى على عدم إفادتها اللزوم، جمعا (2) [1] بينه (3) و بين

______________________________

المضارع، و المشتملة على الإيجاب ب «نعم» و القبول بالأمر. «1»

هذا تمام الكلام في الوجوه الثلاثة الموجبة لخروج المعاطاة عن قاعدة اللزوم في الملك.

و قد استقرّ رأى المصنف قدّس سرّه أخيرا على اعتبار الإنشاء القولي في البيوع الخطيرة، و إن لم يكن جامعا لكلّ ما يعتبر في الصيغة، و سيأتي تتمة بحث أصالة اللزوم، و هي تحقيق مفاد الأخبار الدالة على حصر المحلّل و المحرّم في الكلام.

(1) و كونها بيعا فاسدا، و هذا مبني على أوّل الوجوه الأربعة التي سيذكرها المصنف قدّس سرّه في معنى قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» و المراد بأوّل الوجوه هو:

أن يكون النطق و الكلام تمام المناط في تحليل شي ء و تحريمه، فلا يتحقق شي ء من الحلّ و الحرمة بالقصد المجرّد عن الكلام، و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال. و عليه فلا تكون المعاطاة سببا للإباحة و لا للملك.

(2) قيد لقوله: «عدم إفادتها اللزوم» يعني: استدلّ بعضهم بهذا الخبر على إناطة اللزوم باللفظ، لا أصل صحة المعاطاة، و الوجه في هذا هو الجمع بين هذا الخبر و بين الأدلة المتقدمة على إفادة المعاطاة للملك.

(3) أي: بين الخبر و هو قوله عليه السّلام: «إنّما يحلل الكلام .. إلخ» و بين ما دلّ على صحة البيع مطلقا كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فيجمع بينهما بحمل «إنما يحلّل الكلام» على أنّ

______________________________

[1] لكنه جمع تبرّعي لا شاهد له، و مقتضى القاعدة وقوع المعارضة بينهما، و حيث انّ النسبة بينهما عموم من وجه يرجع في المجمع- و هو البيع الفعلي المعاطاتي- إلى أصالة الفساد. و عليه فلا يؤثر المعاطاة في الملكية.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 14، ص 194، الباب 1 من أبواب عقد النكاح، الحديث: 3 و 10 و غيرهما.

ص: 581

ما دلّ على صحة مطلق البيع كما صنعه في الرياض (1)، و هو قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» (2).

و توضيح المراد منه يتوقف (3) على بيان تمام الخبر، و هو ما رواه ثقة الإسلام في باب «بيع ما ليس عنده» و الشيخ (4) في باب «النقد و النسيئة» عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجّاج عن خالد بن الحجّاج أو ابن نجيح، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرّجل يجيئني و يقول: اشتر لي هذا الثوب و أربحك كذا و كذا، فقال: أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس، إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1».

______________________________

اللزوم منوط بالكلام، فيراد بقوله عليه السّلام: «يحلّل الكلام» أنّه يلزم الكلام، فالمعاطاة و إن كانت صحيحة، لكنها غير لازمة، بل هي مفيدة للملك الجائز. أمّا الملكية فلكونها بيعا، و أمّا غير اللزوم فلعدم الكلام.

(1) و في مفتاح الكرامة و شرح كاشف الغطاء على القواعد و غيرهما أيضا. قال في الرياض: «ففي الصحيح و غيره من المعتبرة: أنه إنّما يحلل الكلام، و هي و إن اقتضت حرمة التصرف، إلّا أنّها محمولة على اللزوم و على ما بعد الرجوع، جمعا بينه و بين ما دلّ على الإباحة بالتراضي ..» «2».

(2) هذا المضمون ورد في روايات متعددة، و لكن المقصود فعلا التعرض لرواية خالد كما سينقله المصنف في المتن.

(3) وجه التوقف تطرّق احتمالات عديدة في الجملة المستدل بها، و هي «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» فلا بد من التأمل في جميع فقرات الرواية، عسى أن يكون صدرها قرينة معيّنة لما يراد من الذيل.

(4) ظاهر العطف يقتضي اتحاد طريقي الشيخ و الكليني، و اشتراك السند من

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 4.

(2) رياض المسائل، ج 1، ص 511، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 157.

ص: 582

..........

______________________________

ابن أبي عمير الى الامام الصادق عليه السّلام، و نتيجة ذلك تردّد الراوي عن الإمام- في الكافي و التهذيب- بين «خالد بن الحجاج و خالد بن نجيح».

مع أنّ الأمر ليس كذلك، لعدم اختلاف نسخ التهذيب في هذا السند، بل الظاهر توافقها في ضبط الراوي بعنوان «خالد بن الحجاج». و إنّما حكي اختلاف نسخ الكافي المصحّحة، ففي بعضها «خالد بن نجيح» و في بعضها «خالد بن الحجاج».

و عليه كان المناسب أن يقتصر المصنف قدّس سرّه على سند الكافي الذي تردّد الراوي فيها بين ابن الحجاج و ابن نجيح، ثم تعقيبه بذكر سند الشيخ بأن يقول، «و رواه الشيخ في باب النقد و النسيئة عن خالد بن الحجاج».

و كيف كان فلا بأس بالإشارة إلى سند الرواية، ففي الكافي «عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن نجيح، قال: قلت لأبي عبد اللّه .. إلخ» «1».

و رواها شيخ الطائفة عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج ..» «2».

و الظاهر اعتبار السند برواية الشيخ، لأنّ إسناده إلى الحسين بن سعيد صحيح، كما لا يخفى على من راجع مشيخة التهذيب «3».

و ابن أبي عمير معلوم الحال، و يحيى ابن الحجاج و خالد قد وثّقهما النجاشي بقوله في ترجمة يحيى: «ثقة، و أخوه خالد» «4» و عليه فلا شبهة في سند الرواية بنقل الشيخ.

إنّما الكلام في سندها بنقل الكافي، و منشأ الاشكال اختلاف نسخ الكتاب في الراوي عن الامام الصادق عليه السّلام كما ذكرناه، و المفروض عدم ثبوت وثاقة خالد بن نجيح بوجه

______________________________

(1): الكافي، ج 5، ص 201، الحديث: 6.

(2) تهذيب الاحكام، ج 7، ص 50، الحديث: 16.

(3) تهذيب الأحكام، ج 10، ص 63 من المشيخة.

(4) رجال النجاشي، ص 311، الطبعة الحجرية.

ص: 583

..........

______________________________

يعتمد عليه.

و في مثله إمّا أن يقال بترجيح النسخة المشتملة على «خالد بن الحجاج» و وقوع السهو من قبل نسّاخ الكافي، لقرينية وحدة متن الرواية- سؤالا و جوابا، و اتحاد الطريق من ابن أبي عمير إلى خالد، و كون المسؤول في كلا الطريقين الامام الصادق عليه السّلام- على ضبط الراوي في النسخة الأصليّة من الكافي بعنوان «خالد بن الحجاج».

و إمّا أن يقال- كما هو الظاهر- بأنّ ما ذكر من القرائن لا يورث الاطمئنان بضبط الراوي- في النسخة الأصلية من الكافي- ب «خالد بن الحجاج» بعد شهادة غير واحد من أهل الخبرة باشتمال بعض النسخ المصحّحة على «ابن نجيح»، و بعضها على «ابن خالد».

و حينئذ يشكل الاعتماد على سند الكافي، و يتعيّن الأخذ بسند الشيخ، و المفروض صحته كما أشرنا إليه.

و كم له من نظير، حيث يروى عن المعصوم عليه السّلام كلام واحد بطريقين أو أكثر، و يكفي صحة إحدى الطريقين في شمول أدلة حجية خبر الثقة له.

و ليكن المقام منها، فتكون الرواية ضعيفة بنقل ثقة الإسلام، و معتبرة بنقل شيخ الطائفة.

و أمّا احتمال سراية الضعف من سند الكافي إلى سند التهذيب فممّا لا وجه له.

نعم لو رواها الشيخ عن الكافي- كما في كثير من روايات كتابي التهذيب و الاستبصار- كان لذلك الاحتمال وجه بالنظر إلى أضبطية ثقة الإسلام من الشيخ، فتأمل. و أمّا في خصوص هذه الرواية فلا موضوع للبحث، لأنّ الشيخ رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد، لا عن ثقة الإسلام.

فالنتيجة: أنّ الرواية معتبرة سندا، و العويصة كلّها في مفاد التعليل كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 584

و قد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أخر (1) مجرّدة عن قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل» كلّها تدلّ على: أنّه لا بأس بهذه المواعدة و المقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه.

______________________________

(1) رواها الشيخ الحرّ في الباب الثامن من أبواب العقود.

منها: معتبرة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك، تساومه، ثم تشتري له على الذي طلب، ثم توجبه على نفسك، ثم تبيعه منه بعد» «1».

و أمّا فقه رواية خالد سؤالا و جوابا- و بملاحظة رواية يحيى الآتية في المتن- فهو أنّ الغرض التوصّل إلى حلية الربح الذي يأخذه السمسار، و حلّية المتاع الذي يشتريه الرجل منه.

و توضيحه: أنّ المستفاد من السؤال أمران:

أحدهما: أنّ رجلا يراجع السمسار و يفاوضه على شراء ثوب منه، فيقول السمسار:

إنّه ليس لي، فيأمره الرجل بشرائه من مالكه حتى يشتريه هذا الرجل من السمسار بثمن أزيد، بأن تكون الزيادة ربح السمسار بإزاء عمله.

الثاني: أنّ مفروض الرواية شراء السمسار الثوب لنفسه ثم بيعه للرجل، لا كونه وكيلا عن الرجل في شراء الثوب من مالكه، و لا كونه أجيرا له، إذ لو كان السمسار وكيلا أو أجيرا للآمر لما افتقر الى عقد جديد بين السمسار و الآمر، بل كان الآمر مالكا للثوب بنفس شراء السمسار الثوب من مالكه. هذا ما يستفاد من السؤال.

و أمّا الجواب فقد استفصل فيه الامام عليه السّلام من السائل بأنّ الرجل الذي يريد الثوب- بعد استدعائه من السمسار شراء الثوب من مالكه- لا يخلو إمّا أن يكون ملزما بأخذ الثوب من السمسار، و إمّا أن يكون مخيّرا بين الأخذ و الانصراف.

فعلى الأوّل يبطل، لأنّ السمسار قد باع الثوب من الآمر قبل أن يشتريه من مالكه، و هو منهي عنه، لكونه من بيع ما ليس عنده.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 1.

ص: 585

و نقول: إن هذه الفقرة- مع قطع النظر (1) عن صدر الرواية- تحتمل وجوها: (2)

______________________________

و على الثاني يصح، لأنّ خياره بين الأخذ و الترك كاشف عن عدم وقوع البيع بين السمسار و الآمر، بل كان الواقع مجرّد مقاولة و مواعدة، و هما من مقدمات البيع لا نفسه، و حينئذ يجوز للسمسار أن يبيع الثوب من الآمر بعد أن يشتريه من مالكه، و يحلّ الربح للسمسار كما يحلّ الثوب للآمر.

و على هذا فما من شأنه تحليل الثوب و الربح هو مجرّد المقاولة بين السمسار و الآمر، و ما من شأنه تحريمهما هو إنشاء البيع اللازم. هذا كله مفاد السؤال و الجواب.

و قد علّل عليه السّلام هذا التفصيل بجملة «إنما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» و لمّا كان اللازم مناسبة هذا التعليل للحكم المعلّل به فينبغي أن يكون المراد من الكلام المحلّل هو المقاولة الواقعة بين الرجل و السمسار، و من الكلام المحرّم هو إنشاء البيع.

و بهذا يظهر أجنبية التعليل عن مقصود القائلين بتوقف صحة العقد أو لزومه على اللفظ، و لهذا أشار المصنف قدّس سرّه بقوله: «مع قطع النظر عن صدر الرواية» إلى أنّه لا بدّ من فرض جملة «انما يحلّل ..» منفصلة عن ذلك السؤال و الجواب حتى يتطرّق فيها احتمالات أربعة أو أزيد.

و أمّا لو أريد التحفظ على علّيته لجوابه عليه السّلام لم تجر الوجوه الأربعة فيه، بل يتعين وجه واحد و هو الاحتمال الثالث منها، كما سيأتي مشروحا.

(1) إذ مع النظر الى صدر الرواية لا يتطرّق إلّا وجه واحد لئلّا يكون تعليله عليه السّلام أجنبيا بالمرة عمّا علّله به من حلية المقاولة و المواعدة، و حرمة إنشاء البيع.

(2) مقصوده قدّس سرّه أنّ ذيل الرواية- مع قطع النظر عن صدرها- يبحث عنه في مقامين، أحدهما الثبوت، و الآخر الإثبات. فيقع الكلام أوّلا في محتملات فقه الذيل، ثم في استظهار

ص: 586

الأوّل (1): أن يراد من الكلام في المقامين (2) اللفظ الدال على التحريم و التحليل، بمعنى أنّ تحريم شي ء و تحليله لا يكون إلّا بالنطق بهما (3)، فلا يتحقق بالقصد المجرّد عن الكلام (4) و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال (5)

______________________________

أحدها إن لم يصر مجملا.

(1) هذا الاحتمال هو ظاهر الجملة بدوا، و قد استظهره كلّ من استدلّ بها على دخل الإنشاء القولي في اللزوم، بل مقتضى إناطة التحليل و التحريم بالكلام عدم تأثير المعاطاة في الإباحة فضلا عن الملك الجائز، لكنّهم رفعوا اليد عنه للجمع بين الأدلة كما تقدم في عبارة الرياض، و نحوها ما في مفتاح الكرامة و غيرها.

و كيف كان فمحصّل هذا الاحتمال الأوّل: أنّ الملحوظ هو نفس طبيعة الكلام مع الغضّ عن مدلوله. فموضوع التحليل و التحريم هو نفس اللفظ، بخلاف المعاني الآتية، فإنّ اللفظ لوحظ فيها حاكيا و مرآة، و لذا لا يكون جامع بين هذا المعنى الأوّل و بين سائر المعاني الآتية، لامتناع اجتماع اللحاظين الآلي و الاستقلالي.

فإن أمكن إرادة هذا المعنى من قوله عليه السّلام: «انما يحلل ..» صحّ الاستدلال به على المقام، لفقد الإنشاء اللفظي في المعاطاة حتى يوجب الإباحة أو الملكية، إذ القصد المجرّد عن الكلام- أو المبرز بغير اللفظ- لا يترتب عليه أثر.

(2) أي: في مقام التحريم و التحليل، فإذا كان شي ء حراما لم يحلّ بغير الكلام، و إن كان حلالا لم يحرم إلّا باللّفظ.

(3) أي: بالتحليل و التحريم، فلو لا النطق لا يحرّم الحلال، و لا يحللّ الحرام شي ء آخر من القصد، أو الكاشف الآخر كالكتابة و التقابض و الإشارة و نحوها.

(4) كالنذر، لإناطة وجوب الوفاء به بالتلفظ بصيغة النذر، و لا تكفي النية المجرّدة عنه.

على المشهور. و كذا الحال في الظهار و الطلاق.

(5) كما في المعاطاة، لوجود الكاشف عن القصد الى البيع و هو التعاطي، و لكنه غير

ص: 587

دون الأقوال [1].

______________________________

كاف، لتوقف حلية التصرف في المأخوذ بالمعاطاة على الإنشاء اللفظي المفقود حسب الفرض.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد تقدّم سابقا عدم اختلاف بين الحلّ و الحرمة التكليفيّين و الوضعيّين في المفهوم، فالمراد بالمحلّلية و المحرّمية أعمّ من التكليف و الوضع، كإباحة وطي الأمة مثلا بقوله: «أحللت لك وطي أمتي» و كالملكية الحاصلة بقوله: «بعت». كما أنّ إطلاق مفهوم الحلّ و الحرمة يقتضي عدم الفرق بين التحليل و التحريم مع الواسطة و بدونها.

أمّا المحلل تكليفا بلا واسطة كتحليل مالك الأمة، و مع الواسطة كعقد النكاح الموجب لتحقق الزوجية التي هي توجب حلية الاستمتاعات.

و أمّا المحرّم تكليفا بلا واسطة كالظهار، و معها كالطلاق القاطع للزوجية، و الموجب لحدوث الأجنبية التي تترتب عليها حرمة الاستمتاعات.

و أمّا المحلّل الوضعي فكالعقود الصحيحة الموجبة للنفوذ و حصول الانتقال، أو غيره مما هو مقصود في المعاملة.

و أمّا المحرّم الوضعي فكالعقود الفاسدة كالبيع الربوي و الغرري، و كالشروط المفسدة لها.

بل مقتضى إطلاق موضوعية طبيعة الكلام هو كون كلام واحد محلّلا و محرّما كالفسخ، فإنّه يحرّم المثمن على المشتري، و الثمن على البائع، أو محلّلا فقط أو محرّما كذلك.

بل مقتضى الإطلاق المزبور شمول الكلام لكلام الشارع، فمحللية المعاطاة وضعا بواسطة الكلام هو عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود و نحوه، فكلام الشارع في مقام

ص: 588

______________________________

الجعل قد يكون محلّلا كما في المعاطاة، و قد يكون محرّما كما في بيع المجهول و نحوه سواء أ كان مع الوسط أم بدونه.

و بالجملة: فيمكن الاستدلال على محلّلية المعاطاة وضعا بأنّ الكلام محلّل، و المراد بالكلام هو مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و على هذا المعنى يندفع إشكال تخصيص الأكثر الآتي في كلام المصنف قدّس سرّه، إذ جميع المحرّمات و المحلّلات ترجع إلى سببية الكلام لهما، فإنّ تنجّس المأكولات و المشروبات يوجب حرمتهما بكلام دلّ عليها، كما أنّ حليّتهما بتطهيرهما أيضا مما دلّ عليه كلام الشارع.

و كذا محلّلية التذكية و ذهاب الثلثين، و تخليل الخمر، و استبراء الحيوان الجلّال و تخميس المال المختلط بالحرام، و غير ذلك من موارد التحليل. و كذا محرّمية موت الحيوان بغير التذكية، و غليان العصير، و الجلل، و خلط المال الحرام بالمال الحلال، إلى غير ذلك من موارد التحريم، فإن التحليل و التحريم في الجميع مما دلّ عليه كلام الشارع.

إلّا أن يقال: إنّه مع البناء على تعميم الكلام لكلام الشارع لا يستفاد الحصر أيضا، لأنّ الأحكام الثابتة بقاعدة الملازمة خارجة عن هذا الحصر، فالحصر الحقيقي لا يتصور في محلّليّة الكلام و محرّميّته، فلا بدّ من حمله على الحصر الإضافي.

و الحق أنّ دلالة كلمة «إنّما» على الحصر محلّ تأمل كما ذكر في محله.

لكن هذا التوجيه أجنبي عن مقالة المستدل بهذه الرواية على اعتبار اللفظ في إنشاء المعاملات. و عليه فتوجيه كلامه بأنّ المحلّلات و المحرّمات تنتهي بأسرها إلى بيان الشارع ممّا يأباه كلام المستدل جدّا.

ص: 589

الثاني (1): أن يراد بالكلام (2) اللّفظ مع مضمونه، كما في قولك: «هذا الكلام صحيح أو فاسد» (3)، لا مجرّد اللفظ أعني الصوت. و يكون المراد (4): أنّ المطلب الواحد يختلف حكمه الشرعي حلّا و حرمة باختلاف المضامين المؤدّاة بالكلام.

______________________________

(1) محصل هذا الاحتمال الثاني: أنّ المقصود الواحد يختلف حكمه باختلاف المضامين المؤدّاة بالكلام، يعني: أنّ المقصود الواحد إذا أدّى بعبارة مخصوصة صار حلالا، و إن أدّى بعبارات اخرى لم يحل، مثلا: يكون الغرض من النكاح السلطنة على بضع المرأة، و هو يحصل بقولها: «متعتك نفسي» و لا يحصل بقولها: «سلّطتك على بضعي أو آجرتك بضعي».

و كذا البينونة المقصودة بالطلاق، فإنّها تحصل بقول الزوج: «أنت طالق» و لا تتحقق بقوله: «أنت خليّة أو مسرّحة أو مطلّقة أو بريّة».

فملخص هذا الوجه هو ملاحظة المطلب الوحداني المقصود الذي يمكن أداؤه بمضامين متعددة، فيكون أداؤه بمضمون محرّما و بمضمون آخر محلّلا. و عليه فليس المراد في هذا الوجه الثاني محلّلية وجود اللفظ و محرّمية عدم اللفظ كما كان في الاحتمال الأوّل، إذ على الاحتمال الثاني يوجد اللفظ في الجميع، لكن المراد من «إنما يحرم و يحلل الكلام» هو محلليّة لفظ و محرّمية لفظ آخر، مع اشتراكهما في تأدية المطلب الواحد.

و يؤيّد إرادة هذا الاحتمال ما ورد في أخبار عقد المزارعة، و سيأتي بيانها.

(2) في قوله عليه السّلام: «انما يحلل الكلام و يحرم الكلام».

(3) حيث إنّ مقصود القائل: «هذا الكلام صحيح» هو صحة مضمونه، لا مجرّد صحة الألفاظ و الكلمات إعرابا و بناء، فالمنظور إليه هو المفاد و المدلول اللّذان يتوصل إليهما بالألفاظ.

(4) أي: و يكون المراد من محلّلية الكلام و محرّميته: أنّ المطلب الواحد .. إلخ.

ص: 590

مثلا المقصود الواحد- و هو التسليط على البضع مدة معيّنة- يتأتّى بقولها: «ملّكتك بضعي أو سلّطتك عليه أو آجرتك نفسي أو أحللتها لك» و بقولها: «متّعت نفسي بكذا» فما عدا الأخير موجب لتحريمه (1)، و الأخير محلّل.

و على هذا المعنى (2) ورد قوله عليه السّلام: «إنّما يحرّم الكلام» في عدة من روايات المزارعة:

منها (3): ما في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع

______________________________

(1) المراد من إيجاب تلك العبارات لحرمة المرأة هو عدم تأثيرها شرعا في حلّية البضع، و إلّا فالحرمة ثابتة قبل هذه الألفاظ من جهة كونها أجنبيّة.

(2) أي: على هذا الوجه الثاني- من معنى الكلام المحلّل و المحرّم- ورد قوله عليه السّلام في روايات المزارعة: «إنّما يحرّم الكلام» و غرضه تأييد هذا الاحتمال الثاني.

و تقريب التأييد: أنّ قوله عليه السّلام: «إنّما يحرّم الكلام» في باب المزارعة هو نفس التعبير الوارد في رواية خالد بن نجيح من قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» و حيث إنّ المقصود بالجملة الواردة في المزارعة واضح لا إجمال فيه، فليكن التعليل في رواية خالد- من جهة مطابقة المتن- محمولا على هذا الاحتمال الثاني الذي هو ظاهر رواية المزارعة أيضا.

و وجه ظهورها: أنّ مقصود المالك و العامل جعل حصة الأوّل ثلثا و حصّة الثاني ثلثين، و هذا المطلب الواحد إذا أنشئ باشتراط ثلث للبقر و ثلث للبذر لم يقع صحيحا، بل هو عقد فاسد، و إذا أنشئ بقول الزارع: «أزرع في أرضك و لك منها ثلث ولي ثلثان» كان صحيحا. ثم علّل عليه السّلام بطلان الإنشاء الأوّل بقوله: «فإنّما يحرّم الكلام» و من المعلوم أنّ مسانخة العلّة للحكم المعلّل بها ضرورية، فيتعيّن أن يراد بجملة «إنّما يحرّم الكلام» إنشاء عقد المزارعة بلفظ دون لفظ آخر.

و حيث إن رواية خالد قد اشتملت على هذا المتن كان المناسب حمل «الكلام» على هذا الاحتمال الثاني، و هو اللفظ مع مضمونه.

(3) و كذا يشتمل على التعليل روايتان أخريان:

ص: 591

الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر، فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر، فقال: لا ينبغي له أن يسمّي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك، و لك منها كذا و كذا، نصف أو ثلث أو ما كان من شرط، و لا يسمّي بذرا و لا بقرا، فإنّما يحرّم الكلام» «1».

الثالث (1): أن يراد بالكلام في الفقرتين:

______________________________

الأولى: صحيحة الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا، و للبقر ثلثا، قال: لا ينبغي أن يسمّي شيئا، فإنّما يحرّم الكلام» «2».

الثانية: معتبرة سليمان بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يزارع، فيزرع أرض آخر، فيشترط للبذر ثلثا و للبقر ثلثا، قال: لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا، فإنّما يحرّم الكلام» «3».

(1) هذا الاحتمال الثالث مبني على حمل «الكلام» في جملة التحريم و التحليل على تعبير واحد و جملة واحدة، مع كون محرميته و محلّليته بحسب تعدد المحلّ أو الوجود و العدم.

و يمكن توضيحه بوجهين:

الأوّل: ما يظهر من الفاضل النراقي «4»، و حكي عن المحقق القمي في جامع الشتات و سبقهما المحدث الكاشاني، حيث قال: «الكلام هو إيجاب البيع، و إنّما يحلّل نفيا، و إنّما يحرّم إثباتا» «5».

و محصله: أنّ المراد بالكلام في الفقرتين لفظ واحد يكون محرّما في حال وجوده، و محرّما في حال عدمه، أو بالعكس، بأن يكون وجوده محلّلا و عدمه محرّما. فالأوّل و هو

______________________________

(1): تهذيب الأحكام، ج 7، ص 194، باب المزارعة، الحديث: 857، وسائل الشيعة، ج 13، ص 201، الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث: 10.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 199، الباب 8 من أبواب المزارعة و المساقاة، الحديث: 4.

(3) وسائل الشيعة، ج 13، ص 200، الباب 8 من أبواب المزارعة و المساقاة، الحديث: 6.

(4) مستند الشيعة، ج 1، ص 362.

(5) الوافي، ج 3، ص 59، الطبعة الحجرية.

ص: 592

الكلام الواحد (1)، و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه، فيكون وجوده محلّلا و عدمه محرّما، أو بالعكس. أو (2) باعتبار محلّه و غير محلّه، فيحلّ في محلّه و يحرّم في غيره.

و يحتمل (3) هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة.

______________________________

محرّمية وجود الكلام نظير تسمية البذر و البقر في إنشاء المزارعة، فإنّه محرّم أي يوجب استمرار الحرمة السابقة على العقد، و عدم هذه التسمية محلّلة. و الثاني نظير إذن المالك- قولا- لغيره في التصرف في ماله، فإنّ وجود هذا اللفظ محلّل، و عدمه محرّم.

الثاني: أنّ المراد بالكلام وجوده، و يكون اتصافه بالمحلّلية و المحرّمية باعتبار وجوده في محلّ أو زمان، فاللفظ الواحد محرّم في محلّ و محلّل في محل آخر. مثلا: صيغة «أنكحت و قبلت» إن صدرت من المحرم كانت محرّما غير مؤثّر في حدوث علقة الزوجية، و إن صدرت من المحلّ كانت محلّلا و مؤثّرا في التزويج. و كالعقد على ذات العدّة، فإنّه محرّم أبدا، و على الخليّة محلّل.

(1) يعني: فالمتصف بالتحليل و التحريم حينئذ كلام واحد مع اتحاد مضمونه، و هذا هو الفارق بين هذا الوجه الثالث و بين سائر الوجوه. بخلاف الوجه السابق، فإنّ المتصف بهما كلامان، حيث إنّ تسمية البذر و البقر محرّم، و التعبير بالنصف أو الثلث كلام محلّل.

فالفرق بين هذا الوجه و سابقه هو: تعدد الكلام المتصف بالتحليل و التحريم هناك و اتحاده هنا.

كما أنّ فرق هذا الاحتمال مع الاحتمال الأوّل هو: أنّ المناط في التحريم و التحليل هناك كان في طبيعة الكلام في مقابل الفعل، لا بما أنّه كلام واحد أو متعدّد، و لا باعتبار وجوده في محلّ و عدمه في محل آخر.

(2) معطوف على «باعتبار» و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني المذكور في الوجه الثالث.

(3) أي: الوجه الثالث، فيقال: انّ وجود تسمية البذر و البقر محرّم، و عدمها محلّل. أو يقال: انّ قول الزارع للمالك: «لي الثلثان و لك الثلث» محلّل، و عدمه محرّم.

و أمّا تقريب احتمال حمل أخبار المزارعة على الوجه الثالث فهو: نهي الامام عليه السّلام عن

ص: 593

الرابع (1): أن يراد من الكلام المحلّل خصوص المقاولة و المواعدة، و من الكلام المحرّم إيجاب البيع

______________________________

تسمية ثلث للبذر و ثلث للبقر، فهذه التسمية محرّمة و موجبة لفساد العقد و حرمة التصرف، و عدم هذه التسمية محلّل، بأن يقول- كما علّمه عليه السّلام-: «لي الثلث و لك الثلثان» مثلا.

فإن قلت: إنّ احتمال إرادة هذا الوجه الثالث من روايات المزارعة ينافي تصريح المصنف قدّس سرّه في الوجه الثاني بقوله: «و على هذا المعنى ورد قوله عليه السّلام: إنّما يحرّم الكلام».

و المنافاة واضحة، لأن أخبار المزارعة إمّا أن تكون مجملة محتملة لكل من الوجه الثاني و الثالث، و إمّا أن تكون ظاهرة في خصوص الاحتمال الثاني، فإن كانت محتملة لكلا الوجهين لم يصحّ قوله في الوجه الثاني: «و على هذا المعنى ورد ..» و إن كانت ظاهرة في خصوص الاحتمال الثاني لم يصح قوله هنا: «و يحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة».

قلت: لا تنافي بين كلامي المصنف قدّس سرّه، لأنّ مدعاه في الاحتمال الثاني هو ظهور أخبار المزارعة فيه، و أنّ المطلب الواحد يمكن تأديته بعبارتين: إحداهما محلّلة و الأخرى محرّمة.

و من المعلوم أنّ هذا الظهور لا ينافي احتمال تنزيل تلك الأخبار على الوجه الثالث، بأن يقال:

إنّ وجود الكلام- أي تقييد حصّة العامل بالبذر و البقر- محرّم، و عدم هذا التقييد محلّل.

و الحاصل: أنّ ظهور الكلام في معنى لا ينافي احتمال إرادة معنى آخر منه. و إنما يتحقق التهافت بينهما إذا ادّعي تارة صراحة الكلام في مؤداه، و اخرى احتماله لمعنى آخر.

(1) محصّل هذا الوجه: أنّ المراد بالكلام المحلّل- بالنظر إلى صدر الرواية و مورد السؤال فيها- خصوص المقاولة، و بالكلام المحرّم إيجاب البيع، لأنّه بيع قبل الشراء، و هو غير جائز. و تقدم مزيد توضيح لهذا الوجه عند بيان فقه الرواية قبل الشروع في المقام الأوّل المنعقد لبيان محتملات التعليل.

ثم إنّه ينبغي تتميم الكلام ببيان فوارق هذه المحتملات الأربعة، فنقول: انّ الكلام في هذا الوجه الرابع متعدّد، لكون المقاولة التي هي الكلام المحلل مغايرة لإيجاب البيع الذي هو الكلام المحرّم. فهذا الوجه الرابع يغاير الوجه الثاني في أنّ المضمون فيه متعدد، إذ المواعدة غير الإيجاب.

و بعبارة أخرى: المقاولة و البيع مطلبان، لا مطلب واحد.

ص: 594

و إيقاعه (1) [1].

______________________________

بخلاف الوجه الثاني، فإنّ المقصود من الكلام شي ء واحد، و هو كون ثلثي الزرع للزارع، و الاختلاف إنّما يكون في التأدية، و عليه فيكون المعنى الرابع أخص من الثاني.

و يشارك هذا الوجه الرابع الوجه الثاني في تعدد الكلام الموضوع للتحليل و التحريم هذا.

و الوجه الرابع يغاير الوجه الثالث بالمباينة، لأنّ الكلام المحلّل و المحرّم متعدد في الرابع، و متّحد في الثالث.

كما أنّ هذا هو الفرق أيضا بين الوجه الثاني و الثالث، فإنّ الكلام المحلّل و المحرّم في الوجه الثاني متعدد، و في الثالث متّحد.

كما أنّه ظهر الفرق بين مجموع هذه الوجوه الثلاثة و بين الوجه الأوّل، بكون الملحوظ استقلالا في الأوّل هو اللفظ مع الغض عن معناه، بخلاف الوجوه الثلاثة، فإنّ الملحوظ فيها استقلالا هو المعنى، و اللفظ ملحوظ فيه آليّا، كما تقدم آنفا. فالفرق بين الوجه الأوّل و بينها هو التباين.

(1) فاللّام في قوله عليه السّلام: «الكلام» على هذا المعنى الرابع يكون للعهد، فلا يستفاد منه ضابط مطّرد في جميع الموارد.

هذا تمام الكلام في مقام الثبوت، و سيأتي الكلام في مقام الإثبات.

______________________________

[1] و في التعليل احتمال خامس و سادس، فالأوّل ما احتمله المحقق النائيني قدّس سرّه قال المقرر: «أن يراد من الكلام نفس معنى اللفظ، لا اللفظ بمعناه، فيصير حاصله: أنّ البيع قبل الشراء محرّم، و بعده محلّل. و هكذا في باب المزارعة، فإنّ جعل شي ء بإزاء البقر و البذر محرّم، و جعله بإزاء عمل الزارع محلّل» «1».

و قد سبقه إلى هذا المعنى صاحب الجواهر «2» و المحقق الخراساني و غيرهما «3».

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 66.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 217.

(3) حاشية المكاسب، ص 15.

ص: 595

______________________________

و محصّل هذا الوجه: أنّ المراد بالكلام هو الالتزام المعاملي السالب عرفا للاختيار، و المراد بالتحريم و التحليل بالإضافة إلى شخصين، و هما البائع و المشتري، لا إلى كلامين من شخصين، بحيث يكون أحدهما محرّما و الآخر محلّلا، فإن المثمن يحرم على البائع بالتزامه المعاملي، و يحلّ للمشتري، و في الثمن بالعكس. و إطلاق الكلام على الالتزام شائع. و منه «كلام اللّيل يمحوه النهار» كما قد يطلق عليه القول، فيقال: «أعطيت قولا بذلك» و قوله تعالى وَ لٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّٰاسِ أَجْمَعِينَ «1».

و بعبارة أخرى: لا يراد بالكلام اللفظ، و لا دخله في الأثر، إذ المؤثّر هو المعنى، و الكلام بما أنّه فإن في معناه، إذ هو ما به ينظر لا فيه ينظر، فالكلام المحلّل و المحرّم هو الالتزام المعاملي المحرّم للمبيع على البائع و المحلّل له للمشتري.

و هذا المعنى الذي أفاده صاحب الجواهر قد يساعده الذوق الفقهي السليم، و يتأيّد بكثير من النصوص الواردة في بيع الدلّال، كصحيحة ابن سنان الآتية في المتن و غيرها ممّا رواها ثقة الإسلام في باب بيع ما ليس عنده، و أنّه إن كان مجرّد مفاوضة و مقاولة فلا بأس، و إن كان إيجاب البيع ففيه بأس.

لكن الإنصاف أنّ هذا الوجه يستلزم إسقاط خصوصية الكلام المأخوذ موضوعا للتحليل و التحريم، و لغوية ذكره، و هو بمكان من الفساد. فمقتضى ظاهر التعليل هو كون الكلام المنشأ به إيجاب البيع قبل الشراء محرّما، و بعده محلّلا، فالمناط في التحريم و التحليل هو الكلام، فيدل قوله عليه السّلام: «إنّما يحلل الكلام و يحرم الكلام» على كون إيجاب البيع المتحقق بالكلام دون غيره قبل الشراء محرّما، و بعده محلّلا، فلا عبرة بإيجاب البيع بغير الكلام كإنشائه بالمعاطاة.

و ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه في تأييده بإطلاق الكلام على الالتزام المجرّد عن

______________________________

(1): السجدة، الآية: 13.

ص: 596

______________________________

اللفظ استشهادا بمثل «كلام الليل يمحوه النهار» غير ظاهر، إذ لو سلّم الإطلاق المزبور لم يقتض سقوط أصالة الحقيقة في معنى الكلام، و حمله على الالتزام المجرّد عن النطق.

و لو كان المحلّل و المحرّم هو الالتزام البيعي لكان المناسب أن يقال: «يحلل البيع و يحرم البيع».

هذا مضافا إلى: لزوم جعل الحصر إضافيا، أي كون البيع محرّما بالإضافة إلى المقاولة التي ليست محرّمة، مع ظهور «انما» في حصر المحلّل في البيع بالإضافة الى كل شي ء.

الاحتمال السادس: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه و هو: «أنّ الإيجاب الصحيح في ذاته يؤثر تارة في الحلّ و اخرى في الحرمة، كالنكاح المؤثّر في الحلية، و الطلاق المؤثّر في الحرمة.

و المراد: أنّ السبب المؤثر تارة في الحلية و اخرى في الحرمة منحصر في الكلام. لا أنّ الصحيح المحلّل، و الفاسد المحرّم منحصر في الكلام حتى يورد عليه بالإشكال في المحلّلية و المحرّمية» «1».

و حاصله: أنّ الموصوف بالمحلّلية و المحرّمية هو خصوص الإنشاء الصحيح، و لا عبرة بالإنشاء الفاسد أصلا. فالكلام الصحيح المحلّل كالعقد في النكاح، و المحرّم كالطلاق.

و بعبارة أخرى: شأن طبيعة الكلام الصحيح: التحليل و التحريم، فهو ينقسم الى قسمين. لا أنّ الكلام الواحد محلّل وجودا و محرّم عدما. أو بالعكس. أو أنّ الكلام إن كان مقاولة فهو محلّل، و إن كان بيعا فهو محرّم، و غير ذلك من المحتملات.

و هذا ينطبق على مورد الرواية و هو بيع ما ليس عنده، فإنّ الدلّال إذا أوجب البيع قبل أن يتملّك المبيع كان إنشاؤه الصحيح محرّما، و إن أوجبه بعد تملكه له كان محلّلا، هذا.

و هذا الاستظهار و إن كان وجيها، لكن تطبيقه على مورد سؤال خالد لا يخلو من شي ء، لأنّه سأل عن حكم الربح و بيع الثوب من الآمر، فأجابه عليه السّلام- و كما في روايات أخرى- بأنّ الآمر إن كان بالخيار فلا بأس، و إلّا ففيه بأس، ثم علّله بمحلّلية الكلام و محرّميته.

و لا يبعد حمله على المعنى الثالث من عدم محرّمية المقاولة و محرّمية إيجاب البيع،

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 37.

ص: 597

ثم (1) إنّ الظاهر عدم إرادة المعنى الأوّل (2)، لأنّه (3)- مع لزوم تخصيص الأكثر،

______________________________

(1) هذا ناظر إلى المقام الثاني و هو الإثبات، و أنّ أيّ واحد من تلك الوجوه الأربعة يكون ظاهر الكلام و مرادا منه.

(2) مع أنّ المجدي للاستدلال بذيل رواية خالد بن الحجاج على عدم لزوم الملك بالمعاطاة هو إرادة هذا المعنى الأوّل.

(3) أي: لأن المعنى الأوّل يوجب، و هذا وجه عدم إرادة الاحتمال الأوّل، و هو يرجع إلى وجهين:

أحدهما: أنّ المعنى الأوّل يستلزم تخصيص الأكثر، لأنّ مقتضاه حصر المحلّل و المحرّم في الكلام، مع أنّه ليس كذلك، لكثرة المحرّمات و المحلّلات في الشريعة، مع عدم كون المحلّل و المحرّم فيها كلاما، كمحرّمية الغليان، و محلّلية ذهاب الثلثين، و محرّمية الموت بغير التذكية للحيوان القابل للتذكية، و محلّلية التذكية، و محرّمية الجلل، و محلّليّة الاستبراء منه، إلى غير ذلك.

ثانيهما: أنّ الفقرة المذكورة- أعني بها: محلّلية الكلام و محرّميته- علّة للحكم المذكور قبله، و إرادة المعنى الأوّل منها توجب عدم ارتباطها بالحكم المزبور و عدم انطباقها عليه، لأنّ الحكم- على ما يستفاد من جملة من الروايات- هو الجواز إذا لم يوجب السمسار البيع قبل الشراء من مالكه، و لا دخل للكلام في هذا الحكم أصلا، بل المدار في الجواز و عدمه هو الإيجاب قبل الشراء. و عدم الإيجاب قبله، فليس المدار في التحليل و التحريم هو النطق حتى يصحّ تعليل الحكم بالجواز و عدمه به، فإنّ إيجاب البيع من قبيل المعنى دون اللفظ، فلا يصحّ التعليل به.

______________________________

أو على المعنى الخامس. و أمّا مجرّد انقسام الكلام الصحيح إلى محلّل تارة و محرّم اخرى، فلا يظهر انطباقه على مورد السؤال.

و لعلّ الاعتراف بعدم وضوح أمر التطبيق أولى من التصرف في ظاهر التعليل، و اللّه العالم بحقائق الأمور.

ص: 598

حيث (1) إنّ ظاهره حصر أسباب التحليل و التحريم في الشريعة في اللفظ- يوجب (2) عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جوابا عن السؤال، مع (3) كونه كالتعليل له، لأنّ ظاهر الحكم- كما يستفاد من عدة روايات أخر (4)- تخصيص الجواز (5) بما إذا لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء المتاع من مالكه، و لا (6) دخل [1]

______________________________

(1) هذا تعليل للزوم محذور تخصيص الأكثر، يعني: أنّ ظهور التعليل في حصر سبب التحليل و التحريم الشرعيين في اللفظ يوجب ورود الاشكال عليه، و ذلك لكثرة الأسباب المحلّلة و المحرّمة التي لا دخل للفظ فيها أصلا، و هذا يكشف إنّا عن إباء التعليل عن الحمل على الاحتمال الأوّل، بل لا بد من إرادة معنى آخر منه لا يترتب عليه محذور تخصيص الأكثر و غيره.

(2) خبر «لأنه» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الإشكال على الاحتمال الأوّل، و محصله: أجنبية التعليل عن الحكم المعلّل به، مع وضوح اعتبار المناسبة و السنخيّة بين الحكم الشرعي و علته.

(3) أي: و الحال أنّ قوله عليه السّلام: «إنّما يحلل الكلام و يحرم الكلام» يكون كالعلة لقوله عليه السّلام: «لا بأس» و هل يتصور تعليل حكم بأمر أجنبي عنه؟

(4) كمعتبرة ابن سنان المتقدمة في ص 585، و رواية يحيى ابن الحجاج الآتية في ص 607.

(5) المستفاد من قوله عليه السّلام: «لا بأس».

(6) يعني: و الحال أنّ الجواز المزبور لا دخل للفظ فيه حتى يعلّل بحصر المحلّل و المحرّم في الكلام.

______________________________

[1] بل له دخل في التحليل و التحريم، لما عرفت من دلالة قوله عليه السّلام: «انما يحلل الكلام» على كون مناط التحليل و التحريم هو الإيجاب المتحقق بالكلام قبل شراء الثوب من مالكه و بعده، دون غير الكلام من الفعل، فلا يتحقق بالمعاطاة بيع ما ليس عنده.

ص: 599

لاشتراط النطق في التحليل و التحريم في هذا الحكم أصلا، فكيف يعلّل به (1)؟

و كذا (2) المعنى الثاني، إذ ليس هنا (3) مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محلّلا و بآخر محرّما.

فتعيّن المعنى الثالث (4)، و هو: أنّ الكلام الدالّ على الالتزام بالبيع لا يحرّم

______________________________

(1) يعني: فكيف يكون «إنّما يحلّل» علّة لمشروعيّة المقاولة بين الدلّال و المشتري للثوب، و علّة لعدم مشروعية إيجاب البيع قبل شراء الثوب من مالكه؟

(2) معطوف على «المعنى الأوّل» أي: أنّ الظاهر عدم إرادة المعنى الثاني كعدم إرادة المعنى الأوّل، و وجه عدم إمكان حمل التعليل- في رواية خالد- على الاحتمال الثاني هو: أنّه لو كان في مورد الرواية مطلب واحد يؤدّى بتعبيرين أو أكثر كما في النكاح المنقطع أمكن تطبيق التعليل على الاحتمال الثاني، و لكن مورد السؤال و جواب الامام عليه السّلام مطلب واحد- و هو إيجاب بيع ما لا يملكه السمسار- و هذا يؤدّي بإنشاء واحد لا بكلامين حتى يكون أحدهما محلّلا و الآخر محرّما.

(3) يعني: ليس في مورد الرواية مطلب واحد حتى يكون أداؤه بمضمونه محرّما و بمضمون آخر محلّلا، بل الموجود في الرواية مطلب واحد يعبّر عنه بكلام واحد، غايته أنّ هذا الكلام الواحد عدمه محلّل و وجوده محرّم، يعني: أنّ إنشاء البيع- قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه- محرّم، لكونه من بيع ما ليس عنده، و هو منهي عنه.

(4) أو المعنى الرابع، فإنّ مجرّد بطلان الوجهين الأوّلين غير كاف في تعيّن الاحتمال الثالث، بل لا بد من إبطال الاحتمال الرابع أيضا. و لكن مقصوده قدّس سرّه ملاءمة التعليل لمورد الرواية، و تطبيقه عليه سواء قلنا بالاحتمال الثالث، أم الرابع كما سيأتي تصريحه بقوله:

______________________________

و كذا يظهر دخل الكلام بناء على الاحتمال الثاني، لأنّ مقتضى حصر المحلّل و المحرّم في الكلام هو عدم تحقق بيع ما ليس عنده إلّا بالكلام، فهذا الحصر ينفي تحقق إيجابه بغير الكلام، و هذا كاف في إثبات عدم ترتب أثر على المعاطاة في غير هذا المورد.

ص: 600

هذه المعاملة، إلّا وجوده قبل شراء العين (1) التي يريدها الرجل، لأنّه بيع (2) ما ليس عنده، و لا يحلّل إلّا عدمه، إذ مع (3) عدم الكلام الموجب لالتزام البيع لم يحصل إلّا التواعد بالمبايعة، و هو (4) غير مؤثّر.

فحاصل الرواية: أنّ سبب التحليل و التحريم في هذه المعاملة منحصر في

______________________________

«أو المعنى الرابع».

(1) كالثوب الذي هو مورد رواية خالد بن الحجاج أو خالد بن نجيح.

(2) أي: لأنّ الكلام الدال على الالتزام بالبيع، و هذا تعليل لقوله: «لا يحرّم هذه المعاملة» و حاصله: أنّ الموجب لحرمة هذه المعاملة هو كونه من بيع ما ليس عنده، و من المعلوم أنّه لا يتحقق هذا العنوان إلّا بوجود الكلام الدال على البيع، فالمحرّمية إنّما تكون بوجود الكلام، و المحلّلية بعدمه قبل الشراء من المالك.

(3) تعليل لقوله: «و لا يحلّل إلّا عدمه» و حاصله: أنّ إسناد التحليل إلى عدم الكلام إنّما هو لأجل عدم تحقق الكلام الموجب للبيع، حيث إنّ الكلام الموجود كان هو التواعد بالمبايعة لا نفس البيع، و من المعلوم أنّ المواعدة ليست بيعا حتى تحرّم.

و بالجملة: فالمناسب لمورد الرواية إرادة المعنى الثالث، و هو كون وجود الكلام- أي إنشاء البيع- محرّما، و عدمه محلّلا.

و به يظهر أجنبية التعليل عن إناطة لزوم البيع بإنشائه باللفظ خاصة كما هو مراد المستدل بهذه الرواية على عدم لزوم المعاطاة.

ثم لا يخفى أنّ الاحتمال الثالث كان منحلّا الى وجهين: أحدهما: إناطة التحليل و التحريم بالوجود و العدم، و الآخر: إناطتهما معا بالوجود، غايته دخل الحال و الزمان في محلّلية إنشاء تارة و محرّمية نفس ذلك الإنشاء أخرى. و كلام المصنف هنا موافق للوجه الأوّل، لعدم تعرّضه لتطبيق التعليل على الوجه الثاني و إن كان ممكنا كما لا يخفى.

(4) يعني: و مجرد التواعد غير مؤثّر.

ص: 601

الكلام عدما (1) و وجودا (2).

أو (3) المعنى الرابع، و هو: أنّ المقاولة و المراضاة مع المشتري الثاني (4) قبل اشتراء العين محلّل للمعاملة، و إيجاب (5) البيع معه محرّم لها.

______________________________

(1) يعني: أنّ المحلّل هو عدم إنشاء البيع قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه.

(2) يعني: أنّ المحرّم هو إنشاء البيع قبل شراء الثوب من مالكه، و وجه محرّميته هو كونه من بيع ما ليس عنده.

(3) معطوف على «الثالث» يعني: فتعيّن المعنى الرابع بعد بطلان المعنيين الأوّلين، و حاصله: أنّ المراد بالكلام المحلّل في مورد الرواية هو المقاولة و المواعدة، و بالكلام المحرّم إيجاب البيع، و هذا المعنى ينطبق على مورد الرواية كانطباق الاحتمال الثالث.

و على هذا الاحتمال الرابع يصير التعليل أجنبيا عن مرام القائل بتوقف لزوم الملك على اللفظ و عدم تأثير المعاطاة فيه.

فتحصل: أنّ المصنف قدّس سرّه رجّح من المعاني الأربعة اثنين، أحدهما المعنى الثالث و هو إضافة التحليل إلى عدم الكلام، و التحريم إلى وجوده. و الآخر المعنى الرابع، و هو كون الكلام المحلّل المقاولة، و المحرّم إيجاب البيع.

و استبعد إرادة المعنيين الأوّلين. إذ في أوّلهما: لزوم تخصيص الأكثر، و عدم ارتباط العلة بالحكم المعلّل.

و في ثانيهما: عدم مطلب واحد يمكن تأديته بمضمونين حتى يكون أحدهما محلّلا و الآخر محرّما، بل مطلب واحد لا يتأدّى إلّا بمضمون واحد، و هو إيجاب البيع قبل الشراء، فلا بدّ من إرادة المعنى الثالث أو الرابع.

هذا محصل ما أفاده المصنف في معنى الرواية.

(4) و هو الرجل الآمر، و المشتري الأوّل هو السمسار الذي يشتري الثوب من مالكه.

(5) معطوف على «المقاولة» يعني: و أنّ إيجاب السمسار البيع مع المشتري الثاني محرّم للمعاملة.

ص: 602

و على كلا المعنيين (1) يسقط (2) الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام في التحليل، كما هو المقصود في مسألة المعاطاة [1].

______________________________

(1) و هما المعنى الثالث و الرابع اللّذان يتعيّن حمل التعليل على أحدهما.

(2) أمّا وجه سقوطه بناء على المعنى الثالث فهو: أنّ المحلّل حينئذ في هذه المعاملة الخاصة منحصر بعدم الكلام البيعي الإنشائي قبل شراء الدلّال لنفسه، و المحرّم فيها هو وجود الكلام البيعي قبله، و لا يدلّ هذا على عدم كفاية غير الكلام- و منه المعاطاة- في جميع الموارد حتى في بيع إنسان مال نفسه.

و الحاصل: أنّ الرواية لا تدلّ إلّا على أنّ وجود إيجاب «بيع ما ليس عنده» محرّم قبل الشراء، و عدمه محلّل قبله.

و أمّا وجه سقوطه بناء على المعنى الرابع فهو: أنّ مفاده حينئذ هو: أنّ المحلّل في مورد الرواية منحصر في المقاولة و المواعدة، و المحرّم منحصر في الكلام الإنشائي، و من المعلوم أنّ هذا أيضا أجنبي عن اعتبار اللفظ في البيع في غير مورد الرواية، و هو بيع ما ليس عنده، و عدم كفاية المعاطاة فيه، فلا يدلّ على اعتبار اللفظ في بيع ما عنده حتى تكون دليلا على عدم تأثير المعاطاة في إنشاء البيع في جميع الموارد.

و كذا يسقط الخبر على المعنى الثاني، لأنّ اللفظ فيه ملحوظ أيضا آليّا لا استقلاليا فالاستدلال بالرواية على اعتبار الكلام في إنشاء البيع مبني على الوجه الأوّل الذي استظهره جمع من الفقهاء.

______________________________

[1] بل المصير إلى المعنى الثالث و الرابع بعيد أيضا، إذ يلزم في الثالث التفكيك بين الكلامين المتحدين سياقا، لأنّ الظاهر كون وجود الكلام في كلّ من الفقرتين محلّلا و محرّما، فجعل وجود أحدهما مؤثرا في الحل، و عدم الآخر مؤثّرا في الحرمة، أو العكس غير وجيه، هذا.

مضافا إلى: أنّ المؤثر في وجود الحلّ و الحرمة هو الوجود، لا العدم، فإسناد الحلّ أو الحرمة إلى العدم غير سديد كما هو ظاهر، فإنّ عدم الكلام لا يؤثّر في الحرمة، بل تستند الحرمة

ص: 603

______________________________

إلى حرمة التصرف في مال الغير، لا إلى عدم علّة ضده.

ففي باب المزارعة لا يكون حرمة التصرف في الثلثين من الزرع الموسومين للبذر و البقر مستندة إلى عدم الكلام، بل إلى ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير هذا.

و في الرابع: أنّه مع النظر الى الصدر لا مع الغض عنه كما هو المفروض في الاحتمالات الأربعة، فإنّ جعل الكلام المحلّل المواعدة و المحرّم إيجاب البيع هو عين مورد الرواية، كما هو واضح. فكيف يكون مع الغضّ عنه.

و لا تبعد دعوى: انسباق المعنى الثاني من المعاني المتقدمة من جملة «إنّما يحلّل الكلام و يحرم الكلام» في بيع ما ليس عنده، و من قوله عليه السّلام: «إنّما يحرم الكلام» في روايات المزارعة، إذ الظاهر أنّ الروايات في مقام جعل التحليل و التحريم للكلام، و أنّ المقاصد يختلف حكمها باختلاف المضامين المؤداة بالكلام.

ففي بيع ما ليس عنده- الذي يكون المقصود منه تمليك الشخص للمتاع بربح خاصّ- إذا عبّر عنه بالوعد كان محلّلا، و إذا عبّر عنه بإيجاب البيع كان محرما.

و في باب المزارعة يكون المقصود تملك الزارع ثلثي الزرع، فإن عبّر عن هذا المقصود بجعل ثلث للبقر و ثلث للبذر كان محرّما، و إن عبّر عنه بجعل الثلثين بإزاء عمل الزارع كان محلّلا.

إلّا أن يقال: إنّ المقاولة ليست كلاما محلّلا، إذ المحلّل هو إيجاب البيع بعد الشراء، فوجود المقاولة كعدمها. كما أنّ محرّمية جعل الثلث للبقر و الثلث للبذر أيضا غير صحيحة، لأنّ المحرم هو التصرف في مال الغير بدون إذنه، لا أنّ المحرّم هو جعل الثلث للبذر، نعم هو لغو.

فالأولى إرادة الشق الثاني من المعنى الثالث، و هو كون الكلام محرّما في مورد و محلّلا في غيره، كإيجاب بيع ما ليس عنده، فإنّه محرّم قبل الشراء، و محلّل بعده.

و إرادة المعنى الثاني في روايات المزارعة.

ص: 604

نعم (1) نعم يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع

______________________________

(1) استدارك على قوله: «يسقط الخبر عن الدلالة» و مقصوده توجيه الاستدلال بالتعليل على عدم لزوم المعاطاة بناء على تطبيق التعليل على الاحتمال الثالث، و محصله: أنّ مقتضى حصر المحلّل و المحرّم في الكلام هو انحصار إيجاب البيع بالكلام، و عدم تحققه بغيره من الإشارة و المنابذة و المعاطاة، إذ لو تحقّق البيع بغير اللفظ كان مخالفا لمقتضى حصر المحلّل و المحرّم في الكلام.

و الفرق بين هذا التقريب و بين الوجه الأوّل حينئذ هو: ابتناء الوجه الأوّل على حصر جميع المحلّلات و المحرّمات في الكلام، سواء في العقود و الإيقاعات و غيرها، و لذا ناقش فيه المصنف قدّس سرّه بلزوم تخصيص الأكثر، من جهة عدم توقف الحلية و الحرمة على اللفظ في موارد كثيرة. بخلاف هذا الاحتمال الأخير، فإنّ المراد بالكلام بقرينة مورد السؤال هو إيجاب البيع، فالتعليل من أوّل الأمر مخصوص بباب البيع، فكأنّه عليه الصلاة و السّلام قال: «إنّما يحلّل الكلام البيعي و يحرّم كذلك» فإيجاب البيع محرّم للثوب و الربح إذا كان قبل شراء الدلّال، و إيجابه بعد شراء الثوب من مالكه محلّل لهما.

______________________________

و على كلّ حال لا يستفاد من الروايات المشتملة على قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» عدم نفوذ المعاطاة، أو توقف لزومها على الكلام، لأنّ الاستدلال بها موقوف على الوجه الأوّل، مع دلالة كلمة «إنّما» على الحصر. و كلاهما محل النظر و المنع، هذا.

مضافا الى: ما في الحصرين من التنافي، لأنّ مقتضى حصر المحلّل في الكلام انتفاء الحلية بعدمه، فيلزم أن يكون عدم الكلام محرّما، و هذا ينافي حصر المحرّمية بالكلام، و كذا العكس، و هذا التنافي موجود سواء أ كان المراد بالكلام نفسه كما هو مقتضى المعنى الأوّل، أم مضمونه كما هو مقتضى المعاني الأخر، فلو عولج هذا التنافي بجعل الحصر إضافيّا بمعنى كون نوع من الكلام محلّلا لا محرّما، و نوع آخر منه محرّما لا محلّلا امتنع الاستدلال بالرواية حتى على المعنى الأوّل، إذ لا تثبت توقف الصحة كلّيّة على اللفظ. و دعوى عدم القول بالفصل تنافي القول بالانتفاء بمطلق الدالّ كما لا يخفى.

ص: 605

بوجه آخر (1) بعد ما عرفت من أنّ المراد بالكلام هو إيجاب البيع (2)، بأن (3) يقال: إنّ حصر المحلّل و المحرّم في الكلام لا يتأتى إلّا مع انحصار إيجاب البيع في الكلام، إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلّل و المحرّم في الكلام.

إلّا أن يقال (4): إنّ وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في خصوص المورد (5)، إذ المفروض أنّ المبيع عند مالكه الأوّل، فتأمّل (6).

______________________________

و عليه فدلالة التعليل على توقف لزوم البيع على الكلام تامّة، و لا يترتب اللزوم على المعاطاة.

(1) يعني: غير الوجه الأوّل الذي تعذّر حمل التعليل عليه، لتخصيص الأكثر، و أجنبية الحكم عن التعليل.

(2) و هو المعنى الثالث.

(3) هذا تقريب الوجه الآخر المبني على الاحتمال الثالث الذي ارتضاه المصنف. و قد تقدم تقريبه آنفا.

(4) هذا إشكال على قوله: «نعم يمكن استظهار ..» و محصله: كون التوجيه المزبور مخصوصا بمورد الرواية مما لا تجري المعاطاة فيه، و لا يدلّ على اعتبار اللفظ في موارد اخرى يمكن تحقق البيع فيها بالتعاطي، و بيانه: أنّ حصر المحلّل و المحرّم في مورد الرواية في الكلام يكون لأجل نكتة، و هي: أنّ المعاطاة غير متحققة هنا، لأنّ المتاع- و هو الثوب- عند مالكه الأوّل، فلا يتحقق إيجاب البيع من الدلّال بالمعاطاة، بل لا بدّ من إنشائه بالقول.

(5) و أمّا في الموارد التي يكون المبيع فيها عند البائع و الثمن عند المشتري- و يمكن إنشاء البيع بالتعاطي- فلا تدل رواية خالد على اعتبار اللفظ في التحريم و التحليل، و عليه فالدليل أخصّ من المدّعى.

(6) إشارة إلى ضعف قوله: «الّا أن يقال» حاصله: إمكان المعاطاة في المورد أيضا، لظهور قوله: «اشتر لي هذا الثوب» في كون الثوب عند الدلّال، فيمكن المعاطاة فيه.

ص: 606

و كيف كان (1) فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور (2).

كما يشعر به (3) قوله عليه السّلام في رواية أخرى واردة في هذا الحكم (4) أيضا (5)، و هي رواية يحيى بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل قال لي: اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة، و بعنيها، أربحك فيها كذا و كذا، قال لا بأس بذلك، اشترها، و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» «1» (6).

فإنّ (7) الظاهر أنّ المراد من مواجبة البيع

______________________________

و لو سلّم عدم كون المتاع عند الدلّال أمكن أن يقال بكفاية المعاطاة بإعطاء الثمن من جانب و الأخذ من آخر، كما سيأتي تحقيقه في التنبيه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: سواء تمّ هذا التوجيه المبني على الوجه الثالث، أم لم يتم.

(2) في اعتبار الكلام في التحليل و التحريم بملاحظة الاستظهار المزبور.

(3) أي: يشعر بانحصار إيجاب البيع في الكلام قول أبي عبد اللّه عليه الصلاة و السّلام في رواية يحيى بن الحجاج.

(4) و هو التفصيل في شراء المتاع من الدلّال بين تحققه قبل أن يشتريه الدلّال من مالكه، فيبطل، و بين تحققه بعده فيصح.

(5) يعني: كما ورد هذا الحكم في رواية خالد بن الحجاج أو خالد بن نجيح، و مقصود المصنف أنّ الحكم المزبور يدلّ عليه أكثر من رواية، و لا ينحصر الدليل عليه في رواية خالد المتقدمة. نعم لا ظهور للرواية في اعتبار اللفظ، و إنّما هو مجرد إشعار.

(6) يعني: إلى أن تشتريها، و حاصله: أنّه لا تبعه الدابة إلّا بعد أن تشتريها من مالكها.

(7) مقصوده بالظاهر هو الإشعار، لأنّه جعل هذه الرواية مشعرة باعتبار اللفظ في لزوم البيع، و محصّله: أنّه يلزم من هذه الرواية أنّ الامام عليه السّلام أمره بإيجاب البيع باللفظ، و أنّ نهيه عليه السّلام عن مواجبة البيع قبل شراء العين من المالك ظاهر في النهي عن إنشائه، لا مجرّد النهي عن إعطاء العين إلى المشتري قبل أن يشتريها السمسار من مالكها.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 13.

ص: 607

ليس مجرّد إعطاء العين للمشتري (1).

و يشعر به (2) أيضا (3) رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرّجل يريد أن يبيع بيعا، فيقول: أبيعك بده دوازده، أو:

ده يازده، فقال: لا بأس، إنّما هذه المراوضة (4)، فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» «1».

فإنّ ظاهره- على ما فهمه بعض الشرّاح (5)- أنّه لا يكون ذلك في المقاولة التي قبل العقد، و إنّما يكره حين العقد.

و في صحيحة ابن سنان: «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك، تساومه، ثم تشتري له (6) نحو الذي طلب، ثم توجبه على نفسك، ثم تبيعه منه بعد» «2».

______________________________

(1) حتى يحتمل كفاية المعاطاة.

(2) أي: و تشعر رواية العلاء بانحصار إيجاب البيع في اللفظ.

(3) كما أشعرت رواية يحيى بن الحجاج و خالد بن نجيح بالانحصار المزبور.

(4) قال في مجمع البحرين: «نتراوض على أمر، نستقرّ على أمر» «3» و المراد بجمع البيع هو العزم عليه، يعني فإذا عزم على البيع جعل رأس المال و الربح جملة واحدة، و يسمّيها.

(5) و هو سيدنا الجد المحدّث السيد نعمة اللّه الجزائري قدّس سرّه، و حاصله: أنّ تسمية الربح مكروهة في نفس العقد، لا في المقاولة و المراوضة التي ليست هي بيعا، فكأنّ اعتبار اللفظ في إنشاء البيع مفروغ عنه، و إنّما كان السؤال عن جواز بيان نسبة الربح في الإيجاب، فأجابه عليه السّلام بعدم البأس ببيانه في المقاولة التي هي من مقدمات أصل البيع.

(6) أي: تشتري لذلك الرجل، و توضيحه: أنّ شراء السمسار متاعا من مالكه يكون تارة بفرض نفسه وكيلا عن الرجل الذي يريد ذلك المتاع، فيتملّكه الرجل بمجرّد أن اشتراه

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 386، الباب 14 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 5.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 1.

(3) مجمع البحرين، ج 4، ص 211 و 212.

ص: 608

..........

______________________________

السمسار من مالكه و يكون اخرى بشرائه لنفسه، فيبيعه بعده للرجل.

و مورد الرواية هو الثاني، بقرينة قوله عليه السّلام: «ثم توجبه على نفسك» أي: تشتريه لنفسك، و بعد تملّكه تبيعه للرجل.

و على كل تقدير لا بدّ من حمل «تشتري» على مقدمات الشراء، لدلالة «توجبه على نفسك» على الشراء من مالكه.

هذا تمام الكلام في الأخبار التي ادّعى المصنف قدّس سرّه إشعارها بدخل اللفظ في لزوم البيع [1]، و بذلك ينتهي البحث في إفادة المعاطاة للملك اللازم، و يقع الكلام في التنبيهات.

______________________________

[1] لكنّ إشعار هذه الأخبار باعتبار الإنشاء القولي- فضلا عن ظهورها فيه- محل تأمل.

أمّا قوله عليه السّلام في رواية يحيى بن الحجاج: «و لا تواجبه البيع قبل أن تشتريها» فلأنّه لو كان المراد منه إيجاب البيع باللفظ كان مقتضى عطف «تشتريها» ب «أو» على «تستوجبها» إرادة الاشتراء معاطاة، فتكون الرواية من هذه الجهة دليلا على صحة المعاطاة، فلا دلالة و لا إشعار فيها على اعتبار اللفظ في اللزوم.

و عليه فما استظهره المصنف بقوله: «فإنّ الظاهر أن المراد من مواجبة البيع ليس مجرد إعطاء العين للمشتري» و إن كان صحيحا، إلّا أنّه غير مجد، ضرورة عدم دلالة مواجبة البيع على اعتبار اللفظ في انعقاده، لأنّ إيجاب البيع لا ينحصر عرفا باللفظ، فيمكن أن تكون هذه الرواية دليلا على صحة المعاطاة.

و أمّا قوله عليه السّلام في رواية العلاء: «فإذا جمع البيع جعله جملة واحدة» فلا إشعار فيه أيضا بعدم تحقق إيجاب البيع بغير اللفظ، لإمكان حصوله بالفعل، بأن يجمع رأس المال مع الربح، و يعطي المجموع في قبال المبيع. و لا يستفاد اعتبار جمعها في عبارة واحدة، فإذا كان رأس المال ثمانية و الربح اثنين وجب عليه الجمع بينهما بأن يقول: «بعتك المتاع الفلاني

ص: 609

______________________________

بعشرة دنانير» أو يعطي المجموع للمشتري.

نعم إذا كان المراد بالجملة ما اصطلح عليه النحاة- من الكلام المفيد لفائدة يصح السكوت عليه- كان دالّا على اعتبار اللفظ في إيجاب البيع، لكنه كما ترى.

و أمّا صحيحة ابن سنان فكذا لا دلالة فيها على المدعى، و لا إشعار به، لأنّ قوله عليه السّلام:

«توجبه على نفسك ثم تبيعه منه» لا يستفاد منه حصر الإيجاب المؤثّر في اللفظ.

فالحق أنّ هذه الروايات الثلاث مسوقة لبيان أحكام أخرى، و ليست ناظرة إلى توقف اللزوم على الإنشاء القولي.

و قد يستدل لاعتبار اللفظ في إيجاب البيع بالروايات الواردة في بيع المصحف كرواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: لا تشتر كتاب اللّه و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل: اشتري منك هذا بكذا و كذا» «1».

تقريب الاستدلال بها هو: أنّ قوله عليه السّلام: «قل أشتري» ظاهر في الوجوب الوضعي، فلا يتحقق الشراء إلّا باللفظ، و بإلقاء خصوصية المورد يتعدى الى مطلق البيع، بل و سائر المعاملات، فيعتبر الكلام في إنشاء جميعها، هذا.

لكنك خبير بما فيه أوّلا: من عدم دلالة قوله عليه السّلام: «قل أشتري» على إرادة الإيجاب و إيقاع المعاملة، بل ظاهره أنّه في مقام المقاولة قبل البيع، من دون نظر إلى إنشاء البيع باللفظ أو المعاطاة.

و ثانيا: من أنّه لا بأس بالالتزام باعتبار إيقاع البيع باللفظ في مثل المورد من المجموع الذي يراد بيع بعضه، فإنّه لا بدّ من ذكر ما يقع عليه البيع، لتوقف ارتفاع الجهالة على ذكره، ففي مثله لا بأس بالالتزام بإيجاب البيع باللفظ. لكن اعتبار اللفظ فيه لا يدلّ على اعتباره في غيره من سائر الموارد كما هو مورد البحث.

إلّا أن يقال: إن الجهالة ترتفع بالمقاولة، و لا يتوقف ارتفاعها على إيقاع البيع باللفظ.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 114، الباب 31 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 2.

ص: 610

______________________________

و ثالثا: من أنّ الرواية ليست في مقام بيان اعتبار اللفظ في البيع و عدمه، بل في مقام بيان عدم جواز بيع نفس المصحف، و أنّ الجائز بيعه هو الحديد و نحوه، فقوله عليه السّلام: «قل اشتري منك نفس .. إلخ» كناية عن إيقاع البيع على الحديد و نحوه، لا أنّه يراد به وجوب التلفظ، فتأمّل.

و رابعا: من أنّه- بعد تسليم كونه في مقام إيجاب البيع بما ذكر في الرواية- لا يدل إلّا على اعتبار كون الإيجاب القولي على النحو المزبور، و ذلك لا ينفي إنشاء البيع بغير اللفظ، كما لا يخفى.

________________________________________

جزائرى، سيد محمد جعفر مروج، هدى الطالب في شرح المكاسب، 7 جلد، مؤسسة دار الكتاب، قم - ايران، اول، 1416 ه ق

ص: 611

ص: 612

صورة

ص: 613

صورة

ص: 614

صورة

ص: 615

صورة

ص: 616

صورة

ص: 617

صورة

ص: 618

صورة

ص: 619

صورة

ص: 620

صورة

ص: 621

صورة

ص: 622

صورة

ص: 623

صورة

ص: 624

صورة

ص: 625

صورة

ص: 626

المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

ص: 3

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة بحث المعاطاة]

[تنبيهات المعاطاة]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور (1):

[التنبيه الأوّل: جريان شروط البيع و أحكامه في المعاطاة]
اشارة

الأوّل (2):

______________________________

تنبيهات المعاطاة

(1) قد تقدم في أوّل بحث المعاطاة: أن المصنف قدّس سرّه اقتصر على بيان الأقوال، و الاستدلال لما اختاره، و أوكل جملة من أحكامها إلى التنبيهات، و لمّا فرغ قدّس سرّه عن إثبات صحة المعاطاة و كونها بيعا لازما نبّه على أمور تتميما للبحث. و لا يخفى أنّ بعض هذه الأمور مستغنى عنه، لابتنائه على تأثير المعاطاة في الإباحة التعبدية أو الملك الجائز، و كلا القولين ممنوع، لما تقدم مفصّلا من كونها كالبيع بالصيغة مفيدة للملك اللازم، لكن المصنف قدّس سرّه تعرّض لملزماتها استقصاء لجهات البحث.

التنبيه الأوّل: جريان شروط البيع و أحكامه في المعاطاة

(2) الغرض من عقد هذا الأمر تحقيق اشتراط المعاطاة بشرائط البيع العقدي المعتبرة فيه شرعا، و جريان أحكامه فيها، بعد وضوح اعتبار شرائط البيع العرفي فيها، فيبحث عن أنّه هل يعتبر في المعاطاة ما يعتبر شرعا في البيع القولي- عدا الصيغة- من الشروط المعتبرة في المتعاقدين و العوضين أم لا؟ و كذا هل تجري فيها الأحكام الثابتة للبيع بالصيغة كحرمة الربا و كالخيارات، و أنّ تلف المبيع قبل قبضه يكون من مال البائع، أم لا تجري فيها؟

ص: 5

[المقام الأول]

الظاهر (1) أنّ المعاطاة

______________________________

و تنقيح البحث في هذا التنبيه يتوقف على التكلم في مقامين، أحدهما: في الشروط، و الآخر: في ما يستتبعه البيع الصحيح من الأحكام.

أما المقام الأول ففيه جهات تظهر من مطاوي كلمات المصنف قدّس سرّه.

الأولى: أنّ المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفيّ قطعا سواء أفادت الملك اللازم أم الجائز أم الإباحة الشرعية.

الثانية: أنّ المعاطاة المقصود بها الإباحة ليست بيعا و لا محكومة بأحكامه.

الثالثة: أن شرائط البيع و أحكامه هل تجري في المعاطاة المقصود بها التمليك أم لا؟ و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالىٰ.

(1) هذا شروع في الجهة الأولى- و هي إثبات بيعية المعاطاة المقصود بها الملك- و تقريبه: أنّه إن قلنا بترتب الملك الجائز على المعاطاة المقصود بها الملك ففي كونها بيعا عرفيا أو معاوضة مستقلّة قولان:

أحدهما: أنّها معاوضة مستقلة، و هو محتمل المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد، فلا تكون حينئذ محكومة بأحكام البيع، إذ المرجع في تعيين شرائطها و أحكامها أدلة أخرىٰ.

ثانيهما: أنّها بيع.

و الصحيح من هذين القولين هو الثاني، بشهادة ما تقدّم عند نقل الأقوال في حكمها من رجوع الخلاف الى الحكم دون الموضوع. بل يظهر من كلام المحقق الثاني قدّس سرّه أنّ كونها بيعا ممّا لا كلام فيه حتى عند القائلين بكون المعاطاة فاسدة كما ذهب إليه العلامة في النهاية. و يدلّ على بيعيّتها عندهم تمسّكهم لذلك بقوله تعالى:

أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إذ لو لم تكن بيعا لم يصحّ هذا التمسك كما لا يخفىٰ.

هذا في المعاطاة التي قصد بها التمليك و التملك مع إفادتها الملك. و أمّا مع إفادتها الإباحة فالظاهر أيضا أنّها بيع عرفي، إذ المفروض قصد المتعاطيين التمليك

ص: 6

قبل اللزوم (1)- على القول بإفادتها الملك (2)- بيع (3)، بل (4) الظاهر من كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد

______________________________

البيعي، غاية الأمر أنّه لا يترتب عليها شرعا إلّا الإباحة، فالمراد بنفي بيعيّتها في كلامهم و معاقد إجماعهم هو نفي الملك فضلا عن اللزوم.

و أمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة- كما احتمله بل استظهره صاحب الجواهر قدّس سرّه و جعلها مصبّ الأقوال- فلا إشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا.

فالمتحصل: أنّ المعاطاة إمّا أن يقصد بها التمليك مع إفادتها الملكية، و إمّا أن يقصد بها التمليك مع إفادتها الإباحة شرعا، و إمّا أن يقصد بها الإباحة. فهذه صور ثلاث تتكفّلها الجهة الأولىٰ التي تضمّنها كلام المصنف قدّس سرّه من أوّل التنبيه إلى قوله:

«و حيث ان المناسب لهذا القول التمسك في مشروعيته .. إلخ».

(1) التقييد ب «قبل اللزوم» لأجل أنه لا ريب في بيعيّة المعاطاة المفيدة للملك اللازم كما هو مختاره قدّس سرّه، أو بعد عروض أحد الملزمات.

(2) و كذا بناء على إفادتها الإباحة شرعا، كما سيأتي بقوله: «و أما على القول بإفادتها للإباحة فالظاهر أنّها بيع عرفي» فتقييد صدق البيع على المعاطاة بإفادة الملك الجائز لعلّه من جهة كونه أقوىٰ بحسب الاستظهار من الكلمات، و أنّ احتمال عدم بيعيتها موهون جدّا لا يعتنىٰ به.

(3) يعني: ليست معاملة مستقلة، كما يظهر من الشهيد قدّس سرّه في الحواشي على ما ينقله المصنف قدّس سرّه هنا و في الأمر السابع، بل في مفتاح الكرامة: «نسبة كونها معاملة مستقلة إلى ظاهر كلامهم» «1». و عليه فلا يشترط فيها شي ء من شروط البيع.

(4) مقصوده الإضراب عن مجرّد ظهور كون المعاطاة بيعا إلى أنّ بيعيّتها من المسلّمات، لا مجرّد الظهور الذي يبقى معه احتمال كونها معاملة مستقلة.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158

ص: 7

أنّه (1) ممّا لا كلام فيه (2)، حتّىٰ عند القائلين بكونها فاسدة، كالعلّامة في النهاية «1».

و دلّ على ذلك (3) تمسّكهم له (4) بقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

و أمّا (5) على القول بإفادتها للإباحة (6) فالظاهر أنّه (7) بيع عرفي لم يؤثّر.

______________________________

(1) أي: أنّ كون المعاطاة بيعا ممّا لا كلام فيه.

(2) حيث قال المحقق الثاني: «و قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ يتناولها، لأنّها بيع بالاتفاق، حتىٰ عند القائلين بفسادها، لأنّهم يقولون: هي بيع فاسد» «2».

(3) أي: على كونها بيعا.

(4) أي: تمسّكهم لكون المعاطاة بيعا، وجه الدّلالة: أنّها لو لم تكن بيعا لم تكن الآية المباركة متكفلة لحكم المعاطاة كأجنبيتها عن حكم الصلح و الهبة و نحوهما من المعاملات، فالاستدلال بالآية على مملّكية المعاطاة كاشف عن تسالمهم على كونها بيعا عرفا. و قد نبّه المصنف قدّس سرّه على هذا المطلب في الاستدلال بالآية الشريفة على صحة المعاطاة و في أدلة اللزوم أيضا، فقال في الموضع الأوّل: «و إنكار كونها بيعا مكابرة» فراجع.

(5) هذا عدل قوله: «على القول بإفادتها الملك» يعني: أنّ المعاطاة المقصود بها التمليك بيع عرفي سواء ترتب الملك عليها أم الإباحة تعبدا.

(6) يعني: مع قصد المتعاطيين للتمليك، فالمعاطاة حينئذ بيع عرفي، إلّا أنّها لا تؤثّر في ما قصداه من التمليك، بل تؤثّر بحكم الشارع في إباحة التصرفات، فنفي بيعيّة المعاطاة حينئذ لا يكون بحسب الموضوع، بل بحسب الحكم الشرعي، إذ المفروض صدق البيع العرفي عليها.

(7) أي: أنّ المعاطاة. و تذكير الضمير باعتبار الخبر، أو باعتبار رجوعه إلى التعاطي.

______________________________

(1): نهاية الاحكام، ج 2، ص 449

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 58

ص: 8

شرعا إلّا الإباحة، فنفي البيع عنها في كلامهم (1) و معاقد إجماعهم هو البيع المفيد شرعا للّزوم زيادة على الملك (2).

هذا (3) على ما اخترناه سابقا (4) من أن مقصود المتعاطيين في المعاطاة التملّك و البيع.

و أمّا على ما احتمله بعضهم (5)- بل استظهره- من أنّ محلّ الكلام هو ما

______________________________

(1) قد تقدمت هذه الكلمات في أوّل بحث المعاطاة عند بيان الأقوال، فراجع «1».

(2) لعلّ الأولىٰ بسلاسة العبارة أن يقال: «هو البيع المفيد شرعا للملك فضلا عن لزومه» وجه الأولوية: أنّ نفي بيعية المعاطاة في كلمات القدماء و معاقد إجماع مثل السيد أبي المكارم ابن زهرة قدّس سرّه يراد به عدم تأثيرها في الملك أصلا، لا اللازم منه و لا المتزلزل، لتصريحهم بإفادتها للإباحة خاصة. و أمّا المحقق الثاني القائل بالملك الجائز فقد صرّح بصدق البيع عليها شرعا، و لم ينكر ذلك أصلا. نعم لو كان مقصود المصنف أنّ المنفي شرعا هو الملك و اللزوم معا كان ملتئما مع كلمات القدماء القائلين بالإباحة المجرّدة عن الملك. و لكن يبقى التنافي بين استظهار المصنف عدم البيعية شرعا و بين قول المحقق الثاني بالبيعية شرعا و بعدم اللزوم.

(3) يعني: ما ذكرناه من صدق البيع على المعاطاة المقصود بها الملك، سواء أثّرت فيه أم أفادت الإباحة خاصة.

(4) حيث قال في تحرير محلّ النزاع في المعاطاة: «و الذي يقوىٰ في النفس إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها، و أنّهم يحكمون بالإباحة المجرّدة عن الملك في المعاطاة، مع فرض قصد المتعاطيين التمليك ..» «2».

(5) كصاحب الجواهر قدّس سرّه و قد تقدم كلامه في تحرير محلّ النزاع في المعاطاة، فراجع «3».

______________________________

(1): لاحظ الجزء الأوّل من هذا الشرح. ص 336 إلى 344

(2) المصدر، ص 347

(3) المصدر، ص 332

ص: 9

إذا قصدا مجرّد الإباحة فلا إشكال في عدم كونها بيعا عرفا و لا شرعا (1).

و على هذا (2) فلا بدّ عند الشك في اعتبار شرط فيها من الرجوع إلى

______________________________

و بالجملة: فالمقصود في الجهة الأولىٰ هو: انقسام المعاطاة إلى ما يقصد به التمليك و إلى ما يقصد به الإباحة. و لا إشكال في كون الأوّل بيعا، كما لا إشكال في عدم كون الثاني بيعا.

(1) عدم بيعية المعاطاة المقصود بها الإباحة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع، لتقوّم البيع بقصد المبادلة و التمليك.

(2) أي: و بناء على كون محل الكلام هو المعاطاة المقصود بها الإباحة لا التمليك فلا بدّ .. و هذا شروع في الجهة الثانية، و محصّلها: أنّ المعاطاة المقصود بها الإباحة لمّا لم تكن بيعا لم تكن شرائط البيع معتبرة فيها، فإذا شكّ في اعتبار شرط فيها كان المرجع دليل مشروعية الإباحة المعوّضة، و الدليل منحصر في أمرين، أحدهما:

إطلاق الأدلة اللفظية، و الثاني: السيرة.

فإن اعتمدنا على الدليل اللفظي كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلّطون على أموالهم»- بالتقريب المتقدم في أدلة المعاطاة- كان مقتضىٰ إطلاق سلطنة الملّاك على أموالهم جواز هذه الإباحة المعوّضة سواء أ كانت واجدة لشرائط البيع أم فاقدة لها، لاقتضاء الإطلاق نفي ما يشك دخله فيها، فتجوز إباحة جنس ربوي بمثله مع التفاضل بينهما، إذ ليست المعاطاة بيعا حتى تتوقّف مشروعيتها على رعاية شرائط البيع فيها.

و إن اعتمدنا على السيرة العقلائية الممضاة أو على السيرة المتشرعية تعيّن الاقتصار في مشروعية الإباحة المعوّضة على ما إذا روعي فيها شرائط البيع من معلومية العوضين و مساواتهما فيما كانا ربويّين و غير ذلك. وجه الاقتصار واضح، إذ السيرة دليل لبّيّ لا بدّ من الأخذ بالمتيقن منها، فلو لم يحرز أنّ مورد عمل العقلاء أو المتشرعة هو الإباحة المعوّضة مطلقا أو خصوص الواجد لشرائط البيع لزم الأخذ

ص: 10

الأدلة الدالّة على صحّة هذه الإباحة العوضية من خصوص (1) أو عموم.

و حيث إنّ المناسب لهذا القول التمسّك في مشروعيّته بعموم (2): «الناس مسلّطون على أموالهم» «1» كان مقتضى القاعدة (3) هو نفي شرطية غير ما ثبت شرطيّته [1].

______________________________

بالمتيقن من مورد إمضاء الشارع كما هو واضح.

(1) المراد بالدليل الخاص هو السيرة القائمة بين الناس في الإباحات المعوّضة، و وجه خصوصيتها اقتصارها على إعطاء كل منهما ماله للآخر بقصد إباحة التصرف، لا التمليك.

(2) المراد بالعموم مطلق الشمول سواء أ كان وضعيا أم حكميّا. و المراد به هنا هو الثاني أي إطلاق حديث السلطنة كمّا و كيفا، لدلالته على مشروعية كل تصرف في المال و بأيّ سبب من الأسباب عدا ما خرج بالدليل.

(3) و هو الأصل اللفظي أعني به إطلاق قاعدة السلطنة المقتضي لمشروعية كل تصرف في مال كمّا و كيفا.

______________________________

[1] و أضاف إليه في الجواهر الاستدلال على ذلك بقاعدة طيب النفس المستفادة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «فإنه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه» و من مفهوم قوله عليه السّلام: «فلا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه» و التجارة عن تراض، و نحو ذلك «2». فالمراد بالأصل الذي تمسّك به في الجواهر لعدم اعتبار العلم بالعوضين في هذه الإباحة المعوّضة هو إطلاق أدلته المذكورة، هذا.

لكن الأدلة المزبورة لا يخلو الاستدلال بأوّلها و ثالثها عن المناقشة، إذ في أوّلها عدم كون قاعدة السلطنة مشرّعة بالنسبة إلى الأسباب على ما أفاده المصنف قدّس سرّه في أدلّة

______________________________

(1): بحار الأنوار، ج 2، ص 272

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 218

ص: 11

كما أنّه لو تمسّك لها (1) بالسيرة كان مقتضى القاعدة العكس (2).

و الحاصل: أنّ المرجع على هذا (3) عند الشك في شروطها هي أدلة هذه المعاملة، سواء اعتبرت (4) في البيع أم لا.

______________________________

(1) أي: للمعاطاة المقصود بها الإباحة، و يمكن أن يستأنس لانعقاد السيرة عليها بمثل كلام شيخ الطائفة قدّس سرّه من قوله: «و إنما هي استباحات بين الناس» لظهور باب الاستفعال في قصد ذلك، كما أنّ الإضافة إلى الناس أمارة شيوعها و دورانها بينهم.

(2) للزوم الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما إذا جمعت هذه المعاطاة- المقصود بها الإباحة- جميع شرائط البيع، فإذا شكّ في شرطية شي ء فيها كان مقتضى السيرة- التي هي دليل لبّيّ- اعتباره.

(3) أىّ: على تقدير قصد الإباحة بالمعاطاة.

(4) أي: الشروط، كما إذا شك في اختصاص جواز الإباحة المعوّضة بكون المال حقيرا، و عدم جريانها في الخطير، فإن كان المرجع مثل إطلاق دليل السلطنة قلنا بها في الخطير، و إن كان هو السيرة اقتصر على الحقير.

______________________________

مملّكية المعاطاة، «1»، فالتمسك بها على مشروعية المعاطاة المقصود بها الإباحة ينافي ما سبق منه قدّس سرّه من الإشكال في مشرّعيّة قاعدة السلطنة للأسباب.

إلّا أن يقال: إنّ مقصود المصنف قدّس سرّه توجيه هذه الإباحة المعوّضة التي قال بمشروعيتها صاحب الجواهر قدّس سرّه مستدلّا بقاعدة السلطنة، و بحديث الحل، و حينئذ لا سبيل للجزم بأنّ المصنف قدّس سرّه بصدد تصحيح الإباحة المعوّضة بقاعدة السلطنة حتى يتّجه عليه التنافي في كلاميه هنا و في أدلة مملّكية المعاطاة، فراجع.

و في ثالثها: اختصاصه بالاكتساب، فلا تشمل آية التجارة إباحة التصرف.

نعم لا بأس بالتشبث بعموم «لا يحل مال امرء إلّا بطيب نفسه» إلّا على تأمّل فيه

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 395

ص: 12

______________________________

تقدّم في أدلة لزوم المعاطاة «1» و بعموم الوفاء بالعقود بناء على صدق العقد على المعاطاة المقصود بها الإباحة.

و عليه فلو شكّ في اعتبار شي ء فيها فالمرجع إطلاق هذه الأدلة المقتضي لعدم الاعتبار، إذ الموضوع للحلّ- بناء على التمسك بطيب النفس- هو الطيب المتحقق بالتعاطي من دون دخل شي ء في ذلك، و هو كاف في دفع الشك في اعتبار الشرائط المعتبرة في البيع في المعاطاة المقصود بها الإباحة كتقدم الإيجاب على القبول، و شرائط المتعاملين، و العوضين، و كاعتبار التقابض في الصرف، و التساوي في المكيل و الموزون، و غير ذلك من الشرائط المعتبرة في البيع، فإنّه لا دليل على اعتبار شي ء منها في المعاطاة المذكورة.

فإن قلت: إنّ دليل النهي عن الغرر يوجب اعتبار العلم بالعوضين في المعاطاة.

قلت: إنّ النهي عن الغرر مختص بالبيع الذي ليس منه المعاطاة المذكورة، و النهي عن الغرر مطلقا غير ثابت بنحو يعتمد عليه.

نعم بناء على التمسك بعموم الوفاء بالعقود يعتبر شروط العقد كالتنجيز فيه، و يرجع إليه في رفع احتمال شروط أخر. لكن صدق العقد على المعاطاة المقصود بها الإباحة لا يخلو عن خفاء.

و التمسّك بالسيرة أيضا مشكل جدّا، لعدم تحققها، إذ المفروض- كما تقدم آنفا و سابقا- أنّ المعاطاة المتداولة بين الناس هي المقصود بها التمليك. و السيرة العقلائية كالمتشرعية جارية على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة المزبورة.

و لا يخفى أن الموجود في الجواهر في الاستدلال على هذه الإباحة المعوضة هو الأدلة اللفظيّة المتقدّمة، و ليس فيها من السيرة عين و لا أثر. فلعلّ تعرض المصنف للسيرة لأجل استقصاء جهات البحث و إن لم يوجد بينهم من يعتمد عليها. و يمكن

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 519

ص: 13

و أمّا (1) على المختار من أنّ الكلام فيما قصد به البيع، فهل يشترط فيه شروط البيع مطلقا (2)، أم لا كذلك (3)، أم يبتني (4) على القول بإفادتها للملك و القول بعدم إفادتها إلّا الإباحة؟ وجوه.

______________________________

(1) إشارة إلى الجهة الثالثة، و هي ما إذا قصد بالمعاطاة التمليك، و هو مختار المصنف، و حاصلها: أنّه هل يعتبر في المعاطاة المقصود بها التمليك شروط البيع مطلقا أم لا تعتبر كذلك، أم يفصّل في المعاطاة المقصود بها الملك بين ما يترتب عليها ما قصده المتعاطيان من التمليك، و بين ما يترتب عليها الإباحة بحكم الشارع، بأن يقال باعتبار شروط البيع في المعاطاة المؤثّرة في الملكية دون المؤثّرة في الإباحة؟ فيه وجوه أوّلها: الاعتبار مطلقا، ثانيها: عدم الاعتبار مطلقا، ثالثها: التفصيل بين ترتب الملك و بين ترتب الإباحة، و سيأتي الاستدلال على كلّ منها.

(2) يعني: سواء أفادت المعاطاة الملكية التي قصدها المتعاطيان، أم الإباحة التي لم يقصداها لكن الشارع حكم بها. كما أنّه بناء على إفادة الملك لم يفرق بين ترتب الملك اللازم عليه أم الجائز، عملا بإطلاق الملك.

(3) أي: مطلقا، و قد عرفت المراد بهذا الإطلاق.

(4) هذا إشارة إلى التفصيل المزبور.

______________________________

استفادة عدم صلاحية السيرة من تعبيره ب «لو» الامتناعية.

و على هذا فينحصر الوجه في هذه الإباحة بما دل على حلية المال بطيب نفس مالكه، و مقتضى حصر الحلّ بطيب النفس هو كون الموضوع المنحصر للحلّ مجرّد طيب النفس، فإطلاقه ينفي احتمال شرطية كل ما يشكّ في شرطيته للإباحة المترتبة على المعاطاة.

فالمتحصل: أنّ المعاطاة المقصود بها الإباحة ليست بيعا، و لا محكومة بشرائطه و أحكامه كالخيار، لانتفاء موضوعها. و إذا شك في شرطيّة شي ء من شرائط البيع في المعاطاة المذكورة يتمسك لنفيها بإطلاق دليل مشروعيتها، و هو قاعدة طيب النفس.

ص: 14

يشهد [1] للأوّل (1) كونها بيعا عرفا، فيشترط فيها جميع ما دلّ على اشتراطه في البيع.

______________________________

(1) يعني: للوجه الأوّل، و هو اعتبار شروط البيع في المعاطاة المقصود بها التمليك مطلقا. و حاصل ما استدل به المصنف قدّس سرّه على الوجه الأوّل هو: أنّ البيع يصدق على المعاطاة بحيث تكون من أفراده و مصاديقه، فيشملها حينئذ ما دلّ على اعتبار شروط فيه كالقبض في بيع الصرف، و معلومية العوضين، و تساويهما في المكيل و الموزون مع وحدة الجنس. أمّا صدق البيع العرفي على المعاطاة المقصود بها التمليك فظاهر، و مع صدقه عليها يشملها أدلّة الشرائط الثابتة للبيع. و عليه فيشترط في المعاطاة المذكورة جميع ما يشترط في البيع بالصيغة.

______________________________

[1] مجرّد صدق البيع العرفي على المعاطاة لا يشهد باعتبار شروط البيع فيها، إلّا إذا أفادت الملكية التي قصدها المتعاطيان، لأنّ المعاطاة حينئذ بيع عرفي و شرعي، و من المعلوم أنّ موضوع الشروط الشرعية هو البيع الصحيح أي المؤثّر في الملكيّة في نظر الشارع حتى يكون وجوده مساوقا لنفوذه، و المفروض كون المعاطاة كذلك. نعم موضوع دليل الإمضاء هو البيع العرفي، و أدلّة الشروط تقيّد البيع العرفي بالشرعي، يعني:

أنّ البيع النافذ شرعا هو المقيد بالشروط الكذائية، لا البيع العرفي بما هو بيع عرفي.

و أمّا إذا أفادت الإباحة فليست المعاطاة حينئذ بيعا شرعيا أي ليست مشمولة لدليل الإمضاء و النفوذ كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و من المعلوم أنّ الشروط لا تعتبر في غير البيع الشرعي الموضوع للأثر، و المفروض أنّ المعاطاة المذكورة ليست بيعا مؤثّرا، فلا تعتبر فيها شرائط البيع.

إلّا أن يقال: إنّ المعاطاة المقصود بها التمليك بيع حقيقة، فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في البيع القولي، و لا يقدح في بيعيتها عدم إمضاء الشارع الملكية المنشئة بها إلى زمان طروء أحد ملزمات المعاطاة، و ذلك لإمكان أن يكون توقف الملكية في المعاطاة على ملزماتها كتوقفها على القبض في بيع الصرف و السّلم، فكما يكونان بيعا

ص: 15

______________________________

عرفا و شرعا، و لا يخرجهما التوقف المزبور عن البيع العرفي و الشرعي، فكذلك المعاطاة المفيدة للإباحة إلى زمان عروض أحد الملزمات.

و إن أبيت عن ذلك، لكونه قياسا- مضافا إلى أنه مع الفارق، لثبوت الإباحة في المعاطاة إلى حصول الملزم دون بيع الصرف و السّلم، لعدم ثبوت إباحة التصرف فيهما بنفس العقد، بل لا يترتب عليهما إلّا الملك بعد القبض- فيمكن أن نقول: إنّ هذه المعاطاة المقصود بها التمليك و إن كانت فاسدة، لعدم إمضاء الشارع لها، فلا يترتب عليها الأثر المقصود و هو الملكية، إلّا أنّ الإجماع قام على جواز تصرف المتعاطيين في المالين، و لم يقم على جوازه في سائر العقود الفاسدة، و حيث إنّ الإجماع من الأدلّة اللّبّيّة فيقتصر على ما هو المتيقّن و هو كون المعاطاة واجدة لجميع شرائط البيع حتى المختلف فيها، إلّا الصيغة.

و إن شئت فقل: إنّ مقتضى عموم حرمة التصرف في مال الغير إلّا بإذنه هو حرمة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة التي قصد بها التمليك و لم يمضها الشارع، لكن المخصّص و هو الإجماع دلّ على جواز التصرف فيه، و لمّا كان لبّيّا فيقتصر في تخصيصه للعام على القدر المتيقن، و هو ما إذا استجمع المعاطاة شرائط البيع بأسرها، و يبقى الباقي تحت العام.

فقد ظهر من هذا البيان عدم الفرق في الشرائط المعتبرة في المعاطاة المذكورة بين كون مستندها دليلا لفظيا و بين كونه لبّيّا. و لا منافاة بين الإجماع على إباحة التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة، و بين إجماعهم على نفي بيعيتها حتى يتوهم عدم الأخذ بالقدر المتيقن من الإجماع هنا بعد تصريحهم بأنّها ليست بيعا.

وجه عدم المنافاة: أنّ المقصود بنفي البيعية هو نفيها حدوثا، لاعترافهم بإفادتها الملك بعد طروء الملزمات.

و عليه لا مانع من الأخذ بالقدر المتيقن من الإجماع. هذا.

لكن قد عرفت سابقا عدم إجماع تعبدي على الإباحة، فالتوجيه الثاني أيضا في غير محله.

ص: 16

و يؤيّده (1) أنّ محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو: أنّ الصيغة معتبرة في البيع كسائر الشرائط أم لا؟ كما يفصح عنه (2) عنوان المسألة في كتب كثير من العامة و الخاصة، فما (3) انتفى فيه غير الصيغة من شروط البيع خارج عن هذا العنوان و إن (4) فرض

______________________________

(1) معطوف على «يشهد» و الضمير البارز راجع الى الأوّل. و حاصل وجه التأييد: أنّهم جعلوا محل النزاع بين العامة و الخاصة اعتبار الصيغة في البيع و عدمه، فمن قال باعتبار الصيغة فيه نفى بيعيّة المعاطاة، و من قال بعدم اعتبار الصيغة فيه قال بصحة المعاطاة، و لذا فرّعوا عدم كفاية المعاطاة على اعتبار الصيغة فيه، فيظهر من هذا التفريع أنّ الفارق بين البيع القولي و المعاطاتي هو وجود الصيغة و عدمها، دون غير الصيغة من الشرائط. و لا يصح هذا التفريع إلّا مع اعتبار جميع شرائط البيع في المعاطاة إلّا الصيغة، فلو لم يكن سائر شرائط صحة البيع مجتمعة فيها لم يصدق عليها عنوان البيع قطعا.

ثمّ إنّ التعبير عن هذا الوجه بالتأييد- دون الدلالة و الشهادة- إنّما هو لكونه استشهادا بما صنعه الفقهاء من تفريع بحث المعاطاة على بحث ألفاظ العقود، و هو ليس دليلا شرعيا من الكتاب و السنة و الإجماع، و لكن هذا المقدار صالح للتأييد كما لا يخفى.

(2) أي: عن كون محل النزاع في المعاطاة هو .. إلخ.

(3) أي: فالمعاطاة الفاقدة لشرط آخر- غير الصيغة- من شروط البيع خارجة عن المعاطاة التي هي مورد البحث بين العامة و الخاصة، وجه الخروج اتفاق الكل على اعتبار شرائط البيع القولي في المعاطاة، و أنّ الفارق بينهما مجرّد الصيغة.

(4) وصلية، يعني: أنّه بعد وضوح استجماع شرائط العوضين و المتعاقدين في المعاطاة، نقول: لو فرض قيام دليل على أنّ المعاطاة الفاقدة لشرط معلومية العوضين مثلا تفيد الإباحة أو الملك كالمعاطاة المستجمعة للشرائط لم يكن هذا الاشتراك في الأثر كاشفا عن بيعية المعاطاة الفاقدة لبعض الشرائط حتى يتوهم عدم اعتبار

ص: 17

مشاركا له (1) في الحكم، و لذا (2) ادّعى في الحدائق «ان المشهور بين القائلين بعدم لزوم المعاطاة صحة المعاطاة المذكورة إذا استكمل شروط البيع غير الصيغة المخصوصة، و أنّها (3) تفيد إباحة تصرف كل منهما فيما صار إليه من العوض» «1» و مقابل المشهور في كلامه قول العلامة في النهاية «2» بفساد المعاطاة، كما صرّح به بعد ذلك (4)، فلا يكون كلامه (5) موهما لثبوت الخلاف في اشتراط صحة

______________________________

شرائط البيع القولي في المعاطاة، بل الاشتراك المزبور حكم تعبدي، مع تعدد الموضوع. كما أنّ البيع و الهبة متحدان في اعتبار كون المبيع و الموهوب عينا لا منفعة و إن كان لكلّ منهما أحكام مختصة.

(1) أيّ: للبيع المعاطاتي المستجمع لشرائط البيع القولي عدا الصيغة.

(2) و لأجل لزوم اجتماع الشرائط إلّا الصيغة في المعاطاة ادّعى في الحدائق .. إلخ.

(3) معطوف على «صحة» و مفسّر لها، حيث إنّ ظاهر الصحة هو ترتب الأثر المقصود أعني الملكية، و المفروض عدم ترتبها على المعاطاة. فالمراد بصحتها حينئذ هو ترتب الإباحة عليها بحكم الشارع لا الملكية المقصودة للمتعاطيين.

(4) حيث قال المحدث البحراني بعد العبارة المتقدمة: «و عن العلّامة في النهاية القول بفساد بيع المعاطاة، و أنّه لا يجوز لكل منهما التصرف فيما صار إليه، من حيث الإخلال بالصيغة».

(5) أي: كلام الحدائق. و حاصل كلامه: أنّ موضوع كلام المشهور من إفادة المعاطاة للإباحة و قول العلامة بفسادها و عدم ترتب أثر عليها هو المعاطاة الجامعة لجميع شرائط البيع، فيكون قول المشهور بالإباحة مقابلا لقول العلامة، لا مقابلا لاستكمال شروط البيع، فموضوع الحكم بالصحة عند المشهور و بالفساد عند العلّامة هو استكمالها لشرائط البيع، فلو لم تستكملها كانت فاسدة عند الكلّ.

______________________________

(1): الحدائق الناضرة، ج 18، ص 356، و العبارة منقولة باختلاف يسير عمّا في الحدائق.

(2) نهاية الأحكام، ج 2، ص 449

ص: 18

المعاطاة باستجماع شرائط البيع.

و يشهد للثاني (1) أنّ البيع في النص (2) و الفتوى (3) ظاهر فيما حكم فيه باللزوم، و ثبت له الخيار في قولهم: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»

______________________________

(1) أي: للوجه الثاني و هو عدم اعتبار شروط البيع القولي في المعاطاة المقصود بها التمليك مطلقا سواء أفادت الملكية أم الإباحة. أمّا على الثاني فواضح، لعدم كون هذه المعاطاة بيعا لا في نظر الشارع و لا في نظر المتشرعة، لأنّ الأثر المقصود من البيع- و هو التمليك أو التبديل- لا يترتب عليها، فلا تكون المعاطاة حينئذ بيعا حتى يعتبر فيها شروطه.

و أمّا على الأوّل فلأنّ البيع في النص و الفتوى ظاهر في البيع المبنيّ على اللزوم لو لا الخيار، لأنّه مفاد دليل الإمضاء كآيتي أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بحيث يكون الخيار على خلاف مقتضى طبعه.

و إن شئت فقل: إنّه لا إطلاق لأدلّة شروط البيع حتى يشمل البيع العرفيّ المفيد شرعا للإباحة أو الملك الجائز، و مع عدم الإطلاق من هاتين الجهتين لا يمكن التمسّك بأدلّة الشروط.

كما أنّه بناء على الإطلاق من كلتا الجهتين المذكورتين تكون المعاطاة المقصود بها التمليك مشمولة لأدلة شروط البيع و إن كانت مفيدة للإباحة.

و بناء على الإطلاق من الجهة الثانية- و هي إفادة البيع الملك اللازم أو الجائز- تكون المعاطاة المقصود بها التمليك المفيدة شرعا للملك الجائز أو اللازم صحيحة و مشمولة لأدلة الشروط المعتبرة في البيع.

(2) يعني: النصوص المتكفلة لأحكام البيع، مثل «أقاله في البيع» و «نهي النبي عن بيع الغرر» و نحوهما.

(3) كقول الفقهاء: «الأصل في البيع اللزوم» و «البيع هو العقد الدّال على نقل العين ..» و نحوهما من الإطلاقات التي يراد بالبيع فيها ما هو المبني على اللزوم، لا الأعم منه و من الجائز.

ص: 19

و نحوه [1]. أمّا على القول بالإباحة، فواضح (1)، لأنّ المعاطاة ليست على هذا القول بيعا في نظر الشارع و المتشرعة، إذ لا نقل (2) فيه عند الشارع، فإذا ثبت (3) إطلاق الشارع عليه في مقام فنحمله على الجري على ما هو بيع باعتقاد العرف، لاشتماله على النقل في نظرهم. و قد تقدّم سابقا (4) في تصحيح دعوى الإجماع (5)

______________________________

(1) يعني: فعدم صدق البيع على المعاطاة واضح.

(2) يعني: و المفروض أنّ البيع هو النقل، فعدم النقل يكشف عن عدم البيع.

(3) غرضه قدّس سرّه التفكيك بين نظر المتشرعة بما هم متشرعة و بين نظر العقلاء بما هم عقلاء، فإنّهم بما هم متديّنون يلتزمون بعدم بيعية المعاطاة، لكونها مؤثّرة في الإباحة خاصة. و لكنّهم بما هم عقلاء لا يفرّقون بين البيع القولي و الفعلي بعد اشتراكهما في قصد التمليك و النقل. و على هذا فلو أطلق الشارع البيع على المعاطاة أحيانا- مع سلب العنوان عنها حقيقة- كان المراد صدقه بنظر العرف الّذين لا عبرة بنظرهم ما لم يمضه الشارع.

(4) يعني: في المعاطاة، حيث قال في مقام التفكيك بين الصحة العرفية و الشرعية:

«فيصحّ على ذلك نفي البيعية على وجه الحقيقة في كلام كلّ من اعتبر في صحّته الصيغة» «1».

(5) الذي ادّعاه في الغنية في مقام الاحتراز عن القول بانعقاد البيع بالاستدعاء من المشتري- بعد اعتبار الإيجاب و القبول- حيث قال: «و احترازا أيضا عن القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة و يقول: أعطني بقلا، فيعطيه، فإنّ ذلك

______________________________

[1] مرجع هذا الشاهد إلى منع إطلاق أدلة شروط البيع للبيع الشرعي اللازم و الجائز، بل تختص بالبيع النافذ اللازم، فلا يشمل البيع النافذ الجائز كما هو مفروض المصنف قدّس سرّه في المعاطاة المقصود بها التمليك.

______________________________

(1) راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 361

ص: 20

على عدم (1) كون المعاطاة بيعا بيان ذلك (2).

و أمّا على القول بالملك فلأنّ المطلق ينصرف الى الفرد المحكوم باللزوم (3) في قولهم: «البيّعان بالخيار (4)» و قولهم (5) «انّ الأصل في البيع اللزوم، و الخيار (6) إنّما ثبت لدليل».

______________________________

ليس ببيع، و إنّما هو إباحة للتصرف» «1». و نحوه غيره من عبارات جملة من الأصحاب.

(1) حيث قال المصنف قدّس سرّه بعد نقل كلمات الأعلام في المعاطاة: «و أمّا دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية فمرادهم بالبيع المعاملة اللازمة التي هي أحد العقود، و لذا صرّح في الغنية بكون الإيجاب و القبول من شرائط صحة البيع. و دعوى: أنّ البيع الفاسد عندهم ليس بيعا قد عرفت الحال فيها» «2».

(2) يعني: بيان إرادة البيع الصحيح الشرعي- المحكوم باللّزوم و بالخيار- من البيع في كلام المتشرعة، و معقد إجماعهم على نفي البيع عن المعاطاة.

(3) استشهد المصنف قدّس سرّه بعبارات أربع على أنّهم أرادوا من «البيع» في فتاواهم البيع المفيد للملك اللازم، فإذا لم يؤثّر فيه لم يكن بيعا حقيقة.

(4) هذا هو المورد الأوّل من كلمات الأصحاب، حيث ينزّل إطلاق «البيّعان» على من أنشأ بيعا لازما، فلا يجري الخيار في المعاطاة، لعدم ترتب ملك لازم عليها.

(5) هذا هو المورد الثاني، إذ المراد من «البيع» هو اللّازم، فما ليس بلازم لا يكون بيعا.

(6) هذه الجملة متمّمة للعبارة الثانية الّتي نقلها المصنف عن الفقهاء، و الأولى تأخيرها عن العبارة الثالثة، و هي: قول الفقهاء: «ان البيع- بقول مطلق- من العقود اللازمة» و لا يخفى وجهه.

______________________________

(1): غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 524

(2) راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 384 إلى 386

ص: 21

و أنّ (1) البيع- بقول مطلق- من العقود اللازمة. و قولهم (2): البيع هو العقد الدالّ على كذا. و نحو ذلك (3).

و بالجملة (4): فلا يبقى [1] للمتأمّل شكّ في أنّ إطلاق البيع في النص

______________________________

(1) معطوف على: «قولهم» يعني: و قول الفقهاء: إنّ البيع بقول مطلق ينصرف إلى الفرد المحكوم باللزوم.

(2) معطوف على «قولهم» و هذه هي العبارة الرابعة، يعني: أنّ مراد الفقهاء من تعريف البيع بالعقد الدال على نقل الملك هو البيع المبني على اللزوم، لا الأعم منه و من المبني على الجواز أو الإباحة.

(3) كقولهم: «الإقالة في البيع كذا» إذ ينصرف كلامهم إلى إقالة البيع اللازم، و لا يشمل المعاطاة.

(4) هذه خلاصة ما أفاده بقوله: «و يشهد للثاني». و المقصود تثبيت انصراف البيع- في النص و الفتوى- إلى خصوص فرده اللازم، و عدم شمول أحكام البيع للعقد المفيد للملك المتزلزل، أو للإباحة.

______________________________

[1] هذا الجزم بالانصراف مناف لما تكرر في كلماته قدّس سرّه، منها: قوله- بعد أسطر في وجه تفصيل آخر في المسألة بين الشرائط-: «و يمكن الفرق بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص .. إلخ» لتسليمه الإطلاق، و عدم الانصراف في النصوص.

و منها: قوله في تقوية الوجه الأوّل فيما بعد: «و الأقوى اعتبارها .. إلخ» لابتنائها على عدم الانصراف في النص و الفتوى معا، أو في خصوص الأوّل.

و منها: قوله- بعد نقل كلام الشهيد- من: أنّ مورد أدلة اعتبار الشرائط هو البيع المعاطاتي العرفي، لندرة البيع العقدي اللفظي.

و منها: غير ذلك مما سيأتي التنبيه عليه.

ص: 22

و الفتوى يراد به (1) ما لا يجوز فسخه إلّا بفسخ عقده بخيار أو بتقايل.

و وجه الثالث (2): ما تقدّم للثاني (3) على القول بالإباحة من سلب البيع عنه (4)، و للأوّل (5) على القول بالملك من صدق البيع عليه

______________________________

(1) يعني: يراد به البيع الذي يكون بطبعه لازما، بحيث لا ينفسخ إلّا بالخيار أو التقايل.

(2) و هو اعتبار شروط البيع في المعاطاة المفيدة للملك، و عدم اعتبارها فيها بناء على إفادتها للإباحة. و الدليل على هذا التفصيل مؤلّف من الدليلين المتقدمين في الاحتمالين الأوّلين، و سيأتي تقريب ذلك.

(3) و هو عدم اعتبار الشروط في المعاطاة مطلقا و إن أفادت الملك، توضيحه:

أنّه قد تقدّم في المعاطاة المقصود بها التمليك عدم اعتبار شروط البيع فيها حتى على القول بإفادتها الملك، لظهور «البيع» في النصّ و الفتوى في البيع اللازم أي المبني على اللزوم، فالمعاطاة المفيدة للملك الجائز خارجة عن موضوع أدلة شروط البيع. و عليه فالمعاطاة المفيدة للإباحة خارجة عن موضوع أدلة الشروط بالأولوية، لعدم كونها بيعا حقيقة، و لذا يصح سلبه عنها.

(4) أي: عن المعاطاة، و الأولى تأنيث الضمير.

(5) أي: للوجه الأوّل، و هو كون المعاطاة مشروطة بشرائط البيع، توضيحه:

أنّ الوجه في الاحتمال الثالث- و هو التفصيل في الشروط بين ترتيب الملك و الإباحة- هو ما تقدم في الاحتمال الثاني أعني به عدم اعتبار الشروط في المعاطاة مطلقا، و في الاحتمال الأوّل و هو اعتبارها مطلقا، فنقول: إنّ وجه اعتبارها في المعاطاة المفيدة للملك هو ما تقدم في الوجه الأوّل من كون المعاطاة بيعا عرفا، فيشملها أدلة شروط البيع.

و وجه عدم اعتبارها في المعاطاة المفيدة للإباحة ما تقدّم في الوجه الثاني بناء على القول بالإباحة من عدم كون المعاطاة بيعا، فلا تشملها أدلّة شروط البيع.

ص: 23

حينئذ (1) و إن لم يكن لازما.

و يمكن الفرق (2) بين الشرط الذي ثبت اعتباره في البيع من النص، فيحمل [1] على البيع العرفي و إن لم يفد عند الشارع إلّا الإباحة، و بين ما ثبت

______________________________

(1) أي: حين إفادتها للملك و إن كان الملك جائزا متزلزلا.

(2) مقصوده قدّس سرّه إبداء تفصيل آخر في المسألة غير التفصيل المتقدم المبتني على صدق البيع على المعاطاة و عدمه. و توضيح هذا التفصيل: أنّ المعوّل- في اشتراط المعاطاة بشروط البيع اللفظي- أدلة الشروط، فإن ثبت الشرط بدليل لفظي له إطلاق كان معتبرا في المعاطاة المقصود بها الملك أيضا. و إن ثبت بدليل لبّيّ كالإجماع لم يكن معتبرا فيها، لكون المجمعين بصدد بيان شروط البيع المبني على اللزوم بحسب طبعه، لا مطلق البيع حتى لو كان مؤثّرا في الملك الجائز، أو الإباحة التعبدية.

و على هذا فشرطية معلومية العوضين- مثلا- لمّا كانت ثابتة بمثل نهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «عن بيع الغرر» فلا بد من اعتبارها في المعاطاة أيضا بعد صدق البيع العرفي عليها. و أمّا شرطية التنجيز فلا تجري في المعاطاة، إذ المستند فيها هو الإجماع على ما سيأتي في شروط الصيغة إن شاء اللّه تعالى. و عليه فلا مانع من تعليق المعاطاة على أمر متوقّع الحصول.

______________________________

[1] هذا أحد مواضع المنافاة لما أفاده بقوله: «و بالجملة فلا يبقى للمتأمّل شك .. إلخ» وجه المنافاة: أنّ حمل «البيع» في النص على العرفي المبني على تسليم الإطلاق و عدم الانصراف في النصوص و إن لم يفد عند الشارع إلّا الإباحة ينافي الجزم بما أفاده من قوله: «انّ إطلاق البيع في النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه .. إلخ» و بما أفاده بقوله: «و يشهد للثاني: أن البيع في النص و الفتوى ظاهر فيما حكم فيه باللزوم .. إلخ.»

ص: 24

بالإجماع على اعتباره في البيع بناء (1) [1] على انصراف البيع في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم.

و الاحتمال الأوّل (2) لا يخلو عن قوّة، لكونها (3) [2] بيعا ظاهرا على

______________________________

هذا بناء على تسليم انصراف «البيع» في كلمات المجمعين إلى العقد اللازم. و أمّا إذا أنكرنا الانصراف و سلّمنا إطلاق معقد الإجماع لكل بيع عرفي- و إن لم يفد الملك اللازم- كان حال الشرط الثابت به حال الشرط الثابت بدليل لفظي.

و بالجملة: فالاحتمالات- بناء على هذا التفصيل- ثلاثة أيضا.

(1) و أمّا بناء على منع الانصراف كان الشرط الثابت بالإجماع كالشرط الثابت بدليل لفظي في جريانه في كل بيع عرفي، سواء أ كان قوليّا أم فعليّا كما مرّ.

(2) و هو اعتبار الشروط في المعاطاة المقصود بها التمليك مطلقا، يعني: سواء أفادت الملك أم الإباحة. و مقصوده قدّس سرّه ترجيح الاحتمال الأوّل- من الاحتمالات الثلاثة المتقدمة أوّلا- أمّا بناء على إفادة الملك فلأنّها بيع عرفي. و أمّا بناء على ترتب الإباحة الشرعية عليها فلأنّ القدر المتيقن منها اجتماع شرائط البيع فيها، فمع فقد بعضها يشك في شمول الإجماع لها، و من المعلوم أنّ أصالة عدم ترتّب الإباحة محكّمة.

(3) أي: لكون المعاطاة بيعا ظاهرا بناء على القول بالملك مع قصد المتعاطيين للتمليك كما هو المفروض، و التقييد بقوله: «ظاهرا» إشارة إلى احتمال كونها معاملة مستقلة و إن كان موهوما.

______________________________

[1] هذا أيضا ينافي الجزم بانصراف البيع في النص و الفتوى إلى العقد اللازم.

[2] منافاة هذا أيضا للجزم بانصراف البيع إلى العقد اللازم واضحة، لأنّ المعاطاة على القول بالملك جائزة، فالبيع منصرف عنها، فتقوية الاحتمال الأوّل تنافي الجزم بإرادة خصوص البيع اللّازم من إطلاق البيع في النص و الفتوى.

ص: 25

القول بالملك كما عرفت (1) من جامع المقاصد.

و أمّا (2) على القول بالإباحة فلأنّها لم تثبت [1] إلّا في المعاملة الفاقدة للصيغة فقط، فلا تشمل الفاقدة للشرط الآخر أيضا (3) [2].

______________________________

(1) في أوائل المعاطاة- بعد نقل الأقوال فيها- حيث حكى المصنف عن جامع المقاصد ما لفظه: «إن المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع و إن لم تكن كالعقد في اللزوم» «1».

(2) معطوف على «على القول بالملك» و مقصوده إثبات اعتبار الشروط في المعاطاة حتى لو أفادت الإباحة خاصة. و الوجه في الاعتبار هو الأخذ بالقدر المتيقن من الإجماع على ترتب الإباحة عليها و عدم كونها فاسدة أصلا.

(3) أي: كما كانت فاقدة للصيغة.

______________________________

[1] قال المدقق الأصفهاني قدّس سرّه: «و أما قصور دليل تأثير المعاطاة و الإباحة عن شموله لفاقد غير الصيغة أيضا فهو خلاف المشاهد من سيرة المسلمين من عدم رعايتهم لما يعتبر في العقد القولي كما عن كاشف الغطاء و غيره» «2». بل ينبغي الجزم بعدم اعتبار شي ء من شروط البيع في المعاطاة بناء على الإباحة المالكية كما لا يخفى، لكنها غير مقصودة، إذ المقصود هو الإباحة الشرعية.

[2] هذا وجيه بناء على كون الوجه في الإباحة الإجماع أو السيرة، لأنّ المتيقّن منها هو صورة استجماع المعاطاة للشرائط، و أمّا إذا كان الوجه فيها قاعدة طيب النفس أو قاعدة السلطنة- بناء على مشرّعيّتها للأسباب- فلا وجه لاعتبار شروط البيع فيها أصلا.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 58

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 38

ص: 26

ثمّ إنّه (1) حكي عن الشهيد رحمه اللّه في حواشيه على القواعد:

______________________________

(1) غرضه من نقل كلام الشهيد قدّس سرّهما التنبيه على أنّ اعتبار الشروط في المعاطاة ممّا اختلف فيه الأصحاب و ليس من المسلّمات، فيكون هذا كالاستدراك على قوله:

«و أمّا على القول بالإباحة» لأنّ المصنف قدّس سرّه حكم باعتبار شروط البيع في المعاطاة المفيدة للإباحة من باب الأخذ بالمتيقن من الدليل اللّبّي، و من المعلوم أنّ حكم الشهيد قدّس سرّه بترتّب الإباحة على المعاطاة الفاقدة لشرائط البيع ينافي ترجيح الاحتمال الأوّل، و هو اعتبار الشروط فيها مطلقا سواء أفادت الملك أم الإباحة.

و ما أفاده المصنف حول كلام الشهيد أمران، الأوّل تقرير كلامه، و الآخر توجيهه بنحو لا يعدّ قدّس سرّه مخالفا في المسألة.

أما الأوّل فبيانه: أنّ الشهيد منع- في حواشيه على قواعد العلّامة- من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في ما يتوقّف على الملك كأداء الخمس و الزكاة به، و شراء الهدي به، لتوقف هذه التصرفات على الملك المفقود على المعاطاة قبل طروء الملزم. ثم ذكر مسائل أربع يظهر منها عدم توقف تأثير المعاطاة في الإباحة- مع قصد الملك- على اجتماع شروط البيع القولي فيها، و هي كما يلي:

الأولى: جواز التعاطي على عوضين مجهولين، فيباح لكلّ منهما التصرف فيما أخذه من الآخر. و من المعلوم أنّها لو كانت عقدا كالبيع القولي اعتبر فيها العلم بالعوضين حتى ينتفي الغرر.

الثانية: أنّه يعتبر في بيع النسيئة تعيين الأجل الذي يستحق البائع- عند حلوله- مطالبة الثمن من المشتري، فلو اشترى زيد من عمرو شيئا معاطاة لم يتوقف إباحة التصرف فيه على تسمية الأجل. و يستكشف من هذه الفتوى أنّ المعاطاة المفيدة للإباحة لا تكون محكومة بأحكام البيع أصلا.

الثالثة: أنّه لا يجوز مباشرة الأمة المشتراة بالمعاطاة، لتوقف هذا التصرف الخاص على ملك اليمين أو التحليل المعلوم انتفاؤه، و حيث إنّ المعاطاة لا تؤثّر إلّا في

ص: 27

أنّه بعد ما منع (1) من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي إلّا بعد تلف العين- يعني العين الأخرى- ذكر: «أنّه يجوز (2) أن يكون الثمن و المثمن في المعاطاة مجهولين، لأنّها ليست عقدا. و كذا (3) جهالة الأجل، و أنّه (4) لو اشترى أمة بالمعاطاة لم يجز له (5) نكاحها قبل تلف الثمن» انتهى.

______________________________

الإباحة المجرّدة عن الملك لم يجز للمشتري ذلك، نعم لو تحقّق الملزم بأن تلف الثمن في يد البائع جاز نكاحها للمشتري، لدخولها في ملكه حسب الفرض.

الرابعة: أنّه لا ريب في توقف الملك في بيع الصرف على التقابض في مجلس العقد، و كذا يعتبر قبض الثمن في بيع السّلم، و هذا واضح في البيع بالصيغة. و أمّا لو باع الدرهم و الدينار بالمعاطاة فلا يتوقف إباحة التصرف فيهما على التقابض، بل يكفي إعطاء أحدهما و أخذ الآخر، فيكون كبيع النسيئة. و هذا كاشف عن عدم بيعية المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا و إن كان مقصودهما الملك.

هذا توضيح نظر الشهيد، و أمّا توجيهه فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا المنع ظاهر في عدم إفادة المعاطاة للملك، و لذا لا يجوز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي إلّا بعد حصول ما يوجب الملك كتلف العين الأخرى عند المتعاطي الآخر.

(2) غرضه أنّ المعاطاة المفيدة للإباحة لا يعتبر فيها معلومية العوضين التي هي شرط صحة البيع. و هذه هي المسألة الأولى.

(3) معطوف على «يجوز» و هذه هي المسألة الثانية.

(4) معطوف على «أنّه» و هذه هي المسألة الثالثة.

(5) لعدم صيرورتها ملكا للمشتري قبل تلف الثمن عند البائع. و أمّا بعد التلف فيجوز التصرف في الأمة، لحصول الملك بتلف إحدى العينين.

و بالجملة: فالمعاطاة المفيدة للإباحة و إن قصد بها التمليك- كما هو المفروض- لا يعتبر فيها شروط البيع.

ص: 28

و حكي عنه في باب الصرف أيضا: «أنّه (1) لا يعتبر [1] التقابض في المجلس في معاطاة النقدين».

أقول (2): حكمه قدّس سرّه [2] بعدم جواز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في

______________________________

(1) هذه هي المسألة الرابعة. و لا يخفى عليك أنّ كلام الشهيد قدّس سرّه مبني على كفاية الإعطاء من طرف واحد و الأخذ من آخر في تحقق المعاطاة، فلو اعتبر فيه التعاطي لم يتصوّر المعاطاة بدون التقابض من الطرفين. و سيأتي تحقيق هذه الجهة في التنبيه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا هو الأمر الثاني أعني به توجيه كلام الشهيد بنحو لا يعدّ مخالفا في مسألة اعتبار شروط البيع القولي في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة.

توضيحه: أنه قدّس سرّه أفتى أوّلا بحرمة التصرف- المتوقف على الملك- في المأخوذ بالمعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة. ثم أفتى ثانيا بعدم اعتبار معلومية العوضين في المعاطاة، و علّله قدّس سرّه بقوله: «لأنّها ليست عقدا». و هذه الفتوى الثانية و إن كانت ظاهرة في أنّ شرائط البيع ملغاة في المعاطاة المبيحة، فيكون قدّس سرّه مخالفا لما أفاده المصنف من اعتبار شروط البيع فيها سواء أفادت الملك أم الإباحة. إلّا أنّ التعليل المذكور في كلام الشهيد ربما يكون قرينة على خروج المعاطاة عن عقد البيع رأسا، فعدم اعتبار شروطه فيها يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

______________________________

[1] لم يظهر شهادة هذا الفرع بعدم اعتبار شروط البيع في المعاطاة، إذ المستفاد منه توقف الملك على العقد، فلا يجوز التصرف في الأمة المشتراة بالمعاطاة. و لا دلالة فيها على عدم اعتبار شروط البيع في إفادة الإباحة، فتدبّره.

[2] ربما يقال: بأن المناسب التعرض لكلام الشهيد قدّس سرّه ذيل الوجه الثالث،

ص: 29

الصدقات الواجبة و عدم جواز نكاح المأخوذ بها صريح في عدم إفادتها

______________________________

و بيانه: أنّ في التعليل احتمالين:

الأوّل: أن يكون مراده من عدم كون المعاطاة عقدا عدم تأثيرها في الملك، بدعوى ترتب الملك على خصوص العقد المؤلّف من إيجاب و قبول لفظيّين، فإذا أفادت إباحة التصرف فيما لا يتوقف على الملك كان عدم اعتبار شروط البيع فيها مقتضى القاعدة، إذ لا وجه لكون المعاطاة المفيدة للإباحة التعبدية محكومة بأحكام البيع الذي هو عقد مملّك.

الثاني: أن يكون مراده عدم تأثيرها في الملك اللازم، و إنّما تفيد ملكا جائزا، و يكون عدم اعتبار معلومية العوضين في المعاطاة لأجل اختصاص هذا الشرط بالبيع المبني على اللزوم بحسب طبعه و هو المنشأ باللفظ. و على هذا فإلغاء شروط البيع اللازم في المعاطاة المؤثّرة في الملك المتزلزل موافق للقاعدة، و اعتبارها فيها منوط بدليل.

إذا عرفت هذين الاحتمالين في التعليل يتضح عدم كون الشهيد قدّس سرّه مخالفا في المسألة، و ذلك لأنّ تقوية المصنف قدّس سرّه جريان شروط البيع في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة مبنيّة على كونها بيعا عرفيا، لقصدهما تمليك عين بعوض، و هذا حقيقة البيع. و أمّا الشهيد قدّس سرّه النافي لاعتبار العلم بالعوضين في المعاطاة فإنّما هو لمنع صدق العقد عليها، لظهور العقد في الإنشاء بالصيغة المعهودة.

نعم لو التزم الشهيد ببيعية المعاطاة المفيدة للإباحة كان مخالفا في المسألة.

______________________________

قبل تقوية الوجه الأوّل، ليظهر أنّ الوجه الثالث يستفاد من كلام الشهيد. هذا.

لكن لا يخلو ذكره بعد تقوية الوجه الأوّل من المناسبة، إذ بعد ترجيح المصنف له لا بدّ من التعرض لما ينافيه ظاهرا و توجيهه. و الأمر سهل.

ص: 30

للملك (1)، إلّا أنّ حكمه قدّس سرّه بعدم اعتبار الشروط المذكورة للبيع و الصرف معلّلا بأنّ المعاطاة ليست عقدا يحتمل (2) [1] أن يكون باعتبار عدم الملك، حيث إنّ المفيد للملك منحصر في العقد (3). و أن (4) يكون باعتبار عدم اللزوم، حيث إنّ الشروط المذكورة (5) شرائط للبيع العقدي اللازم.

______________________________

(1) إذ مع إفادة المعاطاة للملك- و لو للملك الجائز- يجوز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة بلا إشكال، لسلطنة الناس على أموالهم، و ليس اللزوم شرطا في صحة التصرفات، فنفس جواز التصرفات المزبورة يكشف عن عدم إفادة المعاطاة إلّا للإباحة، هذا.

لكن الحق جواز التصرفات المذكورة و عدم توقفها على الملك كما قرّر في محله.

نعم بناء على إفادة المعاطاة للإباحة المالكية و بناء على كفاية ذلك في حصول التحليل المسوّغ لوطي أمة الغير جاز وطؤها بالمعاطاة المفيدة للإباحة، و إلّا فلا.

(2) خبر قوله: «أنّ حكمه» و هذا هو الاحتمال الأوّل، أي: لأنّ المعاطاة تفيد الإباحة لا الملك.

(3) يعني: فإذا لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم تكن عقدا، فعدم اعتبار شروط البيع فيها يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

(4) معطوف على قوله: «أن يكون» و هذا هو الاحتمال الثاني في التعليل.

(5) مثل معلومية العوضين و التقابض في بيع الصرف، و إقباض الثمن في بيع السّلم، و نحوها.

______________________________

[1] هذا الاحتمال أقوى من الاحتمال الثاني الذي ذكره بقوله قدّس سرّه: «و أن يكون باعتبار عدم اللزوم» و ذلك لأنّ عدم جواز التصرفات المزبورة المتوقفة على الملك يكشف عن عدم الملك، فعدم اعتبار الشروط حينئذ في المعاطاة إنّما هو لعدم كونها بيعا مفيدا للملك، و المفروض أنّ الشرائط مختصة بالبيع.

ص: 31

و الأقوى (1) اعتبارها (2) و إن قلنا بالإباحة، لأنّها (3) بيع عرفي و إن لم تفد شرعا إلّا الإباحة، و مورد الأدلة الدالة على اعتبار تلك الشروط هو البيع العرفي، لا خصوص العقدي (4) [1]

______________________________

(1) بعد أن فرغ المصنف قدّس سرّه من الاستدلال لكلّ واحد من الوجوه الثلاثة أراد أن يبيّن مختاره في المسألة، و اعترض في خلاله على التعليل المتقدم في كلام الشهيد قدّس سرّه و قال: إنّ الأقوى هو الاحتمال الأوّل، أعني به اعتبار شرائط البيع في المعاطاة مطلقا سواء أفادت الملك أم الإباحة، و استدل عليه بدليلين:

الأوّل: أنّ المعاطاة المذكورة بيع عرفي، إذ المفروض قصد المتعاطيين لتمليك عين متموّلة بمال، الذي هو معنى البيع على ما تقدم في تعريفه، فبيعيّة المعاطاة عرفا حينئذ مما لا إشكال فيه و إن أفادت شرعا الإباحة، و مورد أدلة شروط البيع هو البيع العرفي الصادق على المعاطاة، لا خصوص البيع العقدي حتّى لا يصدق عليها.

و بعبارة أخرى: كلام المصنف قدّس سرّه مؤلّف من صغرى، و هي قوله: «انّ المعاطاة بيع عرفي» و كبرى، و هي: «أنّ كل بيع عرفي محكوم بشرائط البيع الواردة في الأدلة» و هذه الكبرى مفاد قوله: «و مورد الأدلة .. إلخ».

(2) أي: اعتبار شروط البيع في المعاطاة سواء أفادت الملك أم الإباحة الشرعية.

(3) هذا هو الدليل الأوّل على مختاره، و قد تقدّم توضيحه.

(4) كما زعمه الشهيد، حيث قال: «لأنها ليست عقدا» إذ لا وجه لمنع بيعية المعاطاة المقصود بها التمليك.

______________________________

[1] هذا أحد مواضع المنافاة لقوله: «و بالجملة: فلا يبقى للمتأمّل شك في أنّ إطلاق البيع في النص و الفتوى يراد به ما لا يجوز فسخه إلّا بفسخ عقده .. إلخ» لأنّ كلامه هذا صريح في إرادة خصوص العقد اللازم، لا البيع العرفي فقط، و هو مناف

ص: 32

بل (1) تقييدها بالبيع العقدي تقييد بغير الغالب [1].

و لما (2) عرفت

______________________________

(1) غرضه أنّ تقييد إطلاق البيع العرفي في أدلة الشروط بخصوص البيع العقدي تقييد بالفرد النادر، لكون الغالب في الخارج هو البيع المعاطاتي، و من المعلوم أنّ تقييد الإطلاق بالفرد النادر ممّا لا سبيل للالتزام به.

(2) معطوف على قوله: «لأنها بيع عرفي» و إشارة إلى الدليل الثاني، و حاصله:

أنّه- بعد البناء على عدم استفادة حكم المعاطاة من الأدلة الاجتهادية من حيث إفادتها للملك- يكون مقتضى الأصل العملي عدم ترتب الأثر المقصود و هو الملكية على المعاطاة المقصود بها الملك، و قد خرجت المعاطاة الجامعة لشروط البيع- عدا الصيغة- عمّا يقتضيه الأصل من حرمة التصرف في مال الغير، و بقي الباقي، لأنّ

______________________________

لقوله: «لأنّها بيع عرفي و إن لم تفد شرعا .. إلخ» لأنّه مبني على تسليم الإطلاق و عدم الانصراف. و منافاة هذا الكلام لقوله: «و بالجملة فلا يبقى للمتأمّل شك .. إلخ» من الواضحات.

و أيضا ينافي قوله: «لا خصوص العقدي» ما تقدم عنه سابقا من جعل المعاطاة عقدا، لأنّه قضية تمسّكه على صحتها بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و مجرّد عدم إفادتها الملك على قول بعض لا يخرجها عن العقد العرفي، كما لا يخرجها عن البيع العرفي فالأنسب حينئذ مقابلة البيع العرفي للبيع الشرعي لا العقدي.

[1] هذا أيضا من مواضع التنافي المزبور، لأنّ غلبة أفراد المعاطاة و ندرة أفراد البيع العقدي تنافي دعوى انصراف البيع إلى خصوص العقدي، لأنّ التقييد بالعقدي بناء على ندرته يكون من تقييد الإطلاق بالفرد النادر المستهجن عند أبناء المحاورة، و مع ندرته كيف يكون هو المتيقن و المنصرف إليه الإطلاق؟

ص: 33

من أنّ الأصل (1) في المعاطاة- بعد القول بعدم الملك- الفساد، و عدم تأثيره (2) شيئا (3)، خرج ما هو محلّ الخلاف بين العلماء من (4) حيث اللزوم و عدمه (5)، و هو (6) المعاملة الجامعة للشروط عدا الصيغة، و بقي الباقي (7).

______________________________

موضوع إباحة التصرفات هو المعاطاة الجامعة لتلك الشرائط دون غيرها.

فالمتحصل: أنه يعتبر في المعاطاة المقصود بها التمليك- و إن أفادت الإباحة- جميع الشروط المعتبرة في البيع.

(1) المراد به استصحاب عدم ترتب الأثر على المعاملة، و يعبّر عنه بأصالة الفساد، و قد نبّه المصنف على هذا الأصل عند مناقشة استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه، حيث قال: «و أما ما ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملّكا فلا بأس بالتزامه إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل و دليل جواز التصرف المطلق .. إلخ». و كذا قال في ردّ قاعدة التبعيّة: «أما المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحّتها دليل فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها» «1».

(2) أي: عدم تأثير المعاطاة، و الأولى تأنيث الضمير.

(3) أي: لا ملكا و لا إباحة.

(4) متعلق ب «الخلاف».

(5) يعني: من حيث إنّ الصيغة دخيلة في اللزوم أو غير دخيلة فيه.

(6) بيان للموصول في «ما هو محل الخلاف» يعني: أنّ محلّ النزاع بينهم هو خصوص المعاملة الجامعة لشروط البيع، و لا تغايرها إلّا من حيث فقد الصيغة فيها.

(7) يعني: تحت أصالة الفساد، كالمعاطاة مع الجهل بأحد العوضين، أو بدون القبض في الصرف و السّلم، و غير ذلك.

______________________________

(1): لاحظ الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 441 و 455

ص: 34

[المقام الثاني: جريان أحكام البيع في المعاطاة]
[حرمة الرّبا]

و بما (1) ذكرنا يظهر وجه تحريم الرّبا فيه (2) أيضا (3) و إن (4) خصّصنا الحكم

______________________________

المقام الثاني: جريان أحكام البيع في المعاطاة أ حرمة الرّبا

(1) أي: بما ذكرناه في وجه اعتبار شرائط البيع في المعاطاة مطلقا- من أن موردها البيع العرفي، و المعاطاة بيع عرفا- يظهر وجه تحريم الرّبا فيها .. إلخ.

توضيح المقام: أنّه قد تقدم في أوّل هذا التنبيه: أنّ المصنّف تعرّض للبحث عن جريان شرائط البيع و أحكامه في المعاطاة في مقامين، أحدهما في الشرائط، و الآخر في الأحكام. و هذا شروع في المقام الثاني، و هو يتضمن جهتين، الأولى: في حكم جريان الرّبا المعاوضي في المعاطاة، و الثانية في حكم جريان الخيار فيها.

أمّا الجهة الأولى فمحصلها: أنّ الظاهر حرمة الربا في المعاطاة إذا كان العوضان من الجنس الربوي، كحرمته في البيع العقدي، سواء قلنا باختصاص دليل حرمة الرّبا بالبيع، أم بشموله لكل معاوضة عرفية أو شرعية، و سواء أ كان مقصودهما الملك أم الإباحة. أمّا بناء على اختصاص الحرمة بالبيع فلصدقه على المعاطاة المقصود بها الملك. و أمّا بناء على جريان حرمة الربا في كل معاوضة فالأمر أوضح، إذ لو فرض الشك في بيعية المعاطاة لم يكن شك في صدق المعاوضة عليها سواء قصد الملك أم الإباحة. و الشاهد على كونها معاوضة كلام الشهيد في حواشي القواعد من «أنّ المعاطاة معاوضة مستقلة لازمة أو جائزة».

و عليه فلا مجال للقول بمشروعيّتها عند كون العوضين من جنسين ربويّين مع التفاضل، هذا. و لا يخفى أنّ المذكور من صور المسألة في المتن- ثلاث، سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: في المعاطاة، و الأولى تأنيث الضمير.

(3) يعني: كحرمة الرّبا في البيع العقدي.

(4) وصلية. و الوجه في حرمة الرّبا واضح بناء على اختصاص حرمته بالبيع، لفرض صدقه عرفا على المعاطاة كما مرّ مرارا. ثم إنّ قوله: «و إن خصّصنا ..» إشارة

ص: 35

بالبيع (1)، بل (2) الظاهر التحريم حتى عند من لا يراها مفيدة للملك،

______________________________

الى الخلاف في حرمة الرّبا في مطلق العقود المعاوضية. فمنهم من خصّ الحرمة بالبيع كما حكي عن غصب السرائر، و المختلف و القواعد و الإرشاد. و منهم من عمّمها لكلّ معاوضة، كما حكي عن السيد المرتضى و شيخ الطائفة. و القاضي، و جمع من المتأخرين. و منهم من توقّف في ذلك كما حكي عن العلامة في غصب القواعد و صلحه، و عن فخر المحققين في غصب الإيضاح. و إن شئت الوقوف على التفصيل فراجع مفتاح الكرامة «1».

(1) فلو عمّمنا حرمة الرّبا لكلّ معاوضة- و إن لم تكن بيعا- فالأمر أوضح، لصدق المعاوضة على المعاطاة و إن لم يحرز بيعيّتها.

(2) هذا إضراب عن مجرد ظهور جريان حرمة الرّبا في المعاطاة- بناء على اختصاصها بالبيع- إلى إثبات حرمتها فيها حتى مع التشكيك في صدق البيع على المعاطاة. و كلام المصنف هنا إشارة إلى توهم و دفعه.

أمّا التوهم، فهو: أنّه لا مجال للجزم بحرمة الرّبا في المعاطاة، لأنّ وزانها وزان الشروط التي تقدّم البحث فيها في المقام الأوّل من تطرّق احتمالات ثلاثة فيها من جريانها مطلقا، و عدمه كذلك، و التفصيل بين إفادة الملك و الإباحة، فينبغي إلحاق حرمة الرّبا ببحث الشروط، لا استظهار جريانها فيها مطلقا على ما هو مفاد قوله: «و بما ذكرنا يظهر وجه تحريم الرّبا فيه ..».

و أما الدفع فحاصله: أنّه ليس في الرّبا إلّا احتمال الجريان مطلقا، لبطلان المعاملة الرّبوية، فلا مجال لأن يقال: إن موضوع حرمة الرّبا هو البيع اللازم أو الصحيح، اللّذان هما وجهان للاحتمال الثاني و الأخير في مسألة اعتبار الشروط و عدمه. فالمراد بقوله: «بل الظاهر» هو أنّه لا بد من القول بتحريم الرّبا في المعاطاة مطلقا حتى عند من يراها مفيدة للإباحة، إذ لا شبهة في كون موضوع حرمة الرّبا

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 502

ص: 36

لأنّها (1) معاوضة عرفية و إن لم يفد (2) الملك، بل (3) معاوضة شرعية كما اعترف بها (4) الشهيد رحمه اللّه في موضع من الحواشي، حيث قال: «إنّ المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمة» «1» انتهى [1].

______________________________

هو مطلق المعاوضة العرفية و من المعلوم أنّ المعاطاة معاوضة عرفية، فيحرم الرّبا فيها.

(1) تعليل للتعميم المستفاد من قوله: «بل الظاهر» و المستفاد من هذه العبارة حكم صورة ثانية، و هي ما لو شكّ في صدق البيع على المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا.

و الوجه في حرمة الرّبا فيها صدق المعاوضة عليها عرفا، بضميمة إطلاق دليل حرمة الرّبا لكلّ معاوضة و إن لم ينطبق عليها حدّ البيع.

(2) بل أفادت الإباحة تعبّدا كما هو مسلك مشهور القدماء.

(3) إضراب عن مجرّد كون المعاطاة معاوضة عرفية، إلى أنّها معاوضة ممضاة شرعا و إن اختلف في حكمها لزوما و جوازا. و حيث كانت معاوضة شرعية كانت محكومة بأحكام المعاوضات المالية التي منها حرمة الرّبا، فلا مجال لدعوى اختصاص الحرمة بالمعاوضات المشروعة كالبيع و الصلح، و عدم جريانها في المعاوضة العرفية التي لم يحرز إمضاؤها شرعا.

(4) أي: بشرعية المعاوضة. و المراد بالمعاوضة الشرعية هنا المعاوضة بين العينين في الإباحة، في قبال المعاوضة العرفية التي هي المبادلة بينهما في الملك.

______________________________

[1] الاستشهاد بهذه العبارة على كون المعاطاة الإباحية معاوضة شرعية مبني على ما استظهره المصنّف منها في التنبيه السابع من أنّها ناظرة إلى حكم المعاطاة الإباحية لا التمليكيّة، فيكون مراد الشهيد من جواز الإباحة و لزومها حكمها قبل طروء الملزم و بعده. و إلّا فلو كانت العبارة ناظرة إلى المعاطاة المفيدة للملك لم يتجه

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158

ص: 37

و لو قلنا (1) بأن المقصود للمتعاطيين الإباحة- لا الملك- فلا يبعد أيضا (2) جريان الرّبا، لكونها معاوضة عرفا [1]،

______________________________

(1) هذه إشارة إلى صورة ثالثة، و هي: إثبات حرمة الرّبا في المعاطاة المقصود بها الإباحة المالكية، لا الملك، و الوجه فيه صدق المعاوضة العرفية على إباحة كل منهما ماله للآخر، فيحرم الرّبا فيها بناء على جريان الرّبا في مطلق المعاوضات و عدم اختصاص حرمتها بالبيع.

(2) يعني: كما لا يبعد جريان الرّبا في الصورة الثانية، و هي المعاطاة المفيدة للإباحة تعبدا مع قصدهما الملك.

______________________________

الاستشهاد بها على المقام من كون المعاطاة المفيدة للإباحة معاوضة، و ذلك للشبهة في صدق المعاوضة على المقابلة بين الإباحتين.

[1] ينبغي أن يقال: بأنّ المعاطاة إمّا أن يقصد بها الملك، و أمّا أن يقصد بها الإباحة. و الأوّل على قسمين: أحدهما: إفادتها الملك، و الآخر: الإباحة، فالأقسام ثلاثة.

ثم إنّ الرّبا إمّا تختص بالبيع، و إمّا تعمّ جميع المعاوضات، فمن ضرب الثلاثة في الاثنين يحصل ست صور.

أمّا المعاطاة المقصود بها الملك مع ترتب الملك عليها فلا إشكال في جريان الرّبا فيها سواء قلنا باختصاصها بالبيع أم لا.

و أمّا المعاطاة التي تترتب عليها الإباحة مع قصد التمليك بها، فبناء على صدق البيع أو المعاوضة عليها يجري فيها الرّبا. و بناء على عدم الصدق نقول بجريان الرّبا فيها أيضا، للزوم الاقتصار في الإباحة على القدر المتيقن، و هو اجتماع الشرائط التي منها التساوي بين العوضين مع وحدة الجنس و كونهما من المكيل و الموزون، بعد كون الأصل الفساد.

و أمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة، فإن صدق عليها عنوان المعاوضة مع تعميم

ص: 38

فتأمّل (1).

[ب: جريان الخيار في المعاطاة قبل لزومها]

و أمّا حكم (2) جريان الخيار فيها قبل اللزوم [1]

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى: أنّه- بناء على اختصاص الرّبا بالبيع- لا تجري الرّبا في المعاطاة التي قصد بها الإباحة، لوضوح عدم صدق البيع عليها حينئذ. و بناء على تعميم الرّبا لمطلق المعاوضة يكون الظاهر إرادة المعاوضة بين المالين لا بين الإباحتين، فلا تجري الرّبا على كلا التقديرين في المعاطاة المقصود بها الإباحة.

ب: جريان الخيار في المعاطاة قبل لزومها

(2) هذه هي الجهة الثانية المتكفلة للبحث عن جريان حكم آخر من أحكام البيع في المعاطاة، و هو الخيار. و توضيح المقام: أنّه يقع الكلام تارة في ثبوت جريان الخيارات في المعاطاة قبل طروء أحد الملزمات و عدمه، و أخرى في ثبوتها فيها بعد طروئه. و البحث في الأخير موكول إلى التنبيه السابع و الثامن، كما نبّه عليه بعد أسطر.

فيقتصر فعلا على التقدير الأوّل و هو المعاطاة قبل طروء الملزم.

______________________________

الرّبا لمطلق المعاوضة جرت الرّبا فيها، و إلّا فلا، لعدم كونها بيعا و لا معاوضة أخرى، فمع الشك في جريان الرّبا فيها يتمسك بإطلاق دليل هذه المعاطاة، و هو قاعدة طيب النفس على ما قيل.

هذا لو تمت إطلاقات الأدلّة اللفظية. و إن كان الدليل على مشروعيّتها السيرة و شكّ في انعقادها على هذا النحو من الإباحة المعوّضة كان مقتضى القاعدة الأخذ بالقدر المتيقن منها و هو عدم التفاضل بين العوضين، إذ في غير المتيقن تجري أصالة الفساد المقتضية لحرمة التصرف.

[1] المانع المتوهم من جعل الخيار قبل اللزوم أمور: أحدها: تحصيل الحاصل.

ثانيها: اجتماع المثلين، ثالثها: اللّغوية. و الجميع مندفع باعتبار حقّية الخيار المترتبة عليها الآثار.

ص: 39

فيمكن (1) نفيه على المشهور، لأنّها إباحة (2) عندهم، فلا معنى للخيار.

و إن قلنا (3) بإفادة الملك فيمكن (4) القول بثبوت الخيار فيه

______________________________

و قد فصّل المصنف قدّس سرّه بين المعاطاة المفيدة للإباحة فلا يجري شي ء من الخيارات فيها، لجواز رجوع المبيح ما دامت العين باقية، فلا معنى للخيار الذي هو حقّ إقرار العقد و إزالته. و بين المعاطاة المفيدة للملك الجائز، و فيها احتمالان:

أحدهما: جريان الخيارات بأجمعها فيها.

ثانيهما: التفصيل بين الخيارات الخاصة بالبيع فلا تجري، و العامّة لغيره فتجري.

هذا مجمل ما أفاده، و سيأتي مفصّلة إن شاء اللّه تعالى.

(1) لأنّ الخيار «ملك فسخ العقد و رفع مضمونه بالفسخ» و هذا المعنى من الخيار مفقود هنا، لأنّ العقد على القول بالإباحة لا مضمون له، بداهة أنّ مضمونه و هو التمليك لم يتحقق، و الإباحة ليست مضمون العقد، بل هي حكم شرعي بناء على كون الإباحة شرعية. و كذا إذا كانت الإباحة مالكيّة، لأنّها تحصل بنفس الإعطاء و التسليط، و ليست مضمون عقد. فمانع الخيار في المعاطاة المفيدة للإباحة ثبوتي لا إثباتي.

(2) هذا هو الصحيح كما في بعض النسخ المصححة. و أمّا ما في غيرها من:

«أنها جائزة» فغير سديد. أمّا أوّلا فلأنّ المشهور بين القدماء هو أنّ المعاطاة تفيد الإباحة لا الملك الجائز.

و أمّا ثانيا فلأنّ الجواز لا ينافي الخيار كما عرفت آنفا.

و أمّا ثالثا: فلأنّ حكم الخيار- بناء على إفادة الملك الجائز- قد أفاده بقوله:

«و إن قلنا بإفادة الملك، بعد اللزوم» فيكون تكرارا مخلّا.

(3) هذا عدل قوله: «على المشهور»، فكأنّه قال: «فيمكن نفيه إن قلنا بإفادة الإباحة كما هو مختار المشهور .. و ان قلنا بإفادة الملك .. إلخ».

(4) هذا الاحتمال في قبال الاحتمال الآتي في كلامه بقوله: «و يحتمل أن يفصّل» يعني: أنّه بناء على إفادة الملك يتطرّق احتمالان في ثبوت الخيارات في المعاطاة.

ص: 40

مطلقا (1) بناء على صيرورتها بيعا (2) بعد اللزوم [بيعا لازما بعد عروض الملزمات] كما سيأتي عند تعرّض الملزمات (3)، فالخيار موجود من زمان المعاطاة، إلّا أنّ أثره (4) يظهر بعد اللزوم. و على هذا (5) فيصحّ إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم [1].

______________________________

(1) يعني: من غير فرق بين الخيار المختصّ بالبيع كخياري المجلس و الحيوان، و غير المختص به كخيار الغبن.

(2) يعني: لا معاوضة مستقلة في قبال البيع كما سيأتي في التنبيه السابع إن شاء اللّه تعالى.

(3) الأولى أن يقال: «بعد تعرض الملزمات» لأنّ الملزمات ذكرت في التنبيه السادس، و ليس هناك دلالة على صيرورتها بيعا بعد عروض الملزم، و إنّما أفاده في التنبيه السابع الّذي افتتحه بقوله: «ان الشهيد الثاني في المسالك ذكر وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف، أو معاوضة مستقلة».

(4) يعني: أثره العملي و هو القدرة على الفسخ، و إلّا فالإسقاط و المصالحة عليه من الآثار أيضا كما صرّح به المصنف بقوله: «و على هذا فيصح إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم».

(5) أي: و على فرض وجود الخيار من زمان المعاطاة.

______________________________

[1] فلا يرد عليه ما في حاشية المحقق الخراساني قدّس سرّه من قوله: «و الخيار موجود من زمن المعاطاة، و أثره يظهر من حيث ثبوته، لصحة إسقاطه و المصالحة عليه قبل اللزوم، فلا وجه لما أفاده من ظهور أثره بعده» «1».

و كأنّه قدّس سرّه لم يلاحظ من كلام المصنف قدّس سرّه إلّا قوله: «إلّا أنّ أثره يظهر بعد اللزوم» و لم يلاحظ ما بعده من قوله: «و على هذا فيصح إسقاطه .. إلخ».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 17

ص: 41

و يحتمل (1) أن يفصّل بين الخيارات المختصة بالبيع، فلا تجري (2)، لاختصاص أدلّتها (3) بما وضع على اللزوم من غير جهة الخيار (4)، و بين غيرها (5) كخيار الغبن و العيب [1]

______________________________

(1) معطوف على «فيمكن القول» لا على قوله: «فيمكن نفيه ..» لأنّ المقصود إبداء احتمالين في المعاطاة المفيدة للملك، و أمّا المفيدة للإباحة فلا معنى للخيار فيها.

و كيف كان فحاصل ما أفاده: أنّه يحتمل التفصيل بين الخيارات بأن يقال: إنّ ما يختص منها بالبيع لا يجري في المعاطاة، لاختصاص أدلّتها بالبيع المبني على اللزوم من غير ناحية الخيار، يعني: لو لا الخيار كان لازما، و لم يكن سبب لجوازه إلّا الخيار، فمع جواز العقد في نفسه لا يثبت فيه الخيار. و أمّا ما لا يختص من الخيارات بالبيع كخيار الغبن فيجري في المعاطاة، لعموم أدلة تلك الخيارات كقاعدة نفي الضرر، و بناء المتعاملين على مساواة العوضين في المالية. فجاز فسخ العقد عند التخلف.

(2) يعني: فلا تجري الخيارات المختصة بالبيع في المعاطاة المفيدة للملك.

(3) أي: أدلة الخيارات المختصة بالبيع، مثل «البيّعان بالخيار» و «صاحب الحيوان المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيّام».

(4) و المفروض استناد جواز الملك و تزلزله في المعاطاة إلى نفس العقد الفعلي، لا إلى الخيار، فإنّه لو لم يجري شي ء من الخيارات فيها كان الملك جائزا بعد، و من المعلوم عدم جريان الخيار المخصوص بالبيع- المبني على اللزوم بحسب طبعه الأوّلي- في المعاطاة.

(5) أي: غير الخيارات المختصة.

______________________________

[1] لا يخفى أن هذين الخيارين أولى من غيرهما بعدم الجريان، لأنّ دليلهما- و هو قاعدة نفي الضرر- لا يجري في البيع الجائز ذاتا، ضرورة أنّ الضرر ينشأ من وجوب الوفاء بالمعاملة، فلا ضرر- إذ لا وجوب وفاء بالمعاملة الجائزة ذاتا- حتى ينشأ منه الخيار.

ص: 42

بالنسبة (1) إلى الرّدّ دون الأرش، فتجري، لعموم أدلّتها [1].

و أمّا (2) حكم الخيار بعد اللّزوم فسيأتي بعد ذكر الملزمات.

______________________________

(1) هذه الكلمة قيد ل «خيار العيب» و مقصوده قدّس سرّه أنّ دليل خيار العيب المقتضي لجريانه في العقود المعاوضية يوجب في المعاطاة الردّ خاصة، و لا يقتضي الأرش.

توضيحه: أنّهم عرّفوا الخيار ب «ملك فسخ العقد و إقراره» و هذا المعنى جار في جميع الخيارات، و لخيار العيب حكم آخر في البيع، و هو جواز إبقاء العقد و أخذ الأرش، أي التفاوت بين الصحيح و المعيب، فلو باع متاعا معيبا تخيّر المشتري بين فسخ العقد و أخذ الأرش. لكن هذا التخيير مخصوص بالبيع اللفظي المفيد بطبعه للملك اللّازم، لأنّه حكم تعبدي ثبت في البيع، و ليس مما يقتضيه مطلق الخيار، و ليس من شؤونه.

و على هذا فالبناء على عموم دليل خيار العيب لغير البيع كان مقتضى جريانه في المعاطاة- التي هي معاوضة جائزة حسب الفرض- جواز فسخ أصل العقد. و أمّا إذا كان المأخوذ بالمعاطاة معيبا، فليس للآخذ مطالبة الأرش، لفرض كون الأرش حكما تعبديا في خصوص البيع اللازم. فهو نظير الخيارات المخصوصة بالبيع- كخياري المجلس و الحيوان- في عدم جريانها في سائر العقود المعاوضية.

(2) يعني: أنّ ما تقدم من التفصيل في حكم جريان الخيار في المعاطاة يكون مورده قبل طروء أحد الملزمات، و أمّا جريانه فيها بعد اللّزوم فسيأتي إن شاء اللّه تعالى في التنبيه السابع، فإنّه يذكر هناك حكم الخيار بعد اللزوم على كلا القولين و هما الملكية و الإباحة.

______________________________

[1] لا وجه لهذا الاحتمال، لما فيه أوّلا: من النقض بالبيع القولي إذا اجتمعت فيه موجبات عديدة للخيار كالغبن و العيب، إذ لازم دلالة كل واحد من أدلّة تلك

ص: 43

______________________________

الخيارات على اختصاص الخيار بالعقد الذي وضع على اللزوم من ناحية غير هذا الخيار هو عدم اجتماع تلك الخيارات في البيع اللفظي، مع عدم التزام أحد بذلك.

و ثانيا: من الحلّ، و حاصله: أنّ المراد بلزوم العقد هو كون العقد بطبعه مقتضيا للزوم، و هذا لا ينافي جوازه للجهات العارضة.

و بعبارة أخرى: المراد لزومه لو خلّي و طبعه، فلا مانع من جوازه لجهات خارجة عن ذاته.

و تفصيل البحث أن يقال: إنّ المعاطاة المقصود بها الملك إن أفادت الملك اللّازم كما هو الأصح فلا ينبغي الارتياب في تطرّق الخيارات طرّا فيها، لإطلاق أدلتها، من غير فرق بين الخيارات المختصة بالبيع و غيرها. و أمّا الخيارات الثابتة بدليل لبّي فالمتيقّن من موردها هو البيع اللّازم.

و إن أفادت الملك الجائز فكذلك أيضا، لإطلاق أدلّتها، و توهم منافاة جوازها للخيار، للزوم تحصيل الحاصل أو اجتماع المثلين أو اللغويّة مندفع بما مرّ آنفا.

نعم إن كان دليل الخيار لبيّا فلا يحكم بثبوته في المعاطاة المفيدة للملك الجائز.

و إن أفادت الإباحة فلا معنى للخيار- الذي هو حلّ العقد و فسخ مضمونه- في المعاطاة المفيدة للإباحة كما عرفت في توضيح كلام المصنف قدّس سرّه، لأنّها إباحة عندهم فلا معنى للخيار.

لكن لسيّدنا المحقق الخويي قدّس سرّه هنا كلام محصّله: أنّه لا شبهة في صدق البيع العرفي على المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للإباحة شرعا، فإنّ الإباحة الشرعية لا تخرجها عن البيع العرفي، و لذا يصح حمله عليها بالحمل الشائع، فتشملها العمومات الدالة على صحة البيع، فيحكم بكونها بيعا في نظر الشارع كحصول الملكية في بيع الصرف و السّلم المتوقف على القبض الخارجي. و حينئذ نقول: إن كان المقصود من ثبوت الخيار في العقد سلطنة ذي الخيار على فسخه فعلا فلا إشكال في

ص: 44

______________________________

عدم شمول أدلة الخيارات للمعاطاة المفيدة للإباحة، لعدم حصول الملكية إلّا بعد طروء أحد الملزمات، و إباحة التصرف ترتفع بعدم رضا المالك بالتصرف بلا احتياج إلى فسخ المعاطاة.

إلّا أن يقال: إنّ الإباحة شرعيّة لا مالكيّة حتى ترتفع بعدم رضا المالك، و من المعلوم بقاء الإباحة الشرعية إلى أن يحكم الشارع بارتفاعها.

لكنه مندفع بأنّ الإباحة هنا ثبتت بالإجماع، و المتيقن منه إنّما هو مع بقاء الباذل على إذنه، فلا يشمل الإجماع صورة رجوعه عن إذنه.

و الحاصل: أنّ الغرض من جعل الخيار إن كان هو ترتب الأثر الفعلي عليه لم يجر ذلك في المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للإباحة.

لكنّه بديهي البطلان، إذ لو كان الغرض من الخيار الأثر الفعلي لزم منه امتناع اجتماع الخيارات العديدة في البيع و غيره من العقود. و إن كان الغرض من الخيار استيلاء صاحبه على إلغاء ما هو مؤثّر في النقل و الانتقال، فلا شبهة في جريان الخيار المصطلح في المعاطاة المذكورة، لأنّها قابلة للتأثير في الملكية، فإذا ثبت الخيار لكلّ من المتعاطيين جاز لكلّ منهما رفع تلك القابلية برفع موضوعها لئلّا تؤثّر في الملكية بعد طروء أحد الملزمات.

و على هذا فيكفي في صحة جعل الخيار في المعاطاة التمكن من إلغائها بالفسخ عن قابلية التأثير في الملكية. هذا ملخص كلامه «1».

لكن لا يمكن المساعدة على ما أفاده قدّس سرّه، لمنع صدق البيع العرفي على المعاطاة المفيدة للإباحة و إن قصد بها التمليك، فإنّ صدق البيع مع التفات العرف إلى عدم إمضاء الشارع له، و جعل الإباحة له ممنوع أشدّ المنع، و صدقه عليه أحيانا عرفا إنّما هو لأجل عدم اطّلاعه على عدم إمضاء الشارع له، و بدون إمضائه لا عقد حتى يجري فيه الخيار

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 164 و 165

ص: 45

______________________________

الذي هو حلّ العقد. و الإباحة الشرعية أجنبية عن العقد، و طروء الملزمات لا يوجب الملك، بل لزوم الإباحة كما هو ظاهر جلّ كلمات القائلين بالإباحة.

و قياس المعاطاة المفيدة للإباحة حدوثا و الملك بقاء ببيع الصرف المتوقف تأثيره في الملكية على القبض مع الفارق، لأنّه بيع عرفي لا يؤثّر شرعا في الملكيّة إلّا بالقبض بحيث يكون القبض شرطا لتأثيره، من دون ترتّب أثر على مجرّد البيع حتى الإباحة. بخلاف المعاطاة، فإنّها تؤثّر في الإباحة، و تأثيرها في الملكية بعد طروء أحد الملزمات غير ثابت، لما عرفت من أنّ كلمات جلّ القائلين بالإباحة خالية عن تأثيرها في الملكية، بل عبّروا بأنّها تلزم بالتصرف أو التلف، و الظاهر من ذلك أنّ الإباحة تلزم بهما، فلاحظ.

ثم إنّه يظهر ممّا ذكرنا: أنّ موضوع الخيار هو العقد الممضى شرعا، لأنّ الخيار عبارة عن حلّ ما عقده و التزم به، و بدون الإمضاء الشرعي لا يتحقق عقد حتى ينحلّ بالفسخ الناشئ عن الخيار. و المعاطاة المفيدة للإباحة و إن قصد بها الملك ليست عقدا شرعا حتّى يجري فيها الخيار.

و عليه فلا موضوع لما أفاده قدّس سرّه من «أنّ الغرض من جعل الخيار إن كان هو ترتب الأثر الفعلي امتنع اجتماع الخيارات العديدة في البيع و غيره من العقود، و هو بديهي البطلان. و إن كان هو استيلاء صاحبه على إلغاء ما هو مؤثّر في النقل و الانتقال، فلا شبهة في جريان الخيار المصطلح في المعاطاة المذكورة، لأنها قابلة للتأثير في الملكية فلا مانع من إلغائها عن التأثير المزبور بالخيار، هذا» و ذلك لأنّه لا يصدق العقد العرفي و الشرعي على المعاطاة المذكورة حتى يصحّ جعل الخيار فيها، و يجي ء فيه التشقيق المزبور في الخيار.

هذا كلّه مضافا إلى: أنّ دليل الخيار يخصّص أدلة لزوم الملك التي هي دليل الإمضاء، فدليل الخيار مترتب عليها، و مخصّص لعمومها الأفرادي أو الأزماني.

ص: 46

______________________________

و إن شئت فقل: إنّ الخيار دافع لأصالة اللزوم كخيار المجلس، أو رافع لها كخيار العيب و الغبن بناء على كون ظهور العيب و الغبن سببا للخيار.

و على كلّ حال يعتبر في تعلق الخيار وقوع مضمون العقد، و لا يكفي مجرّد القابلية في تعلّقه، و إلّا لصحّ تعلق خيار المجلس ببيع الصرف قبل التقابض، لكونه قابلا للمملّكية، و صيرورة هذه القابلية فعليّة بعد التقابض، مع أنّ من البديهي عدم جعل الخيار فيه إلّا بعد التقابض. و لا ملك فعلا في المعاطاة حتى يثبت فيها الخيار، و لذا لا يجري خيار المجلس في بيع الصرف و السّلم قبل القبض، حيث إنّ نفس العقد فيهما لا يفيد الملك حتى يجي ء فيهما الخيار و إن كانا قابلين للتأثير في الملكيّة.

و الحاصل: أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ موضوع الخيار هو العقد الممضى شرعا، لا مجرّد العقد العرفي و إن لم يمضه الشارع كالمعاطاة المفيدة للإباحة شرعا المقصود بها الملك.

فتلخص مما ذكرنا: أنّ شيئا من الخيارات لا يتطرّق في المعاطاة المفيدة للإباحة و إن قصد بها التمليك، كعدم تطرّقه في المعاطاة المقصود بها الإباحة.

ص: 47

[التنبيه الثاني: إنشاء المعاطاة بوجوه أربعة]

الأمر الثاني (1): أنّ المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي

______________________________

التنبيه الثاني: إنشاء المعاطاة بوجوه أربعة

(1) الغرض من عقد هذا التنبيه بيان ما يتحقق به المعاطاة، يعني: أنّه هل يعتبر في تحققها- حتى تفيد الملك أو الإباحة- التعاطي من الطرفين، أم تتحقق بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر، و بغير ذلك.

و توضيح المقام: أنّ في كل معاملة- و منها المعاطاة في البيع- جهتين:

إحداهما: المنشأ، و هو الأمر الاعتباري المقصود للمتعاملين، و هو إمّا التمليك أو الإباحة.

و ثانيهما: الإنشاء، و هو ما يكون مبرزا للقصد النفساني أو موجدا للأمر الاعتباري. و لا بد من تحقيق كلتا الجهتين، و قد عقد المصنف قدّس سرّه التنبيه الرابع لاستيفاء الكلام في أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين. كما عقد هذا التنبيه للبحث عن الجهة الثانية.

إذا عرفت هذا فنقول: إنّ المذكور في المتن صور أربع:

الأولى: اعتبار الإعطاء من الطرفين في تحقق الملكية أو الإباحة، فلا يحصل شي ء منهما بإعطاء واحد، و هو مقتضى الجمود على مدلول هيئة المفاعلة أي المشاركة بين اثنين في المبدأ، و عليه فالإعطاء الواحد جزء السبب المؤثّر في الملكية أو

ص: 48

فعلا (1) من الطرفين (2)، فالملك (3) أو الإباحة في كلّ منهما بالإعطاء، فلو (4) حصل الإعطاء من جانب واحد لم يحصل ما يوجب إباحة الآخر أو ملكيّته، فلا (5) يتحقق المعاوضة (6)

______________________________

الإباحة، نظير الإيجاب الواحد القولي في عدم ترتب أثر عليه ما لم ينضم إليه قبول قولي.

الثانية: إعطاء أحد المتعاطيين و أخذ الآخر، من دون أن يعطي الآخذ شيئا.

الثالثة: عدم تحقق الإعطاء أصلا، لا من الطرفين و لا من طرف واحد. بل مجرّد إيصال المال الى الآخر بوضعه في المكان المعدّ له.

الرابعة: مجرّد الكلام و المقاولة، من دون تحقق الإعطاء و لا إيصال أحد العوضين للآخر.

هذا إجمال الكلام، و سيأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(1) التقييد بفعلية التعاطي يكون لإخراج سائر الصور، فإنّ الإعطاء سيتحقق منهما، لكنه ليس بعنوان إنشاء المعاوضة، بل لأجل الوفاء بها، كما هو الحال في القبض في البيع القولي.

(2) هذا إشارة إلى الصورة الأولى. و هي مقتضى الجمود على ظاهر باب المفاعلة.

(3) إذا كان هو المقصود، و قلنا بترتبه على المعاطاة كترتبه على البيع بالصيغة.

(4) هذه الإباحة إمّا مالكية لو كانت مقصودة، أو تعبدية كما هو رأي القدماء من ترتبها على المعاطاة المقصود بها الملك.

(5) هذه نتيجة اعتبار فعلية التعاطي من الطرفين في ترتب الأثر على المعاطاة.

(6) يعني: بناء على كون المعاطاة مفيدة للملك.

ص: 49

و لا الإباحة (1) رأسا، لأنّ (2) كلّا منهما ملك أو مباح في مقابل ملكية الآخر (3) أو إباحته.

إلّا (4) أن الظاهر من جماعة (5) من متأخري المتأخرين تبعا للشهيد في الدروس جعله (6) من المعاطاة (7).

______________________________

(1) بناء على إفادة المعاطاة للإباحة.

(2) محصل هذا التعليل: أنّ المعاوضة البيعية أو الإباحيّة تتوقف على قيام كلّ من المالين مقام الآخر في الملكية أو الإباحية، و لا يقوم ذلك إلّا بإعطاء المالك، فالإعطاء من كلّ واحد من المالكين تمليك أو إباحة، فالإعطاء من طرف واحد تمليك أو إباحة بلا عوض، و هذا غير المعاوضة المتقومة بإعطاء كلّ واحد من المالكين.

(3) أي: ملكية المال الآخر.

(4) هذا استدراك على قوله: «المتيقن من مورد المعاطاة» و غرضه بيان الصورة الثانية، يعني: إلحاق الإعطاء من طرف واحد- و أخذ الآخر- بالمعاطاة من الطرفين في إفادة الإباحة على رأي القدماء، و الملك على رأي المتأخرين.

(5) كالشهيد الثاني «1» و المحدث البحراني «2».

(6) أي: جعل الإعطاء- من جانب واحد- من مصاديق المعاطاة.

(7) قال الشهيد قدّس سرّه: «و من المعاطاة: أن يدفع إليه سلعة بثمن يوافقه عليه من غير عقد، ثم تهلك عند القابض، فيلزم الثمن المسمّى» «3».

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 151

(2) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 364

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 192

ص: 50

و لا ريب (1) أنّه لا يصدق (2) معنى المعاطاة، لكن هذا (3) لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء (4) على عموم الحكم لكلّ بيع فعلي (5)، فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض، أو مبيحا (6) له به (7)،

______________________________

(1) هذا إشكال على إلحاق الإعطاء من طرف واحد بالمعاطاة موضوعا، ثم وجّهه بقوله: «لكن» و حاصل ما أفاده: أنّ جعل الإعطاء من طرف واحد معاطاة إن أريد به كونه معاطاة موضوعا فهو ممنوع، لظهور هيئة المفاعلة في اعتبار الإعطاء من الجانبين فعلا، فإعطاء أحدهما ليس معاطاة. و إن أريد به إلحاقه حكما بالمعاطاة كان متينا، بناء على أن يكون مفاد دليل مشروعية المعاطاة صحة البيع الفعلي في قبال القولي، سواء تحقق بالتعاطي من الجانبين، أم بإعطاء أحدهما، أم بنحو آخر، إذ المتّبع حينئذ هو دليل المعاملة الفعلية و إن لم يصدق عنوان المعاطاة عليها. و عليه فما في دروس الشهيد و تبعه جماعة في غاية المتانة.

(2) لتوقّفه على الإعطاء من الطرفين، بدعوى دلالة هيئة المفاعلة على الاشتراك في المبدأ.

(3) أي: عدم صدق المعاطاة لا يقدح في جريان حكم المعاطاة على الإعطاء الواحد.

(4) قيد لقوله: «لا يقدح» يعني: فلو قيل بدوران صحة المعاطاة مدار صدق المعاطاة المنوطة بالتعاطي لم يكن وجه للإلحاق المزبور.

(5) غرضه قدّس سرّه أنّ الإعطاء من طرف واحد محكوم عليه بحكم المعاطاة- و إن لم يصدق عليه عنوانها- بناء على عموم حكم المعاطاة عند الأصحاب لكل بيع فعلي من دون مزيّة و خصوصية للتعاطي من طرفين، إذ من المعلوم حينئذ كون الإعطاء من طرف واحد مصداقا للبيع الفعلي و إن لم يكن مصداقا للمعاطاة، إذ لم يرد عنوان المعاطاة في نصّ حتى يكون لها خصوصية.

(6) الأنسب بالمقابلة أن يقال: «أو إباحة له» أو يقال: «مملّكا له بعوض».

(7) أي: بالعوض، و ضمير «له» في المواضع الخمسة راجع إلى أحد العوضين.

ص: 51

و أخذ الآخر له تملّكا (1) له بالعوض أو إباحة له بإزائه، فلو كان (2) [1] المعطى (3) هو الثمن كان دفعه على القول بالملك و البيع اشتراء، و أخذه (4) بيعا للمثمن به، فيحصل الإيجاب و القبول الفعليّان بفعل واحد (5) في زمان واحد [2].

ثم صحّة هذا (6) على القول بكون المعاطاة بيعا مملّكا واضحة، إذ يدلّ عليها ما دلّ على صحة المعاطاة من الطرفين.

______________________________

(1) فيكون الأخذ كالقبول القولي، و إعطاء البائع بمنزلة الإيجاب اللفظي.

و لا حاجة حينئذ إلى الإعطاء من طرف آخر، بل يتحقق البيع بإعطاء واحد منهما و أخذ الآخر.

(2) هذا متفرع على كفاية إعطاء أحدهما و أخذ الآخر في صدق البيع الفعلي- و هو المعاطاة بالمعنى الأعم- عليه.

(3) بصيغة المفعول.

(4) يعني: و أخذ مالك المبيع للثمن من مالكه بيع للمثمن بذلك الثمن الذي أخذه، و هذا بناء على صحة تقدم القبول على الإيجاب لا مانع عنه، و إلّا ففيه منع.

(5) يعني: بإعطاء واحد مقرون بأخذ الطرف الآخر في زمان واحد.

(6) أي: صحة المعاطاة المتحققة بإعطاء واحد. و حاصل ما أفاده قدّس سرّه هو: أنّه

______________________________

[1] هذا التفريع غير ظاهر، لأنّ دفع الثمن- الذي هو وظيفة المشتري- تملك لا تمليك. و غرضه قدّس سرّه كون الإعطاء تمليكا لا تملّكا. و الظاهر عدم تحقق البيع بدفع الثمن إلى مالك المبيع.

[2] فالإعطاء من الطرف الآخر يكون وفاء بالعقد المتحقق بإعطاء واحد، و ليس إنشاء لقبول العقد، لتحققه قبله على الفرض. بل مقتضى كفاية إعطاء واحد في تحقق المعاطاة هو كون الإعطاء من الطرف الآخر- في المعاطاة من الطرفين أيضا- وفاء، لا إنشاء للقبول.

ص: 52

و أمّا على القول بالإباحة فيشكل بأنّه- بعد عدم حصول الملك بها- لا دليل على تأثيرها في الإباحة (1).

اللّهم (2) إلّا أن يدّعى قيام السيرة عليها (3) كقيامها على المعاطاة الحقيقية (4).

و ربما يدّعى (5) انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن من غير

______________________________

بناء على كون المعاطاة بيعا مفيدا للملك يكون دليل صحتها ما دلّ على صحة المعاطاة- الحاصلة من الإعطائين- من الأدلّة المتقدمة، فإنّ المعاطاة حينئذ بيع يشملها جميع ما دلّ على صحة البيع. و بناء على كون المعاطاة مفيدة للإباحة لا تكون بيعا حتى تشملها أدلّة البيع، و لا دليل على إفادتها الإباحة، لظهور كلمات القدماء القائلين بالإباحة في توقفها على إعطاء الجانبين، كقولهم: «إذا دفع قطعة الى البقلي أو الشارب فقال: أعطني بقلا أو: اسقني ماء» و ظهورها في توقف الإباحة على الإعطاء من جانبين ممّا لا ينكر. إلّا أن يدّعى قيام السيرة عليها كقيامها على المعاطاة الحقيقية المتحققة بالإعطاء من الطرفين، بأن يقال: إنّ موضوع السيرة هي المعاطاة المتحققة عرفا بالإعطاء من طرف واحد.

(1) حيث إنّ مقتضى القاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(2) استدراك على قوله: «فيشكل» و مقصوده- كما تقدم توضيحه- تصحيح المعاطاة- بإعطاء واحد منهما- بالسيرة المستمرة على ترتب الإباحة عليه.

(3) أي: على المعاطاة الحاصلة بإعطاء واحد منهما.

(4) و هي بالتعاطي من الطرفين.

(5) هذا ثالث الوجوه المتصورة في المعاطاة، و محصل هذا الوجه هو: أنّه لا إعطاء في البين أصلا، لا من الطرفين و لا من الطرف الواحد، بل ليس فيه إلّا إيصال و وصول، فالموصل يتسبب بإيصاله إلى التمليك، و الطرف الآخر يتسبب بوصول المال إليه إلى مطاوعته، فيتحقق بهما البيع. و لعلّ السيرة الجارية على ذلك

ص: 53

صدق إعطاء أصلا فضلا عن التعاطي كما تعارف (1) أخذ الماء مع غيبة السّقّاء، و وضع الفلس في المكان المعدّ له إذا علم من حال السّقّاء الرّضا بذلك. و كذا غير الماء من المحقّرات كالخضريات و نحوها. و من هذا القبيل (2) دخول الحمّام و وضع الأجرة في كوز صاحب الحمّام مع غيبته (3).

فالمعيار (4) في المعاطاة وصول العوضين أو أحدهما مع الرضا بالتصرف.

و يظهر ذلك (5) من المحقق الأردبيلي رحمه اللّه أيضا في مسألة المعاطاة،

______________________________

- في السقاية و الاستحمام بل و غيرهما- موردها قصد التمليك. و قد تقدّم أنّ «تبديل العين المتمولة بمال» هو البيع، فكل فعل يكون قابلا لإبراز هذا التبديل الاعتباري فهو بيع فعلي و إن لم يكن معاطاة مصطلحة. و مع صدق البيع عليه يشمله عموم ما دلّ على صحة البيع، و لا يدور الحكم مدار صدق المعاطاة عليه بعد ما عرفت من عدم ورود عنوان «المعاطاة» في آية و لا رواية و لا معقد إجماع حتّى يدور الحكم مدارها.

(1) مقصوده قدّس سرّه: أنّ الصورة الثالثة ليست صرف فرض، بل هي واقعة خارجا، لجريان سيرتهم عليها، إذ لا يتصور الإعطاء و الأخذ عند غيبة السّقّاء و البقلي، فضلا عن تحقق التعاطي.

(2) أي: من قبيل أخذ الماء عند غيبة السّقّاء و وضع الثمن في المكان المعدّ له- في كونه معاطاة- دخول الحمام.

(3) التقييد بالغيبة واضح، إذ مع حضوره في الحمّام يندرج في الصورة الثانية و هي إعطاء المستحم و أخذ الحمّامي.

(4) يعني: بناء على هذه الصورة الثالثة.

(5) يعني: يظهر انعقاد المعاطاة- بمجرّد إيصال الثمن و أخذ المثمن- من المحقق الأردبيلي قدس سرّه كما يظهر من غيره، و لعلّ المصنف استظهر كفاية الإيصال من قوله في شرح الإرشاد: «فاعلم أن الذي يظهر أنّه لا يحتاج في انعقاد عقد البيع- المملّك

ص: 54

و سيأتي توضيح ذلك (1) في مقامه (2) إن شاء اللّه تعالى.

ثم (3) إنّه لو قلنا بأنّ اللفظ غير المعتبر (4) في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة أمكن خلوّ المعاطاة (5)

______________________________

الناقل للملك من البائع إلى المشتري و بالعكس- إلى الصيغة المعيّنة كما هو المشهور، بل يكفي كل ما يدلّ على قصد ذلك مع الإقباض» «1» بأن يراد من الإقباض مجرّد الوصول و الإيصال، لا ظاهره و هو تسليم أحد المتعاطيين ماله للآخر. و لعلّ المصنف قدّس سرّه اعتمد في هذه النسبة على ما في مفتاح الكرامة «2» فراجع.

(1) أي: انعقاد المعاطاة بمجرّد إيصال الثمن و أخذ المثمن، من غير إعطاء أصلا.

(2) و هو التنبيه الثامن، حيث يقول فيه: «و السيرة موجودة في المقام، فإنّ بناء الناس على أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضورهم، و وضعهم الفلوس في الموضع المعدّلة .. إلخ» لكن المصنف خصّ جواز هذه الصورة بالقول بالإباحة دون الملك، و سيأتي تفصيل الكلام هناك إن شاء اللّه تعالى.

(3) هذا إشارة إلى الصورة الرابعة من صور المعاطاة، و هو إنشاء البيع باللفظ الفاقد لشرائط الصيغة مادّة أو هيئة، بدون إعطاء العوضين و لا أحدهما و لا إيصاله.

و حكم هذه الصورة الصحّة بناء على إفادة الملك المقصود للمتعاطيين، و البطلان بناء على الإباحة كما سيأتي.

(4) كأن يقول في إنشاء البيع: «عوّضت» بدل «بعت» أو قال أحدهما: «هذا لك» و قال الآخر: «هذا لك بدل ما أعطيتني».

(5) الأولى تبديله ب «خلوّ المبادلة» لفرض عدم تحقق الإعطاء و الإيصال في هذه الصورة أصلا، و إنّما يراد إلحاقها بالمعاطاة حكما. نعم لا بأس بهذا التعبير بناء على أن يراد بالمعاطاة ما يقابل البيع القولي الجامع لشروط الصيغة، إذ ليست هذه

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 139

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 159

ص: 55

من الإعطاء و الإيصال رأسا، فيتقاولان (1) على مبادلة شي ء بشي ء من غير إيصال. و لا يبعد (2) صحّته مع صدق البيع عليه (3) بناء على الملك. و أمّا على القول بالإباحة فالإشكال المتقدم (4) هنا آكد (5) [1].

______________________________

الصورة الرابعة بيعا بالصيغة فتندرج في المعاطاة التي هي بيع فعلي.

(1) بأن يقصد إنشاء البيع بالألفاظ غير المعتبرة في إنشاء البيع.

(2) هذا إشارة إلى حكم الصورة الرابعة، و هو التفصيل بين ترتب الملك و الإباحة، فتصحّ على الأوّل، لكونها بيعا عرفيا، و تبطل على الثاني، لكون المتيقن من دليل الاعتبار- و هو مثل السيرة- تحقق الإعطاء من الجانبين.

(3) و إن لم يصدق عليه المعاطاة، لما مرّ من عدم دوران الحكم بالصحة مدار خصوص الإعطاء و الإيصال، بل يكفي قصد الملك و صدق «البيع» على الإنشاء.

(4) بقوله في الصورة الثانية: «فيشكل بأنّه بعد عدم حصول الملك بها لا دليل على تأثيرها في الإباحة».

(5) وجه الآكديّة: أنّ الإباحة لمّا كانت لأجل السيرة و الإجماع- و هما لبّيّان- اختصّا بصورة التعاطي من الطرفين، فلو تعدّينا عن التعاطي إلى الإعطاء الواحد لم يتجه التعدّي إلى المقام ممّا لا فعل فيه أصلا، و إنّما هو إنشاء قولي ملحون، و لا يصدق عليه المعاطاة موضوعا.

______________________________

[1] عبارة المصنف قدّس سرّه في هذا التنبيه قد تضمّنت صورا أربعا:

الأولى: تحقق الإعطاء من الطرفين، و هي المنسبقة إلى الأذهان.

الثانية: تحقق الإعطاء من طرف واحد فقط.

الثالثة: عدم الإعطاء لا من الطرفين و لا من طرف واحد، بل مجرّد إيصال و وصول كالأمثلة المذكورة في المتن من شرب الماء، و الدخول في الحمّام، و أخذ الخضروات و وضع العوض في الموضع المعدّ له من كوز أو صندوق أو غيرهما.

ص: 56

______________________________

الرابعة: مجرّد الكلام الدال على المقاولة من غير إيصال و وصول.

أمّا الصورة الاولى فلا ينبغي الإشكال فيها، لكونها هي المتيقنة من المعاطاة، فيشملها ما يدلّ على صحّتها. و دعوى «عدم تعقّل توقف المعاطاة المقصود بها المبادلة على الإعطاء من الطرفين، بل لا محيص عن تحققها بالإعطاء و الأخذ لطرف واحد، نظرا إلى: أنّ الأخذ إن قصد بأخذه للعين قبول ما ملّكه المعطي فقد تمّت به المعاملة، لاشتمالها على تمليك و تملّك، فيكون إعطاء الآخر بعد ذلك وفاء بالعقد، لا إنشاء للقبول. و إن لم يقصد بأخذه القبول فلا يجزي إعطاؤه، لأنّه تمليك مستقلّ، فيتحقّق إيجابان مستقلّان بإعطائين. و لا ريب في عدم انعقاد المعاملة حينئذ، لكون كل منهما إيجابا مستقلا بلا قبول» «1».

غير مسموعة، لأنّ البيع ليس إلّا تمليكا بإزاء تمليك كما في الإعطائين، فإنّ كلّا منهما تمليك بإزاء تمليك. و هذا المقدار من الربط كاف في الربط المعاملي، و لا دليل على اعتبار خصوص الربط المطاوعي، فلا يكون الإعطائان في المقام تمليكين مستقلّين. و لو كان خصوص الرّبط المطاوعي معتبرا في تحقق البيع لما صحّ إنشاء وكيل المتعاملين تبادل المالين بقوله: «بادلت بينهما» مع صحته قطعا، فلا ينحصر إيجاد ماهية البيع بالإيجاب و القبول.

فالمتحصل: أنّ البيع يتحقق بإعطائين كما يتحقق بإعطاء واحد، هذا.

و أمّا الصورة الثانية فقد ظهر مما ذكرنا في الصورة الأولى صحتها، و أنّها بيع مشتمل على الإيجاب و القبول، لكون الإعطاء إيجابا و الأخذ قبولا، فيشمله دليل البيع سواء أ كان لفظيا أم لبّيّا، لصدق البيع العرفي عليه.

لكن قد يناقش في تحقق المعاطاة بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر، تارة بما

______________________________

(1): حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 83

ص: 57

______________________________

في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه، و أخرى بما في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه.

أمّا الأوّل فقد مهّد لإثبات دعواه مقدّمة، محصّلها: أنّ العقود المعاوضية التي يمكن إنشاؤها بالمعاطاة هي البيع و الإجارة و القرض و الهبة، و أما غيرها كالصلح فلا يقع بالمعاطاة، و ذلك لأنّه يعتبر كون الفعل آلة لذلك العنوان المعاملي حتى يتحقق في وعاء الاعتبار، فلا معنى لإيجاد كل عنوان بكل فعل و إن لم يكن آلة له، و لذا لا يقع الصلح بالتسليط الخارجي على المال، لكونه مصداقا للتمليك لا للتسالم الذي هو حقيقة الصلح.

و على هذا فلمّا كانت حقيقة البيع تبديل طرفي الإضافة توقّف حصولها بالمعاطاة على التعاطي من الجانبين، حتى يفكّ كل منهما ربطه الملكي بماله و يشدّه بمال الآخر، فيتبدّل طرفا الإضافة. و لا يتحقق عقد البيع لو كان الإعطاء من طرف واحد، فإنّ البائع مثلا و إن حلّ علقته بماله و شدّها بالمشتري، إلّا أنّه لم يقم مقامه شي ء من المشتري، إذ لم يصدر منه إلّا الأخذ، و أمّا حلّ ربطه بمال نفسه فلم يتحقق منه ما يوجبه لا قولا و لا فعلا.

و حينئذ فإمّا أن يكون إعطاء أحدهما و أخذ الآخر مصداقا للهبة، و إمّا أن يكون باطلا لا بيعا و لا غيره، إذ البيع تبديل الطرفين و النقل من طرف واحد ليس بيعا.

مضافا إلى: لزوم بقاء نفس إضافة البائع على حالها مع عدم وجود طرف لها، لعدم انتقال مال المشتري إليه بعد، و من المعلوم امتناع بقاء الإضافة بدون طرفها، لتضايف المالكية و المملوكية. هذا ما يستفاد من تقرير درسه الشريف «1».

و أما الثاني فقد قال: «و أمّا اعتبار العطاء من جانب واحد فهو أيضا باطل،

______________________________

(1): المكاسب و البيع، ج 1، ص 197- 198

ص: 58

______________________________

فإنّ دليل صحة المعاطاة إن كانت هي الأدلة اللفظية المتقدمة فإطلاقها كما ينفي اعتبار اللفظ في الإنشاء كذلك ينفي اعتبار الفعل، فكلّ ما حصل به إنشاء المعاملة صحّ بمقتضى تلك الأدلّة. و إن كانت هي السيرة و الإجماع فكلّ أحد يعلم أنّ السيرة لا تدور مدار الإنشاء بأسباب خاصة، بل كلّ ما حصل به إنشاء المعاملة من قول أو فعل أو إشارة كفى في ترتيب أثر المعاملة عند العقلاء و أهل العرف» «1».

لكن يمكن أن يقال: أمّا ما أفاده الميرزا قدّس سرّه فإنّ قابلية الفعل لإبراز العنوان القصدي أو إيجاده أو آليته له و إن كانت مسلّمة، فكما لا تصلح صيغة النكاح لإنشاء البيع مثلا، فكذا الحال في الإنشاء بالفعل. إنّما الكلام في التطبيق، إذ المرجع في صدق البيع على المعاطاة هو العرف، و لا يعتبر عندهم أزيد من قصد العنوان و التوصّل إليه بلفظ أو فعل، فكما تقع المعاملة عندهم بالملامسة و المنابذة، فكذا يصح إنشاؤها بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر.

هذا مضافا إلى: النقض بموارد التزم الميرزا قدّس سرّه بجريان المعاطاة فيها بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر كالقرض و بيع النسيئة و السّلم، فالقرض مثلا تمليك عين بضمان البدل، فلا بد أن يكون أخذ المقترض تملّكا للعين و تمليكا للمثل أو القيمة، إذ لو لا هذا التمليك و ضمانه بالبدل لكان تصرفه عدوانيا. و لا وجه لتصحيح القرض المعاطاتي إلّا الالتزام بأنّ أخذ المقترض آلة عرفا لتملكه للمال و لتمليكه للمثل أو القيمة أي ضمانه لأحدهما.

و كذا الحال في بيع السّلم، إذ لم يصدر منهما إعطاءان، بل إقباض الثمن خاصة.

فتحصّل: أن بيان الميرزا قدّس سرّه غير ظاهر نقضا و حلّا.

و أمّا ما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه فلا يخلو من غموض أيضا، إذ المقصود البحث عن حال الإعطاء الواحد من حيث كونه سببا لإنشاء البيع عرفا و عدمه، لا من

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 83

ص: 59

______________________________

حيث اعتبار الإعطاء الواحد شرعا في إنشاء البيع حتى ينفى اعتباره بإطلاق الأدلّة.

و لا ريب في أنّ الإعطاء الواحد سبب عرفي لإنشاء البيع، فتشمله أدلة البيع، و إلّا لانسدّ باب البيع نسيئة و السّلم، فهما من أقوى شواهد صحة إنشاء البيع بإعطاء واحد، فدليل صحة البيع- سواء أ كان لفظيا أم لبيا- يشمل البيع المنشأ بإعطاء واحد.

و لا فرق فيما ذكرناه من صحة إنشاء البيع بالإعطائين و الإعطاء الواحد بين إفادة المعاطاة الملك كما هو مقصود المتعاملين، و بين إفادتها الإباحة تعبّدا كما عن مشهور القدماء، لأنّ السيرة جارية على كل منهما، ضرورة أنّ المعاملات الجارية بين العرف تارة تكون بإعطائين، و أخرى بإعطاء واحد.

و أمّا مع قصد المالكين للإباحة فالأمر أوضح، لأنّ الإباحة حينئذ مالكية، فتشمله قاعدة سلطنة المالكين على أموالهم، كما استدل بها صاحب الجواهر قدّس سرّه، فلا فرق في حصول الإباحة المالكية بين صدور إعطائين و إعطاء واحد، و بين عدم صدور فعل منهما أصلا، لكفاية مجرّد الإذن في التصرف سواء حصل بقول، أم فعل، أم إشارة، أم غيرها.

و أمّا الصورة الثالثة- و هي عدم حصول إعطاء لا من كليهما و لا من أحدهما بل مجرّد إيصال و وصول- فملخص الكلام فيها: أنّ المحقق الإيرواني قدّس سرّه منع عن كون الأمثلة المزبورة من المعاطاة المجردة عن الفعل، بل جعلها من المعاطاة المتحققة بالتعاطي من الجانبين، حيث قال ما لفظه: «التعاطي من الجانبين في الأمثلة التي ذكرها موجود، فوضع الماء في موضع معدّ لأن يؤخذ إعطاء من السّقاء للماء، و هكذا فتح باب الحمام للداخلين، و وضع الفلس من شارب الماء و الداخل في الحمّام في موضع أعدّ لذلك أخذ منه للفلس، فكلّ منهما قد أعطى، و كلّ قد أخذ ما أعطاه الآخر. و إنما تتحقق المعاملة بلا عطاء من شي ء من الجانبين فيما إذا كان المالان عند كل منهما بسبق أمانة

________________________________________

ص: 60

______________________________

أو غصب أو إطارة ريح، فقصد المعاوضة بلا فعل من كلّ منهما» «1».

و أنت خبير بما فيه، لأنّ المراد بالعطاء هو ما يتحقق به البيع و يكون سببا لإنشائه، و من المعلوم أنّ وضع الماء في مكان معدّ للاستسقاء منه، و فتح باب الحمّام ليسا كذلك، إذ لو كانا سببين للإنشاء لزم منه إشكالان:

أحدهما: الفصل بين الإيجاب و القبول غالبا.

ثانيهما: الجهل بالمبيع، لتفاوت الشاربين و داخلي الحمام في مقدار الماء الذي يستعملونه للارتواء و التنظيف أو الغسل، إلّا إذا عيّن مالك الماء و الحمام كيلا معيّنا للماء الذي يشربه الشارب، كما يضع السّقاء أحيانا بدل القربة أواني مملوءة من الماء في محلّ لشرب الشاربين منها، أو يستعمله من يدخل الحمام.

و لكنه خلاف المتعارف ظاهرا، فإنّ بناءهم على ارتواء الظامي بمبلغ معيّن، و من المعلوم اختلاف المقدار الذي يروي الظامي باختلاف مراتب عطشه، فدعوى كون الأمثلة المتقدمة من المعاطاة المتحققة بالتعاطي من الطرفين غير ثابتة.

و الحق أن يقال: إنّ مثالي الشارب و الوارد في الحمّام خارجان عن البيع المعاطاتي رأسا، و داخلان في الإباحة بالعوض، و الدليل على ذلك السيرة القطعية الجارية على ذلك في الأشياء الحقيرة.

أو داخلان في معاوضة خاصة تمليكية. و دليلها قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ أو «كونها من قبيل: أعتق عبدك عني، فيكون الشارب و الوارد في الحمّام وكيلين عن السقّاء و مالك الحمام في إنشاء الإيجاب» كما احتمله سيّدنا الأستاذ قدّس سرّه «2».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 83

(2) نهج الفقاهة، ص 60 و 61

ص: 61

______________________________

لكنه لا يخلو من غموض، لعدم خطور ذلك في ذهن الحمّامي غالبا حتى يمكن أن يقال بتحقق التوكيل، و المفروض أنّ الوكالة من العقود المتقومة بالقصد. و ليس هنا كلام يتوقّف صحته على التقدير حتى يقال: إنّ دلالة الاقتضاء تقتضي تقديرا ليصح الكلام معه، و يكون ذلك كاشفا عن الثبوت و هو قصد التوكيل، إذ لم يصدر هنا إلّا فعل كفتح باب الحمام، و صحّته لا تتوقّف على فرض قصد التوكيل حتى يكون من قبيل «أعتق عبدك عنّي» و ذلك لما عرفت من إمكان كونهما من الإباحة بالعوض.

كما أنّ توهّم «كون مثال الحمام من قبيل الإجارة المعاطاتية، بدعوى: كون العين المستأجرة نفس الحمام كلّا أو بعضا، و عدّ المياه المستعملة فيه منفعة له حتى لا يرد عليه: أنّ المياه عين، و هي تتلف بالانتفاع بها، و هذا خلاف مقتضى الإجارة من اعتبار بقاء العين المستأجرة لينتفع بها» مندفع بجهالة المدة، مع أنّ تعيينها من أركان الإجارة.

كما أنّ احتمال كونها مصالحة معاطاتية أو هبة كذلك بشرط العوض ممّا لا مثبت له بعد كون كل منهما عنوانا قصديّا يحتاج ترتيب أحكام كل منهما إلى إحراز عنوانهما.

فالأولى أن يقال: إنّ الأمثلة المذكورة كلّها من قبيل الإباحة بالعوض، فإنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الأعيان المزبورة من الماء و الخضروات على ملك مالكيها. و فتح باب الحمام أو دكّان بائع الخضروات، و كذا وضع السّقّاء قربة الماء أو أوانيه مملوءة من الماء في مكان معدّ لشرب الناس منها إذن و إباحة في التصرف في الماء و الخضروات، فبقاؤهما على ملك مالكيهما محرز تعبّدا، و الإذن محرز وجدانا. و ليس هذا إلّا إباحة التصرف الثابتة بقاعدة سلطنة الناس على أموالهم.

و مع هذا الاحتمال الذي يساعده الصناعة لا موجب لجعل الأمثلة المذكورة من قبيل قوله: «أعتق عبدك عنّي» إذ لا دليل على كونها من قبيل ذلك، فإنّ الالتزام بالوكالة

ص: 62

______________________________

هناك إنّما هو لتوقف صحة الكلام على ذلك، فهذه قرينة على كون مراد المتكلم توكيل المخاطب في شراء العبد عن نفسه، ثم إعتاقه عنه. و هذا بخلاف الأمثلة المتقدمة، فإنّه لا موجب للالتزام المزبور أصلا، بل قضية الاستصحاب كما عرفت هو بقاء الماء و الخضروات على ملك مالكيهما، و فتح باب الحمام و نحوه مصداق فعلي للإباحة، فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّدا، و اللّه تعالى هو العالم بالصواب.

و أمّا الصورة الرابعة- و هي مجرّد الكلام الدال على المقاولة- فحاصل البحث فيها: أنّ مراد المصنف قدّس سرّه إن كان إنشاء المعاملة بالألفاظ غير الجامعة للشرائط بأن يكون مقصوده قدّس سرّه بالمقاولة القول غير الجامع للشروط- بقرينة قوله: «ثم إنّه لو قلنا بأنّ اللفظ غير المعتبر في العقد .. إلخ» إذ مقصوده إنشاء البيع باللفظ الفاقد للشرائط، فالمراد بالمقاولة الإنشاء بالألفاظ التي يتكلّمان بها مع فقدها للشرائط- فلا يرد عليه ما في جملة من الحواشي من مغايرة المقاولة مفهوما للبيع، فلاحظ.

و بالجملة: فوقوع البيع حينئذ مبني على عدم اعتبار سبب خاص في إنشائه، هذا.

و إن كان مجرّد المقاولة و المساومة فلا ينبغي الارتياب في عدم وقوع البيع بها، لأنّ المقاولة بهذا المعنى مباينة للبيع.

و الظاهر أنّ مراده هو الأوّل، إذ لا يتوهم أحد أن تكون المقاولة بيعا، هذا.

ثم إنّه بناء على وقوع البيع بهذه المقاولة لا تندرج في المعاطاة المصطلحة، لعدم إنشائه بفعل حتى يندرج فيها، بل هو بيع عرفي أنشئ بألفاظ غير جامعة للشرائط، فيشمله ما دلّ على صحة البيع إن لم يثبت اعتبار لفظ خاص فيه، و إلّا فهو بيع باطل، و لا يفيد الإباحة أيضا، لخروجه عن مورد السيرة و الإجماع، حيث إنّ موردهما وقوع فعل أو فعلين من المتعاملين. كما لا يشمله قاعدة السلطنة الموجبة للإباحة المالكية، و ذلك لعدم قصدهما للإباحة.

ص: 63

[التنبيه الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة]

الثالث (1): تمييز البائع من المشتري في المعاطاة

______________________________

التنبيه الثالث: تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة

(1) الغرض من عقد هذا التنبيه هو تمييز البائع عن المشتري في المعاطاة الفعلية، و محصل ما أفاده هو: أنّه تارة يكون أحد العوضين من النقدين كالدنانير و الدراهم، و أخرى يكون العوضان من غير الأثمان بأن كانا من العروض كالحنطة و السّكّر مثلا.

ففي الصورة الأولى يكون المشتري باذل النقدين، إلّا مع التصريح بكونه البائع كأن يقول: «بعتك هذه الليرة مثلا بوزنة من الحنطة» فحينئذ يكون باذل الليرة بائعا.

و في الصورة الثانية يتصور وجوه:

أحدها: أن يقوّم أحد المالين بنقد دون الآخر، فالمشتري دافع المقوّم.

ثانيها: أن يقوّم كلاهما، كأن يقوّم الحنطة بدرهم، و السّكّر أيضا بدرهم.

ثالثها: أن لا يقوّم شي ء منهما بالنقدين، بأن يقع التبادل بين العروضين أصالة كالحنطة و اللحم من دون تقدير شي ء منهما بالدرهم و الدينار، بل يقع المبادلة بين وقيّة من الحنطة و بين ربع وقيّة من اللحم مثلا.

و في هذين الوجهين احتمالات أربعة:

الأوّل: كونه بيعا و شراء بالنسبة إلى كلّ منهما، فكلّ من المتعاملين بائع، لأنّه بدّل ماله بمال، و هو تعريف البيع- كما تقدّم في محلّه- و مشتر، لأنّه ترك شيئا و أخذ بغيره.

الثاني: كونه بيعا بالنسبة إلى من يعطي أوّلا، لصدق الموجب عليه، و شراء بالنسبة إلى الآخذ، لكونه قابلا عرفا.

ص: 64

الفعلية (1) مع كون أحد العوضين ممّا تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة واضح، فإنّ صاحب الثمن هو المشتري ما لم يصرّح بالخلاف (2).

و أمّا مع كون العوضين من غيرها (3) فالثمن ما قصدا قيامه مقام المثمن في العوضية، فإذا أعطى (4) الحنطة في مقابل اللحم قاصدا أنّ هذا المقدار من الحنطة يسوى درهما هو ثمن اللّحم، فيصدق (5) عرفا أنّه اشترى اللّحم بالحنطة. و إذا انعكس انعكس الصدق (6)، فيكون المدفوع بنيّة البدليّة عن الدرهم و الدينار هو

______________________________

الثالث: كونه مصالحة معاطاتية، لصدق المصالحة التي هي التسالم عليه.

الرابع: كونه معاملة مستقلة يجب الوفاء به بمقتضى الأمر بالوفاء بكلّ عقد عرفي.

(1) لعلّ التقييد بالفعلية لإخراج الصورة الرابعة مما تقدّم في التنبيه الثاني، فإنّ المقاولة و الإنشاء باللفظ الفاقد لبعض شرائط الصيغة يميّزان البائع عن المشتري، بخلاف المعاطاة الفعلية، فإنّه لا بدّ من تمييز أحدهما عن الآخر بالصور المذكورة في المتن.

و بعبارة أخرى: محط البحث في هذا التنبيه هو المعاملة الفعلية الفاقدة للإنشاء اللفظي، فلو أنشئت باللفظ الملحون كان البادي هو البائع، و الآخر هو المشتري.

(2) كأن يقول: «بعتك هذا الدينار- مثلا- بحقّة من اللّحم» فإنّ البائع حينئذ هو صاحب الدينار.

(3) أي: من غير الدراهم و الدنانير و الفلوس المسكوكة، أو كونهما منها كالمعاطاة في بيع الصرف.

(4) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل من الصورة الثانية التي يكون كلا العوضين فيها عروضا، كمبادلة اللحم بالحنطة، فيتميّز البائع عن المشتري بأنّ دافع اللحم هو البائع، و باذل الحنطة هو المشتري، لكونهما قاصدين إعطاء درهم- أو ما يساويه في المالية- بعنوان ثمن اللحم، و عليه يترتب أحكام البائع على باذل اللحم.

(5) جواب قوله: «فإذا أعطى» و هذا بيان حكم هذه الصورة.

(6) بأن كان مقصودهما بدليّة اللّحم عن الدّرهم، فالمعوّض هو الحنطة، و باذلها

ص: 65

الثمن، و صاحبه (1) هو المشتري.

و لو لم يلاحظ (2) إلّا كون أحدهما بدلا عن الآخر من دون نيّة قيام أحدهما مقام الثمن في العوضية، أو لوحظت (3) القيمة في كليهما بأن لوحظ كون المقدار من اللّحم بدرهم، و ذلك المقدار من الحنطة بدرهم، فتعاطيا من غير سبق (4) مقاولة تدلّ على كون أحدهما بالخصوص بائعا، ففي كونه (5) بيعا و شراء بالنسبة إلى كلّ منهما بناء (6) على أنّ البيع لغة

______________________________

هو البائع، و الثمن هو اللحم، و صاحبه هو المشتري.

(1) أي: صاحب المدفوع- بنيّة البدلية عن الدرهم- هو المشتري.

(2) معطوف على قوله: «فالثمن ما قصدا قيامه» و هذا يتضمن الوجه الثاني و الثالث من الصورة الثانية، لأنّ قصد بدليّة أحدهما عن الآخر يكون تارة مع عدم النظر إلى كون الثمن الواقعي درهما حتى يقوّم السّكّر بالدرهم الذي هو الثمن حقيقة.

و أخرى مع تقدير كلا العروضين بالأثمان و الدراهم، فالعوضان و إن كانا من العروض، إلّا أنّ حيثية التقويم بالدرهم ملحوظة فيهما. و قد عرفت تطرّق احتمالات ثلاثة في تمييز البائع عن المشتري فيهما.

(3) معطوف على «من دون نية» فكأنّه قيل: «و لو لم يلاحظ إلّا كون أحدهما بدلا عن الآخر و لوحظت القيمة في كليهما ..» و هذا بيان الوجه الثالث مما تقدم في الصورة الثانية.

(4) التقييد بعدم سبق مقاولة واضح، إذ مع سبق المقاولة على التعاطي يكون سبقها قرينة على أنّ أحدهما بالخصوص بائع، و الآخر مشتر، فلا يبقى شك حتى تتطرّق فيه الاحتمالات الآتية.

(5) جزاء لقوله: «و لو لم يلاحظ» و هو خبر مقدّم لقوله: «وجوه» أي: ففي كون التعاطي بيعا و شراء .. إلخ، و هذا شروع في بيان محتملات المسألة، و الاحتمال الأوّل هو صدق «البائع و المشتري» على كلّ من المتعاطيين.

(6) حاصله: أنّ هذا الاحتمال الأوّل مبني على أمرين:

أحدهما: كون البيع مبادلة مال بمال، كما تقدم في تعريف المصباح.

ص: 66

كما عرفت (1) «مبادلة مال بمال» [1]، و الاشتراء (2) «ترك شي ء و الأخذ بغيره»

______________________________

ثانيهما: كون الشراء بمعنى ترك شي ء و أخذ غيره كما في القاموس «1».

و على هذا يصدق تعريف البيع و الشراء على كليهما، أمّا صدق البيع فلأنّ كلّا من باذل الحنطة و اللّحم بادل ماله بمال آخر.

و أمّا صدق الشراء فلأنّ كلّا منهما ترك شيئا و أخذ غيره.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه موافق لكلام الراغب، حيث قال: «إذا كانت المبايعة بين سلعة بسلعة صحّ أن يتصور كل واحد منهما مشتريا و بائعا» «2».

هذا بناء على تسليم ما ذكر في معنى البيع و الشراء، فلو كان المفهوم منهما أو من أحدهما أمرا آخر لم يصدق «البائع و المشتري» على كل واحد من المتعاطيين، كما إذا عرّف البيع «بإعطاء المثمن و أخذ الثمن» «3»، أو اعتبر في الشراء المطاوعة و قبول إنشاء البائع كما هو كذلك في الجملة بنظر المصنف، و أنّ التمليك فيه ضمني لا أصلي.

و عليه فمجرّد المبادلة بين المالين و أخذ شي ء و ترك آخر غير كاف في صدق عنوان البائع و المشتري على كل منهما.

(1) يعني: في أوّل كتاب البيع، حيث قال: «و هو في الأصل- كما عن المصباح- مبادلة مال بمال».

(2) بالنصب معطوف على «البيع» يعني: و بناء على أنّ الاشتراء هو مطلق «ترك شي ء و أخذ غيره» من دون اعتبار المطاوعة فيه، و لا اعتبار كون تملّكه أصليا

______________________________

[1] لكن مع هذا البناء يصدق البائع و المشتري على كلّ واحد من الطرفين في جميع المقامات، و لا يختص بهذه الصورة.

______________________________

(1): القاموس المحيط، ج 4، ص 348

(2) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص 260

(3) المصدر، ص 67

ص: 67

كما عن بعض (1) أهل اللغة، فيصدق (2) على صاحب اللحم: أنّه باعه بحنطة، و أنّه اشترى الحنطة، فحنث (3) لو حلف على عدم بيع اللّحم و عدم شراء الحنطة [1].

نعم (4) لا يترتب عليهما أحكام البائع و لا المشتري،

______________________________

و تمليكه تبعيّا.

(1) كالفيروزآبادي، حيث قال: «و كلّ من ترك شيئا و تمسّك بغيره فقد اشتراه. و منه: اشتروا الضلالة بالهدي» «1».

(2) هذه نتيجة صدق «البائع و المشتري» على كلّ واحد من المتعاطيين.

(3) غرضه بيان ثمرة مترتبة على الاحتمال الأوّل و هو صدق البائع و المشتري على الطرفين، و بيانها: أنّه إذا حلف المكلّف على ترك بيع اللّحم و ترك شراء الحنطة، فباعه بها، فقد خالف الحلف و حصل الحنث، و وجبت عليه كفارتان، إحداهما لبيع اللّحم، و الأخرى لشراء الحنطة. و هذا شاهد على إمكان صدق عنوانين متقابلين- و هما البائع و المشتري- على كلّ منهما، إذ لو امتنع الانطباق لم يكن وجه لإيجاب كفارتين عليه.

(4) هذا استدراك على قوله: «فيصدق ..» يعني: أنّه بناء على هذا الاحتمال الأوّل و إن صدق البائع و المشتري على كلّ منهما، لكنّ الأحكام المختصة بالبائع و المشتري لا تثبت في هذين المتعاطيين. و الوجه في عدم ثبوتها أنّ الأدلة المتكفلة

______________________________

[1] حنث الحلف تابع لكيفية يمينه، فلو كان متعلّقا بترك بيع اللحم و شراء الحنطة مطلقا و لو في معاملة واحدة اتّجه ما في المتن من حصول الحنث ببيع اللحم بشراء الحنطة. و لو كان حلفه منزّلا على الغالب و منصرفا عن هذه الصورة كما ادّعاه في أدلة الأحكام لم تبعد دعوى عدم حصول الحنث فيمن صدق عليه العنوانان في معاملة واحدة.

______________________________

(1): القاموس المحيط، ج 4، ص 348

ص: 68

لانصرافهما (1) في أدلة تلك الأحكام إلى من اختصّ بصفة البيع (2) أو الشراء (3)، فلا تعمّ (4) من كان في معاملة واحدة مصداقا لهما [1] باعتبارين.

أو (5) كونه بيعا بالنسبة إلى من يعطي أوّلا،

______________________________

لتلك الأحكام ناظرة إلى ترتب أحكام البائع على من يكون بائعا في معاملة و لا يكون مشتريا فيها، و كذا ترتّب أحكام المشتري على من يكون مشتريا في معاملة و لا يكون بائعا فيها، فهذه الأدلة منصرفة عمّن صدق عليه «البائع و المشتري» في معاملة واحدة.

(1) أي: لانصراف البائع و المشتري في أدلة تلك الأحكام إلى خصوص من اختصّ بكونه بائعا، و إلى خصوص من اختص بكونه مشتريا.

(2) كقولهم: «تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع» «1».

(3) كقوله عليه السّلام: «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيام ..» «2».

(4) يعني: فلا تعمّ و لا تشمل أدلّة تلك الأحكام من صدق عليه البائع و المشتري في معاملة واحدة.

(5) معطوف على قوله: «كونه بيعا و شراء» و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني الجاري في الصورتين الأخيرتين، و محصّله: تمييز البائع عن المشتري بالتقدّم و التأخر،

______________________________

[1] بناء على عدم مغايرة مفهومي البيع و الشراء على نحو التباين، بأن يكون لكل منهما معنى عام يصدق على كل من البائع و المشتري. لكنه غير ثابت، فإنّ معنى البيع مباين لمعنى الشراء، فلا يصدق أحدهما على الآخر في المقام و إن كانا من الأضداد، إذ المقصود مقابلة العنوانين، لاختصاص كل منهما بحكم، هذا.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 358، الباب 10 من أبواب الخيار، و هو مضمون غير واحد من النصوص.

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث: 2

ص: 69

لصدق الموجب عليه (1)، و شراء (2) بالنسبة إلى الآخذ، لكونه قابلا عرفا.

أو كونها (3) معاطاة مصالحة [1]، لأنّها بمعنى التسالم على شي ء (4) [2]

______________________________

فالبائع هو من سبق الآخر بإعطاء سلعته كاللحم في المثال» و المشتري هو الآخذ للّحم و الدّافع للحنطة.

(1) أي: على من يعطي أوّلا. وجه صدقه عليه هو: كون الإنشاء الأوّل إيجابا للمعاملة، و الإنشاء الثاني قبولا لها عرفا، فالمدار في تشخيص الموجب على البادي بالإنشاء.

(2) معطوف على «بيعا» و ضمير «لكونه» راجع الى الآخذ.

(3) معطوف على «كونه بيعا و شراء» و تأنيث الضمير لرعاية الخبر.

و هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث، و هو عدم كون هذا التعاطي بيعا أصلا، و إنما هو صلح معاطاتي. لأنّهما تسالما على مبادلة سلعة بسلعة أخرى، كمبادلة اللحم بالحنطة.

(4) يعني: و المفروض أنّهما تسالما على المبادلة المزبورة، فتكون هذه المعاطاة مصالحة معاطاتية.

______________________________

[1] لا يناسب ذكر هذا الاحتمال، لأنه في مقام تمييز البائع عن المشتري، و يكون ذلك أجنبيا عن كون المعاملة مصالحة. و كذا الحال في احتمال كونها معاوضة مستقلّة.

[2] بحيث يكون نفس التسالم منشأ. و أمّا إذا كان الإنشاء متعلقا بموضوع التسالم كالتبادل بين المالين، أو تمليك أحدهما مجانا فلا مجال لكونه صلحا، و إلّا كان جميع العقود صلحا.

فالفارق بين الصلح و غيره من العقود هو: أنّ الإنشاء إن تعلق بالتسالم على أمر كان صلحا، و إن تعلق بموضوع التسالم كالمبادلة بين المالين أو تمليك أحدهما مجّانا، أو رهن مال، أو تمليك منفعة بمال لم يكن صلحا. فاحتمال كون المعاملة في المقام

ص: 70

و لذا (1) حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه: «لك ما عندك و لي ما عندي» على الصلح (2) [1].

______________________________

(1) يعني: و لأجل كون التسالم على تبديل ماله بمال صاحبه صلحا حملوا الرواية الواردة في قول أحد الشريكين لصاحبه: «لك ما عندك و لي ما عندي» على الصلح، و هي معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّه قال: في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه، و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كلّ واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك و لي ما عندي. فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما» «1».

و تقريب الدلالة: أنّ كل واحد من الشريكين جاهل بقدر الطعام الموجود عند الآخر، فأرادا فسخ الشركة- في هذه الحال- بالصلح، بأن يكون لكل منهما ما عنده من الطعام بلا مطالبة الآخر أصلا، فأجاب عليه السّلام بأنّ قول أحدهما للآخر «لك ما عندك و لي ما عندي» إن كان مع رضاهما صحّ ذلك، و إلّا فلا.

و المقام من هذا القبيل، فإنّ مالك اللّحم يقول لصاحب الحنطة: «أعطيك اللحم و آخذ الحنطة» فيقبل، فهذا إنشاء التسالم على مبادلة إحدى السلعتين بالأخرى.

(2) متعلق ب «حملوا».

______________________________

صلحا معاطاتيا ضعيف غايته، ضرورة أنّه لم ينشأ فيه إلّا نفس المبادلة، دون التسالم عليها كما لا يخفى.

[1] لكنه حمل بلا شاهد، بل لعلّ حملها على الهبة المعوّضة أولى. و بعد التسليم نقول: بمغايرة مورد الرواية لما نحن فيه، إذ فيها قرينة على إرادة الصلح، لكون كل واحد من المالين مجهول المقدار، لقول السائل: «و لا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه» فإنّ الجهل بالمقدار ربما يكون قرينة على إرادة الصلح. بخلاف المقام، فلا قرينة فيه على إرادة الصلح منه.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 165، الباب 5 من أبواب أحكام الصلح، الحديث: 1

ص: 71

أو (1) كونها معاوضة مستقلة لا تدخل تحت العناوين المتعارفة؟ وجوه (2)، لا يخلو ثانيها عن قوّة، لصدق (3) تعريف «البائع» لغة و عرفا على الدافع أوّلا دون الآخر، و صدق (4) المشتري على الآخذ أوّلا دون الآخر، فتدبّر (5) [1].

______________________________

(1) معطوف على «كونه بيعا و شراء» و تأنيث الضمير باعتبار الخبر. و هذا هو الاحتمال الرابع في الصورتين الأخيرتين، و محصّله: كون هذا التعاطي معاملة مستقلة غير مندرجة في العقود المتعارفة المعهودة، لعدم انطباق مفهوم البيع و الشراء و الصلح عليها، فلا مناص من كونه عقدا مستقلّا يجب الوفاء به بمقتضى الآية الكريمة.

هذه محتملات هذا التعاطي في مقام الثبوت، و سيأتي استظهار الاحتمال الثاني.

(2) مبتدأ مؤخر، و خبره قوله: «ففي كونه».

(3) هذا وجه ترجيح الاحتمال الثاني و استظهاره في مقام الإثبات، و محصّله: أنّ تعريف البائع ب «من يعطي المثمن و يأخذ الثمن» صادق على البادي بدفع سلعته إلى الآخر، و تعريف المشتري ب «من يأخذ الشي ء أوّلا و يترك الآخر» صادق على المشتري، لأنّه يتسلّم السلعة ثم يدفع بدلها.

(4) بالجر معطوف على «صدق» في قوله: «لصدق البائع».

(5) لعلّه إشارة إلى: أنّه مبني على تسليم منع تقديم القبول على الإيجاب، و أنّ المتقدم هو الإيجاب لا محالة، لكنّه أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بما إذا تقدّم أحد الإعطائين على الآخر. و أمّا إذا تقارنا فلا يتميّز البائع فيه عن المشتري بذلك، لفرض الاقتران.

أو إشارة إلى: عدم صحته في نفسه، و عدم كون مجرّد التقدم موجبا لصيرورة المتقدم موجبا و المتأخر قابلا، لعدم ندرة تقدم إعطاء الثمن على إعطاء المثمن.

______________________________

[1] اعلم أنّ عبارات المصنف قدّس سرّه في هذا التنبيه مضطربة، لظهور بعضها في كون الاختلاف و الشبهة في الموضوع و الإثبات، لا المفهوم و الثبوت، كقوله في أوّل التنبيه:

«مما تعارف جعله ثمنا كالدراهم و الدنانير .. إلخ» فإنّ التعارف يلائم كون الشبهة في

ص: 72

______________________________

المصداق، و أنّه المرجع في مقام الإثبات و هو المناسب لمقام المرافعة.

و ظهور بعضها الآخر في كون الشبهة مفهومية، و أنّ الاختلاف في مقام الثبوت، كقوله: «فالثمن ما قصدا قيامه مقام المثمن» و كقوله: «فيكون المدفوع بنية البدلية عن الدرهم و الدينار هو الثمن .. إلخ» و كقوله: «و لو لم يلاحظ إلّا كون أحدهما بدلا عن الآخر ..

إلخ» لأنّه تعريف لمفهوم الشراء، من دون نصب طريق لمعرفته في مقام الإثبات الذي هو مقصود المصنف قدّس سرّه من عقد هذا التنبيه، حيث قال: «الثالث تمييز البائع من المشتري .. إلخ».

كما أنّ الاحتمالات التي ذكرها بعد ذلك كلّها راجعة إلى الشبهة المفهومية لا المصداقية التي هي محلّ الكلام.

إلّا أن يقال: إنّ غرض المصنف قدّس سرّه في هذا التنبيه ليس مجرّد بيان الشبهة المصداقية التي يكون الاشتباه فيها من جهة الأمور الخارجية، لأنّ ذلك راجع إلى باب المرافعات، و لا ربط لها بالمقام الذي يكون الغرض منه معرفة البائع و المشتري لترتيب أحكامهما عليهما. بل غرضه بيان مقدار المفهوم سعة و ضيقا، و هذا هو الذي سمّاه المصنف في طهارته بالشك في الصدق. و هذا أيضا من الشبهة المفهومية، و الاحتمالات التي ذكرها كلّها راجعة إلى الشبهة المفهومية.

فالإنصاف أنّ عبارة المصنف قدّس سرّه في بيان كون الشبهة مفهومية أو مصداقية مضطربة.

و ما ذكرناه من أنّ غرضه رحمه اللّه بيان كون الشبهة مفهومية غير ظاهر أيضا بعد الإحالة إلى التعارف الذي هو طريق إلى معرفة المصداق.

و كيف كان فالحقّ أن يقال: إنّ البيع المسبّبي- الذي هو مقابل غيره من العقود كالصلح و الإجارة و نحوهما- عبارة عن المبادلة بين المالين من غير تقوّمها بالإيجاب و القبول، لعدم تعقل تقوم المسبّب بسببه، أو الأمر الاعتباري بموضوع اعتباره،

ص: 73

______________________________

لاستلزامه تقدم الشي ء على نفسه، فحقيقة البيع المسبّبي ليست إلّا مبادلة مال بمال، و لا يعقل تقييدها بسبب خاص.

و على هذا فالمبادلة لا تتوقف على سبب خاص من إيجاب و قبول، بل كما تحصل بهما كذلك تتحقق بقول أحدهما: «ملّكتك هذا الكتاب بدرهم» و الآخر:

«ملّكتك درهما بكتابك هذا». بل تتحقّق بإيجاب بدون قبول، كقول وكيل المتبايعين:

«بادلت بين المالين» و قول سيّد العبد و الأمة: «زوّجت عبدي فلانا أمتي فلانة» من دون حاجة إلى القبول.

فتوهّم اعتبار القبول و المطاوعة في البيع لا منشأ له إلّا شيوع إيقاع المعاملات بالإيجاب و القبول، أو الخلط بين البيع السببي و المسبّبي، و من المعلوم عدم صلاحية شي ء منهما للاعتبار.

فالمتحصل: أنّ حقيقة البيع- و هي المبادلة بين المالين- تحصل بالإيجاب و القبول تارة، و بالإيجاب المجرّد اخرى كالوكيل من الطرفين أو الوليّ عليهما، و ثالثة بالإيجابين كتمليك عين بمال صاحبه، و بالعكس، فلا تتقوم ماهية البيع بخصوص الإيجاب و القبول حتى يكون منشئ الأوّل موجبا و منشئ الثاني قابلا.

و على هذا فإذا تبادلا عروضين أو نقدين كان ذلك بيعا عرفيا أي «مبادلة بين مالين» من دون حاجة إلى صدق البائع على أحدهما و المشتري على الآخر.

و إن أبيت عن ذلك، فلا مانع من صدق البائع و المشتري على كل منهما، لأنّ كل واحد منهما باعتبار إعطاء سلعته بعوض موجب، و باعتبار أخذه سلعة الغير قابل. و عليه فلا حاجة في إطلاق البائع عليهما في قوله: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» إلى إعمال عناية التغليب.

نعم في ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على البائع و المشتري بعنوانهما يراعى العلم الإجمالي، فتجري فيها الأصول العملية، إذ لا تميّز لهما في مقام الإثبات، إلّا

ص: 74

______________________________

إذا كان إعطاء أحدهما مقدّما على الآخر، فالمقدّم هو الإيجاب بناء على عدم جواز تقديم القبول عليه.

و بالجملة: فصدق البيع على تبديل العروضين أو النقدين مع تقارن الإعطائين غير خفي بعد صدق التبديل عليهما و إن لم يصدق على المتعاطيين عنوان البائع و المشتري، لما عرفت من عدم تقوّم البيع المسببي بالإيجاب و القبول حتى يكون أحدهما بائعا و الآخر مشتريا.

و إن أبيت عن ذلك بدعوى: عدم إمكان خلوّ البيع عن البائع و المشتري، فنقول:

إنّه معاملة مستقلة تشملها آية التجارة.

و منع كونه معاملة مستقلة كما في تقريرات المحقق النائيني قدّس سرّه بما لفظه: «لأنّ مع قصدهما التبديل لا يكون إلّا بيعا، فالحق كون أحدهما لا على التعيين بائعا و الآخر مشتريا من دون امتياز بينهما واقعا، فلا يترتّب على كل منهما الآثار الخاصة الثابتة للمشتري و البائع» «1».

لا يخلوا من غموض، لأنّ المفروض عدم كون مطلق التبديل عنده قدّس سرّه بيعا، بل التبديل المتعقب بالقبول، دون ما إذا كان الصادر من كلّ من المتعاطيين تبديلا، فإنّ التبديل حينئذ ليس متعقبا بالقبول، فلا يكون بيعا، هذا.

و أمّا ما أفاده قدّس سرّه من كون أحدهما لا على التعيين- حتى واقعا- بائعا و الآخر مشتريا، فيتوجّه عليه، أنّ الاتصاف بكون المعطي بائعا أو مشتريا منوط بتحقق منشأه، فإن أنشأ بإعطائه مبدليّة ماله فهو بائع، و إن أنشأ بدليّته فهو مشتر ثبوتا و إن لم نحرزه إثباتا، فكون أحدهما لا على التعيين حتى واقعا بائعا و الآخر مشتريا ممّا لم يظهر له وجه.

مضافا إلى لغويته، لعدم كونه موضوعا لأثر شرعي كما اعترف قدّس سرّه بذلك، حيث قال: فلا يترتب على كل منهما الآثار .. إلخ».

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 70

ص: 75

[التنبيه الرابع: أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين]
اشارة

الرابع (1): أنّ أصل المعاطاة- و هي إعطاء كلّ منهما الآخر ماله- يتصور بحسب قصد المتعاطيين على وجوه:

______________________________

التنبيه الرابع: أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين القسم الأوّل: المقابلة بين المالين في الملكية

(1) الغرض من عقد هذا الأمر بيان أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين و مقام الثبوت. كما كان التنبيه الثاني متكفلا لمقام الإثبات على ما سبق توضيحه هناك.

ثم إنّ أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين و إن كانت كثيرة [1]، إلّا أنّ المصنف قدّس سرّه ذكر منها وجوها أربعة، لاتّضاح أحكام غيرها منها.

الأوّل: أن يكون كل منهما قاصدا لتمليك ماله بمال الآخر، فالمقابلة تكون بين المالين لا بين التمليكين- كما هو مناط الوجه الآتي- فتكمل المعاملة بإعطاء البائع

______________________________

[1] لأنّ المبادلة إمّا بين المالين و امّا بين الفعلين و إمّا بين مال و فعل. ثم ما يكون بين المالين إمّا ملكيّة و إمّا إباحة و إمّا مختلف. و ما يكون بين الفعلين إمّا تمليك من الطرفين أو إباحة كذلك، أو تمليك و إباحة. و ما يكون بين مال و فعل فصوره أربع، لأنّ الفعل إمّا تمليك و إمّا إباحة. و المال إمّا يجعل عوضا في كونه ملكا أو في كونه مباحا فإنّ الجميع مما يصدق عليه العقد و يشمله عموم وجوب الوفاء بالعقود، فتأمّل جيّدا.

ص: 76

[القسم الأوّل: المقابلة بين المالين في الملكية]

أحدها: أن يقصد كلّ منهما تمليك ماله بمال الآخر، فيكون الآخر (1) في أخذه قابلا (2) و متملّكا بإزاء ما يدفعه، فلا يكون في دفعه (3) العوض إنشاء تمليك، بل دفع لما التزمه (4) على نفسه بإزاء ما تملّكه، فيكون الإيجاب و القبول بدفع العين الاولى و قبضها (5)، فدفع العين الثانية خارج عن حقيقة المعاطاة (6)

______________________________

و أخذ المشتري، لأنّ الأوّل تمليك و الثاني تملّك، فإعطاء المشتري خارج عن ركني المعاملة، و إنما هو وفاء بالعقد، لا إنشاء للقبول، و لا إنشاء للتمليك، بل تمت المعاملة بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر، و لذا لو مات الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة، فإطلاق المعاطاة عليه مع عدم حصول التعاطي من الطرفين- كما هو ظاهر باب المفاعلة- إنّما هو في قبال المعاملة القولية، و ليس إطلاقها عليه من حيث تقوّمها بالعطاء من الطرفين.

و مثل هذا الإطلاق شائع في العقود كالمصالحة و نحوها، فإنّ إطلاقها ليس باعتبار اشتراك المبدأ بين الطرفين، ضرورة أنّ المبدء- و هو الصلح- قائم بواحد منهما، و القائم بالآخر هو قبول الصلح، و كذا في المزارعة و المساقاة و الإجارة و المضاربة و غيرها في كون المبدء فيها قائما بواحد لا باثنين.

(1) هذا الآخر هو المشتري، بناء على ما تقدم في التنبيه الثالث من كون البادي في الإعطاء بائعا، و المتأخر مشتريا.

(2) يعني: أنّ الفعل الواحد- و هو الأخذ- قابل لإنشاء التملّك و إن كان متضمنا للتمليك أيضا.

(3) يعني: فلا يكون إنشاء تمليك في دفع الآخر- و هو المشتري- العوض إلى الأوّل، بل يكون دفعه وفاء بالعقد الذي تمّ بالإعطاء و الأخذ، فإعطاء الأوّل إيجاب، و أخذ الثاني قبول.

(4) الأولى أن يقال: «لما ألزمه على نفسه، أو: لما التزم به» إلّا بإشراب معنى «ألزمه» في «التزمه» لوضوح أنّ باب الافتعال لازم غالب لا متعدّ.

(5) يعني: أنّ الإيجاب يكون بدفع العين الأولى، و القبول بقبضها.

(6) بل هو وفاء بالعقد لا إنشاء القبول.

ص: 77

فلو مات (1) الآخذ قبل دفع ماله مات بعد تمام المعاطاة.

و بهذا الوجه (2) صحّحنا سابقا (3) عدم توقف المعاطاة على قبض كلا العوضين، فيكون إطلاق المعاطاة عليه (4) من حيث حصول المعاملة فيه بالعطاء دون القبول، لا من (5) حيث كونها متقومة بالعطاء من الطرفين [1].

______________________________

(1) هذا متفرع على تمامية المعاطاة بدفع العين الأولى و أخذها، و غرضه بيان ثمرة كفاية الإعطاء و الأخذ في تحقق المعاطاة، حيث يجب على ورثة الآخذ تسليم العوض إلى المعطي، وفاء بالعقد الذي تمّ بأخذ المورّث.

(2) أي: بحصول المعاطاة بالإعطاء و الأخذ الواحد- أو كون الإعطاء الثاني وفاء، لا جزءا للعقد و متمّما له- صحّحنا .. إلخ.

(3) يعني: في التنبيه الثاني، حيث قال: «فيكون إقباض أحد العوضين من مالكه تمليكا له بعوض ..».

(4) أي: على ما تقدم من حصول المعاطاة بإعطاء و أخذ، و عدم اعتبار إعطائين في تحققها.

(5) يعني: أنّ صدق المعاطاة ليس لأجل ظاهر هيئة «المفاعلة» من الاشتراك في المبدأ، كالتعاطي من الجانبين، بل لأجل مقابلة العقد الفعلي للقولي، سواء تحقق بإعطاءين أم بإعطاء واحد.

______________________________

[1] فجهة البحث في هذا التنبيه هي بيان أقسام المعاطاة المتصوّرة بحسب قصد المتعاطيين. و في الأمر الثاني هي بيان المبرز الخارجي لما قصده المتعاطيان. فجهة البحث في الأمر الرابع- و هي أنحاء المبرز- مغايرة للجهة المبحوث عنها في الأمر الثاني و هي بيان المبرز، لما عرفت. و للجهة المبحوث عنها في الأمر الأوّل التي هي تشخيص صغروية المعاطاة قبل اللزوم للبيع و عدمها، و للجهة المبحوث عنها في الأمر الثالث التي هي تمييز البائع عن المشتري.

ص: 78

و مثله (1) في هذا الإطلاق لفظ المصالحة و المساقاة و المزارعة و المؤاجرة و غيرها (2).

______________________________

(1) أي: و مثل صدق المعاطاة بإعطاء واحد- خلافا لظاهر باب المفاعلة- صدق المصالحة و المزارعة و المؤاجرة. حيث إنّ المبدأ في هذه العناوين قائم بالموجب، و شأن القابل مجرّد القبول. و قد تقدم توضيح قيام عناوين المعاملات بطرفين أو بأحدهما في إطلاقات البيع، فراجع «1».

(2) كالمضاربة.

______________________________

ثم إنّ مقتضى الترتيب تقديم الأمر الثالث على الأمر الثاني، لأنّه بعد تشخيص صغروية المعاطاة للبيع يقع الكلام في أنّ أيّ واحد من المتعاطيين بائع و أيّهما مشتر، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد أورد على المصنف قدّس سرّه بما في تقريرات المحقق النائيني قدّس سرّه «من المنافاة بين ما أفاده هنا من تقوم المعاطاة بالعطاء من واحد و الأخذ من الآخر و كون دفع العين الثانية دائما خارجا عن حقيقة المعاطاة و وفاء بالعقد، و بين ما أفاده في التنبيه الثاني من كون المتيقن من مورد المعاطاة هو العطاء من الطرفين.

وجه التنافي واضح، و هو خروج العطاء الثاني عن حقيقة المعاطاة بناء على ما أفاده هنا، و دخوله فيها بناء على ما تقدم عنه في التنبيه الثاني، لكونه المتيقن من مورد المعاطاة» «2»، هذا.

و قد دفع هذا التنافي سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه من قول المقرّر: «فإنّ العقد و إن تمّ بالإقباض و القبض أوّلا، إلّا أنّ المتيقن منه قبال العقد اللفظي هو ما تعقّبه الإعطاء من الطرف الثاني أيضا. و إذن فلا تنافي بين الأمرين» «3».

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 269، 270

(2) منية الطالب، ج 1، ص 70

(3) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 176

ص: 79

و بهذا (1) الإطلاق يستعمل المعاطاة في الرهن و القرض و الهبة.

______________________________

(1) أي: بما ذكرناه- من أن إطلاق المعاطاة في البيع على الإعطاء الواحد يكون لأجل مقابلة البيع المعاطاتي للقولي، لا للتقوّم بطرفين- ظهر وجه إطلاق المعاطاة في عقود أخرى، و أنّه لا يتحقق من القابل إعطاء أصلا، بل يكون إنشاؤها بإعطاء الموجب خاصة، و ذلك كالرّهن و القرض و الهبة، فالرّهن المعاطاتي إعطاء العين المرهونة إلى المرتهن و قبض المرتهن لها، و هو لا يدفع شيئا الى الراهن.

و كذا القرض و الهبة، فإنّ الإقباض من طرف المقرض و الواهب، و ليس من المقترض و المتهب إلّا القبول بالأخذ.

______________________________

لكنه لا يخلو من غموض، لأنّ الأخذ من المتعاطي الآخر فعل يصدر منه بعنوان القبول، و هذا هو القائم مقام القبول اللفظي، لأنّ الأخذ بقصد التملك قبول عرفي يصلح لأن يكون متمّما للعقد المؤلّف من الإيجاب و القبول. و مع تمامية العقد لا يعقل أن يتصف الإعطاء الثاني بالقبول و المطاوعة، لكونه تحصيلا للحاصل، بل لا يصلح إعطاء الثاني لأن يكون تملّكا لما أعطاه الأوّل، لعدم مناسبة كون إعطائه تملكا لمال الغير، بل لا بد أن يكون إعطاؤه تمليكا لماله كإعطاء الأوّل.

فلعلّ الأولى في دفع المنافاة أن يقال: إنّ مراد الشيخ قدّس سرّه بتيقن التعاطي من الطرفين هو تيقنه من معنى المفاعلة، لأنّ المتيقن من موارد استعمال هذا الباب هو اشتراك المبدء بين الطرفين، فهذا الوزن ينادي باعتبار إنشاء المعاملة بالعطاء من الطرفين، فكما ينشأ الإيجاب بالإعطاء، فكذلك القبول، و أخذ الثاني متمّم للإيجاب و ليس إنشاء للقبول، هذا.

لكن قد تقدّم سابقا أنّ المعاطاة لم ترد في دليل من آية أو غيرها حتى يؤخذ بالمتيقن من معناها، بل المراد هو المعاملة المجرّدة عن الصيغة المتداولة بين الناس.

فالمرجع في إنشائها هو العرف، و من المعلوم أنّ الأخذ عندهم قبول عرفي، فيتم به العقد المركّب من الإيجاب و القبول من دون حاجة إلى إعطاء الطرف الآخر.

ص: 80

و ربّما (1) يستعمل في المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم يكن عطاء، و في صحته تأمّل (2)

[القسم الثاني: المقابلة بين التمليكين]

ثانيها (3): أن يقصد كلّ منهما تمليك الآخر ماله بإزاء تمليك ماله إيّاه،

______________________________

(1) غرضه بيان صورة ثالثة لإنشاء المعاملة، و هي ما ليس فيها إعطاء حتى من طرف واحد كما تقدم ذكره في التنبيه الثاني، فالمعاملة الفعلية تتحقق بإيصال العوضين إلى الجانبين من دون إعطاء و أخذ أصلا، و مثّل له هناك بأخذ البقل و الماء من آنية السّقاء، و وضع العوض في المكان المعدّ له.

(2) أي: في صحّة التعامل بالإيصال- دون الإعطاء- تأمّل، لأنّ المتيقن من الدليل اللبّي على صحّة المعاطاة في البيع هو إنشاء المعاملة بإعطاء الطرفين، و لا أقلّ من كونه بإعطاء أحدهما، و أمّا مجرّد الإيصال فلا. و يكفي الشك في قيام السيرة عليه في الحكم بصحته. هذا تمام الكلام في القسم الأوّل أعني به قصدهما التمليك، و هو يتحقق خارجا تارة بإعطاءين، و أخرى بإعطاء واحد، و ثالثة بإيصال العوضين.

القسم الثاني: المقابلة بين التمليكين

(3) محصل هذا القسم هو: أن يقصد كلّ من المتعاطيين تمليك ماله للآخر بإزاء تمليك الآخر ماله إيّاه، بحيث تكون المعاطاة متقومة بالعطاء من الطرفين كما هو ظاهر باب المفاعلة من اشتراك المبدء بين الطرفين، فالمقابلة على هذا تكون بين التمليكين، و لازمه عدم تحقق المعاطاة إن مات الثاني قبل تمليك ماله للأوّل.

و الفرق بين هذا القسم و سابقه واضح، إذ المفروض في القسم الأوّل قصد أحدهما تمليك ماله بعوض، و قبول الآخر له، و هو البيع المعهود المتعارف. و لذا يقع البحث في كفاية إنشائه بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر، أو اعتبار التعاطي فيه.

بل احتمل إنشاؤه بإيصال العوضين. و لكن المفروض في هذا القسم الثاني قصد كلا المتعاطيين التمليك، بأن يكون تمليك الأوّل مشروطا بتمليك الثاني، بحيث لو لم يملّك

ص: 81

فيكون تمليك بإزاء تمليك (1)، فالمقابلة بين التمليكين (2) لا الملكين (3)، و المعاملة (4) متقومة بالعطاء من الطرفين [1]

______________________________

الثاني لانتفى تمليك الأوّل، فكأنّ مقاولتهما هكذا: «ملّكتك هذا الكتاب على أن تملّكني الدينار» فوقوع هذه المعاملة منوط بصدور التمليك من كليهما، فلا تنعقد المعاطاة بتمليك أحدهما. هذا بيان الموضوع، و سيأتي حكم هذا القسم.

(1) لا تمليك مال بإزاء مال، كما كان في الصورة الأولى.

(2) و هما فعلان صادران من المتعاطيين.

(3) كما هو حال البيوع المتعارفة، للفرق بين «مبادلة مال بمال» و «تمليك مال بإزاء تمليك مال».

(4) لكون المقابلة بين فعلين، فلا معاملة بدونهما.

______________________________

[1] أورد عليه بما حاصله: «أنّ المعاملة تتحقق بإعطاء أحدهما و قبول الآخر بأخذه من دون حاجة الى إعطاء الثاني، حيث إنّ الأخذ يوجب صيرورة الأوّل مالكا للتمليك على عهدة الآخذ، فيجب عليه الوفاء، فإعطاؤه حينئذ يتصف بالوفاء الخارج عن إنشاء المعاملة المتحققة بالإعطاء و الأخذ.

و بالجملة: فيكون القسم الثاني و هو التمليك بإزاء التمليك كالأوّل- و هو تمليك مال بمال- في تحققه بعطاء واحد، و عدم الحاجة إلى العطاء الثاني، فلو مات القابل المتحقق قبوله بالأخذ قبل إعطائه مات بعد تمامية المعاملة في كلتا الصورتين من دون تفاوت بينهما.

و لا يندفع هذا الإيراد بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: «أنّ التعاوض و التبادل بين شيئين لا بدّ من أن يكون بلحاظ أمر، فإذا كان عين عوضا عن عين فلا بد من أن تكون في الملكية. و إذا كان عمل عوضا عن عمل فلا بد من أن يكون في الاستحقاق.

و ربما يكون التعاوض بين شيئين بلحاظ ذاتهما، لقبولهما بذاتهما للإضافة كالملكية،

ص: 82

و لو مات (1) الثاني قبل الدفع لم يتحقق المعاطاة.

و هذا (2) بعيد (3) عن معنى البيع و قريب (4) إلى الهبة المعوّضة، لكون كلّ من

______________________________

(1) هذا متفرع على تقوم المعاملة بالعطاء من الجانبين.

(2) هذا شروع في بيان حكم القسم الثاني- أي التمليك بإزاء التمليك- و قد احتمل المصنف فيها وجوها ثلاثة بعد استبعاد كونه بيعا، أوّلها: الهبة المعوّضة، ثانيها:

المصالحة المعاطاتية، ثالثتها: المعاوضة المستقلة.

(3) وجه بعد كونه بيعا واضح، لما تقدّم في أوّل الكتاب من أنه يعتبر في مفهومه أن يكون المبيع من الأعيان، و من المعلوم أنّ التمليك من الأفعال لا الأعيان، فلا يقع مبيعا.

(4) وجه قربه إلى الهبة المعوّضة هو خلوّ كلّ من المالين عن العوض، لأنّ المقابلة وقعت- على الفرض- بين التمليكين اللّذين هما فعلان، لا بين الملكين، فتكون هذه المعاطاة كالهبة المعوّضة.

______________________________

فإنّها مضافة بذاتها لا بإضافة أخرى، فمرجع التمليك بإزاء التمليك إلى جعل إضافة الملكية بإزاء إضافة الملكية، و مقتضى التضايف بين العوضيّة و المعوّضية حصولهما معا و عدم انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر» «1».

و فيه، أنّ التضايف في المقام ملحوظ بين التمليكين اللذين هما فعلان للمتعاملين، فاتصاف التمليك الصادر من الموجب بالمعوّضية ملازم لاتصاف التمليك الآخر بالعوضية، و صيرورته على عهدة القابل، لأنّه بالأخذ صار التمليك على عهدته فيجب عليه الوفاء به، من دون أن يكون إعطاؤه دخيلا في حصول المعاطاة و التضايف.

فدعوى عدم الحاجة الى العطائين و تحقق المعاطاة بين التمليكين بالإعطاء الواحد في غاية القرب. فالإيراد وارد على كلام المصنف قدّس سرّه فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 39

ص: 83

المالين خاليا عن العوض (1).

لكن (2) إجراء حكم الهبة المعوّضة عليه مشكل، إذ (3) لو لم يملّكه الثاني هنا (4) لم يتحقق التمليك من الأوّل، لأنّه (5) إنّما ملّكه بإزاء تمليكه، فما لم يتحقق تمليك (6) الثاني لم يتحقق تمليكه.

إلّا (7) أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأوّل

______________________________

(1) المقصود بالعوض هنا هو المال، و إلّا فالعوض بالمعنى الأعمّ منه و من الفعل- و هو التمليك- موجود حسب الفرض.

(2) غرضه تضعيف احتمال كون «التمليك بإزاء التمليك» هبة معوّضة، كبعد كونه بيعا، و ذلك للفرق بين المقام و بين الهبة، و محصّل الفرق: أنّه جعل أحد التمليكين- في هذا القسم- بإزاء الآخر، فالإيجاب المنشأ به التمليك المعوّض ينشأ به التمليك العوض أيضا، فيتم العقد بقبول الآخر من دون حاجة إلى إنشاء التمليك العوض بالاستقلال، لعدم انفكاك إنشاء التمليك المعوّض عن إنشاء التمليك العوض.

و هذا بخلاف التمليك في الهبة المعوّضة، فإنّ إيجاب الواهب يتضمن إنشاء تمليكه فقط، و قبول المتّهب يتمّ العقد المحقّق للتمليك المعوّض. و أمّا التمليك العوض فلا يتحقق إلّا بإنشاء آخر من المتهب، و قبول من الواهب. و على هذا فينفك أحد التمليكين في الهبة المعوضة عن الآخر.

نعم في المقام إن لوحظ تمليك الآخر على نحو الداعي- لا على وجه المقابلة- انفكّ أحد التمليكين عن الآخر، و سيأتي توضيحه.

(3) هذا تقريب الاشكال، و قد عرفته آنفا.

(4) يعني: في القسم الثاني، و هو كون التمليك بإزاء التمليك.

(5) أي: لأنّ الأوّل إنّما ملّك الثاني بإزاء تمليك الثاني الأوّل.

(6) المصدر مضاف إلى الفاعل، يعني: إذا لم يملّك الثاني الأوّل لم يتحقق تملّك الثاني، و وجه عدم تحقق تملّكه هو: أنّ تمليك الأوّل كان مشروطا بتمليك الثاني، و إذ ليس فليس.

(7) ظاهره الاستدراك على قوله: «مشكل» و إمكان إدراج «التمليك بإزاء

ص: 84

على نحو الداعي (1) لا العوض، فلا يقدح (2) تخلفه.

______________________________

التمليك» في الهبة المعوضة. لكن مقصوده قدّس سرّه تصحيح هذا القسم الثاني بتغييره موضوعا و حكما. و بيانه: أنّ المقابلة بين التمليكين تكون على نحو الاشتراط، أي يقصد كلّ منهما تمليك ماله للآخر بشرط تمليك الآخر، فلو تخلّف الثاني و لم يملّك ماله لم يكن للأوّل تمليك أيضا. و مثله ليس هبة معوّضة، إذ تمليك الواهب غير معلّق على شي ء، و لذا يكون تخلّف المتهب موجبا لثبوت الخيار للواهب، لا لبطلان أصل هبته.

و ما أفاده بقوله: «إلّا أن يكون» تغيير في موضوع المقابلة بين التمليكين، و ذلك بأن يكون تمليك الأوّل غير مشروط بتمليك الثاني، بل يكون قصده تمليك ماله للثاني مطلقا، و داعيه عليه هو رجاء تمليك الثاني ماله له. و من المعلوم أنّ تخلّف الداعي غير قادح في صحة المعاملة، كما إذا باع داره بداعي علاج ولده المريض، فعوفي الولد بعد البيع و قبل صرف الثمن في المعالجة، فإنّ البيع صحيح و لا خيار للبائع أصلا، و ذلك لعدم العبرة بتخلّف الداعي إلى المعاملة.

و المقام من هذا القبيل، فيندرج «التمليك بإزاء التمليك» في قسم آخر من أقسام الهبة المعوّضة، و هو ما إذا لم يشترط فيها العوض أصلا، و إنّما يهب المتهب شيئا للواهب تداركا لإحسانه، بحيث لو لم يهب لم يطلب الواهب عوضا من المتهب.

و قد اتضح من هذا: إلغاء شرطية تمليك الثاني لتمليك الأوّل، و جعله داعيا له.

كما أنّ الهبة المعوضة المنطبقة على هذا الفرض مغايرة للهبة المعوّضة التي استشكل فيها بقوله: «مشكل». وجه المغايرة: أنّ العوض هنا غير مشروط أصلا، بل يعطى تداركا لإحسان الواهب.

(1) يعني: فيحتاج إلى إنشاء ابتدائي من الآخذ، و لا يكفي في إنشائه التمليك المعوّض.

(2) لخروج الدّاعي عن حاقّ التمليك الأوّل، و من المعلوم عدم قدح تخلف الداعي في الصحة.

ص: 85

فالأولى أن يقال (1): إنّها مصالحة [1] و تسالم على أمر معيّن. أو معاوضة مستقلّة.

[القسم الثالث: المقابلة بين إباحة أحدهما و تمليك الآخر]

ثالثها (2): أن يقصد الأوّل إباحة ماله بعوض، فيقبل الآخر بأخذه إيّاه،

______________________________

(1) بعد أن تعذّر تصحيح «التمليك بإزاء التمليك» بنحو الهبة المعوّضة- لفرض كون المقابلة بين التمليكين بالاشتراط لا الداعوية- تصدّى قدّس سرّه لتصحيحها بأحد وجهين آخرين:

الأوّل: أن يكون من الصلح المعاطاتي، لأنّهما تسالما على إنشاء تمليك بإزاء تمليك.

الثاني: أن يكون معاوضة مستقلة، يشملها إطلاق «التجارة عن تراض» فتكون صحيحة.

القسم الثالث: المقابلة بين إباحة أحدهما و تمليك الآخر

(2) محصل هذا الوجه الثالث هو الإباحة بالعوض، في مقابل الإباحة مجّانا، فيكون الفعل الصادر من الموجب إباحة التصرف في ماله مع العوض، لا بدونه، و الصادر من القابل قبول الإباحة بتمليك ماله للموجب المبيح، فالموجب يتملّك العوض، و القابل لا يملك ما أباحه الموجب له، بل يباح له التصرف فيه مع بقاء رقبته على ملك الموجب. فهذا التعاطي بمنزلة الإباحة القولية، كأن يقول: «أبحت لك التصرف في الكتاب الفلاني بدرهم، بمعنى أن يكون الدرهم ملكا لي».

و بالجملة: فيظهر من عبارة المصنف قدّس سرّه اعتبار أمرين في هذا القسم.

أحدهما: كون الإباحة مقابلة بالمال، لا بالتمليك الذي هو فعل الآخر، كما يشهد به قوله: «أبحت لك كذا بدرهم».

______________________________

[1] إن كان التسالم موردا للإنشاء، و إلّا فلا وجه لكونه صلحا.

ص: 86

فيكون الصادر من الأوّل الإباحة بالعوض، و من (1) الثاني بقبوله لها التمليك (2)، كما لو (3) صرّح بقوله: أبحت لك كذا بدرهم.

[القسم الرابع: المقابلة بين الإباحتين]

رابعها (4): أن يقصد كلّ منهما الإباحة بإزاء إباحة أخرى، فيكون (5) إباحة بإزاء إباحة، أو (6) إباحة

______________________________

و ثانيهما: كون القبول أخذ الطرف المقابل لما دفعه الأوّل إليه على وجه الإباحة، فيكون إعطاء الدرهم إلى المبيح وفاء بالمعاملة، لا لتقوم هذه الإباحة المعوّضة بإعطاءين.

(1) معطوف على «من الأوّل» يعني: فيكون الفعل الصادر من المباح له قبول تلك الإباحة في قبال تمليك الدرهم للمبيح.

و على هذا فالإباحة تكون تارة مع العوض، و أخرى بدونه. و على الأوّل فإمّا أن يكون العوض إباحة شي ء و إما أن يكون تمليكه. و مفروض المتن هذه الصورة الأخيرة، لا الإباحة مجّانا، و لا بعوض الإباحة.

(2) أي: التمليك الضمني، فإنّ المدلول المطابقي للقبول هو قبول الإباحة، و مدلوله التضمني هو التمليك، إذ المفروض كون إباحة المبيح بإزاء تمليك المباح له.

(3) يعني: لا فرق في مشروعية «الإباحة بعوض التمليك» بين إنشائها باللفظ و بالفعل، كما هو المفروض.

القسم الرابع: المقابلة بين الإباحتين

(4) ملخص هذا الوجه هو كون المقابلة بين الإباحتين- اللتين هما من الأفعال- كالتمليكين في القسم الثاني، فلا يتحقق الملكيّة حينئذ أصلا، بل يباح لكل منهما التصرف في المال الذي أخذه من الآخر.

(5) يعني: فيكون إعطاء كلّ منهما إباحة بشرط إباحة الآخر بنحو المقابلة.

(6) يعني: أو يكون إعطاء كلّ منهما إباحة بداعي إباحة الآخر.

ص: 87

لداعي إباحة (1)، على ما تقدّم نظيره في الوجه الثاني (2) من إمكان تصوّره على نحو الداعي و على نحو العوضية.

و كيف كان (3) فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين [1] على (4) فرض قصد المتعاطيين لهما.

______________________________

(1) فلا تقابل حينئذ بين الإباحتين، لكون إباحة الطرف الآخر داعية إلى إباحة الأوّل، لا عوضا عنها، كما تقدم نظير ذلك في الوجه الثاني، و هو قصد كل منهما تمليك ماله للآخر، حيث قال: «إلّا أن يكون تمليك الآخر له ملحوظا عند تمليك الأوّل على نحو الداعي لا العوض».

(2) حيث قال: «أن يقصد كل منهما تمليك الآخر بإزاء تمليك ماله إيّاه».

(3) يعني: سواء أمكن تصوّر الإباحة بداعي الإباحة، أم كانت المقابلة بين الإباحتين بنحو العوضية.

و هذا شروع في مقام الإثبات، و هو بيان حكم الأقسام الأربعة المتقدمة، و حيث إنّه قدّس سرّه أفاد حكم القسمين الأوّلين عند بيانهما، فلذا خصّ البحث من هنا إلى آخر التنبيه بالقسمين الأخيرين صحّة و فسادا، و قد ذكر في المتن إشكالين، أحدهما مشترك بين كلا القسمين، و الآخر مختص بالرابع، و سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(4) مقصوده قدّس سرّه أنّ أصل وقوع المعاطاة بقصد الإباحة لا يخلو من بعد و إن كان محتملا ثبوتا، إذ المعاطاة المعهودة بين العقلاء و المتشرعة هي ما يقصد بها الملك كالبيع بالصيغة. و عليه فبيان حكم هذين القسمين مبنيّ على فرض قصد الإباحة، كما يستفاد من بعض كلمات القدماء من كون مقصودهما إباحة التصرف لا التمليك.

______________________________

[1] أمّا القسم الأوّل- و هو تمليك كل منهما ماله بمال الآخر- فلا إشكال فيه أصلا، لأنّه مصداق حقيقي للبيع، فيشمله جميع ما دلّ على صحة البيع و نفوذه.

و أمّا القسم الثاني- و هو كون التمليك بإزاء التمليك، بحيث تكون المقابلة بين

ص: 88

______________________________

الفعلين لا المالين- فقد استشكل فيه بوجهين:

أحدهما: ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه من: «أنّه ليس التمليك بالمعنى المصدري مالا، بل المال هو الحاصل من المصدر، و ليس هذا الفعل إلّا آلة لحصول اسم المصدر، فلا يمكن أن يقابل بالمال. فمقابلة التمليك بالمال باطلة، فضلا عن مقابلة التمليك بالتمليك، لأنّ التمليك ليس بمال. و فرق بين البيع بإزاء التمليك و بيع المال على أن يخيط له ثوبا، فإن الفعل في الأوّل آليّ، بخلاف الثاني فإنّه استقلالي يبذل بإزائه المال» «1».

و محصل ما أفاده يرجع إلى منع مالية التمليك الموجب لبطلان المعاملة المتقومة بمقابلة المالين، فمع عدم مالية أحد العوضين- فضلا عن كليهما- لا تصحّ المعاوضة، لفقدان ركنها، هذا.

و قد يورد عليه تارة: بأنّ التمليك مال، لأنّ مناط المالية المستكشف عنه بتنافس العقلاء عليه موجود في التمليك، ضرورة أن السلطنة على مال بالتمليك و نحوه ممّا يرغب فيه العقلاء و يتنافسون عليه. فوزان التمليك وزان الخياطة و النجارة و نحوهما من الأفعال التي تعدّ أموالا عند العقلاء، خصوصا بعد اتحاد المصدر و اسمه ذاتا و اختلافهما اعتبارا، فتدبّر.

و أخرى- بعد تسليم عدم ماليّته- أنّه حقّ قابل للانتقال و أخذ العوض بإزائه، و من المعلوم كفاية مثل هذا الحق في صحة المعاملة، فإنّ سلطنة المالك على نقل تمليك ماله إلى الغير حقّ للمالك. و قد تقدّم سابقا: أن الأصل في الحقوق هو جواز نقلها و إسقاطها. فتوهم كون السلطنة حكما شرعيا غير قابل للنقل فاسد.

لكنك خبير بما فيهما. إذ في الأوّل: أنّ المال هو ما يتنافس العقلاء عليه، لكن تطبيقه على تمليك التمليك ممنوع، فإنّ رغبة العقلاء في أمر ليست بلا مناط، فالعين شخصية كانت أم كلّية بأقسامها مال بلحاظ منفعتها، و كذا الحال في المنافع المتجددة

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 71

ص: 89

______________________________

و بعض الحقوق. و أمّا التمليك فلا سبيل لاستكشاف ماليّته. عندهم بعد الاعتراف بعدم تعارف هذا النوع من المعاملة. و قياسه بالأعمال المحترمة كالخياطة و النجارة لا يخلو من تأمّل، حيث إنّ ماليّتها بلحاظ الأثر المطلوب من إعمال صنعة و تغيير هيئة في القماش و الخشب. و هذا بخلاف التمليك، فإنّ ما يرغب فيه نفس العين الخارجية ذات المنفعة كالدار و الدّكّان، و أمّا التسليط على التسليط فلم يعلم مقابلته بالمال، و لا أقل من الشك في ماليته عرفا، و هو كاف في منع عدم شمول أدلة الإمضاء له.

و في الثاني: أن المالك و إن كان مسلّطا على ماله بمقتضى «الناس مسلّطون على أموالهم» إلّا أنّ المسلّط عليه هو نفس المال، فلا بدّ من إحراز ماليّة شي ء حتى يتحقق موضوع السلطان، و حيث إنّ مالية التمليك مشكوكة لم يتجه التمسك بالقاعدة لتجويز المقابلة بين تمليكين.

و أمّا ما أفيد من كون السلطنة حقّا للمالك قابلا للنقل إلى الغير فممنوع، بالفرق بين هذه السلطنة و بين الحق، لما تقدم في مباحث الحقوق من أنّ الحق القابل للنقل إلى الغير هو ما كان المجعول فيه تفويض الأمر إلى شخص كما في حق القصاص و حق الشفعة و التحجير. و أمّا سلطنة المالك على ماله فمتعلقها نفس المال، و أمّا سلطنته على التسليط على المال فليست من شؤون المال حتى يشمله إطلاق الحديث.

و لا فرق فيما ذكرناه بين محتملات الحديث من كونه مشرّعا مطلقا أو للمسببات خاصة، و كونه غير مشرّع أصلا، بأن كان مدلوله استقلال المالك في أنحاء التصرفات في المال. و وجه عدم الفرق ما ذكرناه من أن موضوع السلطنة المجعولة نفس المال، لا تفويض تمليكه إلى الغير.

و عليه فالإنصاف تمامية ما أفاده المحقق النائيني في المنع عن مشروعية تمليك التمليك، هذا.

ثانيهما: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بقوله: «و منها: أنّ أصل المقابلة بين

ص: 90

______________________________

التمليكين فيه غموض و خفاء، فإنّ التمليك بالإعطاء حال تعلقه بمتعلقه ملحوظ آلي، و في جعل نفسه معوّضا يحتاج إلى لحاظ استقلالي، و لا يعقل اجتماع اللحاظين المتباينين في ملحوظ واحد، فلا بدّ من أن يكون هذه المعاملة في ضمن معاملة أخرى كالصلح على التمليك بإزاء التمليك، فيستحق كل منهما التمليك من الآخر بإزاء تمليك نفسه» «1».

توضيحه: أنّ الفعل كاللفظ ملحوظ آلة لمعناه الإنشائي أو الإخباري، فالإعطاء إن كان ملحوظا آلة لإنشاء تمليك متعلقة فكيف يكون ملحوظا استقلالا كما هو المفروض؟ إذ التمليك المعوّض ملحوظ استقلالا. و الجمع بين هذين اللحاظين في ملحوظ واحد جمع بين المتنافيين، فالتمليك بإزاء التمليك غير معقول.

فلا بد من تصحيح هذه المعاملة مثلا بجعلها في ضمن صلح مثله، كما إذا صالحه على أن يملّكه تمليك داره على أن يملّكه الآخر تمليك بستانه مثلا حتّى يكون التمليك ملحوظا استقلاليا، هذا.

لكنك خبير بأنّ التمليك في المقام ليس إلّا ملحوظا بالاستقلال، لأنّ المعوض- و هو التمليك- مقصود استقلالي، كما إذا كان المطلوب نقل إضافة الملكية، فإن نقلها مقصود بالاستقلال، و لا تناله يد اللحاظ الآلي أصلا حتى يلزم اجتماع اللحاظ الاستقلالي و الآلي اللّذين هما متباينان.

و ببيان أوضح: تارة يكون العوضان إضافتي الملكيتين، فيتعلق الإنشاء بنقل إضافة الملكية من الطرفين و تبديلها، و هذا هو المبادلة بين المالين المفسّر بها البيع في المصباح. و أخرى: يكون العوضان نقل التمليك بإزاء مثله من الطرف الآخر، بحيث يكون كلّ منهما ناقلا للتمليك إلى الآخر، لا ناقلا لنفس المال.

فإذا قال: «ملّكتك الدار بالبستان» كان المنشأ نقل إضافة ملكية الدار بإزاء ملكية

______________________________

(1): حاشية المكاسب: ج 1، ص 39

ص: 91

______________________________

البستان. و هذا هو أوّل الوجوه المذكورة في كلام المصنف قدّس سرّه و هو المسمّى بالبيع، و إذا قال: «ملّكتك تمليك داري بأن تملّكني تمليك بستانك» كان ممّا نحن فيه، و هو أجنبي عن تمليك نفس المال، فإذا أريد إنشاؤه باللفظ فلا محيص من أن يقال:

«ملّكتك تمليك داري بأن تملّكني تمليك بستانك» و لا يصح أن يقال: «ملّكتك داري ببستانك».

و عليه فإعطاء العين بقصد أن يملّك تمليكها، لا بلحاظ كونه آلة لإنشاء ملكية متعلّقه حتى يكون هذا اللّحاظ آليّا، و لحاظ نفس المال استقلاليا، بل ليس إلّا لحاظ استقلالي، هذا.

و أمّا دفع إشكال اجتماع اللحاظين في الفعل بما في كلام بعض الأجلة من «أنّه جار في الألفاظ الدالة بالذات أو الوضع على المعاني، حيث إنّها آلات لإبراز معانيها، و مع لحاظها آلة لا يعقل لحاظها استقلالا. و أمّا الأفعال فليست بذاتها أو بالمواضعة آلات لشي ء، فيمكن لحاظ الإعطاء الخارجي المقصود به التمليك مستقلا» فلا يخلو من غموض، لأنّ الأفعال أيضا تكون آلة لإبراز المقاصد، غاية الأمر أنّ مبرزيّتها لها إنّما تكون بالقرينة كالمقاولة المتقدمة على المعاملة، فمجرد عدم دلالتها ذاتا أو بالوضع على المعاني لا يكون فارقا بين الألفاظ و بينها. و إنكار دلالة الأفعال على المعاني و إبرازها عنها مساوق لإنكار المعاطاة في جميع المعاملات.

فتلخص مما ذكرناه: أنّه لا مانع من ناحية اجتماع اللحاظ الآلي و الاستقلالي عن إمكان التمليك بإزاء التمليك.

ثم إنّ هذه المعاملة- أعني بها التمليك بإزاء التمليك- قد يقال: إنّها بيع، حيث إنّ تعريفه- و هو المبادلة بين المالين- صادق عليها، لما مرّ من أنّ التمليك بنفسه من الأموال. لكن صدق مفهوم البيع عليها مبنيّ على عدم اعتبار كون المبيع عينا، و هو في حيّز المنع كما تقدّم في محلّه.

ص: 92

و منشأ الإشكال أوّلا: الإشكال (1) في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المتصرف بأن يقول: «أبحت لك كلّ تصرف» من دون أن يملّكه العين.

______________________________

(1) هذا هو الإشكال المشترك بين القسمين الثالث و الرابع، و محصّله: عدم الدليل على مشروعية إباحة جميع التصرفات حتّى ما يتوقف منها على ملكيّة المتصرّف كالوقف و العتق و البيع، بأن يقول: «أبحت لك كل تصرف، مع بقاء العين على ملكي».

و منشأ الإشكال: أنّ الدليل على جواز الإباحة قاعدة السلطنة، و هي ليست مشرّعة، و إنّما تدل على صحة كل تصرّف ثبت جوازه شرعا بدليل آخر، فإنّ الناس مسلّطون على أموالهم لا على أحكام أموالهم. و لمّا كان توقف صحة البيع و العتق و نحوهما على الملك حكما شرعيا- لا من شؤون سلطنة المالك على ماله- لم يكن للمالك أن يبيح للغير كل تصرّف في ماله حتّى ما يناط بملكية المتصرّف، و لا تكفي الإباحة في نفوذه و صحته. و لا فرق في هذا الإشكال بين كون الإباحة معوّضة و خالية عن العوض، و كان العوض تمليكا أم إباحة.

______________________________

كما أنّها ليست بهبة معوّضة، لأنّ العوض فيها يكون بنحو الاشتراط، لا المقابلة.

بخلاف المقام، فإنّ العوض فيه يكون على وجه المقابلة.

مضافا إلى: أنّه يعتبر في الهبة أن يكون الموهوب عينا. و هو مفقود في المقام، إذ المفروض كون التعاوض بين التمليكين، و هما أجنبيان عن العين.

كما أنّها ليست بإجارة أيضا، لعدم كون التسليط على التمليك منفعة عرفا، و لعدم كون توقيته بوقت معيّن، مع أنّ تعيين الأجل ممّا لا بدّ منه في الإجارة.

فالظاهر أنّ هذه المعاملة- على تقدير صحتها- معاوضة خاصة يشملها دليل التجارة، و لا يجري فيها الأحكام المختصة بالبيع كخيار المجلس و الغرر بناء على اختصاصه بالبيع، و اللّه العالم.

ص: 93

و ثانيا (1): الإشكال في صحة الإباحة بالعوض، الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة و تمليك (2) فنقول:

أمّا إباحة (3) جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك فالظاهر أنّها لا تجوز، إذ التصرف الموقوف على الملك لا يسوغ لغير المالك بمجرّد إذن المالك، فإنّ إذن المالك ليس مشرّعا، و إنما يمضى فيما يجوز شرعا. فإذا (4) كان بيع الإنسان مال غيره لنفسه- بأن يملك الثمن مع خروج المبيع عن ملك غيره- غير (5) معقول كما صرّح به العلّامة في القواعد (6)

______________________________

(1) هذا هو الإشكال الثاني المختصّ بالقسم الثالث، و محصّله: أنّ العقد المؤلّف من «إباحة و تمليك» ليس من المعاوضات المعهودة حتى تشملها أدلة الإمضاء مثل الأمر بالوفاء بالعقود و التجارة عن تراض.

(2) الإباحة من المبيح، و التمليك من المباح له.

(3) هذا شروع في تحقيق الإشكال الأوّل، و أنّه هل يمكن التفصّي منه أم لا؟

و قد أوضحه المصنف قدّس سرّه أوّلا، ثم تصدّى لتصحيح إباحة جميع التصرفات بوجوه ثلاثة سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(4) غرضه قدّس سرّه الاستشهاد بكلام العلّامة في القواعد على أنّ سلطنة المالك على ماله مقصورة على التصرفات المشروعة بنفسها. و لمّا كان البيع «مبادلة مال بمال» و هي تتوقف على دخول كلّ من العوضين في ملك الآخر، فلذا لا يصحّ أن يبيح المالك لغيره بيع ملكه من دون أن يصل الثمن إلى مالك المعوّض. وجه عدم الصحة:

عدم ثبوت سلطنة المالك على إباحة بيع ماله لغيره، فلا يكون مجرّد إذنه للغير مصحّحا لكلّ تصرّف منه.

(5) خبر قوله: «كان بيع الإنسان».

(6) حيث قال قدّس سرّه: «لو قال: بع عبدك من فلان، على أنّ عليّ خمسمائة، فباعه بهذا الشرط بطل، لوجوب الثمن بأجمعه على المشتري، فليس له أن يملك العين و الثمن على غيره. بخلاف: أعتق عبدك و عليّ خمسمائة، أو: طلّق امرأتك و عليّ مائة، لأنّه

ص: 94

فكيف (1) يجوز للمالك أن يأذن فيه (2)؟

نعم (3) يصح ذلك (4) بأحد وجهين كلاهما في المقام مفقود.

أحدهما (5): أن يقصد المبيح بقوله: «أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك»

______________________________

عوض في مقابلة فكّ» «1».

(1) جزاء قوله: «فإذا كان».

(2) أي: في بيع ملك نفسه مع عدم وصول العوض إليه، لفرض دخول العوض في ملك المأذون.

(3) استدراك على قوله: «فكيف يجوز للمالك» و غرضه إبداء الفرق بين إباحة جميع التصرفات و بين إذن المالك لغيره في بيع ماله، و محصّله: أنّ إذن المالك لغيره في البيع يمكن تصحيحه بأحد وجوه ثلاثة، بخلاف إباحة جميع التصرفات، إذ لا يمكن تصحيحها بها كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(4) يعني: يصحّ البيع مع إذن المالك.

(5) هذا الوجه الأوّل محكي عن بعض الأساطين، و هو مأخوذ ممّا ذكروه في تصحيح وقوع العتق عن الأمر بالعتق في قوله: «أعتق عبدك عنّي» فيراد تصحيح الإباحة المطلقة بتنظيره بالأمر بالعتق، و محصله: أنّ قول المبيح: «أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك» إمّا أن يقصد به إنشاء التوكيل، و إمّا أن يقصد به التمليك بلسان الإباحة.

و التوكيل إمّا أن يكون في بيع المال ثم تملكه بهبة، و إمّا أن يكون بتملّك المال أوّلا ثم بيعه، فالصور ثلاث:

الأولى: أن يقصد المبيح بقوله: «أبحت ..» إنشاء التوكيل للمباح له في أمرين:

أحدهما: أن يبيع مال الموكّل المبيح. ثانيهما: نقل الثمن إلى نفسه بالهبة، يعني يهب المباح له الثمن لنفسه وكالة عن المبيح، فإذا فعل ذلك كان الثمن ملكا له.

الثانية: أن يقصد المبيح صيرورة المباح له وكيلا في تمليك المال لنفسه، ثم بيعه،

______________________________

(1): قواعد الأحكام، ص 58 (الطبعة الحجرية).

ص: 95

أن ينشأ توكيلا له [إنشاء توكيل] في بيع ماله، ثم (1) نقل الثمن إلى نفسه بالهبة، أو (2) في نقله أوّلا إلى نفسه ثم بيعه. أو تمليكا (3) له (4) بنفسه هذه الإباحة، فيكون (5) إنشاء تمليك له، و يكون بيع (6) المخاطب بمنزلة قبوله

______________________________

و لا ريب حينئذ في وقوع البيع لنفسه و دخول الثمن في ملكه، لفرض كون المعوّض ملكه قبل البيع.

الثالثة: أن يقصد المبيح بقوله: «أبحت ..» إنشاء تمليك المال للمباح له كناية، فليس مقصوده التوكيل أصلا، بل يكون هذا الإنشاء تمليكا ابتدائيا، لكنّه لا بالصراحة بل بالكناية، من جهة ذكر اللازم و هو إباحة بيع المال لنفس الآخذ المباح له، و إرادة الملزوم و هو التمليك.

هذا توضيح ما أفاده في الوجه الأوّل. و شي ء من صور المسألة لا ينطبق على ما نحن فيه و هو إباحة جميع التصرفات، لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا إشارة إلى الصورة الأولى من الصور الثلاث المتقدمة، و قد عرفت أنّه يتضمن توكيلين: أحدهما في البيع، و الثاني في الهبة.

(2) معطوف على «في بيع ماله» و هذا إشارة إلى الصورة الثانية من الصور الثلاث.

(3) معطوف على «توكيلا» و هذا إشارة إلى الصورة الثالثة من الصور الثلاث.

(4) أي: تمليكا للمباح له بنفس هذا الإنشاء من دون توكيل في البين أصلا، فهذا تمليك كنائي، لا صريح و لا ظاهر.

(5) يعني: فيكون قوله: «أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك» إنشاء تمليك للمباح له، و يكون بيع المباح له إنشاء التملّك.

(6) بل يتحقق القبول بنفسه الأخذ، من دون حاجة إلى بيع المال في حصول الملكية، إذ بعد فرض كون العبارة المذكورة كناية عن التمليك- لا المبادلة- كان أخذ المباح له تملّكا، و لا يتوقف تملكه و قبوله على بيعه.

إلّا أن يفرض كلام المصنف قدّس سرّه فيما إذا لم يتسلّم المباح له المال كي يتحقق قبوله

ص: 96

كما صرّح في التذكرة (1) بأنّ «قول الرجل لمالك العبد: أعتق عبدك عنّي بكذا استدعاء لتمليكه، و إعتاق المولى عنه جواب لذلك الاستدعاء، فيحصل النقل و الانتقال بهذا الاستدعاء و الجواب،

______________________________

بالأخذ، و حينئذ فيكون إنشاء قبول الإباحة بنفس إنشاء بيع المال.

(1) قال في التذكرة بعد بيان الشروط المعتبرة في صيغة البيع ما لفظه: «فروع الأوّل: إنّما يفتقر إلى الإيجاب و القبول فيما ليس الضمني من البيوع. و أمّا الضمني- كأعتق عبدك عنّي بكذا- فيكفي فيه الالتماس و الجواب، و لا تعتبر الصيغة المتقدمة إجماعا» «1».

و اعتمد صاحب الجواهر على هذه الملكية الآنيّة في تصحيح الصورة الأولى من صور المعاطاة و هي إباحة كل منهما التصرف للآخر على جهة المعاوضة «من غير فرق بين أنواع التصرفات، ما توقف منها على الملك و غيره. و على معنى إباحة إيقاعها للمباح له لا للمبيح، فتجري عليها أحكام الإباحة المجانية من اللزوم بالتلف، و أحكام المعاوضة من تعيين العوض بالمسمّى، و أحكام: أعتق عبدك عنّي، و: بع هذا المال لك، و نحوه مما يفيد الملك الضمني بوقوع التصرف بناء على جريانه على القواعد، ضرورة انحلال الإباحة بالعوض على الوجه المزبور إلى ذلك كلّه، فليس لها حكم جديد مستنكر» «2».

و استدل على صحته في موضع آخر بقوله: «و للجمع بين ما دلّ على صحة هذا التصرف في هذا المال المفروض إباحته، و بين ما دلّ على: أن لا عتق إلّا في ملك، قدّر الملك ضمنا نحو ما قدّروه في: أعتق عبدك عنّي، و انعتاق العمودين على المشتري لهما، و نحو ذلك. و لا حاجة إلى شاهد لهذا الجمع، بل هو مقتضى الدليلين، ضرورة أنّ غاية ما دلّ على اعتبار الملك اقتضاء عدم وقوع التصرّف المزبور على غير المملوك

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 225

ص: 97

و يقدّر وقوعه (1) قبل العتق آنا ما، فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج إلى الشروط المقرّرة لعقد البيع».

و لا شك (2) أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس الإذن في نقل المال إلى نفسه أوّلا (3)، و لا في نقل الثمن إليه ثانيا (4)، و لا قصد (5) التمليك بالإباحة المذكورة، و لا قصد (6) المخاطب التملّك عند البيع

______________________________

مثلا، فيكفي فيه التقدّم الذاتي الذي هو كتقدّم العلة على المعلول ..» «1».

(1) أي: وقوع النقل و الانتقال.

(2) غرضه بيان فقدان الوجه الأوّل الذي أفاده بقوله: «أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله: أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك .. إلخ» في المقام.

و محصله: إنكار الإذن و التوكيل ههنا، لعدم كونه مقصودا للمتعاطيين، و من المعلوم تقوّم الإذن و التوكيل بالقصد، فليس قول المبيح: «أبحت» من صغريات الإذن و التوكيل بكلتا صورتيه المتقدّمتين.

(3) هذا نفي التوكيل في التملّك حتى تقع التصرفات في ملك المباح له، و هي الصورة الثانية من الصور الثلاث.

(4) هذا نفي التوكيل في البيع عن المالك المبيح، ثم التوكيل في تملّك الثمن بالهبة، و هي الصورة الأولى من الصور الثلاث.

(5) معطوف على «ليس الإذن» و غرضه أجنبية المقام عن الصورة الثالثة، و هي إنشاء التمليك بلفظ الإباحة كناية. و وجه عدم تحقق هذا التمليك الكنائي في المقام هو:

توقف التمليك على القصد و الاعتبار، فمع قصد الإباحة المعوّضة- أو المجرّدة عن العوض- لا يبقى مجال للحمل على إنشاء التمليك، لفرض كون المالك مبيحا للعين لا مملّكا لها.

(6) هذا متمّم لنفي التمليك الكنائي الذي أفاده بقوله: «و لا قصد» و حاصله: أنّ

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 232

ص: 98

حتى يتحقق تمليك ضمنيّ مقصود للمتكلم و المخاطب كما (1) كان مقصودا- و لو إجمالا (2)- في مسألة «أعتق عبدك عنّي» و لذا (3) عدّ العامة و الخاصة من الأصوليين دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي عرّفوها بأنّها دلالة مقصودة للمتكلم يتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا عليه (4)، فمثّلوا للعقلي بقوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و للشرعي بهذا المثال (5)، و من المعلوم بحكم الفرض (6) أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس إلّا مجرد الإباحة.

______________________________

حمل الإباحة هنا على التمليك ممنوع من جهتين: الأولى: عدم قصد المبيح تمليك ماله.

الثانية: عدم قصد المخاطب التملّك، فلو فرض قصد المبيح للتمليك امتنع تحققه من جهة انتفاء قصد التملك من المخاطب.

(1) يعني: أنّ قصد التمليك و إن لم يتوقف على قصده بالاستقلال، إلّا أنّ قصده ضمنا ممّا لا بدّ منه، كما كان هذا التمليك الضمني مقصودا في الوكالة المتحققة بقول الآمر لمالك العبد: «أعتق عبدك عنّي» حيث يقصد الآمر الموكّل تملّك العبد، و يقصد المأمور تمليك عبد نفسه للآمر، ثم عتقه عنه. و المفروض في المقام انتفاء قصد التمليك و التملّك.

(2) المراد بالقصد الإجمالي هو: أنّ الآمر لو التفت إلى توقف العتق الصحيح على تملّكه للعبد المعتق لوكّل سيّده في التمليك.

(3) أي: و لأجل القصد الإجمالي عدّوا دلالة هذا الكلام على التمليك من دلالة الاقتضاء التي هي مقصودة للمتكلّم، و تتوقف صحة الكلام عقلا عليها كسؤال القرية و نحوها من الجمادات، أو شرعا كالمثال المذكور، و هو قوله: «أعتق عبدك عنّي» و من المعلوم أنّ قصد التمليك و لو إجمالا مفقود في المقام، إذ ليس قصد المبيح غير الإباحة، فدلالة الاقتضاء هنا مفقودة.

(4) أي: على دلالة الاقتضاء، و الأولى تأنيث الضمير.

(5) أي: بقول الآمر: «أعتق عبدك عنّي».

(6) إذ المفروض كون الوجهين الأخيرين- و هما الإباحة في مقابل المال،

ص: 99

الثاني (1): أن يدلّ دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرّد

______________________________

و الإباحة في مقابل الإباحة- في قبال الوجهين الأوّلين، فالمقصود بالأخيرين منحصر في الإباحة من دون قصد التمليك أصلا.

فتحصل: أنّ الوجه الأوّل- من إنشاء التوكيل أو إنشاء التمليك كناية- غير جار في المقام، و لا يندفع به الإشكال.

(1) هذا هو الوجه الثاني لتصحيح بيع المباح له للمال الذي أبيح له، و محصله:

قيام دليل شرعي على حصول الملك للمباح له- تعبّدا- بمجرد الإباحة، لكن لمّا لم يكن المبيح قاصدا للتمليك- لقصده الإباحة المحضة- فلا بدّ من الالتزام بالملكية الآنيّة، إمّا في حقّ المبيح، أو المباح له. و عليه يمكن تقريب هذا الدليل الشرعي الدال على مالكية المباح له بأحد وجهين:

الأوّل: أن يكون المال باقيا على ملك المبيح إلى زمان إرادة التصرف المنوط بالملك كالبيع، فيحكم بانتقال المباح إلى ملك المباح له- شرعا- في آن إرادة التصرف، و نتيجته وقوع البيع في ملكه لا في ملك المبيح.

الثاني: أن يكون المال باقيا على ملك المبيح حتى في الآن الذي يريد المباح له بيعه، فيكون البيع تصرّفا في ملك المبيح، لعدم انتقاله إلى المباح له بعد، فإذا باعه دلّ الدليل على انتقال الثمن الى ملك المبيح- تحقيقا لمفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عنه- آنا ما، ثم ينتقل إلى المباح له. و من المعلوم أنّ قيام الدليل التعبدي على هذه الملكية الآنية في المقام غير مستبعد، لوجود نظيره في الشرع، كما ذكروه في مسألة دخول العمودين آنا ما في ملك المشتري، و انعتاقهما عليه قهرا.

و اعلم أنّ الفارق بين هذا الوجه الثاني المبني على الملكية الآنيّة- بكلا تقريبية- و بين الوجه الأوّل المتقدم بقوله: «أحدهما أن يقصد المبيح بقوله .. إلخ» هو: أنّ الملكية في ذلك الوجه مقصودة إمّا بالتوكيل و إما بالإنشاء الكنائي. بخلافه في هذا الوجه الثاني، إذ الملكية غير مقصودة أصلا، و إنّما تحصل الملكيّة قهرا بجعل

ص: 100

الإباحة، فيكون (1) كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما، فيقع البيع في ملكه (2). أو يدلّ (3) دليل شرعي على انتقال الثمن عن المبيح بلا فصل بعد البيع، فيكون ذلك (4) شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما لا يقبل (5) غير العتق.

فإنه (6) حينئذ يقال بالملك المقدّر آنا ما، للجمع بين الأدلة (7).

______________________________

الشارع و إن لم يقصدها المبيح أصلا.

(1) يعني: فيكون الدليل الشرعي كاشفا عن الملكية الآنامّائيّة تعبّدا في آن إرادة البيع.

(2) أي: في ملك المباح له، لدخول المال في ملكه بإرادة البيع.

(3) معطوف على «يدلّ» و هذا هو التقريب الثاني لقيام الدليل التبعدي.

(4) يعني: فيكون دخول ثمن المبيع المباح في ملك المباح له نظير انعتاق العمودين بعد دخولهما آنا ما في ملك المشتري.

و الظاهر أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه تنظير قيام الدليل التعبدي على الملكية الآنية بمسألة ملكية المشتري للعمودين آنا ما، سواء أريد توجيه دخول المباح في ملك المباح له آنا ما بإرادة البيع، أم أريد توجيه مالكية المبيح للثمن آنا ما بعد البيع و خروجه عن ملكه.

(5) صفة لقوله: «ملك شخص» يعني: أنّ هذا الملك التطرّقي لا يترتب عليه شي ء من آثار الملك، و إنّما يترتب عليه العتق القهري.

(6) الضمير للشأن، و مقصوده قدّس سرّه تطبيق هذا التوجيه الثاني- أي الملكية الآنيّة التعبدية الجارية في مسألة بيع مال الغير لنفسه- على المقام و هو إباحة جميع التصرفات، سواء أ كانت بعوض إباحة أم بعوض مال.

(7) الظاهر أنّ المراد بها هو دليل صحة الشراء، و دليل إناطة العتق بالملك، و دليل عدم ملكية العمودين.

ص: 101

و هذا الوجه (1) مفقود فيما نحن فيه،

______________________________

(1) الأولى إضافة «أيضا» إليه، بأن يقال: «و هذا الوجه أيضا مفقود».

و كيف كان فالمراد بهذا الوجه هو الوجه الثاني المذكور بقوله: «الثاني أن يدلّ دليل شرعي .. إلخ» الذي كان متضمنا للملكية الآنيّة بنحوين.

و حاصل ما أفاده في عدم جريان الملكية الآنامّائيّة في المقام هو: أنّ مجرّد احتمال دلالة الدليل الشرعي غير كاف في الالتزام بها، بل لا بد من الدليل- في مقام الإثبات- على صحة إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك، و المفروض عدم الظفر بهذا الدليل بعد.

فإن قلت: إنّ الدليل على الصحة هو حديث السلطنة، لاقتضاء إطلاق سلطنة المالك على أمواله حلية كل تصرف تكليفا، و نفوذه وضعا. و عليه يجوز له أن يبيح ماله للغير إباحة مطلقة.

و حيث إنّه ثبتت صحة هذه الإباحة جرى استكشاف الملكية الآنيّة للمبيح أو للمباح له، هذا.

قلت: نعم، و إن اقتضى إطلاق السلطنة صحة هذه الإباحة المطلقة، لكن لا مجال للأخذ بهذا الإطلاق، لوجود المعارض، و هو القواعد المسلّمة الأخرى، مثل توقف انتقال الثمن إلى شخص على خروج المثمن عن ملكه، و توقف صحة العتق و البيع على الملك. و وجه المعارضة واضح، فإنّ إطلاق السلطنة يقضي بصحة بيع المباح له و دخول الثمن في ملكه، و قاعدة «لا بيع إلّا في ملك» تقضي ببطلان بيع غير الملك، فلا بد من تقييد إطلاق السلطنة بأن يقال: بصحة إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

هذا تقريب رفع اليد عن عموم قاعدة السلطنة، و لكنه سيأتي بعد أسطر حكومة تلك القواعد على حديث السلطنة، فانتظر.

ص: 102

إذ (1) المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص على صحة هذه الإباحة (2). و إثبات (3) صحته بعموم مثل «الناس مسلّطون على أموالهم» يتوقف على عدم مخالفة مؤدّاها (4) لقواعد أخر (5) مثل توقف انتقال الثمن إلى الشخص على كون المثمن مالا له (6)، و توقف صحة العتق على الملك، و صحة (7) الوطي على التحليل بصيغة خاصّة (8)

______________________________

(1) تعليل للفقدان، و قد عرفت توضيحه.

(2) أي: إباحة كل تصرّف حتى ما يتوقف على الملك.

(3) مبتدأ خبره: «يتوقف» و مقصوده قصور قاعدة السلطنة عن إثبات مشروعية الإباحة المطلقة، لوجود المعارض، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «ان قلت ..

قلت».

(4) الأولى تذكير الضمير، لرجوعه الى «عموم مثل» إلّا أن يراد قاعدة السلطنة.

(5) كالقواعد الثلاث المذكورة في المتن، فيرفع اليد عن الإطلاق بمقدار منافاته له.

(6) تحقيقا لمفهوم البيع الذي هو من المعاوضات.

(7) معطوف على «صحة» أي: و توقف صحة الوطي على التحليل كما هو المشهور، و يدلّ عليه بعض النصوص. و هذه قاعدة ثالثة معارضة لإطلاق سلطنة المالك. و وجه المعارضة واضح، لاقتضاء الإطلاق جواز تحليل الأمة بكل ما يدلّ عليه من لفظ صريح أو كناية أو مجاز أو إشارة أو فعل كإرسالها إلى دار المحلّل له مع قصد التحليل. و قاعدة توقف التحليل على إنشائه بصيغة خاصة تقتضي حرمة الوطي بغير الصيغة الخاصة، و لا مناص من تقييد إطلاق السلطنة بهذه القاعدة.

و المقام كذلك.

(8) قال في الجواهر: «أما الصيغة فلا خلاف في اعتبارها فيه، بل الإجماع بقسميه

ص: 103

لا بمجرّد (1) الإذن في مطلق التصرف.

و لأجل ما ذكرنا (2) صرّح المشهور- بل قيل لم يوجد خلاف في- «أنّه لو دفع إلى غيره مالا، و قال: اشتر به لنفسك طعاما، من غير قصد الإذن في

______________________________

عليه، فلا يكفي التراضي مطلقا. و صيغته هي: أحللت لك وطئها، أو: جعلتك في حلّ من وطئها» «1».

(1) يعني: لا يحصل التحليل بالإذن في مطلق التصرف، كما لا يصح العتق و البيع به. ففي المقام لا يجوز لغير المالك البيع و العتق اعتمادا على إباحة المالك المطلقة.

(2) من كون البيع تبديل طرفي الإضافة، و دخول كل من العوضين في كيس من خرج عنه الآخر صرّح المشهور بأنّ المالك لو دفع مالا إلى غيره، و قال له:

«اشتر به لنفسك طعاما» لم يصح هذا الشراء، لبقاء المال على ملك الدافع مع عدم وصول عوضه- و هو الطعام- إليه. نعم لو قصد أحد الأمور الثلاثة صحّ و جاز للآخذ التصرف في الطعام:

الأوّل: أن يقصد الدافع الإذن في أن يقترض الآخذ المال لنفسه قبل شراء الطعام، فيتملّك المال بالقرض، فيشتري بمال نفسه.

الثاني: أن يقصد الدافع الإذن للآخذ في أن يقترض الطعام بعد أن اشتراه من مال الدافع.

الثالث: أن يأذن الدافع للآخذ في أن يشتري طعاما في ذمة نفسه، ثم يؤدّي دينه بمال الدافع، فيتملّك الآخذ الطعام بالشراء لنفسه، و يصير مديونا للدافع بماله الذي أدّى به دينه.

فبناء على كل واحد من هذه الوجوه الثلاثة يصحّ دفع المال و شراء الطعام به، لفرض تحقق المعاوضة الحقيقية حينئذ.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 30، ص 298

ص: 104

اقتراض المال قبل الشراء (1) أو اقتراض الطعام (2) أو استيفاء الدّين منه بعد الشراء (3) [1] لم يصح» (4) كما صرّح به (5) في مواضع (6) من القواعد.

______________________________

(1) لأنّه باقتراض المال يصير مالكا له، فيشتري بمال نفسه، فتتحقق المعاوضة الحقيقية حينئذ، لدخول المثمن في كيسه بدل المال الذي اقترضه.

(2) هذا الطريق الثاني لتصحيح دفع المال و شراء الطعام، و هو في صورة بقاء المال على ملك الدافع، و دخول المثمن في ملكه، غايته أنّه بعد البيع يقترض الطعام عن الدافع، فيملك الطعام.

(3) يعني: أنّه يشتري الطعام على ذمته، ثم يوفي دينه من مال الدافع، و الأولى تبديل الاستيفاء بالأداء، أو الوفاء، أو نحوهما كما لا يخفى.

و لعلّ المصنف اعتمد على نقل كلام المحقق الثاني قدّس سرّه في استثناء هذه الموارد الثلاثة، حيث قال: «إلّا أن يعلم بقرينة أنّه يريد قضاء طعامه بالدراهم و إن كانت من غير الجنس. أو يريد قرضه إيّاها، أو شراءه لمن عليه الطعام و استيفاؤه بعد الشراء.

و يكون التعبير بكون الشراء له- أي للآخذ- آئلا إلى ذلك» «1».

(4) جواب «لو» في قوله: «لو دفع إلى غيره».

(5) أي: بعدم الصحة.

(6) منها: كلامه في هذه المسألة، حيث قال: «و كذا لو دفع إليه مالا و أمره بشراء طعام له لم يصح الشراء و لا تتعيّن له بالقبض، أمّا لو قال: اشتر به طعاما و اقبضه لي، ثم أقبضه لنفسك صح الشراء. و في القبض قولان» «2».

و منها: في مسألة الأمر بعتق عبد الغير، و قد تقدم في (ص 94).

______________________________

[1] أورد السيد قدّس سرّه عليه بأنّ إشكال الشراء للنفس بمال الغير يجري في أداء

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 400

(2) قواعد الأحكام، ص 57 (الطبعة الحجرية).

ص: 105

و علّله (1) في بعضها:

______________________________

(1) يعني: و علّل العلّامة في بعض مواضع القواعد عدم صحة دفع المال- بدون قصد أحد الأمور الثلاثة- بأنّه لا يعقل .. إلخ. و لا يخفى أنّ الموجود في عبارة القواعد «البطلان» لا عدم المعقولية، و لعلّ المصنف ظفر بعدم المعقولية في موضع آخر من

______________________________

الدين بمال الغير، فهما مشتركان إشكالا و دفعا «1».

لكن أجاب المحقق الأصفهاني عنه بالفرق، حيث إنّ محذور الشراء بمال الغير هو امتناع المعاوضة الحقيقية، المقتضية لدخول كل من العوضين في ملك الآخر، فلا يعقل تملك المشتري للطعام مع خروج العوض عن ملك المستدعي و الآمر.

بخلاف أداء الدين، فإنّه ليس فيه معاوضة أصلا بين عينين، لاستقرار الكلي في ذمة المديون، و لا مانع من أدائه بملك الغير بإذنه.

نعم لو قيل بوقوع الفرد طرفا للمعاملة بمجرّد انطباق الكلي عليه، أو أنّ نفس وفاء الدين مبادلة، فيلزم دخول العوض في ملك شخص و خروج المعوّض عن ملك شخص آخر لكان الأداء بمال الغير كالشراء به في الامتناع.

لكنه ممنوع. أمّا الأوّل فلاستحالة خروج المعاملة من حدّ إلى حدّ آخر، فحيث كان الثمن كلّيا مستقرا في الذمة امتنع أن ينقلب إلى العين الشخصية التي يحصل بها الأداء.

و أمّا الثاني فلأنّ الوفاء ليس بنفسه معاملة و مبادلة، بل محض تطبيق الكلّي على فرده.

بل و كذا الأمر في الوفاء بغير الجنس، فإنّ مرجعه إلى رفع اليد عن الخصوصية و القناعة بأصل المالية، فتدبّر «2».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 80

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 42

ص: 106

بأنه لا يعقل شراء شي ء لنفسه بمال الغير (1)». و هو (2) كذلك، فإنّ (3) مقتضى مفهوم المعاوضة و المبادلة دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه، و إلّا (4) لم يكن عوضا و بدلا [1].

و لما ذكرنا (5) حكم الشيخ و غيره بأنّ الهبة الخالية عن الصيغة تفيد إباحة

______________________________

كلمات العلّامة، أو نقل بالمعنى.

(1) هذا التعليل يرجع إلى كون الإشكال في صحة التصرف المتوقف على الملك الذي أبيح له من ناحية المالك عقليا، لأنّ مفهوم المعاوضة بناء على ما في المتن- من كون مقتضاه دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه- عدم تعقّل تحقق المعاوضة حينئذ.

(2) يعني: أنّ تعليل البطلان بعدم المعقولية- الذي أفاده العلّامة- متين.

(3) هذا وجه متانة التعليل.

(4) أي: و إن لم يدخل العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه لم تتحقق المعاوضة أصلا.

(5) يعني: ما ذكره قبل أسطر في نفي مشروعية إباحة جميع التصرفات، حيث قال: «إذ المفروض أنّه لم يدل دليل شرعي بالخصوص على صحة هذه الإباحة العامّة».

و على هذا فمقصود المصنف تأييد إشكاله- في إباحة جميع التصرفات- بنقل عبارتين، إحداهما من شيخ الطائفة، و الأخرى من الشهيد، فالشيخ قدّس سرّه أفتى في الهبة المعاطاتية بإباحة التصرف غير المتوقف على الملك- كالوطي- في العين الموهوبة إذا تجرّدت الهبة عن الصيغة، و ذلك لأنّ جواز الوطي متوقف على الملك، و المفروض أنّ

______________________________

[1] سيأتي في التعليقة أنّ البيع متقوّم بالتعاوض بين المالين، مع الغضّ عن المالكين، بل مع عدم مالك في البين، كبيع الوقف العام بمثله، فراجع.

ص: 107

التصرف، لكن لا يجوز وطي الجارية، مع أنّ الإباحة المتحققة من الواهب يعمّ جميع التصرفات (1).

و عرفت (2) أيضا: أنّ الشهيد في الحواشي لم يجوّز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي، و لا وطي الجارية.

مع (3) أنّ مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة.

و دعوى (4) «أنّ الملك التقديري

______________________________

الهبة المعاطاتية لا تفيد الملك، بل إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

(1) لكن لا عبرة بهذه الإباحة المالكية العامة لمطلق التصرفات، بعد عدم الدليل على مشروعيتها.

(2) مقتضى السياق أن يكون معطوفا على قوله: «حكم الشيخ» يعني: كما حكم الشيخ بحرمة ..، فكذا منع الشهيد من إخراج المأخوذ بالمعاطاة، و لكن لا يستقيم العطف.

و كيف كان فقد حكى المصنف قدّس سرّه كلام الشهيد في مواضع، منها: في الأقوال في المعاطاة، قال: «مع أن المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد: المنع عمّا يتوقف على الملك كإخراجه في خمس أو زكاة و كوطي الجارية» «1».

و منها: في التنبيه الأوّل من تنبيهات المعاطاة، و قد تقدم في (ص 28).

(3) يعني: أنّ المتعاطيين و إن قصدا الإباحة المطلقة الشاملة للتصرف المنوط بالملك، لكنّها غير ممضاة شرعا بالنسبة إلى ما يتوقف على الملك.

(4) الغرض من هذه الدّعوى الإشكال على قوله: «و هذا الوجه مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض أنّه لم يدلّ دليل بالخصوص .. إلخ». و قد عرفت فيما نقلناه من كلام الجواهر أنّه قد استدلّ بهذه الدّعوى على مشروعية الإباحة المطلقة.

و محصّل الدعوى: أنّ الجميع بين الأدلة- المقتضي لتقدير الملك آنا ما-

______________________________

(1): لاحظ الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 256

ص: 108

هنا (1) أيضا (2) لا يتوقف على دلالة دليل خاص (3)، بل يكفي الدلالة بمجرّد الجمع بين عموم: الناس مسلّطون على أموالهم، الدالّ على جواز هذه الإباحة المطلقة، و بين أدلّة توقف مثل العتق و البيع على الملك. نظير الجمع بين الأدلة في الملك التقديري» مدفوعة (4)

______________________________

لا يتوقف على وجود دليل خاص يدلّ على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة، بل يكفي في الالتزام بالملك التقديري كونه مقتضى الجمع بين عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الذي هو دليل جواز هذه الإباحة المطلقة، و بين أدلة توقف مثل العتق و البيع على الملك، نظير الجمع بين الأدلة بالملك التقديري في مثل «أعتق عبدك عنّي».

(1) أي: في مورد البحث و هو الإباحة المطلقة.

(2) يعني: كما في صورة الأمر بعتق عبد الغير عن نفس الآمر، فإنّ دلالة الاقتضاء فيها كافية في لزوم الجمع بين الأدلة المقتضي للملك التقديري.

(3) في قبال ما يقتضيه الجمع بين الأدلة، فالمراد بالدليل الخاص ما يكون مضمونه تحقق الملك التقديري في بعض الموارد، كالمقام و هو إباحة أنحاء التصرفات.

(4) خبر «دعوى» و دفع لها، و محصله: عدم صلاحية عموم دليل السلطنة لأن يكون دليلا على جواز الإباحة المزبورة، كما أشار إليه في الوجه الثاني بقوله: «و إثبات صحته بعموم مثل الناس مسلّطون على أموالهم يتوقف على .. إلخ».

وجه عدم صلاحيّته هو: أنّ دليل السلطنة ليس مشرّعا بحيث يكون دليلا على جواز تصرف شكّ في مشروعيته، لعدم دليل عليها، أو مخصّصا لعموم ما دلّ على عدم مشروعيته، إذ لو كان كذلك لكان المناسب أن يقال: «الناس مسلّطون على أحكامهم» لا «على أموالهم».

و على هذا فالقاعدة السلطنة بصدد بيان عدم كون المالك محجورا عن التصرفات المباحة شرعا للمالك في ماله، فإذا لم يكن مشرّعا فلا يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة على توقف البيع و نحوه على الملك حتى يجمع بينهما بالملك

ص: 109

بأنّ عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» إنّما يدلّ على تسلّط الناس على أموالهم لا على أحكامهم، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالك كل تصرف جائز شرعا [1].

______________________________

التقديري.

و إن شئت فقل: إنّ أدلة توقف البيع و نحوه على الملك حاكمة على عموم السلطنة.

بتقريب: أنّ موضوع السلطنة المجعولة للمالك هو التصرفات المحرز جوازها بأدلتها، فكأنّه قيل: «كل تصرف في الملك ثبت مشروعيّته كان المالك مسلّطا عليه» هذا من جهة.

و من جهة أخرى يدل مثل قوله عليه السّلام: «لا عتق إلّا في ملك» على توقف صحة العتق بإنشائه من المالك مباشرة أو تسبيبا، و أنّه ليس من التصرفات الجائزة للمالك أن يبيح للغير عتق عبده لنفسه، فتخرج حينئذ إباحة عتق غير المالك عن موضوع دليل السلطنة.

و لا يبقى مجال للجمع بينه و بين سائر الأدلة بالملك التقديري، لتوقف الجمع بين الدليلين المتعارضين على تحقق موضوع كلّ واحد منهما، و من المعلوم أنّ الدليل الحاكم يتصرّف في موضوع الدليل المحكوم و يبيّن حدوده، و لا يستقرّ التعارض حتى تترتب أحكامه عليه، من الجمع و التساقط أو التخيير، و غير ذلك.

و نظير المقام حكومة دليل عدم جواز عتق عبد الغير على عموم وجوب

______________________________

[1] استظهار دلالة قاعدة السلطنة هنا على نفوذ تصرفات المالك في كل ما هو جائز بذاته ينافي استظهار مشرّعيتها للمسبّبات كالبيع و الصلح و الإجارة و نحوها من المعاملات، على ما سبق في أدلة مملّكية المعاطاة و أدلة لزومها، و قد ذكرنا هناك اختلاف كلمات المصنف قدّس سرّه في مدلول القاعدة، فلاحظ.

ص: 110

فالإباحة و إن كانت مطلقة، إلّا أنّه لا يباح بتلك الإباحة المطلقة إلّا ما هو جائز بذاته (1) في الشريعة، و من المعلوم أنّ بيع الإنسان مال غيره لنفسه غير جائز بمقتضى العقل (2) و النقل (3) الدال (4) على لزوم دخول العوض في ملك مالك المعوّض، فلا يشمله (5) العموم في «الناس مسلّطون على أموالهم» حتى يثبت التنافي بينه و بين الأدلة الدالة على توقف البيع على الملك

______________________________

الوفاء بالنذر و العهد، فيما إذا نذر عتق عبد الغير، فهل يصحّ أن يقال بالملك التقديري آنا ما؟

(1) المراد بالجائز الذاتي هو التصرف الذي ثبت حليّته للمالك مع الغضّ عن دليل السلطنة، فتقتضي قاعدة السلطنة استقلاله في ذلك التصرف و عدم كونه محجورا عنه. و أمّا مثل عتق المباح له لعبد المبيح- بحيث يقع العتق للمباح له لا للمبيح- فليس من شؤون سلطنة المالك على ماله حتى تجوز إباحته للغير.

(2) بناء على كون مفهوم المعاوضة تبادل الإضافتين الملكيتين عقلا.

(3) بناء على دلالة الدليل الشرعي- و لو إمضاء- على التبادل بين الإضافتين الملكيّتين.

(4) صفة للعقل و النقل، لا للمقتضي، إذ المقصود أنّ العقل و النقل يقتضيان دخول العوض في ملك من خرج المعوّض عن ملكه، فإذا باع المباح له مال المبيح لنفسه لا للمبيح لم يدخل العوض في كيس مالك المعوّض، فلم يتحقق مفهوم المعاوضة لا عقلا و لا نقلا. و عليه فالأولى أن يقال: «الدالين» لئلا يتوهم كونه وصفا ل «مقتضى».

(5) هذه نتيجة قوله: «غير جائز» يعني: إذا كان موضوع قاعدة السلطنة خصوص التصرفات المشروعة- بأدلتها- كانت إباحة المالك لغيره البيع أو العتق أجنبية عن مدلول القاعدة.

ص: 111

فيجمع (1) بينهما بالتزام الملك التقديري آنا ما.

و بالجملة (2): دليل عدم جواز بيع ملك الغير أو عتقه لنفسه حاكم (3) على عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الدال على إمضاء الإباحة المطلقة من المالك على إطلاقها (4)، نظير (5) حكومة دليل عدم جواز عتق مال الغير على عموم وجوب الوفاء بالنذر و العهد إذا نذر عتق عبد غيره له أو لنفسه، فلا يتوهم الجمع بينهما بالملك القهري للناذر.

______________________________

(1) بالنصب، يعني: لا تعارض بين دليل السلطنة و بين «لا عتق إلّا في ملك» حتى يجمع بينهما بالملك التقديري الآنامّائي، كما جمعوا به في مثل قول الآمر: «أعتق عبدك عنّي». و وجه عدم التعارض ما عرفت من حكومة «لا عتق إلّا في ملك» عليه، كحكومة «لا شك لكثير الشك» على أدلة أحكام الشكوك.

(2) هذه خلاصة ما أفاده في ردّ الجمع بالملك التقديري بقوله: «مدفوعة بأن عموم الناس مسلّطون على أموالهم ..» إلى هنا.

(3) وجه الحكومة: أنّه رافع لموضوع دليل السلطنة و هو الجواز، لأنّه يدلّ على بطلان بيع مال الغير لنفسه أو عتقه كذلك.

(4) متعلق ب «إمضاء» و الضمير راجع إلى الإباحة.

(5) يعني: أنّ عموم قاعدة السلطنة يكون نظير عموم قوله عليه السّلام: «ف بنذرك» إذا نذر شخص عتق عبد غيره، سواء قصد عتقه عن مالكه أو عن نفسه، فمثله لا يجب الوفاء به، لأنّ الواجب هو الوفاء بما إذا نذر عتق عبد نفسه لا عبد غيره.

و على هذا فدليل توقف صحة العتق على إعتاق مالكه له رافع لموضوع دليل وجوب الوفاء بالنذر. و لم يلتزم فقيه بدخول العبد المنذور عتقه في ملك الناذر آنا ما حتى ينعتق في ملكه، أداء لنذره. لما عرفت من أنّ الجمع بين الدليلين منوط بوحدتهما رتبة، لا حكومة أحدهما على الآخر.

و المقام كذلك، لحكومة دليل إناطة البيع و العتق بالملك على دليل السلطنة.

ص: 112

نعم (1) لو كان هناك تعارض و تزاحم (2) من الطرفين بحيث أمكن تخصيص كلّ منهما لأجل الآخر أمكن الجمع بينهما بالقول بحصول الملك القهري (3) آنا ما،

______________________________

(1) هذا استدراك على ما أفاده قدّس سرّه من امتناع الجمع- بالملك الآنامّائي- بين عموم دليل السلطنة و دليل توقف البيع على الملك، حيث قال قبل أسطر: «فلا يشمله العموم .. حتى يثبت التنافي .. فيجمع بينهما بالتزام الملك آنا ما».

و حاصل الاستدراك: أنّ الدليل على مشروعية إباحة جميع التصرفات حتى المتوقّفة على الملك ليس منحصرا في قاعدة السلطنة حتى يمتنع الالتزام بالملك الآنامّائي من جهة وجود الدليل الحاكم عليها، بل هناك دليل آخر اعتمد عليه صاحب الجواهر قدّس سرّه- على ما تقدم من كلامه في التنبيه الأوّل- و هو أخبار إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفس مالكه، و هي غير محكومة بدليل توقف العتق على الملك، بل هما متعارضان، لاتحادهما رتبة، فتلك الأخبار تدلّ على حليّة كل تصرف في مال الغير عند رضاه و طيب نفسه، سواء أ كان ذلك التصرف مما يكفي في حليّته إذن المالك، أم كان متوقفا على الملك. و دليل إناطة صحة البيع و العتق بالملك يقتضي وقوعهما من المالك لا من المباح له، فعتق المباح له مجمع دليلين يقتضي أحدهما صحته، و الآخر بطلانه.

و لمّا كان الجمع بين الدليلين- مهما أمكن- أول من الطرح أمكن الالتزام بالملك الآنامّائي، بأن يدخل العبد في ملك المباح له آنا قبل عتقه حتى يقع في ملكه.

و بناء على هذا لا مجال لإنكار الإباحة المطلقة، بل ينبغي القول بصحتها بالالتزام بالملك القهري آنا ما.

(2) المراد بالتزاحم هنا التنافي في مرحلة الجعل، و هو التعارض المصطلح، و لا يراد به التمانع في مرحلة الامتثال المعبّر عنه بالتزاحم المأموري.

(3) أي: بغير أسبابه المعهودة من البيع و الهبة و غيرهما. ثم إنّ المراد بالملك به

ص: 113

فتأمّل (1).

و أمّا (2) حصول الملك

________________________________________

هو الملك التحقيقي، لا الفرضي التقديري، لأنّ المعتبر في البيع عندهم هو الملك التحقيقي.

(1) لعله إشارة إلى: أنّ الجمع بالملك التقديري تبرّعي لا شاهد عليه، فلا بد من الرجوع إلى مقتضى قواعد التعارض و هو التوقف و الرجوع إلى القواعد، أو الترجيح مع المرجح و التخيير بدونه. لا الالتزام بالملك آنا ما. هذا إذا كان التعارض بالتباين.

و إن كان بالعموم و الخصوص تعيّن التخصيص، فتصير أخبار طيب النفس كقاعدة السلطنة في قصورهما عن إثبات جواز الإباحة المطلقة، لكن الفرق بينهما في أنّ القاعدة محكومة، و الأخبار مخصّصة، و النتيجة واحدة.

(2) هذا وجه ثالث لتصحيح الإباحة المطلقة بالالتزام بالملك التقديري بعد أن تعذّر الجمع بنحو الملك الآني. و قد سبق الإشارة إليه أيضا في قوله: «و دعوى: أنّ الملك التقديري هنا لا يتوقف على دلالة دليل خاص» و ناقش فيه المصنف بأنّه لا موضوع في المقام للجمع بين الأدلة بالملك الفرضي.

و حاصل ما أفاده هنا هو: تصحيح الإباحة المطلقة بوجود نظائر لها في الشريعة المقدسة ممّا يمكن أن يستأنس بها للمقام.

منها: ما ذكروه في تصرف الواهب ببيع العين الموهوبة من دون أن يفسخ العقد قولا، و لا أن يستردّ العين من المتهب:

و منها: تصرّفه في العبد الموهوب بعتقه.

و منها: تصرّف ذي الخيار- فيما انتقل عنه بعقد خياري- بمثل البيع و العتق و الوقف.

ففي هذه الفروع جمعوا بين الأدلّة بالملك التقديري حتى يقع تصرّف الواهب و ذي الخيار في ملك نفسه. و ليكن المقام من هذا القبيل، فالجمع بين دليل حليّة إباحة

ص: 114

في الآن المتعقّب (1) بالبيع و العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه (2)،

______________________________

كل تصرّف و بين دليل توقف البيع و العتق على الملك يقتضي الالتزام بصحة هذه الإباحة، و صيرورة المال ملكا تقديريا للمباح له حتى يقع بيعه و عتقه في ملكه. و مع إمكان الجمع بهذا النحو بين الأدلّة. لا يبقى مجال لتخصيص دليل الإباحة المطلقة بما دلّ على إناطة مثل البيع بالملك، بل يقال ببقاء المال على ملك المبيح، و يقدّر دخوله في ملك المباح له بإرادة بيعه، هذا.

و أجاب المصنف عنه بمنع قياس المقام برجوع الواهب و ذي الخيار، للفرق بين الملك التقديري الفرضي الذي التزموا به في مالكيّة الميّت لدية الجناية و بين ملك الواهب و ذي الخيار، فإنّه ملك حقيقي آنيّ في قبال الملك المستقر، لأنّ تصرّفهما في العين ببيع و نحوه كاشف عن عودها إلى ملكيهما حقيقة و لو آنا ما. و هذا بخلاف مالكية الميت للدية، فإنّها مجرّد فرض، لامتناع تملكه حتى في آن واحد، و لذا يفرض كونه مالكا للدية مقدّمة لصرفها، و يقولون إنّها بحكم مال الميت.

و الحاصل: أنّ كلّا من الملك الحقيقي و الفرضي منوط بدليل شرعي، و لو كان هو الجمع بين الأدلّة، و المفروض كونه مفقودا في إباحة جميع التصرفات.

ثم إنّ الفرق بين الوجوه الثلاثة المذكورة إلى هنا لتصحيح الإباحة المطلقة هو:

أنّ الملكية في الوجه الأوّل مجعولة من المتعاقدين ابتداء. و في الوجه الثاني مجعولة ابتداء من الشارع، لكونها مقتضى الجمع بين الدليلين. و في الثالث مجعولة من الشارع أيضا، نتيجة للإيقاع، حيث إنّ فسخ الهبة أو البيع و رجوع الملك إلى مالكه يكون بالإيقاع لا بجعل الواهب أو ذي الخيار، لكن الملك في الوجه الأوّل يكون مضمون العقد.

(1) بصيغة المفعول، أي الآن الذي يتعقبه البيع و العتق.

(2) قد سبق توضيح تملك الواهب بفسخه الفعلي في ما يتعلق باستبعادات

ص: 115

فليس (1) ملكا تقديريا (2) نظير (3) الملك التقديري في الدية (4) بالنسبة إلى الميت، أو (5) شراء العبد المعتق عليه، بل (6)

______________________________

كاشف الغطاء قدّس سرّه «1».

(1) جواب «و أمّا» و هذا ردّ الدليل الثالث، و قد أوضحناه بقولنا: «و أجاب المصنف عنه بمنع قياس المقام .. إلخ».

(2) أي: فرضيّا، بل هو ملك حقيقي حاصل في وعاء الزمان و لو في آن واحد.

(3) هذا مثال للمنفي و هو الملك التقديري، يعني أنّ الملك في باب الدية فرضيّ لا حقيقي.

(4) كون الملك فيها تقديريّا لأجل عدم معقولية إضافة الملكية- التي هي إضافة التابعية و المتبوعية- بالنسبة إلى الميت، لأنّه جماد كالمال، و لا معنى لتابعية أحد الجمادين للآخر، بل لا بدّ من جعل الدية بمنزلة مال الميت و بحكمه، لا أنّه ملك الميت حقيقة. و هذا التقدير ناظر إلى حال الحياة ليترتّب عليه آثار ملك الميت من إنفاذ وصاياه و إيفاء ديونه من الدية.

و فرق بين دية القتل و بين دية الجناية على أعضائه بعد الموت، فإنّها تصرف في الوجوه البريّة، إجماعا كما ادّعاه غير واحد، و لا تندرج في «ما تركه الميت» حتى تورث. بخلاف دية القتل، فإنّها تدخل في «ما تركه الميت» و تنتقل إلى الوارث كسائر تركته.

فالمصرف في الديتين مختلف، لكن ملكها للميت فرضا مشترك بين دية القتل و دية الجناية على الأعضاء بعد الموت.

(5) معطوف على «الدية» يعني: أنّ للملك التقديري موردا ثانيا في الفقه، و هو شراء العبد المعتق على المشتري.

(6) هذا متعلق بقوله: «فليس ملكا تقديريا» و مقصوده إبطال قياس المقام-

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 352

ص: 116

هو ملك حقيقي (1) حاصل قبل البيع، من جهة كشف البيع عن الرجوع قبله (2) في الآن المتصل بناء (3) على الإكتفاء بمثل هذا في الرجوع، و ليس (4) كذلك فيما نحن فيه.

و بالجملة (5): فما نحن فيه لا ينطبق على التمليك الضمني المذكور

______________________________

و هو الملك التقديري لو قيل به- بمالكية الواهب و ذي الخيار، فإنّها حقيقية آنية جمعا بين الأدلة.

(1) لكنّه آنيّ، و هو غير ضائر بحقيقيّته المتقومة بالحصول في وعاء الزمان.

(2) أي: قبل البيع.

(3) و أمّا بناء على عدم كاشفية البيع عن الرجوع قبله، و قلنا بتوقف الرجوع على إنشائه باللفظ أو باسترداد العين كان بيع الواهب باطلا، لعدم وجود كاشف عن عود المال إلى ملكه.

(4) يعني: أنّ ما تقدم من تصحيح بيع الواهب بملكيته الحقيقية الآنيّة- و كذا في مالكية الميت تقديرا و فرضا لديته- إنّما هو من جهة وجود الكاشف عن هذا النحو من الملك، و هو الجمع بين الأدلة. و لا موضوع له في المقام حسب الفرض، لما عرفت من أنّ دليل الإباحة المطلقة إمّا محكوم و إمّا مخصّص.

(5) هذا تلخيص ما تقدم من الوجوه الثلاثة التي أفادها لدفع الإشكال الأوّل المشترك بين القسم الثالث و الرابع، و هو الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على صدورها من المالك مباشرة أو تسبيبا.

و غرضه قدّس سرّه عدم انطباق شي ء من تلك الوجوه الثلاثة على ما نحن فيه.

أمّا الوجه الأوّل- و هو التمليك الضمني الموجود في مثال: أعتق عبدك عنّي- ففقدانه في المقام و هو الإباحة المطلقة واضح، لعدم القصد المقوّم للتمليك الضمني فيه و لو قصدا إجماليا. و أمّا الوجهان الثاني و الثالث فسيأتي بيان أجنبيتهما عن المقام.

ص: 117

أوّلا (1) في «أعتق عبدك عنّي» لتوقفه (2) على القصد (3).

و لا (4) على الملك المذكور ثانيا (5) في شراء من ينعتق عليه (6)، لتوقفه (7) على التنافي بين دليل التسلّط و دليل توقف العتق على الملك،

______________________________

(1) و هو ما تقدّم بقوله: «أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله: أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك إنشاء توكيل له في بيع ماله .. كما صرّح في التذكرة بأن قول الرجل لمالك العبد: أعتق عبدك عنّي بكذا استدعاء لتمليكه .. إلخ».

(2) تعليل لقوله: «لا ينطبق» يعني: أنّ المبيح ليس قاصدا للتمليك الضمني حتى يلتزم به، بخلاف قول الآمر: «أعتق عبدك عنّي» فإنّه قاصد للتمليك الضمني، إذ بعد العلم بتوقف العتق على الملك لا بدّ من قصد التوكيل و تملّك العبد حتى ينعتق في ملكه.

(3) و لو إجمالا و ارتكازا لا تفصيلا.

(4) معطوف على «التمليك الضمني».

(5) و هو ما تقدّم بقوله: «الثاني: أن يدلّ دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة .. فيكون ذلك شبه دخول العمودين في ملك الشخص آنا ما .. للجمع بين الأدلة»

(6) هذا ردّ الوجه الثاني، و هو تقدير الملك في شراء من ينعتق عليه، و وجه فقدانه في المقام هو عدم الدليل عليه هنا- أي في الإباحة- حتى يقع التنافي بينه و بين دليل توقف العتق و نحوه على الملك، فنلتجئ بالالتزام بالملك الآنيّ، لما مرّ من أن دليل السلطنة لا يصلح لأن يكون مستندا للإباحة إلّا إذا كان مشرّعا، و المفروض عدم مشرّعيّته، فلا وجه للالتزام بالملك آنا ما في الإباحة المطلقة، لتوقفها على دلالة دليل على مشروعيّتها حتّى نلتزم به، كما نلتزم بالملك الآنيّ في شراء من ينعتق عليه، جمعا بين دليل صحّة شراء من ينعتق عليه و بين دليل عدم ملكيته، فإنّ التنافي بينهما أوجب الجمع بينهما بالملك الآني.

(7) تعليل لقوله: «و لا على الملك المذكور ثانيا» يعني: أنّ الجمع بين الأدلة

ص: 118

و عدم (1) حكومة الثاني على الأوّل.

و لا (2) على التمليك الضمني المذكور ثالثا (3) في بيع الواهب و ذي الخيار، لعدم (4) تحقق سبب الملك هنا (5) سابقا (6)

______________________________

بالملك الآنيّ يتوقف على أمرين:

أحدهما: التنافي بين الدليلين بعد تمامية المقتضي للحجية في كلّ منهما.

الثاني: عدم حكومة أحدهما على الآخر، فلو لم يكن تناف أصلا، أو كان التنافي البدوي و ارتفع بحكومة أحدهما على الآخر لم يبق دليل على الملكية الآنيّة.

(1) معطوف على «التنافي» يعني: لتوقف التنافي على عدم حكومة الثاني على الأوّل.

(2) معطوف على «التمليك الضمني» يعني: و لا ينطبق ما نحن فيه على التمليك الضمني المذكور ثالثا. و هذا إشارة إلى فقدان الوجه الثالث، و هو الالتزام بالملك الآنيّ في بيع الواهب للعين الموهوبة قبل صيرورة الهبة لازمة، و في بيع ذي الخيار.

وجه فقدانه في المقام هو وجود سبب الملك أعني إرادته قبل تحقق البيع في بيع الواهب أو عتقه، و كذا في بيع ذي الخيار. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ إرادة الملك فيه مفقودة، إذ المفروض أنّ المبيح المالك لم يقصد التمليك، و المباح له لم يقصد التملّك عند البيع، هذا.

(3) و هو ما تقدم بقوله: «و أمّا حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع و العتق .. إلخ».

(4) تعليل لقوله: «و لا على التمليك الضمني المذكور ثالثا ..» و قد تقدم توضيحه.

(5) يعني: في الإباحة المطلقة الشاملة لجميع التصرفات حتى المتوقّفة على الملك.

(6) أي: السابق على البيع و لو بآن، و هو ظرف لقوله: «تحقق سبب الملك».

ص: 119

بحيث (1) يكشف البيع عنه (2)، فلم يبق (3) إلّا الحكم ببطلان الإذن في بيع ماله لغيره، سواء صرّح (4) بذلك، كما لو قال: «بع مالي لنفسك، أو: اشتر بمالي لنفسك» أم (5) أدخله (6) في عموم قوله: «أبحت لك كل تصرف». فإذا باع المباح له على هذا الوجه (7) وقع البيع للمالك، إمّا لازما بناء على أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مؤثّر (8)، أو موقوفا (9) على الإجازة، بناء على أنّ المالك لم ينو تملّك

______________________________

(1) هذا بيان لتحقق الملكية الآنيّة السابقة على البيع و العتق و نحوهما ممّا يتوقف على الملك، فهذه الملكية متحققة في رجوع الواهب و ذي الخيار، و غير متحققة في إباحة أنحاء التصرفات.

(2) أي: عن الملك الآنيّ السابق على البيع.

(3) هذه نتيجة أجنبية المقام عن تلك الوجوه الثلاثة، حيث إنّه بعد فقد دليل الصحة يتعيّن الحكم ببطلان الإباحة المطلقة.

(4) أي: صرّح المبيح بالإذن للمباح له في بيع المال لنفسه لا للمبيح.

(5) عدل لقوله: «صرّح» أي: لم يصرّح المبيح بالإذن في خصوص البيع، و لكنه أباح كل تصرف، و منه البيع.

(6) أي: أدخل الإذن- في بيع ماله لغيره- في عموم قوله: «أبحت لك .. إلخ».

(7) أي: على وجه الإذن في التصرف في المال، إمّا بالتنصيص على البيع، و إمّا بالإذن العام الشامل له و لغيره.

(8) لأنّ مقتضى التعاوض بين المالين- بناء على ما قيل- هو دخول كل مال في كيس من خرج عنه الآخر. و وجه لزومه هو كون المباح له مأذونا في البيع كالوكيل، فينفذ كلّ تصرّف منه في المال المباح له.

(9) معطوف على «لازما» و الوجه في توقف البيع على الإجارة هو: أنّ المبيح لم يقصد تملّك الثمن، لزعمه وقوع البيع للمباح له، و دخول الثمن في ملكه. و لمّا لم تثبت مشروعية هذه الإباحة كان بيع المباح له فضوليا، لكونه تصرّفا في مال المبيح بغير

ص: 120

الثمن (1)، هذا.

و لكنّ (2) الذي يظهر من جماعة منهم قطب الدّين و الشهيد رحمهما اللّه في باب

______________________________

إذن صحيح، فيتوقف وقوع البيع للمبيح و تملّكه للثمن على إجازته.

(1) إذ لو نوى المالك تملّك الثمن- حين إباحة ماله للغير- لم تتوقف صحة بيع المباح له على إجازة المبيح، لوقوع البيع للمالك من جهة كون الإذن توكيلا للمباح له، و من المعلوم نفوذ تصرف الوكيل كالأصيل.

و قد تحصّل من كلمات المصنّف إلى هنا: أنّ إباحة جميع التصرّفات غير صحيحة، لعدم الدليل على مشروعيّتها.

(2) غرضه النقض على ما ذكره من عدم جواز التصرفات المتوقفة على الملك بمجرّد إباحة التصرف. توضيحه: أنّ جماعة بنوا على أنّ الغاصب إذا باع العين المغصوبة بثمن مع علم المشتري بغصبية المبيع جاز للغاصب أن يشتري بذلك الثمن متاعا و يملك المثمن. و ليس للمشتري إجازة شراء الغاصب، لأنّه بدفع الثمن إلى الغاصب البائع للمغصوب- مع علمه بغصبية المبيع- أباح للغاصب التصرف في الثمن بحيث يصير مالكا لبدله.

و كذا الحال فيما حكي عن المختلف من جواز وطي الجارية التي اشتراها بعين مغصوبة مع علم بائعها بغصبية الثمن. فإنّ هذين الموردين منافيان لما ذكرناه من عدم جواز التصرف المتوقف على الملك بمجرّد الإباحة.

و هكذا الكلام فيما نحن فيه، فيقال: إنّ المباح له و إن لم يصر مالكا، إلّا أنّه إذا اشترى بمال المبيح شيئا ملك المبيع، أو إذا باعه ملك الثمن، فهو كالغصب الذي يبيع العين المغصوبة، فإنّه يصح تصرفه في الثمن بشراء شي ء به، و يملك المثمن مع عدم كونه مالكا للثمن.

و عليه لا وجه لما ذكره الماتن بقوله: «أو موقوفا على الإجازة» إذ ليس للمالك المسلّط إجازة تصرّف بيع المباح له و وقفه و عتقه.

ص: 121

بيع الغاصب أنّ (1) تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن و الإذن (2) في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب (3) به شيئا، و أنّه (4) يملك المثمن بدفعه إليه، فليس للمالك (5) إجازة هذا الشراء (6).

و يظهر (7) أيضا من محكي المختلف، حيث استظهر من كلامه- فيما

______________________________

(1) خبر «و لكن» و العبارة منقولة بالمعنى، قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه:

«و المنقول عن قطب الدين في بيان إشكال الكتاب- أي الإشكال المذكور في القواعد في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب- أنّه في التتبّع، و وجّهه بأنّ المشتري مع العلم يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن، و لهذا لو تلف لم يكن له الرجوع عليه.

و لو بقي ففيه وجهان، فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلّط بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه ..» ثم حكى كلام الشهيد في حواشي القواعد، فراجع «1».

(2) معطوف على تسليط، يعني: كالإذن و الإباحة فيما نحن فيه.

(3) يعني: شراء الغاصب لنفسه بالثمن الذي أخذه من المشتري.

(4) معطوف على «جواز» يعني: أنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن- مع علم المشتري بغصبية المبيع- يوجب جواز شراء الغاصب بالثمن و صيرورته مالكا للمثمن بسبب دفع المشتري- العالم بالغصبية- الثمن الى الغاصب. يعني: أنّ ملكية المثمن له مسبّبه عن ملكية الثمن له، الناشئة من دفع المشتري له إلى الغاصب.

(5) أي: ليس لمالك الثمن- و هو الذي اشترى من الغاصب- إجازة شراء الغاصب، إذ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب و أجنبيا عن المشتري، فليس له الإجازة.

(6) هذا ما نقله المصنف عن قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما.

(7) معطوف على «يظهر من جماعة» أي: و يظهر أن تسليط .. إلخ من العلّامة كما ظهر من قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهم. و لعلّ الوجه في إفراد كلام العلامة قدّس سرّه بالذّكر

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 122

لو اشترى جارية بعين مغصوبة-

______________________________

و عدم ضمّه إلى كلام قطب الدين الرازي و الشهيد قدّس سرّهما هو عدم صراحة عبارة المختلف في أنّ بائع الجارية يسلّط المشتري- الغاصب للثمن- على مملوكته، و إنّما يستبيح المشتري التصرف فيها.

و الأولى ملاحظة نصّ كلامه، فنقول: نقل في باب الغرر و المجازفة حكمين متغايرين عن شيخ الطائفة، أحدهما في النهاية، و الآخر في المسائل الحائرية، فقال:

«قال الشيخ في النهاية: من غصب غيره مالا و اشترى به جارية كان الفرج له حلالا، و عليه وزر المال، و لا يجوز أن يحج به» ثم حكى جواب الشيخ في المسائل الحائرية الذي نقله الحلّي في السرائر بما لفظه: «فأجاب الشيخ: إن كان الشراء وقع بعين المال كان باطلا و لم يصح جميع ذلك. و إن كان الشراء قد وقع بمال في ذمته كان الشراء صحيحا، و قبضه ذلك المال فاسدا، و حلّ له وطي الجارية و غلّة الأرض و الشجر، لأنّ ثمن الأصل في ذمته» و استصوب ابن إدريس هذا الجواب.

ثم قال العلامة: «أقول: كلام الشيخ في النهاية يحتمل أمرين. أحدهما: ما ذكره من أنّ الشراء بالمال أعمّ من أن يكون بالعين أو في الذمّة .. و الثاني: أن يكون البائع عالما بأنّ المال غصب، فإنّ المشتري يستبيح وطي الجارية. و عليه وزر المال و إن كان الشراء وقع بالعين» «1».

و هذه الجملة الأخيرة هي محطّ نظر المصنف قدّس سرّه، إذ ربما يستفاد منها أنّ بائع الأمة سلّط المشتري على التصرف في المبيع- و هي الأمة- مع علمه بعدم تحقق المعاوضة من جهة كون الثمن مغصوبا و غير مملوك للمشتري، و من المعلوم توقف جواز وطي الأمة على الملك، أو التحليل المنشأ بصيغة خاصة.

و قد اتّضح من نقل عبارة المختلف أمران:

الأوّل: أنّ أصل الفتوى بحلية التصرف في الأمة من الشيخ، لا من العلامة،

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 258 و 259

ص: 123

أنّ (1) له وطي الجارية (2) مع علم البائع بغصبية الثمن، فراجع.

و مقتضى (3) ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله- و إن لم يكن على وجه الملكية- يوجب (4) جواز التصرفات المتوقفة على الملك، فتأمّل (5) و سيأتي توضيحه في مسألة الفضولي (6).

______________________________

و إنّما كان غرضه توجيهه بنحو لا يخالف قواعد الفقه المسلّمة.

الثاني: أنّ المسألة المنقولة عن قطب الدين و الشهيد و المسألة المنقولة عن المختلف تشتركان في كون أحد العوضين مغصوبا، و تفترقان في أنّ البائع هو الغاصب في كلام قطب الدين، فيكون التسليط على الثمن من قبل المشتري، و المشتري هو الغاصب في كلام العلامة، فيكون التسليط على المبيع- و هي الأمة- من طرف البائع.

(1) نائب فاعل «استظهر».

(2) يعني: مع أنّهم جعلوا وطي الجارية من التصرفات المتوقفة على الملك.

(3) أي: و مقتضى حكمهم في هذين الموردين: أنّ إذن المالك و تسليطه كاف في جواز التصرف المنوط بالملك من دون أن يقع بيع أصلا حتى تتوقف صحّته على إجازة المالك.

(4) خبر «أن يكون» و الأولى تبديله ب «موجبا للجواز».

(5) لعلّه إشارة إلى: عدم ظهور الكلمات المذكورة في كون التسليط- على وجه الإباحة- موجبا لجواز التصرف المتوقف على الملك، لأنّ التسليط المزبور يوجب الملكية لا مجرّد الإباحة، فكلمات الجماعة أجنبية عن المقام.

(6) سيأتي هناك بقوله: «انّ المشتري مع العلم يكون مسلّطا للبائع الغاصب ..». هذا تمام الكلام في الإشكال الأوّل المشترك بين القسم الثالث و الرابع، و قد عرفت عدم اندفاع الإشكال بشي ء من الوجوه الثلاثة، و نتيجة ذلك عدم صحة إباحة جميع التصرفات.

ص: 124

و أمّا (1) الكلام في صحة الإباحة بالعوض- سواء صحّحنا إباحة التصرفات

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أما إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقفة على الملك» و هذا شروع في تحقيق الإشكال الثاني المتقدم بقوله: «و ثانيا: الإشكال في صحة الإباحة بالعوض الراجعة إلى عقد مركّب من إباحة و تمليك» و كان هذا الإشكال مختصا بالقسم الثالث- من الأقسام الأربعة المذكورة في التنبيه الرابع- و هو كون الإباحة في مقابل التمليك. كما أنّ الإشكال الأوّل كان مشتركا بين القسمين الثالث و الرابع.

و غرضه قدّس سرّه إقامة الدليل على صحة الإباحة بعوض التمليك- و لو بالنسبة إلى غير التصرفات المنوطة بالملك- و أمّا الإباحة بعوض الإباحة فسيأتي بيان حكمها في آخر التنبيه إن شاء اللّه تعالى، فالمقصود فعلا تحقيق العقد المركّب من إباحة و تمليك.

و قد بيّن المصنف أوّلا الإشكال في صحة الإباحة المعوّضة، ثم صحّحها ثانيا بإدراجها في الصلح أو بكونها معاوضة مستقلة.

أمّا ما أفاده في مقام الإشكال فحاصله: أنّ هذا النحو من الإباحة لا يندرج في المعاوضات المالية ليدخل كل من العوضين في ملك، الآخر، لكون العوضين كليهما ملكا للمبيح. أمّا ما أباحه فمعلوم، و أمّا عوضه- الذي دفعه المباح له إليه- فالمفروض أنّه عوض الإباحة، فصار ملكا للمبيح.

و لا دليل على مشروعيّة هذه الإباحة المعوضة، لأنّ ما يمكن أن يستدلّ به على الصحة هو آية الوفاء بالعقود و التجارة عن تراض و حلّ البيع. و الكل غير جار.

أمّا الأوّل فلاختصاص «العقود» التي يجب الوفاء بها بالعهود المتعارفة بين الناس، و هي محصورة في أمور معيّنة معهودة كالبيع و الصلح و الإجارة و الهبة و نحوها من عناوين المعاملات.

و أما الثاني فلأنّ «التجارة» هي التكسب بالمال بقصد الاسترباح بالبيع و الشراء، و لا أقلّ من الشك في صدقها على الإباحة، إذ ليس فيها مبادلة الأموال،

ص: 125

المتوقفة على الملك أم خصّصنا الإباحة بغيرها (1)- فمحصّله: أنّ هذا النحو من الإباحة المعوّضة ليست معاوضة مالية (2) ليدخل كلّ (3) من العوضين في ملك مالك العوض الآخر، بل كلاهما ملك (4) للمبيح، إلّا أنّ المباح له يستحق التصرف (5)، فيشكل الأمر فيه (6)

______________________________

و لم تنقطع إضافة الملكية بين المبيح و المال.

و أمّا الثالث فلوضوح تقوم «البيع» بالمبادلة بين المالين و تمليك كل منهما الآخر، و لا مبادلة و لا تمليك حسب الفرض.

و على هذا فالإباحة بالعوض أجنبية عن المعاوضات المعهودة التي يكون العوضان فيها ملكا للمتعاملين.

هذا كله في توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه أوّلا في تقريب الإشكال. و أما ما أفاده ثانيا في التفصّي عنه، فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: بغير التصرفات المتوقفة على الملك.

(2) لاختصاصها بالأموال، و من المعلوم عدم كون الإباحة- بما هي فعل من الأفعال- من الأموال، بل المال موضوعها.

(3) هذا بيان للمنفي و هو المعاوضة، يعني: أنّ شأن المعاوضة التبادل في الملكية.

(4) أمّا المال المباح فلأنّ المفروض بقاؤه على ملك المبيح، لعدم خروجه عن ملكه بمجرّد الإباحة. و أمّا العوض فلأنّ المقصود من عوضيّته هو كونه ملكا للمبيح.

فالغرض من العوض هنا الجزاء، لا قيامه مقام المعوّض في إضافة الملكية.

و إن شئت فقل: إنّ العوضين هنا مملوكان لشخص واحد، و هذا خلاف مقتضى المعاوضة، و هو كون العوضين مملوكين لشخصين.

(5) يعني: لا يستحق نفس الرقبة، بل يستحق التصرف تكليفا لا وضعا، و لذا لا يسقط بالإسقاط.

(6) أي: في هذا القسم الثالث، و هو الإباحة بالعوض.

ص: 126

من جهة (1) خروجه عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا (2)، مع التأمّل (3) في صدق التجارة عليها فضلا عن البيع.

إلّا (4) أن يكون نوعا من الصلح،

______________________________

(1) هذا وجه أصالة الفساد التي ذكرها بقوله: «فيشكل الأمر فيه».

(2) فتكون هذه الإباحة المعوّضة بالتمليك أجنبية عن العقود التي يجب الوفاء بها.

(3) يعني: أنّه يكفي في عدم شمول آية «التجارة عن تراض» لهذه الإباحة الشّكّ في صدق «التجارة» على مجرّد الإباحة، و لا يعتبر إحراز عدم كونها تجارة.

و على هذا فلو لم يعوّل على تفسير اللّغوي للتجارة «بأنّها الإعطاء و الأخذ بقصد الاسترباح» كفى الشك في صدقها على الإباحة في عدم جواز التمسك بالآية المباركة لإثبات مشروعيّتها.

(4) هذا استثناء من قوله: «فليست معاوضة ماليّة، فيشكل الأمر فيه» و هو شروع في التفصّي عن الإشكال، و تصحيح الإباحة المعوّضة بأحد وجهين:

الأوّل: دعوى دخولها في الصلح، فتندرج في المعاوضات المعهودة، و ذلك بعد تمامية مقدمتين.

إحداهما: أنّ المبيح و المباح له تسالما على أمر، و هو إباحة التصرف في المال في قبال عوض، و هذا التسالم و التوافق هو الصلح المعدود من المعاوضات.

و ثانيتهما: أنّه لا يعتبر في صحة الصلح إنشاؤه بصيغة خاصة، بل يكفي في إنشائه كل ما يدلّ عليه من صيغة خاصة أو مقاولة، أو فعل، أو كتابة. و يشهد لعدم اعتبار الصيغة الخاصة فيه ما ورد في بعض الأخبار من تحقّق الصلح بقول أحدهما:

«لك ما عندك و لي ما عندي» و كذا ما ورد في مصالحة الزوجين. فليكن قول المبيح:

«أبحت لك التصرف في مالي على أن تملّكني دينارا» إنشاء للصلح.

الثاني: أن تكون الإباحة بالعوض معاملة مستقلة، و يدلّ على مشروعيّتها أمران.

ص: 127

لمناسبته (1) له لغة، لأنّه (2) في معنى التسالم على أمر، بناء (3) على أنّه لا يشترط فيه لفظ الصلح، كما يستفاد (4) من بعض الأخبار الدالة على صحّته (5) بقول المتصالحين: «لك ما عندك، و لي ما عندي (6)»

______________________________

أحدهما: قاعدة السلطنة، فإنّ السلطنة المطلقة للمالك تقتضي حلّيّة كلّ تصرف للمالك في ماله، سواء أ كان ذلك التصرف الخاص مما أحرزه جوازه أم لا.

ثانيهما: قاعدة وجوب وفاء المؤمنين بشروطهم، فإنّ التزام أحدهما بإباحة التصرف، و التزام الآخر بتمليك ماله للمبيح شرط يجب الوفاء به و يحرم نقضه، فالتشكيك في الصحة ينافي إطلاق وجوب الوفاء بالشرط.

(1) أي: لمناسبة الصلح لهذا النحو من الإباحة أي الإباحة المعوّضة.

(2) أي: لأنّ هذا النحو من الإباحة يكون بمعنى التراضي و التسالم على أمر.

(3) قيد لقوله: «نوعا من الصلح» و هذا إشارة إلى المقدمة الثانية التي لا بدّ من إثباتها حتى تندرج الإباحة بالعوض في الصلح، و قد تقدّمت بقولنا: «ثانيتهما: أنه لا يعتبر في صحة الصلح .. إلخ».

(4) يعني: كما يستفاد عدم الاشتراط بلفظ الصلح. و لعلّ وجه الاستفادة هو الجهل بمقدار المال الموجود عند كل واحد من الشريكين، و الجهل غير قادح في الصلح.

(5) هذا الضمير و ضمير «فيه» راجعان الى الصلح.

(6) روى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «في رجلين كان لكلّ واحد منهما طعام عند صاحبه، و لا يدري كلّ واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، و لي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت أنفسهما» «1».

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 165، الباب 5 من أحكام الصلح، الحديث: 1

ص: 128

و نحوه (1) ما ورد في مصالحة الزوجين.

و لو (2) كانت معاملة

______________________________

(1) ففي مصحح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن قول اللّه عزّ و جل:

وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فقال عليه السّلام: هي المرأة تكون عند الرجل، فيكرهها فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك، فتقول له: لا تفعل، إنّي أكره أن تشمت بي، و لكن أنظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، و ما كان سوى ذلك من شي ء فهو لك، و دعني على حالتي، فهو قوله تعالى فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً و هذا هو الصلح» «1» [1].

(2) الأولى أن يقال: «و أن يكون معاوضة مستقلّة» ليكون معطوفا على «أن يكون نوعا من الصلح».

و كيف كان فهذا ثاني وجهي صحة الإباحة مع العوض، و حاصله: أنّ هذه الإباحة و إن كانت خارجة عن المعاملات المعهودة حتى الصلح، إلّا أنّه لا يقدح في الصحة، لوجود دليل يمنع عن الرجوع إلى أصالة الفساد، و ذلك الدليل هو حديث

______________________________

[1] لكن الظاهر عدم إجداء شي ء من هاتين الروايتين في المقام.

أمّا الرواية الأولى فلعدم ظهورها في الصلح، لاحتمال كونها هبة معوّضة، أو معاوضة مستقلة، و إن ذكرها صاحب الوسائل في كتاب الصلح. و بعد تسليم ظهورها في الصلح لا يدلّ على عدم اعتبار اللفظ مطلقا في باب الصلح، بل غايته دلالتها على عدم اعتبار لفظ خاصّ فيه.

و أمّا الرواية الثانية فلأنّ ظاهرها هو الصلح الحقيقي الخارجي في مقابل النشوز و النزاع، لا الصلح الاعتباري الإنشائي الذي هو مقابل سائر العناوين الإنشائية. و مورد البحث هو الثاني، لا الأوّل كما لا يخفى.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 90، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق، الحديث: 1

ص: 129

مستقلة (1) كفى فيها عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» [1] و «المؤمنون عند شروطهم» (2) [2].

و على تقدير الصحّة (3)، ففي لزومها مطلقا، لعموم «المؤمنون عند

______________________________

السلطنة و الشرط.

(1) كما في الجواهر، حيث قال بعد منع حصر المعاوضات في المعهودة: «فلا بأس بإجراء حكم المعاوضة المستقلّة عليها، كما صرّح به الشهيد في المحكيّ عن حواشيه ..» «1».

(2) بناء على تعميم الشرط لنفس العقد و عدم اختصاصه بالشرط الخارج عن العقد كما هو الظاهر، فالتمسك به محلّ تأمّل بل منع.

(3) الظاهر أنّ البحث عن لزوم الإباحة المعوّضة و جوازها مخصوص بما إذا صحّحت بالمعاوضة المستقلة، دون ما إذا كانت صلحا، ضرورة كونه عقدا لازما، فلا يبقى مجال لاحتمال الجواز حينئذ.

و كيف كان فقد أشار إلى وجوه ثلاثة:

أحدها: اللزوم مطلقا أي من كلا الطرفين، فلا يصح رجوع المبيح عن إباحته، و لا رجوع المباح له عن تمليكه للعوض.

ثانيها: اللزوم من طرف المباح له دون المبيح، فيجوز رجوع المبيح عن إباحته، لبقاء ما أباحه على ملكه، و عدم انتقاله عنه.

ثالثها: الجواز من كلا الطرفين.

______________________________

[1] هذا خلاف مبناه قدّس سرّه من عدم مشرّعية «الناس مسلّطون على أموالهم» للأسباب.

[2] هذا مبنيّ على عموم الشروط للشروط الابتدائية، و ذلك غير ظاهر، بل خلافه ظاهر.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 226

ص: 130

شروطهم» أو من طرف المباح له، حيث (1) إنّه [1] يخرج ماله عن ملكه، دون المبيح، حيث إنّ ماله باق على ملكه، فهو مسلّط [2] عليه (2). أو جوازها مطلقا؟ وجوه (3)، أقواها

______________________________

(1) حاصله: أنّ المباح له يخرج ماله عن ملكه، لفرض كونه عوضا عن الإباحة.

(2) يعني: أنّ مقتضى قاعدة السلطنة هو بقاء سلطنة المبيح على ماله.

(3) وجه اللزوم مطلقا ما أفاده قبيل ذلك من عموم «المؤمنون عند شروطهم».

و وجه اللّزوم من طرف المباح له ما ذكره أيضا بقوله: «حيث إنه يخرج ماله عن ملكه». و محصّله أصالة اللزوم في الملك، فليس للمباح له أن يتصرف فيه إلّا بإذن المبيح، لأنّه مالكه.

و وجه الجواز مطلقا: كون هذه الإباحة بالعوض من المعاطاة التي بنوا على جوازها، و أناطوا لزومها بأحد ملزماتها المعهودة.

______________________________

[1] هذا التعليل عليل، لأنّ مجرد الإخراج عن الملك لا يصلح لأن يكون دليلا على اللزوم، إلّا أن يثبت كون الأصل في الخروج عن الملك هو اللزوم. كما هو مقتضى استصحاب بقاء الملك للمبيح على ما تقدّم في أصالة اللزوم، فتصرّف المباح له فيه منوط بإذن المبيح.

[2] لكن حكومة دليل وجوب الوفاء بالشروط على قاعدة السلطنة تقتضي رفع سلطنته على ماله، لكون الإباحة لازمة، هذا.

مضافا إلى: أنّ المصنف قدّس سرّه بنى سابقا على عدم مشرّعية قاعدة السلطنة للأسباب و الأحكام. إلّا أن يكون مقصوده المماشاة مع مثل صاحب الجواهر الذي صحّح الإباحة المطلقة بقاعدة السلطنة.

ص: 131

أوّلها (1)، ثم أوسطها (2).

و أمّا حكم الإباحة بالإباحة (3) فالإشكال فيه أيضا يظهر

______________________________

(1) و هو اللزوم مطلقا، لعموم دليل نفوذ الشروط الذي هو مستند هذه الإباحة. وجه أقوائيّته: أنّ مقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» وجوب وفاء كل واحد من المؤمنين بشرطه و التزامه، سواء أ كان التزامه بإباحة ماله للغير ليتصرف فيه، أم بتمليك رقبة ماله للغير، و لا يجوز نقض الالتزام بوجه من الوجوه.

(2) و هو اللزوم من طرف المباح له، لأصالة اللزوم كما مرّ آنفا.

وجهه: أنّه لو نوقش في صدق الشرط على التزام المبيح بالإباحة، لكنه لا ريب في شموله لالتزام المباح له بتمليك ماله للمبيح، فيلزمه الوفاء بشرطه و عدم نقضه، بخلاف المبيح، فإنّه لا دليل على وجوب الوفاء بإباحته، إذا شكّ في صدق «الشرط» على الإباحة المالكية.

و وجه أولويّة هذا الاحتمال من الاحتمال الثالث- الّذي يجوز لكل منهما الرجوع فيه- هو: أنّه يلزم طرح عموم «المؤمنون» كلّيّة، و هذا خلاف ما فرضناه من دلالة الحديث على صحة الإباحة المعوّضة.

(3) هذا هو القسم الرابع من أقسام المعاطاة بحسب قصد المتعاطيين. و لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه لم يتعرّض عند بيان الإشكالين- الواردين على هذا القسم و سابقه- لما يختص بهذا القسم من الإشكال حتى يتصدّى لدفعه، و إنّما اقتصر على الإشكال المختص بالقسم الثالث من كونه عقدا مؤلّفا من إباحة و تمليك. ثم أجاب عنه بما عرفت آنفا.

و أمّا هذا القسم الرابع فقد أفاد فيه المصنف أنه كالقسم الثالث إشكالا و جوابا. فالإشكال فيه هو: عدم كون «الإباحة بعوض الإباحة» من المعاوضات المالية المعهودة، و لا تجارة عن تراض، و لا بيعا، و عليه يشكل إباحة المالك التصرّف في ماله بإزاء إباحة الآخر التصرف في ماله، و لو فيما لا يتوقف على الملك.

ص: 132

مما ذكرنا (1) في سابقه. و الأقوى فيها أيضا الصحة و اللزوم، للعموم (2) [1].

أو الجواز (3) من الطرفين، لأصالة التسلّط (4).

______________________________

و الجواب هو: أنّ الإباحة المعوضة من المالك صحيحة شرعا، لكونها صلحا أو معاوضة مستقلة. و حيث كانت صحيحة جرى فيها احتمال الجواز مطلقا و اللزوم كذلك.

و لا مجال للاحتمال الآخر المتقدم في القسم الثالث من كونها لازمة من طرف المالك دون المبيح، و وجهه واضح، إذ لا تمليك هنا أصلا، بل هو إباحة في قبال إباحة، فإمّا اللزوم من الجانبين عملا بوجوب الوفاء بالشرط و الالتزام به. و أمّا الجواز من الجانبين أخذا بأصالة الإطلاق في تسلّط الملّاك على أموالهم، فللمالك الرجوع عن إباحته متى شاء.

(1) من خروجها عن المعاوضات المعهودة شرعا و عرفا، مع التأمّل في صدق التجارة عليها.

(2) أي: عموم «المؤمنون عند شروطهم» كما ذكره في الإباحة بالعوض.

(3) معطوف على «اللزوم».

(4) إذ المفروض في هذه الإباحة بقاء المالين على ملك مالكيهما، فيكونان مسلّطين على استردادهما بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة.

______________________________

[1] مراده عموم «المؤمنون عند شروطهم» لكن قد عرفت المناقشة فيه، بل الوجه فيه هو عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و الإشكال فيه: بأن الإباحة هنا مالكية، و من المعلوم زوالها بمجرد كراهة المالك فليس للعقد مضمون يشك في ارتفاعه بالفسخ حتى يقال بدلالة العموم على بقائه.

مندفع بأنّ الزائل بالكراهة هو الإباحة النفسانية، دون الاعتبارية الإنشائية التي هي منشأ الآثار، فمع الشك في زوالها بالفسخ يتمسك بعموم أَوْفُوا الدال على اللزوم. فدليل

ص: 133

______________________________

السلطنة- مضافا إلى قصوره في نفسه- محكوم بدليل وجوب الوفاء بالعقود، بل و بدليل صحة التجارة عن تراض بناء على ما هو الصحيح من صدق «التجارة» على الإباحة بالإباحة و بالمال.

فالقاعدة تقتضي لزوم الإباحة مطلقا و لو بدون العوض كما هو ظاهر وفاقا للسيد قدّس سرّه «1».

ثم إنّه ينبغي التعرّض لشطر من الكلام في القسمين الأخيرين، فالقسم الثالث هو إباحة الموجب بالعوض، بحيث تكون المقابلة بين الإباحة و المال عروضا أو ثمنا، و القسم الرّابع هو كون الإباحة بإزاء الإباحة أو لداعي الإباحة. فنقول: قد استشكل المصنف قدّس سرّه فيهما بوجهين:

الأوّل: الإشكال في صحة إباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على ملكية المال للمتصرف، بأن يقول: «أبحت لك كل تصرف» من دون أن يملّكه العين.

الثاني: الإشكال في صحة الإباحة بالعوض، حيث إنّ مرجعها إلى العقد المركّب من إباحة و تمليك، و هي خارجة عن المعاوضات المعهودة، و صدق «التجارة عن تراض» عليها لا يخلو عن التأمّل كما سيأتي في كلام المصنف قدّس سرّه.

ثم إنّ الإشكال الأوّل و هو إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقّفة على الملك جار في كلا القسمين الثالث و الرابع، و في غير المعاطاة أيضا، لجريانه في الإباحة القولية سواء أ كانت مع العوض أم بدونه، و سواء أ كانت مستقلة أم ضمنية. و الاشكال الثاني و هو تركب العقد من إباحة و تمليك مختص بالقسم الثالث كما لا يخفى.

أمّا الإشكال الأوّل فهو تارة يكون عقليّا، و أخرى عقلائيا و عرفيّا، و ثالثة شرعيّا أي من ناحية الأدلة الشرعية بناء على كون ماهية البيع تبادل إضافة المالكية و المملوكية في العوضين، بمعنى تبدّل إضافة المبيع إلى مالكه- و هي إضافة المالكية و المملوكية-

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 81

ص: 134

______________________________

بإضافة الثمن إلى صاحبه التي هي أيضا إضافة المالكية و المملوكية، فلا يعقل تحقق ماهية البيع بدون هذه المبادلة.

و على هذا فالإباحة تضادّ المبادلة في إضافة المالكية و المملوكية التي هي حقيقة البيع.

و يظهر من هذا البيان تقريب الإشكال العقلائي، حيث إنّ الإباحة بالعوض لا تكون بيعا عقلائيا بعد كون البيع عندهم تبادل الإضافتين المزبورتين المفقود في الإباحة بالعوض، إذ المفروض عدم تبادل الإضافتين فيها، فمفهوم البيع لا يصدق عليها.

و الحاصل: أنّ هذا الاشكال مبني على كون البيع عبارة عن تبادل إضافة المالكية و المملوكية في العوضين.

لكن فيه منع تقدّم في تعريف البيع، و حاصله: أنّ حقيقة البيع ليست تبادل الإضافة المالكية و المملوكيّة في العوضين، و إلّا لم يصح بيع الوقف العام المسوّغ بيعه بأحد مسوّغاته، و كذا شراء الجنس الزكوي بسهم سبيل اللّه من الزكاة، و اشتراء الأخيار من الوجوه البرّية ما يحتاج إليه الفقراء و المساكين من المأكول و الملبوس و غيرهما لهم.

و بالجملة: فصحة البيع في هذه الموارد تكشف عن سعة دائرة مفهوم البيع، و أنّه عبارة عن التعاوض بين المالين، و عدم تقوّمه بتبادل إضافة الملكية. فالإشكال العقلي و العقلائي مندفع بعدم كون ماهية البيع تبادل الإضافتين، هذا.

و أمّا إشكال منافاة إباحة البيع- للمباح له- لما دلّ من الأدلة الشرعية على توقف البيع و غيره من التصرفات على الملك، مثل ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا بيع إلّا فيما تملك» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا طلاق إلّا فيما تملكه، و لا بيع إلّا فيما تملكه» وجه المنافاة: أنّ البيع و إن لم يكن بمفهومه مانعا عقلا و لا عقلائيا عن بيع المباح له مال المبيح، لكن الدليل النقلي يعتبر ملكية المبيع للبائع، فإذن المبيح في بيع ماله لغيره- و هو المباح له-

ص: 135

______________________________

ينافي الدليل الشرعي.

ففيه: أنّ الظاهر عدم قيام دليل تام على اعتبار كون المبيع ملكا للبائع، لأنّ ظاهر الروايتين المزبورتين- بعد تسليم اعتبار سندهما- هو عدم نفوذ بيع مال الغير بلا إذنه، لوضوح صحّته مع إذنه كالوكيل، فالمراد: أنّ البيع لا بدّ أن يكون مضافا إلى المالك إمّا بمباشرته للبيع، و إمّا بتسبيبه له كالتوكيل.

بل ظاهر الرواية الثانية هو ملك التصرّف بشهادة الفقرة الأولى، فإنّ مالكية الطلاق لا معنى لها إلّا ذلك، فليست الروايتان بصدد بيان لزوم دخول الثمن في كيس الذي يخرج المبيع من كيسه كما هو مناط الإشكال، و من المعلوم أنّ المباح له لا يبيع إلّا بإباحة المالك المبيح له بيع ماله، فهو مأذون من المالك في البيع.

و إن أبيت عن ذلك و ناقشت فيما ذكرناه- بأنّ مفهوم البيع هو تبادل الإضافتين- فنقول: إنّ مقتضى الإباحة المطلقة ليس دخول الثمن في ملك المباح له حتى يكون منافيا لحقيقة البيع، بل مقتضاها جواز التصرف في الثمن كجوازه في نفس المثمن، فبيع المباح له نافذ، لاقترانه بإذن المالك المبيح.

و إن شئت فقل: إنّ إطلاق الإباحة للتصرفات في مال يقتضي جواز التصرف في المال بجميع شؤونه من الشخصية و النوعية و المالكية، فكما يباح للمباح له التصرف في شخص المال الذي أبيح له، فكذلك يباح له التصرف في ماليّته المتحققة في ضمن شي ء آخر، فالمال إذا كان كتابا فكما يجوز للمباح له التصرف فيه، فكذلك يجوز التصرف في بدله إذا بيع بدينار مثلا.

فالمتحصل: أنّه- بعد تسليم كون ماهية البيع دخول الثمن في ملك من خرج عن ملكه المبيع- لا إشكال و لا تنافي بين ماهيّة البيع و بين إباحة كل تصرف حتى ما يتوقف منه على الملك كالبيع، هذا.

و لا يندفع الإشكال بالوجوه الثلاثة المذكورة في كلام المصنف قدّس سرّه.

ص: 136

______________________________

أحدها: كون غرض المبيح توكيل المباح له في نقل المال إلى نفسه ليقع البيع له- أي: للمباح له- أو توكيل المباح له في بيع المال لمالكه، ثم نقل الثمن الذي هو ملك المبيح إلى نفسه، أو تمليك المبيح ماله للمباح له بقوله: «أبحت» أو بالفعل المؤدي للإباحة الذي هو بمنزلة إنشاء الهبة، و كون بيع المباح له بمنزلة القبول، نظير قوله: «أعتق عبدك عنّي بكذا» هذا.

إذ فيه: أنّ هذا الوجه بجميع شقوقه بعيد عمّا نحن فيه، إذ ليس المقصود هنا إلّا إذن المالك للمباح له في التصرف، و مجرّد إمكان قصد أحد الوجوه المزبورة لا يثبت وقوعه الذي هو المدار في الجواز.

ثانيها: أن يدلّ دليل خاص على كون مال المبيح ملكا للمباح له بمجرد الإباحة، فيقع البيع في ملك المباح له. أو يدلّ دليل على صيرورة الثمن ملكا للمباح له، فإنّه يكشف عن دخول الثمن في ملك المبيح آنا ما لئلّا يستحيل صدق مفهوم البيع عليه، ثم انتقاله عنه إلى المباح له، نظير شراء العمودين، حيث إنّهما يدخلان في ملك المشتري آنا ما، ثم ينعتقان عليه، لأنّه قضية الجمع بين الأدلّة، و هي ما دلّ على صحة الشراء، و ما دلّ على أنّه لا عتق إلّا في ملك، و ما دلّ على أنّ الإنسان لا يملك عموديه، هذا.

إذ فيه: أنّ من المعلوم فقدان دليل خاص في المقام يدل على كون مال المبيح ملكا للمباح له بمجرد الإباحة. أو يدلّ على صيرورة الثمن ملكا للمباح له حتى نلتزم فيه بما التزموا به في مثال شراء العمودين، حيث إنّ ما يمكن أن يكون دليل على الإباحة في المقام هو دليل السلطنة الذي لا يزاحم الأدلة الدالة على توقف بعض التصرفات على الملك كالعتق و البيع و الوطي و نحوها، بل هي حاكمة على دليل السلطنة، لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ مفاد دليل السلطنة هو نفوذ سلطنة المالك على التصرفات التي ثبت جوازها في الشرع مع الغضّ عن دليل السلطنة. و ليس دليل السلطنة مشرّعا. فاتّضح الفرق بين المقام و بين مسألة شراء العمودين.

ص: 137

______________________________

ثالثها: ما أشار إليه بقوله: «و أمّا حصول الملك في الآن المتعقب بالبيع و العتق فيما إذا باع الواهب عبده الموهوب أو أعتقه .. إلخ» و حاصله: تنظير المقام برجوع الواهب عن هبته ليقع البيع في ملكه، فكما يقتضي بيع الواهب رجوعه عن الهبة و دخول العين الموهوبة في ملكه، فكذلك التصرف في المباح تصرفا موقوفا على الملك يقتضي دخول المال في ملك المباح له.

إذ فيه أيضا ما لا يخفى، لعدم دليل على صحة مثل هذا التصرف للمباح له حتى يكشف ذلك الدليل عن حصول الملكية التحقيقيّة آنا ما قبل تحقق ذلك التصرف.

و الحاصل: أنّ شيئا من هذه الوجوه الثلاثة المذكورة في كلام المصنف قدّس سرّه لا يصلح لتصحيح بيع المباح له للمال الذي أبيح له التصرف فيه كما نبّه هو قدّس سرّه أيضا على ذلك.

هذا حال البيع الذي قيل بتوقفه على الملك.

و أمّا سائر صغريات التصرف المتوقف على الملك فلا بأس بالإشارة إلى جملة منها، فنقول:

إنّه عدّ منها العتق. و قد نسب ذلك إلى المشهور، و لذا حكموا بالملك التقديري في مثل قوله: «أعتق عبدك عنّي» بل ربما يدّعي الإجماع على ذلك.

و يدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك» «1».

و رواية مسمع أبي سيّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا عتق إلّا بعد ملك» «2». و نحوهما غيرهما.

و ما في حاشية السيد قدّس سرّه «من حمل الملك على ملكية الإعتاق كما تقدم في

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 16، ص 7، الباب 5 من أبواب كتاب العتق، الحديث: 1

(2) المصدر، الحديث: 2

ص: 138

______________________________

البيع، لا ملكية العبد، فلا مانع حينئذ من جواز العتق إذا كان بإباحة المالك و إذنه، لكون المباح له حينئذ مالكا للإعتاق و سلطانا عليه» «1» خلاف الظاهر جدّا، لكون الظاهر هو إضافة الملكية لا مجرّد السلطنة و لو بإذن من المالك. و الحمل المزبور مما لا موجب له و لا داعي إليه، إذ لا قرينة على هذا الحمل، كما كانت موجودة في بعض الروايات الدالة على اعتبار الملكية في المبيع كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا طلاق إلّا فيما تملكه، و لا بيع إلّا فيما تملكه» ضرورة عدم اعتبار ملكية الزوجة في الطلاق.

نعم في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان الّذين من قبلنا يقولون:

لا عتاق و لا طلاق إلّا بعد ما يملك الرجل» «2». و لا بأس بقرينية هذه الرواية على إرادة ملكية الإعتاق.

إلّا أن يقال: بعدم منافاة الجمع بين اعتبار إضافة الملكيّة و بين اعتبار السلطنة، لأنّ اعتبار هذه يرجع إلى عدم الحجر، و أنّ من يتصدّى الإعتاق لا بدّ أن يكون سلطانا على ذلك و غير محجور عنه.

و على هذا فيعتبر في المعتق الملكية و عدم الحجر، فلا تكون رواية أبي بصير قرينة على إرادة السلطنة من الملكية في سائر الروايات، لكونهما من المثبتين اللّذين لا تنافي بينهما، و مقتضى الجمع بينهما هو اعتبار كون المعتق مالكا غير محجور عن التصرف، و يجري مثل هذا الكلام في البيع أيضا، فتدبّر.

و منها: مسألة الخمس و الزكاة، بمعنى: أنّ ما يخرج خمسا أو زكاة لا بدّ أن يكون ملكا. و توضيح الكلام في ذلك: أنّه بناء على تعلّق الخمس بنفس المال بنحو الإشاعة كما هو الأظهر أو الكلّيّ في المعيّن- مع بقاء العين و عدم تبديل الحق- فالظاهر وجوب الدفع من نفس العين، لعدم موجب لجواز الأداء بغير عين المال الذي تعلّق الحق بهما،

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 79

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 7، الباب 5 من أبواب كتاب العتق، الحديث: 3

ص: 139

______________________________

إذ الموجب له هو تخلّص تلك العين عن الحق بالتبديل بعين أخرى خارجية أو ذميّة، بمقتضى ولاية المالك على التبديل.

و إن شئت فقل: إنّه بدون التبديل لا يصدق الدّين على من عليه الحق حتى يجوز أداؤه بمال الغير بإذنه، فليس للمباح له إخراج ما أبيح له خمسا أو زكاة.

و بناء على كونهما في الذمة- إمّا للقول بتعلقهما بها لا بنفس العين، و إمّا لتلف العين التي تعلّق بها الخميس أو الزكاة على وجه يوجب ضمانهما و اشتغال ذمته بهما بحيث صارا دينا عليه. و إمّا لنقل الحق في ذمته بإذن المجتهد- لا مانع حينئذ من أدائهما بمال الغير بإذنه، و المفروض كون المال من ناحية مالكه مباحا له، فيجوز للمباح له أداء دينه الذي منه الخمس و الزكاة.

و بالجملة: يجب الأداء من نفس العين بناء على تعلقهما بها، و عدم تبديل الحق بمال آخر. و لا يكفي الأداء من مال غيره و لو مع إذنه و إباحته، لأنّ ولاية التبديل الرافع للشركة ثابتة للمالك لا لكل أحد حتى تثبت الولاية للمبيح، و يكون إذنه في الأداء من ماله رافعا للشركة، و يجوز الأداء من مال غيره، مع صيرورة الحق في ذمّته بأحد الوجوه الموجبة لانتقال الحق إلى الذمة.

فقد ظهر مما ذكرنا أنّ توقف جواز إخراج مال خمسا أو زكاة على الملك- كما قيل- ليس في محله، لأنّهما بعد صيرورتهما دينا على من عليه الخمس و الزكاة يجوز التبرّع بأدائهما من مال الغير بلا إشكال، لما دلّ على جواز التبرّع بأداء دين الغير، فلا مانع حينئذ من قصد القربة.

فما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه من الإشكال في قصد القربة «1» لا يخلو من غموض.

و قبل صيرورتهما دينا عليه- بأن كانت العين باقية و لم يبدّلها المالك بمال آخر-

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 188

ص: 140

______________________________

يجب الدفع من نفس العين التي هي مشتركة بين المالك و بين السّادة أو الفقراء، فالمبذول حينئذ هو عين مالهم، و ليس من مال المالك أصلا، كما هو واضح.

و منها: كون ثمن الهدي مملوكا للناسك كما حكاه المصنف عن الشهيد قدّس سرّهما حيث قال في هذا التنبيه: «و عرفت أيضا: أن الشهيد في الحواشي لم يجوّز إخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس و الزكاة و ثمن الهدي، و لا وطي الجارية، مع أن مقصود المتعاطيين الإباحة المطلقة» و هذه العبارة كالصريح في اعتبار كون ثمن الهدي مملوكا و عدم كفاية إباحته.

لكن فيه: أنّه لم يدلّ دليل على اعتبار ملكية ثمن الهدي، بل مقتضى إطلاق أخبار الاستطاعة البذليّة «1»- و خلوّ روايات وجوب سوق الهدي في حجّ القران «2»، و وجوب ذبحه في منى في حج التمتع «3» عن اعتبار ملك الثمن- هو عدم اعتبار كون ثمن الهدي ملكا للناسك، ففي رواية الفقيه: «كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساق معه مائة بدنة، فجعل لعليّ عليه السّلام منها أربعا و ثلاثين، و لنفسه ستّا و ستين، و نحرها كلّها بيده» الحديث. و هي ظاهرة في عدم اعتبار ملكية ثمن الهدي. و لو شك في اعتبارها فالأصل عدمه.

و عليه فلو جعل المال المباح له ثمنا للهدي كما إذا اشتراه بعينه لنفسه أو أدّى به دينه الذي اشتغلت به ذمّته، كما إذا جعل ثمن الهدي في ذمّته و أدّاه من المأخوذ بالمعاطاة الذي أبيح له التصرف فيه لم يكن به بأس.

و أمّا ما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه من: «أنّه لا يتصوّر لإخراج ثمن الهدي من مال الغير معنى معقولا، و ذلك لأنّ المهدي إمّا أن يشتري الهدي بذمّته .. إلى أن قال: و إمّا

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 8، ص 26 إلى 28، الباب 10 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

(2) وسائل الشيعة، ج 8، ص 149، الباب 2 من أبواب أقسام الحج.

(3) المصدر، ص 164، الحديث: 25

ص: 141

______________________________

أن يشتريه بشخص مال الغير. و عليه إن قصد الشراء للمالك فالهدي بنفسه يكون للمبيح .. الى أن قال المقرّر: و إن قصد الشراء لنفسه فهو داخل فيما هو معلوم من شراء أحد بمال الغير لنفسه شيئا. و لا معنى لإخراج ملك الغير في ثمن الهدي» «1».

ففيه: أنّه مبني على كون المعاوضة تبادل الإضافتين الملكيتين، و قد عرفت خلافه، فيتصور إخراج ملك الغير في ثمن الهدي.

بل على ما ذكرنا في دفع إشكال المعاوضة تكون المعاوضة بمعنى تبادل الإضافتين الملكيتين محفوظة، حيث إنّ الهدي يصير ملكا لمالك الثمن، و يباح للمباح له التصرف في الهدي بمقتضى الإباحة المطلقة، حيث إنّها تقتضي إباحة التصرف في نفس المباح و بدله إذا عوّض بشي ء، و بدل بدله، و هكذا، و المفروض عدم قيام دليل على تعيّن إخراج الهدي من ملك الناسك.

و منها: وطي الجارية كما أشار إليه الشهيد رحمه اللّه، فإنّه متوقف على الملك أو النكاح أو التحليل، فلا يجوز وطيها إذا أخذت بالمعاطاة، لأنّ الإباحة ليست ملكا و لا نكاحا و لا تحليلا، إذ يعتبر في التحليل الصيغة الخاصة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه كما تقدّم في كلام الجواهر عند شرح كلام المصنف قدّس سرّه: «و صحة الوطي على التحليل بصيغة خاصة لا بمجرّد الإذن» و المراد بالصيغة الخاصة هي قوله: «أبحت لك وطي أمتي» أو «أنت في حلّ من وطي أمتي» هذا.

أقول: ليس الوطي متوقفا على الملك، بل يتوقف على كون الواطي مالكا للوطي سواء أ كان ذلك لكونه مالكا لرقبة الموطوئة أم زوجا لها، أم ممّن أبيح له وطؤها من ناحية مالكها بألفاظ خاصة بالتحليل، بناء على تمامية الإجماع على اعتبار تلك الألفاظ الخاصة في التحليل. و إلّا فالأظهر تحقق التحليل بكل لفظ يدل عليه و إن لم يكن عربيّا، و التفصيل في محلّه.

______________________________

(1): محاضرات في الفقه الجعفري، ج 2، ص 93

ص: 142

______________________________

و منها: المهر، فإنّه قيل باعتبار كونه ملكا للزوج.

و فيه: أنه لا مجال لهذا التوهم، بعد كون الزوجين ركنين في العقد، في مقابل ركنيّة العوضين في العقود المعاوضيّة، و لذا يجوز تفويض المهر و عدم ذكره في العقد، بخلاف العقود المعاوضيّة، فإنّه لا يجوز عدم ذكر العوض فيها. و كذا يجوز جعل المهر على غير الزوج الذي هو أجنبيّ عن المتعاقدين.

فتلخص من جميع ما ذكرناه صحة بعض ما قيل من التوقف على الملك في الموارد المذكورة، فإنّ بعضها متوقف على الملك، فتأمّل.

لكن الشأن كلّه في نهوض الدليل على صحة الإباحة المطلقة حتى بالنسبة إلى التصرفات المتوقفة على الملك، إذ مع فرض نهوضه عليها لا بدّ من الالتزام بالملك التحقيقي الآني ليقع التصرف المنوط بالملك في ملكه، فتأمّل.

و كيف كان فمرجع ما استدل به على صحتها وجوه ثلاثة:

أحدها: ما في المتن من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلّطون على أموالهم» و قد عرفت عدم دلالته عليه.

ثانيها: ما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه من السيرة، فإنّها قد ادّعيت على جواز جعل نثار العرس ثمنا في المعاوضات، و التصرف فيه بما يتوقف على الملك، غايته أنّه من الإباحة بلا عوض. كما أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام كانوا يتصرفون أنواع التصرفات فيما يهدى إليهم من غير فرق بين التصرفات المتوقفة على الملك و غيرها، هذا «1».

و فيه: أنّ نثار العرس أجنبي عن المقام، لأنّ الظاهر أنّه من باب الإعراض الرافع لمنع تملك الغير له، فإذا أخذ كان الأخذ كأخذ المباح الأصلي في التملّك.

و قد يقال: إن نثار العرس من باب الهبة. لكنه بعيد. و على كل حال هو أجنبي عن

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 196

ص: 143

______________________________

الإباحة المطلقة، هذا.

ثالثها: ما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه أيضا من «أنه قد يستدل لجواز الإباحة المطلقة المزبورة بمسألة الأنفال، حيث إنّهم عليهم السّلام أباحوها لشيعتهم. «1». و من المعلوم أنّ المتصرف في شي ء منها يملكه، و إباحتهم مالكية، لأنّها من أملاكهم و حقوقهم كالمقام، إذ الإباحة المطلقة المعاطاتية مالكية أيضا، لأنّ المفروض قصد المتعاطيين للإباحة لا الملكية. و حكي أن المحقق الثاني أشار الى ذلك في شرح القواعد هذا «2».

و أجيب عن هذا الاستدلال تارة: بأنّ إباحة الأنفال تكون من باب الإعراض الرافع للملكية أو لموانع التملك، فيملكه المتصرف.

و أخرى: بالفرق بين المقام و بين الأنفال، حيث إنّ المطلوب هنا هو إباحة جميع التصرفات حتّى المتوقفة على الملك، مع بقاء المال على ملك المبيح. بخلاف الأنفال، فإنّهم عليهم السّلام رخّصوا في تملّك العين فيها.

و هذا الجواب هو الحق الذي ينبغي المصير إليه، إذ إباحتهم عليهم السّلام من باب العطية و جوائز السّلطان، فكلّ من حاز شيئا من الأنفال ملكه.

و أمّا الجواب الأوّل فيرد عليه: أنّ إباحتهم عليهم السّلام مختصة بالشيعة، و الإعراض على وجه التقييد غير معقول، لأنّ الإخراج عن الملك كالضرب الواقع على شخص لا يصلح للتقييد. فكما لا يعقل أن يقول الضارب:- اضرب هذا الشخص إن كان معاوية مثلا، و إلّا فلا أضربه- فإنّ من المشاهد وقوع الضرب على المضروب و إن تبيّن أنه طلحة مثلا لا معاوية. و كذا الحال في مسألة التقليد.

لكن إشكال عدم المعقولية المذكور في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه مبني على كون الإعراض بنفسه مخرجا عن الملك و موجبا لصيرورة المعرض عنه مباحا.

______________________________

(1): وسائل الشيعة ج 6 ص 378- الباب 4 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام

(2) غاية الآمال، ص 197

ص: 144

______________________________

و أمّا بناء على كونه رافعا لموانع تملك الغير لمال المعرض فلا وجه لعدم المعقولية، إذ مرجع الإعراض حينئذ إلى الإذن في تمليك ماله، و لا مانع من تقييد الإذن لشخص أو طائفة خاصّة كما لا يخفى.

فتلخص مما ذكرنا: أنّ شيئا من هذه الوجوه لا يصلح لإثبات مشروعية الإباحة مع العوض.

نعم يمكن أن يستدل لها بآية التجارة عن تراض. و منع صدق التجارة عليها مكابرة بعد كون مناط التجارة هو الانتفاع بالمعاملة الموجود في الإباحة مع العوض.

نعم منع صدقها على الإباحة المجانية في محله.

و إن أبيت عن ذلك و ادّعيت أنّ مفهوم التجارة هو خصوص المعاملة المملّكة دون غيرها، فلا بأس بالتمسك بقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإنّ عقديّة هذه الإباحة ممّا لا ينبغي الارتياب فيه. و الظاهر أن العقد يصدق على كلتا الاباحتين، و هما الإباحة بالعوض، و الإباحة في مقابل الإباحة.

ثم إنّه إذا ثبت إناطة بعض التصرفات بالملك كالعتق مثلا فلا بد من الجمع بين دليله و بين هذه الإباحة المطلقة بالملك التحقيقي الآني لا التقديري الفرضي، لأنّ الملكيّة المعتبرة في ذلك التصرف تحقيقية لا تقديرية، فالالتزام بالملك التقديري ليس جمعا بين الأدلة. بل مقتضى القاعدة إعمال قواعد تعارض العامّين من وجه. إلّا أن يقوم دليل على صحة التصرف المتوقف على الملك، حيث إنّه شاهد على هذا الجمع، و إلّا فهو من الجموع التبرعية التي لا سبيل إليها. و مقتضى القاعدة حينئذ التساقط في المجمع و الرجوع فيه إلى الأصول التي تقتضي الفساد، لكون أصالة الفساد محكّمة في المعاملات.

كما أن الجمع بالملك الرتبي أو الذاتي المتقدم في كلام صاحب الجواهر غير ظاهر الوجه. إذ لا اعتبار للملكية العقلائية في غير وعاء الزمان. مضافا إلى منافاته لظواهر

ص: 145

______________________________

الأدلة.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأوّل: أنّ الملكية التي يجمع بها بين الأدلة في بيع الواهب و ذي الخيار و شراء من ينعتق عليه حقيقيّة آنيّة لا فرضيّة، لأنّه ليس جمعا بين الدليلين، و عملا بما دلّ على توقف البيع و العتق على الملك، ضرورة أنّ الملك المنوط به البيع و العتق هو الملك التحقيقي لا التقديري. نعم يتجه الملك التقديري في الدية، لعدم قابلية الميت للملك الحقيقيّ.

الثاني: أنّه قد ظهر مما ذكرنا عدم ثبوت جواز تصرف متوقف على الملك- لما عرفت مفصلا- حتى يستشكل في اقتضاء الإباحة المبحوث عنها في المقام لجواز التصرفات المتوقفة على الملك.

الثالث: أنّ الإباحة سواء أ كانت مع العوض كما هو الوجه الثالث أم بدونه- كما إذا كانت الإباحة في مقابل الإباحة- صحيحة لازمة، لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا لدليل وجوب الوفاء بالشروط، لعدم إحراز شموله للشروط الابتدائية لو لم نقل بعدم شموله لها. و قد تقدّم شطر من الكلام في ذلك في أدلة لزوم المعاطاة.

الرابع: أنّ ما ذكرناه في حكم صور المعاطاة يجري في سائر الصور التي لم يذكرها المصنف، لشمول العقد لها، فيجب الوفاء بها، فإنّ المناط في الجميع هو العقد.

ص: 146

[التنبيه الخامس: جريان المعاطاة في غير البيع]

الخامس (1): في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود، و عدمه.

اعلم: أنّه ذكر المحقّق الثاني رحمه اللّه في جامع المقاصد «1» على ما حكي (2) عنه:

______________________________

التنبيه الخامس: جريان المعاطاة في غير البيع

(1) الغرض من عقد هذا التنبيه- كما صرّح به في المتن- تحقيق أنّ المعاطاة هل تختص بالبيع، فلا تجري في سائر العقود كما لا تجري في الإيقاعات على ما قيل، أم لا تختص به فتجري في العقود الأخر أيضا؟ و قد نقل أوّلا كلام المحقق الكركي قدّس سرّه حيث نسب إلى بعض الأصحاب القول بالمعاطاة في الإجارة و الهبة، ثم ناقش المصنف فيه و تأمّل في النسبة، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

و عليه يقع البحث في هذا التنبيه في مقامين، أحدهما في تحقيق كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، و الآخر في بيان مختار المصنف قدّس سرّه، و يقع الكلام فعلا في المقام الأوّل.

(2) الحاكي غير واحد من الأصحاب، منهم السيد الفقيه العاملي «2» و صاحب الجواهر و غيرهما قدّس سرّهم، و كذا حكاه الشهيد الثاني من دون التصريح باسم القائل، ففي المسالك: «ذكر بعض الأصحاب ورود المعاطاة في الإجارة و الهبة، بأن يأمره بعمل معيّن و يعيّن له عوضا، فيستحق الأجر بالعمل. و لو كان إجارة فاسدة لم يستحق شيئا مع علمه بالفساد، بل لم يجز له العمل و التصرف في ملك المستأجر، مع إطباقهم

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 59

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158، جواهر الكلام، ج 22، ص 239

ص: 147

«أن في كلام بعضهم (1) ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة، و كذا في الهبة،

______________________________

على جواز ذلك، و استحقاق الأجر. إنّما الكلام في تسميته معاطاة في الإجارة» «1».

و قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «قد يقال: بورود المعاطاة في الإجارة و سائر العقود عدا النكاح. بل عن بعض من تأخّر ورودها فيه أيضا. و عن تعليق الإرشاد: أنّ من المعاطاة الإجارة و نحوها، بخلاف النكاح و الطلاق و نحوهما، فلا تقع» «2».

(1) الظاهر أنّ هذا البعض هو العلّامة قدّس سرّه، إذ المستفاد من كلامه في التذكرة عدم توقف الملك في الهدية على الإيجاب و القبول اللّفظيّين، خلافا لمن تقدّم عليه كالشيخ و الحلّي حيث صرّحوا باعتبار الصيغة فيها، و أنّه لا يباح التصرف المنوط بالملك في الهدية الفاقدة للصيغة.

و كذا يمكن أن يستظهر من كلامه جريان المعاطاة في الإجارة.

و لما لم تكن عبارة العلّامة في المقامين- و هما الهبة و الإجارة- صريحة في تأثير معاطاتهما في الملك اقتصر المحقق الثاني قدّس سرّه على قوله: «ما يقتضي اعتبار المعاطاة ..» و لم يدّع صراحة كلام ذلك البعض في جريان المعاطاة في البابين المذكورين، و لم يتفرّد المحقق الثاني في هذا الاستظهار، بل وافقة الشهيد الثاني «3» و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهما أيضا «4».

و الأولى نقل جملة من كلام العلّامة وقوفا على حقيقة النسبة.

قال في إجارة التذكرة: «مسألة: لو دفع ثوبا إلى قصّار ليقصّره، أو إلى خيّاط ليخيطه، أو جلس بين يدي حلّاق ليحلق رأسه، أو دلّاك ليدلكه، ففعل، و بالجملة:

كل من دفع إلى غيره سلعة ليعمل فيها عملا، و لم يجر بينهما ذكر أجرة و لا نفيها، فإن كان من عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسّال و القصّار فله أجرة مثل عمله،

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 151

(2) غاية الآمال، ص 201

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 229

(4) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 83

ص: 148

..........

______________________________

و إن لم يكن له عادة و كان العمل ممّا له أجرة فله المطالبة، لأنّه أبصر بنيّته. و إن لم يكن ممّا له أجرة بالعادة لم يلتفت إلى مدّعيها. و للشافعية أوجه ..» «1» و نحوه عبارة القواعد «2» و الإرشاد «3»، إلّا أنه أطلق الأجرة في الأخير و لم يقيّده بالمثل.

و أمّا في الهبة فقد جزم العلّامة في القواعد «4» بعدم كفاية المعاطاة فيها، و لكنّه مال في التحرير «5» إلى عدم اشتراط القبول نطقا كما قيل. و يلوح من كلامه في هبة التذكرة كفاية المعاطاة، حيث إنّه نقل عن بعض العامة ترتب الملك على إرسال الهدية، و لم يناقش فيه، و ظاهره الركون إليه و إن لم يصرّح به.

قال فيها: «الهبة عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول باللفظ كالبيع و سائر التمليكات. و أمّا الهدية فذهب قوم من العامّة إلى أنّه لا حاجة فيها إلى الإيجاب و القبول اللفظيين، بل البعث من جهة المهدي كالإيجاب، و القبض من جهة المهدي إليه كالقبول، لأنّ الهدايا كانت تحمل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها، و لا لفظ هناك، و استمرّ الحال من عهده إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع، و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الّذين لا يعتدّ بعبارتهم. و منهم من اعتبرهما كما في الهبة و الوصية. و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلك كان إباحة لا تمليكا.

و أجيب بأنّه لو كان كذلك لما تصرّف الملّاك [لما تصرّفوا فيه تصرف الملّاك] و معلوم أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يتصرّف فيه و يملّكه غيره. و الصدقة كالهدية في ذلك بلا فصل.

و يمكن الاكتفاء في هدايا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غير لفظ الإيجاب و القبول جريا على المعتاد بين الناس. و التحقيق مساواة غير الأطعمة لها، فإنّ الهدية قد يكون

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 320

(2) قواعد الأحكام، ص 94 (الطبعة الحجرية)

(3) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 425

(4) قواعد الأحكام، ص 110

(5) تحرير الأحكام، ص 281

ص: 149

و ذلك (1) لأنّه إذا أمره (2) بعمل على عوض معيّن (3) فعمله، استحق الأجرة.

و لو كانت (4) هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل

______________________________

غير طعام، فإنّه قد اشتهر هدايا الثياب و الدّواب من الملوك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّ مارية القبطية أمّ ولده كانت من الهدايا. و قال بعض الحنابلة: لا يفتقر الهبة إلى عقد، بل المعاطاة و الأفعال الدالة على الإيجاب و القبول كافية، و لا يحتاج الى لفظ، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يهدي و يهدي إليه، و يفرّق الصدقة، و يأمر بتفرقتها، و لم ينقل في ذلك لفظ إيجاب و لا قبول. و لو كان شرطا لأمر به ..» «1».

و استجوده المحقق و الشهيد الثانيان، ففي جامع المقاصد- بعد نقل المضمون-:

«و هذا قوي متين» «2».

و في المسالك بعد نقل نصّ عبارة التذكرة: «و هو حسن» ثم قوّى إفادة الملك لا الإباحة المحضة، فراجع «3».

هذا تقريب جريان المعاطاة في الإجارة و الهبة.

(1) هذا بيان مستند جريان المعاطاة في الإجارة و الهبة، و هو حكم العلّامة قدّس سرّه في التذكرة في كلا البابين، و قد تقدم مفصّلا.

(2) أي: أمر الآمر صانعا بعمل على عوض.

(3) لم يذكر العلّامة أجرة معيّنة، فالظاهر أنّ المحقق الثاني استظهرها من التعارف و العادة القاضيين بتملّك المأمور لأجرة المثل أو للأجرة المتعارفة.

(4) هذا استظهار المحقق الثاني من الفرع المذكور في التذكرة و غيرها، و حاصله:

أنّه يتعيّن توجيه استحقاق الأجرة بكفاية المعاطاة في باب الإجارة، إذ لولاها لم يجز للمأمور التصرف في ثوب الآمر بخياطة و قصارة، لكونه تصرفا في ملك الغير بلا إذن

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 415

(2) جامع المقاصد، ج 9، ص 142

(3) مسالك الافهام، ج 6، ص 12

ص: 150

و لم يستحق (1) أجرة مع علمه بالفساد. و ظاهرهم (2) الجواز بذلك. و كذا (3) لو وهب بغير عقد، فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف (4)، و لو كانت هبة فاسدة لم يجز (5)، بل منع من مطلق التصرف. و هو (6) ملحظ وجيه» انتهى [1].

______________________________

منه، و لم يستحق أجرة على عمله مع علمه بفساد الإجارة، لفقد شرطها و هو الإيجاب و القبول اللفظيان.

(1) أمّا عدم استحقاقه للأجرة المسمّاة فلفساد الإجارة. و أمّا عدم استحقاقه لأجرة المثل فلإقدامه على العمل بغير أجرة، و ذلك لعلمه بالفساد.

(2) أي: و الحال أنّ ظاهر الأصحاب جواز عمل المأمور استنادا إلى أمر الآمر، فلا بدّ من كشف هذا الجواز عن صحة الإجارة المعاطاتية.

(3) معطوف على «إذا أمره» و هذا الحكم في الهدية منشأ استظهار المحقق الثاني قدّس سرّه جريان المعاطاة فيها و عدم توقف الملك على الصيغة، و قد تقدم نقل عبارة التذكرة آنفا.

(4) و من المعلوم أنّ جواز الإتلاف- و سائر التصرفات المتوقفة على الملك- من آثار صحة الهبة المعاطاتية، إذ لو كانت فاسدة كانت العين الموهوبة باقية على ملك الواهب، و لم يكن تصرف المتهب فيها- مطلقا- جائزا.

(5) يعني: لم يجز الإتلاف، بل يمنع من جميع التصرفات.

(6) هذا نظر المحقق الثاني قدّس سرّه، يعني: أنّ ما يقتضيه كلام بعضهم- من جريان المعاطاة في الإجارة و الهبة- متين و وجيه.

______________________________

[1] و قد استدلّ على جريانها في سائر العقود بوجوه مذكورة في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه:

الأوّل: السيرة المستمرة على إجرائها في غير البيع، على حدّ جريانها فيه.

الثاني: صدق اسم كل عنوان من عناوين العقود على المعاطاة التي تقوم مقام

ص: 151

و فيه (1): أنّ معنى جريان المعاطاة في الإجارة على مذهب المحقق الثاني

______________________________

(1) شرع المصنّف قدّس سرّه في مناقشة ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه من تعميم المعاطاة للإجارة و الهبة، فأورد عليه في ما يتعلق بالإجارة بوجوه ثلاثة، كما أورد عليه بوجهين في الهبة سيأتي بيانهما تبعا للمتن.

الأوّل: أنّ المحقق الكركي قدّس سرّه التزم في معاطاة البيع بالملك المتزلزل، و نفى مقالة المشهور من ترتب إباحة التصرف عليها. و على هذا المبنى يكون معنى جريان المعاطاة في الإجارة صيرورة الأجير- و هو المأمور- مالكا للأجرة المعيّنة على عهدة المستأجر الآمر، و صيرورة الآمر مالكا للعمل المعيّن- المأمور به- على المأمور.

و لكن يرد عليه أنّا لم نجد من صرّح بتحقق الملكية المتزلزلة في هذه الإجارة، فكيف أسندها المحقق الثاني إليهم؟ على ما هو ظاهر قوله: «إن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة» و لعلّ هذا البعض يقول بكون المعاطاة مبيحة مطلقا سواء في البيع و الإجارة. و من المعلوم أنّ إباحة المنفعة و الأجرة- من دون

______________________________

اللفظ، فتشملها أدلة تلك العقود.

الثالث: الهدايا التي أهديت الى المعصومين عليهم السّلام، فإنّهم كانوا يعاملون معها معاملة الملك، مع وضوح خلوّها عن اللفظ.

الرابع: إسناد المحقق الثاني إلى ظاهر الأصحاب جريان المعاطاة في الهبة و الإجارة.

الخامس: عدم القول بالفصل بين البيع و غيره. «1»

و الكلّ- ما عدا الثاني- مخدوش، و إن كان المدّعى حقّا.

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 202

ص: 152

الحكم بملك المأمور الأجر المعيّن على الآمر (1)، و ملك الآمر العمل المعيّن على المأمور، و لم نجد (2) من صرّح به (3) في المعاطاة.

______________________________

الملكية- أجنبية عن استحقاقهما المنوط بالملك، هذا.

الثاني: أنّ أصل استظهار المحقق الثاني جريان المعاطاة في الإجارة بقوله:

«و لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل» ممنوع، فلعلّ ذلك البعض قائل بالإجارة المعاطاتية المفيدة للإباحة لا للملك. وجه منع الاستظهار: عدم الملازمة بين فساد الإجارة و منع الأجير عن العمل، و ذلك لأنّ فسادها غير مانع عن عمل الأجير مطلقا و لو تبرّعا، لإمكان وجود إذن المالك في التصرف و عدم تقييده بصحّة الإجارة بناء على تعدد المطلوب. و إنما يستلزم المنع عن العمل إذا تقيّد إذن المالك بصحة الإجارة.

و الحاصل: أنّ مجرّد جواز التصرف في ملك الآمر لا يدلّ على صحّة الإجارة، حتى يستظهر من الملازمة بينهما صحة الإجارة المعاطاتية.

الثالث: أنّ مجرّد علم المأمور بفساد الإجارة- لخلوّها عن الصيغة المعتبرة فيها- لا يمنع عن استحقاق الأجرة، بل المانع منه هو قصد التبرّع، لأنّه رافع لحرمة عمله، فبدون هذا القصد يستحق الأجرة، لقاعدة احترام عمل المسلم. نعم العلم بفساد الإجارة يوجب علمه بعدم استحقاق الأجرة المسمّاة، و لا يستلزم بذل عمله مجّانا.

هذه مناقشات المصنف فيما يتعلق باستظهار جريان المعاطاة في الإجارة.

(1) أي: كون الآمر ضامنا للأجرة المعيّنة، و المأمور ضامنا للعمل المعيّن كخياطة الثوب و نحوها ممّا أمره به.

(2) هذا أوّل الوجوه الثلاثة، و مقصود المصنف منع قول المحقق الثاني: «ان في كلام بعضهم ما يقتضي ..». فإنّ عدم الظّفر بالمصرّح يجعل دعوى المحقق الثاني اجتهادا منه، لا حكاية و إخبارا عن رأي بعض الأصحاب.

(3) أي: بملك المأمور للأجرة، و ملك الآمر للعمل المعيّن.

ص: 153

و أمّا (1) قوله: «لو كانت إجارة فاسدة لم يجز له العمل» فموضع نظر، لأنّ فساد المعاملة لا يوجب منعه عن العمل، سيّما (2) إذا لم يكن العمل تصرفا في عين من أموال المستأجر.

و قوله: «لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد» ممنوع (3)، لأنّ الظاهر ثبوت أجرة المثل، لأنّه (4) لم يقصد التبرّع، و إنّما قصد عوضا لم يسلم له (5).

و أمّا مسألة الهبة (6) فالحكم فيها بجواز إتلاف الموهوب لا يدلّ على

______________________________

(1) هذا ثاني وجوه المناقشة، و هو منع الملازمة بين صحّة الإجارة و جواز التصرف في ملك الآمر.

(2) كما إذا أمر شخصا بأن يبني مسجدا أو قنطرة أو غيرهما- مما لا يكون ملكا للمستأجر- بعوض، حيث إنّ العمل حينئذ ليس تصرفا في عين أموال المستأجر، فلا وجه لعدم جوازه من ناحية التصرف في مال الغير. فوجه الخصوصية هو عدم استلزام العمل للتصرّف في مال الغير.

(3) هذا هو الإشكال الثالث على كلام المحقق الكركي قدّس سرّه، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «الثالث ان مجرد علم المأمور بفساد الإجارة .. إلخ».

(4) أي: لأنّ المأمور لم يقصد التبرّع، فهو يستحق أجرة المثل من الآمر، بمناط استيفاء عمله المحترم.

(5) أي: لم يسلم العوض المسمّى للمأمور من جهة علمه بفساد الإجارة، لخلوّها عن الصيغة المعتبرة- بنظرهم- في العقود اللازمة.

(6) أورد المصنف على جريان المعاطاة في الهبة بوجهين، أحدهما: ناظر إلى استظهار المحقق الثاني من كلام بعض الأصحاب. و ثانيهما: ناظر إلى منع أصل منشأ الاستظهار.

أمّا الأول فتوضيحه: أنّ استكشاف مملّكية الهبة المعاطاتية- من حكمهم بجواز إتلاف العين الموهوبة- ممنوع، لعدم كون جواز إتلافها لازما مساويا لصحّة الهبة

ص: 154

جريان المعاطاة فيها، إلّا (1) إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة، فإنّ (2) جماعة كالشيخ و الحلّي و العلّامة صرّحوا بأنّ إعطاء الهدية- من دون الصيغة- يفيد الإباحة دون الملك. لكن (3) المحقق الثاني رحمه اللّه ممّن لا يرى بكون المعاطاة عند القائلين بها

______________________________

الفاقدة للصيغة حتّى يدلّ على جريان المعاطاة فيها، بل هو أعم من صحتها، لكفاية الإذن المالكي في جواز الإتلاف مع بقاء الرقبة على ملك الواهب، كما هو الحال في إباحة الطعام للضيف مع كونه ملكا للمضيف.

و عليه فحكم بعض الأصحاب بجواز إتلاف العين الموهوبة غير كاشف عن التزامه بمملّكية الهبة المعاطاتية، لما عرفت من أنّ جواز التصرف المتوقف على الملك- كالإتلاف- لازم أعم لكلّ من الملك و الإباحة المالكية.

و أمّا الثاني فتوضيحه: أنّ ما نسبه المحقق الكركي إلى بعض الأصحاب- في الهبة- ممنوع، إذ لا أصل له، لأنّ توقف الملك في الهبة على الإيجاب و القبول اللفظيين كاد أن يكون متّفقا عليه بين الأصحاب، بل صرّح شيخ الطائفة و غيره بمنع التصرف المنوط بالملك في معاطاة الهدايا، و معه كيف نسب المحقق الثاني إلى بعض الأصحاب إفادة معاطاة الهبة للملك؟ فإنّه مخالف للمشهور بل المدّعى عليه الإجماع. و على هذا لا أساس للنسبة المزبورة أصلا.

(1) ظاهره الاستثناء من قوله: «بجواز الإتلاف» و غرضه قدّس سرّه منع أصل جواز إتلاف العين الموهوبة حتى لو فرضنا الملازمة بين جواز الإتلاف و الملك، و توضيحه:

أن إباحة التصرف في الهبة الفاقدة للصيغة تعبدية لا مالكية، و من المعلوم عدم اقتضاء مجرّد الإباحة لمشروعية التصرف المتوقف على الملك كالإتلاف و البيع و العتق و الوقف و نحوها، و الدليل عليه تصريح جماعة- منهم شيخ الطائفة- بحرمة المباشرة مع الجارية المهداة بالهدية الفاقدة للإيجاب و القبول اللفظيين.

(2) الظاهر أنّه تتمة للمستثنى و تعليل له، فكأنه قال: «إلّا إذا قلنا في المعاطاة بالإباحة كما ذهب إليه جماعة .. إلخ».

(3) استدراك على المستثنى و هو قوله: «إلّا إذا قلنا» و حاصله: أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه

ص: 155

مفيدا للإباحة المجرّدة. و توقّف (1) الملك في الهبة على الإيجاب و القبول كاد أن يكون متّفقا عليه كما يظهر من المسالك (2).

و ممّا ذكرنا (3) يظهر المنع في قوله: «بل مطلق التصرف» هذا [1].

______________________________

ذهب إلى إفادة المعاطاة للملك، لا الإباحة المحضة، فعلى هذا يكون جواز الإتلاف- بنظره- من آثار الملك و دالّا عليه، لا من آثار الإباحة.

(1) هذا هو الإشكال الثاني على المحقق الكركي قدّس سرّه و محصّله: أنّ حصول الملك في الهبة المعاطاتية- كما ذهب إليه هذا المحقق- ممّا لا وجه له، لمخالفته لما يظهر من المسالك من أنّ اعتبار الصيغة في الهبة قريب من الإجماع، فكيف يترتّب الملك على معاطاة الهبة؟

(2) قال الشهيد الثاني في شرح كلام الشرائع: «و هو يفتقر إلى الإيجاب و القبول» ما لفظه: «و ظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا إلى العقد القولي في الجملة. فعلى هذا: ما يقع بين الناس على وجه الهديّة من غير لفظ يدل على إيجابها و قبولها لا تفيد الملك، بل مجرّد الإباحة» «1».

لكنه قال في آخر كلامه: «يمكن أن يجعل ذلك كالمعاطاة يفيد الملك المتزلزل ..

إلخ» فمال أخيرا إلى جريان المعاطاة في الهدية، و إفادتها الملك المتزلزل.

(3) أي: من منع جواز الإتلاف- لو كانت الهبة فاسدة- يظهر المنع عمّا أفاده المحقق الثاني بقوله: «بل منع من مطلق التصرف» و ذلك لأنّ الفساد- بمعنى عدم ترتب الملك- لا يقتضي المنع عن سائر التصرفات، لجواز التصرف بدون الملك، كما هو مذهب القائلين بإفادة المعاطاة للإباحة.

______________________________

[1] ما أورده المصنف على المحقق الثاني غير ظاهر. أمّا أوّلا: فلأنّ هذا المحقق لم يدّع أزيد من اقتضاء كلام بعض الأصحاب جريان المعاطاة في الإجارة و الهبة،

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 6، ص 12

ص: 156

______________________________

و هذه النسبة في محلّها، لموافقة غير واحد له. خصوصا مع صراحة كلام العلّامة- الآتي نقله في المتن- من اتحاد الرهن و البيع في حكم المعاطاة منعا و جوازا، بعد عدم خصوصية في الرّهن في هذا الحكم، بل هو كسائر المعاملات، إلّا إذا قام دليل على اعتبار صيغة خاصة في بعضها كالنكاح و النذر و الطلاق.

و قد التزم الشهيد الثاني و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهما بجريان المعاطاة في الإجارة، قال في المسالك: «لمّا كان الأمر بالعمل يقتضي استيفاء منفعة مملوكة للمأمور متقوّمة بالمال، وجب ثبوت عوضها على الآمر كالاستيجار معاطاة» «1».

و قال المحقق الأردبيلي: «هذا الحكم- أي استحقاق الأجرة بالأمر بالعمل- مشهور، و يحتمل أن يكون مجمعا عليه. و لعلّ سنده: اقتضاء العرف، فإنّه يقتضي أن يكون مثل هذا العمل بالأجرة، فالعرف مع الأمر بمنزلة قوله: اعمل هذا و لك عليّ الأجرة، فيكون جعالة أو إجارة بطريق المعاطاة، مع العلم بالأجرة، و لو كان مثل أجرة الحمّالين، و يبعد كونها إجارة باطلة» «2» و يظهر من أوّل كتاب الإجارة التزامه بالمعاطاة في الإجارة كالبيع، فراجع.

و قال السيد الفقيه العاملي في تصحيح هذه الإجارة- بعد المناقشة في السيرة بعدم استمرارها- ما لفظه: «فلعلّ الأصل في ذلك أنّه من باب المعاطاة في الإجارة، و هي كالمعاطاة في البيع، فيلزمه حينئذ الأجرة المسمّاة لمثل ذلك العمل» «3».

و الحاصل: أنّ استحقاق المأمور للأجرة إمّا أن يستند إلى جريان المعاطاة في الإجارة، لاجتماع شرائطها من معلوميّة المنفعة كخياطة الثوب و حلاقة الرأس و نحوهما من الأعمال المحترمة، و معلومية الأجرة لتعيينها من قبل الآمر، أو لأجل

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 5، ص 229

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 83

(3) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 275

ص: 157

______________________________

التعارف و العادة اللّذين هما المرجع في تعيينها، و إمّا أن يستند إلى قاعدة استيفاء عمل محترم.

و عليه فما في الجواهر من قوله: «لا لأنّها من المعاطاة، فإن الشرائط فيها مفقودة، بل من باب الضمان لاحترام عمل المسلم ..» «1» غير ظاهر، بعد تصريح من عرفت بجريان المعاطاة في الإجارة، مع كفاية إطلاقات أدلة الإجارة.

إنّما الكلام في كون الضمان بأجرة المثل أو بالمسمّاة. ففي الشرائع و القواعد و غيرهما التصريح بأجرة المثل، و في الإرشاد و المسالك إطلاق الأجرة. و لو فرض تعيّن المثل في مورد الإطلاق لم يكشف عن فساد الإجارة، كي يتجه إنكار مالكية المأمور للأجر المعيّن، لكفاية التعارف في مقام التعيين، فينزّل إطلاق قول الآمر: «و عليّ الأجر»- و كذا إهماله رأسا- على ما هو المتعارف لمثله.

و يمكن توجيهه بما أفاده السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: بقوله: «إلّا أن تقول: إنّ الغالب توافقهما- أي: أجرة المثل و المسمّى- فلا فرق بين العبارتين. أو تقول: إن المسمّى لا يعتبر في معاطاة الإجارة حيث يخالف المثل» «2».

و عليه فقول المصنف قدّس سرّه: «و لم نجد من صرّح به» ممنوع إن كان مقصوده نفي أصل استظهار المحقق الثاني من كلام البعض. و إن كان الغرض منه عدم نصوصية كلام البعض في جريان المعاطاة في الإجارة فهو و إن كان حقّا، إلّا أنّ المتبع في مقام الاستظهار و الاحتجاج ظهور الكلام- و لو بالملازمة العرفية- في نسبة المضمون إلى قائله، و لا تعتبر الصراحة أصلا.

و أمّا ثانيا: فلأنّ إنكار المعاطاة في الإجارة و الهبة هنا ينافي ما تقدّم من المصنف في أدلّة مملكية المعاطاة من الاستناد إلى الإجماع المركّب بين البيع و الإجارة و الهبة.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 27، ص 337

(2) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 275

ص: 158

______________________________

إذ لو كان الأصحاب متّفقين على الإباحة في البابين لم يبق موضوع لعدم القول بالفصل، بل كان اتّفاقهم على منع المعاطاة في الإجارة و الهبة موهنا لاستفادة الملك من إطلاق أدلة البيع أيضا، و لازمه القول بالإباحة المحضة تعبدا في الجميع، و هو ضدّ مقصود المصنف من إثبات الملك في معاطاة البيع بالاستعانة من إطلاقات الإجارة و الهبة.

و بعبارة أخرى: الاستدلال بعدم القول بالفصل بين البيع و بينهما يتوقف على ذهاب جمع إلى مملّكية معاطاتهما، و جمع إلى الإباحة، حتى يتجه إلحاق معاطاة البيع بهما، فلو كان الملك فيهما منوطا بالإنشاء القولي- عند الكلّ- أشكل الأخذ بإطلاقاتهما، و لزم تقييدها بالعقد المملّك، و لا يبقى حينئذ مجال لاستفادة مملّكية البيع المعاطاتي، هذا.

و أمّا ثالثا: فلأنّ مقصود المحقق الثاني قدّس سرّه مجرّد استظهار تعميم المعاطاة لبابي الإجارة و الهبة- من كلام البعض، بلا نظر إلى كونها مفيدة للملك أو للإباحة، فغرضه قدّس سرّه كفاية إنشائهما بالفعل كما في البيع، و أمّا إمضاء الشارع لما قصداه أو ترتّب الإباحة عليه تعبدا فذاك مقام آخر لا يلازم أصل الجريان، هذا ما أفاده المحقق الإيرواني «1».

و هو و إن كان حقّا في نفسه، فإنّ الغرض كفاية إنشاء العناوين الاعتبارية بالفعل، لا ترتب خصوص الملك، و معنى كفايته ترتب الأثر المقصود من كلّ عنوان معاملي على إنشائه بالفعل، و عدم توقفه على الصيغة المعهودة، فقد يكون الأثر ملك العين كما في البيع و الهبة و الصلح على عين، و قد يكون ملك المنفعة كما في الإجارة و الصلح على المنفعة، و قد يكون فكّ الملك و تحريره كما في وقف المساجد، و قد يكون الوثيقة للدّين كما في الرّهن، و قد يكون غير ذلك كما في النكاح و الطلاق و العارية و الوديعة و الوكالة و العتق.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 86

ص: 159

و لكن الأظهر (1)- بناء على جريان المعاطاة في البيع- جريانها في غيره

______________________________

(1) هذا شروع في المقام الثاني ممّا تعرّض له المصنف قدّس سرّه في التنبيه الخامس، و غرضه إثبات كفاية الإنشاء الفعلي في مطلق العناوين الاعتبارية، و أنّ المعاطاة ليست مخالفة للقاعدة حتى تختص بباب البيع. و قد أفاد أوّلا جريانها في خصوص الإجارة و الهبة، ثم تمسّك ثانيا بالإجماع المركب بينه و بين غيره من المعاملات، فهنا وجهان:

أحدهما: أنّ المناط في صحة المعاطاة في البيع هو قابلية الفعل لإنشاء «تمليك عين بمال» به كإنشائه بالصيغة، و حيث كان «الإعطاء و الأخذ بقصد التمليك بالعوض» مصداقا لعنوان البيع العرفي كان المناسب التعدّي عنه إلى باب الإجارة و الهبة أيضا، إذ المقصود فيهما الملك أيضا، فإقباض العين في الإجارة- كالدار- تمليك لمنفعتها بعوض، و إقباض العين في الهبة تمليكها للمتّهب.

و عليه فلا وجه لحصر المعاطاة بالبيع، إذ المقصود فيه التمليك، فإن كان الفعل صالحا لإنشاء التمليك به لم يفرّق فيه بين البيع و الإجارة و الهبة، لاشتراك الكلّ في جامع التمليك. و إن لم يكن الفعل قابلا لإنشاء لزم منع البيع المعاطاتي أيضا، لفرض

______________________________

إلّا أنّه قد يشكل بما أورده المحقق الثاني قدّس سرّه- بما سيأتي في المتن- على العلّامة من الفرق بين معاطاة البيع و الرّهن بقيام الإجماع على جريانها في البيع، و عدم قيامه عليها في الرّهن. و ظاهره أنّ المعاطاة خلاف الأصل، فيقتصر فيها على المتيقن، و هو البيع، دون غيره من المعاملات.

لكن لو كان هذا مبنى العلّامة قدّس سرّه لم يتم استظهار المحقق الثاني منه جريانها في الإجارة و الهبة أيضا، وقوفا فيما خالف الأصل على مورد اليقين، فاستفادة التعميم منوطة بعدم كون المعاطاة خلاف الأصل، و عدم اعتبار الإجماع على خروج البيع عنه، لاحتمال مدركيته، و أنّ المناط في إفادة المعاطاة للملك إطلاق الأدلة الإمضائية، و هذا الإطلاق موجود في سائر العناوين أيضا، هذا.

ص: 160

من الإجارة و الهبة، لكون (1) الفعل مفيدا (2) للتمليك فيهما.

و ظاهر المحكي (3) عن التذكرة: عدم القول بالفصل بين البيع و غيره، حيث قال في باب الرّهن: «إنّ الخلاف في الإكتفاء فيه بالمعاطاة و الاستيجاب و الإيجاب عليه، المذكور (4) في البيع آت هنا» «1» انتهى.

______________________________

قصور الأفعال عن تأدية المراد. و لمّا كان هذا الشّقّ باطلا- لما تقدم من الأدلة على مملّكية المعاطاة- تعيّن القول بجريانها في الإجارة و الهبة أيضا.

ثانيهما: أن الدليل التعبديّ- و هو الإجماع المركّب- يقتضي جريان المعاطاة في سائر العناوين الاعتبارية كالوديعة و الوكالة و الوصيّة و الرهن و غيرها، لما يظهر من كلام العلّامة في رهن التذكرة من عدم القول بالفصل بينه و بين البيع، فإمّا أن يقال بفساد المعاطاة في الجميع، و إمّا بصحتها فيه، لقابلية الأفعال- و لو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية- لإنشاء الأمور الاعتبارية بها. و حيث إنّ الصحة في البيع متسالم عليها فلا بد من صحتها في مطلق المعاملات، إلّا مع قيام دليل على اعتبار الصيغة الخاصة في بعض العقود و الإيقاعات كالنكاح و الطلاق و النذر، و إلّا فمقتضى القاعدة وقوعها بكلّ من القول و الفعل، هذا.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو التعدي عن البيع إلى خصوص الإجارة و الهبة، وفاقا لما استظهره المحقق الثاني قدّس سرّه من كلام بعض الأصحاب.

(2) يعني: بضمّ القرينة المقالية أو المقامية، و إلّا فالفعل- و هو الإعطاء- لا يفيد بنفسه شيئا من الإجارة و الهبة و غيرهما من العناوين الاعتبارية الإنشائية، فإذا صار الفعل مفيدا له شمله عموم دليل الصحة.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو تعميم المعاطاة بالتعبد، لا بمناط كاشفية الفعل عن القصد.

(4) صفة ل «الخلاف» يعني: الخلاف- المذكور في البيع- آت في الرهن أيضا.

______________________________

(1): الحاكي هو السيد العاملي، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 72، لاحظ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 12

ص: 161

لكن (1) استشكله في محكي جامع المقاصد «بأنّ البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع، بخلاف ما هنا (2)» «1».

و لعلّ (3) وجه الإشكال عدم تأتّي المعاطاة بالإجماع في الرهن على النحو الّذي أجروها في البيع،

______________________________

(1) هذا إشكال على الإجماع الذي ربما يظهر من كلام العلّامة، و هو في الحقيقة إنكار للإجماع على اتحاد حكم البيع و الرهن، و محصّله: أنّ أصالة الفساد المحكّمة في المعاملات تقتضي فساد المعاملة المعاطاتية مطلقا، سواء في البيع و غيره، خرجنا عنه في خصوص البيع، إمّا لإفادتها الإباحة كما عليه المشهور، و إمّا الملك الجائز كما عليه المتأخرون. و أمّا الرهن فهو باق تحت عموم المنع، فلا وجه للتسوية بينه و بين البيع، هذا.

(2) أي: في الرهن.

(3) التعبير ب «لعلّ» من جهة تطرّق احتمالين في إشكال المحقق الثاني على العلامة قدّس سرّهما.

الأوّل: أنّ الأصل في مطلق المعاملات المعاطاتية هو الفساد، إلّا مّا خرج بالدليل كالبيع.

الثاني: أنّ المعاطاة ليست على خلاف الأصل، و إنّما لا تجري في عقد الرّهن لخصوصية فيه مانعة عن إنشائه بالفعل، و ذلك لأن المعاطاة إمّا تفيد الإباحة أو الملك الجائز. و الأوّل غير متصور، إذ ليس المطلوب في الرهن إباحة التصرف، بل الاستيثاق للدين. و الثاني ينافي حقيقة الرهن و هي الاستيثاق، إذ الجواز ينافي الوثوق بعد وضوح كون الراهن سلطانا على فسخ عقد الرّهن.

و لا يبعد ظهور كلام المحقق الثاني في الاحتمال الأوّل، و لذا حمله المصنف على الوجه الثاني احتمالا.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 5، ص 45

ص: 162

لأنّها (1) هناك إمّا مفيدة للإباحة أو الملكية الجائزة على الخلاف.

و الأوّل [1] غير متصوّر هنا (2). و أمّا الجواز فكذلك (3) لأنّه ينافي الوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن خصوصا (4) بملاحظة أنّه لا يتصور هنا (5) ما يوجب

______________________________

(1) أي: لأنّ المعاطاة في البيع.

(2) أي: في الرّهن، لأنّ مقتضى كونه وثيقة للدين عدم تصرّف الراهن فيه، و من المعلوم أنّ المبيح يجوز له استرداد ماله من المباح له.

(3) يعني: أنّ جواز الرهن غير متصور أيضا، لمنافاته للوثوق المقوّم لماهية الرّهن.

(4) وجه الخصوصية: أنّ الالتزام بالملك الجائز في معاطاة البيع أخفّ مئونة منه في الرهن، و ذلك لأول الجواز هناك الى اللزوم عند طروء الملزم كتلف إحدى العينين، و هذا بخلاف جواز الرهن، إذ لا يجري شي ء من الملزمات فيه، حيث إنه لو تلفت العين المرهونة لم يبق شي ء حتى يكون وثيقة للدّين.

مضافا إلى: أنّ المعتبر في الرهن هو الوثوق حدوثا و بقاء، و الجواز مناف لأصل الاستيثاق.

(5) أي: في الرهن، و ضمير «انه» للشأن.

______________________________

[1] الأولى بسلاسة العبارة أن يقال: «و كلاهما غير متصوّر هنا كما لا سبيل الى اللزوم» أمّا عدم تصور الإباحة فواضح، لعدم كون المطلوب إباحة التصرف- للمرتهن- في العين المرهونة، لأنّ الرهن وثيقة للدين، و يتعلق حق المرتهن بها من دون أن تدخل في ملكه أو يباح له التصرف فيها.

و أما عدم تصور الملكية الجائزة فلمنافاتها للوثوق الذي به قوام مفهوم الرهن، خصوصا مع استمرار الجواز و عدم أوله إلى اللزوم أصلا. و أمّا عدم تصور اللزوم فلكونه مخالفا للإجماع المدّعى على إناطة لزوم العقد باللفظ.

ص: 163

رجوعها الى اللزوم ليحصل به الوثيقة في بعض الأحيان (1). و إن جعلناها (2) مفيدة للزوم كان مخالفا لما أطبقوا عليه من توقف العقود اللازمة (3) على اللفظ.

و كأنّ هذا (4) هو الذي دعا المحقق الثاني إلى الجزم بجريان المعاطاة في مثل الإجارة و الهبة و القرض، و الاستشكال في الرّهن [1].

______________________________

(1) أي: عند طروء الملزم.

(2) يعني: و إن جعلنا الرّهن المعاطاتي مفيدا للزوم من أوّل الأمر- بلا حاجة الى طروء الملزم- فإنّه و إن كان مناسبا للاستيثاق، لكنه مخالف للإجماع المنعقد على توقف العقود اللازمة على اللفظ.

و عليه فملخص إشكال جريان المعاطاة في الرهن على هذا هو: أنّه بناء على الجواز لا يتحقق الرهن، لتقوم مفهومه بالوثوق الذي ينافيه الجواز. و بناء على اللزوم ينافيه الإجماع على اعتبار اللفظ في العقود اللازمة، حيث إنّ الرهن لازم من طرف الراهن.

(3) يعني: سواء أ كان لزومها من طرفين أو من طرف واحد كما في الرّهن، فإن لزومه من طرف الرّاهن لا المرتهن.

(4) أي: و كأنّ إطباقهم على توقف العقود اللازمة على اللفظ دعا المحقق الثاني .. إلخ، و مقصود المصنف من هذه الجملة توجيه تفصيل المحقق الثاني بين الإجارة و الهبة و القرض و بين الرهن، بجريان المعاطاة في تلك الثلاثة دون الأخير، و ذلك لأن جواز الملك فيها ممكن، لصيرورته لازما بطروء الملزوم، بخلاف الرهن، لامتناع الجواز فيه، لمنافاته للاستيثاق.

______________________________

[1] ما نسبه المصنف الى المحقق الثاني من التزامه بجريان المعاطاة في الإجارة و الهبة و القرض و إفادتها فيها ملكا جائزا لا يخلو من شي ء.

أمّا في الإجارة فلم يظهر ممّا نقلناه عنه في أوّل هذا التنبيه التزامه بالملك الجائز،

ص: 164

نعم (1) من لا يبالي

______________________________

(1) استدراك على التوجيه المتقدّم بقوله: «و كأنّ هذا ..» و غرضه الإيراد على المحقق الثاني المفصّل بين معاطاة الرهن و بين معاطاة الإجارة و الهبة و القرض.

و حاصله: أنّه لا وجه للفرق بين العقود المزبورة، فلا بدّ من الالتزام بصحة الرّهن المعاطاتي و ترتب اللزوم عليه، و ذلك لوجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا وجود المقتضي فهو إطلاق بعض أدلة الرهن، كمعتبرة عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السّلم في الحيوان و الطّعام، و يرتهن الرّجل بماله

______________________________

بل مقصوده إثبات أصل مشروعية معاطاة الإجارة. و لعلّ المصنف قدّس سرّه ظفر بكلام منه دالّ على إفادتها فيها للملك المتزلزل.

و أمّا في القرض فربما يكون المستفاد من جامع المقاصد ترتّب الإباحة المحضة على معاطاة القرض، و توقف الملك على الصيغة، فلاحظ قوله فيه: «ظاهر عباراتهم: أنّه لا بدّ من الإيجاب القولي، و عبارة التذكرة أدلّ على ذلك. و يرد عليه: أنّه قد سبق في البيع الاكتفاء بالمعاطاة التي هي عبارة عن الأخذ و الإعطاء. فإن اكتفى في العقد اللازم بالإيجاب و القبول الفعليين فحقّه أن يكتفي بها هنا بطريق أولى. و ليس ببعيد أن يقال:

إن انتقال الملك إلى المقترض بمجرّد القبض موقوف على هذا، لا إباحة التصرف إذا دلّت القرائن على إرادتها» «1».

و الجملة الأخيرة صريحة في توقف ملك المقترض- حتى المتزلزل منه- على اللفظ، و أنّ القبض لا يفيد أكثر من إباحة التصرف لو كان مقرونا بما يدلّ عليها، فالقبض المجرّد عن قرينة الإباحة لا يؤثّر أصلا في الإباحة فضلا عن الملك.

و لعلّ مقصود المصنف قدّس سرّه من الجواز أصل مشروعية القرض المعاطاتي، لا ترتب الملك الجائز عليه، أو لعلّه ظفر بكلام آخر لهذا المحقق، و اللّه تعالى العالم بحقائق الأمور.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 5، ص 20

ص: 165

مخالفة (1) ما هو المشهور- بل المتفق عليه بينهم- من توقف العقود اللازمة على اللفظ، أو حمل (2) تلك العقود على اللّازمة من الطرفين

______________________________

رهنا؟ قال: نعم، استوثق من مالك» «1». فإنّه عليه الصلاة و السلام جوّز أخذ الوثيقة على المبيع سلما، و إطلاقه شامل لكلّ من الرهن القولي و الفعلي، و لا مقيّد في البين مع كونه عليه السّلام في مقام البيان.

و أمّا انتفاء المانع، فلأنّ المانع عن الأخذ بالإطلاق المزبور هو الإجماع المدّعى على إناطة العقود اللازمة بالإنشاء القولي. و لكنّه غير مانع بنظر المحقق الكركي قدّس سرّه إمّا لأنّه لا يعتني بأصل هذا الإجماع، و لذا خالف المشهور في معاطاة البيع، و أوّل حكمهم بالإباحة بالملك المتزلزل. و أمّا لأنّه و إن اعتنى بهذا الإجماع. لكنّه يحمل معقده على خصوص العقود اللّازمة من الطرفين كالبيع و الإجارة و الصلح و نحوها من المعاوضات المبنية على اللزوم، لا مطلقا و لو كان اللزوم من طرف واحد كالرّهن الذي هو لازم من طرف الرّاهن فقط.

فإن قلت: إنّ إطلاق معقد الإجماع على إناطة العقود اللازمة باللفظ محكّم، و لا وجه لإخراج الرّهن منه. و عليه يتجه منع المحقق الكركي عن الرّهن المعاطاتي.

قلت: لا إطلاق في الإجماع المزبور حتى يشمل الرّهن، لاختصاصه بالعقود المعاوضية، و الرّهن خارج عنها موضوعا، إذ ليس فيه إعطاء شي ء و أخذ آخر، و إنّما هو مجرّد استيثاق للدّين.

و على هذا ينبغي أن يلتزم المحقق الكركي قدّس سرّه بصحة الرّهن المعاطاتي، و كونه كالقولي مفيدا للّزوم.

(1) الأولى اقترانه بالباء، بأن يقال: «لا يبالي بمخالفة ..» و هذا إشارة إلى عدم الاعتناء بالإجماع رأسا.

(2) معطوف على «مخالفة» يعني: لا يبالي المحقق الثاني بتوجيه الإجماع المزبور

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 121، الباب 1 من كتاب الرهن، الحديث: 1

ص: 166

فلا (1) يشمل الرهن، و لذا (2) جوّز بعضهم الإيجاب بلفظ الأمر، ك «خذه» و الجملة الخبرية، أمكن (3) أن يقول بإفادة المعاطاة في الرّهن اللّزوم، لإطلاق (4) بعض أدلّة الرّهن. و لم يقم (5) هنا إجماع على عدم اللزوم كما قام في المعاوضات (6).

______________________________

بحمله على خصوص العقود اللازمة من الطرفين، فيخرج الرّهن عنها موضوعا، لكونه لازما من قبل الراهن فقط.

(1) هذا متفرّع على قوله: «حمل تلك العقود .. إلخ».

(2) أي: و لأجل حمل تلك العقود على العقود اللّازمة من الطرفين جوّز بعض الفقهاء إنشاء الرّهن بلفظ الأمر و بالجملة الخبرية، قال الشهيد قدّس سرّه: «و إيجابه:

رهنت و وثقت، و هذا رهن عندك أو وثيقة .. و لو قال: خذه على مالك أو بمالك فهو رهن» «1».

و كلامه صريح في صحة إنشاء الرّهن بصيغة الأمر و بالجملة الخبرية. و لو كان من العقود اللازمة من الطرفين كالبيع و الإجارة تعيّن إنشاؤه بالفعل الماضي خاصة، لما سيأتي تفصيله في بحث ألفاظ العقود إنشاء اللّه تعالى.

(3) هذا جزاء قوله: «من لا يبالي» و المراد بالإمكان هنا ما يساوق التعيّن و اللّابديّة، لا الأعم منه و من الوقوع حتى يكون بمعنى الاحتمال الصّرف، إذ بعد وجود المقتضى للزوم و فقد المانع عنه لا بدّ من القول بلزوم الرهن المعاطاتي.

________________________________________

(4) هذا إشارة إلى وجود المقتضي للزوم الرّهن. و قد تقدمت معتبرة ابن سنان المتضمنة للإطلاق، و نحوها غيرها، فراجع جملة من أخبار الرهن.

(5) هذا إشارة إلى فقد المانع عن إطلاق النصوص الشامل لصحة الرهن الفعلي و القولي على حدّ سواء.

(6) كالبيع و الإجارة و الصلح و القرض، فإنّها عقود معاوضية يتوقف لزومها

______________________________

(1): الدروس الشرعية، ج 3، ص 383

ص: 167

و لأجل ما ذكرنا (1) في الرّهن يمنع من جريان المعاطاة في الوقف، بأن يكتفى فيه بالإقباض، لأنّ (2) القول فيه باللزوم مناف لما اشتهر بينهم من توقف اللّزوم على اللّفظ. و الجواز (3) غير معروف في الوقف من الشارع، فتأمّل (4).

______________________________

على إنشائها باللفظ.

هذا تمام ما أفاده المصنف في الإشكال على المحقق الثاني في ما يتعلّق بجريان المعاطاة في الرّهن، و قد اختار في المتن عدم جريانها فيه، لمنافاة الجواز لماهية الرّهن.

(1) أي: و لأجل ما ذكرنا- من توقف العقود اللّازمة على اللّفظ و عدم كفاية المعاطاة في لزومها، و منافاة حقيقة الرّهن للإباحة و التزلزل- يمنع من إنشاء الوقف بالفعل و هو الإقباض. و الدليل على المنع نحو ما تقدّم في الرّهن من أنّ جواز الوقف حتى يجوز للواقف إعادة الموقوف إلى ملكه غير معهود من الشارع، و لزومه منوط باللفظ للإجماع.

(2) تعليل لقوله: «يمنع».

(3) يعني: لو قيل بمشروعية المعاطاة في الوقف- و لم نقل ببطلانها رأسا- قلنا بمنافاة ماهية الوقف للجواز، فإنّه تحبيس للملك على الدوام أو تحريره. و هذا لا يجتمع مع الجواز المقتضي لصحة إعادته في الملك بالرجوع عن الوقف.

(4) لعلّه- كما قيل- إشارة إلى: أنّه لا مانع من الالتزام بجواز الوقف، إذ لو كان الجواز منافيا لماهيّته لما جاز اشتراط الرجوع فيه. و المفروض جواز هذا الشرط.

لكن فيه: أنّ الظاهر إرادة الجواز الذاتي من الجواز الذي نفى معروفيته، لا الجواز الناشئ عن أمر خارجي كالشرط، فالوقف بذاته لازم، و لا يصير جائزا إلّا بالشرط مثلا. فعلى هذا لا تجري المعاطاة في الوقف.

لكن سيأتي في التعليقة أنّ المرجع في الجواز و اللزوم هو دليل ذلك العنوان الاعتباري، سواء أ كان إنشاؤه بالقول أم بالمعاطاة.

ص: 168

نعم (1) احتمل الإكتفاء بغير اللفظ في باب وقف المساجد من الذكرى تبعا للشيخ رحمه اللّه «1».

______________________________

(1) استدراك على منع جريان المعاطاة في الوقف، و حاصله: أنّه يمكن جريان المعاطاة في وقف المساجد بأن يصلّي المالك في أرض بقصد المسجدية، أو يأذن لغيره في الصلاة فيها.

قال الشهيد قدّس سرّه: «إنّما تصير البقعة مسجدا بالوقف إمّا بصيغة: وقفت و شبهها، و إمّا بقوله: جعلته مسجدا، أو بإذن في الصلاة فيه بنيه المسجدية، ثم صلّوا أمكن صيرورته مسجدا، لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة» «2».

لكن صاحب الجواهر قدّس سرّه قوّى اعتبار الصيغة فيه «للأصل و ظهور إطباقهم في باب الوقف على الافتقار فيه إلى اللفظ» و إن رجع في آخر كلامه بقوله: «إلّا أنّه مع ذلك فالإنصاف أنّ النصوص غير خالية عن الإيماء إلى الإكتفاء بالبناء و نحوه مع نيّة المسجدية من غير حاجة الى صيغة خاصة، خصوصا ما ورد منها في تسوية المساجد بالأحجار في البراري و الطرق» «3».

و قال في كتاب الوقف: «و لو صرف الناس في الصلاة في المسجد أو في الدفن و لم يتلفّظ بصيغة الوقف لم يخرج عن ملكه، بلا خلاف أجده فيه هنا» «4».

و سيأتي أنّ مقتضى القاعدة هو جريان المعاطاة في الوقف و غيره من الاعتباريات، سواء أ كانت عقدا أم إيقاعا، إلّا إذا لم يكن فعل مناسب لذلك الاعتبار النفساني، أو نهض دليل على اعتبار اللفظ فيه تعبّدا كالنذر و العهد و الضمان و غيرها على ما قيل.

______________________________

(1): النهاية لشيخ الطائفة، ص 595

(2) ذكري الشيعة، ص 158

(3) جواهر الكلام، ج 14، ص 70

(4) جواهر الكلام، ج 28، ص 89

ص: 169

ثمّ إنّ الملزم للمعاطاة (1) فيما تجري فيه من العقود الأخر [1] هو الملزم في باب البيع كما سننبّه به بعد هذا الأمر [2].

______________________________

(1) يعني: أنّ المعاطاة في البيع لمّا أفادت الإباحة المحضة أو الملك المتزلزل، و كان لزومها متوقفا على طروء الملزم- من تلف أحد العوضين أو التصرف فيه- فلا محيص عن الالتزام بتوقف اللزوم على حصول الملزم لو تعدّينا عن معاطاة البيع، و قلنا بجريانها في جملة من العقود المملّكة، و غيرها، لتوقف اللّزوم من أوّل الأمر على الإنشاء بالصيغ المعهودة، و الإنشاء الفعلي قاصر عن إفادته، فلذا يناط اللزوم بحصول الملزم. هذا تمام الكلام في هذا التنبيه.

______________________________

[1] ظاهر العبارة: أنّ المعاطاة في أي عقد تجري تكون جائزة و إن كان ذلك العقد بنفسه لازما. لكن سيأتي إن شاء اللّه تعالى في التعليقة خلافه.

مضافا إلى عدم تعقّل كون التلف ملزما للمعاطاة في بعض العقود كالرّهن، لأنّ التلف مبطل للاستيثاق، لا موجب للزومه، كما لا يخفى.

[2] الظاهر جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و الإيقاعات، و قبل بيانه ينبغي تقديم أمرين:

الأوّل: أنّ الأفعال تارة تدلّ على المعاني بلا حاجة إلى قرينة كالسجود، فإنّه بذاته يدلّ على الخضوع. و أخرى تدلّ عليها بمعونة قرينة مقامية أو مقاليّة. و هذا هو الغالب، فإذا دلّت على المعاني بالقرائن بحيث عدّت دلالتها من الظهورات العرفية كانت حجة عند العقلاء على حذو حجية ظهورات الألفاظ في معانيها.

الثاني: أنّ بناء العقلاء على إنشاء الأمور الاعتبارية بالأفعال المبرزة لها و إن كان إبرازها بالقرائن، فكلّ فعل مبرز لمعناه الإنشائي يصح جعله آلة للإنشاء عند العقلاء، إلّا إذا منعه الشارع و اعتبر اللفظ المطلق أو الخاص في إنشائه.

إذا عرفت ما ذكرناه تعرف أنّه لا مانع من التمسك بأدلة العقود و الإيقاعات لصحة

ص: 170

______________________________

المعاطاة فيها، إلّا إذا لم يكن الفعل و لو بالقرينة آلة لإنشاء ذلك العقد أو الإيقاع عند العقلاء. أو اعتبر الشارع في ذلك العقد أو الإيقاع لفظا كالنذر. و في غير هذين الموردين يكون مقتضى القاعدة جريان المعاطاة.

و بالجملة: كل فعل يكون عند العقلاء مبرزا للاعتبار النفساني يصح الإنشاء به، هذا.

و في تقريرات المحقق النائيني قدّس سرّه ما لفظه: «لا يخفى أنّ الاستدلال بأدلة المعاملات لصحّة المعاطاة فيها يتوقف على إثبات مقدّمتين:

الأولى: كون الفعل بنفسه مصداقا لهذه العناوين ليصح الاستدلال بأدلة العناوين على صحته أو كونه مصداقا لأمر ملازم لأحد العناوين، بحيث يترتب عليه بجريان العادة المألوفة و السيرة المستمرة ما يترتب على ملازمه، بأن كانت السيرة دليلا على ترتب ما يترتب على ملازم الفعل، لا أن تكون دليلا على أصل صحة المعاملة الفعلية. فبعد جريان العادة يدخل الفعل بالملازمة في أحد العناوين، و يصح الاستدلال له بما يستدل به للعناوين نظير القول، فإنّه قد ينشأ به أحد العناوين مطابقة، و قد ينشأ به أحدها التزاما.

و وجه اعتبار كون الفعل مصداقا لها أو مصداقا لملازمها ما أشرنا إليه سابقا من أنّ مجرّد قصد عنوان و وقوع الفعل عقيبه لا يؤثر في تحقّق هذا العنوان إذا لم يكن الفعل آلة لإيجاده أو إيجاد ملازمه» «1».

و فيه: أنّ البيع المسبّبي- و هو مبادلة المالين- يكون من الأمور الاعتبارية التي لا موطن لها إلّا وعاء الاعتبار، و لا يحاذيها شي ء في الخارج حتى يكون ذلك مصداقا لها، فلا بدّ من أن يكون المراد البيع السببي، و هو ما يتسبّب به من قول أو فعل، إلى البيع المسببي. و من المعلوم أنّ البيع السببي عبارة أخرى عن آلة إيجاد البيع

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 79

ص: 171

______________________________

المسببي، و مقتضى عرفيّة البيع سببيا و مسببيا هو جواز إيجاد المسببي بكلّ ما يكون ظاهرا فيه عند العقلاء من قول أو فعل.

و بالجملة: يصح إنشاء الأمور الاعتبارية بكل لفظ أو فعل يكون مبرزا لها، لكون ذلك اللفظ أو الفعل مصداقا لما يتسبّب به إلى عنوان اعتباريّ من بيع أو صلح أو هبة أو غيرها، من غير فرق بين كون ذلك العنوان عقدا أو إيقاعا كالطلاق و العتق و غيرهما.

و وجه الصحة هو شمول دليل نفوذ ذلك العنوان له، إذ لا فرق في مصاديق البيع السببي بين القول و الفعل.

و اتّضح من هذا البيان: جريان المعاطاة في كل عقد و إيقاع، إلّا إذا قام دليل على اعتبار اللفظ في ذلك، أو لم يكن فعل مبرزا له، فالأصل يقتضي جريان المعاطاة في جميع العناوين الاعتبارية، هذا.

و لا بأس بالإشارة إلى جملة من الموارد التي يمكن أن يكون فيها فعل مبرز للعنوان الاعتباري:

منها: القرض، فإنّ إعطاء المقرض بهذا العنوان و أخذ المقترض كذلك مبرز للتمليك بالضمان الذي هو مفهوم القرض، لما مرّ آنفا من أنّه لا يعتبر في المبرز أن يكون إبرازه للاعتبار النفساني بالذات أو الوضع، بل المدار على كونه مبرزا عقلائيّا، سواء أ كان إبرازه ذاتيا أم وضعيّا أم للقرينة. فلا ينبغي الإشكال في صحة إنشاء القرض بالإعطاء.

و منها: الرّهن، فإنّ إمكان إبرازه بالإعطاء- المحفوف بقرينة تدلّ عليه- من الأمور العقلائية التي لا ينبغي الارتياب فيها، إذ الإعطاء بقصد الرهن مع إقامة القرينة عليه- بحيث يصير عند العقلاء كاللفظ آلة للإيجاد- يكون محقّقا فعليا للرّهن، فيشمله عموم أو إطلاق دليل صحته، فيكون لازما من طرف الرّاهن.

و دعوى «كونه جائزا، للإطباق على توقف العقود اللازمة على اللفظ» غير مسموعة، لعدم ثبوت ذلك الإجماع بمثابة يصلح لتخصيص العمومات.

ص: 172

______________________________

كعدم سماع دعوى اختصاص دليل صحة المعاطاة من الإجماع و السيرة بالبيع.

لما عرفت في كلام جامع المقاصد و المسالك من اقتضاء كلام بعضهم اعتبار المعاطاة في الإجارة و الهبة. و هذا يوهن دعوى اختصاص الإجماع و السيرة بالبيع، هذا.

و قد ظهر مما ذكرناه من شمول عمومات الرهن لمعاطاته: اندفاع ما أورد على الرهن المعاطاتي من أنّ الجواز ينافي حقيقة الرهن و هي الوثوق.

و ملخّص وجه الاندفاع هو: أنّ المرجع في كل معاملة معاطاتية دليل تلك المعاملة بعد عدم تحقق إجماع على توقف العقود اللازمة على اللفظ.

ثم إنّه قد استشكل في جريان المعاطاة في القرض و الرّهن و الصرف و الوقف و غيرها مما يكون القبض شرط صحتها بما حاصله: لزوم اتحاد الشرط و المشروط. قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في توضيحه: «و ليعلم أوّلا أن المعاطاة في القرض إن كانت بنفس القبض- مع أنّ القبض شرط الصحة- يلزم اتحاد الشرط و المشروط، و هو محال، إذ الشي ء لا يعقل أن يكون نفسه مصحّحا لفاعليّة نفسه أو متمّما لقابلية نفسه، لعدم الاثنينية بين الشي ء و نفسه، ففرض عدم تمامية الفاعلية و القابلية في حدّ ذاته ينافي فرض تماميته بنفس ذاته» «1».

توضيحه: أنّه يلزم اجتماع الضدّين- و هما المقتضي و الشرط- و هما مغايران وجودا. مضافا إلى: أنه يلزم تقدم الشي ء الواحد و تأخره، لأنّه من حيث كونه مقتضيا متقدم رتبة، و من حيث كونه شرطا متأخر كذلك.

ثم أجاب المحقق المتقدم ذكره بما لفظه: «و الجواب العام: أن الفعل الخارجي الخاص له حيثيّتان من حيث الصدور من الراهن مثلا، و بهذا الاعتبار إقباض، و من حيث مساسه بالمرتهن القابض، و بهذا الاعتبار قبض، كالإعطاء و الأخذ في المعاطاة

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 47

ص: 173

______________________________

البيعي، حيث قلنا بأنّه يتسبّب إلى الملكية بإعطائه، و يطاوع الآخر بأخذه، فهناك فعلان حقيقة كلّ منهما قائم بطرف، فلا مانع من كون أحدهما بمنزلة المقتضي، و الآخر بمنزلة الشرط».

و أنت خبير ببقاء محذور اتحاد المقتضي و الشرط، و ذلك لأنّ مقتضى عقدية القرض و كفاية الإعطاء و الأخذ في المعاطاة هو كون الأخذ متمّما للمعاطاة التي هي المقتضي للملكيّة في القرض كالعقد اللفظي الذي يكون القبول جزءه، و مع كون الأخذ جزء العقد المقتضي للملكية كيف يصير شرطا لها؟ إذ لو كان شرطا أيضا لزم محذور اتحاد الشرط و المشروط.

و قد يقال في دفع الإشكال: إنّ المقتضي هو الأخذ بمعناه المصدري، و الشرط هو الأخذ بمعناه الاسمي أي كون العين في يد الطرف الآخر، من المقترض و المتهب، و المشتري في بيع الصرف، و من المعلوم تأخّر الأخذ بالمعنى الاسمي عنه بمعناه المصدري رتبة.

فللأخذ حيثيتان: إحداهما معناه المصدري، و هي متمّمة للمعاملة، و الأخرى معناه الاسمي، و هي شرط الصحّة، و لا مانع من كون إحدى الحيثيتين شرطا لتأثير الأخرى، و من المعلوم أنّ الشرط في القرض هو الحصول في اليد، و لذا لو كان المال المرهون أو الموهوب أو المقترض عند المرتهن و المتهب و المقترض و تحت أيديهم قبل إنشاء هذه العناوين لم يحتج إلى قبض جديد بعد العقد القولي، إذ لا يتحقق حينئذ العقد المعاطاتي مع فرض كون العين في يد المرتهن، هذا.

لكنّه لا يخلو من غموض، لوضوح تعدّد المقتضي و الشرط وجودا، و امتناع تصادقهما على موجود واحد، فالمقتضي هو ما يترشّح منه وجود المقتضى، و الشرط ما يتمّ به فاعلية الفاعل أو قابلية القابل، كالنار المقتضية للإحراق، و المماسة التي هي

ص: 174

______________________________

شرطه، و هما متعدّدتان وجودا حقيقة.

و هذا بخلاف باب المصدر و اسمه- كالإيجاد و الوجود- فإنّ تعددهما اعتباري محض، إذ الحدث موجود وحدانيّ، فإن أضيف إلى فاعله كان مصدرا، و إن أضيف إلى نفسه كان اسم المصدر. و من المعلوم أنّ القبض المجعول شرطا في العقود المذكورة هو إعطاء الموجب و أخذ القابل، و يتوقف صدق الشرط عليه على تحقق المقتضي للصحة قبله، و حيث لم يتحقق إنشاء قولي و لا غيره- كما هو المفروض- لزم اتحاد المقتضي و الشرط في إنشاء هذه العناوين بالمعاطاة، فيعود المحذور.

و أمّا الفرع المذكور- و هو كفاية كون العين في يد الطرف الآخر- فلا يمكن الاستشهاد به على كفاية القبض بمعناه الاسمي في الأبواب المزبورة كلّية، و إنّما يقتصر به على مورده، و هو ما إذا أنشئ العقد باللّفظ مطلقا أو بخصوص الصيغة المعتبرة في العقود اللازمة، فيقال بصحّته و عدم توقفه على ردّ العين إلى المالك كي يقبضها مرّة أخرى. و أمّا في إنشائه بالفعل، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور أدلّة شرطية القبض بمعناه المصدري، و مقتضاه انسداد باب المعاطاة في مثل الرهن و الهبة و القرض.

و أمّا الاستدلال على كفاية الإنشاء الفعلي في الهدية بما ورد في الهدايا التي أرسلت إلى النبي و الأئمة الطاهرين عليهم الصلاة و السلام فليس بذلك الوضوح، فإنّهم عليهم السّلام أخذوها و تصرّفوا فيها تصرّف الملّاك في أملاكهم لكن هذا لا يدلّ على انحصار إنشائها بالإرسال و الإقباض حتى يكون الفعل الواحد مقتضيا للملك و شرطا فيه، لبقاء احتمال إنشائها بالكتابة أو بالصيغة الملحونة أو بتوكيل الرّسول في إجراء الصيغة. و لعلّه لذا جزم شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما باعتبار الصيغة، و أنّ الهدية الفعلية لا تفيد إلّا إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.

نعم يمكن أن يقال: إن حديث مغايرة المقتضي و الشرط وجودا مختص

ص: 175

______________________________

بالموجود العيني دون الاعتباري، فإنّ الملكية أمر اعتباري، و يمكن أن يكون منشأ اعتبارها فعلا خارجيا أو أمرا اعتباريا، و لا مانع من لحاظ حيثيتين في فعل واحد، فيكون القبض بلحاظ إعطاء الموجب مقتضيا، و بلحاظ أخذ القابل شرطا.

هذا بحسب مقام الثبوت. و أمّا بحسب مقام الإثبات فيكفي فيه- بعد إمكانه ثبوتا- إطلاق أدلة الإمضاء و التشريع، هذا.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ إشكال اعتبار القبض في الصحة في جملة من العقود و الإيقاعات لا يمنع جريان المعاطاة فيها، فتجري في الوقف، و يكون الوقف المعاطاتي كالقولي لازما، لشمول أدلّة تشريع الوقف و لزومه له، كشموله للقولي.

فما في المتن من قوله: «و الجواز غير معروف في الوقف من الشارع» أجنبي عمّا يدعيه القائل بجريان المعاطاة في الوقف، لأنّه يقول بلزوم الوقف المعاطاتي، لكونه مصداقا للوقف، فتشمله أدلّته المقتضية للزومه كما لا يخفى.

و منها: النكاح، فإنّ الظاهر جريان المعاطاة فيه بمعنى إنشاء علقة الزوجية بفعل مباح مبرز للقصد عند العقلاء كذهاب المرأة بجهيزتها إلى دار الرّجل بقصد إنشاء الاعتبار، و قبول ذلك بفتح باب الدار عليها و أخذ الجهيزة منها بالقصد المزبور، فالفعل الصادر منها مبرز عقلائي لعلقة الزوجية الاعتبارية و جائز شرعا في نفسه. فمقتضى القاعدة جريان المعاطاة في النكاح، و المانع منحصر في التسالم على اعتبار اللفظ في حصول العلقة، فعدم جريان الإنشاء الفعلي في باب النكاح مستند إلى وجود المانع، لا إلى عدم المقتضي.

نعم في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه المنع عن جريان المعاطاة في النكاح لوجه آخر، قال مقرر بحثه الشريف: «فإنّ الفعل فيه ملازم لضدّه و هو الزّنا و السّفاح، بل مصداق للضّد حقيقة، فإنّ مقابل النكاح ليس إلّا الفعل المجرّد عن الإنشاء

ص: 176

______________________________

القولي و عمّا جعله الشارع سببا للحلّيّة» «1».

و قريب منه ما في بعض الكلمات: من أنّ جواز الوطي مترتب على الزوجية ترتب المسبّب على سببه، و الحكم على موضوعه، كما هو ظاهر قوله تعالى إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ فلو توقّفت الزوجية على الوطي لزم اتحاد المسبب و سببه، لتوقف حلية الوطي على الزوجية، و توقفها على حلّية الوطي، إذ لا يؤثر الوطي المحرّم في حدوث علقة الزوجية، هذا.

لكن يمكن منعه بما عرفت من عدم انحصار سبب الحلّ في ذلك الفعل الخاص حتى يمتنع إنشاء العلقة به.

مضافا إلى: أنّ التسبّب إلى العنوان الاعتباري- كالزوجية و الملكيّة- لا يتوقف على حلية السبب تكليفا. فلا مانع من تأثير السبب المنهي عنه في الأمر الوضعي، بشهادة حرمة البيع تكليفا وقت النداء و صحّته وضعا.

و على هذا ينحصر المانع من إنشاء النكاح- بما عدا الصيغة المقرّرة- في التعبد الشرعي، لا إلى قصور الفعل عن التسبب به إليه، هذا.

و قد يورد على الميرزا قدّس سرّه تارة: بأنّ كون الوطي مصداقا أو ملازما للمحرّم إنّما هو بملاحظة حكم الشارع بتوقف عقد النكاح على مبرز خاص، و ذلك أجنبي عمّا هو مبرز عرفا للتزويج الاعتباري.

و أخرى: بأنّ انحصار الإنشاء في الوطي المحرّم لا يمنع عن حصول علقة الزوجية به، و ذلك لإمكانه من باب الاجتماع، بتقريب: أنّ المحرّم هو المباشرة، و المؤثّر في تحقق الزوجية هو عنوان السبب، و من المعلوم أنّ السبب و المباشرة كالغصب

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 81

ص: 177

______________________________

و الصلاة في تعددهما عنوانا و حكما، حيث إنّ أحدهما جائز و الآخر منهي عنه، و لا ريب في أن النهي لا يتجاوز عن متعلقة- و هو الوطي- إلى عنوان آخر، و أمّا الزوجية فقد أنيطت بالسبب، فلا مانع من إنشاء النكاح بفعل محرّم، و لا يتم منع الميرزا عن جريان المعاطاة في النكاح، هذا.

لكن الظاهر عدم تمامية الإيرادين، أمّا الأوّل فلأنّه خروج عن مفروض كلام الميرزا، و بيانه: أن المصرّح به في عبارته المتقدمة ملاحظة القاعدة الشرعية التأسيسية أو الإمضائية في جواز التسبب بالوطي إلى علقة الزوجية، بناء على انحصار آلة الإنشاء فيه، و مع تحريم هذا السبب الخاص شرعا لا معنى للاكتفاء به بما هو سبب عرفي، إذ مقصوده قدّس سرّه بيان القاعدة الأولية الشرعية في كفاية الفعل في مقام الإنشاء و عدمها، فلا معنى للإيراد عليه بكفاية الفعل الخاص بنظر العرف.

و أمّا الثاني فلأنّ المقام أجنبي عن باب الاجتماع الذي موضوعه تركب موضوع الأمر و النهي بنحو الانضمام، أي استقلال متعلّق كل منهما عن الآخر وجودا. فلو كان التركيب بينهما اتحاديا كان أجنبيا عن مسألة الاجتماع. و السبيبة بهذا العنوان لم يتعلق بها حكم شرعي حتى يكون جواز السبب نظير وجوب الصلاة الواقعة في دار مغصوبة، بل تنتزع السببية من كل فعل أو قول ينشأ به العنوان الاعتباري، و لمّا لم يكن عنوان السبب موضوع حكم شرعي لم يندرج المقام في باب الاجتماع، لفرض كون التركيب اتحاديا لا انضماميا.

و منها: الطّلاق فإنّه يمكن إنشاؤه عند العقلاء بفعل مبرز له كغضّ بصره عنها أو إلقاء القناع عليها، و نحوهما مما يناسبه من الأفعال. لكن قام الدليل على انحصار مبرزه بلفظ خاص.

و أمّا الوصية و التدبير و الضمان فلا مانع أيضا من إنشائها بفعل مناسب لها

ص: 178

______________________________

و لو بالكتابة و الإشارة، إذ لا تنحصر المعاطاة بالإعطاء، لما مرّ من أنّ المعاطاة لم ترد في آية و لا رواية و لا معقد إجماع حتى يؤخذ بظاهرها، بل المراد بها ما يقابل اللفظ.

فما في تقريرات المحقق النائيني قدّس سرّه من «أن الوصية تمليكية كانت أو عهدية، و التدبير و الضمان، فإنّها لا تنشأ إلّا بالقول، لعدم وجود فعل كان مصداقا لهذه العناوين، فإنّ انتقال الدّين من ذمّة إلى أخرى لا يمكن أن يتحقق بالفعل، و لا العتق، أو الملكية أو القيمومة بعد موت الموصى» «1» غير ظاهر.

فعلى ما ذكرنا تجري المعاطاة في كل اعتبار نفساني سواء أ كان عقدا أم إيقاعا بعد إرادة كل فعل مناسب مبرز لذلك الاعتبار، إلّا ما قام الدليل فيه على اعتبار لفظ خاص كالنكاح و الطلاق أو مطلق اللفظ فيه تعبدا، و اللّه العالم.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 81

ص: 179

[التنبيه السادس: ملزمات المعاطاة]
اشارة

الأمر السادس (1): في ملزمات المعاطاة على كلّ من القول بالملك و القول بالإباحة.

اعلم: أنّ الأصل (2) على القول بالملك

______________________________

التنبيه السادس: ملزمات المعاطاة

(1) الغرض من عقد هذا الأمر- كما صرّح به في المتن- البحث عن ملزمات المعاطاة سواء قلنا بمقالة المشهور من ترتب الإباحة عليها تعبدا، أم بمقالة المحقق الكركي و من تبعه من ترتب الملك المتزلزل عليها. و على هذا لا مجال لهذا التنبيه السادس بناء على مختار المصنف من كون المعاطاة بيعا لازما كالبيع بالصيغة. أمّا أصل إفادتها للملك فلقوله: بعد الفراغ من بيان الأدلّة على الملك: «فالقول الثاني لا يخلو عن قوة» و أمّا إفادتها لخصوص الملك اللازم فلما أفاده في أصالة اللزوم بقوله: «أوفقها بالقواعد هو الأوّل، بناء على أصالة اللزوم في الملك». و عليه يسقط البحث عن الملزمات. إلّا أن يكون المراد هو اللّزوم مع الغضّ عن الإجماع المدّعى على جواز الملك الحاصل بالمعاطاة.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه تعرّض لجملة من الملزمات كتلف كلا العوضين، أو أحدهما و التصرف الاعتباري، و التصرف الخارجي كطحن الحنطة و غير ذلك. و قد تعرّض الشهيد الثاني لأكثر هذه الملزمات في المسالك.

و قبل الشروع في تحقيق الملزمات أسّس المصنف قدّس سرّه الأصل على كلّ من الملك و الإباحة ليكون هو المعوّل عند الشّك في ملزميّة أمر خاص، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(2) محصّل كلامه في الأصل هو: أنّ مفاده على القول بالملك يختلف عن مفاده على القول بالإباحة، و بيانه: أنّه بناء على تأثير المعاطاة في الملك يتعيّن القول باللزوم،

ص: 180

اللّزوم (1)، لما عرفت من الوجوه الثمانية (2) المتقدمة.

و أمّا على القول بالإباحة فالأصل (3) [1] عدم اللزوم، لقاعدة تسلّط

______________________________

إلّا إذا دلّ دليل خاص على جواز الملك، فلولاه يبنى على اللزوم الذي اقتضته الأدلة الاجتهادية و الأصل العملي.

و بناء على تأثير المعاطاة في الإباحة ينعكس الأمر، لأنّ الدليل على مشروعيتها قاعدة السلطنة، و من المعلوم اقتضاؤها تسلط المالك المبيح على الرجوع عن إباحته، فله استرداد ماله من المباح له. و لو فرض الشك في إطلاق سلطنة المالك أمكن التمسك باستصحاب سلطنته الثابتة له قبل أن يبيح ماله للمتعاطي الآخر، و من المعلوم حكومة هذا الاستصحاب على استصحاب بقاء الإباحة لو تمسّك به المباح له:

وجه الحكومة تسبّب الشك شرعا- في بقاء الإباحة للمباح له- عن الشك في انقطاع سلطنة المالك المبيح و بقائها، فلو فرض بقاء سلطنته كان له استرداد ماله قطعا، و يرتفع الشك تعبّدا في بقاء الإباحة، هذا.

(1) المراد بأصالة اللّزوم هنا ما يعمّ الأصل اللفظيّ و العمليّ، بقرينة مستنده الشامل لكلّ من الدليل و الأصل كالاستصحاب.

(2) و هي الاستصحاب، و «الناس مسلّطون على أموالهم»، و «لا يحلّ مال امرء إلّا عن طيب نفسه»، و الاستثناء في قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و الجملة المستثنى منها في هذه الآية، و ما دلّ على لزوم خصوص البيع مثل قوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا»، و قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «المؤمنون عند شروطهم» و قد تقدم سابقا أنّ الأقوى كون المعاطاة مفيدة للملك فيما إذا كان المتعاطيان قاصدين له.

(3) أي: قاعدة السلطنة تقتضي جواز الرجوع عن الإباحة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد ادّعى بعض كالمحقق النائيني قدّس سرّه التنافي بين أصالة عدم اللزوم هنا و بين ما اختاره المصنف قدّس سرّه. في الأمر الرابع من «أنّ الأقوى في الإباحة مع العوض هو اللزوم» تقريب المنافاة: أن الوجه في اللزوم مشترك بينهما، فلا بدّ من كون

ص: 181

الناس على أموالهم، و أصالة (1) سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة، و هي

______________________________

(1) هذا وجه آخر لعدم اللزوم، و حاصله: «أنّ الأصل العملي- فضلا عن الدليل الاجتهادي- يقتضي الجواز أيضا، إذ لا مانع من استصحاب سلطنة المالك الثابتة قبل المعاطاة، حيث إنّه من موارد الشك في رافعية الموجود الذي يكون الاستصحاب فيه حجة قطعا.

______________________________

الأصل اللزوم في الإباحة مطلقا.

قال المقرر قدّس سرّه: «و وجه اللزوم مطلقا كفاية عموم- المؤمنون عند شروطهم- لإثبات اللزوم، فإنّ العقود التسليطية لو خلّيت و طبعها دائرة مدار بقاء التسليط، إلّا فيما إذا اشترط اللزوم في ضمن عقد لازم أو التزم و تعهّد به ابتداء» «1».

لكنك خبير بعدم المنافاة، ضرورة أنّ الإباحة- في التنبيه الرابع- مقصودة لأحد المتعاطيين أو لكليهما. بخلاف المقام، فإنّهما قاصدان للملك و إن لم يمض الشارع ما قصداه و حكم فيها بالإباحة، فيجري هناك دليل الشرط و وجوب الوفاء بالعقود، دون دليل السلطنة، فضلا عن استصحابها، لحكومة دليلي الشرط و الوفاء عليه. بخلاف المقام، فإنّ دليلي الشرط و الوفاء بالعقد لا يجريان هنا، لأنّ ما التزما به من الملك لم يتحقق و لم يمضه الشارع، و ما تحقّق- و هو الإباحة- ممّا لم يلتزما به. فلا منافاة بين ما أفاده في الأمر الرابع من اللزوم و ما أفاده هنا.

لا يقال: إنّه لا مانع من كون الإباحة لازمة و إن كانت شرعية، لإطلاق دليل الإباحة.

فإنّه يقال: إنّ الدليل على الإباحة الشرعية- و هو الإجماع- لا إطلاق له، فلا بد من الأخذ بالمتيقن منه، و هو صورة عدم رجوع المالك عن الإباحة، بل قد تقدّم سابقا عدم إجماع تعبّدي على الإباحة، فلاحظ.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 82

ص: 182

حاكمة (1) على أصالة بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك لو سلّم (2) جريانها.

[الملزم الأوّل هو التلف]

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ (3) تلف العوضين ملزم إجماعا على الظاهر المصرّح به (4) في بعض العبائر (5).

______________________________

(1) حاصله: أنّ استصحاب سلطنة المالك قبل المعاطاة- المقتضية لارتفاع الإباحة- حاكم على استصحاب الإباحة قبل رجوع المالك.

تقريب الحكومة: أنّ الشك في بقاء الإباحة و ارتفاعها ناش عن الشك في بقاء سلطنة المالك على ماله المباح و ارتفاعها، و من المقرّر في محله حكومة الأصل الجاري في الشك السببي على الأصل الجاري في المسببي، فتجري أصالة بقاء السلطنة دون أصالة بقاء الإباحة.

(2) لعلّ وجه توقفه في جريانها هو تقوّم الإباحة بالإذن، و من المعلوم ارتفاع الإباحة بانتفاء الإذن، هذا.

لكن فيه: أنّه متين بناء على كون الإباحة مالكية لا شرعية كما هو المفروض، إذ المالكان يقصدان التمليك، لكن الشارع لم يمضه و حكم بالإباحة.

(3) بعد أن فرغ المصنف من تأسيس الأصل- و بيان مقتضاه على كلّ من الملك و الإباحة- شرع في عدّ الملزمات، من التلف و التصرف الناقل و التصرف الخارجي و غير ذلك، و لكل منها صور سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى، فالملزم الأوّل هو التلف، و المذكور منه في المتن صور ثلاث، و هي تلف العوضين معا و تلف أحدهما و تلف بعض أحدهما.

(4) يعني: أنّ الإجماع ظاهر بعض العبارات و صريح بعضها الآخر، فضمير «به» راجع الى الإجماع.

(5) قال في الحدائق: «لا إشكال و لا خلاف عندهم في أنّه لو تلفت العينان في

______________________________

و عليه فمقتضى دليلي السلطنة و عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه هو عدم جواز تصرف كلّ من المتعاطيين في مال صاحبه بعد الرجوع الدال على عدم رضائه

ص: 183

أمّا على القول بالإباحة فواضح، لأن (1) تلفه من مال مالكه، و لم يحصل ما يوجب ضمان كلّ منهما مال صاحبه [1].

______________________________

بيع المعاطاة فإنّه يصير لازما» «1». و قال السيد الفقيه العاملي: «لا إشكال و لا خلاف عندهم في أنه لو تلفت العين من الجانبين صار لازما» «2». و قال في الجواهر: «بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من الأصحاب- بل قيل: انه لا خلاف فيه و لا إشكال- من لزوم المعاطاة بتلف العين من الجانبين. بل قال الأستاد في شرحه: لا ريب و لا خلاف في أنّ المعاطاة تنتهي إلى اللزوم، و أنّ التلف الحقيقي أو الشرعي بالنقل بالوجه اللازم للعوضين معا باعث على اللزوم، و كذا للواحد منهما» «3».

(1) توضيحه: أنّه- بناء على ترتب الإباحة على المعاطاة- يجوز لكلّ من

______________________________

بتصرف صاحبه في ماله، و المفروض عدم كون الإباحة الشرعية عقدا حتى تكون لازمة و يجب الوفاء بها.

[1] هذا متين لو كانت الإباحة مالكيّة. لكنّه ليس كذلك ضرورة أنّ الإباحة المترتبة على المعاطاة المقصود بها التمليك شرعيّة، فلا بد حينئذ من الالتزام بحصول الملكية آنا ما قبل التلف لمن تلف في يده، جمعا بين الأدلة و هي الإجماع المقتضي لعدم ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة، حيث إنّ المعاطاة لم تفد إلّا الإباحة، و قاعدة ضمان اليد المقتضية لكون التلف من ذي اليد، و أصالة بقاء المال على ملك مالكه الأوّل، فإنّ الجمع بين هذه الأدلة يقتضي حصول الملكية آنا ما قبل التلف، و بعد حصولها لا بدّ من الحكم بضمان المسمّى، فيكون كل من المالين مضمونا بالآخر، هذا محصّل ما يستفاد من تقريرات سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّه «4».

______________________________

(1): الحدائق الناضرة، ج 18، ص 362

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 157

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 230

(4) مصباح الفقاهة، ج 2، ص 199

ص: 184

و توهّم جريان قاعدة الضمان باليد هنا

______________________________

المتعاطيين استرداد ماله من الآخر، لفرض بقاء المال على ملك المعطي لا الآخذ. هذا مع بقاء العينين.

و أمّا إذا تلفتا لزمت المعاطاة، لامتناع الرجوع إلى العينين.

______________________________

لكنه لا يخلو من غموض، حيث إنّ الجمع بين الأدلة لا يقتضي الملكية الآنيّة، بل يقتضي كون التلف من مالكه الأوّل، إذ لا دليل غير الإجماع المقتضي لعدم ضمان المثل أو القيمة، و أصالة بقاء المال على ملك مالكه. و مقتضى هذين الدليلين هو كون التلف من مال مالكه الأوّل.

و لا يجري عموم «على اليد» هنا حتى يكون الضمان على ذي اليد و نلتزم بالملكية الآنية له، إذ المفروض كون اليد- لأجل الإباحة الشرعية- أمانية غير موجبة للضمان.

نعم يكون التلف موجبا للزوم الإباحة، و عدم جواز رجوع المتعاطي الآخر- و هو المالك- الى المتعاطي الذي تلف عنده المال.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون التلف من مال المالك الأوّل في غاية المتانة، فتدبر جيّدا.

نعم كلامه هنا- من عدم جريان قاعدة اليد- مناف لما تقدّم منه في مناقشة استبعادات كاشف الغطاء قدّس سرّه من الالتزام بجريانها بناء على مسلك المشهور من الإباحة، و اقتضاء الجمع بين اليد و الإجماع و الاستصحاب للقول بدخول المأخوذ بالمعاطاة في ملك المباح له آنا ما قبل التلف ليقع التلف في ملكه، فلاحظ قوله هناك: «و أما كون التلف مملّكا للجانبين، فإن ثبت بإجماع أو سيرة- كما هو الظاهر- كان كل من المالين مضمونا بعوضه، فيكون تلفه في يد كلّ منهما من ماله مضمونا بعوضه .. لأن هذا هو مقتضى لجمع بين هذا الإجماع و بين عموم على اليد ما أخذت و بين أصالة عدم الملك إلّا في لزمان المتيقن وقوعه فيه .. إلخ».

ص: 185

مندفع (1) بما سيجي ء (2).

و أمّا على القول بالملك فلما عرفت من أصالة اللزوم، و المتيقّن من مخالفتها جواز (3)

______________________________

فان قلت: لا موجب للزومها بمجرّد تلف العينين، بل تبقى الإباحة على حالها، و يرجع كل منهما على الآخر ببدل ماله. و الدليل على بقاء الإباحة هو قاعدة اليد، بتقريب: أنّ كلّا من المتعاطيين وضع يده على مال الآخر- لكونه مباحا عنده لا ملكا له- و من المعلوم أنّ للمالك استرداد ماله من المباح له ما دام موجودا، و لو تلف استقرّ بدله عليه، فكلّ منهما ضامن لمال الآخر بمقتضى «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فإذا جاز الرجوع إلى بدل العينين فقد ثبت استمرار الإباحة، و عدم لزوم المعاطاة بمجرّد تلف العينين، فإنّ التلف غير مانع من الرجوع إلى البدل.

قلت: نعم، لو جرت قاعدة اليد هنا لم يكن التلف ملزما. لكنّها لا تجري في ما نحن فيه من جهة انتفاء الموضوع، و ذلك لاختصاص اليد المضمّنة باليد العدوانية، و هي منتفية في المقام، إذ المفروض حكم الشارع بإباحة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة، فاليد السابقة على التلف لم تكن مضمّنة قطعا، لاستنادها إلى إذن الشارع.

و إذا تلفت العين امتنع انقلاب اليد الأمانية إلى العدوانية، لاستحالة انقلاب الواقع عمّا هو عليه. و لمّا لم تكن اليد مقتضية للضمان- حتى يجوز الرجوع إلى البدل- فلا بدّ من استناد الضمان إلى موجب آخر، و المفروض عدمه.

(1) خبر «و توهم» و دفعه، و قد تقدم توضيحهما آنفا بقولنا: «فان قلت:

قلت ..».

(2) بعد أسطر بقوله: «و التمسك بعموم اليد هنا في غير محله بعد القطع بأن هذه اليد قبل تلف العين لم تكن يد ضمان .. إلخ».

(3) يعني: إمكان التراد. و يدل على كون المتيقن ذلك ما تقدّم عن الحدائق و مفتاح الكرامة و الجواهر من «الإجماع على كون تلف العينين ملزما» لدلالته على

ص: 186

ترادّ العينين (1)،

______________________________

كون امتناع التراد- لتلف العينين- موجبا للزوم.

(1) محصّل ما أفاده من لزوم المعاطاة بتلف العينين بناء على الملك الجائز هو: أنّ أصالة اللزوم تقتضي لزوم المعاطاة، و المتيقن من مخالفة عموم دليل اللزوم و تخصيصه في المعاطاة- بسبب الإجماع- هو صورة إمكان ترادّ العوضين، فمع امتناعه يرتفع الجواز.

توضيحه: أنّهم قسّموا الجواز في العقود غير اللّازمة إلى حقّي و حكمي، و مثّلوا للأوّل بالخيار، لما يظهر من تعريفه بأنّه «ملك فسخ العقد» فالخيار هو السلطنة على إقرار العقد و إزالته، لقابلية نفس العقد للبقاء في وعاء الاعتبار، فيثبت حقّ الخيار مطلقا سواء بقي العوضان أم لا. و المرجع في تشخيص موضوعية العقد لهذا الجواز هو أدلّة الخيارات، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» «1» الظاهر في سلطنة المتبايعين على حلّ العقد قبل الافتراق، سواء بقي العوضان أم تلفا، فان كانا باقيين ردّ كلّ منهما إلى من انتقل عنه، و إن تلفا ردّ البدل.

و مثّلوا للثاني بجواز رجوع الواهب في العين الموهوبة ما دامت باقية، و أنّه يجوز له استردادها من المتّهب و إن لم يفسخ العقد قبل الرجوع، فلو استردّها انحلّ العقد من باب انتفاء الموضوع، لعودها به إلى ملك الواهب. و لأجل تعلق الجواز باسترداد العين لا بنفس العقد دار الحكم مدار بقائها، فلو تلفت لزمت الهبة، و لا يصح للواهب الرجوع إلى بدلها.

و لا فرق في تعلق الجواز بالرجوع و الاسترداد بين كون الهبة معوّضة و غير معوّضة. أمّا الثاني فواضح. و أمّا الأوّل فكذلك، فإنّ المناط في جواز الهبة بقاء العين الموهوبة، سواء أ كان عوضها باقيا أم تالفا. و الدليل على موضوعية الرجوع للجواز هو مثل معتبرة جميل و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 346، الباب 1، من أبواب الخيار، الحديث: 3.

ص: 187

..........

______________________________

أن يرجع، و إلّا فليس له» «1».

و للجواز الحكمي فرد آخر و هو ما يكون متعلّقه أضيق دائرة من جواز الهبة كما يكون أضيق من الجواز الحقي، و هو ما ذكروه في باب المعاطاة- بناء على عدم القول بالملك اللازم- من تعلق الجواز بتراد العينين، فما دامتا باقيتين بحالهما جاز لكلّ من المتعاطيين استرداد ماله، و لو امتنع التراد بتلف إحداهما أو بغير التلف ارتفع جواز المعاطاة و صارت لازمة.

و الدليل على موضوعية «التّراد» للجواز- و عدم تعلقه بالعقد كما في الخيار و لا بالرجوع في عين واحدة كما في الهبة- هو: أنّه لا دليل لفظيّ في المقام حتى يؤخذ بإطلاقه، لانحصار الدليل في الإجماع على جواز المعاطاة، و حيث إنّه دليل لبيّ يلزم الاقتصار على القدر المتيقن منه في الخروج من عموم أدلة لزوم الملك.

توضيحه: أنّ المقام يكون من موارد تخصيص العام بمخصّص منفصل مجمل مردّد بين الأقلّ و الأكثر، فالعام هو أدلة لزوم كل ملك، و المخصّص هو الإجماع المدّعى على جواز المعاطاة. فإن تعلّق الجواز بالعقد- كما في باب الخيار- كان الجواز باقيا بعد تلف العوضين، و إن تعلّق بردّ عين واحدة كما في الهبة جاز الرجوع بعد تلف إحدى العينين. و إن تعلّق بالتّراد توقّف على بقائهما معا، فلو تلفت إحداهما أو بعض إحداهما انتفى الجواز و صار الملك لازما. و لمّا لم يحرز قيام الإجماع على جواز فسخ العقد المعاطاتي و لا على جواز استرداد إحدى العينين تعيّن الاقتصار على المتيقن منه لكونه لبيا- بحيث لو لا الاقتصار على المتيقن يلزم طرح الإجماع بالكلّية- و هو تعلّقه بالتّراد، و الرجوع إلى أصالة اللزوم عند تعذّره بتلف و شبهه.

فإن قلت: إذا ثبت بالإجماع جواز الملك في المعاطاة قبل التلف، و شكّ في انتفائه به أمكن إحراز عدم لزوم الملك باستصحاب الجواز، و هو يمنع عن شمول

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 141، الباب 8 من أحكام الهبات، الحديث: 8

ص: 188

و حيث ارتفع مورد التّراد امتنع (1). و لم يثبت (2) قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف (3)، لأنّ ذلك (4) الجواز من عوارض العقد، لا العوضين، فلا مانع من بقائه،

______________________________

أدلة اللزوم بعد تلف إحدى العينين أو كلتيهما استصحابا لحكم المخصّص.

قلت: لا مجال هنا للاستصحاب، لوجهين: أحدهما: ما تقدّم آنفا من الفرق بين جواز المعاطاة و بين جواز العقد الخياري، فإنّه بمعنى الانحلال بالفسخ و هو قائم بالعقد، و لكن جواز المعاطاة بمعنى التملك بالرجوع في العين، لا بعنوان الفسخ، و من المعلوم أنّ التملك بالأخذ قائم بنفس العوضين لا بفسخ العقد. و على هذا يقطع بانتفاء ذلك الجواز بمجرّد التلف، فلا شك حتى يستصحب الجواز.

و منشأ هذا الفرق ما تقدم من عدم إحراز تعلّق الجواز- في باب المعاطاة- بحلّ العقد حتى يستصحب بقاؤه لو شكّ في ارتفاعه بتلف العينين، فالمتيقن من الدليل تعلّقه بالتّراد، و ينتفي معروض المستصحب بمجرد التلف، و لا يبقى شك حتى يجري فيه الأصل.

ثانيهما: أنّه لا مجال لهذا الاستصحاب حتّى إذا تردّد جواز المعاطاة بين تعلّقه بالعقد و بين تعلّقه بالتراد، إذ مع الشّك في الموضوع لا يحرز اتّحاد القضيتين المتيقنة و المشكوكة، فيدور الأمر بين النقض و الانتقاض، و مثله ليس مجرى للأصل.

(1) يعني: يمتنع التراد بسبب التلف.

(2) هذا إشارة إلى توهم، و قد تقدّم آنفا بقولنا: «فان قلت ..» و حاصل التوهم قياس جواز المعاطاة بجواز العقد الخياري في بقائه بعد تلف العوضين.

(3) أي: و لو كان التالف كلا العوضين، فإذا فسخ ذو الخيار رجع إلى البدل.

(4) أي: لأنّ جواز البيع الخياري يكون قائما بالعقد لا بالعوضين، و هذا تعليل لقوله: «لم يثبت» و دفع التوهم، و قد تقدم بقولنا: «قلت: لا مجال هنا للاستصحاب، لوجهين ..».

ص: 189

بل (1) لا دليل على ارتفاعه بعد تلفهما. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ الجواز فيه (2) هنا بمعنى جواز الرجوع في العين، نظير (3) جواز الرجوع في العين الموهوبة، فلا يبقى (4) بعد التلف متعلّق الجواز (5). بل الجواز هنا يتعلّق بموضوع (6) التراد، لا مطلق الرجوع (7)

______________________________

(1) الوجه في الإضراب واضح، لأنّ مجرّد عدم المانع عن بقاء جواز العقد غير كاف في بقائه بعد تلف العوضين إلّا باستصحاب جواز العقد. و لكنّه قدّس سرّه يدّعى كفاية إطلاق دليل التشريع في بقاء حق الخيار حتّى بعد تلفهما، فلا موضوع للاستصحاب مع وجود الدليل الاجتهادي و إن كانا متوافقين مفادا.

(2) أي: فإنّ الجواز فيما نحن فيه و هو المعاطاة. و على هذا فكلمة «هنا» مستدركة، كما لا يخفى على المتأمّل.

(3) خبر قوله: «فان الجواز» و الوجه في تنظير المعاطاة بالهبة- مع ما سيأتي من بيان الفارق بينهما- هو كون معروض الجواز استرداد العين و الرجوع فيها، و ليس معروضه العقد، و إنّما ينحل العقد بالتبع من باب انتفاء الموضوع.

(4) يعني: سواء في الهبة و المعاطاة.

(5) يعني: بل دائرة موضوع الجواز في المعاطاة أضيق من جواز الرجوع في الهبة، لأنّ موضوع الجواز هنا هو خصوص التّراد المتوقف على بقاء العينين معا.

بخلاف الجواز في الهبة، فإنّه متقوّم ببقاء عين واحدة، فلو كانت الهبة معوّضة- بأن وهب زيد كتابا لعمرو على أن يهبه عمرو دينارا- كان جوازها منوطا ببقاء الكتاب سواء بقي الدينار أم تلف. و لو تلف الكتاب لزمت الهبة بلا فرق أيضا بين بقاء الدينار و تلفه.

(6) فالإضافة بيانية، فإنّ الجواز متعلق بنفس التراد، لا بموضوعه و هو العوضان، لتعلق الحكم بفعل المكلف لا بالأعيان.

(7) كما في باب الهبة، و المراد بمطلق الرجوع أنّ العين الموهوبة ما دامت باقية

ص: 190

الثابت (1) في الهبة، هذا.

مع (2) أنّ الشّك في أنّ متعلّق الجواز هل هو أصل المعاملة (3) أو الرجوع (4)

______________________________

كان الرجوع جائزا، سواء أ كان العوض باقيا أم تالفا، فموضوع جواز الرجوع نفس العين الموهوبة بالهبة الأولى، بلا نظر إلى العين الموهوبة بعنوان العوض.

(1) صفة ل «مطلق الرجوع» فجواز الرجوع في المعاطاة مقيّد ببقاء العوضين، و لكن جواز الرجوع في العين الموهوبة غير مقيّد ببقاء العين الموهوبة بعنوان العوض.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من دفع التوهم، و قد تقدم بقولنا: «ثانيهما: أنه لا مجال للاستصحاب حتى إذا تردّد .. إلخ». و حاصله: أنّه لو لم يكن المتيقن من مخالفة أصالة اللزوم هو صورة إمكان التراد، و شكّ في تعلق الجواز به أو بالعقد امتنع استصحاب جواز المعاطاة بعد التلف، لعدم إحراز الموضوع الذي لا بدّ منه في الاستصحاب [1].

(3) كما في العقد الخياري.

(4) كما في الهبة.

______________________________

[1] و من هنا يعلم فساد توهم كون المقام من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي، بتقريب: أنّ كلّي جواز الرفع- الجامع بين فسخ العقد و تراد العينين- معلوم، إذ لا شكّ في وجود جواز رفع الأمر الموجود من الملك و العقد، و بعد التلف يشك في بقاء كلّيّ الجواز، فيستصحب. نظير القطع بوجود فرد من حيوان مردّد بين ما هو باق قطعا و بين ما هو زائل كذلك.

وجه الفساد هو: أنّه منشأ الشك في بقاء كلّيّ الجواز الجامع بين الفسخ و التراد هو الشك في بقاء موضوعه، لأنّ موضوع الجواز إن كان هو التّراد فهو غير باق قطعا، لتلف العينين. و إن كان نفس العقد فهو باق، و مع الشك في بقاء الموضوع لا مجال للاستصحاب.

ص: 191

في العين أو تراد العينين (1) يمنع (2) من استصحابه، فإن (3) المتيقن تعلّقه بالتّراد، إذ لا دليل في مقابلة أصالة اللّزوم على ثبوت أزيد من جواز ترادّ العينين الّذي لا يتحقق إلّا مع بقائهما.

______________________________

(1) كما في المعاطاة.

(2) خبر «أن الشك» و قد تقدم توضيح المنع.

(3) هذا تعليل لأصل منع جريان الاستصحاب بالنظر إلى الوجه الأوّل، لصراحة قوله: «فانّ المتيقّن تعلقه بالتراد» في أنّه قد أحرز- ببركة عموم أصالة اللزوم- تعلق جواز المعاطاة بالتراد، و أنّه لا يبقى شك في الموضوع، بل نقطع بانتفاء الموضوع. و لهذا كان الأولى ذكر هذه الجملة قبل قوله: «مع أن الشك». هذا تمام الكلام في الصورة الاولى و هي تلف كلا العوضين.

______________________________

فالإشكال في جريان الاستصحاب إنّما هو من ناحية الشك في بقاء الموضوع، نظير العلم بعدالة زيد أو عمرو إجمالا، ثم مات زيد، فإنّه لا يجري استصحاب العدالة الجامعة بينهما، للشك في بقاء موضوعها، فإن كانت العدالة ثابتة لزيد فقد ارتفعت قطعا بموته، و إن كانت قائمة بعمرو فهي باقية قطعا.

فالقسم الثاني من استصحاب الكلي و إن كان جاريا في حدّ ذاته، لكنّه لا يجري هنا، للشّك في بقاء الموضوع. فيفترق المقام عن المثال المزبور، لعدم الشك في بقاء الموضوع هناك، لأنّ المستصحب- أعني به كلّي الحيوان- يكون موضوعه و هو الماهية المعروضة للوجود و العدم باقيا كما لا يخفى.

بخلاف المقام، لتباين الفردين اللّذين يترتب عليهما الأثر، و لا معنى للجواز الجامع بينهما بعد كون الأثر مترتبا على كل واحد منهما بالخصوص.

و أمّا استصحاب الفرد المردّد فلا مجال له، لأنّه بما هو مردّد لا ماهية و لا وجود له، فليس موضوعا لأثر حتى يصح استصحابه.

و بالجملة: فالمقام من صغريات التمسّك بالعام، لكون الشك فيه في التخصيص الزائد الذي يرجع فيه إلى عموم العام الدال على اللزوم في كل زمان و حال.

ص: 192

و منه (1) يعلم حكم ما لو تلف إحدى العينين أو بعضها على القول بالملك.

و أمّا على القول بالإباحة (2) فقد استوجه بعض مشايخنا (3) وفاقا

______________________________

(1) أي: و ممّا تقدّم- من كون المتيقن من مخالفة أصالة اللزوم في الملك صورة إمكان ترادّ العوضين- يعلم حكم تلف إحدى العينين أو بعض إحداهما، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية و الثالثة. و قد بيّن المصنف قدّس سرّه حكمهما بناء على كلّ من الملك و الإباحة.

و محصل ما أفاده فيهما هو: أنّه بناء على ترتب الملك الجائز على المعاطاة لا إشكال في لزومه بتلف أحد العوضين أو بتلف بعض أحدهما، لما عرفت مفصّلا من أنّ موضوع الجواز ترادّ العوضين، فينتفي بتلف أحدهما أو بعض أحدهما، كما إذا تعاطيا كتابا بدرهمين فاحترق الكتاب أو ضاع أحد الدرهمين، فتقتضي أصالة اللزوم لزوم الملك.

و بناء على ترتب الإباحة تعبّدا على المعاطاة ففي لزومها بتلف أحد العوضين أو بعض أحدهما بحث، فنقل شيخنا الأعظم عن بعض مشايخه المعاصرين ترجيح أصالة عدم اللزوم، لاستصحاب بقاء سلطنة مالك العين الموجودة، ثم اعترض المصنف عليه بمعارضته بأصالة براءة ذمته عن بدل التالف، ثم استدرك على هذه المعارضة بأنّ أصالة بقاء السلطنة حاكمة على أصالة عدم الضمان بالبدل، فهذه مطالب ثلاثة، سيأتي توضيح كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني: في الصورتين الثانية و هي تلف تمام إحدى العينين، و الثالثة و هي تلف بعض إحدى العينين.

(3) لا يبعد أن يكون مراده من بعض المشايخ هو السيد المجاهد، و من بعض معاصريه الفاضل النراقي قدّس سرّهما.

أمّا السيد فقد قال: «منهل: قد بيّنا أنّ المعاطاة لا تفيد اللزوم، فيجوز لكلّ من المتعاطيين الفسخ و الاسترداد و إن لم يرض الآخر به، إلّا في مواضع: و منها: ما إذا

ص: 193

..........

______________________________

تلف أحد العوضين .. و لكن في المسالك احتمل عدم تحقق اللزوم التفاتا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه، و عموم الناس مسلّطون على أموالهم. و فيه نظر، لأنّ الوجهين المذكورين إنّما يتجهان إن قلنا إنّ المعاطاة لا تفيد نقل الملك. و أمّا على تقدير إفادتها الملك كما هو المختار فلا» «1».

و المستفاد من الجملة الأخيرة بقاء الإباحة على حالها، و عدم لزومها بتلف إحدى العينين، لاقتضاء قاعدتي السلطنة و اليد بقاء جواز الاسترداد، هذا.

و أمّا الفاضل النراقي فقد قال في المستند في المسألة السادسة من مسائل الفصل الأوّل من كتاب البيع: «على القول بتوقف اللزوم على الصيغة فيجوز لكل منهما الرجوع في المعاطاة مع بقاء العينين .. و لو تلفت إحداهما خاصة فلا يجوز الرجوع لصاحب التالفة، و هل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شي ء لو أراده لمصلحة و امتنع صاحبها؟ الظاهر نعم، لأصالة عدم اللّزوم. و لصاحب الموجودة الرجوع إليها لذلك أيضا على الأقوى، ثمّ الآخر يرجع إلى قيمة التالفة أو مثلها. كذا قالوا. و هو بإطلاقه مشكل. بل الموافق للقواعد أن يقال: لو كان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا يرجع إليه بشي ء، لأصل البراءة، و عدم دليل على الاشتغال. و إن كان معه فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعليه المثل أو القيمة .. و إن لم يقصده قبله فمقتضى الأصول و إن كان براءة ذمته عن المثل أو القيمة، لعدم كونه غاصبا و جواز رجوعه إلى عينه للأصل. إلّا أنّ الإجماع و نفي الضّرر يمنعان عن الأمرين معا، فلا بد من أحدهما- أي البراءة و عدم الرجوع، أو الرجوع مع ضمان البدل- و لكن تعيين أحدهما مشكل، و تعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب، كعدم الرجوع على كونها تمليكا لئلّا يلزم الجمع بين المالين باطل، لمنع صدق الغصب، و تسليم جواز جمع المالين إذا اشتغلت ذمته بمثل أحدهما أو قيمته. إلّا أن تعيّن الاشتغال

______________________________

(1): المناهل، ص 269

ص: 194

..........

______________________________

بإثبات جواز الرجوع بمثل: الناس مسلّطون على أموالهم، و على اليد ما أخذت» «1».

و الغرض من نقل هذه العبارة أمور:

الأوّل: أنّ الفاضل النراقي قدّس سرّه فصّل في عدم لزوم المعاطاة بتلف إحدى العينين- و جواز رجوع مالك العين الموجودة- بين أن يكون من تلف عنده العين قاصدا للرجوع إلى ماله الموجود عند الطرف الآخر، فيجوز الرجوع مع ضمانه لبدل العين التالفة، و بين أن لا يكون قاصدا للرجوع فلا، حيث إنّ في جواز استرداد ماله احتمالين:

أحدهما: عدم الجواز مع براءة ذمته عن بدل التالفة.

و ثانيهما: جواز الرجوع مع ضمان البدل. و رجّح في آخر كلامه هذا الاحتمال بقوله: «إلّا أن تعيّن الاشتغال بإثبات جواز الرجوع» و استدل عليه بوجهين: أحدهما قاعدة السلطنة، و الآخر قاعدة اليد.

و هذه الجملة الأخيرة هي محطّ نظر شيخنا الأعظم من نسبة القول ببقاء الإباحة بعد تلف إحدى العينين إليه، مستدلّا عليه باستصحاب سلطنة مالك العين الموجودة. و قد عرفت أنّ الفاضل النراقي قدّس سرّه استدل بقاعدة السلطنة لا باستصحابها.

الأمر الثاني: أنّ ما نقلناه من تفصيل الفاضل النراقي قدّس سرّه بين قصد الرجوع و عدمه و إن كان بظاهره أجنبيا عمّا نسبه المصنف إليه من القول ببقاء الإباحة استصحابا للسلطنة. إلّا أنّ المقصود من نقله الوقوف على ما سيأتي في المتن من إيراد المصنف على التفصيل بين قصد الرجوع و عدمه، و لمّا كان دأبنا في هذا الشرح الوقوف على أرباب الأقوال المنقولة في المكاسب- مهما أمكن- فلذا نقلنا عبارة المستند ليعلم أنّ قول المصنف قدّس سرّه: «إذا بنى مالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة و لم يرد الرجوع ..» تعريض به.

______________________________

(1): مستند الشيعة، ج 1، ص 363

ص: 195

لبعض معاصريه تبعا للمسالك (1) أصالة عدم اللّزوم،

______________________________

الأمر الثالث: أنّ كلام الفاضل قدّس سرّه من تجويز الرجوع إلى العين الموجودة ليس فيه تصريح بابتنائه على إفادة المعاطاة للإباحة، بل نفى هذا الابتناء بقوله: «و تعيين الاشتغال مطلقا أو على كون المعاطاة إباحة محضة .. باطل» و عليه فما نسبه المصنف إلى الفاضل من القول بأصالة عدم اللزوم- بناء على الإباحة- مستفاد من إطلاق حكم الفاضل بجواز رجوع مالك العين الموجودة سواء قلنا بالملك الجائز أم بالإباحة المحضة. و لا مانع من هذه الاستفادة، لأنّ المصنف قدّس سرّه بصدد بيان حكم تلف إحدى العينين بناء على الإباحة. و هو لا ينافي اتّحاد حكمه بناء على الملك. و يساعد استفادة المصنف استدلال الفاضل بقاعدتي السلطنة و اليد، لماسبتهما للإباحة.

(1) ظاهر العبارة أنّ الشهيد الثاني استوجه عدم لزوم الإباحة في صورة تلف إحدى العينين أو بعضها، فتبعه صاحبا المناهل و المستند. لكن في النسبة تأمّل.

و بيانه: أنّه قدّس سرّه فصّل في المسالك بين تلف إحدى العينين و بين تلف بعض إحداهما، و ذكر في كلّ منهما وجهين، و اختار اللزوم بتلف إحداهما، و الإباحة في تلف بعض إحداهما. و على هذا فالمسألتان بنظر الشهيد ليستا متحدتين حكما.

و الأولى نقل كلامه وقوفا على حقيقة الحال، فقال في ثاني مباحث المعاطاة:

«لو تلفت العينان معا تحقق الملك فيهما. و لو تلفت إحداهما خاصة فقد صرّح جماعة بالاكتفاء به في تحقق ملك الأخرى، نظرا إلى ما قدّمناه من جعل الباقي عوضا عن التالف، لتراضيهما على ذلك. و يحتمل هنا العدم، التفاتا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه، و عموم: الناس مسلّطون على أموالهم. و الأوّل أقوى، فإنّ من بيده المال مستحق قد ظفر بمثل حقّه بإذن مستحقه فيملكه، و إن كان مغايرا له في الجنس و الوصف، لتراضيهما على ذلك» و هذا الكلام كما ترى صريح في ترجيح القول باللزوم في تلف عين واحدة، و أنّ عدم اللزوم مجرّد احتمال لا ينبغي المصير إليه.

و قال في المبحث الثالث: «لو تلف بعض إحداهما احتمل كونه كتلف الجميع

ص: 196

لأصالة (1) [1] بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و ملكه لها.

______________________________

- يعني في تحقق اللزوم- و به صرّح بعض الأصحاب محتجّا بامتناع التراد في الباقي، إذ هو موجب لتبعّض الصفقة، و بالضرر، لأنّ المطلوب هو كون إحداهما في مقابل الأخرى. و فيه نظر .. إلى أن قال: و يحتمل حينئذ أن يلزم من العين الأخرى في مقابلة التالف، و يبقى الباقي على أصل الإباحة بدلالة ما قدّمناه» «1».

و ظاهر هذه الجملة الأخيرة- بعد إبطال مستند المحقق الكركي من التمسك بتبعّض الصفقة و بالضرر- هو الميل إلى أصالة عدم اللزوم، و بقاء الإباحة بالنسبة إلى المقدار الباقي من إحدى العينين.

و بما نقلناه عن المسالك ظهر: أنّ الشهيد قدّس سرّه مفصّل بين تلف تمام إحدى العينين بترجيح أصالة اللزوم، و بين تلف بعض إحداهما بترجيح الإباحة. و كان المناسب أن ينبّه المصنف قدّس سرّه على هذا التفصيل، و لا ينسب إلى الشهيد القول بأصالة عدم اللزوم في كلتا المسألتين، و لعلّه قدّس سرّه اعتمد في هذه النسبة على نقل الغير، و الأمر سهل بعد وضوح حقيقة الحال.

(1) هذا إشارة إلى المطلب الأوّل، أعني به دليل القول ببقاء الإباحة، و هو استصحاب بقاء سلطنة مالك العين الموجودة- أو مالك بعض العين الموجودة- على ماله، و مقتضى هذا الاستصحاب جواز رجوعه إلى ماله الموجود عند صاحبه، و من المعلوم أن المعاطاة لو كانت لازمة لم يكن له الرجوع إلى ماله الموجود.

______________________________

[1] لم يظهر وجه عدوله عن قاعدة السلطنة إلى استصحابها، مع عدم مانع عن جريانها.

إلّا أن يقال: إنّ احتمال بدليّة الباقي عن التالف أوجب الشك في بقاء العين الموجودة على ملك مالكها، و القاعدة لا تثبت موضوعها، فلا محيص في إثبات

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 149

ص: 197

______________________________

الموضوع من التمسك باستصحاب بقاء المال على ملك مالكه.

نعم لا حاجة الى إجراء الاستصحاب في بقاء السلطنة بعد إجرائه في الموضوع أعني به بقاء الملكية، لأنّ الأصل الموضوعي حاكم على الحكمي.

و لنعم ما عبّر به الشهيد الثاني قدّس سرّه من قوله: «التفاتا إلى أصالة بقاء الملك لمالكه» إذ استصحاب بقاء الملك على ملك مالكه يغني عن استصحاب بقاء السلطنة التي هي حكم شرعي. و غرض الشهيد الثاني من قوله: «أصالة بقاء الملك لمالكه» إثبات الصغرى، و هي إضافة الملكية التي هي موضوع قاعدة السلطنة، و من قوله: «و عموم:

الناس مسلّطون على أموالهم» إثبات الكبرى.

و يظهر مما ذكرنا عدم ورود ما أورده بعض المحشّين على المصنف من «أن عموم دليل السلطنة حاكم على استصحابها، فلا مجال للاستصحاب مع العموم الذي هو دليل اجتهادي» «1».

وجه عدم الورود: قصور دليل السلطنة عن شموله للشك في الموضوع و هو بقاء الملكية، لكون التمسّك به حينئذ تشبّثا بالدليل في الشبهة المصداقية.

و في المقام احتمال آخر و هو: أن يكون المستصحب- أعني به السلطنة- بمعنى الملك كما ورد تفسيره بها في بعض كلمات المصنف قدّس سرّه. و على هذا فيكون قوله بعده:

«و ملكه لها» عطف تفسير للسلطنة، فالمستصحب هو الموضوع، لا الحكم الشرعي المدلول عليه بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلّطون على أموالهم» و معه لا يبقى مجال للإيراد المتقدم، و هو: أنّه مع الشك في الموضوع- أي الملكية- كيف أجرى الأصل في الحكم و هو السلطنة؟ وجه عدم المجال: أنّه بناء على ما احتملناه تكون السلطنة موضوعا، لكونها بمعنى الملكية، لا حكما حتى يشكل استصحابه عند الشك في الموضوع.

______________________________

(1): لاحظ حاشية السيد الطباطبائي، ص 82، و حاشية المحقق الايرواني، ج 1، ص 87

ص: 198

و فيه (1): أنّها معارضة بأصالة براءة

______________________________

(1) هذا هو المطلب الثاني، أعني به مناقشة المصنف في دليل القائل ببقاء الإباحة عند تلف إحدى العينين. توضيحه: أنّ أصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة التي هي سند أصالة عدم اللزوم- المقتضية لجواز الرجوع إلى العين الموجودة- معارضة بأصالة براءة ذمة من تلف عنده مال صاحبه عن مثله أو قيمته، و بسقوطها بالمعارضة لا يبقى دليل على بقاء الإباحة. مثلا إذا كانت المعاوضة بين كتاب زيد و دينار عمرو، و تلف الكتاب عند عمرو و بقي الدينار عند زيد، فصاحب العين الموجودة- و هو الدينار- مسلّط على أخذها من زيد مع عدم ضمانه لبدل الكتاب لزيد.

فإن قلت: لا معارضة بين أصالة براءة ذمة مالك الدينار عن بدل الكتاب، و بين أصالة بقاء سلطنته على أخذ الدينار من زيد، لعدم التنافي بينهما، و عليه يمكن الجمع بين جواز استرداد الدينار و بين عدم ضمانه لبدل الكتاب، و لا يسقط استصحاب السلطنة بالمعارضة.

قلت: المعارضة بين الحجتين تكون تارة بالذات كما في المتباينين و العامّين من وجه. و أخرى بالعرض أي بواسطة دليل ثالث، و مثّلوا له بالخبرين الدال أحدهما على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة، و الآخر على وجوب صلاة الجمعة، إذ لا منافاة بين الدليلين بلحاظ المدلول المطابقي و التضمني، إلّا أنّ الإجماع على عدم وجوب فريضتين قبل صلاة العصر يوجب التنافي بين الخبرين، فيعلم إجمالا بكذب أحدهما.

و المقام من هذا القبيل، فإنّ أصالة بقاء سلطنة المالك تقتضي جواز استرداد الدينار شرعا، و الرجوع ملازم لضمان بدل التالف من المثل أو القيمة، فالمعارضة بين أصالة بقاء السلطنة و بين أصالة براءة الذمة تكون بملاحظة الملازمة بين جواز الرجوع و استلزامه لضمان التالف.

و الوجه في الملازمة أمّا القطع بعدم مجانية التالف، و إمّا لما حكي عن بعض تلامذة المصنف من الإجماع المركب على التلازم بين جواز رجوع مالك العين الباقية و جواز رجوع مالك العين التالفة ببدلها.

ص: 199

ذمّته (1) عن مثل التالف عنده أو قيمته (2).

و التمسّك (3) بعموم «على اليد» هنا

______________________________

هذا توضيح إشكال شيخنا الأعظم على كلام بعض مشايخه من الحكم ببقاء الإباحة بتلف إحدى العينين أو بعض إحداهما.

(1) هذا الضمير و ضمير «عنده» راجعان الى مالك العين الموجودة.

(2) أي: قيمة التالف، إن كان قيميّا.

(3) إشارة إلى توهّم و جوابه، و مقصود المتوهم إبطال المعارضة التي أوقعها المصنف بين أصالتي بقاء السلطنة و براءة الذمة. توضيح التوهم: أنّه لا تصل النوبة إلى المعارضة المزبورة، و ذلك لوجود الدليل الاجتهادي- الحاكم على أصالة البراءة- و هو قاعدة اليد، حيث إنّ كلّ واحد من المتعاطيين وضع يده على مال الآخر، إذ بناء على الإباحة- كما هو مفروض البحث- يكون المال باقيا على ملك الدافع، إذ لم يدخل في ملك الآخذ، فتكون يد الآخذ مضمّنة، فإذا تلف وجب عليه أداء المثل أو القيمة.

و مع هذه القاعدة الاجتهادية لا موضوع لأصالة براءة ذمة من تلف عنده المال عن البدل، حتى تكون معارضة لأصالة بقاء السلطنة.

و عليه تكون نتيجة الجمع بين قاعدة اليد و استصحاب سلطنة مالك العين الموجودة هي عدم لزوم الإباحة بتلف إحدى العينين، فيجوز له استرداد عينه و دفع بدل العين التالفة إلى مالكها، هذا.

و قد دفع المصنف قدّس سرّه هذا التوهم بما حاصله: أنّ الضمان- بناء على تسليمه- ليس مستندا إلى اليد قطعا، لأنّها معدومة عند الحكم بالضمان و هو حال التلف. و اليد السابقة على التلف لم تكن يد ضمان، لكونها بإذن الشارع أو المالك، إذ لو كانت يد ضمان لكانت موجبة للضمان في الصورة السابقة، و هي تلف العينين.

و لا فرق في عدم اقتضاء «على اليد» لضمان بدل التالف بين أن يكون قاصدا لإمضاء المعاطاة و عدم استرداد ماله الموجود من المتعاطي الآخر، و بين أن يكون

ص: 200

في غير محلّه (1)، بعد القطع بأنّ هذه اليد قبل تلف العين لم تكن (2)

______________________________

قاصدا للرجوع إليه و أخذ ماله منه.

و الوجه في عدم الفرق بين الصورتين واضح. أمّا إذا كان بانيا على إمضاء المعاطاة فلأنّ المال الموجود يصير عوضا مسمّى عن التالف. و لم تنقلب تلك اليد الأمانية قبل تلف العين إلى يد عدوانية حتى توجب الضمان. و أمّا إذا كان بانيا على استرداد العين الموجودة من المتعاطي الآخر فكذلك لا موجب لصيرورة من تلف عنده المال ضامنا للبدل، لأنّ الدليل على الضمان منحصر في المقام في اليد، لانتفاء سائر موجباته، و قد عرفت أنّ اليد- قبل التلف- كانت بإباحة الشارع، و لا تنقلب الى يد عدوانية بمجرّد قصد الرجوع إلى العين الموجودة.

نعم إن أمكن جعل إرادة الرجوع من موجبات الضمان استند إليها لا إلى اليد.

لكن ليس رجوع من تلف عنده المال و لا إرادة رجوعه من موجبات الضمان، سواء أ كانا منضمّين إلى اليد أم لا. فالموجب لاشتغال العهدة بمال الغير هو الاستيلاء عليه بغير إذن من مالكه أو من الشارع، و المفروض في المقام كون يد كلّ واحد من المتعاطيين أمانية خارجة موضوعا عن حديث «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

و بهذا ظهر إشكال المصنف قدّس سرّه على صاحب المستند، حيث فصّل بين إرادة الرجوع و عدمها، كما أنّه حكم في آخر كلامه باشتغال ذمة من تلف عنده المال، و جواز رجوعه لاسترداد ماله، مستدلّا عليه بقاعدتي السلطنة و اليد.

و بعد بطلان هذا التوهم يظهر استقرار المعارضة بين استصحاب السلطنة و أصالة البراءة عن بدل التالف، و لا يبقى وجه لبقاء الإباحة بعد تلف إحدى العينين كما زعمه بعض المشايخ.

(1) خبر «و التمسك» و دفع للتوهم، و قد تقدم توضيح التوهّم و الدفع آنفا.

(2) لكونها مقرونة بإذن الشارع، فلا موجب للضمان.

ص: 201

يد ضمان [1]، بل و لا بعده إذا بنى (1) مالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة، و لم يرد الرّجوع. إنّما الكلام في الضمان إذا أراد الرجوع، و ليس (2) هذا من مقتضى اليد قطعا [2]، هذا.

______________________________

(1) يعني: و كذا لا تكون يد من تلف عنده المال مضمّنة إذا قصد استرداد عينه الموجودة عند الطرف الآخر. و الوجه فيه واضح، فإنّ اليد الأمانية لا تختلف حالها بين بقاء العين و تلفها.

و الإتيان ب «بل» الإضرابية لأجل كون عدم الضمان- عند بناء مالك العين الموجودة على إمضاء المعاطاة و إلزامها- أوضح وجها مما إذا كان قاصدا للرجوع إلى عينه الموجودة.

(2) يعني: و ليس الضمان- عند قصد الرجوع إلى العين الموجودة- مسبّبا عن اليد، لأنّها قبل التلف أمانية، و بعد التلف لا يد حتى يحكم بالضمان. و مجرّد إرادة الرجوع لا تؤثّر في انقلاب تلك اليد- قبل التلف- من الأمانية إلى العدوانية.

هذا تمام الكلام في المطلب الثاني و هو إشكال المصنف على بعض مشايخه.

______________________________

[1] لا يقال: إنّ نفي الضمان هنا ينافي قوله بعد أسطر: «مع أن ضمان التالف ببدله معلوم» كما ينافي فرض الشك في اشتغال الذمة بالبدل، حيث جعله مجرى أصالة البراءة. و من المعلوم أنّ نفي الضمان و العلم به و الشك فيه أمور متهافتة.

فإنّه يقال: إنّ المنفي هنا هو الضمان اليدي، و لا ينافيه اشتغال الذمة لموجب آخر كإقدام كل واحد من المتعاطيين على تسليط الآخر مضمونا بعوضه لا مجّانا، و من المعلوم أنّ نفي الضمان من جهة لا ينافي إثباته من جهة أخرى، فتأمّل.

[2] إلّا أن يقال: إنّ الضمان مقتضى اليد، لكن بشرط الرجوع، جمعا بين عموم «على اليد» و الإجماع على عدم جواز رجوع صاحب العين الموجودة إلى ماله بلا بدل.

ص: 202

و لكن (1) يمكن أن يقال: إنّ أصالة بقاء السلطنة حاكمة (2) [1] على أصالة عدم الضمان بالمثل أو القيمة.

______________________________

(1) استدراك على معارضة أصالتي السلطنة و البراءة. و هذا شروع في المطلب الثالث ممّا أفاده في الصورة الثانية و الثالثة بناء على الإباحة. فغرضه قدّس سرّه من قوله:

«و لكن يمكن أن يقال» تأييد ما استوجهه بعض المشايخ من بقاء الإباحة و ضمان صاحب العين الباقية- لبدل التالفة- بوجوه ثلاثة، سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا هو الوجه الأوّل، و محصله: منع المعارضة بين أصالة البراءة عن الضمان، و سلطنة مالك العين الموجودة على إرجاع ماله إلى نفسه، الموجبة لسقوط أصالة السلطنة المقتضية لجواز المعاطاة.

وجه عدم المعارضة هو حكومة أصالة بقاء السلطنة على أصالة البراءة عن الضمان، تقريبه: أنّ الشك في ضمان المثل و عدمه مسبّب عن الشك في بقاء سلطنة مالك العين الموجودة و عدم بقائها، و من المعلوم حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي، فلا تجري أصالة عدم الضمان مع جريان أصالة بقاء سلطنة مالك العين الموجودة حتى تتعارضا.

______________________________

[1] في الحكومة منع، لعدم التسبب شرعا، ضرورة أنّ الضمان ليس من آثار السلطنة شرعا حتى تكون قاعدة السلطنة مثبتة له، بل أثر السلطنة هو مجرّد جواز الرجوع إلى العين. و أمّا الضمان فليس أثرا شرعيا للسلطنة، بل هما متلازمان، و لا معنى لتقدم الأصل الجاري في أحد المتلازمين على أصل الآخر.

و قد يقرّب الحكومة بوجه آخر، و هو: أنّ الاستصحاب حاكم على البراءة، لكونه أصلا تنزيليّا دونها، فإذا جرى في طرف لا تجري البراءة في الطرف الآخر. و قد نسب ذلك إلى جمع من المحققين، فيجري استصحاب السلطنة، دون أصالة البراءة، هذا.

لكن فيه منع ظاهر، لأنّ حديث الحكومة إنّما هو فيما إذا اتّحد المجرى حتى

ص: 203

مع (1) أنّ ضمان التالف ببدله معلوم، إلّا أنّ الكلام في أنّ البدل هو البدل الحقيقي- أعني المثل أو القيمة- أو البدل الجعلي أعني العين الموجودة،

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني لعدم جريان أصالة البراءة عن الضمان، و سلامة أصالة السلطنة من المعارض. و حاصل هذا الوجه: أنّ العلم الإجمالي بالضمان- على أحد النحوين من الضمان الواقعي و الجعلي- يمنع عن جريان أصالة البراءة، فتبقى أصالة بقاء السلطنة بلا معارض.

______________________________

يكون إحراز الواقع بالأصل المحرز مغنيا عن إجراء الأصل غير المحرز فيه، كما إذا كان ماء مشكوك الطهارة و النجاسة مع العلم بطهارته سابقا، فإنّ الجاري فيه هو استصحاب الطهارة لا قاعدتها، لحكومة الأوّل عليها.

و أمّا إذا تعدّد المجرى كما إذا علم إجمالا بملاقاة نجاسة لماء أو بوليّة مائع آخر، فإنّه لا يقال بحكومة أصالة عدم وقوع النجاسة في الماء على قاعدة الطهارة في ذلك المائع، بل استصحاب عدم وقوع النجاسة يعارض قاعدة الطهارة، فيتساقطان، و يرجع إلى ما يقتضيه قاعدة تنجيز العلم الإجمالي من وجوب الاجتناب عن كليهما. ففي المقام يقع التعارض بين قاعدة السلطنة و بين أصالة البراءة عن الضمان.

كما ظهر بما ذكرنا: أنّه لا يلزم حمل أصالة البراءة على استصحاب عدم الضمان حتى تقع المعارضة بين الاستصحابين كما في حاشية المحقق الايرواني و غيره، بدعوى: «أنّ أصل البراءة بمعناها المعروف أصل حكمي محكوم بالاستصحاب، فلا يتوقّع من المصنف فرض المعارضة بينهما، فلا بدّ من حملها على استصحاب براءة الذمة» «1»، هذا.

وجه عدم اللزوم ما عرفت من أن حديث الحكومة منوط بوحدة المورد، فلا مجال له مع تعدّده كما في المقام، فلاحظ.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 87

ص: 204

فلا أصل (1) [1] هذا.

______________________________

(1) يعني: فلا أصل في المقام يعارض أصالة بقاء السلطنة، إذ مع العلم الإجمالي بالضمان المردّد بين المسمّى و الواقعي لا يجري أصل عدم الضمان. فأصالة البراءة منقطعة بالعلم بالضمان في الجملة، و الشك إنّما هو في تعيين البدل من الجعلي و الواقعي، و لا أصل يعيّن أحدهما.

______________________________

[1] عدم جريان أصالة البراءة عن ضمان البدل إمّا لقصور المقتضي و إمّا لوجود المانع.

و تقريب الأوّل: أنّ الأصل العملي متقوّم بالشك، فمع العلم بأصل الضمان لم يبق احتمال البراءة عنه حتى يتحقق موضوع أصل البراءة.

و تقريب الثاني: أنّ العلم الإجمالي بضمان المسمّى أو الواقعي موجود. و حيث إنّ كلّا من الخصوصيتين مشكوكة كان موضوع الأصل النافي للتكليف محقّقا، و تصل النوبة إلى معارضة أصالة البراءة عن ضمان البدل الواقعي بأصالة البراءة عن ضمان المسمّى، و بسقوطهما بالمعارضة يبقى استصحاب سلطنة المالك سليما عن معارضته بأصالة البراءة عن ضمان البدل.

و يمكن استظهار التقريب الأوّل من قوله: «مع ان ضمان التالف ببدله معلوم» يعني: فلا مقتضي لأصل البراءة.

و يمكن استفادة الثاني من قوله: «إلّا أن الكلام في أنّ البدل هو البدل الحقيقي أو البدل الجعلي ..» لظهوره في معارضة الأصل الجاري في كلّ من خصوصيتي المسمّى و الواقعي. و لعلّ هذا أوفق بمبنى المصنف في اقتضاء العلم الإجمالي للتنجيز و عدم علّيته له، و توقف منجزيته على تعارض الأصول في الأطراف، كما استفاده بعض المحققين من الرسائل.

ص: 205

مضافا إلى ما قد يقال (1) من: أن عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» يدلّ على السلطنة على المال الموجود بأخذه، و على المال التالف بأخذ بدله الحقيقي، و هو المثل أو القيمة، فتدبّر (2) [1].

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثالث للحكم ببقاء الإباحة إذا تلفت إحدى العينين، و محصّله: أنّه نتمسك بعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» الدال على سلطنة المالك على ماله، فإن كان موجودا فهو مسلّط على أخذه، و إن كان تالفا فهو مسلّط على بدله الحقيقي- من المثل أو القيمة- فيثبت به جواز الرجوع. و من المعلوم أنّه مع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى التمسّك بأصالة بقاء السلطنة حتى يناقش فيها بالمعارضة، و لا بأصالة براءة الذمة، هذا.

و قد أورد على المصنف قدّس سرّه بوجوه مذكورة في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه، فراجع «1».

و كيف كان فالمصنف عدل إلى ما استوجهه بعض مشايخه من عدم لزوم المعاطاة في صورة تلف إحدى العينين أو بعض إحداهما بناء على الإباحة.

(2) لعلّه إشارة إلى: أنّ شمول قاعدة السلطنة للمال التالف ممنوع، و لذا لم يستدلّ بها أحد على الضمان في الموارد التي تمسّك فيها على الضمان بقاعدتي اليد و الإتلاف.

هذا تمام الكلام في الملزم الأوّل و هو التلف، و قد ذكر له صورا ثلاثا، و لم يذكر الصورة الرابعة، و هي تلف بعض كلا العوضين، و يظهر حكمها من الصورة الثانية و الثالثة.

______________________________

[1] اعلم أنّ التلف الذي جعلوه ملزما للمعاطاة يتصوّر على وجوه، لأنّ التالف تارة يكون تمام العوضين كما هو مفروض المتن، و أخرى يكون بعضهما، و ثالثة يكون تمام أحدهما، و رابعة يكون بعض أحدهما، فالصور أربع. و على التقادير تارة يتكلم بناء على إفادة المعاطاة الإباحة، و أخرى بناء على إفادتها الملك.

أمّا الصورة الأولى:- و هي كون التالف تمام العوضين- مع إفادة المعاطاة للإباحة

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 207

ص: 206

______________________________

فملخص الكلام فيها هو: أنّه بناء على إفادة المعاطاة المقصود بها التمليك للإباحة أو الملك- على الخلاف- يكون التلف ملزما، لما عرفت من تسالمهم عليه.

أمّا على الأوّل فلعدم ما يوجب الضمان الذي هو سبب جواز الرجوع، و ذلك لأنّ موجب الضمان لا يتصور هنا إلّا اليد، و هي لا توجبه، لأنّ اليد هنا أمانيّة، لإذن الشارع في التصرفات، فلا تشملها قاعدة اليد تخصيصا أو تخصّصا، فكل واحد من المالين قد تلف من مال مالكه. و على فرض الشك في الضمان فمقتضى أصالة البراءة عدمه، هذا.

ثم إنّه قيل بكون لزوم المعاطاة عندهم بالتلف على القول بالإباحة راجعا إلى صيرورتها معاوضة بين العينين، و لمّا لم يكن التالف قابلا للمعاوضة عليه فلا بد من حمل كلامهم على إرادة المعاوضة قبل التلف آنا ما ليقع تلف كل واحد من المالين في ملك من انتقل إليه، لا من انتقل عنه هذا.

لكنه لا وجه للالتزام بذلك، فإنّ ظواهر كلماتهم هي لزوم الإباحة، لا صيرورة المعاطاة موجبة للملك اللازم بسبب التلف، و لا يقتضي الجمع بين الأدلة الالتزام بمملّكيتها بالتلف، إذ لا دليل إلّا أصالة بقاء المالين على ملك مالكيهما، و الإجماع على إباحة التصرف، و هما لا يقتضيان الملك آنا ما. و أمّا دليل اليد فلا يجري هنا، لكون اليد أمانيّة، فتدبّر.

و أمّا على الثاني- و هو كون المعاطاة المقصود بها التمليك مفيدة للملك- فلأنّ أصالة اللزوم المستفادة من عمومات اللزوم تقتضي اللزوم، إذ المخصص لبّي، و المتيقن منه هو الجواز المتعلّق بترادّ العينين المتوقف على بقائهما، فبتلفهما ينتفي موضوع الجواز. و قد قرر في محله أنّ المرجع عند الشك في المخصّص المجمل هو أصالة العموم فيما عدا المتيقن من الخاص، لكون الشك حينئذ في التخصيص الزائد.

و لا مجال لاستصحاب حكم الخاص بعد دلالة العام على اللزوم في كل زمان، و كون المتيقّن خروجه هو خصوص الزمان الأوّل.

ص: 207

______________________________

و بالجملة: مع وجود العموم لا تصل النوبة إلى الاستصحاب.

إنّما الكلام كله في كون الجواز بالمعنى الّذي ذكره المصنف قدّس سرّه من أنّه بمعنى التملّك بالأخذ لا بعنوان الفسخ، حيث إنّ الجواز بالمعنى المزبور قائم بالعينين دون العقد، مع أنّ اللزوم و الجواز قائمان بالعقد. فكما يكون اللزوم قائما بالعقد على ما هو ظاهر مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فكذلك الجواز الذي ينافيه، إذ الجواز- بمعنى الأخذ الموجب للتملّك- ينافي قاعدة سلطنة المالك على ماله، لا أصالة لزوم العقد، فلا وجه للتمسك لنفيه بأصالة اللزوم، هذا.

مضافا إلى: أنّ إرادة الجواز بمعنى التملك بالأخذ- لا بعنوان الفسخ- غير ظاهر، بل خلاف المقطوع به في كلماتهم، حيث إنّهم عبّروا بفسخ المعاوضة فلاحظ التحرير، إذ لا ينبغي الارتياب في أنّ مرادهم بالجواز ما يقابل اللزوم، و مرادهم بالرجوع الرجوع الاعتباري الإنشائي و هو الفسخ، لا الرجوع و التراد الخارجي، و لم يعرف القول بالجواز بالمعنى المذكور لأحد من أصحابنا لا فيما نحن فيه و لا في الهبة، و إنّما نسب ذلك إلى بعض الشافعية في الهبة. لكنه لا تنهض عليه أدلّته و إن احتمله في الجواهر.

و إن شكّ في معنى الجواز و أنّه في المقام بمعنى انحلال العقد بالفسخ أو بمعنى التملّك بالأخذ و الرجوع، فلا دليل على تعيّن أحدهما، لاستلزام حمله على كلّ من المعنيين تخصيص أحد العامّين أعني عموم قاعدة السلطنة، و قاعدة لزوم العقد. و مع العلم الإجمالي بتخصيص إحداهما يسقط العامّان معا عن الحجية، فالمرجع حينئذ أصالة عدم ترتب الأثر على كل من الفسخ و التملك بالأخذ إلّا إذا وقعا معا، إذ يعلم حينئذ بترتب الأثر، هذا.

لكن قد عرفت أنّه لا تصل النوبة إلى الشك، إذ المراد بالجواز الذي يكون مورد الإجماع هو المعنى الأوّل أعني به انحلال العقد بالفسخ، لأنّه المقابل لأصالة لزوم العقد

ص: 208

______________________________

دون التملّك بالأخذ الذي هو مقابل قاعدة سلطنة المالك على ماله، هذا.

ثم إنّ الظاهر كون الجواز في المعاطاة حكما لا حقّا، لأنّه مقتضى حصر الملزمات في التلف و غيره مما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، إذ لو كان إسقاط المتعاطيين أو أحدهما للجواز مسقطا و ملزما لعدّوه من الملزمات كما لا يخفى.

مضافا إلى: أنّ مقابلته للزوم العقد تقتضي كون الجواز حكما كاللزوم، ضرورة أنّه من أحكام العقود التي جعلها الشارع، فكأنّه قيل: «العقد لازم أو جائز» بعد ضمّ المخصّص إلى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هذا.

و أمّا الصورة الثانية:- و هي تلف إحدى العينين مع إفادة المعاطاة للملك- فقد تقدم حكمها في الصورة الاولى من أنّ مقتضى أصالة اللزوم هو لزوم المعاطاة بتلف إحدى العينين، لامتناع التّراد معه، و المفروض أنّ معقد الإجماع على الجواز هو إمكان التّراد، فمع امتناعه يتمسّك بعموم دليل اللزوم، هذا.

و أمّا مع إفادة المعاطاة للإباحة، فيمكن أن يقال بعدم اللزوم، لعدم كون المعاطاة المفيدة للإباحة عقدا حتى يشمله أَوْفُوا و يقال: إنّ الأصل في كل عقد هو اللزوم إلّا ما خرج و هو المعاطاة قبل تلف إحدى العينين دون ما بعده، للزومها حينئذ بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود. بل لا بدّ من التشبث بقاعدة سلطنة الناس على أموالهم، إذ المفروض مجرّد إباحة تصرّف كلّ من المتعاطيين في مال الآخر. و من المعلوم أنّ قضية إطلاق قاعدة السلطنة جواز رجوع مالك العين الموجودة إلى ماله بلا شرط، فقاعدة السلطنة توجب جواز المعاطاة و عدم لزومها بتلف إحدى العينين، فيجوز لصاحب العين الموجودة الرجوع إلى ماله بلا بدل للتالف، هذا.

لكن الإجماع المدّعى على التلازم بين جواز رجوع مالك العين الباقية و جواز رجوع مالك العين التالفة ببدلها يقيّد إطلاق السلطنة، فيجوز لمالك العين الباقية الرجوع إليها بشرط أداء بدل التالف كما لا يخفى.

ص: 209

______________________________

و تحرير البحث: أنّ الإباحة إذا كانت مالكيّة- بأن أباح كلّ منهما ماله لصاحبه، و تلفت إحدى العينين- أمكن إجراء قاعدة السلطنة، لجواز أخذ العين الموجودة لمالكها مع الضمان. أمّا جواز الرجوع فلأنّ المفروض بقاء العين الموجودة على ملك مالكها، و مقتضى سلطنة المالك على ماله جواز رجوعه إليه. و أمّا ضمان مالك العين الموجودة لبدل التالف فلأنّ مالكه لم يبح التصرف لصاحب العين الموجودة مجّانا بل بالعوض.

و أمّا كون الضمان بالعوض الجعلي و إن كان مغايرا للبدل الواقعي جنسا أو وصفا فلتراضيهما على ذلك كتراضي الدائن و المديون على الوفاء بغير الجنس.

و بالجملة: فلا بأس بالتمسك بقاعدة السلطنة في الإباحة المالكية.

و أمّا إذا كانت الإباحة شرعية كما إذا قصد المتعاطيان التمليك و لم يمضه الشارع لكن حكم بالإباحة، فإنّ الإباحة حينئذ شرعية لا مالكيّة، إذ المفروض عدم قصدهما للإباحة، و إنّما الحاكم بها هو الشارع، فيشكل التمسّك حينئذ بقاعدة السلطنة، لأنّ لازمها تغيير الحكم الشرعيّ، و هي لا تصلح لذلك، فإنّ الإباحة الشرعية ثبتت على خلاف سلطنة المالك، فلا ينهض دليل السلطنة على تغيير هذا الحكم الشرعي، بل هذه الإباحة ثبتت في موضوع عدم رضا المالك بالتصرف، لأنّه قصد الملك و لم يحصل، و المفروض عدم جواز التصرف في العقود الفاسدة.

فالمتحصل: عدم جواز التمسك بقاعدة السلطنة لرفع الإباحة الشرعية.

نعم لا بأس بالتشبث بها لإثبات جواز التصرف في العين بنقل و نحوه من التصرفات غير المنافية لبقاء الإباحة التعبدية ما دامت العين باقية، نظير بيع العين المستأجرة غير المنافي لبقاء حق المستأجر في المنفعة. و عليه فإذا شكّ في ارتفاع الإباحة الشرعية بتلف إحدى العينين أو برجوع المالك فيرجع إلى أصالة بقاء العقد، بل مقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ذلك. إلّا أن يخدش في صدق العقد العرفي على هذه المعاطاة المقصود بها التمليك المفيدة للإباحة شرعا، فيرجع حينئذ إلى استصحاب الإباحة الشرعية، و لازم ذلك بقاء حكم الشارع بالإباحة.

ص: 210

______________________________

هذا بناء على بقاء المعاطاة على الإباحة و عدم صيرورتها مملّكة بعد تلف إحدى العينين كما عليه جماعة منهم سيدنا الخويي قدّس سرّه.

و أمّا بناء على صيرورتها بعد التلف بيعا فلا إشكال في اللزوم، لعموم وجوب الوفاء بالعقود، هذا.

و أمّا الصورة الثالثة:- و هي تلف بعض إحدى العينين- فعن المحقق الثاني لزومها، قال في جامع المقاصد: «فيجوز التراد ما دام ممكنا، فمع تلف إحدى العينين يمتنع التراد، فيتحقق اللزوم، لأنّ إحداهما في مقابل الأخرى. و يكفي تلف بعض إحدى العينين، لامتناع الترادّ في الباقي، إذ هو موجب لتبعّض الصفقة، و للضرر، و لأنّ المطلوب هو كون إحداهما في مقابل الأخرى» «1».

و حكي مثله عن صيغ العقود و تعليق الإرشاد «2».

و في الروضة في شرح قول الشهيد قدّس سرّه: «و يجوز الرجوع فيها مع بقاء العين» ما نصّه: «و يفهم من جواز الرجوع مع بقاء العين عدمه مع ذهابها. و هو كذلك، و يصدق بتلف العينين و إحداهما و بعض كل واحدة منهما .. إلخ» «3».

و قطع بذلك بعض الأساطين رحمه اللّه في شرح القواعد.

و قد عرفت من عبارة جامع المقاصد المتقدمة أنّ مناط اللزوم هو امتناع التراد المتحقق بتلف كلتا العينين أو إحداهما أو بعضهما.

و قد جعل كاشف الغطاء في شرح القواعد الجواز مشروطا بإمكان الرّد، و بالخلوّ عن الضرر المنفي، و استند في ذلك إلى السيرة القطعية. قال رحمه اللّه: «إنّا نعلم من تتبع كلمات القوم و النظر إلى السيرة القاطعة أنّ الجواز مشروط بإمكان الرد، و بالخلوّ عن

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 58

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 157

(3) الروضة البهية، ج 3، ص 223

ص: 211

______________________________

الضرر المنفي بحديث الضرر، فلو تلف كل أو بعض منه أو من فوائده بتصرف العين أو منفعة أو ركوب أو سكنى أو حرث أو دخول في عمل و نحوها أو بيع أو إجارة أو زراعة أو مساقاة و نحوها على وجه لا يمكن فسخها شرعا أو بإتلاف أو تلف سماوي تعذّر الرّد و لم يتحقق مصداقه، و لو صدق في البعض امتنع أيضا. و مع حصول الضرر بالتبعيض و تغيير الصورة بطحن أو تفصيل أو خياطة أو صبغ و نحوها، أو دخل تحت الرد جاء به ثبوت الضرر غالبا بتبديل الأوصاف و اختلاف الرّغبات. نعم لو بقي الشي ء على حاله أو زاده حسنا بصيقل أو إخراج غبار أو إزالة وسخ و نحوها لم يكن فيه ذلك».

و أنت خبير بأنّ إناطة الجواز بالضرر لا تخلو من النظر، لأنّ الضرر يوجب الخيار، و لا يكون سببا للّزوم، و كذا تبعض الصفقة، فإنّه يقتضي الخيار دون اللزوم.

و كيف كان فعلى القول بإفادة المعاطاة للملك تجري أصالة اللزوم، لعين ما تقدم في تلف العينين و إحداهما من عدم إمكان التراد.

و على القول بالإباحة المالكية تجري قاعدة السلطنة المقتضية لبقاء الجواز إلى زمان تلف بعض إحدى العينين. و على القول بالإباحة الشرعية لا تجري قاعدة السلطنة، لما تقدم آنفا، بل يجري استصحاب الإباحة.

و أمّا الصورة الرابعة- و هي تلف بعض العينين- فحكمها بناء على الملك هو اللزوم و ارتفاع موضوع الجواز و هو إمكان ترادّ العينين. و بناء على الإباحة الشرعية كذلك أيضا، لعدم جريان قاعدة السلطنة فيها المقتضية للجواز، بل مقتضى استصحاب الإباحة هو لزومها.

و بناء على الإباحة المالكية هو الجواز، لقاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» المقتضية للجواز، فلا مانع من التراد بالنسبة إلى ما بقي من العينين.

و توهّم جريان قاعدة السلطنة في الإباحة الشرعية أيضا فاسد، لما مرّ آنفا من محكومية القاعدة بدليل الإباحة كما لا يخفى.

ص: 212

[الملزم الثاني: كون أحد العوضين دينا]

و لو كان (1) أحد العوضين دينا في ذمّة أحد المتعاطيين، فعلى القول بالملك

______________________________

الملزم الثاني: كون أحد العوضين دينا

(1) بعد أن فرغ المصنف قدّس سرّه من بيان صور أوّل ملزمات المعاطاة و هو التلف- بناء على كلّ من الملك و الإباحة- تعرّض لملزم آخر ملحق بتلف إحدى العينين، و هو كون أحد العوضين دينا في ذمة أحد المتعاطيين.

و قبل توضيحه نقول: لا ريب- بمقتضى الإجماع- في صحة بيع الدين ممّن هو عليه حتى بناء على إناطة البيع بتمليك كل واحد منهما ماله للآخر على ما صرّح به المصنف في أوّل البيع بقوله: «لأن البيع تمليك الغير» يعني أنّه تمليك من الطرفين كما أوضحناه هناك، مثلا لو كان زيد مديونا لعمرو منّا من الحنطة، صحّ بيعها من زيد بدينار، فيتملّك عمرو الدينار، و يتملك زيد تلك الحنطة الذمية الكلية آنا ما، و يترتب على هذا التملّك فراغ ذمّته عن ذلك الدّين، و قد عبّر المصنف عنه هناك بقوله: «لا مانع من كونه تمليكا فيسقط».

أمّا أنّه يتملك المديون لما في ذمة نفسه آنا ما فلأجل رعاية ماهية البيع المنوطة بحصول المبادلة في الملكية. و أمّا أنّه يسقط الدين عن ذمة المديون بمجرّد البيع، فلأنّ الملكية الاعتبارية تدور مدار مصحّح الاعتبار عرفا، و من المعلوم أنّ العرف لا يعتبر تملّك الإنسان لما في عهدته إلى الأبد، فالجمع بين الأمرين المتقدمين يقتضي الالتزام بكفاية التملك حدوثا، و سقوطه بقاء، هذا ما أفاده هناك.

و عليه نقول في توضيح المتن: أنّه إذا كان زيد مديونا لعمرو دينارا، ثم اشترى عمرو منه كتابا بذلك الدينار الذي يستحقّه في ذمة زيد، انتقل الدينار إلى ملك زيد آنا ما، و يترتب عليه فراغ ذمته عمّا اشتغلت به لعمرو. و تصير المعاطاة لازمة من أوّل تحققها، لعدم بقاء العوضين على حالهما كما كانا حتى يتحقق التّرادّ الذي هو موضوع الجواز، لأنّ الدينار الكلّي قد سقط عن ذمة زيد، و السقوط و إن لم يكن تلفا

ص: 213

يملكه من في ذمّته، فيسقط عنه (1).

______________________________

حقيقة، لاختصاص التلف بالموجود الخارجي الذي يعرضه البوار و الفناء، إلّا أنّه بحكم التلف، من جهة امتناع عود الساقط إلى الملك، و ذلك لأمرين مسلّمين:

أحدهما: أنّ الذمة لا وجود لها بنفسها، بل تتشخّص بأطرافها من المالك و المملوك و المملوك عليه، فيقال: إنّ ذمّة زيد مشغولة بمنّ من الحنطة لعمرو، و لو لا فرض المالك و المملوك لا وجود في وعاء الاعتبار لذمة زيد. و عليه فإذا سقط شخص ما في الذمة- كما هو المفروض في بيع الدين ممن هو عليه- استحال عود شخص الساقط، لاستلزام عوده تخلّل العدم في شخص واحد، و هو محال، كاستحالة إعادة المعدوم.

ثانيهما: أنّه إذا سقط شخص ما في الذمة استحال فرض بقاء ما في الذمة اعتبارا حتى يمكن اشتغال العهدة بمثل ذلك الساقط. وجه الاستحالة: أنّ الإنسان كما لا يملك شخص ما في ذمته- كما هو مبنى المصنف من السقوط بمجرد التملّك- فكذلك لا يملك مثل ما في ذمته، فلو قلنا بعود الساقط و بقاء ما في الذمة لزم اجتماع اعتبارين متنافيين، أحدهما: اعتبار سقوط ما في الذمة، و الآخر: اعتبار بقاء ما في الذمة أي عدم السقوط، و من المعلوم استحالة اجتماع هذين الاعتبارين، هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه تعليلا لاستحالة عود الساقط بتوضيح منّا «1».

و عليه نقول: بأنّه لا وجه للرجوع إلى العوض الموجود و هو الكتاب، و دفع بدله إلى عمرو. بل المعاطاة لازمة من أوّل الأمر، إذ لو جاز لزم عود الدينار الساقط عن ذمة زيد إلى ذمّته مرّة أخرى، و قد عرفت استحالته.

(1) هذا الضمير و ضمير «ذمته» راجعان إلى «من» الموصولة المراد به المديون.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 55

ص: 214

و الظاهر أنّه في حكم التلف (1)، لأنّ (2) الساقط لا يعود [1]. و يحتمل (3) العود، و هو ضعيف (4).

______________________________

(1) يعني: فتكون المعاطاة لازمة حينئذ من أوّل الأمر، لأنّ التلف- و ما بحكمه- كما يكون ملزما للمعاطاة بقاء كذلك يكون ملزما لها حدوثا.

(2) يعني: بعد أن كان سقوط ما في الذمة بمنزلة التلف فلا وجه لجواز الرجوع، لأنّ أحد العوضين قد صار بمنزلة التلف الذي لا يعود، فلا وجه للرجوع الذي موضوعه تراد العينين المفقود هنا بعد كون سقوط ما في الذمة بمنزلة التلف.

(3) لعل منشأ احتماله- كما قيل- هو عدم كونه من إعادة المعدوم حتى يستحيل العود، و ذلك لأنّ الذمة أمر باق، و لذا ينسب إليها الفراغ و الخلوّ و الاشتغال.

و طبيعيّ المنّ من الحنطة مثلا كغيرها من الطبائع لا تلف لها و لا سقوط إلّا بالإضافة إلى دخولها في الذمة و خروجها عنها، فدخولها فيها و خروجها عنها لا يغيّر الذمة و لا فيما فيها، فلا يندرج ما في الذمة تحت عنوان إعادة المعدوم حتى يستحيل العود، هذا.

(4) وجه الضعف هو: أنّ المقام مندرج في إعادة المعدوم، و ذلك لأنّه لا معنى للذّمة المطلقة، حيث إنّها ليست من الظروف و الأوعية، بل هي نحو ثبوت الشي ء اعتبارا، فالذمة تتشخّص بأطرافها، و هي من له و من عليه و ما فيها، فعودها يكون من إعادة المعدوم. و مع الشك يستصحب عدم العود، لأنّه قبل الرجوع كان ملكا لمن انتقل إليه، و الأصل عدم عوده بالرجوع.

______________________________

[1] هذا التعليل عليل، لأنّ الموجب لذهاب الحق هو تلف موضوعه المفروض تحققه بسقوط ما في الذمة، فلا معنى لجواز الرجوع بعد ارتفاع موضوعه و إن فرض عوده، لأنّ سقوط الحق قد حصل بذهاب الموضوع، و المعاد وجود آخر غير الوجود الذي كان موضوعا للحق، فجواز الرجوع حينئذ حق جديد لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه، إذ الوجود الثاني غير مورد المعاطاة المتحققة سابقا.

ص: 215

______________________________

لا يقال: إنّ الخيار بعد تلف إحدى العينين في العقد الذي ثبت فيه الخيار باق على حاله، فليكن الأمر في المقام كذلك.

فإنّه يقال: إنّ الخيار يتعلق بالعقد الذي هو باق بعد تلف العينين فضلا عن تلف إحداهما. بخلاف الجواز في المعاطاة، فإنّ متعلّقه و إن كان هو العقد أيضا، إلّا أنّه مقيّد بإمكان تراد العينين الذي هو مفقود هنا، لما عرفت آنفا من أنّ السقوط بمنزلة التلف.

هذا بناء على السقوط كما أفاده المصنف قدّس سرّه. و أمّا بناء على عدم السقوط و كون انتقال ما في الذمة إلى نفس من عليه المال موجبا لتبدل الملكية الاعتبارية بالتكوينية كما التزم به سيدنا الخويي قدّس سرّه «1» فالجواز باق على حاله و إن قلنا بكون متعلّق الجواز تراد العينين، لوضوح بقاء ما في الذمة على حاله و تبدّل ملكيّاته الاعتبارية بالذاتية التكوينية.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع للجواز هو الملكية الاعتبارية المفروض زوالها، و قيام الملكية الذاتية مقامها، فيكون ما في الذمة كالتالف في لزوم المعاطاة و إن لم يكن من التالف حقيقة، فعدم جواز الرجوع مستند إلى تبدل الموضوع، لأنّ الموجود التكويني غير الاعتباري، و من المعلوم أنّ موضوع الجواز هو الثاني الزائل قطعا، دون الأوّل الموجود فعلا.

لكن أصل تصوير تبدّل الملكية الاعتبارية في بيع الدين بالذاتية لا يخلو من خفاء، لاستحالة انقلاب المنشأ الاعتباري إلى التكويني، و أمّا الملكية الذاتية فهي غير قابلة للإنشاء، و ليست مورد البحث في باب البيع الذي هو تبديل ملكية اعتبارية بمثلها، و قد سبق الإشارة إلى هذا البحث في الجزء الأوّل من هذا الشرح، فراجع «2».

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 207

(2) هدى الطالب، ج 1، ص 106 و 107

ص: 216

و الظاهر أنّ الحكم كذلك (1) على القول بالإباحة، فافهم (2).

[الملزم الثالث: نقل العينين أو إحداهما بعقد لازم أو جائز]

و لو نقل (3) العينين [و لو نقلت العينان] أو إحداهما

______________________________

(1) أي: كون السقوط في حكم التلف في صيرورة المعاطاة لازمة بناء على الإباحة، فإنّ ظاهره لزوم المعاطاة على القول بالإباحة. لكنّه ليس كذلك، لأنّ إفادة الإباحة للسقوط لا توجب صيرورة السقوط أعظم من التلف الحقيقي. مع أنّه لا لزوم عنده قدّس سرّه على القول بالإباحة في صورة التلف الحقيقي، لكون أصالة السلطنة جارية في طرف العين الباقية، و الرجوع بالبدل الواقعي في طرف العين التالفة، فكيف بما هو في حكم التلف؟

بل غرضه أنّه لا معنى لإباحة الدين إلّا سقوطه، إذ مرجع الإباحة إلى الإبراء و الإسقاط، نظير قوله: «أنت في حلّ ممّا لي عليك» فتأمّل.

(2) لعلّه إشارة إلى عدم صحة إباحة الدّين، إذ لا ينتفع به إلّا ببيعه أو جعله ثمنا و عوضا في المعاوضات، أو احتسابه زكاة و نحوها. و هذه التصرفات يشكل صحة إباحتها مع عدم دليل خاص على صحّتها كما في المقام، فجريان المعاطاة في الدّين على القول بالإباحة ممنوع، فلا مسرح للبحث عن لزوم المعاطاة و جوازها في الدّين على القول بالإباحة.

الملزم الثالث: نقل العينين أو إحداهما بعقد لازم أو جائز

(3) هذا شروع في بيان ثالث ملزمات المعاطاة، و هو التصرف الاعتباري في كلا العوضين أو في أحدهما. و قد بسط المصنف قدّس سرّه الكلام هنا بذكر شقوق عديدة و صور مختلفة ربما تنتهي إلى ثمانية كما سيأتي التنبيه على كلّ منها بتبع المتن إن شاء اللّه تعالى.

الصورة الأولى: أن ينتقل كلا العوضين عن المتعاطيين- أو ينتقل أحد

ص: 217

..........

______________________________

العوضين عن أحدهما- بعقد لازم كالبيع و الصلح من دون أن يتعقبه خيار، أو يتعقّبه لكن لم يفسخ ذو الخيار. كما إذا تعاطى زيد و عمرو كتابا بدينار، فاشترى زيد بالدينار شيئا من بكر، و باع عمرو كتابه من خالد بإنشاء قولي حتى ينعقد لازما، فيقع الكلام في أنّ هذا النقل اللازم ملزم لتلك المعاطاة بين زيد و عمرو أم لا؟ مع النظر إلى كلّ من القول بالملك المتزلزل و الإباحة التعبدية.

و ينبغي تقديم أمرين قبل توضيح كلام المصنف قدّس سرّه.

الأوّل: أنّ جواز التراد في المعاطاة حكم كجواز الرجوع في العين الموهوبة، و ليس حقّا في العوضين حتى يمنع عن نقلهما إلى الغير، و لا حقّا في حلّ العقد الواقع عليهما حتى يمنع عن لزومه. و عليه لا مانع شرعا من نقل العينين إلى غيرهما بالنواقل الشرعية.

الثاني: أنّ المراد بالنقل اللازم هنا هو اللزوم مطلقا حتى من جهة الخيار، و القرينة على إرادة هذا المعنى هو جعل العقد الجائز- الشامل للجواز الحكمي و الحقّي- عنوانا مستقلا كما سيأتي في المتن إن شاء اللّه تعالى. و عليه فالعقد اللازم هنا كالبيع بالصيغة مع إسقاط خيار المجلس فيه حتى ينعقد لازما، و الهبة إلى ذي رحم مع القبض، و نحوهما.

و لا ينافي كون النقل لازما ثبوت جواز فسخه بعده، كما هو الحال في الصورة الثانية. وجه عدم المنافاة: أنّ البيع اللازم يمكن فسخه بأمور:

منها: حدوث حقّ الخيار بعده، كما إذا ظهر الغبن بعد المعاملة بزمان، و قلنا بأنّه موجب لتزلزلها من حين ظهوره، لا من حين العقد.

و منها: الإقالة، فإنّها توجب فسخ المعاملة اللازمة.

و منها: غير ذلك.

ص: 218

..........

______________________________

إذا اتضح هذان الأمران قلنا في بيان الصورة الأولى: إنّ نقل العينين أو إحداهما بعقد لازم موجب للزوم المعاطاة، لامتناع التراد سواء قلنا بالملك أم بالإباحة.

أمّا على الأوّل فلأنّ العينين و إن كانتا باقيتين بحالهما و لم تتلفا حتى تلزم المعاطاة من جهة التلف، إلّا أنّ متعلّق جواز التراد هو العينان بوصف كونهما مملوكتين للمتعاطيين، و لم يتعلّق بهما مطلقا حتى إذا خرجتا عن ملكهما، فيكون تلف وصف العين- و هو المملوكية- كتلف نفسها. و على هذا فلكلا المتعاطيين السلطنة على إخراج المأخوذ بالمعاطاة عن ملكهما. و لا يمنع حكم الشارع بجواز التّراد عن هذه السلطنة، لما تقدم من أنّ موضوع جواز التّراد هو العينان، و ليس من شأن الحكم حفظ موضوعه. فمقتضى إطلاق «الناس مسلّطون على أموالهم» سلطنة المتعاطيين على نقل العوضين إلى غيرهما.

و أمّا على الثاني- و هو الإباحة- فكذلك يجوز نقل المالين، بناء على حكم الشارع بإباحة جميع التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة، سواء أ كان التصرّف منوطا بالملك كالبيع و الوقف و الإيصاء، أم غير منوط به كلبس الثوب و استخدام المملوك.

و عليه يصح النقل اللازم، لدخول كلّ من العينين في ملك المباح له آنا ما قبل ذلك التصرف الناقل، فتخرج العين عن ملك الآخذ، لا عن ملك الدافع- أي المبيح- و بالخروج عن الملك ينتفي موضوع جواز التراد، لعدم بقائهما على ملكهما حتى يتسلّطا على الرجوع.

نعم بناء على اختصاص إباحة التصرف بما لا يتوقف على الملك يبقى جواز التّراد بحاله، لعدم مشروعية التصرف الناقل للملك حتى ينتفي موضوع جواز الرجوع.

هذا توضيح الصورة الاولى، و هي نقل إحدى العينين أو كلتيهما بالنقل اللّازم.

ص: 219

بعقد لازم (1) فهو كالتلف (2) على القول بالملك، لامتناع التراد.

و كذا على القول بالإباحة إذا قلنا بإباحة التصرفات الناقلة (3).

و لو عادت (4)

______________________________

(1) قد عرفت أنّ المراد به اللزوم مطلقا حتى من جهة الخيار.

(2) كما حكي التصريح به عن كثير، بل ربما استظهر من بعضهم الإجماع عليه.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «لو نقل أحدهما العين عن ملكه، فإن كان لازما كالبيع و الهبة بعد القبض، و الوقف و العتق فكالتالف» «1». و كأنّه من المسلّمات.

(3) و أمّا إذا قلنا بما حكي عن حواشي الشهيد قدّس سرّه على القواعد من اختصاص الإباحة بما لا يتوقف على الملك- بشهادة منعه من إخراج المأخوذ بالمعاطاة في مثل الهدي- كان جواز التّراد باقيا بحاله، و تتوقف لزوم الإباحة على طروء ملزم آخر كالتلف، لأنّ النقل اللازم وقع على مال المبيح، فله استرداد ماله، لكون تصرف المباح له بالنقل اللازم تصرّفا في مال الغير، فيندرج في الفضولي.

(4) هذا إشارة إلى الصورة الثانية- من صور نقل المأخوذ بالمعاطاة بالناقل اللازم- كما إذا باع عمرو الكتاب من بكر، ثم ظهر غبن أو عيب فيه، ففسخ المشتري، و عادت العين إلى عمرو. و قد تعرض المصنف قدّس سرّه لحكم هذه الصورة، بناء على كلّ من الملك و الإباحة. فبناء على الملك احتمل أوّلا بقاء جواز التراد، للاستصحاب. و احتمل ثانيا انقطاع الجواز بتخلّل ذلك العقد اللازم، ثم قوّى هذا الوجه.

و بناء على الإباحة رجّح لزوم المعاطاة، ثم ذكر وجهين لبقاء جواز التراد ثم ضعّفهما. هذا إجمال ما أفاده في هذه الصورة، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 150

ص: 220

العين بفسخ (1) [1] ففي جواز التّراد على القول بالملك،

______________________________

(1) يعني: كان العقد لازما، ثم حدث حقّ الخيار- كما في ظهور الغبن- ففسخ المغبون، أو فسخاه بالإقالة. و كلاهما يوجب سقوط ذلك العقد اللّازم، فتعود العين إلى ملك المتعاطي كما كانت قبل الناقل اللازم، فكأنّ الملكية الحاصلة بالمعاطاة باقية لم يطرأ عليها ما يزيلها.

ثم إنّ في تعقيب عود الملك بالفسخ احتمالين:

أحدهما: أن يكون من باب المثال، و أنّه لا خصوصية في سببية الفسخ لعود الملك، بل تمام المناط هو عود العين إلى ملك المتعاطي، فلو عادت بسبب آخر كأن ورثها المتعاطي أو اتّهبها أو أخذها مقاصّة كان كعودها بالفسخ، قال الفقيه

______________________________

[1] قد يقال بالفرق بين الفسخ و بين غيره- من العقد المستقل و نحوه من موجبات الملك- بما حاصله: أنّ الفسخ اعتبار عود الملك السابق إليه، و لذا اشتهر أنّه ليس معاملة جديدة، حيث إنّ الفسخ اعتبار حلّ العقد الموجب لرجوع الملك السابق إلى المالك الأصلي. بخلاف العقد المستقل و الإرث و نحوهما، فإنّها سبب مستقل لملك جديد، و ليس عين الملكية السابقة الحاصلة بالمعاطاة حتى يجوز التّراد، حيث إنّ جوازه مختص بالملكية الحاصلة بالمعاطاة، هذا.

لكن الحق وفاقا للمحقق الخراساني «1» عدم الفرق بين الفسخ و غيره، لأنّ موضوع الجواز- و هو الملكية المتحققة بالمعاطاة- قد انتفى بخروج العينين عن ملك المتعاطيين، و دخولهما في ملكهما بالفسخ ملك حادث و إن كان في اعتبار العرف حلّ العقد السابق، لكنه ليس عين إضافة الملكية الشخصية الحاصلة بالمعاطاة حقيقة، بل يكون عينها اعتبارا. و قد عرفت أنّ تلف العين الموجب للزوم المعاطاة أعم من تلف ذاتها و وصفها و هو ملكية العينين للمتعاطيين، و المفروض انتفاء هذا الوصف بانتقال إضافة الملكية إلى غيرهما، و الملكية الحادثة ليست شخص الملكية المتحققة بالمعاطاة.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 25

ص: 221

لإمكانه (1)، فيستصحب (2) [1]،

______________________________

المامقاني قدّس سرّه: «ذكر الفسخ من باب المثال، لأنّ عودها بالإرث أو بعقد جديد كالفسخ» «1».

ثانيهما: أن يكون ذكر الفسخ من جهة تقييد العود به، و الاحتراز عن عودها بموجبات أخرى من الإرث و نحوه.

و الاحتمال الأوّل أقرب إلى مراد المصنف قدّس سرّه، لارتفاع جواز التراد بالنّقل اللّازم سواء عادت العين إلى المتعاطي بفسخ ذلك النقل اللازم أم بسائر أسباب العود إليه، فتملّك المتعاطي للعين مرّة أخرى أجنبي عن تملكه بالمعاطاة التي حكمها جواز التّراد.

(1) لأنّ تراد العينين خارجا- بعد عود ملكيّتهما إلى المتعاطيين- ممكن، فتصير المعاطاة جائزة.

(2) أي: يستصحب الجواز، توضيحه: أن جواز التّراد كان ثابتا قبل النقل، فبعد العود يشكّ في بقاء ذلك الجواز، فيستصحب. و منشأ الشك هو النقل المتخلّل بين المعاطاة و بين الفسخ، فإنّه يشك في كون هذا النقل رافعا للجواز الثابت للمعاطاة.

و بعبارة أخرى: ثبت بالإجماع جواز التراد في المعاطاة، و قد حصل مانع عنه و هو انتقال العين إلى غيره، فإذا زال المانع و عاد المال إلى المتعاطي يشكّ في ارتفاع الجواز، للشك في رافعية الموجود أي النقل اللازم، فيستصحب.

______________________________

[1] هذا استصحاب تعليقي، بتقريب: أنّه كان الجواز ثابتا على تقدير الرجوع قبل النقل و الفسخ، و الآن كما كان. و هذا الاستصحاب التعليقي معارض بالتنجيزي، و هو عدم جواز التراد قبل الفسخ، إذ المفروض عدم بقاء العينين على صفة الملكية للمتعاطيين. و دعوى حكومة التعليقي على التنجيزي غير ظاهرة كما قرّر في محله، هذا.

و قد يوجّه هذا الاستصحاب «بأنّ موضوع جواز التراد ما يملكه المتعاطيان،

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 209

ص: 222

______________________________

و هذا الموضوع محفوظ قبل النقل و بعد الفسخ، و إنّما الشك في أنّ تخلل النقل رافع للحكم عن موضوعه عند ثبوته، فلا ينافي ثبوت الحكم لموضوعه- عند ثبوته- عدمه عند عدمه كما في حال النقل و عدم العود، كما إذا أمر بإكرام زيد القائم، و شكّ في أنّ تخلل القعود يرفع الحكم عن موضوعه عند ثبوته. و لا مجال لاستصحاب عدم الجواز الثابت حال النقل، لأنّ الشك في بقائه مسبب عن الشك في رافعية النقل المتخلل، لجواز التراد عن موضوعه عند ثبوته، فاستصحاب بقاء الحكم في ظرف ثبوت موضوعه مقدّم على استصحاب عدم الجواز حال النقل، فتدبّر جيدا» «1».

و أنت خبير بما فيه من: أنّ موضوع جواز التراد هو ما يملكه المتعاطيان ملكيّة مستمرة غير منقطعة بنقل إلى غيرهما، على ما هو قضيّة القدر المتيقن من الإجماع على جواز المعاطاة المقتصر عليه في تخصيص عمومات اللزوم، فليس موضوع التّراد مطلق ما يملكه المتعاطيان حتى يكون محفوظا قبل النقل و بعد الفسخ. فبعد ارتفاع استمرار الملكيّة بالنقل إلى الغير لا مجال للاستصحاب، للشك في بقاء الموضوع.

و منه يظهر عدم الوجه في حكومة استصحاب جواز التراد على استصحاب عدم جوازه، و ذلك لعدم جريان استصحاب الجواز، للشّكّ في بقاء موضوعه، فيبقى استصحاب عدم الجواز بلا مانع كما في حاشية السيّد «2» قدّس سرّه.

بل لا مجال لاستصحاب عدم الجواز أيضا، لكون المقام من التمسك بالعام، لا استصحاب حكم الخاص.

و كذا الحال في المثال المزبور، فإنّه لو لم يحرز كون القيام موضوعا كما هو ظاهر كلّ عنوان يؤخذ في حيّز الخطابات كان الشك في بقاء وجوب الإكرام عند ارتفاع القيام من الشك في بقاء الموضوع.

فالمتحصل: أنه بعد انتقال المالين إلى غير المتعاطيين و تحقّق الفسخ و عودهما إلى المتعاطيين لا وجه لجواز التراد.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 57.

(2) حاشية المكاسب، ص 82

ص: 223

و عدمه (1)، لأنّ (2) المتيقّن من التّراد هو المحقّق قبل خروج العين عن ملك مالكه، وجهان (3) أجودهما ذلك (4)، إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم جواز التّراد بقول مطلق (5)، بل المتيقن منه (6) غير ذلك،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «جواز» و هذا هو الاحتمال الثاني بناء على الملك.

(2) هذا تعليل عدم جواز التراد، و حاصله: عدم جريان الاستصحاب هنا لعدم إحراز الموضوع، و يتعيّن الرجوع إلى عموم أصالة اللزوم.

و بيانه: أنّ المتيقّن من التّراد هو الثابت قبل خروج العين عن ملك مالكه، لما تقدم من أنّ دليل جواز التراد- و هو الإجماع- لبّي، فلا بد من الأخذ بالمتيقن منه و هو بقاء العينين بوصف مملوكيتهما للمتعاطيين، و في غير هذه الصورة يتمسك بأصالة اللزوم.

(3) من استصحاب جواز التراد، و من التمسك بأصالة اللزوم، لعدم إحراز موضوع الاستصحاب.

(4) أي: عدم الإمكان، توضيح وجه الأجودية ما أفاده في المتن من كون موضوع جواز التراد غير محرز، إذ المتيقن من الإجماع على جواز المعاطاة هو صورة عدم انقطاع استمرار ملك المتعاطيين بالنقل إلى غيرهما، و ذلك لأنّ الثابت من التّراد هو استرجاع العين بإزالة ما أحدثاه من الملك، لا بإزالة كلّ ملك حصل للمتعاطي الآخر في تلك العين، إذ ليس التسلط إلّا على فعله و هو تمليكه لا تمليك غيره، فليس إمكان التّراد بقول مطلق- و لو مع الانتقال إلى الغير- موضوعا للجواز. فإذا كان الموضوع بحسب القدر المتيقن خصوص استمرار ملكية المتعاطيين فلا مجال لاستصحاب الجواز بعد النقل و الفسخ، لعدم إحراز الموضوع بنحو يمكن إبقاء حكمه.

(5) يعني: حتى مع انقطاع استمرار ملكيّة المتعاطيين.

(6) يعني: بل المتيقن من الثابت- في مقابل عموم أصالة اللزوم- هو غير جواز التراد بقول مطلق، و هذا الغير هو جواز ترادّ العينين بوصف بقائهما على ملك

ص: 224

فالموضوع غير محرز (1) في الاستصحاب.

و كذا (2) على القول بالإباحة، لأنّ التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرّف (3)، فيرجع بالفسخ إلى ملك الثاني (4)، فلا دليل على زواله (5).

بل الحكم (6) هنا أولى منه على القول بالملك، لعدم تحقق جواز التّراد في السابق هنا حتى يستصحب.

______________________________

المتعاطيين، و عدم تخلّل خروجهما عن ملكهما.

(1) لاحتمال كونه استمرار ملكية المتعاطيين، و كونه أعمّ منه و من انقطاعها بالنقل إلى غيرهما، فلا مجال للاستصحاب.

(2) يعني: أنّ الحكم باللزوم و عدم جواز التّراد كان على القول بالملك، و هذا الحكم أيضا جار على القول بالإباحة، لأنّ تصرف المباح له في المال الذي أبيح له- بالنقل إلى غيره- يكشف عن سبق الملك له آنا ما على التصرف، إذ لو لم يكن مالكا لم يجز له التصرف الناقل، فإذا فسخ المباح له رجع الملك إليه لا إلى المبيح، لأنّ المال يرجع بالفسخ الى الناقل و هو المباح له، دون غيره و هو المبيح.

(3) فلا مجال حينئذ لاستصحاب سلطنة المالك الأوّل على ماله، للقطع بزوالها بانتقال المال الى المباح له آنا ما. و دعوى كون زوال سلطنة المالك الأوّل مراعى بعدم فسخ النقل الى الثالث غير مسموعة، لعدم بيّنة عليها.

(4) و هو المباح له، لأنّه الثاني بالإضافة إلى المبيح.

(5) أي: على زوال ملك الثاني.

(6) أي: الحكم بعدم جواز التراد على القول بالإباحة أولى من هذا الحكم على القول بالملك. وجه الأولوية ما أفاده بقوله: «لعدم تحقق .. إلخ» و حاصله: ثبوت جواز التّراد بناء على الملك، فبعد العود بالفسخ يستصحب ذلك الجواز. بخلاف القول بالإباحة، فإنّ جواز التراد غير ثابت فيه حتى يستصحب بعد العود إلى المباح له بالفسخ.

ص: 225

بل المحقّق أصالة بقاء سلطنة المالك الأوّل (1) المقطوع بانتفائها (2).

نعم (3) لو قلنا

______________________________

توضيحه: أنّ التراد الملكي عبارة عن سلطنة المالك الأوّل على إخراج ما كان ملكا له عن حيطة ملكيّة المالك الثاني الذي صار مالكا له بالمعاطاة، فبعد فسخ التصرف الناقل يعود ملكا لمن تملّكه بالمعاطاة. فيتحقق حينئذ أركان الاستصحاب من اليقين بتحقق سلطنة المالك الأوّل على إزالة ملك المالك الثاني و هو المباح له، و من الشك في ارتفاعها بالتصرف الناقل، لاحتمال دخل عدم هذا التصرف في بقاء تلك السلطنة، مع الغضّ عن إشكال الشّك في الموضوع المردّد بين كونه مطلق إمكان التراد أو خصوص التراد غير الملحق بالتصرف الناقل.

و هذا بخلافه على القول بالإباحة، لأنّ منشأ جواز التّراد الثابت قبل التصرف الناقل هو السلطنة الأوّليّة الثابتة للمالك في ماله قبل المعاطاة. فالمراد بالتّراد حينئذ هو استرجاع المالك ماله من المباح له، لا السلطنة الجديدة الحادثة بعد ارتفاع السلطنة الأوّليّة بارتفاع موضوعها و هو كونه مالا للمالك الأوّل بالتصرف الناقل، لصيرورته ملكا آنا ما للمباح له قبل التصرّف الناقل فيه.

فمراد المصنف قدّس سرّه بقوله: «لعدم تحقق جواز التراد في السابق هنا» هو التّراد الملكي الذي قد عرفته. و من المعلوم فقدان الترادّ بهذا المعنى في المعاطاة على القول بالإباحة، إذ المفروض بقاء كلّ من المالين على ملك صاحبه، و التّراد على القول بالإباحة هو الرجوع عن إباحة التصرفات لا إعادة الملكية.

(1) أي: المالك المبيح، و المالك الثاني هو المباح له الذي صار مالكا آنا ما قبل النقل اللازم.

(2) حيث إنّ سلطنته ارتفعت بالنقل الرافع لملكية المالك الأوّل.

(3) استدراك على ما أفاده بقوله: «و كذا على القول بالإباحة» من انتفاء جواز التّراد في مفروض الكلام، و هو انتقال العين بالعقد اللازم، ثم عودها إلى المباح له

ص: 226

..........

______________________________

بالفسخ. و غرضه تصحيح جواز رجوع المالك المبيح بوجهين. و قوله: «لو قلنا بأن الكاشف» هو الوجه الأوّل، و لتوضيحه ينبغي تقديم أمرين:

الأوّل: أن «الكاشف» يطلق تارة و يراد به كون شي ء طريقا محضا إلى شي ء آخر، من دون أن يكون مؤثّرا في وجود الآخر واقعا، فيمكن بقاء المنكشف إذا ارتفع الكاشف، كما هو الحال في الأمارة بناء على حجيتها بنحو الطريقية، و لهذا يحسن الاحتياط رعاية لهذا الاحتمال.

و الحاصل: أن ارتفاع الكاشف لا يستلزم ارتفاع المنكشف.

و يطلق تارة أخرى و يراد به كون شي ء علّة لشي ء آخر ثبوتا، فالعلّة كاشفة لمّا عن معلولها، و ليست هذه الكاشفية في مقام الدلالة و الإثبات فقط، بل السبب علّة لوجود مسبّبه، هذا.

الأمر الثاني: أنّ فسخ العقد الخياري يكون تارة بإنشاء الفسخ قولا بمثل «فسخت» و لا كلام فيه. و أخرى بالتصرف المنوط بالملك فيما انتقل عنه، كما إذا باع زيد كتابا من عمرو بدينار، و شرط لنفسه الخيار لمدة معيّنة، ثم باع هذا الكتاب من بكر أو وهبه إيّاه أو أوقفه، و نحوها من التصرفات المنافية لمالكيّة عمرو للكتاب، فإنّهم جعلوا هذا التصرف أخذا بالخيار و فسخا للعقد الواقع بين زيد و عمرو. لكن وقع البحث فيما به يتحقق الفسخ على وجوه أربعة، نقتصر على اثنين منها تبعا لما في المتن.

أحدهما: أن تكون إرادة تصرف ذي الخيار فسخا فعليا موجبا لعود المال إليه، فيقع تصرّفه- بالبيع و الهبة و نحوهما- في ملكه. و هذا مختار جماعة منهم المصنف على ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّهما «1».

ثانيهما: أن يكون الفسخ حاصلا بنفس التصرف البيعي لا بإرادته، فإذا باع

______________________________

(1): المكاسب و البيع، ج 1، ص 248

ص: 227

..........

______________________________

زيد كتابه- في مدة الخيار- من بكر كان نفس البيع فسخا للعقد الواقع بينه و بين عمرو.

و يترتّب على هذا التصرّف أمران إنشائيّان طوليّان، أوّلهما: انتقال الكتاب من عمرو إلى زيد و هو ذو الخيار. و الآخر: انتقال الكتاب من زيد إلى بكر.

و الفسخ في كلا الوجهين كاشف عن عود المال ممّن عليه الخيار إلى من له الخيار، لكنّه كاشف محض عن تحقق إرادة التصرف في الوجه الأوّل. بخلافه في الوجه الثاني، فإنّه سبب لتحقق الفسخ. فلو تبيّن بطلان بيع الكتاب من بكر لم يتحقق فسخ البيع الأوّل بين زيد و عمرو بناء على الاحتمال الثاني، و هو حصول الفسخ بنفس التصرف لا بإرادته.

إذا اتّضح ما ذكرناه من الأمرين فنقول: في توضيح الوجه الأوّل: إذا تعاطى زيد و عمرو كتابا بدينار، فبناء على الإباحة يكون الكتاب باقيا على ملك زيد و إن كان بيد المباح له، و الدينار باق على ملك عمرو، فإذا باع المباح له- و هو عمرو- الكتاب من بكر كان نفس هذا العقد الناقل سببا لتملكه له، و تملّك المشتري و هو بكر.

فإذا فرض عود الكتاب إلى عمرو بفسخ هذا البيع الناقل عاد الكتاب إلى ملك مالكه الأوّل- و هو زيد الذي أباح كتابه لعمرو- و يبقى مباحا بيد عمرو كما يبقى الدينار مباحا بيد زيد، إذ المفروض أنّ العلّة في انقطاع علقة مالكية زيد الكتاب كانت هي العقد الناقل بين عمرو و بكر، فإذا انحلّ هذا العقد بالفسخ فكأنّه لم يتملك عمرو الكتاب أصلا.

فإن قلت: إذا انفسخ العقد اللّازم بين عمرو و بكر لم يكن وجه لعود الكتاب الى ملك المبيح، بل يبقى ملكا للمباح له، لأنّ ذلك العقد يكشف عن دخول الكتاب في ملك المتصرّف المباح له آنا ما قبل البيع، فإذا انحلّ البيع عاد إلى ملك عمرو، لا إلى ملك زيد المبيح.

قلت: ليس كذلك، إذ المناط في هذا الوجه- لإبقاء جواز التراد- هو كون نفس العقد اللازم سببا لأمرين طوليّين، أحدهما: دخول المال في ملك المباح له،

ص: 228

بأنّ الكاشف (1) عن الملك هو العقد الناقل، فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ عاد الملك إلى المالك الأوّل (2) و إن كان مباحا لغيره (3)، ما لم يستردّ (4) عوضه،

______________________________

ثانيهما: تمليكه من بكر. و ليس المناط مملّكية إرادة التصرف حتى يجمع بالملكية الآنامّائية.

و إذا تقرّر عود المال إلى المبيح كان مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» جواز الرجوع و استرداد الكتاب من عمرو، و ردّ الدينار إليه إن كان باقيا لم يتلف، و إلّا صارت المعاطاة لازمة من جهة تلف إحدى العينين.

و لا يخفى أنّ جواز التراد مستند إلى سلطنة المالك على ماله، لا إلى الإجماع على جواز تراد العينين في المعاطاة حتى يشكل فيه بأنّ الإجماع على الجواز دليل لبّى يقتصر على المتيقن منه، و هو عدم وقوع عقد على أحد العوضين، و فيما عداه يرجع إلى أصالة اللزوم. هذا توضيح المتن، و به يظهر قصور العبارة عن أدائه.

(1) قد عرفت أنّ الكاشف هنا بمعنى السبب، لا بمعنى الطريق إلى تحقق الملك.

و القرينة عليه قوله: «فإذا فرضنا ارتفاعه» لوضوح أنّ الفسخ رافع للعقد، و لا يرفع إرادة التصرف لو كانت هي الموجبة لدخول المال في ملك المباح له.

و هذا بخلاف ما أفاده قبل أسطر بقوله: «لأنّ التصرف الناقل يكشف عن سبق الملك للمتصرّف» فإنّه مبني على مختار المصنف- على ما حكي- من مملّكية إرادة التصرف، و كون التصرّف كاشفا عن تحقق سبب التمليك، و عدم كون العقد اللّازم مقتضيا للتملّك.

(2) أي: المبيح، و هو زيد في المثال المتقدم.

(3) و هو المباح له، أعني به عمروا.

(4) يعني: ما لم يستردّ هذا الغير- و هو المباح له- عوضه، أي الدينار الذي هو عوض الكتاب، فإذا استردّ عمرو الدينار من زيد لم يكن الكتاب مباحا له، بل وجب عليه إيصاله إلى زيد. و لا أمانة في المقام، إذ الإباحة تعبدية لا مالكية.

ص: 229

كان (1) مقتضى قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر باقيا على ملك مالكه الأوّل، أو عائدا (2) إليه بفسخ [1].

______________________________

(1) جواب «لو قلنا» و هذا حكم الوجه الأوّل، و هو بقاء جواز الرجوع للمبيح.

(2) كما إذا اشترى زيد بالدينار شيئا، ثم عاد الدينار إليه بفسخ العقد، فإنّه يجب ردّ الدينار إلى مالكه و هو عمرو حتى يتسلّط على استرداد كتابه منه.

______________________________

[1] و يمكن الفرق بين هذا الوجه و سابقه بأنّ الوجه الأوّل- و هو كشف التصرف الناقل عن الملك- نشأ من الجمع بين الأدلّة المقتضي للملك آنا ما قبل النقل للمتصرف، من دون أن يكون نفس التصرف علّة أو شرطا متأخرا لتأثير المعاطاة في الملك. و من المعلوم أنّ مقتضى الفسخ رجوع المال الى المالك الثاني، لأنّ التصرف الناقل وقع في ملكه، فالفسخ يوجب العود إليه، فلا دليل على جواز التراد للمالك الأوّل.

و أمّا الوجه الثاني- و هو سببية العقد الناقل- فهو مبني على حدوث الملك للنّاقل بنفس العقد، بأن يكون شرطا متأخرا لتأثير المعاطاة في الملكية.

ففي الوجه الأوّل يكون التصرف الناقل كاشفا محضا عن مالكية المتصرف، و في الوجه الثاني يكون التصرف الناقل موجبا لحدوث الملكية للمتصرف و لغيره، فيترتّب عليه أمران: أحدهما مالكيّة المباح له، و الآخر مالكية غيره و هو المشتري. نظير ما قيل في التصرف الناقل لذي الخيار، فإنّ بيعه لما انتقل عنه سبب لتملّكه و تمليكه معا، فبالشروع في الصيغة يحصل الفسخ الموجب لتملّكه و بتمامها يحصل تمليكه للمشتري.

و على هذا يكون الفسخ موجبا لعود العين إلى المالك المبيح.

و كذا الحال على الوجه الثالث الآتي بقوله: «و كذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف على سبق الملك .. إلخ» ضرورة أنّ المال حينئذ باق على ملك المبيح، و لا ينتقل إلى المباح له، بل ينتقل بالتصرف الناقل إلى المشتري، فبالفسخ يعود إلى ملك المبيح لا إلى ملك المباح له.

________________________________________

ص: 230

و كذا (1) لو قلنا بأنّ البيع لا يتوقف على سبق الملك (2)، بل يكفي فيه إباحة التصرف و الإتلاف، و يملك (3) الثمن بالبيع كما تقدّم (4) استظهاره عن جماعة في الأمر الرّابع.

لكن الوجهين (5) ضعيفان (6).

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني لتصحيح جواز التراد و بقاء الإباحة الحاصلة بالمعاطاة. و محصله: أنّه لو قيل بعدم توقف البيع على الملك- بل يكفي في صحته إذن المالك في التصرف الناقل- صحّ للمباح له بيع الكتاب مع بقائه على ملك المبيح، و يتملّك المباح له الثمن، فإذا انفسخ هذا البيع عاد الكتاب إلى ملك زيد المبيح، فيجوز له استرداده من عمرو، بمقتضى إطلاق سلطنة الناس على أموالهم.

و لا يخفى ابتناء هذا الوجه على أنّه لا يعتبر- في صدق المعاوضة- دخول كلّ من العوضين في ملك من خرج عنه، فيمكن خروج الكتاب عن ملك زيد و دخول عوضه- و هو الثمن الذي يأخذه المباح له من بكر- في كيس المباح له دون المالك.

(2) حتى يحلّ كل واحد من العوضين محلّ الآخر في إضافة الملكية.

(3) أي: و يتملّك المباح له الثمن، و لا يتملّكه المالك المبيح.

(4) حيث قال هناك: «و لكن الذي يظهر من جماعة، منهم قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما في باب بيع الغاصب: أن تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن و الإذن في إتلافه يوجب جواز شراء الغاصب به شيئا، و أنه يملك المثمن بدفعه إليه».

(5) و هما الوجهان المذكوران بقوله قدّس سرّه: «نعم لو قلنا بأنّ الكاشف عن الملك هو العقد الناقل .. إلخ» و قوله: «و كذا لو قلنا بأن البيع لا يتوقف .. إلخ».

(6) أمّا تقريب ضعف الوجه الأوّل فلأنّه مبني على الشرط المتأخر المستحيل.

و أمّا ضعف الوجه الثاني فلأنّه خلاف مفهوم المعاوضة التي حقيقتها دخول

ص: 231

بل الأقوى (1) رجوعه بالفسخ إلى البائع (2).

و لو كان الناقل عقدا جائزا (3) [2]

______________________________

كل واحد من العوضين في كيس من خرج عنه العوض الآخر [1].

(1) لأنّ مقتضى الجمع بين الأدلّة هو الالتزام بالملك آنا ما للمباح له، ثم الانتقال عنه إلى المشتري الذي هو الثالث، كما تقدم عن المصنف في الجواب عن الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه.

ثم إنّ هذا أوّل الوجوه الثلاثة المذكورة في المتن. و لازمه عدم جريان قاعدة السلطنة بعد الفسخ، إذ المفروض رجوع المال بالفسخ إلى المباح له الذي هو البائع لا إلى المبيح، فتصير المعاطاة لازمة بوقوع عقد لازم على إحدى العينين و إن عادت إلى المباح له بفسخ.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية من صور نقل المأخوذ بالمعاطاة، و سيأتي الكلام في النقل بالعقد الجائز.

(2) و هو المباح له، لأنّه المالك قبل العقد، بالفسخ يرجع الملك إليه.

(3) أي: عقدا معاوضيا جائزا، و لو كان الجواز من جهة الخيار الموجود حين

______________________________

[1] يمكن منع ذلك بأن يقال: إنّ كون حقيقة المعاوضة ذلك غير ظاهر و إن نسب إلى العلامة قدّس سرّه. نعم ذلك مقتضى إطلاق المعاوضة لا حقيقتها.

[2] قد يتوهم التنافي بين ما ذكره في فروع النقل بالعقد اللازم من قوله: «و لو عادت العين بفسخ» و بين ما عنونه هنا من العقد الجائز. وجه المنافاة: أن الفسخ هناك يدلّ على جواز العقد، مع أنّه جعله لازما في قبال ما جعله هنا من العقد الجائز.

لكن المنافاة مندفعة بما تقدّم هناك من أنّ فسخ العقد اللازم بحدوث سببه بعد العقد لا يمنع من انعقاده لازما، بخلاف المقام، فإنّ العقد جائز امّا بالجواز الحقّي لكونه خياريا، و إمّا بالحكمي لكونه هبة، فلا منافاة أصلا.

ص: 232

لم يكن (1) لمالك العين الباقية إلزام الناقل بالرجوع فيه (2) [1]

______________________________

العقد كخياري المجلس و الحيوان في باب البيع، فإنّه ينعقد جائزا إلى انقضاء المجلس و ثلاثة أيّام.

ثم إنّ للنقل الجائز صورتين: إحداهما العقد المعاوضي و الأخرى غير المعاوضي كالهبة، و سيأتي بيانهما.

(1) هذا حكم الصورة الأولى- و هي نقل إحدى العينين بعقد جائز معاوضي كالبيع الخياري- بناء على الملك، و حاصله: لزوم المعاطاة، و عدم جواز التراد، و ذلك لانتفاء وصف المأخوذ بالمعاطاة من الملكية المتحققة بها، إذ الملكية المنشئة قد ارتفعت بالنقل إلى الأجنبي، فليس لمالك العين الموجودة إلزام الناقل بالرجوع فيه، و لا رجوعه بنفسه إلى عينه. و عليه فالتّراد غير متحقّق هنا، لصدق «انتقال الملك» فهو كالتلف.

قال في المسالك: «لو نقل أحدهما العين عن ملكه فإن كان لازما كالبيع و الهبة بعد القبض و الوقف و العتق فكالتلف. و إن كان جائزا كالبيع في زمن الخيار فالظاهر أنّه كذلك، لصدق انتقال الملك عنه، فيكون كالتلف. و عودها بالفسخ إحداث ملك آخر بناء على أنّ المبيع يملك بالعقد و إن كان هناك خيار. و أمّا الهبة قبل القبض فالظاهر أنّها غير مؤثرة، لأنّها جزء السبب المملّك، مع احتماله، لصدق التصرف. و قد أطلق جماعة كونها تملك بالتصرف» «1».

(2) أي: في العين التي باعها المتعاطي من شخص ثالث.

______________________________

[1] فلو ألزمه بالرجوع لا يجدي أيضا، لأنّه بالخروج عن الملك انتفى موضوع الجواز الذي هو إباحة العينين بالمعاطاة، فإنّ الخروج عن الملك بعد دخوله فيه آنا ما مفوّت له، و العود إلى الملك بعد الرجوع ملك جديد غير الملك المتحقق بالمعاطاة،

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 150

ص: 233

و لا رجوعه (1) بنفسه إلى عينه، فالتّراد غير متحقق، و تحصيله غير واجب (2).

و كذا (3) على القول بالإباحة، لكون المعاوضة (4) كاشفة عن سبق الملك.

نعم (5) لو كان غير معاوضة كالهبة و قلنا بأنّ التصرف

______________________________

(1) يعني: و لا يجوز لمالك العين الباقية الرّجوع بنفسه إلى المشتري حتى يستردّ عينه منه. و وجه عدم الجواز ما عرفت من انتفاء وصف المأخوذ بالمعاطاة و هو كونه ملكا للمتعاطي.

(2) لأنّه من تحصيل الموضوع الذي لا يجب قطعا، لأنّ الحكم مترتب على موضوعه المفروض الوجود اتفاقا، لا واجب التحصيل، إذ لا يصلح الدليل لإيجاب تحصيل الموضوع.

(3) يعني: و كذا الحال في عدم تحقّق التراد بناء على القول بالإباحة، و ذلك لكشف المعاوضة عن سبق الملك للناقل المباح له- آنا ما- قبل النقل، لما تقدم من أنّه مقتضى الجمع بين الأدلة.

(4) أي: العقد المعاوضي الجائز.

(5) استدراك على قوله: «و كذا على القول بالإباحة» لا على كلا القولين من الإباحة و الملك. و هذا إشارة إلى صورة ثانية من النقل بالعقد الجائز، و هو العقد غير المعاوضي.

و محصّل وجه الاستدراك هو: أنّ ما ذكرناه على القول بالإباحة- من لزوم المعاطاة بنقل إحدى العينين بالعقد الجائز- إنّما هو فيما إذا كان الناقل الجائز من المعاوضات كالبيع الخياري. و أمّا إذا كان من غيرها كالهبة الجائزة أمكن ثبوت جواز

______________________________

و ليس هذا موضوعا لجواز التراد.

و من هنا يظهر عدم الوجه في جريان الاستصحاب، للقطع بارتفاع الموضوع- و هو إباحة العينين بالمعاطاة- فإنّ الخروج عن الملك رافع للإباحة المزبورة، كما لا يخفى.

ص: 234

في مثله (1) لا يكشف عن سبق الملك، إذ لا عوض فيه حتى لا يعقل كون العوض مالا لواحد، و انتقال المعوّض إلى الآخر (2)، بل الهبة ناقلة للملك عن ملك

______________________________

الرّد للمالك المبيح، بناء على أنّ مطلق تصرّف المباح له في مال المبيح لا يوجب ملكية المتصرّف- و إن أطلقه جماعة- بل الموجب لها هو التصرف المتوقف جوازه شرعا أو عقلا على مالكية المتصرف كالبيع و العتق و نحوهما.

و أمّا الهبة فليست كذلك، فلو وهب المباح له مال المبيح لم يقتض دخوله في ملك الواهب آنا ما قبل هبته حتى تقع في ملكه لا في ملك المبيح، و ذلك لصحة الهبة من المباح له كصحتها من المالك، إذ لم يرد دليل شرعي على اعتبار مالكية الواهب مثل «لا هبة إلّا في ملك» كما ورد في البيع و العتق و الوطي.

و كذا لم يدلّ دليل عقليّ على المنع من هبة غير المالك كما دلّ في البيع تحقيقا لمفهوم المعاوضة، إذ لا عوض هنا حتى يقال بعدم معقولية خروج العوض عن ملك شخص و انتقال المعوّض إلى آخر، بل الهبة تنقل المال عن ملك المالك إلى المتّهب.

و بناء على هذا يثبت جواز الرجوع للمالك المبيح، لا للواهب المباح له، فيجوز التّراد في صورتين:

إحداهما: بقاء العين الأخرى، و لو تلفت لزمت المعاطاة من جهة ملزميّة تلف إحدى العينين.

ثانيتهما: عود العين الأخرى إلى مالكها بالهبة أيضا، إذ لو كان عودها بنحو آخر كالفسخ كان بمنزلة التلف.

فالمتحصّل: أنّ المالك هو المبيح دون المباح له، فالواهب حقيقة هو المبيح، فيجوز له الرجوع إن كانت العين الأخرى باقية.

(1) أي: في مثل الهبة، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «بناء على أن مطلق تصرف المباح له .. إلخ».

(2) يعني: أنّ الالتزام بسبق الملك آنا ما- قبل التصرف المتوقف على الملك- إنّما هو لاقتضاء ماهيّة المعاوضة. و لمّا لم تكن الهبة معاوضة لم يكن موجب للالتزام بسبق

ص: 235

المالك (1) إلى المتّهب، فيتحقق حكم جواز الرجوع بالنسبة إلى المالك، لا الواهب [1] اتّجه (2) الحكم بجواز التّراد مع بقاء العين الأخرى، أو (3) عودها إلى مالكها بهذا النحو من العود (4)، إذ لو عادت

______________________________

مالكية المباح له الذي وهب مال المبيح لشخص ثالث.

(1) فالواهب- ظاهرا- هو المباح له، و حقيقة هو المبيح، كما إذا تعاطى زيد و عمرو كتابا بدينار، و وهب عمرو الكتاب لبكر، فبناء على الإباحة يكون الواهب زيدا المبيح للكتاب، لا عمروا المباح له. و بما أنّ الهبة جائزة حسب الفرض جاز لزيد استرداد الكتاب من بكر إذا كان الدينار باقيا بحاله ليردّه إلى عمرو.

(2) جواب الشرط في قوله: «لو كان غير معاوضة ..».

(3) يعني: إذا تصرّف زيد في الدينار فتارة يكون بشراء شي ء به، ثم يفسخ أو يتقايل مع البائع، و أخرى بأن يهب الدينار لخالد، ثم يرجع عن هبته و يعود الدينار إلى زيد.

ففي الصورة الأولى تصير المعاطاة لازمة من جهة تخلّل العقد اللازم، و هو بحكم التلف.

و في الصورة الثانية يبقى جواز المعاطاة بحالة، فيجوز لزيد استرداد كتابه من بكر، و ردّ الدينار إلى عمرو.

(4) أي: بنحو الرجوع في الهبة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه- بعد عدم توقف الهبة على مالكية الواهب للعين الموهوبة لا عقلا و لا شرعا كتمليك الحرّ عمل نفسه و تمليك الكلّي في المعاملات الذمية- يمكن أن يقال: إنّ أدلّة جواز الرجوع ناظرة إلى الواهب، و من المعلوم أنّه في المقام هو المباح له، دون المالك، إذ المفروض عدم قصد الوكالة عن المالك، فالواهب حقيقة هو المباح له، لأنّه العاقد، فجواز الرجوع ثابت له دون المالك، فتدبّر.

ص: 236

بوجه آخر (1) كان حكمه حكم التلف.

و لو باع العين ثالث فضولا (2) فأجاز المالك الأوّل (3)- على القول بالملك-

______________________________

(1) يعني غير الهبة. هذا تمام الكلام في الصورة الثانية من صورتي النقل بالعقد الجائز. و قد تمّت إلى هنا صور أربع من الملزم الثالث، و هو نقل إحدى العينين أو كلتيهما.

(2) هذا شروع في صورة خامسة من صور التصرف الاعتباري بنقل إحدى العينين أو كلتيهما. و الفرق بينها و بين الصور الأربع المتقدمة هو: أنّ الناقل فيها كان أحد المتعاطيين أو كليهما بالأصالة، مباشرة أو تسبيبا بالتوكيل. بخلاف هذه الصورة، إذ الناقل فيها أجنبي عن المتعاطيين. و يتجه البحث حينئذ في أن تصرف الفضول- بإنشاء المعاملة على إحدى العينين- هل يكون ملزما كتصرف نفس المتعاطيين، أم هو بحكم العدم و يبقى جواز التراد على حاله؟

فصّل المصنف قدّس سرّه بين فروع، فتارة يجاز عقد الفضول، و المجيز إمّا من انتقل عنه المال أو من انتقل إليه، و أخرى يردّ. و ثالثة يرجع أحدهما عن المعاطاة ثم يجيز الآخر عقد الفضول. و في هذا الفرض إمّا يبنى على كاشفيّة الإجازة عن تحقق النقل من حين إنشاء الفضول، و إمّا على ناقليّتها. هذه فروع المسألة إجمالا، و سيأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(3) أي: من انتقلت عنه العين بالمعاطاة، كما إذا تعاطى زيد و عمرو كتابا بدينار، فباع بكر- فضولا- الكتاب لأجنبي، فأجازه زيد.

و حكم هذا الفرع: أنّ رجوع زيد عن المعاطاة لمّا كان جائزا- سواء على الملك و الإباحة- لم يبعد أن تكون إجازته رجوعا عن معاطاته مع عمرو، يعني: أنّه أرجع الكتاب- بهذه الإجازة- إلى ملك نفسه، و باعه إلى من اشتراه من الفضول.

فالرجوع بهذه الإجازة يكون نظير ما إذا تصدّى زيد بنفسه لبيع الكتاب أو صلحه أو هبته، فإنّ هذه التصرفات الناقلة تكشف عن رجوعه عن المعاملة المعاطاتية، نظير

ص: 237

لم يبعد (1) [1] كون إجازته رجوعا، كبيعه و سائر تصرّفاته الناقلة.

و لو أجاز المالك الثاني (2)

______________________________

تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بعقد خياري- بالتصرف المنافي لذلك العقد، فإنّه يكشف عن الفسخ و عود المال إليه حتّى يقع التصرف الناقل في ملكه.

(1) لأنّ الإجازة هنا نظير تصرّف ذي الخيار موجبة لعود العين إلى ملك المجيز و المتصرّف.

(2) أي: من انتقلت إليه العين بالمعاطاة، و هو عمرو في المثال المتقدم، و هذا فرع ثان من فروع عقد الفضول، يعني: لو أجاز عمرو عقد الفضول صحّ بلا إشكال بناء على ترتب الملك المتزلزل على المعاطاة. وجه الصحة: أنّ عمروا مالك بالفعل للكتاب، و مقتضى سلطنة المالك على ماله نفوذ جميع تصرفاته، التي منها إجازة عقد الفضول على ماله، فتكون نافذة، و بها تصير المعاطاة المتزلزلة لازمة، كما يصحّ عقد الفضول، لأنّ من بيده أمر العقد قد نفّذه، هذا.

______________________________

[1] وجه بعده عدم الدليل على كون هذه التصرفات رجوعا و فسخا. قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه في حاشيته: «قال بعض من تأخّر: قد ثبت في الخيار أن التصرفات الناقلة من ذي الخيار رجوع، فلو باع ما كان له الخيار في استرداده من المشتري كان ذلك رجوعا بالخيار إجماعا. و لكن لم يثبت مثله هنا، فلا يصح أن يكون مجرّد إجازته رجوعا و فسخا هنا، فلا بد من سبق ما يدلّ على الفسخ حتى يصح للأوّل نقله إلى الثالث، إذ لا يصح النقل إلّا من المالك، و الفرض خروج الملك عنه، فلا يكون صيرورته مالكا سابقه على نقله إلى المشتري الثاني، فلا وجه حينئذ لجواز الإجازة منه حتى تكون رجوعا.

إلّا أن يلتزم بأحد الأمرين من كون مجرّد الرّضا الباطني إجازة، و كون الكراهة الباطنية في مقابله ردّا، و من كون الفسخ و الرجوع يحصل بأوّل حرف من قوله: أجزت البيع

ص: 238

نفذ بغير إشكال (1).

______________________________

(1) لوجود المقتضي لنفوذ إجازته، و فقد المانع عنه. أمّا وجود المقتضي فلأنّ المالك الثاني- أي من انتقل إليه المال بالمعاطاة- مالك للمال حين وقوع عقد الفضول عليه، فينفذ إجازته و ردّه.

و أمّا فقد المانع فواضح، لعدم وجود شي ء من أسباب سلب سلطنة المالك عن التصرف في ماله.

و هذا بخلاف إجازة المالك الأوّل- أي من انتقل عنه المال- لما عرفت من عدم

______________________________

الثاني، فيصير المال ملكه، و التمليك للمشتري الثاني يحصل بآخر حرف من قوله المذكور. و هو رحمه اللّه و إن التزم بالأوّل فيما سيأتي من كلامه، إلّا أنّ التزامه بذلك مخصوص بالقول بالإباحة، فلا يجري على القول بالملك كما هو مفروض المقام، فإنّه قال هناك: بل هو على القول بالملك نظير الرجوع في الهبة، و على القول بالإباحة نظير الرجوع في إباحة الطعام، بحيث يناط الحكم فيه بالرضا الباطني، بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف» «1».

لكن على المبنى المختار من كون المعاطاة بيعا لازما كالبيع اللفظي ليس لغير من انتقل إليه المال إجازة بيع الفضولي، فإذا أجاز نفذ، و إن ردّ فالمال باق على ملكه.

و أمّا على القول بالملك الجائز فيمكن أن يقال: إنّ التصرفات المنافية رجوع عرفا و فسخ عندهم، من غير فرق في ذلك بين الرجوع في المعاطاة و بين الخيار.

و توهم اختصاص كون التصرفات المزبورة رجوعا بالخيار و عدم كونها رجوعا في المعاطاة، فاسد، لعدم الوجه في الاختصاص المزبور، بعد كون الرجوع من المفاهيم العرفيّة، و عدّ العرف لتلك التصرفات من مصاديق الرجوع، فكونها رجوعا فعليّا على طبق القاعدة، لا للتعبد حتى يدّعى الاختصاص المزبور بالإجماع، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 209

ص: 239

و ينعكس الحكم (1) إشكالا و وضوحا على القول بالإباحة.

______________________________

كونه مالكا أصلا، لا حين وقوع عقد الفضول عليه و لا حين إجازته، فهو أجنبي عن المال، و من المعلوم أنّ المصحّح لعقد الفضول هو إجازة المالك لا إجازة الأجنبي.

و يتوقف نفوذ إجازته على إحراز كون إجازته رجوعا عن المعاطاة، نظير تصرّف ذي الخيار بالبيع و الهبة و الوقف و غيرها ممّا يتوقف على الملك.

و لكن إلحاق الإجازة بتصرّف ذي الخيار ليس بذلك الوضوح، لقصور مقام الإثبات، لأنّ الجمع بين الأدلة المقتضي لتملّك ذي الخيار لماله آنا ما- حتى يقع تصرفه في ملكه- لا دليل على جريانه في المقام.

و لأجل هذا اختلف تعبير المصنف قدّس سرّه في كون إجازة المالك الأوّل رجوعا عن المعاطاة، و كون إجازة المالك الثاني إمضاء للمعاطاة، فقال في الأوّل: «لا يبعد» و في الثاني: «نفذ بغير إشكال».

(1) أي: و ينعكس حكم الإجازة في هذا الفرض وضوحا و إشكالا على القول بإفادة المعاطاة للإباحة، و هذا حكم نفس الفرضين المتقدمين- أي إجازة المالك الأوّل و الثاني- بناء على إفادة المعاطاة للإباحة.

و غرضه: أنّ أصل الحكم- و هو نفوذ إجازة المالك الأوّل- لا ينعكس، بل ينعكس من حيث الوضوح و الإشكال. و ذلك لأنّ كون إجازة المالك الأوّل رجوعا على القول بالإباحة من الواضحات، ضرورة أنّ العين على هذا القول باقية على ملكه، فمقتضى قاعدة السلطنة نفوذ إجازته.

و أمّا كون إجازة المباح له نافذة فمشكلة من حيث ثبوت إباحة التصرفات له فتنفذ إجازته، و من حيث كون العين للغير فلا تنفذ.

و الرّاجح من الوجهين هو الأوّل أي نفوذ إجازة المباح له، لأنّ الإجازة تصرّف في مال المبيح، و المفروض حلّيّة جميع التصرفات للمباح له.

ص: 240

و لكلّ منهما ردّه (1) قبل (2) إجازة الآخر.

و لو رجع (3) الأوّل، فأجاز الثاني، فإن جعلنا الإجازة- كاشفة لغا (4)

______________________________

(1) أي: ردّ بيع الفضول، و هذا إشارة إلى فرع ثالث من فروع بيع المأخوذ بالمعاطاة فضولا. و حكمه: أنه يجوز لكلّ منهما ردّه، لأنّ من له الإجازة له الرّد أيضا، فكما تكون إجازته رجوعا فكذا ردّه. نعم سلطنة كلّ منهما على الرّد مقيّدة بعدم سبق إجازة الآخر.

و لا فرق بين كون الرّد من قبل المعطي أو الآخذ، كما لا فرق بين الملك و الإباحة. فإن ردّ المعطي فبناء على الملك المتزلزل يكون ردّه لعقد الفضول رجوعا عن المعاطاة و إعادة للمال في ملكه. و بناء على الإباحة فالأمر أوضح، لبقاء العين على ملكه، و لم يطرأ ما يلزم المعاطاة بعد.

و إن ردّ الآخذ فكذلك، إذ بناء على الملك يكون ردّه تصرّفا في ملكه و تصير المعاطاة لازمة. و بناء على الإباحة فإنّ العين و إن لم تكن ملكه، إلّا أنّ الرّد تصرف، و هو يكشف عن سبق الملك.

(2) إذ لا مورد للرّد بعد إجازة الآخر، لسقوط حقّ الرجوع في المعاطاة حينئذ، فلا ينفذ ردّه.

(3) يعني: و لو رجع الأوّل عن المعاطاة ثم أجاز الثاني عقد الفضول. و هذا إشارة إلى آخر فروع عقد الفضول، و توضيحه: أنّه يفرض أزمنة أربعة في المقام، ففي الساعة الأولى تحققت المعاطاة بين زيد و عمرو، و في الساعة الثانية وقع عقد الفضول، و في الثالثة رجع زيد عن المعاطاة، و في الرابعة أجاز عمرو عقد الفضول.

و قد فصّل المصنف في حكم هذا الفرع بين الكشف و النقل، فبناء على الكشف احتمل وجهين: أحدهما لغوية الرجوع و نفوذ الإجازة، و ثانيهما لغوية الإجازة و نفوذ الرجوع. و بناء على النقل جزم بلغوية الإجازة، و سيأتي بيان كلّ منها.

(4) توضيحه: أنّه إذا رجع المالك الأوّل عن المعاطاة و ردّها، فأجاز المالك

ص: 241

الرجوع.

و يحتمل (1) عدمه، لأنّه رجوع قبل [1] تصرف الآخر، فينفذ، و يلغو الإجازة. و إن جعلناها (2) ناقلة لغت الإجازة قطعا (3).

______________________________

الثاني العقد الفضولي، فعلى القول بكون الإجازة كاشفة لغا رجوع المالك الأوّل، لكشف الإجازة عن صحة العقد حين وقوعه، فلا يبقى مورد للرّد، حيث إنّه رجوع بعد التصرف الملزم.

(1) يعني: و يحتمل عدم كون الرجوع لغوا، لأنّ الرّجوع تحقّق قبل التصرف بالإجازة، فينفذ. و كاشفيّة الإجازة منوطة بصحّتها المفقودة بعد رجوع الأوّل.

و بعبارة أخرى: يعتبر في المجيز أن يكون مالكا لأمر العقد، فإذا عادت العين إلى المالك الأوّل برجوعه كانت إجازة الثاني من إجازة الأجنبي، فتلغو، إذ لا عبرة بإجازته في باب عقد الفضول.

(2) معطوف على «جعلنا» و حاصله: أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لغت الإجازة قطعا، ضرورة أنّ عقد الفضولي لا يؤثّر حقيقة إلّا بعد تماميّته، و المفروض أنّه لا يتمّ إلّا بالإجازة، و أنّ رجوع المالك الأوّل وقع قبل تأثير العقد، فيمنع عن تأثير الإجازة اللاحقة، فلا أثر للإجازة فيه و تقع لغوا، لارتفاع قابلية العقد للتأثير بسبب الرّد.

(3) إذ لا يبقى لها مورد بعد ارتفاع عقد الفضولي بالرجوع عن المعاطاة.

هذا تمام الكلام في فروع الملزم الثالث أعني به التصرف الاعتباري في إحدى العينين أو كلتيهما.

______________________________

[1] هذا خلاف فرض الكشف الحقيقي، لأنّ مقتضى تمامية العقد المؤثّر من حين وقوعه هو ترتب الأثر عليه في أوّل أزمنة وقوعه، و كون الرجوع لغوا، لتحقّقه بعد تأثير العقد. نعم بناء على الكشف غير الحقيقي كان احتمال عدم لغوية الرجوع قويّا.

ص: 242

[الملزم الرابع: مزج إحدى العينين]
اشارة

و لو امتزجت العينان أو إحداهما سقط (1) الرّجوع على القول بالملك،

______________________________

الملزم الرابع: مزج إحدى العينين

(1) هذا شروع في الملزم الرابع و هو امتزاج إحدى العينين أو كلتيهما. و المقصود بالامتزاج هنا ما لا يوجب تبدّل الصورة النوعية و لم يحصل الاستهلاك، و إلّا كان بحكم التلف.

ثم إن المصنف فصّل بين الملك و الإباحة، فرجّح اللزوم بالامتزاج بناء على إفادة المعاطاة للملك، و اختار بقاء جواز التّراد بناء على الإباحة.

و توضيح المقام: أنّ الامتزاج تارة يكون بمال ثالث، و أخرى يكون بمال أحد المتعاطيين. و على التقديرين إمّا أن نقول بالملك في المعاطاة أو بالإباحة، فالصور ست.

الأولى: أن يكون الامتزاج بمال ثالث، و قلنا بإفادة المعاطاة للملك، و حكمها اللزوم لامتناع تراد العينين على الوجه المعتبر و هو الخلوص عن مال الغير.

قال في المسالك: «لو اشتبهت بغيرها أو امتزجت بحيث لا تتميّز، فإن كان بالأجود فكالتلف، و إن كان بالمساوي أو الأردإ احتمل كونه كذلك، لامتناع التراد على الوجه الأوّل. و اختاره جماعة. و يحتمل العدم في الجميع، لأصالة البقاء» «1».

و عن تعليق الإرشاد و الميسيّة: «أنّ ذلك في معنى التلف» «2»، هذا.

الثانية: أن يكون الامتزاج بمال البائع، فيمتنع التّراد أيضا، لعدم إمكان الرجوع بعين ماله، بل يصير المال بسبب الامتزاج مشتركا بين البائع و المشتري.

و إن شئت فقل: إنّ الامتزاج بمنزلة التلف في كونه مانعا عن التراد.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 150

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 157

ص: 243

لامتناع التّراد. و يحتمل (1) الشركة، و هو ضعيف (2).

أمّا على القول بالإباحة (3)

______________________________

و منه يظهر عدم الوجه في الرجوع إلى الكسر المشاع.

الثالثة: أن يكون الامتزاج بمال المشتري، و حكمها أيضا لزوم المعاطاة، لامتناع التّراد، إذ المفروض امتزاج ماله المأخوذ بالمعاطاة بماله الآخر، فالمال كلّه له، و لا يمكنه ردّ المأخوذ بالمعاطاة على وجه بحيث يردّ عين المال إلى البائع. و ردّه بالكسر المشاع مما لا وجه له.

و الحاصل: أنّ الحكم في هذه الصور الثلاث هو لزوم المعاطاة، و عدم جواز الرجوع على القول بالملك، لامتناع التّراد.

(1) معطوف على قوله: «سقط الرجوع» و غرضه بيان احتمال جواز الرجوع، و إنّ الامتزاج ليس بملزم للمعاطاة، بل يوجب الشركة، بأن يقال: أنّه بالرجوع يقدّر ملك الشخص للأجزاء الواقعية من ماله الممتزج بمال غيره، و يحكم بالشركة لأجل الامتزاج، و به يجمع بين دليلي الشّركة و جواز المعاطاة.

(2) وجه ضعفه: أنّ موضوع جواز الرجوع في المعاطاة هو إمكان ترادّ العينين، و بالامتزاج يمتنع ترادّهما، فلا يصح الرجوع حتى يقدّر الملك بعده، ثم يحكم بالشركة.

فالحكم بالشركة متفرّع على الملك، و هو مترتب على الرجوع، و هو مترتب على إمكان التّراد، فبإمتناع التراد يسقط ما يتفرع عليه.

(3) الصور الثلاث المتقدمة كانت مبنيّة على القول بإفادة المعاطاة للملك.

و أمّا الصور الثلاث المترتبة على الإباحة فأولاها: امتزاج العين بمال ثالث.

و حكمها بطلان المعاطاة بمعنى زوال الإباحة، لأنّ موضوع الإباحة لم يبق على ملك المبيح بالاستقلال، لأنّه صار مشتركا بسبب الامتزاج بينه و بين الثالث، و لم يكن المال المشترك موضوعا للإباحة الحاصلة بالمعاطاة. هذا.

و ثانيتها: امتزاج العين بمال المشتري. و حكمها بطلان المعاطاة أيضا، لأنّ

ص: 244

فالأصل بقاء التسلّط (1) على ماله الممتزج بمال الغير، فيصير المالك شريكا مع مالك الممتزج به.

نعم (2) لو كان المزج ملحقا له بالإتلاف جرى عليه حكم التلف.

______________________________

الامتزاج أوجب الشركة القهرية بين المتعاطيين، و لم يكن هذا الملك الجديد الإشاعي موردا لإباحة المالك.

و ثالثتها: امتزاج العين بمال البائع، و حكمها جواز الرجوع كما كان قبل الامتزاج، فإنّ امتزاج ماله بماله الآخر لا يمنع عن بقاء المعاطاة- المفيدة للإباحة- على جوازها.

فالمتحصل: أنّ في الصور الثلاث المبنية على القول بالملك تلزم المعاطاة بالامتزاج المانع عن جواز التراد، و في الصور الثلاث المبنية على القول بالإباحة تبطل المعاطاة في الصورتين الأوليين منها، و تبقى على الجواز في الصورة الثالثة منها.

(1) لبقاء المال على ملك مالكه، و عدم ترتب أثر على المزج إلّا الشركة. و كونه مباحا للغير لا يمنع من حصول الشركة بالمزج. و سلطنة الناس على أموالهم عامّة للملك الاستقلالي و الإشاعي، فيجوز الرجوع على الإباحة.

لكن يمكن أن يقال: إنّ جواز التراد ليس بدليل السلطنة، بل بالإجماع، و المتيقن منه هو جواز ردّ ماله إذا كان متميّزا عن مال غيره، بأن يكون موضوع جواز الرجوع خصوص المال المتميّز عن غيره كما كان ذلك قبل المعاطاة، فلا بدّ حينئذ من القول بالإباحة اللازمة، إذ لا موجب للملك، فتدبّر.

(2) استدراك على قوله: «فالأصل بقاء التسلط .. إلخ» و حاصله: أنّ عدم جواز الرجوع في صورة الامتزاج- بناء على القول بالإباحة- مختصّ بما إذا كان المزج ملحقا للمأخوذ بالمعاطاة بالإتلاف، كالمزج بغير الجنس، نظير خلط مقدار من ماء الورد بالزيت على ما مثّل به المصنف قدّس سرّه في خيار الغبن، فإنّ الرجوع حينئذ يسقط، لكون هذا المزج بمنزلة الإتلاف.

ص: 245

[التصرف غير المغيّر للصورة ملزم للمعاطاة أم لا]

و لو تصرّف (1) في العين تصرّفا مغيّرا للصورة كطحن الحنطة و فصل الثوب، فلا لزوم (2) [1] على القول بالإباحة. و على القول بالملك ففي اللزوم

______________________________

التصرف غير المغيّر للصورة ملزم للمعاطاة أم لا

(1) هذا إشارة إلى أمر آخر قد يعدّ من ملزمات المعاطاة، و هو التصرف الخارجي في إحدى العينين- أو كلتيهما- بما يغيّر صورتها، بحيث لا تبقى العين على ما كانت عليه من الصفات. و مثّل له المصنف بصيرورة الحنطة دقيقا بالطحن، و القماش ثوبا بالفصل و خياطته. و حكم بعدم كون هذا النحو من التصرف ملزما، بلا تفاوت بين القول بالملك و الإباحة، و لكنّه احتمل اللزوم بناء على الملك، للشك في بقاء موضوع الاستصحاب، و سيأتي توضيحه.

(2) لعدم ما يوجب لزوم المعاطاة من التلف و التصرف الناقل، فكلّ من المالين باق على ملك مالكه، فله السلطنة على استرداده، لعدم تبدل طبيعة الحنطة بالطحن، و لا القماش بالفصل و الخياطة.

______________________________

[1] بل يمكن القول باللزوم، لما مرّ من أنّ المتيقّن من الإجماع على جواز الرجوع هو صورة عدم تغير وصف من أوصاف العينين ليمكن ترادّهما على وجههما، و لأنّ تلف الجزء الصوري- و هو الوصف الموجب لتفاوت رغبات الناس مع عدم رجوع المتعاطيين بالمثل و القيمة- يوجب تعيّن الباقي على حاله بدلا عمّا تلف منه جزؤه الصوري، فمقتضى القاعدة اللزوم. كما أنّ مقتضاها اللزوم على القول بالملك، اقتصارا على المتيقن من التخصيص، و هو بقاء العين على أوصافها.

و يمكن استفادة حصول التغيير بمثل فصل الثوب من مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا؟ قال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن. و إن كان الثوب قد قطع أو خيط

ص: 246

وجهان مبنيّان على جواز جريان استصحاب جواز التراد (1).

و منشأ الإشكال أنّ الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي (2).

______________________________

(1) فبناء على جريان الاستصحاب يجوز الرجوع، و بناء على عدمه لا يجوز، قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و إن أوجب- أي التصرف- تغيرا إلى حالة أخرى- كطحن الحنطة و صبغ الثوب- احتمل كونه كذلك، لأصالة بقاء الملك مع بقائه. و لزوم المعاطاة بذلك، و به جزم بعض الأصحاب. لما تقدّم من امتناع التراد بسبب الأثر المتجدّد. و عندي فيه إشكال» «1».

(2) فإن كان عرفيّا جرى الاستصحاب، لأنّ الملكية و الطهارة و النجاسة و نحوها من الأمور الاعتبارية تعرض الذّوات لا العناوين، مثلا إذا تنجّست الحنطة و بعد طحنها شكّ في طهارتها، فاستصحاب النجاسة محكّم مع كون المتنجس هو الحنطة لا الدقيق. لكن موضوع النجاسة لمّا كان بنظر العرف هو الجسم كان استصحاب نجاسته جاريا.

و إن كان حقيقيّا أي دليليّا فلا يجري، لأنّ الدقيق غير الحنطة التي هي موضوع الدليل. و لا ينبغي الارتياب في كونه عرفيّا لا حقيقيّا.

لكن ليس المقام من موارد الاستصحاب، بل من التمسك بعموم دليل اللزوم.

______________________________

أو صبغ رجع بنقصان العيب» «2» حيث إنّه عليه السّلام منع من الرّد بمجرّد التصرف بالصبغ و الخياطة و القطع، و أنّه يتعيّن الأرش لو أراد. و لو لم يكن هذا المقدار من التغيير تصرفا مسقطا للرّد لم يكن وجه لتعيّن الأرش.

و عليه فجعل فصل الثوب من التصرف غير المغيّر للصورة- كما في المتن- لا يخلو من شي ء، فمقتضى الرواية جعله ملزما للمعاطاة.

______________________________

(1): مسالك الافهام، ج 3، ص 150

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 363، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث: 3

ص: 247

ثم إنّك (1) قد عرفت ممّا ذكرنا (2) أنه ليس جواز الرّجوع في مسألة المعاطاة نظير (3) الفسخ (4) في العقود اللّازمة حتى يورث بالموت (5) و يسقط بالإسقاط

______________________________

(1) الظاهر أنّ الغرض من التنبيه على كون جواز الرجوع في المعاطاة حكما لا حقّا- كما سبق تفصيله في أوّل هذا الأمر السادس- هو التمهيد لبيان ملزم آخر من ملزمات المعاطاة، و هو موت أحد المتعاطيين، و الدليل على ملزميته كون جواز التّراد حكما لاحقا، و من المعلوم أنّ الجواز الحكمي كالجواز في الهبة غير موروث، و ذلك لأنّ ما ينتقل الى الوارث هو «ما تركه الميت من ملك أو حقّ» بحيث لو لم ينتقل الى الوارث بقي بلا محلّ، لوضوح قيام إضافة الملكية بطرفيها من المالك و المملوك، كقيام إضافة الحقّيّة بمن له الحق و من عليه الحق، فلا بد من انتقال الملك و الحق إلى الوارث حتى لا يلزم بقاء المملوك بلا مالك و لا بقاء الحق بلا ذي الحق.

و أمّا جواز المعاطاة و الهبة شرعا فليس شيئا تركه الميّت حتى يورث، بل هو حكم شرعي ثبت لعنوان المتعاطيين و للواهب. و لو فرض ثبوت هذا الجواز للوارث- كما كان للمورّث- فإنّما هو بدليل خاص، لا لأدلة الإرث العامة.

و يتفرّع على كون جواز المعاطاة حكما- لا حقّا- لزومه بموت أحدهما سواء قلنا بالملك أم بالإباحة. أمّا على الملك فتنتقل نفس العين إلى الوارث، لا حكمها و هو جواز التراد الثابت حين حياة المورّث، فتنتهي الملكية الجائزة إلى اللازمة.

و أمّا على الإباحة فلقيام السيرة على عدم التراد بعد موت أحد المتعاطيين، و هي تكشف عن لزوم الإباحة قبل الموت، و انتقال كل من المالين إلى من بيده، هذا.

(2) بقوله: «و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري حتى يستصحب بعد التلف، لأن ذلك الجواز من عوارض العقد لا العوضين ..».

(3) خبر «ليس جواز».

(4) يعني: الفسخ بالخيار في العقود اللّازمة، الذي هو من قبيل الحق لا الحكم.

(5) بمقتضى عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه».

ص: 248

ابتداء (1) أو في ضمن المعاملة (2)، بل هو (3) على القول بالملك نظير [1] الرجوع في الهبة. و على القول بالإباحة نظير الرجوع [2] في إباحة الطعام بحيث يناط الحكم فيه بالرّضا الباطني، بحيث لو علم كراهة المالك باطنا لم يجز له التصرف.

[الملزم الخامس: موت أحد المتعاطيين]
اشارة

فلو (4) مات أحد المالكين لم يجز لوارثه الرجوع على القول

______________________________

(1) كإسقاطه بعد العقد.

(2) كأن يقول: بعتك المتاع الفلاني بشرط إسقاط الخيار.

(3) أي: جواز الرجوع في المعاطاة على القول بالملك يكون نظير الرجوع في الهبة في كونه حكما غير قابل للإسقاط، فكما لا يسقط جواز الرجوع في الهبة بالإسقاط فكذلك الرجوع في المعاطاة.

و على القول بالإباحة يكون كالرجوع في إباحة الطعام في إناطة الإباحة بالرّضا الباطني الذي يرتفع بالكراهة. فالفرق بينهما أنّ الرجوع على القول بالملك يتعلّق بمال الغير، و على القول بالإباحة يتعلق بمال نفسه.

الملزم الخامس: موت أحد المتعاطيين

(4) هذا متفرّع على قوله: «أنّه ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير

______________________________

[1] لعلّ وجه كون الجواز في المعاطاة حكما- كجواز الرجوع في الهبة- هو: أنّ المخرج عن أصالة اللزوم لمّا كان هو الإجماع، فلا بدّ من الأخذ بالمتيقن منه، و هو خصوص المتعاطيين، فلا يثبت لغيرهما من الورثة، كما لا يسقط بالإسقاط للاستصحاب.

[2] هذا صحيح في الإباحة المالكية لا الشرعية، و المفروض أنّ الإباحة في المقام شرعية لا مالكية، فإناطة الإباحة بالرّضا الباطني غير ظاهر، فيحكم ببقاء الإباحة و لو مع رجوع المالك في المعاطاة، بل بعد التصرفات الناقلة منه أيضا، فتدبّر.

ص: 249

بالملك (1) [1] للأصل (2) [2]

______________________________

الفسخ ..» و حاصله: أنّ جواز التراد حكم كجواز الرجوع في الهبة، و ليس حقّا، إذ لو كان حقّا كحقّ الخيار لانتقل إلى الوارث، لكونه «ممّا تركه الميّت» و من المعلوم صيرورة الملك بالموت لازما، فيكون المال للوارث ملكا لازما.

و اعلم أنّ الفرق بين موت أحد المتعاطيين و بين الملزمات المتقدمة هو أنّ منشأ اللزوم فيها كان عروض أمر على إحدى العينين من تلف و تصرّف ناقل و نحوهما. و منشأ اللزوم في هذا الملزم سقوط المتعاطيين عن أهلية التملك مع بقاء العوضين على ما كانا عليه حين التعاطي.

(1) تقييد ملزمية الموت بالملك مشعر ببقاء الجواز بناء على الإباحة، لئلّا يلزم لغوية التقييد بالملك.

(2) أي: استصحاب عدم انتقال الحكم- و هو الجواز- إلى الوارث، و أنّ المنتقل إليه هو المال، و بالانتقال إليه يسقط حقّ الرجوع، نظير سقوطه بانتقال المال بالنواقل الاختيارية الملزمة للمعاطاة.

______________________________

[1] و كذا على القول بالإباحة، لأنّها شرعيّة، و من المعلوم أنّها حكم غير قابل للانتقال، فتسقط بمجرّد انتقال موضوعها إلى الوارث، فينتقل المال إليه بدون إباحته من المباح له، حيث إنّ المتيقن من الإجماع هو ثبوت الإباحة من طرف المبيح لشخص المباح له، و ثبوتها لوارثه مشكوك فيه، فيرجع إلى الاستصحاب القاضي بعدم انتقال الإباحة إلى الوارث، فتبطل المعاطاة رأسا.

نعم بناء على صدق العقد على المعاطاة المفيدة للإباحة يحكم بلزومها بعد موت المبيح كما تقدم في بعض المباحث.

[2] لا يخفى أنّ الرجوع إلى الأصل مبني على عدم ثبوت كون الرجوع حكما.

و أمّا بناء عليه فلا وجه للرجوع إليه، لعدم الشك، ضرورة أنّ من لوازم الحكم عدم

ص: 250

لأنّ (1) [1] من له و إليه الرجوع هو المالك الأصلي.

______________________________

(1) تعليل لقوله: «لم يجز» و حاصله: أنّ وجه عدم انتقال «جواز الرجوع» إلى الوارث هو كون الرجوع متقوّما بنفس المتعاطيين، فلا ينتقل إلى الوارث.

______________________________

الانتقال إلى الوارث، فيسقط جواز الرجوع بموت مالكه الأوّل، و يصير ملكا لازما لمالكه الثاني. هذا على القول بالملك.

و أمّا على الإباحة فينتقل المال الى وارث المبيح بدون الإباحة، لكونها حكما مجعولا للمبيح، و من المعلوم انتفاء الحكم بانعدام موضوعه. و بعد الانتقال إلى الوارث يكون كسائر أمواله، فله السلطنة على الإباحة المالكية كسائر الملّاك، كما أنّ له السلطنة على إيجاد موضوع الإباحة الشرعية أعني به المعاطاة.

و الحاصل: أنّه لا منافاة بين عدم جواز انتقال الرجوع إلى الوارث و بين جواز الإباحة للوارث. وجه عدم المنافاة: أنّ جواز الرجوع من حيث كونه حكما لا ينتقل إلى الوارث، إذ المفروض عدم كونه حقّا، فلا يندرج في: ما تركه الميت.

و بالجملة: انتفاء الموضوع يوجب انتفاء جواز الرجوع قطعا، لأنّه شأن الموضوع و الحكم، فلا يرث الوارث جواز الرجوع من المورّث و إن كان سلطانا على ذلك من باب تسلط كل مالك على ماله.

[1] هذا التعليل يشبه المصادرة، لأنّه بمنزلة أن يقال: إنّ هذا الحق يختص بالمالك الأصلي، لأنّ من له و إليه الرجوع هو المالك الأصلي.

فلعلّ الأولى أن يعلّل الحكم بعدم جواز الإرث بهذا الوجه، و هو: أنّ علّة عدم انتقال جواز الرجوع إلى الوارث هي كون مقتضى القدر المتيقن من الإجماع اختصاص جواز الرجوع بالمتعاطيين و عدم ثبوته لغيرهما، فمع الشك في ثبوته للوارث يرجع إلى أصالة عدم جعله للوارث.

و الحاصل: أنّ الوجه في اختصاص جواز الرجوع بالمتعاطيين و عدم انتقاله إلى

ص: 251

و لا يجري (1) الاستصحاب.

[الفرق بين موت المتعاطيين و جنونهما]

و لو جنّ (2) أحدهما

______________________________

(1) أي: لا يجري استصحاب جواز الرجوع الذي كان ثابتا للمورّث، بأن يقال: إنّ الجواز كان متيقنا حال حياته، و يشك في زواله بالموت فيستصحب، فيبقى الملك متزلزلا على ما كان عليه في حال حياة المتعاطي، فيجوز للوارث الرجوع كما جاز للمورّث.

وجه عدم الجريان: عدم إحراز الموضوع، لاحتمال أن يكون الموضوع عنوان «المالك» المنطبق على الوارث، و أن يكون خصوص المتعاطي. فعلى الأوّل ينتقل إلى الوارث، و يصح جريان الاستصحاب فيه. و على الثاني لا يصح جريانه. و حيث إنّ الموضوع دائر بين ما هو مرتفع قطعا، و بين ما هو باق جزما، فلا يحرز بقاء الموضوع حتى يجري الاستصحاب.

الفرق بين موت المتعاطيين و جنونهما

(2) معطوف على «فلو مات» و مقصوده قدّس سرّه بيان الفارق بين الموت و الجنون بأنّ الأوّل ملزم للمعاطاة، دون الثاني، للفرق بين قيام الوارث مقام مورّثه، و بين قيام الولي مقام المولّى عليه. و بيانه: أنّ الولي بمنزلة الوكيل في كون فعله فعل الغير و مضافا إلى المتعاطي حقيقة، فالولي غير الوارث، لأنّ هذا يثبت له الحق بعنوان المالك و من له الحق، لكون الإرث جهة تعليليّة تقتضي ثبوت الحق لنفس الوارث.

______________________________

الوارث هو قصور الدليل عن إثباته لغيرهما من الوارث.

إلّا أن يقال: إن مقتضى الاستصحاب بقاء الحق و عدم سقوطه بموت المتعاطيين، فيندرج في: ما تركه الميت، فينتقل إلى الوارث.

إلّا أن يستشكل فيه بأنّ الشك في المقتضي.

لكن يجاب عنه بأن الاستصحاب يجري في الشك في المقتضي أيضا.

ص: 252

فالظاهر قيام وليّه مقامه في الرّجوع على القولين (1).

______________________________

بخلاف الولي، فإنّه يأخذ الحق لغيره، فالحقّ ثابت لنفس المتعاطيين، غاية الأمر أنّ أخذه يكون بمباشرة الولي كالوكيل، و لم يثبت اعتبار المباشرة في ثبوت الحق للمتعاطيين، حتى يقال: «إنّ المجنون يسقط حقّ رجوعه، لعدم قدرته على المباشرة» فلا يسقط جواز الرجوع بالجنون، بل لوليّه الرجوع، و من المعلوم أنّ الرجوع مما يقبل الولاية كقبوله للوكالة [1].

و لا يخفى أنّ قيام الولي مقام المتعاطي- الذي عرض عليه الجنون بعد المعاطاة- يجري من أوّل الملزمات إلى آخرها، فلا فرق في عدم لزوم المعاطاة بمجرّد الجنون بين التلف و التصرف الاعتباري و الخارجي و المزج و غيرها ممّا تقدّم من الفروع، فإنّ تحقّق أحد الملزمات عند تصدّي الولي يوجب صيرورة المعاطاة لازمة، و إلّا فهي باقية على جوازها، بلا فرق بين القول بالملك و الإباحة.

(1) أي: الملك و الإباحة، لما عرفت من كون الحق ثابتا لنفس المتعاطيين مع مباشرة الولي.

______________________________

[1] و مما ذكرنا يظهر غموض في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه من قول المقرر:

«و قد تبيّن لك مما أوضحناه أنّه لو جنّ أحد المتعاطيين لم يجز له الرجوع إلى الآخر، سواء فيه القول بالملك و القول بالإباحة، فإنّ الدليل على جواز المعاطاة إنّما هو الإجماع على تقدير تحققه، و لا نطمئن بوجوده في هذه الصورة، بل يرجع إلى أدلة اللزوم على كلا القولين. و إذن فلا وجه صحيح لما أفاده المصنف من ثبوت حق الرجوع لوليّ المجنون على كلا القولين» «1».

و ذلك لما عرفت من كون الحق ثابتا للمجنون لا للولي حتى يكون الجنون كالموت في كون المتيقن من الإجماع على الجواز هو خصوص المتعاطيين لئلّا يرثه

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 2، ص 217

ص: 253

______________________________

الوارث، و لئلّا ينتقل إلى الولي. ففرق واضح بين الموت و الجنون.

نعم يكون الجنون مثل الموت إذا ثبت اعتبار المباشرة، و عدم قابلية الرجوع للوكالة و الولاية، و أنّ الرجوع في المعاطاة من الأمور غير القابلة لهما، نظير الرجوع في الطلاق الرجعي على ما في وكالة وسيلة سيدنا الفقيه الأصفهاني قدّس سرّه و إن كان فيه تأمّل، لأنّ الرجوع ليس إلّا إبقاء للزوجية. و لا فرق في نظر العقلاء بين إبقائها و إحداثها في قابلية كلّ منهما للوكالة. فيصح أن يقول الوكيل: «بوكالتي عن فلان أرجعت فلانة إلى زوجيّتها له» «1».

فالظاهر- بعد عدم منع شرعي عن هذه الوكالة- جواز التوكيل في الرجوع القولي، و قد ثبت في محله إطلاق أدلة الوكالة في كلّ أمر يكون عرفا قابلا للتفويض إلى الغير، و لم يرد دليل شرعي على اعتبار المباشرة فيه كالرجوع الفعلي في الطلاق الرجعي.

إلّا أن يقال: إنّ نفس التوكيل في الرجوع رجوع عرفا، و معه لا يبقى موضوع للوكالة، فتأمّل.

______________________________

(1): وسيلة النجاة، ج 2، ص 150

ص: 254

[التنبيه السابع: المعاطاة بعد اللزوم بيع أو معاوضة مستقلة]

السابع (1): أن الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلّة، قال (2): «يحتمل الأول، لأنّ (3) [1]

______________________________

التنبيه السابع: المعاطاة بعد اللزوم بيع أو معاوضة مستقلة

(1) الغرض من عقد هذا التنبيه هو البحث عن إمكان فسخ المعاطاة بالخيار و الإقالة بعد طروء أحد الملزمات عليها و عدمه. و مورد الكلام هو المعاطاة المقصود بها الملك سواء أفادت الملك الجائز أم الإباحة، فإذا صارت لازمة بما تقدم في التنبيه السادس- من التلف و النقل بالعقد الجائز أو اللازم، و المزج و نحوها- يبحث عن قبولها للفسخ بالخيارات المعهودة من العيب و الغبن و تخلف الوصف و غيرها، و تجري فيها الإقالة، أو أنّها لا تقبل الفسخ أصلا؟ و ابتدأ المصنف بنقل كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، ثمّ علّق عليه، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(2) قال في المسالك: «الثامن: على تقدير لزومها بأحد الوجوه المذكورة، فهل تصير بيعا أو معاوضة برأسها؟ يحتمل الأوّل .. إلخ».

(3) حاصله: أنّ حصر المعاوضات في الأمور المعهودة و عدم كون المعاطاة منها يقتضي اندراجها في البيع، و لا دليل على كونها معاوضة مستقلة في قبال المعاوضات المعهودة.

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا التعليل، ضرورة أنّ حصر المعاوضات- التي منها البيع-

ص: 255

المعاوضات محصورة، و ليست إحداها. و كونها معاوضة برأسها يحتاج إلى دليل. و يحتمل الثاني، لإطباقهم (1) على أنّها ليست بيعا حال وقوعها، فكيف تصير بيعا بعد التلف (2)؟

______________________________

(1) حاصله: أنّ إطباقهم على عدم كون المعاطاة بيعا حين وقوعها يدلّ على كونها معاوضة مستقلة، إذ لا معنى لكون التلف موجبا لصيرورتها بيعا، فلا مقتضي لكونها بيعا.

(2) يعني: بعد البناء على عدم بيعيّتها حين وقوعها كيف تصير بالتلف بيعا؟

إلّا أن يقال: إنّ المنفي هو البيع الشرعي، لا العرفي المتقوم بقصد المبادلة بين المالين الموجود هنا، لأنّ المفروض قصد المتعاطيين للتمليك، فالمراد عدم شمول دليل

______________________________

في الأمور المعهودة- و عدم كون المعاطاة منها- يقتضي ضدّ المقصود و هو عدم بيعيّتها.

و إن أراد من المعاوضات غير البيع، فلا يقتضي نفيها عن المعاطاة ثبوت بيعيتها، لأنّ نفي الدليل على كونها من المعاوضات غير البيع لا يدلّ على كونها بيعا، بل بيعيّتها منوطة بصدق مفهومه عليها عرفا، فإن لم يصدق عليها فلا دليل على بيعيّتها. بل مقتضى الإجماع المدّعى على عدم بيعيتها قبل التلف هو عدم صيرورتها بعد التلف بيعا بالاستصحاب.

إلّا أن يقال: إنّ مفهوم البيع صادق عليها، غاية الأمر أنّ دليل حلّية البيع خصّص بالإجماع قبل التلف، و صارت المعاطاة مفيدة للإباحة مع كونها بيعا عرفا. لكن المتيقّن من الإجماع لمّا كان هو إفادة المعاطاة للإباحة قبل التلف فيرجع بعده إلى عموم دليل لزوم البيع، فالمراد بصيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا هو ترتب الأثر- أعني به الملكية- بعده، فالمعاطاة بيع، غاية الأمر أنّ الإجماع قام على عدم ترتب الأثر الملكي عليها إلّا بعد التلف.

و بهذا التقريب يظهر وجه اندفاع التعجب المستفاد من قوله قدّس سرّه: فكيف يصير بيعا بعد التلف؟

ص: 256

و تظهر الفائدة في ترتب الأحكام المختصة بالبيع عليها كخيار الحيوان لو كان التالف الثمن (1) أو بعضه (2).

و على تقدير ثبوته (3)

______________________________

نفوذ البيع للمعاطاة، للإجماع، لكنه بعد التلف لا إجماع، فيتشبّث بأدلة صحة البيع.

و بالجملة: فإن أريد بقولهم: «ليست بيعا حال وقوعها» نفي البيع الشرعي فلا بأس به. و إن أريد به نفي البيع العرفي فلا إشكال في فساده، لأنّ الحاكم بثبوت البيع و نفيه حينئذ هو العرف، و من المعلوم عدم ارتيابهم في صدق مفهوم البيع العرفي عليها.

(1) أمّا التقييد بالتلف فلأنّ المفروض جعل موضوع البحث- في ثبوت الخيارات- المعاطاة التي صارت لازمة بأحد ملزماتها التي منها التلف، و أمّا التقييد بكون التالف الثمن أو بعضه دون المثمن- أعني: الحيوان- فوجهه: أنّه يلزم من فرض وجود الخيار عدمه، و ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.

توضيحه: أنّ المفروض كون المعاطاة اللازمة بسبب التلف موضوعا للخيار، و من المعلوم توقف الخيار كغيره من الأحكام على وجود موضوعه. و قد قرر في محلّه انحلال البيع و انفساخه بتلف المبيع في زمن الخيار، لقاعدة «كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له».

و على هذا فالتلف الذي هو سبب و علّة للخيار موجب لانعدام موضوع الخيار. و هذا محال، ففرض ثبوت الخيار في المعاطاة بعد لزومها لا بدّ أن يكون بغير تلف المبيع.

(2) بناء على ما تقدم من كون تلف بعض أحد العوضين ملزما كتلف تمام أحد العوضين.

(3) أي: ثبوت الخيار بأن نختار بيعيّة المعاطاة.

ص: 257

فهل الثلاثة (1) من حين المعاطاة أو [1] من حين اللزوم؟ كلّ (2) محتمل.

و يشكل الأوّل (3) بقولهم: إنّها ليست بيعا، و الثاني (4) بأنّ التصرف ليس معاوضة بنفسها.

______________________________

(1) أي: الأيام الثلاثة في خيار الحيوان، فإنّ مبدء الخيار هل هو حين وقوع المعاطاة أم حين اللزوم؟

(2) أي: كل واحد من كون مبدء زمان الخيار حين وقوع المعاطاة أو حين لزومها. منشأ الاحتمال الأوّل هو احتمال كون موضوع الخيار مطلق البيع العرفي الفعلي سواء أ كان شرعيا بالفعل أم بالشأن.

و منشأ الثاني هو احتمال كون موضوعه البيع الفعلي عرفا و شرعا.

(3) أي: الوجه الأوّل، و هو صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف، و وجه الإشكال هو تصريحهم بعدم كون المعاطاة بيعا، فإنّه ينافي احتمال بيعيّتها.

(4) يعني: و يشكل الوجه الثاني و هو كون المعاطاة معاوضة مستقلة.

و محصّل وجه الإشكال: أنّ التصرف أو التلف أو غيرهما من ملزمات المعاطاة لا تجعل المعاطاة معاوضة بنفسها بحيث تكون أجنبية عن البيع، حتى لا يدخل فيها الخيارات المختصة بالبيع.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الترديد خلاف ما فرضه من كون المعاطاة بيعا بعد التلف.

توضيحه: أنّه- بعد البناء على توقف المعاطاة على بيعيتها المنوطة بلزوم المعاطاة بالتلف. و بعد البناء على إطباقهم على عدم بيعيّتها حين وقوعها- لا بدّ من الالتزام بكون مبدء ثلاثة الحيوان حين التلف الذي هو زمان لزوم المعاطاة و حصول بيعيّتها، فلا مجال للترديد في كون مبدء الخيار حين الوقوع أو اللّزوم.

ص: 258

اللهم (1) إلّا أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه (2).

و الأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا (3) بناء [1] على أنّها ليست لازمة.

و إنّما يتمّ على قول المفيد (4) و من تبعه.

أمّا خيار العيب و الغبن (5) فيثبتان على التقديرين.

______________________________

(1) غرضه تصحيح كونها معاوضة مستقلّة بأن تكون المعاطاة جزء سبب المعاوضة، و يكون التلف متمّم السبب، فيصح أن تعدّ المعاطاة حينئذ معاوضة مستقلة.

(2) أي: تمام السبب، فيكون التلف كالقبض في بيعي الصرف و السّلم في متمّميّته للعقد.

(3) أي: في المعاطاة بناء على عدم لزومها، استنادا إلى كون موضوع الخيار هو العقد اللازم، فالمعاطاة المبنية على الجواز ليست موضوعا للخيار.

(4) بناء على ظهور كلامه في كون المعاطاة بيعا لازما. و قد تقدّم البحث عنه في نقل أقوال الأصحاب في المعاطاة، فراجع. «1»

(5) يحتمل أن يكون هذه الفقرة في قبال خيار الحيوان المختص بالبيع، فالمراد حينئذ بقوله: «على التقديرين» هو صيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا أو معاوضة مستقلة.

______________________________

[1] هذا الابتناء ممنوع، لأنّ دعوى انحصار موضوع الخيار بالعقد اللازم تقييد في إطلاق أدلة الخيار بلا مقيّد. و قد تقدّم في بعض المباحث عدم التهافت بين جواز العقد و ثبوت الخيار، كما يأتي عدم التنافي بين الخيارين الثابتين في عقد واحد إن شاء اللّه تعالى.

نعم يختص دليل خيار الحيوان بالبيع كدليل خيار المجلس، فثبوتهما، في المقام منوط بصدق البيع على المعاطاة من دون فرق بينهما.

______________________________

(1): هدى الطالب، ج 1، ص 328 و 563

ص: 259

..........

______________________________

و محصل المرام على هذا هو: أنّه تظهر الثمرة بين الاحتمالين في الأحكام المختصة بالبيع كخيار الحيوان. فبناء على صيرورتها بيعا بعد التلف يثبت فيها خيار الحيوان، و بناء على كونها معاوضة مستقلة لا يثبت فيها ذلك.

و أمّا الأحكام غير المختصة بالبيع كخيار العيب و الغبن فلا تظهر الثمرة فيها، لثبوتها على كلا الاحتمالين، حيث إنّ مقتضى عموم أدلّتها عدم الاختصاص بالبيع، فتثبت للمعاطاة على كلا التقديرين، و هما صيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا أو معاوضة مستقلة، هذا.

و يحتمل أن تكون راجعة إلى قوله: «و الأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان هنا .. إلخ» و المراد حينئذ بقوله: «على التقديرين» هو لزوم المعاطاة قبل التلف كما هو المحكي عن المفيد قدّس سرّه، و عدم لزومها قبله كما هو قول غيره. أمّا وجه ثبوتهما في المعاطاة على التقديرين هو عموم دليلهما الشامل للمعاطاة اللّازمة و الجائزة.

______________________________

و مما يدلّ على عدم التقييد بلزوم البيع في ثبوت خيار العيب رواية جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع، فيجد فيه عيبا، فقال: إن كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه، و أخذ الثمن. و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب» و مثلها غيرها.

و مما يدل على الثاني رواية ميسّر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال غبن المؤمن حرام» و رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «ان رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: لا ضرر و لا ضرار».

و عن المسالك: «المشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين منهم ثبوت خيار الغبن». و نقل عن الدروس القول بعدمه، و الأخبار خالية عنه.

نعم ورد في تلقي الركبان تخييرهم إذا غبنوا. و استدلّوا عليه أيضا بخبر الضرار.

و عن التذكرة ظهور عدم الخلاف فيه بين علمائنا.

ص: 260

كما أنّ خيار المجلس منتف (1)» انتهى «1».

______________________________

(1) ظاهره الجزم بانتفاء خيار المجلس على كلا التقديرين، و هما: كون المعاطاة معاوضة مستقلة، أو صيرورتها بيعا. و الوجه فيه: أنّ خيار المجلس مختص بالبيع الذي يكون مبنيّا على اللزوم لو لا هذا الخيار.

و ليس المراد بالتقديرين لزوم المعاطاة كما عن المفيد، و جوازها كما عن المشهور، لوضوح عدم المناسبة حينئذ مع اللزوم، إذ على مذهب المفيد قدّس سرّه يثبت خيار المجلس في المعاطاة قطعا، لكونه كالبيع بالصيغة مفيدا للملك اللازم من أوّل الأمر. مضافا إلى: أنّ المناسب أن يقول: «على القولين» لا التقديرين.

______________________________

و كيف كان فالقول بثبوته قوي جدّا، و اللّه العالم.

و قد ظهر من جميع ذلك خلوّ أدلة خيار الغبن عن اعتبار لزوم البيع لولاه، فلو شكّ في اعتبار في ثبوت خيار الغبن فإطلاق أدلته ينفيه، فلاحظ و تدبّر.

و محصل ما يمكن أن يقال في المقام: إنّ الخيار المتصور في العقود على ثلاثة أقسام.

الأوّل: أن يكون ثبوته بالجعل و الاشتراط، كاشتراط فعل على أحد المتعاقدين، أو صفة في أحد العوضين، فإنّ مرجع الاشتراط حينئذ إلى سلطنة المشروط له على فسخ العقد مع تخلف الوصف أو الشرط، و ليس هذا إلّا معنى الخيار عند التخلف، فاللزوم منوط بوجود ذلك الفعل أو الوصف، إذ لو كان المعلّق نفس العقد بحيث توقف أصل العقد عليهما بطل إجماعا، لكونه من التعليق في العقود، فلا محالة يكون الموقوف على الفعل أو الوصف لزوم العقد لا نفس العقد، هذا.

الثاني: أن يكون الخيار للشرط الضمني كاعتبار السلامة في العوضين، و التساوي بينهما في المالية، فإنّ كلّا منهما شرط في المعاوضة بمقتضى بناء العقلاء على ذلك. فهذا

______________________________

(1): مسالك الافهام، ج 3، ص 151

ص: 261

______________________________

شرط ضمني ارتكازي عقلائي، و تخلفه يوجب الخيار، هذا.

الثالث: أن يكون الخيار للدليل الشرعي المسمّى بالخيار المنجعل، فإنّ الخيار يثبت تعبّدا لعنوان البيع، بحيث يكون الموضوع في أدلة الخيار نفس عنوان البيع، كخياري المجلس و الحيوان، من دون أن يكون ذلك لشرط ضمني أو ارتكازي عقلائي، كما لا يخفى.

لا ينبغي الإشكال في جريان القسمين الأوّلين من الخيار في المعاطاة بناء على إفادتها الملك الجائز و إن لم تكن بيعا، بل معاوضة مستقلة، إذ المفروض عدم اختصاصهما بالبيع، حيث إنّ دليلهما لا يختص به، فجريان هذين القسمين من الخيار لا يتوقف على كون المعاطاة بيعا.

و المناقشة في جريان الخيار في المعاطاة تارة بلغوية جعل الخيار، لكونه تحصيلا للحاصل، حيث إنّ المعاطاة بذاتها جائزة، و لا معنى لجعل الخيار فيها، و هذا إشكال عام لجميع الخيارات، كما أنّ الاشكال الآتي يختص بخياري المجلس و الحيوان.

و أخرى في خصوص خيار المجلس و الحيوان بما حاصله: أنّ أدلتهما ظاهرة في كون موضوعهما خصوص البيع المبني على اللزوم لو لا الخياران المزبوران، لا كلّ ما يصدق عليه البيع، و من المعلوم أنّ المعاطاة المفيدة للملك الجائز جائزة بطبعها الأوّلي.

مندفعة.

أمّا الأولى- التي مرجعها إلى الامتناع الذي هو إشكال ثبوتيّ- فبما تقدم في التنبيه الأوّل، و حاصله: أنّه لا مانع من جعل الخيار في المعاطاة المبنية على الجواز، و ذلك لأنّ جوازها إمّا حقّي و إمّا حكمي كجواز الهبة، و على التقديرين، إمّا يكون متعلق الجواز نفس العقد، و إمّا يكون العين المأخوذة بالمعاطاة، فالصور أربع:

الاولى: أن يكون جواز المعاطاة حقّيا متعلّقا بنفس العقد كتعلق الخيار به.

و لا ينبغي الإشكال حينئذ في شمول أدلة الخيارات للمعاطاة، إذ لا مانع من اجتماع

ص: 262

______________________________

الجوازين، فإذا كان المتعاطيان في مجلس المعاملة كان جواز المعاطاة ثابتا لهما، فإذا تلفت العينان أو إحداهما قبل الافتراق سقط جواز المعاطاة، و بقي خيار المجلس. كما أنّه إذا افترقا قبل تلفهما أو إحداهما سقط خيار المجلس و بقي جواز المعاطاة، كما هو واضح.

الثانية: أن يكون جواز المعاطاة حقّيّا متعلّقا بالعين. و الحكم في هذه الصورة أوضح من سابقتها، لمغايرة متعلق جواز المعاطاة لمتعلق الخيار، حيث إنّ متعلق جواز المعاطاة هو العين، و متعلق الخيار هو العقد.

الثالثة: أن يكون جواز المعاطاة حكميّا متعلّقا بنفس العقد كتعلق الخيار به.

و قد يتوهم اللّغويّة هنا، إذ المفروض اجتماع الجوازين على موضوع واحد و هو العقد، فجعل الخيار مع جواز المعاطاة طبعا تحصيل للحاصل.

لكن هذا التوهم فاسد، لأنّ اللغوية إنّما تلزم إذا لم يمكن انفكاك أحد الخيارين عن الآخر، و المفروض خلافه، لما عرفت في الصورة الاولى من انفكاكهما، و أنّ النسبة بينهما عموم من وجه، لاجتماعهما مع وجود العينين قبل التفرق عن المجلس، و سقوط جواز المعاطاة و بقاء خيار المجلس، إذا تلفت العينان أو إحداهما قبل التفرق، و بقاء جواز المعاطاة و سقوط خيار المجلس كما إذا تفرّقا عن المجلس و كانت العينان باقيتين.

الرابعة: أن يكون جواز المعاطاة حكميّا متعلّقا بالعين، و الحكم هنا أوضح من سابقتها، لتغاير متعلّق جواز المعاطاة لمتعلق الخيار المصطلح.

و بالجملة: فلا مانع ثبوتا و إثباتا من جريان جميع الخيارات في المعاطاة بناء على كونها بيعا جائزا.

و أمّا الثانية الراجعة إلى الإشكال الإثباتي- المختص بخياري المجلس و الحيوان الذي مرجعه الى قصور الدليل- فبما تقدّم أيضا في الأمر الأوّل من: أنّ المعاطاة كالبيع اللفظي مبنيّة- بحسب قصد المتعاطيين- على اللزوم، غاية الأمر أنّه قام الدليل من

ص: 263

و الظاهر أنّ هذا (1) تفريع على القول بالإباحة في المعاطاة. و أمّا على القول بكونها مفيدة للملك المتزلزل، فيلغى [فلا ينبغي] الكلام في كونها

______________________________

(1) أي: صيرورة المعاطاة بيعا أو معاوضة مستقلة، فإنّ الظاهر تفريعهما على

______________________________

الخارج على أنّ لزومها يكون بالتصرف و نحوه من الملزمات.

و الحاصل: أنّ الجواز العرضي لا ينافي اللزوم الذاتي.

فالمتحصل: مما ذكرنا جريان الخيارات مطلقا حتى خياري المجلس و الحيوان في المعاطاة المقصود بها التمليك المفيدة للملك الجائز من دون توهم مانع ثبوتي في كل خيار، و لا إثباتي في خصوص خياري المجلس و الحيوان.

و أمّا المعاطاة المقصود بها التمليك- على القول بإفادتها للإباحة- فإن أريد بالخيار ردّ العين إلى ملك مالكها الأوّل فلا يثبت فيها، لأنّ العين لم تخرج من ملك مالكها حتى يثبت له حقّ استردادها. و إن أريد به سلطنة حلّ العقد و فسخه فلا يبعد ثبوته هنا، لكون المعاطاة على هذا القول أيضا بيعا عرفا و شرعا، غاية الأمر أنّ الشارع أناط تأثيرها في الملكية بطروء أحد الملزمات، نظير إناطة الملكية في الصرف و السلم بالقبض، ففسخ المعاطاة حينئذ يوجب انتفاء الموضوع أعني به العقد، فتسقط المعاطاة عن قابلية التأثير في الملكية.

و بالجملة: فالخيار بمعنى السلطنة على حلّ العقد و فسخه جار في المعاطاة المقصود بها الملك مع إفادتها شرعا للإباحة، لكونها بيعا عرفا و شرعا، غاية الأمر أنّ فعليّة تأثيرها شرعا في الملكية منوطة بطروء أحد الملزمات. و لا يقدح ذلك في صدق البيع الذي هو موضوع أدلة الخيارات، فلكل واحد من المتعاطيين رفع قابلية المعاطاة للتأثير في الملكية بالفسخ.

فتلخص من جميع ما ذكرناه: جريان جميع الخيارات في المعاطاة المقصود بها الملك المفيدة للملك المتزلزل أو الإباحة، من دون إشكال ثبوتي و لا إثباتي في ذلك.

ص: 264

معاوضة مستقلة أو بيعا متزلزلا قبل اللزوم حتى يتبعه حكمها بعد اللزوم، إذ (1) الظاهر أنّه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع، بلا إشكال في ذلك (2) عندهم على ما تقدّم من المحقق الثاني «1»، فإذا (3) لزم صار بيعا لازما، فيلحقه أحكام البيع (4) عدا ما أستفيد من دليله ثبوته للبيع العقدي الذي مبناه على اللزوم لو لا الخيار (5).

______________________________

القول بالإباحة في المعاطاة، إذ على القول بإفادة المعاطاة للملك المتزلزل يلغو الترديد بين كونها بيعا أو معاوضة، إذ الظاهر أنّ القائلين بإفادتها للملك المتزلزل جازمون بكونها بيعا على ما تقدّم في كلام المحقق الثاني، فإذا لزمت المعاطاة حينئذ بأحد ملزماتها صارت بيعا لازما.

(1) تعليل لقوله: «فيلغى الكلام» و حاصله: أنّ وجه اللّغوية هو عدم الإشكال عند القائلين بكون المعاطاة مفيدة للملك في كونها بيعا. و عليه فالترديد بين كونها بيعا أو معاوضة مستقلّة لغو.

و لا يخفى أنّ في بعض النسخ المطبوعة «فينبغي الكلام في كونها معاوضة ..»

و لكنه سهو قطعا، لمنافاته مع تعليل المصنف بقوله: «إذ الظاهر» فإنّه تعليل لبيعية المعاطاة المفيدة للملك المتزلزل، و لا يبقى موضوع للترديد بين البيعية و المعاوضة المستقلة حتى يبقى مجال للبحث فيه.

و كتب سيدنا الأستاذ النوري قدّس سرّه في هامش نسخته: «الظاهر أن يقال:

فلا ينبغي الكلام».

(2) أي: في كون المعاطاة بيعا عند القائلين بالملك.

(3) هذا نظر المصنف و ليس تتمة لكلام المحقق الثاني.

(4) من الخيارات التي تثبت للبيع اللازم من غير جهة الخيار، إذ المفروض لزومها من جهة الملزمات، فهي لازمة لو لا الخيار.

(5) فلا يثبت شي ء من تلك الخيارات في المعاطاة، لعدم كونها حينئذ من العقد

______________________________

(1): تقدم كلامه في التنبيه الأوّل في ص 8

ص: 265

و قد تقدّم (1) أنّ الجواز هنا لا يراد به ثبوت الخيار.

و كيف كان (2) فالأقوى أنّها على القول بالإباحة بيع عرفي لم يصحّحه

______________________________

المبني على اللزوم لو لا الخيار، إذ المعاطاة عقد مبني على الجواز و التزلزل.

(1) أي: في أوائل التنبيه السادس، حيث قال: «و لم يثبت قبل التلف جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري ..، فإنّ الجواز فيه بمعنى جواز الرجوع .. إلخ».

و قد تقدم نظيره في أواخر التنبيه السادس أيضا، فراجع.

ثم إنّ هذا دفع توهم، و هو: أنّ المعاطاة أيضا على القول بالملك بيع مبني على اللزوم لو لا الخيار المعبّر عنه بجواز الرجوع.

و حاصل دفعه: أنّ الجواز في المعاطاة ليس بمعنى الخيار الذي هو حق، بل هو جواز حكمي أجنبي عن الخيار، فلا يثبت الخيار المذكور في المعاطاة.

(2) يعني: سواء أ كان جواز الرجوع في المعاطاة حكما كما في الهبة أم حقّا كما في الخيار. أو سواء أ كانت المعاطاة المفيدة للملك الجائز بيعا أم معاوضة مستقلة.

و كيف كان فظاهر العبارة منع ما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه من ابتناء الترديد- في حكم المعاطاة من كونها بيعا أو معاوضة مستقلة- على القول بالإباحة على ما استظهره المصنف قدّس سرّه بقوله قبل أسطر: «و الظاهر أن هذا تفريع على القول بالإباحة في المعاطاة».

وجه المنع ما تقدم مرارا من أنّ المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفي سواء أفادت الملك المتزلزل أم الإباحة، فالمفيدة للإباحة الشرعية بيع أيضا و إن كان فاسدا لا يترتب عليه أثره المقصود إلّا بطروء أحد الملزمات، نظير توقف الملك في بيع الصّرف و السّلم على القبض. و على هذا لا بدّ من ترتيب أحكام البيع اللفظي على المعاطاة المفيدة للإباحة، عدا الحكم المختص بالبيع المنعقد صحيحا أي مفيدا للملك اللازم بحسب طبعه، فإنّه لا يثبت في المعاطاة، لفرض إفادتها الإباحة بحكم

ص: 266

الشارع و لم يمضه إلّا بعد تلف إحدى العينين أو ما في حكمه (1). و بعد التلف يترتب عليه أحكام البيع عدا ما اختصّ دليله بالبيع الواقع صحيحا من أوّل الأمر (2).

______________________________

الشارع.

و لا يخفى أنّ ترتب أحكام البيع على المعاطاة المبيحة- بعد طروء الملزم- هو الذي احتمله الشهيد الثاني قدّس سرّه في آخر كلامه بقوله: «اللهم إلّا أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه» بأن يكون التعاطي مقتضيا للملكية- و إن لم تترتب عليه من أوّل الأمر- و يتوقف فعلية التأثير على حصول الشرط و هو طروء الملزم.

(1) كالتصرف الاعتباري، و المزج و نحوهما من الملزمات.

(2) يعني: لا بعد التلف. و غرضه من ذلك أنّ البيع العرفي على قسمين:

أحدهما: ما هو حكم لخصوص البيع الواقع صحيحا شرعيا من أوّل الأمر كالصيغة الخاصة، أو مطلق الصيغة على الخلاف.

و الآخر: ما هو حكم لمطلق البيع العرفي، نظرا إلى عدم انفهام الاختصاص من دليل ذلك الحكم، كالعلم بالعوضين و ثبوت الخيارات كلّا أو بعضا، على الخلاف في أنّ المستفاد من أدلّتها هو الإطلاق، أو المستفاد من أدلة بعضها الإطلاق كخيار العيب المستند إلى حديث نفي الضرر، فإنّ دليله لا يختص بالبيع العرفي الواقع صحيحا من أوّل الأمر.

و الحاصل: أنّ المراد بالبيع الصحيح من أوّل الأمر هو البيع العرفي الذي يترتب عليه الحكم الشرعي من زمان وقوعه، و المراد من مقابله هو عدم ترتب الأثر الشرعي عليه إلّا بعد طروء أحد ملزمات المعاطاة، فهما مشتركان في كونهما بيعا عرفيّا، و مفترقان في كون أحدهما موضوعا للأثر الشرعي من حين وقوعه، و الآخر من حين طروء أحد الملزمات.

ص: 267

و المحكي (1) «1» عن حواشي الشهيد «أنّ المعاطاة معاوضة مستقلّة جائزة

______________________________

(1) الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من نقل كلام الشهيد الأوّل ثم توجيهه دفع ما يرد على قوله: «إذ الظاهر أنه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال» و توضيح المطلب: أنّ المصنف جعل مصبّ ترديد الشهيد الثاني في المسالك «من صيرورة المعاطاة بعد التلف بيعا أو معاوضة مستقلة» المعاطاة المقصود بها الإباحة، دون المعاطاة المقصود بها الملك. و علّل ذلك بأنّ المعاطاة المفيدة للملك المتزلزل بيع عند القائلين به كما صرّح به المحقق الثاني قدّس سرّه، فلا يبقى وجه لأن يتردّد الشهيد الثاني في كونها بيعا أو معاوضة مستقلّة، و عليه لا بد أن يكون غرض المسالك الترديد في حكم المعاطاة بناء على مشهور القدماء من الإباحة التعبدية، هذا.

لكن قد ينافي هذا الحمل تصريح الشهيد في حواشي القواعد من «أنّ المعاطاة معاوضة مستقلة جائزة أو لازمه» وجه المنافاة: أنّها لو كانت بيعا عندهم لم يبق مجال للجزم بكونها معاوضة مستقلة، فهذا الجزم شاهد على عدم تسالمهم على بيعيّتها، فتختلّ دعوى المصنف «إذ الظاهر أنّه عند القائلين بالملك المتزلزل بيع بلا إشكال» بل هي إمّا معاوضة مستقلة بلا إشكال كما ادّعاه الشهيد، و إمّا هي بيع على إشكال.

و يترتب على هذا التنافي: إمكان الأخذ بإطلاق كلام المسالك من أنّ الترديد بين البيع و المعاوضة المستقلة جار على كلّ من الملك و الإباحة، و لا وجه لتخصيصه بالإباحة كما ادّعاه المصنف بقوله: «و الظاهر أنّ هذا تفريع على القول بالإباحة»، هذا.

و قد تخلّص المصنف عن هذا الإشكال بمنع التنافي، و ذلك لأنّ جزم الشهيد قدّس سرّه بكونها معاوضة مستقلة مبني على مسلكه في المعاطاة من كونها مفيدة لإباحة التصرف غير المتوقف على الملك، بشهادة منعه عن إخراج المأخوذ بها في خمس و هدي و نحوهما مما يناط شرعا بالملك.

______________________________

(1): الحاكي هو السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 158

ص: 268

أو (1) لازمة» و الظاهر (2) أنّه أراد التفريع على مذهبه من الإباحة. و كونها (3) معاوضة قبل اللزوم من جهة كون كلّ من العينين مباحا عوضا عن الأخرى.

لكن (4) لزوم هذه المعاوضة لا يقتضي حدوث الملك كما لا يخفى، فلا بدّ أن

______________________________

و على هذا فكونها معاوضة مستقلّة ليس على حدّ سائر العقود المعاوضية الناقلة للأملاك كالبيع القولي و الصلح و القرض و نحوها. بل مراده بالمعاوضة هو التعاوض في الإباحة، لوضوح أنّ الإباحة قد تكون بلا عوض كما في أكل المارّة، و قد تكون مع العوض، و المعاطاة عند المشهور تكون من القسم الثاني. فإطلاق المعاوضة عليها بهذا اللحاظ، لا بلحاظ المبادلة في إضافة الملكية.

فتحصّل: أنّ جزم الشهيد قدّس سرّه بالمعاوضة المستقلة ليس منافيا لما نسبه المصنف إلى القائلين بالملك المتزلزل من التصريح ببيعيّتها.

هذا توضيح توجيه كلام الشهيد، و للمصنف إشكال عليه سيأتي بيانه.

(1) حرف العطف هنا للتنويع لا للترديد، يعني الجواز قبل الملزم، و اللزوم بعده.

(2) هذا توجيه المصنف لكلام الشهيد، و قد أوضحناه بقولنا: «و قد تخلص المصنف عن هذا الاشكال بمنع التنافي». و عليه فالغرض إخراج الشهيد عن مخالفة القائلين ببيعية المعاطاة المفيدة للملك الجائز، إذ لو كان مقصوده من المعاوضة المستقلّة المبادلة في الملكية كان مخالفا لهم، و لكن حيث إنّ مختار الشهيد في المعاطاة معلوم و هو الإباحة الخاصة، فمراده من المعاوضة ليس المبادلة في الملكية.

(3) دفع لما يتوهم من أنّ جعل مورد كلام الشهيد المعاطاة المفيدة للإباحة ينافي جعلها معاوضة لازمة أو جائزة، إذ لا تكون المعاطاة حينئذ من المعاوضات.

و محصل دفعه هو: إنّ إطلاق المعاوضة عليها إنّما هو باعتبار كون كلّ من العينين مباحا عن الأخرى.

(4) إشارة إلى إشكال على القول بالإباحة، و هو: أنّه بناء على كون المعاطاة

ص: 269

يقول بالإباحة اللّازمة، فافهم (1).

______________________________

مفيدة للإباحة لا وجه لصيرورتها مملّكة بأحد الملزمات، إذ لا يوجب طروء الملزم حدوث الملكية اللازمة، بل لا يقتضي عروضه إلّا لزوم المعاطاة، فإن كانت مفيدة للملك صارت لازمة بمعنى صيرورة الملك لازما، و إن كانت مفيدة للإباحة صارت الإباحة لازمة بمعنى عدم جواز حلّ الإباحة الشرعية.

و قيل: إنّه لم يظهر من الشهيد قدّس سرّه، خلاف ذلك، فالتزامه بصيرورة الإباحة لازمة غير بعيد.

(1) لعلّه إشارة إلى: عدم إباء كلام الشهيد عن كون الإباحة لازمة.

أو إلى: أنّ احتمال لزوم المعاطاة المفيدة للإباحة المنافي للإجماع على جوازها مندفع بأنّه مبني على أن يكون قول الشهيد: «جائزة أو لازمة» للترديد. و أمّا إذا كان للتنويع فلا يلزم إشكال أصلا، لأنّ المعاطاة على هذا تارة تكون لازمة، و أخرى جائزة، يعني: أنّ المعاطاة جائزة قبل عروض الملزم و لازمة بعده.

ص: 270

[التنبيه الثامن: إلحاق الصيغة الملحونة بالمعاطاة]

الثامن (1): لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة- التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة- بما إذا تحقّق إنشاء التمليك أو الإباحة بالفعل و هو قبض العينين.

______________________________

التنبيه الثامن: إلحاق الصيغة الملحونة بالمعاطاة

(1) الغرض من عقد هذا الأمر هو: بيان أنّ العقد الفاسد- لاختلال شرائط الصيغة- هل يرجع إلى المعاطاة أم لا؟ و بعبارة أخرى: المعاطاة التي تتحقق بقبض العينين قطعا هل تنعقد بالصيغة غير الجامعة لشرائط الصحة كما في الجواهر «1» أم لا؟

محصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ذلك هو: أنّه لا إشكال في تحقق البيع اللازم بإنشائه باللفظ المستجمع للخصوصيات الدخيلة فيه من الماضوية و العربية و الصراحة و نحوها، كما لا إشكال في تحقق المعاطاة بما إذا كان إنشاء التمليك أو الإباحة بإقباض العينين.

و يقع الكلام في أنّه إذا حصل إنشاء التمليك بالصيغة الفاقدة لبعض شروط الصحة، فعلى القول بكفاية الإنشاء القولي بكلّ لفظ مبرز عرفا للاعتبار النفساني و إن لم يكن جامعا لشرائط الصحة- بناء على شمول معقد الإجماع على توقف العقود اللّازمة على اللفظ لكل لفظ مبرز عرفا للاعتبار النفساني و إن لم يكن صحيحا-

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 238

ص: 271

أمّا إذا حصل بالقول غير الجامع لشرائط اللّزوم [1] فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم بشي ء زائد على الإنشاء اللّفظي كما قوّيناه سابقا (1)- بناء على التخلص بذلك (2) عن اتفاقهم على توقف العقود اللّازمة على اللّفظ-

______________________________

فلا إشكال حينئذ في كون هذا الإنشاء صحيحا لازما.

و على القول بمذهب المشهور- من اعتبار أمور زائدة على اللفظ- ففيه وجوه:

الأوّل: كون هذا الإنشاء بحكم المعاطاة مطلقا.

الثاني: كونه بحكم المعاطاة بشرط تحقق قبض العين معه.

الثالث: كونه فاسدا كغيره من العقود الفاسدة.

(1) حيث قال قبل أسطر من نقل رواية: «إنّما يحلل الكلام و يحرم الكلام» ما لفظه: «نعم الإكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد» «1».

(2) أي: بالإنشاء اللفظي غير الجامع للشرائط. و ظاهر كلمة «التخلّص» أنّ الإجماع ألجأنا إلى الإكتفاء بمطلق اللفظ في إنشاء العقود اللّازمة، و لو لا هذا الإجماع لأنكرنا شرطية اللفظ رأسا، و قلنا بلزوم المعاطاة من أوّل الأمر.

و على كلّ فوجه التخلص هو صدق «الإنشاء اللفظي» على الصيغة الملحونة أو الفاقدة لبعض الشرائط، و بهذا الصدق نخرج عن مخالفة الإجماع المزبور.

______________________________

[1] الظاهر كونه غلطا، و المناسب لما يذكره من قوله: «فان قلنا .. إلخ» تبديل اللّزوم بالصحة.

و كيف كان فملخص الكلام: أنّه إذا حصل إنشاء التمليك بالقول غير الجامع لشرائط الصحة كأن يقول: «بعتك» فعلى القول بكفاية مجرّد الإنشاء اللفظي في اللزوم و عدم الحاجة إلى غيره فلا إشكال في صحّته و لزومه.

و على القول بما عن المشهور من اعتبار أمور زائدة على اللفظ في اللزوم ففيه وجوه:

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 579

ص: 272

فلا إشكال في صيرورة المعاملة بذلك (1) عقدا لازما.

______________________________

(1) أي: بالقول غير الجامع للشرائط.

______________________________

أحدها: رجوع ذلك الإنشاء القولي إلى المعاطاة مطلقا، أي سواء تحقق معه قبض أم لا.

ثانيها: رجوعه إليها إذا تعقّبه القبض مطلقا، سواء حصل إنشاء آخر بهذا القبض أم لا.

ثالثها: كونه بيعا فاسدا لا يترتب عليه أثر سواء تحقق قبض بعده أم لا.

التحقيق أن يقال: انّ المعاطاة إن كانت على طبق القاعدة فلا محيص عن الالتزام بكون إنشاء التمليك بالقول الفاقد لبعض شرائط الصحة بيعا لازما، إذ المفروض عدم نهوض دليل على اعتبار مبرز خاص فيه، فدليل صحة البيع و نفوذه يقتضي صحة البيع المنشأ بلفظ فاقد لشرائط الصحة، و لزومه كصحّته إذا أنشئ بكتابة أو إشارة أو إلقاء حصاة أو غير ذلك من كل فعل مبرز لاعتبار نفساني.

و إن كانت على خلاف القاعدة بأن اعتبر في صحة البيع لفظ خاص كما اعتبر في النكاح و الطلاق فلا ينبغي الإشكال في فساده إذا أنشئ بغير ذلك اللفظ الخاص، سواء أ كان لفظا أم فعلا، و يكون الإنشاء بغير ذلك اللّفظ الخاص كالعدم، و القبض به من صغريات المقبوض بالعقد الفاسد.

كما أنّه إذا دلّ دليل على اعتبار لفظ خاصّ بكيفية مخصوصة في لزوم العقد فلا ينبغي الإشكال أيضا في صحته جوازا، إذ المفروض كون المشروط بتلك الخصوصية هو اللزوم لا صحة العقد و جوازه، فلا بد في الحكم باستمرار جوازه من ملاحظة دليل الجواز.

فإن كان له إطلاق يحكم بجواز العقد دائما على حذو العقود الجائزة بالأصالة، و مع هذا الإطلاق لا وجه للتمسك باستصحاب الجواز، لحكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي، فلا تصير هذه المعاملة لازمة بطروء ملزمات المعاطاة، إلّا إذا قام دليل خاص على اللزوم بها.

و إن لم يكن له إطلاق يحكم باللزوم في غير القدر المتيقن، تمسكا بعمومات

ص: 273

و إن قلنا (1) بمقالة المشهور- من اعتبار أمور زائدة (2) على اللّفظ- فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلى حكم المعاطاة مطلقا (3)، أو بشرط (4) تحقق قبض العين منه، أو لا يتحقق (5) به مطلقا (6)؟

نعم (7) إذا حصل إنشاء آخر [1] بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة.

______________________________

(1) معطوف على «فان قلنا» و هذا شروع في بيان محلّ النزاع، و هو إلحاق الصيغة الفاقدة لبعض الشروط بالمعاطاة.

(2) مثل الماضوية، و تقدّم الإيجاب على القبول، و الموالاة، و نحوها.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و الإطلاق في مقابل قوله: «أو بشرط .. إلخ».

(4) هذا إشارة إلى الوجه الثاني.

(5) معطوف على قوله: «فهل يرجع» و هذا إشارة إلى الوجه الثالث. و ضمير «به» راجع إلى الإنشاء القولي، يعني: أو لا يتحقق حكم المعاطاة بالإنشاء القولي.

(6) يعني: لا يكون الإنشاء القولي المزبور بحكم المعاطاة مطلقا، سواء تحقق معه قبض أم لا، فهذا الإنشاء عقد فاسد.

(7) ظاهره الاستدراك على مورد البحث في هذا التنبيه من أنّ القول الفاقد لبعض الشرائط هل يلحق بالمعاطاة أم لا؟ حيث قال: «فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلى حكم المعاطاة مطلقا .. إلخ».

______________________________

اللزوم، كما كان الأمر كذلك في المعاطاة المتحققة بقبض العينين المفيدة للملك الجائز.

غاية الأمر أنّ الجواز هناك كان بالسيرة و الإجماع على ما تقدّم في القول بجواز المعاطاة، و هنا بدليل خاص لو قيل به.

[1] أو حصل التراضي منهما بالتصرف في العينين، فإنّه يباح لهما التصرف

ص: 274

..........

______________________________

و لكن قوله: «نعم .. تحقق المعاطاة» استثناء منقطع، و غرضه قدّس سرّه بيان صورة أخرى ليست محلّ النزاع، لكونها بيعا صحيحا، كما لا ريب في صحة البيع في صورتين، إحداهما: إنشاؤه بالقول الجامع، و الأخرى: إنشاؤه بقبض العينين فكذا لا ريب في صحّته في صورة ثالثة، و هي: ما إذا التفت المتبايعان إلى أنّ القول الملحون لا يتحقق به البيع، فقصدا إنشاء المعاملة بسبب آخر- و هو تعاطي العينين- و هو يوجب تحقق بيع صحيح، إذ ليست المعاطاة إلّا إنشاء المعاملة بالفعل في قبال إنشائها بالقول.

______________________________

بذلك، و من المعلوم أنّ هاتين الصورتين خارجتان موضوعا عن محل النزاع، و هو جريان حكم المعاطاة على الإنشاء بالصيغة الملحونة. فإذا فرض وقوع نفس المعاطاة بعد ذلك الإنشاء أو الرّضا بالتصرف و لو مع فساد المعاملة- بحيث يكون الرضا به مغايرا للرضا المقوّم للمعاملة- كان خارجا تخصّصا عن موضوع البحث و عن حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد.

و إن أريد بقوله: «بشرط تحقق قبض العين» القبض بعنوان الوفاء- لا بعنوان المعاطاة- ففيه: أنّ القبض بعنوان الوفاء ليس دخيلا في صحة العقد أصلا، لأنّ المبرز للاعتبار النفساني هو الإنشاء بالصيغة الملحونة، فالعقد بدون القبض باطل، فضمّه إلى الإنشاء الباطل لا يصحّحه.

فالمتحصل: أنّ التفصيل بقوله: «أو بشرط تحقق قبض العين» غير سديد، لأنّه على تقدير كون القبض بنفسه معاطاة خارج عن موضوع البحث، و هو إجراء حكم المعاطاة على الإنشاء بالصيغة الملحونة، لأنّ هذا القبض بنفسه معاطاة صحيحة، و لا يتوهم توقف صحة المعاطاة على عدم سبقها بعقد فاسد.

و على تقدير كون القبض وفاء لما أنشئ باللفظ ليس له دخل في صحة العقد، لفرض بطلانه و عدم دخل القبض في صحته.

ص: 275

فالإنشاء (1) القولي السابق كالعدم،

______________________________

نعم تختلف هذه الصورة عن سابقتها بأنّ القبض الإنشائي وقع عقيب قول ملحون، بخلاف المعاطاة المتعارفة، فإنّ القبض و الإقباض فيها إنشاء البيع من أوّل الأمر من دون سبق صيغة ملحونة عليها. و لكن هذا المقدار غير فارق في حكم الصورتين، فكلتاهما مصداق للبيع المعاطاتي.

و بعبارة أخرى: القبض الواقع بعد الإنشاء القولي الفاقد لبعض الخصوصيات يقع تارة بعنوان الوفاء بالعقد، و أخرى بعنوان إنشاء البيع بإنشاء جديد، للعلم بعدم تأثير ذلك القول الناقص.

و الصورة الأولى هي محل النزاع في هذا التنبيه من كونها بحكم المعاطاة و عدمه. و أمّا الصورة الثانية فهي معاطاة صحيحة قطعا، و لا شبهة فيها، و خارجة عن حريم النزاع.

(1) هذا أجنبي عن قوله: «نعم» و راجع إلى قوله: «فهل يرجع ذلك الإنشاء القولي إلى حكم المعاطاة ..» و يمكن أن يدفع به توهم، بأن يقال: إنّ إنشاء المعاملة و إن كان باللفظ الناقص الذي لا يؤثّر عند المشهور في النقل و الانتقال، إلّا أنّه قد تعقّبه القبض و الإقباض من البائع و المشتري، فيمكن أن يلحقه حكم المعاطاة، لتحقق التعاطي من الطرفين حسب الفرض، مع زيادة- على المعاطاة المتعارفة- و هي الإنشاء القولي الناقص.

و عليه فالصيغة الناقصة التي يلحقها التقابض لا تقلّ عن المعاطاة المعهودة، فلا مجال لهذا البحث الطويل الذيل من جريان حكم المعاطاة على القول الناقص مطلقا أو بشرط القبض.

و حاصل الدفع: منع مقايسة القول الفاقد- المتعقب بالقبض- بالمعاطاة المعهودة، و بيانه: أنّه يعتبر في مقام إنشاء العناوين الاعتبارية- من العقود

ص: 276

لا عبرة به و لا بوقوع القبض بعده (1) خاليا عن قصد الإنشاء، بل بانيا [مبنيّا]

______________________________

و الإيقاعات- القصد إلى العنوان و التسبّب إليه باللّفظ أو الفعل، أو إبرازه بأحدهما، على الخلاف في حقيقة الإنشاء. فإن أنشئت المعاملة بالإيجاب و القبول اللفظيين اعتبر تحقق قصد التمليك مقترنا بهما، و تترتب آثار البيع على هذا الإنشاء القولي، فيجب الوفاء به بتسليم المبيع للمشتري، و الثمن للبائع، و لا يقصد المتبايعان إنشاء التمليك بالقبض و الإقباض، و إنّما قصداه بالقول.

و إن أنشئت المعاملة بالمعاطاة اعتبر القصد إلى التمليك و التملك حين التعاطي، لفرض التسبّب به إلى العنوان البيعي.

و على هذا فإذا كان الإنشاء بالقول الملحون، و زعم المتبايعان تأثيره في النقل و الانتقال كان قبض العينين خاليا عن قصد الإنشاء- كما يقصدانه في المعاطاة- بل هو مبني على وجوب الوفاء بذلك الإنشاء القولي الملحون، كما إذا كان ذلك اللفظ جامعا للشرائط و الخصوصيات، حيث إن القبض المترتب عليه متمحض في الوفاء به، و ليس هناك قصد ثانوي لإنشاء المعاملة بالتقابض.

و لمّا كان الإنشاء الملحون ساقطا عن التأثير عند المشهور- و كان القبض بعنوان الوفاء لا بعنوان الإنشاء الجديد- فلا محالة لم يتحقق سبب قولي و لا فعلي للتمليك. و هذا بخلاف المعاطاة المتعارفة، فإنّ التعاطي إنشاء التمليك، و يشمله إطلاق دليل إمضاء البيع.

(1) أي: بعد القول غير الجامع الشرائط اللزوم. وجه عدم العبرة بهذا القبض هو خلوّه عن قصد الإنشاء، لأنّ المتعاملين زعما تأثير ذلك القول، و اعتقدا وجوب الوفاء به، ضرورة كون الوفاء بالعقد الصحيح حقّا على كلا المتعاملين، فأقبض كلّ منهما ماله للآخر أداء لهذا الحق، لا إنشاء جديدا للمعاملة. و حيث إنّ أصل الإنشاء باطل، فالقبض المتأخر عنه كذلك.

ص: 277

على كونه حقّا لازما، لكونه (1) من آثار الإنشاء القولي السابق، نظير القبض في العقد الجامع للشرائط.

ظاهر (2) كلام غير واحد من مشايخنا المعاصرين (3) الأوّل (4) تبعا لما يستفاد من ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثّانيين. قال المحقق في صيغ عقوده- على ما حكي عنه- بعد ذكره الشروط المعتبرة في الصيغة: «انّه لو أوقع البيع بغير ما قلناه و علم التراضي منهما كان معاطاة» (5) «1» انتهى.

______________________________

(1) أي: لكون القبض حقّا لازما، وجه لزومه كونه من آثار الإنشاء القولي، و وفاء لما التزما به من الإنشاء السابق.

(2) هذا متعلق بقوله: «فهل يرجع ذلك الإنشاء» و غرضه بيان الأقوال في المسألة، و أنّ لكلّ من الوجوه الثلاثة قائلا.

(3) كالسيد المجاهد و الفاضل النراقي و صاحب الجواهر، قال في المناهل:

«منهل: إذا كان إيجاب البيع و قبوله بغير العربية من الألفاظ الفارسية و غيرها، فلا إشكال حينئذ في صحة البيع، و إفادته إباحة التصرف و نقل الملك، بناء على المختار من إفادة المعاطاة ذلك، لظهور عدم القائل بالفصل بين الأمرين، و لفحوى ما دلّ على إفادة المعاطاة أو عمومه الملك. و هل يفيد ذلك اللّزوم كما إذا كان الإيجاب و القبول عربيّين أو لا؟ بالثاني صرّح المحقق الثاني في حاشية الإرشاد و جامع المقاصد .. إلخ».

و قال في الجواهر: «لكن قد عرفت سابقا: أنّ قصد التمليك العقدي غير مشخص، مع فرض تحقق البيع بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا» «2».

(4) و هو كونه بحكم المعاطاة مطلقا.

(5) و قال بعده على ما حكي عنه: «لا يلزم إلّا بذهاب العينين».

______________________________

(1): رسالة صيغ العقود و الإيقاعات (ضمن مجموعة رسائل المحقق الكركي) ج 1، ص 178، و الحاكي لهذه العبارة هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة ج 4، ص 159

(2) المناهل، ص 270، مستند الشيعة، ج 2، ص 361 و 362، المسألة الخامسة من مسائل الفصل الأوّل. جواهر الكلام، ج 22، ص 257

ص: 278

و في الرّوضة في مقام عدم كفاية الإشارة مع القدرة على النطق: «انّها تفيد المعاطاة مع الإفهام الصريح» (1) «1» انتهى.

و ظاهر الكلامين (2) صورة وقوع الإنشاء بغير القبض، بل يكون القبض من آثاره (3).

و ظاهر (4) تصريح جماعة منهم المحقق و العلّامة بأنّه «لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه» هو (5) الوجه الأخير (6)، لأنّ (7)

______________________________

ثم إنّ هذا الكلام من المحقق الثاني صريح في كون الإنشاء القولي الملحون معاطاة، فيجري فيه ما يجري فيها من لزومه بتلف العينين، و جواز التراد قبله.

(1) وجه دلالة هذا الكلام على كون الصيغة الفاقدة للشرائط- التي هي مورد البحث- بحكم المعاطاة هو: أنّ المناط في إجراء حكم المعاطاة على الإشارة هو إفهام المقصود صريحا، و من المعلوم وجود هذا المناط في موضوع البحث.

(2) حيث إنّ رجوع الضمير- الذي هو اسم «كان» في قول المحقق قدّس سرّه «كان معاطاة»- إلى: إيقاع البيع بغير ما قلناه- ممّا لا ينبغي إنكاره.

و كذا قول الشهيد في الروضة: «إنّها تفيد المعاطاة» فإنّ ضمير «إنّها» راجع إلى الإشارة. و من المعلوم أنّ المستفاد منهما كون نفس الإنشاء الملحون و الإشارة معاطاة.

(3) أي: آثار الإنشاء بالقول الملحون، فلا يتحقق الإنشاء بالقبض حتى يتوهم تحقق المعاطاة بهذا التقابض.

(4) مبتدء معطوف على قوله قبل أسطر: «ظاهر كلام غير واحد من .. إلخ».

و هذا بيان القائل بالوجه الثالث، أي: كون الإنشاء القولي الملحون بحكم العدم.

(5) خبر «و ظاهر».

(6) و هو عدم جريان حكم المعاطاة على الإنشاء القولي الفاقد للشرائط.

(7) هذا تقريب الظهور، و محصله: أنّ مرادهم ظاهرا بالعقد الفاسد الذي صرّحوا فيه بالضمان و عدم الملكية هو الإنشاء القولي الفاقد للشرائط الذي هو مورد بحثنا.

______________________________

(1): الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج 3، ص 225

ص: 279

مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد اختلال شروط الصيغة (1)، كما ربّما يشهد به (2) ذكر هذا الكلام بعد شروط الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين. و إمّا (3) يشمل هذا و غيره كما هو الظاهر (4).

______________________________

وجه الظهور: أنّهم ذكروا هذا الكلام و هو قوله: «لو قبض ما ابتاعه .. إلخ» بعد شروط الصيغة و قبل شروط العوضين و المتعاقدين، فيكون قولهم: «لو قبض ما ابتاعه» تفريعا على فساد العقد لأجل فقدان شروط الصيغة، لا لفقدان شروط أخر.

و لو سلّمنا شمول العقد الفاسد لما إذا كان منشأ الفساد اختلال شروط العوضين و المتعاقدين أيضا لم يقدح ذلك فيما نحن بصدده من كون الصيغة الملحونة موضوعا للبحث و النزاع في جريان حكم المعاطاة فيها و عدمه. فكلامهم المزبور أعني به:

«لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك .. إلخ» شامل للإنشاء القولي الملحون.

و من هذا البيان ظهر وجه تعبير المصنف ب «ظاهر تصريح» فإنّ المحقق و العلّامة صرّحا بحكم المقبوض بالعقد الفاسد من حيث عدم التملك و الضمان، و لم يصرّحا بمنشإ الفساد، فاستظهر المحشّون- من إطلاق الفساد- عدم تأثير الصيغة الملحونة.

(1) كتقدم الإيجاب على القبول، و الماضوية بناء على اعتبارها، و الموالاة بين الإيجاب و القبول، و التطابق بينهما.

(2) أي: بكون منشأ الفساد مجرّد اختلال شروط الصيغة.

(3) معطوف على «إمّا خصوص».

(4) لشمول إطلاق «الفاسد» لجميع موجبات الفساد من اختلال شروط الصيغة و العوضين و المتعاقدين، فالمراد ب «غيره» هو الفساد من جهة اختلال شروط المتعاقدين كعدم بلوغ أحدهما، و العوضين، و ككون أحدهما مجهول الوصف.

ص: 280

و كيف كان (1) فالصورة الأولى (2) داخلة قطعا (3).

و لا يخفى (4) أنّ الحكم فيها (5) بالضمان مناف لجريان حكم المعاطاة.

و ربما يجمع (6)

______________________________

(1) أي: سواء أ كان مراد المحقّق و العلّامة من العقد الفاسد خصوص الإنشاء القولي الفاقد لبعض الشرائط، أم الأعم منه و من اختلال شروط المتعاقدين أو العوضين.

(2) و هي كون فساد العقد لاختلال شروطه كما هو موضوع البحث.

(3) لصدق «الفاسد» على الصيغة الفاقدة لشروطها، و لكون الكلام المزبور و هو «لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد .. إلخ» مذكورا بعد شروط الصيغة، و هذا قرينة على كون الكلام المذكور متفرّعا على شروط الصيغة.

(4) غرضه إبداء إشكال على الحكم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد، و جعل العقد الملحون كالمعاطاة في الحكم بالإباحة.

و محصل الإشكال: منافاة الضمان للمعاطاة، لأنّ جريان حكم المعاطاة في الإنشاء القولي الملحون يقتضي عدم الضمان، فينافيه الحكم بالضمان.

فأجاب عنه المصنف بأنّ حكم المحقق و العلامة بضمان المقبوض بالعقد الفاسد قرينة على عدم لحقوق حكم المعاطاة بالصيغة الملحونة، فالإنشاء الملحون يكون بحكم العدم. و لو كان هذا معاطاة لم يكن وجه للضمان فيه، لكونها صحيحة شرعا حينئذ.

و عليه يظهر التهافت بين نظر المحقّق و العلّامة من الحكم بالفساد، و بين نظر المحقق و الشهيد الثانيين من إلحاق الإنشاء الملحون بالمعاطاة، و قد تصدّى السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه للجمع بين كلامي الطائفتين.

(5) أي: في الصورة الأولى و هي فقدان شروط الصيغة.

(6) الجامع هو السيد الفقيه في مفتاح الكرامة في مبحث المقبوض بالعقد

ص: 281

بين هذا الكلام (1) و ما تقدم (2) من المحقق و الشهيد الثانيين، فيقال (3): «إنّ موضوع المسألة في عدم جواز التصرف بالعقد الفاسد ما إذا علم عدم الرّضا إلّا بزعم صحة المعاملة، فإذا انتفت الصحة انتفى الإذن، لترتّبه (4) على زعم

______________________________

الفاسد. ذكره بعد نقل كلمات جمع من الأصحاب، آخرها عبارة المسالك و هي:

«لا إشكال في الضمان- أي ضمان المقبوض، بالعقد الفاسد- إذا كان جاهلا بالفساد، لأنه قدم على أن يكون مضمونا عليه فيحكم عليه به و إن تلف بغير تفريط» «1».

(1) و هو: لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملك و كان مضمونا عليه.

(2) حيث قال قبل أسطر: «بأنّ العقد الفاقد للشروط يكون معاطاة».

(3) هذا تقريب الجمع بين الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد و بين جريان حكم المعاطاة على العقد الفاسد.

و محصل الجمع بينهما هو تغاير الموضوع في المسألتين، إذ الموضوع في الحكم بضمان المقبوض بالعقد الفاسد هو تقيّد الإذن في التصرف بصحّة المعاملة، بحيث يكون الرّضا مفقودا في صورة فساد المعاملة.

و الموضوع في جريان حكم المعاطاة هو صورة إطلاق الإذن لكلتا صورتي صحة المعاملة و فسادها، إمّا لحدوث الإذن و الرّضا بالتصرف بعد علمهما بالفساد، بحيث يستند جواز التصرف إلى الرضا الحادث المستمرّ إلى زمان القبض، و إمّا لكون الإنشاء من أوّل الأمر على نحو تعدّد المطلوب. و لم يظهر من المحقق و العلّامة قدّس سرّهما القائلين بضمان المقبوض بالعقد الفاسد ذهابهما إلى الضمان في صورة بقاء الإذن بالتصرف إلى زمان القبض، و عدم جريان حكم المعاطاة فيها حتى يكونا مخالفين للمحقق و الشهيد الثانيين.

(4) أي: لترتب الإذن في التصرف على سبب واحد و هو اعتقاد صحة العقد، و حيث كان العقد فاسدا فلا إذن، لانتفاء الموقوف بانتفاء الموقوف عليه.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 168

ص: 282

الصحة، فكان التصرف تصرفا بغير إذن و أكلا للمال بالباطل، لانحصار وجه الحلّ في كون المعاملة بيعا أو تجارة عن تراض أو هبة، أو نحوها من وجوه الرضا بأكل المال من غير عوض. و الأوّلان (1) قد انتفيا بمقتضى الفرض. و كذا البواقي (2)، للقطع من (3) جهة زعمهما صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف، مع عدم بذل شي ء في المقابل، فالرّضا المقدّم كالعدم (4). فإن (5) تراضيا [1] بالعوضين بعد العلم بالفساد، و استمرّ رضاهما، فلا كلام في صحة المعاملة و رجعت إلى المعاطاة، كما إذا علم الرّضا من أوّل الأمر بإباحتهما التصرف بأيّ وجه اتّفق،

______________________________

(1) و هما البيع و التجارة عن تراض. و وجه انتفائهما بعد ارتفاع الإذن واضح.

(2) أي: الهبة و نحوها من المجّانيّات، فإنّ انتفاء الإذن يوجب انتفاءهما أيضا.

(3) كلمة «من» نشوية، يعني: للقطع الناشئ عن زعم صحة المعاملة، حاصله:

أنّ القطع بعدم الرضا بالتصرف ناش عن عدم صحة المعاملة، حيث إنّ الرّضا كان متقوما بصحة المعاملة، فانتفاؤها يوجب انتفاء الرّضا قطعا.

(4) لتقوّمه بما يكون منتفيا واقعا، فلا عبرة به.

(5) هذا بيان لمورد كلام المحقق و الشهيد الثانيين و من تبعهما- بناء على الجمع المذكور في مفتاح الكرامة- و حاصله: أنّ مورد الحكم بالضمان في المقبوض بالعقد الفاسد هو صورة العلم بعدم الرّضا بالتصرف على تقدير البطلان، و مورد جريان حكم المعاطاة- الملازم لعدم الضمان فيه- هو صورة العلم بتجدّد الرضا به بعد العلم بالفساد. و على هذا الجمع لا يبقى تهافت بين الكلامين.

______________________________

[1] بل الظاهر أنّ مورد حكم المشهور بضمان المقبوض بالعقد الفاسد هو صورة تقيّد الإذن بصحة المعاملة، فمع الفساد ينتفي الإذن. و مورد كلام المحقق و الشهيد الثانيين هو صورة إطلاق الإذن لصورتي صحة المعاملة و فسادها.

ص: 283

سواء صحّت المعاملة أو فسدت، فإنّ ذلك ليس (1) من البيع الفاسد في شي ء» [1].

أقول: المفروض (2) أنّ الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط لا يتضمّن إلّا إنشاء واحدا هو التمليك، و من المعلوم أنّ هذا المقدار لا يوجب بقاء الإذن

______________________________

(1) حتى يكون المقبوض به من المقبوض بالعقد الفاسد المحكوم بالحرمة و الضمان.

(2) غرضه قدّس سرّه الإشكال على الجمع المزبور المشتمل على أمرين:

أحدهما: تحقق المعاطاة بالتراضي الموجود حال العقد إذا علم بعدم تقيّده بصحة المعاملة. و قد تعرّض لهذا الأمر بقوله: «كما إذا علم الرضا من أوّل الأمر بإباحتهما التصرف».

و قد أجاب المصنف عنه بقوله: «المفروض أنّ الصيغة .. إلخ» و محصله: أنّ التراضي الموجود حين العقد مقيّد بالتمليك لا مطلق، و من المعلوم انتفاء المقيّد بانتفاء قيده، فبإنتفاء التمليك ينتفي التراضي.

ثانيهما: حصول المعاطاة بالتراضي الجديد الحادث بعد العقد و العلم بالفساد.

و قد تعرّض السيد العاملي لهذا الأمر بقوله: «فان تراضيا بالعوضين» الى قوله:

«و رجعت إلى المعاطاة».

و قد أجاب عنه المصنف بقوله: «مع أنّك عرفت .. إلخ» و حاصله: أنّ كلام الشهيد و المحقق الثانيين لا يقبل الحمل على التراضي الجديد، و وقوع معاطاة جديدة بالتقابض الواقع بعد العقد الفاسد، و ذلك لظهور كلامهما في حصول المعاوضة بنفس الإشارة المفهمة، و بنفس الصيغة الخالية عن الشرائط، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

______________________________

[1] لكنّه ليس من المعاطاة المعهودة أيضا، بل هو إباحة مالكيّة لا تلزم بملزمات المعاطاة. مع أنّ مورد كلام المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّهما إلحاق نفس اللفظ الملحون بالمعاطاة، و لا أثر من الرّضا غير المعاملي في كلامهما.

ص: 284

الحاصل في ضمن التمليك بعد فرض انتفاء التمليك (1)، و الموجود بعده (2) إن كان إنشاء آخر في ضمن التقابض خرج عن محل الكلام، لأنّ المعاطاة حينئذ إنّما تحصل [1] به لا بالعقد الفاقد للشرائط.

مع أنّك (3) عرفت أنّ ظاهر كلام الشهيد و المحقق الثانيين حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الإشارة المفهمة (4) بقصد البيع، و بنفس الصيغة (5) الخالية عن الشرائط، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

________________________________________

(1) حيث إنّه مقيّد بالتمليك، و بانتفاء القيد ينتفي المقيّد.

(2) أي: بعد انتفاء التمليك العقدي. و هذا إشكال على ما ادّعاه السيد العاملي قدّس سرّه من وجود إذن بعد فساد العقد، و محصّل الإشكال: أنّ الإذن المدّعى إن كان إنشائيا حاصلا بالتقابض بقصد المعاطاة كان خارجا عن محل الكلام، و مندرجا في حصول إنشاء جديد بعد الصيغة الملحونة، و هذه المعاطاة صحيحة بلا ريب كما سبق في قول المصنف قدّس سرّه: «نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده تحقق المعاطاة».

و إن كان هذا الإذن هو الذي تحقق بالإنشاء الملحون فالمفروض فساده، فينتفي الإذن قطعا.

(3) هذا إشكال على حصول المعاوضة بالتقابض الحادث بعد الإنشاء الملحون، و قد تقدم آنفا.

(4) كما هو مصبّ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(5) كما هو مورد كلام المحقق الثاني قدّس سرّه.

______________________________

[1] حصول المعاطاة التي هي محل الكلام في إفادتها الملك أو الإباحة بالتقابض- مضافا إلى خروجها عن موضوع البحث- ممنوع جدّا، لأن تلك المعاطاة التي قامت السيرة على إباحة التصرف بها هي التي قصد بها التمليك، لا مجرّد التراضي بالتصرف، فإنّه خارج عن المعاطاة المصطلحة. بل التراضي المزبور لا يجدي إلّا الإباحة المالكية لا الشرعية التي هي المقصودة في المعاطاة.

ص: 285

و منه (1) يعلم فساد ما ذكره من حصول المعاطاة بتراض جديد بعد

______________________________

(1) أي: و من ظهور كلام المحقق و الشهيد الثانيين- في حصول المعاوضة و المراضاة بنفس الإنشاء الملحون و الإشارة المفهمة- يعلم فساد .. إلخ، و هذا إشكال المصنف على ما ذكره السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه في الأمر الأوّل بقوله: «فان تراضيا بالعوضين بعد العلم بالفساد» و محصل الإشكال أمور:

الأوّل: أنّ الحمل على التراضي الجديد خلاف ظاهر كلام المحقق و الشهيد الثانيين، لما عرفت من ظهور كلاميهما في إلحاق نفس الإنشاء القولي الملحون و الإشارة المفهمة بالمعاطاة، و ليس من الرّضا الحادث عين و لا أثر في عبارتيهما، فيصير حمل الكلامين على حصول المعاطاة بإنشاء جديد أجنبيّا عنهما، لا توجيها لهما.

الثاني: أنه لو سلّمنا استناد حليّة التصرف في المالين إلى التراضي الجديد فهو مخصوص بما إذا علم المتبايعان فساد العقد، و عدم ترتب النقل و الانتقال عليه، حتى يأذن كلّ منهما للآخر بالتصرّف فيما يأخذه. و أمّا إذا لم يعلما بالفساد أو علما به و لم يرضيا بالتصرف فلا مجال لتوجيه السيد قدّس سرّه، إذ لا معنى للرّضا الجديد في هاتين الصورتين. مع أنّ كلام الفقهاء مطلق يعمّ جميع الصور الثلاث، يعني: سواء علما بفساد ذلك الإنشاء الناقص أم لم يعلما به، و سواء رضيا بالتصرف بعد العلم بالفساد أم لم يرضيا به.

و عليه يكون قول السيد قدّس سرّه: «فان تراضيا بعد العلم بالفساد» توجيها للصحة في صورة واحدة- و هي العلم بالفساد و الرضا الحادث- لا في جميع الصور، فالمناسب حينئذ التفصيل في إطلاق فتوى الأصحاب، لا دعوى توجيهه في جميع الصور.

الثالث: أنّ أصل هذا التوجيه- بفرض الرّضا الحادث- ممنوع، مع الغض عن إباء كلام الأصحاب عن حمله عليه. و سيأتي توضيح المنع عن قريب.

ص: 286

العقد غير (1) مبنيّ على صحة العقد.

ثم (2) إنّ ما ذكره من التراضي الجديد بعد العلم بالفساد- مع اختصاصه بما إذا علما بالفساد دون غيره من الصور (3) مع أنّ كلام الجميع مطلق- يرد عليه: أن (4) هذا التراضي

______________________________

(1) بالجر صفة ل «تراض جديد».

(2) قد عرفت توضيح هذا الإشكال آنفا، و حاصله: أنّ ذلك الجمع مختص بصورة علم المتعاملين بالفساد حتى يتراضيا بالإنشاء ثانيا بالقبض، مع أنّ كلامهم مطلق، حيث إنّهم حكموا بالفساد و الضمان مطلقا سواء علم المتبايعان بالفساد أم لا.

(3) المراد من الصور صورتان، إحداهما: علم المتبايعين بفساد الإنشاء القولي و عدم إنشاء إذن جديد، و الثانية: جهلهما بفساده.

(4) هذا أصل الإشكال على الجمع المزبور، و حاصله: أنّ التراضي الجديد- المفروض حدوثه بعد العلم بالفساد- غير مجد على تقدير، و غير واقع على تقدير آخر. و بيانه: أنّ هذا التراضي إن كان لا على وجه المعاطاة، و لا تقابض آخر في البين، بل رضي كلّ منهما بتصرّف الآخر في ماله، ففيه: أنّه على فرض حدوثه إباحة مجّانية لا يترتب عليها إلّا جواز التصرف المستند إلى طيب النفس. و هذا غير المعاطاة المصطلحة، و هي الّتي يقصد بها التمليك، و تترتب عليها الملكية أو الإباحة الشرعية، و من المعلوم أنّ المقصود بالمعاطاة هنا هو المصطلح منها.

و إن كان على وجه المعاطاة بأن كان التراضي منهما على إنشاء التمليك حتى تندرج في المعاطاة المصطلحة- التي هي من المعاوضات- ففيه: أنّه ليس في المقام تراض جديد، إذ المعاطاة المعهودة هي التي قصد بها التمليك، كما تقدم عن المحقق الثاني، و من المعلوم عدم تراض جديد على التمليك بعد العلم بفساد العقد، بل التراضي الموجود فعلا هو التراضي الذي كان على التمليك السابق.

ص: 287

إن كان (1) تراضيا آخر حادثا بعد العقد، فإن كان لا على وجه المعاطاة، بل كلّ منهما رضي بتصرف الآخر في ماله من دون ملاحظة رضاء صاحبه بتصرّفه في ماله، فهذا ليس من المعاطاة، بل هي إباحة مجّانيّة من الطرفين تبقى ما دام العلم بالرضا، و لا يكفي فيه عدم العلم بالرجوع، لأنّه (2) كالإذن الحاصل من شاهد الحال (3)، و لا يترتب عليه أثر المعاطاة من اللزوم بتلف إحدى العينين، أو جواز التصرف إلى حين العلم بالرجوع.

______________________________

(1) لم يذكر المصنف عدلا لهذه الشرطية، فالأولى أن يقال: «ان هذا التراضي الحادث بعد العقد إن كان لا على وجه المعاطاة .. إلخ».

(2) تعليل لدوران هذه الإباحة المجّانية مدار العلم بالرضا، و عدم كفاية الجهل بالرجوع عن الإباحة.

(3) في لزوم إحراز الإذن في إباحة التصرف، و عدم كفاية عدم العلم بالرجوع عن الإذن. و الوجه في عدم الكفاية هو: أنّ الإذن بالتصرف انحلالي، فكلّ فرد من أفراده الطولية و العرضية لا بدّ أن يكون مقرونا بالإذن، فمع العلم به يجوز التصرف، و بدونه لا يجوز. و مع الشّك لا مجال للاستصحاب، لتعدد الموضوع، ضرورة أنّ كل فرد من أفراد التصرف موضوع مستقل، و استصحاب الإذن في الفرد المشكوك فيه تسرية الحكم من موضوع إلى آخر، و هو أجنبي عن الاستصحاب و مندرج في القياس المسدود بابه.

و بالجملة: فلا مجال لاستصحاب الإذن في الفرد من التصرف. بخلاف الرجوع في المعاطاة المفيدة للإباحة الشرعية، حيث إنّ غايتها رجوع المالك، و مع الشك فيه يستصحب عدم الرجوع.

ففرق واضح بين الرجوع في المعاطاة، و بين الإذن و طيب النفس في الإباحة المالكية، فإنّ الإباحة المالكية منوطة بالعلم بطيب النفس في كل فرد من

ص: 288

و إن كان (1) على وجه المعاطاة فهذا ليس إلّا التراضي السابق على (2) ملكية كلّ منهما لمالك الآخر، و ليس تراضيا جديدا- بناء (3) على أنّ المقصود بالمعاطاة التمليك كما عرفته من كلام المشهور (4) خصوصا المحقق الثاني (5)-

______________________________

أفراد التصرف.

(1) معطوف على: «فإن كان» و هذا شقّ آخر من المنفصلة، و قد عرفت توضيحه آنفا.

(2) متعلق بالتراضي، لا بالسابق، يعني: التراضي على مالكية كل منهما لمال الآخر، و هذا التراضي هو الحاصل بالإنشاء الفاقد لبعض خصوصيات الصيغة، و لم يحصل هذا التراضي بإنشاء جديد بعد العلم بفساد الإنشاء الأوّل.

(3) حاصله: أنّه- بناء على كون المقصود بالمعاطاة التمليك- لا يكون هنا تراض جديد على التمليك، بل ذلك التراضي المتحقق حال العقد الفاسد. نعم بناء على كون المقصود بالمعاطاة الإباحة فلا بد من التراضي الجديد على الإباحة، لأنّ التراضي السابق كان على التمليك لا على الإباحة.

(4) حيث إن محطّ نظر المشهور القائلين بالإباحة التعبدية هو المعاطاة المقصود بها الملك، و قد استظهر المصنف قدّس سرّه هذا من عبارات الأصحاب عند ما خاض في تحقيق النزاع بين المحقق الكركي و صاحب الجواهر قدّس سرّهما «1».

(5) حيث نقل عنه المصنف بعد نقل الأقوال في المعاطاة ما لفظه: «المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع و إن لم يكن كالعقد في اللزوم .. إلخ» «2».

______________________________

(1): راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 336 إلى 334

(2) راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 345 إلى 347

ص: 289

فلا يجوز (1) له أن يريد بقوله المتقدم عن صيغ العقود: «إنّ الصيغة الفاقدة للشرائط مع التراضي يدخل في المعاطاة» التراضي (2) الجديد الحاصل بعد العقد لا على وجه المعاوضة (3) [1].

______________________________

(1) متفرع على كون المقصود بالمعاطاة التمليك. وجه عدم الجواز هو: أنّ المعاطاة عنده هي المقصود بها التمليك، فالتراضي الجديد على الإباحة لا يوجب الاندراج في المعاطاة المزبورة، بل تكون هذه الإباحة أجنبية عن البيع المنقسم إلى القولي و المعاطاتي.

(2) مفعول «يريد».

(3) يعني: المعاطاة المفيدة للإباحة.

هذا تمام ما أفاده المصنف حول الوجه الأوّل، و هو إلحاق الإنشاء الملحون بالمعاطاة كما اختاره المحقق و الشهيد الثانيان، و الوجه الثالث و هو كونه عقدا فاسدا، الذي اختاره المحقق و العلّامة، و ما أفاده السيد العاملي قدّس سرّه من محاولة الجمع بينهما، ثم نقاش المصنف في الجمع المزبور. و سيأتي مختاره في إلحاق الإنشاء الملحون بالمعاطاة و عدمه.

______________________________

[1] و لا يخفى أنّ المحقق الخراساني قدّس سرّه جمع بين ما عن المشهور من عدم جواز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد و ضمانه، و بين ما عن المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهما من جريان حكم المعاطاة على الإنشاء القولي غير الجامع للشرائط بما هذا لفظه: «و الحكم بضمان المقبوض بالعقد الفاسد يمكن أن ينزّل على أنّه حكم اقتضائي لا فعلىّ، بمعنى: أنّ قضية فساده بما هو عقد ذلك لو لم يجي ء في البين الحكم بصحته بوجه آخر أي بما هو بيع بغير العقد. و هذا أحسن ما يقال توفيقا بين ما ذكر في

ص: 290

و تفصيل (1) الكلام: أنّ المتعاملين بالعقد الفاقد لبعض الشرائط إمّا أن يقع تقابضهما بغير رضا من كلّ منهما في تصرّف الآخر، بل حصل قهرا عليهما أو على أحدهما و إجبارا على العمل بمقتضى العقد، فلا إشكال في حرمة التصرف في المقبوض على هذا الوجه (2).

______________________________

(1) أي: تفصيل المطلب الذي عقد له هذا التنبيه الثامن و ما يصح اختياره فيه، لا تفصيل الكلام في الجمع بين الكلامين و رفع التهافت بينهما.

(2) أي: وجه العمل بمقتضى العقد الفاسد إجبارا، و محصل ما أفاده من التفصيل هو: أنّ التعاطي بالعقد الفاسد يتصور ثبوتا على وجوه:

أحدها: أن يترتب عليه التقابض من المتعاطيين قهرا عليهما أو أحدهما بعنوان الوفاء بالعقد. و لا إشكال في حرمة التصرف في هذه الصورة، لعدم مسوّغ لهذا التصرف المشروط جوازه بطيب نفس المالك المفقود هنا، إذ المفروض بطلان العقد و عدم تأثيره في التمليك، و عدم التراضي منهما في إباحة التصرف، فلا محالة يكون تصرف كلّ منهما في مال الآخر حراما و موجبا للضمان.

______________________________

المقامين، فتفطّن» «1».

و فيه: أنّ الحمل على الحكم الاقتضائي و إن كان في نفسه حسنا، لكنه إنّما يصح فيما إذا صار فعليّا و لو في بعض الأزمنة كالأحكام الأوّلية مثل وجوب الوضوء عند طروء عنوان ثانوي كالضرر، فإنّ الجمع بين الحكم الأوّلي و الثانوي بحمل الأوّلي على الاقتضائي، و الثانوي على الفعلي في غاية المتانة. بخلاف المقام، فإنّ جعل الحرمة و الضمان فيه بنحو الاقتضاء لغو، لعدم فعليتهما أصلا، ضرورة وجود عنوان المعاطاة دائما في المقبوض بالعقد الفاسد، فلا يصير شي ء من الضمان و الحرمة في المقبوض بالعقد الفاسد في شي ء من الأزمنة فعليّا، بل يبقيان على الاقتضاء.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 26

ص: 291

و كذا (1) إن وقع على وجه الرّضا الناشئ عن بناء كلّ منهما على ملكية الآخر اعتقادا (2) أو تشريعا، كما في كلّ قبض وقع على هذا الوجه (3)، لأنّ (4) حيثية

______________________________

ثانيها: أن يترتب التقابض على العقد الفاسد بعنوان الوفاء بمقتضى ذلك العقد و إن كان برضاهما مقيّدا بالوفاء، لبنائهما على صحة ذلك العقد اعتقادا أو تشريعا.

و بعبارة أخرى: يتقابضان مع التراضي بناء على كون ذلك التقابض عملا بمقتضى العقد، لاعتقاد صحته شرعا- من جهة جهلهما بفساد العقد واقعا- أو تشريعا بالبناء على صحة ذلك الإنشاء الفاقد لشروط التأثير.

و حكم هذا الوجه هو الحرمة و الضمان، لشمول قولهم: «المقبوض بالعقد الفاسد مضمون و يحرم التصرف فيه» له.

ثالثها: أن يكون التقابض بقصد إنشاء التمليك بعد الإعراض عن أثر العقد الأوّل. و لا إشكال في جواز التصرف، و عدم الضمان فيه، لكونه معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد.

رابعها: أن يكون الرّضا بالتصرف مقارنا لاعتقاد الملكية، لا مقيّدا به حتى يرتفع بانتفاء الملكية. و سيأتي حكم هذا الوجه من ابتناء شمول المعاطاة له على أمرين.

(1) يعني: و كذا لا إشكال في حرمة التصرف إن وقع التقابض على وجه الرضا .. إلخ. و هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدّم بقولنا: «ثانيها: أن يترتب .. إلخ».

(2) يعني: أنّ التقابض- بعنوان الوفاء بالعقد الفاسد- موجب للضمان، سواء أ كان عن اعتقاد بصحة العقد جهلا بحقيقة الأمر، أو عن التشريع بالبناء على صحته مع العلم بفساده أو مع عدم العلم بصحّته. و الوجه في الضمان عدم حصول سبب حلّية التصرف و الملكية.

(3) أي: على وجه بناء كلّ منهما على ملكيّة القابض لما يقبضه.

(4) تعليل لحرمة التصرف في كلا الوجهين، و هما: الإجبار على العمل بمقتضى

ص: 292

كون القابض مالكا مستحقا لما يقبضه جهة تقييدية (1) مأخوذة في الرّضا ينتفي بانتفائها في الواقع كما في نظائره (2).

و هذان الوجهان ممّا لا إشكال فيه في حرمة التصرف في العوضين.

______________________________

العقد الفاسد، و رضا كلّ منهما، بالتصرف في مال الآخر اعتقادا بأنّه ماله، أو تشريعا.

و حاصل التعليل: أنّ المستفاد من مثل قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيبة نفسه» هو اعتبار طيب نفس المالك بتصرف الغير في ماله بما أنّه ماله و هو مالكه، فإذا أنيط الرضا بكون القابض مالكا انتفى بانتفاء المالكية، إذ ليس رضا المالك- بما أنّه أجنبي عن المال- كافيا في جواز التصرف.

و على هذا فإذا باع زيد كتابا من عمرو بدينار- ببيع صحيح- و أقبضه الكتاب كان رضاه بالقبض من جهة كون القابض مالكا مستحقا للكتاب. و أمّا إذا كان بيعه فاسدا فالمشتري القابض للمبيع يعلم بعدم مالكيّته للكتاب و عدم استحقاقه له، و حرمة التصرف فيه من جهة انتفاء الملكية.

و الحاصل: أنّ الرضا بالقبض ليس مطلقا، بل مقيّد بكون القابض مالكا، و حيث إنّ الملكية منتفية في الوجه الأوّل و الثاني كان الرضا بالقبض منتفيا أيضا، فيكون تصرف الآخذ كتصرف الغاصب في الضمان و الحرمة.

(1) يعني: يتقيّد الرّضا بالتصرف بما إذا كان القابض مالكا مستحقا لما يقبضه.

(2) كما إذا أعطى زيد دينارا لعمرو باعتقاد كونه مديونا له، فأدّى دينه به، و رضي بتسلّم عمرو للدينار و تصرّفه فيه بما أنّه مالكه، و لكن علم عمرو بعدم استحقاقه شيئا على زيد، فإنّه لا يجوز له التصرف في الدينار بمجرد رضا زيد بإقباضه إياه.

و وجه عدم الجواز هو: أنّ رضا زيد بالتصرف في الدينار ليس مطلقا، بل مقيّد بكون القابض- و هو عمرو- مالكا، و مع عدم مالكيته له واقعا ينتفي رضا زيد بالتصرف في ماله، فإنّ انتفاء المقيّد بانتفاء قيده من القضايا التي قياساتها معها.

ص: 293

كما أنه لا إشكال (1) في الجواز إذا أعرضا عن أثر العقد و تقابضا بقصد إنشاء التمليك ليكون معاطاة صحيحة عقيب عقد فاسد.

و أمّا (2) إن وقع الرضا بالتصرف بعد العقد- من دون ابتنائه على استحقاقه بالعقد السابق، و لا قصد لإنشاء التمليك، بل وقع مقارنا لاعتقاد الملكية الحاصلة، بحيث (3) لولاها كان الرّضا أيضا موجودا،

______________________________

(1) إشارة إلى الوجه الثالث. و الوجه في عدم الإشكال في جواز التصرف فيه و انتفاء الضمان هو كون التقابض حينئذ مصداقا للمعاطاة، و عدم توقف صحتها على العقد السابق الفاسد حسب الفرض.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الرّابع، و هو مقارنة الرّضا بالتصرف لاعتقاد الملكية به لا مقيّدا به، و كون العقد الفاسد وسيلة للتصرف، بحيث لو سئل كلّ منهما بعد فساد العقد «هل تكون راضيا بتصرف صاحبك في مالك» لأجاب بقوله: «نعم». و حكم هذا الوجه: أنّ إدخاله في المعاطاة منوط بأمرين:

أحدهما: كفاية الرّضا الارتكازي في حصول المعاطاة. و لعلّ ما أفاده في مفتاح الكرامة من قوله: «كما إذا علم الرّضا من أوّل الأمر بإباحتهما التصرّف بأيّ وجه اتفق» يرجع إلى ذلك. و الوجه في كفاية هذا الرّضا المركوز في النفس- بل الرّضا الشأني- هو صدق «طيب النفس» على هذا الرّضا.

ثانيهما: عدم اعتبار إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض في إباحة التصرفات، بل عدم اعتبار فعل في ذلك، و كفاية وصول كلّ من العوضين إلى المالك الآخر، و حصول الرّضا بالتصرف قبله أو بعده.

فإن تمّ هذان الأمران صحّ الوجه الرابع، و جاز التصرف لكلّ واحد منهما، و إن نوقش فيهما أو في أحدهما لم يصح، و لحقه حكم المقبوض بالعقد الفاسد، و سيأتي مناقشة المصنف في الأمر الثاني.

(3) أي: بحيث لو لا الملكية، و هو متعلّق بقوله: «وقع» و بيان لمقارنة الرضا

ص: 294

و كان (1) المقصود الأصلي من المعاملة التصرف، و أوقعا العقد الفاسد وسيلة له.

و يكشف عنه (2) أنّه لو سئل كلّ منهما من رضاه بتصرّف صاحبه على تقدير عدم التمليك أو بعد تنبيهه على عدم حصول الملك كان (3) راضيا- فإدخال (4) هذا في المعاطاة يتوقّف على أمرين [1]:

______________________________

بالتصرف لاعتقاد الملكية.

(1) معطوف على «لولاها» يعني: بحيث كان المقصود الأصلي .. إلخ. و هذا من عطف العلة على المعلول.

(2) أي: عن كون المقصود الأصلي من المعاملة هو التصرّف.

(3) جزاء الشرط في قوله: «لو سئل».

(4) جزاء الشرط في قوله: «و أما إن وقع الرضا بالتصرف» و غرضه بيان حكم الوجه الرابع، و قد عرفت آنفا أنّ إدراجه في المعاطاة مبني على أمرين.

أحدهما: عدم اشتراط المعاطاة بالرّضا الفعلي.

و ثانيهما: عدم توقف المعاطاة على خصوص الإنشاء الفعلي بالقبض و التعاطي، بل البناء على كفاية وصول كل من العوضين إلى الآخر في تحقق المعاطاة.

______________________________

[1] قال السيد قدّس سرّه: «الحق عدم تمامية شي ء منهما. أمّا الأوّل فلأنّ الرضا الباطني و إن كان كافيا في جواز التصرف في مال الغير، إلّا أنّه لا يكفي في لحقوق حكم المعاطاة من اللزوم بالملزمات و غيره. و أمّا الثاني فلأنّه لا بد في تحقق المعاملة من إنشاء قولي أو فعلي، فلا يكفي مجرّد وصول كل من العوضين إلى مالك الآخر. و دعوى: أنّ عنوان التعاطي في كلماتهم لمجرّد الدلالة على الرّضا، و أنّ السيرة التي هي عمدة الدليل موجودة في المقام كما ترى، فإنّا نمنع أنّ مجرّد الرضا كاف، بل لا بدّ من الإنشاء الفعلي أو القولي. و السيرة ممنوعة، و مسألة أخذ الماء و البقل و دخول الحمام ليست من باب المعاطاة، بل من باب الإذن المعلوم بشاهد الحال. و على فرضه فليست موردا للسيرة المستمرة الكاشفة كما لا يخفى. فالتحقيق عدم لحوق حكم المعاطاة لهذا القسم، إلّا أن

ص: 295

______________________________

يرجع إلى ما ذكرنا من إنشاء التمليك و الرضا المطلق بالصيغة الفاسدة، بأن يكون هذه الصيغة بمنزلة المعاطاة في إنشاء التمليك و التراضي به مطلقا، فتدبّر» «1».

أقول: الحق أن يقال: إنّ المعاطاة لم ترد في دليل حتى يجب اتباع عنوانها، و إقامة الدليل على إلحاق شي ء بها، فلا بدّ حينئذ من ملاحظة الأدلة القاضية بصحة هذه المعاملة الفعلية. فعلى القول بكونها بيعا مفيدا للملك من أوّل الأمر كما اخترناه سابقا فلا إشكال في إفادتها الملك اللازم، لإطلاقات أدلة البيع و التجارة، من غير فرق بين كون آلة الإنشاء قولا و فعلا واجدا للخصوصيات أو فاقدا لها، إذ المناط صدق البيع العرفي عليه. و كذا الحال إذا كان الدليل سيرة العقلاء بما هم عقلاء، إذ لا فرق في نظرهم بين كون الإنشاء بالقول و الفعل.

و على القول بالملك عند التصرف أو غيره من ملزمات المعاطاة، فإن استند ذلك إلى السيرة الجارية على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة المال المباح بإذن المالك ما دام حيّا، فيجوّز العقلاء كلّ تصرف فيه، و لا يحكمون بالضمان عند التلف، بل يحكمون بتعين الباقي للعوضية من دون فرق في ذلك بينهم بين الفعل و القول.

و إن استند ذلك إلى اقتضاء، الجمع بين الأدلة له فيمكن الفرق بين الفعل و القول، حيث إنّ الجمع بين الأدلة منوط بنهوض الدليل على جواز كل تصرف، و هو في الفعل ثابت شرعا دون القول، و ذلك لأنّ الإباحة المعاطاتية، إمّا لأجل الرضا الضمني، و إمّا شرعية محضة مستندة إلى الإجماع، و المتيقن منه هو المعاملة الفعلية.

و أمّا الأولى- أي الإباحة لأجل الرضا الضمني- فقد تعرّض لها المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في حاشيته بما هذا لفظه: «فقد مرّ غير مرّة أنّ التسليط الخارجي حيث إنّه صادر عن الرضا، فإثبات يد الغير عليه- عن الرّضا- له دلالة نوعية على الرّضا بكل تصرّف كان. بخلاف الإنشاء القولي الصادر عن الرّضا، فإنّه يدلّ على أنّ التمليك مرضي به. و لم يحصل. و التسليط الواقع بعده لا دلالة له نوعا إلّا على الالتزام بالمعاملة القولية،

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 85

ص: 296

______________________________

لا عن الرضا به بخصوصه، و حيث إنّه نوعا بعنوان الوفاء بما اعتقد تأثيره فلذا لا يجدي في استكشاف الرضا بالتصرفات.

و هذا هو الفارق بين المعاطاة و العقد الفاسد في إفادة الأولى للإباحة دون الثاني.

و عليه فلا رضا و لو ضمنا في المعاملة القولية الفاقدة لما يشك في اعتباره حتى يكون على طبقه إباحة شرعية، ليكون مقتضى الجمع بين الأدلة حصول الملك عند التصرف أو التلف» «1».

و محصل ما أفاده قدّس سرّه في الفرق بين المعاطاة و بين الإنشاء القولي الفاسد هو: أنّ التسليط الخارجي لمّا نشأ عن الرّضا بكلّ تصرف فله دلالة نوعية على الرّضا بكل تصرف، فمقتضى الجمع بين الأدلة حينئذ هو الملكية عند التصرف أو التلف.

و هذا بخلاف الإنشاء القولي الفاسد، فإنّه لا يدلّ إلّا على الرضا بالتمليك، و المفروض عدم حصوله. و أمّا التسليط الواقع بعده فإنّه لمّا كان بعنوان الوفاء بما اعتقد تأثيره فلا يكشف عن الرضا بالتصرفات، هذا.

لكن فيه ما لا يخفى، حيث إنّ التسليط الخارجي لمّا كان بعنوان التمليك و إنشاء له فالرّضا أيضا يكون بالتمليك، لا بالتصرفات في ماله بعنوان أنّه ماله و هو مالكه، فوزان المعاطاة وزان الإنشاء القولي في عدم الدلالة على الرّضا بالتصرفات.

و بالجملة: فمن ناحية الرّضا لا فرق بين القول و الفعل. فالإنشاء القولي الفاسد لا يترتب عليه أثر أصلا حتى جواز التصرف، بخلاف الفعل و هو المعاطاة، فإنّه بناء على عدم تأثيره في الملكية يترتب عليه إباحة التصرف شرعا، للإجماع و السيرة، لا لأجل الرّضا الضمني فيه الموجود في كلّ من الإنشاء القولي الفاسد و المعاطاة و هي التقابض.

فعدم كون الإنشاء القولي الفاسد معاطاة ليس لاعتبار وجود الرضا الضمني في المعاطاة الفعلية دون الإنشاء القولي الفاسد حتى يكون الفارق بينهما ذلك الرّضا، بل الفارق بينهما

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 63

ص: 297

الأوّل: كفاية هذا الرضا المركوز في النفس، بل (1) الرضا الشأني، لأنّ (2)

______________________________

(1) يعني: يتوقف إدراج الوجه الرابع في المعاطاة على كفاية الرّضا الشأني الذي هو أخفى من الرّضا الارتكازي، فإنّ الرّضا الارتكازي موجود بالفعل في النفس، و لكن الشأني لا حظّ له من الوجود فعلا، و إنّما هو بحيث لو التفت إلى ذات الشي ء المرضيّ لرضي به.

ففي المقام لو التفت المتعاقدان إلى بطلان العقد و فساده و عدم حصول النقل الملكي لرضي كلّ منهما بتصرف الآخر في ماله. و هذا الرضا الاقتضائي في قبال الرضا الفعلي، و هو الرّضا بالتصرف اعتقادا بصحة العقد و كون الآخذ مالكا.

(2) تعليل لتوقف إدخال الوجه الرابع في المعاطاة على كفاية الرّضا الشأني،

______________________________

هو وجود السيرة و الإجماع على الإباحة في المعاطاة الفعلية، دون الإنشاء القولي الفاسد.

فالفرق بين العقد الفاسد و بين المعاطاة حكمي لا موضوعي.

فتلخص: أنّ الإنشاء القولي الفاسد لا أثر له أصلا، و المقبوض به بمنزلة المغصوب في الحرمة و الضمان.

نعم مع العلم بالتراضي يجوز لهما التصرف. لكنه ليس من المعاطاة المصطلحة التي هي عبارة عن إنشاء التمليك بالفعل. فما أفاده المحقق الثاني و من تبعه من «كون الإنشاء القولي الفاسد معاطاة» لا يخلو من غموض.

و عليه فما عن الفقهاء قدّس سرّهم «من ضمان المقبوض بالعقد الفاسد و حرمة التصرف فيه» متين إن لم يكن تراض منهما بالتصرف، و إلّا فلا بأس بالتصرف و عدم الضمان لكن من باب الإذن و الرضا في ذلك، لا من باب كونه معاطاة. فلا يمكن التوفيق بين كلام الفقهاء و بين ما عن المحقق الثاني و من تبعه.

و حمل التراضي على تقابض جديد بعنوان المعاطاة خلاف ظاهر عبارة المحقق الثاني «كان معاطاة» لظهور رجوع ضمير «كان» في عبارته المزبورة إلى نفس ما أوقع و هو الإنشاء الملحون، فنفس الإنشاء الملحون معاطاة.

ص: 298

الموجود بالفعل هو رضاه من حيث كونه مالكا في نظره. و قد صرّح بعض (1) من قارب عصرنا بكفاية ذلك. و لا يبعد رجوع الكلام المتقدم ذكره (2) إلى هذا.

و لعلّه يصدق طيب النفس (3) على هذا الأمر المركوز في النفس (4).

الثاني: أنّه لا يشترط في المعاطاة إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض (5) بل و لا بمطلق الفعل، بل يكفي وصول كلّ من العوضين الى المالك الآخر، و الرّضا بالتصرف قبله أو بعده على الوجه المذكور (6).

______________________________

و بيانه: أنّ الرضا بالتصرف- الموجود فعلا- لا ينفع من جهة الاعتقاد بصحة العقد، فإن كان المدار على الرضا الفعلي لم يندرج الوجه الرابع في المعاطاة، و إن كان على الرضا الشأني اندرج فيها.

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه «1».

(2) و هو كلام السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، المتقدّم مفاده في المتن بقوله: «كما إذا علم الرّضا من أوّل الأمر .. و علم التراضي منهما كان معاطاة ..».

(3) إشارة إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» «2».

(4) يمكن أن يستأنس من عدم المناقشة في كفاية الرّضا الشأني التزامه بها في المقام، و هو إدراج الوجه الرابع في المعاطاة.

(5) يعني: من الطرفين، في قبال قوله: «و لا بمطلق الفعل» بأن يراد منه كفاية إعطاء أحدهما و أخذ الآخر في صدق المعاطاة.

(6) لعلّ المراد بالوجه المذكور هو الوصول على وجه إنشاء الإباحة أو التمليك، بأن لا يكون كفاية وصول العوض مجرّدا عن القصد، إذ لا يتحقق به المعاطاة قطعا.

______________________________

(1): مقابس الأنوار، ص 138

(2) وسائل الشيعة ج 3، ص 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلّي، الحديث: 1

ص: 299

و فيه (1) إشكال، من (2) أنّ ظاهر محلّ النزاع بين العامة و الخاصة هو العقد الفعلي كما ينبئ عنه (3) قول العلامة رحمه اللّه في ردّ كفاية المعاطاة في البيع: «إنّ الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد» «1». و كذا استدلال المحقق الثاني على عدم

______________________________

(1) أي: و في الأمر الثاني- و هو عدم اشتراط إنشاء الإباحة أو التمليك بالقبض حتى من طرف واحد- إشكال، و سيذكر المصنف قدّس سرّه وجهي الإشكال، ثم يرجّح كفاية وصول العوضين بناء على القول بإفادة المعاطاة للإباحة، لا الملك.

(2) هذا أحد وجهي الإشكال على عدم اشتراط الإباحة أو التمليك بالقبض، و تحقّقه بمجرد وصول كلّ من العوضين إلى مالك الآخر.

و حاصل هذا الوجه: أنّ محل النزاع بين العامة و الخاصة في المعاطاة هو العقد الفعلي كما يدل عليه قول العلامة في ردّ كفاية المعاطاة في البيع: «أنّ الأفعال قاصرة عن إفادة المقاصد» و كذا استدلال المحقق الثاني على عدم لزومها «بعدم كون الأفعال كالأقوال في صراحة الدلالة». و كذا ما تقدّم من الشهيد رحمه اللّه في قواعده: «من أنّ الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول، و إنّما يفيد الإباحة ..» إلى غير ذلك من العبارات التي تظهر منها أنّ محلّ الكلام في المعاطاة هو الإنشاء الحاصل بالتقابض، فالإنشاء المتحقق بغير ذلك خارج عن موضوع بحثهم في المعاطاة.

و كذا يظهر ذلك من كلمات العامة، حيث إنّه ذكر بعضهم «أنّ البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي» فإنّ ظاهره هو التقابض.

و عليه فبعد بطلان هذا الأمر الثاني لا سبيل لإدراج الوجه الرابع في المعاطاة، لعدم حصول التقابض بقصد الإنشاء، و المفروض عدم كفاية مجرّد وصول العوضين إلى الطرفين.

(3) أي: كما ينبئ قول العلّامة عن أنّ محل النزاع بين العامة و الخاصة هو خصوص العقد الفعلي.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

ص: 300

لزومها «بأن الأفعال ليست كالأقوال في صراحة الدلالة» «1». و كذا ما تقدّم من الشهيد رحمه اللّه في قواعده من «أنّ الفعل في المعاطاة لا يقوم مقام القول، و إنّما يفيد الإباحة» «2». إلى غير ذلك من كلماتهم الظاهرة في أنّ محلّ الكلام هو الإنشاء الحاصل بالتقابض.

و كذا كلمات العامة «3»، فقد ذكر بعضهم: أنّ البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي (1).

و من (2) أنّ الظاهر أنّ عنوان التعاطي [التقابض] في كلماتهم لمجرّد (3)

______________________________

(1) الظاهر في التقابض. و إرادة مطلق الفعل منه- و لو مجرّد وصول العوضين- محتاجة إلى القرينة.

(2) معطوف على قوله قبل أسطر: «من أن ظاهر .. إلخ» و هذا ثاني وجهي الاشكال، و مقصوده تصحيح المعاطاة بمجرّد وصول العوضين، و عدم توقفها على القبض و لو من طرف واحد.

و حاصله: أنّ عنوان التعاطي لم يقع في حيّز دليل حتى يتبع ذلك بخصوصه.

و عليه فاللازم حينئذ ملاحظة دليل صحة المعاطاة، فإن اقتضى دليلها التعدّي عن التعاطي إلى كلّ فعل يدلّ على الرضا فلا بدّ من التعدّي إليه، و إلّا فيقتصر على التعاطي، فنقول: إنّ عمدة الدليل على صحة المعاطاة هي السيرة الموجودة في غير صورة التقابض أيضا، لوجودها في أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضورهم، فإنّ بناء الناس على أخذها و وضع الفلوس في الموضع المعدّ لها.

و بالجملة: فعلى هذا يكون المعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف.

(3) خبر قوله: «أن عنوان التعاطي».

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 58

(2) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 178، رقم القاعدة 47 و العبارة منقولة بالمعنى.

(3) تقدم نقل بعض كلماتهم في عدّ الأقوال في المعاطاة، فراجع ج 1، ص 329

ص: 301

الدلالة على الرّضا، و أنّ عمدة الدليل على ذلك هي السيرة (1)، و لذا (2) تعدّوا إلى ما إذا لم يحصل إلّا قبض أحد العوضين (3).

و السيرة موجودة في المقام (4)، فإنّ بناء الناس على أخذ الماء و البقل و غير ذلك من الجزئيات من دكاكين أربابها مع عدم حضورهم، و وضعهم الفلوس في الموضع المعدّ له، و على (5) دخول الحمام مع عدم حضور صاحبه، و وضع الفلوس في كوز الحمّامي.

فالمعيار (6) في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف.

و هذا (7) ليس ببعيد

______________________________

(1) قد تكرّرت السيرة في كلمات الأصحاب، و استدلّ بها المصنف على مدّعاه من إفادة الملك بقوله: «للسيرة المستمرة على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك» «1».

(2) يعني: و لأجل كون التعاطي لمجرّد الدلالة على الرّضا- و عدم خصوصية للتعاطي- تعدّوا .. إلخ.

(3) يعني: حصل إنشاء المعاملة بقبض أحد العوضين، و كان قبض العوض الآخر بعنوان الوفاء.

(4) أي: في وصول العوضين- بدون التعاطي- مع الرضا بالتصرف.

(5) معطوف على «أخذ الماء» يعني: أنّ بناء الناس على دخول الحمّام مع .. إلخ.

(6) هذه نتيجة عدم دخل خصوصية التقابض في حصول المعاطاة.

و عليه تمّ إلى هنا إدراج الوجه الرابع في المعاطاة، لكنّه مقيّد بالمعاطاة المبيحة لا المملّكة. و بهذه العبارة قد وفى المصنف قدّس سرّه بما وعده في التنبيه الثاني- في حكم انعقاد المعاطاة بمجرّد إيصال المثمن و أخذ المثمن- بقوله: «و سيأتي توضيح ذلك في مقامه إن شاء اللّه تعالى».

(7) يعني: و حصول المعاطاة بوصول المالين أو أحدهما- مع التراضي بالتصرف- ليس ببعيد على القول بالإباحة.

______________________________

(1): راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 371

ص: 302

على القول بالإباحة (1) [1].

______________________________

(1) لعلّ وجه هذه التقييد هو: أنّ دليل هذه المعاطاة- و هو السيرة- لا يساعد على أكثر من القول بالإباحة، و لا يساعد على القول بالملك.

هذا آخر ما أردنا إيراده من توضيح كلام المصنف قدّس سرّه في المعاطاة، و نرجو من فضله تعالى شأنه أن يمنّ علينا بالقبول، و أن ينفع به إخواننا المتّقين من أهل العلم و الفضل، زاد اللّه تعالى في تأييداتهم.

______________________________

[1] لا ينبغي الإشكال في حصول الإباحة بذلك، و عدم توقفها على التقابض.

لكن ترتيب آثار المعاطاة عليها مشكل جدّا، فلا يلزم بما تلزم به المعاطاة، بل ليس ذلك إلّا إباحة مالكية منوطة بطيب النفس.

و بالجملة: لا يكون ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الصورة الرابعة- و إناطة كونها من المعاطاة بتسليم أمرين- ممّا يمكن المساعدة عليه.

إذ في أوّلهما: عدم كون طيب النفس الإنشائي في المعاملات- التي منها المعاطاة- كافيا في صحتها، و إن كان ذلك كافيا في جواز التصرفات الخارجية.

و في ثانيهما: أنّ المتيقن من السيرة- التي هي عمدة الدليل على الإباحة المعاطاتية- هو التقابض الذي هو المعاطاة المتداولة بين الناس، و الأمثلة المزبورة ليست من المعاطاة، بل من الإباحة المالكية المتقومة بطيب النفس.

مضافا إلى: أنّ تصحيح هذه الصورة بالسيرة مناف لما تقدّم من الاستدلال بالسيرة على مملّكية المعاطاة، كمنافاته للخدشة فيها بكونها ناشئة من قلّة المبالاة بالدين.

و وجه المنافاة إنّ السيرة على إنشاء المعاملة بالتقابض إمّا أن تكون مع قصد التمليك أو الإباحة، و لا تعدّد في عمل العقلاء و المتشرعة حتى يعتمد عليه تارة في إفادة الملك، و أخرى في الإباحة. ثم لو فرض رمي السيرة بقلة المبالاة لم تكن دليلا على شي ء من الملك و الإباحة كما لا يخفى، فتأمّل في كلمات المصنف لعلّك تجد للجمع بينها سبيلا

ص: 303

[مقدمة في ألفاظ عقد البيع]

اشارة

مقدمة (1)

______________________________

مقدمة في ألفاظ عقد البيع

(1) قد تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذه المقدمة لمقصدين.

أحدهما: البحث في اعتبار أصل اللفظ في البيع.

و الثاني: في اعتبار الخصوصيات الملحوظة في اللفظ بعد اعتبار أصله.

و قد تضمّن المقصد الأوّل لأمور:

أحدها: أن اعتبار اللفظ في البيع، بل في جميع العقود اللازمة ممّا نقل عليه الإجماع، فأصالة اللزوم في الملك و إن اقتضت ترتب ملك لازم على المعاطاة المقصود بها الملك، إلّا أنّ الإجماع المزبور أوجب الخروج عن عموم أصالة اللزوم، و أنّ المفيد للملك اللّازم هو الإيجاب و القبول اللّفظيّان، فالمعاطاة تفيد الملك الجائز، و يتوقف لزومها على طروء الملزم.

ثانيها: أن القدر المتيقن من الإجماع المتقدم هو صورة قدرة المتبايعين على الإنشاء القولي، لكونه دليلا لبّيّا. و أما العاجز عن مباشرة اللفظ كالأخرس فلا خلاف و لا إشكال في قيام الإشارة فيه مقام اللفظ، سواء تمكّن من التوكيل أم لا.

هذا إذا قلنا بأنّ معاطاة الأخرس كمعاطاة المتكلم تفيد ملكا جائزا. و أما بناء على الفرق بينهما، و أن الإنشاء الفعلي من الأخرس كالإنشاء القولي من غيره فلا يتوقف

ص: 304

في خصوص (1) ألفاظ عقد البيع.

قد عرفت (2) أنّ اعتبار اللفظ في البيع- بل في جميع العقود- ممّا نقل عليه الإجماع (3)، و تحقّق فيه الشهرة العظيمة (4)، مع الإشارة إليه في بعض

______________________________

لزوم بيعه على الإشارة و الكتابة أصلا، و ذلك لأنّ المتيقن من الإجماع على اعتبار اللّفظ في اللزوم هو القادر عليه، فتكون معاطاته جائزة، و أمّا العاجز عن اللفظ فيبقى تحت عموم أصالة اللزوم. و سيأتي مزيد توضيح للفرق بين معاطاة الأخرس و غيره.

ثالثها: أنّ الظاهر كفاية الكتابة مع العجز عن الإشارة. و أمّا مع التمكن منها فقد ترجّح الإشارة، لكونها أظهر في الإنشاء، هذا إجمال ما أفاده المصنف في المقصد الأوّل.

(1) يعني: الخصوصيات الدخيلة في ألفاظ عقد البيع، في قبال الإكتفاء بمطلق اللفظ فيه.

(2) يعني: في أدلة اللزوم. ثم إنّ هذا شروع في المقصد الأوّل.

(3) حيث قال بعد الفراغ من أدلة اللزوم: «و عن جامع المقاصد: يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع» و لم أظفر على تصريحه بالإجماع، و إن تكرّر منه قوله:

«العقود اللازمة تتوقف على اللفظ» فقال- في اعتبار الماضوية و الموالاة و الإعراب و البناء في عقد البيع- ما لفظه: «و كذا كل عقد لازم، لأنّ الناقل هو الألفاظ المخصوصة، و غيرها لم يدلّ عليه دليل» «1».

و قريب منه كلامه في الإجارة و الهبة و النكاح، فراجع. و لعلّه استفيد الإجماع من إرسال الحكم إرسال المسلّمات.

(4) كما في المسالك- في شرح ما أفاده المحقق قدّس سرّه من عدم كفاية التقابض في حصول الملك- حيث قال: «هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا» «2» و نحوه عبارته في شرح اللمعة.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 60

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 147، الروضة البهية، ج 3، ص 222

ص: 305

النصوص (1). لكن هذا (2) يختص بصورة القدرة.

أمّا مع العجز عنه كالأخرس، فمع عدم القدرة على التوكيل لا إشكال و لا خلاف في عدم اعتبار اللفظ، و قيام الإشارة مقامه (3).

______________________________

(1) كقوله عليه السّلام: «إنّما يحلل الكلام و يحرم الكلام» و قال المصنف قدّس سرّه في ذيله:

«و كيف كان فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور» ثم ذكر روايات أخر مشعرة باعتبار اللفظ في عقد البيع «1».

(2) يعني: أنّ اعتبار اللفظ في العقود مختصّ بحال القدرة. قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «إنّما يشترط أي اللفظ المعتبر مع الإمكان، و مع التعذّر يقوم مقامه الإشارة كما في الأخرس و من بلسانه آفة، فإنّها بمنزلة تكلمه» «2».

و في الروضة: «و تكفي الإشارة الدالّة على الرّضا على الوجه المعيّن مع العجز عن النطق لخرس و غيره، و لا تكفي مع القدرة» «3».

و في مفتاح الكرامة: «قد طفحت عباراتهم بأنّ العاجز عن النطق لمرض و شبهه كالأخرس» «4».

و كيف كان فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالأخرس، بل موضوع المسألة هو العاجز عن النطق و إن لم يكن أخرس.

و قال في الجواهر: «و دعوى اختصاص ذلك في خصوص الأخرس كما ترى، ضرورة عدم الفرق بين الجميع، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدرك المسألة» «5».

(3) لأنّ الإشارة حينئذ- كالقول من القادر على التلفظ- عهد مؤكّد، فيشمله

______________________________

(1): تقدم ذكرها في ج 1، ص 574 و 576 و 607 و 608

(2) مجمع الفائد و البرهان، ج 8، ص 144، ذكر هذا الكلام في شرح قول العلامة: «و لو تعذر النطق كفت الإشارة».

(3) الروضة البهية، ج 3، ص 225

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 163

(5) جواهر الكلام، ج 22، ص 251

ص: 306

و كذا (1) مع القدرة على التوكيل. لا لأصالة عدم وجوبه (2)- كما قيل (3)-

______________________________

قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ توضيحه: أنّ الصادر من القادر على التلفظ قد يكون عهدا غير مؤكّد، و قد يكون مؤكّدا و هو المسمّى بالعقد، فللقادر على التكلم سنخان من العهد. و كذلك يتصور هذان السنخان بالنسبة إلى العاجز عن النطق كالأخرس، فإنّ له أيضا سنخين من العهد بلحاظ قوّة الدلالة على العهد و ضعفها، فإنّ للإشارة منه- كاللفظ من غيره- دلالة قويّة على العهد.

و لا مجال لتوهم لزوم تحريك لسانه هنا كلزومه في باب القراءة. و ذلك لأنّ المطلوب هناك هو القراءة، و تحريك لسانه بما يناسبها هو المقدار المقدور عليه منها.

بخلاف المقام، فإنّ المطلوب فيه هو الدلالة على تأكّد العهد، و الإشارة من العاجز عن التكلم دالّة عليه، فلا حاجة إلى تحريك اللسان.

هذا كله مضافا إلى: إطلاق ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود. و المتيقن من الخارج هو القادر على التلفظ مباشرة، فإنّه يجب عليه الإنشاء اللفظي. و أمّا إذا كان عاجزا عن التكلم مباشرة- و إن كان قادرا عليه تسبيبا بالتوكيل- فلا يشمله الإجماع، فمقتضى الإطلاق الإكتفاء بالإشارة، و عدم توقف صحته على التوكيل.

(1) معطوف على «فمع عدم القدرة على التوكيل».

(2) و لا لقوله عليه السّلام: «كلّما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر» لقصوره عن نفي وجوب التوكيل.

(3) لعلّ القائل المحقق الثاني قدّس سرّه فإنّه قال: «يجوز لمن لا يعلم الإيقاع بمقدوره، و لا يجب التوكيل للأصل. نعم يجب التعلم إن أمكن من غير مشقة عرفا» «1» فاستند قدّس سرّه في نفي وجوب التوكيل إلى أصالة عدم وجوبه.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 60

ص: 307

لأنّ (1) الوجوب بمعنى الاشتراط- كما فيما نحن فيه- هو الأصل [1].

______________________________

(1) تعليل لقوله: «لا لأصالة» و غرضه منع جريان أصالة عدم وجوب التوكيل، بتقريب: أنّ مقتضى الأصل عدم سببية ما شكّ في سببيّته، من جهة احتمال اشتراطه بشرط مفقود، فلا يحكم بتحقق المسبب كالملكية إلّا بعد وجود جميع ما يحتمل دخله في سببية السبب.

و بعبارة أخرى: أصالة عدم وجوب التوكيل لا مجرى لها في المقام، سواء أريد بها الاستصحاب أي أصالة عدم الجعل، أم أريد بها أصالة البراءة.

وجه عدم الجريان: أنّ المشكوك فيه ليس هو الوجوب التكليفي- كالشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال- حتّى يدفع بأصالة عدم وجوبه، بل هو الوجوب الوضعي بمعنى اشتراط صحة بيع الأخرس- و سائر معاملاته- بالتوكيل عند قدرته عليه، و من المعلوم أنّ أصالة الفساد المحكّمة في المعاملات تقتضي الاشتراط، إذ بدون التوكيل يشك في تأثير إشارة الأخرس في مقام الإنشاء، فتأمّل.

______________________________

[1] كون الأصل هو الاشتراط مبنيّ على عدم عموم أو إطلاق في أدلة المعاملات، و إلّا فأصالة العموم تنفي الشرطية. و لعلّ مراد القائل بجريان أصالة عدم الوجوب ذلك، فليس مراده الأصل العملي، و معها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، و هو أصل عدم السببية أو عدم ترتب الأثر الذي هو المحكّم في المعاملات.

ثم إنّه قد يتوهم: أنّ وجه عدم جريان أصالة عدم الاشتراط هو عدم جريان أصالة البراءة في الأحكام الوضعية، و لذا دفعه المحقق الإيرواني قدّس سرّه بجريانها فيها، مستدلّا على ذلك باستدلال الامام عليه السّلام بحديث الرفع على بطلان طلاق المكره و عتاقه، «1»، فلاحظ.

لكن الإنصاف أنّه ليس وجه عدم جريان أصالة عدم الوجوب ذلك، بل ما أفاده المصنف من فحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس، و من المعلوم أنّه

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 89

ص: 308

بل (1) لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس، فإنّ حمله (2) على صورة عجزه عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر.

______________________________

(1) معطوف على «لا لأصالة» و غرضه إقامة الدليل على أنّ العاجز عن النطق لا يجب عليه التوكيل حتى تنشأ المعاملة بالإيجاب و القبول اللفظيين.

و محصل الاستدلال هو: استفادة جواز البيع- بالإشارة- بالأولوية من حكم الشارع بصحة طلاق الأخرس بالإشارة المفهمة للمقصود، ففي معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها، و يضعها على رأسها، ثم يعتزلها» «1».

و نحوها مرسلة السكوني «2».

و تقريب الدلالة: أنّ إطلاقهما يشمل صورة التمكن من التوكيل. و حمل هذا الإطلاق على صورة العجز عن التوكيل حمل المطلق على الفرد النادر، فلا يجوز.

و تعبير المصنف قدّس سرّه بالفحوى إنّما هو لأجل اهتمام الشارع في الأعراض أشدّ من اهتمامه في الأموال، فإذا كان اعتبار التلفظ بالطلاق- عند العجز عنه- ساقطا حتّى مع التمكن من التوكيل، فسقوطه في المعاملات المالية التي ليست كالفروج في الأهمية بالأولوية.

(2) أي: حمل ما ورد في طلاق الأخرس على صورة العجز حمل للمطلق على الفرد النادر، و هو في عدم الجواز كتخصيص العام بأكثر أفراده.

______________________________

مع الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

كما أنّه لا تصل النوبة، إلى أصالة الفساد المحكمة في المعاملات، بعد وجود الدليل الاجتهادي على عدم اعتبار التوكيل الحاكم على أصالة الفساد.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 301، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، الحديث: 5

(2) المصدر، ص 300، الحديث: 3

ص: 309

مع (1) أنّ الظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب (2).

ثمّ (3) لو قلنا بأنّ الأصل في المعاطاة اللزوم- بعد القول بإفادتها للملكية-

______________________________

(1) إشارة إلى دليل آخر على عدم وجوب التوكيل على العاجز عن التكلم، و حاصله: أنّ الظاهر نفي الخلاف عن عدم وجوب التوكيل، ففي مفتاح الكرامة:

«و لم ينصّ أحد على وجوب التوكيل في الأخرس، و لا احتاط به» «1».

(2) أي: وجوب التوكيل.

(3) يعني: أنّ العاجز عن مباشرة اللفظ كالأخرس تكون معاطاته لازمة و إن كانت معاطاة المتكلم جائزة. و غرضه قدّس سرّه من هذه الجملة التنبيه على أمرين:

الأوّل: الاستدراك على ما أفاده بقوله: «أما مع العجز عنه كالأخرس و قيام الإشارة مقامه ..» حيث إنّ ظاهره توقف لزوم عقد الأخرس على ما يقوم مقام اللفظ من إشارة مفهمة ثم كتابة، فلا يكفي مجرّد التقابض في لزوم بيعه، كما لا يكفي من القادر على اللفظ.

و محصّل الاستدراك: أنّ اعتبار الإشارة في معاملة الأخرس مبنيّ على إفادة المعاطاة للملك الجائز، فيقال: كما أنّ للقادر على اللفظ نحوين من الإنشاء، أحدهما لفظي لازم، و الآخر فعلي جائز، فكذا الأخرس. فإن اقتصر على التقابض كان كمعاطاة المتكلّم مفيدا للملك الجائز. و إن ضمّ الإشارة إلى التقابض كان إنشاؤه مفيدا للملك اللازم.

و أمّا بناء على ما هو الحق من عموم أصالة اللزوم- و أنّ الخارج عنها بالإجماع خصوص معاطاة المتمكّن من اللّفظ- كانت معاطاة العاجز عنه باقية تحت عموم أصالة اللزوم.

و على هذا لا يجب على الأخرس إفهام مقصوده بالإشارة، ثم بالكتابة، بل يكفيه التعاطي بقصد البيع. و ذلك لما عرفت من أنّ الإجماع على اعتبار اللفظ في

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 164

ص: 310

..........

______________________________

العقود اللازمة دليل لبيّ، و لم يعلم قيامه على خروج كل عقد فعلي عن عموم أصالة اللزوم، أو على خروج إنشاء خصوص القادر على اللفظ. و قد تقرّر في الأصول مرجعيّة أصالة العموم- عند دوران المخصّص المنفصل المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر- في ما عدا المتيقن من المخصص. فيحكم بالفرق بين معاطاة القادر على التلفظ و العاجز عنه، بالجواز في الأوّل و اللزوم في الثاني.

و نتيجته: أنّه لا يتوقف لزوم عقد الأخرس على الإشارة القائمة مقام اللفظ، بل كما تصحّ إشارته تصح معاطاته، و تفيد ملكا لازما.

الثاني: أنّ ظاهر المتن وجود سنخين من الإنشاء في العاجز عن التكلم، فتارة يأتي بالإشارة المفهمة للمقصود، فتقوم مقام اللفظ بالنسبة إلى القادر عليه. و أخرى يقتصر على مجرّد الإعطاء و الأخذ بقصد التمليك و التملك، فيكون كالتقابض من المتكلم. و لكن معاطاة القادر على التلفظ و العاجز عنه مختلفان حكما، فهي من المتكلم جائزة، و من العاجز عنه لازمة.

و حيث كانت الإشارة و المعاطاة متمشّية من مثل الأخرس- و إن لم يكن بينهما فرق في الحكم- توقّف إحراز أحدهما على القرينة المعيّنة.

و هذا المطلب قد أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا بقوله: «نعم يعتبر وجود القرينة الدالة على إرادة العقد بها- أي بالإشارة- أو المعاطاة. و بها يحصل الفرق بين المعاطاة و العقد في العاجز» «1».

و لكنه في جملة أخرى من كلامه استفاد من إطلاق كلام الفقهاء- من قيام إشارة الأخرس مقام الصيغة- أنّهم قائلون بعدم كون المعاطاة بيعا، قال قدّس سرّه: «و لكن قد سمعت سابقا إطلاق الأصحاب قيام الإشارة مقام العقد من غير إشارة إلى بيع المعاطاة. و فيه إشارة إلى عدم كونها بيعا» «2».

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 251

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 252

ص: 311

فالقدر المخرج (1) صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ.

و الظاهر أيضا كفاية الكتابة (2) مع العجز عن الإشارة، لفحوى ما ورد

______________________________

و ظاهر هذا الكلام أنّ الشارع أقام إشارة الأخرس مقام اللفظ، و ليس له إنشاء آخر بالتقابض ليكون قسيما للإشارة، بل كل ما عدا اللفظ مشمول لعنوان «الإشارة».

و على هذا يشكل ما في المتن من تصوير نحوين من الإنشاء في حقّ الأخرس كالقادر على التلفظ.

و قد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بأنّه لا وجه لإنكار المعاطاة من الأخرس، للفرق بين الإشارة و التقابض. و يمكن توجيه كلام الفقهاء- الذي استفيد منه إنكارهم لبيعية معاطاة الأخرس- بأحد أمرين:

الأوّل: أنّه مبني على مرامهم من كون المعاطاة إباحة تعبدية لا بيعا. و أمّا بناء على بيعيّتها- كما حققناها مفصّلا- فلا وجه لاختصاص المعاطاة بالقادر على التكلم بل يمكن صدورها من الأخرس أيضا.

الثاني: أنّهم قدّس سرّهم بصدد بيان ما يقوم مقام الصيغة المعتبرة من المتكلم، فقالوا بقيام إشارة الأخرس مقامها. و أمّا إنشاء المعاملة بالمعاطاة فلا يختلف فيه القادر على اللفظ و العاجز عنه حتى يحتاج إلى تصريح. و أمّا ترتب الإباحة أو الملك الجائز أو اللازم على المعاطاة فهو أجنبي عن أصل تحقق الموضوع. و قد عرفت أنّ المصنف حكم بلزوم الملك في معاطاة الأخرس تمسكا بأصالة اللزوم. هذا.

(1) يعني: أنّ القدر الخارج- بالإجماع- عن عموم أصالة اللزوم هو معاطاة القادر على التكلم، فهي جائزة، و أما معاطاة الأخرس فباقية تحت العموم.

(2) هذا إشارة إلى أمر آخر يقوم مقام اللّفظ- بالنسبة إلى العاجز عن التكلم- و هو الكتابة، و لكنّها متأخرة رتبة عن الإشارة. فلا تصل النوبة إلى الإنشاء بالكتابة مع تمكّنه من الإشارة المفهمة لمقصوده. و استدلّ المصنف قدّس سرّه على صحّة إنشاء البيع

ص: 312

من النص (1) على جوازها في الطلاق.

مع (2) أنّ الظاهر عدم الخلاف فيه.

و أمّا مع القدرة على الإشارة فقد رجّح بعض (3) الإشارة.

______________________________

بالكتابة بوجهين، أحدهما: فحوى جواز إنشاء الطلاق بها، ثانيهما: الإجماع.

(1) كخبر يونس: «في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته. قال: إذا فعل في قبل الطهر بشهود، و فهم منه كما يفهم من مثله، و يريد الطلاق جاز طلاقه على السنة» «1».

و قريب منه غيره، فإنّ الإكتفاء بالكتابة في الطلاق- مع شدّة اهتمام الشارع بحفظ الفروج- يدلّ بالأولوية على كفاية الكتابة في المعاملات المالية.

(2) يعني: لو فرض عدم وفاء النصّ الوارد في طلاق الأخرس بالكتابة- بإثبات جواز إنشاء البيع- لم يقدح في الالتزام بجواز إنشاء البيع بالكتابة، و ذلك لتسالم الأصحاب على كفايتها، كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و أما الكتابة فكالإشارة كما في التحرير و غيره» «2».

(3) قال الشهيد قدّس سرّه في شرائط صيغة البيع: «و لا- أي و لا تكفي- الكتابة حاضرا كان أو غائبا. و يكفي لو تعذّر النطق مع الإشارة» «3» أي الإشارة المفهمة كما صرّح بها في إشارة الأخرس. و نحوه كلام العلّامة في النهاية «4».

و يظهر أيضا من كاشف الغطاء على ما في الجواهر: «فما في شرح الأستاد من أنّ الكتابة قاصرة عن الإشارة لا يخلو من نظر» «5».

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 15، ص 300، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث: 4

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 163

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 192

(4) نهاية الاحكام، ج 2، ص

(5) جواهر الكلام، ج 22، ص 251

ص: 313

و لعلّه (1) لأنّها أصرح في الإنشاء من الكتابة.

و في بعض روايات الطلاق (2) ما يدلّ على العكس (3)، و إليه ذهب الحلي رحمه اللّه هناك (4) [1].

______________________________

(1) يعني: و لعلّ وجه الترجيح هو كون الإشارة أصرح في الإنشاء من الكتابة، حيث إنّ الكتابة لا تفيد الإنشاء إلّا بقرينة، فإنّ الإنسان غالبا يكتب شيئا لغرض آخر غير الإنشاء كامتحان المداد و القلم، أو حكاية كلام شخص سمعه، أو غير ذلك، فلا ظهور للكتابة في الإنشاء.

(2) كصحيح ابن أبي نصر البزنطي: «قال: سألت الرّضا عليه السّلام عن رجل تكون عنده المرأة يصمت و لا يتكلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و يعلم منه بغض لامرأته و كراهة لها، أ يجوز أن يطلّق عنه وليّه؟ قال: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك.

قلت: فإنّه لا يكتب و لا يسمع كيف يطلّقها؟ قال: بالذي يعرف به من فعاله مثل ما ذكرت من كراهته و بغضه لها» «1».

(3) حيث إنّه قدّم في رواية ابن أبي نصر الكتابة، و لو كانت متأخرة عن الإشارة كان اللازم تقديم الإشارة على الكتابة.

(4) أي: في كتاب الطلاق، حيث قال: «و من لم يتمكّن من الكلام- مثل أن يكون أخرس- فليكتب الطلاق بيده إن كان ممّن يحسن الكتابة، فإن لم يحسن فليؤم إلى الطلاق كما يومي إلى بعض ما يحتاج إليه، فمتى فهم من إيمائه ذلك وقع طلاقه» «2».

______________________________

[1] ينبغي قبل تحقيق كلام المصنف قدّس سرّه، بيان مقدمة، و هي: أنّ الاعتبارات النفسانية- العقدية أو الإيقاعية- تتصور ثبوتا على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تكون مع الغض عن إبرازها بمبرز- قولي أو فعلي- موضوعا لآثار شرعية، كإنكار النّبوّة أو ضروري من ضروريات الدّين، أو الاعتقاد بشريك له تعالى، فإنّ

______________________________

(1): وسائل الشيعة ج 15، ص 300، الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث: 1

(2) السرائر الحاوي، ج 2، ص 678

ص: 314

..........

______________________________

لكن يظهر من جماعة منهم ابن زهرة و المحقق الأردبيلي و الشهيد الثاني و غيرهم قدّس سرّهم عدم الترتيب بين الإشارة و الكتابة، و أنّهما في رتبة واحدة، بل كلّ ما يفهم منه الطلاق يجوز إنشاؤه به، و يظهر ذلك أيضا من صاحب الجواهر، حملا لما في حسنة البزنطي- من ذكر الكتابة- على كونها أحد أفراد ما يقع به الطلاق «1»، فلا تدلّ الحسنة على تعيّن تقديم الكتابة على الإشارة، فلاحظ.

______________________________

مجرّد الإنكار النفساني- و لو بدون إبرازه بفعل أو قول- يوجب الارتداد الذي هو موضوع لأحكام شرعية.

و كالتوبة، حيث إنّ حقيقتها الندم القلبي و العزم على ترك المعاصي من دون اعتبار إبرازها بمبرز قولي و إن كان أحوط.

و كالعهد- على احتمال ضعيف- فإنّه قد احتمل بعض كفاية النيّة في ترتيب آثار العهد عليها. لكنّه في غاية الضعف كما ثبت في محله.

ثانيها: أن تكون موضوعيّتها للآثار الشرعية منوطة بإبرازها سواء أ كان مبرزها قولا أم فعلا، كما في جملة من العقود و الإيقاعات كالوكالة و الإجارة و الهبة و الرّهن و القرض و البيع و غيرها.

ثالثها: أن تكون موضوعيتها للآثار الشرعية منوطة بإبرازها بمبرز خاصّ كالطلاق و النذر و النكاح، فإنّ مبرزها لا بدّ أن يكون قولا بنحو خاص. و كالإسلام، فإنّ إبرازه بالشهادتين موضوع للآثار الشرعية.

و ربما تكون أكثر الملكات كذلك، فإنّ ملكة العدالة أو الاجتهاد مثلا لا يترتب عليها الأثر الشرعي إلّا إذا أبرزت. و كذلك الملكات الرذيلة، فإنّ الحسد مثلا و إن كان بنفسه مذموما، لكن موضوعيته للحرمة منوطة بالإبراز، كما يدلّ عليه حديث الرفع،

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 32، ص 61

ص: 315

______________________________

فيكون المبرز جهة تقييديّة.

إذا عرفت هذه المقدمة، فاعلم: أنّ الكلام يقع في مقامين:

الأوّل: في ما يقتضيه الدليل الاجتهادي من اعتبار المبرز و عدمه.

و الثاني: في ما يقتضيه الأصل العملي عند الشك في اعتبار أصل المبرز، أو في اعتبار مبرز خاص.

أمّا المقام الأوّل فإشباع الكلام فيه منوط بتتبع تامّ في أدلة تشريع الأحكام للاعتبارات النفسانية في كلّ مقام، فإن ثبت بتلك الأدلة أنّ الموضوع ذلك الاعتبار النفساني من حيث هو و إن لم يبرز بمبرز فلا كلام. و إن ثبت بها أنّ الموضوع ذلك الاعتبار النفساني أو الصفة النفسانية بوصف الإبراز- بحيث يكون الإبراز جهة تقييديّة- فإن دلّت تلك الأدلة على إطلاق المبرز، و أنّه لا فرق فيه بين كونه قولا و فعلا، أو دلّت على دخل مبرز خاصّ من قول متخصّص بخصوصيات مادية و هيئيّة كصيغتي الطلاق و النكاح- على المشهور- فلا إشكال في ذلك.

و أمّا المقام الثاني فمحصل الكلام فيه: أنّ الشك في اعتبار المبرز يتصور على وجهين:

الأوّل: أن يكون الشك في اعتبار أصل المبرز، كما إذا شك في أنّه هل يعتبر في ترتيب آثار العدالة- بناء على كونها ملكة- وجود مبرز أم لا.

الثاني: أن يكون الشك في اعتبار مبرز خاص بعد دلالة الدليل على اعتبار أصل المبرز، كما إذا دل الدليل على اعتبار إبراز البيع مثلا بالقول، ثم شكّ في اعتبار كيفيّة خاصة فيه كالماضوية و العربية، أو دلّ على اعتبار القول مطلقا و شكّ في تحققه بالفعل أيضا.

أمّا الوجه الأوّل فملخّص الكلام فيه: أنّ الشك فيه يرجع إلى الشك في جعل الحكم الشرعي، فيرجع فيه إلى أصالة البراءة، لكونه من الشبهة الحكمية الناشئة من فقد

ص: 316

______________________________

الدليل، فإذا شككنا في جعل ملكة العدالة- بوجودها الواقعي أو بوجودها العلمي- موضوعا لأحكام تجري البراءة في تلك الأحكام إن كانت إلزاميّة، و أصالة العدم إن كانت غير إلزامية كما لا يخفى.

و أمّا الوجه الثاني فمحصل البحث فيه: أنّه إن كان الشّك في اعتبار كيفية خاصة- كالماضوية مثلا- فمع إطلاق دليل صحة ذلك الأمر الاعتباري كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و «الصلح جائز بين المسلمين» و غير ذلك، فلا إشكال في الرجوع إلى ذلك الإطلاق المقتضي لنفي اعتبار الكيفية الخاصة، و عدم دخلها في موضوعية ذلك الاعتبار النفساني، فيحكم بجواز إبرازه بالقول مطلقا و إن لم يكن بهيئة الماضي مثلا.

و مع عدم إطلاق دليل صحة ذلك الاعتبار يحكم بعدم دخل كيفية خاصة في ترتب الأثر الشرعي، لأصالة البراءة أو أصالة العدم. و إن كان الشك في موضوعية ذلك الاعتبار إذا أبرز بغير ما دلّ الدليل على مبرزيّته كما إذا دلّ دليل- من إجماع أو غيره- على اعتبار إنشاء البيع بالقول، و شككنا في أنّه إذا أنشئ بالفعل- من إشارة أو غيرها- فهل يترتب عليه ما يترتّب على إنشائه بالقول من الآثار الشرعية أم لا؟ فهذا يتصور على وجهين:

أحدهما: أن يكون الشك في اعتبار خصوص القول تعبّدا مع كون الفعل مصداقا لذلك الاعتبار كالبيع مثلا، بحيث يكون صدق البيع عرفا على المنشأ بالفعل كصدقه كذلك على المنشأ بالقول.

و الآخر: أن يكون الشك في صدق العنوان الاعتباري على الفعل، كما إذا شكّ في صدق البيع على التمليك المنشأ بالفعل. و هذا أحد المسلكين في عدم إفادة المعاطاة اللزوم، حيث إنّه قيل بعدم كون الفعل مصداقا لعنوان من عناوين العقود، فيكون قاصرا عن إفادة التمليك فضلا عن اللزوم، و لذا ذهبوا إلى إفادتها الإباحة.

و المسلك الآخر هو: إفادة المعاطاة للإباحة، لا لعدم مصداقيّتها للبيع، بل للإجماع

ص: 317

______________________________

المدّعى على اعتبار اللفظ في اللزوم، مع صدق العقد عليها على حدّ صدقه على القول، و إفادتها الإلزام و الالتزام كإفادة اللفظ.

فإن كان الشك على الوجه الثاني- و هو الشك في صدق عنوان العقد- فيرجع الشك إلى وجود سبب الانتقال، و من المعلوم أنّ قضيّة الاستصحاب عدم الانتقال، و بقاء المالين على ملك مالكيهما. و المراد بأصالة الفساد هو هذا الاستصحاب.

و إن كان الشك على الوجه الأوّل- و هو دخل مبرز خاص تعبّدا كالقول على وجه مخصوص في ترتّب الأثر الشرعي على الاعتبار النفساني، مع فرض صدق العقد على الفعل- فالأصل يقتضي عدم الاعتبار، لأن دخل المبرز الخاص إنّما يكون بالتعبّد، فالشكّ فيه شكّ في الجعل الشرعي، و مقتضى الأصل عدمه. فإنشاء الأمر الاعتباري بالفعل كإنشائه بالقول ممّا يترتب عليه الأثر الشرعي، لأنّ الشك في ترتب الأثر الشرعي عليه نشأ من احتمال دخل مبرز خاصّ فيه تعبّدا، و قد نفي ذلك بالأصل. و قد حقّق في محلّه جريان أصل البراءة في الوضعيات كجريانه في التكليفيّات.

فلا يصغى إلى ما قيل من: «أنّ الأصل في المقام يقتضي عدم ترتّب الأثر، لأنّه يشكّ في ترتّبه على المبرز المزبور، و مقتضى الاستصحاب عدمه، فكلّ من المالين باق على ملك مالكه. و هذا مرادهم بكون الأصل في العقود الفساد».

و ذلك لأنّ الشك في ترتب الأثر ناش عن الشك في دخل المشكوك اعتباره.

و لمّا كان الدخل تعبديّا جرى فيه البراءة أو أصل العدم، و بعد جريان الأصل في الشك السببي لا يجري في الشك المسببي حتى يقال: إنّ الأصل الجاري فيه هو أصالة الفساد، فإنّ جريان أصالة الفساد منوط بأمور:

أحدها: عدم جريان أصالة البراءة في الجزئية و الشرطية و السببية و المانعية، إمّا لعدم تأصّلها في الجعل و كونها منتزعة عن الأحكام التكليفية، و إمّا لاعتبار كون مجرى أصالة البراءة الشرعية حكما إلزاميّا حتى توجب مخالفته استحقاق العقوبة عقلا الذي ينفيه البراءة العقلية. و لذا قيل: إنّ البراءة الشرعية تنفي الملزوم و هو الحكم، و العقلية

ص: 318

______________________________

تنفي اللازم و هو استحقاق العقوبة، و من المعلوم أن الحكم الوضعي- كالتكليفي غير الإلزامي- لا يوجب استحقاق العقوبة، فلا تجري فيه البراءة، فهي تختص بالحكم الإلزامي.

ثانيها: عدم تسبب أحد الشكين- أعني الشك في الفساد- عن الآخر، و هو الشك في الشرطية.

ثالثها: عدم حكومة الأصل السببي على المسببي.

رابعها: عدم جريان البراءة في المحصّلات، بناء على كون الإنشاء القولي و الفعلي في المعاملات منها.

خامسها: أنّ أصالة البراءة لا تثبت كون الفاقد لمشكوك الدخل موضوعا للأثر المترتب على الاعتبار النفساني المبرز إلّا على القول بالأصل المثبت.

توضيحه: أنّه إذا شككنا في دخل الماضوية مثلا في البيع بحيث لا يكون إنشاؤه و إبرازه بغير صيغة الماضي موضوعا للأثر الشرعي، فنفي اعتبار الماضوية بأصالة البراءة لا يثبت سببيّة الفاقد لها للأثر الشرعي إلّا بناء على حجية الأصول المثبتة.

لكن الكلّ كما ترى.

إذ في الأوّل: أنّ أصالة البراءة تجري في الوضعيات كجريانها في التكليفيّات، لوجود المناط و هو كون المشكوك فيه قابلا للوضع و الرفع التشريعيين في الوضعيات كوجوده في التكليفيّات.

و دعوى اعتبار كون مجرى البراءة متأصّلا في الجعل ممّا لا شاهد له، بل الشاهد على خلافها، حيث إنّ الرفع في مثل حديثه لمّا كان تشريعيّا كان من الضروري صحّة إسناد الرفع إلى ما له شأنيّة التشريع، و الرجوع فيه إلى الشارع بحيث لا يكون المرجع فيه إلّا الشارع، فاعتبار تأصّله في الجعل قيد زائد ينفى بإطلاق أدلة البراءة. فلا فرق في مورد البراءة بين المتأصّل في الجعل و غيره.

ص: 319

______________________________

و على هذا فتجري البراءة في الحكم الوضعي مطلقا سواء أ كان متأصّلا في الجعل كالملكية و الزوجية و نحوهما، أم منتزعا عن حكم تكليفي كالجزئية التي تنتزع عن الأمر المتعلّق بعدّة أمور بنحو الارتباطيّة بأن كانت تلك الأمور مؤثّرة في ملاك واحد. أو عن دخل شي ء في موضوع الحكم كدخل الاستطاعة في موضوع وجوب الحج، فإذا شككنا في دخل الرجوع إلى الكفاية في وجوبه أيضا، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن الدخل، فنفي شرطية الرجوع إلى الكفاية يمكن بالبراءة، لأجل كون منشأ انتزاعها دخل الشارع ذلك في وجوب الحج. كما يمكن بإطلاق الدليل لو كان لفظيّا أو مقاميّا.

و لو لم يكن هذا الدخل شرعيّا لما جاز التمسك لنفيه بالإطلاق، إذ لا فرق بين الدليل و الأصل في كون موردهما ممّا يقبل التشريع. فشرطيّة مثل الرجوع إلى الكفاية لوجوب الحج منتزعة عن دخل الشارع له في موضوع وجوبه.

لكن الحق عدم جريان البراءة في دخل الرجوع إلى الكفاية في وجوب الحج، لفقدان الامتنان الذي هو شرط لجريان البراءة، لا لعدم المجعولية.

و من هنا يظهر غموض ما في تقرير سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّه من «انقسام الأحكام الوضعية إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن يكون متأصّلا في الجعل كالملكية و الزوجية و الرقية و نحوها.

الثاني: أن يكون الحكم الوضعي راجعا الى الحكم نفسه كالسببيّة و الشرطيّة و المانعية للوجوب مثلا، فالسببية و الشرطية و المانعية منتزعة عن جعل الحكم و لحاظه مقيّدا بقيد وجودي أو عدمي.

الثالث: أن يرجع الحكم الوضعي إلى متعلق التكليف كالجزئية و الشرطية و المانعية للمأمور به، فإنّها منتزعة من كيفية الأمر المتعلق بأشياء عديدة، فإنّه ينتزع الجزئية لكل واحد من تلك الأشياء، كما ينتزع الشرطية من الأمر المتعلق بشي ء مقيّدا بوجود شي ء آخر كالاستقبال و الستر، و المانعيّة من الأمر بشي ء مقيّدا بعدم شي ء آخر، كتقيّد الصلاة بعدم استصحاب المصلّي أجزاء ما لا يؤكل لحمه.

ص: 320

______________________________

و بالجملة: فالجزئية و الشرطية و المانعية منتزعة عن كيفية الأمر، و ليست متأصلة في الجعل، فلا تجري فيها البراءة، و إن قلنا بشمول حديث الرفع للأحكام الوضعية، نعم ترتفع هذه الأمور بإجراء البراءة في مناشئ انتزاعها» انتهى ملخصا «1».

وجه الغموض ما عرفت من: أن دليل اعتبار كون مجرى البراءة حكما شرعيا هو كون الرفع تشريعيّا لا تكوينيّا، فلا بدّ في صحة إسناد الرفع التشريعي من كون المرفوع قابلا للتشريع نفيا و إثباتا. و من المعلوم أنّ صحة هذا الإسناد لا تتوقف إلّا على كون المرفوع ممّا يرجع فيه وضعا و رفعا إلى الشارع دون غيره. و بديهي أنّ هذا لا يتوقف على كون المرفوع متأصّلا في الجعل، بل يكفي في ذلك قابلية منشئه للتشريع.

و عليه فلا فرق في جريان البراءة في الشرطية و السببية و المانعية بين كونها راجعة إلى موضوع الحكم، و بين كونها راجعة إلى متعلّق الحكم، لأنّها في كليهما منتزعة عن الدخل الشرعي. و قد عرفت صحة إسناد الرفع إلى الشرطية و نحوها بلحاظ انتزاعها عن الدخل الشرعي، و عدم توقف صحته على كونها مجعولة بالذات.

و لو لم يكن هذا المقدار مصحّحا لإسناد الرفع التشريعي لم يصح التمسك أيضا بإطلاق الدليل الاجتهادي لنفيها. مثلا إذا شككنا في شرطيّة الماضوية في العقد نتمسّك في نفيها بإطلاق مثل «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و كذا إذا شككنا في وجوب الرجوع إلى الكفاية في الحج. فلا فرق في الرجوع إلى البراءة بين كون مجراها مجعولا بالأصالة و بين كونه منتزعا.

نعم يمنع عن جريان البراءة في الوضعيات باختصاص البراءة بالأحكام الإلزامية الموجبة مخالفتها لاستحقاق العقوبة، و لذا قيل: إنّ البراءة الشرعية تنفي الملزوم، و البراءة العقلية تنفي اللازم و هو استحقاق المؤاخذة.

إلّا أن يقال: إنّ استدلال الإمام عليه السّلام بحديث الرفع على فساد طلاق المكره

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 3، ص 7 إلى 11

ص: 321

______________________________

و عتاقه يدلّ على جريان البراءة في الوضعيّات.

و كيف كان ففي جريان أصالة العدم في الشرطية و نحوها غنى و كفاية، و بها يثبت عدم كون المشكوك فيه من أجزاء السبب المؤثّر أو من شرائطه، و مع هذا الأصل لا يجري أصالة الفساد أي عدم النقل و الانتقال، و إن كانت أصلا تنزيليا حاكما على البراءة التي هي أصل غير تنزيلي. و ذلك لأنّ أصل البراءة هنا يكون في مرتبة السبب، و استصحاب عدم الانتقال في مرتبة المسبّب، و حديث حكومة الاستصحاب على البراءة إنّما يكون في صورة اتحادهما رتبة.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّه لا مانع من جريان البراءة أو أصالة العدم في الشرطية، و إثبات عدم كون المشكوك فيه جزءا من السبب المؤثر، نظير جريان البراءة عن الجزئية و الشرطية و المانعية في متعلق التكليف كالصلاة، إذ المتيقن هو الأقل الجامع بين الأقل و الأكثر.

و دعوى الفرق- كما في تقرير سيدنا الخويي تبعا لشيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّهما- بين متعلّق التكليف كالصلاة إذا شكّ في شرطية أو جزئية أو مانعية شي ء لها، و بين الأسباب كالشكّ في شرطية شي ء كالماضوية للعقد «بجريان البراءة في الأوّل لكونه شكّا في تعلق الأمر بالمقيّد به، فيدفع بأصالة البراءة، و أمّا الأقل أعني به الطبيعي الجامع بين المطلق و المقيد فهو مأمور به قطعا. و عدم جريانها في الأسباب كالشك في شرطية شي ء لصحة عقد أو إيقاع، لانعكاس الأمر فيها، حيث إنّ ترتب الأثر كالملكية أو براءة الذمة على العقد أو الإيقاع الواجد لذلك الشرط معلوم، و ترتّبه على الفاقد مجهول، فيدفع بالأصل. و هذا هو الفارق بين الشك في شرطية شي ء للمأمور به، و بين الشك في شرطيّته للعقد أو الإيقاع» «1» خالية عن البيّنة، إذ مناط البراءة و هو الشك في الحكم الشرعي موجود في كلّ من متعلّقات التكاليف و الأسباب.

و أمّا دعوى: «العلم بترتب الأثر في العقد و الإيقاع على الواجد لمشكوك الشرطية

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 3، ص 10 و 11

ص: 322

______________________________

و الجهل بترتبه على الفاقد له، بخلاف متعلّق التكليف، حيث إنّ الأقل معلوم الوجوب، فتجري البراءة في الزائد المشكوك فيه».

ففيها: أنّ منشأ العلم بحدود متعلّق التكليف و سببية العقد إنّما هو الأدلة البيانية المبيّنة لما له دخل في متعلق التكليف و في ترتب الأثر على العقد، فحينئذ نقول: نعلم بدخل ما قامت عليه الأدلة، مثلا نعلم بدخل عشرة أشياء في متعلق التكليف كالصلاة، و بدخل أمور خمسة مثلا في سببيّة العقد للأثر المقصود، و نشك فيما زاد على العشرة في المتعلّق، و على الخمسة في العقد، فالشكّ في دخل الزائد شرعا مشترك بين المتعلّقات و الأسباب، حيث إنّا نعلم بتعلق التكليف بالعشرة و بدخل الخمسة في سببية العقد، و نشك في الزائد، فينفى بالأصل.

و العلم بترتب الأثر على العقد الواجد لمشكوك الدخل شرعا إنما هو من باب القدر المتيقن، لا لأجل العلم بكون الواجد بخصوصيته سببا لترتب الأثر.

و إلّا فمقتضى البرهان ترتب الأثر على ما علم دخله في السببيّة بعد نفي مشكوك الشرطية بالأصل، و العلم بترتب الأثر من باب القدر المتيقن كالعلم بفراغ الذمة عن التكليف كذلك إذا أتى بالأكثر المشكوك فيه في متعلقات التكاليف.

فجعل باب الأسباب على عكس باب متعلّقات التكاليف في غاية الغموض.

و منه يظهر ما في قوله: «و ترتبه على الفاقد مجهول فيدفع بالأصل» و ذلك لأنّ أصالة عدم ترتب الأثر مبنية على عدم جريان البراءة في مشكوك الدخل في سببية العقد، و مع جريانها لا تصل النوبة إلى الأصل المسببي أعني به أصالة الفساد، فترتب الأثر على الفاقد مجهول وجدانا و معلوم تعبّدا، كما أنّ فراغ الذمة عن التكليف بالإتيان بالأقل كذلك.

هذا إذا أريد بأصالة عدم ترتب الأثر ما هو المعروف بينهم من استصحاب عدم النقل و الانتقال.

ص: 323

______________________________

و أمّا إذا أريد بها أصالة عدم سببية الأقل لترتب الأثر فلا تجري إن قصد بها البراءة، لعدم الامتنان. بل جريانها يوجب الضيق، لأنّ اعتبار الماضوية مثلا ضيق على المكلف.

و في الثاني: أنّ إنكار تسبّب الشك في الفساد عن الشك في شرطية شي ء للعقد مساوق لإنكار البديهي.

و في الثالث أوّلا: ما قرّر في محلّه من حكومة الأصل السببي على المسببي، و عدم الوجه في منع الحكومة.

و ثانيا: أنّه- بعد تسليم عدم الحكومة- لا تجري أصالة الفساد أيضا، لمعارضة أصالة البراءة لها، فتصل النوبة إلى القرعة أو الصلح القهري، لقاعدة العدل و الإنصاف، كما لا يخفى.

إلّا أن يقال: بجريان أصالة الفساد و تقدمها على البراءة، لكونها أصلا تنزيليّا، دون أصالة البراءة.

إلّا أن يدّعى أنّ هذا التقدم مبنيّ على الحكومة التي أنكرها الخصم. فعلى هذا تجري أصالة الفساد و البراءة معا و تتساقطان.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ الخصم أنكر الحكومة المترتبة على تعدّد الرتبة، لا مع وحدتها، فإنّ حكومة الاستصحاب على البراءة مع وحدة رتبتهما ممّا لا سبيل إلى إنكاره، فتجري أصالة الفساد بلا مانع.

و في الرابع أوّلا: كون المقام أجنبيا عن باب المحصّل، لأنّ ضابطه أن يكون الأثر المقصود مترتبا على المحصّل قهرا بحيث يكون مسبّبا توليديّا لا يتوسّط بينه و بين الفعل المحصّل له إرادة فاعل مختار كالإحراق المترتّب على الإلقاء، و نقاء المحلّ عن النجاسة المترتب على الغسل و العصر مثلا، و نحو ذلك. فإذا توسّط ذلك خرج عن المحصّل و دخل في باب الحكم و الموضوع، كوجوب الصلاة عند الدلوك، و وجوب

ص: 324

______________________________

الزكاة عند تحقق شرائطها، فإنّ ترتب الحكم على موضوعه أجنبي عن باب المحصّل.

و من المعلوم أنّ ترتب الأثر المقصود كالملكية على الإنشاء القولي و الفعلي يكون من ترتب الحكم على موضوعه لا ترتب المعلول على علته.

و تسمية العقود أسبابا إنّما هي بلحاظ نظر العرف، حيث إنّهم يرون العقود أسبابا للآثار المترتبة عليها، و إلّا فإنّ العقود و الإيقاعات من صغريات الحكم و الموضوع.

و ثانيا: أنّه- بعد تسليم كون المقام من المحصّل- نمنع عدم جريان الأصل في مطلق المحصّل، و إنّما لا يجري في المحصّل العقلي و العادي، دون الشرعي كالغسلتين و المسحتين بناء على كون المأمور به الطهارة النفسانية الحاصلة بها، و إنّها محصّلات للمأمور به، لا أنّها نفسه، فإذا شكّ في دخل شي ء جزءا أو شرطا للمحصّل الشرعي جرت فيه أصالة البراءة، و يثبت بها أنّ الأقل هو المحصّل، و ليس المشكوك فيه جزءا له، هذا.

و في الخامس: أنّ مثبتيّة البراءة الجارية في متعلّقات التكاليف- التي هي المركبات الارتباطية و في الأسباب المركّبة كالعقود- منوطة بكون التقابل بين الإطلاق و التقييد تقابل التضاد، إذ يلزم حينئذ إثبات أحد الضدين بنفي الضّد الآخر. و هذا من أوضح مصاديق الأصل المثبت. بخلاف ما إذا كان التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة- كما هو الحق المحقّق في محله- فلا يلزم إشكال الإثبات أصلا، لأنّ الإطلاق على هذا أمر عدمي، لأنّه عبارة عن عدم تقييد ما من شأنه أن يقيّد. مثلا إذا جرت أصالة البراءة في الاستعاذة، فمقتضاها عدم تقيّد الصلاة بها و كون أجزائها مطلقة غير مقيّدة بالاستعاذة.

و كذا الحال في جريان البراءة في مشكوك الجزئية أو الشرطية في باب الأسباب، فإذا جرت في نفي شرطية الماضوية في عقد البيع مثلا فمقتضاها عدم شرطية الماضوية في سببية العقد للملكية، و عدم كون العقد مقيّدا بالماضوية.

و بالجملة: بعد البناء على كون الإطلاق أمرا عدميّا، و أنّ التقابل بينه و بين التقييد تقابل العدم و الملكة لا يلزم إشكال المثبتية أصلا.

ص: 325

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا: عدم جريان أصالة الفساد، و عدم مانع من جريان أصالة البراءة في شرطية شي ء كالماضوية للعقد، و إثبات سببية الأقلّ لترتب الأثر. و عدم الفرق في جريان البراءة بين متعلقات التكاليف و بين الأسباب، و أنّ مجرى البراءة في كلا البابين هو الأكثر.

لكن الذي يسهّل الخطب أنّ الشك في شرطية شي ء للعقود يدفع بالإطلاقات اللفظية أو المقامية، و لا تصل النوبة إلى الأصل العملي حتى يقع الكلام في أنّه أصالة الفساد أو أصالة الصحة، فينبغي أن يكون هذا البحث فرضيّا.

نعم إذا كان الشك في صدق عنوان العقد- لا في شرطية شي ء فيه تعبّدا- جرى فيه أصالة الفساد بلا كلام. و أمّا في الشك في دخل شي ء فيه تعبّدا فلا مانع من جريان أصالة البراءة فيه، أو أصالة العدم بناء على اختصاص البراءة بالأحكام الإلزامية، بعد فرض عدم إطلاق دليل اجتهادي يرفع الشك.

فعلى كلّ تقدير لا تصل النوبة إلى أصالة الفساد إلّا إذا كان الشك في صدق أصل العنوان عرفا، كما إذا شك في صدق عنوان البيع العرفي على الإنشاء الفعلي، أو شكّ في صدقه على الإنشاء القولي الفاقد للماضوية مثلا، فإنّه يجري في صورة الشك في صدق العنوان أصالة عدم ترتب الأثر، لأنّ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في تحقق المؤثر في النقل عرفا، و الأصل عدم تحققه.

و قد تحصل مما تقدم أمور:

الأوّل: أنّ المرجع في الشك في تحقق العنوان العقدي أو الإيقاعي عرفا بمبرز هو أصالة عدم حصول ذلك العنوان الموجب لعدم ترتب آثاره عليه، و إن شئت فعبّر عن هذا الأصل بأصالة الفساد.

الثاني: أنّ المرجع عند الشك في دخل شي ء تعبّدا في مبرز الاعتبار العقدي أو الإيقاعي هو البراءة، و عدم دخل ذلك المشكوك فيه، و كون فاقد مشكوك الشرطية مؤثّرا

ص: 326

______________________________

في الأثر المقصود من ذلك العقد أو الإيقاع. و لازم جريان البراءة فيه هو الصحة. هذا في الشبهة الحكمية.

و أمّا الموضوعية كما إذا شك في وجود شي ء من الشرائط من شروط نفس العقد كالماضوية- بعد فرض تسلّم اعتبارها- أو من شروط العوضين أو من شروط المتعاقدين، فالإستصحاب و إن اقتضى عدمه المستلزم لفساد العقد أو الإيقاع، إلّا أنّه قد ادّعي الإجماع و السيرة على ترتيب آثار وجود المشكوك اعتباره، و الحكم بصحة الإنشاء العقدي.

الثالث: أنّه إذا صدق الاعتبار النفساني بكلّ ما يكون مبرزا له فلا محالة يكون نافذا، لشمول أدلة ذلك العنوان له، فإذا صدق البيع مثلا على الإنشاء القولي أو الإشاري أو الكتابي شمله مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيكون نافذا، إلّا إذا نهض دليل على اعتبار مبرز خاصّ في نفوذه كالإجماع المدّعى على اعتبار اللفظ في العقود و الإيقاعات، فلا يترتب حينئذ على إنشائها بغير اللفظ أثر من آثار النفوذ.

لكن يختص ذلك بالمتمكّن من التلفظ، لكون الإجماع دليلا لبّيّا، و المتيقن منه خصوص القادر، كما إذا ورد «أكرم العلماء» ثم قام الإجماع على عدم وجوب إكرام البصريين منهم، فإنّ المتيقّن منه هو خصوص فسّاقهم، فيخصّص العام به، لا بكلّ عالم بصري و إن كان عادلا.

و عليه فلا بدّ في تخصيص العام بالدليل اللّبّي من الاقتصار على المتيقن، و في الزائد عليه يرجع إلى العام المقتضي للنفوذ بأيّ مبرز أنشئ ذلك الاعتبار النفساني.

و على هذا فتكون الإشارة و الكتابة على حدّ سواء بالنسبة إلى العاجز عن التكلم، إلّا إذا قام دليل خاص على الترتيب بينهما بتقديم الإشارة على الكتابة، فإنّه مع عدم هذا الدليل الخاصّ يحكم بعدم الفرق بين المبرزات، لأجل العمومات و الإطلاقات الدالّة على نفوذ العقود و صحتها.

نعم إن كان المخصّص لها دليلا لفظيا كقوله عليه السّلام: «إنما يحلّل الكلام و يحرّم

ص: 327

______________________________

الكلام» كان المرجع هذا المخصّص، و مقتضاه الشرطية المطلقة للفظ المستلزمة لوحدة المطلوب، فإن لم يتمكّن من النطق فلا بدّ من التوكيل.

فقد ظهر مما ذكرنا: أنّ البيع الصادر من العاجز عن التكلم كالأخرس نافذ مطلقا سواء أنشئ بالمعاطاة أم الإشارة أم الكتابة أم غيرها مما يكون مبرزا عرفا لذلك الأمر الاعتباري و إن كان قادرا على التوكيل، لما عرفت من أنّ المخصص دليل لبيّ فيقتصر على المتيقن منه، و قد قرّر في محله لزوم الرجوع إلى العموم فيما عدا المتيقن من المخصّص المجمل اللبي، لكون الشك في التخصيص الزائد. فمقتضى العمومات عدم الترتيب بين المبرزات، و كون الكل في عرض واحد، لعدم مرجّح لأحدها على الآخر بعد اشتراكها في المبرزية.

فالالتزام بالترتيب بين الإشارة و الكتابة- بتقديم الأولى على الثانية- بلا ملزم.

و احتمال الاستناد في ذلك إلى أصرحيّتها في الإنشاء من الكتابة- كما أفاده المصنف قدّس سرّه- لا يخلو من غموض، لعدم وضوح أصرحية الإشارة من الكتابة أوّلا لو لم نقل بالعكس.

و لعدم دليل على اعتبار الأصرحيّة في المبرز، و كفاية الظهور العرفي في ذلك ثانيا، لصدق العنوان مع الظهور العرفي المعتبر عند أبناء المحاورة من دون حاجة إلى الصراحة فضلا عن الأصرحيّة.

و بالجملة: فمع صدق العقد على كل مبرز لا بدّ من القول باللزوم. لكنّ الإجماع قام على اعتبار اللفظ في اللزوم، و المتيقن منه- على فرض تماميته- هو صورة القدرة على النطق، فبدونها يكون كل فعل يصدر منه مبرز للاعتبار النفساني سواء أ كان إشارة أم كتابة مصداقا للعقد، فيجب الوفاء به. و على هذا يسقط البحث عن اعتبار الترتيب بين الإشارة و الكتابة، لصدق العقد عرفا على كل مبرز.

نعم يكون للبحث عن الترتيب مجال بناء على التعبد، لا الصدق العرفي.

فعلى القول بالصدق العرفي يقوم كل فعل مبرز مقام اللفظ، فإشارة الأخرس و كتابته و غيرهما من أفعاله المبرزة للأمر الاعتباري تقوم مقام اللفظ و لو كان قادرا على

ص: 328

______________________________

التوكيل، لأنّ الأصل عدم اشتراطه.

و على القول بعدم الصدق العرفي فلإطلاق الأخبار الواردة في طلاق الأخرس، المستفاد منها بالفحوى حكم عقده و إيقاعه في سائر الأبواب، و حملها على صورة العجز عن التوكيل حمل لها على الفرد النادر، هذا.

و المتحصل مما ذكرنا: أنّ كل عقد أو إيقاع ينشأ بما يكون مبرزا له عرفا تشمله العمومات. إلّا إذا ثبت بالدليل اعتبار مبرز خاص فيه، بحيث لو أنشئ بغيره لم يكن ممّا يترتب عليه الأثر المقصود. فلو فرض قيام الإجماع على اعتبار اللفظ في العقود و الإيقاعات و أغمض عن المناقشة فيه كان ذلك مختصّا بالقادر على التلفظ، فالعاجز عنه ينشئ العقد و الإيقاع بكلّ مبرز عرفي. و لا دليل على حصر المبرز في حقه باللفظ، فالأخرس و غيره ممن يعجز عن التكلم يصحّ عقده و إيقاعه بكل مبرز حصل، فلا ترتيب بين المبرزات للأخرس كما قيل.

و إطلاق ما دلّ على تقديم الإشارة على الكتابة و بالعكس يقيّد بنص الآخر، فإنّ ما دلّ على اعتبار الكتابة ظاهر- بمقتضى إطلاقه- في التعيينية، و نصّ في اعتبار الكتابة.

و ما دلّ على اعتبار الإشارة ظاهر بإطلاقه في التعيينية أيضا، و نصّ في اعتبار الإشارة، فيرفع ظاهر كل من الإطلاقين بنص الآخر. و نتيجة هذا الجمع هو التخيير بينهما، هذا.

ثم إنّه هل يتعدّى من الأخرس إلى من لا يقدر شرعا على التكلم كمن حلف أو نذر على ترك التكلم بغير القرآن و الصلاة مثلا، كالتعدّي إلى من لا يقدر تكوينا على التكلم كما إذا ابتلى بمرض أوجب عجزه عن التكلم؟

الأقوى العدم، لأنّ التعدّي من موضوع إلى آخر منوط بالدليل، و المفروض عدمه، لورود الدليل في خصوص الأخرس، و لا موجب لإلقاء الخصوصية و التعدّي عنه إلى غيره ممّن يعجز عن التكلّم شرعا لنذر، أو تكوينا لمرض.

و عليه لا بدّ أن يكون إنشاء العقد أو الإيقاع بالنسبة إلى القادر على النطق تكوينا- العاجز عنه تشريعا- بالقول، و لا يكفيه الإشارة و غيرها من الأفعال الكافية في إنشاء الأخرس.

ص: 329

[ما يعتبر في صيغة البيع مادة و هيئة]
اشارة

ثم (1) الكلام في الخصوصيّات المعتبرة في اللّفظ [1]:

______________________________

ما يعتبر في صيغة البيع مادة و هيئة

(1) هذا شروع في المقصد الثاني و هو الخصوصيات المعتبرة في الصيغة بعد البناء على اعتبار أصل اللفظ في المعاملات. و قد بسط المصنف قدّس سرّه الكلام فيها في جهات ثلاث، إذ يقع البحث تارة في مواد الألفاظ، و أخرى في الهيئات الإفرادية، و ثالثة في الهيئات التركيبية.

و البحث في الجهة الأولى إمّا في اعتبار الصراحة و الظهور في المادّة التي تنشأ بها المعاملة، و إمّا في اعتبار لغة خاصة فيها، و على كلّ منهما فالكلام تارة في ألفاظ الإيجاب، و أخرى في ألفاظ القبول.

و البحث في الجهة الثانية- و هي الهيئة الإفرادية- عن اعتبار الماضوية.

و في الجهة الثالثة عن أمور:

الأوّل: اعتبار تقدم الإيجاب على القبول.

الثاني: اعتبار الموالاة بينهما.

الثالث: اشتراط التنجيز في العقد.

الرابع: التطابق بين الإيجاب و القبول.

الخامس: بقاء المتعاقدين على أهليّة الخطاب، و سيأتي تفصيل المباحث بترتيب المتن إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] ينبغي لتوضيح البحث من تقديم أمر، و هو: أنّ كلّ عقد يلاحظ فيه جهات ثلاث: جهة اللفظ، و جهة الخطاب، و جهة العقد.

أمّا الأولى: فيعتبر فيها القصد، لتقوّم العقد به كما اشتهر من تبعية العقد للقصد، فلا يؤثّر التلفظ السّهوي. و لو باللفظ الجامع للخصوصيات المعتبرة فيه في ترتّب الأثر المقصود.

ثمّ إنه يجري في اللفظ اعتبارات ثلاثة:

ص: 330

______________________________

الأوّل: الجنس ككونه عربيّا مثلا.

الثاني: الصنف مثل كونه من صيغ الماضي في اللغة العربية.

الثالث: الشخص العاقد، فلا بدّ أن يوقع شخص جامع للشرائط المعتبرة في العاقد اللّفظ المتخصص بخصوصيته الجنسية كالعربية و النوعية كالماضويّة و غيرها.

فمن قصد التلفّظ بلفظ «بعت» فقد قصد اللّفظ العربي الماضي الذي هو من المادّة الخاصة، فلا يكفي من اللفظ الذي ينشأ به اعتبار عقدي أو إيقاعي إلّا ما هو مخصوص بخصوصه، للإجماع، و لكون العقود المأمور بالوفاء بها هي المتعارفة التي يقصد فيها لفظ مخصوص، و لأنّ الأصل عدم حصول النقل و الانتقال بغير اللفظ الخاص الكذائي الذي قصد إنشاء الاعتبار النفساني به، فلا ينعقد بالتلفظ باللفظ الذي صدر منه سهوا، و إن كان في حدّ ذاته صالحا لأن يقع به العقد الخاص.

فإذا فرض صلاحية كل واحد من لفظي «ملّكت و بعت» لإنشاء البيع، و كان العاقد قاصدا لإنشائه بلفظ «بعت» و لكن سها و قال: «ملكت» لم يكن مجزيا في تحقق البيع، للإجماع، و للقاعدة، لأنّ الإنشاء باللفظ المقصود لم يقع، و الإنشاء الذي وقع باللفظ الصادر غير مقصود.

و لو أتى بألفاظ متعددة و لم يعيّن واحدا منها للإنشاء به، فتارة يجمع بين تلك الألفاظ في الإيجاب كأن يقول في إنشاء النكاح: «زوّجت و أنكحت و متعت زينب من موكّلك زيد على الصداق المعلوم» فيقول القابل: «قبلت». و أخرى يوجب بأحدها، و يقع القبول بعده بلا فصل، ثم يوجب بالآخر فيتبعه قبوله، ثم يوجب بالثالث و يتبعه قبوله، و هكذا.

و على التقديرين قد يكون قصد الإنشاء بجنس ما ينشأ به النكاح، الصادق على كل واحد من الألفاظ المتعددة المفروض عدم تعيين بعضها للإنشاء به. و قد يكون قصد الإنشاء بواحد مردّد بينها.

ص: 331

______________________________

و الفرق بينهما: أنّه على الأوّل يمكن أن يقع الاعتبار النفساني بالمجموع من حيث المجموع، لصدق الجنس على القليل و الكثير. و بواحد منها معلوم عند اللّه تعالى مجهول عندنا، لصدق الجنس عليه أيضا. بخلاف الثاني، فإنّه لا يقع فيه الإنشاء إلّا بواحد منهما، كما لا يخفى.

و قد يكون قصد الإنشاء بواحد معيّن عند اللّه تعالى غير معيّن عنده.

و قد يكون قصد الإنشاء بمجموع الألفاظ من حيث المجموع، بحيث يكون كل واحد منها جزءا للمبرز.

و قد يكون قصد الإنشاء بكل واحد من الألفاظ بالاستقلال، و باعتبار سببية كلّ منها برأسه لتحقق العقد.

فهذه وجوه خمسة، تضرب في الصورتين المتقدمتين- و هما: اتباع كلّ لفظ بقبول يخصّه، و اتباع مجموع الألفاظ بقبول واحد- و الحاصل من الضرب عشرة وجوه.

و قد ذكر الفقيه المامقاني قدّس سرّه أنّ حكم الجميع هو عدم تحقق العقد إجماعا.

مضافا إلى: أنّ المجموع من حيث المجموع ممّا لم يحصل له السببية شرعا قطعا.

و استثنى من الصور المزبورة صورتين:

إحداهما: ما لو قصد كلّ منها مستقلّا، فإنّه يصح في القسم الأوّل من قسمي الجمع بين الألفاظ المتعددة الصالحة للإنشاء بها، و صحّته إنّما هي باعتبار اتّصال القبول بالإيجاب الصالح للإنشاء به، فيحصل الأمر الاعتباري الذي أريد إنشاؤه، و يقع الباقي من الألفاظ- المتقدمة على الإيجاب المتصل بالقبول- لغوا غير قادح في الإنشاء، فإذا قال: «أنكحت و زوّجت و متّعت» و قال القابل بلا فصل: «قبلت» صحّ، و وقع الإنشاء بقوله: «متّعت» المتّصل بالقبول، و وقع ما تقدّمه من لفظي «أنكحت و زوّجت» لغوا.

ثانيتهما: قصد الإنشاء بكلّ من ألفاظ الإيجاب مستقلّا أيضا. لكن مع تعقب كلّ منها بقبول يخصّه. و الوجه في صحة هذه الصورة هو حصول الإنشاء بالسبب الأوّل مع

ص: 332

______________________________

اتصال قبوله به، و لغوية ما بعده من الألفاظ، لحصول المسبّب بسببه الأوّل، و امتناع تأثير السبب الثاني فيه، لاستحالة تحصيل الحاصل «1»، هذا.

ثم إنّه من اعتبار اتصال القبول بالإيجاب يظهر عدم صحة الإنشاء في الصور التي يحصل فيها فصل بين الإيجاب و القبول إذا كان الإنشاء باللّفظ الأوّل، كما إذا قال:

«أنكحت و زوّجت و متّعت موكّلتي موكّلك» ثم قال القابل: «قبلت» و ذلك لوقوع الفصل بين الإيجاب و القبول بأجنبي- و هما الأخيران أعني بهما: زوّجت و متّعت- إذ لم يقصد بهما الإنشاء، فيكون الفصل بين الإيجاب و القبول بأجنبي، و قد صرّحوا بمانعية الفصل بينهما من انعقاد العقد.

و قد علم من ذلك: أنّه لو قصد الإنشاء في القسم الأوّل بالأخير صحّ العقد، لاتصال القبول به. و لو قصد الإنشاء بالأوّل في القسم الثاني لم يكن في صحّته إشكال أصلا، لتعيينه اللفظ، و اتصال القبول بالإيجاب، و يقع ما بعد هذا الإيجاب و القبول المتأخرين عنهما لغوا.

و إن قصد بالإيجاب و القبول المتأخرين الاحتياط بعد قصد الإنشاء بالأوّل بدون تردّد و تزلزل جاز كما هو الشأن في كلّ احتياط بعد العمل بمقتضى الفتوى.

و كذا لا إشكال في الصحة إذا قصد الإنشاء بالوسط و الأخير، و كان الإتيان بما تقدّمه لا على وجه التردّد و التزلزل، إذ لو كان على هذا الوجه لم يتحقق الإنشاء بالمتأخر، لأنّ التزلزل في السابق يوجب التزلزل في اللاحق.

إلّا أن يقال: إنّ التزلزل في الأوّل يوجب بطلانه، فيصح الإنشاء بما بعده، لكن بشرط توجّه الموجب و التفاته إلى هذا المعنى حتى يقصد الإنشاء بالمتأخر.

و قد حكى الفقيه المامقاني قدّس سرّه عن بعض مشايخه: أنّ المصنف قدّس سرّه كان في عقد النكاح يبتدئ بعقد فارسي، فيقول: «به زني دادم موكّله خودم فلانه را بموكّل خود فلان بمهر معلوم» ثم يأتي بالعقد العربي. و غير خفي أنّ مقصوده قدّس سرّه بذلك إنما هو الاحتياط.

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 219

ص: 333

______________________________

و قد أورد عليه: بأنّ هذا خلاف الاحتياط، و أنّ الاحتياط في تركه، لأنّ الإكتفاء بالعقد الفارسي خلاف الاحتياط، لنقل الإجماع على اعتبار العربية في النكاح، بل في جميع العقود كما سيأتي اعتبارها في المتن عن جامع المقاصد.

فالأولى لمن يريد الاحتياط أن يقدّم ما يقتضي الفتوى صحّته، و يقصد به الإنشاء، ثم يأتي بما يحتمل صحة الإنشاء به على وجه الاحتياط. لا أن يقدّم العقد الفارسي الذي لا يصح إلّا في حقّ العاجز عن العقد العربي، فمع عدم صحته من القادر على العربي كيف يقدّم على العربي تحصيلا للاحتياط؟ بل استشكل في مطلق التكرير حتى لو كان قد أتى بالأوّل على مقتضى الفتوى.

أقول: الإنصاف أنّه بناء على كون الإنشاء إبراز الأمر الاعتباري النفساني- لا إيجاد المعنى باللفظ- كما هو خيرة بعض المحققين لا إشكال في أصل جواز التكرار، لأنّ الاعتبار النفساني موجود، و الاحتياط يقع في إبرازه، فيجمع بين المبرزات طرّا حتّى يحصل العلم بوجود ما هو مبرز له واقعا، فالاحتياط يكون في المبرزات، فلا يلزم التعليق في الإنشاء بمعنى إيجاد المعنى باللّفظ حتى يستشكل فيه بلزوم عدم المعقولية، لاستلزامه وجود شي ء على تقدير، و عدمه على آخر.

و لا يلزم أن يكون الإتيان بالمحتمل- لرعاية الاحتياط- بعد العمل بما يقتضيه الفتوى كما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه نظرا إلى لزوم مراعاة شأن الأمارة، فإنّ تقديم المحتمل الآخر على ما تقتضيه الحجة إلغاء لاعتبار الأمارة و كسر لسورتها، هذا.

وجه عدم اللزوم أنّ هذا وجه استحساني لا عبرة به، حيث إنّ الواقع يحرز بالاحتياط بإتيان كلا المحتملين على كل تقدير سواء قدّم ما يقتضيه الحجة أم أخّر.

و عليه فلا إشكال في حصول الاحتياط بتقديم اللغة الفارسية على العربية في عقد النكاح كما هو المحكي عن الشيخ قدّس سرّه على ما عرفت. كما لا إشكال في حصوله بتقديم

ص: 334

______________________________

العربية على الفارسية، هذا.

و أمّا الجهة الثانية- و هي جهة الخطاب- فحاصل الكلام فيها: أنّه لا بدّ من توجيه الخطاب إلى المخاطب و إسماعه إيّاه على الوجه المتعارف، و إصغاء المخاطب إلى المتكلم بحيث يلتفت إلى مفهوم كل كلمة برأسها حتى ينتهي المتكلّم إلى آخر كلامه، فيعقّبه المخاطب بالقبول. كما أنّه لا بدّ من معرفة المتكلّم بكلّ كلمة تجري في العقد ليقصد معناها، و لا يكفي العلم بما يكون مقصودا من جميع الكلام المؤلّف من الكلمات المتعددة، فلو قال: «بعت هذا المتاع ممّن أراده» فقال غيره: «قبلت أو اشتريت» لم ينعقد البيع، لعدم حصول التوجيه. و كذا لو قال: «بعت هذا من أحدكما» فقبل، لكون أحدهما مبهما، فلا يقبل تعلق الإنشاء الإيجادي به في حال صدوره و تحققه.

و هذا بخلاف الإنشاء الطلبي بأحدهما المبهم المردّد كما في الواجب الكفائي و الواجب التخييري، فإنّه يصحّ هناك، لمجي ء التخيير فيهما بعد الطلب، فيأتي من شاء منهما بالمأمور به، لكون الإنشاء الطلبي متعلّقا بصرف الوجود من المكلف، أو يأتي المأمور المعيّن بما شاء من فردي المأمور به.

و بالجملة: فالإنشاء الإيجادي لا بدّ له من متعلّق يقوم به في الواقع حال صدوره، هذا.

و أمّا الجهة الثالثة- و هي جهة العقد- فملخّصها: أنّ القدر المتيقّن الكافل بها هو اللفظ العربي الصحيح الصريح الماضي المنجّز المشتمل على إيجاب البائع و القبول المتأخر المتصل المطابق معنى من المشتري. و هذا ممّا لا خلاف و لا إشكال فيه، بل الإجماع بقسميه عليه. هذا بحسب الإجمال.

و أمّا بحسب التفصيل فقد ذكر المصنف قدّس سرّه أنّ الكلام فيه يقع تارة في موادّ الألفاظ، و أخرى في هيئاتها لكلّ من الإيجاب و القبول، و ثالثة في هيئة تركيب الإيجاب مع القبول. و سيأتي الكلام فيها بترتيب المتن إن شاء اللّه تعالى.

ص: 335

تارة يقع في موادّ الألفاظ من حيث إفادة المعنى بالصراحة (1) و الظهور و الحقيقة و المجاز و الكناية، و من حيث (2) اللّغة المستعملة في معنى المعاملة.

و أخرى في هيئة كلّ من الإيجاب و القبول من حيث اعتبار كونه بالجملة الفعلية، و كونه بالماضي (3).

و ثالثة في هيئة تركيب الإيجاب و القبول من حيث الترتيب (4) و الموالاة (5).

[الجهة الأولى شرائط مادة العقد]
[المبحث الأوّل: اعتبار الدلالة الوضعية]

أمّا الكلام من حيث المادة (6) فالمشهور عدم وقوع العقد بالكنايات. قال

______________________________

(1) سيأتي في المتن ما يراد من صراحة صيغ العقود و ظهورها و كنايتها و مجازها، فانتظر.

(2) معطوف على «من حيث إفادة المعنى» يعني: أنّ البحث في موادّ الألفاظ يشمل أمرين، أحدهما: صراحة الألفاظ و ظهورها، و ثانيهما: اللغة التي تستعمل في معنى المعاملة من العربية و الفارسية و غيرهما من اللّغات، فيمكن أن يكون في كلّ لغة لأيّ واحدة من المعاملات لفظ صريح و ظاهر و كناية و مجاز. و لا ملازمة بين جهتي البحث، إذ يمكن أن تعتبر العربية في صيغ المعاملات من دون اعتبار الصراحة و الظهور، بل يكفي إنشاؤها بالكناية و المجاز. و يمكن أن يقال بكفاية اللغات الأخرى بشرط صراحة اللفظ أو ظهوره- المعتدّ به- في عنوان المعاملة.

(3) فالبحث عن اعتبار العربية بحث عن المادّة، و عن الماضوية بحث عن الهيئة.

(4) أي: تقدم الإيجاب على القبول.

(5) أي: عدم الفصل المخلّ- بصدق العقد- بين الإيجاب و القبول.

شرائط مادة العقد المبحث الأوّل: اعتبار الدلالة الوضعية

(6) إن كان غرضه قدّس سرّه من جعل عدم كفاية الكناية من مباحث مادة العقود هو مماشاة القوم و متابعتهم في اعتبار الصراحة و الظهور الوضعي في صيغ العقود اللّازمة بلا نظر إلى كون الكناية في المادة أو في الهيئة فلا بحث.

ص: 336

في التذكرة: «الرابع من شروط الصيغة التصريح، فلا يقع بالكناية (1) مع النيّة، مثل قوله: أدخلته في ملكك (2) أو: جعلته لك، أو: خذه منّي بكذا، أو: سلّطتك عليه بكذا، عملا بأصالة (3) بقاء الملك، و لأنّ (4) المخاطب لا يدري بم خوطب» «1» انتهى.

______________________________

و إن كان غرضه من قوله: «من حيث المادة» التقييد، و أنّه لا مانع من الكناية من حيث الهيئة لم يخل عن إشكال، لظهور بعض الكلمات في منع الإنشاء بالكناية مطلقا سواء أ كانت في المادة أم في الهيئة، ففي المبسوط: «و عندنا: أن قوله:- أنت مطلقة- إخبار عمّا مضى فقط، فإن نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن نقول: انّه يقع به. و قال بعضهم هو كناية» «2». و قال أيضا: «فإن قال:- أنت الطلاق- فعندنا ليس بصريح، و الكناية لا نقول بها. و عندهم على وجهين، منهم من قال هو صريح، و منهم من قال: كناية» «3».

و من المعلوم أنّ الفرق بين قوله: «أنت طالق» و بين «أنت مطلّقة أو أنت الطلاق» ليس إلّا بحسب الهيئة، ضرورة اشتراكها في المادّة. و لشيخ الطائفة قدّس سرّه غير ما ذكرناه من العبارتين في فصل ما يقع به الطلاق به ما يقع به، فلاحظ.

(1) و هي: استعمال اللفظ في معناه الحقيقي و إرادة لازمه أو ملزومه بحيث يكون المقصود الأصلي ذلك اللازم أو الملزوم، و كان استعمال الألفاظ في معانيها للانتقال إلى اللوازم أو الملزومات.

(2) هذا من الانتقال من اللازم إلى الملزوم الذي هو المبادلة بين المالين، و كذا ما بعده.

(3) المعبّر عنها بأصالة الفساد.

(4) فلا يتمشّى منه القبول الذي هو أحد ركني العقد، إذ مع عدم علم المخاطب بما

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 5، ص 25

(3) المصدر، ص 26

ص: 337

و زاد في غاية المراد على الأمثلة: «مثل قولك: أعطيتكه بكذا، أو: تسلّط عليه بكذا» «1».

و ربما يبدّل هذا (1) «باشتراط الحقيقة، فلا ينعقد بالمجازات» حتى صرّح بعضهم بعدم الفرق بين المجاز القريب و البعيد.

______________________________

أراده المتكلم لا يمكنه القبول حتى يتحقق عنوان العقد. و هذا الدليل ظاهر في أنّ عدم صحة العقد في مورد الكناية مستند إلى عدم تحقق المفهوم العرفي، لا إلى تعبد شرعي، كما هو ظاهر ما يأتي من كلام مفتاح الكرامة، لظهوره في كون عدم الصحة لأجل التسالم، لا من جهة عدم صدق مفهوم العقد عرفا.

(1) أي: ربما يبدّل الشرط الرابع و هو التصريح، فإنّه قد يعبّر عنه باشتراط الحقيقة كما حكاه السيد الفقيه العاملي عن السيد العلامة الطباطبائي قدّس سرّهما بقوله:

«و الّذي اعتمده الأستاد الشريف دام ظلّه: لا فرق في المجازات بين قريبها و بعيدها في عدم انعقاد العقود اللّازمة بها، وقوفا مع هذه القاعدة المسلّمة عندهم، إلّا أن يقوم إجماع فيتّبع» «2». و قريب منه ما في الجواهر، فراجع.

ثم إنّ الفقهاء اختلفوا في مادة الصيغة على أقوال ستة:

الأوّل: الاقتصار على القدر المتيقن، فلا يجوز إنشاء العقود و الإيقاعات بغيره من الصيغ المشكوكة.

الثاني: الاقتصار فيها على الألفاظ المنقولة عن الشارع الأقدس، و هو محتمل المنقول عن الإيضاح و المسالك «3».

و يدلّ عليه: أنّ مقتضى الاقتصار على القدر المتيقن الجمود على الألفاظ المأثورة، و عدم دليل على كفاية مطلق الصراحة، فيرجع في غيرها إلى الأصل.

______________________________

(1): غاية المراد للشهيد الأوّل، ص 82

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 149، جواهر الكلام، ج 22، ص 249

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 12 و مسالك الأفهام، ج 5، ص 172

ص: 338

و المراد بالصريح- كما يظهر من جماعة من الخاصة و العامة في باب

______________________________

و لعلّه يرجع إلى الوجه الأوّل كما قيل، بل ادّعي ظهور الرجوع إليه. لكنه لا يخلو من تأمّل.

الثالث: أن يكون اللفظ صريحا بمعنى كونه موضوعا لعنوان العقد. كلفظ «بعت» في إنشاء البيع، و «صالحت» في إنشاء الصلح، و «آجرت» في الإجارة و هكذا، فتخرج الكنايات و المجازات. و حكي عن العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه التصريح به في مصابيحه.

و إليه يرجع ما ذكره الفخر من: «أنّ كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء» فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن، بناء على أنّ ما عداه ليس من القدر المتيقن.

و كذا ما في إجارة المسالك.

و في مفتاح الكرامة: «و هو الذي طفحت به عباراتهم حيث قالوا في أبواب متفرقة كالسّلم و النكاح و غيرهما: أنّ العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات ..، و كذا لا ينعقد بشي ء من الكنايات كالتسليم و التصريف و الدفع و الإعطاء و الأخذ و نحو ذلك» «1».

و على هذا فلا ينعقد عقد و لا إيقاع إلّا بالألفاظ التي تعنونت بها عناوين العقود و الإيقاعات.

الرابع: كفاية كلّ لفظ له ظهور عرفي معتدّ به في المعنى المقصود. و هذا هو الذي حكاه المصنف عن جماعة. و هذا يشمل المشترك اللفظي و المعنوي و المجاز القريب و البعيد الجاري على قانون الاستعمال الصحيح.

و قد مال إليه المحقق الخراساني قدّس سرّه، حيث قال عقيب قوله المصنف قدّس سرّه:

«فالمشهور عدم الوقوع» ما لفظه: «لكن مقتضى الإطلاقات في باب البيع وقوعه

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 149

ص: 339

الطلاق و غيره- ما كان موضوعا لعنوان ذلك العقد لغة (1) أو شرعا (2). و من

______________________________

بالكنايات و أنحاء المجازات، بلا فرق أصلي بين أن يكون القرينة على التجوز لفظا أو غيره، لاستناد إنشاء التمليك إلى اللفظ على كل تقدير كما لا يخفى. نعم ربما يمكن المناقشة في صدق العقد على ما إذا وقع بالكناية، فإنّه عهد مؤكّد، و لا يبعد أن يمنع عن تأكده فيما إذا وقع بها، و ذلك لسراية الوهن من اللفظ إلى المعنى، لما بينهما من شدّة الارتباط، بل نحو من الاتّحاد» «1».

الخامس: التفصيل في الألفاظ المجازية بين القرينة و البعيدة، فيصح بالأولى كما يصح بالحقيقة، بخلاف الثانية. و هذا مما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه في النكاح و السّلم قال رحمه اللّه عند قول العلامة قدّس سرّه في القواعد: «و الأقرب انعقاد البيع بلفظ السّلم، فيقول:

أسلمت إليك هذا الثوب في هذا الدينار» ما لفظه: «أي: يقول ذلك البائع، فيكون المسلم هو المبيع، و المسلم فيه هو الثمن .. إلخ» «2».

و محصل وجهه هو شمول العمومات الدالة على صحة البيع و عدم شمولها للمجازات البعيدة، هذا.

________________________________________

السادس: ما حكاه الفقيه المامقاني قدّس سرّه عن بعض مشايخه: «من التفصيل في قرائن المجازات بين اللفظ الحقيقي و غيره، بعد التفصيل بجواز المجاز القريب و عدم جواز المجاز البعيد. ففصّل في المجاز القريب بين ما لو كانت قرينته لفظا حقيقيّا و بين ما كانت غيره فلا يجوز. و لكنّا لم نجد به قائلا، و سألنا الحاكي فلم يعرفه» «3».

(1) كلفظ «بعت» في إنشاء البيع.

(2) كلفظ «ملّكت» مثلا في إنشاء البيع، فإنّه يصح إنشاؤه به شرعا مع عدم وضعه لغة للبيع.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 27

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 207

(3) غاية الآمال، ص 222

ص: 340

الكناية ما أفاد لازم ذلك العقد بحسب الوضع (1)، فيفيد إرادة نفسه (2) بالقرائن، و هي على قسمين عندهم جليّة و خفيّة.

و الذي (3) يظهر من النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللّازمة، و الفتاوى المتعرضة لصيغها في البيع

______________________________

(1) كلفظ «سلّطتك» إذا فرض قيام دليل شرعا على الإكتفاء به في مقام الإنشاء، بحيث يكون «سلّطتك» بمنزلة «بعتك» و إن لم يكن لفظ «سلّطتك» موضوعا لغة لعنوان البيع، لأنّه وضع للازم البيع و هو السلطنة، فلفظ «سلّطتك» وضع للسلطنة التي هي من لوازم التمليك الذي هو مفهوم البيع، على ما تقدّم تعريفه في كلام المصنف.

(2) أي: أنّ اللازم يفيد نفس العقد الذي هو الملزوم، فإنّ إرادته من التسليط- الذي هو لازمه- منوطة بالقرائن التي تنقسم إلى الجليّة و الخفيّة.

(3) غرضه قدّس سرّه التعرض لما ينافي نسبة الحكم المزبور- أعني به اعتبار الوضع اللغوي في ألفاظ العقود، و عدم إنشائها بالمجازات و الكنايات- إلى المشهور، و ذلك لوجهين:

أحدهما: النصوص المتفرقة في أبواب العقود اللّازمة، حيث يظهر منها الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي في العنوان الاعتباري الإنشائي.

ثانيهما: الفتاوى المتعرضة لصيغ العقود.

فهذان الوجهان يشهدان بمنع النسبة المزبورة إلى المشهور، فلا تعتبر الصراحة و لا الدلالة الحقيقية المستندة إلى الوضع اللغوي. هذا بحسب الدعوى.

و استدلّ المصنف قدّس سرّه بنقل جملة وافية من عبارات الأصحاب في إنشاء البيع و النكاح و الوقف و الرّهن و غيرها كما سيأتي في المتن، و لم يذكر هنا من الروايات شيئا، فلا بأس بالتبرّك بذكر جملة منها:

الأولى: ما ورد فيها إنشاء البيع بلفظ الأمر، مثل ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السّمسار أ يشتري بالأجر؟ الى أن قال،

ص: 341

..........

______________________________

فيقول: خذ ما رضيت و دع ما كرهت، فقال: لا بأس» «1».

و ظاهر الخبر- بملاحظة تقريره عليه السّلام- كفاية إنشاء البيع بلفظ الأمر، و جواز تخيير المشتري بين الأخذ و التّرك.

و نحوه ما ورد في بيع اللّبن في الضّرع بعد حلب مقدار منه في الاسكرّجة «2».

و بهذا المضمون روايات أخرى في الأبواب المتفرقة.

الثانية: ما ورد فيها إنشاء البيع بصيغة المضارع، مثل ما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قدم لأبي متاع من مصر، فصنع طعاما و دعى له التجار، فقالوا له: نأخذه منك بده دوازده، فقال لهم أبي: و كم يكون ذلك؟ فقالوا: في العشرة آلاف ألفان، فقال لهم أبي: فإنّي أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألف درهم، فباعهم مساومة» «3». و ظاهره صحة البيع بصيغة المضارع مع عدم تعقب إيجابه عليه السّلام بقبولهم، بل يستفاد القبول من قولهم: «نأخذ منك».

و نحوه ما ورد في شراء العبد الآبق مع الضميمة «4».

الثالثة: ما ورد في بيع الصرف من إنشاء المعاملة تارة بلفظ «آخذ منك المائة بمائة و عشرة» كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج «5»، و يكون بطلان البيع لأجل الرّبا.

و أخرى من إنشائها بلفظ التحويل كما في رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من قول المشتري للصرّاف: «حوّلها- أي الدراهم الوضح- لي دنانير» «6» الحديث، و تقريره عليه السّلام إمضاء لوقوع بيع الصّرف بلفظ التحويل.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، 394، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 2

(2) المصدر، ص 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع، الحديث: 2

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 385، الباب 14 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 1

(4) وسائل الشيعة، ج 12، ص 263، الباب 11 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 2

(5) وسائل الشيعة، ج 12، ص 467، الباب 6 من أبواب الصرف، الحديث: 3

(6) وسائل الشيعة، ج 12، ص 463، الباب 4 من أبواب الصّرف، الحديث: 1

ص: 342

..........

______________________________

و ثالثة من إنشائها بالاستبدال و التبديل كما في رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن الرّجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن، فيقول الصيرفي: لا أبدّل لك حتى تبدّل لي يوسفية بغلّة وزنا بوزن، فقال: لا بأس» «1».

الرابعة: ما ورد في بيع الزرع و الثمار من إنشاء المعاملة تارة بلفظ «أبتاع» كما في رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في زرع بيع و هو حشيش، ثم سنبل؟ قال: لا بأس إذا قال: ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع ..» الحديث «2».

و أخرى بلفظ التقبّل كما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تقبّل الثمار إذا تبيّن لك بعض حملها سنة و إن شئت فأكثر، و إن لم يتبيّن لك ثمرها فلا تستأجر» «3».

الخامسة: ما ورد في إنشاء عقد الصلح بقول أحد الشريكين للآخر: «لك ما عندك و لي ما عندي» و قد تقدم في (ص 71) السادسة: ما ورد في إنشاء المزارعة بلفظ المضارع، كما في خبر أبي الربيع الشّامي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا ينبغي أن يسمّي بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك، و لك منها كذا و كذا» الحديث «4». و لا يخفى ظهوره في صحة الإنشاء بلفظ المضارع، مع تقدم القبول فيه على الإيجاب.

السابعة: ما ورد في عقد المساقاة من إنشائها بلفظ الأمر، كما في معتبرة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يعطي أرضه و فيها ماء أو نخل أو فاكهة، و يقول: اسق هذا الماء و اعمره، و لك نصف ما أخرج اللّه عزّ و جلّ منه؟ قال: لا بأس» «5» فإنّ تقريره عليه السّلام لما حكاه السائل من الصيغة دليل على صحة المساقاة بلفظ الأمر.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ص 469، الباب 7 من أبواب الصرف، الحديث: 1

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 22، الباب 11 من أبواب بيع الثمار، الحديث: 9

(3) وسائل الشيعة، ج 13، ص 8، الباب 2 من أبواب بيع الثمار، الحديث: 4

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 201، الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة، الحديث: 10

(5) وسائل الشيعة، ج 13، ص 202، الباب 9 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة، الحديث: 2

ص: 343

بقول مطلق (1)، و في بعض أنواعه (2)، و في غير البيع من العقود اللازمة هو (3) الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفيّ معتدّ به في المعنى المقصود، فلا فرق بين قوله:

«بعت و ملّكت» و بين قوله: «نقلت إلى ملكك» أو «جعلته ملكا لك بكذا»

______________________________

الثامنة: ما ورد في وقوع عقد المضاربة بغير الصيغة المعهودة، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّه قال في الرّجل يعطي المال، فيقول له: ائت أرض كذا و كذا و لا تجاوزها، و اشتر منها، قال: فإن جاوزها و هلك المال فهو ضامن» «1» و ظاهرها تحقق المضاربة بإعطاء المال، و ضمان العامل بمخالفة ربّ المال بتجاوزه عن البلدة المعيّنة للعمل و الاتّجار فيها.

و المستفاد من مجموع هذه النصوص و غيرها جواز الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي في المعنى المقصود من العقد أو الإيقاع، و لا تتوقف الصحة على صراحة الصيغة كما في التذكرة، و لا على الظهور الوضعي كما حكي عن المصابيح، بل كما يجوز إنشاء البيع بلفظ «بعت» فكذا يجوز بلفظ «ملّكت و نقلته إلى ملكك» و نحوهما من الألفاظ الظاهرة عرفا في إنشاء الأمر الاعتباري البيعي.

(1) يعني: جميع أقسام البيع، سواء أ كان المبيع كلّيا أم شخصيا، و سواء أ كان عرضا أم نقدا كالدرهم و الدينار، و سواء أ كان البيع برأس المال أم بأزيد منه أم بوضيعة منه، و غير ذلك من الأقسام، فيجوز إنشاء البيع في هذه الأقسام بما ليس صريحا فيه، كإيجابه بلفظ «السّلم» مع كون المبيع شخصيا حالّا لا مؤجّلا.

(2) كإنشاء بيع الصّرف بلفظ التبديل و التحويل، و إنشاء بيع الزرع بلفظ التقبّل، و إنشاء بيع التشريك بلفظ «شرّكتك» و بيع التولية بلفظ «ولّيتك» مع عدم صراحة هذه الألفاظ في مفهوم البيع و هو إنشاء تمليك عين بمال.

(3) خبر قوله: «و الّذي يظهر».

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 13، ص 181، الباب 1 من كتاب المضاربة، الحديث: 2

ص: 344

و هذا (1) هو الذي قوّاه جماعة من متأخّري المتأخّرين.

و حكي عن جماعة ممّن تقدّمهم كالمحقق على ما حكي عن تلميذه كاشف الرموز «أنّه حكى عن شيخه المحقق: أنّ عقد البيع لا يلزم منه لفظ مخصوص» و أنّه (2) اختاره أيضا.

و حكي عن الشهيد رحمه اللّه في حواشيه «أنّه جوّز البيع بكلّ لفظ دلّ عليه مثل: أسلمت إليك و عاوضتك» (3).

و حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين (4).

______________________________

(1) يعني: الإكتفاء بكل لفظ ظاهر عرفا بنحو يعتدّ به. و مقصود المصنف قدّس سرّه عدم تفرّده بهذا الإكتفاء، لأنّه مختار جمع من طبقة متأخري المتأخرين كالمحدث الفيض في محكي المفاتيح «1»، و صاحب الحدائق «2». بل يستفاد من كلمات المتقدمين أيضا كما سيأتي نقل جملة منها في المتن، و قد ابتدأ الماتن بحكاية ما ذكروه في البيع، ثم ما يتعلق بصيغ سائر العقود.

(2) معطوف على «أنّه» يعني: و حكي عن الفاضل الآبي أنّه اختار مذهب المحقق. قال في بيع الفضولي: «و إذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا- و هو المحقق- دام ظله، لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد، و لا للبيع لفظ مخصوص، بل يشكل على الشيخين، لأنّهما يخالفانه في المسألتين. و المختار عندنا اختيار شيخنا دام ظله» «3».

(3) قال في مفتاح الكرامة: «فجوّز- أي الشهيد- البيع بكل لفظ دلّ عليه، فقال: مثل: قارضتك و سلّمت إليك، و ما أشبه ذلك» «4».

(4) قال في المسالك: «غير أن ظاهر كلام المفيد قدّس سرّه يدل على الإكتفاء في تحقق البيع بما دلّ على الرّضا به من المتعاقدين إذا عرفاه و تقابضا. و قد كان بعض

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150

(2) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 354

(3) كشف الرموز، ج 1، ص 446، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150

ص: 345

بل هو ظاهر العلّامة في التحرير، حيث قال: «إنّ الإيجاب اللفظ الدالّ على النقل مثل: بعتك، أو ملّكتك، أو ما يقوم مقامهما (1)» «1».

و نحوه المحكي عن التبصرة و الإرشاد «2»، و شرحه لفخر الإسلام.

فإذا كان (2) الإيجاب هو اللفظ الدالّ على النقل فكيف لا ينعقد بمثل «نقلته إلى ملكك أو جعلته ملكا لك بكذا؟» بل (3) ربما يدّعى: أنّه (4) ظاهر كلّ من أطلق اعتبار الإيجاب و القبول فيه من دون ذكر لفظ خاص كالشيخ و أتباعه (5)

______________________________

مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك أيضا، لكن يشترط في الدال كونه لفظا. و إطلاق كلام المفيد أعم منه» «3».

(1) من كل لفظ يدلّ على إنشاء البيع و إن لم تكن دلالته عليه بالوضع، و عليه فيمكن نسبة عدم اعتبار لفظ خاصّ في البيع إلى العلّامة قدّس سرّه.

(2) هذا ما استنتجه المصنف من كلام العلامة و غيره. و وجهه: أنّ البيع لمّا كان بمعنى «نقل العين» لزم جواز إنشائه بلفظ النقل و ما يفيده.

(3) الإتيان بكلمة الإضراب من جهة أنّ مختار العلّامة قد علم من تصريحه بقوله: «أو ما يقوم مقامهما» و المدّعي لكفاية مطلق اللفظ يقول بعدم الحاجة إلى هذا التصريح، و ذلك لكفاية نفس إطلاق اعتبار الإيجاب و القبول في جواز الإنشاء بكلّ لفظ يدل على مقصود المتعاملين.

(4) أي: أنّ الإكتفاء بكلّ لفظ له ظهور معتدّ به في المعنى المقصود.

لكن يمكن المناقشة فيه بورود الإطلاق في مقام اعتبار أصل اللفظ، لا في مقام بيان صحة إنشائه بكلّ لفظ له ظهور في المعنى المقصود من العقد أو الإيقاع، فتدبّر.

(5) قال في مفتاح الكرامة: «و قد يدّعى أنّه- أي أنّ عدم اعتبار لفظ

______________________________

(1): تحرير الأحكام، ج 1، ص 164

(2) تبصرة المتعلمين، ص 88، إرشاد الأذهان، ج، ص 359

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 147

ص: 346

فتأمّل (1).

و قد حكي (2) عن الأكثر: تجويز البيع حالّا بلفظ السّلم.

______________________________

مخصوص- ظاهر الأكثر كالشيخ و أبي يعلى و أبي القاسم القاضي و أبي جعفر محمد ابن علي الطوسي و أبي المكارم حمزة الحلبي و غيرهم، حيث اقتصروا على الإيجاب و القبول مطلقين، من دون تنصيص على لفظ مخصوص» «1».

(1) إشارة إلى: أنّ إطلاق كلام من إطلاق ناظر إلى اعتبار هذا الجنس في مقابل غيره كالفعل، و ليس مسوقا لبيان صحة الإيجاب و القبول بكلّ لفظ له ظهور في إنشاء عنوان العقد أو الإيقاع. و لا بأس بنقل عبارة واحدة من عبارات الذين أطلقوا في المقال حتى تكون أنموذجا نهتدي بها إلى حقيقة الحال، و هي عبارة الغنية، قال فيها: «أمّا شروطه فعلى ضربين: أحدهما شرائط صحة انعقاده، و الثاني شرائط لزومه. فالضرب الأوّل ثبوت الولاية في المعقود عليه، و أن يكون معلوما مقدورا على تسليمه منتفعا به منفعة مباحة، و أن يحصل الإيجاب من البائع و القبول من المشتري، من غير إكراه و لا إجبار إلّا في موضع» «2». انتهى المقصود من كلامه زيد في علوّ مقامه.

و مثله المحكي عن الشيخ رحمه اللّه في المبسوط.

(2) الحاكي هو الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال في الاستدلال على ما أفاده المحقق من انعقاد البيع بلفظ السّلم: «و هذا هو اختيار الأكثر» «3». و نسبه السيد العاملي إلى العلامة و المحقق و الشهيدين و المحقق الثاني «4».

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150

(2) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية)، ص 523

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 405

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 149

ص: 347

و صرّح جماعة (1) أيضا (2) في بيع التولية

______________________________

(1) كالمحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم «1».

(2) يعني: كما جوّز جماعة انعقاد البيع بلفظ السّلم- الموضوع لنوع خاص منه- فكذا صرّح جماعة بانعقاد بيع التولية و التشريك بلفظ «ولّيتك و شرّكتك» مع عدم كونهما موضوعين لغة للتمليك البيعي، بل يدلّان عليه بالقرينة.

و لا بأس بتوضيح هذين القسمين، فنقول: إنّ المعروف بين الفقهاء تقسيم البيع باعتبار الإخبار برأس المال، و عدم الإخبار عنه إلى أربعة أقسام، لأنّه إن أخبر البائع بالثمن فباعه بزيادة كان مرابحة، و إن باعه بنقيصة كان مواضعة، و إن باعه بنفس الثمن كان تولية، و إن لم يخبر برأس المال أصلا كان مساومة.

و زاد الشهيد في الدروس و اللمعة قسما خامسا و سمّاه التشريك. و فسّره بقوله: «و التشريك هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله، و هو بيع أيضا. و لو أتى بلفظ التشريك فالظاهر الجواز، فيقول: أشركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه» «2».

و محصله: أنّ التشريك بيع جزء مشاع بجزء من الثمن الذي بذله المشتري، فهو نظير بيع التولية في كونه تمليك العين بنفس رأس المال لا أزيد منه و لا أنقص. و لكنه يفترق عن بيع التولية بأنّ التشريك بيع كسر مشاع من المبيع، كما إذا اشترى زيد دارا من عمرو بألف دينار، و أراد بيع نصفها من بكر بخمسمائة دينار، فيقول: «شرّكتك بنصفه بنسبة ما اشتريت» أو: «أشركتك بنصف الثمن» فيقبله بكر. و يصير شريكا في الدار مع زيد، و لكل منهما نصفها. قال الشهيدان قدّس سرّهما: «و هو أي التشريك في الحقيقة بيع الجزء المشاع برأس المال، لكنه يختص عن مطلق البيع بصحته بلفظه» «3».

و حيث اتضح بيع التولية و التشريك فنقول: إنّ غرض المصنف قدّس سرّه من

______________________________

(1): راجع: شرائع الإسلام، ج 2، ص 42 و 43، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 545، قواعد الأحكام ص 53، (الطبعة الحجرية) الدروس الشرعية، ج 3، ص 221

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 221

(3) الروضة البهية، ج 3، ص 437

ص: 348

بانعقاده (1) بقوله: «ولّيتك العقد، أو: ولّيتك السلعة» و التشريك (2) في المبيع بلفظ «شرّكتك».

______________________________

الاستشهاد بكلام جماعة في هذين البيعين هو: أنّ تجويزهم إنشاء بيع التولية بلفظ «ولّيتك» دليل على كفاية مطلق اللفظ في البيع و عدم اعتبار الصراحة فيه. وجه الدلالة: أنّ معنى «ولّيتك العقد أو السلعة» ليس تمليك عين بعوض- الذي هو حقيقة البيع- بل معناه جعل المشتري متوليا على العقد أو السلعة التي باعها بنفس الثمن الذي اشتراها به، و دلالة التولية على بيع المتاع برأس المال يكون بالقرينة كالمقاولة بين المتبايعين قبل العقد، هذا.

و كذا الحال في البيع بالتشريك، فإنّ قول البائع، «أشركتك في هذا المتاع نصفه بنصف ثمنه» لا يدلّ بالوضع على «إنشاء تمليك عين بمال» إلّا مع القرينة، لأنّ «الشركة» أعم من أن تكون في العين و المنفعة، و من كونها حاصلة بسبب قهري كالإرث أو اختياري كالمزج و غير ذلك من موجباتها.

و على هذا فتجويزهم بيع التولية و التشريك بغير لفظ البيع- و التمليك و النقل و التبديل- شاهد على كفاية مطلق اللفظ في انعقاد البيع، و عدم اعتبار الدلالة الوضعية فيه.

(1) أي: بانعقاد بيع التولية. فلا يرد على المصنف: أنّه لا شهادة في جواز إنشاء بيع التولية بهذه الصيغة على جواز إنشاء مطلق البيع بهذا اللفظ.

وجه عدم الورود: أن المصنف لا يقصد الاستشهاد بكلام الجماعة على انعقاد مطلق البيع بلفظ التولية، بل غرضه: أنّ البيع في جميع موارده «تمليك عين بعوض» فإذا جاز إنشاء صنف خاص منه بلفظ التولية- ممّا ليس موضوعا للمبادلة بين المالين- كان دليلا على صحة انعقاد البيع بالمجاز و الكناية، لأنّ مفاد البيع في جميع أفراده هو المبادلة بلا فرق بين التولية و المساومة و غيرهما.

(2) ظاهره كونه معطوفا على «بيع التولية» فيكون القائل بجواز التشريك في البيع جماعة كما في التولية، و هو غير بعيد. لكن لم أقف في هذه العجالة على كلام غير

ص: 349

و عن المسالك (1) في مسألة تقبّل أحد الشريكين في النخل حصّة صاحبه بشي ء معلوم من الثمرة «أن ظاهر الأصحاب جواز ذلك بلفظ التقبّل» مع أنّه

______________________________

الشهيدين قدّس سرّهما في جوازه و عدّه من أقسام البيع، و لذا فالأولى عطفه على «عن الأكثر» يعني: و قد حكي التشريك في المبيع بلفظ شرّكتك، و إن كان المحكي عنه بعضا لا جماعة.

(1) قال في المسالك: «و ظاهر الأصحاب أنّ الصيغة تكون بلفظ القبالة، و أنّ لها حكما خاصّا زائدا على البيع و الصلح، لكون الثمن و المثمن واحدا، و هو عدم ثبوت الرّبا لو زاد أو نقص، و وقوعه بلفظ التقبيل، و هو خارج عن صيغتي العقدين» «1».

و التقبّل عبارة عن أن يكون بين اثنين نخل أو شجر أو زرع فيتقبّل أحدهما بحصّة صاحبه- بعد خرص المجموع- بشي ء معلوم على حسب الخرص، و هي معاوضة مستثناة من المزابنة و المحاقلة معا.

و قد دلّ على صحّته شرعا صحيحة يعقوب بن شعيب التي رواها المشايخ الثلاثة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إمّا أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيل [كيلا] مسمّى، و تعطيني نصف هذا الكيل إمّا زاد أو نقص. و إمّا أن آخذه أنا بذلك؟ قال: نعم لا بأس به» «2».

و صحيحة أبي الصلاح الكناني قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلمّا أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة إليهم فخرّص عليهم، فجاؤا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالوا: إنّه قد زاد علينا، فأرسل إلى عبد اللّه بن رواحة، فقال: ما يقول هؤلاء؟ فقال: خرصت عليهم بشي ء، فإن شاؤا يأخذون بما خرصت، و إن شاؤا أخذنا. فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السموات و الأرض» «3».

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 370

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 18، الباب 10 من أبواب بيع الثمار، الحديث: 1

(3) المصدر، ص 19، الحديث: 3

ص: 350

لا يخرج عن البيع أو الصلح (1) أو معاملة ثالثة لازمة عند جماعة «1».

هذا ما حضرني من كلماتهم في البيع.

و أمّا في غيره (2)، فظاهر جماعة (3) في القرض عدم اختصاصه بلفظ خاصّ، فجوّزوه بقوله: «تصرّف فيه، أو: انتفع به و عليك ردّ عوضه، أو: خذه بمثله

______________________________

و غيرهما من الأخبار الكثيرة، و إن ردّها الحلّي بناء منه على عدم حجية أخبار الآحاد. و ضعف مبناه يغني عن التكلم في ردّه. و المثبتون اختلفوا في كون هذه المعاملة صلحا أو بيعا أو معاملة مستقلّة لازمة.

(1) يعني: أنّ لفظ «التقبّل» أجنبي- بحسب الوضع- عن كلّ من البيع و الصّلح، فلو كانت القبالة بيعا أو صلحا كان إنشاؤها بصيغة «تقبّل هذا بكذا» شاهدا على كفاية مطلق الدلالة اللفظية. نعم بناء على كون القبالة معاوضة مستقلّة كانت الصيغة المزبورة حقيقة فيها.

و عليه فكان المناسب أن يقتصر المصنف على احتمال كونها بيعا أو صلحا حتى يكون لفظ القبالة مجازا فيهما، إذ بناء على الاستقلال لم يلزم مجاز و لا كناية، مع أنّ مقصوده قدّس سرّه الاستناد إلى كفاية إنشائها بعنوان القبالة حتى إذا كانت معاملة مستقلة.

إلّا أن يقال: إنّ مادّة «القبول و القبالة» لا تدل بالوضع على هذه المعاملة، فتتّجه دعوى الماتن من عدم وضع صيغة «قبّلتك» لشي ء من البيع و الصلح و المعاملة المستقلة.

(2) أي: غير البيع. و قد أشرنا إلى أنّ المصنف تصدّى لإثبات مرامه- من كفاية مطلق اللفظ في إنشاء العقود اللّازمة- بالاستشهاد بكلمات الفقهاء في موضعين، أحدهما فيما يخصّ البيع، و قد فرغ منه. و ثانيهما ما ذكروه في سائر العقود، و قد شرع فيه بذكر صيغ القرض.

(3) كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و المحقق الثاني، فراجع كلماتهم «2».

______________________________

(1): راجع للوقوف على الأقوال، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 391 و 392

(2) راجع شرائع الإسلام، ج 2، ص 67، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 5. الدروس الشرعية، ج 3، ص 318. مسالك الأفهام، ج 3، ص 440، جامع المقاصد، ج 5، ص 20، و غيرها ممّا نقلها السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 33 و 34

ص: 351

و أسلفتك» و غير ذلك (1) ممّا عدّوا مثله في البيع من الكنايات (2). مع (3) أنّ القرض من العقود اللّازمة (4) على حسب لزوم البيع و الإجارة.

و حكي عن جماعة (5) في الرّهن: أنّ إيجابه يؤدّي بكل لفظ يدلّ عليه، مثل قوله: «هذه وثيقة عندك» و عن الدروس (6): تجويزه بقوله: «خذه أو أمسكه بمالك».

______________________________

(1) كقول المقرض: «اصرفه و عليك مثله، و ملّكتك بمثله» و لا ريب في أنّ التصرف في العين المقترضة- و الانتفاع بها- من لوازم القرض الذي هو «تمليك مال مع ضمان بدله» مثل «سلّطتك عليه بكذا» في باب البيع، و من المعلوم أنّ ذكر اللّازم و إرادة الملزوم كناية.

(2) يعني: فلا يعتبر لفظ خاص في إنشاء القرض.

(3) فإنشاؤه بأيّ لفظ مع كونه من العقود اللازمة- و لو من طرف الدائن- يدل على عدم اعتبار لفظ خاص فيه.

(4) لعلّ مراده قدّس سرّه لزوم القرض من طرف المقرض، أو اللّزوم من طرف المقترض أيضا إذا شرطاه في عقد لازم كالبيع و الإجارة. و إلّا فيشكل عدّ القرض بنفسه من العقود اللازمة، فمقتضى تصريح الشهيد الثاني و ظاهر المحقق الثاني قدّس سرّهما كون القرض من العقود الجائزة، فراجع «1».

(5) قال السيد الفقيه العاملي: «و صريح الشرائع و التحرير و الكتاب- يعني القواعد- و التذكرة و الدروس و اللمعة و المسالك و الرّوضة و مجمع البرهان و الكفاية و المفاتيح أنه- أي عقد الرّهن- لا يختص بلفظ، و لا بلفظ الماضي» «2».

(6) قال الشهيد فيه: «و لو قال: خذه على مالك أو بمالك فهو رهن. و لو قال:

أمسكه حتى أعطيك مالك و أراد الرّاهن جاز. و لو أراد الوديعة أو اشتبه فليس

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 5، ص 20 و 24، مسالك الافهام، ج 3، ص 440

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 72

ص: 352

و حكي عن غير واحد (1) تجويز إيجاب الضمان الذي هو من العقود اللازمة بلفظ «تعهّدت المال و تقلّدته» و شبه ذلك.

و قد ذكر المحقق (2) و جماعة ممن تأخّر عنه جواز الإجارة بلفظ العارية معلّلين بتحقق القصد.

______________________________

برهن» «1». و عليه فتجويز إنشاء الرهن بصيغة الإمساك ليس مطلقا، بل مقيّد باقترانه بقصد الرّهن.

و على كلّ حال فجواز إيجاب الرّهن- مع كونه لازما من قبل الراهن- بالألفاظ غير الدالّة عليه بالوضع دليل على عدم اعتبار الصراحة أو الظهور الوضعي في إنشاء العقد.

(1) كشيخ الطائفة و العلّامة، قال السيد العاملي في شرح قول العلامة: «الصيغة، و هي: ضمنت و تحمّلت و تكفّلت و ما أدّى معناه» ما لفظه: «من الألفاظ الدالة عليه صريحا كتقلّدته و التزمته، و أنا بهذا المال ظهير، أو كفيل، أو ضامن، أو زعيم، أو حميل، أو قبيل، كما في المبسوط و غيره. و كذا لو قال: دين فلان عليّ كما في التذكرة، لأنّ عليّ ضمان، لاقتضاء عليّ الالتزام» «2».

(2) قال المحقق قدّس سرّه: «أمّا لو قال: ملّكتك سكنى هذه الدار سنة بكذا صحّ.

و كذا: أعرتك، لتحقق القصد إلى المنفعة» «3» و وافقه المحقق الأردبيلي و غيره. و وجه الصحة- كما في المسالك- هو: «أنّ الإعارة لمّا كانت لا تقتضي ملك المستعير للعين، و إنّما تفيد تسلّطه على المنفعة و ملكه لاستيفائها كان إطلاقها بمنزلة تمليك المنفعة، فتصحّ إقامتها مقام الإجارة، كما يصح ذلك بلفظ الملك» «4».

و المسألة خلافية، فاستشكل العلّامة في التحرير في جوازه، و منعه في القواعد «5»

______________________________

(1): الدروس الشرعية، ج 3، ص 383

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 351

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 179

(4) مسالك الأفهام، ج 5، ص 173

(5) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 74

ص: 353

و تردّد جماعة (1) في انعقاد الإجارة بلفظ بيع المنفعة.

و قد ذكر جماعة (2) جواز المزارعة بكلّ لفظ يدلّ على تسليم الأرض للمزارعة.

______________________________

و وافقه في المنع المحقق و الشهيد الثانيان «1».

و على تقدير الجواز فلا ريب في كون العارية مجازا في «تمليك المنفعة بعوض معيّن» عند وجود القرينة و القصد إلى تمليك المنفعة و أخذ العوض، فتمام المناط في انعقاد الإجارة بلفظ العارية هو القصد إلى تمليك المنفعة سواء أ كان الدالّ عليه حقيقة أم كناية أم مجازا. و عليه فيكون فتوى المحقق دليلا على صحة التجوّز في صيغ العقود.

(1) كالمحقق و الشهيد في اللمعة، قال في الشرائع: «و كذا- أي لم تصح الإجارة- لو قال: بعتك سكناها سنة، لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان، و فيه تردّد» «2». و وجه التردّد: أنّ البيع موضوع لنقل الأعيان، فلا ينشأ به نقل المنافع، فلا يجوز، و أنّه مع التصريح بقصد تمليك المنفعة ينبغي الجواز.

و كيف كان فنفس تردّد المحقق قدّس سرّه شاهد على عدم اعتبار الصراحة في صيغ العقود، إذ لو كانت معتبرة فيها لم يبق وجه للتردد، بل تعيّن الحكم بالبطلان.

(2) كالمحقق و العلّامة و غيرهما قدّس سرّهم، قال في الشرائع: «و عبارتها أن يقول:

زارعتك، أو: ازرع هذه الأرض أو سلّمتها إليك- و ما جرى مجراه- مدّة معلومة بحصّة من حاصلها». و زاد العلامة في التذكرة على الصيغ المذكورة ألفاظا أخرى و هي: «أو قبّلتها بزراعتها أو بالعمل فيها مدة معلومة .. أو خذ هذه الأرض على هذه المعاملة و ما أشبه ذلك، و لا تنحصر في لفظ معيّن، بل كل ما يؤدّي هذا المعنى» و في القواعد زيادة صيغة «عاملتك» «3».

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 5، ص 83، مسالك الأفهام، ج 5، ص 173

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 179، الروضة البهية، ج 4، ص 328

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 149، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 337، قواعد الأحكام، ص 94 (الطبعة الحجرية).

ص: 354

و عن مجمع البرهان (1)- كما في غيره- أنّه لا خلاف في جوازها بكلّ لفظ يدل على المطلوب مع كونه ماضيا.

و عن المشهور (2) جوازها بلفظ «أزرع».

______________________________

و حكى السيد العاملي انعقادها بما أشبه هذه الصيغ عن آخرين، فراجع.

و الغرض: أنّ ما عدا لفظ «زارعتك» لا يدلّ بحسب الوضع اللّغوي على عقد المزارعة، و لا بدّ من قرينة معيّنة للمراد، فهذا دليل على جواز الإكتفاء بمطلق اللفظ في العقود اللّازمة.

(1) ظاهر العبارة: أنّ المحقق الأردبيلي جوّز إنشاء المزارعة بالألفاظ المتقدمة إلّا صيغة الأمر المذكورة في الشرائع و التذكرة و غيرهما، فاعتبر الماضوية فيها. و لعلّ المصنف قدّس سرّه اعتمد في نقل كلامه على مفتاح الكرامة «1» أو غيره، و إلّا فالمحقق الأردبيلي استظهر انعقادها بالمضارع و الأمر، قال: «و الظاهر أن لا خلاف في الجواز بكل لفظ يدلّ على المطلوب، مع كونه ماضيا، و الظاهر جوازها بالأمر أيضا» فراجع «2».

(2) الناسب إلى المشهور هو الشهيد الثاني في الروضة، حيث قال: «و المشهور جوازها بصيغة: ازرع هذه الأرض» «3».

و في الرياض: «و استدلّ الأكثر بالصحيح السابق و نحوه على جواز المزارعة و المساقاة بصيغة الأمر» «4».

لكن تأمّل السيد العاملي في صحة النسبة «5»، فراجع.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 7، ص 299

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 96 و 98

(3) الروضة البهية، ج 4، ص 476

(4) رياض المسائل، ج 1، ص 611

(5) مفتاح الكرامة، ج 7 ص 299

ص: 355

و قد جوّز جماعة (1) الوقف بلفظ «حرّمت و تصدقت» مع القرينة الدالّة على إرادة الوقف، مثل «أن لا يباع و لا يورث» مع عدم الخلاف- كما عن غير واحد- على أنّهما من الكنايات (2).

و جوّز جماعة (3) وقوع النكاح الدائم بلفظ التمتع، مع أنّه ليس صريحا فيه.

______________________________

(1) كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و المحقق الثاني قدّس سرّهم «1»، ففي اللّمعة و شرحها:

«و أمّا حبّست و سبّلت و حرّمت و تصدقت فمفتقر إلى القرينة كالتأبيد، و نفي البيع و الهبة و الإرث، فيصير بذلك صريحا» «2».

و لا يخفى صراحة كلامهما في افتقار بعض الصيغ إلى القرينة، مع عدم وضعها بأنفسها للوقف، مع أنّه يجوز إنشاؤه بها.

(2) و وجه كون «حرّمت و تصدّقت و أبّدت» كناية عن الوقف- كما في جامع المقاصد- هو اشتراكها في الاستعمال بين الوقف و بين غيره، فيتوقّف على ضمّ قرينة تدلّ على حكم من أحكام الوقف مثل عدم جواز بيعه و هبته.

(3) كالمحقّق و العلّامة في بعض كتبه، و المحقق الثاني و غيرهم، قال في الشرائع:

«و في متّعتك تردّد، و جوازه أرجح» «3». و جوّزه العلّامة في القواعد و الإرشاد، و منع منه في التذكرة «4».

و الغرض أنّ لفظ «التمتع» لم يوضع لغة للنكاح الدائم، فجواز إنشائه به دليل على الإكتفاء باللفظ غير الصّريح.

هذه جملة الكلمات التي استظهر المصنف قدّس سرّه منها كفاية مطلق اللفظ في العقود

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 211، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 427. الدروس الشرعية، ج 2، ص 263. جامع المقاصد، ج 9، ص 8 و 9

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 164

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 273، قواعد الأحكام، ص 147 (الطبعة الحجرية)، إرشاد الأذهان، ج 2، ص 6، جامع المقاصد، ج 12، ص 69 و 70

(4) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 581

ص: 356

و مع هذه الكلمات (1) كيف يجوز أن يسند إلى العلماء- أو أكثرهم- وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له (2)، و أنّه (3) لا يجوز بالألفاظ المجازية خصوصا (4) مع تعميمها للقريبة و البعيدة؟ كما تقدّم عن بعض المحققين (5) و لعلّه (6) لما عرفت من تنافي ما اشتهر بينهم- من عدم جواز التعبير بالألفاظ المجازية في العقود اللازمة- مع (7) ما عرفت منهم من الإكتفاء في

______________________________

اللازمة، و إن كان استفادة الحكم من بعضها لا تخلو من شي ء كما تقدم في مطاوي التوضيح.

(1) غرضه الاستنتاج من الفتاوى التي بدأت بقوله: «و الذي يظهر من النصوص و الفتاوى المتعرّضة لصيغها في البيع بقول مطلق، و في بعض أنواعه، و في غير البيع من العقود اللازمة هو الإكتفاء بكل لفظ له ظهور عرفي معتدّ به في المعنى المقصود».

(2) أي: الصريح، كما نصّ عليه في التذكرة.

(3) يعني: كيف يجوز أن يسند إلى العلماء المنع من الإنشاء بالألفاظ المجازية؟

(4) قيد ل «لا يجوز» يعني: أنّ المانع من الانعقاد بالمجاز إن كان مانعا عن خصوص المجاز البعيد ربما أمكن توجيهه. و إن كان مانعا عن مطلق المجاز قريبه و بعيده- كما نقله السيد العاملي عن مصابيح السيد بحر العلوم- كان في غاية الإشكال، إذ مع هذه الفتاوى المتقدمة في صيغ العقود اللّازمة كيف يمنع عن المجاز القريب؟

(5) و هو العلامة السيد الطباطبائي بحر العلوم قدّس سرّه في المصابيح.

(6) الضمير للشأن. غرضه الجمع بين الكلمات من القول بوجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له، و عدم جواز إيقاعه بالألفاظ المجازية مع الإكتفاء في أكثر العقود بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد. و حاصل وجه الجمع الذي أفاده المحقق الثاني هو حمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة، و مثّل للمجاز البعيد، بالخلع و الكتابة بالنسبة إلى إنشاء البيع، و مثّل للمجاز القريب بالتمليك و السّلم. و قريب منه كلامه في كتاب النكاح.

(7) متعلق بالتنافي، يعني: التنافي بين ما اشتهر و بين ما عرفت منهم.

ص: 357

أكثرها بالألفاظ غير الموضوعة لذلك العقد جمع المحقق الثاني- على ما حكي عنه في باب السّلم و النكاح- بين كلماتهم بحمل المجازات الممنوعة على المجازات البعيدة «1»، و هو جمع حسن.

و الأحسن منه (1) أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية الوضعية سواء كان اللفظ الدّال على إنشاء العقد موضوعا له بنفسه أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ موضوع آخر (2) ليرجع الإفادة بالأخرة إلى

______________________________

(1) لعلّ وجه الأحسنيّة هو الأشملية، توضيحه: أنّ لهم في عدم كفاية الألفاظ المجازية في العقود عبارتين: إحداهما: أنّه لا يجوز التعبير بالألفاظ المجازية. و الأخرى: أنّه يعتبر كون ألفاظ العقود اللازمة من قبيل الحقيقة، كما أشار إليها بقوله: «أن يراد باعتبار الحقائق».

و الجمع الذي ذكره المحقق الثاني لا ينطبق على العبارة الثانية، إلّا بأن يراد بالحقيقة ما هو أعمّ منها و من المجاز القريب، و هو تكلّف بعيد.

بخلاف ما ذكره المصنف قدّس سرّه من وجه الجمع، فإنّ مقتضاه التوسعة في اعتبار الحقيقة، بمعنى كون الدلالة مستندة إلى الحقيقة، سواء أ كانت هي المفيدة لمضمون العقد ابتداء، بأن يقع الإنشاء به، كأن يقول: «بعتك هذا المتاع بكذا» أم كانت ممّا يستند إليه دلالة اللفظ الذي وقع به الإنشاء، كقوله: «نقلت إليك هذا المتاع بالبيع» فإنّ نفس اللفظ الذي ينشأ به البيع- و هو لفظ «نقلت»- ليس موضوعا لمعنى البيع، لكنّ دلالته على البيع يكون بسبب الوضع، حيث إنّ قرينته- و هي قوله: «بالبيع»- تدلّ بالوضع على معنى البيع، فيصدق على الصيغة: أنّها تدلّ بالوضع على معنى البيع.

(2) كما في دلالة «تصدّقت» على الوقف بقرينة دلالة لفظ موضوع مثل «لا تباع و لا توهب و لا تورث» و كدلالة «متّعت» على النكاح المؤبّد بقرينة كلمة «الدائم» الموضوعة للدوام.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 207 و 208، ج 12، ص 70، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 149

ص: 358

الوضع، إذ (1) لا يعقل [1] الفرق في الوضوح- الذي هو مناط الصراحة- بين إفادة لفظ للمطلب بحكم الوضع، أو إفادته له بضميمة لفظ آخر يدلّ بالوضع على إرادة المطلب من ذلك اللفظ. و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال (2) أو سبق مقال (3) خارج عن العقد، فإنّ الاعتماد عليه (4) في متفاهم المتعاقدين و إن كان من المجازات القريبة جدّا.

______________________________

و هذا معنى رجوع دلالة مثل «تصدّقت و متّعت» إلى الوضع، يعني: أنّ القرينة تكون دلالتها وضعية، فتعيّن المراد من ذي القرينة ببركة الوضع.

(1) تعليل لقوله: «و الأحسن منه» و قد عرفت توضيحه.

(2) كما إذا أسّس مكانا للصلاة فيه و علم من حاله أنّه يريد جعله مسجدا، و لكنّه اقتصر في صيغة الوقف على قوله: «تصدّقت» بدون تعقيبه بقوله: «صدقة لاتباع و لا توهب و لا تورث» فإنّ العلم بالوقفية و إن كان حاصلا من قرينة حالية، و لكن هذا الإنشاء لا يكفي في مقام الوقف- بناء على توجيه المصنف- لخلوّ الصيغة عن القرينة اللفظية المعيّنة للمراد.

(3) كما إذا تقاول الرجل و المرأة على النكاح الدائم بدون ذكر قرينة في صيغة العقد، كما إذا قالت: «متّعتك نفسي بكذا» فإنّ القرينة المقالية السابقة على العقد غير كافية حينئذ، بل لا بد أن يؤتي بقيد الدوام في نفس العقد.

(4) أي: فإنّ الاعتماد على المقترن بالعقد- من حال أو مقال سابق عليه- رجوع عمّا أسّسوه من دوران صحة العقود مدار الأقوال.

______________________________

[1] عدم معقولية الفرق في الوضوح- بناء على كون مناط الصراحة مطلق الوضوح في المراد و إن نشأ من القرينة- و إن كان متينا، لكنه يوجب عدم الفرق حينئذ بين القرينة اللفظية و غيرها، لأنّ ظهور اللفظ في المراد و إن كان بمعونة قرينة حالية أيضا لفظي، فيكون الإنشاء باللفظ الظاهر في المقصود، لا بغيره حتى يكون عدولا عما بنى

ص: 359

رجوع [1] عمّا بني عليه من عدم العبرة بغير الأقوال في إنشاء المقاصد، و لذا (1) [2] لم يجوّزوا العقد بالمعاطاة و لو مع سبق مقال أو اقتران حال تدلّ على إرادة البيع جزما.

و مما ذكرنا (2) يظهر الإشكال في الاقتصار على المشترك اللفظي اتّكالا

______________________________

(1) أي: و لأجل عدم العبرة بغير الأقوال منعوا من تحقق العقد بالمعاطاة حتّى مع سبق مقاولة، أو اقتران التعاطي بقرينة حاليّة دالة على إرادة التمليك البيعي.

(2) أي: من اعتبار الدلالة اللفظيّة الوضعيّة- إمّا في نفس الصيغة، و إمّا في قرينتها على المراد، و أنّه لا تكفي القرينة القولية السابقة كالمقاولة، و لا القرينة الحالية المقارنة- يظهر عدم جواز الاقتصار في مقام إنشاء العقود على المشترك اللفظي و المعنوي، لقصور اللفظ عن إفهام المقصود ما لم ينضمّ إليه قرينة لفظية. و القرينة الحالية لا عبرة بها، لعدم كونها لفظا. نعم لو انضمّت القرينة الدالّة بالوضع على المراد من المشترك صحّ الإنشاء به.

______________________________

عليه من عدم العبرة بغير الألفاظ في إنشاء المقاصد و أمّا بناء على كون مناط الصراحة هو الوضع المستند إلى خصوص وضع اللفظ للمعنى المنشأ به- كما هو صريح تفسيرهم الصريح بما كان موضوعا لعنوان العقد المنشأ به- فعدم الفرق غير معقول.

و الحاصل: أنّه لم يظهر وجه لحسن ما أفاده فضلا عن أحسنيّته، فتدبّر.

[1] كيف يكون رجوعا مع وقوع الإنشاء بالقول، و كذا الإفهام؟ دون الفعل.

[2] فيه: أنّ ما لم يجوّزوه عقدا هو الإنشاء بالفعل المقرون بالقرينة، دون الإنشاء باللفظ المفهم للمراد بسبب القرينة، فلا مجال لقياس أحدهما بالآخر.

ص: 360

على القرينة الحاليّة المعيّنة (1) [1]. و كذا المشترك المعنوي.

و يمكن أن ينطبق على ما ذكرنا (2) الاستدلال المتقدّم في عبارة التذكرة بقوله قدّس سرّه: «لأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب» «1» إذ ليس المراد أنّ المخاطب لا يفهم منها المطلب و لو بالقرائن الخارجية. بل المراد أنّ الخطاب بالكناية لمّا لم يدل على المعنى المنشأ (3) ما لم يقصد [2] الملزوم (4)، لأنّ (5) اللّازم الأعم- كما هو الغالب بل المطّرد في الكنايات- لا تدلّ على الملزوم

______________________________

(1) لأنّ ظهوره في البيع منوط بالقرينة، و مثاله «التمليك» المشترك بين البيع و الهبة كما قيل.

(2) من عدم جواز الاتّكال على القرينة المقالية السابقة على الإنشاء، أو الحالية المقارنة له. و مقصوده بقوله: «و يمكن» توجيه استدلال العلّامة قدّس سرّه و جعله موافقا لنفسه في مقام الجمع بين كلمات القوم الذي أفاده بقوله: «و الأحسن منه أن يقال .. إلخ».

(3) و هو عنوان المعاملة- كالبيع- إذا أنشئ بلفظ «نقلت» مثلا.

(4) و هو عنوان العقد كالبيع، يعني: ما لم يقصد المنشئ من اللّازم- كالنقل الذي كنّي به عن البيع- النقل الملازم للمعنى المنشأ و هو البيع. و يرشد إلى هذا التفسير قوله بعد ذلك: «ما لم يقصد المتكلم خصوص .. إلخ».

(5) تعليل لقوله: «لمّا لم يدلّ».

______________________________

[1] هذا مناف لما سيذكر من عدم الخلاف في صحة الإيجاب بلفظ «بعت» إذ لا إشكال في كونه مشتركا لفظيّا بين البيع و الشراء. و كثرة استعماله في البيع ليست من القرائن اللفظية. و هذا وجه آخر لعدم صحة ما أفاده من الجمع المزبور.

[2] قصد الملزوم غير دخيل في الدلالة، ففي العبارة مسامحة. نعم قصد الملزوم دخيل في إنشاء العنوان الاعتباري.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

ص: 361

ما لم يقصد [1] المتكلّم خصوص الفرد الجامع مع الملزوم الخاص، فالخطاب (1) في نفسه محتمل (2) لا يدري المخاطب بم خوطب، و إنّما يفهم بالقرائن الخارجية الكاشفة عن قصد المتكلم، و المفروض على ما تقرّر في مسألة المعاطاة [2] أنّ النّية بنفسها أو مع انكشافها بغير الأقوال (3) لا تؤثر في النقل

______________________________

(1) جزاء الشرط في قوله: «لمّا لم يدلّ».

(2) يعني: أنّ الخطاب- المراد به العقد- لعدم اشتماله على لفظ يدلّ على عنوان المعاملة محتمل لإرادة معاملة أخرى، فلا يعلم المخاطب بالعقد بأيّ معنى خوطب به علما مستندا إلى اللفظ، و إنّما يفهم المراد بالقرائن الخارجية اللفظية الكاشفة عن قصد المتكلم من اللازم الملزوم.

مثلا: إذا قال البائع: «أدخلته في ملكك بكذا» أو: «جعلته ملكا لك بكذا» أو: «مسلّطا عليه بكذا» لم يدلّ بنفسه على إرادة البيع، لأنّ إدخال المال في ملك المخاطب- و كذا جعله مسلّطا عليه- لازم أعم من البيع، لتحققه به و بالهبة و بالصلح، و من المعلوم أنّ اللازم الأعم لا يفيد بمجرّده الملزوم الخاص، إلّا أن يقصد البائع خصوص الإدخال و الجعل المجتمع مع البيع، مع وجود كاشف عن قيده، حيث إنّه بدون الكاشف يكون خطاب «أدخلته في ملكك» محتملا لعقود متعددة هي ملزومات الخطاب، و لا يتمكن المخاطب من أن يستفيد خصوص البيع أو الهبة مع قطع النظر عن القرائن الخارجية، و لا يعلم أنّ دخول المال في ملكه هل تحقّق بالبيع أم بالهبة المعوّضة أم بالصلح؟ مع فرض اختلاف أحكامها.

(3) كما في المعاطاة، فإنّها فعل مجرّد عن اللفظ.

______________________________

[1] ليست الدلالة تابعة لقصد المتكلم، و مراده قدّس سرّه لا يخلو من خفاء.

[2] قد تقدم آنفا فساد هذه المقايسة.

ص: 362

و الانتقال (1)، فلم يحصل هنا عقد لفظي يقع التفاهم به.

لكن هذا الوجه (2) لا يجري في جميع ما ذكروه من أمثلة الكناية.

ثم إنّه ربما يدّعى (3) أنّ العقود المؤثّرة في النقل و الانتقال أسباب شرعيّة توقيفية، كما حكي عن الإيضاح من أنّ «كل عقد لازم وضع له الشارع صيغة مخصوصة بالاستقراء» «1» فلا بدّ من الاقتصار على المتيقن (4).

______________________________

(1) هذا أوّل الوجوه الأربعة في معنى قوله عليه السّلام: «إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» حيث قال هناك: «انّ تحريم شي ء و تحليله لا يكون إلّا بالنطق بهما، فلا يتحقق بالقصد المجرّد عن الكلام، و لا بالقصد المدلول عليه بالأفعال دون الأقوال».

ثمّ إنّ الكناية يكون من الثاني، لأنّ نية الملزوم- الذي هو المقصود فيها- قد انكشفت بغير الأقوال، لانكشافها بالانتقال عقلا من لفظ اللازم إلى المعنى الملزوم.

(2) أي: الوجه الذي ذكره لتطبيق كلام العلامة قدّس سرّه- من اعتبار كون الدلالة مستندة إلى اللفظ- لا يجري في جميع أمثلة الكناية، لكونه أخصّ من المدّعى و هو إلغاء مطلق الصيغ الكنائية، و ذلك لأنّ القرينة في بعضها- مثل: أدخلته في ملكك- لفظية، لأنّ القرينة فيه هو قوله: «في ملكك» و هو لفظ، فيصدق عليه: العقد اللفظي.

(3) الغرض من التعرض لكلام فخر المحققين- بعد توجيه كلام العلّامة- هو رفع مانع آخر عمّا ينافي مختار المصنف من كفاية مطلق اللفظ في مقام إنشاء العقود اللازمة، و توضيحه: أنّ فخر المحققين قدّس سرّه ادّعى حصر جواز الإنشاء في القدر المتيقّن و هو الاقتصار على الحقائق. و لمّا كانت هذه الدعوى منافية لما أفاده المصنف في الجمع بين الكلمات- من جواز العقد بمطلق اللفظ المفيد له إفادة وضعية و لو كان مجازا محفوفا بالقرينة اللفظية الوضعية- تعرّض لذكره و الإشكال عليه بقوله: «و هو كلام لا محصل له» لمنافاته للروايات و فتاوى العلماء.

(4) يعني: اللفظ الموضوع لذلك العقد، مثل «بعت» في البيع، و «وهبت» في

______________________________

(1): إيضاح الفوائد، ج 3، ص 12

ص: 363

و هو كلام (1) لا محصّل له عند من لاحظ فتاوى العلماء فضلا عن الروايات المتكثرة الآتية بعضها.

و أمّا ما ذكره الفخر قدّس سرّه (2) فلعلّ المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها على العنوان المعبّر عن تلك المعاملة به (3) في كلام الشارع، فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرجل و المرأة معبّرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة فلا بدّ من اشتمال عقدها على هذه العناوين، فلا (4) يجوز

______________________________

الهبة، و «أنكحت» في النكاح، و «وقفت» في الوقف، و هكذا سائر العناوين الاعتبارية.

(1) هذا إشكال المصنف على فخر الدين قدّس سرّهما. و محصله: مخالفة دعواه للفتاوى المتقدمة، و للنصوص التي تقدم جملة منها، و سيأتي بعضها الآخر في شرائط الصيغة إن شاء اللّه تعالى.

(2) غرضه توجيه ما أفاده الفخر قدّس سرّه- من وضع الشارع لكل عقد لازم صيغة مخصوصة- بما لا ينافي ما تقدّم في الجمع بين الكلمات من قول المصنف قدّس سرّه:

«و الأحسن منه أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة اللفظية .. إلخ» فيكون الفخر قدّس سرّه موافقا للمصنف لا مخالفا له.

و ملخص التوجيه: أنّه يحتمل أن يراد بالصيغة المخصوصة في كلام الفخر اشتمال الصيغة على العنوان المعبّر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة، فلا بد من إنشاء عقد النكاح بلفظ النكاح، و البيع بلفظ البيع، و هكذا سائر العقود.

(3) أي: المعبّر بذلك العنوان عن تلك المعاملة في كلام الشارع.

(4) متفرع على لزوم اشتمال الصيغة على العناوين المعبّر عنها في لسان الشارع، فإنّ «الهبة» ليست مما عبّر بها في لسانه عن النكاح، و لذا لا يجوز إنشاء النكاح بها.

ص: 364

بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك [1]. و هكذا الكلام في العقود المنشئة للمقاصد الأخر كالبيع و الإجارة و نحوهما.

فخصوصية اللفظ من حيث (1) اعتبار اشتمالها على هذه العنوانات الدائرة في لسان الشارع أو ما (2) يرادفها لغة أو عرفا، لأنّها (3) بهذه العنوانات موارد للأحكام الشرعية التي لا تحصى.

و على هذا (4) فالضابط وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في

______________________________

(1) خبر «فخصوصية» يعني: أنّ خصوصية الصيغة- بنظر فخر المحققين- تكون لأجل اشتراط العقود و الإيقاعات بخصوص هذه الألفاظ أو ما يرادفها.

(2) معطوف على «العنوانات الدائرة». و لا يخفى أنّ تعميم العنوان للمرادف العرفي و اللغوي مبني على توجيه المصنف لكلام الفخر، و إلّا فعبارة الإيضاح صريحة في الاقتصار على القدر المتيقن ممّا ورد في الأدلة الشرعيّة.

(3) يعني: لأنّ العقود بهذه العنوانات من البيع و الصلح و النكاح و غيرها موضوعات لأحكام شرعيّة، كموضوعية عنوان «البيع» لخياري المجلس و الحيوان و غيرهما من الأحكام. فلا بدّ في تحققها من إنشائها بعناوينها حتى يترتب عليها أحكامها، فلو أنشئت بغيرها كانت أصالة الفساد المحكّمة في المعاملات مقتضية لعدم ترتب أثر عليها.

(4) أي: و بناء على كون خصوصية اللفظ لأجل اشتمالها على عناوين العقود فالضابط هو .. إلخ. و محصّل ما أفاده: أنّ المناط في إنشاء المعاملات هو الألفاظ

______________________________

[1] الحق صحة العقد بكل لفظ له ظهور عرفي في مضمونه و إن لم يكن بالألفاظ المعبّر بها عن ذلك المضمون في كلام الشارع، ضرورة أنّ العمومات تشمله، فلو شك في اعتبار لفظ خاص في صحة المعاملة فينفى بالعمومات، فإنّ شمولها لما له ظهور عرفي من الألفاظ ليس بأدون من شمولها للأفعال التي ينشأ بها العقود.

ص: 365

لسان الشارع [1]، إذ لو وقع بإنشاء غيرها فإن كانت لا مع قصد تلك العناوين- كما لو لم تقصد المرأة إلّا هبة نفسها أو إجارة نفسها مدّة الاستمتاع- لم يترتب عليه الآثار المحمولة في الشريعة على الزوجية الدائمة أو المنقطعة.

______________________________

الدائرة في لسان الشارع، لا بمعنى الاقتصار على الصيغ المتيقنة كما ادّعاه فخر المحققين، بل نقول بأعميتها منها و مما يرادفها لغة أو عرفا، فإذا أنشأ البيع بقوله: «ملّكت» صح أيضا، لاقترانه بذكر العوض، و من المعلوم أنّ «التمليك على وجه المقابلة بين المالين» هو البيع لا غير. و المفروض أنّ ذكر العوض يدلّ بالدلالة اللفظية الوضعية على ما يراد من «ملّكت» فلو لم تكن الصيغة بنفسها موضوعة للعنوان المنشأ، و لم تنضم إليها قرينة لفظية دالّة على المراد لم يصح الإنشاء به.

و على هذا فإذا أنشأت المرأة الزوجية بقولها: «وهبت نفسي لك بكذا، أو آجرتك نفسي أو سلّطتك على البضع بكذا» لم تترتب عليها آثار الزوجية الدائمة و المنقطعة سواء قصدت حصول العلقة بينها و بين الرجل أم لا. أمّا مع القصد فلعدم كون هذه الصيغ معهودة من الشارع في مقام إنشاء الزوجية، بل المعهود منها في لسانه هو التزويج و النكاح و التمتع بالدوام لا التسليط و الهبة و شبههما. فهذه كنايات عن التزويج، لأنّ لازم تحقق الزوجية في وعاء الاعتبار هو سلطنة الزوج على البصع و حلية الاستمتاع، و لا عبرة بالكناية كما تقدم.

و أمّا بدون القصد إلى الزوجية بأن كان مقصودها من «وهبت نفسي لك» إنشاء عقد الهبة حقيقة كان لغوا، إذ لا معنى لأن تهب المرأة نفسها لرجل أجنبي.

______________________________

[1] بل الضابط ما عرفته من اعتبار كون اللفظ المنشأ به العقد ظاهرا عرفا في مضمون العقد و إن لم يكن بتلك العنوانات الدائرة في لسان الشارع، فإنّ المنشأ مفاهيم تلك العناوين بأي لفظ كان.

ص: 366

و إن كانت بقصد (1) هذه العناوين دخلت في الكناية التي عرفت أن تجويزها رجوع إلى عدم اعتبار إفادة المقاصد بالأقوال (2). فما ذكره الفخر (3) مؤيّد لما ذكرناه (4) و استفدناه من كلام والده (5) قدّس سرّهما.

و إليه (6) يشير أيضا ما عن جامع المقاصد من «أنّ العقود متلقّاة من

______________________________

(1) يعني: و إن قصدت المرأة عنوان الزوجية الدائمية أو الانقطاعية دخلت صيغة «وهبت نفسي» في الكناية، التي تقدم أنّ تجويز إنشاء العقود بها رجوع إلى جواز إنشاء مضامين العقود بغير الأقوال الخاصّة.

(2) بناء على أنّ دلالة الكناية على المراد عقلية و إن كان الانتقال من اللازم إلى الملزوم بسبب اللفظ الموضوع للّازم.

(3) من اعتبار صيغة مخصوصة من الشارع لكلّ عقد لازم.

(4) من اعتبار كون الدلالة مستندة إلى الحقيقة سواء أ كانت هي التي أنشئ بها العقد أم كانت هي قرينة اللفظ الذي أنشئ به.

و إلى هنا أخرج المصنف فخر المحققين من المخالفين لمختاره، و أدرجه في الموافقين له. و يستمدّ المصنف من كلمات الشهيد و المحقق الثانيين و الفاضل المقداد لتقوية مرامه.

(5) حيث قال: «لأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب».

(6) أي: و إلى ما ذكره من الضابط المزبور- و هو وجوب إيقاع العقد بإنشاء العناوين الدائرة في لسان الشارع .. إلخ. فإنّ قول جامع المقاصد: «لأنّ العقود متلقّاة من الشارع، فلا ينعقد عقد بلفظ عقد آخر ليس من جنسه» «1» عبارة أخرى لكلام المصنف قدّس سرّه، إذ المراد باللّفظ الآخر الذي ليس من جنس العقد هي الألفاظ المغايرة للعناوين الدائرة على لسان الشارع، كمغايرة «هبة النفس» للزوجية، و مغايرة «الكتابة و الخلع» للبيع، و هكذا.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 7، ص 83

ص: 367

الشارع، فلا ينعقد عقد بلفظ آخر ليس من جنسه» [1]. و ما (1) عن المسالك من «أنّه يجب الاقتصار في العقود اللّازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة» «1».

و مراده بالمنقولة شرعا هي المأثورة (2) في كلام الشارع.

______________________________

(1) معطوف على «ما» في قوله: «ما عن جامع المقاصد» يعني: و يشير إلى ما ذكرناه كلام المسالك في إنشاء عقد الإجارة من وجوب الاقتصار في العقود اللّازمة على الألفاظ المنقولة شرعا المعهودة لغة.

(2) يعني: لا ما يتبادر منها من النقل عن معانيها اللغوية إلى المعاني الشرعية، إذ لا يراد هذا المعنى من المنقول هنا، لوضوح أنّها في كلام الشارع- كلفظ البيع و الصلح و النكاح و غيرها- مستعملة في معانيها الأوّلية من دون نقل لها إلى معان أخر.

______________________________

[1] يحتمل قريبا أن يراد بعدم كون اللفظ الآخر من جنسه الألفاظ المجازية المستبشعة، حيث إنّها لا تصلح لأن تكون آلة لإنشاء مضمون العقد الذي أراده المتعاقدان حيث لا يكون ما ينشأ بها منشأ لانتزاع تلك العناوين في نظر العرف، لعدم كونها آلة لإنشائها، و من المعلوم أنّه لا يصح التمسك حينئذ لصحّتها و نفوذها بالعمومات، لأنّها منزّلة على العناوين العرفية. و أمّا ما لا يكون ملغى في نظر العرف فيتعيّن البناء على صحة الإنشاء به، من غير فرق بين الحقيقة و المجاز و المشترك اللفظي و المعنوي، عملا بالعمومات أو الإطلاقات المقتضية للصحة و النفوذ من غير مخصّص أو مقيّد، إذ لا منشأ لتوهم التخصيص أو التقييد إلّا توهم دعوى الإجماع على اعتبار لفظ خاص.

لكنّها ممنوعة جدّا، و الكلمات المتقدمة أقوى شاهد على المنع. و مع الغضّ عن شهادتها بعدم الإجماع فلا أقل من عدم ثبوته، الموجب لمرجعية القواعد العامّة المقتضية للصحة.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 5، ص 172، و عبارة المتن منقولة بالمعنى. و قريب منه كلامه في عقد النكاح، ج 7، ص 88

ص: 368

و عن كنز العرفان في باب النكاح «أنّه حكم شرعي حادث، فلا بدّ له من دليل يدلّ على حصوله، و هو العقد اللفظي المتلقّى من النص (1) «1» ثمّ ذكر لإيجاب (2) النكاح ألفاظا ثلاثة، و علّلها بورودها في القرآن [1].

______________________________

و الشاهد على إرادة المأثور عن الشارع من كلمة «المنقولة» هو كلام الشهيد الثاني في إنشاء الإجارة ب «أكريتك» حيث قال: «فهي من الألفاظ المستعملة أيضا- يعني مثل آجرتك- لغة و شرعا في الإجارة، يقال: أكريت الدار فهي مكراة .. إلخ» «2».

(1) فبدون التلقّي من الشارع تقتضي أصالة الفساد عدم تأثير الإنشاء في العنوان المقصود و هو الزوجية.

(2) يعني: ذكر الفاضل المقداد لإيجاب النكاح .. إلخ.

______________________________

[1] مجرّد الورود في مقام الحكاية عن مفاهيمها تشريعا أو إخبارا- كقوله تعالى:

وَ زَوَّجْنٰاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ «3»، و قوله تعالى إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ «4»، و قوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ «5» إلى غير ذلك من الآيات و الروايات المتضمنة لألفاظ العقود- لا يصلح لتقييد أو تخصيص الإطلاقات أو العمومات، بعد صدق عناوينها بإنشائها بألفاظ أخر تدلّ عليها دلالة عرفيّة، فإنّه مع هذا الصدق تشملها أدلة الصحة و النفوذ، لعدم صلاحيّة مجرّد ورود تلك الألفاظ لتقييد الإطلاقات أو تخصيص العمومات بعد صدق تلك العناوين عرفا بغير ألفاظها، كإنشاء

______________________________

(1): كنز العرفان للفاضل المقداد، ج 2، ص 146

(2) مسالك الأفهام، ج 5، ص 172

(3) الطور، الآية: 20

(4) القصص، الآية: 27

(5) النور، الآية: 32

ص: 369

و لا يخفى أنّ تعليله هذا (1) كالصريح فيما ذكرناه من تفسير توقيفية العقود، و أنّها متلقّاة من الشارع، و وجوب الاقتصار على المتيقن (2) [1].

و من هذا الضابط [2] تقدر على تمييز الصريح (3) المنقول شرعا المعهود لغة من الألفاظ المتقدمة في أبواب العقود المذكورة من غيره. و أنّ الإجارة بلفظ العارية غير جائزة [3]، و بلفظ بيع المنفعة أو السكنى مثلا لا يبعد جوازه،

______________________________

(1) يعني: أنّ تعليل الفاضل المقداد قدّس سرّه- لإيجاب النكاح بخصوص ألفاظ ثلاثة- بالورود في القرآن الكريم يكون كالصريح فيما ذكرناه .. إلخ.

(2) المراد بالمتيقّن هو ما دار و تداول في لسان الشارع، لا المتيقن بحسب الصراحة و الظهور لغة.

(3) المراد بالصريح في نظر المصنف قدّس سرّه هو وضوح الدلالة بنفسه أو بضميمة قرينة لفظية تدلّ بالوضع على إرادة المقصود من ذي القرينة. و قد تقدّم هذا بقوله: «إذ لا يعقل الفرق في الوضوح الذي هو مناط الصراحة .. إلخ» راجع (ص 359).

______________________________

البيع بلفظ «ملّكت» أو «نقلت في ملكك بكذا» و نحو ذلك ممّا له ظهور عرفي في إنشاء البيع.

[1] لا وجه للاقتصار على المتيقّن بعد اقتضاء الأصل اللفظي- و هو أصالة العموم- عدم الاقتصار على بعض الألفاظ، و جعل المدار على كل لفظ له ظهور عرفي في إنشاء تلك العناوين الموجب لاندراجها تحت العمومات الدالة على الصحة.

[2] قد عرفت ما هو الضابط، و أنّه ظهور كل لفظ في إنشاء العناوين.

[3] وجه عدم الجواز عدم ظهور لفظ العارية عرفا في مفهوم الإجارة، لا كونه خارجا عن الألفاظ المنقولة شرعا.

ص: 370

و هكذا (1) [1].

______________________________

(1) يعني: أنّ لسائر العقود ألفاظا مأثورة عن الشارع أيضا، لكن بعضها يدلّ على العنوان الاعتباري بنفسه، و بعضها يدلّ عليه بمعونة قرينة، كدلالة «تصدّقت» على الوقف بمعونة قوله: «لا تباع و لا توهب و لا تورث أبدا» و لا مانع من الإنشاء بكلا القسمين.

هذا تمام الكلام في البحث الكبروي، و هو أصل اعتبار الصراحة و الظهور الوضعي في موادّ ألفاظ العقود، و سيأتي الكلام في صغريات هذا البحث إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] التحقيق في مواد صيغ العقود: أنّ موضوع الحكم في المعاملات سواء أ كانت بيعا أم غيره هو المعاملات المسببية، لأنّها بالحمل الشائع عقد و تجارة و صلح و هبة و غيرها ممّا أخذ عرفا و شرعا موضوعا لأحكام.

و هذا المعنى المسبّبي قد ينشأ بالهيئة التي تؤخذ من المواد الصادقة عليها عناوين المعاملات بالحمل الأوّلي، نظير: بعت و آجرت و صالحت.

و قد ينشأ ما يكون بالحمل الشائع أحد العناوين المزبورة من البيع و غيره بغير ما ذكر من الألفاظ المأخوذة من المواد الصادقة عليها عناوين المعاملات، كإنشاء البيع بلفظ «ملّكت» و الإجارة بلفظ «سلّطت» و هكذا.

و قد ينشأ بالكنايات و المجازات، أو بالأفعال و الكتابات أحيانا، إلى غير ذلك.

و لا إشكال في أنّ موضوع وجوب الوفاء عند العقلاء هو المعنى المسبّبي، فمعنى العقود في قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ هي المعاهدات الواقعيّة و النقل الواقعي، من دون نظر إلى آلات إنشائها و إيجادها، فالتمليك الواقعي مع العوض هو العقد و التجارة الموضوعان لوجوب الوفاء، لا ما هو متحقق بعنوان البيع السّببي كلفظ «بعت» فلا وجه لما قيل من لزوم أخذ عناوين المعاملات كالبيع و الصلح و نحوهما في الصيغة التي ينشأ بها المسبّبات.

ص: 371

______________________________

كما لا وجه لتوهم كون موضوع الأدلة الشرعية كقوله تعالى أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الصلح جائز بين المسلمين» «1» هو نفس هذه العناوين بما هي عناوين بالحمل الأوّلى، إذ الموضوع هي العناوين بالحمل الشائع، سواء أ كانت آلة الإنشاء ألفاظا مشتملة على تلك العناوين كبعت في البيع و «هبت» في الهبة و نحوهما، أم لا، فإنّ الجمود على اعتبار إنشائها بالألفاظ الحاوية لموادّ تلك العناوين يقتضي اعتبار إنشاء العقد بلفظ «عاقدت» و إيجاد البيع بخصوص لفظ «بعت» و إنشاء التجارة بلفظ الاتجار. مع أنّه لم يحتمل أحد ذلك.

و هذا يدلّ على عدم اعتبار إنشاء المسبّبات بخصوص ألفاظ عناوينها الأوّلية.

فكلّ معاقدة تحقّقت بأيّ سبب عقلائي- من لفظ أو فعل أو كتابة أو كناية بحيث يصدق عليها بالحمل الشائع أحد العناوين من البيع و الصلح و الهبة و غيرها- كان موضوعا للأدلة الشرعية، و لوجوب الوفاء بها. فاللازم بيان الألفاظ التي ينشأ بها تلك العناوين المسبّبيّة، فنقول:

إنّ تلك الألفاظ مأخوذة تارة من المواد التي تصدق عليها عناوين المعاملات كبعت في إنشاء البيع. و أخرى من ألفاظ الكنايات. و ثالثة من ألفاظ مجازية. و رابعة من ألفاظ مشتركة بالاشتراك اللفظي. و خامسة من ألفاظ مشتركة بالاشتراك المعنوي. فهنا أبحاث خمسة:

الأوّل: في الألفاظ المأخوذة من المواد الصادقة عليها عناوين المعاملات.

و لا ينبغي الإشكال في صحة الإنشاء بها على جميع الأقوال. و قد تقدّم عن المصنف قدّس سرّه نفي الخلاف فيه فتوى و نصّا.

البحث الثاني: في إنشاء العقود بالكنايات. و قد منع عن الإنشاء بها المحقّق النائيني قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه الشريف.

و محصّل ما أفاده أمور:

______________________________

(1): وسائل الشيعة ج 13، ص 164، الباب 3 من كتاب الصلح، الحديث: 2

ص: 372

______________________________

أحدها: الفرق بين الحكايات و الإيجاديات، بتأدّي الأولى بكلّ لفظ غير خارج عن أسلوب المحاورة و لو مجازا أو كناية، و عدم تأدّي الثانية كذلك، بل بما هو آلة لإيجادها و مصداق لعنوانها، فلا يكون إيجاد اللّازم أو الملازم إيجادا للملزوم أو الملازم الآخر.

ثانيها: أنّ الكناية ليست من المجاز، لكون الألفاظ فيها مستعملة في معانيها الموضوع لها، غاية الأمر أنّ استعمال الألفاظ في معانيها الحقيقية يكون بداعي الانتقال منها إلى ملزومها أو لازمها.

ثالثها: أنّ الأغراض الداعية إلى استعمال الألفاظ خارجة عن حيّز العقود و الإيقاعات، لعدم كون الألفاظ مستعملة في معانيها الموضوعة لها، و مع عدم الاستعمال فيها لا تصلح تلك الألفاظ لإنشاء العقود بها.

رابعها: انصراف أدلة العقود عن العقود المنشئة بتبعية إيجاد لوازمها، لكمال ضعف هذا النحو من الإيجاد بحيث تنصرف أدلة العقود عنها، و مع الشكّ في دخولها تحت العموم، فالأصل عدم ترتب الأثر عليها «1»، هذا.

أقول: ما أفاده قدّس سرّه لا يخلو من التأمل و الغموض، إذ لا فرق في جواز استعمال الكنايات بين الإخبار و الإنشاء. توضيحه: أنّ الألفاظ في باب الكنايات لا تستعمل إلّا في معانيها الحقيقيّة للدلالة على المعنى المكنيّ عنه، فالأخبار في باب الكناية إخبار حقيقة عن المكنيّ عنه، لا عن المعنى المستعمل فيه الذي هو الموضوع له، فقوله: «زيد كثير الرّماد» مثلا ليس إخبارا عن كثرة الرّماد حقيقة، بل هو إخبار عن جوده.

و الشاهد على ذلك أنّ مناط الصدق و الكذب عند أبناء المحاورة في مثل «زيد كثير الرماد» هو مطابقة المعنى المكنيّ عنه للواقع و عدمها، لا مطابقة المعاني الموضوعة لها للواقع و عدمها، فلو لم يكن لزيد كثرة الرماد و لا الرّماد أصلا، و لكن كان جوادا

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 105

ص: 373

______________________________

كان الإخبار صدقا، لأنّ الأخبار ليس عن ذلك، بل عن جوده الموجود بالفرض.

فلو كان المعنى المكنيّ عنه من قبيل الدواعي و كان الإخبار عن كثرة الرماد حقيقة لكان الصدق و الكذب تابعين للمخبر به، و هو كثرة الرّماد و عدمها. مع أنّه ليس كذلك عند أبناء المحاورة، إذ مناط الصدق عندهم في هذا الكلام هو كون زيد جوادا، لا ذا كثرة الرّماد حقيقة. فالمعاني التي وضعت لها الألفاظ في باب الكنايات مرادة بالإرادة الاستعمالية دون الإرادة الجدّية، فإنّ المراد بهذه الإرادة هو المعنى المكنيّ عنه.

هذا حال الأخبار بالكناية. و كذا الحال في الإنشاء بها، فقوله: «خذ هذا الكتاب و أعطني درهما عوضه» إنشاء بيع كناية، لأنّ الكناية ليست إنشاء للازم أو إخبارا به حتى يكون الملزوم مرادا بنحو الداعي، بل المخبر به و المنشأ هو نفس الملزوم بالاستعمال الصوري في المعاني الإفرادية، فهذا الاستعمال آلة للإخبار و الإنشاء.

و من هنا يظهر الفرق بين المعاني الكنائية و المعاني الالتزامية، ضرورة أنّه في الدلالة الالتزاميّة يقع الأخبار حقيقة عن الملزوم، ثم يدلّ المعنى المطابقي- و هو الملزوم- على اللازم، فالدالّ على المعنى الالتزامي هو المعنى المطابقي، فهو من باب دلالة المعنى على المعنى، فقوله: «طلعت الشمس» ليس إلّا إخبارا عن طلوعها الذي هو يدلّ على وجود النهار، و من المعلوم أنّه من دلالة المعنى على المعنى، لا من دلالة اللفظ على المعنى.

فالمتحصل: أنّه لا مانع عن إنشاء المعاملة المسببية بالكنايات.

نعم يعتبر في الإنشاء بها أن يكون المعنى المنشأ المكني عنه من لوازم أو ملزومات المعاني الموضوع لها التي تستعمل فيها الألفاظ استعمالا صوريّا، بحيث تكون تلك الألفاظ المستعملة في معانيها آلة لإيجاد المعنى المكنيّ عنه بحسب المحاورات العرفية. و ليس هذا شأن كل لازم و ملزوم، مثلا قوله: «خذ هذا المتاع و أعطني درهما عوضه» يكون آلة عند أبناء المحاورة لإيجاد البيع، بخلاف قوله: «أنت

ص: 374

______________________________

مسلّط على هذا المال بدينار» فإنّ مجرّد التسليط ليس لازما للبيع بحيث يكون آلة لإنشاء البيع، إذ يمكن أن يكون التسليط على العين بإزاء مال إجارتها، فليس التسليط لازما مساويا للبيع حتى يكون إنشاء له.

و من هنا يمكن التفصيل بين الكنايات في جواز إنشاء البيع مثلا بها بين اللوازم و الملزومات، بأن يقال: إنّ اللّازم إن كان مساويا للملزوم صحّ إنشاء البيع مثلا به، و إلّا فلا.

و كذا الحال في الإخبار، فإنّه يصحّ الإخبار عن جود زيد بأنّه صاحب المضيف، لأنّ هذه الجملة إخبار عرفا عن جوده و كثرة ضيوفه، لكون وجود المضيف لازما عرفا للجود، فيصحّ الإخبار عنه بكونه صاحب المضيف. و في مثل هذا اللّازم و الملزوم يصح الإخبار عن المعنى المقصود بالكناية. و كذا في الإنشاء، فيصح أن يقال: «عفّر الإناء بالتراب» كناية عن ولوغ الكلب فيه، بعد تسلّم كون الولوغ ممتازا عن غيره من سائر النجاسات بالتعفير.

و يمكن التصالح بما ذكرناه من التفصيل بين اللوازم بين المحقق النائيني قدّس سرّه المانع عن إنشاء العقود بالكنايات و بين غيره ممّن أصرّ على جواز إنشائها بالكنايات، فيقال: إنّ مقصود الميرزا قدّس سرّه من المنع هو الكنايات التي لا تكون المعاني المكنّي عنها ظاهرة من الجمل الكنائية ظهورا عرفيا، و مقصود غيره هو ما إذا كانت الجمل الكنائية ظاهرة عرفا في المعاني المكنيّ عنها.

و بالجملة: بعد منع توقيفية ألفاظ العقود و الإيقاعات إلّا ما خرج لا بدّ من الالتزام بإنشاء كلّ عقد و إيقاع بكلّ لفظ له ظهور عرفي في ذلك، سواء أ كان ذلك اللفظ مشتقا من المصدر الذي يكون اسما لذلك العقد أو الإيقاع أم غيره.

و دعوى: انصراف أدلّة النفوذ عن العقود المنشئة بالكنايات كما ترى، إذ بعد فرض ظهور الكناية في إنشاء اللّازم بذكر الملزوم أو بالعكس لا وجه للانصراف، بعد شيوع الإنشاء كذلك، و عدم خروج مثل هذا الإنشاء عن الأسباب المتعارفة، مع أنّ الانصراف الناشئ عن ذلك مما لا يعتنى به، كما ثبت في محله، هذا.

ص: 375

______________________________

البحث الثالث: في إنشاء العقود بالمجازات. و عن شيخ مشايخنا المحقق النائيني على ما قرّره عنه شيخنا الفقيه الخوانساري قدّس سرّهما التفصيل بين المجاز المشهور و عدمه.

و محصّل ما أفاده عبارة عن مقدمة و أمرين.

أمّا المقدمة فهي: أنّ البيع و غيره من عناوين العقود و الإيقاعات عنوان بسيط غير مركّب من الجنس و الفصل، فيمتنع إيجاده تدريجا، فالتمليك البيعي و القرضي و نحوهما من الهبة و الإجارة ليس جنسا، و البيعيّة و القرضية و نحوهما فصلا، فالتمليك في الجميع واحد، و الاختلاف بينها كالاختلاف بين أفراد البيع، يعني: أنّ الاختلاف بين التمليك البيعي و غيره يكون من قبيل اختلاف أفراد البيع في الخصوصيات و المشخّصات الفردية.

و أمّا الأمران اللذان رتّبهما على هذه المقدمة و جعلهما نتيجة لها فأحدهما: أنّ المجاز غير المشهور لمّا احتاج إلى قرينة صارفة فلا يمكن إنشاء العقد به، للزوم التناقض بين معناه الحقيقي المدلول عليه بالدلالة التصورية، و بين معناه المجازي المدلول عليه بالدلالة التصديقية، فإذا قال في مقام إنشاء الإجارة: «بعتك منفعة الدّكان الفلاني بكذا في مدّة كذا» لا يقع إجارة، لأنّ قوله: «بعتك» يدلّ على تمليك العين، و قوله: «منفعة الدكان» يدلّ على تمليك المنفعة لا العين، و هما متناقضان، و لذا قال المشهور بعدم إفادة قوله: «بعتك بلا ثمن، و آجرتك بلا أجرة» للهبة الصحيحة و العارية مع الاحتفاف بالقرينة الصارفة، و ليس ذلك إلّا لأجل التناقض المزبور.

و ثانيهما: عدم جواز إنشاء العقود ببعض المشتركات اللفظيّة و المعنوية، للزوم إيجاد البسيط بالتدريج، هذا «1».

و أنت خبير بما فيه.

أمّا في المقدمة فلما فيها من عدم البساطة، و أن البيع مركّب من جنس اعتباري و هو التمليك و فصل اعتباري و هو كونه مع العوض، فاختلاف البيع مع القرض و الهبة

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 106

ص: 376

______________________________

اختلاف نوعي، فإنّ مفهوم البيع و القرض و الهبة عرفا هو التمليك الجنسي المتفصّل بالفصول المتقدمة، فاختلافها نوعي لا فردي.

فالحق أنّ ماهيّات العقود مركّبات اعتبارية و ليست بسائط. نعم تحقّق الأمر الاعتباري العقلائي منوط بتماميّة أجزاء العقد، فذلك الاعتبار عند العقلاء دفعي الوجود لا تدريجي الوجود. و هذا شي ء آخر لا ربط له بماهيّة العقد المركّب من جنس و فصل اعتباريّين، فمتى تحقّق إنشاء الموجب الملكيّة بالعوض بدالّين و القبول من القابل اعتبر العقلاء عقيبهما انتقال المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع دفعة لا تدريجا، فكلّ من الإنشاء و المنشأ تدريجي التحقق بتعدّد الدال و المدلول، و اعتبار النقل بالحمل الشائع دفعي بعد تحقق الإنشاء إيجابا و قبولا، هذا.

و أمّا الأمران اللذان جعلهما نتيجة للمقدمة المزبورة ففيهما: أنّه لا فرق في إنشاء الماهية بين إنشائها بالحقائق، و بين إنشائها بالمشتركات اللفظية و المعنوية و المجازات، فإنّ الكلّ في الإنشاء و الاحتياج إلى تعدد الدال و المدلول على حدّ سواء.

و تخيّل التناقض بين ما يوجد بحسب الدلالة التصورية و بحسب الدلالة التصديقية- يعني بين المعنى الحقيقي التصوري و المجازي التصديقي- في غاية الغموض، لأنّه إن أريد لزوم التناقض بحسب الواقع، ففيه منع واضح، إذ المفروض أنّه لم ينشأ إلّا المعنى المجازي، و إنّما جعل اللفظ الموضوع للمعنى الحقيقي الذي استعمل فيه آلة لإيجاد المعنى المجازي، فلا تناقض بين المعنى الحقيقي و المعنى المجازي الذي هو المراد الجدّي.

و إن أريد لزومه بنظر غير المتبايعين، ففيه: أيضا ما لا يخفى، لأنّ ظهور الكلام في معناه- المتحصل من مجموع القرينة و ذيها- منوط بتمامية أجزاء الكلام، فقبل تماميّتها لا ينعقد ظهور في المراد، و بعد تماميّتها يكون ظاهرا في المعنى المجازي فقط.

و مما ذكرنا ظهر حال البحث الرابع، و هو إنشاء العقود بالألفاظ المشتركة اللفظية، و البحث الخامس و هو إنشاء العقود بالألفاظ المشتركة المعنوية، و أنّه لا مانع من الإنشاء

ص: 377

إذا عرفت هذا (1) فلنذكر ألفاظ الإيجاب و القبول.

[المبحث الثاني: ألفاظ الإيجاب و القبول]
[أ ألفاظ الإيجاب]

منها (2): لفظ «بعت» في الإيجاب، و لا خلاف فيه فتوى و نصّا. و هو

______________________________

المبحث الثاني: ألفاظ الإيجاب و القبول ألفاظ الإيجاب

(1) أي: ما تقدم من الضابط في صيغ العقود، و هي شرطية دلالة الصيغة وضعا بنفسها أو بمعونة القرينة اللفظية الدالة على المراد بالوضع. و قد عقد المصنف قدّس سرّه هذا المبحث- المتعلق بمواد ألفاظ العقود- لبيان الألفاظ التي ينشأ بها الإيجاب و القبول، و قدّم الكلام في ألفاظ الإيجاب، و المذكور منها في المتن أربعة.

(2) أي: من ألفاظ الإيجاب و القبول، و هذا أوّل صيغ البيع.

______________________________

بها بعد كون الإنشاء بها بتعدّد الدال و المدلول.

و دعوى «انصراف الإطلاقات كما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه عن كل لفظ مجازيّ أو مشترك لفظي أو معنوي أفاد معنى البيع و لو بالقرينة، لقرب احتمال انصرافها إلى المتعارف» غير مسموعة، لما ثبت في محله من عدم صلاحية التعارف للانصراف المعتدّ به.

فالمتحصّل من جميع ما ذكر: أنّه لا مانع من إنشاء العقود و الإيقاعات بكلّ لفظ يكون ظاهرا عرفا في ذلك، من غير فرق بين الكنايات و المجازات بأقسامها، و الألفاظ المشتركة اللفظية و المعنوية، لما عرفت من أنّ الأحكام تتعلّق بحقائق المسبّبات من غير أن تتقيّد بتحققها بسبب خاص، مثلا وجوب الوفاء تعلق بالعقد الواقع بين المتعاقدين، و هو من مقولة المعنى، و لا دخل للألفاظ فيها إلّا دخالة الإيجاد. كما أنّ المناسبة بين الحكم و الموضوع تقتضي كون موضوع وجوب الوفاء هو العقد بما هو قرار محترم، لا بما هو موجد باللّفظ الكذائي كما لا يخفى.

ص: 378

و إن كان من الأضداد (1) بالنسبة إلى البيع و الشراء،

______________________________

و لا خلاف في صحة إنشاء الإيجاب به، بل اقتصر بعضهم عليه كما هو ظاهر ابن إدريس «1».

و قد يقال: إنّه يفهم من عبارة الغنية حصر الإيجاب في «بعت» و القبول في «اشتريت و قبلت» و عليه فيكون الحصر معقد الإجماع الذي ادّعاه فيها. لكنه ليس كذلك، لعدم ظهور عبارته في الحصر المدّعى، حيث قال في الغنية: «و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري تحرّزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري و الإيجاب من البائع، و هو أن يقول: بعينه بألف، فيقول: بعتك، فإنّه لا ينعقد بذلك، بل لا بدّ أن يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت حتى ينعقد .. إلى أن قال: يدلّ على ما قلناه الإجماع المشار إليه. و أيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به، و ليس على صحته بما عداه دليل» «2».

و الظاهر أنّ منشأ فهم الحصر هو الفقرة الأخيرة، بتخيّل أنّ قوله: «فما اعتبرناه» إشارة إلى «بعتك» من البائع و «اشتريت أو قبلت» من المشتري.

لكنّك خبير بأنّ قوله: «فما اعتبرناه» إشارة إلى ما سبق في أوّل الكلام من اعتبار حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري، لا خصوص لفظ «بعتك» فلاحظ.

(1) قال في المصباح: «باعه يبيعه بيعا و مبيعا فهو بائع و بيّع، و أباعه بالألف لغة، قاله ابن القطاع. و البيع من الأضداد مثل الشراء. و يطلق على كل واحد من المتعاقدين: أنّه بائع. و لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السّلعة» «3».

و عن شرح القاموس: التصريح بكونه من الأضداد. بل عن مصابيح العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه: «نفي الخلاف عن وضعه للمعنيين، فيثبت أنّه مشترك لفظا

______________________________

(1): السرائر الحاوي، ج 2، ص 250

(2) غنية النزوع في الأصول و الفروع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 524.

(3) المصباح المنير، ص 69

ص: 379

لكن كثرة استعماله (1) في وقوع البيع به تعيّنه.

و منها (2): لفظ «شريت» لوضعه له، كما يظهر من المحكيّ عن بعض أهل

______________________________

بينهما» «1» [1].

(1) لمّا كان «البيع» مشتركا لفظيا بين إنشاء الموجب و القابل توقّف جواز الإيجاب به على قيام قرينة معيّنة لأحد المعنيين، و قد أشار المصنف إلى قرينية كثرة استعمال «بعت» في الإيجاب، فيتعيّن له، دون القبول.

و يؤيّده ما في المصباح من أنه إذا أطلق «البائع» تبادر إلى الذّهن باذل السلعة.

و يستفاد من كلامه مسألة أصولية، و هي: أنّ اشتهار المشترك في أحد معنييه يصير قرينة على تعيّنه [2].

(2) أي: و من ألفاظ الإيجاب و القبول لفظ «شريت» و هذا ثاني ألفاظ

______________________________

[1] فما أفاده السيد بقوله: «يمكن أن يقال: إنّه مشترك معنوي بين البيع و الشراء .. فيكون بمعنى التمليك بالعوض أعم من الصّريح كما في البيع، أو الضمني كما في الشراء» «2». لا يخلو من غموض.

إذ فيه أوّلا: ما عرفته من أنّه من الأضداد.

و ثانيا: أنّ التمليك الضمني خارج عن حدود البيع، كما تقدّم في تعريفه.

لكن هذا الاشكال المذكور في تقريرات سيدنا الخويي قدّس سرّه «3» لا يخلو من غموض، لأنّ طبيعة التمليك بالعوض تنطبق على فرديها، و هما التمليك الأصلي المسمّى بالبيع، و التمليك الضمني المسمّى بالشراء على نسق واحد، و يتميّز أحد الفردين عن الآخر في مقام الإنشاء بالقرائن كجامع الطلب بالنسبة إلى الوجوب و الندب.

[2] لكن خالف فيه المحقق القميّ قدّس سرّه- في البحث عن حال الفرد المحلّى- لوجهين:

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 244

(2) حاشية المكاسب، ص 87

(3) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 20

ص: 380

اللّغة، بل قيل لم يستعمل في القرآن الكريم

______________________________

الإيجاب، و هو من الأضداد أيضا. ففي المصباح: «شريت المتاع أشريه: إذا أخذته بثمن أو أعطيته بثمن، فهو من الأضداد» «1».

و في المجمع: «شراء: يمدّ و يقصر، و هو الأشهر. يقال: شرت الشي ء أشريه، و شرى شراء: إذا بعته و إذا اشتريته أيضا، و هو من الأضداد» «2».

______________________________

أحدهما: عدم مدخلية مجرّد الشهرة في أحد معاني المشترك في ترجيحه.

و ثانيهما: معارضة الشهرة في المجاز المشهور بأصالة الحقيقة «3».

و في كليهما ما لا يخفى. أمّا الأوّل فلأنّ الشهرة و إن لم تكن مرجّحة بنفسها، لعدم دليل على الترجيح بها، لكنّها تكون مرجّحة، لإيجابها الظهور العرفي.

و أمّا الثاني، فلأنّ الشهرة في المجاز غير الشهرة في اللفظ المشترك، إذ المفروض كون المعنى المشهور حقيقيا، بخلاف المجاز المشهور، فإنّ المعنى المشهور غير الحقيقي، فيعارضه أصالة الحقيقة.

و عليه فلا بأس بما في المتن من قرينيّة كثرة الاستعمال على تعيّن «بعت» للإيجاب.

مضافا إلى ما تقدم من: أنّ المدار على الظهور العرفي من أيّ سبب حصل، هذا.

و استند صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى قرينتين أخريين:

الأولى: أنّ الابتداء بالمعاملة بحسب الطبع و الغلبة يكون من الموجب، فهذا قرينة مقاميّة على إرادة الإيجاب بلفظ البيع.

______________________________

(1): المصباح المنير، ص 312

(2) مجمع البحرين: ج 1، ص 245

(3) قوانين الأصول، ج 1، ص 220

ص: 381

إلّا في البيع (1). و عن القاموس «شراه يشريه ملكه بالبيع، و باعه كاشتراه، فهما ضدّ» و عنه أيضا «كل من ترك شيئا و تمسّك بغيره فقد اشتراه (2)» «1».

______________________________

(1) و في الجواهر أيضا: «بل قيل: إنّه لم يرد في الكتاب العزيز غيره ..» «2»

و لم أظفر بالقائل به.

و كيف كان فقد ورد في قوله تعالى وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «3» أيّ: باعوا به أنفسهم.

و قوله تعالى وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ «4» أي: باعوه.

و قوله تعالى وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ «5».

و قوله تعالى فَلْيُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ «6» أي: يبيعونها.

(2) مقتضى هذه العبارة كون «الاشتراء» مشتركا معنويا بين إيجاب البائع و قبول المشتري، لصدق «ترك شي ء و أخذ شي ء آخر مكانه» على فعل كليهما.

و مقتضى عبارته الأولى- و هي كون «الشراء» من الأضداد- هو اشتراكه اللفظي و تعدّد الوضع.

______________________________

الثانية: كيفية ذكر المتعلّقات، فإنّ «بعت» في الإيجاب يتعدّى إلى مفعولين، فيقول: «بعتك الدار» مثلا، و في القبول إلى مفعول واحد «7».

______________________________

(1): القاموس المحيط، ج 4، ص 347 و 348

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 244

(3) البقرة، الآية: 102

(4) يوسف، الآية: 20

(5) البقرة، الآية: 207

(6) النساء، الآية: 74

(7) جواهر الكلام، ج 22، ص 245

ص: 382

و ربما يستشكل فيه (1) بقلّة استعماله عرفا في البيع، و كونه محتاجا إلى القرينة المعيّنة، و عدم نقل الإيجاب به في الأخبار و كلام القدماء (2).

______________________________

(1) أي: يستشكل في وقوع البيع بلفظ «شريت» بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّ «شريت» و إن كان من الأضداد، و مقتضاه جواز إنشاء كل من البيع و الشراء به، إلّا أنّ قلة استعماله- عند العرف العام- في البيع توهن ظهوره فيه، و من المعلوم إناطة صحة الإنشاء بالظهور العرفي في المراد.

الثاني: توقف استعمال المشترك في أحد معنييه أو معانيه على القرينة المعيّنة.

الثالث: عدم ورود إنشاء البيع بلفظ الشراء في الأخبار، و لا في كلام القدماء، و عليه فلا يكون لفظ «شريت» مأثورا عن الشارع في مقام إيجاب البيع.

(2) اختلفوا في جواز الإيجاب ب «شريت» فأجازه العلّامة قدّس سرّه في التذكرة «1».

و في الجواهر: «و يتحقق إيجابه ببعت قطعا، بل و بشريت على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. بل لعلّها كذلك، لاشتراك كلّ من لفظي البيع و الشراء بين المعنيين، فهما من الأضداد .. إلى أن قال: فيصح استعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب على الحقيقة. و لا يقدح الاشتراك، و إلّا لامتنع الإيجاب بالبيع. و لا ظهورهما في أشهرهما، لوضوح القرينة المعيّنة لغيره، و هي وقوع البيع من المشتري و الشراء من البائع. على أنّ استعمال الشراء في البيع كثير .. إلى أن قال: فلا بأس باستعمال كلّ منهما حينئذ في الإيجاب و القبول على الحقيقة» «2».

و محصل كلامه- زيد في علوّ مقامه- الاستدلال بأنّ المقتضي موجود و هو الوضع، و المانع مفقود، لأنّ المانع المتصوّر في المقام إنّما هو الإجمال الناشئ من الاشتراك.

و لكن فيه أوّلا: أنّه غير صالح للمنع، و إلّا لمنع من استعمال البيع أيضا.

و ثانيا: أنّ الإجمال مرتفع بوجود القرينة المعيّنة.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 244

ص: 383

و لا يخلو عن وجه (1).

______________________________

(1) و لعلّه لتوقيفية ألفاظ العقود، فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ليس إلّا «بعت» إذ لا نصّ و لا إجماع على غيره، كما عن المصابيح، هذا [1].

______________________________

[1] لكن يمكن أن يقال: إنّه لا وجه لما استوجهه المصنف قدّس سرّه من المنع، إذ القرينة المعينة للمشترك إن كانت لفظيّة حقيقية فلا مانع منه عنده قدّس سرّه. و قاعدة التوقيفية قد وجّهها المصنف قدّس سرّه عند نقل عبارة الفخر بما هذا نصّه: «ثم إنّه ربما يدّعى أنّ العقود المؤثّرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية كما حكي عن الإيضاح من: أن كل عقد لازم وضع الشارع له صيغة مخصوصة بالاستقراء، فلا بد من الاقتصار على المتيقن» إلى أن قال المصنف «و أمّا ما ذكره الفخر فلعلّ المراد فيه من الخصوصية المأخوذة في الصيغة شرعا هي اشتمالها على العنوان المعبّر عن تلك المعاملة به في كلام الشارع، فإذا كانت العلاقة الحادثة بين الرّجل و المرأة معبّرا عنها في كلام الشارع بالنكاح أو الزوجية أو المتعة فلا بد من اشتمال عقدها على هذه العناوين، فلا يجوز بلفظ الهبة أو البيع أو الإجارة أو نحو ذلك».

و هذا التوجيه لا يقتضي أزيد من اعتبار كون اللّفظ الذي ينشأ به العقد موضوعا لعنوان العقد، و لا يقتضي اعتبار شيوع استعماله في الإيجاب حتى تكون أقليّة استعمال لفظ «شريت» في إيجاب البيع من استعمال لفظ «بعت» فيه مانعة عن إنشاء الإيجاب.

فالمتحصل: أنّه لا وجه للمنع الذي استوجهه المصنف قدّس سرّه.

نعم يمكن توجيه المنع بوجه آخر، و هو: أنّ لفظ «الشراء» و إن استعمل في قديم الزمان في إنشاء إيجاب البيع، لكنه مهجور في هذه الأزمنة، و إنشاء الإيجاب به خارج عن المتعارف عند أبناء المحاورة، و لا بد أن لا يكون لفظ العقد من الألفاظ المهجورة عندهم، و لذا اختار بعض المتأخرين المنع استنادا إلى هذا الوجه، فتدبّر.

ص: 384

و منها (1): لفظ «ملّكت» بالتشديد. و الأكثر (2) على وقوع البيع به،

______________________________

(1) أي: و من ألفاظ إيجاب البيع لفظ «ملّكت» و هذا ثالث صيغ البيع.

(2) قال في الجواهر: «و أمّا ملّكت فالأكثر- بل المشهور- على تحقق الإيجاب بها، بل عن جامع المقاصد في تعريف البيع ما يشعر بالإجماع على صحة الإيجاب به في البيع» «1».

و لكن في دلالة كلام جامع المقاصد على الإجماع بل الإشعار به تأمّل، بل منع.

و مقابل الأكثر ما عن الجامع للشرائع- لابن سعيد الحلّي- من «أنّه لا يصح إلّا بلفظ الماضي، و هو: بعت أو شريت».

و كيف كان ففي صحة إنشاء إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» أقوال:

أحدها: ما عن الأكثر، و هو وقوع البيع بلفظ ملّكت.

ثانيها: عدم وقوعه به، و هو المحكي عن جامع ابن سعيد.

ثالثها: ما نسب إلى العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه من التفصيل بين تقييد «ملّكت» بالبيع و عدمه، بالوقوع في الأوّل، و عدمه في الثاني. و تبعه على ذلك صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و اختار المصنف قدّس سرّه القول الأوّل، لوجهين:

أحدهما: الاتّفاق المنقول في غاية المراد، و يؤيّده الإجماع المستشعر من جامع المقاصد.

ثانيهما: أنّ التمليك بالعوض- المنحلّ إلى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع، و أنّه إذا اتّصل بها ذكر العوض أفاد المجموع المركّب- بمقتضى الوضع التركيبي- البيع خاصة، فيكون صريحا. و يؤيّد هذا الوجه ما حكي عن فخر المحققين قدّس سرّه من كون «ملّكت» مرادفا في لغة العرب ل «بعت».

فإن قلت: إنّ «التمليك» ليس مرادفا للبيع، لاستعماله في الهبة بحيث لا يتبادر

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 246

ص: 385

بل ظاهر نكت الإرشاد الاتفاق (1)، حيث قال: «إنّه لا يقع البيع بغير اللفظ المتّفق عليه كبعت و ملّكت» «1».

و يدل عليه (2) ما سبق في تعريف (3) البيع من أنّ التمليك بالعوض- المنحل

______________________________

عند الإطلاق غيرها، و من المعلوم أنّ تبادر الهبة من لفظ «ملّكت» يمنع عن ظهوره في البيع. و عليه فلا يصح إنشاء البيع به، لأنّه حينئذ يكون من الإنشاء بالمجازات، و هو غير جائز عندهم، على ما تقدم تفصيله في المبحث الأوّل من مباحث موادّ صيغ العقود.

قلت: ليس التمليك مرادفا للهبة، و إنّما تفهم من تجريد اللفظ عن العوض، لا من مادة «التمليك» حتّى يقال: إن انسباق الهبة منه إلى الذهن يمنع عن ظهوره في البيع كي يمنع من إنشائه به. بل التبادر مستند إلى القرينة، و هي التجريد عن العوض، فالتمليك مشترك معنى بين ما يتضمّن المقابلة و بين ما يتجرّد عنها، فإن احتفّ الكلام بذكر العوض أفاد المجموع- بمقتضى وضعه التركيبي- البيع. و هذا هو مفهوم البيع حقيقة، فصحة إرادة الهبة المعوّضة أو المصالحة من التمليك المحفوف بذكر العوض منوطة بصحة العقد بلفظ غيره مع النية.

فالمتحصّل: أنّه يصحّ إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» للترادف.

(1) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل على صحة إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» و هو الإجماع المنقول عن الشهيد قدّس سرّه.

(2) أي: على وقوع البيع ب «ملّكت» و هذا هو الدليل الثاني، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «ثانيهما: أن التمليك بالعوض .. إلخ».

(3) حيث قال في ردّ أصالة البيع في تمليك الأعيان- و أعميّته منه و من الهبة و الصلح- ما لفظه: «إن حقيقة تمليك العين بالعوض ليست إلّا البيع، فلو قال: ملّكتك

______________________________

(1): غاية المراد، ص 81

ص: 386

إلى مبادلة العين بالمال- هو المرادف للبيع عرفا و لغة كما صرّح به فخر الدين، حيث قال: «إنّ معنى بعت في لغة العرب: ملّكت غيري» «1».

و ما قيل (1): «من أنّ التمليك يستعمل في الهبة بحيث لا يتبادر عند الإطلاق غيرها» فيه (2): أنّ الهبة إنّما يفهم من تجريد اللفظ عن العوض، لا من مادة التمليك (3)، فهي مشتركة معنى بين ما يتضمّن المقابلة (4) و بين المجرّد عنها،

______________________________

كذا بكذا كان بيعا، و لا يصحّ صلحا و لا هبة معوّضة و إن قصدهما ..» «2».

(1) لم أظفر بقائله، و حكاه في الجواهر أيضا بقوله: «و دعوى ..» و لعلّ المقصود ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه في بيع السلف بقوله: «لأنّه- أي التمليك- شائع في الهبة، فإذا انعقد بالأبعد فبالأقرب أولى» «3».

و كيف كان فغرض القائل منع مرادفة التمليك و البيع، فيمنع إنشاؤه به، و قد أوضحناه بقولنا: «فان قلت ..».

(2) خبر و «ما قيل» و هذا جواب الإشكال، و قد أوضحناه بقولنا: «قلت:

ليس التمليك مرادفا للهبة ..».

(3) حتى تكون مادة «التمليك» موضوعة لحصّة من طبيعة التمليك، و هي خصوص التمليك المجّاني كي يكون البيع- و هو التمليك بالعوض- معنى مجازيا له، بل هذه المادة مشتركة معنوية بين التمليك المعوّض و المجرّد عنه، فإرادة كل واحدة من الحصّتين تتوقف على قرينة.

(4) يعني: المقابلة بين المالين، لا مطلق المبادلة و لو كانت بين تمليك الواهب و تمليك المتهب، كما هو حال الهبة المعوضة.

______________________________

(1): حكاه السيد الفقيه العاملي عن شرح الإرشاد لفخر المحققين- و هو مخطوط- مفتاح الكرامة، ج 4، ص 151

(2) راجع الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 246 و 247

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 207

ص: 387

فإن اتّصل (1) بالكلام ذكر العوض أفاد المجموع المركّب بمقتضى الوضع التركيبي البيع. و إن تجرّد عن ذكر العوض اقتضى تجريده الملكية المجّانية.

و قد عرفت سابقا (2) أنّ تعريف البيع بذلك (3) تعريف بمفهومه الحقيقي،

______________________________

و بعبارة أخرى: إن كان التمليك مجرّدا عن العوض أفاد الهبة غير المعوّضة.

و إن كان متضمنا للعوض فهو على قسمين:

أحدهما: أن يكون العوض عوضا عن تمليك الأوّل، فالمقابلة تقع بين تمليك و تمليك، و هذا هو الهبة المعوّضة.

ثانيهما: أن يكون العوض عوضا عن المال و هو العين التي ملّكها الأوّل للثاني، فالمقابلة تقع بين نفس المالين في إضافة الملكية، و هذا هو البيع.

و مقصود المصنف قدّس سرّه من «التمليك المتضمن للمقابلة الذي هو البيع» هو القسم الأخير كما أفاده في ردّ انتقاض تعريف البيع بالصلح و الهبة المعوّضة. و عليه لا يتوهم أنّ المقابلة موجودة في الهبة المعوضة أيضا لما عرفت من أنّ التقابل في الهبة ليس بين المالين بل بين الفعلين. و إن شئت توضيح هذا المطلب أزيد ممّا هنا فراجع الجزء الأوّل من هذا الشرح ص (241- 248).

(1) هذا متفرع على كون مادة «التمليك» مشتركا معنويا بين البيع و الهبة، فيلحقها حكمه، و هو توقف إرادة كل واحدة من الحصّتين على القرينة، فقرينة الهبة التجرّد عن ذكر العوض، و قرينة البيع ذكر العوض.

(2) يعني: في رد ما أفاده كاشف الغطاء قدّس سرّه من حمل التمليك بعوض على البيع، لكونه الأصل في تمليك الأعيان.

(3) أي: أن تعريف البيع ب «التمليك المتضمن للمقابلة على وجه العوض» تعريف للبيع بمفهومه الحقيقي، و ليس مشتركا بينه و بين الهبة المعوّضة و الصلح على عين بعوض.

و عليه فالمشترك بين البيع و الهبة هو طبيعي تمليك العين بعوض. و أمّا تمليك

ص: 388

فلو أراد منه (1) الهبة المعوضة أو قصد المصالحة بنى صحة العقد به على صحة عقد بلفظ غيره (2) مع النّية.

و يشهد لما ذكرنا (3) قول فخر الدين في شرح الإرشاد: «انّ معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري (4)».

______________________________

عين في قبال عين أخرى فليس إلّا البيع.

(1) أي: فلو أراد الموجب بقوله: «ملّكتك الكتاب بدينار» غير البيع، بأن أراد الهبة المعوّضة أو المصالحة توقّف صحته على انعقاد الهبة و الصلح بالألفاظ المجازية.

و وجه المجازية: أنّ «تمليك عين بإزاء عين أخرى» هو البيع خاصّة، فإرادة غيره مجاز.

(2) كإنشاء البيع بغير لفظ «بعت» مثل «نقلته إليك و أدخلته في ملكك» و نحوهما من المجاز و الكناية.

(3) من كون البيع هو التمليك بالعوض، و أنّ إنشاءه به صحيح.

(4) و بهذا قد وفى المصنف قدّس سرّه بما وعد به في أوّل كتاب البيع في تعريفه بإنشاء التمليك، و جوازه به، حيث قال: «و فيه: أنه الحق كما سيجي ء» [1].

______________________________

[1] و قد يستدلّ أيضا على جواز إنشاء البيع بلفظ «ملّكت» بما في الجواهر من قوله: «و لعلّه لكونها حقيقة فيما يشمل البيع، فاستعمالها فيه حينئذ حقيقة، إذا لم يكن على جهة الخصوصية التي يكون استعمال الكلّي فيها مجازا» «1».

و كذا بما مرّ من كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه من «أن الأصل في تمليك الأعيان بالعوض هو البيع، و في تمليك المنافع هي الإجارة».

و في الكل ما لا يخفى. أمّا الاتفاق الذي نقله المصنف قدّس سرّه عن غاية المراد ففيه أوّلا: عدم دلالته على الإجماع كما يظهر للمراجع. و كذا لا إشعار به في كلام المحقق الثاني.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 246

ص: 389

______________________________

و ثانيا: عدم إجماع قطعا مع هذا الخلاف.

و ثالثا: عدم اعتباره بعد تسليم تحققه، لعدم حجية الإجماع المنقول.

و أمّا ما استدلّ به في المتن- من: أنّ التمليك بالعوض المنحل إلى «مبادلة عين بمال» هو المرادف للبيع إذا اتّصل به ذكر العوض فيكون صريحا- ففيه: أنّ المراد بالصريح في كلامهم ليس ذلك، و إلّا لجرى في «نقلته إليك و أدخلته في ملكك و جعلته لك» و المفروض عدمه كما لا يخفى على من لاحظ التذكرة.

و الاستشهاد بكلام فخر المحققين على ترادف البيع و التمليك ممنوع أيضا، لأنّه إن أراد الترادف لغة توجّه عليه أعمية التمليك من البيع، لاشتراكه بينه و بين العطيّة و الهبة كما نسب إلى الفقهاء و أهل اللغة. بل في المسالك- في مسألة انعقاد البيع بلفظ السلم- ما نصّه: «و لا ريب أنّ السّلم أقرب الى حقيقة البيع من التمليك المستعمل شرعا استعمالا شائعا في الهبة، فإذا انعقد بالأبعد لتأدية المعنى المراد، فالأقرب إذا أدّاه أولى» و هو قريب من كلام جامع المقاصد المتقدم في التوضيح.

و إن أراد التفسير بالأعم لم يجد في الدلالة على المطلوب و هو جواز إنشاء البيع به، لعدم دلالة العام على الخاص.

و أمّا ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه فيردّه: أنّه مع إرادة الخصوصية- أي التمليك المتخصص بخصوصية البيعيّة- يصير استعمال لفظ «ملّكت» فيه مجازا، و استعمال المجازات في إنشاء العقود ممنوع عند الجماعة. و مع إرادة الكلّي لا يجوز أيضا، لأنّ معناه أعم من التمليك البيعي، لشموله له و للصلح و الهبة بعوض.

و أمّا ما حكي عن كاشف الغطاء- من أصالة البيع في تمليك الأعيان- ففيه: أنّ دعوى الأصالة ممنوعة جدّا، إذ الجامع بين التمليكات المتشخصة هو نفس التمليك، لأنّه القدر المشترك بين جميع حصص التمليك التي منها البيع و الصلح و الهبة، نظير

ص: 390

______________________________

تحصّص الحيوان بحصص عديدة متفصّلة بفصول متشتتة، و لذا لا يكون أحد أنواع الحيوان مثلا أصلا لسائر أنواعه.

________________________________________

و عليه فلا معنى لكون البيع أصلا في مقام الثبوت لسائر حصص التمليك.

هذا إذا أريد بالأصل الأصالة الثبوتية. و إن أريد به الأصالة الإثباتية- بمعنى كون غالب التمليكات في الخارج هو البيع- فلا تجدي في إثبات صحة إنشاء البيع ب «ملّكت» لأنّ هذا راجع إلى مقام الثبوت الذي هو أجنبي عن الغلبة الراجعة إلى مقام الإثبات، هذا.

بقي التعرض لدليل القولين الآخرين.

أمّا دليل القول الثاني- و هو المنع عن وقوع البيع بلفظ التمليك- فوجوه:

أحدها: توقيفية صيغ العقود، و عدم معهودية تجويز العقد عنهم بلفظ «ملكت» فتبقى أصالة الفساد سليمة عن المانع.

و فيه: عدم ثبوت توقيفيتها، و إلّا كان اللازم على الشارع تعيين لفظ أو ألفاظ لإنشاء العقود، لئلّا يتجاوز عن تلك الألفاظ إلى غيرها.

ثانيها: ما حكاه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و ما قيل من أنّ التمليك يستعمل في الهبة».

و فيه: ما أجاب به في المتن بقوله: «إنّ الهبة إنّما يفهم من تجريده اللفظ .. إلخ».

ثالثها: أنّ التمليك حقيقة في القدر المشترك بين البيع و العطية و الهبة، فإن أريدت خصوصية البيع من لفظه صار مجازا، و استعمال الألفاظ المجازية في العقود غير جائز.

و إن لم ترد الخصوصية من اللفظ كان عنوانا عامّا غير منطبق على المقصود و هو البيع، فإنشاء إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» غير جائز.

و فيه: أنّ هذا مبني على القول باشتراط كون الصيغة بنفسها صريحة. و أمّا على القول بالاكتفاء بكون المجموع المركّب صريحا- كما يظهر من الأكثر- فلا يتم، إذ المجموع المركّب من لفظي التمليك و العوض المنضم إليه يصير صريحا في عنوان

ص: 391

______________________________

البيع، فيكون نفس «ملّكت» دالّا على طبيعة التمليك، و القيد دالّا على التمليك البيعي من باب تعدّد الدال و المدلول، نظير «أعتق رقبة مؤمنة».

و أمّا دليل القول الثالث فهو ما أفاده في محكي المصابيح من: «أنّه يشكل الإيجاب بلفظة- ملّكت- لاحتمالها لغير البيع و إن كانت نصّا في الإيجاب. و لا يجدي ذكر العين و العوض، لأنّ تمليكها به قد يكون بالهبة و الصلح، فلا يتعيّن بيعا، إلّا إذا قيّده البائع به، فقال: ملّكتك بالبيع. و منه يظهر وجه المنع كما هو ظاهر الجامع، مع ضعف إطلاقه، كإطلاق غيره. و لو حمل المنع فيه على المجرّد عن القيد، و الجواز في غيره على المقيّد زال الإشكال» انتهى.

و نسج على منواله صاحب الجواهر قدّس سرّه بزيادة احتمال حمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا، بملاحظة الخصوصية، و المجاز لا ينعقد به العقد. و الجواز على استعماله على جهة الحقيقة و إن استفيدت الخصوصية من قيد آخر «1».

و فيه: أنّ التمليك المقرون بذكر العوض هو البيع حقيقة، فقوله قدّس سرّه: «و لا يجدي ذكر العين و العوض .. إلخ» في غاية الإشكال، لأنّ الصلح و الهبة المعوّضة ليسا من التمليك بالعوض على وجه المقابلة، فلا حاجة في تعيّن «ملّكت» في إنشاء إيجاب البيع إلى تقييده بذكر البيع، بأن يقال: ملّكتك بالبيع، هذا.

و أمّا ما أفاده الجواهر من «حمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا .. إلخ» ففيه:

أنّ المجاز- بعد فرض الظهور العرفي للفظ في المعنى المقصود- ممّا لا مانع عنه، فلا فرق في الجواز بين كون الاستعمال على وجه الحقيقة و بين كونه على وجه المجاز.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 246

ص: 392

و أمّا الإيجاب ب «اشتريت» (1) [1] ففي مفتاح الكرامة «أنّه قد يقال بصحّته كما هو الموجود في بعض نسخ التذكرة (2)، و المنقول عنها في نسختين من

______________________________

(1) هذا رابع ألفاظ الإيجاب بناء على صحة إنشاء البيع به.

(2) ظاهر العبارة أنّ السيد الفقيه العامليّ ظفر ببعض نسخ التذكرة و بنسختين

______________________________

[1] قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «الظاهر أنه تصحيف- شريت- كما هو الموجود في النسخة التي رأيناها، لبعد الاقتصار عليها دون شريت. و يؤيّده: أنّه لم يذكر- اشتريت- بالخصوص أحد من الفقهاء في عداد ألفاظ إيجاب البيع، و إن كان بعض أهل اللغة ذكر استعماله في معنى الإيجاب و قبوله. ففي شرح القاموس يقال: اشتراه إذا ملكه بالبيع، و يقال: اشتراه إذا باعه» «1».

و لكن قد يتّجه عليه أوّلا: أنّ الظاهر صحة ما في المتن و وقوع السهو في النسخة التي رآها قدّس سرّه، ضرورة أنّ المصنف قدّس سرّه لم يقتصر في صيغ الإيجاب على «اشتريت» حتى يستبعد منه إهمال «شريت» بل قد جعلها في عداد صيغ الإيجاب، حيث قال قبل أسطر بعد ذكر صيغة «بعت» ما لفظه: «و منها: لفظ شريت، فلا إشكال في وقوع البيع به لوضعه له .. إلخ».

و عليه فلو قال المصنف هنا: «و أمّا الإيجاب بشريت» لكان تكرارا مخلّا بنظام المطلب.

مضافا إلى قوله في المتن: «و لكن الاشكال المتقدم في شريت أولى بالجريان هنا».

و ثانيا: أنّ المصنف قدّس سرّه اقتصر في أوّل كلامه على نقل عبارة مفتاح الكرامة، و الموجود فيه في هذا المقام: «اشتريت» كما في المتن، فراجع.

و ثالثا: أنّ المصنف لم يدّع ذكر خصوص صيغة «اشتريت» في شي ء من الكتب الفقهيّة، بل ادّعى ذكرها في التذكرة، ثم استفادتها من عطف «ما أشبههما، و ما يقوم مقامهما» على قولهم: «بعت و ملّكت».

و الإنصاف أنّه لم يتّضح لنا مراده قدّس سرّه و هو أعلم بما قال.

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 233

ص: 393

تعليق الإرشاد «1».

______________________________

من تعليق الإرشاد للمحقق الثاني قدّس سرّه، و ظفر بتجويز العلّامة قدّس سرّه إيجاب البيع بصيغة «اشتريت».

و قال السيد بعد العبارة المنقولة في المتن تأييدا لصحة الإيجاب بها: «و في القاموس: شراه يشريه إذا ملكه بالبيع، و باعه كاشترى، فهما ضدّ. و فيه أيضا: كل من ترك شيئا و تمسّك بغيره فقد اشتراه».

و عليه يسهل الأمر في الإنشاء ب «اشتريت» بعد كونه مشتركا بين الإيجاب و القبول.

و هذا لا ينافي ذكر صيغ ثلاث في كثير من كتب الأصحاب، و هي «بعت و شريت و ملّكت» كما حكاه السيد العاملي قدّس سرّه «2» عن التذكرة و نهاية الأحكام و الدروس و التنقيح و صيغ العقود و تعليق الإرشاد.

وجه عدم التنافي: أنّه يحتمل أن يكون ذكر الصيغ الثلاث للمثال، كما يحتمل أن يكون للحصر، فلا سبيل للجزم بالحصر حتى يكون ذكر «اشتريت» في بعض نسخ التذكرة منافيا للمشهور أو للمتّفق عليه بينهم.

نعم المستفاد من عبارة العلامة في القواعد الحصر في الثلاث، حيث قال:

«و لا بدّ من الصيغة الدالة على الرّضا الباطني، و هي الإيجاب كقوله: بعت و شريت و ملّكت» «3».

و لكن استظهر صاحب الجواهر «4» منها عدم الحصر، لأنّ العلّامة ذكر أوّلا لزوم الصيغة الدالة على الرّضا الباطني، و هي عنوان كلّي، ثم حكم بأنّه الإيجاب و القبول، و أدخل «الكاف» على ألفاظ الإيجاب، و هي ظاهرة في التمثيل.

______________________________

(1) أ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150 و 151

(2) ب: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 150 و 151

(3) قواعد الأحكام، ص 47 (الطبعة الحجرية).

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 247

ص: 394

أقول: قد يستظهر (1) من عبارة كلّ من عطف على بعت و ملّكت «شبههما» أو «ما يقوم مقامهما» إذ إرادة خصوص لفظ «شريت» من هذا بعيد جدّا.

______________________________

و إن كان هذا الاستظهار لا يخلو من تأمّل، إذ لا ظهور لعبارة العلّامة في عدم الحصر.

(1) يعني: قد يستظهر صحة الإيجاب بلفظ «اشتريت» من عبارة غير العلّامة- في التذكرة- أيضا، لأنّ جمعا بعد أن ذكروا صيغتي «بعت و ملّكت» عطفوا عليهما:

«و ما أشبههما أو ما قام مقامهما».

فعن حواشي الشهيد على القواعد: «مثل قارضتك و سلّمت إليك و ما أشبه ذلك».

و عن التحرير: «الإيجاب اللفظ الدال على النقل مثل: بعتك و ملّكتك أو ما يقوم مقامهما». و من المعلوم أنّ المراد ممّا أشبه الصيغتين أو مما قام مقامهما ليس خصوص «شريت» لعدم الدليل على هذا الحصر، بل المراد كل ما يدلّ على الرضا بالبيع، فيشمل «اشتريت» الذي هو من ألفاظ الأضداد، و يكون استعماله في الإيجاب حقيقة لا مجازا.

و يؤيّد هذا الاستظهار ما اختاره الفاضل الآبي، و نسبه إلى المحقق من عدم اعتبار لفظ خاص في البيع «1».

و الحاصل: أنّ مراد المصنف قدّس سرّه أن يكون «اشتريت» بمعنى «بعت» بأن يراد منه إيجاب البيع، فيكون قول الموجب: «اشتريت مالي بمالك» بمعنى «بعت مالي بمالك». لا أن يكون «اشتريت» بمعنى قبول البيع، و كان من تقديم القبول على الإيجاب، لأنّه بهذا المعنى يخرج عن مورد النزاع.

______________________________

(1): كشف الرموز، ج 1، ص 446

ص: 395

و حمله (1) على إرادة «ما يقوم مقامهما» في اللّغات الأخر للعاجز عن العربية أبعد، فيتعيّن (2) إرادة ما يرادفهما لغة أو عرفا، فيشمل «شريت» و «اشتريت».

لكن الإشكال المتقدّم (3) في «شريت» أولى بالجريان هنا (4)، لأنّ «شريت» استعمل في القرآن الكريم في البيع، بل لم يستعمل فيه إلّا فيه (5). بخلاف

______________________________

(1) أي: و حمل العطف على إرادة .. إلخ. و غرضه بيان توهّم و دفعه. أما التوهم فتقريبه: أنّه يمكن أن يراد من كلمتي «شبههما، يقوم مقامهما» أمر آخر غير ما استظهره المصنف، بل المراد ما يدلّ على معنى «بعت و ملّكت» في سائر اللغات، بأن يقول بالفارسية «فروختم، مال تو قرار دادم» و هكذا ترجمة الصيغتين في اللّغات الأخرى.

و على هذا فلا يمكن أن ينسب إلى الفقهاء إرادة صيغة «اشتريت» من كلمة «أو ما أشبه أو ما يقوم» و نتيجة ذلك منع قول المصنف: «قد يستظهر».

و أمّا الدفع فهو: أنّ حمل «ما أشبههما» على ترجمة «بعت» بالنسبة إلى العاجز عن العربية في غاية البعد، إذ لو كان مرادهم مدلول خصوص صيغتي «بعت و ملّكت» في سائر اللغات لزم أن يقولوا: «إيجاب البيع: بعت و ملّكت للقادر على العربية، و مرادفهما من سائر اللغات، أو: ما يقوم مقامهما من سائر اللغات» مع أنّهم قالوا:

«إيجاب البيع: بعت و ملّكت و ما أشبههما» و لا مجال إلّا لأن يراد من «الشّبه» سائر الألفاظ الدالّة على إيجاب البيع مثل «شريت، اشتريت».

(2) هذا متفرع على أبعدية حمل العطف على المرادف من سائر اللغات.

(3) و هو قلّة استعماله عرفا في البيع، و احتياجه إلى القرينة المعيّنة.

(4) يعني: في لفظ «اشتريت» وجه الأولوية هو اشتمال «اشتريت» على تاء المطاوعة.

(5) أي: لم يستعمل- في القرآن- إلّا في البيع.

ص: 396

«اشتريت» (1) [1].

______________________________

(1) فإنّه لم يستعمل في إنشاء الإيجاب، بل اقتصر في محكي التذكرة- من ألفاظ القبول- على خصوص «اشتريت» «1».

______________________________

[1] قال سيدنا الأستاذ قدّس سرّه: «و ينبغي أن يكون جواز الإيجاب به مبنيّا على جواز الإيجاب بالمجاز، لأنّ استعمال اشتريت بمعنى بعت و شريت مجاز» «2».

و فيه ما عرفت من أنّ الاشتراء- كما تقدّم عن شرح القاموس- من الأضداد، فاستعمال «اشتريت» في إيجاب البيع ليس مجازا، بل هو حقيقة بقرينة معيّنة. و على تقدير المجازية لا بأس بها، لما مرّ من جواز الإنشاء، بكلّ ما يكون ظاهرا عرفا في المعني المقصود، و عدم دليل تعبّدي على اعتبار الإنشاء بما يكون دلالته على المقصود بالوضع، هذا.

ثم إنّه مع الغض عن كون «اشتريت» من الأضداد يمكن إثبات جواز الإيجاب به أيضا، لأنّ الاشتراء كما عن القاموس «ترك الشي ء و التمسك بغيره» و منه اشْتَرَوُا الضَّلٰالَةَ بِالْهُدىٰ و عليه فالإشتراء يستعمل حقيقة في الإيجاب.

و قد يقال: إنّ «اشتريت» متمحضة في القبول حقيقة، لكون هيئة الافتعال و التفعّل لمطاوعة فعل الغير، كما يظهر من تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه.

لكنّه ليس كذلك، لأنّ هذه المطاوعة عبارة عن اتخاذ الذات للمبدأ مطلقا سواء أ كان المبدأ صادرا من نفسه كالاكتساب و الاحتطاب و الاحتشاش و نحوها، و كما في التعمم و التقمص و التّسربل و التكبر و نحوها، أم من غيره.

و عليه فإن تعلّقت المطاوعة بمال نفسه كان معناه اتخاذ المبدأ من نفسه، و هو تمليك مال نفسه بعوض. و إن تعلّقت بمال الغير كان معناه اتخاذ البيع من الغير، و حينئذ يكون مصداقا للقبول و المطاوعة الحقيقة.

و منه يظهر أنّ وقوعه موقع الإيجاب يناسب مفهومه، لا أنه يبتني على كون «الشراء و الاشتراء» من الأضداد، فلاحظ و تدبّر.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، 152

(2) نهج الفقاهة، ص 96

ص: 397

و دفع (1) الإشكال في تعيين المراد منه بقرينة (2) تقديمه الدّال على كونه إيجابا، إمّا بناء على لزوم تقديم الإيجاب على القبول، و إمّا لغلبة ذلك، غير (3) صحيح، لأنّ الاعتماد على القرينة غير اللفظية في تعيين المراد من ألفاظ العقود قد عرفت (4) ما فيه.

______________________________

(1) مبتدأ، خبره «غير صحيح» و المراد بالإشكال هو قوله: «لكن الإشكال المتقدم في شريت أولى بالجريان هنا» و مقصود الدافع تصحيح إيجاب البيع ب «اشتريت» فالإشكال الوارد على «شريت» لا يجري في «اشتريت».

و حاصل وجه الدفع هو: أنّ إنشاء الإيجاب بلفظ «اشتريت» إن كان مع القرينة الموجبة لظهوره في إنشاء الإيجاب فلا بأس به. ثم إنّ القرينة عبارة عن لزوم تقديم الإيجاب على القبول، أو غلبة ذلك الموجبة لظهور «اشتريت» مع التقديم في إنشاء الإيجاب.

(2) متعلق ب «دفع» و بيان له، و ضمير «تقديمه» راجع إلى «اشتريت».

(3) خبر «و دفع» و حاصل الإشكال على هذا الدفع عدم صلاحية القرينة- غير اللفظية- على تعيين المراد من ألفاظ العقود، فلا يصلح لزوم تقديم الإيجاب على القبول- أو غلبته- لتعيين المراد، و هو الإيجاب من لفظ «اشتريت».

(4) حيث قال: «و الأحسن منه أن يراد باعتبار الحقائق في العقود اعتبار الدلالة الوضعية .. الى أن قال: و هذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد» لاحظ (ص 358).

و حاصله: اعتبار الدلالة الوضعية في العقود، سواء أ كان اللفظ الدال على إنشاء العقد بنفسه موضوعا له، أو مستعملا فيه مجازا بقرينة لفظ آخر موضوع له، ليرجع الإفادة بالأخرة إلى الوضع، إلى آخر ما أفاده.

ص: 398

إلّا (1) أن يدّعى أنّ ما ذكر سابقا- من اعتبار الصراحة- مختصّ بصراحة اللفظ من حيث دلالته على خصوص العقد و تميّزه عمّا عداه من العقود. و أمّا تميّز إيجاب عقد معيّن عن قبوله- الراجع إلى تميز البائع عن المشتري- فلا يعتبر فيه الصراحة، بل يكفي استفادة المراد و لو بقرينة المقام، أو غلبته، و نحوهما.

و فيه إشكال (2) [1].

______________________________

(1) غرضه تصحيح الاعتماد على القرينة غير اللفظية كغلبة تقديم الإيجاب على القبول- أو لزومه- في الدلالة على تعيين المراد من ألفاظ العقود.

و محصّله: أنّ اعتبار صراحة الدلالة إنّما هو في تشخيص عنوان العقد كالبيع و تمييزه عمّا عداه من سائر العقود، لا في تمييز الإيجاب عن القبول في عقد قد تميّز عنوانه عن غيره من العقود. و المفروض في المقام تميّز العقد- و هو البيع- عن سائر العقود، فلا تعتبر الصراحة في الدلالة على الإيجاب، بل تكفي الدلالة عليه بالقرينة المقامية.

(2) أي: في عدم اعتبار الصراحة في لفظ الإيجاب- و تردّده بين الإيجاب و القبول، و تعيّن أحدهما بالقرينة- إشكال. وجه الإشكال: ظهور كلماتهم في عموم المنع لذلك، و عدم اختصاص اعتبار الصراحة بعنوان العقد، فالصراحة معتبرة في تميّز العقد عمّا عداه من العقود، و في تميّز إيجاب عقد معيّن عن قبوله أيضا، فتوجيه إنشاء الإيجاب بغير ما يكون صريحا فيه بقوله: «إلّا أن يدّعى أن ما ذكر سابقا .. إلخ» مشكل.

______________________________

[1] و قد ظهر مما قدّمناه سابقا عدم اعتبار الصراحة أصلا، لا في تمييز عنوان العقد عمّا عداه من العقود، و لا في تمييز الإيجاب عن القبول.

نعم إذا استند في اعتبار الصراحة إلى الإجماع فالمتيقن منه هو اعتبار الصّراحة في الدلالة على تعيين عقد خاص، لا في تمييز الإيجاب عن القبول. لكن في الإجماع ما لا يخفى.

ص: 399

[ب: ألفاظ القبول]

و أمّا القبول (1) فلا ينبغي [1] الإشكال في وقوعه بلفظ: قبلت و رضيت و اشتريت و شريت (2) و ابتعت و تملّكت و ملكت مخفّفا. و أمّا «بعت» فلم ينقل إلّا من الجامع، مع أنّ المحكيّ عن جماعة من أهل اللغة (3) اشتراكه بين البيع و الشراء.

______________________________

ب: ألفاظ القبول

(1) هذا المقام الثاني من مبحث ألفاظ الإيجاب و القبول، و محصّل هذا المبحث على ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو: أنّه لا ينبغي الإشكال في وقوع القبول بلفظ «قبلت» إلى آخر ما في المتن. و اشتراك بعضها لفظيّا أو معنويا غير قادح بعد الاحتفاف بالقرينة المقالية أو الحالية على تعيين المعنى المقصود كما تقدم.

(2) الأوّل مأخوذ من «شريت» بمعنى «بعت» فيكون بمعنى «ابتعت»، و الثاني مقابل «بعت» لفرض كون «شريت» من الأضداد.

(3) قال في مجمع البحرين: «و البيع الإيجاب و القبول» «1» و مقصود المصنف قدّس سرّه أنه مع قول جماعة من اللغويين باشتراك لفظ «البيع» بين البيع و الشراء كيف لم يذكر لفظ «بعت» من ألفاظ القبول إلّا يحيى بن سعيد في جامعه، على ما حكاه السيد العاملي من قوله: «و القبول: قبلت أو شريت، أو بعت» «2».

لكن الموجود في النسخة المطبوعة من الجامع «ابتعت» بدل «بعت» فراجع «3».

______________________________

[1] نفي الإشكال مبنيّ على مذهبه قدّس سرّه من عدم اعتبار ألفاظ خاصة في إنشاء عقد البيع. و أمّا مع اعتبارها فلا يخلو نفي الإشكال عن الغموض كما لا يخفى.

و كيف كان فالبحث فيما أفاده من ألفاظ القبول يقع في ناحيتين:

إحداهما: في انحصار الألفاظ الدالة على القبول و عدمه.

______________________________

(1): مجمع البحرين، ج 4، ص 304

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 152

(3) الجامع للشرائع، ص 246

ص: 400

..........

______________________________

ثانيتهما: في أنّ الأصل في القبول هل يكون أحدها، و الآخر بدله، أم لا؟

أمّا الناحية الأولى فمحصّلها: أنّ مقتضى العبائر التي عرفتها في المتن و غيرها مما لم يذكر عدم الانحصار.

و أمّا الناحية الثانية فمحصّلها عدم ثبوت أصل و بدل في ألفاظ القبول، لأنّ كلّ لفظ لا يصلح للقبول، إلّا إذا دلّ على معنى لا يمكن إنشاؤه ابتداء، سواء أ كان بلفظ «قبلت» أم غيره. و لعلّ المراد بالأصل هو كون الدلالة على المعنى القبولي مطابقة منحصرا بلفظ «قبلت» فتأمّل.

و لا بأس بالنظر إلى بعض كلماتهم في ألفاظ القبول، ففي السرائر «1» ما ظاهره الاقتصار على صيغتي «اشتريت و قبلت» لعدم ذكر غيرهما.

قيل: و قد يدّعى انفهام انحصار ألفاظ القبول فيهما من عبارة الغنية.

و في جواهر القاضي عبد العزيز بن البراج رحمه اللّه: «مسألة: إذا قال المشتري للبائع بعني بكذا، و قال البائع: بعتك هل ينعقد البيع أم لا؟ الجواب: لا ينعقد البيع بذلك، و إنّما ينعقد بأن يقول المشتري بعد ذلك: قبلت أو اشتريت، لأنّ ما ذكرناه مجمع على ثبوت العقد و صحته به، و ليس كذلك ما خالفه. و من ادّعى ثبوته و صحّته بغير ما ذكرنا فعليه الدليل. و أيضا فالأصل عدم العقد، و على من يدّعي ثبوته الدليل» «2».

و في التذكرة: «و القبول من المشتري قبلت أو ابتعت أو اشتريت أو تملّكت» «3».

و في الدروس: «و القبول ابتعت و اشتريت و تملّكت و قبلت بصيغة الماضي» «4».

و في القواعد: «و القبول و هو: اشتريت أو تملّكت أو قبلت».

و في جامع المقاصد في شرح هذه العبارة: «كان الأولى أن يقول: كاشتريت، لأنّ

______________________________

(1): السرائر الحاوي، ج 2، ص 250

(2) جواهر الفقه (ضمن الجوامع الفقهية)، ص 421

(3) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(4) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191

ص: 401

و لعلّ الإشكال فيه (1) كإشكال «شريت» [1]

______________________________

(1) أي: و لعلّ الإشكال في إنشاء القبول بصيغة «بعت» هو قلّة الاستعمال في الإيجاب ب «شريت».

______________________________

ابتعت و نحوه قبول قطعا» «1».

وجه الأولوية: أنّ ظاهر قول العلّامة: «و القبول هو اشتريت .. إلخ» هو الحصر، بخلاف التعبير بقوله: «كاشتريت» فإنّه كالصريح في التمثيل، لا الحصر.

و عن العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه: القطع بعدم الفرق بين الصيغ المؤدّية للمعنى لا عقلا و لا شرعا.

و في الجواهر: «و لو توقف النقل على خصوص اللّفظ المعيّن لزم الاقتصار على بعت و اشتريت و قبلت، و لم يجز غيره، لعدم ثبوته بعينه من نصّ و لا إجماع. و رضيت في القبول أظهر من ملكت و شريت، و أقرب إلى مفهوم قبلت، فكان أولى بالجواز منهما» «2».

و أنت بعد الإحاطة بما ذكرناه من العبائر و غيرها ممّا لم نذكرها تعرف اختلافهم في انحصار ألفاظ القبول في بعض ما ذكر و عدم انحصارها فيه، فلا إجماع على الانحصار، فلا بدّ حينئذ من المشي على طبق القواعد. و هي تقتضي جواز إنشاء قبول البيع بكلّ لفظ يكون ظاهرا في ذلك بحيث يعدّ مبرزا له عند أبناء المحاورة، و يصدق عليه قبول العقد عرفا، فإنّه مع صدق البيع العرفي عليه تشمله العمومات كقوله تعالى:

أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

[1] لا يخفى أنّه بعد البناء على كون الشراء من الأضداد- و بعد وجود القرينة الدالة على إرادة الإيجاب منه- لا ينبغي الإشكال في جواز إنشاء الإيجاب به.

و كذا الإشكال في إنشاء القبول بلفظ «بعت». و غلبة استعماله في إنشاء الإيجاب

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 57

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 247

ص: 402

في الإيجاب (1).

و اعلم أنّ المحكي عن نهاية الأحكام و المسالك «أنّ الأصل في القبول قبلت (2)، و غيره (3) بدل، لأنّ [1] القبول على الحقيقة ممّا لا يمكن به الابتداء، و الابتداء بنحو اشتريت و ابتعت ممكن» «1» و سيأتي توضيح ذلك في اشتراط تقديم الإيجاب.

______________________________

(1) المراد بالإشكال في «شريت» هو ما أفاده المصنف قدّس سرّه عند ذكر لفظ «شريت» بقوله: «و ربما يستشكل فيه بقلة استعماله عرفا في البيع، و كونه محتاجا إلى القرينة المعيّنة، و عدم نقل الإيجاب به في الأخبار و كلام القدماء».

فإشكال «بعت» في القبول- و هو قلّة استعماله فيه عرفا- نظير الإشكال المزبور في «شريت» الذي يستعمل في الإيجاب.

(2) قال في المسالك: «و في الحقيقة: هذه الألفاظ المتقدمة المعدّة قبولا قائمة مقامه، لا نفسه، و إنّما القبول على الحقيقة: قبلت، و هو ممّا لا يصحّ الابتداء به».

(3) يعني: و غير «قبلت» مثل «اشتريت، ابتعت» بدل عن «قبلت» و الدّليل على أصالة هذه و بدليّة ما سواها هو امتناع تقديم «قبلت» على الإيجاب، بخلاف «ابتعت و اشتريت» فإنّ الابتداء بهما ممكن، و لذا عدّوهما من صيغ إيجاب البيع أيضا، فلا تتمحضان في قبوله، إذ ليس القبول مجرّد الرضا بفعل الغير حتى يمكن سبقه عليه، بل هو مطاوعة فعل الغير و متابعته له، و من المعلوم امتناع تقدمه على الإيجاب.

______________________________

لا تمنع عن جواز إنشاء القبول به مع القرينة المعيّنة.

[1] هذا التعليل لا يثبت أصالة «قبلت» فقط، بل مقتضاه أصالة كلّ ما لا يمكن الابتداء به كلفظ «تملّكت، و رضيت» و نحوهما ممّا يتضمن القبول.

______________________________

(1): نهاية الأحكام، ج 2، ص 448، مسالك الأفهام، ج 3، ص 154

ص: 403

ثم إنّ في انعقاد القبول بلفظ الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ و شبهها وجهين (1) [1].

______________________________

(1) لعلّ منشأ المنع عدم كونها صريحة، لعدم وضعها لعنوان القبول مثل لفظ «قبلت» و لا لعنوان طرف المعاملة ك «اشتريت» و قد اشترطوا الصّراحة في ألفاظ العقود، مع عدم تصريح منهم بوقوع القبول بها، فلا ينعقد بها.

و منشأ الانعقاد أنّ الظاهر اعتبار الصراحة في خصوص ألفاظ الإيجاب دون القبول، و لذا يكتفى فيه بلفظ «قبلت» من دون ذكر المفعول و هو البيع، للاستغناء عنه بالاقتران بلفظ الإيجاب «كبعت» فإنّ الاقتران المزبور قرينة مقاميّة على إرادة القبول من لفظ «رضيت و أنفذت» و نحوهما أيضا، لدلالة الاقتران على كون مضمونه تابعا للإنشاء الإيجابي.

______________________________

[1] قال السيد قدّس سرّه في حاشيته: «الظاهر أنّ وجه الإشكال استعمال هذه الألفاظ غالبا في مقام إمضاء العقد الواقع مع إيجابه و قبوله كما في إجازة الفضولي، و إجازة المرتهن بيع الراهن، و إمضاء الورثة تصرّف الميت في الزائد عن الثلث، و هكذا. و لكنّ الحق كفايتها في القبول بعد مساعدة معناها عليه، إذ لا فرق بينها و بين لفظ رضيت كما لا يخفى» «1».

أقول: فيه أوّلا: أنّ عطف «و إمضاء الورثة .. إلخ» على قوله: «في إجازة الفضولي ..

إلخ» غير سديد، لأنّ الوصية بالزائد عن الثلث ليست عنده قدّس سرّه من العقود حتى يكون إمضاء الورثة تنفيذا للعقد، حيث قال ما لفظه: «الوصية العهدية لا تحتاج إلى القبول، و كذا الوصية بالفكّ كالعتق. و أمّا التمليكية فالمشهور على أنّه يعتبر فيها القبول جزءا.

و عليه تكون من العقود. أو شرطا على وجه الكشف أو النقل، فيكون من الإيقاعات.

و يحتمل قويّا عدم اعتبار القبول فيها، بل يكون الرّد مانعا. و عليه تكون من الإيقاع

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 87

ص: 404

______________________________

الصريح .. إلخ» «1».

و مع عدم كون الوصية من العقود لا يصح جعلها من العقود التي يتعقّبها الإمضاء و الإنفاذ، لكونها حينئذ من الإيقاعات.

و ثانيا: أنّ جعل منشأ الإشكال غلبة استعمال هذه الألفاظ في مقام إمضاء العقد الواقع مع إيجابه غير وجيه، لعدم صلاحية مجرّد غلبة الاستعمال للمنع عن إنشاء القبول بتلك الألفاظ بعد مساعدة معانيها على صحة إنشائه بها.

و لعلّ غرضه قدّس سرّه من غلبة الاستعمال هو كون مورد أدلة الإمضاء المعاملات المتداولة بين العقلاء، فكلّ ما هو المتداول بينهم يكون مورد الأدلّة، هذا.

لكن يرد عليه: أنّ التداول لا يمنع عن شمول أدلة الإمضاء لغير الغالب بعد كونه عرفيّا أيضا و إن كان نادرا عندهم، فمجرّد الغلبة لا يوجب انصراف أدلة الإمضاء عن النادر.

فالأولى توجيه الاشكال بخفاء دلالتها على القبول، فتدبّر.

و قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «لا ريب في أنّ عنوان الإمضاء و الإجازة و الإنفاذ لا يتعلق إلّا بما له مضيّ و جواز و نفوذ. و ما يترقّب منه ذلك هو السبب التام و هو العقد، لتقوّم السبب المترقّب منه التأثير في الملكية بالإيجاب و القبول معا، فلا معنى للتسبّب بقوله: أمضيت و أجزت و أنفذت إلّا في مثل العقد الفضولي، لا بالإضافة إلى الإيجاب فقط إلّا بنحو الكناية، لأنّ النفوذ و الجواز و المضي لازم تحقق العقد بلحوق القبول للإيجاب، فيكون القبول المتمّم للسبب ملزوما للنفوذ و المضي و الجواز. فيظهر الرّضا بالإيجاب- و هو الملزوم- بإنشاء لازمه و هو النفوذ مثلا من حيث إنّه لازم تمامية السبب بالقبول، و إظهار الرّضا بالإيجاب، فيبتني وقوع تلك الألفاظ موقع القبول على جواز العقد بالكناية.

مضافا إلى ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في محلّه من أنّ النفوذ و المضي و شبههما

______________________________

(1): العروة الوثقى، ج 2، ص 877، كتاب الوصية: المسألة الأولى.

ص: 405

______________________________

معان منتزعة من تأثير السبب أثره، لا أنّها أمور إنشائية يتسبّب بوجوداتها الإنشائية الى وجوداتها الحقيقيّة. و تمام الكلام فيه في محله» «1».

و فيه: أنّ عنوان الإمضاء و الإجازة لا ينحصر تعلّقهما بما فيه مضيّ و نفوذ بنحو السببية التامة كالعقد المتقوم بالإيجاب و القبول كما هو صريح قوله قدّس سرّه: «و ما يترقّب منه ذلك هو السبب التام و هو العقد» لأنّ هذه الألفاظ تستعمل كثيرا مع عدم كون متعلّقها سببا تامّا للتأثير كإمضاء أحد الورثة العقد الخياري الذي أوقعه مورّثهم، فإنّ الخيار موروث لجميع الورثة، و إمضاء أحدهم لا يتعلق بسبب تام للتأثير، بل تمامية العقد في التأثير اللزومي منوطة بإمضاء سائر الورثة.

و كحدّ القذف الذي يرثه الوراث، فإن عفى بعضهم لم يسقط حقّ الآخرين.

و سائر الحقوق الموروثة مع تعدّد الوارث و إنفاذ البعض.

و بالجملة: فالإمضاء و نحوه لا ينحصر تعلّقه بالسبب التّام، بل لا معنى لتعلقه به مع فرض إناطة تأثيره بالإمضاء، لأنّه خلاف سببيّته التامة.

فالأولى أن يقال: إنّ الإمضاء يتعلّق بما فيه اقتضاء التأثير و إن تعلّق بالإيجاب، فإنّ إمضاءه من القابل عبارة عن إيجاد القبول الذي هو جزء السبب المؤثّر، فالإنفاذ في العقود و الإيقاعات نظير الإيجاب في الواجبات، فإنّ الموجب قد يسدّ جميع أبواب عدم واجب كالواجب التعييني، و قد يسدّ بعض أبواب عدم واجب كالواجب التخييري، فإنّ المشرّع يسدّ أبواب عدمه إلّا عدمه الناشئ عن وجود عدله، كسدّ أبواب عدم أحد الإبدال في الكفارة إلّا عدمه الناشئ عن وجود غيره من الأبدال.

ففي المقام يكون الإنفاذ كذلك، فإمضاء الإيجاب لازم وجود القبول، فدلالته على القبول تكون من باب الكناية، لدلالة «أمضيت» و نحوه على اللازم- أعني النفوذ- مطابقة، و على الملزوم و هو تحقق القبول بالالتزام، لدلالة اللازم على الملزوم، كدلالة كثرة الرّماد على الملزوم أعني الجود. فما أفاده المحقق المتقدم قدّس سرّه من كون دلالة هذه الألفاظ على القبول بالكناية في محله.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 68

ص: 406

فرع: لو أوقعا العقد بالألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول (1)، ثم اختلفا في تعيين الموجب و القابل، إمّا (2) بناء على جواز تقديم القبول، و إمّا من جهة اختلافهما في المتقدم، فلا يبعد الحكم بالتحالف (3)، ثم عدم ترتب الآثار المختصة.

______________________________

(1) كلفظ «بعت» فإنّه بناء على ما عن ابن سعيد قدّس سرّه يجوز إنشاء قبول البيع به.

و يؤيّده- بل يدلّ عليه- ما تقدّم من كونه من الأضداد، فيستعمل لفظ «بعت» في كلّ من البيع و الشراء. و كلفظ «شريت» المستعمل في كليهما.

(2) غرضه بيان منشأ الاختلاف، و هو أحد أمرين:

الأوّل: عدم لزوم تقديم الإيجاب، فيختلف المتعاقدان، و يدّعي البادي بالإنشاء بقوله: «شريت» أنّه أراد القبول، لعدم لزوم تقديم الإيجاب عليه، و يدّعي غيره أنّك أردت الإيجاب، أو بالعكس.

الثاني: أنّه يجب تقديم الإيجاب على القبول، غاية الأمر أنّهما يتنازعان في المتقدم، و أن البادي بالإنشاء هل هو هذا أم ذاك؟

ثم إنّ هذا النزاع لا يختص بما إذا وقع العقد بالألفاظ المشتركة، بل يعمّ ما إذا وقع بالألفاظ المختصة، بأن يختلفا في أنّ المتلفّظ بصيغة الإيجاب هذا أو صاحبه؟ فلا يترتب هذا النزاع على إيقاع العقد بخصوص الألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول.

(3) لأنّ كلّا منهما مدّع و منكر، حيث إنّه يدّعي كلّ منهما أنّه مشتري الحيوان، و ينكره الآخر.

و توضيح ما أفاده: أنّ الأثر يترتّب تارة على كلّ من الدعويين، كما إذا كان العوضان حيوانين كفرس و غنم، و ادّعى كلّ منهما أنّه مشتر ليثبت له خيار الحيوان بناء على اختصاصه بالمشتري، فيدّعي صاحب الفرس أنّه اشترى الغنم بالفرس، فهو مشتر، و الغنم مبيع، و يثبت له الخيار. و يدّعي صاحب الغنم أنّه اشترى الفرس بالغنم، فالمبيع هو الفرس، و يكون له خيار الحيوان.

و الحكم حينئذ التحالف، لأنّ كلّا منهما مدّع للشراء و منكر للبيع، فكلّ منهما مدّع و منكر، و في مثله يجري التحالف.

ص: 407

[المبحث الثالث: اعتبار العربية]

مسألة (1):

______________________________

و أخرى يترتب الأثر على إحدى الدعويين، كما إذا كان أحد العوضين حنطة و الآخر غنما، فيدّعي أحد المتبايعين أنّه اشترى الغنم بالحنطة، فهو المشتري، و الغنم مبيع. و يدّعي الآخر أنّ الغنم ثمن، و باع الحنطة به، فلا خيار لمن انتقل إليه الحيوان.

و بالجملة: فالتحالف المذكور في المتن متّجه في الصورة الأولى، دون الصورة الثانية التي هي من باب المدّعي و المنكر، فإطلاق التحالف ممنوع.

و عليه فالإشكال الوارد على المتن أمران، أحدهما: حكمه قدّس سرّه بإطلاق التحالف. ثانيهما: جعل هذا الفرع متفرّعا على إنشاء العقد بالألفاظ المشتركة، مع أنّك عرفت عدم اختصاص النزاع بالألفاظ المشتركة.

المبحث الثالث: اعتبار العربية

(1) هذا إشارة إلى المبحث الثالث من الجهة الأولى- الباحثة عن خصوصيات موادّ العقود- و هو مسألة اعتبار العربية فيها، و قد نقل المصنف قدّس سرّه عنهم أدلة ثلاثة على الاعتبار و ناقش فيها، ثم ذكر فروعا ثلاثة رتّبوها على شرطية العربية.

و محصّل ما أفاده في أصل الاشتراط هو: أنّ المنسوب إلى جماعة من الفقهاء اعتبار العربية في العقد، لوجوه:

أحدها: التأسّي بالنبي و الأئمة عليهم الصلاة و السلام، حيث كان دأبهم على إنشاء العقود و الإيقاعات بالألفاظ العربية كما لا يخفى على المتتبع. هذا بحسب الصغرى.

و أمّا من حيث الكبرى فلا ريب في حجية فعلهم كحجية قولهم و تقريرهم عليهم الصلاة و السلام.

و على هذا فالتأسّي بهم عليهم الصلاة و السلام يقضي بإنشاء المعاملات بالعربيّة دون اللغات الأخرى الّتي لم تؤثر من الشارع الأقدس.

ثانيها: ما عن تعليق الإرشاد من: أنّ عدم صحة العقد بالعربي غير الماضي- كقوله: أبيعك أو: أنا بائع- يستلزم عدم صحة العقد بغير العربي بالأولوية، لكونه

ص: 408

المحكيّ عن جماعة منهم السيد عميد الدين و الفاضل المقداد و المحقق و الشهيد الثانيان (1): اعتبار العربية في العقد (2)، للتأسّي كما في جامع المقاصد (3)، و لأن (4) عدم صحته بالعربي غير الماضي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطريق أولى.

و في الوجهين ما لا يخفى (5).

______________________________

فاقدا لكلّ من العربية و الماضوية، فعدم صحة فاقد إحداهما يستلزم عدم صحة فاقد كلتيهما بالأولوية كما لا يخفى.

(1) الحاكي لكلمات هذه العدّة- عدا الفاضل المقداد، إذ لم ينسب إليه اعتبار العربية- هو السيد الفقيه العاملي «1»، فراجع.

(2) المراد بالعقد هو البيع و نحوه، و أمّا النكاح فقد ادّعى شيخ الطائفة و العلّامة قدّس سرّهما اشتراطه بالعربية.

(3) قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «لأنّ الناقل هو الألفاظ المخصوصة، و غيرها لم يدلّ عليها دليل، و معلوم أنّ العقود الواقعة في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام إنّما كانت بالعربية».

و قال الفاضل الأصفهاني: «لأنّ العقود متلقّاة من الشارع مع الأصل» «2».

(4) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المذكور بقولنا عن تعليق الإرشاد: «ثانيهما عدم صحة العقد .. إلخ».

(5) إذ في أوّلهما: أنّ مجرّد عدم تلفّظهم عليهم السّلام- في مقام إنشاء العقود و الإيقاعات- إلّا باللغة العربية لا يدلّ على عدم جواز إنشائها باللّغات الأخر، لقوّة

______________________________

(1): لاحظ كلام السيد عميد الدين و المحقق الثاني في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 162، و النسبة إلى المحقق و الشهيد الثانيين في ص 164. و لاحظ كلام الفاضل المقداد في التنقيح، ج 2، ص 184 و ج 3، ص 7. و كلام المحقق الثاني في جامع المقاصد ج 4، ص 60، و ج 12 ص 74، و كلام الشهيد الثاني في بيع الروضة البهية، ج 3، ص 225، و في نكاح المسالك، ج 7، ص 95.

(2) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 7

ص: 409

و أضعف (1) منهما منع صدق العقد على غير العربي مع التمكّن من العربي، فالأقوى (2) صحّته بغير العربي.

______________________________

احتمال أن يكون اقتصارهم على اللّغة العربية لأجل عدم الابتلاء باللّغات الأخر، لا لأجل التشريع الموجب للاقتصار على العربي، حتى يكون من قبيل مناسك الحج الصادرة منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الثابت كونها في مقام التشريع بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «خذوا عنّى مناسككم».

و عليه فلا يصلح التأسّي المزبور لتقييد إطلاقات الصحة و النفوذ الشاملة لغير العربي.

و في ثانيهما: منع الاستلزام المزبور، لأنّ غير الماضي بعيد عن معنى الإنشاء، بخلاف غير العربي المستعمل في مقام إنشاء العقد على طبق قواعد تلك اللغة.

(1) هذا إشارة إلى ثالث الوجوه التي استدلّ بها على اعتبار العربية في العقد، و حاصله: منع صدق العقد على ما ينشأ بغير العربي مع التمكّن من العربي، فالصدق منوط بالعربية، هذا.

و ضعفه في غاية الوضوح، لمخالفته للوجدان، بداهة صدق العقد العرفي على كل ما يصح عرفا إنشاؤه به، و عدم تقوّم مفهوم العقد بإنشائه بالعربية، و عدم اعتبار العربية في إنشائه عقلا أو شرعا، فعمومات أدلّة الإمضاء تشمل المنشأ بغير العربي، كشمولها للمنشإ بالعربي.

و بعبارة أخرى: العقد هو الالتزامان المرتبطان بلا فرق بين كون المتعاقدين عربيين أو عجميّين أو مختلفين، و من المعلوم أنّ الالتزام أمر نفساني لا ربط له باللسان حتى يختص بأهل لغة دون أخرى.

(2) هذا متفرّع على بطلان الوجوه الثلاثة المستدلّ بها على اعتبار العربية، و حاصله: صحة العقد بغير العربية، لأنّها مقتضى إطلاقات الصحة. و نسب ذلك إلى المشهور، لعدم تعرض الأكثر لهذا الشرط، و إنّما تعرّض له جماعة، و هم بين مثبت له و ناف.

ص: 410

و هل يعتبر عدم اللحن (1) من حيث المادّة (2) و الهيئة (3) بناء على اشتراط العربي؟ الأقوى ذلك (4) بناء على أنّ دليل اعتبار العربية هو لزوم الاقتصار على المتيقّن من أسباب النقل.

و كذا (5) اللّحن في الإعراب. و حكي (6) عن فخر الدين «الفرق بين ما لو قال: بعتك بفتح الباء، و بين ما لو قال: جوّزتك بدل زوّجتك، فصحّح الأوّل دون الثاني، إلّا مع العجز عن التعلم و التوكيل».

______________________________

(1) هذا الفرع الأوّل من فروع اعتبار العربية، و حاصله: أنّه بناء على اعتبار العربية هل تعتبر مطلقا- أي من حيث المادة و الهيئة و الإعراب- أم لا، أم يفصّل بين ألفاظ الإيجاب و القبول بالاعتبار فيها، و بين غيرها كالمتعلّقات بعدم الاعتبار فيها؟ فيه وجوه بل أقوال.

(2) كإنشاء النكاح بقوله: «جوّزت» بدل «زوّجت» لاختلاف مادتي الجواز و الزواج.

(3) كالإنشاء بلفظ «أبيع و بائع» لتعدد الهيئة مع وحدة المادة.

(4) أي: الاعتبار، بناء على كون الدليل في اشتراط العربية هو الاقتصار على المتيقّن من أسباب النقل، فيجري فيما عداه أصالة عدم ترتب الأثر.

(5) هذا الفرع من فروع اعتبار العربيّة، يعني: و كذا يعتبر عدم اللّحن في الإعراب بناء على استناد اعتبار العربية إلى المتيقن من أسباب النقل، فإذا قال: بعت- بفتح التاء ليكون للخطاب- لم ينعقد به البيع، و كذا إذا قال المشتري: «اشتريت أو قبلت» بفتح التاء أو كسرها.

(6) الحاكي هو السيد العاملي قدّس سرّه «1»، و غرضه حكاية التفصيل في الصحة و عدمها بين اللحن المادّي و الصّوري، فقيل بالصحة في الثاني دون الأوّل، إلّا مع العجز عن التعلّم و التوكيل، فقوله: «بعتك» صحيح، دون «جوّزتك» بدل «زوّجتك».

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 163 و 164

ص: 411

و لعلّه (1) لعدم معنى صحيح في الأوّل إلّا البيع، بخلاف التجويز، فإنّ له معنى آخر، فاستعماله في التزويج غير جائز.

و منه (2) يظهر أنّ اللغات المحرّفة (3) لا بأس بها إذا لم يتغيّر بها المعنى (4).

ثم (5) هل المعتبر عربيّة جميع أجزاء الإيجاب و القبول كالثمن و المثمن، أم يكفي عربيّة الصيغة الدالّة على إنشاء الإيجاب و القبول؟ حتى لو قال: «بعتك إين كتاب را به ده درهم» كفى.

______________________________

(1) أي: و لعلّ الفرق بين اللحن المادي و الصوري. لمّا كان يتوجه على فخر المحققين قدّس سرّه سؤال الفرق فيما حكي عنه بين «بعتك» و بين ما لو قال: «جوّزتك» بدل «زوّجتك» حيث حكم بصحة العقد بالأوّل دون الثاني مع اشتراكهما في اللحن، غاية الأمر أنّه في الأوّل صوري و في الثاني مادّي، تعرّض المصنف قدّس سرّه لإبداء الفرق بينهما بما حاصله: أنّه ليس للأوّل معنى صحيح إلّا البيع، فهو مراد من أنشأ البيع به، بخلاف الثاني، فإنّ له معنى آخر صحيحا مغايرا للنكاح، فلا يجوز استعماله في التزويج، إذ ليس مبرزا حينئذ للاعتبار النفساني من التزويج، بعد فرض المغايرة بينهما.

(2) أي: و من عدم قدح اللحن الصّوري في صحة الإنشاء يظهر أنّه لا بأس بالإنشاء باللّغات المحرّفة، ما لم تغيّر المعنى، حيث إنّها مع هذا التحريف لا تخرج عن كونها موجده أو مبرزة للاعتبارات النفسانية. و كذا الحال في الوصل بالسكون و الوقف بالحركة و نحوهما ممّا لا يوجب تغييرا في المعنى المقصود.

(3) المراد باللغة المحرّفة هي الكلمة التي تتغيّر فيها هيئتها بتضعيف حرف مخفّف أو بالعكس، أو ضمّ الحرف المفتوح و نحوهما.

(4) بخلاف ما إذا تغيّر المعنى، «كقبّلت» فإنّ معناه غير معنى: «قبلت» بالتخفيف.

(5) هذا الفرع الثالث من فروع اعتبار العربية، و محصّله: أنّه هل تعتبر العربيّة

ص: 412

و الأقوى هو الأوّل (1)، لأنّ (2) غير العربي كالمعدوم، فكأنّه لم يذكر في الكلام (3).

نعم (4) لو لم يعتبر ذكر متعلّقات الإيجاب- كما لا يجب في القبول (5)- و اكتفى بانفهامها و لو من غير اللفظ صحّ الوجه الثاني (6).

______________________________

في كل جزء من أجزاء الإيجاب و القبول؟ فلا بد أن يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب بدينار» مثلا، و يقول المشتري «قبلت بيع الكتاب بدينار» أم لا يعتبر ذلك، و إنّما المعتبر عربيّة نفس صيغتي الإيجاب و القبول، و إن كان غيرهما فارسيّا أو غيره من اللغات، فلو قال: «بعتك إين كتاب را به ده درهم» و قال المشتري: «قبلت بيع إين كتاب را به ده درهم» كفى.

(1) و هو اعتبار العربية في جميع أجزاء الإيجاب و القبول.

(2) تعليل لقوله: «و الأقوى هو الأوّل» و حاصله: أنّ الثمن و المثمن من أجزاء العقد و من مقوّماته، و الإنشاء لا يحصل إلّا بالمجموع، بحيث لا يصدق على الخالي عنهما اسم العقد حتى تشمله العمومات و الإطلاقات، و لا أقلّ من الشك.

(3) و لعلّ وجهه كما في بعض الكلمات هو أنّه لا يلزم منه الفصل بين الإيجاب و القبول بالأجنبي، لأن تلك المتعلقات مرتبطة معنى بالصيغة التي أنشئ بها العقد و إن لم يكن الكلام جاريا على قانون الاستعمال.

(4) استدراك على قوله: «الأقوى هو الأوّل» و غرضه إقامة الدليل على قوله:

«أم يكفي عربية الصيغة» و حاصله: أنّ في مسألة اشتراط صحة العقد بذكر متعلقاته وجهين، فبناء على الاشتراط لا بدّ من ذكر المتعلّقات بالعربيّة كنفس الصيغة. و بناء على عدم الاشتراط يجوز ذكرها بالفارسية، فالمسألة مبنائيّة.

(5) لظهوره في كونه قبولا لما أنشأه الموجب، فلا موجب لإعادتها في القبول لأنّ المتعلقات من أجزاء الصيغة.

(6) و هو كفاية عربيّة نفس الصيغة الدالّة على إنشاء الإيجاب و القبول، و من

ص: 413

لكنّ (1) الشهيد رحمه اللّه في غاية المراد «1» في مسألة تقديم القبول نصّ على وجوب ذكر العوضين في الإيجاب [1].

______________________________

المعلوم أنّه بناء على عدم اعتبار ذكر متعلّقات الإيجاب- كعدم اعتباره في القبول- لا ينبغي الإشكال في كفاية العربية في الإيجاب و القبول، و عدم الحاجة إلى ذكر المتعلقات بالعربية.

(1) فعلى هذا يجب ذكر العوضين في الإيجاب باللغة العربية. و لعلّ وجهه ما عرفت آنفا عند شرح قوله: «لأن غير العربي كالمعدوم» فيجب ذكر العوضين، لأنّهما ركنان في المعاوضات، كركنيّة الزوجين في النكاح. و مقتضى الاقتصار على المتيقن هو ذكرهما بالعربية.

______________________________

[1] ينبغي تفصيل البحث في اعتبار العربية في صيغ العقود في مقامين:

الأوّل: فيما عدا النكاح من العقود اللازمة، سواء أ كانت بيعا أم غيره.

و الثاني: في عقد النكاح.

أمّا المقام الأوّل فمحصّله: أن المنسوب إلى المشهور عدم اعتبار العربية في صيغ العقود اللازمة، خلافا لجماعة، حيث إنّهم ذهبوا إلى اعتبار العربية فيها، لوجوه:

الأوّل: الأصل.

الثاني: التأسّي.

الثالث: أنّ عدم صحة العقد بالعربي غير الماضي يستلزم عدم صحّته بغير العربي بالأولويّة، لكون غير العربي فاقدا لقيدي العربية و الماضوية معا.

الرابع: أنّ غير العربي غير صريح، فهو من قبيل الكنايات التي وقع المنع عن استعمالها في العقود في كلمات الفقهاء. و هذا الوجه يظهر من كلام العلّامة في التذكرة لأنّه بعد الحكم فيها بعدم الانعقاد بغير العربية عند علمائنا قال: «و هو قولا الشافعي و أحمد، لأنّه عدل عن النكاح و التزويج مع القدرة، فصار كما لو عدل إلى البيع و التمليك

______________________________

(1): غاية المراد، ص 81

ص: 414

______________________________

و قال أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي أيضا: إنّه ينعقد اعتبارا بالمعنى» «1».

الخامس: أنّ العقد بغير العربيّة لا يصدق عليه أنّه عقد.

و زاد بعضهم أنّ غير العربية من اللغات ليست لغة، لأنّ غير العرب أعجم، و الأعجم هو من لا لسان له، هذا.

و أنت خبير بما في الكل.

إذ في الأوّل- و هو الأصل- أنّه لا أصل له مع الدليل، و هو عموم ما دلّ على نفوذ العقود و البيع و التجارة، فإنّ صدق هذه العناوين عرفا على ما ينشأ بغير الألفاظ العربية ممّا لا يمكن إنكاره، و مع هذا الصدق كيف يصح التمسك بأصالة الفساد؟

و في الثاني: أنّ التأسّي إنّما يصح في الأفعال الواردة في مقام التشريع كأفعال الصلاة و الحج، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» و «خذوا عنّي مناسككم».

و أمّا إذا ورد فعل بعد ورود دليل عام على صحة شي ء، ثم صدر عمل يكون مصداقا لموضوع ذلك الدليل، فلا وجه للزوم التأسّي حينئذ حتّى يقال بانحصار المصداق فيما صدر عن التشريع كما في المقام، فإنّ عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و نحوه يشمل العقد المنشإ بالعربي و الفارسي، فصدور العقود العربيّة منهم عليهم السّلام لا يدلّ على انحصار العقود النافذة بما أنشئ باللفظ العربي حتى يجب التأسّي.

و في الثالث: أنّ الماضي لا يختص باللغة العربية حتى يكون غير العربي فاقدا لقيدين، فلا أولوية في البين، بل هما سيّان، لكون كل واحد منهما فاقدا لقيد و واجدا له.

و في الرابع: أن كون غير العربي من الكنايات ممنوع أشدّ المنع، بداهة أنّ ترجمة لفظ «بعت» مثلا و هي بالفارسية «فروختم» كنفس «بعت» تدلّ بالوضع على معنى البيع في الزمان.

و لعل المستدل زعم أنّ الماضي مختص باللغة العربية، و هو معلوم الفساد، هذا.

و في الخامس: أنّ تقوّم العقد بالعربية مما يعلم بالضرورة خلافه، لصدق العقد العرفي على ما ينشأ بغير العربية من اللغات، فإنّ التشكيك في صدقه عليه خلاف

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 582

ص: 415

______________________________

الضرورة و ما عليه العقلاء.

بل دعوى انصراف العقود إلى المعهودة توجب القطع بعدم اعتبار العربية فيها، لكون العقود المتعارفة عند كلّ ملّة منشأة بلغاتهم المختلفة.

و يظهر مما تقدّم ضعف احتمال عدم كون غير العربية لغة.

فتلخص مما ذكرناه: عدم دليل على اعتبار العربية فيما عدا النكاح من العقود اللازمة حتى تخصّص به عمومات أدلة النفوذ، فلو شكّ في اعتباره فمقتضى العمومات عدمه، فيصحّ إنشاء العقود اللازمة غير النكاح بكلّ لغة، لصدق العقد عرفا عليها، و عدم اعتبار العربية فيها شرعا كما لا يخفى.

و أمّا المقام الثاني: و هو عقد النكاح ففي اعتبار العربية فيه خلاف. قال في المبسوط: «فإن عقدا بالفارسية، فإن كان مع القدرة على العربية فلا ينعقد بلا خلاف، و إن كان مع العجز فعلى وجهين: أحدهما، يصحّ، و هو الأقوى، و الثاني: لا يصح. فمن قال: لا يصحّ قال: يوكّل من يقبلها عنه، أو يتعلّمها. و من قال: يصحّ، لم يلزمه التعلم. و إذا أجيز بالفارسية احتاج إلى لفظ يفيد مفاد العربية على وجه لا يخلّ بشي ء منه فيقول الولي: اين زن را به تو دادم به زني، و معناه هذه المرأة زوّجتكها، و يقول الزوج: پذيرفتم به زني، يعني: قبلت هذا النكاح» «1».

و قال العلّامة قدّس سرّه في نكاح التذكرة: «لا ينعقد إلّا بلفظ العربية مع القدرة، فلو تلفّظ بأحد اللفظين- يعني: أنكحت و زوّجت- بالفارسية أو غيرها من اللغات غير العربية مع تمكّنه و معرفته بالعربية لم ينعقد عند علمائنا .. إلى أن قال: و أمّا إذا لم يحسن العربية، فإن أمكنه التعلم وجب، و إلّا عقد بغير العربي للضرورة» «2».

و قال المحقّق قدّس سرّه: «و لا يجوز العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما بغير

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 194

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 582

ص: 416

______________________________

العربية إلّا مع العجز عن العربية» «1».

و عن حاشية المحقق الثاني عليها: «لا ريب في وقوع عقد النكاح بالعربية، فيبطل لو وقع بغيرها. و المراد بالعربي ما يكون لفظه باعتبار مادّته و صورته. و لو غيّر بنية الكلمة أو لحن في إعرابها لم ينعقد مع القدرة على العربي، كما لو أتى بالترجمة مع العلم بلسان العرب. أمّا لو لم يكن عالما بذلك و لم يمكنه التعلم أو أمكنه بمشقّة العادة فإنّه يكفيه الإيقاع بمقدوره و إن تمكّن من التوكيل. و كذا كلّ موضع يعتبر فيه اللفظ العربي».

و في القواعد: «و لا يصحّ بغير العربية مع القدرة، و يجوز مع العجز» «2».

و قال المحقق الثاني في شرحه: «فلا ينعقد النكاح و غيره من العقود اللازمة بغيره من اللغات كالفارسية، مع معرفة العاقد، و تمكّنه من النطق، ذهب إلى ذلك أكثر الأصحاب. و قال ابن حمزة: إن قدر المتعاقدان على القبول و الإيجاب بالعربية عقدا بها استحبابا. و الأصحّ الأوّل، لما قلناه» «3».

أقول: الذي يتحصل من الكلمات: أن في المسألة صورا:

الأولى: التمكن فعلا من إنشاء النكاح بالعربي كالعالم باللغة العربية.

الثانية: العجز عن ذلك فعلا مع التمكن من التعلم أو التوكيل.

الثالثة: العجز منهما معا.

أمّا هذه الصورة الأخيرة فقد ذكروا فيها عدم الخلاف و الإشكال في صحة العقد فيها بغير العربية، و قالوا: إن مثلها ما لو عجز عن التعلّم وحده مع التمكّن من التوكيل، لأصالة عدم وجوب التوكيل. و إليه يشير إطلاق كلام العلامة: «و أمّا إذا لم يحسن العربية فإن أمكنه التعلم وجب و إلّا عقد بغير العربي للضرورة» و أمّا الصورة الثانية فمقتضى الكلام المتقدم عن الشيخ في المبسوط: أنّ فيها قولين:

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 273

(2) قواعد الأحكام، ص 147 (الطبعة الحجرية).

(3) جامع المقاصد، ج 12، ص 74

ص: 417

______________________________

أحدهما: أنه يصح بغير العربي، و لا يجب التعلم و لا التوكيل.

و الآخر: أنّه لا يصح بغير العربي، فيجب التعلم أو التوكيل.

و يستدلّ للأوّل- بعد البناء على اعتبار العربية في العقد- بأصالة البراءة عن وجوب التعلم و التوكيل، فيأتي بمقدوره الذي يصدق عليه العقد قطعا، فيجب الوفاء به، لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و برفع الحرج كما في كشف اللثام «1». و بفحوى الاجتزاء بإشارة الأخرس كما في كشف اللثام أيضا، حيث إنّ اللفظ غير العربي أولى من الإشارة.

و لعدم نصّ يدلّ على الأمر بالعربية، كما فيه أيضا.

و الظاهر أنّ مراده قدّس سرّه وجود أمارة على عدم اعتبار العربية، لأنّ عموم الابتلاء به يقتضي بيان المعصومين عليهم السّلام له، فعدم بيانهم عليهم السّلام- مع شدة الحاجة إليه- دليل على عدم اعتبار العربية كما هو الشأن في كلّ ما يعمّ به البلوى، هذا.

و أيّده الجواهر «بعدم عثوره على الخلاف في جواز العقد بغير العربي للعاجز عنه و لو مع التمكن من التوكيل. فما عن بعضهم من الإكتفاء بذلك مع العجز عن التوكيل لا يخلو من نظر» «2». انتهى ملخّصا.

و في الكلّ ما لا يخفى.

إذ في الأوّل: أنّه بناء على اعتبار العربية فإن كان له إطلاق بحيث يكون ظاهرا في الشرطية المطلقة فيجب التعلم، و لا مجال للبراءة. و إن لم يكن له إطلاق فيتشبّث في ذلك بإطلاق أدلة نفوذ العقود الذي هو دليل اجتهادي. و معه لا تصل النوبة إلى أصل البراءة كما لا يخفى.

و في الثاني- بعد فرض جريانه في الأحكام الوضعية كما هو الأصحّ- أنّه أخص من المدّعى.

و في الثالث: أنّه لا مجال للأولوية في الأحكام التعبديّة، لعدم خروجها عن

______________________________

(1): كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 7

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 250 و 251

ص: 418

______________________________

القياس الممنوع إعماله في الأحكام الشرعية.

و في الرابع: أنّه و إن كان متينا في نفسه، لكنه ينافي ما بنى عليه من اعتبار العربية في العقد.

و أمّا الصورة الأولى- و هي التمكن الفعلي من إنشاء النكاح بالعربي كالعالم باللغة العربية- فقيل: إنّه لا ريب في مصير الأكثر و المعظم إلى اعتبار العربية فيها، بل لم يحصل لنا دراية و لا رواية عثور على مخالف في المسألة عدا أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة، فإنه قال في كتاب النكاح من الوسيلة: «و إن قدر المتعاقدان على القبول و الإيجاب بالعربية عقدا بها استحبابا. و إن عجزا جاز بما يفيدها من اللغات» «1» و مراده بالاستحباب إمّا الاحتياط الاستحبابي و إن كان خلاف الظاهر، و إمّا استحباب التبرّك بألفاظ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ثمّ استدلّوا على اعتبار العربية مع التمكن فعلا منها بوجوه خمسة تقدمت في المقام الأوّل.

و زادوا عليها وجها سادسا، و هو: أنّ الاحتياط في الفروج يقتضي اعتبار العربية، ذكره في كشف اللثام «2».

و جوابه: أنّ الاحتياط أصل عملي، و إطلاق الأدلة النافي لاعتبار العربية دليل اجتهادي، و معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

التحقيق أن يقال: إنّ النكاح من الأمور العقلائية المتداولة بين الناس، كما يرشد إليه قولهم عليهم السّلام: «لكل قوم نكاح» و عدم كونه من الماهيات المخترعة، فكل ما يصدق عليه عنوان النكاح يندرج في إطلاق أدلة نفوذ النكاح، و تقييده بالعربية منوط بدليل مفقود. و لو سلّم فإنّما هو بالنسبة إلى القادر فعلا على العربية، و إن كان ذلك مخدوشا أيضا، لأنّه ليس إلّا الإجماع المدّعى، مع مخالفة ابن حمزة في الوسيلة. و مع احتمال

______________________________

(1): الوسيلة ضمن الجوامع الفقهية، ص 752

(2) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 7

ص: 419

______________________________

استنادهم إلى الوجوه المذكورة التي قد عرفت حالها.

و مخالفة كلام المحقق الثاني، حيث قال: «ذهب إلى ذلك أكثر الأصحاب» لقول العلّامة: «لم ينعقد عند علمائنا» فإن الظاهر من الأوّل عدم الاتفاق، و ظاهر الثاني الاتّفاق، لظهور «عند علمائنا» في الإجماع كما قرر في محلّه.

و مع الغض عن ذلك فالمتيقن منه هو صورة القدرة فعلا على الإنشاء العربي، فيقيّد الإطلاق بهذه الصورة فقط.

و بالجملة: فكل لفظ يكون مبرزا للاعتبار النفساني- المعبّر عنه بالزواج و النكاح و نظائرهما- يشمله إطلاق أدلة صحة النكاح، لكونه عقدا عرفيا. فالقول بعدم اعتبار العربية مطلقا حتى بالنسبة إلى القادر عليها فعلا- لعدم دليل معتدّ به على تخصيص عموم أدلة وجوب الوفاء بالعقود- هو الأقوى، و إن كان الأحوط شديدا مراعاتها للقادر عليها، و اللّه العالم.

ثم إنّه على تقدير اعتبار العربية هل يعتبر فيها عدم اللّحن مطلقا، أي مادّة و هيئة و إعرابا أم لا؟ الحق هو الأوّل بناء على كون الدليل الاقتصار على المتيقن.

و أمّا بناء على كونه غيره فالمتجه هو العربية المتداولة بين الناس بحيث تكون عندهم مبرزة للاعتبار النفساني، و إن كانت مخالفة للقواعد العربية و غلطا بالنظر إليها، فالعربيّة الدارجة ممّا يصح الإنشاء بها كما لا يخفى.

فعلى هذا لا فرق في اللّحن بين أن يكون في المادّة ك «جوّزت» بدل «زوّجت» و بين أن يكون في الصورة ك «أبيع و بائع» مثلا بدل «بعت» و بين أن يكون في الإعراب ك «بعت» بعد فرض كون الكل مفهما للمعنى المقصود في اللغة العربية الدارجة.

و أمّا اللغات المحرفة فإن كانت مفهمة للمعنى المقصود عند العرف الحاضر فلا بأس بها، و إلّا فلا، إذ لا بدّ من الإنشاء بما يكون مبرزا عند العرف. فالضابط في صحة الإنشاء بالألفاظ العربية- بناء على اعتبار العربية- هو أن تكون مبرزة عرفا للمعنى المقصود، من غير فرق بين أنحاء اللّحن و اللّغات المحرّفة.

ص: 420

ثم إنّه (1) هل يعتبر [1] كون المتكلم عالما تفصيلا بمعنى اللّفظ بأن يكون فارقا بين معنى «بعت و أبيع و أنا بائع» أو يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللّفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟ الظاهر هو الأوّل (2)، لأنّ عربيّة الكلام

______________________________

(1) هذا الفرع الثالث من فروع اعتبار العربية، و محصّله: أنّه هل يعتبر أن يكون المتكلم بالألفاظ العربية عالما بمعانيها تفصيلا، بأن يميّز بين معنى «بعت» و «أبيع» مثلا، أم يكفي مجرّد علمه بأنّ هذا اللفظ يستعمل في لغة العرب لإنشاء البيع؟

وجهان، رجّح المصنف قدّس سرّه الأوّل، و سيأتي.

(2) و هو اعتبار العلم تفصيلا بمعاني الألفاظ العربية، لما أفاده المصنف قدّس سرّه بقوله: «لأنّ عربية الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام .. إلخ».

و حاصله: أنّ الإنشاء و الإخبار لمّا كانا من وجوه الاستعمال الذي هو متقوّم بلحاظ اللفظ و المعنى، و إيجاد المعنى باللفظ بالإرادة، فلا محيص عن تصوّر المعنى بالمقدار الذي يريد إيجاده باللّفظ حتّى يعقل توجه القصد إليه، فإنشاء ما لا معرفة له به تفصيلا غير معقول. فهذا الوجه يقتضي معرفة معنى الكلام تفصيلا حتى يقصده المتكلّم، و يستعمل الكلام فيه، فبدون المعرفة التفصيلية بالمعنى لا يصح استعمال اللفظ فيه [2].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الكلام لا يترتب على اعتبار العربية.

[2] إلّا أن يقال: إنّ المقصود ليس وجود المعنى بالذات باللفظ، لاستحالة وجوده كذلك حتى يحتاج إلى لحاظه تفصيلا، بل الغرض وجود المعنى بالعرض، فيكفي في وجوده بالعرض قصد المعنى بالعرض، بأن يقصد العنوان المنطبق عليه قهرا، فيستعمل اللّفظ في معنون هذا العنوان المقصود، و ليس استعماله إلّا أن يكون وجود اللفظ بالذات وجودا بالعرض لذلك المعنى المقصود بالعرض. و عليه فيقصد العنوان المقصود كالبيع، و يستعمل اللفظ في معنون هذا العنوان المقصود، فيكون المعنون

ص: 421

ليست باقتضاء نفس الكلام، بل بقصد المتكلم منه المعنى الذي وضع له عند العرب، فلا يقال: إنّه تكلّم و أدّى المطلب على طبق لسان العرب إلّا إذا ميّز (1) بين معنى بعت و أبيع و أوجدت البيع و غيرها.

بل على هذا (2) لا يكفي معرفة أنّ «بعت» مرادف لقوله: «فروختم» حتى يعرف أنّ الميم في الفارسي عوض تاء المتكلم، فيميّز بين «بعتك و بعت» بالضمّ و «بعت» بفتح التاء، فلا ينبغي ترك الاحتياط، و إن كان في تعيّنه (3) نظر، و لذا نصّ بعض على عدمه.

______________________________

(1) ليقصد من كل جزء من أجزاء الكلام- مادّة و هيئة- معناه الموضوع له في لغة العرب، و يستعمله فيه، هذا.

لكن توقف صدق العربية على التمييز بهذا النحو مشكل جدّا، لإناطته بكمال معرفة و خبرة، مع اختلاف بين أهل العربية في بعض الخصوصيات.

(2) أي: على هذا الوجه المقتضي لمعرفة المعنى تفصيلا- حتّى يصحّ استعمال اللفظ فيه- لا يكفي معرفة أنّ «بعت» مرادف .. إلى آخر ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

(3) أي: في تعيّن الاحتياط و معرفته بهذا الوجه. وجه النظر عدم الدليل على الاعتبار، بعد كون المجموع في نظر العرف مبرزا للاعتبار النفساني.

______________________________

مقصودا بالعرض، و هو كاف في الاستعمال.

نعم لو كان جاهلا بمضمون الصيغة رأسا فلا يصح الإنشاء بها قطعا، لأنّه حينئذ بمنزلة استعمال كلمة «ضربت و أكلت و شربت» مثلا مكان «بعت».

فالمتحصل: أنه لا دليل على اعتبار معرفة خصوصيات معاني الصيغ، و كون كل خصوصية مدلولا عليها بكلمة خاصة، بل معرفته إجمالا بأنّ مجموع الكلام يدلّ على المعنى المقصود كافية.

ص: 422

[الجهة الثانية: اعتبار الماضويّة]

مسألة (1): المشهور (2) [1] كما عن غير واحد: اشتراط الماضويّة، بل في التذكرة (3):

______________________________

الجهة الثانية: اعتبار الماضويّة

(1) هذه المسألة متكفلة لشرط الهيئة الإفرادية للصيغة، و هي اعتبار الماضوية، و عدمه.

(2) كما في كلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه حيث قال: «لا دليل عليه- أي على عدم انعقاد البيع بغير الماضي- واضحا، إلّا أنّه مشهور» «1». و نحوه المحكي عن مفاتيح الشرائع «2».

(3) لمّا كانت الشهرة تؤذن بوجود المخالف في المسألة تصدّى المصنف قدّس سرّه لنقل

______________________________

[1] الظاهر من الكلمات أنّ في اعتبار الماضويّة قولين:

أحدهما: و هو المنسوب إلى المشهور اعتبارها، استنادا الى وجوه ثلاثة:

أحدها: الإجماع.

ثانيها: صراحة الماضي في الإنشاء، دون غيره من الأمر و المستقبل، لكون الثاني، أشبه بالوعد، و الأوّل استدعاء لا إيجابا. قال المحقق قدّس سرّه: «لأن ذلك أشبه بالاستدعاء و الاستعلام».

ثالثها: أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

و لكن الكلّ كما ترى، لعدم إحراز كون الإجماع تعبّديّا، مع احتمال استناد المجمعين إلى الوجوه الاعتبارية.

و عدم صراحة الماضي في الإنشاء إن أريد بها الوضع له، بداهة عدم الوضع له، إن لم نقل بوضعه للإخبار. و إن أريد بها الصراحة من ناحية القرينة، فالصراحة حينئذ ثابتة لغير الماضي أيضا.

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 145

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 162

ص: 423

الإجماع على عدم وقوعه بلفظ أبيعك أو اشتر منّي.

______________________________

الإجماع على اعتبار الماضوية حتى لا يتوهم مخالفة أحد فيه. قال العلّامة في عداد شرائط الصيغة- ما لفظه: «الثاني: الإتيان بهما بلفظ الماضي، فلو قال: أبيعك، أو قال:

أشتري، لم يقع إجماعا، لانصرافه الى الوعد» «1».

و في القواعد: «و لا بدّ من صيغة الماضي» «2» و قريب منه عبارة التحرير «3».

و في الدروس: «فلا يقع بالأمر و المستقبل» «4» و ربما يستفاد منه كونه من المسلّمات.

و لكن الأولى الإكتفاء بالشهرة الفتوائية بعد وجود المخالف، و هو القاضي ابن البرّاج كما سيأتي في المتن.

و كيف كان فالمستفاد من المتن وجوه ثلاثة على اعتبار الماضوية في صيغ العقود.

الأوّل: الإجماع المنقول.

الثاني: صراحة الماضي في الإنشاء.

الثالث: انصراف إطلاق أدلة الإمضاء إلى العقود المتعارفة خارجا.

______________________________

و عدم كون التعارف مقيّدا للإطلاقات.

و ثانيهما: عدم اعتبار الماضوية، و جواز الإنشاء بالمضارع و الأمر، لصدق العقد على المنشأ بهما، فتشمله العمومات. و هذا القول منسوب إلى القاضي قدّس سرّه استنادا إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه في المتن.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) قواعد الأحكام، ص 47

(3) تحرير الأحكام، ج 1، ص 164

(4) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191

ص: 424

و لعلّه (1) لصراحته (2) في الإنشاء، إذ المستقبل أشبه (3) بالوعد، و الأمر استدعاء (4) لا إيجاب. مع (5) أنّ قصد الإنشاء في المستقبل خلاف المتعارف.

______________________________

(1) أي: و لعلّ اشتراط الماضوية لأجل صراحة الماضي في الإنشاء، كما ورد في كلام جمع منهم المحقق و الشهيد الثانيان، و أوضحه في المسالك بقوله: «إنّما اعتبر في العقد لفظ الماضي، لأنّ الغرض منه الإنشاء، و هو صريح فيه، لاحتمال الوعد بالمستقبل، و عدم اقتضاء الأمر إنشاء البيع من جانب الآمر، و إنّما أنشأ طلبه. و أمّا الماضي فإنّه و إن احتمل الإخبار، إلّا أنّه أقرب إلى الإنشاء، حيث دلّ على وقوع مدلوله في الماضي، فإذا لم يكن ذلك هو المقصود كان وقوعه الآن حاصلا في ضمن ذلك الخبر. و الغرض من العقود ليس هو الإخبار. و إنّما هذه الصيغة منقولة شرعا من الإخبار إلى الإنشاء، و الماضي ألصق بمعناه» «1».

(2) ليس المراد بالصراحة الوضع اللغوي، ضرورة عدم وضع صيغة الماضي لذلك، بل المراد بها الصراحة في الإنشاء، و منشؤها النقل الشرعي من الحكاية إلى الإيجاد، كما تقدم في عبارة المسالك.

و قال الشهيد قدّس سرّه: «و المأخذ في صراحة هذه- أي صيغ العقود و الإيقاعات- مجيئها في خطاب الشارع لذلك، و شيوعها بين حملة الفقه» «2».

(3) فلا يكون ظاهرا في الإنشاء حتّى يقع به.

(4) يعني: أنّ الأمر استدعاء و طلب لإيجاب البيع، لا إيجاب له.

(5) هذا هو الدليل الثالث على اعتبار الماضوية، و هو مؤلف من مقدمتين:

الأولى: أنّ المتعارف من العقود- بحسب الوجود الخارجي- هو ما ينشأ بلفظ الماضي، لا المضارع و لا الأمر، و لا الجملة الاسمية.

الثانية: أنّ دليل الإمضاء- كوجوب الوفاء بالعقود- منزّل على العقود

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 153

(2) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 153، رقم القاعدة: 40، و لاحظ أيضا ص 253

ص: 425

و عن (1) القاضي في الكامل و المهذّب عدم اعتبارها. و لعلّه (2) لإطلاق البيع و التجارة، و عموم العقود (3)،

______________________________

المتعارفة في عصر التشريع، و لا يشمل إنشاءها بغير المتعارف.

و نتيجة المقدمتين: عدم ترتب الأثر على العقود المنشئة بما عدا الماضي.

(1) هذا إشارة إلى القول الآخر في المسألة، و هو عدم إناطة الصحة بالإنشاء بالماضي، فيجوز بالمضارع، كما ذهب إليه القاضي ابن البرّاج، على ما حكي عنه.

قال العلّامة في المختلف: «و قال ابن البرّاج في الكامل: لو قال المشتري: بعني هذا، فقال البائع: بعتك، انعقد» «1» و نحوه كلامه في المهذّب «2».

و استدلّ له المصنف قدّس سرّه بأدلة ثلاثة:

الأول: إطلاق الآيات المباركة.

الثاني: خصوص النصوص الواردة في البيع، المتضمّنة للإنشاء بالمضارع، فإنّها صريحة في المدّعى.

الثالث: فحوى النصوص المجوّزة لإنشاء عقد النكاح بالمضارع، و سيأتي بيانها.

(2) أي: و لعلّ عدم اعتبار الماضوية.

(3) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل على صحة الإنشاء بالمضارع، و حاصله: أنّ مقتضى إطلاق آيتي حلّ البيع و التجارة عن تراض، و عموم وجوب الوفاء بالعقود- الشاملين للعقود المنشئة بغير لفظ الماضي- هو نفي اعتبار الماضوية. و التعارف بحسب غلبة أفراد الإنشاء بالماضي غير صالح لتقييد شمول الآيات المباركة.

و دعوى الصراحة في الماضي مجازفة بعد كون إرادة الإنشاء منه خلاف وضعه اللغوي. و إرادة الإنشاء من المضارع على طبق وضعه، لاشتراكه بين الحال و الاستقبال.

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 53

(2) المهذّب، ج 1، ص 350

ص: 426

و ما دلّ (1) في بيع الآبق و اللبن

______________________________

(1) معطوف على «إطلاق البيع» و هذا إشارة إلى الدليل الثاني، و هو الأخبار المتضمّنة لإنشاء البيع بالمستقبل مع تقديم القبول على الإيجاب في بعضها.

فمنها: ما ورد في بيع العبد الآبق مع الضميمة، كصحيحة رفاعة النخّاس، قال:

«سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام قلت له: أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا؟ قال: لا يصلح شراؤها إلّا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما، فإنّ ذلك جائز» «1».

و تقريب الدلالة: أنه عليه السّلام علّم رفاعة إنشاء شراء الجارية الآبقة مع ضميمتها، بأن يقول للقوم: «اشتري منكم ..» و ظهور الصحيحة في انعقاد المعاملة بصيغة المضارع ممّا لا ينكر.

و قريب منها معتبرة سماعة «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شراء العبد الآبق.

إلّا أن يخدش في دلالتهما على المدّعى بأنّهما في مقام بيان تجويز بيع الآبق مع الضميمة، لا في مقام بيان ما يتحقق به البيع و الشراء، فتأمّل.

و منها: ما ورد في بيع اللبن في الضّرع من صحّته بصيغة الأمر، كما في موثقة سماعة، قال: «سألته عن اللبن يشترى و هو في الضّرع؟ فقال: لا، إلّا أن يحلب لك منه أسكرّجة، فيقول: اشتر منّي هذا اللبن الذي في الأسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمّى، فان لم يكن في الضّرع شي ء كان ما في الاسكرجة» «3».

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 12، ص 262، الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 1

(2) المصدر، ص 263، الحديث: 2

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 259، الباب 8 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 2 و الأسكرّجة «بضمّ السّين و الكاف و الرّاء و التشديد: إناء صغير يؤكل فيه الشي ء القليل من الأدم. و هي فارسية .. و قيل: و الصواب فتح الراء، لأنّه فارسي معرّب» راجع المجمع البحرين، ج 2، ص 310.

ص: 427

في الضّرع (1) من الإيجاب بلفظ المضارع. و فحوى ما دلّ عليه في النكاح (2).

______________________________

و لا يقدح إضمارها، للتصريح بأنّ المسؤول هو الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام، كما في الفقيه بنقل الوسائل. مضافا إلى عدم قدح الإضمار من مثل زرارة و سماعة كما قرّر في محلّه.

و لا يخفى أنه قد تقدم في (ص 341- 343) نقل جملة من الأخبار التي ورد فيها الإنشاء بصيغة المستقبل إمّا من البائع أو المشتري، فراجع.

(1) قد عرفت أنّ رواية بيع اللبن متضمنة لإيجاب البيع بصيغة الأمر، لا المضارع. و لعلّ المراد عدم خصوصية في صيغة الماضي، سواء أ كانت بلفظ المضارع أم الأمر، و الأمر سهل.

(2) هذا إشارة إلى الدليل الثالث على عدم توقف صحة عقد البيع على الإنشاء بصيغة الماضي، و هو الاستدلال بأولوية جواز إنشاء البيع بالمضارع من جواز إنشاء النكاح به، و قد دلّت أخبار عديدة على صحة انعقاد الزواج المنقطع بالمضارع مع ابتداء الزوج به، كرواية أبان بن تغلب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه لا وارثة و لا موروثة، كذا و كذا يوما- و إن شئت كذا و كذا سنة- بكذا و كذا درهما، و تسمّي من الأجر [من الأجل] ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فإذا قالت: نعم، فقد رضيت، و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها» «1».

و لا ريب في ظهور تعليمه عليه السّلام لصيغة النكاح المنقطع في انعقاده بلفظ المضارع.

و قريب منه روايات أخرى من نفس الباب، فراجع.

و تقريب الفحوى: أنّ الشارع الأقدس قد اهتمّ بالنكاح و أمر بالاحتياط فيه.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 14، ص 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث: 1

ص: 428

و لا يخلو هذا من قوة [1]

______________________________

فإذا جوّز إنشاءه بصيغة المضارع لزم تجويزه في البيع بطريق أولى، لأن أمر الأعراض أشدّ من الأموال.

______________________________

[1] بل ينبغي الجزم بصحّته بعد وضوح عدم توقف إنشاء مفاهيم العقود و الإيقاعات عرفا على اللفظ، فعموم أدلة العقود يشمل ما ينشأ منها بغير اللفظ مثل ما ينشأ منها باللفظ. و تخصيصه باللفظ- فضلا عن الماضوية- منوط بالدليل، و هو مفقود. و مع الشك فيه يرجع إلى أصالة العموم، إذ هو المرجع في المخصص المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر، فإنّه بعد فرض تخصيص عموم وجوب الوفاء بالعقود باللفظ- و أنّ وجوب الوفاء مختص باللفظ- إذا شكّ في اعتبار هيئة خاصة كالماضوية في اللفظ يتمسك في نفي اعتبارها بعموم دليل وجوب الوفاء.

إلّا أن يستشكل في ذلك بعدم صدق مفهوم العقد على ما ينشأ بغير الماضي.

لكنه مندفع بما مرّ من وضوح صدقه عليه، هذا.

فقد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ قول القاضي بعدم اعتبار الماضوية هو الأقوى، للعمومات، و معها لا حاجة إلى النصوص المشار إليها، لإمكان المناقشة في بعضها سندا و دلالة، و في الآخر دلالة، لاحتمال ورودها في المقاولة، لا إنشاء المبايعة، أو اختصاصها بموردها كبيع الآبق و اللبن في الضرع، و عدم التعدّي إلى غيره، فيكون الدليل أخص من المدّعى.

نعم روايات النكاح ظاهرة في كون الإنشاء بالمستقبل، إلّا أن الفحوى ممنوعة، لأنّ عظم المفسدة في السّفاح يقتضي التوسعة و التسهيل في النكاح حفظا للأنساب، و صونا لهم عن الوقوع في المفاسد. بخلاف الأموال، فإنّ من الممكن اعتبار بعض الأمور في إنشاء تبديلها.

فالأولى الاستدلال على عدم اشتراط الماضوية في ألفاظ الإيجاب و القبول بالعمومات.

ص: 429

لو فرض (1) صراحة المضارع في الإنشاء على وجه لا يحتاج إلى قرينة المقام، فتأمّل (2).

______________________________

(1) اختار المصنف قول القاضي في جواز الإنشاء بالمضارع، لكن لا مطلقا بل قيّده بما إذا كانت دلالة المستقبل على الإنشاء بنفسه، لا بمعونة قرينة مقامية، و هي كون المتكلم في مقام إيقاع المعاملة، فلو كانت دلالته على الإنشاء بمعونة قرينة مقامية لم يصح، و لا بدّ من الاقتصار على الفعل الماضي.

و الوجه في هذا التقييد هو ما أفاده- في المبحث الأول مما يتعلق بمادة الصيغة- في توجيه كلمات القوم من: أنّ الصيغة إن دلّت بحسب الوضع أو بمعونة قرينة لفظية منضمّة إليها جاز الإنشاء بها. و إن دلت بقرينة مقامية مقارنة لها أو بقرينة لفظية سابقه على الإنشاء بالصيغة غير الصريحة لم يصح.

فعلى هذا لا بد من تقييد جواز الإنشاء بالمضارع بما إذا كانت الدلالة مستندة الى الوضع و لو بضميمة قرينة لفظية، كقرينية التأبيد و عدم البيع و الهبة و الإرث على إرادة الوقف من صيغة «حرّمت».

(2) إشارة إلى: أنّ الصراحة الناشئة عن الوضع- بحيث لا تحتاج إلى قرينة لفظية أو مقامية- مفقودة في الماضي أيضا، ضرورة أنّ فعل الماضي وضع للإخبار لا الإنشاء، فهو صريح في الإخبار، و لا يكون ظاهرا في الإنشاء إلّا بالقرينة. فدعوى:

صراحة الماضي في الإنشاء بدون قرينة المقام في غاية الوهن و السقوط.

هذا بناء على وضع الماضي للإخبار كما هو المشهور عند النحاة. و أمّا بناء على كون الإخبارية و الإنشائية من شؤون الاستعمال- من دون دخلهما في نفس المعنى الموضوع له- فلا وجه أيضا لدعوى الصراحة في الإنشاء أصلا، فلا بدّ من الالتزام بدلالة الماضي مع القرينة على الإنشاء. و حينئذ يكون الأمر و المضارع مع القرينة المقامية دالّين على الإنشاء أيضا.

ص: 430

[الجهة الثالثة شرائط الهيئة التركيبية]
[المبحث الأوّل: تقديم الإيجاب على القبول]

مسألة (1): الأشهر كما قيل (2) لزوم تقديم الإيجاب على القبول،

______________________________

شرائط الهيئة التركيبية المبحث الأوّل: تقديم الإيجاب على القبول.

(1) الكلام من هذه المسألة إلى آخر المقدمة- التي عقدها لألفاظ صيغة البيع- ناظر إلى ما يعتبر في الهيئة التركيبية، و هي الجهة الثالثة من جهات البحث عن شؤون الصيغة، و قد أشرنا في (ص 330) إلى أنّ مباحث هذه الجهة خمسة، أوّلها: اعتبار تقديم الإيجاب على القبول و عدمه.

و لا يخفى أنّ في المسألة أقوالا نشير إليها، و سيأتي تفصيلها في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

الأوّل: اشتراط تقديم الإيجاب على القبول مطلقا، و هو الأشهر.

الثاني: عدم اعتباره كذلك.

الثالث: التفصيل بين النكاح و غيره، بجواز تقديم القبول في النكاح، و اشتراط تقدم الإيجاب في سائر العقود.

الرابع: التفصيل بين كون القبول بصيغة الأمر، فيجوز التقديم سواء في البيع و النكاح و غيرهما، و بين غير صيغة الأمر فلا يجوز التقديم.

الخامس: مختار المصنف قدّس سرّه و هو التفصيل في ألفاظ القبول، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(2) القائل هو العلّامة في المختلف، قال: «مسألة: و في اشتراط تقديم الإيجاب على القبول قولان، أشهرهما ذلك. اختاره الشيخ في المبسوط» «1».

و نسبه فخر المحققين إلى الشيخ أيضا في محكي شرح الإرشاد. لكن تأمّل السيد الفقيه العاملي في النسبة، و قال: «و الموجود فيه- أي في المبسوط- و إن تقدّم القبول فقال: بعنيه بألف، فقال: بعتك صحّ. و الأقوى عندي أنه لا يصحّ حتى يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت. انتهى يعني كلام المبسوط. و لو لم يسمّه قبولا متقدما

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 52

ص: 431

و به (1) صرّح في الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة، كما عن الإيضاح و جامع المقاصد (2).

و لعلّه (3) الأصل (4) بعد حمل آية وجوب الوفاء على العقود المتعارفة كإطلاق البيع و التجارة في الكتاب و السّنّة.

و زاد بعضهم (5): أنّ القبول فرع الإيجاب، فلا يتقدّم عليه، و أنّه

______________________________

لأمكن أن نقول: إنّ حكمه بعدم الصحة لمكان الاستيجاب و الاستدعاء كما تقدم، لأنّ محلّ النزاع ما إذا قال المشتري: اشتريت أو نحوه، فيقول البائع: بعت. لكن التسمية المذكورة و تفرقته في المقام بين البيع و النكاح جوّزتا للمصنف- يعني العلّامة- نسبة ذلك إليه» «1».

(1) أي: و بالاشتراط صرّح الشيخ و غيره بناء على ما نسبه إليهم فخر المحققين، حيث قال في الإيضاح: «ذهب الشيخ في المبسوط و ابن حمزة و ابن إدريس إلى الاشتراط» «2».

(2) قال فيه: «و الأصحّ الاشتراط» «3». و لا يخفى أن ظاهر العطف كون المحقق الثاني ناسبا إلى الشيخ و ابني حمزة و إدريس تصريحهم بالاشتراط. و ليس الأمر كذلك، بل الناسب للتصريح هو الفخر فقط.

(3) أي: و لعلّ الاشتراط، و هذا أحد الوجوه التي استدلّ بها على ما يظهر من المتن، و محصّله: جريان الاستصحاب بالتقريب الآتي.

(4) هذا أوّل وجوه هذا القول، و هو استصحاب عدم ترتب الأثر، بعد حمل العقود في الآية على العقود المتعارفة، و تسليم خروج العقد- المقدّم قبوله على إيجابه- عن العقود المتعارفة، و إلّا فلا وجه للتشبّث بالأصل مع الدليل الاجتهادي.

(5) هذا ثاني الوجوه المستدلّ بها على اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول،

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 164

(2) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 412 لاحظ: الخلاف ج 3، ص 239 المسألة: 56. الوسيلة لابن حمزة، ص 740 (ضمن الجوامع الفقهية)، السرائر الحاوي، ج 2، ص 243 تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 60

ص: 432

تابع له، فلا يصح تقدّمه عليه.

و حكى في غاية المراد عن الخلاف (1) الإجماع عليه (2).

و ليس في الخلاف (3) في هذه المسألة إلّا (4) «أنّ البيع مع تقديم الإيجاب

______________________________

و حاصله: تفرّع القبول على الإيجاب و تبعيّته له، و قد نقل المحقق الأردبيلي قدّس سرّه هذا الاستدلال عنهم بقوله: «و أن القبول فرع الإيجاب، فلا معنى لتقديمه» «1».

و الموجود في جامع المقاصد: «فإنّ القبول مبني على الإيجاب، لأنّه رضا به» «2».

(1) قال في الخلاف: «إذا قال بعنيه بألف، فقال: بعتك، لم يصح البيع حتى يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت. و قال الشافعي: يصح و إن لم يقل ذلك .. إلى أن قال: دليلنا أنّ ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به، و ما ادّعوه لا دلالة على صحته، و الأصل عدم العقد. و من ادّعى ثبوته فعليه الدلالة» «3».

(2) هذا ثالث الوجوه المحتج بها على القول باشتراط تقدم الإيجاب على القبول، ففي غاية المراد: «و استدل عليه في الخلاف بالإجماع و عدم الدليل على خلافه» «4».

(3) قال في مفتاح الكرامة: «و قد نسب في غاية المراد و المسالك إلى الخلاف دعوى الإجماع. و هو وهم قطعا، لأنّي تتبعت كتاب البيع فيه مسألة مسألة، و غيره حتى النكاح فلم أجده ادّعى ذلك، و إنّما عبارته في المقام توهم ذلك للمستعجل، و هي قوله: دليلنا: انّ ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به، و ما ادّعوه لا دلالة على صحته، إلّا أن يريد أنّه استدلّ بأنّه مجمع عليه» «5».

(4) هذه العبارة إلى قوله: «فيؤخذ» في محل رفع على أنها اسم «ليس»،

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 145

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 60

(3) الخلاف ج 3، ص 40

(4) غاية المراد، ص 80

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 164

ص: 433

متفق عليه (1)، فيؤخذ به» فراجع.

خلافا (2) للشيخ في المبسوط

______________________________

و هي مضمون كلام شيخ الطائفة في الخلاف. و غرض المصنف الاعتراض على الشهيد قدّس سرّه- في نسبة الإجماع إلى الشيخ بما عرفته من كلام مفتاح الكرامة، لأنّ قيام الإجماع على ثبوت العقد مع تقدم الإيجاب لا يقتضي ثبوت الإجماع على فساد العقد بتأخره عن القبول، لإمكان صحته مع التأخر أيضا و إن لم يكن إجماعيا.

(1) هذا توجيه لدعوى الإجماع، و حاصله: أنّ المراد بالإجماع هنا هو كون العقد المقدّم إيجابه على قبوله متيقّن الصحة، فيؤخذ به و يترك غيره، لعدم الدليل على صحته.

و عبارة غاية المراد المتقدمة آنفا قابلة لهذا التوجيه. لكن عبارة المسالك و هي قوله: «و ذهب جماعة من الأصحاب إلى اعتبار تقديمه بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع» «1» لا تقبله، لظهورها في الإجماع المصطلح كما لا يخفى.

لكن الإنصاف أن استظهار الشهيدين قدّس سرّهما من عبارة الشيخ لا يخلو من قوة، لأنّ معقد الإجماع ليس مجرد صحة العقد بتقديم إيجابه على قبوله، بل معقده اشتراط التقديم، لقوله: «دليلنا أن ما اعتبرناه مجمع» و من المعلوم أنّ ما اعتبره شيخ الطائفة هو تقديم الإيجاب على القبول، لا مجرّد صحة العقد بتقديمه حتى يبقى مجال احتمال صحته إذا تقدّم القبول على الإيجاب.

(2) إشارة إلى القول الثاني، و هو عدم اعتبار تقدم الإيجاب على القبول، الّذي اختاره شيخ الطائفة قدّس سرّه في نكاح المبسوط، لالتزامه فيه بصحّة النكاح و البيع عند تقدم القبول.

و لكنّه قدّس سرّه في بيع المبسوط خالف هذه الفتوى، و فصّل بين البيع و النكاح، فاعتبر تقدّم الإيجاب على القبول في خصوص عقد البيع، دون النكاح. فيكون مختاره

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 3، ص 153

ص: 434

في باب النكاح (1) و إن وافق الخلاف في البيع (2)، إلّا أنّه عدل (3) عنه في باب النكاح، بل ظاهر كلامه (4) عدم الخلاف في صحته بين الإمامية، حيث إنّه- بعد ما ذكر أن تقديم القبول بلفظ الأمر في النكاح، بأن يقول الرجل: «زوّجني فلانة» جائز بلا خلاف- قال: «أمّا البيع فإنّه إذا قال: بعنيها، فقال: بعتكها صحّ عندنا و عند قوم من المخالفين. و قال قوم منهم: لا يصح حتى يسبق الإيجاب» «1».

و كيف كان (5) فنسبة القول الأوّل (6) إلى المبسوط مستندة إلى كلامه في باب البيع (7).

______________________________

في عقد البيع موافقا لما اختاره في الخلاف، و سيأتي من المصنف قدّس سرّه نقل كلامه في بيع المبسوط و نكاحه، فانتظر.

(1) فإنّه في باب النكاح قال بعدم اشتراط تقدم الإيجاب على القبول، سواء في عقد النكاح و البيع، خلافا لما فصّله بينهما في بيع المبسوط.

(2) يعني: أنّ رأي شيخ الطائفة في بيع المبسوط موافق لرأيه في الخلاف، في اعتبار تقديم إيجاب البيع على قبوله.

(3) يعني: أنّ شيخ الطائفة قدّس سرّه عدل في نكاح المبسوط عن تفصيله الذي اختاره في بيع المبسوط، و التّعبير بالعدول لأجل تقدّم تحرير البيع على النكاح بحسب ترتيب أبواب الفقه، و إلّا فلا ضرورة إلى تأليف أحدهما قبل الآخر.

(4) يعني: ظاهر كلامه في نكاح المبسوط عدم الخلاف في صحة البيع مع تقدم القبول على الإيجاب، لقوله: «صحّ عندنا» و ظهور هذا اللفظ في الإجماع ممّا لا ينكر.

(5) يعني: سواء تمّ ظهور كلمة «عندنا» في الإجماع على جواز تقديم القبول على الإيجاب، أم لم يتم، فنسبة .. إلخ.

(6) و هو اشتراط عقد البيع بتقديم الإيجاب على القبول.

(7) يعني: في بيع المبسوط، الموافق لكلامه المتقدّم عن الخلاف.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 194

ص: 435

و أمّا في باب النكاح (1) فكلامه صريح في جواز التقديم كالمحقق رحمه اللّه في الشرائع (2) و العلّامة في التحرير «1»، و الشهيدين (3) في بعض كتبهما، و جماعة (4) ممن تأخّر عنهما، للعمومات (5) السليمة عمّا يصلح لتخصيصها.

و فحوى (6) جوازه في النكاح الثابت بالأخبار، مثل خبر أبان بن تغلب الوارد في كيفية الصيغة، المشتمل على صحة تقديم القبول بقوله للمرأة: «أتزوّجك متعة

______________________________

(1) من المبسوط، و قد تقدم كلامه في المتن. و عليه فمراد المصنف من باب البيع و النكاح هو كتاب البيع و النكاح من المبسوط، لا عقد البيع و النكاح.

(2) حيث قال في كتاب البيع: «و هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد، و الأشبه عدم الاشتراط» «2». نعم منع المحقق من انعقاد البيع بالاستدعاء، فراجع.

(3) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لا ترتيب بين الإيجاب و القبول على الأقرب، وفاقا للقاضي» «3». و قريب منه كلامه في اللمعة.

و قال الشهيد الثاني بعد ذكر أدلة القولين: «و الأقوى الأوّل» «4» أي: عدم الاشتراط.

و لكنه لم يرجّح في شرح اللمعة أحد القولين، فراجع.

(4) كالمحقق الأردبيلي و الفاضل السبزواري قدّس سرّهما «5».

(5) هذا إشارة إلى وجه القول الثاني و هو عدم الاشتراط، و المذكور في المتن وجهان، أوّلهما العمومات السليمة عن المخصص، فإنّها قاضية بعدم اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول، و رافعة للشك في الاعتبار المزبور.

(6) هذا ثاني وجهي القول بعدم اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول مطلقا، و حاصله: أنّ بعض الروايات- كخبري أبان بن تغلب و سهل الساعدي الدالّين على

______________________________

(1): تحرير الاحكام، ج 1، ص 164

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191، الرّوضة البهية، ج 3، ص 225

(4) مسالك الافهام، ج 3، ص 154

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 144. كفاية الأحكام، ص 89

ص: 436

على كتاب اللّه و سنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن قال: فإذا قالت: نعم، فهي امرأتك (1)، و أنت أولى الناس بها» «1».

و رواية سهل الساعدي المشهورة في كتب الفريقين- كما قيل (2) المشتملة

______________________________

جواز تقديم القبول في صيغة النكاح على الإيجاب- يدلّ بالفحوى على جواز ذلك في غير النكاح كالبيع، لأنّ أمر النكاح أشدّ و أهمّ من غيره، فإذا كان تقديم القبول فيه جائزا ففي غيره كالبيع الذي هو دون النكاح في الأهمية يكون التقديم جائزا بالأولوية.

(1) لا يخفى أنّ قوله عليه الصلاة و السلام: «فهي امرأتك ..» قرينة على كون «أتزوّجك» في مقام إنشاء القبول، لا المقاولة، فيكون دليلا على جواز إنشاء القبول بالمضارع، و على جواز تقديم القبول- بلفظ المضارع- على الإيجاب.

(2) القائل هو الشهيد الثاني في مسألة جواز إنشاء النكاح بلفظ الأمر، حيث قال: «كما ورد في خبر سهل الساعدي المشهور بين العامة و الخاصة، و رواه كلّ منهما في الصحيح» «2». و لا يخفى أن المروي مسندا بطرقنا خال عن هبة المرأة نفسها للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم تزويجها من رجل آخر، ففي معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «جاءت امرأة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقالت: زوّجني، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من لهذه؟ فقام رجل، فقال: أنا يا رسول اللّه زوّجنيها، فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما لي شي ء، فقال: لا. قال: فأعادت، فأعاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الكلام، فلم يقم أحد غير الرّجل، ثم أعادت فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المرة الثالثة: أ تحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم، فقال: قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن، فعلّمها إيّاه» «3».

و دلالتها على إنشاء صيغة النكاح الدائم- الّذي تقدّم القبول فيه على الإيجاب- قويّة جدّا.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 14، ص 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث: 1

(2) مسالك الافهام، ج 7، ص 89

(3) الكافي، الفروع، ج 5، ص 380، باب نوادر في المهر، الحديث: 5. رواه عنه الشيخ في التهذيب، ج 7، ص 354، الحديث: 1444

ص: 437

على تقديم القبول من الزوج بلفظ «زوّجنيها» (1).

و التحقيق (2): أنّ القبول إمّا أن يكون بلفظ «قبلت و رضيت» و إمّا أن يكون بطريق الأمر و الاستيجاب نحو: «بعني» فيقول المخاطب «بعتك» و إمّا أن يكون بلفظ: «اشتريت و ملكت- مخفّفا- و ابتعت».

______________________________

(1) و هو بلفظ الأمر، و لذا يستدل برواية سهل على أمرين.

أحدهما: صحة إنشاء النكاح بالأمر.

ثانيهما: عدم اشتراطه بتقدم الإيجاب على القبول.

(2) بعد أن نقل المصنف قدّس سرّه قولين في المسألة شرع في بيان مختاره، في مقامين:

________________________________________

أحدهما: في حكم تقدم القبول على الإيجاب في خصوص عقد البيع.

و ثانيهما: في حكمه في سائر العقود، و سيأتي المقام الثاني بقوله: «ثم إنّ ما ذكرنا جار في كلّ قبول يؤدّى بإنشاء مستقل».

فالكلام فعلا في المقام الأوّل، و قد فصّل بين ألفاظ القبول، و قسّمها إلى ثلاثة أقسام، و هي: أنّ إنشاء القبول يكون تارة بلفظ «قبلت، رضيت، أمضيت، أنفذت» و نحوها ممّا له ظهور في إنشاء تمليك الثمن مع سبق الإيجاب، بحيث لا ظهور له في ذلك بدون سبقه، نظير تحريك الرأس في مقام الجواب عن السؤال.

و يكون أخرى بما هو ظاهر في الاستدعاء كلفظ الأمر، مثل قول المشتري:

«بعني الكتاب الفلاني بألف» فيقول البائع: «بعته إيّاك بكذا».

و يكون ثالثة بلفظ «ملكت أو اشتريت أو ابتعت» و نحوها من الألفاظ الظاهرة في إنشاء التملك و التمليك. فهذه أقسام ثلاثة.

و أمّا حكمها فهو عدم جواز تقديم القبول في القسمين الأوّلين، و جوازه في القسم الثالث.

و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى.

ص: 438

فإن كان بلفظ «قبلت» فالظاهر (1) عدم جواز تقديمه، وفاقا لما عرفت (2) في صدر المسألة. بل (3) المحكيّ عن الميسيّة و المسالك و مجمع الفائدة: «أنّه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ: قبلت» «1» و هو (4) المحكي عن نهاية الأحكام

______________________________

(1) هذا شروع في بيان حكم القسم الأوّل من ألفاظ القبول، و قد استدلّ له المصنف قدّس سرّه بوجوه ثلاثة.

أوّلها: الإجماع المتضافر نقله.

ثانيها: انصراف أدلة الإمضاء إلى العقود المتعارفة، و هي التي يتأخر قبولها عن إيجابها.

ثالثها: فرعية القبول على الإيجاب، و سيأتي توضيح كلامه.

(2) من القول الأوّل أعني اشتراط تقديم الإيجاب على القبول، حيث قال:

«الأشهر كما قيل: لزوم تقديم الإيجاب على القبول ..».

(3) إشارة إلى وجه عدم جواز تقديم القبول إذا كان بلفظ «قبلت» و المراد بذلك نفي الخلاف. قال في المسالك: «و موضع الخلاف ما لو كان القبول بلفظ ابتعت أو شريت أو اشتريت أو تملّكت منك كذا بكذا، بحيث يشتمل على ما كان يشتمل عليه الإيجاب. أمّا لو اقتصر على القبول، و قال: قبلت و إن أضاف إليه باقي الأركان لم يكف بغير إشكال».

(4) الضمير راجع إلى عدم جواز تقديم القبول، لا إلى دعوى عدم الخلاف، و ذلك لأنّ المذكور في نهاية العلّامة قدّس سرّه هو قوله: «و لا فرق بين أن يتقدّم قول البائع:

بعت على قول المشتري: اشتريت، و من أن يتقدم قول المشتري: اشتريت، و يصحّ البيع في الحالتين على الأقوى. بخلاف ما لو قدّم: قبلت، فإنّه لا يعدّ قبولا، و لا جزءا

______________________________

(1): الحاكي عن هذه الكتب هو السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 165، و لاحظ مسالك الأفهام، ج 3، ص 154، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 146

ص: 439

و كشف اللثام في باب النكاح «1»، و قد اعترف به (1) غير واحد (2) من متأخري المتأخّرين أيضا.

بل المحكي هناك (3) عن ظاهر التذكرة «2» الإجماع عليه.

______________________________

من العقد، فكان لغوا».

و كذا لا أثر من دعوى الإجماع في كلام الفاضل الأصبهاني في نكاح كشف اللثام، فراجع.

(1) أي: بعدم جواز تقديم القبول.

(2) منهم السيد الطباطبائي قدّس سرّه في الرياض «3».

(3) أي: في باب النكاح. و لكن قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «و لكنّي قد لاحظت مسألة تقديم الإيجاب على القبول هناك فليس فيها من ذلك أثر. نعم قال بعد ذكر رواية سهل الساعدي و ما في ذيله مما قدمنا ذكره ما لفظه: و قال أحمد: لا يصح العقد إذا قدم القبول، لأنّ القبول إنما يكون للإيجاب، فمتى وجد قبله لم يكن قبولا، لعدم معناه، فلم يصح كما لو تقدّم بلفظ الاستفهام. و لأنّه لو تأخّر عن الإيجاب بلفظ الطلب لم يصحّ، فإذا قدّم كان أولى كصيغة الاستفهام. و لأنّه لو أتى بالصيغة المشروعة مقدّمة، فقال: قبلت هذا النكاح، فقال الوليّ: زوّجتك ابنتي، لم يصحّ، فلأن لا يصحّ إذا أتى بغيرها كان أولى. و لا بأس بهذا القول. انتهى. فلعلّ من حكى الإجماع عن ظاهرها- أي ظاهر التذكرة- استفاد منها دعواه، من جهة أنّه جعل الصيغة المشروعة الّتي أراد بها بقرينة المثال لفظ: قبلت، مقيسا عليه في مقام الاستدلال، فدلّ

______________________________

(1): الحاكي عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 165، لاحظ: نهاية الأحكام، ج 2، ص 448، كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 7

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 583

(3) رياض المسائل، ج 1، ص 511

ص: 440

و يدل عليه- مضافا إلى ما ذكر (1)، و إلى كونه (2) خلاف المتعارف من العقد- أنّ (3) القبول الذي هو أحد ركني عقد المعاوضة فرع الإيجاب، فلا يعقل تقدّمه عليه.

______________________________

ذلك على أنّ حكم المقيس عليه مما قام عليه الإجماع» «1».

و الأمر كما أفاده قدّس سرّه لعدم الظفر بالإجماع في هذه المسألة من نكاح التذكرة، و إنّما هو نفي البأس عمّا قاله أحمد. و لم أعثر على حكاية الإجماع في بيع مفتاح الكرامة و الجواهر أيضا، و لم يظهر معتمد المصنف قدّس سرّه في نسبة الإجماع إلى العلّامة قدّس سرّه.

(1) و هو نفي الخلاف المتقدّم بقوله: «بل المحكي عن الميسيّة .. أنه لا خلاف في عدم جواز تقديم لفظ: قبلت». و كذا الإجماع المحكي عن التذكرة، بناء على صحة الحكاية.

(2) أي: و إلى كون تقديم القبول على الإيجاب خلاف المتعارف.

(3) هذا في محلّ الرفع على أنه فاعل «يدل عليه» و هذا الوجه الثالث، و هو العمدة في اعتبار تأخّر مثل «قبلت» عن الإيجاب، لكون القبول متفرّعا على الإيجاب و مبنيّا عليه، فلا يتقدم عليه.

و توضيح كلام المصنف قدّس سرّه هو: أنّ القبول العقدي متقوم بأمرين، أحدهما الرّضا بالإيجاب، و الآخر إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب تبعا لنقل الموجب ماله إلى القابل. و بهذه الملاحظة يكون القبول فرع الإيجاب، بمعنى: كون تمليك الثمن تابعا لتمليك المبيع. و هذا المعنى من القبول لا يتحقق إلّا إذا تأخّر عن الإيجاب، فلفظا:

«قبلت و رضيت» إذا تقدّما على الإيجاب لا يحصل المعنى المزبور بهما.

و ببيان أوضح: أنّ القبول- الذي هو أحد ركني العقود المعاوضية- يدلّ بالمطابقة على تملّك مال الموجب، و بالالتزام على تمليك مال نفسه إلى الموجب بعنوان العوضية التي دلّ عليها حرف الباء في «ملّكتك هذا بهذا». و لأجله يعتبر في القبول أمران:

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 244 و 245

ص: 441

و ليس (1) المراد من هذا القبول الذي هو ركن العقد مجرّد الرّضا بالإيجاب حتى يقال: إنّ الرضا بشي ء لا يستلزم تحققه (2) قبله، فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقبل. بل المراد منه (3) الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله

______________________________

الأوّل: الرّضا بإيجاب الموجب المقتضي لنقل ماله إلى القابل بعوض.

الثاني: أن ينشئ القابل تمليك ماله للموجب- في حال إنشاء القبول- بعنوان كونه رضا بنقل الموجب.

و على هذا فإن تقدّم الإيجاب اجتمع هذان الأمران في القبول المتأخر، سواء أ كان بلفظ «قبلت» أم بسائر ألفاظه. لأنّ المشتري ينشئ تملكه للمبيع، و ينقل مال نفسه- في حال قبوله- على وجه العوضية إلى الموجب، و يتحقق معنى المعاوضة.

و أمّا إذا تقدّم القبول على الإيجاب فلا يتحقق إلّا الأمر الأوّل، و هو أصل الرّضا بتمليك الموجب ماله للقابل، لإمكان تعلق الرضا بما مضى و بما يأتي و لم يتحقق الأمر الثاني، و ذلك لأنه لم ينتقل بعد الى القابل شي ء حتى يتضمن قبوله تمليك مال نفسه إلى الموجب بعنوان العوضية، فيصير القبول المتقدّم لغوا، إذ لم ينشأ نقل مال إلى القابل حتى ينشئ هو تمليك مال نفسه إلى الموجب. و بهذا تصح دعوى فرعيّة القبول على الإيجاب.

(1) هذا إلى قوله: «بالأمر المستقبل» إشارة إلى دليل القائل بجواز تقدم القبول على الإيجاب، و محصله: أنّ القبول ليس إلّا الرّضا بالإيجاب، و من المعلوم إمكان تعلّق الرضا النفساني المبرز ب «قبلت» بكلّ قول، سواء تحقق في الزمان السابق على الرضا، أم في الحال أم في المستقبل.

(2) أي: تحقق الشي ء المرضي قبل تحقق نفس الرضا الذي هو صفة نفسانية منشأة بقوله: «قبلت».

(3) أي: بل المراد من القبول هو الرّضا بالإيجاب بحيث .. إلخ. و هذا جواب

ص: 442

في الحال (1) إلى الموجب على وجه العوضية، لأنّ (2) المشتري ناقل كالبائع.

و هذا (3) لا يتحقق إلّا مع تأخّر الرّضا عن الإيجاب، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال (4)، فإنّ من رضي بمعاوضة ينشئها الموجب في المستقبل لم ينقل (5) في الحال ماله إلى الموجب، بخلاف من رضي بالمعاوضة التي أنشأها الموجب سابقا، فإنّه (6) يرفع بهذا الرّضا يده من ماله، و ينقله إلى غيره على وجه العوضية.

و من هنا (7) يتضح فساد ما حكي عن بعض المحققين (8) في ردّ الدليل

______________________________

الاستدلال، و محصله: أنّ القبول رضا متفرع على الإيجاب، لا مطلقا حتى يمكن تحققه قبله.

(1) أي: في حال القبول، يعني: أنّ القبول يدلّ بالمطابقة على تملك مال الموجب، و بالتضمن على تمليك مال نفسه له بعنوان كونه عوضا.

(2) تعليل لدلالة القبول تضمّنا على تمليك العوض للموجب، و أنّه ليس مجرّد تملّك المعوّض، و هذا مفاد قوله: «على وجه يتضمّن».

(3) أي: المعنى المذكور للقبول- أعني المتضمن للنقل و التمليك- لا يحصل إلّا مع تأخّر الرّضا عن الإيجاب.

(4) أي: في حال إنشاء القبول المتقدم على الإيجاب، لعدم حصول المتبوع- و هو نقل الموجب- حال إنشاء القبول حتى يملّكه القابل بعنوان العوضية.

(5) بل سينقل القابل- في المستقبل بعد إنشاء الإيجاب- ماله إلى الموجب.

فلا نقل فعلا في القبول المتقدّم على الإيجاب.

(6) أي: فإنّ القابل يرفع- برضاه بالإيجاب المتقدم- يده عن ماله.

(7) أي: من أنّ القبول هو الرّضا بالإيجاب- على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب- يتضح فساد .. إلخ.

(8) و هو السيد بحر العلوم قدّس سرّه، على ما في مفتاح الكرامة، قال السيد العاملي قدّس سرّه

ص: 443

المذكور- و هو (1) كون القبول فرع الإيجاب و تابعا له- و هو (2): «أن تبعية

______________________________

في تصحيح تقديم القبول على الإيجاب: «أو يقال: إنّ تبعيّة القبول للإيجاب إنّما هي على سبيل الفرض و التنزيل، لا تبعية اللفظ للفظ حتى يمتنع التقديم عقلا، و لا القصد للقصد ..» إلى آخر ما نقله في المتن، ثم قال السيد: «و هذا قد ذكره الأستاد دام ظله منذ سنين. فكان الأقرب عدم الاشتراط» «1».

(1) أي: أنّ الدليل المذكور هو فرعيّة القبول للإيجاب.

(2) أي: و ردّ الدليل المذكور أن تبعية .. إلخ، و هذا تقريب الردّ الذي حكي عن السيد بحر العلوم قدّس سرّه، و المستفاد من كلامه فرض أنحاء ثلاثة لتبعية شي ء لشي ء آخر، و يعتبر تقدّم المتبوع في اثنين منها.

الأوّل: تبعية لفظ للفظ آخر، و هو مخصوص بباب التوابع المذكورة في علم النحو، كتبعية المعطوف للمعطوف عليه، و الصفة للموصوف، و هكذا.

الثاني: تبعية قصد لقصد آخر، مثل ما ذكروه في بحث مقدمة الواجب، من تبعية قصد التقرب بالمقدمة لقصد التوصّل بها إلى ذيها، بناء على اعتبار قصد التوصّل في اتصاف المقدمة بالمقدمية، فلو لم يقصد التوصّل بها إلى ذيها امتنع قصد التقرّب بالمقدمة، لعدم اتّصافها بالمقدمية بدون قصد التوصّل حتى يتقرّب بها.

الثالث: تبعية شي ء لشي ء فرضا لا حقيقة، يعني: أنّ للتابع وجودا مستقلّا غير متقوّم بوجود المتبوع، و لكنه يفرض أحدهما متبوعا و الآخر تابعا.

إذا اتّضحت أنحاء التبعية فاعلم: أنّ تقدّم المتبوع على تابعه معتبر في القسمين الأوّلين، دون القسم الثالث. أمّا تقدم المتبوع في القسم الأوّل فلأن الصفة و الحال و نحوهما تكون بيانا لملابسات متبوعاتها، فلا معنى لذكرها مقدّما على الموصوف و ذي الحال.

و أمّا تقدم أحد القصدين على الآخر في القسم الثاني فلما عرفت من أنّه عقلي.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 165

ص: 444

القبول للإيجاب ليس تبعية اللفظ للفظ (1) و لا القصد للقصد حتى يمتنع تقديمه، و إنّما هو على سبيل الفرض و التنزيل، بأن يجعل القابل نفسه متناولا لما يلقى إليه من الموجب، و الموجب مناولا، كما يقول السائل في مقام الإنشاء: أنا راض بما تعطيني، و قابل لما تمنحني، فهو متناول قدّم (2) إنشاءه أو أخّر. فعلى هذا (3) يصح تقديم القبول و لو بلفظ قبلت و رضيت إن لم يقم إجماع (4) على خلافه» انتهى.

______________________________

و أمّا عدم لزوم التقدم في القسم الثالث- و هو تبعية القبول للإيجاب- فلأنّ القابل يفرض نفسه متناولا لما يأخذه من الموجب، و الموجب يفرض نفسه مناولا لما يأخذه القابل، و إلّا فكلّ منهما يعطي شيئا و يأخذ بدله.

و حيث كانت تبعية القابل للموجب بالتنزيل و الادّعاء- لا بالحقيقة- أمكن تقدم إنشاء الرّضا بالإيجاب قبل تحققه خارجا. و نظيره إنشاء السائل رضاه بما سيعطيه المسؤول، فهو يفرض نفسه متناولا قبل أن يناوله المسؤول مالا.

و نتيجة هذا البيان: جواز تقديم القبول على الإيجاب، إذ ليس الإيجاب أصلا حقيقة و القبول فرعا كذلك حتى يمتنع تقدم الفرع على الأصل، إذ الفرعية تكون بمحض الفرض و التنزيل، هذا.

(1) قد عرفت آنفا تبعية اللفظ للفظ، و القصد للقصد، فإذا كانت التبعية حقيقيّة تعيّن تأخر التابع عن متبوعة.

(2) أي: سواء قدّم السائل إنشاء رضاه بما يعطيه المسؤول أم أخّره، فكما أنّ تقديمه لا يصيّره مناولا و معطيا حقيقية بل هو متناول، فكذا في عقد البيع، فلو تقدّم القبول لم يصر القابل مناولا، بل هو متناول على كل حال، و المناول هو الموجب.

(3) أي: بناء على كون تبعية القبول للإيجاب فرضيّة- لا حقيقية- يصح تقديم القبول حتى إذا كان بلفظ «قبلت» إلّا إذا منع من تقديمه الدليل التعبدي كالإجماع.

(4) يعني: فالاستدلال بفرعية القبول باطل، إذ لا أصل و لا فرع حقيقة. و عليه فالمعوّل في منع تقديم القبول هو الإجماع لو تمّ.

ص: 445

و وجه الفساد (1): ما عرفت سابقا من أنّ الرّضا بما يصدر من الموجب في المستقبل من (2) نقل ماله بإزاء مال صاحبه ليس فيه إنشاء نقل من القابل في الحال، بل هو رضا منه بالانتقال في الاستقبال.

و ليس المراد (3) أنّ أصل الرّضا بشي ء تابع لتحققه في الخارج أوّلا قبل الرّضا به حتى يحتاج إلى توضيحه بما ذكره من المثال (4). بل المراد الرّضا الذي

______________________________

(1) حاصل ما أفاده المصنف في ردّ كلام السيد بحر العلوم قدّس سرّهما هو: منع مقايسة البيع بقبول السائل لما يعطيه المسؤول. و بيانه: أنّ القبول ليس مجرّد الرّضا بالإيجاب حتى يصح تعلّقه بالمستقبل، بل هو الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله إلى الموجب في الحال بعنوان العوضية. و من المعلوم أنّ القبول- بهذا المعنى- يتوقف على سبق الإيجاب، و لا يصح بدونه. و على هذا فعدم كون القبول تابعا للإيجاب- نظير تبعية الصفة للموصوف- لا يوجب جواز تقدمه عليه.

(2) بيان ل «ما يصدر» يعني: إذا تقدّم القبول لم يكن رضا القابل بنقل ماله إلى الموجب فعليا، بل هو رضاه بنقل ماله إلى الموجب في المستقبل.

(3) يعني: أنّ السيد الأجل بحر العلوم قدّس سرّه فهم من الفرعية- المذكورة في كلمات الأصحاب- تبعية الرّضا بشي ء لتحقق ذلك الشي ء خارجا، و أنّ القبول متفرّع على وجود الإيجاب خارجا، و لذا أورد عليهم بالنقض بما يقوله الفقير المستعطي من رضاه بإعانة من يعينه، حيث إنّ رضاه موجود فعلا مع عدم تحقق المرضيّ بعد.

و ليكن الإيجاب و القبول من هذا الباب.

و لكن يرد على السيد منع هذا الاستظهار، إذ ليس المراد بالرّضا في عقد البيع طبيعيّ الرّضا، بل صنف خاص منه، و هو الرّضا على وجه يتضمّن نقل مال فعلا إلى الموجب بعنوان العوضية، و من المعلوم ترتب هذا الرّضا على الإيجاب و تفرّعه عليه و تبعيته له.

(4) و هو قول السيد: «كما يقول السائل في مقام الإنشاء أنا راض .. إلخ».

ص: 446

يعدّ ركنا في العقد (1).

و مما ذكرنا (2) يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر كما لو قال: «بعني هذا بدرهم، فقال: بعتك» لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة

______________________________

(1) و هو الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله إلى الموجب في الحال على وجه العوضية.

و بهذا أثبت المصنف قدّس سرّه وجود المقتضي لمدّعاه، و هو امتناع تقديم «قبلت و رضيت» على الإيجاب، و بقي عليه رفع المانع، و المانع هو دليل القائل بجواز تقديم القبول مطلقا على الإيجاب. و لكنّه أخّر بيانه و تعرّض لمنع تقديم القبول في القسم الثاني من ألفاظ القبول، و هو الأمر، هذا.

(2) يعني: يظهر مما ذكرنا من وجه تأخير «قبلت» عن الإيجاب- الوجه في منع تقديم القبول بلفظ الأمر، حيث إنّ القبول هو الرّضا المتضمن لنقل مال بالفعل إلى الموجب على وجه العوضية، و هذا الدليل الجاري في إنشاء القبول بلفظ «قبلت» يجري في إنشائه بصيغة الأمر، و بيانه: أنّ الأمر لا يدلّ على الرّضا بالإيجاب المزبور، إذ طلب المعاوضة لا يدلّ على أزيد من الرّضا بالمعاوضة المستقبلة، و لا يدلّ على الرّضا بالنقل في الحال إلى البائع، فلا ينطبق مفهوم القبول على إنشائه بالأمر، فلا يصح تقديمه على الإيجاب، كما لا يصح إنشاء القبول بالأمر في صورة التأخّر، لأنّه طلب للحاصل.

و بالجملة: فلا يقع القبول بلفظ الأمر مطلقا تقدّم أو تأخّر.

و لا يخفى أنّ قوله: «و مما ذكرنا يظهر الوجه .. إلخ» جملة معترضة بين الوجوه التي استدلّ بها المصنف على عدم جواز تقديم «قبلت و رضيت» و هي من قوله:

«و يدلّ عليه مضافا إلى ما ذكر» الى قوله: «و مما ذكرنا يظهر الوجه» و بين بعضها الآخر، و هو إبطال ما بقي من دليل الجواز، و هو قوله الآتي: «و أمّا فحوى جوازه في النكاح .. إلخ» فتفطّن.

ص: 447

على الرّضا بها، لكن (1) لم يتحقق- بمجرّد الرّضا بالمعاوضة المستقبلة- نقل في الحال للدرهم إلى البائع كما لا يخفى.

و أمّا ما يظهر من المبسوط- من الاتفاق هنا (2) على الصحة به- فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه.

و أمّا فحوى (3) جوازه في النكاح ففيها (4)

______________________________

(1) يعني: مع أنّ المعتبر في القبول- الذي هو ركن العقد المعاوضي- إنشاء نقل ماله بالفعل بعنوان العوض، و المفروض عدم تحقق هذا النقل الفعلي إذا كان القبول بلفظ الأمر.

(2) أي: في باب البيع، يعني: و أمّا ما يظهر من المبسوط- من الاتفاق في باب البيع على صحته بأمر المشتري- فموهون بما سيأتي من مصير الأكثر إلى خلافه، فكيف يدّعى الإجماع على الصحة بالأمر؟

و غرضه قدّس سرّه من التعرض لكلام شيخ الطائفة قدّس سرّه الإشارة إلى ما استدلّ به على جواز تقديم القبول إذا كان بصيغة الأمر على الإيجاب، ثم ردّه و التنبيه على ضعفه بعدم تحقق الإجماع، لمصير الأكثر على خلافه. و عليه فالمنع من تقديم القبول في باب البيع إذا كان بصيغة الأمر غير مخالف للإجماع حتّى يشكل المصير إليه.

(3) هذا من الوجوه الدالة على جواز تقديم القبول بصيغة الأمر و المضارع.

و قد تقدم تقريب الاستدلال بالفحوى في (ص 436) عند قوله: «و فحوى جوازه في النكاح .. إلخ» فراجع.

(4) جواب «و أما فحوى» و قد ردّها المصنف قدّس سرّه بوجهين:

الوجه الأوّل: منع الحكم في الأصل- و هو النكاح- لعدم دلالة رواية سهل على تحقق القبول بلفظ الأمر و هو قول الصّحابي: «زوّجنيها» حتى يدلّ على جواز تقديم القبول في غير النكاح بالأولوية. وجه عدم الدلالة: أنّ في رواية سهل احتمالين:

أحدهما: أن يكون قول الصحابي: «زوّجنيها» قبولا مقدّما على إيجاب النكاح

ص: 448

..........

______________________________

بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «زوّجتكها بما معك من القرآن» و قد أقرّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هذا الاحتمال مبنى استفادة جواز تقديم القبول بلفظ الأمر- في باب البيع- على الإيجاب، من باب الأولوية، لكون الأموال دون الأعراض في الأهمية و الاحتياط.

ثانيهما: أن يكون قول الصّحابي مجرّد استدعاء التزويج بالمرأة فالرّجل طلب من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يزوّجها منه إن لم يكن لنفسه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاجة بها. و من المعلوم أنّ هذا الاستدعاء أجنبي عن تقدم قبول النكاح على إيجابه، بل لا بد أن يكون الصّحابي أنشأ القبول بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «زوّجتك أو زوّجتكها».

و يؤيد هذا الاحتمال الثاني ما ذكره جمع من الفقهاء من أنّه لو كان قول الصحابي: «زوّجنيها» قبولا مقدّما على الإيجاب لزم تخلّل الكلام الأجنبي بين الإيجاب و القبول، و هو محاورة النبي مع الرّجل حول الصّداق. و حيث إنّ الموالاة بين الإيجاب و القبول معتبرة في العقود تعيّن حمل رواية سهل على مجرّد الاستدعاء، و يوهن به الاحتمال الأوّل، و لا يبقى موضوع لاستفادة الفحوى.

الوجه الثاني: لو سلّمنا دلالة رواية سهل على صحة النكاح بالقبول المقدّم على الإيجاب قلنا بمنع أولوية البيع- بجواز التقديم- من النكاح، و ذلك لأنّ الترتيب بين الإيجاب و القبول يقتضي تقديم الإيجاب، بلا فرق بين عقد البيع و غيره. لكن الحكمة الخاصة بباب النكاح- و هي أنّ الإيجاب فيه من المرأة، و هي تستحي غالبا من الابتداء- اقتضت توسعة الشارع فيه و ترخيصه في ابتداء الزوج بالقبول. كما وسّع الشارع للمكلّفين في جهات أخرى، فجوّز نكاح الفضول، و المتعة حذرا من الابتلاء بالحرام. و من المعلوم أنّ هذه الحكمة منتفية في باب البيع، فليس هو مساويا للنكاح في هذا الحكم فضلا عن كونه أولى منه في تقديم قبوله على إيجابه.

هذا كله إذا أريد استفادة الفحوى من رواية سهل الساعدي.

و أمّا إذا أريد استفادتها من رواية أبان فسيأتي الإشكال فيها.

ص: 449

- بعد الإغماض (1) عن حكم الأصل (2) بناء (3) على منع (4) دلالة رواية سهل على كون لفظ الأمر هو القبول (5)، لاحتمال (6) تحقق القبول بعد إيجاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و يؤيّده (7) أنّه لولاه يلزم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول- منع (8) الفحوى. و قصور (9) دلالة رواية أبان من حيث اشتمالها على كفاية قول المرأة:

______________________________

(1) هذا إشارة إلى أوّل الوجهين، و قد تقدّم بقولنا: «الأوّل: منع الحكم في الأصل ..».

(2) أي: النكاح.

(3) و أمّا بناء على تمامية دلالة الرواية على جواز تقديم قبول النكاح على إيجابه لم يتّجه هذا الإشكال الأوّل على شيخ الطائفة، و عليه فالإشكال مبنائيّ.

(4) هذا تقريب الإشكال على حكم النكاح، و حاصله: منع دلالة رواية سهل على كون لفظ الأمر قبولا لعقد النكاح، لاحتمال تحقّق القبول بلفظ «قبلت» مثلا بعد إيجاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. ثم أيّد ذلك بأنه لو لا تحقق القبول بعد إيجابه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يلزم فوات الموالاة بين الإيجاب و القبول، فيبطل العقد.

(5) أي: القبول المقدّم على الإيجاب.

(6) تعليل لمنع دلالة رواية سهل، و قد عرفت توضيحه.

(7) لم يقل: «و يدلّ عليه» لاحتمال كون الرواية دليلا على عدم اعتبار الموالاة في هذا المورد.

(8) مبتدأ مؤخّر لقوله: «ففيها» وجه منع الفحوى: ما أفاده العلّامة- و تبعه من تأخّر عنه- بقوله: «و الجواب: المنع من المساواة بين النكاح و البيع، و إنّما سوّغنا في النكاح، لضرورة لم توجد في البيع، و هي الحياء الحاصل للمرأة، فلا تبادر إلى تقديم الإيجاب، فلهذا جوّزنا تقديم القبول، بخلاف البيع» «1».

(9) معطوف على «منع الفحوى» و غرضه دفع توهّم، حاصل الوهم: أنّ

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 52 و 53

ص: 450

«نعم» في الإيجاب (1).

ثم اعلم (2) أنّ في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر

______________________________

المناقشة الأولى في رواية سهل الساعدي لا تجري في رواية أبان بن تغلب الواردة في إنشاء النكاح المنقطع بصيغة المضارع مع تقدّم القبول على الإيجاب.

وجه سلامة هذه الرواية عن المناقشة الأولى هو: أنّ الإمام عليه السّلام علّم أبان كيفية إنشاء المتعة بأن يقول لها: «أتزوّجك متعة .. إلخ» و تقول المرأة بعده: «نعم» و لعلّ هذه الرواية صريحة في جواز تقديم القبول على الإيجاب في باب المتعة.

و الاحتمال المتقدم في رواية سهل- من تحقق القبول بعد إيجاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله:

«زوّجتك»- غير جار في رواية أبان. و عليه يمكن الاستناد إلى هذه الرواية في استفادة الفحوى.

و قد دفع المصنف قدّس سرّه هذا الوهم بما حاصله: قصور دلالة رواية أبان على تقديم قبول النكاح على إيجابه، و ذلك لما ذكره جمع من الفقهاء من أنّ قولها: «نعم» في جواب القبول المقدّم لا يكون إيجابا مؤخّرا «1». و عليه يشكل العمل بظاهر رواية أبان لمخالفتها للقاعدة المسلّمة، و هي توقف العقد على إيجاب و قبول، سواء تقدّم الإيجاب أم تأخّر. ففي رواية سهل الساعدي لا مانع من جعل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «زوّجتك إيّاها» إيجابا مؤخّرا، و قول الرّجل: «زوّجنيها» قبولا مقدما، لكون كلتا الصيغتين صريحتين في النكاح. بخلاف قولها: «نعم» في رواية أبان، فإنّه ليس إيجابا. و حيث كانت الرواية.

مخالفة للقاعدة المسلّمة لم يمكن الأخذ بظاهرها فضلا عن استفادة الفحوى منها.

(1) يعني: و الحال أنّ الاقتصار على «نعم» في إيجاب النكاح ممنوع عندهم.

(2) بعد أن اختار ما هو التحقيق عنده من عدم جواز تقديم القبول بصيغة الأمر أراد أن ينبّه على كلمات الأصحاب فيه، و قد تعرّض لجملة منها.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 12، ص 72

ص: 451

اختلافا كثيرا (1) بين كلمات الأصحاب، فقال في المبسوط: «إن قال: بعنيها بألف، فقال: بعتك صحّ. و الأقوى عندي أنّه لا يصح حتى يقول المشتري بعد ذلك:

اشتريت» «1».

و اختار ذلك في الخلاف «2» (2). و صرّح به (3) في الغنية، فقال: «و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري حذرا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري، و هو أن يقول: بعنيه بألف، فيقول: بعتك، فإنّه لا ينعقد حتى يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت أو قبلت» «3».

و صرّح به (4) أيضا في السرائر و الوسيلة «4».

و عن جامع المقاصد (5) «أن ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتفاقي» «5».

______________________________

(1) الأولى إسقاط: «كثيرا» إذ ليس في المسألة أزيد من قولين، و التعبير بالاختلاف الكثير إنّما يحسن مع كثرة الأقوال في المسألة، و المفروض أنّه ليس في هذه المسألة إلّا قولان.

(2) تقدّمت عبارة الخلاف في (ص 433) فراجع.

(3) يعني: صرّح السيد أبو المكارم ابن زهرة بعدم صحة البيع عند تقدم القبول على الإيجاب.

(4) أي: صرّح ابنا حمزة و إدريس بعدم الصحة كما صرّح به أبو المكارم.

(5) قال في شرح قول العلامة: «و لا الاستيجاب و الإيجاب» ما لفظه:

«ظاهرهم أنّ هذا الحكم اتفاقي، و ما قيل بجوازه في النكاح مستند إلى رواية ضعيفة».

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 87 و هذه العبارة مذكورة في بيع المبسوط.

(2) الخلاف، ج 3، ص 39، المسألة: 56

(3) غنية النزوع في الأصول و الفروع، ص 522 (الجوامع الفقهية).

(4) الوسيلة لابن حمزة (ضمن الجوامع الفقهية) ص 740، السرائر الحاوي، ج 2، 249 و 250

(5) جامع المقاصد، ج 4، ص 59

ص: 452

و حكي الإجماع (1) عن ظاهر الغنية أيضا أو صريحها «1».

و عن المسالك (2): «المشهور».

بل قيل (3): إنّ هذا الحكم ظاهر كلّ من اشترط الإيجاب و القبول.

و مع ذلك (4) كلّه فقد صرّح الشيخ في المبسوط «2» في باب النكاح بجواز

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي، حيث قال: «و الإجماع ظاهر الغنية أو صريحها».

(2) يعني: و حكي عن المسالك أنّ عدم صحة البيع- بتقديم القبول على الإيجاب- هو المشهور، حيث قال فيه- في شرح كلام المحقق: «و لا ينعقد إلّا بلفظ الماضي .. و كذا في طرف القبول»- ما لفظه: «نبّه بذلك على خلاف ابن البرّاج، حيث جوّزه بهما، و المشهور خلافه» «3».

و لا يخفى أنّ الشهيد الثاني ادّعى الشهرة في مسألة جواز الإنشاء بغير الماضي، لا في تقديم الإيجاب على القبول، إلّا أن يدّعى التلازم بين الحكمين، فراجع المسالك.

(3) القائل هو السيد الفقيه العاملي في عدم انعقاد البيع بالاستيجاب و الإيجاب، قال قدّس سرّه: «و الحكم ظاهر كلّ من اشترط الإيجاب و القبول و الماضوية فيهما» «4».

و لعلّ وجه الاستظهار هو دعوى ظهور «الأمر» في غير القبول، فلا يصح إنشاء القبول به. أو دعوى اعتبار الترتيب بينهما في مقام الاشتراط من جهة عطف القبول على الإيجاب في كلماتهم، دون العكس.

(4) أي: و مع هذه الكلمات- الدالة على عدم انعقاد البيع باستدعاء المشتري و قبوله بلفظ الأمر- فقد صرّح الشيخ في باب النكاح بجواز تقديم القبول بصيغة الأمر، و عبارته مشعرة بكون الجواز إجماعيّا.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 161

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 194

(3) مسالك الافهام، ج 3، ص 159

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 161

ص: 453

التقديم بلفظ الأمر بالبيع، و نسبته إلينا (1) مشعرة- بقرينة السياق- إلى عدم الخلاف فيه بيننا، فقال: «إذا تعاقدا، فإن تقدّم الإيجاب على القبول، فقال:

زوّجتك، فقال: قبلت التزويج صحّ. و كذا إذا تقدّم الإيجاب على القبول في البيع صحّ بلا خلاف. و أمّا إن تأخّر الإيجاب و سبق القبول، فإن كان في النكاح فقال الزوج (2): زوّجنيها، فقال: زوّجتكها صحّ، و إن لم يعد الزوج القبول، بلا خلاف، لخبر الساعدي، قال الرجل: زوّجنيها يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال زوّجتكها بما معك من القرآن، فتقدّم القبول و تأخّر الإيجاب. و إن كان هذا في البيع فقال بعنيها، فقال: بعتكها، صحّ عندنا و عند قوم من المخالفين. و قال قوم منهم:

لا يصحّ حتى يسبق الإيجاب» انتهى.

و حكي جواز التقديم بهذا اللّفظ (3) عن القاضي في الكامل.

بل يمكن نسبة هذا الحكم (4) إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب بقول مطلق، و تمسّك (5) له في النكاح برواية سهل الساعدي المعبّر فيها عن

______________________________

(1) يعني: قال شيخ الطائفة: «صحّ عندنا و عند قوم من المخالفين» و من المعلوم إشعار «عندنا» بالإجماع عند الخاصة لو لا ظهوره فيه. و حينئذ كيف يمكن الجمع بين دعوى اتفاق الأصحاب- على صحة تقديم القبول بلفظ الأمر بالبيع- مع الكلمات المتقدمة عن جماعة منهم؟

(2) يعني: قال الزوج لوليّ الزوجة: «زوّجنيها» فزوّجها الوليّ منه.

(3) أي: لفظ الأمر، مثل «بعنيها» و حكاه في المختلف عن المهذّب أيضا «1».

(4) و هو جواز التقديم بلفظ «بعنيها» و الوجه في صحة هذه النسبة هو: إطلاق القول بجواز التقديم، إذ من صغريات القبول لفظ الأمر، فتدبر.

(5) معطوف على «جوّز» أي: كلّ من جوّز و تمسّك لجواز تقديم القبول على الإيجاب برواية سهل، إذ هذا التمسك قرينة على أنّ مراده من القبول هنا ما يعمّ الأمر،

______________________________

(1): مختلف الشيعة، ج 5، ص 52

ص: 454

القبول بطلب التزويج (1).

إلّا (2) أنّ المحقق رحمه اللّه- مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب- صرّح بجواز تقديم القبول على الإيجاب.

و ذكر العلّامة قدّس سرّه الاستيجاب و الإيجاب، و جعله خارجا عن قيد اعتبار

______________________________

إذ لو اختص بغير الأمر لما صحّ الاستدلال برواية سهل، فلا بدّ أن يكون كذلك في باب البيع أيضا، لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة.

(1) بقول الرجل: «زوّجنيها يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».

(2) استدراك على قوله: «بل نسبة هذا الحكم» و تضعيف لاستفادة نسبة تجويز تقديم القبول- بلفظ الأمر- إلى كلّ من أطلق جواز تقديم القبول على الإيجاب، و ذلك لأنّ المحقق مع تصريحه بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب في البيع أطلق جواز تقديم القبول على الإيجاب، حيث قال: «و لا ينعقد إلّا بلفظ الماضي، فلو قال: اشتر أو ابتع أو أبيعك، لم يصح. و كذا في طرف القبول، مثل أن يقول: بعني، لأنّ ذلك أشبه بالاستدعاء أو بالاستعلام. و هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردّد.

و الأشبه عدم الاشتراط» «1».

و العبارة صريحة في عدم صحة البيع بالاستيجاب و الإيجاب، و صحته بتقديم القبول. و كذا العلّامة.

فالجزم بعدم كفاية الاستيجاب و التردّد في شرطية تقديم الإيجاب على القبول- كما في قواعد العلّامة «2»- يكشف عن عدم صحة إنشاء القبول بالأمر حتى يقع البحث عن جواز تقديمه على الإيجاب، و عدمه، فإنّ هذا البحث فرع صحة إنشاء القبول بالأمر في نفسه. و مع عدم صحّته كذلك لا يبقى موضوع للبحث عن جواز تقديم القبول المنشأ بلفظ الأمر، و عدمه.

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

(2) قواعد الأحكام، ص 47 (الطبقة الحجرية).

ص: 455

الإيجاب و القبول كالمعاطاة (1)، و جزم بعدم كفايته، مع أنّه تردّد في اعتبار (2) تقديم القبول.

و كيف كان (3) فقد عرفت (4) أنّ الأقوى المنع في البيع، لما عرفت (5).

بل لو قلنا بكفاية التقديم بلفظ «قبلت» يمكن المنع هنا (6) بناء على اعتبار الماضوية فيما دلّ على القبول (7).

ثم إنّ هذا (8) كلّه بناء على المذهب المشهور بين الأصحاب من عدم كفاية مطلق اللفظ في اللزوم، و عدم القول بكفاية مطلق الصيغة في الملك.

______________________________

(1) يعني: كما أنّ المعاطاة خارجة عن العقد، إذ ليس فيها إيجاب و قبول لفظيان، فكذا الاستيجاب و الإيجاب خارجان عن العقد.

(2) الأولى التعبير بالجواز، إذ ليس الكلام في لزوم تقديم القبول و اعتباره، بل في جوازه كما لا يخفى.

(3) يعني: سواء أ كانت نسبة جواز تقديم القبول بلفظ الأمر- إلى كلّ من جوّز تقديم القبول على الإيجاب- صحيحة بقول مطلق، أم غير صحيحة فقد عرفت .. إلخ.

(4) بقوله: «و مما ذكرنا يظهر الوجه في المنع عن تقديم القبول بلفظ الأمر ..».

(5) من قوله: «لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرضا بها، لكن لم يتحقق بمجرّد الرّضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال للدرهم إلى البائع» يعني: أنّه يعتبر في القبول دلالته على الرّضا بالإيجاب، و على تضمّن النقل في حال القبول، و المفروض قصور صيغة الأمر عن إفادة النقل الضمني.

(6) أي: في إنشاء القبول بالأمر.

(7) يعني: فلا ملازمة بين جواز تقديم القبول بلفظ «قبلت» و بين جوازه بلفظ الأمر. وجه عدم الملازمة: أنّ الماضوية روعيت في «قبلت» و لم تراع في صيغة الأمر، ففي الإنشاء بالأمر إشكال زائد على الإنشاء ب «قبلت» مقدّما على الإيجاب.

(8) أي: أنّ عدم كفاية إنشاء القبول بالأمر مبني على الالتزام بتوقف العقود

ص: 456

و أمّا على ما قوّيناه [ما اخترناه] سابقا في مسألة المعاطاة (1) من أنّ البيع العرفي موجب للملك، و أنّ الأصل في الملك اللزوم، فاللازم الحكم باللزوم في كلّ مورد لم يقم إجماع على عدم اللزوم، و هو (2) ما إذا خلت المعاملة عن الإنشاء باللفظ رأسا، أو كان اللفظ المنشأ به المعاملة ممّا قام الإجماع على عدم إفادتها اللزوم. و أمّا في غير ذلك فالأصل اللزوم.

______________________________

اللازمة على إنشائها بالصيغ الخاصة المأثورة عن الشارع. و أمّا إن قلنا بكفاية المعاطاة في النقل الملكي- لكونها بيعا عرفيا مفيدا للملك، و الأصل في الملك هو اللزوم- اتّجه الالتزام بانعقاد البيع بكلّ ما يكون مصداقا له عرفا.

إلّا أن يقوم دليل مانع عن الأخذ بهذا الالتزام، و المانع هو الإجماع على أحد الأمرين، إمّا على توقف اللزوم على الإنشاء بمطلق اللفظ، و أنّ التعاطي لا يفيد الملك اللّازم. و إمّا على توقف اللزوم على صيغة خاصة، بحيث لا يترتب على مطلق اللفظ الكاشف عن القصد.

فإن تمّ الإجماع على أحد الأمرين أخذ بمقتضاه، و إلّا فلا بدّ من القول باللزوم إذا أنشئ البيع باللفظ، و لكن تقدّم قبوله- بصيغة الأمر- على إيجابه. و المفروض عدم وجود إجماع في البين بعد تصريح شيخ الطائفة قدّس سرّه بانعقاد البيع بأمر المشتري و إيجاب البائع بعده.

(1) حيث إنّه قدّس سرّه أثبت أوّلا إفادة المعاطاة للملك، ثم أثبت أصالة اللزوم في كل ملك.

(2) هذا بيان معقد الإجماع، و هو أحد الأمرين، إمّا خلوّ المعاملة عن اللفظ رأسا، و إما خلوّها عن اللفظ الخاص المأثور عن الشارع. فإذا أنشئت بلفظ كنائي أو مجازي و كانت القرينة مقالية سابقه على الإنشاء، أو مقامية مقارنة له لم تصحّ، لانتفاء الدلالة الوضعية. و أمّا إذا أنشئت بلفظ الأمر فلا إجماع على عدم تأثيره في اللزوم.

ص: 457

و قد عرفت أنّ القبول على وجه طلب البيع قد صرّح في المبسوط بصحته (1)، بل يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا (2)، و حكي عن الكامل أيضا، فتأمّل (3).

و إن كان (4) التقديم بلفظ: «اشتريت أو ابتعت أو تملّكت أو ملكت هذا بكذا» فالأقوى جوازه، لأنّه إنشاء ملكيته للمبيع بإزاء ماله عوضا، ففي الحقيقة

______________________________

(1) يعني: فيفيد الملك، و لا إجماع على عدم لزومه، فالأصل يقتضي لزومه.

(2) حيث قال في عبارته المنقولة في المتن: «صحّ عندنا».

(3) لعلّه إشارة إلى ما تقدم من موهونيّة دعوى الشيخ لنفي الخلاف بمصير الأكثر إلى خلافه حتّى هو قدّس سرّه في بيع المبسوط.

(4) معطوف على ما تقدم في (ص 439) من قوله: «فان كان بلفظ قبلت» و غرضه قدّس سرّه الاستدلال على جواز تقديم ثالث أقسام ألفاظ القبول على الإيجاب.

و توضيح ما أفاده: أنّه لا يعتبر في صدق العقد و المعاوضة عرفا المطاوعة لإنشاء الغير، ضرورة أنّ العقد متقوم بالتزامين مرتبطين مبرزين، و من المعلوم حصول إبرازهما بلفظ «ملكت» قبولا و «بعت» إيجابا، لأنّ معنى «ملكت» و «اشتريت» إنشاء ملكية المبيع بإزاء ماله عوضا، فالمشتري ينشئ المعاوضة حقيقة كالبائع، غاية الأمر أن البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه، و المشتري ينشئ تملّك مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله، فكل منهما يخرج ماله إلى ملك صاحبه، و يدخل مال صاحبه في ملك نفسه.

إلّا أنّ بين الإدخالين فرقا، فالإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض، لأنّ دخول الثمن في ملك البائع يفهم من قول البائع: «بكذا» بعد قوله: «بعت» حيث إنّ «بعت» يدلّ على خروج المال عن ملك البائع، و ذكر العوض يدلّ على دخول الثمن في ملكه بإزاء المبيع. و الإدخال في القبول يفهم من نفس لفظ «ملكت» فإنّ معناه تملّك المبيع بإزاء الثمن، فالمشتري ينشئ بمثل «ملكت، تملّكت، اشتريت» دخول مال البائع

ص: 458

كلّ منهما يخرج ماله إلى صاحبه و يدخل مال صاحبه في ملكه، إلّا (1) أنّ الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض (2)، و في القبول مفهوم من نفس الفعل (3)، و الإخراج بالعكس (4). و حينئذ (5) فليس في حقيقة الاشتراء من حيث

______________________________

في ملكه، و البائع ينشئ بقوله: «بعت» خروج المبيع عن ملكه، و بذكر العوض يتملّك الثمن بإزائه.

و الحاصل: أنّ الإدخال في الإيجاب يفهم من ذكر العوض، و في القبول من نفس لفظ «تملكت». و الإخراج بالعكس، لأنّه في الإيجاب يكون بنفس اللفظ الذي ينشأ به الإيجاب، فإنّ معنى «بعت»: أخرجت المبيع عن ملكي. و الإخراج في القبول يكون بذكر العوض. فإذا قدّم المشتري القبول، و قال: «اشتريت هذا الكتاب بدينار» فدلالته على إخراج الدينار عن ملكه تكون بذكر العوض و هو الدينار.

و بالجملة: فما هو المعتبر في القبول من أمرين- أحدهما الرّضا بالإيجاب، و الثاني نقل الثمن في حال القبول- متحقق في هذا القسم الثالث. أمّا الرّضا فواضح.

و أمّا نقل الثمن فلأنّه ينشئ ملكيّته للمبيع بإزاء ماله عوضا. و لا يعتبر في القبول ما عدا هذين الأمرين كالمطاوعة، إذ لا دليل على اعتبارها في مفهوم القبول.

(1) هذا بيان الفارق بين الإدخالين و الإخراجين، و قد تقدم توضيحه بقولنا:

«الّا أنّ بين الإدخالين فرقا .. إلخ».

(2) يعني من قوله: «بدينار» لا من نفس قوله: «بعت».

(3) أي: نفس اللفظ، فإنّ قول القابل: «قبلت» مثلا يدلّ على إدخال المبيع في ملكه، و إخراج الثمن عن ملكه، و «بعت» يدلّ على الإخراج عن الملك، و ذكر العوض يدلّ على الإدخال أي إدخال الثمن في ملكه.

(4) يعني: إخراج الإيجاب يستفاد من نفس «بعت» و إخراج القبول يفهم من ذكر العوض.

(5) يعني: و حين دلالة «اشتريت» على تمليك القابل ماله للموجب بعنوان

ص: 459

هو (1) معنى القبول (2).

لكنه (3) لمّا كان الغالب وقوعه عقيب الإيجاب، و إنشاء انتقال مال البائع إلى نفسه إذا وقع عقيب نقله إليه يوجب (4) تحقق المطاوعة و مفهوم القبول

______________________________

العوضية في حال الإنشاء فليس .. إلخ».

(1) يعني: في نفسه مع الغضّ عن وقوعه عقيب الإيجاب.

(2) حتّى يلزم تأخّره عن الإيجاب من حيث كونه قبولا، كما لزم تأخّر لفظ «قبلت» عن الإيجاب.

(3) هذا دفع دخل يرد على قوله: «فليس في حقيقة الاشتراء معنى القبول» و حاصل الدخل هو: أنّ الاشتراء إن كان دالا على إدخال مال الغير في ملكه و إخراج مال نفسه إلى ملك الموجب كان كالإيجاب الذي هو إخراج و إدخال، و لم يبق وجه لعدّ «اشتريت» من ألفاظ القبول الذي يفهم منه مطاوعة فعل الغير، و من المعلوم اعتبار سبق فعل حتى يمكن مطاوعته.

و عليه فيكون وزان «اشتريت» وزان «قبلت» في اعتبار تأخره عن الإيجاب، إذ القبول إمضاء فعل الغير.

و قد دفعه المصنف بما حاصله: أنّ تسمية «اشتريت» قبولا ليس لأجل اتحاده مفهوما مع «قبلت» حتى يمتنع تقدّمه على الإيجاب، بل لأجل أنّ الغالب من العقود و البيوع الخارجية ينشأ فيها الإيجاب أوّلا، ثم يتبعها القبول، إمّا بلفظ «قبلت أو رضيت أو اشتريت أو ملكت» فيستفاد من كلّ منها المطاوعة و الانفعال، و من المعلوم أنّ هذه الغلبة الوجودية لا تغيّر مدلول اللفظ، فالمطاوعة تستفاد من «قبلت اشتريت» لكنّها في «قبلت» مدلول اللفظ، و في «اشتريت» مستفادة من القرينة المقامية، و هي غلبة تأخّر القبول عن الإيجاب.

(4) خبر قوله: «و إنشاء».

ص: 460

أطلق (1) عليه القبول (2). و هذا المعنى (3) مفقود في الإيجاب المتأخر، لأنّ المشتري إنّما ينقل ماله إلى البائع بالالتزام الحاصل من جعل ماله عوضا، و البائع إنّما ينشئ انتقال الثمن إليه كذلك، لا بمدلول الصيغة.

و قد صرّح (4) في النهاية و المسالك- على ما حكي- «بأنّ اشتريت ليس قبولا حقيقة (5) و إنّما هو بدل، و أنّ الأصل (6) في القبول قبلت، لأن القبول في الحقيقة ما لا يمكن الابتداء به، و لفظ اشتريت يجوز الابتداء به» «1».

______________________________

(1) جواب «لمّا كان» و ضميرا «وقوعه، عليه» راجعان إلى الاشتراء.

(2) فإطلاق القبول و دلالته على المطاوعة إنّما تكون بقرينة المقام، و هو وقوعه عقيب الإيجاب غالبا. و لا يرد عليه ما في بعض الحواشي من: أنّه إذا لم يدلّ بنفسه على المطاوعة فكيف يدلّ عليها إذا وقع عقيب الإيجاب؟

(3) يعني: تحقق المطاوعة و مفهوم القبول بسبب التأخّر مفقود في الإيجاب المتأخّر، لفقد ما يوجبه و هو إنشاء البائع انتقال الثمن إلى نفسه بالمدلول المطابقي للصيغة، لأنّ الانتقال يكون بالمدلول الالتزامي. كما أنّ نقل المشتري إيّاه إلى البائع- و إن تقدّم- إنّما هو بالدلالة الالتزاميّة لا المطابقية.

(4) غرضه من الاستشهاد بكلام النهاية و المسالك هو: أنّ «اشتريت» ليس من ألفاظ القبول بالأصالة، إذ القبول يعتبر فيه الرّضا بإيجاب الغير و مطاوعته له، لكونه مبنيّا عليه، و حيث إنّ «اشتريت» لا يدلّ على هذه الخصوصية لم يكن أصلا في القبول، بل بدلا عن «قبلت» و «رضيت».

(5) لعدم كون دلالته على القبول بالمطابقة، بل لقرينة مقاميّة، و هي وقوعه عقيب الإيجاب.

(6) بمعنى كون ما يدلّ على الإنشاء الذي لا يجوز الابتداء به- لتفرّعه على إنشاء آخر- هو لفظ القبول، لأنّه وضع للإنشاء المسبوق بإنشاء آخر، بخلاف لفظ

______________________________

(1): نهاية الأحكام، ج 2، ص 448، مسالك الأفهام، ج 3، ص 154.

ص: 461

و مرادهما أنّه بنفسه لا يكون قبولا، فلا ينافي ما ذكرنا من تحقق مفهوم القبول فيه إذا وقع عقيب تمليك البائع. كما أنّ «رضيت بالبيع» ليس فيه إنشاء لنقل ماله إلى البائع إلّا إذا وقع متأخّرا، و لذا منعنا عن تقديمه. فكلّ من «رضيت و اشتريت» بالنسبة إلى إفادة نقل المال و مطاوعة البيع عند التقدّم و التأخر متعاكسان (1).

فإن قلت (2): إنّ الإجماع على اعتبار القبول في العقد يوجب تأخير قوله:

«اشتريت» حتّى يقع قبولا، لأنّ إنشاء مالكية مال الغير إذا وقع عقيب تمليك الغير له يتحقق فيه معنى الانتقال و قبول الأثر، فيكون «اشتريت»

______________________________

«اشتريت» مثلا، لأنّه مما يمكن الإنشاء به بدون سبق إنشاء عليه، فيسقط بهذا ما عن بعض: من أنّا لا نفهم معنى لكون الأصل في القبول «قبلت».

(1) توضيحه: أنّ «رضيت» يفيد المطاوعة التي بها يكون إنشاء لنقل ماله إلى البائع، و لأجل تأخّر المطاوعة امتنع تقدّم «رضيت» على الإيجاب، فإنشاء النقل مترتب على المطاوعة. بخلاف «اشتريت» فإنّه لا يدلّ على المطاوعة إلّا إذا تأخّر عن الإيجاب، لكنّه يدلّ على إنشاء نقل ماله.

و بالجملة: «رضيت» يدلّ على المطاوعة، و لا يدلّ بنفسه على إنشاء النقل إلّا إذا تأخّر، و «اشتريت» يدلّ على إنشاء النقل، و لا يدلّ على المطاوعة إلّا إذا تأخّر، فهما في إفادة المطاوعة و النقل متعاكسان.

(2) هذا إشكال على ما قوّاه من جواز تقديم القبول إذا كان بلفظ «اشتريت» و نحوه. و محصّل الإشكال: خلوّ عقد البيع عن القبول، و انحصار الإنشاء في الإيجاب.

و توضيحه: أنّ الإجماع على اعتبار القبول يوجب تأخيره عن الإيجاب حتى يقع قبولا، فدلالة «اشتريت» على القبول إنّما تكون بسبب تأخيره، و إلّا كان إيجابا لا قبولا، إذ إنشاء التملّك لا يجعله قبولا إلّا إذا وقع عقيب تمليك الغير.

و الشاهد على أعمية إنشاء التملّك من القبول العقدي هو صحة تملك الملتقط للقطة، و كذا صحة تملّك الحائز- للمباحات الأصليّة- بالحيازة، مع أنّه لا تمليك من

ص: 462

متأخّرا (1) التزاما بالأثر عقيب إنشاء التأثير من البائع، بخلاف ما لو تقدّم، فإنّ مجرّد إنشاء المالكية لمال لا يوجب تحقق مفهوم القبول، كما لو نوى تملك المباحات أو اللقطة، فإنّه لا قبول فيه رأسا.

قلت (2): المسلّم من الإجماع هو اعتبار القبول من المشتري بالمعنى الشامل للرّضا بالإيجاب. و أمّا وجوب تحقق مفهوم القبول المتضمن للمطاوعة و قبول الأثر فلا.

فقد تبيّن من جميع ذلك (3): أنّ إنشاء القبول لا بدّ أن يكون جامعا لتضمن

______________________________

طرف آخر حتى يقبله الملتقط و الحائز، بل هو تملّك ابتدائي.

و على هذا فدلالة «اشتريت» على القبول منوطة بتأخره عن الإيجاب، إذ تقدّمه لا يلازم التملك القبولي. و حيث إنّ «بعت» المتأخر عنه إيجاب العقد، فيلزم قيام البيع بإيجابين و خلوّه عن القبول، و من المعلوم تقوّم العقود بركنين، إذ هو الفارق بينها و بين الإيقاعات القائمة بإنشاء واحد. و لا مفرّ من هذا المحذور إلّا إنكار تقدم القبول و لو كان بلفظ «اشتريت، تملكت، ملكت، ابتعت».

(1) حال من «اشتريت» و قوله: «التزاما» خبر «فيكون».

(2) هذا جواب الإشكال المزبور، و محصّله: أنّ المتيقن من الإجماع هو الرّضا بالإيجاب، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك في القبول كالمطاوعة و غيرها.

(3) الظاهر أنّ المشار إليه هو ما أفاده في «قلت: المسلّم من الإجماع هو اعتبار القبول .. إلخ».

و محصله: أن القبول العقدي متقوم بأمرين، أحدهما: الرضا بالإيجاب، و الآخر: الدلالة على إنشاء نقل العوض إلى الموجب، و هذان متحققان في القبول المتقدّم على الإيجاب، إذا كان بلفظ «اشتريت» و أخواته.

و لا يعتبر في القبول أمر ثالث و هو المطاوعة الحقيقية للإيجاب، و لا إنشاء التأثر من تأثير البائع و تمليكه، إذ لو كان هذا دخيلا في القبول امتنع تقديمه في جميع ألفاظه.

ص: 463

إنشاء النقل، و للرّضا بإنشاء البائع، تقدّم أو تأخّر، و لا يعتبر (1) إنشاء انفعال نقل البائع.

فقد تحصّل مما ذكرناه (2) صحة تقديم القبول إذا كان بلفظ «اشتريت» وفاقا لمن عرفت (3).

بل (4) هو ظاهر إطلاق الشيخ في الخلاف «1»، حيث إنّه لم يتعرّض إلّا للمنع

______________________________

(1) حتى يجب تأخيره عن الإيجاب، تحقيقا لمعنى المطاوعة و الانفعال و التأثر.

(2) يعني: مما أفاده من أوّل القسم الثالث إلى هنا، حيث قال: «و إن كان التقديم بلفظ اشتريت .. إلخ». و مقصوده قدّس سرّه إثبات أنّ جواز تقديم القبول بلفظ مثل «اشتريت» و إن كان مقتضى الدليل و الصناعة، إلّا أنّه لم يتفرّد به حتى يستوحش من المصير إليه، بل ذهب جمع من أعيان الفقه إلى جوازه، كما سيأتي ذكرهم.

(3) بقوله في أوائل هذه المسألة: «و أمّا في باب النكاح- من المبسوط- فكلامه صريح في جواز التقديم- أي تقديم قبول البيع على إيجابه- كالمحقق رحمه اللّه في الشرائع، و العلّامة في التحرير، و الشهيدين في بعض كتبهما و جماعة ممّن تأخّر عنهما» راجع (ص 436).

(4) أي: جواز تقديم القبول على الإيجاب ظاهر إطلاق شيخ الطائفة في كتاب الخلاف، حيث إنّه- مع كونه في مقام بيان شرائط الصحة- لم يمنع إلّا عن الانعقاد بالاستيجاب و الإيجاب مثل «بعني، فيقول بعتك» و من المعلوم عدم الملازمة بين المنع عن الاستيجاب و الإيجاب، و بين المنع عن تقديم مثل «اشتريت». وجه عدم الملازمة قصور «بعني» عن الدلالة على القبول المعتبر في العقد من جهة عدم دلالة الأمر على الرضا الفعلي بالإيجاب حتى يملّك القابل ماله بعنوان العوضية للموجب. و هذا بخلاف «اشتريت» و أخواته المتكفلة لهذه الجهة.

______________________________

(1): الخلاف، ج 3، ص 39- 40، المسألة 56

ص: 464

عن الانعقاد بالاستيجاب و الإيجاب. و قد عرفت (1) عدم الملازمة بين المنع عنه و المنع عن تقديم مثل «اشتريت».

و كذا السيد في الغنية «1»، حيث أطلق اعتبار الإيجاب و القبول. و احترز بذلك عن انعقاده بالمعاطاة و بالاستيجاب و الإيجاب (2).

و كذا ظاهر إطلاق الحلبي في الكافي «2»، حيث لم يذكر تقديم الإيجاب من شروط الانعقاد (3).

و الحاصل: أنّ المصرّح بذلك (4)- فيما وجدت من القدماء- الحلّي

______________________________

(1) لعل مراده قدّس سرّه ما تقدّم تارة بقوله: «لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرّضا بها، لكن لم يتحقق بمجرّد الرّضا بالمعاوضة المستقبلة نقل في الحال ..»

و أخرى بقوله: «إلّا أن المحقق مع تصريحه في البيع بعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب صرّح بجواز تقديم القبول على الإيجاب».

و التصريح بجواز تقديم «اشتريت» و إن لم يذكر في العبارتين، إلّا إنّ القدر المتيقّن من جواز تقديم القبول على الإيجاب- عند الكل- هو «اشتريت» و أخواته، دون «قبلت و رضيت».

(2) فيستفاد من إطلاق اعتبار الإيجاب و القبول في عقد البيع شرطيتهما المطلقة سواء تقدم الإيجاب أم تأخّر.

(3) لقوله: «و اشترطنا الإيجاب و القبول، لخروجه من دونهما عن حكم البيع» و لم يشترط تقدم الإيجاب على القبول.

(4) أي: المنع عن تقديم القبول على الإيجاب.

______________________________

(1): غنية النزوع في الفروع و الأصول (ضمن الجوامع الفقهية) ص 524، و قد تقدم كلام السيد في ص 452

(2) الكافي في الفقه، ص 252

ص: 465

و ابن حمزة (1) «1».

فمن التعجب بعد ذلك (2) حكاية الإجماع عن الخلاف «2» على تقديم الإيجاب مع (3) أنّه لم يزد على الاستدلال لعدم كفاية الاستيجاب و الإيجاب «بأنّ (4) ما عداه مجمع على صحته و ليس على صحته دليل» و لعمري أنّ مثل هذا ممّا يوهن الاعتماد على الإجماع المنقول.

و قد نبّهنا على أمثال ذلك (5) في مواردها (6).

______________________________

(1) قال الأوّل: «فإن كان القبول متقدما على الإيجاب فالبيع غير صحيح».

و قال الثاني في عداد شروط صيغة البيع: «و الثامن من تقديم الإيجاب على القبول».

(2) يعني: بعد موافقة جمع، و إطلاق الشيخ في الخلاف، و إطلاق السيد و الحلبي، فإنّه بعد هذه الموافقة تكون دعوى الإجماع على اعتبار تقديم الإيجاب على القبول بعيدة جدّا.

(3) غرضه تضعيف الإجماع بما حاصله: أنّه لا دلالة في كلامه على دعوى الإجماع على ذلك، لأنّ مفاده دعوى الإجماع على صحة العقد بغير الاستيجاب و الإيجاب، و أين هذا من دعوى الإجماع على اعتبار تقديم الإيجاب؟ و المجدي إنّما يكون هذه الدعوى، و هي مما لا يدلّ عليه كلام الخلاف.

(4) متعلق بالاستدلال، يعني: استدلّ الشيخ بقوله: «انّ ما عداه .. إلخ».

(5) يعني: أمثال هذا الموهن، و هو مصير جمع كثير إلى ما يخالف الإجماع، إذ يستكشف بهذه المخالفة عدم اتفاق الفقهاء على الحكم حتى يحرز به رأي الامام عليه السّلام.

(6) كما نبّه في بحث الإجماع المنقول على الإشكال العام في الإجماعات المنقولة- بعد توجيه دعاوي الإجماع و نقل كلام المحقق الشوشتري في كشف القناع- بما لفظه:

«و بالجملة: فالإنصاف بعد التأمّل و ترك المسامحة بإبراز المظنون بصورة القطع-

______________________________

(1): السرائر الحاوي، ج 2، ص 243، الوسيلة (ضمن الجوامع الفقهية) ص 740

(2) قد تقدم في ص 433، و الحاكي هو الشهيد في غاية المراد، و الشهيد الثاني في المسالك.

ص: 466

نعم (1) يشكل الأمر بأنّ المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب، و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه في المسألة الآتية و هو الوصل بين الإيجاب و القبول، فالحكم (2) لا يخلو عن شوب الإشكال.

ثم إنّ ما ذكرنا (3) جار في كلّ قبول يؤدّى بإنشاء مستقل كالإجارة التي

______________________________

كما هو متعارف محصّلي عصرنا- أنّ اتفاق من يمكن تحصيل فتاواهم على أمر كما لا يستلزم عادة موافقة الإمام عليه السّلام، كذلك لا يستلزم وجود دليل معتبر عند الكلّ من جهة أو من جهات شتّى. فلم يبق في المقام إلّا أن يحصّل المجتهد أمارات أخر من أقوال باقي العلماء و غيرها، ليضيفها إلى ذلك، فيحصل من مجموع المحصّل له و المنقول إليه- الذي فرض بحكم المحصّل من حيث وجوب العمل به تعبّدا- القطع في مرحلة الظاهر باللازم، و هو قول الامام عليه السّلام أو وجود دليل معتبر الذي هو أيضا يرجع إلى حكم الإمام عليه السّلام بهذا الحكم الظاهري المضمون لذلك الدليل .. إلخ» «1»، فراجع.

(1) استدراك على ما قوّاه من جواز تقديم القبول على الإيجاب، و حاصل الإشكال: أنّ المتعارف من الصيغة لمّا كان تقديم الإيجاب على القبول كان هذا التعارف مقيّدا لإطلاق وجوب الوفاء بالعقود، كتقييد تعارف الموالاة بين الإيجاب و القبول لإطلاق الأدلة. و لا فرق بين التعارف في المسألتين، و لا وجه للتفكيك بينهما بأن يكون موجبا لانصراف الإطلاق في مسألة الموالاة، و لا يكون موجبا له في مسألة تقدم الإيجاب على القبول. و لذا يشكل الحكم بجواز تقديم القبول على الإيجاب و إن كان التقديم مقتضى الصناعة.

(2) هذه نتيجة الإشكال في تقديم القبول بلفظ «اشتريت». و بهذا تمّ الكلام في المقام الأوّل و هو حكم تقدم القبول على الإيجاب في خصوص عقد البيع. و سيأتي الكلام في المقام الثاني و هو حكم تقدم القبول في سائر العقود.

(3) من جواز تقديم القبول إذا كان متضمّنا لإنشاء مستقلّ في نفسه، مثل «اشتريت، ابتعت» و نحوهما، و إن لم يكن قبولا بالمعنى الأخصّ، و هذا شروع في

______________________________

(1): فرائد الأصول، ص 63 و 64 (طبعة رحمة اللّه)

ص: 467

يؤدّى قبولها بلفظ «تملّكت منك منفعة كذا، أو ملكت» و النكاح الذي يؤدّي

______________________________

المقام الثاني، و المستفاد من كلامه تقسيم ألفاظ القبول في سائر العقود إلى أقسام، و أنّه يجوز تقديمه على الإيجاب في بعضها، دون بعض. و قبل توضيح الأقسام ينبغي التنبيه على أنّ المصنف قدّس سرّه ذكر وجهين في أقسام ألفاظ القبول.

أحدهما: ما أفاده بقوله: «ثم إنّ ما ذكرنا جار في كل قبول .. إلى قوله: و قد عرفت أنّ قبلت و رضيت مع التقديم لا يدل ..».

و ثانيهما: ما أفاده بقوله: «فتلخّص مما ذكرنا إلى قوله: فتقديم القبول على الإيجاب لا يكون إلّا في القسم الثاني من كلّ من القسمين». و يمكن أن يختلف مفاد الوجهين كما سيأتي ذكره في آخر البحث.

و توضيح الوجه الأوّل هو: أنّه إمّا أن يكون القبول التزاما بنقل مال أو التعهّد بشي ء آخر- غير نقل المال- بعنوان العوضية، و إمّا أن يكون مجرّد الرّضا بالإيجاب من دون أن يتضمّن نقل مال إلى الموجب، أو التعهّد له بشي ء آخر.

و الأوّل إمّا أن يكون الالتزام القبولي مغايرا للإيجاب، أو مماثلا له. و الثاني إمّا أن يكون القبول مطاوعة للإيجاب، و إمّا أن يكون مجرّد الرضا به، فهذه أقسام أربعة.

أمّا القسم الأوّل فكالقبول في بابي الإجارة و النكاح، فإن أنشئ قبول الإجارة بلفظ «قبلت و رضيت» تعيّن تأخّره عن الإيجاب، لما تقدم في تأخّره عنه في البيع. و إن أنشئ بلفظ «ملكت أو تملكت منفعة الدار بكذا» جاز تقديمه، لدلالته على إنشاء نقل الأجرة بعنوان العوضية للمنفعة، فيكون نظير إنشاء الشراء بلفظ «اشتريت و تملّكت».

و كذا الحال في قبول النكاح، فإن أنشئ بلفظ «قبلت» لزم تأخيره. و إن أنشئ بلفظ «نكحت، تزوّجت» جاز تقديمه على إيجاب الزوجة، لدلالة «تزوّجت» على التعهد بالزوجية و بأحكامها المترتبة عليها، سواء تقدّم على الإيجاب أم تأخّر.

و أمّا القسم الثاني- و هو كون القبول التزاما بشي ء مماثل للإيجاب-

ص: 468

..........

______________________________

فكالمصالحة المعوّضة، كما إذا صالح زيد عمروا على الدار بألف دينار، فكلّ منهما مصالح و متصالح، من جهة إنشائهما التسالم على مبادلة الدار بالألف. و حكمه لزوم تأخير القبول عن الإيجاب، و ذلك لأجل تركّب العقد من إيجاب و قبول. و لمّا كان هذا الصلح قائما بهما على السّوية- و ليس كالبيع و الإجارة- توقف تمييز القابل عن الموجب بأن ينشأ القبول بلفظ «قبلت» دون «صالحت» و إلّا يلزم تركّب العقد من إيجابين، و هو ممنوع، فلا مناص من إنشاء القبول بلفظ «قبلت» و يلزم تأخيره حينئذ عن الإيجاب، لما تقدم في البيع.

و أمّا القسم الثالث- و هو عدم تكفل القبول للالتزام بنقل شي ء إلى الموجب، و إنّما هو مجرّد الرضا بالإيجاب- فإن أنشئ بما لا يتضمن المطاوعة جاز تقديمه على الإيجاب، كإنشاء قبول الهبة و القرض بلفظ «ملكت» فإنّه يدلّ على الرضا بتمليك الواهب و المقرض، و لا يفهم منه الانفعال بالإيجاب و المطاوعة له، فلا مانع من تقديمه.

و كذا الحال في الصلح على إسقاط حقّ أو إسقاط دين، كما إذا كان زيد مديونا لعمرو بدينار فصالحه عمرو على إبراء ذمته، فلا مانع من سبق قبول زيد على إيجاب عمرو، لأنّ قبوله محض الرضا بالإيجاب.

و إن أنشئ بما يدلّ على المطاوعة لزم تأخيره عن الإيجاب، كما في إنشاء قبول الرّهن و الهبة و القرض بلفظ «ارتهنت، اتهبت، اقترضت» فإنّ قبول هذه العقود و إن لم يدل على الالتزام بنقل شي ء إلى الموجب، بل هو مجرّد الرّضا بالإيجاب، لكن يمتنع تقديمه من جهة ظهور الهيئة في الانفعال بالإيجاب و المطاوعة له، فلا بد من سبق فعل من الموجب حتى يصح الانفعال به.

هذا توضيح القسم الثالث من ألفاظ القبول. و قد ظهر به القسم الرابع أيضا، لأنّ القبول في عقد واحد كالهبة يختلف حكمه من حيث جواز تقديمه إن لم يدل على

ص: 469

قبوله بلفظ «نكحت و تزوّجت» (1).

و أمّا (2) ما لا إنشاء في قبوله إلّا «قبلت» أو ما يتضمّنه (3) ك «ارتهنت» فقد يقال: بجواز تقديم القبول فيه، إذ لا التزام في قبوله لشي ء، كما كان (4) في قبول

______________________________

المطاوعة، و عدم جوازه إن تضمّن المطاوعة.

هذا تقريب ما أفاده المصنف قدّس سرّه من أقسام القبول، و سيأتي تطبيق المتن عليها.

(1) هذا إشارة إلى القسم الأوّل، و مثاله قبول الإجارة و النكاح إذا كان بلفظ «تملّكت و تزوّجت» لا ما إذا كان بلفظ «قبلت». و حكمه جواز تقديم القبول فيه كجوازه في البيع إذا كان بلفظ «اشتريت». و قد تقدّم توضيحه بقولنا: «أمّا القسم الأوّل فكالقبول في بابي الإجارة و النكاح .. إلخ».

(2) هذا إشارة إلى قسم آخر من ألفاظ القبول في عدة من العقود، و هو القبول الذي لا يدلّ على إنشاء مستقل، لعدم دلالته على التزام بشي ء، على حدّ دلالة «اشتريت» على الالتزام بنقل ماله إلى البائع، فالمنشأ في هذا القسم الثاني ليس إلّا الرّضا بالإيجاب، نظير قبول الرّهن و الهبة و القرض.

و قد يقال بجواز تقديمه على الإيجاب، لما مرّ من أن الرّضا كما يجوز تعلّقه بأمر حاليّ كذلك يجوز تعلقه بأمر استقبالي.

لكن المصنف قدّس سرّه منع من إطلاق هذا، و فصّل بين إنشاء القبول بما يدلّ على مجرّد الرّضا بالإيجاب، و بين ما يدلّ على المطاوعة لإنشاء الغير و الانفعال به. و قد تقدّم توضيحه بقولنا: «و أمّا القسم الثالث و هو عدم تكفل القبول للالتزام بنقل شي ء للموجب .. إلخ».

(3) يعني: يتضمّن القبول نفس الرّضا بالإيجاب، و لا يتضمّن الالتزام بشي ء للموجب.

(4) هذا بيان للمنفي و هو «الالتزام بنقل شي ء».

ص: 470

البيع التزام بنقل ماله إلى البائع، بل لا ينشأ به معنى غير الرّضا بفعل الموجب.

و قد تقدّم (1) أنّ الرّضا يجوز تعلّقه بأمر مترقّب كما يجوز تعلقه بأمر محقّق، فيجوز أن يقول: «رضيت برهنك هذا عندي» فيقول: «رهنت».

و التحقيق (2) عدم الجواز، لأنّ اعتبار القبول فيه من جهة تحقق عنوان المرتهن. و لا يخفى (3) أنه لا يصدق الارتهان على قبول الشخص إلّا بعد تحقق الرّهن، لأنّ (4) الإيجاب إنشاء للفعل [للنقل] و القبول إنشاء للانفعال [للانتقال].

و كذا (5) القبول في الهبة و القرض، فإنّه لا يحصل من إنشاء القبول فيهما التزام بشي ء، و إنّما يحصل به الرّضا بفعل الموجب.

______________________________

(1) حيث قال: «إنّ الرّضا بشي ء لا يستلزم تحققه قبله، فقد يرضى الإنسان بالأمر المستقيل ..» راجع (ص 442).

(2) غرضه عدم جواز تقديم القبول على الإيجاب في هذا القسم الثاني، لأنّ القبول إنشاء للانفعال المترتّب على الفعل الذي هو الإيجاب، فإنّ عنوان «المرتهن، و المقترض» مثلا لا يتحققان إلّا بعد حصول الإيجاب، هذا.

و فيه: أنّ عنوان المرتهن يتحقق بالرّضا بحصول الرّهن، و لا يتوقف على إنشاء القبول بمفهوم يتضمن معنى المطاوعة. و قد تقدم منه قدّس سرّه عدم نهوض دليل على اعتبار إنشاء القبول بمفهوم متضمّن لمعنى المطاوعة.

(3) يعني: و من المعلوم أنّ «الارتهان» يكون على هيئة «الافتعال» الذي أشرب فيه مطاوعة فعل الغير.

(4) تعليل لقوله: «لا يصدق إلّا بعد تحقق الرّهن» و محصله: أنّ إنشاء الرّهن إنشاء للفعل، و قبول الرهن إنشاء لمطاوعة فعل الراهن.

(5) يعني: أنّ القبول في عقدي الهبة و القرض يكون كقبول الرّهن في أنّهما من حيث عدم تضمّنهما إنشاء نقل مال إلى الموجب- ينبغي جواز تقديمهما على الإيجاب، لكن مانع تقديم «ارتهنت» و هو المطاوعة مانع عن تقديم «اتهبت و اقترضت».

ص: 471

و نحوها (1) قبول المصالحة المتضمنة للإسقاط و التمليك بغير عوض.

و أمّا المصالحة (2) المشتملة على المعاوضة فلمّا كان ابتداء الالتزام بها

______________________________

(1) يعني: و نحو القبول في الهبة و الرّهن و القرض قبول الصلح المتضمّن لإسقاط ما في الذمة، أو حقّ، أو المتضمن للتمليك بغير عوض، إذ ليس في قبولها التزام بشي ء، بل ليس إلّا الرّضا بالإيجاب، فيجوز تقديم القبول فيها على الإيجاب.

(2) محصّله: إبداء الفرق بين المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض، و بين المصالحة المشتملة على المعاوضة. و حاصل الفرق بينهما هو: أنّ الالتزام القبولي ليس مغايرا للالتزام الإيجابي، فالبادي منهما لا محالة يتصف بالإيجاب، لصدق الإيجاب- و هو إنشاء التسالم- لغة و عرفا عليه، فلو كان الإنشاء التسالمي المتأخر مثله لتركّب العقد من إيجابين. و الإجماع قام على توقف العقد على القبول، فلا بدّ من إنشاء القبول بلفظ القبول و نحوه ممّا يفيده حتى يتألف العقد من إيجاب و قبول، و من المعلوم اعتبار تأخّر لفظ «قبلت» عن الإيجاب.

و بعبارة أخرى: انّ هنا أمرين يقتضيان إنشاء قبول المصالحة المعوّضة بلفظ «قبلت» و يتعيّن تأخّره عن الإيجاب.

الأوّل: أنّه يجوز لكل واحد من المتصالحين الابتداء بإنشاء الصلح، فكلّ مصالح و متصالح. و وجهه: استواء نسبة عنوان «الصلح» إليهما. و ليست المصالحة كالبيع في كون أحد طرفي المعاملة بائعا و موجبا، و الآخر قابلا و مشتريا، فإذا أرادا المصالحة على الكتاب بدينار جاز لكلّ منهما إنشاء المعاملة، و لا يتعيّن الإيجاب من مالك الكتاب كما كان في البيع.

الثاني: أنّ الإجماع انعقد على توقف عنوان العقد على إيجاب أحد الطرفين و قبول الآخر له، و لا يحصل عقد بإيجابين و إن كانا مرتبطين.

و نتيجة هذين الأمرين: أنّه يتعيّن إنشاء قبول الصلح بلفظ «قبلت» إذ لو أنشأ كلّ منهما بلفظ «صالحت»- بمقتضى جوازه لهما- لزم خلوّ عقد الصلح من قبول،

ص: 472

جائزا من الطرفين و كان نسبتها إليهما على وجه سواء، و ليس الالتزام الحاصل من أحدهما أمرا مغايرا للالتزام الحاصل من الآخر- كان (1) البادي منهما موجبا، لصدق الموجب عليه (2) لغة و عرفا. ثمّ لما انعقد الإجماع [1] على توقف العقد على القبول (3) لزم أن يكون الالتزام الحاصل من الآخر بلفظ القبول، إذ لو قال أيضا: «صالحتك» كان إيجابا آخر، فيلزم تركّب العقد من إيجابين (4).

و تحقّق من جميع ذلك (5): أنّ تقديم القبول في الصلح أيضا (6) غير جائز، إذ لا قبول فيه بغير لفظ: «قبلت و رضيت» و قد عرفت (7) أنّ «قبلت و رضيت»

______________________________

و تركّبه من إيجابين، و هو ممنوع. و حيث إنّ لفظ «قبلت» مما يلزم تأخّره عن الإيجاب- لأنّه ليس مطلق الرّضا بالإيجاب، بل هو الرّضا المتضمن للنقل في الحال إلى الموجب- تعيّن تأخره عن إيجاب الصلح.

(1) جواب قوله: «فلمّا كان ..» و قد عرفت وجه تعيّن البادي بالإنشاء في الإيجاب، و المتأخر في القبول.

(2) أي: صدق الموجب على البادي. و وجهه تصدّيه لإنشاء عنوان الصلح بقوله: «صالحتك» فهو المصالح بحسب اللغة، لتلبسه بالعنوان، و كذا بحسب العرف.

(3) يعني: فلا يجوز إنشاء قبول الصلح مقدّما على الإيجاب، لعدم دلالته على نقل العوض في الحال، مع أنّه لا بد في القبول من دلالته عليه.

(4) و من المعلوم عدم كون الإيجابين المنضم أحدهما إلى الآخر عقدا.

(5) المشار إليه قوله: «و أمّا المصالحة المشتملة على المعاوضة» إلى قوله: «فيلزم تركّب العقد من إيجابين».

(6) يعني: كما لا يجوز في كل عقد معاوضي ينشأ قبوله بلفظ «قبلت و رضيت».

(7) يعني قبوله: «لأنّ المشتري ناقل كالبائع، و هذا لا يتحقق إلّا مع تأخّر

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد تقدم منه قدّس سرّه قريبا كون المتيقن من الإجماع هو اعتبار القبول بالمعنى الشامل للرّضا بالإيجاب، و من المعلوم حصول هذا بلفظ «صالحتك» أيضا.

ص: 473

مع التقديم لا يدلّ على إنشاء لنقل العوض في الحال.

فتلخص ممّا ذكرنا (1): أنّ القبول في العقود على أقسام، لأنّه إمّا أن يكون التزاما بشي ء من القابل كنقل مال عنه، أو زوجيّة، و إمّا أن لا يكون فيه سوى الرّضا بالإيجاب.

و الأوّل (2) على قسمين، لأنّ الالتزام الحاصل من القابل إمّا أن يكون نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة، أو متغايرا كالاشتراء.

و الثاني (3) أيضا على قسمين، لأنّه إمّا أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان (4) و الاتّهاب و الاقتراض، و إمّا أن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من

______________________________

الرّضا عن الإيجاب، إذ مع تقدمه لا يتحقق النقل في الحال ..» راجع (ص 443).

(1) يعني: ممّا ذكرناه من قولنا: «و التحقيق أنّ القبول إمّا أن يكون بلفظ قبلت .. إلخ» و هذا التلخيص وجه ثان لبيان أقسام ألفاظ القبول في جميع العقود، سواء أ كانت عهدية- معاوضية و غير معاوضية- أم إذنية.

و محصّل هذا التفصيل: أنّ القبول على أربعة أقسام، لأنّه إمّا التزام يغاير الالتزام الإيجابي كما في الشراء و الإجارة و النكاح، و إمّا موافق له كالصلح المعاوضي، و إمّا رضا بالإيجاب مع المطاوعة، أو بدونها.

(2) و هو ما يكون القبول فيه التزاما بشي ء من القابل، في قبال التزام الموجب.

(3) و هو ما يكون القبول فيه مجرّد الرّضا بالإيجاب.

(4) لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه فرّق في الوجه الأوّل بين الرّهن و بين الهبة و القرض، حيث حكم بتأخير قبول الرهن من جهة اعتبار المطاوعة في «ارتهنت و قبلت» و لكن مقتضى تعليله في الهبة و القرض بأنّه «لا يحصل من إنشاء القبول منهما التزام بشي ء، و إنّما يحصل به الرّضا بفعل الموجب» و كذا تنظير الصلح على الإبراء- أو التمليك بغير عوض- بالهبة هو جواز تقديم قبول الهبة و القرض على الإيجاب، و حينئذ يختلف الوجهان المذكوران في حصر ألفاظ قبول العقود، فمقتضى

ص: 474

الرّضا بالإيجاب كالوكالة و العارية و شبههما (1)، فتقديم القبول على الإيجاب لا يكون إلّا في القسم الثاني (2) من كلّ من القسمين (3).

______________________________

الوجه الأوّل جواز تقديم القبول في الهبة و القرض. و مقتضى الوجه الثاني لزوم تأخير قبولهما، هذا.

أقول: لا يبعد أن يكون مقصود المصنف قدّس سرّه من تجويز تقديم القبول في الهبة و القرض في الوجه الأوّل هو إنشاء قبولهما بغير لفظ «اتهبت و اقترضت» كما إذا أنشأ المتهب و المقترض ب «ملكت و تملكت» فإنّه لا مانع من تقديم هذا القبول، لأنّه مجرّد الرّضا بالإيجاب، بلا دلالة على المطاوعة.

و مقصوده قدّس سرّه في الوجه الثاني من امتناع تقديم قبول الهبة و القرض هو إنشاؤه بما يدلّ على المطاوعة، كقول المتهب و المقترض «اتهبت، اقترضت» فإنّه من جهة ظهوره في الانفعال بالإيجاب يتعيّن تأخّره عنه كتأخر «قبلت».

و بهذا لا يبقى منافاة بين الوجهين، و إن كان الوجه الثاني أوفى بيانا لأقسام قبول العقود، و لذا تعرّض فيه لتقديم قبول العقود الإذنية كالوكالة، و لم يتعرض له في الوجه الأوّل.

(1) كالوديعة من العقود الجائزة.

(2) و هو ما أشار إليه بقوله: «أو متغايرا كالاشتراء» و حاصله: كون الالتزام القبولي مغايرا للالتزام الإيجابي، فإنّ الالتزام الإيجابي البيعيّ في اعتبار العرف هو نقل المال على أن يكون معوّضا عن مال الغير، و الالتزام الشرائي في اعتبارهم هو نقل ماله على أن يكون عوضا عن مال الغير.

(3) قد عرفت الوجه الثاني من وجهي القسم الأوّل. و أمّا الوجه الثاني من وجهي القسم الثاني فهو كون القبول مجرّد الرّضا بالإيجاب من دون اعتبار المطاوعة فيه. و قد أشار إليه بقوله: «و إمّا إن لا يثبت فيه اعتبار أزيد من الرضا بالإيجاب .. إلخ».

ص: 475

ثم (1) إنّ مغايرة الالتزام في قبول البيع لالتزام إيجابه اعتبار عرفيّ، فكلّ من التزم بنقل ماله على وجه العوضية لمال آخر يسمّى مشتريا، و كلّ من نقل ماله على أن يكون عوضه مالا من آخر يسمّى بائعا.

و بعبارة أخرى: كلّ من ملّك ماله غيره بعوض فهو البائع، و كلّ من ملك (2) مال غيره بعوض ماله فهو المشتري، و إلّا (3) فكلّ منهما في الحقيقية يملّك ماله غيره بإزاء مال غيره، و يملك مال غيره بإزاء ماله.

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه من هذه العبارة إلى آخر البحث- بعد تقسيم العقود بلحاظ جواز تقديم القبول على الإيجاب- هو تمييز البائع عن المشتري حتى يظهر أنّ قبول البيع إن كان بلفظ «قبلت» لم يصح تقديمه، و إن كان بلفظ «اشتريت» جاز تقديمه.

و هذا المطلب قد سبق بيانه في موضعين، أحدهما: في ثالث تنبيهات المعاطاة، و الآخر في هذا المبحث في جواز تقديم «اشتريت» على الإيجاب، حيث قال: «لأنّه- أي القبول- إنشاء ملكيّته للمبيع بإزاء ماله عوضا، ففي الحقيقة إنشاء المعاوضة كالبائع، إلّا أنّ البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه، و المشتري ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله .. إلخ».

و على هذا فحاصل ما أفاده هنا هو: أنّ الالتزام بالنقل و التمليك متحقق في كلّ من الإيجاب و القبول، فلا فرق بحسب الدّقة بينهما، و لكن الفارق بينهما في مقام الإثبات موكول الى العرف، فمن التزم بنقل ماله إلى الغير على أن يكون عوضا عمّا ملّكه الغير سمّي مشتريا، و من التزم بنقل ماله على أن يكون عوضه مال الآخر سمّي بائعا.

(2) أي: تملّك مال الغير بعوض مال نفسه.

(3) أي: مع الغضّ عن الاعتبار العرفي يصدق عنوان «البائع و المشتري» على كلّ واحد منهما، لأنّ البيع «مبادلة مال بمال» و الشراء هو «ترك شي ء و أخذ آخر» و من المعلوم انطباق التعريفين على كلا المتبايعين.

ص: 476

..........

______________________________

هذا تمام الكلام في توضيح كلمات المصنف قدّس سرّه في بحث تقديم الإيجاب على القبول [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ البحث في هذه المسألة يقع في مقامين:

الأوّل: في الاحتمالات و الأقوال المتطرقة فيها.

و الثاني: فيما ينبغي المصير إليه و الاعتماد عليه.

أمّا المقام الأوّل: فنخبة الكلام فيه: أنّ في المسألة احتمالات خمسة، بل أقوالا كذلك.

الاحتمال الأوّل: و هو الأشهر- كما في المختلف- لزوم تقديم الإيجاب على القبول مطلقا. و في التذكرة في شرائط الصيغة: «تقديم الإيجاب على الأقوى» و نحوه ما في الإيضاح و عن التنقيح. و في جامع المقاصد و عن صيغ عقوده: «و الأصح الاشتراط» «1».

و عن تعليقه على الإرشاد: «انه الأظهر» بل في غاية المراد و المسالك «ادّعى عليه الشيخ في الخلاف الإجماع» «2» و في النسبة منع كما في مفتاح الكرامة.

و كيف كان فالدليل على هذا القول أمور ثلاثة، و هي بين دليل عقلي و نقلي.

أحدها: أصالة عدم ترتب الأثر بدون تقديم الإيجاب على القبول، بعد البناء على اختصاص عموم أدلة الصحة بهذه الصورة، هذا.

لكن فيه ما لا يخفى إذ لا منشأ لهذا الاختصاص إلّا غلبة تقدّم الإيجاب على القبول، و هي لا تصلح للتخصيص، و الانصراف المسبّب عنها أيضا لا ينهض لتخصيص العمومات. و تمسّك الأصحاب بتلك العمومات في دفع ما يشك في اعتباره في العقد أقوى شاهد على عدم سقوط عمومها- بالانصراف- عن الاعتبار.

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 4، ص 60

(2) غاية المراد، ص 81، مسالك الأفهام، ج 3، ص 153

ص: 477

______________________________

الثاني: دلالة العقل على كون القبول فرع الإيجاب، و الفرع لا يتقدّم على الأصل، و إلّا يلزم الخلاف، هذا. و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّه تعالى.

الثالث: الإجماع الذي حكاه الشهيدان قدّس سرّهما في غاية المراد و المسالك عن الشيخ في الخلاف.

لكن فيه أوّلا: أنّ إرادة الإجماع المصطلح من عبارة الخلاف مشكلة، لظهورها في إرادة القدر المتيقن، كتيقّن الطهارة مع الامتزاج في تطهير المياه. و تيقّن صحة الصلاة مع التسبيحات الأربع ثلاث مرات، فإنّ التيقن في مقام تحصيل العلم بالصحة غير الإجماع على اعتبار ما شكّ في اعتباره، كما لا يخفى.

إلّا أنّ الإنصاف ظهور كلام الشيخ في الإجماع لا في القدر المتيقّن، و ذلك بقرينة قوله: «ان ما اعتبرناه مجمع» كما ذكرناه في التوضيح في (ص 434).

و ثانيا: أنّ الإجماع مع اختلاف الفقهاء و تعدّد الأقوال غير حاصل.

و ثالثا:- بعد تسليم الإجماع- أنّه ليس بحجة، لكونه من الإجماع المنقول كما ثبت في محله.

و رابعا: بعد تسليم حجية المنقول- أنّه يكون حجة إذا لم يكن مدركيا، و في المقام يحتمل أن يكون مستند المجمعين أصالة الفساد، أو تفرّع القبول على الإيجاب.

و مع هذا الاحتمال لا يكون إجماعا تعبديّا كاشفا قطعيا عن السّنة، هذا.

الاحتمال الثاني في المسألة: عدم اعتبار التقدّم مطلقا، و هو خيرة الشيخ في نكاح المبسوط، و المحقق في الشرائع، حيث قال فيه: «و هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ فيه تردد، و الأشبه عدم الاشتراط» «1». و العلّامة في التحرير، قال فيه: «و الأقرب عدم اشتراط تقديم الإيجاب» «2». و الشهيدين في بعض كتبهما كاللّمعة و الرّوضة، حيث

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 2، ص 13

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 164

ص: 478

______________________________

قالا فيهما: «و لا يشترط تقديم الإيجاب على القبول و إن كان تقديمه أحسن» «1».

و قال في الدروس: «و لا ترتيب بين الإيجاب و القبول على الأقرب وفاقا للقاضي رحمه اللّه» «2».

و جعله الشهيد الثاني في المسالك هو الأقوى «3».

و في الكفاية: «و هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول؟ الأقرب العدم» «4».

و في مجمع البرهان «أنّه الأظهر» «5».

و قال الشيخ قدّس سرّه في نكاح المبسوط: «و أمّا ان تأخّر الإيجاب فسبق القبول، فإن كان في النكاح صحّ بلا خلاف، لخبر الساعدي. و إن كان هذا في البيع فقال: بعنيها، فقال:

بعتكها صحّ عندنا و عند قوم من المخالفين» «6».

و الوجه في هذا القول أمران:

أحدهما: الإطلاقات السليمة عن المقيّد، و قد عرفت في وجوه القول الأوّل عدم صلاحية تلك الوجوه لتقييد الإطلاقات، و من المعلوم صدق البيع و التجارة و العقد على ما تقدّم فيه القبول على الإيجاب، فتشمله العمومات و الإطلاقات، هذا.

ثانيهما: الروايات الواردة في باب النكاح الدالة على جواز تقديم القبول تارة بلفظ المضارع، كما في خبر أبان المتقدم المتضمن لقول الرّجل: «أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» الحديث. و أخرى بصيغة الأمر كما في خبر سهل بن سعد

______________________________

(1): الروضة البهية، ج 3، ص 225

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 154

(4) كفاية الأحكام، ص 89

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 144

(6) المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 194

ص: 479

______________________________

الساعدي: «انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جاءت إليه امرأة فقالت: يا رسول اللّه انّي قد وهبت نفسي لك، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا إربة لي في النساء. فقالت: زوّجني بمن شئت من أصحابك، فقام رجل فقال: يا رسول اللّه زوّجنيها، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هل معك شي ء تصدقها، فقال و اللّه ما معي إلّا ردائي هذا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إن أعطيتها إيّاه تبقى و لا رداء لك، هل معك شي ء من القرآن؟ فقال: نعم سورة كذا و كذا، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: زوّجتكها على ما معك من القرآن «1».

بناء على كون القبول فيهما هو قول أبان: «أتزوّجك» و قول ذلك الصحابي:

«زوّجنيها» و الإيجاب قول المرأة: «نعم» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد فصل طويل: «زوّجتكها على ما تحسن» أو «على ما معك من القرآن» و إلّا لا يصحّ الاستدلال بهما كما لا يخفى.

و إشكال اختصاصهما بالنكاح مندفع بأولوية غير النكاح منه، و بدعوى الجزم بعدم الفرق بين الماضي و المضارع و الأمر، و أنّ كلّ من قال بجواز التقديم في الأمر قال به في الماضي. بخلاف العكس، لأنّ بعض من قال بالجواز في الماضي قال بالعدم في الأمر، بل هذا أحد الأقوال في المسألة كما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

أقول: العمدة في إثبات القول الثاني- أعني به عدم الاشتراط مطلقا- هو الوجه الأوّل أي الإطلاقات، لما تقدم من منع أولوية غير النكاح منه. كما أنّ دعوى الجزم بعدم الفرق بين الماضي و غيره ممنوعة، إذ لا منشأ لها مع احتمال دخل الخصوصية كما لا يخفى. فالأولى الاقتصار على الوجه الأوّل، و هو كاف في إثبات المدّعى.

الاحتمال الثالث: في المسألة هو التفصيل بين النكاح و غيره، بالجواز في الأوّل مطلقا و إن كان بغير الأمر، و العدم في الثاني و إن كان بالأمر.

و لعلّ وجهه بالنسبة إلى الجواز في النكاح منع الإطلاق في الأدلّة العامة في النكاح و غيره، لكونها في مقام التشريع، لا لبيان خصوصيات العقود، و اختصاص دليل الجواز كروايتي أبان و سهل المتقدمتين بالنكاح، فالمرجع في غيره من سائر العقود

______________________________

(1): عوالي اللئالي، ج 3، ص 312، الحديث: 144

ص: 480

______________________________

أصالة الفساد المقتضية لعدم الجواز.

و أمّا وجه التعميم إلى جميع ألفاظ القبول في النكاح فلعلّه دعوى القطع بأولوية الماضي بالجواز من غيره، و لا أقلّ من التساوي، هذا.

و فيه: أمّا بالنسبة إلى الجواز في النكاح فلمنع عدم الإطلاق في الأدلة العامة، و مقتضاه جواز تقديم القبول على الإيجاب مطلقا، من دون حاجة إلى التمسّك بدليل خاص كروايتي أبان و سهل المتقدمتين، حتّى يقال باختصاص جواز تقديم القبول حينئذ بالنكاح، و العدم في غيره لأصالة الفساد. بل مقتضى الإطلاقات عدم الفرق بين النكاح و غيره.

و أمّا بالنسبة إلى جهة تعميمه إلى جميع ألفاظ القبول في النكاح فلمنع القطع بأولوية الماضي بالجواز من غيره، بعد احتمال دخل خصوصية المضارع و الأمر في النكاح.

الاحتمال الرابع: التفصيل بين كون القبول بصيغة الأمر، فيجوز مطلقا، و بين كونه بغيرها، فلا يجوز مطلقا. و لعلّ وجهه في العقد الإيجابي هو اختصاص دليل الجواز بالأمر، و يتعدّى عن مورده- أعني به النكاح- إلى غيره بالأولوية، فيجوز تقديم القبول بلفظ الأمر في غير النكاح أيضا.

و في العقد السلبي- أعني به عدم الجواز بغير الأمر في النكاح و غيره- هو قصور الإطلاقات، لانصرافها إلى العقود المتعارفة، فيرجع في غير النكاح- الذي هو مورد النص و ما يلحق به بالفحوى- إلى أصالة الفساد القاضية ببطلان العقد المقدّم قبوله بغير الأمر على إيجابه، هذا.

و فيه ما لا يخفى، إذ في الأوّل أوّلا: أنّ دليل النكاح لا يختصّ بالأمر- بعد تسليم كون الأمر، و هو قول الصحابي: «زوّجني» في مقام إنشاء القبول، لا المقاولة- لورود المضارع أيضا في رواية أبان المتقدمة.

ص: 481

______________________________

و ثانيا: منع أولويّة غير النكاح من النكاح حتى يتعدّى إلى غير النكاح كما تقدّم آنفا.

و في الثاني: منع قصور الإطلاقات و انصرافها إلى العقود المتعارفة كما عرفت أيضا. فالإطلاق محكّم، و مقتضاه جواز تقديم القبول- مطلقا- على الإيجاب بعد صدق العقد العرفي، هذا.

الاحتمال الخامس: الذي اختاره المصنف قدّس سرّه هو التفصيل بين ألفاظ القبول، و الظاهر أنّه أوّل من فصّل في المقام.

و محصّل ما أفاده هو: أنّ إنشاء القبول تارة يكون بلفظ «ملكت أو تملّكت أو اشتريت أو ابتعت» و نحوها من الألفاظ الظاهرة في إنشاء التملّك و التمليك التبعي.

و أخرى يكون بلفظ «قبلت أو رضيت أو أمضيت أو أنفذت» و نحوها ممّا له ظهور في إنشاء التمليك مع سبق الإيجاب، بحيث لا ظهور له في ذلك بدون سبقه، نظير تحريك الرأس في مقام الجواب عن السؤال.

و ثالثة يكون بما هو ظاهر في الاستدعاء كلفظ الأمر، مثل قول المشتري: «بعني الكتاب الفلاني بألف» و قول البائع له: «بعته إياك بكذا».

أمّا القسم الأوّل: فيجوز تقديمه على الإيجاب. و الوجه فيه عدم اعتبار عنوان القبول و المطاوعة في صدق مفهوم العقد العرفي، ضرورة أنّ العقد متقوم بالتزامين مرتبطين مبرزين، و من المعلوم حصول إبرازهما بلفظ: «ملكت» قبولا، و «بعت» مثلا إيجابا، لأنّ معنى «ملكت و اشتريت» و نحوهما ممّا تقدّم هو إنشاء ملكية المبيع بإزاء ماله عوضا، فالمشتري ينشئ المعاوضة حقيقة كالبائع، غاية الأمر أنّ البائع ينشئ ملكية ماله لصاحبه بإزاء مال صاحبه، و المشتري ينشئ ملكية مال صاحبه لنفسه بإزاء ماله. فكلّ منهما يخرج ماله إلى صاحبه، و يدخل مال صاحبه في ملكه، إلّا أنّ الإدخال في الإيجاب مفهوم من ذكر العوض، و الإدخال في القبول يفهم من نفس اللفظ و هو

ص: 482

______________________________

«ملكت» و نحوه، فإنّ معناه ملكت المبيع بإزاء الثمن بذكر العوض و هو الدينار.

و بالجملة: فما هو المعتبر في القبول- من الرّضا بالإيجاب، و نقل الثمن في الحال- متحقق. أمّا الرّضا فواضح. و أمّا الثاني فلأنّه أنشأ ملكيّة المبيع بإزاء ماله عوضا، و لا يعتبر في القبول ما عدا هذين الأمرين كالمطاوعة، فإنّه لا دليل على اعتبارها في مفهوم القبول.

لا يقال: إنّ «التاء» في «اشتريت و ابتعت و تملكت» يدلّ على مطاوعة الفاعل لغيره، و قبوله لأثره، فالتاء في «اشتريت» يدل على مطاوعة فاعله لفاعل «شريت» فلا فرق بين «قبلت و اشتريت» إلّا أنّ دلالة الأوّل على المطاوعة تكون بالمادة، و الثاني بالهيئة.

فإنّه يقال: لا تدلّ «تاء» المطاوعة على لزوم صدور مدخولها من فاعل غير فاعل الفعل، بل يكفي فيه مجرّد الصلاحية لذلك، فيصحّ أن يقال: «اكتسى زيد أو اهتدى» و إن لم يكن له كاس و هاد.

نعم لعلّ الغالب صدور مدخول تاء المطاوعة من فاعل غير فاعل الفعل. لكنّه لا يوجب اعتبار ذلك فيه، فلا دليل على اعتبار المطاوعة في مفهوم القبول، هذا.

و قد أورد على ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من جواز تقديم القبول إذا كان بلفظ اشتريت و نحوه- بوجوه.

الأوّل: ما عن المحقق النائيني قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه الشريف، و محصّله: أنّه يعتبر في القبول- بأيّ لفظ كان- مطاوعة الإيجاب و الانفعال و التأثّر منه، و إلّا كان أجنبيا عن الإيجاب و غير مرتبط به، و كان إيقاعا لا عقدا، فلا بدّ من الارتباط بين الإيجاب و القبول بمطاوعة الثاني له، فالمطاوعة معتبرة في مفهوم القبول، سواء أ كان بلفظ «قبلت أم اشتريت» و نحوه. و عليه فلا بدّ من تقديم الإيجاب على القبول، و إلّا فمع التقديم لا يسمّى قبولا، بل إيجابا، هذا «1».

و أجيب عنه تارة بعدم اعتبار شي ء في القبول سوى الرّضا بالإيجاب، و من

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 110

ص: 483

______________________________

المعلوم أنّه لا يمنع عن جواز التقديم.

و فيه ما لا يخفى، لأنّ مجرّد الرضا بالإيجاب ليس قبولا للإيجاب. و دعوى كونه قبولا لا شاهد عليها.

و أخرى- بعد تسليم اعتبار المطاوعة- أنّ المعتبر منها هي الإنشائية القابلة للتقدم دون الحقيقية غير القابلة له، هذا.

الثاني: ما في المتن من الإجماع على اعتبار القبول في العقد، و هو متضمن لمعنى المطاوعة حتى يقع قبولا.

و فيه ما قيل من: أنّ المتيقن من الإجماع هو اعتبار القبول الشامل للرّضا بالإيجاب.

لكنّه ممنوع بأنّ المتيقن اعتبار المطاوعة أيضا في القبول، فبدونها يشكّ في ترتب الأثر على العقد، و مقتضى أصالة الفساد عدمه، فتدبّر.

الثالث: ما في حاشية المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: «أنّ مفهوم الاشتراء أو الابتياع متضمن لاتّخاذ المبدء، فإن كان بعنوان اتخاذه من الغير فلا محالة يكون مطاوعة قصديّة، و إلّا كان من إنشاء بيع مال الغير فضولا، لا إنشاء الملكية قبولا» «1»، هذا.

و قد أجيب تارة: بأنّ المطاوعة الإنشائية لا تمنع من التقديم.

و أخرى: بأنّ صيغة الافتعال ليست كصيغة الانفعال متضمنة للمطاوعة دائما، هذا.

و أنت خبير بما فيهما. إذ في الأوّل: أنّه لا فرق بين المطاوعة الحقيقيّة و الإنشائية في لزوم التأخّر، إذ المفروض ترتبها على فعل الفاعل، كما في الانكسار المترتب على الكسر، و الانتقال المترتب على النقل، فتقدّم القبول الإنشائي ينافي اعتبار المطاوعة.

و الحاصل: أنّه لا فرق في المطاوعة الاعتبارية و الحقيقية، لأنّ تقديم القبول على الإيجاب خلاف ما فرض فيه من المطاوعة. نظير ما قيل في دفع إشكال الشرط المتأخر من: أنّ الممتنع هو تأخّر الشرط في العلل التكوينية دون الاعتبارية التي يمكن اعتبارها قبل حصول ماله دخل فيها، فإنّك خبير بأنّ اعتبار الملكيّة مثلا قبل إجازة

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 69

ص: 484

______________________________

المالك مناف لفرض دخل الإجازة فيه، و يكون ذلك خلفا كما لا يخفى.

و في الثاني: أنّ ظهور باب الافتعال في المطاوعة ممّا لا سبيل إلى إنكاره، و لا يصار إلى خلافه إلّا بالقرينة، أو عدم قابلية المورد للمطاوعة كالإحتطاب و الاحتشاش و نحوهما، فتدبّر.

الرابع: ما أوجب تردّد المصنف قدّس سرّه من قوله: «نعم يشكل الأمر بأن المعهود المتعارف من الصيغة تقديم الإيجاب. و لا فرق بين المتعارف هنا و بينه في المسألة الآتية و هو الوصل بين الإيجاب و القبول، فالحكم لا يخلو عن شوب الإشكال».

و فيه: أنّ التعارف لا يقيّد الإطلاق. و فرق بين المقام و بين الموالاة، حيث إنّ فوات الموالاة مخلّ بالمعاقدة عرفا، فاعتبار الوصل بين الإيجاب و القبول دخيل في صدق العقد العرفي، بخلاف تقديم الإيجاب على القبول، فإنّه إذا ثبت كان بالتعبّد كما لا يخفى.

أو يقال في الفرق بين المقامين: بأنّ التعارف هنا من قبيل الغالب المتخلّف في بعض الموارد، بشهادة ما ورد في بعض نصوص عقد النكاح من قول الزوج: «أتزوّجك و قول الزوجة: نعم». و هذا بخلاف التعارف في الموالاة، إذ لم يعرف تخلّف له.

و التعارف على النحو الأوّل- و هو المتخلّف في بعض الموارد- لا يقيّد الإطلاق، بخلاف التعارف على النحو الثاني، فإنّه يقيّده، فمع فرض صدق العقد العرفي على الإيجاب و القبول المنفصلين لا يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لفوات الموالاة المعتبرة في العقود المقيّدة لإطلاق أدلة الصحة، هذا.

و أمّا القسم الثاني:- و هو أن يكون القبول بلفظ «قبلت و رضيت» و نحوهما- فقد ذهب إلى عدم الجواز. و الوجه في ذلك- على ما في المتن- أمور ثلاثة:

الأوّل: الإجماع المحكي عن التذكرة.

و الثاني: أنّ العقد المتقدم قبوله على إيجابه خلاف المتعارف، فلا يشمله عموم

ص: 485

______________________________

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بعد انصرافها إلى العقود المتعارفة.

و الثالث: أنّ القبول- الذي هو أحد ركني العقد المعاوضي- فرع الإيجاب، لأنّه عبارة عن الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله في الحال إلى الموجب عوضا، إذ المشتري كالبائع ناقل، فلا بدّ من تقدم الإيجاب عليه، و إلّا لم يكن معنى للقبول.

نعم لو كان القبول عبارة عن مجرد الرّضا بالإيجاب توجّه تقديم القبول عليه، لأنّ مجرد الرّضا يتعلّق بالشي ء الماضي و الحال و المستقبل.

و بالجملة: فلا يدلّ «قبلت و رضيت» على إنشاء نقل الثمن في حال التكلم إلّا مع تأخّرهما عن الإيجاب الدال على نقله عن المشتري تبعا، هذا.

و في الكل ما لا يخفى إذ في الأوّل: عدم ثبوت الإجماع، و عدم صحة نسبته إلى التذكرة كما تقدم في التوضيح. و على تقدير ثبوته يحتمل أن يكون مدركيا، لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الوجوه كالفرعية، فراجع.

و في الثاني: عدم صلاحية التعارف لتقييد الإطلاقات.

و في الثالث: أنّ المراد بالفرعية إن كان فرعية المعلول للعلة في الوجود، ففيه: أنّ فساده أوضح من أن يذكر، إذ لازمه وجود القبول قهرا بمجرّد وجود الإيجاب، كما هو شأن المعلولات الحقيقية.

و إن كان فرعيّته للعلّة في التأثير لا أصل الوجود ففيه أوّلا: أنّه ليس أولى من العكس.

و ثانيا: أنّه أجنبي عن مورد البحث الذي هو جواز تقديم القبول من حيث الوجود الإنشائي، و مقتضى الفرعية المذكورة عدم جوازه من حيث التأثير، و هو لا يدلّ على لزوم تأخير القبول بوجوده الإنشائي.

و إن كان فرعيّة العرض للمعروض في قيام القبول بالإيجاب- بأن يقال: إنّ القبول كسائر الأفعال المتوقف تحقّقها على وجود مفعول به قبلها كالأكل و الشرب المتعلقين

ص: 486

______________________________

بالمأكول و المشروب- ففيه: أنّه إن أريد من وجود الإيجاب قبل القبول حتّى يرد عليه القبول وجوده الإنشائي الخارجي فهو مصادرة، لأنّه عين محل النزاع.

و إن أريد منه مطلق وجوده- و لو كان ذهنيا- فهو ممّا لا إشكال فيه، لكنه لا يثبت المقصود، و هو عدم جواز تقديم القبول على الإيجاب الإنشائي الخارجي.

و بعبارة أخرى: الأفعال من حيث الاحتياج إلى وجود المتعلق- المعبّر عنه بالمفعول به تارة، و بالموضوع أخرى، و بمتعلّق المتعلّق ثالثة- تكون على أقسام.

أحدها: احتياجها إلى خصوص الوجود الخارجي كالأكل و الشرب.

ثانيها: احتياجها إلى خصوص الوجود الذهني كالطلب، إذ لو تعلّق بالوجود الخارجي لزم طلب الحاصل المحال.

ثالثها: احتياجها إلى مطلق الوجود كالقبول، فإنّه يتعلّق بالإيجاب الموجود خارجا أو ذهنا، كالرّضا المتعلّق بإيجاب يوجد في المستقبل، فليتأمّل.

و إن كان فرعية الانفعال للفعل ففيه: أنّ ترتب الانفعال على الفعل و تأخره عنه إنّما هو في الفعل و الانفعال الحقيقيّين كالكسر و الانكسار، دون الفعل و الانفعال الإنشائيّين، لصحة الانفعال الإنشائي و إن لم يكن هناك فعل، لا واقعا و لا إنشاء، حيث إنّ الانفعال الإنشائي ليس إلّا إنشاء لمفهومه، و استعمال اللفظ فيه بقصد تحققه. فالقبول و المطاوعة الإنشائيّان لا يتوقّفان على وجود الإيجاب لا خارجا و لا إنشاء، و إنّما يتوقفان بوجودهما الواقعي على وجود الإيجاب.

و الحاصل: أنّ للقبول و المطاوعة أنحاء من الوجود الذهني و الخارجي و الإنشائي، و محلّ البحث هنا هو وجودهما الإنشائي الذي لا يتوقف على وجود الإيجاب قبله، فيصح إنشاء القبول و المطاوعة قبل الإيجاب.

ثم إنّه على فرض التنزّل- و الالتزام بتوقف وجودهما الإنشائي أيضا على وجود الإيجاب- يمكن القول بجواز تقديم القبول على الإيجاب أيضا. بيانه: أنّ عدم الجواز

ص: 487

______________________________

حينئذ مبني على كون القبول العقدي انفعالا متضمنا لمعنى المطاوعة. و ذلك ممنوع، لأنّ الانفعال- الذي هو التأثر- في قبال الفعل و هو التأثير، و إحداث الأثر لا يتصوّر في القبول العقدي، لأنّ مورد التأثّر إمّا هو المال، لعروض الانتقال عليه، فيتأثر المال بالابتياع و الانتقال. و إمّا هو القابل، فكأنّ الموجب بنقل ماله إلى المشتري بعوض يؤثّر في المشتري، و هو يتأثّر به.

إذ يلزم على الأوّل أن يكون القبول العقدي صفة للمال دون المشتري، فلا يصحّ جعل المشتري قابلا، بل القابل هو المال. و من البديهي أنّ القابل هو المشتري لا المال، كما أنّ الموجب هو البائع لا المبيع، فإنّ الموجب و القابل وصفان للمتعاملين لا العوضين. كما لا يخفى.

و يلزم على الثاني أن يصحّ إنشاء القبول بلفظ «انفعلت و تأثّرت» و فساده بمكان من الوضوح.

إلّا أن يقال: إنّ عدم صحة إنشاء القبول بلفظ «انفعلت و تأثّرت» يحتمل أن يكون تعبّدا محضا.

لكن فيه: أنّه لم يثبت تعبّد هنا، فلاحظ.

و الذي يشهد بعدم كون القبول العقدي انفعالا: أنّه لا يستعمل شي ء من ألفاظ القبول إلّا متعدّيا، و من المعلوم أنّ التعدّي ينافي معنى الانفعال، فليس القبول العقدي- و إن كان بلفظه- انفعالا للإيجاب، بل هو عبارة عن مجرّد الرّضا بالإيجاب الذي هو نقل الموجب ماله إلى المشتري أصالة، و نقل مال المشتري إليه تضمنا.

و بعبارة أخرى: التأثير و هو تمليك المبيع أصالة، و التأثّر و هو تملّك مال المشتري تبعا كلاهما مستند إلى الموجب، و ناش من إيجابه، و لا يصدر من المشتري إلّا صرف الرّضا بهذين التأثير و التأثر. و حيث إنّ هذا الرّضا قائم بالصورة الذهنية كالطلب فلا يتوقف على وجود الإيجاب خارجا فعلا، بل يكفي وجود الإيجاب خارجا

ص: 488

______________________________

في المستقبل في تعلق القبول بمعنى الرّضا المزبور به، و لا يحتاج إلى تقدم الإيجاب عليه في الخارج. و سيأتي في المقام الثاني إن شاء اللّه تعالى مزيد بيان لإثبات كون القبول مجرّد الرّضا بالإيجاب، فانتظر.

و أمّا القسم الثالث- و هو أن يكون القبول بصيغة الأمر- فقد ذهب المصنف قدّس سرّه إلى منع تقديمه على الإيجاب، لأنّ الأمر لا يدلّ إلّا على طلب المعاوضة و الرضا بها، و لا يدلّ على نقل الثمن إلى البائع في الحال عوضا عن المبيع، إذ المفروض عدم تحقق الإيجاب قبله. و دعوى الاتفاق على صحة تقدم القبول بلفظ الأمر على الإيجاب كما في المبسوط موهونة بمصير الأكثر إلى خلافه، فلا إجماع أصلا.

________________________________________

ثم إنّه ينبغي تحرير محل النزاع في الأمر، فنقول و به نستعين: إنّ استعمال الأمر في مقام المعاملة يتصوّر على ثلاثة أقسام:

أحدها: مجرّد الطلب، و الدلالة على رضائه بالمعاملة لو اتّفق معه البائع، من دون قصد الطالب للقبول به، بل غرضه طلب المعاملة من البائع. و لا ينبغي الإشكال في عدم كفايته عن القبول، كما لا ينبغي نسبة القبول بصحّة العقد به- إذا لحقه الإيجاب من دون اتباعه بالقبول المعتبر- إلى أحد من فقهائنا، لفقدان قصد القبول مع تقوّم القبول به.

ثانيها: مجرّد الدلالة على الرّضا بالمأمور به و هو البيع من دون قصد إلى الطلب، من باب استعمال اللفظ الموضوع للازم في الملزوم، فتدلّ صيغة الأمر حينئذ على مجرّد الرّضا بما يوجبه الموجب في المستقبل، و لا تدلّ على الرّضا بنقل الثمن في الحال إلى البائع. و هذا أيضا لا يتحقق به القبول، لعدم كونه رضا بنقل الثمن في الحال، و المفروض أنّ القبول على مذهب المصنف قدّس سرّه عبارة عن الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل الثمن في الحال إلى الموجب، فلا يكون هذا الأمر قبولا حتّى يلتئم العقد بلحوق القبول- الذي هو ركن- بالإيجاب.

ثالثها: الدلالة على معنى «اشتريت» من باب استعمال اللّفظ الموضوع للملزوم في اللازم، إذ من لوازم طلب البيع قبوله و القيام بالاشتراء، فاستعملت صيغة الأمر في

ص: 489

______________________________

إنشاء هذا اللازم.

و هذا ممّا ينبغي أن يكون محلّا للنزاع، دون الأوّلين، لوضوح عدم كفايتهما في تحقق العقد، لما عرفت من عدم دلالتهما على الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن إنشاء نقل ماله إلى الموجب في الحال، و من المعلوم أنّ هذا المعنى هو القبول العقدي، و المفروض عدم حصوله بهما. بخلاف المعنى الأخير، لحصول القبول العقدي به، غاية الأمر أنّ دلالة الأمر على هذا اللازم تكون على سبيل المجاز، للقرينة المقاليّة أو المقامية، فيصح استعماله على مذهب المحقق الثاني قدّس سرّه فيصير حاله حال «اشتريت» فإن جوّزنا تقديم القبول بصيغة الأمر فهو و إلّا فلا.

و من هنا يظهر: أنّ منع المصنف قدّس سرّه عن تقديمه على الإيجاب ناش عن حمل الأمر على المعنى الأوّل، و هو الدلالة على مجرّد الطلب كما هو صريح كلامه: «لأنّ غاية الأمر دلالة طلب المعاوضة على الرّضا بها .. إلخ».

و أنت خبير بأنّ الأمر بالمعنى الذي أفاده المصنف قدّس سرّه لا يصلح لأن يكون قبولا عقديّا حتى يقع محلّا للنزاع في جواز تقديمه على الإيجاب، إذ لا يدلّ بهذا المعنى على القبول العقدي أصلا، فلا يصحّ إنشاء القبول به و إن تأخّر عن الإيجاب.

فالحقّ أن يقال: إنّ الأمر إذا دلّ على القبول العقدي بالقرينة فهل يجوز تقديمه على الإيجاب أم لا؟ فإنّ هذا ينبغي أن يقع موردا للنزاع في جواز تقديم القبول بصيغة الأمر، كالنزاع في تقديمه إذا كان بصيغة الماضي، و يأتي ما هو مقتضى التحقيق إن شاء اللّه تعالى.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل أعني به: الاحتمالات و الأقوال في مسألة اعتبار تقدم الإيجاب على القبول و عدمه.

و أمّا المقام الثاني:- أعني به الحقّ الذي ينبغي الاعتماد عليه- فتنقيحه منوط بتقديم أمور:

ص: 490

______________________________

الأوّل: أنّه لا ريب في تركّب العقد من الإيجاب و القبول، و أنّ مجموعهما موضوع لحكم الشارع أو العقلاء من الأمر الاعتباري كالملكية و الزوجية و نحوهما.

و الفارق بين العقد و بين الإيقاع هو كون موضوع الأمر الاعتباري بسيطا في الإيقاع غير محتاج إلى إنشاء آخر يسمّى بالقبول كباب التحرير و النذر و غيرهما من الإيقاعات، و مركّبا في العقد أي محتاجا في ترتب الأثر إلى إنشاء آخر يسمّى بالقبول. و نتيجة هذا الأمر أنّ الإنشاءين المقوّمين للعقد العرفي موجودان مع تقدم القبول على الإيجاب.

الثاني: أنّه لا بدّ في الأدلّة اللّبّيّة- كالإجماع- من الأخذ بالمتيقن، إذ لا إطلاق لها حتى يؤخذ به، و هذا بخلاف الأدلّة اللفظية، فإنّها على قسمين:

أحدهما: أن تكون مجملة، كما إذا كانت في مقام التشريع فقط، كقوله تعالى أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.

و الآخر: أن يكون لها إطلاق أو عموم، كما إذا كانت في مقام البيان من سائر الجهات أيضا غير جهة التشريع.

الثالث: أنّ الإيجاب و القبول المعتبرين في العقود لا حقيقة شرعية لهما، فلا بدّ في تحقيق مفهومهما من الرّجوع إلى العرف.

الرابع: أنّ النزاع في اعتبار تقدّم الإيجاب على القبول إنّما هو مع انحفاظ عنوان القبول مع تقدّمه على الإيجاب، و إلّا فلا معنى للنزاع في تقدم القبول مع خروجه عن عنوانه، و تبدّله بعنوان الإيجاب.

الخامس: أنّه لا ريب في صدق العقد العرفي على العقد المتقدم إيجابه على قبوله، فلا يتقوّم مفهوم العقد عرفا بتقدم الإيجاب على القبول، فاعتبار تقدمه لو قيل به لا بدّ أن يكون بدليل شرعي.

و الغرض من هذا الأمر هو: أنّ الارتباط المقوّم لعقدية الإنشاءين موجود مع تقدم القبول على الإيجاب.

ص: 491

______________________________

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم: أنّ المتيقن من الإجماع القائم على اعتبار القبول في العقد هو كون القبول عبارة عن الرّضا بالإيجاب و تقريره و تثبيته. و اعتبار المطاوعة و الانفعال خصوصية زائدة لا دليل على اعتبارها في مفهوم القبول، فإنّ المتيقّن من الإجماع الدالّ على اعتبار القبول في العقد هو الرّضا بالإيجاب. و اعتبار قيد زائد فيه- كالانفعال و المطاوعة و إنشاء نقل- مما لا دليل على اعتباره، بعد وضوح صدق مفهوم العقد العرفي على العقد الذي يكون قبوله رضا بالإيجاب من دون خصوصية أخرى معه. و لو شك في اعتبارها شرعا ينفى بعموم وجوب الوفاء بالعقود.

فوزان القبول وزان «جزاكم اللّه خيرا» لمن عمل عملا، و شأنه تقرير عمل الموجب. كما أنّ المناسب للفظ القبول عرفا هو هذا المعنى، فإنّه قبول لإيجاب الموجب و رضا به، فليس شأن القبول إنشاء نقل مثلا في قبال إنشاء الموجب، و إلّا كان العقد مركّبا من إيجابين، لا إيجاب و قبول، كما إذا قال المشتري بعد قول البائع: بعتك هذا المتاع بدينار: «نقلت الدينار إليك بهذا المتاع» فإنّ هذا الكلام من المشتري إيجاب لا قبول.

و الحاصل: أنّ تمام ماهية البيع توجد بإيجاب البائع و قبول المشتري لهذا الإيجاب، و لا تحتاج إلى إيقاع المشتري ملكية المبيع أو البائع ملكية الثمن، لأنّ الإيجاب متضمّن لذلك، و المحتاج إليه في ترتب الأثر هو قبول المشتري، و رضاه بما أوقعه الموجب، فليس القبول نقلا و انتقالا جديدا، بل الإنشاء الصادر من المشتري ليس إلّا رضا بالإيجاب.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه من اعتبار تضمّن القبول للنقل و للرّضا بالإيجاب لا يخلو من غموض.

إذ فيه أوّلا: عدم الدليل على اعتبار النقل في القبول، كما عرفت.

و ثانيا: منافاته لما اختاره قدّس سرّه في ثاني تنبيهات المعاطاة من كفاية الإعطاء من

ص: 492

______________________________

طرف واحد في تحقق البيع المعاطاتي. وجه المنافاة أنّه لا يتحقق حينئذ فعل من المشتري حتّى يكون نقلا للثمن، بل يحصل منه أخذ، و هو متمّم لفعل المعطي، و ليس إنشاء لنقل الثمن كما لا يخفى.

كما أنّ ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه الشريف: «من أنّ كلّا من الموجب و القابل في عقود المعاوضة ينشئ أمرين، أحدهما بالمطابقة، و ثانيهما بالالتزام، فالموجب ينقل ماله إلى ملك المشتري مطابقة، و يتملّك مال المشتري عوضا عن ماله التزاما، و القابل بعكس ذلك» «1» لا يخلو أيضا من غموض.

لما فيه أوّلا: من منافاته لتحقق البيع المعاطاتي بإعطاء واحد كما عرفت آنفا، فتأمّل.

و ثانيا: أنّ تمليك الثمن بالقبول لا بدّ أن يكون مقصودا للمشتري، لتبعية العقد للقصد، كسائر الأمور القصدية المتقومة بالقصد، و من المسلّم فقدانه في غالب البيوع، لجهل المشتري باعتبار قصد نقل الثمن، فيلزم بطلان كثير منها، و هو كما ترى.

و ثالثا: يلزم تركب العقد من إيجابين: تمليك البائع للمبيع، و تمليك المشتري للثمن، و هذا غير الإيجاب و القبول المقوّمين للعقد.

و رابعا: يلزم أن يكون مفهوم القبول- الذي هو أحد ركني العقد في العقود المعاوضية- مغايرا لمفهوم القبول في سائر العقود، و لازم هذا تعدّد الوضع للقبول على حسب تعدد أنواع العقود، و لا أظنّ التزام أحد بذلك، هذا.

و قد ظهر أيضا مما ذكرناه ما في تفصيل المصنف قدّس سرّه بين ألفاظ القبول، بجواز التقديم إذا كان بلفظ «اشتريت» و نظائره مما هو ظاهر في التملّك و التمليك التبعي و بعدمه إذا كان بلفظ «قبلت» و نحوه مما هو ظاهر في مطاوعة فعل الموجب، أو كان بصيغة الأمر، بدعوى: أن «اشتريت» و نحوه يدلّ على الرّضا بالإيجاب على وجه يتضمّن

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 109

ص: 493

______________________________

النقل في الحال، فيجوز تقديمه. و أنّ لفظ «قبلت» متفرع على الإيجاب، و لم يحصل بعد، فلا يجوز. و كذا لفظ الأمر، فإنّه يدلّ على الرّضا بالمعاملة، و لا يدلّ على الرّضا بالنقل في الحال، فالأمر إذن في إيقاع البيع، لا قبول للإيجاب، هذا.

و ذلك لما عرفت من أنّ القبول العقدي ليس إلّا الرّضا بفعل الموجب، سواء حصل الإيجاب أم لم يحصل بعد، ضرورة أنّ الرّضا كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي. و لا يعتبر في القبول النقل في الحال، لما مرّ من عدم دخله في شي ء من العقود شرعا و لا عرفا. و لو كان إنشاء النقل دخيلا في مفهوم القبول لما كان التقديم جائزا بأيّ لفظ كان، لامتناع اتصاف القبول بهذا المعنى إلّا مع التأخر، لأنّ نقل الثمن لازم تملّك المبيع، و بدون تملّكه لا ينشأ تمليك الثمن. و لو لم يكن دخيلا في مفهومه جاز تقديم القبول بأيّ لفظ كان.

فهذا النزاع الراجع إلى مقام الإثبات غير مناسب، لأنّ مفهوم القبول إمّا يقبل التقديم و إمّا لا يقبله. فعلى الأوّل يجوز مطلقا، و على الثاني لا يجوز كذلك، و إن كان بلفظ: اشتريت و ابتعت.

و لو سلّم اعتبار المطاوعة في القبول فلا مانع من إنشائه مقدّما على الإيجاب بأحد نحوين، إمّا بنحو الاشتراط، كأن يقول: «إن بعتني هذا المتاع بكذا قبلت» نظير الواجب المشروط، فيتحقق القبول الحقيقي المتمّم لموضوع الأمر الاعتباري بعد الإيجاب. و إمّا بنحو الواجب التعليقي، فيقبل الإيجاب في موطن تحققه، كإيجاب الصلاة في الغد، فالإنشاء فعلي و المنشأ استقبالي.

و على التقديرين لا مانع من إنشاء القبول قبل الإيجاب سواء أ كان بلفظ: «اشتريت أم قبلت» أم الأمر. و الفرق بينها إنّما هو في كيفية الدلالة، فإنّ دلالة «قبلت و رضيت» على القبول و هو الرّضا بالإيجاب إنّما تكون بالمطابقة، و على النقل و التملّك بالالتزام، و دلالة

ص: 494

______________________________

«اشتريت» و نحوه على القبول- بالمعنى المزبور- إنّما تكون بالالتزام، و على النقل و التملك بالمطابقة. و دلالة الأمر على القبول إنّما تكون بالكناية، لأنّ مطلوبية البيع الذي هو مادة الأمر يلزمها الرّضا بإيجابه.

لكن هذا الفرق ليس بفارق في جهة البحث و هي تقدّم القبول على الإيجاب.

و لو نوقش في دلالة بعض الألفاظ على القبول مع تقدّمها على الإيجاب، فإنّما هو مناقشة صغروية لا تقدح في البحث الكبروي، و هو تقدم القبول على الإيجاب، بعد كون القبول هو الرّضا بالإيجاب، و عدم اعتبار شي ء آخر- كالنقل في الحال- فيه.

و بالجملة: فالحقّ جواز تقديم القبول مطلقا و لو كان بلفظ الأمر، إن كان مفهوم القبول بسيطا و هو الرّضا بالإيجاب، لما عرفت من جواز تعلّق الرّضا بإيجاب استقبالي كتعلّقه بإيجاب حاليّ، و عدم جواز التقديم إن كان مفهومه مركّبا من الرّضا بالإيجاب و النقل في الحال، و إن كان بلفظ «اشتريت و ابتعت و ملكت». فمناط جواز التقديم و عدمه هو بساطة مفهوم القبول و تركّبه من غير دخل لدلالة الألفاظ من حيث الصراحة و عدمها في ذلك، كما لا يخفى.

كما أنّه قد ظهر مما ذكرنا أيضا غموض تفصيل آخر، و هو ما أفاده المصنف قدّس سرّه أيضا من الفرق بين أنواع العقود، و ملخّصه: أنّ القبول في العقود على أقسام، لأنّه إمّا التزام بشي ء كالالتزام بنقل ماله إلى الغير عوضا عن ماله كما في العقود المعاوضيّة كالبيع و الإجارة، و ما بحكمهما كالنكاح، فإنّ القابل و هو الزوج يلتزم بالزوجيّة. و هذا القسم يتصور على وجهين:

أحدهما: كون الالتزام الحاصل من القابل نظير الالتزام الحاصل من الموجب كالمصالحة المعاوضية، حيث إنّ كلّا منهما يتسالم صاحبه على المال.

ثانيهما: كونه مغايرا له كالاشتراء، إذ الملحوظ فيه عوضيّته لمال آخر.

ص: 495

______________________________

و إمّا مجرد الرّضا بالإيجاب من دون التزام بشي ء. و هذا القسم يتصور أيضا على وجهين:

الأوّل: أن يعتبر فيه عنوان المطاوعة كالارتهان و الاتهاب و الاقتراض.

و الثاني: أن لا يعتبر فيه أزيد من الرّضا بالإيجاب كالوكالة و العارية و الوديعة، فإنّ القبول فيها يحصل بمجرّد الرضا بإيجاب التوكيل و الإعارة و الإيداع، و ليس فيه إنشاء التزام.

و تقديم القبول على الإيجاب إنّما يكون في صورتين:

إحداهما: كون القبول التزاما مغايرا للإيجاب كالاشتراء.

ثانيتهما: كون القبول مجرّد الرّضا من دون اعتبار المطاوعة فيه، كالقبول في المصالحة المتضمنة للإسقاط أو التمليك بغير عوض، و في الوكالة و العارية و الوديعة لأنّ في هاتين الصورتين ينبغي أن ينازع في جواز تقديم القبول على الإيجاب و عدمه، حيث إنّ تقديمه فيهما على الإيجاب لا يخرجه عن معنى القبول.

بخلاف الصورتين الأخريين- و هما كون القبول التزاما نظير التزام الموجب كالمصالحة المعاوضية. و كون القبول الرضا بالإيجاب مع اعتبار المطاوعة فيه- فإنّ التقديم في الأولى يوجب تركب العقد من إيجابين، و في الثانية يوجب فوات المطاوعة المعتبرة في مفهوم القبول. هذا محصل ما يستفاد من كلام المصنف قدّس سرّه.

و الإشكال فيه يظهر مما أسلفناه، إذ القبول العقدي في جميع أنواع العقود ليس له معنى متعدّد و وضع كذلك. و الوجه في اعتبار القبول في العقد إمّا العرف، لتركب العقد عندهم من الإيجاب و القبول، فالقبول حينئذ مقوّم للعقد العرفي. و إمّا الإجماع على اعتبار القبول في العقد.

و على التقديرين لا وجه لاعتبار أزيد من الرّضا بالإيجاب في ظرف تحققه، إذ لا يحكم العرف بأزيد منه. و كذا الإجماع، لأنّ المتيقن منه هو اعتبار مجرّد الرّضا

ص: 496

______________________________

بالإيجاب، و لا دليل على اعتبار المطاوعة- أو فعليّة الإيجاب حين القبول- في مفهوم القبول أو في تأثيره.

فالتحقيق: أنّ القبول في جميع العقود بمعنى واحد، و هو الرّضا بالإيجاب مطلقا، سواء تقدّم أم تأخّر، لما عرفت من صحة الرّضا بشي ء مستقبل كالحالي.

و أمّا الالتزام بالشي ء في بعض العقود- كالالتزام بالنقل في البيع و بالزوجية في النكاح- فليس دخيلا في مفهوم القبول، و إنّما هو من لوازمه، حيث إنّ الرّضا بالإيجاب يختلف مقتضاه بحسب اختلاف أنحاء الإيجاب، فإنّ إيجاب الزوجية يستلزم أن يكون الرّضا به التزاما بالزوجية، و الرّضا بتسالم زيد مثلا على مال يكون قبولا للصلح.

و بالجملة: ففي جميع أنواع العقود ليس القبول فيها إلّا مجرّد الرّضا بما أوجبه الموجب من غير فرق في ذلك بين العقود اللازمة المعاوضية و الإذنية و المجانيّة.

هذا مضافا إلى ما في بعض أمثلة التفصيل المزبور من المناقشة، حيث إنّه قدّس سرّه جعل قبول القرض مجرّد الرّضا بالإيجاب من دون التزام بشي ء، مع أنّ من الواضح التزام المقترض بضمان العين المقترضة مثلا أو قيمة.

و كيف كان فمقتضى التحقيق جواز تقديم القبول بأيّ لفظ كان على الإيجاب في أيّ عقد كان، فتدبّر.

و مما ذكرنا تعرف ما في كلمات المصنف قدّس سرّه من الاضطراب، هدانا اللّه تعالى إلى حقائق أحكامه بحق محمد و عترته سادة أوليائه صلوات اللّه عليهم إلى يوم لقائه.

ص: 497

[المبحث الثاني: شرطية الموالاة بين الإيجاب و القبول]

و من جملة شروط العقد: الموالاة (1) بين إيجابه و قبوله.

ذكره الشيخ في المبسوط في باب الخلع (2)،

______________________________

المبحث الثاني: شرطية الموالاة بين الإيجاب و القبول

(1) هذا هو المبحث الثاني من مباحث الجهة الثالثة المتكفلة لشرائط الصيغة من حيث الهيئة التركيبية. و البحث في هذه المسألة عن شرطية الموالاة بين الإيجاب و القبول، و إخلال الفضل بينهما- بالأجنبي. و قد يعبّر عن هذا الشرط بالفورية في كلام بعضهم، كما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1». و سيأتي تصريح شيخ الطائفة باعتبار الفورية في الخلع.

و في الجواهر: «و أمّا الاتّصال فعن جماعة منهم الفاضل في النهاية و الشهيد و المقداد و المحقق: أنّه يشترط أن لا يتأخّر القبول بحيث لا يعدّ جوابا، و لا يضرّ تخلّل آن أو تنفّس أو سعال» «2».

و في مفتاح الكرامة- بعد حكاية الاشتراط عن الجماعة المذكورين-: «قلت:

هو مما لا ريب فيه» «3».

(2) ذكره شيخ الطائفة في خصوص الخلع، و لم يذكره على وجه القضية الكلية الجارية في سائر العقود. قال في المبسوط: «إذا طلّقهما بألف أو على ألف، فقد طلّقهما

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 251

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 255

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 165

ص: 498

ثمّ العلّامة (1) و الشهيدان (2)

______________________________

طلاقا بعوض ألف. و يقتضي أن يكون جوابه على الفور، فإن تراخى لم يصحّ أن يطلّقهما على ما طلبتا، فإن طلّق كان ابتداء طلاق من جهته، و يكون رجعيا» «1» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه.

(1) قال قدّس سرّه في بيع النهاية: «و يشترط أن لا يطول الفصل بين الإيجاب و القبول، و لا يتخلّلهما كلام أجنبي عن العقد، إذا خرج بذلك عن القبول عرفا» «2».

و اعتبر في نكاح القواعد «3» وحدة مجلس الإيجاب و القبول.

و جوّز في نكاح التذكرة التراخي، فقال: «إنّما يصح العقد إذا صدر في مجلس واحد و لم يتشاغلا بينه بغيره و إن تراخى أحدهما عن الآخر، إذا عدّ الجواب جوابا للإيجاب .. إلخ» «4» فراجع.

و على هذا فإن أمكن استفادة الفورية من اشتراط وحدة المجلس فهو، و إلّا فتنحصر نسبة شرطية الفورية إلى العلّامة في صراحة عبارة النهاية.

(2) قال الشهيد قدّس سرّه في شرائط الوقف: «و رابعها: القبول المقارن للإيجاب، إذا كان- أي الوقف- على من يمكن فيه القبول» «5».

و يستفاد اعتبار الموالاة أيضا من مفهوم قوله في شرائط عقد البيع:

«و لا يقدح تخلّل آن أو تنفّس أو سعال» «6».

و رجّح الشهيد الثاني في الرّوضة اشتراط الوقف بالقبول- إذا كان الوقف على من يمكن في حقه القبول- ثم قال: «فعلى هذا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة من

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 362

(2) نهاية الأحكام، ج 2، ص 450

(3) قواعد الأحكام، ص 147 (الطبعة الحجرية)

(4) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 583

(5) الدروس الشرعية، ج 2، ص 264

(6) الدروس الشرعية، ج 3، ص 191

ص: 499

و المحقّق الثاني (1) و الشيخ المقداد «1».

قال الشهيد في القواعد (2): «الموالاة معتبرة في العقد و نحوه (3)، و هي (4)

______________________________

اتصاله بالإيجاب عادة» «2».

(1) كما في موضعين من جامع المقاصد، أحدهما: في عقد البيع، حيث قال:

«و يشترط وقوع القبول على الفور عادة من غير أن يتخلّل بينهما كلام أجنبي» «3».

ثانيهما: في عقد النكاح، حيث شرط العلّامة اتحاد المجلس، و استظهر منه المحقق الثاني الموالاة، فقال: «و كذا يشترط اتحاد مجلس الإيجاب و القبول، فلو تعدّد- كما لو قالت الزّوجة: زوّجت نفسي من فلان، و هو غائب، فبلغه، فقبل- لم يصحّ، لأنّ العقود اللازمة لا بدّ فيها من وقوع القبول على الفور عادة، بحيث يعدّ جوابا للإيجاب.

و كذا لو تخلّل بينهما كلام آخر أجنبي» «4».

و تعرّض العلّامة قدّس سرّه في التذكرة لفرعين، أحدهما: اتحاد المجلس كما نقلناه آنفا، و الآخر: تأخر القبول عن الإيجاب بما لا يتعارف، كما إذا كان غائبا عن مجلس الإيجاب. و يظهر من عقد فرعين تعددهما موضوعا، فراجع التذكرة «5».

(2) استند الشهيد قدّس سرّه في اعتبار الموالاة إلى فتاوى فقهائنا قدّس سرّهم في مسائل خمس، و نقل فتوى بعض العامة في مسألة تخلّل التحميد و التصلية بين إيجاب عقد النكاح و قبوله.

(3) ممّا يعدّ فيه الشيئان أو الأشياء واحدا، أو يعدّ أجزاء المركّب واحدا كالصلاة.

(4) أي: الموالاة. توضيحه: أنّ الملحوظ في اعتبار الاتصال بين الإيجاب

______________________________

(1): التنقيح الرائع، ج 2، ص 24

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 165

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 59

(4) جامع المقاصد، ج 12، ص 78

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 582

ص: 500

مأخوذة من اعتبار الاتّصال بين المستثنى و المستثنى منه (1). و قال بعض العامة (2):

______________________________

و القبول هي تبعية القبول له كتبعية المستثنى للمستثنى منه، فكأنّ ملاك الاتصال في الاستثناء- و هو التبعية- جار في جميع التوابع، فتعدّوا من باب الاستثناء إلى كلّ ما لوحظ فيه التبعية، و ترتّب عليها الآثار الشرعية. و جعلوا العقد من الموارد الملحوظ فيها التبعية، حيث إنّ القبول تابع للإيجاب، فيعتبر الاتّصال و الموالاة بين الإيجاب و القبول كاعتبارهما بين المستثنى و المستثنى منه.

و الحاصل: أنّ تبعية المستثنى للمستثنى منه و شدّة ارتباطه به لمّا كانت في غاية الوضوح- بحيث كان الاستثناء من النفي إثباتا و من الإثبات نفيا، و كان موجبا لقلب المستثنى منه من المدح إلى الذم، و من الصدق إلى الكذب، و من الإيمان الى الكفر، و من الإقرار إلى الإنكار، و بالعكس- كان اعتبار الموالاة بينهما في غاية الوضوح، و جعل مأخذا و أصلا لاعتبار الموالاة في سائر الأمور المتّصلة كالعقود.

(1) فلو أقرّ بقوله: «لزيد عليّ خمسون دينارا» و بعد ساعة قال: «إلّا خمس دنانير» لم يسمع منه هذا الاستثناء حتى يكون إقراره بخمس و أربعين، بل يحمّلونه الخمسين، و يجعلون استثناء الخمس إنكارا لإقراره بالخمسين، و من المعلوم عدم العبرة بالإنكار بعد الإقرار. و هذا بخلاف ما لو اتّصل المستثنى بالمستثنى منه، فإنّه يقبل منه الاعتراف بخمس و أربعين.

و عليه فسماع الاستثناء عند الاتّصال بالمستثنى منه- و عدم سماعه عند الفصل الماحي لوحدة الكلام- دليل قطعي على اعتبار الوحدة بين أجزاء الكلام الواحد، و كذا بين أجزاء كل مركّب اعتباري.

(2) في الفقه على المذاهب الأربعة في شروط عقد النكاح: «و اشترط الشافعية و المالكية الفور، و اغتفروا الفاصل اليسير الذي لا يقطع الفور عرفا» «1».

______________________________

(1): الفقه على المذاهب الأربعة، ج 4، ص 24

ص: 501

لا يضرّ (1) قول الزوج بعد الإيجاب: الحمد للّه و الصلاة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبلت نكاحها.

و منه (2) الفوريّة في استتابة المرتدّ، فيعتبر في الحال. و قيل: إلى ثلاثة أيّام (3).

و منه (4) السكوت في أثناء الأذان، فإن كان كثيرا أبطله.

______________________________

(1) و هو يضرّ بناء على ما سمعته من جامع المقاصد من قوله: «و كذا لو تخلّل بينهما بكلام آخر أجنبي».

(2) أي: و من اعتبار الاتصال و التوالي: ما ذكروه في توبة المرتد من حيث اعتبار الفورية فيها عقيب استتابته من طرف الحاكم الشرعي. فلو لم يتب فورا قتل، هذا بناء على ما نسب إلى المشهور.

و أمّا بناء على إمهاله ثلاثة أيّام لم تكن هذه المسألة من فروع الموالاة، لأجنبيّتها عنها.

و يدلّ على فوريّة إجابة المرتد بعد الاستتابة عدة نصوص:

منها: ما في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام في حديث، قال: «قلت:

فنصرانيّ أسلم ثم ارتدّ؟ قال: يستتاب، فإن رجع، و إلّا قتل» «1». و ظهورها في وجوب الرجوع فورا و عدم إمهاله ممّا لا ينكر.

(3) و هو مرويّ أيضا، مثل ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته، و لا تؤكل ذبيحته، و يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب، و إلّا قتل يوم الرابع» «2».

(4) أي: و من اعتبار التوالي: حكمهم بقدح السكوت في أثناء الأذان.

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 18، ص 547، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث: 1، و نحوه الحديث 2 و 3 و 4

(2) المصدر، ص 548، الحديث: 5

ص: 502

و منه (1) السكوت الطويل في أثناء القراءة، أو قراءة غيرها خلالها (2).

و كذا التشهّد (3).

و منه (4) تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع، فإن تعمّدوا أو نسوا حتى ركع فلا جمعة.

و اعتبر بعض العامّة تحريمهم معه قبل الفاتحة (5).

______________________________

و استدلّ في الجواهر على اعتبار الموالاة بين فصول الأذان بوجوه ثلاثة:

الأصل، و فعلهم عليهم السّلام، و الاستفادة من الأدلّة الخالية عن المعارض «1».

و الكلّ مخدوش، إذ في الأوّل عدم معارضته للإطلاق الدالّ على عدم الاعتبار.

و في الثاني: الإجمال. و الاستفادة من الأدلة على خلافه.

فالتحقيق أنّ المعتبر هو عدم انمحاء الصورة عند المتشرعة بسكوت طويل أو أعمال أجنبية، كانمحاء صورة الصلاة على ما ثبت في محله. فالموالاة بالمعنى المقصود هنا غير معتبرة في الأذان.

(1) أي: و من اعتبار التوالي: حكمهم بقدح السكوت الطويل الماحي للهيئة الكلامية المعتبرة في صحة كونه كلاما، و كذا الكلام الأجنبي الماحي.

لكنك خبير بأنّه أجنبي عن الموالاة المعتبرة في شي ء، مع انخفاظ عنوانه، ضرورة أنّ الماحي مخلّ بعنوان القراءة، لا بالفورية فقط.

(2) الضميران راجعان إلى القراءة.

(3) فإنّ التشهّد عنوان واحد لا يتحقق إلّا باتصال أجزائه.

(4) أي: و من اعتبار التوالي. و غرضه- ظاهرا- هو: أنّ ما دلّ على اعتبار العدد في الجمعة يقتضي اعتبار دخولهم في الصلاة قبل الركوع على وجه يعدّ تمام الصلاة فعلا لجميعهم.

(5) و هذا أولى من سابقه، لأنّه أمسّ بالموالاة.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 9، ص 92

ص: 503

و منه (1) الموالاة في التعريف بحيث لا ينسى أنّه تكرار. و الموالاة في سنة التعريف (2)، فلو رجع (3) في أثناء المدة استؤنف ليتوالى» «1» انتهى.

______________________________

(1) أي: و من اعتبار التوالي: الموالاة في التعريف. و لعلّ المراد بهذا التعريف هو تعريف اللقطة في أوّلها، يعني تعتبر الموالاة بين التقاطها و بين تعريفها، بحيث لا يتخلّل زمان معتدّ به بين الالتقاط و بين التعريف الأوّل.

و كذا يعتبر التوالي بين التعريفات أثناء سنة واحدة، إذ لو تخلّل زمان طويل بين التعريفات لم يتذكّر السامع أن التعريف الثاني و الثالث تكرار للتعريف الأوّل، و احتمل أنّه تعريف للقطة أخرى غير اللقطة الأولى التي عرّفها مرّة مثلا. و على هذا يعتبر التوالي بين التعريفات حتى لا تصير اللقطة نسيا منسيا. قال الشهيد قدّس سرّه:

«و الضابط أن يتابع بينها بحيث لا ينسى اتصال الثاني بمتلوّه» «2».

(2) أي: تعريف اللقطة في أثناء السّنة.

(3) أي: فلو رجع عن التعريف في أثناء السنة استأنف التعريف. و بيانه: أنّه- بناء على اعتبار التتابع في التعريف في حول كامل- إذا عرّف الملتقط اللّقطة شهرا مع التتابع المعتبر كتعريفها في كلّ أسبوع مرّة مثلا، ثم ترك التعريف شهرين، وجب عليه تعريفها سنة كاملة بعد الشّهر الثالث، و ذلك لأنّ التعريف في الشهر الأوّل قد انقطع أثره بفوات الموالاة و التكرار في الشهر الثاني و الثالث، فلو شرع في التعريف في الشهر الرابع لم يكن متابعة للتعريف في الشهر الأوّل. و حيث إنّه يجب التعريف حولا كاملا وجب عليه أن يعرّفها من الشهر الرابع، و أن يجعله مبدأ سنة التعريف مع رعاية الموالاة بين الدفعات. و لو لم يكن التوالي معتبرا لم يسقط التعريف في الشهر الأوّل عن الأثر، و لم يقدح تخلّل شهرين بدون التعريف، و كان يكفيه إلحاق تسعة أشهر بما تقدم حتى يتمّ الحول.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 234، رقم القاعدة: 73، و تمام كلام الشهيد هذا: «ليتوالى الانجاش- أي الإعلان- و قيل: يبني».

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 88

ص: 504

أقول: حاصله (1) أنّ الأمر المتدرّج شيئا فشيئا إذا كان له صورة اتصالية في العرف، فلا بدّ في ترتب الحكم المعلّق عليه في الشرع من اعتبار صورته الاتّصالية. فالعقد المركّب من الإيجاب و القبول- القائم بنفس المتعاقدين- بمنزلة (2) كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فيقدح تخلّل الفصل المخلّ بهيئته (3) الاتصالية. و لذا (4) لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد.

و انضباط ذلك (5) إنما يكون بالعرف، فهو في كل أمر بحسبه، فيجوز الفصل بين كلّ من الإيجاب و القبول بما لا يجوز بين كلمات كلّ واحد منهما، و يجوز بين الكلمات بما لا يجوز بين الحروف، كما في الأذان و القراءة.

و ما ذكره (6) حسن لو كان حكم الملك و اللزوم في المعاملة منوطا بصدق

______________________________

(1) قد تقدّم في (ص 501) تقريب هذا الحاصل، فراجع.

(2) خبر قوله: «فالعقد المركب» و قوله: «القائم» صفة للعقد.

(3) متعلّق ب «يقدح» و الضمير راجع إلى العقد.

(4) أي: و لأجل قدح تخلّل الفصل المزبور لا يصدق المعاقدة إذا كان الفصل مفرطا في الطول كسنة أو أزيد.

(5) يعني: و ضبط الفصل المفرط- المخلّ بالهيئة الاتصالية- موكول إلى العرف، و لا حدّ معيّن له، فتختلف مراتب الفصل بحسب قصر الزمان و طوله، فالفصل بالسعال و العطاس بين حروف كلمة واحدة و بين مثل المضاف و المضاف إليه قادح في صدق الكلمة و شبهها. و الفصل بين المبتدأ و الخبر بالعطاس مثلا ربما لا يكون مخلّا بالهيئة التركيبية. و السكوت دقيقة أو أكثر ربما يكون ماحيا لصورة قراءة السورة مثلا، و هكذا.

(6) أورد المصنف على كلام الشهيد قدّس سرّهما بوجوه ثلاثة:

أوّلها: يتعلق بما أفاده من اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول، من جهة توقف صدق العقد على التوالي بينهما.

ص: 505

العقد عرفا، كما هو مقتضى (1) التمسّك بآية الوفاء بالعقود، و بإطلاق كلمات الأصحاب في اعتبار العقد في اللزوم بل الملك. أمّا لو كان (2) منوطا بصدق البيع

______________________________

ثانيها: يتعلّق بما أفاده من جعل مبنى شرطيّة الموالاة الرّبط بين المستثنى منه و المستثنى.

ثالثها: في الفروع الّتي فرّعها الشهيد على شرطية الفورية و التتابع.

أمّا الإشكال الأوّل فتقريبه: أنّ ما أفاده الشهيد قدّس سرّه حسن لو كان دليل الملك و اللزوم الآية المباركة الآمرة بالوفاء بالعقود، حيث إنّها أناطت ترتب الملك و اللزوم بعنوان «العقد» و لا يحرز صدقه إذا انفصل القبول عن الإيجاب بما لا يتسامح عرفا فيه. و أمّا لو كانا مترتبين على عنوان «البيع» أو «التجارة عن تراض» لم يقدح عدم صدق العقد على الإيجاب و القبول، المنفصل أحدهما عن الآخر، و ذلك لكفاية صدق «البيع و التجارة» عليه، حيث إنّهما موضوعان- في آيتي: (حلّ البيع و التجارة عن تراض) للصحة و اللزوم.

و عليه فلا موجب حينئذ لاعتبار الموالاة فيه، لعدم دوران الصحة و اللزوم مدار عنوان العقد حتى نلتزم باعتبار الموالاة فيه. هذا توضيح الإشكال الأوّل.

و أمّا الإشكال الثاني و الثالث فسيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: أنّ ما أفاده الشهيد قدّس سرّه من دوران الملك و اللزوم مدار صدق العقد مستند إلى وجهين. أحدهما: ظهور الآية المباركة في أنّ ما يجب الوفاء به هو العقد.

ثانيهما: إطلاق كلمات الأصحاب، حيث حكموا بترتب الإباحة على المعاطاة، و قالوا: «إنّها ليست بيعا و لا عقدا» و من المعلوم أنّ إطلاق «العقد» محمول على العقد العرفي غير الصادق على ما إذا لم يتصل القبول بالإيجاب فورا.

(2) هذا هو إشكال المصنف على الشهيد قدّس سرّهما، و حاصله- كما عرفت- عدم انحصار دليل الإمضاء في الأمر بالوفاء بالعقود.

ص: 506

أو التجارة عن تراض فلا يضرّه (1) عدم صدق العقد.

و أمّا جعل المأخذ في ذلك (2) اعتبار الاتّصال بين الاستثناء و المستثنى منه

______________________________

(1) يعني: أنّ عدم صدق العقد لا يضرّ الملك و اللزوم. و وجه عدم الإضرار عدم التلازم بين العقد و البيع و التجارة، فيمكن صدقهما و عدم صدق العقد.

(2) أي: اعتبار الموالاة. و هذا هو الإشكال الثاني على كلام الشهيد. و مقصود المصنف قدّس سرّه تحقيق استدلاله على اعتبار الموالاة بقوله: «و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين الاستثناء و المستثنى منه» و بيانه: أنّه لا ريب في اعتبار الاتصال في الاستثناء، لكن الكلام في شرطية الاتصال و الموالاة في مطلق المركّبات كالعقد و الصلاة، و كذا غير المركبات، كما في التتابع في تعريف اللقطة في الحول، و من المعلوم أنّ الاستثناء جزئي من جزئيات هذه المسألة، و مجرّد اعتبار الموالاة في هذا الجزئي لا يكفي في تأسيس قاعدة كليّة بعنوان شرطيّة الموالاة في أجزاء الكلام الواحد، و كذا في غير الكلام ممّا له صورة اتصالية. و وجه عدم الكفاية أنّه استقراء ناقص لا يعوّل عليه في ضرب القانون.

و لا ينحصر استدلال الشهيد- بتتبع حال بعض الأفراد على تأسيس الأصل- بالمقام، بل تكرّر منه في كتاب القواعد: «أنّ الأصل كذا» مع أنّه قدّس سرّه لم يظفر بدليل عام، و إنّما توصّل إليه بملاحظة بعض الأفراد، فاصطاد منها أصلا عاما و قاعدة كلية.

و لكن الانتقال من باب الاستثناء إلى اعتبار الموالاة في العقد و غيره لا يخلو من شي ء.

ثم تصدّى المصنف قدّس سرّه لتوجيه استفادة الفورية و الموالاة من باب الاستثناء ببيان آخر، و محصله: أنّ ارتباط المستثنى بالمستثنى منه أشدّ و آكد من ربط سائر التوابع و الملابسات بمتبوعاتها، لما عرفت في تقريب كلام الشهيد من دوران صدق الإخبار على إلحاق المستثنى بالمستثنى منه فورا، بحيث لو لم يلحقه أو لحقه بالتراخي كان المراد الاستعمالي هو المستثنى منه خاصة، و كان هو مدار الصدق و الكذب، كما إذا قال: «ما دخل في الدار أحد» مع دخول زيد فيها، فإن لم يتصل به قوله: «إلّا زيد»

ص: 507

فلأنّه منشأ الانتقال إلى هذه القاعدة (1)، فإنّ أكثر الكليّات إنّما يلتفت إليها من التأمّل في مورد خاص (2). و قد صرّح (3) في القواعد مكرّرا بكون الأصل في هذه القاعدة كذا.

______________________________

حكم العرف بكذب الخبر. و هذا الربط الوثيق غير معتبر في سائر التوابع كالحال و ذيه، فإذا قال: «جاء زيد» و لم يقل «راكبا» كان صادقا في إخباره.

و لمّا كان الرّبط في جملة الاستثناء أقوى منه في اللواحق الأخرى جعلوه مبنى حكمهم باعتبار الموالاة في مطلق التابع سواء أ كان من مقولة اللفظ أم أمرا آخر مما يتوقف صدق العنوان على الهيئة الاتصالية بين أجزائه كتعريف اللّقطة في سنة واحدة.

هذا توضيح توجيه المصنف لجعل الاستثناء أساسا لشرطية التوالي مطلقا، و لكنه قدّس سرّه جعله وجها بعيدا، و سيأتي تقريبه.

(1) و هي اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول.

(2) يعني: أنّ كثيرا من القواعد الشرعية تستنبط من حكم الشارع في قضية شخصية، كما أنّ كثيرا منها وردت بلسان ضرب القانون و الحكم العام.

(3) غرضه الاستشهاد بخصوص كلمات الشهيد قدّس سرّه في القواعد على الالتفات إلى الحكم الكلّي من تتبع بعض جزئياته، و قد تكرّر قول الشهيد: «الأصل كذا».

كقوله: «الأصل أنّ كلّا من الواجب و الندب لا يجزي عن صاحبه، لتغاير الجهتين».

و قوله: «الأصل في الأسباب عدم تداخلها إلّا في مواضع».

و «أنّ الأصل في العقود الحلول ..».

و «الأصل أنّ كلّ أحد لا يملك إجبار غيره إلّا في مواضع».

و «الأصل عدم تحمل الإنسان عن غيره ما لم يأذن له إلّا في مواضع» و غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع في قواعده قدّس سرّه.

و على هذا فقوله في مسألتنا: «الموالاة معتبرة في العقود، و هي مأخوذة .. إلخ»

ص: 508

و يحتمل بعيدا (1) أن يكون الوجه فيه: أنّ الاستثناء أشدّ ربطا بالمستثنى منه من سائر اللّواحق، لخروج (2) المستثنى منه معه عن حدّ الكذب إلى الصدق، فصدقه (3) يتوقف عليه، فلذا كان طول الفصل هناك (4) أقبح، فصار أصلا في اعتبار الموالاة بين أجزاء الكلام، ثم تعدّى (5) منه إلى سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا (6) أو معنى (7)

______________________________

مبني على استفادة شرطية التوالي- في العقود و غيرها- من الرّبط الموجود في مورد خاصّ و هو المستثنى منه و المستثنى.

(1) وجه البعد: أنّ اعتبار الاتصال في ما كان الرّبط فيه أشدّ- كالاستثناء- لا يلازم ثبوته في ما كان الرّبط فيه أخفّ. مع أنّ الشهيد قدّس سرّه جعل الاستثناء منشأ لاعتبار الاتصال و التوالي في موارد أخرى مع عدم كون الرّبط فيها بمثابة الاستثناء، و من المعلوم أنّه لا أولوية و لا مساواة في البين حتّى يتّجه التعدّي من الأشد إلى الأخف.

(2) يعني: أنّ الحاجة إلى المستثنى لأجل خروج الخبر عن الكذب إلى الصدق، و هذا بخلاف سائر التوابع كالحال و الصفة و التأكيد، فإنّ إهمالها في الكلام لا يؤثّر في صدق الخبر و كذبه أصلا.

(3) يعني: فصدق المستثنى منه يتوقف على وصل المستثنى به فورا.

(4) أي: الفصل بين المستثنى و المستثنى منه أقبح من الفصل بين مثل الحال و ذي الحال، فإذا كان وصل الحال بذيه لازما كان وصل المستثنى بالمستثنى منه ألزم و آكد. و لأجل هذه الآكدية جعل الشهيد الاستثناء منشأ لشرطية الموالاة في العقود و غيرها. و الضمير المستتر في «صار» راجع إلى كون طول الفصل أقبح في باب الاستثناء.

(5) يعني: تعدّى الشهيد قدّس سرّه من باب الاستثناء إلى التوابع و نحوها.

(6) كالتأكيد اللفظي، فإنّه- مع تخلّل زمان معتدّ به بين المؤكّد و المؤكّد- يخرج الكلام عن ضابط التأكيد اللفظي.

(7) كالمحمول، فإنّ الفصل الطويل بينه و بين الموضوع يمنع عن حصول الرّبط

ص: 509

أو من (1) حيث صدق عنوان خاصّ عليه، لكونه عقدا أو قراءة، أو أذانا، و نحو ذلك.

ثم (2) في تطبيق بعضها على ما ذكره خفاء، كمسألة توبة المرتدّ، فإنّ غاية ما يمكن أن يقال في توجيهه: إنّ المطلوب في الإسلام الاستمرار، فإذا انقطع فلا بدّ من إعادته (3) في أقرب الأوقات.

و أمّا مسألة الجمعة (4) فلأنّ هيئة الاجتماع في جميع أحوال الصلاة من

______________________________

المعنوي بينهما.

(1) معطوف على قوله: «لفظا» أي: سائر الأمور المرتبطة بالكلام من حيث صدق عنوان على الكلام، كعنوان العقد و القراءة و الأذان، و الدعاء بالمأثور ممّا له عنوان خاص، و التشهّد، و غيرها من صنوف الكلام.

(2) هذا هو الإشكال الثالث على الشهيد قدّس سرّه، و هو ناظر إلى تطبيق شرطية الموالاة على بعض الموارد، و محصل الإشكال: أنّ المرتدّ و إن وجبت عليه التوبة- بعد الاستتابة- فورا، لكنه ليس بلحاظ اعتبار الموالاة بين الاستتابة و التوبة، بل بلحاظ مطلوبية الإسلام من المرتدّ في كل حال حتى حال الاستتابة و قبلها و بعدها، فيجب عليه الرجوع إلى الدين الحنيف من هذه الجهة، لا من جهة رعاية الموالاة بين استتابته و توبته.

هذا لو لم يؤخذ بالأخبار التي تمهله ثلاثة أيّام، ثم يقتل بعدها لو لم يتب فيها. و أمّا بناء على الأخذ بها فلا يبقى مجال لاعتبار التوالي عرفا بين الاستتابة و التوبة، لوضوح أنّ الفصل بثلاثة أيّام مخلّ بالتوالي و الاتصال قطعا.

(3) أي: إعادة الإسلام في أوّل الأزمنة، فليست المسألة من فروع الموالاة.

(4) هذا مورد ثان جعله المصنف قدّس سرّه أجنبيا عن عموم اعتبار الموالاة بين أجزاء مركّب واحد عنوانا، و حاصله: أنّ انعقاد صلاة الجمعة بتحريم المأمومين قبل الركوع ليس لأجل اعتبار الاتّصال و الموالاة بين تحريم الإمام و تحريمهم، بل لأجل

ص: 510

القيام و الرّكوع و السجود مطلوبة، فيقدح الإخلال بها (1).

و للتأمّل في هذه الفروع (2) و في صحة تفريعها على الأصل المذكور مجال (3).

ثم إنّ (4) المعيار في الموالاة موكول

______________________________

مطلوبية القدوة في جميع أحوال الصلاة من القيام و الركوع و السجود و التشهد و غيرها، فالإخلال بها قادح في تحقق الجماعة، و أين هذا من اشتراط الجمعة بالموالاة؟

(1) أي: بهيئة الاجتماع، يعني: أنّ عدم تحريم المأمومين في الجمعة قبل الركوع مخلّ بهيئة الاجتماع، المطلوبة في جميع أحوال الصلاة.

(2) يعني: لو سلّمنا اعتبار الهيئة الاتصالية في القراءة و فصول الأذان و نحوهما لم يكن ذلك متفرّعا على شرطية الموالاة، بل لدليل خاص، كما تقدّم في مطلوبية التديّن بالإسلام في كل حال، و مطلوبية هيئة الاجتماع في صلاة الجماعة، فلو لا هذا الدليل الخاص لأمكن نفي شرطية الاتصال بأصالة البراءة.

(3) مبتدأ مؤخّر لقوله: «للتأمّل» و وجه مجال التأمل هو ما أفاده في قوله:

«و يحتمل بعيدا أن يكون الوجه فيه» الذي حاصله: أنّ اعتبار الاتصال في باب الاستثناء- لشدّته و آكديته- لا يقتضي اعتباره في مطلق التابع و المتبوع مع عدم وثاقة الرّبط بينهما.

(4) غرضه من هذا الكلام إلى آخر البحث تعيين المرجع في تحقق التوالي بين شيئين أو أشياء، و أنّ ما ذا يكون مناط الفصل بينهما أو بينها؟ و قد أفاد أوّلا: أنّ الموالاة لا حقيقة شرعية لها، فالمرجع في تشخيص مفهومها هو العرف، و من المعلوم أنّها تختلف باختلاف مواردها، فالموالاة في قراءة كلمات آية أضيق دائرة من الموالاة في آيات سورة واحدة.

ثم أفاد ثانيا: أنّ المستفاد من خبر سهل الساعدي- الوارد في تزويج امرأة بالصحابي- جواز الفصل بين إيجاب النكاح و قبوله بكلام طويل أجنبي عن صيغة

ص: 511

إلى العرف (1) كما في الصلاة و القراءة و الأذان و نحوها.

و يظهر (2) من رواية سهل الساعدي المتقدّمة في مسألة تقديم القبول جواز الفصل بين الإيجاب و القبول بكلام طويل أجنبي (3)، بناء (4) على ما فهمه الجماعة من أنّ القبول فيها قول ذلك الصحابي: «زوّجنيها» و الإيجاب قوله بعد فصل طويل: «زوّجتكها بما معك من القرآن» (5).

و لعلّ هذا (6)

______________________________

النكاح، بناء على ما اختاره جمع منهم الشهيد الثاني قدّس سرّه من أن قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«زوّجتكها» إيجاب مؤخّر، و قول الرجل: «زوّجنيها» قبول مقدّم.

و أمّا بناء على ما اختاره آخرون من توجيه الخبر، و عدم الأخذ بظاهره تعيّن الرجوع إلى العرف في سعة مفهوم الموالاة و ضيقها في كل مورد.

(1) كما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا، حيث قال: «قلت: المدار في هذه الموالاة على العرف، فإنّه الحافظ للهيئة المتعارفة سابقا في العقد الذي نزّلنا الآية عليه، فإنّ الظاهر عدم تغيّرها» «1».

(2) مقصوده من الاستشهاد برواية سهل التوسعة في مفهوم الموالاة تعبدا، و عدم الاقتصار على تحديدها عرفا.

(3) المراد بالأجنبي هو الكلام غير المرتبط بالصيغة و متعلّقاتها من صداق و شرط في ضمن العقد و نحوهما.

(4) و أمّا بناء على ما فهمه جمع- من عدم كون قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «زوّجتكها» إيجابا مؤخّرا، و لا قول الرجل: «زوّجنيها» قبولا مقدّما- كان الخبر أجنبيا عن إلغاء الموالاة بين القبول المقدّم و الإيجاب المؤخّر.

(5) إذ لو لم يكن قول الصحابي: «زوّجنيها» قبولا- بأن تحقّق منه القبول بعد الإيجاب بلا فصل- كان التوالي محقّقا.

(6) يعني: و لعلّ لزوم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول- بناء على ما

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 255

ص: 512

موهن آخر (1) للرواية، فافهم (2) [1].

______________________________

فهمه الأصحاب من كون قول الصحابي: «زوّجنيها» قبولا بلفظ الأمر مقدّما على الإيجاب من دون وقوع قبول آخر عقيبه- موهن آخر للرواية، و مسقط لها عن الاعتبار.

(1) أشار به إلى موهن آخر تقدّم في بحث تقدم القبول- إذا كان بصيغة الأمر- بقوله: «و أمّا ما يظهر من المبسوط من الاتفاق هنا على الصحة به فموهون بما ستعرف من مصير الأكثر على خلافه» فإنّ مصير الأكثر إلى خلاف مضمون الرواية يوهن اعتبارها، و يرفع الوثوق بها، لأنّه إعراض عنها.

(2) إشارة إلى: أنّ هذه الرواية إن دلّت على جواز الفصل بين الإيجاب و القبول لزم العمل بها، لا أنّه موهن لها، كيف؟ و لم يقم دليل تام على اعتبار الموالاة حتى يكون ذلك موهنا لهذه الرواية، بل لو لم تنهض هذه الرواية على جواز الفصل كان مقتضى الأصل جوازه.

نعم يمكن أن يكون الموهن ضعف السند.

إلّا أن يقال: إنّه يكفي في الوثوق بها توصيف الشهيد الثاني قدّس سرّه لها في المسالك بكونها «مشهورة بين العامة و الخاصة، و أنّه رواها كل منهما في الصحيح».

مضافا إلى: أن بمعناها رواية موصوفة بالصحة، هدانا اللّه تعالى إلى أحكامه.

______________________________

[1] قد عرفت ذهاب جمع إلى اشتراط صحة العقد بالموالاة المعبّر عنها في بعض الكلمات بالفوريّة، و المراد بها العرفية، بمعنى عدم تخلّل الفصل بما يخلّ بوحدة الموجود التدريجي فيما إذا أخذ بقيد وحدته موضوعا لآثار، و إلّا فلا تتصور الموالاة الحقيقية بين أجزاء الموجود التدريجي المتشابك مع العدم، لتقومه بالأخذ و الترك. هذا بالنسبة إلى موجود واحد و تدريجي.

و أمّا الموجودان المستقلّان كالالتزامين القائمين بشخصين أو الكلامين كذلك فمعنى اتصالهما هو عدم تخلّل زمان بينهما حقيقة أو عرفا. و حيث إنّ المدار على صدق العقد العرفي فلا بدّ من عدم التخلّف بين إيجابه و قبوله، لتقوّم العقد المعنوي و اللفظي

ص: 513

______________________________

المبرز له بعدم تخلّل زمان معتدّ به عرفا بين جزئية، فاعتبار الموالاة حينئذ لكونها مقوّمة لعنوان العقد لا للتعبّد.

و التحقيق: أنّ هنا عناوين عديدة:

أحدها: العهد، و هو الالتزام القلبي أو الجعل المعاملي.

ثانيها: العقد، و هو ربط أحد الالتزامين بالآخر، فحيثية العهد غير حيثية العقد، لأنّ العهد بمنزلة الموضوع للعقد، حيث إنّ الرّبط بين الشيئين متفرّع عليهما، و ربط أحد الالتزامين بالآخر ليس كارتباط لفظ بلفظ و كلام بكلام حتى يقال: إنّ الارتباط مساوق للاتصال المتقدم و هو الوصل من حيث الزمان.

بل مناط العقدية في مقام السببية إنّما هو بارتباط مدلول أحد الكلامين بالآخر، بحيث يصلح أن يتسبّب به إلى مبادلة خاصة، و يكون الآخر قبولا لذلك التسبيب لا لأمر آخر. و ربط أحد الالتزامين بالآخر إنّما هو بلحاظ ورودهما على أمر واحد، و هو كون أحد المالين بإزاء الآخر في الملكية مثلا. فالجامع الرابط بين الالتزامين هو وحدة الملتزم به. و من المعلوم أنّ هذا المعنى من الارتباط لا يناط بعدم تخلّل الزمان بين الكلامين الدالّين على المدلولين، بل يناط ببقاء الالتزام الإيجابي على حاله إلى أن يلحقه القبول، و إن تخلّل زمان معتدّ به بين الإيجاب و القبول، إذ لا يتحقق الرّبط بين موجود و معدوم، و لذا لو أوجب البيع و لم يقبل القابل إلّا بعد مضيّ زمان من الإيجاب- و وعظه الموجب بأنّ هذا البيع ينفعك، و بيّن منافعه و مصالحه حتى قبل المشتري- لم يكن مانع من صحة هذا البيع.

نعم لو ألغى الموجب التزامه الإيجابي لغا القبول، لانتفاء الإيجاب.

فغاية تقريب الموالاة بين الإيجاب و القبول هي: أنّ الإيجاب و القبول لمّا كانا قائمين بأثر واحد فلهما بنظر العرف جهة وحدة، فكأنّهما كلام واحد يترتب عليه أثر واحد. و من المعلوم أنّ الاتصال العرفي المساوق للوحدة منوط بعدم تخلّل زمان معتدّ به بين الإيجاب و القبول.

ص: 514

______________________________

ثالثها: البيع و نحوه من العناوين الإنشائية، فيمكن أن يقال: إن كان دليل الصحة و اللزوم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا يشمل البيع و التجارة حتى يقال بكونهما من العقود التي تعتبر فيها الموالاة، إذ لم يؤخذ في موضوع دليل الصحة و اللزوم عنوان العقد، هذا.

لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة أنّ البيع و الصلح و الإجارة و نحوها من العقود العرفية بلا إشكال.

نعم يمكن أن لا تكون التجارة عقدا كالتملك بالحيازة، فتأمّل. لكنه نادر.

فلا فرق في اعتبار الموالاة بين كون دليل الصحة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بين كونه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تجارة عن تراض، هذا.

ثم إنّه لا بأس بالإشارة إلى الوجوه المستدلّ بها على اعتبار الموالاة في العقد، و هي بين ما ظاهره كون دخل الموالاة في العقد عرفيا بمعنى تقوّم العقد بالموالاة، و بين ما ظاهره كون الدخل تعبّديّا، و بين ما ظاهره كون الدخل عقليّا.

الأوّل: ما عن ابن إدريس و غيره من قاعدة توقيفيّة ألفاظ العقود.

و فيه ما لا يخفى، إذ الإطلاقات تقضي بعدم اعتبار الموالاة و عدم التوقيفية، إلّا ما خرج.

الثاني: ما نقله المصنف عن الشهيد قدّس سرّهما. و حاصله: أنّ الموجود التدريجي- المركّب من أمرين أو أمور- إذا كان له عنوان واحد كالصلاة فلا بدّ في ترتيب الحكم المعلّق عليه من اعتبار صورته الاتصالية الحافظة لوحدته المقوّمة لعنوانه. و العقد المركّب من الإيجاب و القبول من هذا القبيل، فإنّه و إن كان قائما بشخصين و موجودا بوجودين، لكنهما لوحدة أثرهما بمنزلة كلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فيقدح في صدق العنوان تخلّل الفصل المخلّ بهيئته الاتصالية، و لذا لا تصدق المعاقدة إذا كان الفصل بين الإيجاب و القبول كثيرا جدّا، كسنة أو أزيد.

و الحاصل: أنّ دخل الموالاة في العقد بناء على هذا التقريب عرفي و مقوّم لمفهومه العرفي. كما أنّ الوجه الأوّل المنسوب إلى ابن إدريس رحمه اللّه ناظر إلى كون دخل

ص: 515

______________________________

الموالاة في العقد تعبديّا، هذا.

و فيه ما عرفت آنفا من: أنّ العقد هو الربط بين الالتزامين، و لا يناط ذلك الرّبط بعدم تخلّل زمان بينهما، إذ الربط غير الاتصال الزماني، هذا.

و أمّا ما أجاب به المصنف عن هذا الدليل بأن ما أفاده الشهيد قدّس سرّه حسن لو كان دليل الملك و اللزوم مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مما أناطهما بعنوان العقد العرفي. أمّا لو كانا منوطين بصدق البيع أو التجارة عن تراض، فلا يضرّه عدم صدق العقد، لكفاية صدق البيع و التجارة عليه، فلا موجب حينئذ لاعتبار الموالاة فيه، لعدم إناطة الصحة و اللزوم بعنوان «العقد» حتّى يلتزم باعتبار الموالاة فيه.

ففيه أوّلا: أنّ البيع و الصلح و غيرهما من العقد العرفي، لاشتمالها على الإيجاب و القبول اللّذين يتقوم بهما كل عقد.

نعم قد لا يصدق العقد على التجارة كتملّك المباحات، فإنّه تجارة غير عقد كما قيل.

لكن فيه: عدم صدق التجارة عليه، بل الصادق عليه هو الفائدة، فصدق العقد على البيع و التجارة على حدّ سواء.

إلّا أن يقال: إن تملّك العامل للجعل في باب الجعالة تجارة أيضا، مع عدم كون الجعالة عقدا، بل هي إيقاع، فتأمّل.

و ثانيا: أنّ العقد هو الرّبط بين الالتزامين. و قد عرفت عدم توقف الربط العقدي على عدم تخلّل زمان معتدّ به بين الإيجاب و القبول، و من المعلوم أنّ تخلل زمان بين الإيجاب و القبول الحاكيين عن ذلك الرّبط لا يوجب انفصام الالتزامين القائمين بالنفس، كما لا يخفى.

و دعوى: وحدة الإيجاب و القبول اللفظيّين الحاكيين عن الالتزامين المرتبطين، كما ترى، حيث إنّ مورد اعتبار الموالاة هو العقد لا الكلامان الحاكيان عنه، فمن ناحية

ص: 516

______________________________

العقد العرفي لا يمكن الحكم باعتبار الموالاة في العقد.

مع أنّه لو كان التوالي معتبرا في العقد من حيث إنّه عقد عرفي لزم اعتباره في جميع أنواع العقود من اللازمة و الجائزة- كما هو مقتضى إطلاق كلام الشهيد في القواعد- إذ اللزوم و الجواز من أحكام العقد لا من مقوّماته. مع أنّ الشهيد الثاني لم يعتبر الموالاة في الوديعة التي هي من العقود الجائزة، و قال في أوّل وديعة الروضة: «و كيف كان لا تجب مقارنة القبول للإيجاب قوليّا كان أو فعليا» «1».

فلو كان الوجه في اعتبار الموالاة عنوان العقدية فلا بدّ من الالتزام باعتبارها في كل عقد لازما كان أو جائزا.

و كيف كان فقد أورد المحقق النائيني قدّس سرّه على ما عرفته من جواب المصنف عن الدليل المذكور- الذي استدلّ به الشهيد قدّس سرّه- بوجوه:

أحدها: أن البيع و الصلح و التجارة و النكاح ليست إلّا العقود المتعارفة، فلا بدّ من الموالاة فيها قضية لعقديّتها.

و فيه: أنّ التعارف لا يوجب انصراف الإطلاق إلى خصوص العقود المتعارفة، حتى يقال: إنّ دليلي البيع و التجارة بمنزلة أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في كون الموضوع عنوان العقد.

ثانيها: أنّه لا يصح التمسّك بإطلاق دليلي البيع و التجارة لنفي اعتبار الموالاة، لعدم كونهما في مقام البيان من جميع الجهات، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ التمسك بالإطلاق المزبور لإمضاء الأسباب يكشف عن ورودهما في مقام بيان الجهات.

و ثانيا: أنّ الشك في ورودهما في مقام البيان كاف في الإطلاق، للأصل العقلائي على ما قرّر في محله.

______________________________

(1): الروضة البهية، ج 4، ص 230

ص: 517

______________________________

ثالثها: أنّه لا يمكن التفكيك بين الصحة و اللزوم إلّا بدليل خارجي من الإجماع و نحوه، من جعل الشارع الخيار للمتعاقدين، أو جعلهما لأنفسهما أو لأجنبي، فهذه المعاملة و هي الإيجاب و القبول- اللذان تخلّل الفصل بينهما- لا يشملها أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الذي هو دليل اللزوم، و لأجل ذلك لا يحكم بلزومها، فلا بدّ من البناء على فسادها أيضا، لما عرفت من عدم التفكيك بين الصحة و اللزوم إلّا بدليل على عدم اللزوم، و ذلك الدليل مفقود هنا، فلا محيص عن الحكم بفسادها، هذا.

و فيه أوّلا: عدم انحصار دليل لزوم البيع ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لدلالة قوله تعالى:

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ على اللزوم، حيث إنّ الأكل بالفسخ ليس تجارة عن تراض، فيكون من الأكل بالباطل كما تقدّم تفصيله في أدلّة لزوم المعاطاة.

و ثانيا: عدم دليل على التلازم بين الصحة و اللزوم.

و ثالثا: أنّ عدم شمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا يدلّ على عدم اللزوم حتى يحكم- بضميمة عدم الفصل- بالفساد، إذ يمكن أن يقال: بكفاية دليل الصحة- بضميمة عدم الفصل بين الصحة و اللزوم- في الحكم باللزوم، هذا.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه الشريف من:

«أنّ في المعاملة خلعا و لبسا، حيث إنّ البائع يخلع ثوب الملكية عن نفسه و يلبسه شخصا آخر، فتخلّل الفصل بين الإيجاب و القبول يوجب تحقق الخلع مع عدم ثبوت اللّبس و يلزم منه تحقق الإضافة بلا مضاف إليه. أو أنّ في المعاملة إيجاد علقة، و مع الفصل بين الإيجاب و القبول يلزم تحقق العلقة بلا محل. و كلاهما باطل، فلا بد من اتّصال القبول بالإيجاب» «1»، هذا.

و فيه أوّلا: النقض بالزمان القصير المتخلل بين الإيجاب و القبول في جميع

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 111

ص: 518

______________________________

الموارد، إذ لا فرق في هذا المحذور العقلي- و هو لزوم قيام الإضافة و العلقة بذاتهما و بلا محلّ و بغير مضاف إليه- بين قصر الزمان و طوله.

و ثانيا:- بعد تسليمه- أنّه لا يبقى مجال للتردّد و الإشكال في اعتبار الموالاة في بعض العقود، و هو العقود العهدية غير المشتملة على المعاوضة كالهبة و الرهن، لأنّ اللّبس و الخلع موجودان في الهبة أيضا، إذ إضافة الملكية تخلع من الواهب، و يكتسيها المتّهب، فإذا تخلّل الفصل بين الإيجاب و القبول لزم الخلع بلا لبس مدّة من الزّمان.

و ثالثا: أنّ الخلع و اللّبس الإنشائيين يتحققان بالإيجاب من دون حاجة إلى القبول أصلا، فالموجب ينشئ تمام ماهية البيع و يملّك المبيع و يتملك الثمن، و القابل ينفّذ هذا الإيجاب، فلا ينفصل اللّبس عن الخلع. و أمّا الخلع و اللبس الاعتباريان اللذان يحكم بهما الشرع أو العقلاء فلا يحصلان إلّا بالقبول، فبوجوده يتحققان معا في آن واحد من دون تخلّل لحظة بينهما، فلا يلزم المحذور العقلي و هو تحقق الإضافة بلا محل، فابتناء اعتبار الموالاة في العقد على هذه المسألة العقلية ليس في محله.

الوجه الرابع: ما يظهر من حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه و هذا نصّه: «و كأنّ اعتبار التوالي ناش من اعتبار المطابقة بين الإيجاب و القبول، بتوهم: عدم حصول المطابقة مع التأخّر، لأنّ الإيجاب أفاد النقل من الحين، فإذا تأخّر القبول فإمّا أن يكون قبوله قبولا لتمام مضمون الإيجاب، فيلزم من صحّته حصول النقل من حين الإيجاب كما في الإجازة على القول بالكشف، فيكون النقل حاصلا قبل حصول تمام العقد، و ذلك باطل.

أو يكون قبولا لبعض مضمون الإيجاب أعني النقل من حين تحقق القبول، فيلزم عدم المطابقة بين الإيجاب و القبول. و هذا المحذور و إن كان يعمّ صورة التوالي أيضا، لتحقق الفصل هناك أيضا و لو بيسير، لكن هذا المقدار من التخلف لا يضر بالمطابقة العرفية، فلا يوجب الحكم بالفساد» «1».

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 90

ص: 519

______________________________

و فيه أوّلا: أنّ الالتزام بصحة العقد من حين الإيجاب بأن يكون القبول كاشفا عن صحته كذلك حقيقة أو حكما ممّا لا مانع عنه، لما مرّ مرارا من أنّ الموجب ينشئ تمام ماهية العقد، فالقبول كاشف- كالإجازة في الفضولي- فيكون القبول قبولا لتمام مضمون الإيجاب من دون محذور.

هذا ما أفيد، لكنه لا يخلو من تأمّل، وجهه: أنّ جعل القبول كاشفا لا جزء السبب المؤثّر في المسبب خلاف مقتضى العقد، لأنّ مقتضاه كون كلا الإنشائين سببا، لا كون القبول واسطة إثباتية، و إلّا كان إيقاعا لا عقدا.

و ثانيا: أنّ مضمون الإيجاب ليس إلّا مجرّد التمليك أو التبديل بين المالين، من دون دخل للزمان فيه بأن يكون التبديل مقيّدا بزمان الإيجاب، إلّا أنّ ترتب الأثر عليه عرفا و شرعا منوط بضم القبول إليه.

و بعبارة أخرى: الزمان ظرف لتحقق المسبّبات لا قيد لها، فالقبول- بعد ضمّه إلى الإيجاب- يؤثّر في الأمر الاعتباري العقلائي و الشرعي، فمضمون الإيجاب هو النقل الإنشائي، و أمّا الأمر الاعتباري فهو يترتب على القبول الذي هو قبول لتمام المضمون في الصورتين، و هما: كون مضمون الإيجاب النقل من الحين، أو كون مضمونه مجرّد النقل الإنشائي، و العلقة الاعتبارية تترتب على القبول، ففي كلتا الصورتين يكون القبول قبولا لتمام مضمون الإيجاب من دون محذور.

فتحصل من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ العقد و البيع و التجارة و الإجارة و الصلح و غيرها من أنواع العقود أسام للمسبّبات التي ليست هي من الأمور التدريجية الوجود، و لا من مقولة الألفاظ حتى تلاحظ فيها الموالاة المقوّمة للهيئة الاتصالية، فليس العقد هو السبب أعني الإيجاب و القبول حتى يكون مركّبا تدريجيا اعتبر فيه الموالاة، إذ لازمه انتفاء العقد بوجود القبول، لانعدام الألفاظ، و لا معنى لوجود العقد مع انعدامها. و قد تقدّم أنّ العقد هو نفس الرّبط

ص: 520

______________________________

بين الالتزامين، و من المعلوم كونه بسيطا لا مركّبا حتى تلاحظ الموالاة بين أجزائه. نعم يعتبر في صحة العقد بقاء الالتزام الإيجابي إلى زمان تحقق الالتزام القبولي.

الثاني: أنّ قياس العقد على القراءة و التشهد و الأذان و غيرها- كما في عبارة الشهيد المتقدمة- في غير محله، لأنّها من الأمور المتدرجة الوجود، بخلاف العقد الذي هو دفعي الوجود، لبساطته.

و بالجملة: فلا موضوع للموالاة في العقود حتى يبحث عن اعتبارها و عدمه.

نعم هذان الإشكالان مبنائيّان، لأنّ الشهيدين جعلا ألفاظ المعاملات أسامي للأسباب على ما تقدم مشروحا في محلّه «1».

الثالث: أنّه لا فرق في العقود بين أنواعها في عدم موضوع لاعتبار الموالاة فيها، لكون مفهوم العقد في جميع أنواعه واحدا غير قابل لتطرّق بحث الموالاة فيه، هذا.

ثم إنّه لو سلّم كون العقد من مقولة اللفظ حتى يندرج في الأمر التدريجي- القابل لجريان بحث الموالاة فيه- فنقول: إنّه لا دليل على اعتبار الموالاة فيه، لإطلاق أدلة الإمضاء، و معه لا تصل النوبة إلى أصالة عدم ترتب الأثر.

نعم لمّا كان الإيجاب و القبول بمنزلة السؤال و الجواب كانت الموالاة المعتبرة بينهما بمثابة لا يخرج القبول عمّا هو بمنزلة الجواب. و أمّا الموالاة على حدّ الموالاة المعتبرة في الأذان و الصلاة و القراءة و نحوها فهو ممّا لا يساعده دليل.

بل ربما يستدل على عدم اعتبار الموالاة في العقود بما دلّ على إهداء مارية القبطية، حيث إنّه وقع بين إيجابه و قبوله فصل طويل. و ذلك لأنّ النجاشي ملك الحبشة- بعد تشرفه بالإسلام- بعث إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهدايا، و بعث إليه مارية القبطية أمّ إبراهيم عليه السّلام، و بعث إليه بثياب و طيب كثير و فرس.

و يدلّ أيضا على عدم اعتبار الموالاة فحوى ما ورد في قول الصّحابي: «زوّجنيها»

______________________________

(1): راجع الجزء الأول عن هذا الشرح، ص 289 إلى 296

ص: 521

______________________________

و الإيجاب بعد فصل طويل «زوّجتكها».

و ما في تقريرات المحقق النائيني قدّس سرّه من توجيه الاتصال و الموالاة في الهدايا المرسلة من الأمكنة البعيدة بقوله: «و لكن الحق اعتبار الاتصال فيها أيضا. و إرسال الهدايا من البلاد البعيدة لا يدل على جواز الانفصال، فإنّ تحقق الأفعال مختلف، فمنها ما لا يحتاج إلى زمان ممتدّ، كما لو وقعت في حضور المتعاطيين. و منها ما يحتاج إليه كالهدايا المرسلة من الأماكن البعيدة، فإنّ الفعل لا يتحقق إلّا بوصولها إلى يد المهدي إليه.

و جميع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة كأنّها صادرة من الموجب، فهو بمنزلة من كان في المشرق، و كانت يده طويلة تصل إلى المغرب، فمدّ يده و أعطى شيئا لمن كان في المغرب، فإنّ فعله يتم في زمان وصول يده إلى المغرب، فتأمّل جيّدا» «1».

لا يخلو من غموض، للفرق الواضح بين ما نحن فيه و بين المثال المزبور، و ذلك لأنّ المهدي من المكان البعيد ربما يغفل عن هديّته حين وصولها إلى المهدي إليه، فلا يمكن تنزيل فعل الرسول منزلة فعل المرسل. و هذا بخلاف المثال، فإنّ المهدي في ذلك هو المرسل الذي يكون بنفسه متصديا لإنشاء العقد من دون فصل بين إيجابه و قبوله، لعدم كون طول اليد مخرجا للفعل الواحد عن وحدته كما لا يخفى.

و يدل أيضا على عدم اعتبار الموالاة قيام السيرة بين التجار المتدينين على المعاملة بالكتابة و البرقية مع تخلّل فصل طويل بين إيجابها و قبولها، مع عدم مناقشة أحد في صحتها.

فالمتحصل: أنّ العقد- بناء على كونه المسبّب- لا معنى لاعتبار الموالاة فيه. و بناء على كونه السبب و هو الإيجاب و القبول- كما هو ظاهر الشهيدين قدّس سرّهما- يتصور فيه التوالي، لكن لا دليل على اعتبار أزيد من الموالاة الرابطة للجواب بالسؤال، فقياس العقد

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 112

ص: 522

______________________________

من ناحية الموالاة على الصلاة و أشباهها في غير محله.

بقي الكلام فيما أفاده الشهيد قدّس سرّه بقوله: «و هي مأخوذة من اعتبار الاتصال بين المستثنى و المستثنى منه .. إلخ» و الظاهر أنّ مراده كون الاستثناء منشأ للانتقال إلى اعتبار الموالاة في العقد و غيره مما يعتبر فيه الاتصال، و ذلك لأنّ تبعية المستثنى للمستثنى منه أوجبت اعتبار الاتصال و الموالاة بينهما، ففي جميع موارد التبعية لا بدّ من مراعاة الموالاة.

و الإيجاب و القبول في العقود من هذا القبيل، حيث إنّ القبول تابع للإيجاب، فالتبعية تقضي باعتبار الاتصال بينهما أيضا، هذا.

و أنت خبير بما فيه، حيث إنّ منشأ اعتبار الاتصال بين المستثنى و المستثنى منه هو تقوّم معنى كلمة «إلّا» الذي هو معنى حرفي بالطرفين، فلا محيص عن اعتبار الاتصال بين المستثنى و المستثنى منه حتى يتحقق تلك النسبة و الربط. و هذا بخلاف العقد بمعنى الإيجاب و القبول، فإنّهما بمنزلة السؤال و الجواب، و من المعلوم عدم اعتبار الفورية العرفية بينهما، و إنّما المعتبر فيهما عدم تخلّل زمان معتدّ به بينهما بحيث يخرجان عن السؤال و الجواب.

و كذا ما هو بمنزلتهما كالسّلام و ردّه، و الورود في المسجد و صلاة تحيّته.

و أمّا العقد بالمعنى البسيط- أعني به المسبّب- فقد عرفت امتناع جريان نزاع اعتبار الموالاة و عدمه فيه. فعلى التقديرين لا وجه لجعل الموالاة في باب الاستثناء أصلا لاعتبار الموالاة في العقد، هذا.

ص: 523

[المبحث الثالث: اعتبار التنجيز]

و من جملة الشروط التي ذكرها جماعة: التنجيز (1) في العقد، بأن (2) لا يكون معلّقا على شي ء بأداة الشرط، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود

______________________________

المبحث الثالث: اعتبار التنجيز

(1) هذا ثالث المباحث المتعلقة بالجهة الثالثة المتكفلة لشروط الهيئة التركيبية لصيغ العقود، و هو ما ذكره جماعة من شرطيّة التنجيز أو مانعية التعليق، و قد تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذا البحث لمقامات أربعة:

الأوّل: في معنى التنجيز.

الثاني: في نقل كلمات الأصحاب حتى يظهر منها أنّ اعتباره ثابت عندهم، و أن التنجيز شرط أو التعليق مانع.

الثالث: في دليل اعتبار هذا الشرط.

الرابع: في تحقيق المسألة موردا و دليلا، و سيأتي الكلام في كلّ منها بالترتيب.

(2) هذا إشارة إلى المقام الأوّل، و هو معنى التنجيز المبحوث عنه في صيغ العقود، و محصله: أنّ التنجيز عبارة عن الإرسال و عدم إناطة الإنشاء بشي ء من أدوات الشرط، و في مقابله التعليق الذي هو إناطة العقد بشي ء من أداة الشرط، بأن يقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشرط، كما إذا قال: «بعتك هذا الكتاب بدينار إن جاء زيد في هذا اليوم» و قال المشتري: «قبلت هكذا» أي القبول كالإيجاب مشروط بمجي ء زيد، فقصدهما للبيع منوط بمجيئه، بحيث لا يقصدان البيع في صورة عدم ذلك الشرط، فالتنجيز حينئذ عبارة عن قصدهما البيع بدون الإناطة بالشرط.

ص: 524

ذلك الشي ء، لا في غيرها (1).

و ممّن (2) صرّح بذلك (3) الشيخ و الحلّي (4) و العلّامة (5) و جميع من تأخّر

______________________________

(1) يعني: في غير صورة وجود ذلك الشي ء الذي أنيط العقد به، من شرط أو صفة.

(2) هذا إشارة إلى المقام الثاني، و هو أقوال الفقهاء في اعتبار التنجيز في العقود.

(3) أي: باشتراط التنجيز، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في الخلاف: «إذا قال- أي الموكّل- إن قدم الحاج أو رأس الشهر فقد وكّلتك في البيع، فإنّ ذلك لا يصحّ .. دليلنا أنّه لا دليل على صحة هذا العقد، و عقد الوكالة يحتاج إلى دليل» «1».

و قال في المبسوط: «و أما الوقف فلا يدخله الخياران- يعني خياري المجلس و الشرط- لأنّه متى شرط فيه لم يصحّ الوقف» «2».

(4) قال في وقف السرائر: «و شيخنا أبو جعفر رحمه اللّه ذهب إلى أنّ دخول الشرط في الوقف يبطله. ذكر ذلك في المبسوط و في مسائل خلافه في كتاب البيوع، لأنّ عقد الوقف لازم من الطرفين، مثل عقد النكاح» «3» و المستفاد من التعليل أنّ كل عقد لازم من الطرفين حكمه التنجيز، و عدم صحة دخول الشرط فيه.

(5) قال في التذكرة: «يشترط في الوقف التنجيز، فلو علّقه على شرط أو صفة لم يجز، مثل أن يقول: إذا جاء زيد فقد وقفت داري. أو يقول: إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدي، كما لا يصح تعليق البيع و الهبة» «4».

و قال في الهبة: «و أن يكون العقد منجّزا، فلو علّقه على شرط لم يصح، كالبيع» «5».

______________________________

(1): الخلاف، ج 1، ص 655 (الطبعة الثانية 1377).

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 1، ص 81

(3) السرائر الحاوي: ج 3، ص 158 و 159

(4) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 433

(5) المصدر، ص 415

ص: 525

عنه كالشهيدين (1)

______________________________

و قال في هبة القواعد: بعد اعتبار التنجيز: «و لا يصح تعليق العقد».

و في نكاحه: «و يشترط التنجيز، فلو علّقه على شرط لم يصح» و في وقفه:

«و يشترط تنجيزه، فلو علّقه بصفة أو بشرط لم يقع» «1».

(1) قال الشهيد في الدروس في شرائط الوقف: «و خامسها: التنجيز، فلو علّق بشرط أو وصف بطل، إلّا أن يكون واقعا، و الواقف عالم بوقوعه كقوله: وقفت إن كان يوم الجمعة» «2».

و في اللمعة و شرحها في شرائط الوقف: «و شرطه- مضافا إلى ما سلف- التنجيز» إلى آخر ما في الدروس، و أضاف قوله: «و كذا في غيره من العقود اللازمة» «3».

و اشترط المحقق التنجيز في صحة الوقف، و فرّع عليه قوله: «و لو قال: وقفت إذا جاء رأس الشهر، أو: إن قدم زيد، لم يصحّ» «4».

و علّق عليه الشهيد الثاني بما لفظه: «هذا تفريع على اشتراط التنجيز .. و نبّه بالمثالين على أنّه لا فرق بين تعليقه بوصف لا بدّ من وقوعه كمجي ء رأس الشهر، و هو الذي يطلق عليه الصفة، و بين تعليقه بما يحتمل الوقوع و عدمه كقدوم زيد، و هو المعبّر عنه بالشرط. و اشتراط تنجيزه مطلقا موضع وفاق كالبيع و غيره من العقود، و ليس عليه دليل بخصوصه» «5».

و قال أيضا في مسألة «إن كان لي فقد بعته» ما لفظه: «إنّ التعليق ينافي الإنشاء

______________________________

(1): قواعد الأحكام، ص 110، 147، ص 107 (الطبعة الحجرية)

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 264

(3) الرّوضة البهية، ج 2، ص 169

(4) شرائع الإسلام، ج 2، ص 217

(5) مسالك الأفهام، ج 5، ص 357

ص: 526

و المحقّق الثاني (1) و غيرهم (2) قدس اللّه أرواحهم.

و عن فخر الدّين في شرح الإرشاد في باب الوكالة: «أنّ تعليق الوكالة على الشرط لا يصحّ عند الإمامية، و كذا غيره من العقود لازمة كانت أو جائزة» «1».

و عن تمهيد القواعد: دعوى الإجماع عليه «2».

و ظاهر المسالك في مسألة اشتراط التنجيز في الوقف: الاتّفاق عليه «3».

و الظاهر عدم الخلاف (3)

______________________________

في العقود و الإيقاعات حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول» «4».

(1) قال في شرائط الوقف: «أحدها: تنجيزه، فلو علّق بشرط أو صفة ..

لم يصحّ، لعدم الجزم به، كما لا يصح تعليق البيع و الهبة» «5».

و قال في بطلان عقد الهبة بالتعليق: «لأنّه مع التعليق لا جزم بإنشاء التمليك» «6».

و قال في النكاح: «يشترط في عقد النكاح التنجيز قطعا، لانتفاء الجزم بدونه، فيبطل لو علّقه بأمر محتمل أو متوقع الحصول» «7».

(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح و السيد الطباطبائي في وقف الرياض و وكالته.

(3) لكن تأمّل جمع في اعتبار التنجيز في الوكالة كالمحقق الأردبيلي و الفاضل

______________________________

(1): حكاه السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 7، ص 526

(2) حكاه السيد الفقيه العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 165، تمهيد القواعد، ص 117، و ليس فيه دعوى الإجماع: و لعلّ السيد حكاه عن موضع آخر.

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 357 الحدائق الناضرة، ج 22، ص 10 و 11

(4) مسالك الأفهام، ج 5، ص 276

(5) جامع المقاصد، ج 9، ص 14 و 15

(6) جامع المقاصد، 9، ص 143

(7) جامع المقاصد، ج 12، ص 77

ص: 527

فيه كما اعترف به غير واحد و إن لم يتعرّض الأكثر في هذا المقام (1).

و يدل عليه (2) فحوى فتاواهم و معاقد الإجماعات في اشتراط التنجيز في الوكالة، مع كونه من العقود الجائزة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن، حتّى أنّ العلّامة (3) ادّعى الإجماع

______________________________

السبزواري و المحدّث البحراني، فراجع كلماتهم «1».

بل عن المحقق القمي قدّس سرّه التصريح بأن التعليق في الوكالة لا يضرّ بصحتها «2».

(1) يعني: أنّ أكثر الفقهاء لم يتعرّضوا لشرطية التنجيز في خصوص عقد البيع، و لكن يستفاد من كلماتهم في أبواب متفرّقة- كالوقف و الهبة و النكاح و الوكالة و غيرها- تسالمهم على الاشتراط.

(2) أي: على اشتراط التنجيز، و هذا إشارة إلى المقام الثالث و هو بيان الدليل على توقف صحة العقد على عدم تعليقه على شرط أو صفة، و قد تعرّض المصنف قدّس سرّه أوّلا لكون المسألة إجماعية، و ثانيا للوجه الذي استند إليه المجمعون.

أمّا أصل اتفاقهم على الاشتراط في باب البيع فيستفاد من فحوى شرطيته عندهم في عقد الوكالة مع كونه من العقود الإذنية التي لا يعتبر في إنشائها ما يعتبر في إنشاء العقود اللازمة كالماضوية و الموالاة بين الإيجاب و القبول، فإذا توقّفت صحة الوكالة على تنجيزها كان توقّف صحة البيع و النكاح- و نحوهما من العقود اللازمة- عليه بالأولوية القطعية.

و أمّا وجه الاشتراط فهو منافاة التعليق للجزم حال الإنشاء، و سيأتي بيانه.

(3) مقصوده قدّس سرّه من الاستشهاد بكلام العلّامة قدّس سرّه إثبات وضوح شرطية التنجيز- و مبطلية التعليق- في عقد الوكالة التي يكفي فيها كلّ ما دلّ على الإذن.

و بيانه: أنّ تعليق الوكالة مبطل، بخلاف تعليق الموكّل فيه، مع اشتراكهما في الإناطة

______________________________

(1): مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 533 و 534، كفاية الأحكام، ص 128، الحدائق الناضرة، ج 22، ص 10 و 11

(2) جامع الشتات، ج 1، ص 307

ص: 528

على ما حكي (1) عنه على عدم صحة أن يقول الموكّل: أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي و على صحة قوله: أنت وكيلي، و لا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة مع كون المقصود واحدا (2)

______________________________

و التوقف، فإذا قال: «أنت وكيلي في يوم الجمعة أن تبيع عبدي» كان باطلا، لعدم فعلية التوكيل، لفرض توقفه على حلول يوم الجمعة، و هو معدوم حال الإنشاء.

و إذا قال: «أنت وكيلي، و لا تبع عبدي إلّا في يوم الجمعة» صحّ، لفعلية التوكيل و إن كان التصرّف الموكّل فيه استقباليا.

و الفارق بين المثالين- مع اشتراكهما في التعليق- أنّ المعلّق في الأوّل هو أصل مضمون العقد و هو التوكيل و الإذن، و المفروض اشتراط العقود بالتنجيز. و هذا بخلاف المثال الثاني، فإنّ المعلّق ليس أصل التوكيل، بل الموكّل فيه. و لو لا دخل التنجيز تعبّدا في العقود لكان اللازم التسوية بين المثالين بصحتهما معا أو بطلانهما كذلك. إلّا أن الدخل التعبدي اقتضى بطلان الأوّل و صحة الثاني.

(1) الحاكي لهذه العبارة عن العلّامة جمع منهم الشهيد الثاني و المحقق الأردبيلي و السيد الفقيه العاملي قدّس سرّهم «1» و هو حكاية بالمعنى، لا لنصّ كلامه، قال في التذكرة:

«لا يصحّ عقد الوكالة معلّقا بشرط أو وصف، فإن علّقت عليهما بطلت، مثل أن يقول:

إن قدم زيد، أو: إذا جاء رأس الشهر فقد وكّلتك، عند علمائنا .. و الفرق ظاهر بين تنجيز العقد و تعليق التصرف، و بين تعليق العقد. إذا ثبت هذا فلا خلاف في تنجيز الوكالة و تعليق العقد، مثل أن يقول: وكّلتك في بيع العبد و لا تبعه إلّا بعد شهر، فهذا صحيح» «2».

(2) و هو الإذن في إنشاء البيع يوم الجمعة.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 5، ص 240، مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، 533، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 527

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 114

ص: 529

و فرّق (1) بينهما جماعة بعد الاعتراف بأنّ هذا في معنى التعليق «بأنّ (2) العقود لمّا كانت متلقّاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط، و بطلت فيما خرج عنها و إن أفادت فائدتها» فإذا كان الأمر كذلك (3) عندهم في الوكالة فكيف الحال في البيع؟

و بالجملة: فلا شبهة في اتفاقهم على الحكم (4).

و أمّا الكلام (5) في وجه الاشتراط، فالذي صرّح به العلّامة في التذكرة «أنّه مناف للجزم حال الإنشاء (6)» بل (7) جعل الشرط هو الجزم، ثمّ فرّع عليه عدم جواز التعليق.

______________________________

(1) هذا الفارق مذكور في المسالك، قال قدّس سرّه بعد نقل المثالين عن التذكرة:

«و هذا و إن كان في معنى التعليق، إلّا أنّ العقود لمّا كانت متلقّاة من الشارع أنيطت بهذه الضوابط .. إلخ». و قد تقدّم بيان الفارق بين بطلان تعليق الوكالة، و صحة تعليق التصرف الموكّل فيه.

(2) متعلّق بقوله: «فرّق» و هذا كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(3) يعني: فإذا كان التعليق مبطلا في عقد جائز مثل الوكالة فكيف لا يكون مبطلا في عقد لازم كالبيع؟

(4) أي: بطلان العقد بالتعليق يكون متّفقا عليه بينهم.

(5) مقصوده من هذا الكلام: أن اعتبار التنجيز و إن كان إجماعيا، لاتفاقهم عليه، لكن اشتراطه ليس تعبّدا محضا، بل من جهة إناطة الإنشاء بالجزم، و هو منوط بتجريده عن التعليق.

(6) هذا نقل بالمعنى، إذ الموجود في عبارة التذكرة «الجهل بثبوتها- أي المشيّة- حال العقد» «1». نعم في عبارة المسالك الآتية في المتن التصريح بمنافاة التعليق للإنشاء.

(7) الوجه في الإضراب واضح، إذ لو كان مستند اعتبار التنجيز مجرّد منافاة

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

ص: 530

قال: «الخامس من الشروط: الجزم، فلو علّق العقد على شرط لم يصحّ و إن كان الشرط المشيّة، للجهل بثبوتها حال العقد، و بقائها (1) مدّته. و هو أحد قولي الشافعي، و أظهرهما عندهم الصّحة، لأنّ هذه صفة يقتضيها إطلاق العقد، لأنّه لو لم يشأ لم يشتر» «1» انتهى كلامه.

و تبعه على ذلك الشهيد رحمه اللّه في قواعده (2)، قال: «لأنّ الانتقال بحكم الرّضا (3)، و لا رضا إلّا مع الجزم، و الجزم ينافي التعليق» «2» انتهى.

______________________________

التعليق للجزم كان ظاهرا في مانعية التعليق، لا في شرطية التنجيز. و هذا بخلاف ما لو كان التنجيز شرطا، فإنّ بطلان العقد بالتعليق يستند إلى فقد الشرط، لا إلى وجود المانع، و من المعلوم تقدّم رتبة الشرط على عدم المانع.

و عليه فيظهر من عبارة التذكرة أمران:

أحدهما: كون التنجيز- المعبّر عنه بالجزم- هو الشرط، لا كون التعليق مانعا.

و الآخر: كون اعتبار التنجيز على طبق القاعدة، و أنّه ليس من باب التعبد.

(1) أي: بقاء المشيّة مدّة العقد في ما لو علم ثبوتها قبل العقد، و جهل بقاءها حال العقد.

(2) ذكره الشهيد في قاعدة عنونها بقوله: «التكاليف الشرعية بالنسبة إلى قبول الشرط و التعليق أربعة أقسام» إلى أن قال: «الثالث: ما يقبل الشرط دون التعليق على الشرط، كالبيع و الصلح و الإجارة و الرّهن، لأن الانتقال .. إلخ».

(3) توضيحه: أنّ الانتقال و ترتّب الأثر على العقد إنّما هو لأجل الرّضا فعلا بالانتقال، و لا رضا بالانتقال مع التعليق، لأنّه رضا تقديري لا فعلي، و لا يحرز الرّضا الفعليّ- الذي أنيط به نفوذ المعاملة- إلّا بالجزم بالإنشاء.

و بالجملة: لا يحرز الرّضا الفعلي- المحكوم بالعدم بالأصل- إلّا بالجزم، فالتعليق ينافيه.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 65، رقم القاعدة: 35

ص: 531

و مقتضى ذلك (1) أنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمر مجهول الحصول (2) كما صرّح به (3) المحقق في باب الطلاق.

و ذكر المحقق و الشهيد الثانيان في الجامع و المسالك في مسألة إن كان لي فقد بعته «أنّ التعليق إنّما ينافي الإنشاء في العقود و الإيقاعات

______________________________

(1) يعني: و مقتضى منافاة التعليق للجزم هو اختصاص بطلان العقد بما إذا كان المعلّق عليه مجهول الحصول. و غرض المصنف قدّس سرّه التنبيه على أنّ استدلال الشهيد قدّس سرّه على مبطليّة التعليق بقوله: «و لا رضا إلّا مع الجزم ..» و إن كان مقتضيا- بإطلاقه- لمبطليّة التعليق سواء أ كان المعلّق عليه مجهول الحصول أم معلومة، إلّا أنّ الشهيد قدّس سرّه صرّح في كلامه الآتي بأنّه لا مانع من تعليق العقد على أمر معلوم الحصول سواء أ كان حاليا أم استقباليا، فالحالي كما إذا قال المالك: «إن كان لي فقد بعته» و الاستقبالي كما إذا قال: «بعتك إن قدم يوم الجمعة» فالتعليق فيهما غير قادح، لفعلية رضاه بالبيع.

و عليه يختص البطلان بما إذا كان المعلّق عليه مجهول الحصول، كقوله: «بعتك إن قدم زيد من السّفر» مع عدم إحراز مجيئه.

(2) إذ مع العلم بحصوله يكون التعليق صوريّا، فالرّضا الفعلي محرز.

(3) يعني: صرّح المحقق بأنّ المعتبر هو عدم التعليق على أمر مجهول الحصول، قال قدّس سرّه في كتاب الطلاق: «و يشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط و الصفة في قول مشهور، لم أقف فيه على مخالف منّا» إلى أن قال: «تفريع: إذا قال: أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك، قال الشيخ قدّس سرّه: لا يصح، لتعليقه على الشرط. و هو حق إن كان المطلق لا يعلم. أمّا لو كان المطلق يعلمها على الوصف الذي يقع معه الطلاق فينبغي [ينبغي] القول بالصحة، لأنّ ذلك ليس بشرط، بل أشبه بالوصف و إن كان بلفظ الشرط» «1».

______________________________

(1): شرائع الإسلام، ج 3، ص 18 و 19

ص: 532

حيث (1) يكون المعلّق عليه مجهول الحصول (2)» «1».

لكن (3) الشهيد في قواعده ذكر في الكلام المتقدم «أنّ الجزم ينافي التعليق

______________________________

(1) ظرف لقوله: «انما ينافي» و هذا تقريب المنافاة و موردها، و حاصله: أنّ منافاة التعليق للإنشاء إنّما تكون في التعليق على أمر مجهول الحصول، لأنّه مع العلم بحصوله لا تعليق حقيقة و إن كان تعليقا صورة.

(2) فإذا كان المعلّق عليه معلوم الحصول- و لو في المستقبل- لم يقدح في صحة الإنشاء.

و الأولى نقل جملة من كلام الشهيد الثاني في شرح قول المحقق «و طريق التخلّص أن يقول الموكّل: إن كان لي فقد بعته من الوكيل، فيصح البيع، و لا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط، و يتقاصّان» فقال في المسالك: «إنّما لم يكن ذلك شرطا- مع كونه بصيغته- لأنّ الشرط المبطل ما أوجب توقف العقد على أمر يمكن حصوله و عدمه. و هذا أمر واقع يعلم الموكّل حاله، فلا يضرّ جعله شرطا. و كذا القول في كل شرط علم وجوده، كقول البائع يوم الجمعة مع علمه به: إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك بكذا».

و المستفاد منه صحة التعليق في ما كان المعلّق عليه متحقّقا خارجا، مثل كون المبيع مملوكا له.

(3) غرضه من هذا الاستدراك التنبيه على اختلاف الشهيدين قدّس سرّهما في مورد منافاة التعليق للجزم، فالشهيد الأوّل جوّز التعليق في مورد واحد، و هو كونه معلوم الحصول حال الإنشاء، كما في مثل: «إن كان لي فقد بعته» مع كونه مملوكا له، فلو كان المعلّق عليه معلوم الحصول في المستقبل لم يصحّ.

و لكن ظاهر الشهيد الثاني صحّته إذا علم وجوده، حيث قال في عبارته المتقدّمة آنفا: «و كذا القول في كل شرط علم وجوده». لكن عموم هذه العبارة

______________________________

(1): جامع المقاصد، ج 8، ص 305، مسالك الأفهام، ج 5، ص 276

ص: 533

لأنّه بعرضة عدم الحصول- و لو قدّر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف (1)- لأن (2) الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه (3)، فاعتبر المعنى العام (4) دون خصوصيات الأفراد».

ثم قال: «فإن قلت: فعلى هذا (5) يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل: إن كان لي فقد بعته منك بكذا.

______________________________

للشرط غير الموجود فعلا محل تأمّل.

(1) عبارة القواعد هكذا: «و لو قدّر علم حصوله كالمعلّق على الوصف ..».

(2) تعليل لمنافاة التعليق للإنشاء و إن كان المفروض العلم بحصوله كالتعليق على الوصف. و حاصل تقريبه: أنّ جنس الشرط بحسب الوضع الأوّلي- مع الغضّ عن الخصوصيات الخارجية المنوّعة الموجبة للتفصيل في منافاة الشرط للإنشاء بين الوجود و العدم- ينافي الجزم المعتبر في الإنشاء.

و بعبارة أخرى: اعتبار عدم التعليق في العقد إنّما هو بلحاظ جنس الشرط بمعناه العام الساري في جميع الأفراد، لا الشرط بلحاظ خصوصياته النوعية و الشخصية، فأداة الشرط تخرج الإنشاء عن الإرسال و تجعله منوطا بشي ء، مهما كان المعلّق عليه.

(3) المراد بأنواع الشرط هو معلوم الحصول في الحال أو في الاستقبال، و مجهوله كذلك، فإنّ الشرط في جميع موارده محتمل الحصول و العدم. نعم إذا كان معلوم التحقق حال الإنشاء صحّ، لكون التعليق صوريّا لا جدّيا.

(4) يعني: أنّ المعتبر هو مانعية الشرط و منافاته للجزم- بما هو شرط- مع الغضّ عن كون المعلّق عليه حاصلا حين الإنشاء أم لا.

(5) أي: فبناء على تقدير كون المناط في مبطلية التعليق جنس الشرط يلزم بطلان العقد حتى في قوله في صورة إنكار التوكيل: «إن كان لي فقد بعته منك» ممّا كان التعليق على أمر معلوم الوجود في ظرف الإنشاء. و الحال أنّه صحيح، فيستكشف من ذلك أنّ المدار على خصوصيات الشرط لا جنسه، إذ المفروض وجود الجنس.

ص: 534

قلت (1): هذا تعليق على واقع، لا متوقع الحصول، فهو (2) علّة للوقوع أو مصاحب له (3)، لا معلّق عليه الوقوع.

و كذا نقول (4) لو قال في صورة إنكار وكالة التزويج، و إنكار التزويج

______________________________

و أمّا كون التعليق هنا على أمر معلوم الوجود فلقوله في الجواب: «إنّ هذا تعليق على واقع» يعني على أمر يعلمان أنّه واقع في ظرف الإنشاء، ضرورة أنّ مجرّد وقوعه في ظرف الإنشاء في الواقع- بدون العلم به- لا يمنع عن الترديد، و معه يبقى التنافي- بين التعليق عليه و بين الجزم- على حاله.

(1) محصّل هذا الجواب: أنّ التعليق هنا صوري لا حقيقة له، لأنّ التعليق الحقيقي منوط بعدم العلم بتحقق المعلّق عليه حين الإنشاء، فمرجع قوله: «إن كان لي فقد بعته» إلى قوله: «لمّا كان لي فقد بعته».

و الحاصل: أنّ العبرة بجنس الشرط، لكن يعتبر فيه الجهل بتحقق المعلّق عليه و ترقّب حصوله، و هنا لا ترقّب، إذ لا جهل.

(2) يعني: أنّ وجود المعلّق عليه واقعا علّة لوقوع المنشإ- أي البيع- الذي أنشأه بقوله: «إن كان لي فقد بعته» فمملوكية المبيع فعلا علّة لوقوع البيع بهذا الإنشاء المزبور.

(3) معطوف على «علّة» يعني: أنّ مملوكية المال ليست علّة لوقوع البيع، و إنّما تكون مصاحبة للعلّة، إذ العلّة هي إرادة البيع، و يصحبها مملوكية المال.

(4) يعني: يصح التعليق في مثالين آخرين، أحدهما: إذا تنازع رجل و امرأة في الزوجية، فادّعتها المرأة و أنكرها الرجل، فتنحلّ المرافعة بأن يقول الرّجل: «إن كانت زوجتي فهي طالق» فيقع الطلاق- على تقدير تحقق الزوجية واقعا- مع كونه معلّقا.

و لا يقدح هذا التعليق، لأنّ المعلّق عليه- و هو الزوجية- متحقق في وعاء الاعتبار، و ليس متوقع الحصول كما في قدوم زيد من السفر. هذا إذا كان أصل التزويج ثابتا.

و أمّا إذا لم تكن بينهما علقة كان الطلاق المزبور لغوا، من جهة انتفاء الموضوع.

ص: 535

حيث تدّعيه (1) المرأة: إن كانت زوجتي فهي طالق» «1» انتهى كلامه رحمه اللّه.

و علّل العلامة في القواعد صحّة- إن كان لي فقد بعته- «بأنه (2) أمر واقع يعلمان وجوده، فلا يضرّ جعله شرطا. و كذا كلّ شرط علم وجوده، فإنّه (3) لا يوجب شكّا في البيع، و لا وقوفه (4)» انتهى «2».

و تفصيل الكلام (5): أنّ المعلّق عليه إمّا أن يكون معلوم التحقّق، و إمّا

______________________________

ثانيهما: إذا تنازع الرّجل و المرأة، فادّعت أنّ الرّجل وكّل شخصا في أن يزوّجني منه، و قد تزوّجت به، و أنكر الرّجل هذه الوكالة، فيصحّ أن يقول: «إن كانت زوجتي فهي طالق» على ما تقدّم في المثال الأوّل.

(1) بأن ادّعت التزويج أو التوكيل فيه.

(2) هذا نقل بالمعنى، و إلّا فعبارة القواعد هكذا: «فإن قال: إن كانت الجارية لي فقد بعتكها، أو قال الموكّل: إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها، فالأقرب الصحة، لأنّه أمر واقع يعلمان وجوده ..» الى آخر ما في المتن.

(3) يعني: أنّ الشرط المعلوم وجوده لا يوجب شكّا و لا ترديدا في إنشاء البيع.

(4) يعني: لا يوجب هذا التعليق توقّف البيع على ذلك المعلّق عليه، إذ العلم بحصوله حال البيع يوجب كون التعليق صوريّا لا حقيقيّا.

(5) بعد أن أشار المصنف قدّس سرّه إلى جملة من كلمات الفقهاء و ما استدلّوا به على شرطية التنجيز تعرّض للمقام الرابع المتكفّل لتحقيق المسألة موضوعا و محمولا، و أفاد فيه مطالب ثلاثة:

الأوّل: في ذكر أقسام التعليق بالنظر إلى المعلّق عليه، و بيان حكم كلّ منها.

الثاني: في تحقق الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز.

الثالث: في حكم تردّد المنشئ و عدم جزمه بتحقق شرط الصحة، و سيأتي تفصيل الأخيرين بتبع المتن. فنقول و به نستعين و بوليه صلوات اللّه و سلامه عليه و آله نستجير:

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 66

(2) قواعد الأحكام، ص 105 (الطبعة الحجرية)

ص: 536

يكون محتمل التحقق. و على الوجهين فإمّا أن يكون تحقّقه- المعلوم أو المحتمل- في الحال أو المستقبل.

______________________________

المطلب الأوّل في أقسام التعليق، و محصله: أنّ المعلّق عليه إمّا معلوم الحصول، أو مشكوك الحصول، و على كلّ منهما فإمّا أن يكون المعلّق عليه ممّا يتوقف عليه صحة العقد شرعا، أو يكون أجنبيا عن العقد، فالمجموع ثمانية أقسام.

أمّا التعليق على مصحّح العقد- كشرائط العوضين و المتعاقدين بالنسبة إلى البيع- فكالموارد الأربعة التي ذكرها في المتن.

أوّلها: قابلية المبيع للتملّك و للبيع شرعا، بأن لا يكون ساقطا عن المالية كالخمر و الخنزير.

ثانيها: قابلية المبيع للإخراج عن ملك البائع بعد الفراغ عن ملكيته، كعدم كون الأمة أمّ ولد، و عدم كونه وقفا و لا رهنا.

ثالثها: قابلية المشتري للتملّك، بأن لا يكون عبدا مملوكا لا يقدر على شي ء.

رابعها: قابلية المشتري للمعاملة معه- بعد كونه مالكا- بأن لا يكون صبيّا.

فإذا قال: «بعتك هذا بشرط أن لا يكون خمرا» أو «بعتك هذه الأمة على أن لا تكون أمّ ولد» أو «بعتك هذا على أن تكون حرّا» أو «بعتك على أن لا تكون صغيرا» كان المعلّق عليه ممّا يتوقف صحة العقد عليه. و في كل واحد من هذه الأمثلة تقادير أربعة، إذ المعلّق عليه إمّا معلوم الحصول في الحال أو في الاستقبال، و إما مجهول الحصول كذلك.

و أمّا الصور الأربع التي يصرّح فيها بالتعليق و لم يكن المعلّق عليه دخيلا في صحة العقد، فقد ظهرت مما تقدّم عند نقل الأقوال، كما إذا باع ماله معلّقا على مجي ء زيد أو طلوع الشمس، فإن المجي ء و الطلوع ليسا من شرائط صحة البيع، فإذا علّق البيع عليهما فإمّا أن يكونا معلوم الحصول حال الإنشاء، و إمّا في الاستقبال، و إمّا أن يشك في الحصول في الحال أو في الاستقبال. فهذه صور أربع.

هذا كلّه في صور التصريح بالتعليق. و زاد المصنف قدّس سرّه ما إذا كان التعليق لازما

ص: 537

و على التقادير فإمّا أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحا للعقد، ككون (1) الشي ء ممّا يصحّ تملّكه شرعا، أو ممّا (2) يصحّ إخراجه عن الملك كغير أمّ الولد و غير الموقوف و نحوه (3)، و كون (4) المشتري ممّن يصح تملكه شرعا، كأن لا يكون عبدا، و ممّن يجوز العقد معه (5) بأن يكون بالغا.

______________________________

للكلام و إن لم يصرّح فيه بأداة الشرط، كما إذا قال: «بعتك هذا يوم الجمعة» بأن يكون ظرف حصول الملكية للمشتري هو يوم الجمعة، فيجري فيه ما تقدّم من أنّ الإنشاء إن كان في يوم الجمعة فالمعلّق عليه محرز الحصول في الحال، و إن كان يوم الخميس فالمعلّق عليه محرز الحصول في الاستقبال.

هذا إجمال صور التعليق، و سيأتي بيان أحكامها عند شرح كلمات المصنف قدّس سرّه إن شاء اللّه تعالى.

(1) قد عرفت أنّ المذكور في المتن- من شرائط الصحة- أمور أربعة.

أوّلها: قابلية المبيع للتملّك، و عدم إلغاء ماليّته العرفية، بأن لا يكون خمرا و لا خنزيرا، فإذا قال: «بعتك هذا على أن لا يكون خمرا» كان المعلّق عليه ممّا يتوقف صحة العقد عليه شرعا.

(2) هذا ثاني الأمور التي تتوقف صحة العقد عليها شرعا.

(3) ممّا لا يكون المال ملكا طلقا لأحد المتبايعين، كبيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن، كأن يقول: «بعتك هذا على أن لا يكون رهنا».

(4) معطوف على «كون» في قوله: «ككون الشي ء» و هذا ثالث الأمور، و هو قابلية المشتري للتملّك بأن لا يكون عبدا و لا كافرا حربيّا.

(5) هذا رابع الأمور المعتبرة شرعا في البيع، و هو بلوغ المتعاقدين، فإنّ الصبي مسلوب العبارة، بأن يقول البائع: «بعتك على أن تكون بالغا».

و نظير هذه الأمور الأربعة الدخيلة في الصحة ما تقدّم من تعليق الطلاق على زوجية المرأة، كما إذا قال: «إن كانت هند زوجتي فهي طالق» و أنه من التعليق على واقع لا على متوقّع.

ص: 538

و إمّا (1) أن لا يكون كذلك (2).

ثمّ التعليق إمّا مصرّح به (3)، و إمّا لازم من الكلام، كقوله: «ملّكتك هذا بهذا يوم الجمعة» و قوله في القرض و الهبة: «خذ هذا بعوضه (4)» أو «خذه بلا عوض يوم الجمعة (5)» فإنّ التمليك (6) معلّق على تحقق الجمعة في الحال أو في

______________________________

(1) معطوف على قوله: «فإما أن يكون الشرط ممّا يكون مصحّحا للعقد».

(2) بأن يكون أجنبيا عن المصحّح للعقد، كأن يقول: «بعتك هذا المتاع إن صلّيت صلاة الليل» فإن هذا الشرط ليس من شروط صحة البيع.

(3) قد عرفت صور صراحة التعليق، و أمّا التعليق المستفاد من الدلالة الالتزامية فالمستفاد من المتن أنّ له صورتين:

إحداهما: أن يتضمّن الإنشاء ظرفا، مثل «اليوم، و عند، و حين» و نحوها، كما إذا قال: «بعتك هذا بهذا يوم الجمعة» فإنّ البيع معلّق على تحقق يوم الجمعة إمّا في الحال كما إذا كان زمان الإنشاء يوم الجمعة، أو في الاستقبال كما إذا كان الإنشاء يوم الخميس.

ثانيتهما: أن يكون لا يتضمّن الإنشاء ظرفا، و إنّما يستفاد التعليق من توقف صحة البيع على أمر واقعي كالملكية، كما إذا باع الولد مال والده بظنّ موته حتى ينتقل إليه، و يخرج عن الفضول، فيقول: «بعتك هذا بكذا» فإنّ توقف صحة البيع على مملوكية المبيع- أو ملك أمر البيع- أمر واقعي سواء علّق الإنشاء عليه بأن يقول: «بعتك إن كان لي» أم لم يعلّق عليه.

(4) أي: «خذ هذا بعوضه يوم الجمعة» و هذا تعليق القرض- بالدلالة الالتزامية- على يوم الجمعة، و هو من التعليق على أمر معلوم الحصول في الحال إن كان ظرف الإنشاء يوم الجمعة، أو في الاستقبال إن كان الإنشاء قبل الجمعة.

(5) هذا مثال تعليق الهبة بما ليس صريحا.

(6) يعني: فإنّ التمليك- بالقرض أو بالهبة- و إن كان منجّزا، لعدم التصريح بأداة

ص: 539

الاستقبال. و لهذا (1) احتمل العلّامة في النهاية و ولده في الإيضاح بطلان بيع الوارث لمال مورّثه بظنّ موته، معلّلا «بأنّ العقد و إن كان منجّزا في الصورة، إلّا أنّه معلّق، و التقدير: إن مات مورّثي فقد بعتك» «1».

________________________________________

فما كان منها معلوم الحصول (2) حين العقد فالظاهر أنّه غير قادح، وفاقا

______________________________

الشرط، لكنه معلّق واقعا على تحقق الجمعة في الحال أو في الاستقبال.

(1) أي: و لأعمية التعليق من الصريح و الضمني احتمل العلّامة و ولده قدّس سرّهما بطلان بيع الوارث مال مورّثه بظنّ موته. قال العلّامة: «و لو باع مال أبيه بظنّ أنّه حيّ و هو فضولي، فبان أنّه كان ميّتا حينئذ، و أنّ المبيع ملك للعاقد، فالأقوى الصحة، لصدوره من المالك» ثم فرّق قدّس سرّه بين إخراجه زكاة فيبطل، و بيعه فيصح، لعدم توقف البيع على النيّة، ثم قال: «و يحتمل البطلان، لأنّه و إن كان العقد منجّزا في الصورة، إلّا أنّه في المعنى معلّق، و تقديره: إن مات مورثي فقد بعتك. و لأنّه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده أنّ المبيع لغيره» و نحوه كلام فخر المحققين، فراجع.

هذا تمام الكلام في ذكر صور التعليق، و سيأتي بيان أحكامها إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني: معلوم الحصول مطلقا سواء توقف عليه صحة العقد أم لا. و هذا شروع في بيان حكم الأقسام المتقدمة، فأفاد عدم قدح التعليق في صورتين، و يجمعهما كون المعلّق عليه معلوم التحقق حين العقد مطلقا، سواء أ كان من قبيل ما هو مصحّح للعقد أم لا، كما إذا قال: «إن كان لي فقد بعتك» مع كونه ملكا له أو قال: «بعتك إن كان اليوم الجمعة» مع كون يوم الإنشاء الجمعة.

و الوجه في صحة العقد: ما تقدّم في كلام جمع من أن التعليق فيها صوري، و أنّه تعليق على واقع لا على متوقّع، فشرط الصحة- و هو الجزم بالإنشاء- متحقق بالفعل.

______________________________

(1): نهاية الأحكام، ج 2، ص 476 و 477، إيضاح الفوائد ج 1، ص 420

ص: 540

لمن عرفت كلامه كالمحقّق و العلّامة و الشهيدين و المحقق الثاني و الصيمري (1).

و حكي (2) أيضا عن المبسوط و الإيضاح في مسألة ما لو قال: إن كان لي فقد بعته «1».

بل لم يوجد في ذلك (3) خلاف صريح. و لذا (4) ادّعى في الرّياض في باب

______________________________

(1) ظاهر العطف أنّ المصنف قدّس سرّه نقل كلاما عن الصيمري كما نقل عن المحقق و العلّامة و الشهيدين و غيرهم، فأحال بقوله: «وفاقا لمن عرفت» على ما سبق نقله عنهم.

لكن لم نجد في المتن من أوّل بحث التنجيز إلى هنا تصريحا بكلام الصيمري.

و لعلّ مراد المصنف بقوله: «وفاقا لمن عرفت» أعمّ ممّن صرّح باسمه و من أدرجه في عموم: «و جميع من تأخّر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدّس سرّهم» فتصحّ نسبة عدم القدح إلى هذه الجماعة حتّى الصيمري.

و كيف كان فهو- كما في مقدمة المقابس و الذريعة- الشيخ مفلح بن الحسن [الحسين] الصيمري من تلامذة ابن فهد الحلّي قدّس سرّه، و له كتاب غاية المرام في شرح شرائع الإسلام «2»، و نقل السيد العاملي عنه في كتاب الوكالة اعتبار التنجيز، فراجع «3».

(2) يعني: و حكي عدم القدح- في التعليق على ما هو معلوم الحصول حين العقد- عن المبسوط و الإيضاح، و سيأتي في المتن نقل كلام المبسوط، و مورده و إن كان معلوم التحقق حال الإنشاء، لكنه مختص بمصحّح النقل لا مطلقا.

(3) أي: في عدم قادحية التعليق على الشرط المعلوم حصوله حال العقد.

(4) أي: و لأجل عدم وجود الخلاف الصريح- في جواز التعليق على معلوم الحصول- ادّعى السيد الطباطبائي عدم الخلاف في الصحة، قال قدّس سرّه في وقف الرياض:

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 385، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 360

(2) مقابس الأنوار، المقدمة، ص 18، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ج 16، ص 20

(3) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 526

ص: 541

الوقف: عدم الخلاف فيه صريحا (1).

و ما كان معلوم الحصول في المستقبل و هو المعبّر عنه بالصفة (2) فالظاهر أنّه (3) داخل في معقد اتّفاقهم على عدم الجواز،

______________________________

«و يشترط فيه التنجيز، فلو علّقه على شرط متوقع أو صفة مترقبة، أو جعل له الخيار في فسخه متى أراده من دون حاجة بطل بلا خلاف فيه، و في الصحة لو كان المعلّق عليه واقعا، و الواقف عالم بوقوعه كقوله: وقفت إن كان اليوم الجمعة. و كذا في غيره من العقود. و بعدم الخلاف صرّح جماعة» «1».

و المقصود من نقل كلام السيد أنّه ادّعى عدم الخلاف في الصحة، كما حكاه عن جماعة، و به يقوى نقل الإجماع على عدم مانعية التعليق على الشرط المعلوم وقوعه حال الإنشاء. هذا حكم التعليق على معلوم الحصول في الحال.

(1) هذا بيان حكم قسم آخر، و هو التعليق على معلوم التحقق في الاستقبال كطلوع الشمس و مجي ء الجمعة إذا كان الإنشاء قبلهما، و هو مبطل للإنشاء، لكونه داخلا في معقد إجماعهم على عدم جواز التعليق. فالمعوّل في البطلان هو الاتفاق المزبور.

فان قلت: إنّ تعليل اعتبار التنجيز في بعض الكلمات «باشتراط الجزم»- كما تقدّم في عبارة التذكرة- يقتضي جواز التعليق على ما يعلم بحصوله بعد الإنشاء، لتحقق الجزم بالإنشاء عند العلم بحصول المعلّق عليه في المستقبل.

قلت: نعم، لكن لمّا كان مستند شرطية التنجيز هو الإجماع تعيّن الحكم بالبطلان في هذا القسم.

(2) في قبال التعليق على الشرط، و هو ما لا يقين بحصوله في المستقبل كقدوم زيد.

(3) أي: أنّ معلوم الحصول في المستقبل مشمول للإجماع على بطلان التعليق عليه.

______________________________

(1): رياض المسائل، ج 2، ص 18

ص: 542

و إن كان (1) تعليلهم للمنع باشتراط الجزم لا يجري فيه كما اعترف به (2) الشهيد فيما تقدم عنه (3)، و نحوه الشهيد الثاني فيما حكي عنه (4).

بل يظهر من عبارة المبسوط في باب الوقف كونه (5) ممّا لا خلاف فيه بيننا، بل بين العامة، فإنّه قال: «إذا قال الواقف: إذا جاء رأس الشهر فقد

______________________________

(1) مقصوده من هذه الجملة: أنّ المجمعين استندوا إلى منافاة التعليق للجزم بالإنشاء، و مقتضاه جواز التعليق على معلوم الحصول في المستقبل، لفعلية الجزم و الرّضا حال الإنشاء. إلّا أنه مع ذلك يحكم ببطلان هذا التعليق، لأجل الإجماع.

(2) يعني: كما اعترف الشهيد قدّس سرّه بدخول الشرط المعلوم الحصول في المستقبل في معقد اتفاقهم على عدم الجواز.

(3) حيث قال: «إنّ الجزم ينافي التعليق، لأنّه بعرضة عدم الحصول و لو قدّر العلم بحصوله كالتعليق على الوصف لأن الاعتبار بجنس الشرط دون أنواعه .. إلخ» و قد تقدّم كلامه في (ص 530).

(4) حيث قال: «من شرط الوكالة وقوعها منجّزة عند علمائنا، فلو علّقها على شرط متوقّع، و هو ما يمكن وقوعه و عدمه، أو صفة و هي ما كان وجوده في المستقبل محقّقا كطلوع الشمس .. لم يصح» «1».

(5) يعني: يظهر من عبارة المبسوط: كون عدم جواز التعليق على معلوم التحقق في المستقبل ممّا لا خلاف فيه عند الكلّ. و الوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو أنّ المصنف استظهر أوّلا شمول معقد الإجماع لهذا القسم، من جهة الإطلاق. و لكن عبارة المبسوط صريحة في الإجماع على بطلان الوقف بالتعليق على معلوم الحصول في المستقبل، و معه لا يبقى مجال توهّم الجواز، بأن يقال: إنّ الإجماع دليل لبّي يقتصر على المتيقن منه، فلا يبطل التعليق على ما يعلم تحققه بعد الإنشاء.

______________________________

(1): مسالك الأفهام، ج 5، ص 239

ص: 543

وقفته (1) لم يصحّ الوقف بلا خلاف، لأنّه مثل البيع و الهبة. و عندنا مثل العتق أيضا» «1» انتهى، فإنّ ذيله (2) يدلّ على أنّ مماثلة الوقف للبيع و الهبة غير مختص بالإمامية (3). نعم مماثلته للعتق مختصة بهم.

و ما كان منها مشكوك الحصول (4)- و ليس صحة العقد معلّقة عليه في الواقع كقدوم الحاج- فهو المتيقّن من معقد اتّفاقهم.

______________________________

(1) عبارة المبسوط هكذا: «فقد وقفت هذه الدار على فلان لم يصح .. إلخ».

(2) يعني: فإنّ ذيل قول الشيخ: «لأنّه مثل البيع و الهبة .. إلخ» يدلّ على اتفاق المسلمين على اشتراط التنجيز في الوقف و البيع و الهبة. و أمّا العتق، فاشتراطه بالتنجيز من مختصّات الفرقة المحقّة أيّدهم اللّه تعالى.

(3) إذ لو كانت مماثلة الوقف للبيع و الهبة مختصّة بالإمامية لنبّه الشيخ عليها كما نبّه عليها في العتق فقال: «و عندنا مثل العتق» فكان المناسب أن يقول: «لأن الوقف مثل البيع و الهبة و العتق عندنا» فتفرقته قدّس سرّه في المماثلة- بين البيع و الهبة و بين العتق- كاشفة عن اتفاق جميع المسلمين على بطلان البيع و الهبة و الوقف بالتعليق على ما يعلم حصوله في المستقبل.

(4) هذا بيان حكم قسم آخر من أقسام التعليق، و هو كون المعلّق عليه مشكوك الحصول و لم يكن مصحّحا للعقد، سواء أ كان ظرف تحققه حال الإنشاء أم بعده، كما إذا قال: «بعتك إن قدح الحاج» و شكّ في قدومهم حال العقد و في المستقبل.

و حكم هذا القسم البطلان، لكونه القدر المتيقن من معقد إجماعهم على شرطية التنجيز، فلو نوقش في إطلاق المعقد بالنسبة إلى القسم السابق- و هو معلوم الحصول في المستقبل- لم يكن مجال للمناقشة في بطلان هذا القسم، لكونه المتيقن من مورد اتّفاقهم على قدح التعليق.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 299

ص: 544

و ما كان صحة العقد معلّقة عليه (1) كالأمثلة المتقدمة (2) فظاهر إطلاق كلامهم يشمله.

إلّا أنّ (3) الشيخ في المبسوط حكى في مسألة: «إن كان لي فقد بعته» قولا

______________________________

(1) هذا حكم قسم رابع، و هو التعليق على مصحّح العقد، و قد تقدّم أنّ المذكور في المتن أمور أربعة يتوقف عليها صحة البيع شرعا، و هي ماليّة المبيع شرعا بأن لا يكون خمرا، و قابليته للبيع بأن يكون ملكا طلقا، و قابلية المشتري للتملّك بأن لا يكون عبدا، و قابليته للمعاقدة معه بكماله بالبلوغ و العقل.

و التعليق على كل واحد منها إمّا بالتصريح بأداة الشرط، و إمّا بالدلالة الالتزامية. و حكم هذا القسم- بماله من الصور- لا يخلو من بحث، فذهب المصنف أوّلا إلى البطلان، لإطلاق معقد الإجماع على قادحيّة التعليق، ثمّ نقل- ثانيا- عن شيخ الطائفة ما يقتضي تجويزه. ثمّ تأمّل فيه ثالثا، و سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا ما أبداه أوّلا، و هو بطلان التعليق على مصحّح العقد.

(3) مقصود المصنف قدّس سرّه من نقل كلام شيخ الطائفة المناقشة في تحقق الإجماع على بطلان الإنشاء بتعليقه على ما يكون دخيلا في صحّته. و بيانه: أنّه إذا اشترى الوكيل جارية بعشرين دينارا، و خالفه الموكّل، أمّا لإنكار أصل الوكالة، و إمّا لدعواه بأنّ التوكيل كان في شرائها بعشرة لا بعشرين، فترافعا إلى الحاكم، فقال قوم بأنّه يأمر الموكّل بأن يبيعها للوكيل، و يأمر الوكيل بالقبول، فيقول الموكّل: «إن كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتك إيّاها بعشرين» و يقبله الوكيل. فإن أجاب الموكّل أمر الحاكم و باعها من وكيله تملّكها الوكيل ظاهرا و باطنا، و يثبت للموكّل على ذمته العشرون دينارا، كما يثبت العشرون له على ذمة الموكّل، لأنّ الوكيل اشتراها بماله، فيتقاصّان في الثمن.

و في هذا الفرض قال الشيخ بعد ما نقل إيجاب الموكّل: «فمن الناس من قال:

لا يصحّ، لأنّه علّقه بشرط، و البيع بشرط لا يصحّ. و منهم من قال: يصحّ، لأنّه لم يشرط إلّا ما يقتضيه إطلاق العقد، لأنّه إنّما يصحّ بيعه لهذه الجارية من الوكيل إن

ص: 545

من بعض الناس بالصحة، و أنّ الشرط لا يضرّه، مستدلا (1) «بأنّه لم يشترط إلّا ما يقتضيه إطلاق العقد، لأنّه إنّما يصحّ البيع لهذه الجارية من الموكّل (2) إذا كان أذن له في الشراء (3)، فإذا اقتضاه (4) الإطلاق لم يضرّ إظهاره و شرطه،

______________________________

كان قد أذن له في الشراء بعشرين، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره و شرطه، كما لو شرط في البيع تسليم الثمن و تسليم المثمن، و ما أشبه ذلك» «1».

و الجملة الأخيرة و هي قوله: «لأنّه إنّما يصح بيعه .. فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضرّ إظهاره» هي محطّ نظر المصنف من نقل عبارة المبسوط، لأنّ الشيخ قدّس سرّه لم يناقش في دليل بعض الناس، و لم يحكم ببطلان بيع الموكّل من جهة التعليق.

و مقتضاه صحة البيع المعلّق على شرط صحّته.

(1) حال من «بعض الناس».

(2) يعني: يكون بائع الجارية هو الموكّل، و المشتري لها هو الوكيل.

(3) إذ لو لم يكن أذن للوكيل في شراء الجارية بعشرين لم يصحّ بيع الموكّل، لكونه أجنبيّا عن الجارية. فقوله: «بعتك إن كانت لي» تعليق على ما يتوقف صحة البيع عليه، و لا مانع من هذا التعليق.

(4) الضمير راجع الى الشرط، و المقصود بالإطلاق هو إطلاق البيع و عدم تعليقه على «إن كان لي» و مقصود بعض الناس من هذه الجملة: أنّ بيع الموكّل للجارية يتوقف على أن تكون ملكا له، إذ لو لم يكن المبيع ملكا للبائع- أو بحكم الملك- لم يترتب الأثر شرعا على الإنشاء. و حيث اعتبرت الملكية فيه كانت صحة البيع منوطة بها، سواء صرّح بهذا الاشتراط بأن يقول: «بعتك الجارية إن كانت لي بكذا» أم لم يصرّح به، كما إذا قال: «بعتكها بكذا» فإنّ التعليق على الملكية ثابت في الواقع و نفس الأمر، و لا يختلف حكمه من حيث الإظهار و الإطلاق.

______________________________

(1): المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 385

ص: 546

كما (1) لو شرط في البيع تسليم الثمن أو تسليم المثمن أو ما أشبه ذلك (2)» انتهى.

و هذا الكلام (3) و إن حكاه عن بعض الناس، إلّا أنّ الظاهر ارتضاؤه له.

و حاصله (4): أنّه كما لا يضرّ اشتراط بعض لوازم (5) العقد المترتبة عليه، كذلك لا يضرّ تعليق العقد بما هو معلّق عليه (6) في الواقع، فتعليقه ببعض مقدّماته كالإلزام (7) ببعض غاياته، فكما لا يضرّ الإلزام بما يقتضي العقد

______________________________

(1) يعني: أنّ التعليق على شرط صحة البيع و مقدماته الشرعية غير قادح، كما لا يقدح تعليق البيع على لوازمه و آثاره الشرعية، بأن يقول: «بعتك هذا المال بكذا إن قبضته و أقبضت الثمن»، وجه عدم القدح: أنّ العقد الصحيح يجب الوفاء به بتسليم المبيع و الثمن، بلا فرق بين التصريح به في العقد و إهمال ذكره.

(2) مثل كون تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع.

(3) أي: القول بالصحّة- في التعليق على شروط الصحة التي يقتضيها إطلاق العقد- و إن حكاه شيخ الطائفة عن بعض الناس، لكن ظاهر سكوته ارتضاؤه له، و بهذا الارتضاء لا وجه لدعوى الإجماع على بطلان التعليق في هذا القسم.

(4) يعني: و حاصل هذا الكلام، و مقصود المصنف قدّس سرّه تقريب كلام بعض الناس الذي اختاره الشيخ أيضا، و محصّله التسوية في جواز التعليق بين كون المعلّق عليه مصحّحا للعقد و دخيلا في ترتب الأثر عليه، و بين كونه من آثار صحته و لوازمه المترتبة عليه. و الوجه في التسوية تقيّد العقد واقعا بما علّق عليه، سواء صرّح به أم لا، فلا فرق بين قوله: «بعتك إن كان لي» و قوله: «بعتك إن سلّمت المبيع».

(5) قد عرفت المراد بكلّ من لوازم العقد و مقدّماته.

(6) مثل كون المبيع ملكا للبائع، و ممّا يجوز بيعه، و قابلية المشتري للتملّك، و قابليته للخطاب.

(7) خبر قوله: «فتعليقه» و المراد بغايات العقد آثاره و أحكامه المترتبة على صحته.

ص: 547

التزامه (1)، كذلك التعليق بما كان الإطلاق معلّقا عليه و مقيّدا به.

و هذا الوجه (2) و إن لم ينهض لدفع محذور التعليق في إنشاء العقد،

______________________________

(1) مثل إلزام المشتري بدفع الثمن، لأنّ إطلاق العقد يقتضي هذا الإلزام و إن لم يصرّح به في الإنشاء.

(2) الّذي نقله في المبسوط و ارتضاه. و غرض المصنف قدّس سرّه من هذا الكلام أنّ حكم شيخ الطائفة قدّس سرّه بصحة البيع المعلّق على مملوكية المبيع و إن كان مانعا عن انعقاد الإجماع على مبطلية التعليق في هذا القسم، إلّا أن أصل هذا الوجوه الذي اعتمد عليه بعض الناس- لإثبات عدم منافاة التعليق هنا للجزم بالإنشاء- غير سديد، و بيانه: أنّ في البيع مرحلتين:

إحداهما: الإنشاء القائم بالبائع، و هو لا يتوقف على أزيد من اعتبار النقل الملكي و إيجاده بالصيغة المعهودة، أو إبرازه بها، على الخلاف في حقيقة الإنشاء. و هذا هو البيع بالمعنى المصدري، و يتمشّى من غير المالك أيضا، خصوصا بناء على القول بأنّ صحة عقد الفضول تكون على طبق القاعدة، على ما سيأتي تفصيله في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثانيتهما: إمضاء الشارع و حكمه بالملكية المماثلة لما أنشأه المتبايعان، و هذا هو البيع المسببي أو الاسمي. و كلّ شرط اعتبره الشارع في موضوع حكمه فهو دخيل في هذه المرحلة مثل كون المبيع ملكا طلقا للبائع، و بلوغ المتعاقدين، و أهلية المشتري للتملّك، و غيرها.

و من المعلوم أنّ البيع بمعناه المصدري الذي هو فعل البائع غير معلّق على شي ء من الشرائط الشرعية، بل هي أمور خارجة عن الإنشاء، و إنّما تكون دخيلة في البيع الاسمي.

و عليه فإذا قال الموكل: «بعتك الجارية بعشرين إن كانت لي» كان الإنشاء معلّقا، و لم يحصل الجزم المعتبر في العقد. و لا يمكن تصحيحه «بأن المعلّق عليه مما يقتضيه إطلاق العقد» حتى يكون التعليق صوريا.

ص: 548

لأنّ (1) المعلّق على ذلك الشرط في (2) الواقع هو ترتّب الأثر الشرعي على العقد، دون إنشاء مدلول الكلام الذي (3) هو وظيفة المتكلّم، فالمعلّق (4) في كلام المتكلم غير معلّق في الواقع على شي ء، و المعلّق (5) على شي ء ليس معلّقا في كلام المتكلم

______________________________

وجه عدم الإمكان: أن المعلّق عليه- و هو ملكية المبيع- ليس ممّا يقتضيه إطلاق العقد، و ذلك لعدم توقف إنشاء البيع على ملكية المبيع حتى يكون العقد- بحسب طبعه- مقتضيا لها، و إنّما يكون المعلّق على هذا الشرط هو البيع بمعناه الاسمي، و المفروض أن الملكية الشرعية أمر خارج عن فعل العاقد، و ليس مما يقتضيه إنشاء البيع.

و الحاصل: أنّ مدلول العقد لا تعليق فيه واقعا على ملكية المبيع لعدم كونها شرطا للإنشاء كما عرفت. و ما فيه التعليق- و هو إمضاء الشارع و ترتيب الأثر على العقد- ليس من كلام المتكلّم، إذ المنشئ إنّما يتمكّن من اعتبار الملكية و النقل في نظر نفسه، لا في نظر الشارع، فالملكية الشرعية لم ينشئها البائع أصلا حتى تكون معلّقة أو منجّزة.

(1) تعليل لعدم النهوض، و قد عرفته آنفا.

(2) و هو ملكية المبيع.

(3) صفة ل «إنشاء» و المراد بالكلام الإنشائي هو «بعت» يعني: دون إنشاء هو مدلول الكلام الإنشائي الذي هو صفة المتكلم في مقام الإنشاء. و عليه فإضافة «الإنشاء» إلى «مدلول الكلام» بيانية، و لا يراد بالمدلول الملكية الاعتبارية المنشئة.

(4) و هو البيع المصدري، فإنّه غير معلّق على ملكية المبيع، و لا على غيرها من الشرائط الشرعية.

(5) و هو إمضاء الشارع و حكمه بترتيب الأثر على العقد، فإنّه معلّق على ملكية المبيع، سواء صرّح بهذا التعليق أم لم يصرّح به.

ص: 549

على شي ء، بل و لا منجّزا (1)، بل هو شي ء خارج عن مدلول الكلام (2).

إلّا (3) أنّ ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظّن بتحقق الإجماع عليه (4).

مع أنّ (5) ظاهر هذا التوجيه- لعدم قدح التعليق- يدلّ على أنّ محلّ

______________________________

(1) لعدم كون الأثر الشرعي ممّا أنشأه البائع حتى يتمكن من إنشائه منجزا تارة و معلّقا أخرى، و من المعلوم أنّ المعلّق و المنجّز وصفان للإنشاء الذي هو فعل المنشئ، فالملكية الشرعية لا تقبل التعليق و لا التنجيز.

(2) و هو «بعت». و وجه خروج الأثر الشرعي عن الإنشاء هو كون وضعه و رفعه بيد الشارع لا البائع.

(3) استدراك على قوله: «و إن لم ينهض» و حاصله- كما عرفت- أنّ الوجه المنقول في المبسوط و إن كان مخدوشا، لكن ارتضاء شيخ الطائفة له يمنع عن تحقق الإجماع على مبطلية التعليق في هذا القسم، و هو ما إذا كان المعلّق عليه مصحّح العقد و كان مشكوك الحصول.

(4) أي: على قدح التعليق على ما يكون صحة العقد متوقفا عليه.

(5) هذه الجملة إلى قوله: «فلا وجه لتوهم اختصاصه بصورة العلم» ليست إشكالا آخر على ما حكاه شيخ الطائفة قدّس سرّه عن بعض الناس و ارتضاه، بل هي متمّمة لقوله: «إلّا أن ظهور ارتضاء الشيخ له كاف في عدم الظن بالخلاف» فكأنه قال:

«إلّا أن ارتضاء الشيخ له يفيد أمرين، أحدهما عدم الظن بانعقاد الإجماع على قدح التعليق على مصحّح العقد. ثانيهما: أنّ دعوى بعض الناس و توجيهه يقتضيان صحة التعليق- إذا كان المعلّق عليه ممّا يقتضيه إطلاق العقد- سواء أ كان العاقد عالما بتحققه حال الإنشاء أم شاكّا فيه».

و مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «مع أن .. إلخ» هو أنّ التعليل المتقدم في عبارة المبسوط- لو تمّ في نفسه و سلم عن الإشكال- يقتضي صحّة العقد المعلّق على ما يقتضيه إطلاقه، كملكية المبيع في قول الموكّل: «بعتك هذه الجارية بعشرين

ص: 550

الكلام فيما لم (1) يعلم وجود المعلّق عليه و عدمه، فلا وجه لتوهّم اختصاصه بصورة العلم (2).

______________________________

إن كانت لي» سواء أ كان عالما واقعا بملكيّتها- و يكون إنكار الوكالة في الظاهر- أم شاكّا فيها كما إذا عرض النسيان عليه، و لم يتذكر التوكيل.

و الوجه في اقتضاء التعليل إطلاق الجواز لصورتي العلم و الشك هو كون المعلّق عليه مما يتوقف عليه تأثير العقد، حتى أنّ إنشاء الموكّل لو كان منجزا كان تنجيزه صوريّا، لكون البيع معلّقا بحسب الواقع و نفس الأمر على الملكية.

و عليه ينبغي أن يكون شيخ الطائفة قائلا بجواز التعليق- في ما يقتضيه إطلاق العقد- في قسمين أحدهما: أن يكون المعلّق عليه معلوم الحصول. ثانيهما: أن يكون مشكوك الحصول.

فكما يحصل الظن بعدم الإجماع على البطلان في صورة العلم بحصول الشرط، فكذا يحصل الظن بعدم الإجماع في صورة الشك في حصوله. و لا موجب لاختصاص نظر الشيخ بالعلم بالحصول كما توهّمه بعضهم.

هذا ما استفاده المصنف قدّس سرّه من أصل دعوى بعض الناس و من تعليله، ثمّ أيّد المصنف هذا التعميم بكلام الشهيد قدّس سرّه و سيأتي.

(1) ظاهر العبارة اختصاص مورد النزاع بالشك في وجود المعلّق عليه، مع أنّ غرضه قدّس سرّه أعمية التعليل من العلم و الشك، و لذا فالأولى أن يقال: «إنّ محل الكلام أعمّ ممّا لم يعلم وجود المعلّق عليه .. إلخ» و ذلك بقرينة قوله بعده: «بصورة العلم».

(2) لم أقف على من خصّ صحة التعليق- المذكور في كلام الشيخ- بصورة العلم، لكن يظهر من تعبير جمع كالمحقق و الشهيد الثانيين الاختصاص، لما تقدّم عنهما من: «أن التعليق إنّما ينافي الإنشاء حيث يكون المعلّق عليه مجهول الحصول. أمّا مع العلم بوجوده فلا، لانتفاء الشك حينئذ في الإنشاء» و مفروض كلامهما تعليق البيع على ملكية الجارية، فراجع.

ص: 551

و يؤيّد ذلك (1) أنّ الشهيد في قواعده جعل الأصحّ صحّة تعليق البيع على ما هو شرط فيه، كقول البائع: بعتك إن قبلت «1».

و يظهر منه (2) ذلك أيضا (3) في آخر القواعد.

______________________________

(1) يعني: و يؤيّد أنّ محلّ النزاع أعمّ- من صورة علم العاقد بالمعلّق عليه، و شكّه فيه- ما يستفاد من موضعين من قواعد الشهيد قدّس سرّه، ففي الموضع الأوّل حكم بصحّة تعليق البيع على شرط صحة العقد، كانضمام القبول إلى الإيجاب، فإذا قال:

«بعتك هذا بكذا إن قبلت» صحّ، مع أن عقديّة العقد متوقفة على لحوق القبول، فصحّة تعليق الإيجاب على تحقق القبول- مع الجهل بتحققه- تقتضي أولوية صحة ما تقدم في كلام المبسوط، حيث إن المعلّق عليه- فيه- ليس شرط أصل العقد، بل شرط ترتب الآثار الشرعية عليه.

قال الشهيد قدّس سرّه: «و منه تعليق البيع على الواقع، أو على ما هو شرط فيه.

و الأصح انعقاده مثل: بعتك إن كان لي، أو: بعتك إن قبلت. و يحتمل البطلان».

و في الموضع الثاني حكم الشهيد قدّس سرّه بصحة تعليق البيع على مشيّة المشتري، و هو- كالتعليق على القبول- شرط صحة نفس الإنشاء، لا شرط ترتب الأثر الشرعي عليه، قال: «أمّا لو علم الوجود فإنّ العقد صحيح، و لا شرط و إن كان بصورة التعليق .. و لو قال: بعتك بمائة إن شئت، فهذا تعليق بما هو من قضاياه، إذ لو لم يشأ لم يشتر» «2».

(2) يعني: يظهر من الشهيد صحة تعليق العقد على ما هو شرط فيه- و هو مشكوك الحصول- كقبول المشتري و مشيّته.

(3) يعني: كما ظهر جواز التعليق في أوائل القواعد.

هذا تمام الكلام في أقسام التعليق الصريح، و أحكامها.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 155 و 156. رقم القاعدة: 41

(2) القواعد و الفوائد، ج 2، ص 237، رقم القاعدة: 238

ص: 552

ثم إنّك (1) قد عرفت أنّ العمدة في المسألة هو الإجماع.

و ربما يتوهم أنّ الوجه في اعتبار التنجيز هو (2) عدم قابلية الإنشاء للتعليق.

______________________________

و أما التعليق الذي يكون لازم الكلام فسيأتي حكم بعض أقسامه في (ص 565) بقوله: «ثم إن القادح هو تعليق الإنشاء .. إلخ» فانتظر.

(1) هذا شروع في المطلب الثاني الذي تعرّض له في المقام الرابع، و هو تحقيق الوجوه التي استدل بها الفقهاء على اعتبار التنجيز. فالدليل الأوّل- و هو المعتمد- الإجماع الذي حكاه عن جمع، كالشيخ و ابن إدريس و العلّامة و غيرهم، و قد تقدمت كلماتهم في المقام الثاني، فراجع.

(2) هذا إشارة إلى ثاني الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز، و قد تقدم نقله- في أوّل المسألة- عن تذكرة العلّامة قدّس سرّه من منافاة التعليق للجزم، و تقدّم بيانه إجمالا هناك، و يأتي مزيد توضيح له في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

و أورد المصنف قدّس سرّه عليه بأنّ المراد بالإنشاء- الذي ينافي التعليق للجزم به- إمّا هو إيجاد المعنى باللفظ، و إمّا هو المنشأ أي البيع المسبّبي المفسّر بالمبادلة و التمليك و النقل. فإن أريد التنافي للإنشاء- بالمعنى الأوّل- قلنا باستحالة التعليق فيه، و ذلك لأنّ الإنشاء من قبيل الإيجاد الحقيقي في عدم القابلية حينئذ للإناطة و التعليق، لأنّ الإنشاء- بهذا المعنى- عبارة عن استعمال اللفظ في المعنى، و إخطار المعنى بسببه، و من المعلوم ترتب هذا الإخطار على إلقاء اللّفظ فقط.

و إن أريد بالإنشاء ما هو محلّ الكلام- أعني به المنشأ- بأن يكون المعلّق على الشرط هو الأمر الاعتباري كالملكية في باب البيع فلا مانع من تعليقه، بل هو واقع كما يظهر من نظائره سواء في باب الأوامر و المعاملات. أمّا في الأوامر فكتعليق وجوب الإكرام بالمجي ء في قوله: «إن جاءك زيد فأكرمه» حيث إنّ المجي ء قيد للمنشإ و هو الوجوب المستفاد من الهيئة. و أما في المعاملات فكالوصية التمليكية، فإنّ

ص: 553

و بطلانه واضح (1)، لأنّ المراد بالإنشاء إن كان هو مدلول الكلام (2) فالتعليق غير متصوّر فيه، إلّا أنّ الكلام ليس فيه (3).

و إن كان الكلام (4) في أنّه- كما يصحّ إنشاء الملكية المتحققة على كلّ تقدير- فهل يصحّ إنشاء الملكية المتحققة على تقدير دون آخر كقوله: «هذا لك إن جاء زيد غدا» و «خذ (5) المال قرضا أو قراضا إذا أخذته من فلان» و نحو

______________________________

الموصى ينشئ ملكية المال للموصى له، و لكنها معلّقة على موته.

و عليه فالإنشاء بالمعنى الثاني يكون تعليقه واقعا شرعا و عرفا فضلا عن إمكانه، فلا وجه لما قيل من «منافاة التعليق للجزم بالإنشاء» لحصول الجزم بالملكية على تقدير، كحصوله في الملكية على كل تقدير، هذا.

(1) قد اتضح وجه البطلان بقولنا: «و أورد المصنف قدّس سرّه عليه بأنّ المراد بالإنشاء .. إلخ».

(2) قد عرفت بما ذكرناه في توضيح الإيراد أنّ الأولى أن يقال: «إن كان هو الكلام» أي تعليق نفس اللفظ، و ذلك بقرينة الشقّ الثاني الذي هو من تعليق المنشأ.

و يمكن أن تكون الإضافة بيانية، فتأمّل.

(3) يعني: أنّ مراد العلامة و غيره من منافاة التعليق للجزم بالإنشاء ليس منافاته لنفس الكلام و الصيغة.

(4) الأنسب- بقرينة المقابلة- أن يقال: «و إن كان المراد تعليق المنشأ كالملكية .. إلخ» فإذا قال: «بعتك هذا بهذا إذا قدم الحاج» يراد به تعليق الملكية- الحاصلة من البيع- على قدوم الحاج، فلا بيع قبل قدومهم.

(5) بأن يكون معناه: تحقق الملكية بالاقتراض على تقدير أخذ مال المقرض ممّن هو عنده، فلو لم يأخذه منه فلا قرض. و كذا الحال في إنشاء عقد المضاربة على تقدير أخذ رأس المال ممّن بيده المال.

ص: 554

ذلك (1) فلا ريب (2) في أنّه أمر متصوّر (3) واقع في العرف و الشرع كثيرا في الأوامر (4) و المعاملات من العقود و الإيقاعات.

و يتلو هذا الوجه (5) في الضعف ما قيل من: أنّ ظاهر ما دلّ على سببية

______________________________

(1) كالوصية التمليكية، و النذر و السبق و الرّماية و الجعالة.

(2) جزاء الشرط في قوله: «و إن كان الكلام».

(3) يعني: أنّ الملكية التعليقية ممكنة في نفسها، و واقعة في الخطابات الشرعية و العرفية.

(4) كتعليق وجوب الحج و الزّكاة مثلا على الاستطاعة و النّصاب، و غيرهما من سائر الواجبات المشروطة.

(5) أي: عدم قابلية الإنشاء للتعليق. و هذا إشارة إلى ثالث الوجوه المستدلّ بها على اعتبار التنجيز. و هو ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه- بعد إبطال عدم قابلية الإنشاء للتعليق- بقوله: «بل لمنافاته- أي: التعليق- ما دلّ على سببية العقد، الظاهر في ترتب مسبّبه عليه حال وقوعه، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين دون الشارع معارض لذلك، بل هو شبه إثبات حكم شرعي من غير أهله. و للشك في شمول الآية و نحوها له .. إلخ» «1». و كذا منع قدّس سرّه من التعليق في بحث الشروط «2»، و في باب الطلاق «3»، فراجع.

و حاصله: أنّ ظاهر أدلة الإمضاء و الصحة هو ترتيب الآثار المقصودة من حين العقد، و ذلك منوط بإطلاق العقد و تنجيزه حتى تترتب عليه فعلا، فمع تعليقه لا تشمله الأدلّة من حينه، و مع عدم شمولها له من زمان صدوره لا تشمله بعده أيضا، فالعقود المعلّقة غير مشمولة لأدلّة الصحة لا حدوثا و لا بقاء أي بعد حصول المعلّق عليه، فمع عدم الدليل على الصحة يرجع إلى أصالة الفساد، هذا.

و أورد المصنف قدّس سرّه عليه بوجوه خمسة أو ستة:

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 22، ص 253

(2) جواهر الكلام ج 23، ص 198

(3) جواهر الكلام، ج 32، ص 78 و 79

ص: 555

العقد ترتّب مسبّبه عليه حال وقوعه، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين مخالف لذلك (1).

و فيه- بعد الغضّ عن عدم (2) انحصار أدلّة الصّحة و اللّزوم في مثل قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لأنّ (3) دليل حلّية البيع و تسلّط الناس على أموالهم

______________________________

الأوّل: أنّه لو سلّمنا اقتضاء الأمر بالوفاء بالعقود لترتيب الأثر الشرعي على كلّ عقد من حين الإنشاء، قلنا بعدم انحصار دليل صحة البيع في هذه الآية المباركة حتى يقال ببطلان العقد المعلّق، فيمكن القول بصحّته، و ذلك بعد تمامية مقدمتين:

الأولى: أنه قد تقدم في أدلة مملكية المعاطاة و لزومها دلالة آيتي (حلّ البيع) و (التجارة عن تراض) على صحّة كلّ ما هو بيع- بالحمل الشائع- بنظر العرف.

و كذلك استدلّ صاحب الجواهر قدّس سرّه على مشروعية بعض أقسام المعاطاة بحديث السلطنة.

الثانية: أنّ تعليق بعض أفراد البيع على الشرط واقع عرفا و شرعا، و لا تترتّب الملكية فيه على نفس العقد، ففي بيع الصرف لا يفيد نفس الإنشاء الملكية الشرعية، بل تتوقف على القبض.

و بعد تمامية هذه الكبرى و الصغرى يظهر أنّ إطلاق «حلية البيع» يقتضي صحة كل بيع عرفي سواء أ كان منجّزا أم معلّقا، فإن كان منجّزا ترتب المسبّب من حين إنشاء السبب. و إن كان معلّقا توقّف ترتب المسبّب على حصول المعلّق عليه، و لا محذور في تأخر المسبب عن سببه و انفكاكه عنه بعد إطلاق دليل الإمضاء.

هذا توضيح الإيراد الأوّل، و سيأتي بيان سائر المناقشات.

(1) أي: لترتب المسبّب حال وقوع سببه و هو العقد.

(2) هذا إشارة إلى أوّل إيرادات المصنف على صاحب الجواهر قدّس سرّهما، و قد عرفته آنفا.

(3) تعليل لقوله: «عدم انحصار».

ص: 556

كاف في إثبات ذلك (1)- أنّ (2) العقد سبب لوقوع مدلوله فيجب الوفاء به على

______________________________

(1) أي: في إثبات صحة البيع و لزومه، سواء أ كان منجّزا أم معلّقا.

و لا يخفى أن عدّ حديث السلطنة من أدلة الصحة و اللزوم مبني على اعتراف صاحب الجواهر قدّس سرّه بكونه مشرّعا، إذ على هذا يتجه إشكال المصنف قدّس سرّه عليه بأنّ الحديث يدلّ- كآية حلّ البيع- على نفوذ تصرف المالك في ماله بالبيع و الوقف و الهبة و نحوها، سواء أ كانت أسبابها منجّزة أم معلّقة.

و بهذا يظهر عدم المجال للإشكال على المصنف بأنّ الحديث غير مشرّع أصلا أو لخصوص الأسباب، فلا وجه لعدّه من أدلة الصحة و اللزوم.

وجه عدم المجال ما عرفت من توجيه الإيراد على ما يعترف به صاحب الجواهر أعلى اللّه مقامه.

(2) هذا هو الإشكال الثاني على كلام الجواهر، و مقصود المصنف منع ما استفاده صاحب الجواهر من آية وجوب الوفاء بالعقود حتى لو كان دليل الإمضاء منحصرا فيها.

و توضيحه: أن الآية الشريفة و إن دلّت على سببية العقد لترتب المسبّب عليه، إلّا أنّها قاصرة عن إثبات ترتب المسبّب من حين الإنشاء، و ذلك لأنّ المراد بالعقود التي يجب الوفاء بها هو العهود على ما ورد تفسيرها بها في معتبرة عبد اللّه بن سنان «1» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و من المعلوم أنّ العهد يصدق حقيقة على العهد المعلّق كصدقه على المنجّز، فإن كان مدلول العهد منجّزا وجب الوفاء به فورا، و إن كان مدلوله معلّقا على أمر مترقب الحصول- كما في غالب موارد النذر- وجب الوفاء به معلقا على حصول الشرط.

و على هذا فليس مفاد «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» عدم ترتب الأثر على العقود المعلّقة على ما يتوقّع حصوله، بل مفادها وجوب العمل بمقتضى العقد، فإن كان منجّزا

______________________________

(1): تفسير القمي، ج 1، ص 160

ص: 557

طبق مدلوله (1). فليس مفاد أَوْفُوا بِالْعُقُودِ إلّا مفاد أَوْفُوا بِالْعَهْدِ في (2) أنّ العقد كالعهد إذا وقع على وجه التعليق فترقّب تحقّق المعلّق عليه- في تحقق المعلّق- لا يوجب (3) عدم الوفاء بالعهد.

و الحاصل (4): أنّه إن أريد بالمسبّب هو مدلول العقد (5) فعدم تخلّفه عن إنشاء العقد من البديهيات التي لا يعقل خلافها. و إن أريد به (6) الأثر الشرعي

______________________________

ففورا، و إن كان معلّقا فعند حصول المعلّق عليه.

هذا إذا كان المراد بالأثر الذي يجب ترتيبه على العقد و العهد هو حكم الشارع، كالملكية الشرعية في البيع، و الزوجية كذلك في النكاح، و هكذا.

و إمّا إذا كان المراد بالأثر ما يعتبره نفس العاقد- مع الغضّ عن إمضائه شرعا- فهو يترتب على الإنشاء معلّقا كان أو منجّزا، و يستحيل انفكاكه عنه. فإنّ النسبة بين الإنشاء و المنشأ- بهذا المعنى- نسبة الإيجاد و الوجود، لا يعقل انفكاكهما، لا نسبة الإيجاب و الوجوب.

(1) فإن كان مدلول العقد منجّزا ترتب المسبّب عليه من حينه، و إن كان معلّقا وجب الوفاء به عند تحقق الشرط.

(2) هذا وجه اتّحاد مفاد الوفاء بالعقد و بالعهد.

(3) خبر قوله: «فترقب» و قوله: «إذا وقع» قيد للعهد.

(4) هذا الحاصل و إن كان متينا، لكن المصنف لم يتعرّض قبله لاستحالة تخلّف المسبّب عن الإنشاء، كالملكية التي يعتبرها البائع مع الغضّ عن إمضاء الشارع، كما يعتبر الفسّاق ملكية الخمر و نحوه مما أسقط الشارع ماليّته. فهذه لا تتخلّف عن العقد أصلا مع فرض التفات العاقد و قصده.

و كيف كان فقد تقدم توضيح كلا الشقّين.

(5) أي: مضمونه العرفي، لكن مع قطع النظر عن تقرير الشارع و تصحيحه.

(6) أي: و إن أريد بالمسبب الأثر الشرعي- كما هو ظاهر كلام الجواهر، لأنّه

ص: 558

- و هو ثبوت الملكية- فيمنع (1) كون أثر مطلق البيع الملكية المنجّزة، بل (2) هو مطلق الملك، فإن كان البيع غير معلّق (3) كان أثره الشرعي الملك غير المعلّق، و إن كان معلّقا (4) فأثره الملكية المعلّقة.

مع أنّ (5) تخلّف الملك عن العقد كثير جدا.

______________________________

الذي قد ينفك عن العقد، فيتخيّل عدم وجوب الوفاء به فيمنع كون .. إلخ.

(1) جزاء الشرط في قوله: «و إن أريد» و قد تقدّم وجه المنع.

(2) يعني: بل المسبّب الذي هو الأثر الشرعي يكون مطلق الملك أعم من المنجّز و المعلّق. و الدليل على هذه الأعمية صدق «العقد و العهد» على كلّ من الإنشاء المنجّز و المعلّق، و لا مقيّد في البين حتى تختصّ الصحة بالمنجّز.

(3) كما إذا قال: «بعتك هذا الكتاب بدينار» فقبل المشتري، فيجب الوفاء به فورا.

(4) كما إذا قال: «بعتك هذا الكتاب بدينار إن كان لي، أو: إن جاء زيد» فقبل المشتري.

(5) ظاهر السّياق- كما استفاده بعض أجلّة المحشين كالفقيه المامقاني قدّس سرّه «1»- أنّه إشكال ثالث على استدلال صاحب الجواهر قدّس سرّه، فيكون المقصود منع اختصاص مفاد الآية المباركة بما إذا كان العقد سببا تامّا حتى يترتب الأثر عليه حال وقوعه كي تختص الصحة بالعقد المنجّز.

وجه المنع: أنّ الشارع حكم بصحة عقود كثيرة مقتضية للملكيّة، و يتوقف تمامية السبب على تحقّق أمر آخر، فلو اختصّت الآية بالعقود التي تكون تمام السبب في التأثير لزم التخصيص الكثير، أو عدم كون الآية دليلا على صحتها.

فمنها: بيع الصّرف، فتتخلّف الملكية عن الإنشاء حتى القبض.

و منها: بيع المعاطاة بناء على الإباحة، لتوقف الملك- عند القائل به- على

______________________________

(1): غاية الآمال، ص 260

ص: 559

مع (1) أنّ ما ذكره لا يجري في مثل قوله: «بعتك إن شئت، و: إن قبلت، فقال: قبلت» فإنّه لا يلزم هنا تخلّف أثر العقد عنه.

______________________________

طروء الملزم.

و منها: بيع الفضولي بناء على النقل، فالملكية متوقفة على لحوق الإجازة.

و منها: الهبة، فإنّ انتقال العين إلى المتّهب منوط بالقبض.

و منها: الوقف على الذّرّيّة، فإنّ البطون المتأخّرة تتلقّى الملكية من الواقف، مع ما بين الإنشاء و التملّك من الفصل الكثير.

و منها: الوصية، فالعين الموصى بها تنتقل إلى الموصى له بعد موت الموصى.

و منها: المضاربة، فإنّ العامل يتملّك الحصّة بعد ظهور الرّبح، لا بنفس العقد.

و منها: عقد المساقاة، فإنّ العامل يتملّك حصّته من الثمرة بعد ظهورها.

و منها: عقد السبق و الرّماية، لتوقف تملّك السّبق على تقدّم أحدهما على الآخر.

و منها: غير ذلك من موارد تخلّف الملك عن العقد. و يستكشف من مجموعها عدم كون العقد سببا تامّا لحصول الملك في جميع الموارد، فكيف ادّعى صاحب الجواهر حصر مفاد الآية في ترتب المسببات على الإنشاءات حال وقوعها؟ هذا.

و لا يخفى أنّه يمكن أن تكون العبارة متمّمة للإشكال الثاني، و تقريبه: أنّ المصنف قدّس سرّه جعل مفاد الآية الشريفة وجوب الوفاء بمضمون العقد، فإن كان منجزا فمنجّزا، و إن كان معلّقا فمعلّقا. و لكنّه لم يأت بشاهد على هذه الدعوى، فكان لصاحب الجواهر قدّس سرّه منعها، و حصر المدلول في وجوب الوفاء بالعقود منجّزا.

و حينئذ يمكن جعل قول المصنف قدّس سرّه: «مع أن تخلف الملك عن العقد كثير جدّا» دليلا على منع الحصر، و أنّ العقود المملّكة التي يتخلّف أثرها عنها كثير كما عرفت، فتكون الآية دليلا على صحة كلا القسمين، و الوفاء في كلّ منهما بحسبه، و عليك بالتأمّل في المتن ليتبيّن لك حقيقة الأمر.

(1) هذا رابع ما أورده المصنف على صاحب الجواهر قدّس سرّهما، و محصّله: أخصّيّة الدليل من المدّعى، و هو مبطليّة مطلق التعليق، و بيانه: أنه لو كان مفاد وجوب الوفاء بالعقود ترتيب الأثر الشرعي على سببه- و هو العقد- فورا كان مقتضاه قدح

ص: 560

مع (1) أنّ هذا (2) لا يجري في الشرط المشكوك المتحقق في الحال، فإنّ العقد حينئذ (3) يكون مراعى (4)

______________________________

التعليق في بعض الأقسام، أعني ما إذا كان المعلّق عليه استقباليا، فلو كان مقارنا للعقد فلا بد من صحته، إذ لا يلزم حينئذ تخلّف الأثر عن المؤثّر، كما إذا علّقه البائع على قبول المشتري أو على مشيّته، فقال: «بعتك إن قبلت، أو: إن شئت» فقال المشتري:

«قبلت» فإنّ النقل لا ينفك عن هذا الإنشاء كما هو واضح. مع أن مقصود صاحب الجواهر منع التعليق مطلقا مهما كان المعلّق عليه.

(1) هذا خامس ما أورده على كلام الجواهر، و محصله أيضا أخصّيّة الدليل من المدّعى، و غرض المصنف قدّس سرّه: أنّ دليل صاحب الجواهر قدّس سرّه- على فرض تماميته- يقتضي صحة التعليق على شرط متحقق واقعا، و لكنه مشكوك الحصول بنظر المتعاقدين، كما إذا قال البائع: «بعتك إن كان لي، أو: بعتك إن كان هذا اليوم يوم الجمعة» فتبيّن كونه مالكا للمبيع و كون يوم الإنشاء الجمعة.

و الوجه في الصحة: أنّ محذور تخلّف المسبب عن السبب- الّذي اعتمد عليه صاحب الجواهر في اعتبار التنجيز- لا يلزم في المثالين، غايته أنّ المتبايعين لا يعلمان بترتب الأثر الشرعي على العقد، للجهل بحصول المعلّق عليه، فإذا انكشف لهما تحققه حال الإنشاء تبيّن لهما موضوعية العقد لوجوب الوفاء به. هذا مقتضى دليل صاحب الجواهر قدّس سرّه، مع أنّه جعله وجها لبطلان العقد المعلّق مطلقا حتى فيما كان المعلّق عليه حاصلا حال العقد، و كان مشكوك الحال بنظر المتعاقدين.

(2) أي: ما استدل به صاحب الجواهر- من اقتضاء الآية الشريفة ترتب الأثر على العقد فورا- لا يجري .. إلخ.

(3) يعني: حين كون الشرط- المشكوك تحقّقه- موجودا في حال الإنشاء.

(4) حتّى ينكشف حال الشرط، فإن كان موجودا حال الإنشاء كان العقد

ص: 561

لا موقوفا (1).

مع (2) أنّ ما ذكره لا يجري في غيره من العقود التي قد يتأخّر مقتضاها عنها، كما لا يخفى.

______________________________

صحيحا من حينه، و إن كان معدوما كان العقد باطلا، لمحذور تخلّف الأثر عن المؤثّر.

(1) يعني: حتى يلزم التخلّف، إذ الموقوف هو العقد المتخلّف مقتضاه عن نفس العقد، لتوقّفه على ما لا وجود له فعلا.

(2) هذا إيراد سادس على كلام الجواهر، و محصله: أخصيّة الدليل من المدّعى، و ذلك لأمرين مسلّمين:

الأوّل: أنّ البحث عن شرطيّة التنجيز لا يختص بالبيع، بل عام لجميع الإنشاءات من العقود و الإيقاعات، فإن نهض دليل على الاشتراط لم يختص بباب دون آخر، و إن لم ينهض فكذا، أي يجوز تعليق الإنشاء مطلقا.

و الوجه فيه: أنّ ما استدلّ به على الاعتبار- كالإجماع و ما تقدّم من كلام الجواهر- لا يختص بالبيع. و عليه فاللّازم القول بالاشتراط مطلقا، أو بالعدم كذلك، و لا وجه للتفصيل بين العقود.

الثاني: أن سببيّة العقود لترتب مسبباتها عليها مختلفة، فمنها ما يكون بمقتضى طبعه سببا تامّا، و لا ينفك مسبّبه عنه كالبيع و الإجارة و الصلح و غيرها. و منها ما لا يكون كذلك، بل يتخلّف الأثر عن العقد كالوصية التمليكية و الوقف و الهبة و المضاربة و المساقاة و نحوها، فالعقد يكون جزء السبب، و الجزء الآخر هو الأمر المتأخر كالموت في باب الوصية، و القبض في الهبة و الوقف، و هكذا.

و بناء على هذين الأمرين نقول: إنّ الآية الشريفة التي استدلّ بها صاحب الجواهر- لو تمّ دلالتها- تقتضي شرطية التنجيز في القسم الأوّل من العقود، مع أنّ المدّعى اعتباره مطلقا. و بيانه: أنّ الآية تدلّ على ترتب المسبّب على السبب- أي العقد- مباشرة و بلا فصل، و من المعلوم عدم كون جميع العقود مقتضية لترتيب الأثر فورا، لما عرفت من أنّ جملة منها ليست أسبابا تامّة لمسبّباتها، بل هي مشروطة

ص: 562

و ليس الكلام (1) في خصوص البيع، و ليس على هذا الشرط في كل عقد دليل على حدة.

ثم الأضعف (2) من الوجه المتقدم: التمسّك (3) في ذلك بتوقيفية الأسباب الشرعية الموجبة لوجوب الاقتصار فيها على المتيقن، و ليس (4) إلّا العقد العاري عن التعليق.

______________________________

بأمور متأخرة عن العقد كالقبض في بيع الصرف، و ظهور الرّبح في المضاربة، و هكذا.

فيلزم جواز تعليق هذا القسم بأن يقول الموصى: «أوصيت بهذا المال لزيد إن قدم الحاج» و وجه الجواز واضح، لفرض اختصاص مدلول الآية بالعقود التي تكون أسبابا تامّة، لا مقتضية.

مع أنّ الالتزام بهذا التفصيل ممّا لا وجه له، لما عرفت من أنّ هذا البحث لا يختص ببعض العقود، و لا دليل آخر على شرطية التنجيز في سائر العقود، فلو قيل ببطلان مثل الوصية بالتعليق كان قولا بغير علم.

(1) قد تقدم توضيح هذا آنفا بقولنا: «الأوّل: أن البحث عن شرطية التنجيز ..».

(2) الجمع بين تعريف صيغة التفضيل و «من» لا يساعده القواعد الأدبية.

(3) هذا رابع الوجوه المستدل بها على اعتبار التنجيز، و هو مذكور في مفتاح الكرامة، لكنه منعه بقوله: «و فيه ما فيه» و تقدم في كلام المحقق و الشهيد الثانيين «أن العقود لمّا كانت متلقاة من الشارع نيطت بهذه الضوابط، و بطلت في ما خرج عنها» و ينسب هذا الوجه إلى جماعة من القدماء كالقاضي في جواهره. و أشار إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه في عبارته المتقدمة أيضا. و حاصله: أنّ الإنشاءات أسباب حكم الشارع بتأثيرها في مسبّباتها، فإذا شك في جواز التسبّب بالإنشاء- المعلّق على شي ء- للأثر تعيّن الاقتصار على المتيقن، و هو العقد العاري عن التعليق، إذ لو علّقه لم يندرج في دليل الصحة، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.

(4) يعني: و ليس المتيقن من الأسباب الشرعية إلّا العقد العاري عن التعليق.

ص: 563

إذ فيه (1): أنّ إطلاق الأدلة مثل حلّيّة البيع، و تسلّط الناس على أموالهم، و حلّ التجارة عن تراض، و وجوب الوفاء بالعقود، و أدلة (2) سائر العقود كاف (3) في التوقيف.

و بالجملة (4): فإثبات هذا الشرط في العقود- مع عموم أدلتها و وقوع كثير منها في العرف (5) على وجه التعليق-

______________________________

(1) هذا ردّ الاستدلال المزبور، و حاصله: أنّ إطلاق الأدلة المصحّحة للعقود كاف في التوقيف، فمع الصدق العرفي على العقد المعلّق يتشبّث بتلك الإطلاقات، و معها لا مجال للاقتصار على المتيقّن الذي يكون مورده إجمال الدليل. و قد سبق هذا المطلب في أوّل ما أورده المصنف على صاحب الجواهر قدّس سرّهما.

(2) معطوف على «الأدلة» يعني: إطلاق أدلة العقود، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «النكاح سنّتي، و الصلح جائز بين المسلمين» و نحوهما أدلة صحة الإجارة و القرض و المضاربة و غيرها، فإنّ إطلاقها مسوق لإمضاء المتعارف منها. و لمّا كان المتعارف إنشاءها منجّزا تارة و معلّقا اخرى كان مقتضى إطلاق الأدلة صحة كلا القسمين.

و عليه تكون العقود التعليقية توقيفية أيضا، لكفاية الإطلاق في إثبات صحتها شرعا.

(3) خبر قوله: «أنّ إطلاق» يعني: أنّ توقيفيّة الأسباب المعلّقة- كالمنجّزة- ثابت بالإطلاق، و لا وجه لحصر الأسباب الممضاة شرعا في خصوص المنجّزة منها.

(4) هذا ملخّص ما أفاده بقوله: «و ربما يتوهّم أن الوجه في اعتبار التنجيز ..»

إلى هنا. يعني: أنّ المعتمد من الوجوه المستدل بها على شرطية التنجيز هو الإجماع، لا سائر الوجوه التي عرفت ضعفها.

(5) غرضه من هذه الجملة أنّه لا مجال لتوهم انصراف إطلاق الأدلة إلى خصوص المنجزة- لشيوعها و ندرة المعلّقة- كما هو حال سائر الإطلاقات المنصرفة عن أفرادها النادرة. وجه عدم المجال ما تقدّم من منع ندرة العقود المعلّقة، بل المتعارف كلا القسمين.

ص: 564

بغير (1) الإجماع محقّقا أو منقولا (2) مشكل (3).

ثمّ إن القادح هو تعليق الإنشاء (4). و أمّا إذا أنشأ من غير تعليق صحّ

______________________________

(1) متعلّق ب «إثبات».

(2) ظاهر العبارة تسليم أصل الإجماع و تردّده بين المحصّل و المنقول.

لكن في مفتاح الكرامة و الجواهر ما ظاهره الجزم بتحصيل الإجماع فضلا عن نقله، ففي الأوّل: «و الدليل على ذلك بعد الإجماع نقلا و تحصيلا: أنّ الأصل عدم جواز الوكالة، خرجت المنجّزة بالإجماع و بعض الأخبار، و بقي الباقي» «1».

و في الثاني: «و شرطها- أي الوكالة- أن تقع منجّزة كغيرها من العقود، بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه» «2».

(3) لأنّ رفع اليد عن العمومات- المقتضية للصحة- بدون المخصّص مشكل جدّا.

(4) هذا هو المطلب الثالث الذي تعرّض له في المقام الرابع، و غرضه من هذا الكلام إلى آخر المسألة بيان حكم ما إذا كان الإنشاء منجّزا صورة، و لكن تردّد المنشئ في تحقق شرط عرفي أو شرعي ممّا يتوقف عليه الأثر، و هذا قسم من أقسام التعليق غير الصريح، بل هو لازم الكلام، على ما سبق منه في (ص 541) من التنظير بما إذا باع شخص مال مورّثه بظنّ موته، و قد نقل هناك عن العلّامة احتمال بطلانه لكونه معلّقا واقعا و إن كان منجّزا صورة.

و كيف كان فمحصّل ما أفاده قدّس سرّه: أنّ ما دلّ على بطلان الإنشاء بالتعليق- كالإجماع- يقتضي الاختصاص بإناطة الإنشاء بشرط أو صفة. و أمّا إذا كانت الصيغة منجّزة و لكن تردّد المنشئ في ترتب الأثر عليها- للشك في تحقق شرط صحتها عرفا أو شرعا- كانت صحيحة و خارجة عن مورد مبطلية التعليق، كما

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 7، ص 526

(2) جواهر الكلام، ج 27، ص 352

ص: 565

العقد (1) و إن كان المنشئ متردّدا في ترتب الأثر عليه شرعا أو عرفا، كمن ينشئ البيع و هو لا يعلم أنّ المال له (2)، أو أنّ المبيع مما يتموّل (3)، أو أنّ المشتري راض حين الإيجاب (4) أم لا، أو غير ذلك ممّا يتوقف صحة العقد عليه

______________________________

إذا باع شيئا و هو متردّد في ماليّته العرفية أو الشرعية، أو شكّ في رضا المشتري جدّا بالإيجاب، و غير ذلك من الأمثلة المذكورة في المتن.

و وجه الصحة في الجميع- يعني سواء أ كان الشرط المشكوك تحقّقه مقوّما للعنوان عرفا أم مأخوذا فيه تعبّدا- هو تجرّد الإنشاء عن أداة الشرط، و لا دليل على اعتبار جزم المنشئ.

هذا ما ذكره المصنف قدّس سرّه في مطلع كلامه، و لكنه استدرك عليه بالفرق بين كون المشكوك فيه مقوّما، فيبطل الإنشاء، و غيره فيصح، و سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا مبني على الاستناد إلى الإجماع. و أمّا بناء على ما حكاه عن العلّامة من اعتبار الجزم في الإنشاء فيبطل في هذا القسم أيضا، كما احتمله هو و فخر المحققين في بيع مال المورّث بظنّ موته، فراجع.

(2) هذا مثال للشرط الذي له دخل شرعا في ترتب الأثر على الإنشاء، و لا دخل له فيه عرفا.

(3) هذا مثال للشرط المصحّح للعقد عرفا، فإنّ البيع عندهم «مبادلة مال بمال» فمع عدم ماليّة المبيع لا يقع البيع العرفي حتى يمكن إمضاؤه شرعا، فإذا شكّ البائع في أنّ المبيع ممّا يتموّل، لم يكن جازما بالبيع و المبادلة، و مع ذلك يصحّ إنشاؤه، لخلوّه عن الشرط.

(4) هذا أيضا لو كان شرطا مصحّحا للعقد كان بالتعبّد، لا لدخله عرفا في العقد.

ص: 566

عرفا (1) أو شرعا (2).

بل (3) الظاهر أنّه لا يقدح اعتقاد عدم ترتب الأثر (4) عليه إذا تحقّق القصد إلى التمليك العرفي.

و قد صرّح بما ذكرنا (5) بعض المحققين (6)، حيث قال: «لا يخلّ زعم فساد المعاملة ما لم يكن سببا لارتفاع القصد».

______________________________

(1) كالشك في رضا المشتري بالإيجاب و كراهته له، فإنّ المعاهدة الاختيارية متوقفة عرفا على الرّضا.

(2) كجملة من شرائط المتعاقدين و العوضين، فالبلوغ شرط تعبدي، و كذا عدم سقوط العوضين عن المالية، فمبادلة الخمر و الخنزير عقد عرفي، لكن نهى الشارع عنها، لعدم قابلية العوض للتملّك شرعا. و العقل و قابلية الخطاب شرط عرفي.

(3) غرضه الإضراب- عن عدم قدح تردّد المنشئ- إلى أنّ اعتقاد عدم ترتّب الأثر شرعا لا يقدح أيضا في الصحة إذا اجتمعت الشرائط العرفية المقوّمة للمعاملة، و كان عدم إمضاء الشارع لأجل فقد شرط تعبدي كبلوغ المتعاقدين، فلا مانع من تمشّي القصد إلى البيع إذا كان المشتري صبيّا مميّزا.

(4) يعني: الأثر الشرعي. و أمّا الأثر العرفي فيمتنع القصد إليه عند العلم بعدم ترتبه.

(5) من صحة الإنشاء غير المعلّق، و لكن اعتقد المنشئ بعدم إمضائه شرعا.

(6) و هو المحقق صاحب المقابس، في مسألة اشتراط البيع بالقصد، حيث قال:

«و لا يعتبر أيضا علمه بصحّة العقد، و لا يخلّ زعمه فساده ما لم يتسبّب لارتفاع قصده من الأصل، و إلحاقه باللعب و الهزل» «1».

و الظاهر أنّ مورد كلامه اعتقاد الفساد الناشئ من اختلال الشرائط الشرعية، فيقصد البيع العرفي، و لا ينقاد للأحكام التعبدية.

______________________________

(1): مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 12

ص: 567

نعم (1) ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقوّمة، كعدم الزوجية، أو الشّك فيها في إنشاء الطلاق، فإنّه لا يتحقق القصد إليه منجّزا من دون العلم بالزّوجية. و كذا الرّقية في العتق (2). و حينئذ (3) فإذا مسّت الحاجة إلى شي ء من

______________________________

(1) هذا استدراك على قوله: «و أما إذا أنشأ من غير تعليق صحّ العقد و إن كان المنشئ متردّدا».

و محصّله: أنّ ما ذكرناه- من صحة العقد المنجّز مع تردّد المنشئ، بل مع اعتقاده بالفساد شرعا- لا يمكن تسليم إطلاقه، سواء أ كان الشرط المشكوك تحقّقه مقوّما عرفيا للمعاملة أم شرعيّا، بل ينبغي التفصيل بينهما، و نقول ببطلان العقد في الشرط المقوّم عرفا، سواء أ كان مقطوع الانتفاء أم مشكوكا فيه، كما إذا طلّق امرأة يشكّ في زوجيّتها، فقال: «هي طالق».

و الوجه في البطلان عدم تمشّي القصد الجدّي إلى الطلاق- الذي هو فكّ علقة الزوجية- مع الشكّ في موضوعه، فيكون كإنشاء الهازل و العابث في عدم ترتب الأثر عليه.

و كذا الحال في إنشاء العتق مع الشك في كون المعتق مملوكه، أو مع العلم بعدم مملوكيته له.

(2) لتقوّم العتق بالرّقّية، كتقوّم الطلاق بالزوجية، و الزوجية بأجنبية المرأة، و هكذا.

ثم لا يخفى انّ مقصود المصنف قدّس سرّه من «عدم تحقق القصد إليه منجّزا» هو القصد الجدّي. فلا يمكن التسبّب بصيغتي الطلاق و العتق عند عدم إحراز الزّوجية و الرّقية. و أمّا إيجادهما رجاء فلا مانع منه، كما نبّه عليه بقوله: «فإذا مسّت الحاجة ..»

و سيأتي.

(3) يعني: و حين انتفاء القصد المنجّز- في فقد الشرط المقوّم- فإذا مسّت .. إلخ، و غرضه قدّس سرّه بيان طريق الاحتياط فيما لو شك في تحقق الشرط المقوّم، كما إذا شك في زوجيّة المرأة- إمّا للشك في محرميّتها بالرّضاع أو لفقد بعض ما يشكّ شرطيته في الصيغة أو لغير ذلك- جاز له التخلّص منها بأحد طريقين:

ص: 568

ذلك للاحتياط (1)- و قلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء على ما هو شرط فيه (2)- فلا بدّ (3) من إبرازه بصورة التنجّز و إن كان في الواقع معلّقا (4)، أو يوكّل غيره الجاهل (5) بالحال بإيقاعه.

______________________________

الأوّل: أن ينشئ- بنفسه- صيغة الطلاق منجّزا، فيقول لها: «أنت طالق» و لا يعلّقه على قوله: «إن كنت زوجتي» فيصحّ الطّلاق، لكونه منجّزا صورة و إن كان برجاء تحققه.

الثاني: أن يوكّل من يكون جاهلا بالشبهة التي حصلت للزوج، فيطلّقها الوكيل منجّزا أيضا. و بكلا الطريقين يتحقق الاحتياط، و تبين المرأة منه.

فإن قلت: إن في كلا الوجهين جهة مشتركة مصحّحة للطلاق، و هي الإنشاء منجّزا، و ذلك لأنّ توكيله لغيره منجّز صورة و معلّق حقيقة، إذ لو لم تكن الزوجية متحققة واقعا كانت الوكالة صورية أيضا، فلا يبقى فرق بين طلاق الزوج و طلاق وكيله.

قلت: نعم و إن كان التوكيل في الطلاق معلّقا واقعا على تحقق الزوجية، فيبطل على تقدير انتفاء الزوجية، إلّا أنّ أصل الإذن في الطلاق باق بحاله، و يتمشّى من الوكيل القصد إلى الطلاق، فيقع صحيحا. هذا في تقوم الطلاق بالزوجية.

و كذا الحال في مثال العتق، كما إذا تردّد الوارث في أنّ مورّثه أعتق عبده أم لا، فيمكنه الاحتياط بإجراء الصيغة بنفسه، فيقول: «أنت حرّ» أو بتوكيل الغير الجاهل بشبهة موكّله.

(1) متعلق ب «الحاجة» يعني: احتاج الى الاحتياط لينجو من الشبهة.

(2) إذ لو قلنا بجواز تعليق الإنشاء على مصحّحه لم يكن وجه للتوكيل، بل يطلّقها معلّقا بقوله: «أنت طالق إن كنت زوجتي».

(3) جزاء قوله: «فإذا مسّت».

(4) هذا هو الطريق الأوّل، و قوله: «أو يوكّل» إشارة إلى الطريق الثاني.

(5) تقييد الغير بالجاهل لأجل أنه يتمشّى منه الجزم بالإنشاء، إذ لو كان عالما

ص: 569

و لا يقدح فيه (1) تعليق الوكالة واقعا على كون الموكّل مالكا للفعل (2)، لأنّ (3) فساد الوكالة بالتعليق لا يوجب ارتفاع الإذن.

إلّا (4) أنّ ظاهر الشهيد في القواعد الجزم بالبطلان فيما لو زوّج امرأة يشكّ في أنّها محرّمة عليه، فظهر حلّها. و علّل ذلك بعدم الجزم حال العقد، قال:

______________________________

بشبهة موكّله كان مثله في عدم القصد الجدّي.

(1) أي: و لا يقدح في التوكيل في الطلاق كونه معلّقا واقعا على موضوعه و هو الزوجية، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «إن قلت ..».

(2) المراد بالفعل هنا هو الطلاق أي يكون أمره بيد الزّوج، و كذا أمر العتق بيد السّيّد.

(3) تعليل لقوله: «لا يقدح» و تقدم توضيحه بقولنا: «قلت ..».

(4) هذا استدراك على قوله: «فلا بدّ من إبرازه بصورة التنجّز» يعني: أنّ ما ذكرناه من صحة الإنشاء منجّزا- مع التردّد في الشرط المقوّم- يشكل بما أفاده الشهيد قدّس سرّه من الجزم بالبطلان في مسائل ثلاث:

الأولى: تزويج المرأة المشكوك كونها محرما حتى يبطل نكاحها، و أجنبية حتى يحلّ، مع أنّ إحراز أجنبية المرأة مقوّم لإنشاء النكاح، ثم تبيّن بعد العقد كونها ممّن يحلّ نكاحها.

الثانية: طلاق امرأة أو مخالعتها مع الشك في زوجيّتها، ثم تبيّن كونها زوجة، مع تقوّم القصد الجدّي إلى الطلاق بإحراز زوجيّتها.

الثالثة: تولية نائب الإمام عليه السّلام شخصا للقضاء بين الناس، مع شكّه في أهليّته، ثم تبيّن كونه أهلا، مع وضوح توقف إنشاء هذا المنصب الشامخ على إحراز أهليّة المنصوب.

و يظهر من تعليل البطلان في هذه الفروع الثلاثة «بانتفاء الجزم» مخالفة الشهيد لما أفاده المصنف من الصحة، و كفاية خلوّ الإنشاء عن أداة الشرط و إن كان

ص: 570

«و كذا الإيقاعات، كما لو خالع امرأة أو طلّقها و هو شاكّ في زوجيّتها، أو ولّى نائب الإمام عليه السّلام قاضيا لا يعلم أهليّته و إن ظهر أهلا» «1» (1).

ثم قال: «و يخرج من هذا (2) بيع مال مورّثه لظنّه حياته، فبان ميّتا، لأنّ الجزم هنا (3) حاصل،

______________________________

المنشئ متردّدا.

(1) العبارة منقولة بتصرّف يسير غير قادح في المعنى، فراجع القواعد.

(2) أي: و يخرج من الجزم بالبطلان بيع ..، و الأولى أن يقال: «و ليس من هذا القبيل بيع ..» لعدم مناسبة الخروج مع التعليل بعدم الجزم.

و كيف كان فاستثنى الشّهيد من عموم حكمه بالبطلان- لأجل تردّد المنشئ- مسألتين، و احتمل صحّتهما شرعا.

الأولى: أن يبيع شخص مال مورّثه ظنّا بحياته، فتبيّن بعد البيع انتقال المال إلى البائع بالإرث. و الوجه في الصحّة تحقّق الجزم بالبيع، غايته كونه فضوليّا. و تردّد المالك بين البائع و المورّث غير قادح في الجزم بنفس المعاملة.

و يحتمل البطلان أيضا كالفروع الثلاثة المتقدّمة، و ذلك لانتفاء القصد إلى الخصوصية و هي بيع المال بما أنّه ملكه، فإنّ الظن بحياة المالك يوجب تردّده في مالكية نفسه، فلو قصد البيع لنفسه كان غير جازم حال الإنشاء.

الثانية: أن يزوّج الولد مملوكة أبيه ظنّا بحياته حتى يكون العقد عليها تصرّفا في ملك الغير، فتبيّن بعده انتقالها إليه، و أنّه زوّج أمة نفسه. و وجه الصحة و البطلان كما تقدّم في المسألة الأولى، هذا.

(3) أي: في هذا المثال، لإمكان القصد إلى البيع و إن لم يكن مالكا، كما في بيع الفضولي، فالتمليك غير معلّق، و خصوصية المالك مشكوكة.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 2، ص 238، القاعدة: 238

ص: 571

لكنّ خصوصية البائع (1) غير معلومة. و إن قيل بالبطلان أمكن، لعدم القصد إلى نقل ملكه. و كذا لو زوّج أمة أبيه فظهر ميّتا» «1» انتهى.

و الظاهر (2) الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه (3) بإمكان الجزم فيهما، دون مثال الطلاق، فافهم (4).

______________________________

(1) الأولى تبديله ب «المالك» لأنّ خصوصيّته مشكوكة، و إلّا فخصوصية البائع- و هو المنشئ للبيع- معلومة. إلّا أن يكون مراد الشهيد قدّس سرّه من البائع من يبيع بوصف كونه مالكا لا مجرّد المنشئ، و من المعلوم عدم العلم بخصوصية البائع بوصف مالكيته.

(2) مقصوده قدّس سرّه المناقشة في ما ادّعاه الشهيد قدّس سرّه من الجزم بالبطلان- في المسائل الثلاث المتقدمة أوّلا- بالفرق بين مسألة الطلاق و مسألتي التزويج و التولية، و الفارق إمكان الجزم فيهما، فيصحّان، دون الطلاق فيبطل. أمّا صحة التزويج مع المرأة المشكوك حلّها و حرمتها فلأنّ كون المرأة أجنبية غير مقوّم لمفهوم التزويج لا لغة و لا عرفا، و إنّما تكون معتبرة في صحته شرعا، فيتمشّى القصد الجدّي إلى التزويج.

و أمّا صحة التولية- مع الشك في عدالة المنصوب و أهليّته- فلأنّ العدالة شرط شرعي، و ليس مقوّما لعنوان «القاضي» عرفا.

و أمّا بطلان الطلاق فلأنّه مزيل لعلقة الزوجية، و اعتبر في تحقق مفهومه الزوجية، و لا يتحقق بدونها، و لذا لا يمكن الجزم فيه و لو تشريعا. و هذا بخلاف التزويج و التولية، فإنّه يمكن الجزم و لو بعنوان التشريع.

(3) و هما مسألتا التزويج و التولية.

(4) لعلّه إشارة إلى أنّ الإنشاء خفيف المئونة، فمجرّد إناطة التسبّب به شرعا إلى حصول الأمر الاعتباري كالزّوجيّة و الحرّية و الطلاق لا يمنع عن الإنشاء معلّقا على الأجنبية و الرّقية و الزوجية.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 367، رقم القاعدة: 143

ص: 572

و قال في موضع آخر: «و لو طلّق بحضور خنثيين فظهرا رجلين أمكن الصحة (1). و كذا بحضور من يظنّه فاسقا فظهر عدلا. و يشكلان في العالم بالحكم، لعدم قصده إلى طلاق صحيح (2)» «1» انتهى.

______________________________

(1) هذا أيضا من الفروع التي رتّبها الشهيد قدّس سرّه على زعم فقد شرط الصحة الشرعية، فتبيّن بعد الإنشاء تحقّقه حاله. و قد ذكر قدّس سرّه في القواعد فروعا عديدة، إلّا أنّ المنقول منها في المتن اثنان:

الأوّل: أن يطلّق الزوج أو وكيله بحضور شخصين ظنّ أنّهما خنثيان، فتبيّن كونهما رجلين.

الثاني: أن يطلّق بحضور رجلين يظنّ فسقهما، فظهرت عدالتهما. فحكم قدّس سرّه بصحة الطلاق- مع كون المطلق متردّدا حال الإنشاء- و ذلك لأنّ مفهوم الطلاق عرفا لا يتوقف على كون الشاهدين رجلين، فيمكن إنشاؤه و لو مع عدم حضورهما.

غاية الأمر أنّ ترتب الأثر شرعا منوط بحضور عدلين، فإن تحقّق ذلك لأثّر الطلاق، و إلّا فلا. و كذا الحال في الظن بفسقهما و ظهور عدالتهما.

(2) لا حاجة إلى قصد عنوان الصحيح بحيث يكون شرطا لصحة العقد، بل المدار على قصد المعاملة العرفية و لو مع العلم بانتفاء الأثر الشرعي، لانتفاء شرطه كما في بيع الغاصب [1].

______________________________

[1] تنقيح البحث في هذه المسألة منوط بالتعرض لجهات:

الأولى: في معنى التنجيز.

و الثانية: في نقل كلمات الأصحاب حتى يظهر أنّ اعتباره ثابت عندهم، و أنّ التنجيز شرط أو أنّ التعليق مانع.

و الثالثة: في مورد اعتباره.

و الرابعة: في دليل اعتبار هذا الشرط.

______________________________

(1): القواعد و الفوائد، ج 1، ص 367، رقم القاعدة: 143

ص: 573

______________________________

أمّا الجهة الأولى فملخّصها: أنّ التنجيز عبارة عن الإرسال، و عدم إناطة الإنشاء بشي ء، في مقابل التعليق الذي هو الإناطة بشي ء.

و أمّا الجهة الثانية: فتقف عليها بالمراجعة إلى ما حرّرناه في الحاشية التوضيحية.

و ظاهر عباراتهم كون التنجيز شرطا، حيث إنّهم جعلوا مبطليّة التعليق متفرعة على اعتبار التنجيز، فقالوا: «التنجيز شرط في صحة العقد، فلو علّقه على شرط أو صفة لم يصح» فلاحظ كلماتهم. و تظهر الثمرة في حال الشك، فعلى شرطية التنجيز لا أصل لإحرازه، بخلاف مانعية التعليق، فإنّه يجري فيه أصالة عدم تحققه.

و الحاصل: أنّ الشرط لا بدّ من إحرازه، لكونه وجوديّا، و لا يحرز بالأصل، لكونه مسبوقا بالعدم. بخلاف المانع، فإنّ عدمه المساوق لوجود الممنوع يحرز بالأصل، فلو اشتملت عبارة الإنشاء على شي ء يشكّ في كونه موجبا للتعليق أمكن نفي التعليق بالأصل، بأن يقال: إنّ الكلام قبل وجود ما يشكّ في إيجاد تعليق العقد لم يكن معلّقا قطعا، و بعد وجوده يستصحب عدم تعليقه.

و كيف كان فكلماتهم في المقام مضطربة جدّا، لظهور بعضها- كعبارة فخر الإسلام المتقدمة- في كون التعليق مبطلا للعقود و الإيقاعات مطلقا لازمة كانت أو جائزة. و ظهور إطلاق بعضها كعبارة المحقق و الشهيد الثانيين المتقدمة أيضا في التعميم للعقود اللازمة و الجائزة، مع التقييد بكون المعلّق عليه مجهول الحصول. و صراحة بعضها في إبطال التعليق مطلقا للعقود اللّازمة من الطرفين، كعبارة السرائر المتقدمة أيضا.

و بالجملة: فعباراتهم مضطربة بالنسبة إلى المعلّق عليه من حيث كونه معلوم الحصول و مجهول الحصول، و حاليّا و استقباليا، و ممّا يتوقف صحة العقد عليه شرعا كالقبض في الهبة و بيع الصرف و القدرة على التسليم، أو مما يتوقف عليه حقيقة المنشأ كالقبول في البيع و الزوجية في الطلاق. و كذا بالنسبة إلى المعلّق من حيث كونه عقدا مطلقا أو لازما من الطرفين.

ص: 574

______________________________

و لهذا الاضطراب أوضح المصنف قدّس سرّه هذه المسألة بتقسيم المعلّق عليه على أقسام ثمانية، بأنّ المعلّق عليه إمّا معلوم التحقق و إمّا محتملة، و على التقديرين إمّا يكون أمرا حاليّا أو استقباليا، و على التقادير الأربعة إمّا يتوقف عليه صحة العقد شرعا، و إمّا لا يكون كذلك، فالأقسام ثمانية.

و لكن في تقريرات بحث السيد المحقق الخويي قدّس سرّه: «الأولى جعل الأقسام اثني عشر، فإنّ المعلّق عليه على التقادير الأربعة إمّا يتوقف عليه حقيقة العقد و مفهومه كتوقف البيع على القبول أو الطلاق على الزوجية. و إمّا يتوقّف عليه صحته شرعا كالقبض في الهبة، و القدرة على التسليم في بيع السلم. و إمّا لا يكون شي ء من ذلك، فالأقسام اثني عشر» «1»، هذا.

و لكن الحق صحة تقسيم المصنف و عدم الحاجة إلى إدراج ما علّق عليه مفهوم العقد في التقسيم، لأنّ مورد البحث هو تعليق العقد، فتعليق مفهوم العقد خارج عن محل البحث، لأنّ التعليق يعرض العقد، فقبل تحققه لا عقد حتى يقال: إنّه منجّز أو معلّق.

إلّا أن يتسامح و يقال: إنّ المراد بالمعلّق أعم من العقد و جزئه حتى يشمل تعليق الإيجاب فقط، كقوله: «بعتك هذا المتاع بكذا إن قبلت» فإنّ القبول مقوّم للعقد، و لا يتحقق العقد إلّا به، و مع ذلك يصح تعليق العقد- أي الإيجاب- به.

أو يقال: إنّ مفهوم العقد ينشأ بالإيجاب فقط، و ليس القبول إلّا تنفيذا له، فيصح أن يعلّق العقد و هو الإيجاب على القبول، فتأمّل.

و بالجملة: فمع فرض تقوّم العقد بالقبول لا يعقل تعليق العقد به، لأنّه من التعليق على نفسه، فينحلّ قوله: «بعتك هذا المتاع بكذا بشرط أن تقبل» إلى: إنشاء البيع على تقدير تحققه. و المفروض أنّ العقد أسام للمسبّبات، و هي بسيطة لا تتحقق إلّا بعد حصول القبول. فمرجع هذا الشرط إلى: أنّ إنشاء البيع متوقف على وجوده، و ليس هذا

______________________________

(1): محاضرات في الفقه الجعفري، ج 2، ص 135

ص: 575

______________________________

إلّا توقف الشي ء على نفسه.

فلعلّ الأولى في التقسيم أن يلاحظ كلّ من الشرط و المشروط و المشروط به، بأن يقال: إنّ الشرط إمّا صريح و إمّا ضمني، و المشروط به إمّا ماضوي كمجي ء زيد في الأمس و إمّا حالي و إمّا استقبالي.

ثمّ إنّه على التقادير الستة إمّا معلوم العدم و إمّا معلوم الوجود و إمّا مشكوكه، فالأقسام ثمانية عشر، و من ضربها في كون المشروط به مقوّما لمفهوم العقد أو لصحته أو أجنبيّا عن المفهوم و الصحة معا تنتهي الصور إلى أربع و خمسين، ثم بضرب هذه الصور في كون التعليق في الإنشاء و المنشأ مادّة و هيئة تنتهي الصور إلى مائة و اثنتين و ستّين.

أمّا صور التعليق في الإنشاء بجملتها- من كون المعلّق عليه ماضويّا أو حاليّا أو استقباليا، و كونه معلوم الوجود أو العدم، أو مشكوك الوجود و العدم، و كونه مقوّما لمفهوم العقد أو لصحته أو أجنبيّا عنهما، و كون الشرط صريحا أو ضمنيا، و كون المعلّق عقدا بأنواعه أو إيقاعا فهي ساقطة عن التقسيم، لأنّ الإنشاء- سواء أ كان استعمال اللفظ في المعنى بقصد إيجاده، و حاصله إيجاد المعنى باللفظ، في قبال الإخبار الذي هو استعمال اللّفظ في معناه بقصد الحكاية عنه، أم كان إبرازا للاعتبار النفساني باللّفظ- لا يعقل تعليقه بشي ء، لأنّ الإنشاء نظير الإيجاد التكويني، فكما لا يعقل الإيجاد التكويني كالضرب معلّقا على شي ء، ضرورة أنّه يوجد في الخارج و إن علّقه على كون المضروب شخصا معيّنا، فإنّ الضرب يوجد و إن لم يكن المضروب ذلك الشخص بل غيره، فكذلك لا يعقل تعليق الإيجاد الإنشائي، فإنّ الإنشاء بعد كونه من شؤون استعمال اللّفظ في المعنى كالإخبار- و المفروض تحقّق الاستعمال- فلا محالة يوجد الإنشاء، لتقوّمه باستعمال اللفظ في المعنى، و هو معلوم الحصول. و سيأتي مزيد توضيح لذلك ان شاء اللّه تعالى.

ص: 576

______________________________

و أمّا الجهة الثالثة- و هي مورد اعتبار التنجيز- فيظهر من كلماتهم أنّ مورده كلّ إنشاء سواء أ كان عقدا أم إيقاعا، كما يظهر من بعض الوجوه التي أقاموها على اعتبار هذا الشرط، كمنافاة التعليق للإنشاء.

و أمّا الجهة الرابعة- و هي الدليل على اعتبار التنجيز المعبّر عنه أحيانا بالجزم- فنخبة الكلام فيها: أنّهم استدلّوا على اعتباره بوجوه:

الأوّل: دعوى الإجماع على ذلك، و لذا فرّعوا عليه مبطليّة التعليق، حيث إنّه رافع للشرط أعني به التنجيز، فبطلان العقد يستند إلى فقدان شرطه، لا إلى وجود المانع. و قد عرفت في الجهة الثانية دعوى جماعة الاتّفاق على ذلك.

لكن فيه: أنّ المحتمل قويّا كونه مدركيّا، و أنّ مستند المجمعين الوجوه الاعتبارية التي استند إليها الفقهاء، فلم يثبت كونه إجماعا تعبديّا كاشفا قطعيّا عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره عليه السّلام.

الثاني: ما عن جماعة من القدماء كالقاضي في جواهره، حيث إنّه استدلّ على المنع عن المضاربة بغير الدرهم و الدينار، فكان عدم الدليل عندهم دليلا على العدم.

و محصّل هذا الوجه هو: أنّ العقود و الأسباب الشرعية توقيفية لا بدّ فيها من الاقتصار على المتيقن، و هو العقد الخالي عن التعليق.

و فيه: أنّ الأخذ بالمتيقن إنّما يصح إذا لم يكن هناك إطلاق أو عموم يدلّ على مشروعية كل عقد عرفي، فإنّ مقتضى القاعدة حينئذ التمسّك بذلك، و الحكم بصحة كل ما يصدق عليه العقد. و المفروض وجود العمومات و الإطلاقات الدالة على صحة كلّ عقد، فلا مجال للأخذ بالمتيقن. نعم له مجال إن كان دليل صحة العقود لبيّا كالإجماع، لكنه ليس كذلك، هذا.

الثالث: ما عن شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه من: انصراف أدلة صحة المعاملات عن العقود المعلّقة، لأنّها خلاف ما تعارف بينهم من تنجيز العقود و عدم

ص: 577

______________________________

تعليقها، فأدلّة الصحة منصرفة إلى العقود المتعارفة، و هي المنجّزة. و عليه فلا دليل حينئذ على صحة العقد المعلّق، و مقتضى أصالة الفساد بطلانه «1»، هذا.

و فيه: ما مرّ مرارا من عدم صلاحية التعارف للتقييد.

مضافا إلى وقوع التعليق كثيرا في العقود، فكون التعليق فيها غير متعارف ممنوع.

الرابع: ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في عبارته المنقولة في التوضيح، و حاصله:

أنّ ظاهر أدلة الصحة هو ترتيب الآثار من حين العقد، و ذلك منوط بإطلاق العقد، فمع تعليقه لا تشمله الأدلة من حينه، و مع عدم شمولها له من زمان صدوره لا تشمله بعده أيضا، فالعقود المعلّقة غير مشمولة لأدلة الصحة لا حدوثا و لا بقاء أي بعد حصول المعلّق عليه. فمع عدم الدليل على الصحة يرجع إلى أصالة الفساد، هذا.

و فيه: أنّ العقد إن كان عبارة عن الإيجاب و القبول و ما يتعلّق بهما من الشرائط و القيود فوجوب الوفاء به بمعنى ترتيب آثار الصحة عليه منوط بتماميّته، كما هو شأن كل موضوع و حكم. و من المعلوم أنّ موضوع وجوب الوفاء لا يتمّ إلّا بحصول المعلّق عليه، و مقتضى جعل الحكم على نحو القضية الحقيقية هو توقف فعليّة الحكم على فعليّة موضوعه، فلا موضوع لوجوب الوفاء قبل حصول المعلّق عليه، حتى لا يشمله دليل وجوب الوفاء.

و إن كان عبارة عن ربط الالتزامين الواردين على مورد واحد فوجوب الوفاء به- بمعنى عدم نقضه و حلّه- لا يترتب أيضا إلّا على تمامية سببه، لأنّ العقد المسبّبي لا يحصل إلّا بتحقق جميع ما له دخل في سببه.

و الحاصل: أنّ وجوب الوفاء مترتب على موضوعه- سواء أ كان منجّزا أم معلّقا- فإمضاء الشارع للعقد تابع لجعل المتعاقدين، فإن كان العقد منجّزا أي مطلقا فأثره الشرعي الملكيّة المنجّزة غير المشروطة، و إلّا كان أثره الملكيّة المعلّقة، و لا يجب الوفاء

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 113

ص: 578

______________________________

إلّا بعد حصول المعلّق عليه كما هو الحال في النذر و العهد و نحوهما، و لا يتخلّف عنه، و إلّا يلزم الخلف و المناقضة كما حقق في محلّه. و لا يلزم التخلف المزبور في المقام أصلا، سواء أ كان العقد أمرا بسيطا دائرا بين الوجود و العدم أم مركّبا من الإيجاب و القبول، هذا.

و قد أجاب عنه المصنف قدّس سرّه بوجوه:

أحدها: أنّ دليل الصحة و اللزوم غير منحصر بأوفوا بالعقود، لأنّ دليل حلّية البيع، و تسلّط الناس على أموالهم كاف في إثبات ذلك، هذا.

و فيه أوّلا: أنّه أخص من المدّعي الذي هو أعم من البيع، لاختصاصه بالبيع، فيبقى غيره من العقود التعليقية خاليا عن دليل الإمضاء. و أمّا دليل السلطنة ففيه: أنّه ليس مشرّعا كما تقدم عن المصنف قدّس سرّه في مباحث المعاطاة. هذا ما أفيد.

و يمكن منعه بأن إشكال المصنف ناظر إلى ما ارتضاه صاحب الجواهر من مشرّعية قاعدة السلطنة للأسباب. و عليه يتجه الاستدلال بقاعدة السلطنة على صحة العقد المعلّق كالمنجّز.

و ثانيا: أنّ ما ادّعاه المستدلّ- من ظهور آية وجوب الوفاء بالعقد في ترتب الأثر من حين وقوع العقد- جار في آية حلّ البيع، و دليل السلطنة أيضا، فهما يدلّان على ترتب الملكية من حين تحقق البيع أو عقد آخر، و لا يدلّان على صحة العقود المعلّقة من البيع و غيره.

ثانيها: أنّه ينتقض بالعقود التي يتخلّف مقتضاها بالتأخر عن نفس تلك العقود كبيع الصرف و السلم و الوصية و المعاملات المعاطاتية بناء على إفادتها الإباحة مع قصد الملكية، فإنّ بيع الصّرف مثلا لا يترتب أثره إلّا بعد القبض في المجلس. بل و كذا البيع الخياري، إذ البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، فالأثر اللزومي لا يترتب إلّا بعد الافتراق.

و فيه: أنّ القياس مع الفارق، لكون التعليق فيها ثابتا بالدليل الخاص، فلا وجه

ص: 579

______________________________

للنقض، هذا ما قيل.

لكن الصواب أن يقال: إنّه لا يلزم التخلّف المزبور أصلا، لما عرفت من أنّ وجوب الوفاء لا ينفك عن موضوعه، و من المعلوم أنّ الحكم لا يترتّب إلّا على موضوعه الّذي يتقوّم وجوده بما علّق عليه، فإذا كان بيع الصرف منوطا بالقبض فالقبض يكون جزء أو شرطا في البيع، فما لم يتحقق القبض لا يتم موضوع وجوب الوفاء، هذا.

ثالثها: أنّه أخص من المدّعي الذي هو مبطليّة التعليق مطلقا سواء أ كان المعلّق عليه خارجا عن حقيقة العقد كقدوم الحاج أم داخلا في حقيقته كتعليق البيع على القبول، كما إذا قال البائع: «بعتك هذا الكتاب بدينار إن قبلت» فإنّ مثل هذا التعليق داخل في محل النزاع، مع عدم لزوم تأخّر مقتضى العقد عن وجوده، فلا يصح الاستدلال بهذه الآية على عدم صحة التعليق مطلقا و لو لم يلزم تأخّر الأثر زمانا عن العقد.

الخامس: ما عن العلّامة في التذكرة من: أنّ التعليق ينافي الجزم بالإنشاء، إذ الإنشائية كالإخبارية من وجوه استعمال اللّفظ، و لا يعقل تعليقهما على شي ء، بل هما إمّا توجدان و إمّا لا توجدان، فوجودهما معلّقا غير معقول. فالوجود الإنشائي كالتكويني- كالضرب على شخص- غير قابل للتعليق، بداهة وقوع الضرب عليه و إن لم يكن المضروب ذلك الشخص المقصود.

و هذا وجه عقلي لاستحالة التعليق في الإنشاء، لاستلزام التعليق للتناقض، كما عن المحقق النائيني قدّس سرّه «1»، حيث إنّ لازم التعليق عدم وجود المعلّق- و هو الإنشاء- قبل تحقق المعلّق عليه، فوجود الإنشاء قبله مناقض له، فيلزم أن يكون الإنشاء قبل حصول المعلّق عليه موجودا و معدوما، و هذا محال. فلا بدّ أن يكون تعليق الإنشاء خارجا عن مورد البحث، فمورد اعتبار التعليق هو المنشأ، لا الإنشاء، هذا.

و فيه: ما في المتن من أنّ مورد التعليق ليس هو الإنشاء بمعنى إيجاد المعنى

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 112

ص: 580

______________________________

باللفظ، لأنّ ذلك حاصل بمجرّد إلقاء اللّفظ، فلا يقبل الفرض و التعليق كالإيجاد التكويني، فيمتنع تقييده و تعليقه، و بنفس امتناع التقييد يمتنع الإطلاق أيضا، لما قرر في محله من كون التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة.

و الإخبار كالإنشاء في امتناع تعليقه، فإنّه يحصل بمجرّد إلقاء اللفظ بقصد الحكاية و إن كان المخبر به معلّقا، كالإخبار بفساد العالم إذا تعدّدت الآلهة، فإن الأخبار فعليّ، و المخبر به تعليقي.

بل محلّ الكلام هو المنشأ كالمبادلة أو التمليك في البيع، كأن يقول: «بعتك إن جاء زيد» و كقوله: «إن جاءك زيد فأكرمه» فإنّ المجي ء قيد للمنشإ و هو الوجوب المستفاد من الهيئة، فنفس البيع معلّق على المجي ء، كتعليق الوجوب الذي هو المنشأ على المجي ء، فتعليق المنشأ- كالبيع- نظير الوجوب المشروط، فمصبّ النزاع في اعتبار التنجيز هو المنشأ، و من المعلوم قابليّته للتعليق كالوصية التمليكية، فإنّ الملكية معلّقة على الموت، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ الإنشاء ليس مجرّد إلقاء اللفظ لإخطار المعنى حتى يمتنع تعليقه و يكون كالإيجاد التكويني غير القابل للتعليق، بل هو نفس الإيجاد التكويني، لأنّ اللفظ الموجود بالتلفظ موجود تكويني لا إنشائي اعتباري. بل الإنشاء نحو خاصّ من استعمال اللفظ و إلقاء المعنى به، فالإنشاء متقوم بتلك الخصوصية بحيث لا يوجد في الوعاء المناسب له إلّا بوجود تلك الخصوصية. ففرق واضح بين الإيجاد الإنشائي و التكويني، فإنّ الثاني لا يقبل التعليق و الإناطة، بخلاف الأوّل، لأنّ إنشاء الأمور الاعتبارية غير إنشاء الأمور التكوينية، إذ الأوّل متقوم بقصد حصول المنشأ، بخلاف الثاني، إذ الإيجاد و الوجود متّحدان ذاتا مختلفان اعتبارا، و الوجود عين التحقق، و هو ينافي الفرض و التعليق، فالإنشاء إيجاد اعتباري قابل للتعليق، و الإيجاد الحقيقي غير قابل له.

و ثانيا: أنّ الإنشاء لو كان مجرّد إلقاء مدلول الكلام لزم صدقه على الكلام الصادر من النائم و الساهي، و من المعلوم عدمه، لأنّ الإنشائية خصوصية قصديّة من خصوصيات الاستعمال متقوّمة بالقصد، و الإنشائية و الإخبارية خارجتان عن حريم

ص: 581

______________________________

مدلول اللفظ.

فالإنشاء في الأمور الاعتبارية قابل للتعليق، لأنّه عبارة عن إلقاء المعنى باللّفظ بكيفية خاصّة، بحيث يتقوّم الإنشاء بها، فإنشاء الملكية مثلا تارة لا يعلّق على شي ء، كأن يقول: «بعتك هذا المتاع بكذا» و أخرى يعلّق على شي ء، كأن يقول: «بعتك إذا قدم الحاج» فإنّ إنشاء الملكية حينئذ معلّق على قدوم الحاج، بحيث لا تتحقق الملكية إلّا إذا قدم الحاج.

و المراد بتعليق الإنشاء هو هذا المعنى، و هذا التعليق هو الذي أنكره في الأصول على ما حكي عنه، حيث أنكر رجوع القيود إلى الهيئة، و أرجعها إلى المادة كالفصول، فالتزم بالواجب المعلّق دون المشروط لأحد وجوه:

من خصوص المعنى الحرفي غير القابل للتقييد.

و من كونه إيجاديّا غير قابل للحاظ و التعليق، لكون الإيجاد كالوجود يمتنع تعليقه.

و من كون المعنى الحرفي- الذي يكون معنى الهيئات منه- آليّا غير قابل للحاظ الاستقلالي، لتضادّ الآلية و الاستقلالية، فيمتنع لحاظهما في شي ء واحد.

و لكن قد ثبت في الأصول بطلان هذه الوجوه، و بنينا على إمكان تقييد الهيئة و صيرورة الوجوب مشروطا. فلو قال: «إذا دخل الوقت فصلّ» أو: «بعتك هذا إذا جاء زيد» كان الشرط قيدا للوجوب و إنشاء البيع، بحيث لا يكون إنشاء للوجوب و النقل إلّا في ظرف تحقق الشرط، فبدونه لا وجوب و لا نقل. فالوصية التمليكية من قبيل الواجب المشروط، و الإجارة بالنسبة إلى منفعة السنة الآتية تكون من قبيل الواجب المعلّق، لكون الملكية حاصلة بالفعل، و المنفعة المملوكة متأخرة زمانا.

و بالجملة: إذا قال: «بعتك هذا المتاع بدينار إذا قدم الحاج» فهنا أمور:

أحدها: الألفاظ المذكورة.

ثانيها: معانيها الإفرادية.

ص: 582

______________________________

ثالثها: معانيها التركيبية.

رابعها: الأثر الشرعي أو العرفي المترتب على هذه الألفاظ.

أمّا الأوّل فهو أجنبي عن الإنشاء، لأنّ وجود الألفاظ تكويني، لا اعتباري.

و أمّا الثاني فوجودها حين استعمال الألفاظ- كوجودها قبله- ذهني، و يعرضها الوجود اللفظي عناية، و إلّا فالوجود اللفظي حقيقة لنفس الألفاظ.

و أمّا الثالث فهو كالثاني في إحضار المعاني التركيبية في الذّهن، فوجود اللفظ تكويني و المعنى ذهني، فالموجود الاعتباري الإنشائي لا بدّ أن يترتّب على قصد خصوصية، و هي قصد تحقق المعنى في وعاء الاعتبار، فما لم يقصد ذلك لا يتصف الكلام بالإنشاء، فمجرّد التلفظ بلفظ و استعماله في معناه لا يكون إنشاء.

و قصد إيجاد المعنى في صقع الاعتبار تارة يكون مطلقا، كقوله: «بعتك هذا بكذا» فإنّ القائل يوجد البيع- الذي هو المبادلة مثلا- في عالم الاعتبار بلا شرط، فالإنشاء مطلق لا معلّق. و أخرى يكون معلّقا كالمثال المزبور، فإنّ البائع ينشئ البيع في عالم الاعتبار معلّقا على قدوم الحاج، بحيث لا يوجد البيع الاعتباري إلّا حين قدوم الحاج، فقبله لا إنشاء و لا منشأ، و حينه يوجد الإنشاء و المنشأ، فالايجاد و الوجود غير منفكّين، نظير «إن بنيت مسجدا فصلّ فيه» فإنشاء الوجوب يكون بعد بناء المسجد، و قبله لا وجوب و لا إنشاء، فالتعليق في الإنشاء من الأمور المتداولة عند الشارع و العرف.

فدعوى «امتناع التعليق في الإنشاء، و إرجاعه إلى المنشأ» في غاية الغرابة. و لعلّ المدّعي خلط بين اللفظ الذي هو موجود تكويني يمتنع تعليقه كغيره من الموجودات التكوينية، و بين الإنشاء الذي هو أمر اعتباري كالإيجاب، فزعم أنّ الإنشاء هو اللفظ الذي يمتنع تعليقه.

فتلخص مما ذكرنا: أنّ التعليق في الإنشاء من الأمور المتداولة عرفا و شرعا، و لا يعقل التفكيك بين الإنشاء و المنشأ في التعليق، و لا معنى لتعليق الإنشاء و تنجيز المنشأ، فإنّهما كالإيجاب و الوجوب و الإيجاد و الوجود من الاتّحاد الذاتي

ص: 583

______________________________

و الاختلاف الاعتباري. ففي المثال يكون إيجاب الصلاة و وجوبها بعد بناء المسجد، فلا إيجاب و لا وجوب قبله.

نعم آلة الإنشاء- و هي اللفظ الخاص مثل «بعت»- توجد فعلا وجودا تكوينيّا، و هذا الوجود أجنبي عن الإيجاد الاعتباري الذي هو مفاد الإنشاء.

و قد ظهر مما ذكرنا- من كون الإنشاء إيجادا اعتباريّا تابعا لاعتبار المعتبر من الإطلاق و التقييد و التنجيز و التعليق- فساد قياس الإيجاد الإنشائي بالإيجاد التكويني، كإيجاد الأكل و الشّرب و اللّبس و الضرب و غيرها من الأفعال الخارجية، فإنّ إيجادها لا يقبل التعليق، فإنّ الأكل يتحقق و لو لم يكن المأكول ما قصده الآكل، كما إذا أكل شيئا معلّقا على كونه حنطة ثم تبيّن أنّه شعير، فإنّ الأكل تحقق. فالوجود التكويني غير قابل للتعليق، بخلاف الوجود الاعتباري، فإنّه قابل لذلك في إنشاء الأمور الاعتبارية كالملكية و الزوجية.

و الحاصل: أنّ حقيقة الإنشاء إيجاد المعنى في وعاء الاعتبار، لا إيجاد المعنى باللفظ الذي هو مقوّم الاستعمال. و من المعلوم أنّ الإيجاد الاعتباري تابع لكيفية اعتبار معتبرة، فإن علّقه على شي ء توقّف وجوده في وعاء الاعتبار على وجود ذلك الشي ء، فلا وجه لاستحالة تعليق الإنشاء، كما عن المحقق النائيني قدّس سرّه، و لا منافاته للجزم حال الإنشاء كما عن العلّامة في التذكرة، لعدم اعتبار الجزم في الإنشاء. بل هو أمر ممكن و واقع في العرفيات و الشرعيات كالوصية و التدبير و النذر، فإنشاء العقود معلّقا مما لا مانع عنه، لصدق العقد عرفا مع التعليق و بدونه على نسق واحد، فاعتبار التنجيز محتاج إلى الدليل.

بل يمكن أن يقال: إنّ الجزم في الإنشاء المعلّق كالإخبار المعلّق موجود، فإنّ الأخبار بفساد العالم على فرض تعدّد الآلهة جزمي لا ترديد فيه. و كذا الإنشاء، فإنّ الإنشاء في قوله: «بعتك إن جاء زيد» جزمي، إذ لا ترديد له في البيع على تقدير مجي ء زيد.

ص: 584

______________________________

و على فرض كون مثل هذا الإنشاء خاليا عن الجزم نمنع الكبرى و هو اعتبار الجزم في الإنشاء، لصدق العقد و الإيقاع عرفا مع الجزم، فلو قال شاكّا في كون شخص عبده أو امرأة فلانية زوجته: «أنت حرّ لوجه اللّه» و «أنت طالق» فأصاب، صدق في العرف عتق عبده و طلاق زوجته.

و كذا الحال إذا قال: «بعتك هذا المال» برجاء كونه ماله- و كان في الواقع ماله- صدق عرفا أنّه باع ماله، فلا يعتبر الجزم في الصدق العرفي، فاعتبار الجزم مع هذا الصدق لا بدّ أن يكون تعبّدا محضا.

و بالجملة: فالتعليق في الإنشاء خال عن المحذور.

بل لا وجه لرجوع القيد إلى المنشأ في بعض الموارد، كما إذا أنشأ بالفعل الملك يوم الجمعة، فإنّ لازمه جواز إنشاء الملك لشخص آخر يوم السبت، و لثالث يوم الأحد، نظير باب الإجارة، فيكون الجميع مالكا بالفعل كلّ ملكية قطعة من الزمان، مع أنّ الملك ليس متكثّرا بتكثّر الزمان، و ليس المملوك متعددا في المملوكية كالمنافع في كل يوم.

فالصواب رجوع القيد إلى الإنشاء، و بطلان رجوعه إلى المنشإ، لعدم تعدّد المملوك حتى ينتقل في زمان إلى شخص، و في غيره إلى شخص آخر. بل المملوك نفس الشي ء، و الزمان ظرف له.

و أمّا إذا رجع إلى الهيئة فالتمليك لنفس الطبيعة لا مقيّدة بيوم الجمعة، إذ المقيّد حينئذ هو نفس التمليك، فكأنّه قال: «أوجدت يوم الجمعة ملكية المتاع الفلاني لك» فإنشاء التمليك معلّق على يوم الجمعة، فقبله لا عقد و لا إنشاء.

و السّر في ذلك: أنّ القيد إن رجع إلى الهيئة كانت الطبيعة مطلقة. ففي المثال تكون الملكيّة مطلقة، و التمليك مقيّدا بيوم الجمعة. فالنتيجة: أنّ في يوم الجمعة صار المتاع ملكا للمشتري، فطبيعة المتاع صارت مملوكة له في يوم الجمعة، فالتمليك و الإنشاء معلّق على يوم الجمعة، فقبله لا تمليك و لا عقد.

ص: 585

______________________________

و إن رجع إلى المادّة و المنشأ كان التمليك، بلا قيد و الإنشاء بلا تعليق، فلا بدّ من تحققه و من وجود الملكية فعلا، لامتناع انفكاك المنشأ عن الإنشاء. لكن الملكيّة مقيّدة بيوم الجمعة، لا مطلقة، لأنّ مقتضى هذا العقد هو وجود الملكيّة المقيّدة بيوم الجمعة لا الطبيعة المطلقة، فللمتاع المزبور ملّاك متعددة حسب اقتضاء القيود الراجعة إلى المادة.

و هذا كما ترى.

و لازم رجوع القيد إلى المادّة أيضا تمامية العقد فعلا، و عدم جواز الرجوع من المتعاقدين قبل حصول القيد و المعلّق عليه. بخلاف ما إذا رجع إلى الهيئة، إذ العقد إنّما يكون على تقدير حصول القيد، فبدونه لا عقد، بل إنشاء معلّق، و لا يصير عقدا إلّا بعد حصول المعلّق عليه.

فالمتحصل: أنّه لا وجه لاعتبار الجزم في الإنشاء لا عقلا و لا عرفا من باب تقوّم عنوان العقد أو الإيقاع عرفا بالإنشاء المنجّز، حتى يقال: إنّ التنجيز مقوّم لمفهوم العقد العرفي أو الإيقاع كذلك. فلا بدّ أن يكون اعتباره بدليل نقلي، و هو مفقود أيضا، لأنّ الإجماع غير ثابت أوّلا، لما عرفت من تصريح المحقق القمي قدّس سرّه بصحة الوكالة مع التعليق.

مضافا إلى: أنّ المسألة لم تكن معنونة، و إنّما استندوا فيها إلى باب الوكالة و الوقف و نحوهما.

و ثانيا: بعد تسليمه- لا يكون إجماعا تعبديّا، لاستناد المجمعين إلى الوجوه المذكورة، فيكون مدركيا. و لا أقلّ من صيرورته محتمل المدركية، فيسقط عن الاعتبار.

و كذا الحال في سائر أدلتهم التي عرفت ضعفها، فلا دليل على مبطلية التعليق ليخصّص به عموم أدلة صحة العقود، فالمرجع هو العمومات و الإطلاقات، و بها يدفع احتمال مانعية التعليق أو شرطية التنجيز.

فتلخص: من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ التعليق لا ينافي الإنشاء أصلا، سواء أ كان عقدا أم إيقاعا.

ص: 586

______________________________

الثاني: أنّه لا فرق في القيود بين دخلها في قوام العقد أو الإيقاع كتزويج من يشكّ في أنوثيّته، و طلاق من يشكّ في زوجيّتها، و بين دخلها في الصحة كالطلاق بحضور رجلين يشكّ في عدالتهما، و بيع ما يشكّ في كونه ممّا يتموّل، لما عرفت من عدم منافاة التعليق للإنشاء. و بين ما لا يكون دخيلا في شي ء منهما.

الثالث: أنّه لا فرق في القيود بين الحاليّة و الاستقباليّة، و بين معلوم الحصول و مشكوكه، و بين كونها صريحة و ضمنية، و بين كون صيغة العقد جملة اسمية و بين كونها جملة فعلية- كما في حاشية الفاضل الشهيدي قدّس سرّه- بزعم «صحة التعليق في الاولى، و بطلانه في الثانية، استنادا إلى عدم المانع عن الصحة في الأولى، لعدم دلالتها على الزمان، لأنّها تدلّ على مجرّد ثبوت المحمول للموضوع، فهي تقبل التقييد بالزمان المستقبل و بمقابليه. بخلاف التعليق في الثانية أي الجملة الفعلية، حيث إنّ التعليق فيه ينافي مدلول الفعل ماضيا كان أو مضارعا، أمّا في الماضي فلأنّ مدلوله صدور الفعل قبل حصول القيد، و قضية التعليق صدوره بعده. و كذا الكلام في المضارع فيما إذا قصد به الإنشاء.

و لا مجال للتصرف في أحد الطرفين بقرينة الآخر، للزوم محذور فوات الإنشاء على تقدير محذور فوات التعليق على آخر. نعم يصح فيه إذا كان المعلّق عليه أمرا حاليا معلوم الحصول» «1».

و ذلك لأنّ الجملة الفعلية الدالة على الزمان- على ما عن النحاة- لا بدّ أن تنسلخ عن الزمان إذا استعملت في مقام الإنشاء، فحينئذ تكون كالجملة الاسمية في انسلاخها عن الزمان، فتصلح للتقييد بالقيود. و عليه فلا فرق بين الجملة الفعلية و الاسمية في جواز تعليق الإنشاء بها و عدمه.

الرابع: أنّه لا فرق في جواز التعليق بين كون المعنى الذي يراد إنشاؤه في حدّ

______________________________

(1): هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 198

ص: 587

______________________________

ذاته متقوّما بمعنى آخر بحيث يمتنع إنشاؤه بدون ذلك الشي ء كالرّهن، فإنّه متقوم بالدّين، و بدونه لا يعقل إنشاء الرهن، لأنّه وثيقة للدّين. و كالطلاق و العتق، فإنّهما متوقفان حقيقة على الزوجية و الرّقية، لأنّ الأوّل إزالة علقة الزوجية، و من المعلوم توقف ذلك على الزوجية، و الثاني فكّ الرقية، فبدونها لا معنى للعتق. و بين عدم كونه متقوّما بغيره و إن توقّف تأثيره عرفا أو شرعا على شي ء كإناطة زوجية المرأة بأجنبيّتها و كقضاوة من لا أهلية له، إذ مفهوم الزوجيّة غير متقوّم بالأجنبيّة، و كذا مفهوم القضاوة بالأهليّة، بل الأجنبيّة و الأهلية شرطان شرعا لهما.

فالتفكيك بين القسمين بدعوى: «عدم تحقق الجزم بالإنشاء في الأوّل دون الثاني، إذ مع عدم العلم بالزوجية و الرّقية لا يعقل حصول الجزم بالإنشاء. بخلاف الثاني، لحصول الجزم بالإنشاء فيه و لو مع عدم القطع بالأجنبيّة و عدم الأهلية، بل و مع العلم بالعدم، إذ المفروض عدم تقوم مفهومهما بذلك» ممّا لا وجه له، لما عرفت من عدم مانع عن الإنشاء معلّقا، لصدق الطلاق على قول من قال لامرأته: «أنت طالق إن كنت زوجتي». و صدق العتاق على قول من قال: «أنت حرّ إن كنت عبدي» فتبيّن كون المرأة زوجته، و الرجل عبده كما لا يخفى.

الخامس: أنّه قد ظهر مما ذكرنا: أنّ التنجيز- على تقدير اعتباره- يكون من شرائط المعنى المنشأ، لا من شرائط الصيغة كالعربية و الماضوية كما هو ظاهر المحقق النائيني قدّس سرّه، حيث قال: «لا ينحصر التعليق في أداة الشرط، بل كل ما كان في معنى التعليق و لو بغير الأداة» «1». خلافا للمصنف قدّس سرّه، حيث يظهر منه كونه شرطا للصيغة، لأنّه قال: «فإذا مسّت الحاجة إلى شي ء من ذلك للاحتياط، و قلنا بعدم جواز تعليق الإنشاء على ما هو شرط فيه فلا بدّ من إبرازه بصورة التنجيز».

و إن أمكن أن يقال بعدم ظهور عبارته في كون التنجيز من شرائط الصيغة، و أنّ إبرازه بصورة التنجيز لأجل كون الصيغة حاكية عن المعنى المنشأ.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 113

ص: 588

______________________________

و كيف كان فالأقوى ما ذكرناه من كون التنجيز بعد تسليم اعتباره شرطا للمعنى المنشأ، هذا.

و قد ظهر من هذا البيان جريان بحث اعتبار التنجيز و عدمه في المعاطاة أيضا، لأنّ مقتضى عدم كونه من شرائط الصيغة- بل من شرائط المعنى الإنشائي- تطرّقه في المعاطاة أيضا، فيقال: إنّه يعتبر في الإنشاء سواء أ كان باللفظ أم بالفعل أن يكون منجّزا.

لكن الأصحّ على ما تقدم عدم اعتبار التنجيز في الإنشاء، فيصح بداعي احتمال حصول المسبّب به، فله إنشاء مفهوم الطلاق بهذا الوجه، فيقع طلاقا حقيقيّا إذا كانت المرأة زوجته واقعا، و إلّا يقع لغوا.

و الحاصل: أنّ الجزم في المعاملات كالجزم في العبادات، فكما لا يعتبر ذلك في العبادات على الصحيح، فكذلك في المعاملات، و اللّه تعالى هو العالم بالأحكام.

تكملة: الظاهر أنّ توقيت البيع بمنزلة التعليق، إذ لا فرق- على ما تقدم- بين كون المعلّق عليه زمانا و زمانيا. فعلى القول باعتبار التنجيز في البيع كان التوقيت مبطلا، و إلّا فلا، فإذا قال: «بعتك هذا بعد شهر مثلا» صحّ، بناء على عدم اعتبار التنجيز، و بطل بناء على اعتباره.

لكن حكي الإجماع على بطلانه، فإن ثبت ذلك فلا كلام، و إلّا فمقتضى عدم اعتبار التنجيز في العقود هو الصحة، كما قيل بصحة الإجارة مع التوقيت، كما إذا قال:

«آجرتك هذه الدار بكذا بعد شهر».

قال في مفتاح الكرامة: «و يشترط في البيع أن لا يكون موقّتا، لأنّه لا يقبل التوقيت كما تقبله الإجارة، فإنّه يصح أن يؤجرهم بعد سنة، و لا يصح أن يبيعه كذلك» «1».

هذا بعض الكلام فيما يتعلق بالتنجيز في الإنشاءات العقدية و الإيقاعية.

______________________________

(1): مفتاح الكرامة، ج 4، ص 166

ص: 589

[المبحث الرابع: التطابق بين الإيجاب و القبول]

و من جملة شروط العقد: التطابق بين الإيجاب و القبول (1).

______________________________

المبحث الرابع: التطابق بين الإيجاب و القبول

(1) هذا هو المبحث الرابع من مباحث الهيئة التركيبية في صيغة البيع، و قد اشترطوا مطابقة القبول للإيجاب، ففي التذكرة: «لا بدّ من التطابق في المعنى بين الصيغتين» «1».

و في القواعد: «و لا بدّ من التطابق بين الإيجاب و القبول. فلو قال: بعتك هذين بألف، فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو: قبلت نصفها بنصف الثمن، أو قال: بعتكما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن لم يقع» «2».

و قال في الجواهر- بعد نقل تصريح غير واحد من الأصحاب باعتبار هذا الشرط- ما لفظه: «لكن على معنى المطابقة بينهما بالنسبة إلى المبيع و الثمن، لا مطلق التطابق، لاتّفاق على صحة الإيجاب ببعت و القبول باشتريت. بل الظاهر صحة قبلت النكاح مثلا لإيجاب زوّجتك، كما عن جماعة التصريح به. بل المراد المطابقة التي مع انتفائها ينتفي صدق القبول لذلك الإيجاب و بالعكس .. إلخ» «3».

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462

(2) قواعد الأحكام، ص 47 (الطبعة الحجرية).

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 255

ص: 590

فلو (1) اختلفا في المضمون بأن أوجب البائع البيع على وجه خاصّ من حيث خصوص المشتري أو المثمن أو الثمن، أو توابع العقد من الشروط، فقبل المشتري على وجه آخر لم ينعقد.

و وجه هذا الاشتراط واضح، و هو (2) مأخوذ من اعتبار القبول، و هو الرّضا بالإيجاب، فحينئذ لو قال: «بعته من موكّلك بكذا» فقال: «اشتريته لنفسي» لم ينعقد. و لو قال: «بعت هذا من موكّلك» فقال الموكّل غير المخاطب:

«قبلت» صحّ (3).

______________________________

(1) هذا متفرّع على اعتبار التطابق، و يستفاد منه أنّ المراد بالمطابقة هو المطابقة في المضمون و المعنى دون اللّفظ، فلا يلزم أن يكون قبول البيع- الذي أنشئ إيجابه بلفظ «بعت» أو إيجاب النكاح بلفظ «أنكحت»- ابتعت، أو: قبلت النكاح. بل لو قال «اشتريت» و في الثاني «قبلت التزويج» صحّ، لتطابق الإيجاب و القبول في المعنى.

(2) أي: اشتراط التطابق مأخوذ .. إلخ. توضيحه: أنّ منشأ اعتبار التطابق هو اعتبار القبول في العقد، حيث إنّ القبول عبارة عن الرّضا بالإيجاب كما تقدّم سابقا، فلا بدّ في تحقق القبول من كونه رضا بالإيجاب، و لا يحصل ذلك إلّا بتطابق القبول و الإيجاب في المعنى الإنشائي، بأن يتحقق الرّضا بالإيجاب على النحو الذي حصل، إذ بدون التطابق لا يكون القبول رضا بالإيجاب، و لا يرتبط به، و لا يعدّ قبولا- أي رضا بالإيجاب- بل يكون شيئا آخر، فلا يتحقق الرّبط بين الالتزامين.

و إن شئت فقل: إنّ نفس المعاهدة و المعاقدة تتقوّم بالتطابق بين الإيجاب و القبول، إذ مع التخالف لا تصدق المعاقدة على شي ء واحد، فإنّ المعاهدة على أمر لا تتحقق إلّا بوحدة المورد الذي تعاقدا عليه.

(3) لوجود التطابق، فإنّ قول الموكّل: «قبلت» يكون رضا بالإيجاب.

ص: 591

و كذا (1) لو قال: «بعتك» فأمر المخاطب وكيله بالقبول، فقبل.

و لو قال: «بعتك العبد بكذا» فقال: «اشتريت نصفه بتمام الثمن» أو نصفه (2) لم ينعقد (3).

و كذا (4) لو قال: «بعتك العبد بمائة درهم» فقال: «اشتريته بعشرة دنانير».

و لو قال للاثنين: «بعتكما العبد بألف» فقال أحدهما: «اشتريت نصفه بنصف الثمن» لم يقع (5). و لو قال كلّ منهما ذلك لا يبعد الجواز (6).

و نحوه لو قال البائع: «بعتك العبد بمائة» فقال المشتري: «اشتريت كلّ نصف منه بخمسين» و فيه إشكال (7).

______________________________

(1) لصدق تطابق الإيجاب و القبول حينئذ.

(2) بالجرّ معطوف على «تمام الثمن» أي: يقول المشتري: «اشتريت نصفه بنصف الثمن».

(3) لعدم المعاقدة على ذلك، فإنّ مضمون الإيجاب شي ء غير مضمون القبول، فلا تتحقق المعاقدة المتقوّمة بربط الالتزامين، المنوط بوحدة الملتزم به.

(4) لعدم صدق المعاقدة أيضا على ذلك، فإنّ القبول ليس مرتبطا بالإيجاب، لاختلافهما في الثمن، فلا تتحقق المعاهدة على مبادلة العبد بمائة.

(5) لاختلاف الإيجاب و القبول في الثمن و المثمن، إذ المبيع تمام العبد بألف، لا نصفه بخمسمائة.

(6) إذ لا اختلاف بينهما إلّا في العبارة، فإنّ البيع ينحلّ حقيقة إلى بيعين، أحدهما: بيع نصفه من أحدهما بخمسمائة، و الآخر: كذلك أيضا.

(7) و هو: أنّ الإيجاب إنّما وقع على بيع المجموع، بحيث يكون انتقال كلّ نصف من العبد إلى المشتري ضمنيّا، و القبول إنّما وقع على الرّضا بانتقال كل نصف بالاستقلال، فلا يتحقق التطابق بين الإيجاب و القبول، هذا.

ص: 592

..........

______________________________

لكن فيه تأمّل، لأنّ مقتضى الإيجاب انحلاله إلى إيجابين بالنسبة إلى بيع النصفين، فقبول أحدهما قبول لأحد الإيجابين، فالتطابق بين أحد الإيجابين مع قبوله موجود، فلا بأس بالصحة بالنسبة إليه، و إن كان الخيار ثابتا، لتخلّف الإيجاب الآخر عن قبوله، فليتأمّل [1].

______________________________

[1] قد عرفت أنّهم عدّوا من شرائط العقد التطابق بين الإيجاب و القبول، و المراد به هو التطابق على إنشاء المعنى المقصود لهما، لا التطابق في جميع الجهات حتّى اللفظ كي لا يصحّ القبول مثلا بلفظ «قبلت» فيما إذا كان إيجاب البيع بلفظ «بعتك» و إيجاب النكاح بلفظ «أنكحت».

قال في نكاح التذكرة: «لا يشترط اتفاق اللفظ من الموجب و القابل، فلو قال الموجب: زوّجتك، فقال الزوج: أنكحت، أو قال الموجب: أنكحتك، و قال الزوج:

تزوّجت، صحّ العقد إجماعا» «1».

و في نكاح القواعد- بعد اشتراط اتّحاد المجلس-: «فلو قالت زوّجت نفسي من فلان، و هو غائب، فبلغه فقبل، لم ينعقد. و كذا لو أخّر القبول مع الحضور بحيث لا يعدّ مطابقا للإيجاب» «2».

لكن ذلك معنى آخر ينطبق على اعتبار الموالاة بين الإيجاب و القبول. و قد عرفت في التوضيح عبارة الجواهر الدالة على اعتبار المطابقة بين الإيجاب و القبول في المبيع و الثمن، لا مطلق المطابقة.

و كيف كان يكون تعبير المصنف أولى، لكونه أجمع من تعبير الجواهر.

______________________________

(1): تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 582

(2) قواعد الأحكام، ص 147 (الطبعة الحجرية)

ص: 593

______________________________

و تنقيح المقام يتوقف على البحث عن جهات:

الاولى: في كون التطابق من شروط الصيغة أم من شروط مضمونها أعني به العقد الذي هو الالتزامان المرتبطان.

الثانية: في أنّ موردها جميع الخصوصيات المذكورة في الإيجاب، أو خصوص ما يتحقّق به عنوان العقد، و هو المطابقة لما يتقوّم به الإيجاب.

الثالثة: في الدليل على اعتباره.

أمّا الجهة الأولى فملخّصها: أنّ الإيجاب و القبول لا يراد بهما إلّا مضمونهما، فإنّ إيجاب البيع ليس إلّا تبديل مال بمال مثلا، و ليس للفظ خصوصية حتى يقال: إنّ التطابق شرط للصيغة على حذو شرطية العربية و الماضوية لها، فليس القبول إلّا رضا بهذا المضمون. و من هنا صحّ اختلاف ألفاظ الإيجاب و القبول، فيصح أن يقول قابل عقد النكاح: «قبلت التزويج» مع كون الإيجاب بلفظ «أنكحت» و أن يقول قابل البيع:

«اشتريت أو تملّكت» مع كون الإيجاب بلفظ «بعت».

و قد عرفت تصريح التذكرة بعدم اشتراط اتفاق اللّفظ من الموجب و القابل. و قد مرّ تصريحه أيضا في التذكرة بأنّه «لا بدّ من التطابق في المعنى بين الصيغتين» فعباراتهم مشتملة على اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول مطلقا كما في القواعد، أو «التطابق في المعنى بين الصيغتين» كما في التذكرة.

لكن هذه العبارة تفسّر عبارة القواعد، خصوصا بعد ما عرفت من تصريحهم بعدم اعتبار المطابقة اللفظية بين الإيجاب و القبول في النكاح الذي اهتمّ فيه الشارع غاية الاهتمام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا في هذه الجهة أمور:

الأوّل: أنّ مورد التطابق هو العقد لا الإيقاع، لعدم اشتماله على الإيجاب و القبول.

الثاني: أنّ التطابق من شرائط العقد أعني به الالتزامين، لا الصيغة حتى يكون من

ص: 594

______________________________

قبيل العربية و الماضوية.

الثالث: أنّ التطابق لا يختص اعتباره بالعقد اللفظي، بل يعمّ العقد و لو كان بالمعاطاة، إذ المفروض أنّ التطابق شرط لنفس العقد الذي ينشأ تارة باللفظ، و أخرى بالفعل، كما لا يخفى.

و أمّا الجهة الثانية: فملخّص البحث فيها: أنّ التطابق بين الإيجاب و القبول يتصور على وجوه:

________________________________________

أحدها: أن يلاحظ بالإضافة إلى المبيع، كأن يقول البائع: «بعتك عبدي بألف دينار» فقال المشتري: «قبلت بيع العبد بذلك الثمن»، لا ينبغي الارتياب في اعتبار المطابقة هنا، إذ لو قال المشتري: «قبلت بيع الجارية بألف دينار» لم يكن هذا قبولا لما أنشأه الموجب، بل كان إنشاء أجنبيا عن الإنشاء الإيجابي، فلا يتحقّق عنوان العقد الذي هو عبارة عن التزامين مرتبطين كما لا يخفى.

ثانيها: أن يلاحظ بالإضافة إلى الثمن، كأن يقول البائع: «بعتك عبدي بألف دينار» و يقول المشتري: «قبلت ذلك بألف درهم» لا ينبغي الإشكال أيضا في بطلان العقد و عدم تحققه، لأنّ المعاهدة و المعاقدة لم تتحقّق بينهما، فإنّ الإنشاء القبولي- الذي هو عبارة عن إمضاء الإيجاب و الرّضا به- لم يحصل، فلم يتحقق عنوان البيع بينهما، لعدم التزامين مرتبطين بينهما، بل حصل بينهما إنشاءان أجنبيّان مندرجان تحت عنوان الإيقاع لا العقد، فإنّهما إيقاعان، كما لا يخفى.

ثالثها: أن يلاحظ بالإضافة إلى نفس المعاملة، كأن يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب بدينار» فإن قال المشتري: «قبلت هذا البيع بهذا الثمن» فلا إشكال في الصحة.

و أمّا إذا قال: «قبلت هبة أو صلح هذا الكتاب» فلا إشكال في البطلان، لعدم اتّفاق الإنشائين على عنوان واحد حتى يرتبطا، فيكون كلّ واحد من الإنشائين أجنبيّا عن الآخر، فلا تحصل معاقدة بينهما حتى تشملها العمومات المقتضية للصحة.

ص: 595

______________________________

رابعها: أن يلاحظ بالنسبة إلى البائع و المشتري، فلو قال زيد لعمرو: «بعتك هذا الكتاب بدينار» و قال عمرو: «قبلت البيع لخالد» بطل العقد، لعدم ورود الإيجاب و القبول على مورد واحد.

و دعوى «عدم دخل خصوصية البائع و المشتري في صحّة البيع، حيث إنّ الرّكن فيه العوضان. بخلاف النكاح، إذ الركن فيه الزّوجان، فمقتضى القاعدة عدم لزوم التطابق بين الإيجاب و القبول في البائع و المشتري، بل هذا التطابق معتبر في النكاح الذي ركنه الزوجان» غير مسموعة، لأنّ عدم لزوم التطابق بين الإيجاب و القبول- في البائع و المشتري- إنّما هو فيما إذا كان العوضان من الأعيان الخارجية.

أمّا مع كون أحدهما- فضلا عن كليهما- كلّيا ذميّا فإنّه لا بدّ من اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول من ناحية البائع و المشتري، بداهة اختلاف ذمم الأشخاص من حيث الاعتبار، فربّ شخص لا يعتمد عليه إلّا في الأمور الحقيرة، و شخص آخر يعتمد عليه في الأمور الخطيرة، فلا بدّ حينئذ من المطابقة بين البائع و المشتري.

و عليه فإذا باع زيد متاعه من عمرو بمائة دينار في الذمة، فليس لعمرو أن يقبل هذا البيع لغيره، و لا لغيره أن يقبله لنفسه. و هذا هو ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله:

«فحينئذ لو قال بعته من موكّلك بكذا فقال: اشتريته لنفسي لم ينعقد».

و كذا إذا باع زيد عبده بمائة من بكر و خالد، فقال أحدهما: «قبلت بيع نصفه بخمسين دينارا» فإنّ التطابق هنا أيضا مفقود، لأنّ الإيجاب عبارة عن تمليك العبد لاثنين لا لواحد.

أقول: اعتبار التطابق في هذه الصورة بين البائع و المشتري غير ظاهر، بل المدار على رضا البائع باشتغال ذمّة القابل بالثمن، فعلى تقدير كون القابل وجيها عند البائع فلا دليل على اعتبار التطابق المزبور، بعد وضوح عدم دخل خصوصية البائع و المشتري في صحّة البيع، و لذا لا يتفحّصون عن المالك غالبا، و يشترون الأمتعة من غير سؤال

ص: 596

______________________________

و فحص عن ملّاكها، هذا.

خامسها: أن يلاحظ التطابق بين الإيجاب و القبول في أجزاء المبيع و الثمن، فإذا قال: «بعتك داري بمائة دينار» فقال المشتري: «قبلت بيع نصف الدار بخمسين دينارا» فعن المحقق النائيني قدّس سرّه بطلان البيع، لعدم ارتباط كلام أحدهما بالآخر، حيث قال مقرّر بحثه الشريف: «و مما ذكرنا ظهر أنّه لا بدّ من اتّحاد المنشأ حتى بالنسبة إلى التوابع و الشروط، فلو أنشأ أحدهما مع شرط، و قبل الآخر بلا شرط، أو باع البائع عبدين، و قبل المشتري أحدهما، و غير ذلك ممّا هو نظير ما ذكرناه لم يصحّ أيضا، لعدم ارتباط كلام أحدهما بالآخر» «1».

و لا يخفى أنّ ذكر المثال الثاني- و هو قوله: أو باع البائع عبدين .. إلخ- غير مناسب، لأنّه تفريع على اتّحاد المنشأ في التوابع و الشروط، مع أنّه تبعيض في المبيع، أو هو مع الثمن كما لا يخفى.

و كيف كان فأيّده سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّه بما هذا لفظ المقرّر: «لأنّ مرجع بيع الدار بخمسين دينارا مثلا إلى بيع كل نصف منها بخمسة و عشرين دينارا مع اشتراط كلّ منهما بوجود الآخر، فإذا قبل المشتري أحدهما دون الآخر رجع ذلك إلى عدم المطابقة من جهة الشرط، و قد مرّ حكمه» «2».

و قد ذكر قبل ذلك لزوم التطابق بين الإيجاب و القبول في الشروط أيضا.

لكن الحق عدم اعتبار التطابق في الشروط، كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

سادسها: التطابق بين الإيجاب و القبول من ناحية الشروط المذكورة في العقد.

قيل: بصحة العقد مع عدم التطابق في الشروط، نظرا إلى أجنبية الشرط عن العقد، حيث إنّه التزام آخر غير الالتزام العقدي.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 114

(2) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 74

ص: 597

______________________________

و هذا هو الأقوى بناء على كون دخل الشرط بنحو تعدّد المطلوب كالواجبات التي ثبت لها القضاء، فإنّ قضاءها يكشف عن كونها بنحو تعدّد المطلوب، فتعدّد المطلوب يكون في الوضعيات و التكليفيّات معا، ففوات الشرط لا يوجب بطلان العقد، لعدم كون الشرط مقوّما له، بل خارجا عنه غير موجب فواته لفوات العقد.

و دعوى: بطلان العقد، لأجل عدم التطابق بين الإيجاب و القبول في الشروط- كما في تقرير سيدنا المحقق الخويي قدّس سرّه نظرا إلى: «أنّ تعليق اللزوم يرجع إلى جعل الخيار، و هذا الجعل يرجع إلى تحديد المنشأ، و عدم التطابق فيه يوجب البطلان» «1».

انتهى ملخّصا.

غير مسموعة، لأنّ التطابق العقدي موجود بالنسبة إلى الالتزام الأوّل، كما هو قضية انحلال العقد إلى عقدين أو أزيد، نظير انحلال رواية متضمنة لجمل- سقط بعضها عن الحجية- إلى روايات تكون بعضها حجّة، و بعضها غير معتبرة، فالشرط لا يوجب تحديد المنشأ الأوّل بحيث يوجب وحدة المنشأ، حتى يلزم التطابق، بل هناك إنشاءان و التزامان و مطلوبان يوجب تخلّف الثاني سلطنة المشروط له على حلّ الالتزام الأوّل، و هذه السلطنة حكم شرعي مترتب على عدم وفاء المشروط عليه بالشرط، فالخيار مجعول شرعي موضوعه تخلّف الشرط، فالشارط لم يجعل الخيار حتى يكون مرجعه إلى تحديد المنشأ.

و الحاصل: أنّ انحلال الإيجاب المتضمّن لقيود إلى إيجابات يقتضي انحلال القبول أيضا، فإذا طابق القبول جميع مراتب الإيجاب كانت العقود التي انحلّ إليها الإيجاب صحيحة، و إلّا كان الصحيح خصوص العقد المطابق لقبوله.

و أمّا انحلال عقد الى عقود ففي غاية الوضوح، كبيع المملوك و غير المملوك معا، و كبيع ما يملكه مع مملوك الغير كذلك.

و عليه فإذا باع كتابه و فرسه بعشرة، و قبل المشتري بيع أحدهما بخمسة دراهم

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 3، ص 73

ص: 598

______________________________

صحّ البيع بالنسبة إليه، و بطل بالإضافة إلى الآخر، هذا.

و أمّا الجهة الثالثة: فملخّص الكلام فيها: أنّه يظهر من المصنّف و غيره أنّ منشأ اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول هو اعتبار القبول في العقد، إذ القبول- بمعنى الرّضا بالإيجاب- لا يصدق إلّا على الرّضا بما أنشأه الموجب، و لا نعني بالتطابق إلّا هذا، فاعتبار هذا الشرط يكون حقيقة مقوّما لمفهوم المعاهدة و المعاقدة. و لذا قال المحقق الخراساني في مقام بيان شرطية التطابق ما لفظه: «ضرورة أنّه لو لا التطابق لما قصدا أمرا واحدا، بل لكلّ همّ و قصد، فلا يكون بينهما عقد» «1». فدخل التطابق في العقد عرفي، لكونه مقوّما لمفهوم العقد العرفي.

و عليه فوزان اعتبار التطابق وزان اعتبار القبول في العقد، نظير شرائط تنجيز العلم الإجمالي كالابتلاء، فإنّها توجب العلم بالحكم الفعلي، لا أنّها شرائط منجزية العلم بالحكم الفعلي.

و بعبارة أخرى: تلك الشرائط مقوّمة لحصول العلم المزبور، فجعل العلم بالحكم الفعلي مشروطا بها لا يخلو عن مسامحة.

و كيف كان فإناطة المعاقدة بالتطابق المزبور ممّا لا ينبغي الارتياب فيه، فشرطيّته في العقد من القضايا التي قياساتها معها، فلا يحتاج إثبات شرطيّته إلى إقامة برهان، فليست شرطيّة التطابق على حدّ شرطيّة العربية و الماضوية و التنجيز بعد تسليمها، حيث إنّها شروط تعبّديّة لا بدّ من إقامة الدليل على اعتبارها.

و المتحصل: أنّ الكبرى مسلّمة، إلّا أن تطبيقها على صغرياتها مشكل، كما عرفت في جملة من الموارد.

منها: كون الإيجاب مشروطا بشرط، و القبول خاليا عنه.

و منها: ما إذا أوجب البائع لشخصين، فقبل أحدهما نصف المبيع بنصف الثمن.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 29

ص: 599

______________________________

و منها: ما إذا باع شيئين بثمن معيّن، و قبل القابل أحدهما بنصف الثمن.

فالتحقيق أن يقال: إنّ في كل مورد ينحلّ العقد عرفا إلى عقدين أو عقود أو إلى عقد و شي ء آخر، فقبل القابل البعض المنحلّ يقع التطابق بينهما، كما إذا قاول المشتري البائع في بيع عبده بمائة و بيع ثوبه بمائة، بحيث لا يكون بين البيعين ارتباط في الغرض، فباعهما بمأتين، و كان الجمع بينهما في العبارة لمجرّد السهولة، ففي مثل هذه الصورة ينحلّ البيع في نظر العقلاء إلى بيعين، فإذا قبل المشتري أحدهما- كبيع العبد- يصدق أنّه باع عبده بمائة، و يكون القبول مطابقا للإيجاب.

بخلاف ما إذا كان في الواقع و بنظر العقلاء- أو في نظر المنشئ- ربط بينهما، فباع المجموع بما هو مجموع، فإنّ المشتري إذا قبل البعض لا يكون قبولا له، و لا مطابقا لإيجابه، كما إذا باع الباب فقبل أحد مصراعيه، لا يتحقق المطاوعة و التطابق، فيكون البيع باطلا.

و هكذا الكلام في الشروط، فعلى القول بانحلالها و كونها التزاما في التزام يكون القبول بلا شرط قبولا و مطابقا للإيجاب. و على القول بعدم انحلالها لا يكون القبول المجرّد عن الشرط مطابقا للإيجاب. فالمدار في المطابقة و عدمها على الانحلال و عدمه.

فعلى الأوّل يحصل التطابق بين الإيجاب و القبول، فيصح في أحد العقدين دون الآخر. أو في الالتزام العقدي دون الشرطي. و تشخيص موارد الانحلال بنظر العرف، فمع إحراز الانحلال أو عدمه لا كلام، و مع الشك في قابلية المنشأ للانحلال يرجع إلى أصالة الفساد، للشكّ في عقديته مع عدم إحراز التطابق.

و بالجملة: فاعتبار التطابق إنّما هو لأجل تقوّم العقد به، فالشكّ في التطابق يوجب الشك في تحقق العقد، و الأصل عدمه.

ففي جميع موارد الشك في انحلال العقد يشكّ في التطابق، و مرجع هذا الشكّ الى الشك في صدق العقد، فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتب الأثر المقصود عليه.

ص: 600

______________________________

و من هنا يقال: إنّ الصداق و إن لم يكن ركنا في عقد النكاح إلّا أنّه شرط له، كقبول الموصى له بناء على عدم كون الوصية التمليكية عقدا، و ليست شرطيّته على حدّ سائر الشروط التي لا تكون قيدا للعقد حتى يبطل العقد بالإخلال بها، بل الصداق شرط كالقيد، فإذا لم يقصد الزوج اشتغال ذمته بالصداق، و قبل النكاح كذلك بطل العقد، لعدم التطابق بين الإيجاب و القبول، فإنّ المستفاد من النصوص أنّه لا بدّ في استحلال الفرج من بذل شي ء و لو تعليم سورة من القرآن، إلّا في تحليل الإماء، لأنّه من شؤون تصرّفات المالك في ملكه و سلطنته على ماله، غايته أنّ تصرفه في ماله تارة مباشري، و أخرى تسبّبي، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في شرطية التطابق، و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 601

[المبحث الخامس: اعتبار أهلية المتعاقدين حال العقد]

و من جملة الشروط في العقد: أن يقع كلّ من إيجابه في حال يجوز لكلّ واحد منهما الإنشاء (1)

______________________________

المبحث الخامس: اعتبار أهلية المتعاقدين حال العقد

(1) هذا آخر شروط الهيئة التركيبية لصيغة البيع، و هو أهلية المتعاقدين من حين الشروع في الإيجاب إلى الفراغ من القبول.

و توضيحه: أنّه لا ريب في توقف صحة العقد على جملة من الأمور الدخيلة فيها عرفا أو شرعا، فالأوّل كقابلية التخاطب في المتعاقدين، و عدم سقوطهما عنها بموت أو جنون أو إغماء أو نحوها. و الثاني كالبلوغ و عدم الحجر بفلس أو رقّ أو مرض موت. فيبحث عن أنّه هل يكفي اجتماع الشرائط في البائع حال الإيجاب خاصة، فيصحّ إنشاؤه و إن اختلّ بعضها قبل انضمام القبول، أو أنّه يعتبر بقاؤها إلى لحوق القبول بالإيجاب؟

و كذا هل يكفي في الصحة أهلية المشتري حين القبول و إن لم يكن أهلا له حال الإيجاب، أم تعتبر حال إنشاء البائع أيضا؟ أفاد المصنف قدّس سرّه- تبعا للقوم- اشتراط العقد بأهلية كلّ من الموجب و القابل في حال إنشاء الآخر، لأنّ للعقد حالة وحدانيّة، فبقاء كلّ واحد من الموجب و القابل على صفة الإنشاء شرط لمجموع العقد، فانتفاء الشرط من أحدهما حالة الإنشاء يوجب عدم انعقاد العقد، فالمعاهدة و المعاقدة لا تصدق إلّا مع اتصافهما بالشرائط حال الإنشاء.

ص: 602

فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير قابل للقبول، أو خرج البائع حال القبول عن قابلية الإيجاب لم ينعقد (1).

ثم (2) إنّ عدم قابليّتهما إن كان لعدم كونهما قابلين للتخاطب كالموت و الجنون و الإغماء- بل النوم- فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنى المعاقدة و المعاهدة حينئذ.

و أمّا (3) صحة القبول من الموصى له بعد موت الموصى فهو (4) شرط حقيقة لا ركن، فإنّ حقيقة الوصية الإيصاء، و لذا (5) لو مات قبل القبول قام

______________________________

و الوجه في هذا الشرط فيما إذا كان فقدانه موجبا لعدم قابلية فاقده للتخاطب كالموت و الجنون واضح، إذ لا معنى لمعاهدة العاقل مع المجنون أو النائم أو المغمى عليه.

(1) جواب قوله: «فلو كان» و قد تقدّم آنفا وجه عدم الانعقاد.

(2) مقصوده أنّ القابلية المعتبرة في المتعاقدين تكون مقوّمة لعقديّة العقد، سواء أ كانت لأجل أهليّة التخاطب، أم لأجل اعتبار الرّضا في العقد.

(3) هذا إشكال على اعتبار بقاء كلّ من المتعاقدين على الشرائط إلى تمام العقد، و حاصله: أنّ الموصى له حين ما يقبل الوصية التمليكية ليس للموجب- و هو الموصى- أهلية الإنشاء، لفرض موته، و هذا دليل على عدم اعتبار أهلية كل منهما حال إنشاء الآخر.

(4) هذا دفع الإشكال، و حاصله: أنّ قبول الموصى له ليس ركنا كركنيّة القبول في العقود، بل قبول الوصية شرط لها لا جزء للعقد، فإنّ الوصية حقيقة هي الإيصاء الذي هو من الإيقاعات، لا العقود. و مورد البحث في هذه المسألة هو العقد لا الإيقاع، فالوصية خارجة عنه موضوعا.

(5) يعني: و لأجل كون الوصية التمليكية إيصاء- أي إيقاعا لا عقدا- يقوم الوارث مقامه، إذ لو كانت عقدا كان القبول ركنا، و اللّازم حينئذ البطلان، و عدم قيام

ص: 603

وارثه مقامه. و لو ردّ جاز له القبول (1) بعد ذلك.

و إن كان (2) لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أيضا (3) عن مفهوم التعاهد و التعاقد، لأنّ المعتبر فيه عرفا رضا كلّ منهما لما ينشئه الآخر حين إنشائه، كمن

______________________________

الوارث مقام الموصى له، إذ المفروض انتفاء السبب الموجب للحق- و هو العقد- بانتفاء جزئه أعني به القبول، فلم يتحقق سبب تامّ لحقّ الموصى له حتّى ينتقل إلى وارثه. فقيام الوارث مقام الموصى له يكشف عن كون إيجاب الموصى سببا تامّا لثبوت حقّ للموصى له، فينتقل ذلك الحقّ إلى وارثه، و لا يصحّ ذلك إلّا إذا كانت الوصية إيقاعا.

(1) يعني: لو ردّ الموصى له جاز لوارثه قبول الوصية بعد موت الموصى له ما دام الموصى حيّا. و هذا يدلّ على عدم كون القبول ركنا، إذ لو كان ركنا لكان الرّد مانعا عن انضمامه مع الإيجاب، كما هو كذلك في جميع العقود، هذا.

ثم إنّ جواز القبول بعد الرّد إنما هو في الرّد الواقع حال حياة الموصى، أمّا ما كان حال موته و قبل قبول الموصى له فلا خلاف في عدم جواز القبول بعده، و في الجواهر «الإجماع بقسميه عليه» «1». و تنقيح ذلك موكول إلى محله.

(2) معطوف على قوله: «إن كان» و حاصله: أنّ عدم قابلية الموجب و القابل إن كان لعدم العبرة برضاهما كالمحجور بفلس أو سفه، فوجه اعتبار الأهلية في الموجب و القابل أيضا هو الوجه السّابق، حيث إنّ عدم الأهليّة يوجب إلغاء رضاهما شرعا، فكان التعاهد منهما كالعدم في نظر الشارع و إن لم يكن كذلك في نظر العرف، فهذا العقد عقد عرفي ذو أثر عرفي و إن لم يكن شرعيّا ذا أثر كذلك.

(3) يعني: كخروج العقد عن مفهوم التعاهد في القسم الأوّل، و هو عدم أهلية التخاطب.

______________________________

(1): جواهر الكلام، ج 28، ص 256

ص: 604

يعرض له الحجر بفلس أو سفه (1)، أو رقّ لو فرض (2)، أو مرض موت.

و الأصل (3) في جميع ذلك أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق. و كذا لو كان المشتري في زمان الإيجاب غير راض، أو كان ممّن لا يعتبر رضاه (4) كالصغير.

فصحة كلّ من الإيجاب و القبول يكون معناه قائما في نفس المتكلم من أوّل العقد إلى أن يتحقق تمام السبب، و به يتمّ معنى المعاقدة، فإذا لم يكن هذا المعنى قائما في نفس أحدهما، أو قام و لم يكن قيامه معتبرا (5) لم يتحقق معنى المعاقدة.

______________________________

(1) لا يخفى: أنّ ذكر الحجر بالفلس و شبهه لا يناسب المقام و هو البطلان، ضرورة أنّ الحجر بالمذكورات لا ينافي الصحة، لأنّ تصرف المحجور بها يصحّ بالإجازة. و الحمل على رضا المالك بما أنّه مالك لأمر العقد كما ترى.

(2) كما إذا كان البائع حربيّا، فاسترقّ قبل قبول المشتري.

(3) يعني: أنّ منشأ الالتفات إلى وجه اعتبار ما ذكرناه- من اعتبار رضا كلّ من المتعاقدين حال إنشاء الآخر في حصول المعاقدة و المعاهدة- هو وضوح فساد الإيجاب بفسخ الموجب قبل إنشاء القبول مع عدم رضا القابل بهذا الفسخ، ففساد الإيجاب يكشف إنّا عن اعتبار رضا كلّ منهما- حال إنشاء الآخر- في تحقّق المعاهدة.

و عليه فلا يتّجه ما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه «من أنّ هذا عين المسألة المبحوث عنها، لا أصلها» «1».

(4) يعني: لا عبرة برضاه شرعا، و إن كان معتبرا عرفا كما في المميّز.

(5) كبيع الراهن بدون إذن المرتهن الّذي تعلّق حقّه بالعين المرهونة.

لكن عدم تحقّق المعاهدة عرفا هنا ممنوع، بل عدم الصحة فيه إنّما هو لأجل تعلق حق الغير بالمعقود عليه، و لذا يصح إذا تعقّبه الرّضا ممن له الحق.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 92

ص: 605

ثمّ إنّهم (1) صرّحوا بجواز لحوق الرّضا لبيع المكره، و مقتضاه (2) عدم اعتباره من أحدهما حين العقد، بل يكفي حصوله بعده (3) فضلا عن حصوله بعد الإيجاب و قبل القبول (4).

______________________________

و من هنا يظهر أنّ الحكم بصحة بيع المكره إذا لحقه الرّضا ليس على خلاف القاعدة، بل على طبقها. فما في المتن «من كون الحكم بالصحة في بيع المكره إذا لحقه الرّضا على خلاف القاعدة للإجماع» غير ظاهر، بل هو على طبق القاعدة، لأنّ المفقود حال العقد هو الرّضا الذي لا يعتبر تقارنه مع العقد.

(1) غرضه أنّه لا يرد النقض ببيع المكره الذي لا يكون حين الإنشاء راضيا، مع أنّ الرّضا دخيل في المعاهدة، فلا تكون أهليّة المتعاقدين- في حال إنشاء كلّ منهما- دخيلة في المعاهدة. فصحة بيع المكره دليل على عدم دخل الرّضا حين الإنشاء في الصحة. و على هذا تنحصر القابلية في القسم الأوّل و هو أهلية التخاطب.

وجه عدم ورود النقض: أنّ اعتبار الرّضا و طيب النّفس حال الإنشاء مسلّم، و لا ينافيه صحة عقد المكره الملحوق بالرّضا، و ذلك لخروجه بالإجماع عن القاعدة المقتضية للغوية الإنشاء الفاقد للرّضا، هذا. لكنه محلّ تأمّل، فراجع التعليقة.

(2) يعني: و مقتضى تصريحهم بجواز لحوق الرّضا ببيع المكره هو عدم اعتبار أصل رضا المتعاقدين حين العقد.

(3) أي: حصول الرّضا بعد العقد.

(4) يعني: أنّ صحة عقد المكره- الفاقد للرّضا حال الإنشاء- تقتضي بالأولوية القطعية صحة العقد الذي تحقق الرّضا فيه بعد الإيجاب و قبل القبول.

و وجه الأولوية: مقارنة القبول لشرط الصحة أي الرّضا بالإيجاب. و عليه فلا وجه لجعل الرّضا من الشرط المقوّم لمفهوم المعاهدة و المعاقدة.

ص: 606

اللهمّ إلّا أن يلتزم (1) بكون الحكم في المكره على خلاف القاعدة لأجل الإجماع [1].

______________________________

(1) هذا جواب النقض، يعني: لو لا الإجماع كان اعتبار مقارنة الرّضا للعقد مقتضيا لبطلان عقد المكره.

______________________________

[1] و تنقيح البحث في هذا الشرط منوط ببيان جهات.

الأولى: في مورد هذا الشرط، و أنّه هو العقد أو المتعاقدان.

و الثانية: في انقسام عدم أهلية المتعاقدين إلى قسمين.

و الثالثة: فيما يقتضيه الأصل مع فرض فقدان الدليل.

أمّا الجهة الأولى فنخبة الكلام فيها: أنّ الظاهر أنّ أوّل من تنبّه لاعتبار هذا الشرط هو المصنف قدّس سرّه، و لم نظفر بمن تعرّض له قبله، و لعلّ عدم التعرّض له لأجل عدم كونه شرطا زائدا على أصل العقد، حيث إنّه مقوّم له، بداهة تقوّم التعاقد بقابلية المشتري حين إيجاب البائع للتخاطب، و إلّا فلا يتحقق التعاهد بين الموجب و بين من يكون كالجدار أو الحمار، فهذا من الأمور المحقّقة للموضوع، و لذا عدّ من شرائط العقد، لتقوّم مفهوم العقد العرفي بأهلية كلّ من المتبايعين للإنشاء، و لم يعدّ من شرائط المتعاقدين مع كون عدّه منها أشبه.

و أمّا الجهة الثانية فحاصلها: أنّ عدم أهلية المتعاقدين تارة يكون مانعا عن تحقّق أصل التعاقد، كأن يكونا غافلين عرفا غير قاصدين لمدلول اللفظ. و أخرى يكون مانعا عن الرّضا بالعقد، فالكلام يقع في موضعين:

الأوّل: في عدم الأهلية المانع عن تحقق التعاهد.

و الثاني: في المانع عن الرّضا المعتبر في العقد.

أمّا الموضع الأوّل ففيه أقوال:

الأوّل: ما اختاره المصنف و المحقّق النائيني قدّس سرّهما من اعتبار واجدية كلّ منهما لجميع القيود المعتبرة في تحقق العقد في حال إنشاء الآخر، و جعل المحقق النائيني هذا

ص: 607

______________________________

الشرط كسابقه من القضايا التي قياساتها معها، حيث قال مقرّر بحثه الشريف ما لفظه:

«لا يخفى أنّ هذا الشرط أيضا كالشرط السابق من القضايا التي قياساتها معها، بل منشأ اعتباره هو المنشأ لاعتبار الشرط السابق، لأنّ العقد لا ينعقد إلّا بفعل الاثنين، فلو فقد حين إنشاء أحدهما شرائط العقد فوجودها سابقا أو لاحقا لا أثر له، و مجرّد تحقق الشرط حين إنشاء الآخر لا يفيد بعد كون إنشائه جزءا من العقد، لا إيقاعا مستقلّا، فلو كان المشتري حين إنشاء البائع نائما لا يصحّ العقد، و كذلك العكس. و التفصيل بينهما كما في حاشية السيد قدّس سرّه لا وجه له، و ما يدّعيه من الصحّة بلا إشكال في العقود الجائزة، فإنّها في العقود الإذنية لا العهدية» «1».

الثاني: عدم اعتبارها فيهما كما في حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه، حيث قال- بعد قول المصنف قدّس سرّه: فوجه الاعتبار عدم تحقق معنى المعاقدة- ما لفظه: «فيه منع، فإنّه لا يعتبر في تحقق مفهوم المعاقدة إلّا وجود الشرائط المعتبرة في كلّ من المتعاقدين حال إنشاء نفسه» «2».

و محصّله: أنّه إن كان اعتبار هذا الشرط لأجل توقف مفهوم المعاقدة فذلك غير ظاهر، ضرورة صدق المعاهدة على الإنشائين اللذين كان إنشاء كل من المتعاقدين في حال واجديته لشرائط إنشاء نفسه و إن لم يبق على تلك الشرائط حين إنشاء الآخر، فلو كان بقاؤه عليها شرطا فلا بدّ أن يكون شرطا تعبّديا، لا مقوّما لمفهوم العقد كما هو المفروض في الموضع الأوّل.

الثالث: اعتبار واجدية القابل للشرائط في حال الإيجاب، و عدم اعتبارها بالنسبة إلى الموجب، نسب ذلك إلى السيد قدّس سرّه في بعض الفروض.

الرابع: عكس ذلك، بأن كان الموجب جامعا للشرائط حين القبول، من دون اعتبار ذلك في القابل حين إنشاء الإيجاب.

______________________________

(1): منية الطالب، ج 1، ص 114

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 92

ص: 608

______________________________

أقول: تنقيح الكلام في الموضع الأوّل يتوقف على صرف عنان البحث الى مقامات ثلاثة:

الأوّل: في الإيجاب، و الثاني في القبول، و الثالث فيما بينهما.

أمّا المقام الأوّل: فملخّص البحث فيه: أنّه قد استدل- كما في المتن- لاعتبار واجدية القابل لتلك القيود- حين إنشاء الإيجاب- بأنّ المعاقدة لا تتحقق بدونها.

و أيّده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بما حاصله: أنّ مناط المعاهدة مع الغير يقتضي كونهما معا كذلك في حال الإيجاب و القبول، إذ معيّة المتعاقدين ليست معيّة جسم مع جسم، و لا معيّة حيوان مع حيوان، بل معيّة شاعر ملتفت إلى ما يلتزم للغير و يلتزم الغير له، و إلّا فلا ينقدح القصد الجدّي في نفس العاقل إلى المعاهدة مع من هو كالجدار أو كالحمار. و علمه بالتفاته فيما بعد لا يصحّح المعاهدة معه فعلا «1»، هذا.

و فيه: أنّ حقيقة العقد ليست من مقولة الفعل، و لا من مقولة اللفظ، و لا من الاعتبارات النفسانية المحضة، بل هي ارتباط أحد الالتزامين بالآخر، و الرّابط بينهما- كما تقدم سابقا- هو وحدة الملتزم به. و الالتزام قائم بالنفس، و لا يسقط عن صلاحية ارتباطه بالتزام آخر بعروض عارض من نوم أو إغماء أو جنون، فإنّ الالتزامات النفسانية لا تسقط عن الاعتبار بشي ء من ذلك.

و توضيح المقام منوط بتقديم مقدّمتين.

إحداهما: عدم اعتبار التخاطب في شي ء من العقود- غير النكاح و المعاملات الذمية- حتى يلتزم باعتبار الأهلية في المتعاقدين في زمان الإنشائين و ما بينهما، فإنّ البيع مثلا- كما تقدّم في صدر الكتاب- هو التبديل بين المالين، أو المبادلة بينهما، من دون نظر إلى حيثية التخاطب، فهذه الحيثية أجنبية عن حقيقة البيع، فإذا قال الدلّال مثلا:

«بعت هذا الكتاب بدينار» و استيقظ نائم و التفت إلى هذا الإيجاب و قال: «قبلت»

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 73

ص: 609

______________________________

فلا ينبغي الارتياب في صدق البيع عرفا عليه مع عدم الأهلية المصحّحة للتخاطب.

ثانيتهما: كون القبول تنفيذا للإيجاب و إمضاء له كالإجازة في عقد الفضولي، فكما لا يعتبر في المجيز أهليّته للإجازة حين عقد الفضولي، فكذلك في القابل، فالإيجاب هنا بمنزلة عقد الفضولي، و القبول بمنزلة الإجازة.

و بعد لحاظ هاتين المقدمتين يتّضح عدم اعتبار أهليّة القابل حين إنشاء الإيجاب.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف ما في كلام المحقق المزبور من قوله: «إذ معيّة المتعاقدين إنّما هي معيّة شاعر ملتفت إلى ما يلتزم للغير و يلتزم الغير له، و إلّا فلا ينقدح القصد الجدي في نفس العاقل .. إلخ».

وجه الضعف: أنّ البيع و نحوه ليس إلّا تبديلا إنشائيا بين شيئين، و ليس البيع من المعاهدة المعتبر فيها وجود الشرائط للمتعاهدين حين التعاهد. و القبول ليس إلّا إمضاء للإيجاب.

و على تقدير كون البيع من المعاهدات يمكن أيضا منع اعتبار الشرائط لكلّ منهما حال تحقق المعاهدة، لصدق المعاقدة العرفية على العهد الذي صدر من أحدهما حال نوم الآخر، و بعد استيقاضه قبل ذلك العهد، فإنّه عقد عرفي بلا إشكال، و هو موضوع للاعتبار العقلائي و الشرعي، هذا.

و لا إشكال في انقداح القصد الجدّي في نفس الموجب مع علمه بلحوق القبول بعد دقيقة من شخص نائم بعد استيقاضه، فلا يتوقف انقداح القصد الجدّي على التفات شخص خاص إلى إيجابه و وجدانيّة لشرائط الإنشاء حين الإيجاب.

بل يمكن أن يقال: بعدم اعتبار القصد الجدّي في الإنشاء، و كفاية الإنشاء الإيجابي برجاء لحوق القبول من شخص مّا، كما تقدم في بحث التنجيز.

و أمّا ما قيل في وجه اعتبار واجديّة القابل للشرائط حال الإيجاب من: «أنّه

ص: 610

______________________________

لا ريب في أنّه يعتبر في ترتيب العقلاء و الشارع الأثر على الالتزام النفساني أن يظهره لمن هو طرفه في المعاملة، فإذا كان الطرف غير قابل للتخاطب فالإظهار له كلا إظهار، فلأجل ذلك يعتبر قابلية القابل للتخاطب حال الإيجاب، فتدبّر، فإنّه دقيق».

فيتوجه عليه: أنّ المراد بالإظهار إن كان إنشاء الإيجاب بشرط قابلية القابل للتخاطب حينه، ففيه ما عرفت من منع اعتبار أهلية المتعاقدين للتخاطب، لخروج التخاطب عن ماهية العقد.

و إن كان مجرّد الإظهار لمن هو طرفه في المعاملة، فيكفي في صحة القبول اطّلاع القابل على إنشاء الموجب بأيّ نحو كان و لو بعد إفاقته من إغمائه أو جنونه.

و بالجملة: فلا تكون أهلية القابل حين إنشاء الإيجاب ممّا هو مقوّم لمفهوم العقد العرفي كما هو مدّعى الخصم، هذا.

و أمّا المقام الثاني:- و هو اعتبار أهلية الموجب حين إنشاء القبول- فقد استدلّ عليه بوجوه:

أحدها: ما تقدم آنفا من قولنا: «و أمّا ما قيل في وجه اعتبار واجديّة القابل للشرائط ..

إلخ» و فيه: ما مرّ، فلاحظ.

ثانيها: أنّ القبول لمّا كان متمّما للعقد و مخرجا لكل من المالين عن ملك مالكه فلا بدّ أن يكون الموجب أيضا في هذا الحال أهلا للتملّك حتى يترتب الأثر على التزامه النفساني، هذا.

و فيه: أنّ التمليك الإنشائي الذي هو حقيقة البيع قد أنشأه البائع، و بالقبول يتمّ موضوع الأمر الاعتباري و هو الملكية، فلو كان الموجب حيّا ملكه، و إلّا يملكه وارثه إن أمضى هذا العقد، حيث إنّ المال انتقل قبل القبول إلى الوارث الذي هو يقوم مقام الموجب المالك.

فالمتحصل: أنّ العقد العرفي لا يتقوّم ببقاء الموجب على شرائط الإنشاء إلى

ص: 611

______________________________

زمان القبول، هذا.

ثالثها: عدم تحقق المعاهدة من جهة انتفاء الالتزام النفساني بالإغماء و الجنون مثلا، فلا يبقى التزام من الموجب حتّى يرتبط بالالتزام القابل، هذا.

و فيه: عدم زوال الالتزامات النفسانية بالموت فضلا عن النوم و الإغماء. و لو كان الموت مزيلا للالتزام النفساني لم يكن فرق بين وقوع الموت قبل لحوق الالتزام القبولي و بعده، لأنّ ضمّ التزام آخر إلى الالتزام الإيجابي مثلا لا يوجب بقاءه إن كان الموت مزيلا له.

و بالجملة: لا يتقوّم العقد العرفي بواجديّة الموجب لشرائط الإنشاء حال القبول، هذا.

و أمّا المقام الثالث فقد ظهر حاله ممّا مرّ في المقامين المتقدمين، فلا يعتبر أهلية المتعاقدين للإنشاء في الزمان المتخلّل بين إنشائهما.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه في الموضع الأوّل- و هو عدم الأهليّة الموجب لعدم تحقق المعاهدة العرفية- أنّ اعتبار واجدية كلّ من المتعاقدين لشرائط الإنشاء مختصّ بحال إنشاء نفسه. و لا دليل على اعتبارها في كلّ منهما في زمان الانشائين و بينهما، و اللّه العالم.

و أمّا الموضع الثاني- و هو اعتبار الشرائط المعتبرة في صحة العقد و نفوذه بعد واجديّتهما لما هو دخيل في تحقق العقد العرفي- فاختلفوا فيه أيضا على أقوال.

و ملخّص الوجه في اعتبار الشرائط الزائدة على الأمور المقوّمة للعقد العرفي: أنّه قد استدل المصنف قدّس سرّه على اعتبارها في المتعاقدين حال كلّ واحد من الإنشائين على ما يستفاد من عبارته بوجهين:

الأوّل: عدم تحقق معنى المعاقدة بدون رضا المتعاقدين أو أحدهما، كما هو صريح عبارته، حيث قال: «و إن كان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أيضا عن مفهوم

ص: 612

______________________________

التعاهد و التعاقد، لأنّ المعتبر فيه عرفا رضا كلّ منهما لما ينشئه الآخر حين إنشائه، كمن يعرض له الحجر .. إلخ» فإنّه صريح في كون الرّضا دخيلا في مفهوم العقد، لا أنّه شرط تعبدي في العقد العرفي، هذا.

و لكن فيه ما لا يخفى، فإنّه مصادرة واضحة، لأنّ دخل الرضا في مفهوم العقد العرفي أول الكلام، بل المعلوم خلافه، و إلّا لكان عقد المكره و الصبي المميّز و الرّاهن بدون إذن المرتهن و المفلّس و غيرهم من المحجورين عن التصرف غير قابل للإجازة، لعدم كونه عقدا عرفيّا على الفرض، مع القطع بأنّها عقود عرفية قابلة للتأثير بالإجازة.

و دعوى: كون جميعها خارجة بالإجماع كما ترى، لأنّ الإجماع لا يجعل غير العقد عقدا، بل يخرج العقد العرفي الباطل شرعا- بلسان العموم- عن القواعد المقتضية للبطلان، فيكون الإجماع مخصّصا لعموم ما دلّ على بطلان العقد بعدم الرّضا حقيقة كعقد المكره، أو تنزيلا كعقد المحجور بفلس أو سفه أو غيرهما، فإنّ رضاهما كالعدم شرعا.

و ما أفاده المحقق الإيرواني في توجيه كلام المصنف قدّس سرّه بقوله: «لعلّ المراد أنّ رضاهما بعد أن كان في نظر الشارع كلا رضا، و المفروض أنّ رضاهما مما يعتبر في تحقق مفهوم التعاهد لا جرم كان تعاهدهما في نظره بمنزلة العدم، فلا يكون عقدهما عقدا معتبرا شرعا و إن كان عقدا عرفيا ذا أثر عرفي» «1».

لا يخلو من غموض، لأنّ تنزيل رضا المحجور عليه شرعا بمنزلة العدم في ترتب الأثر الشرعي لا يخرج العقد عن مفهومه العرفي الذي لا يعتبر فيه الرّضا، و لذا كان عقد المكره عقدا حقيقة مع عدم الرّضا به حين إنشائه.

و الحاصل: أنّ العقد الفاقد للرّضا حقيقة أو تنزيلا عقد عرفي غير مؤثّر شرعا، فليس الرّضا مقوّما لمفهوم العقد العرفي كما هو واضح.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 93

ص: 613

______________________________

الثاني: برهان إنّي، و هو: أنّ لغويّة الإيجاب بفسخ الموجب له قبل تمامية القبول تكشف إنّا عن شرطيّة رضا الموجب إلى زمان القبول المتمّم للعقد الذي هو الموضوع للأمر الاعتباري، إذ لو لم يكن الرّضا شرطا كذلك لم يؤثّر الفسخ، حيث إنّ ما يهدمه الفسخ عين ما يعمّره الرّضا، هذا.

و فيه: ما لا يخفى، ضرورة أنّ لغوية الإيجاب إنّما هي بسبب الفسخ، لأنّ الالتزام ينحلّ حقيقة به، فلا يبقى بعد الفسخ إيجاب حتى ينضمّ إليه القبول و يرتبط به حتى يحصل منهما عقد. فلغوية الإيجاب بفسخ الموجب أجنبية عن المقام، فلا تكشف عن اعتبار رضا الموجب حال إنشاء القابل، و عن تحقق معنى التعاقد.

و هذا بخلاف الموت و النوم و الإغماء، فإنّها لا توجب انحلال الالتزام، و لذا لا تبطل العهود و الالتزامات بالموت إلّا ما ليس التزاما حقيقة كالعقود الجائزة، فلو أوجب البائع و مات- فضلا عن الجنون و النوم- و قبل المشتري تمّ موضوع الاعتبار، غاية الأمر أنّ وارث الموجب يقوم مقامه، لانتقال المال إليه قبل قبول المشتري.

و بالجملة: فالشرط في لحوق القبول بالإيجاب حتى يتحقق العقد هو بقاء الالتزام الإيجابي و عدم انحلاله بالفسخ، لا بقاء الموجب على شرائط الإنشاء إلى تمامية القبول.

و كذا لا يشترط أهلية القابل لشرائط الإنشاء حين الإنشاء الإيجابي، فلو كان محجورا لصغر أو فلس أو سفه أو نحوها و زال الحجر بعد إنشاء الإيجاب و قبل الإيجاب كان ذلك عقدا عرفيا. فعدم الأهلية المانع عن اعتبار الرّضا شرعا بالإيجاب حين إنشائه لا يمنع عن تحقق العقد العرفي كما أفاده المصنف قدّس سرّه. فلا ينبغي جعل الحجر شرعا مانعا عن تحقق المعاهدة العرفية، بل هو مانع عن تأثير العقد شرعا.

نعم إذا كان الحجر للجنون أو عدم التمييز فمنع تحقق المعاهدة عرفا في محلّه.

و أمّا إذا كان لتعلّق حقّ الغير كحقّ المرتهن و الغرماء فمنع المعاهدة العرفيّة غير ظاهر جدّا.

ص: 614

______________________________

فالمتحصل: أنّه لا يعتبر بقاء أهلية الإنشاء من ناحية الشروط الشرعية في المتعاقدين في زمان الإنشاءين و لا بينهما، بل العبرة بوجود تلك الشرائط في كل من المتعاقدين حال إنشاء نفسه، هذا.

و أمّا الجهة الثالثة فملخص الكلام فيها: أنّ وجه اعتبار الشرائط في تمام آنات الإنشائين في كلّ من المتعاقدين إن كان لعدم صدق العقد العرفي فقد عرفت ما فيه.

و إن كان لدليل خاص شرعي ففيه: أنّه لم يقم دليل تامّ على اعتبار أهلية كلّ من المتعاقدين في جميع آنات الإنشائين و بينهما، فإذا شكّ في اعتبارها شرعا فالمرجع إطلاق أدلة نفوذ العقود.

و دعوى: انصرافها إلى العقود المتعارفة، و خروج المقام عن العقود المتعارفة، قد عرفت سابقا ما فيها. نعم بناء على تسليمها يرجع إلى أصالة الفساد.

فتلخص من جميع ذلك: أنّ واجدية المتعاقدين للشروط العرفية المقوّمة لمفهوم العقد العرفي كالحياة و العقل و الالتفات معتبرة في حال إنشاء كلّ منهما لنفسه، و ليست معتبرة في جميع آنات الإنشائين و بينهما.

و أمّا الشروط الشرعية المعتبرة في صحة العقد و نفوذه فهي معتبرة فيهما في الجملة و لو بعد العقد، و لذا يصحّ بيع المكره بعد حصول رضاه و طيب نفسه، و بيع المحجور عن التصرف لفلس أو رهن أو غيرهما، إذ لا شبهة في صحته بعد ارتفاع الحجر، فإنّ سلطنة المالك معتبرة في البيع و لو بعد العقد.

و بالجملة: فالشروط العرفية معتبرة في خصوص حال الإنشاء. و أمّا الشروط الشرعية فهي معتبرة في المتعاقدين في الجملة و لو بعد العقد، لأنها معتبرة في موضوع اعتبار الشارع، فهي جزء الموضوع، و بتحققها يتم الموضوع. و اعتبار مقارنتها لنفس العقد محتاج إلى الدليل.

ففرق واضح بين الشروط العرفية المقوّمة للعقد، و بين الشروط الشرعية المقوّمة لصحته و ترتّب الأثر عليه، فلاحظ و تدبّر.

ص: 615

[اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة]

فرع (1): لو اختلف المتعاقدان اجتهادا أو تقليدا في شروط الصيغة، فهل

______________________________

اختلاف المتعاقدين في شروط الصيغة

(1) الغرض من عقد هذا الفرع هو بيان حكم العقد الذي اختلف المتعاقدان في شرائطه صحّة و فسادا.

و توضيحه: أنّه لا كلام في صحة العقد الذي روعيت فيه الشروط المعتبرة فيه بنظر المتعاقدين، فإذا اجتهدا في شرطيّة تقدم الإيجاب و الفارسية و الماضوية و قالا بعدمها، فعقدا بالفارسي المضارع المقدّم قبوله على إيجابه صحّ. و كذا الحال إذا قلّدا مجتهدا نافيا لاعتبار ما ذكر، أو قلّد كلّ منهما مجتهدا فاتّفقا في الفتوى.

و أمّا إذا اجتهدا و اختلفا في الرأي، أو قلّد أحدهما من يقول بعدم جواز تقديم القبول و بجواز العقد بالفارسي، و قلّد الآخر من يقول بالعكس، بأن جوّز تقديم القبول و اشترط العربية، فيتجه هذا البحث، و هو: أنّه هل يجوز لكلّ واحد من المتعاقدين العمل برأيه أو برأي مقلّده، مع فرض بطلانه بنظر الآخر؟ أم تتوقف صحة العقد على رعاية كافة الشرائط حتى يعتقد كلاهما بصحّته، أفاد المصنف قدّس سرّه أنّ في المسألة وجوها ثلاثة:

الأوّل: صحّة العقد في حقّهما مطلقا، سواء لزم من عمل كلّ منهما على مقتضى مذهبه كون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بسببيّته للنقل، أم لا.

الثاني: عدم صحة العقد في حقّهما مطلقا.

ص: 616

يجوز أن يكتفي كلّ منهما بما يقتضيه مذهبه (1) أم لا؟ وجوه، ثالثها: اشتراط عدم كون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بكونه سببا في النقل، كما لو فرضنا أنّه

______________________________

الثالث: التفصيل بين أن يكون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بسببيته للنقل فيبطل، و أن لا يكون ممّن لا قائل بسببيّته فيصح.

مثاله: ما لو قال المشتري بجواز تقديم القبول على الإيجاب، مع قوله بعدم جواز العقد بالفارسي، و قال البائع بجواز العقد بالفارسيّ، فقدّم المشتري القبول باللّفظ العربي عملا بمذهبه، و أوجب البائع بالفارسيّ عملا بمذهبه، فحصل من ذلك عقد فارسي مقدّم القبول. و من المعلوم أنّ القائل بالعربية يعتبرها في جميع العقد المركب من الإيجاب و القبول، فمع كون الإيجاب فارسيّا لا يكون العقد عربيّا، بل يصدق عليه العقد بالفارسي في الجملة. فالقائل باعتبار العربية يحكم بفساد العقد المزبور من جهة عدم العربية، و القائل بوجوب تأخير القبول عن الإيجاب يحكم بفساده من جهة تقدّم القبول، فلا يوجد قائل بسببيّة هذا العقد للنقل.

و مثال ما إذا وجد قائل بسببيته هو: أن يكون القائل باعتبار العربية موجبا، فأوجب بالعربية، و قبل الآخر بالفارسية، فإنّه يوجد قائل بسببيّة هذا العقد، لأنّ من لا يعتبر العربية يقول بسببيته، مع فرض تقدّم إيجابه على قبوله.

(1) بمعنى الإكتفاء بما يقتضيه مذهبه بالنسبة إلى خصوص ما يصدر منه، و أمّا بالنسبة إلى الصادر من الآخر فيعمل بما يقتضيه مذهبه، لا مذهب نفسه، فإذا اختلفا في اعتبار العربية، و كان القائل باعتبارها موجبا كفى صدور الإيجاب منه بالعربية، و إن كان القبول بالفارسية. فلا يلزم أن يقع القبول بالعربي أيضا، بل يكتفي في القبول بمذهب القابل، فيكون كلّ من الإيجاب و القبول صحيحا بمذهب منشئه فقط، فاجتهاد كلّ واحد منهما أو تقليده حجة على الآخر، و إلّا فحجية اجتهاد كلّ منهما في تمام العقد تقتضي فساده.

ص: 617

لا قائل بجواز تقديم القبول على الإيجاب، و جواز (1) العقد بالفارسي.

أردؤها أخيرها (2).

و الأوّلان (3) مبنيّان على أنّ الأحكام الظاهريّة المجتهد فيها بمنزلة (4) الواقعية الاضطرارية (5)،

______________________________

(1) الواو للمعيّة، و مقصوده التمثيل للوجه الثالث، و قد عرفته آنفا.

(2) لأردئيّة وجهه و هو العلم الإجمالي ببطلان هذا العقد القائل بفساده كلّ واحد من المتعاقدين، و من المعلوم عدم جواز ترتيب آثار الصحة على عقد لم يقل أحد بصحّته.

وجه الأردئية: أنّ المرجع في العقد مجتهدان، أحدهما يفتي بجواز العقد الفارسي، و الآخر بجواز تقديم القبول على الإيجاب، فموضوع فتوى أحدهما مغاير لموضوع فتوى الآخر. نظير ما قيل في العبادات من صحّة صلاة واجدة لتسبيحة واحدة و فاقدة للسورة، استنادا إلى فتوى من يكتفي بتسبيحة واحدة و من يفتي بعدم جزئية السورة، فإنّ هذه الصلاة باطلة برأي كلّ منهما. لكن كلّ واحد منهما مرجع في جزء من الصلاة، لا في مجموعها حتى يقال: إنّ كلّ واحد منهما قائل ببطلانها.

(3) و هما الصحة مطلقا و الفساد كذلك.

(4) خبر قوله: «أن الأحكام» أي: هل تكون بمنزلة .. إلخ.

(5) المراد بها هي السببيّة، يعني: أنّ مبنى الصحة و الفساد هو الخلاف في كون الأمارات حجة على الموضوعية أو على الطريقيّة. و على الأوّل يكون قيام الأمارة على شي ء موجبا لحدوث مصلحة في المؤدّى موجبة لتشريع الحكم على طبقها و إن كان مخالفا للحكم الواقعي الأوّلي، فتكون الأمارة من العناوين الثانوية المغيّرة لأحكام العناوين الأوّلية.

و على الثاني- و هو الطريقية- تكون مؤدّياتها أحكاما عذريّة.

فعلى الموضوعية يصحّ العقد، و على الطريقية لا يصحّ.

ص: 618

فالإيجاب (1) بالفارسية من المجتهد القائل بصحّته- عند من يراه باطلا- بمنزلة (2) إشارة الأخرس، و إيجاب العاجز عن العربية، و كصلاة (3) المتيمّم بالنسبة إلى واجد الماء؟ أم (4) هي أحكام عذريّة (5) لا يعذر فيها إلّا من اجتهد أو قلّد فيها (6).

و المسألة محرّرة في الأصول.

هذا (7) كلّه إذا كان بطلان العقد.

______________________________

(1) هذا متفرّع على سببيّة الأمارات، لأنّ صحّة الإيجاب الفارسي عند القائل بصحّته حكم واقعي ثانوي، فيكون صحيحا عند القائل باعتبار العربية، لكون الإيجاب الفارسيّ عند من يعتبر العربية بمنزلة إشارة الأخرس، إذ لا شبهة في كون إشارة الأخرس إيجابا أو قبولا صحيحا عند من يرى اعتبار العربية مثلا كصحة ايتمام المتوضّي بالمتيمّم.

(2) خبر قوله: «فالإيجاب».

(3) فإنّ صحة صلاة المتيمّم حكم واقعي ثانوي، و صحة صلاة المتوضّي حكم واقعي أوّلي.

(4) معطوف على «الأحكام المجتهد فيها».

(5) هذا هو الطريقية، فمؤدّيات الأمارات حينئذ أحكام عذرية مختصة بمن اجتهد أو قلّد فيها، إذ يمكن أن يكون الحكم العذري موضوعا للأثر بالنسبة إلى الغير، مثل ما دلّ على «أنّ لكلّ قوم نكاحا» حيث إنّ نكاح كل قوم حكم عذري، لا يجوز للغير تزويجها لنفسه أو لغيره.

(6) يعني: فيختصّ الإجزاء بذلك المجتهد و مقلّده، دون غيره، فلا ينفذ بالإضافة إلى شخص آخر.

(7) أي: ابتناء المسألة على السببية و الطريقية. و غرضه الإشارة إلى تفصيل بين الشروط. و محصّله: أنّ ابتناء المسألة على كون الأحكام الظاهرية أحكاما اضطرارية أو عذريّة إنّما يكون في غير الشروط الثلاثة من الصّراحة و العربية

ص: 619

عند كلّ (1) من المتخالفين مستندا إلى فعل الآخر كالصراحة و العربية و الماضويّة و الترتيب (2).

و أمّا الموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحة الإنشاء إلى آخر العقد، فالظاهر أنّ اختلافها يوجب فساد المجموع (3)، لأنّ بالإخلال بالموالاة أو التنجيز أو البقاء على صفات صحة الإنشاء يفسد عبارة من يراها شروطا، فإنّ الموجب إذا علّق مثلا أو لم يبق على صفة صحة الإنشاء إلى زمان القبول باعتقاد (4) مشروعية ذلك (5) لم يجز من القائل ببطلان هذا تعقيب هذا الإيجاب

______________________________

و الماضوية و نحوها ممّا يستند بطلان العقد فيه إلى فعل أحد المتعاقدين. و أمّا الشروط التي توجب فساد العقد عند كليهما كالموالاة و غيرها فلا يبتني بطلان العقد بها على المبنى المزبور من طريقية الأمارات و سببيّتها، بل يبطل مطلقا.

(1) الظاهر أنّ الصحيح أن تكون العبارة هكذا: «عند أحد المتخالفين» بدل «كلّ من المتخالفين».

(2) ليس الترتيب و ما تقدّمه من الشروط الثلاثة مما يوجب فساد العقد عند كلّ من المتعاقدين، إذ القائل بعدم اعتبارها لا يذهب إلى اعتبار عدمها.

(3) أي: فساد مجموع جزئي العقد، و هذا قرينة على لزوم بدليّة «أحد» عن لفظ «كل» في العبارة المتقدمة، لأنّ فساد المجموع عبارة أخرى عن فساده عندهما معا، و هذا الفساد عند كلّ منهما ناش عن فعل الآخر.

(4) متعلق بقوله: «علّق، لم يبق».

(5) أي: الإيجاب التعليقي، أو الإيجاب الذي لم يبق موجبه على صفة صحّة الإنشاء إلى زمان القبول، فإنّ الموجب إذا أنشأ الإيجاب المعلّق أو المنجّز لكن لم يبق على صفة الإنشاء إلى آخر زمان القبول- مع اعتقاد الموجب مشروعية الإيجاب و صحّته في هاتين الصورتين- لم يجز وضعا للقابل الذي يرى بطلان هذا الإيجاب أن ينشئ القبول، لاعتقاده لغويّة الإيجاب و كونه كالعدم، و مع هذا الاعتقاد يصير

ص: 620

بالقبول. و كذا (1) القابل إذا لم يقبل إلّا بعد فوات الموالاة بزعم صحة ذلك، فإنّه يجب على الموجب إعادة إيجابه إذا اعتقد اعتبار الموالاة، فتأمّل (2).

______________________________

القبول أيضا لغوا، فلا يتم العقد الذي هو موضوع الأثر.

(1) المفروض في مثال الموالاة اعتقاد الموجب باعتبارها، و اعتقاد القابل بعدمها، فإنّه إذا تخلّل الفصل بين الإيجاب و القبول لم يجز للموجب ترتيب الأثر على هذا العقد، لعدم تحقق عنوان المعاهدة بنظره.

(2) لعلّه إشارة إلى المناقشات التي ذكرناها في التعليقة في قسم الشروط فراجعها [1].

______________________________

[1] تنقيح البحث في هذا الفرع منوط ببيان الوجوه و الاحتمالات المتصورة في اختلافهما في الشروط، فنقول و به نستعين: إنّ الشرط المختلف فيه تارة يكون عرفيّا بمعنى اختلافهما في كونه دخيلا في مفهوم العقد عرفا كالقصد إلى مدلول العقد، و الموالاة و التنجيز بناء على كونهما من الشرائط المقوّمة لمفهوم العقد العرفي، بأن يكون القائل باعتبارهما مدّعيا لتقوّم العقد العرفي بهما، و القائل بعدم اعتبارهما منكرا لذلك. و أخرى يكون شرعيّا.

و على الأوّل قد يكون دليل الشرط المختلف فيه لبّيّا، و قد يكون لفظيّا.

و ثالثة قد يكون العقد الفاقد للشرط المختلف فيه فاسدا عند الكل، كما إذا فرضنا عدم القائل بسببية العقد المركّب من الإيجاب العربي المتأخر، و القبول الفارسي المتقدّم. و قد يكون صحيحا بنظر أحدهما دون الآخر كالعقد الملتئم من الإيجاب العربي المتقدم، و القبول الفارسي المتأخّر، فإنّه صحيح عند القائل منهما بعدم اعتبار العربية.

و رابعة قد يكون بطلان رأي الطرف معلوما للطرف الآخر، و قد يكون مظنونا له بالظن الاجتهادي. فإن كان بطلان العربية مثلا معلوما للطرف الآخر صحّ العقد،

ص: 621

______________________________

و إن كان مظنونا بطل.

و خامسة قد يكون المستند في نفي شرطيّة ما رآه أحد المتعاقدين شرطا أمارة، و قد يكون المستند فيه أصلا.

و سادسة: أنّ اختلاف المتعاقدين قد يكون موجبا لفساد الجزئين كالتعليق، فإنّ قبول الإيجاب المعلّق قبول تعليقي، و كالترتيب القائم بكلا الجزئين. فصور المسألة كثيرة.

الأولى: ما إذا كان الاختلاف في الشرط العرفي كالتنجيز و الموالاة. و حكمها الرجوع إلى العرف في أنّه هل يصدق عليه مفهوم العقد عرفا أم لا. فعلى تقدير الصدق يكون صحيحا، لأنّه عقد عرفي يشمله مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و على فرض عدم الصدق أو الشّك فيه لا وجه للصحة، لعدم شمول دليل الصحة له، إمّا للقطع بعدم موضوعه، أو الشّك فيه، و مقتضى أصالة الفساد عدم الصحة.

الثانية: ما إذا كان دليل الشرط لبّيّا كالإجماع، فإنّ المتيقن من الإجماع هو غير صورة الاختلاف الناشئ عن الاجتهاد كاعتبار العربية، فإنّ الوجه فيه- كما قيل- هو الإجماع، فيقتصر على المتيقن المزبور، و يرجع في صورة الاختلاف إلى عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد، فيحكم بصحّته.

و مثل الدليل اللّبّي الدليل اللّفظي المجمل، فإنّ المتيقن منه هو غير صورة اختلاف المتعاقدين اجتهادا أو تقليدا. نعم إذا كان للدليل إطلاق فيبتني على اعتباره حتى في صورة الاختلاف.

الثالثة: ما إذا كان العقد فاسدا عند الكل، كالعقد المركّب من الإيجاب العربي المتأخّر و القبول الفارسي المتقدّم، و فرضنا عدم قائل بصحته، لأنّ كلّا من القائلين باعتبار العربية و عدمه يقول بفساد هذا العقد. أمّا القائل باعتبار العربيّة فلفقدان العربية. و أمّا القائل بعدم اعتبارها فلفقدان الترتيب، هذا.

ص: 622

______________________________

و نظير ذلك ما ذكره جمع من محشّي العروة من أنّه إذا كان هناك مجتهدان متساويان، و كان أحدهما يرى عدم وجوب السورة، و لا يرى الاجتزاء بمرّة واحدة في التسبيحات الأربع. و الآخر يرى الاكتفاء بها، و لكنّه يرى وجوب السورة، فقلّد العامي كلّا منهما في فتواه فصلّى بغير السورة مقتصرا على المرّة الواحدة في التسبيحات الأربع، فإنّ هذه الصلاة- بعد فرض انحصار المجتهد في الدنيا بهما- باطلة عند الكل.

و لكن فيه: أن مثل هذا الإجماع لا يصلح للاستناد إليه لعدم توارد أقوال المجمعين على عنوان واحد، بل كلّ أفتى بعنوان غير العنوان الذي أفتى به صاحبه، و يخطّئ كلّ من المفتيين صاحبه في الفتوى، فمورد الإجماع عنوان انتزاعي، لأنّه ينتزع عن كل واحدة من الفتويين المتعلّقتين بعنوانين مختلفين كالعربية و الترتيب، فالمرجع هو عموم دليل الصحة بعد وضوح استناد كل من المتعاقدين إلى حجّة.

و المصنف قدّس سرّه جعل الفساد في هذا العقد- الذي لا قائل بصحّته- أردء الوجوه، و لعلّه لما عرفته آنفا.

و كذا الحال في نظيره المتقدّم عن جمع، و أنّ الصحيح ما ذهب إليه السيّد قدّس سرّه في العروة «1»، من أن المقلّد يجتزئ بالصلاة المذكورة، لاستناده- في كلا عملية- إلى حجّة شرعية، و هي فتوى من يقلّده.

و المقام أيضا كذلك، لأنّ كلّا من المتعاقدين مستند إلى حجة شرعية سواء أ كان هناك قائل بصحة العقد المركّب أم لا.

و أمّا إذا كان العقد صحيحا بنظر أحدهما دون الآخر كالعقد الملتئم من الإيجاب العربي المتقدم و القبول الفارسي المتأخر- حيث إنّه صحيح عند القابل المنكر لاعتبار العربية، و فاسد عند الموجب القائل باعتبارها- فابتنى المصنف قدّس سرّه صحّة العقد و فساده على كون الأحكام الظاهرية أعذارا صرفة أو أحكاما واقعية ثانوية اضطرارية، كإشارة

______________________________

(1): العروة الوثقى، ج 1، ص 24، المسألة: 65 من مسائل التقليد.

ص: 623

______________________________

الأخرس، و العاجز عن العربية، و تيمّم المعذور عن الطهارة المائية.

فعلى الأوّل يختص الحكم الظاهري بمن قامت عنده الأمارة دون غيره، فيبطل العمل بالنسبة إلى غيره الذي لا يقول بالصحة. فمن لا يعتبر العربية- و لذا ينشئ الإيجاب بالفارسية- لا يترتب عليه أثر عند القابل الذي يعتبر العربية، و لا يجوز له أن يجتزئ بالإيجاب الفارسي، فيكون العقد فاسدا.

و على الثاني لا يختصّ به، بل يكون نافذا في حق غير من قامت عنده الأمارة أيضا، فإجتهاد كل مجتهد نافذ بالنسبة إلى مجتهد آخر أيضا. و عليه فيصح العقد المؤلّف من الإيجاب الفارسي و القبول العربي، لنفوذ الاجتهاد المؤدّي إلى عدم اعتبار العربية بالنسبة إلى من لم يؤدّ اجتهاده إلى اعتبارها.

و بالجملة: فبناء على الموضوعية في الأمارات يصح العقد المزبور، و بناء على الطريقية لا يصح، هذا.

و لكن فيه: أنّ مجرّد البناء على السببية و الطريقيّة لا يوجب صحّة العقد في الأوّل و فساده في الثاني، بل لا بدّ من ملاحظة دليل الاعتبار. فإن كان مقتضاه عموم تنزيل مؤدّيات الأمارات منزلة الأحكام الواقعية لغير من قامت عنده الأمارة، أو عموم العذر كذلك اقتضى ذلك صحّة العقد. و إن لم يكن لدليل الأمارة عموم أو إطلاق اختصّ الحكم أو العذر بمن قامت عنده الأمارة، فلا يصحّ العقد المزبور مطلقا و إن قلنا بسببية الأمارات لا طريقيتها.

و الحاصل: أنّ مجرّد السببيّة لا يستلزم صحة العقد- الملتئم من الإيجاب الفارسي و القبول العربي- عند القابل القائل باعتبار العربية في العقد. و كذا لا يستلزم مجرّد الطريقية فساد العقد المذكور.

فالحقّ أن يقال: إنّ دليل اعتبار الأمارة إن أحرز عمومه لغير من قامت لديه فلا إشكال في الإجزاء كإمامة المتيمّم للمتوضئ مثلا و إن أحرز عدم عمومه له

ص: 624

______________________________

فلا ينبغي الإشكال في عدم الاجتزاء. و إن كان مجملا فمقتضى الأصل عدم الاكتفاء، إذ المتيقن اختصاص مؤدّى الأمارة على كلّ من السببية و الطريقية بمن قامت عنده.

و عليه فمقتضى أصالة الفساد فساد العقد المزبور، إلّا إذا قام دليل خاص على جواز اجتزاء غير من قامت عنده الأمارة به، كصحة ايتمام المتطهّر المائي بالمتطهّر الترابي، للنصوص الدالة على ذلك، كموثق ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أجنب ثم تيمّم فأمّنا و نحن طهور؟ فقال: لا بأس به» «1» و قريب منه غيره.

و كحرمة تزويج المعقودة بالفارسي على من يرى فساد العقد بالفارسي، لما دلّ على «أنّ لكلّ قوم نكاحا» حيث إنّه يشمل نكاح المؤمن المعتقد لصحّة العقد الفارسي بالأولويّة، بعد أن شمل نكاح أهل الأديان الفاسدة.

مضافا إلى: صدق ذات البعل عرفا عليها. و البعد عن مذاق الشارع من أن يجوّز تزويج زوجة الغير بمجرّد اجتهاده، هذا.

الرابعة: التفصيل بين القطع بالخلاف و الظن المعتبر، كما إذا قطع مجتهد بفساد العقد الفارسي، فلا يصح العقد المؤلف من الإيجاب العربي و القبول الفارسي، و يصحّ إن كان ظانّا بفساده.

و قد ذكره السيّد قدّس سرّه في حاشيته على المتن في مسألة تبدل الرأي، حيث قال في صورة العلم بمخالفة الأحكام الاجتهادية للواقع ما لفظه: «لا يجوز ترتيب الأثر، بل يجب النقض لو رتّب، سواء أ كان ذلك بالنسبة إلى نفسه، كما إذا تبدّل رأيه بالانكشاف العلمي، أو بالنسبة إلى غيره ممّن علم خطائه في إصابة الواقع، و هو الذي عنونوه في الأصول هو:

أنّه هل هي أحكام شرعية أو عذرية .. إلخ» «2».

و محصل ما أفاده قدّس سرّه بطوله هو التفصيل بين العلم بالخلاف و الظنّ به، بالإجزاء

______________________________

(1): وسائل الشيعة، ج 5، ص 401، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث: 2

(2) حاشية المكاسب، ص 93

ص: 625

______________________________

و الصحة في الثاني، و العدم في الأوّل. ففي المقام إن كان أحد المتعاقدين عالما باعتبار العربية كان العقد فاسدا، لأنّ القبول الفارسي مقطوع الفساد عنده، فلا ينضمّ إلى الإيجاب العربي. و إن كان ظانّا باعتبارها الموجب للظّن بفساد العقد المزبور كان العقد صحيحا، لأنّ دليل اعتبار الظن متساوي النسبة إلى الظنين.

و الظاهر أنّ مقصوده قدّس سرّه عدم كون الاجتهاد الثاني هادما للاجتهاد الأوّل بحيث يجب تدارك الأعمال السابقة المأتيّ بها على طبقه، لأنّ كلّا من الاجتهادين ظنّي، و دليل اعتبار الظن متساوي النسبة إليهما، فالظن الثاني لا يهدم الأوّل رأسا، بل يهدمه بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة.

و قوله قدّس سرّه: «و كذا لو كان رأيه عدم وجوب السورة .. إلى قوله: لأنّه كان مطابقا للظن الذي هو حجة في ذلك الزمان كهذا الظن اللّاحق» كالصريح في صحة العمل السابق، لكونه مطابقا للظن الذي كان حجة في ذلك الزمان. فعلى تقدير مخالفة العمل السابق للواقع لا تجب إعادته لموافقته للطريق المعتبرة في ظرف الإتيان به.

و غرضه قدّس سرّه من قوله: «لأنّ دليل حجية الظن متساوي النسبة إلى الظنين» هو ظنّ المجتهدين، كما إذا ظنّ أحدهما اجتهادا بجواز العقد الفارسي، و الآخر كذلك بعدمه، فإنّ دليل اعتبار الظن متساوي النسبة إلى الظنين. و أمّا بالنسبة إلى تبدّل الرأي فلا معنى لتساوي الدليل الى الظنين، إذ المفروض زوال الظّن بعدم وجوب السورة، و تبدّل الظن به بوجوبها، فلا ظنّ بعدم وجوبها بعد تبدّله.

و الحاصل: أن دعوى حجية الظن السابق و كونه عذرا بالنسبة إلى الأعمال السابقة في محلّها، فإنّها ثابتة بالسيرة الجارية على عدم قضاء الأعمال السابقة الواقعة على طبق الآراء المعدول عنها، أو الفتاوى التي مات المفتون بها. بل لا يخطر ببال أحد احتمال وجوب القضاء بعد العدول عن الرأي، أو بعد موت المجتهد، و الرجوع الى الحي. فبهذا التسالم العملي المسمّى بالسيرة يثبت اعتبار الظّن الاجتهادي ما دام موجودا، كدوران كل

ص: 626

______________________________

حكم مدار وجود موضوعه.

نعم بعد زوال الاجتهاد الأوّل يجب تطبيق العمل على الاجتهاد الثاني، إذ لا موضوع لدليل الاجتهاد الأوّل.

فما أفاده بعض أجلّة العصر من قوله: «و فيه أنّ الطرق الاجتهادية الظنيّة إذا قامت على خلاف اجتهاده الأوّل أو اجتهاد مجتهد آخر يكشف منها فعلا بطلان الاجتهاد السابق و خطاؤه. و مع قيام الأمارة المعتبرة على بطلانه أو بطلان كل اجتهاد يخالفه لا يكون دليل الحجية متساوي النسبة إليهما، بل يختص الاجتهاد الفعلي بالحجيّة دون غيره، فلو دلّ دليل على طهارة الغسالة، و كان في طريقه ضعف، و كان مقتضى اجتهاده الأوّل وثاقة الراوي، ثم تبدّل رأيه إلى عدم الوثاقة، فلا شبهة في هدم اجتهاده الثاني الأوّل، لقيام الطريق الفعلي على بطلانه. و لا وجه لانطباق دليل حجية الظن عليه».

لا يخلو من غموض، لأنّ في قوله: «يكشف منها فعلا بطلان الاجتهاد السابق ..

إلخ» أنّ المراد بالبطلان إن كان مطلقا حتّى فيما مضى، ففيه: ما عرفت من قيام السيرة على خلافه. و إن كان بالإضافة إلى خصوص الأعمال اللاحقة فهو صحيح. لكن السّيد صاحب العروة لم يذكر هذا، بل قوله: «كهذا الظن اللّاحق» كالصريح في الاعتراف بحجية الاجتهاد الثاني في الزمان اللّاحق.

فقول السيّد قدّس سرّه: «لأنّ دليل حجية ظن المجتهد متساوي النسبة إلى الظّنين» ناظر إلى كل واحد من الظّنين الحاصلين لكلّ من المجتهدين، لأنّ الظنين الموجودين فعلا هما موجودان لهما، حيث إنّ أحدهما ظانّ بصحة العقد الفارسي، و الآخر ظانّ بفساده.

و لا مانع من حجية كلّ واحد من الظنين في حق صاحبه. و مقتضاه و إن كان جواز تزويج المرأة المعقودة بالعقد الفارسي لمن يرى بطلان العقد الفارسي، و عدم حصول النكاح بذلك، إلّا أنّ الدليل الخاص كقولهم: «لكل قوم نكاح» أو وجوب الاحتياط في الفروج أو «صدق ذات البعل عرفا عليها» يقتضي عدم الجواز.

ص: 627

______________________________

و بالجملة: فلا مانع من انطباق دليل اعتبار الظن على كلا الظنين الحاصلين للمجتهدين، غاية الأمر أنّ لزوم ترتيب الأثر على كل واحد منهما بالنسبة إلى ظنّ الآخر منوط بالدليل، و قد قام في موارد تقدّمت الإشارة إلى بعضها.

فالمتحصل: أنه مع العلم بشرطيّة أو مانعية شي ء للعقد لا يكون ظنّ غيره على خلافه حجّة عليه. إلّا فيما قام الدليل على وجوب اتّباع ظنّ الغير و ترتيب الأثر عليه كموارد النكاح، لأنّ لكلّ قوم نكاحا. و مع الظن بالشرطيّة أو المانعية يجب ترتيب الأثر عليه، فلو ظنّ عدم شرطية العربية في العقد لم يجز لمن يظنّ اعتبارها تزويج المرأة المعقودة بالفارسيّة كما تقدّم.

و يمكن أن يصحّح العقد بأن يقال: إنّ الفتويين المتعارضتين في شروط العقد تسقطان عن الاعتبار، و يرجع إلى عموم دليل نفوذ العقود، بعد وضوح صدق العقد العرفي عليه.

الخامسة: التفصيل في نفي الشرطية بين كون مستنده الأصول العمليّة كأصالتي الحلّ و الطهارة و كحديث الرفع، و بين كونه الأمارات العقلائية أو الشرعية، بالصحّة في الأوّل، و البطلان في الثاني.

توضيحه: أنّ مفاد الأصول بالنسبة إلى الشّاك كالحكم الواقعي في ترتيب الآثار، فالإيجاب الفارسي من الشّاك في اعتبار العربية استنادا إلى حديث الرفع في نفي اعتبارها إيجاب واقعي عند الشارع، فبضمّ القبول إليه يتمّ ركنا المعاملة التي هي متقوّمة بإيجاب صحيح واقعي، و قبول كذلك، و المفروض تحققهما. و لا معنى لبطلان ما هو وظيفة الشّاك الّذي يرجع إلى الأصول العملية، إذ لا واقع له حتى يكون خلافه باطلا، فلا محالة يكون مقتضى الأصل العملي صحيحا أي مقرّرا شرعيّا للشّاكّ. فإذا كان الإيجاب الفارسي من الشّاك صحيحا، فلا ينبغي الشّك في تمامية المعاملة حينئذ بانضمام القبول العربي إليه.

ص: 628

______________________________

و هذا بخلاف ما إذا كان مستند عدم الشرطية الأمارة كإطلاق دليل نفوذ العقود، بتقريب: أنّ إطلاقه ينفي كلّ شكّ في شرط أو مانع، فيفتي لأجل ذلك بعدم اعتبار العربية مثلا. و المجتهد الآخر يرى عدم الإطلاق، و أنّ استفادة إطلاق هذا الدليل خطأ و مخالف للواقع، فيعتقد بطلان الإيجاب الفارسي، و مع هذا الاعتقاد كيف ينضمّ القبول العربي إليه حتّى يتمّ ركنا العقد.

و بالجملة: يكون نفي الشرطية و المانعية بالأصول العملية في المعاملات كنفيهما بها في العبادات، و لذا يصح الاقتداء بمن يكون اجتهاده مخالفا لاجتهاد إمامه في مانعية شي ء، مع استناد الإمام في عدم المانعية إلى حديث الرفع الحاكم على أدلّة اعتبار الشرائط و الموانع. فصلاة الإمام عند المأموم صحيحة واقعا، لأنّ الشّاك في المانعية وظيفته نفي المانعية بحديث الرفع.

فما أفاده الفقيه الطباطبائي في العروة في بطلان العقد من قوله: «لأنّه- أي البيع- متقوم بطرفين» «1» لا يخلو إطلاقه من غموض، لما عرفت من أنّ البطلان إنّما يتمّ إذا كان المستند في نفي الشرطية إطلاق الدليل الاجتهادي، لأنّ المثبت للشرطية يخطّئه. و أمّا إذا كان مستنده مثل حديث الرفع فلا وجه للبطلان كما لا يخفى.

السادسة: ما أفاده المصنف قدّس سرّه من التفصيل بين الشروط التي يسري فسادها إلى إنشاء الآخر، بحيث يبطل مجموع الإيجاب و القبول، كالموالاة و التنجيز و بقاء المتعاقدين على صفات صحّة الإنشاء إلى آخر العقد، و بين الشروط التي لا يسري فسادها إلى إنشاء الآخر كالصراحة و العربية و نحوهما، ببطلان العقد في الأوّل و صحته في الثاني، فلا يجدي في الصحة كون الأحكام الظاهرية أعذارا، أو بمنزلة الواقعية الاضطرارية الّتي بنى المصنف قدّس سرّه صحة العقد و فساده عليها، بل العقد باطل على كلا التقديرين، لعدم تحقق العقد العرفي مع اختلال أحد الشروط المزبورة كالموالاة

______________________________

(1): العروة الوثقى، ج 1، ص 20، المسألة: 55 من مسائل التقليد.

ص: 629

______________________________

و التنجيز و بقاء أهلية المتعاقدين إلى آخر العقد، هذا.

و لا يخفى أن هذا التفصيل بحسب الكبرى صحيح، لكن الإشكال كلّه في الصغريات، فإنّ عدّ التنجيز من الشروط المقوّمة لمفهوم العقد عرفا ممنوع، لما مرّ سابقا من عدم الدليل على اعتبار التنجيز، لا في حقيقة العقد، و لا في صحّته و تأثيره.

أمّا الأوّل فواضح، لما عرفت من صحة الإنشاء المعلّق عرفا، و عدم توقف صدق العقد على التنجيز.

و أمّا الثاني فلأنّ الموجب إن كان قائلا باعتباره و أنشأ الإيجاب منجّزا بقوله:

«بعتك هذا الكتاب بدينار» و قال القابل: «إن طلعت الشمس قبلت» فلا يسري التعليق إلى الإيجاب، لأنّ الإيجاب الذي هو فعل الموجب دون القابل قد وجد متشخّصا، و بعد وجوده يمتنع تعليق وجوده على شي ء، نظير تعليق الضرب الواقع على شخص بأن يكون ذلك واقعا إن كان المضروب يهوديّا دون ما إذا كان مسلما، فإنّ هذا التعليق في غاية البشاعة، فلا يكون العقد من هذه الجهة فاسدا.

و توهّم فساده لأجل عدم التطابق بين الإيجاب و القبول فاسد، لعدم دليل على اعتبار هذا المقدار من التطابق بين الإنشائين، فيصح العقد مطلقا، أمّا مع طلوع الشمس فلتحقّق الشرط و فعليّته. و أمّا بدونه فلما مرّ أيضا من أنّ الموجب- الذي هو موجد البيع- لا يملك التمليك الحالي، إذ الحال ظرف للإيجاب و إنشائه، فالمنشأ نفس التمليك، و بضمّ القبول إليه يتمّ السبب سواء لحق به في الحال أو الاستقبال.

و إن كان القابل قائلا باعتبار التنجيز و الموجب قائلا بعدم اعتباره فأنشأ الموجب معلّقا، و قال: «بعتك هذا الكتاب بدينار إن طلعت الشمس» فقبل القابل و قال: «قبلت» صحّ العقد أيضا، لعدم كون القبول معلّقا، و إنّما هو قبول إيجاب معلّق. ففرق واضح بين تعليق القبول على شي ء، بأن يقول: «قبلت إن جاء زيد» و بين قوله عقيب:- بعتك إن جاء زيد-: «قبلت هذا الإيجاب المعلّق» إذ القبول في الأوّل معلّق دون الثاني، لكونه قبولا

ص: 630

______________________________

منجّزا لهذا المعلّق.

فالمتحصل: أنّ التنجيز ليس ممّا يوجب انتفاؤه فساد مجموع العقد، فلا ينبغي عده ممّا يسري فساده إلى جزئي العقد، كما لا يخفى.

و أمّا الموالاة فإن كان معتبرها هو القابل فلا يصحّ إنشاء القبول مع الفصل المخلّ بالموالاة، فمع الفصل كذلك لا ينضمّ القبول إلى الإيجاب، و يسري فساد القبول المتأخر كذلك إلى الإيجاب، فيفسد كلا جزئي العقد.

و إن كان القائل باعتبارها هو الموجب، فأوجب، و لم يقبل المشتري إلّا مع الفصل المفوّت للموالاة، فسد الإيجاب بنظر الموجب، لأنّه يرى سقوط الإيجاب عن صلوحه لضمّ القبول إليه، فقبل تحقق القبول خرج إيجابه عن الصحة التأهّليّة بنظر الموجب.

و كذا الكلام في بقاء الأهلية، فإن اعتبره الموجب خرج إيجابه- المتعقب بالحجر- عن الصحّة التأهّلية، فلا ينضم إليه القبول في نظره. و إن اعتبره القابل كان الإيجاب المتعقب بالحجر كلا إيجاب، فلا ينضمّ إليه القبول.

فالمتحصل: أنّ العقد الفاقد للأهلية و الموالاة فاسد بكلا جزئية، بخلاف الفاقد للعربية و الماضوية و الصراحة. هذا على مذاق المصنف قدّس سرّه. و قد تقدم الإشكال في اعتبار الموالاة و بقاء الأهلية إلى آخر العقد، فيسقط ما فرّعوه عليهما، فلاحظ و تدبّر.

و أمّا الترتيب فقد جعله المصنف أيضا مما لا يسري فساده إلى الجزء الآخر كالصراحة و العربية. لكن أورد عليه في تقرير سيدنا الخويي: «بأنّه مثل الموالاة و التنجيز ممّا يسري فساده إلى الجزء الآخر، نظرا إلى أنّ التقدم و التأخر متضايفان، فإذا تقدّم القبول على الإيجاب فقد تأخّر الإيجاب عن القبول، فيسري فساد القبول المتقدّم إلى الإيجاب المتأخر» «1» هذا.

______________________________

(1): مصباح الفقاهة، ج 3، ص 81

ص: 631

______________________________

و فيه: أنّه لا يعتبر عنده قدّس سرّه تقدم الإيجاب و تأخر القبول من حيث التقدّم و التأخر، بل قادحية تقدم القبول إنّما هي لأجل عدم تضمّنه للنقل في الحال، و من المعلوم عدم سراية هذه الخصوصية إلى الإيجاب، لأنّه متضمّن للنقل في الحال مطلقا تقدّم أو تأخّر.

نعم بناء على كون تقدم الإيجاب على القبول لأجل الاقتصار على ما هو المتداول في العقود، فيكون الإيجاب المتأخر فاقدا للصفة المعتبرة فيه، و هي التداول الذي يجب الاقتصار عليه.

لكن هذا الوجه مبنى على انصراف العقود إلى خصوص المتداولة و المتعارفة و قد تقدم منعه، و أنّ الحق خلافه. كما أنّ مقتضى التحقيق عدم تضمن الإيجاب و كذا القبول للتمليك و التملك في الحال، بل الحال ظرف لهما. و انصراف العقود إلى المتعارفة قد عرفت سابقا ما فيها، مع الغضّ عن كون كلّ من تقدم الإيجاب و القبول على الآخر متداولا عند العرف.

تتمة فيها مطلبان:

الأوّل: أنّ السيد قدّس سرّه ذكر في حاشيته وجها لفساد العقد مع اختلاف المتعاقدين في الشروط. و محصّل ذلك الوجه: أن العقد متقوّم بطرفين، و يجب على كلّ من المتبايعين إيجاد عقد البيع، و هو عبارة عن الإيجاب و القبول، فلا يجوز لواحد منهما الأكل إلّا بعد ذلك، فمع اعتقاد أحدهما ببطلانه- و لو لأجل بطلان أحد جزئية- لا يجوز له ترتيب الأثر. و إنّما يتم ما ذكره المصنف قدّس سرّه لو كان المؤثر في حق البائع في جواز الأكل الإيجاب الصحيح، و بالنسبة إلى المشتري القبول الصحيح. و ليس كذلك، إذ المؤثر المجموع، و هو فعل كل واحد منهما.

و بعبارة أخرى: ليس جواز القبول معلّقا على وجود إيجاب صحيح من الغير حتى يقال: إنّ المفروض أنّه محكوم بالصحة عند الموجب، بل البيع فعل واحد تشريكي. و لا بدّ من كونه صحيحا في مذهب كلّ منهما ليمكن ترتيب الأثر عليه، و هذا

ص: 632

______________________________

بخلاف مسألة النكاح، فإنّ الفعل للأوّل، و الثاني مرتّب عليه أثره «1».

و حاصل كلامه- بعد أن قال: إنّ ترتب الأثر على ظن المجتهد الآخر إنّما يجوز فيما إذا كان فعله قائما مقام فعله موضوعا للأثر بالنسبة إليه كالنكاح و غيره، دون ما كان فعله قائما مقام فعله، كاستيجار الوليّ للقضاء عن الميّت من يعتقد بطلان صلاته، فإنّ فعل الأجير فعل المستأجر- هو: أن ما نحن فيه أعني اختلاف المتعاقدين في الشروط من هذا القبيل، لتقوّمه بطرفين. فلا بدّ أن يكون صحيحا في مذهب كلّ منهما، لما أفاده في تقليد العروة، فالبيع فعل واحد صادر منهما، فلا بد من كونه صحيحا عندهما معا، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ فعل الأجير ليس فعل المستأجر، لأنّه نائب عن الميّت لا عن المستأجر، و لذا قال في العروة بوجوب عمل الأجير على مقتضى تكليف الميّت اجتهادا أو تقليدا.

و ثانيا:- بعد الغضّ عن ذلك- أنّ تنزيل المقام منزلة فعل الأجير غير وجيه، إذ لا يعقل أن يكون فعل كلّ من المتعاقدين فعل الآخر، ضرورة أنّه لا يعقل أن يكون الإيجاب قبولا و القبول إيجابا، إذ الإيجاب فعل الموجب، و القبول فعل القابل كما هو ظاهر قوله قدّس سرّه في الحاشية: «و يجب على كل من المتبايعين إيجاد عقد البيع، و هو عبارة عن الإيجاب و القبول» الى آخر ما تقدّم، حيث إنّ ظاهره أنّ العقد- الذي هو الإيجاب و القبول- يوجده كل من المتعاقدين. مع أنّه لا يعقل أن يكون العقد بهذا المعنى فعلا لكلّ واحد منهما، بل كلّ منهما يوجد جزءا من العقد الذي هو موضوع الأثر، و إن كان اعتبار القبول اعتبار الإمضاء و التنفيذ لما أوجبه الموجب كما تقدم سابقا.

و الحاصل: أنّ كون البيع فعلا واحدا تشريكيّا غير وجيه، كيف؟ و الإيجاب و القبول عرضان لمحلّين، و يمتنع اتّحادهما وجودا، و لذا ينطبق على العرضين لمحلّين ضابط التركيب، لا التقييد.

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ج 1، ص 93

ص: 633

______________________________

فاللازم حينئذ أن يكون كل واحد من الإيجاب و القبول مطابقا للحجّة عند موجده، فالإيجاب الصحيح عند الموجب و كذا القبول المقبول عند القابل كاف في صحة العقد و ترتّب الأثر عليه. نظير الصلاة الفاقدة للسورة استنادا الى فتوى من لا يرى جزئيّتها، و المشتملة على المرة الواحدة في التسبيحات الأربع، اعتمادا على فتوى من يكتفي بالواحدة، فإنّ هذه الصلاة صحيحة، لأنّ كلّا من فقدانها للسّورة و للثلاث من التسبيحات ممّا يستند إلى الحجة، فإنّ مجموع الصلاة لم يقع عن تقليد أحد المجتهدين حتى يقال: إنّه لم يقل أحد منهم بصحتها، بل وقع بعضها عن تقليد واحد، و بعضها الآخر عن تقليد آخر.

فإذا كانت الصلاة التي هي أهمّ الارتباطيّات كذلك كانت البيع و نحوه من العقود- التي هي من المركبات الارتباطيّة- أولى.

فالتحقيق أن يقال: إن المرجع في المقام هو عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود. توضيحه: أنّ الشّك في اعتبار صحة مجموع الإيجاب و القبول عند كلّ منهما يرجع إلى الشّك في شرطيّة ذلك شرعا، بعد صدق العقد العرفي على العقد المركّب من الإيجاب العربي و القبول الفارسي مثلا. و المرجع حينئذ هو العموم المزبور، و مع هذا الوجه الواضح لا حاجة إلى جعل مبنى المسألة كون الأحكام الظاهرية اضطرارية أو عذريّة، فلاحظ و تدبّر، و اللّه العالم.

المطلب الثاني: أنّه قد أورد المحقق الخراساني على ما أفاده المصنف قدّس سرّهما- من الصحة بناء على كون الأحكام الاجتهادية واقعية اضطرارية- بما حاصله: أنّ مجرد ذلك لا يجدي في الصحة إلّا إذا ثبت كونها اضطراريّة بالنسبة إلى الغير الذي له مساس بالعقد، و إلّا فمجرّد كونه حكما حقيقيا في حقّ نفس الموجب أو القابل لا يجدي في الصحة.

و الحاصل: أنّه لا بد من تقييد إطلاق الصحة- على القول بكون الأحكام الظاهرية

ص: 634

______________________________

بمنزلة الاضطرارية- بما إذا كانت كذلك حتى في حق الغير، هذا «1».

و قد ناقش فيه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بما محصله: أن الاشكال مبني على كون الملكية من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع، إذ بناء على حجية الأمارة على الموضوعية يتجه البحث عن إطلاق التعبد بالآثار و تقييده بخصوص من قامت عنده، فإذا كانت الملكية متوقفة واقعا على العقد بالعربية و أنشأ الموجب بالفارسي و هو يرى صحته، فتصرفه و إن كان في مال الغير حقيقة، لكنه جائز حقيقة، لحدوث مصلحة في التعبد بالأمارة- كإطلاق وجوب الوفاء بالعقود- غالبة على مفسدة التصرف في مال الغير، و التعبد بالملكية تعبد بآثارها، و حينئذ يمكن الإطلاق و التقييد. فبناء على الإطلاق يجوز للمعتقد جميع التصرفات المترتبة على الملك، و لا يجوز لغيره التصرف فيه بدون رضاه، و إن لم يعتقد سببية ما يراه المعتقد سببا. و بناء على التقييد يجوز لخصوص المعتقد التصرف فيه، و لا يحرم على الطرف الآخر- الذي لا يرى سببية الإنشاء بالفارسي- التصرف فيه بدون رضا الموجب.

و أما بناء على ما هو الحق من كون الملكية من الاعتبارات الوضعية يشكل ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه، إذ كما تكون الملكية مجعولة شرعا فكذا سببها مجعول أيضا، فالعقد الفارسي الذي قامت الحجة على سببيته شرعا يصير ذا مصلحة مقتضية لاعتبار الملكية شرعا، فهو سبب تام في التأثير يقتضي ترتيب الملك عليه و لو في حق الطرف الآخر الذي لا يرى سببية الإنشاء الفارسي.

و هذا بخلاف الأحكام التكليفية، فإنّ مجرد قيام الأمارة على خلاف الواقع لا يوجب بدلية مصلحة المؤدى عن مصلحة الواقع، و لذا يجب التدارك، هذا «2».

أقول: الظاهر ورود الاشكال على المحقق الخراساني قدّس سرّه القائل بأن الملكية

______________________________

(1): حاشية المكاسب، ص 29

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 74

ص: 635

______________________________

اعتبار شرعي وضعي كما صرّح به في بحث الأحكام الوضعية من الكفاية و حاشية الرسائل. الا أنه يبقى سؤال الفرق بين التكليف و الوضع، فإنّ لسان التعبد بالأمارة سواء على الطريقية أو الموضوعية هو وجوب تصديق العادل مثلا، فلو كان مدلوله حدوث مصلحة بقيامها يتدارك بها ما يفوت من مصلحة الواقع لزم التعبد بها سواء أ كان المضمون إنشاء المعاملة بالفارسي أم وجوب صلاة الجمعة، و لم يظهر وجه التفصيل بين البابين، هذا.

بل لا حاجة الى التدارك، لأنّه على السببية يكون من تبدل الموضوع كصيرورة المسافر حاضرا، لا من انكشاف الخلاف.

و عليك بملاحظة ما اختاره هذا المحقّق في بحث الإجزاء من حاشية الكفاية، لعلّك تستفيد منه و مما أفاده هنا أمرا آخر.

و كيف كان فالمختار ما ذكرناه في المسألة الثالثة (في ص 622) و اللّه هو الهادي للصواب.

هذا آخر ما أوردناه في هذا الجزء، و سيأتي الكلام إن شاء اللّه تعالى في الجزء الثالث في المقبوض بالعقد الفاسد، و الحمد للّه أوّلا و آخرا، و صلى اللّه على سيّد المرسلين و آله الغرّ الميامين، و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

________________________________________

ص: 636

ص: 637

ص: 638

صورة

ص: 639

صورة

ص: 640

صورة

ص: 641

صورة

ص: 642

صورة

ص: 643

صورة

ص: 644

صورة

ص: 645

صورة

ص: 646

صورة

ص: 647

صورة

ص: 648

المجلد 3

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

ص: 3

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[المقبوض بالعقد الفاسد]

اشارة

مسألة: (1) لو قبض ما ابتاعه

______________________________

المقبوض بالعقد الفاسد

(1) هذه المسألة- بما لها من الفروع- من مهمات مسائل المعاملات، و قد تعرّض لها المصنف قدّس سرّه بعد الفراغ من المقدمة الباحثة عمّا يعتبر في صيغة البيع مادّة و هيئة، كالظهور الوضعي و تقديم الإيجاب على القبول و الموالاة بينهما و التنجيز و غيرها ممّا تقدم البحث فيه تفصيلا. إذ يتّجه حينئذ البحث عن حكم المقبوض بالعقد المختلّ بعض شرائطه، بحيث لم يؤثّر في النقل و التمليك.

و لا يخفى أنّ فساد العقد كما ينشأ من فقد شرط الصيغة، كذلك ينشأ من خلل في ما اعتبره الشارع في المتعاقدين أو العوضين، على ما استظهره المصنف في ثامن تنبيهات المعاطاة بقوله: «لأنّ مرادهم بالعقد الفاسد إمّا خصوص ما كان فساده من جهة مجرّد اختلال شروط الصيغة .. و إمّا ما يشمل هذا و غيره، كما هو الظاهر» «1».

و كيف كان فالمقبوض بالبيع الفاسد موضوع لأحكام سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

الأوّل: عدم دخوله في ملك القابض.

الثاني: كون القابض ضامنا له.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 2، ص 280

ص: 5

بالعقد (1) الفاسد لم يملكه، و كان مضمونا عليه (2).

[الأمر الأول المتفرع على المقبوض بالعقد الفاسد: عدم الملك]
اشارة

أمّا عدم الملك فلأنّه مقتضى فرض الفساد (3).

______________________________

الثالث: وجوب ردّه فورا إلى المالك مع بقائه. و وجوب ردّ بدله- من المثل أو القيمة على تقدير تلفه- إليه. و يتفرّع على هذا- بالنسبة إلى المثلي- حكم تعذر المثل، أو وجوده لكن بأكثر من قيمته المتعارفة. و بالنسبة إلى القيميات يقع البحث عن تعيّن قيمة يوم التلف أو يوم الأداء أو غير ذلك على تقدير اختلاف قيم المقبوض بالبيع الفاسد.

الرابع: ضمان منافعه المستوفاة، بل الفائتة أيضا. و غير ذلك ممّا سيأتي بالتفصيل إن شاء اللّه تعالى.

و المقصود بالبحث فعلا هو الأوّلان أعني بهما عدم الملك و ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

(1) الباء للسببية، يعني: أنّ القبض نشأ من البناء على سببية العقد للملكية و تأثيره فيها، فيكون القبض بعنوان الوفاء بالعقد، لا بعنوان إنشاء النقل، إذ لو علما بفساد العقد و تقابضا بقصد إنشاء البيع كان معاطاة، على ما سبق التصريح به في ثامن تنبيهات المعاطاة بقوله: «نعم إذا حصل إنشاء آخر بالقبض المتحقق بعده، تحقق المعاطاة» «1».

(2) كذا عنون المسألة في الشرائع «2». و قريب منه ما في قواعد العلّامة، حيث قال: «و لو قبض المشتري بالعقد الفاسد لم يملك، و ضمن» «3».

(3) لأنّ فساد الناقل عبارة عن عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عليه، كالملكية المقصودة من البيع، فمقتضى عدم تحققه هو بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 274.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 13.

(3) قواعد الأحكام، ص 47 (الطبعة الحجرية).

ص: 6

[أدلة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد]
اشارة

و أمّا الضمان- بمعنى (1) كون تلفه عليه (2)، و هو أحد الأمور المتفرّعة على القبض بالعقد الفاسد- فهو المعروف (3).

______________________________

و لا حاجة إلى التمسك بأصالة عدم الانتقال، و ذلك لعدم الشك حتى يجري فيه الأصل، فإنّه بعد العلم بفساد العقد واقعا يعلم بعدم انتقال المالين عن مالكيهما، و معه لا شك حتى يعالج بالأصل.

و ادّعى صاحب الجواهر قدّس سرّه عدم الخلاف في هذا الحكم، و استدلّ عليه «بالإجماع بقسميه و بالأصل، بعد فرض بطلان السبب الذي أريد التسبّب به إلى الانتقال، و فرض عدم إرادة غيره من أسباب الملك حتى المعاطاة» «1»، فراجع.

(1) هذا المعنى للضمان سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى قريبا في ما يتعلق بشرح مفردات قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(2) لا بمعنى كون إتلافه عليه، لأنّه مما لا إشكال و لا خلاف فيه، حيث إنّه مقتضى قاعدة الإتلاف، فالضمان الذي اشتهر بين الأصحاب هو بمعنى كون تلف المقبوض- بالعقد الفاسد- عليه.

أدلة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد أ: الإجماع

(3) و في الجواهر أيضا: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم على اليد» «2». و لا يخفى أن ما في المتن من «أن الضمان هو المعروف» لا ينافي الإجماع- المنقول عن شيخ الطائفة- على الضمان، و ذلك للفرق بين التعبير بالمعروف و المشهور، فالمشهور مشعر بوجود قول آخر في المسألة، بل هو ظاهر فيه. بخلاف المعروف، فإنّه مساوق لتعبير الجواهر من عدم الظفر بالخلاف، و من المعلوم أنّ عدم وجدان الخلاف يلتئم مع الإجماع المدّعى في المبسوط.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 256

(2) المصدر، ص 257

ص: 7

[أ: الإجماع]

و ادّعى الشيخ في باب الرّهن، و في موضع من البيع الإجماع عليه (1) صريحا. و تبعه (2) في ذلك فقيه عصره في شرح القواعد.

و في السرائر: «أنّ (3) البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب في

______________________________

(1) أي: على الضمان، و هذا الإجماع هو الدليل الأوّل في المسألة، و قد ادّعاه الشيخ قدّس سرّه في مسألة ما إذا شرط أحدهما في الرّهن شرطا فاسدا، ككون العين المرهونة مبيعا لو لم يؤدّ المديون الدّين إلى المرتهن، قال في المبسوط: «إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر- على أنّه إن لم يقبض إلى محلّه كان بيعا منه بالدّين الذي عليه- لم يصح الرّهن و لا البيع إجماعا، لأنّ الرّهن موقّت، و البيع متعلق بزمان مستقبل. فإن هلك هذا الشي ء في يده في الشّهر لم يكن مضمونا عليه، لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون عليه فكيف بفاسده؟ و بعد الأجل فهو مضمون عليه، لأنّه في يده بيع فاسد، و البيع الصحيح و الفاسد مضمون عليه إجماعا» «1» و لا يخفى صراحة الجملة الأخيرة في كون المقبوض بالبيع الفاسد مضمونا على القابض.

و قال أيضا في كتاب البيع- في حكم المقبوض بالعقد الفاسد- ما لفظه: «فإذا ثبت أنّ البيع فاسد، نظر، فإن كان المبيع قائما أخذه مالكه .. و إن كان تالفا كان له أن يطالب بقيمته كل واحد منهما، لأنّ الأوّل لم يبرء بتسليمه إلى الثاني، لأنّه سلّمه بغير إذن صاحبه، و المشتري الثاني قبضه مضمون بالإجماع» «2».

(2) يعني: تبع الفقيه كاشف الغطاء- في شرح القواعد- شيخ الطائفة قدّس سرّهما في دعوى الإجماع صريحا على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

(3) دلالة كلام ابن إدريس قدّس سرّه على الإجماع من جهة أنه نسب إلى محصّلي الأحكام الشرعية- و هم الفقهاء- اتحاد المقبوض بالعقد الفاسد و المغصوب في الحكم بالضمان.

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 204

(2) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 150

ص: 8

الضمان» «1». و في موضع آخر نسبه (1) إلى «أصحابنا» «2».

[ب: الحديث النبوي «على اليد ..»]

و يدلّ عليه (2) النبويّ المشهور «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «3».

______________________________

(1) نسبة الضمان إلى «أصحابنا» ظاهرة في الإجماع و إن لم تكن صريحة فيه، قال في السرائر: «و من ابتاع بيعا فاسدا، فهلك المبيع في يده، أو حدث فيه فساد كان ضامنا لقيمته أكثر ما كانت إلى يوم التلف و الهلاك، و لأرش ما نقص من قيمته بفساده، لأنّه باق على ملك صاحبه، ما انتقل عنه، فهو عند أصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب، إلّا في ارتفاع الإثم بإمساكه».

ب: الحديث النبوي «على اليد ..»

(2) يعني: و يدلّ على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد- مضافا إلى تظافر نقل الإجماع عليه حديث «على اليد» و هذا هو الدليل الثاني. و الاستدلال به يقع في مقامين أحدهما السند، و الآخر الدلالة. أمّا الأوّل فقد نبّه عليه المصنف قدّس سرّه بتوصيف هذا النبوي ب «المشهور» و مقصوده: أنّ سنده و إن كان في غاية الضعف- بل من أردء الإسناد، لكون راويه عن الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو سمرة بن جندب لعنه اللّه، و عناده للنبي و أهل بيته عليه السّلام و وقوفه بوجهه في حديث نفي الضرر معلوم، و كذلك افتراؤه و اختلاق الأكاذيب عليه و حثّ الناس على قتال السبط الشهيد عليه السّلام غير خفي على من راجع ترجمته- إلّا أن شهرة الحديث بين عامة الفقهاء و عملهم بمضمونه جابرة لضعف سنده، بناء على ما هو الحق من عموم دليل حجيّة الخبر الواحد للوثوق الخبري، و عدم اختصاصه بالوثوق المخبري.

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 285

(2) المصدر، ص 326

(3) عوالي اللئالي، ج 1، ص 224، الحديث 106

ص: 9

..........

______________________________

و عليه فالغرض من «المشهور» هنا ليس مجرّد شهرة الرواية بين الأصحاب، بل الشهرة العملية فإنّها الجابرة لضعف السند، كما أنّ إعراضهم عن الرواية الصحيحة كاسر لصحتها. و قد نبّه المصنف على هذه الجهة في قاعدة ما يضمن بقوله: «و أمّا خبر اليد .. و سنده منجبرا» و من المعلوم أنّ الجابر هو اشتهار الفتوى بمضمون الخبر. فلا وجه لطرحه بضعف رواته- بناء على كونه مسندا كما في كتب العامة و في الخلاف- و لا بالإرسال.

و ما في المتن من انجبار الضعف بالعمل- موافق لما عليه عدة من أساطين الفقه، قال العلّامة الشيخ البلاغي قدّس سرّه: «.. لكنّه قد شاعت روايته بين الفريقين، و كثرت روايته و الاعتماد عليه بين الأصحاب، بل لم يخل من الاعتماد عليه في الاستدلال فيما رأيناه كتاب يتعرّض لمدارك الأحكام، و وصفه في جامع الشتات بالمشهور المقبول، بل ذكر في المضاربة وصفه بالرواية المجمع عليها. و كاشف الغطاء في شرح القواعد بالمستفيض المجمع على مضمونه. و في الرياض بالمشهور المقبول. و في غصب مفتاح الكرامة بالمشهور المعمول به في أبواب الفقه. و في وديعة المقابيس بالقويّة المعروفة المجمع عليها. و في العناوين بالمنجبر بالشّهرة المتلقّى بالقبول عند العامة و الخاصة، و الملحق بالقطعيات في الصدور .. و في الجواهر أنّه مجبور بالعمل» «1».

هذا بعض الكلام في سند الحديث، و له تتمة تذكر في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا المقام الثاني- و هو دلالة النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد- فتوضيحه: أن هذه الجملة و إن كانت بظاهرها إخبارا عن كون الشي ء المأخوذ فوق يد الآخذ، إلّا أنّ المناسب لشأنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إنشاء الحكم الشرعي،

______________________________

(1) العقود المفصلة، المطبوعة مع تعليقة المكاسب، ص 2

ص: 10

..........

______________________________

إمّا التكليفي كما نسب إلى جمع، و إمّا الوضعي كما استظهره آخرون. و يتمّ ذلك ببيان أمرين:

الأوّل: أنّ المراد باليد ليس هو الجارحة الخاصة، بل المراد صاحبها، تسمية للكل باسم الجزء، كما شاع تسمية الجاسوس عينا، و الترجمان لسانا، و المستمع أذنا.

و عليه فالمقصود باليد هو المستولي على الشي ء.

الثاني: أنّ المراد بالموصل هو الشي ء المأخوذ بما أنّه مال عرفا. و لمّا كان المال عينا خارجية كما هو الغالب، أو ما بحكمها- كالمنفعة و بعض الحقوق- توقّف إسناد الحكم إليها على تقدير فعل مناسب يتعلّق بالمال، كتقدير الأكل في حلية الطعام، و الشرب في حرمة الدم و الخمر، و نحوهما ممّا ورد في الكتاب و السّنة.

و في هذا النبوي يدور الأمر بين إرادة التكليف و الوضع. فعلى الأوّل إمّا أن يقدّر وجوب الرد و الأداء بأن يكون المدلول: «يجب على ذي اليد أداء ما أخذه إلى مالكه» و إمّا أن يقدّر وجوب الحفظ، بأن يكون المفاد: «يجب على ذي اليد حفظ ما أخذه إلى أن يؤدّيه إلى مالكه».

و على الثاني يكون معنى الجملة: «اليد الآخذة لمال الغير ضامنة له». و رجّح المصنف قدّس سرّه هذا الاحتمال، بدعوى ظهورها عرفا في الضمان، من جهة إسناد الظرف إلى المال، لا إلى سائر الأعيان و الأفعال، للفرق بين أن يقال: «لزيد عليّ دين» حيث لا يستفاد منه إلّا الإقرار بالدين و اشتغال العهدة به، و بين أن يقال: «كتب عليكم الحج أو الصوم» أو «حرّم عليكم الدّم» فإنّ الظرف- في المثال الأوّل- أسند إلى الفعل و هو الحج و الصوم، و لا يراد به إلّا الوجوب التكليفي، و في المثال الثاني أسند التحريم إلى عين خارجية، و هو ظاهر في النهي عن الشرب و الأكل.

و الحاصل: أنّ ظهور الجملة في الحكم الوضعي- و هو الضمان- ممّا لا ينكر.

و به يتم الاستدلال بالنبوي على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

ص: 11

و الخدشة (1) في دلالته «بأنّ كلمة- على- ظاهرة في الحكم التكليفي،

______________________________

(1) ذكر هذه الخدشة في دلالة الحديث على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد شيخ الطائفة و العلامة و الفاضل النراقي قدّس سرّه حيث إنّهم استفادوا منه الحكم التكليفي لا الوضعي، فالأوّلان ذهبا إلى أنّ مفاده وجوب ردّ المأخوذ، و الفاضل ذهب إلى أنّ مدلوله وجوب الحفظ عن التلف.

أمّا شيخ الطائفة قدّس سرّه فيظهر منه ذلك في استدلاله بالنبوي على تحريم الغصب و وجوب ردّ المغصوب إلى مالكه. قال في غصب المبسوط بعد ذكر جملة من الآيات و الروايات: «و روي عن الحسن عن سمرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1». و قال بعده: «فإذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما ردّه، و إن كان تالفا فعليه مثله، لقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «2»».

و الظاهر أنه قدّس سرّه استفاد من الحديث حكم بقاء العين المغصوبة، فاستدلّ بالنبوي على وجود ردّها، و استفاد وجوب ردّ المثل من الآية الشريفة.

و قال أيضا في الوديعة: «و إذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة من الطرفين، من جهة المودع متى شاء أن يستردّها فعل. و من جهة المودع متى شاء أن يردّها فعل، بدلالة ما تقدّم من الأخبار و الآي. و روى سمرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «3». و مراده بالآيات و الأخبار هو ما دلّ على وجوب ردّ الأمانات و الودائع إلى أهلها، فراجع.

و أمّا العلّامة قدّس سرّه فقال في وجوب ردّ العين المغصوبة: «كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه على المالك، سواء طالب المالك بردّه أولا، ما دامت العين باقية،

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 59 و 60

(2) سورة البقرة، الآية: 194

(3) المبسوط في فقه الإمامية، ج 4، ص 132

ص: 12

فلا يدلّ على الضّمان (1)» ضعيفة (2) جدّا،

______________________________

بلا خلاف، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» «1».

و قال في لقطة المختلف: «و قوله عليه السّلام: على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه أوجب دفع العين» «2».

و أمّا الفاضل النراقي قدّس سرّه فقال- بعد المناقشة في استظهار كلّ من وجوب الأداء و الضمان- ما لفظه: «فالأظهر تقدير الحفظ من الضياع و التلف، أو نحوه .. فيكون معنى الحديث: يجب على ذي اليد حفظ ما أخذت إلى زمان أدائه ..» «3».

و كيف كان فتقريب دلالة الحديث على مجرّد الحكم التكليفي، و اختصاص مدلوله بحال بقاء العين الواقعة تحت اليد هو: أنّ جعل شي ء على شخص ظاهر في التكليف، كأن يقال: إذا بلغ الصغير فعليه الصوم و الصلاة. فإنّ المراد بهذه العبارة هو الوجوب التكليفي. و عليه فلا يستفاد من الحديث النبوي حكم وضعي و هو استقرار المال المأخوذ في عهدة الآخذ حتى يجب عليه دفع المثل أو القيمة إذا تلف المال بيده.

(1) يعني: في مطلق موارد وضع اليد على مال الغير، سواء في المقام و هو المقبوض بالبيع الفاسد، أم غيره.

(2) خبر قوله: «و الخدشة» و تضعيف لها، و محصّله: أنّ ظهور «على» في التكليف مسلّم فيما إذا أسند حرف الاستعلاء إلى فعل كالصلاة و الصوم و الحج و نحوها، دون ما إذا أسند إلى مال من الأموال، كقوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «4» فإنّه ظاهر حينئذ في استقرار النفقة على عهدة الوالد. و كذا الحال في الحديث النبوي، إذ المراد بالموصول في «على اليد ما أخذت»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383 (الطبعة الحجرية).

(2) مختلف الشيعة، ج 6، ص 87

(3) عوائد الأيام، ص 110، العائدة الثالثة و الثلاثون.

(4) سورة البقرة، الآية: 233

ص: 13

فإنّ (1) هذا الظهور إنّما هو إذا أسند الظرف إلى فعل (2) من أفعال المكلّفين، لا إلى مال من الأموال (3)، كما يقال (4): «عليه دين» فإنّ لفظة «على» حينئذ لمجرّد الاستقرار في العهدة (5)، عينا (6) كان أو دينا (7).

و من هنا (8) كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير بل المجنون

______________________________

هو المال، فتكون عهدة المأخوذ على الآخذ، فلو تلف ثبت بدله في ذمّته، و هذا هو الضمان المبحوث عنه.

(1) هذا تقريب ضعف الخدشة، و قد عرفته آنفا.

(2) كالصلاة و الصوم و الزكاة و الحجّ و نحوها من أفعال المكلّفين، فإنّ إسناد «على» إلى الفعل ظاهر في التكليف.

(3) كما في الحديث النبوي.

(4) غرضه الاستشهاد بظهور إسناد حرف الاستعلاء إلى المال في استفادة الحكم الوضعي لا التكليف.

(5) فيصح الاستدلال به على الضمان، بناء على استقلال الأحكام الوضعية في الجعل، و عدم انتزاعها من التكليف.

(6) كما إذا كانت العين المأخوذة بالعقد الفاسد باقية لم يطرأ عليها التلف.

(7) كما إذا تلفت العين، أو كان المستقر في العهدة- من أوّل الأمر- دينا، كالمبيع سلفا.

(8) أي: و من ظهور إسناد «على» إلى المال في الضمان، يتجه الاستدلال بالنبوي المزبور على ضمان الصبي و المجنون كالبالغ و العاقل إذا كان لهما تميّز و شعور، حيث إنّ الأخذ ظاهر في الإرادة و الاختيار. فإن لم يكن لهما شعور لم يصدق «الأخذ» على فعلهما حتّى يصحّ الاستدلال به على الضمان. و لو كان مفاد الحديث الحكم التكليفي امتنع شموله للطفل و المجنون، لحديث رفع القلم عنهما.

ص: 14

إذا لم تكن يدهما ضعيفة، لعدم (1) التمييز [التميّز] و الشعور.

______________________________

(1) تعليل لتقييد ضمان الصبي و المجنون بعدم الضعف، إذ لو كانت يدهما ضعيفة لم يصدق «الأخذ» على الاستيلاء على مال الغير، و كان الحديث النبوي قاصرا عن إثبات ضمانهما حينئذ [1].

______________________________

[1] تنقيح البحث في هذه المسألة المعروفة بالمقبوض بالعقد الفاسد يتوقف على بيان أمور:

الأوّل: في موضوعها، و هو: أنّ مورد البحث على ما يستفاد من كلمات الأصحاب هو كون القبض بعنوان الوفاء بالعقد و من لوازمه و آثاره. و عدم كونه بنفسه إنشاء للملك كالمعاطاة، فإنّ الباء في قوله: «بالعقد الفاسد» للسببيّة، فالقبض بعنوان الإنشاء خارج عن ظاهر كلامهم. إمّا لعدم سببيّة المعاطاة للملك عندهم، و إمّا لعدم قصد المتعاقدين لها، فمصبّ كلامهم هو القبض المترتب على العقد الفاسد، و لذا قال في الجواهر: «نعم لو علم منهما و لو بالقرائن بعد ذكرهما العقد عدم إرادتهما ذلك، بل قصد الإنشاء بتقابضهما و أرادا حصول الملك أو الإباحة جرى عليه حينئذ حكم المعاطاة، و كان خارجا عمّا نحن فيه. و بذلك ظهر الفرق بين البيع الفاسد و المعاطاة. لكن قد عرفت سابقا أنّ قصد التملك العقدي غير مشخّص مع فرض تحقق البيع بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا. على أنّ الأصحاب قد أطلقوا عدم الملك به و إن لم يكن قصد إلّا الى البيعية. فهذا شاهد على عدم صحة بيع المعاطاة عندهم. و من هنا يتجه إطلاقهم عدم الملك» «1».

و أنت خبير بعدم شهادة إطلاق كلامهم عدم الملك بعدم صحة المعاطاة، لتوقف هذه الشهادة على كون المعاطاة عبارة عن مطلق التقابض و لو كان حاصلا مع الصيغة الملحونة و نحوها من أفراد العقد الفاسد كما يراه الشهيد و المحقق الثانيان قدّس سرّه. إذ على هذا الفرض يدلّ إطلاق كلامهم عدم الملك في المقبوض بالبيع الفاسد على عدم صحة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 257

ص: 15

______________________________

المعاطاة، حيث إنّها لو كانت صحيحة كانت مملّكة، فيحصل الملك بها، و لم يكن وجه لإطلاق القول بعدم الملك.

لكن المعلوم من كلماتهم أنّ المعاطاة عندهم عبارة عن التقابض الذي يكون آلة لإنشاء البيع، سواء لم يكن لفظ في البين، أم كان مع علم المتبايعين بفساده، و إنشائهما البيع بالتعاطي مع الغضّ عن ذلك العقد الفاسد. و أمّا بدون إنشائهما البيع بالتقابض فلا يكون هنا معاطاة.

و الحاصل: أنّ إطلاق كلامهم المزبور لا يدلّ على بطلان المعاطاة.

نعم يمكن أن تكون المعاطاة باطلة لفقدانها لبعض الشرائط، لكنها لا تندرج تحت عنوان المقبوض بالعقد الفاسد. فالمراد هو المقبوض المترتب قبضه على البيع الفاسد، لا المقبوض الذي نفس قبضه إنشاء للبيع.

نعم لا تختص الأحكام الآتية بالمقبوض بالعقد البيعي، بل يعمّ المقبوض بكل عقد فاسد بيعا كان أم صلحا أم غيرهما. و قولهم: «لو قبض ما ابتاعه .. إلخ» إنّما هو لذكرهم هذه المسألة في كتاب البيع، و لذا قالوا: «ما ابتاعه» و إلّا فالمناسب أن يقال:

«لو قبض ما تملّكه أو أراد تملّكه بالعقد الفاسد».

فالمتحصل ممّا ذكرنا: عدم خصوصية بالبيع، بل العنوان عام، و هو المقبوض بالعقد الفاسد سواء أ كان بيعا أم صلحا أم غيرهما.

الثاني: المراد بالمقبوض هو كون الشي ء تحت اليد و التصرف و الاستيلاء، بحيث لو ترتب عليه أثر كصحة عقد السلم و الصرف و الرّهن و غيرهما ممّا يتوقف عليه صحة العقد، لترتّب عليه، فالقبض هنا كالقبض في سائر الموارد.

و الحاصل: أنّ المراد بالمقبوض معنى يصحّ الاستدلال على حكمه بقاعدة اليد الآتية.

الثالث: في الحكم المترتب على المقبوض بالعقد الفاسد، و هو على قسمين تكليفي و وضعي.

ص: 16

______________________________

أمّا الأوّل فحاصله: أنّ مقتضى القاعدة العقلية و النقلية حرمة التصرف و قبحه في المقبوض بالعقد الفاسد، لإناطة جوازه بطيب نفس المالك و رضاه، فيحرم على القابض التصرف فيه إلّا بإذن المالك، و الرّضا المعاوضي المتقوم بالعقد قد ارتفع، فلا مسوّغ للتصرف، إذ احتمال تجدّد الرضا- بعد ثبوت فساد العقد- منفي بالأصل و هو الاستصحاب. و لو نوقش فيه فلا مانع من جريان الاستصحاب الحكمي أعني به استصحاب الحرمة.

مضافا إلى كونه خلاف الفرض، إذا الكلام في جواز التصرف في المقبوض لأجل الرضا المعاملي، لا الرّضا الحادث بعد العلم بفساد العقد، فإنّ الرضا الجديد غير محرز، و هو منفيّ بالأصل.

فدعوى بقاء الاذن و الرضا بالتصرف الذي كان في ضمن العقد، لأنّ الجنس لا يتقوّم بفصل خاصّ، غير مسموعة، لأنّ الرضا ليس جنسا حتى يقال بعدم تقوّمه بفصل خاص، بل هو أمر بسيط ما به امتيازه عين ما به اشتراكه.

و الحاصل: أنّ التصرف في مال الغير حرام إلّا بطيب نفس المالك و رضاه، و لا يجوز عقلا إلّا بعد إحراز الرضا، هذا. فما عن المحقق الأردبيلي قدّس سرّه من إباحة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد مما لم يظهر له وجه «1».

و أمّا الثاني: و هو الحكم الوضعي أعني به الضّمان فيدلّ عليه- مضافا إلى الشهرة و الإجماعات المحكيّة في المتن و غيره- «النبوي المشهور» كما في كلام المصنف و غيره، و «المعمول به عند الفريقين» كما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه «2»، و غيره من أساطين الفقه. و غرضهم من نحو هذا التعبير كفاية الوثوق الخبري في العمل بالحديث، و هو متحقق في المقام، و ذلك لتماميّة أمرين:

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 192

(2) منية الطالب، ج 1، ص 116

ص: 17

______________________________

أحدهما: إحراز استناد المشهور إلى هذا النبوي و العمل بمضمونه، و ثانيهما: كون العمل برواية ضعيفة سندا جابرا لضعفها، و إعراضهم عن رواية قويّة سندا كاسرا لصحتها و موهنا لاعتبارها. و الأمر كما أفادوه.

تحقيق سند النبوي «على اليد» لكن قد نوقش في كلا الأمرين، أمّا في الكبرى فبمنع كون عمل المشهور جابرا، و إعراضهم كاسرا، كما تكرّر في كلمات بعض الأعاظم فقها و أصولا «1». و أمّا في الصغرى فلما في كلامه أيضا و كلام بعض الأجلّة من عدم إحراز عمل قدماء الأصحاب بهذا النبوي «فإنّ جمعا منهم لم يذكروه في كتبهم كما يظهر بمراجعة نكت النهاية و المقنع و الهداية و المراسم و الوسيلة و جواهر الفقه.

و جمعا منهم و إن أوردوا هذا الحديث في كتبهم كالسيدين و شيخ الطائفة، بل و ابن إدريس أيضا. إلّا أن الظاهر إيراده احتجاجا على المخالفين لا اعتمادا عليه. قال السيّد في الانتصار في مسألة ضمان الصّنّاع: «و مما يمكن أن يعارضوا به لأنّه موجود في رواياتهم و كتبهم- ما يروونه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من قوله: على اليد ما أخذت حتى تؤديه» لظهور كلامه في الإيراد على المخالفين بما هو مسلّم عندهم، و لا يستفاد منه استناد السيد إليه.

و قريب منه كلام السيّد أبي المكارم في غصب الغنية و إجارتها، لقوله: «و يحتجّ على المخالف بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم .. إلخ».

و أورده شيخ الطائفة في غير مورد من الخلاف و المبسوط رواية و احتجاجا على القوم كما هو دأبه في كتابيه، لا استنادا. ففي غصب الخلاف، مسألة 20، بعد عنوانها و ذكر خلاف أبي حنيفة قال: «دليلنا أنه ثبت أنّ هذا الشي ء قبل التغيير كان ملكه،

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 88 و 89

ص: 18

______________________________

فمن ادّعى أنّه زال ملكه بعد التغيير فعليه الدلالة. و روى قتادة عن الحسن عن سمرة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه».

و الظاهر أنّ مستنده هو الأصل خاصة. إذ لو كان مستنده هو الحديث لم يكن وقع للاستدلال بعدم الدليل على زوال ملكه، و عليه فيكون إيراد الحديث لمحض الاحتجاج على أبي حنيفة.

نعم تمسّك به ابن إدريس في غصب السرائر، و نسبه جزما إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع عدم عمله بالخبر الواحد، ثم شاع الاستدلال به بين المتأخرين من زمن العلّامة. مع احتمال أن يكون ذكره احتجاجا عليهم كما يظهر من موضع آخر من غصب السرائر، حيث قال: «و يحتجّ على المخالف بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على اليد. و هذا يوجب حصول الاحتمال بأن سائر الموارد من قبيل الاحتجاج عليهم، لا التمسك به، و إن كان خلاف الظاهر.

و لم أر إلى الآن فيما حضرني من كتب العلّامة تمسّكه به لإثبات حكم، و إنّما نقل عن ابن الجنيد و ابن إدريس التمسك به على ما حكي. و حدوث الاشتهار بعده لا يفيد شيئا.

و عليه فالاعتماد على هذا الحديث مشكل، و ترك العمل به مشكل آخر، مع جزم ابن إدريس بصدوره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مع طريقته في العمل بالأخبار. مع احتمال أن يكون ذلك لاجتهاد منه و قيام قرائن عنده ربما لا تفيدنا علما و لا عملا. و اختلاف عبارات الحديث بحيث ربما يكشف عن تكرّره و تظافره و اعتماد محققي أصحابنا من بعد ابن إدريس إلى عصرنا مع تورّعهم و التفاتهم الى ضعفه، و لا بدّ من الجبر في مثله، و هو لا يمكن إلّا باعتماد قدماء الأصحاب عليه، مع إتقان متنه و فصاحته بما يورث قوّة الاحتمال بأنّه من كلمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا سمرة و لعلّ بناء العقلاء على مثله

ص: 19

______________________________

مع تلك الشواهد لا يقصر عن العمل بخبر الثقة. لكن بعد اللتيّا و الّتي في النفس تردد «1».

أقول: أمّا المناقشة في كبرى الجبر بالعمل فقد فرغنا من الجواب عنها بما علّقناه على بحث حجيّة الشهرة «2»، و محصّله: أنّ عمل المشهور برواية ضعيفة مع تشتت آرائهم في حجية أخبار الآحاد، و شدة ورعهم و علمهم بضعف الراوي و خبثه يوجب الوثوق العقلائي بالصدور، و هو المناط في سيرة العقلاء في العمل بالأخبار، و لا مقيّد لها بالوثوق المخبري خاصة.

و أمّا المناقشة في الصغرى- بمعنى عدم إحراز استناد قدماء الأصحاب إلى هذا النبوي- فغير ظاهرة أيضا.

أمّا قوله: «و الظاهر أنّ مستنده هو الأمر الأوّل .. إلخ» ففيه: أنّ كلمات قدماء الأصحاب و متأخّريهم في مقام الاستدلال مشحونة بذكر الأصل و الرواية و الإجماع في عرض واحد، فيقولون: «للأصل و لقول الصادق عليه السّلام و للإجماع». مع أنّ الأصل ليس في رتبة الدليل، فالشيخ في الخلاف يذكر الأصل و هو الاستصحاب بقوله: «دليلنا: أنّه ثبت أنّ هذا الشي ء قبل التغيير كان ملكه .. إلخ» ثم يعقّبه بحديث على اليد. و بقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يحل مال امرء مسلم إلّا (بطيب من نفسه) عن طيب نفس منه». فهل يمكن التفكيك بين كلاميه قدّس سرّه بأن يقال: إنّ الشيخ أورد الأوّل احتجاجا و الثاني استنادا، مع وحدة السياق، و ذكره لهما بعد قوله: «دليلنا» فإنّ هذه اللفظة قرينة واضحة على كون ما يذكر بعدها دليلا على الحكم و مستندا له. فإنّ الاحتجاج على الخصم و إلزامه بما ألزم به نفسه لا ينافي الاستناد. فظهور كلام الشيخ في الاستناد إلى كلا النبويّين ممّا لا ينبغي إنكاره.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 1، ص 247 الى 250

(2) منتهى الدراية، ج 4، ص 390

ص: 20

______________________________

و نظير هذه المسألة ما أفاده الشيخ في غصب الخلاف (في المسألة 22): «إذا غصب ساجة فبنى عليها .. إلى أن قال: كان عليه ردّه .. إلى أن قال: دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى .. إلى أن قال: و روى سمرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه، و هذه يد قد أخذت ساجة، فعليها أن تؤديها. و أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه، نفس منه، يدلّ عليه، لأنّه ما طابت نفسه بالبناء على ساجته» «1».

فإنّ قوله: «و أيضا .. إلخ» يدلّ على أنّ ذكر «على اليد» كان للاستناد.

مضافا إلى أنّه ذكر هذا الحديث بعد قوله: «دليلنا» فكلّ ما يذكره بعد هذا اللفظ يكون حجة و مستندا للحكم، و إلّا كان عليه قدّس سرّه» أن يقول: «و يؤيده». و لو كان مقصوده الاحتجاج على العامة لكان المناسب أن يعبّر بما عبّر به السيد قدّس سرّه بقوله: «و ممّا يمكن أن يعارضوا به ما يروونه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو يقول- كما عبّر به في بعض الموارد- «و يحتج على المخالف» حتى لا يحرز استناد فتواه إلى خصوص هذا الحديث.

و نظير هذا في العمل بالحديث ما نسبه إليه العلّامة في المختلف بقوله: «مسألة:

إذا ارتهن الغاصب الغصب صحّ. قال الشيخ في الخلاف: و لا يزول الضمان، لثبوته قبل الرّهن، فمن ادّعى براءته منه فعليه الدلالة. و لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انّه قال: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» ثم قال العلّامة: «و قد ذكرنا نحن في بعض كتبنا زوال الضمان، لأنّه مأذون له في الإمساك، فيسقط الضمان، و قول الشيخ لا يخلو من قوّة» «2».

و لا يخفى دلالة كلامه في تقوية الضمان على عمله بالحديث تبعا للشيخ، كظهور نفس عبارة الخلاف في الاستناد، و لا أثر من الاحتجاج على المخالف في كلامه.

و أظهر من ذلك في الاستناد إلى الحديث كلامه في غصب المبسوط و وديعته،

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 408 و 409

(2) الخلاف، ج 3، ص 228، مختلف الشيعة، ج 5، ص 417

ص: 21

______________________________

حيث جعل الحديث النبوي في عداد ما رواه من السّنة الدّالة على وجوب ردّ المغصوب و الوديعة إلى المالك.

هذا مضافا إلى تصريح هذا القائل باستدلال الشيخ بقاعدة اليد، في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد- في الاشكال على المصنف في ما نسبه الى الشيخ من استدلاله بالاقدام- حيث قال: «مع أن عبارة الشيخ في بيع المبسوط و غصبه على ما عثرت عليه ليست كما نقلها، بل ظاهرة بضمان اليد بدليلها» «1».

فلو كان ذكر النبوي لمجرّد التأييد لا الاستناد كان إشكال شيخنا الأعظم على شيخ الطائفة في استدلاله بالاقدام في محله، و لا يتّجه الاعتراض عليه بأنّ الدليل المتكرر في بيع المبسوط و غصبه هو اليد لا الاقدام. هذا كله في استناد شيخ الطائفة إلى النبويّ.

و استند ابن الجنيد إلى هذا النبوي على ما نقله العلّامة عنه قدّس سرّهما في عارية المختلف، فقال: «و قال ابن الجنيد: و ليس يضمن المعار تلف ما تلف منها إذا كانت السلعة متاعا، إلّا أن يتعدّى. و ما كان منها عينا أو ورقا أو حيوانا ضمن المعار تلف ذلك، إلّا أن يشترط المال [المالك] سقوط الضمان عنه .. احتجّ بقوله عليه السّلام: على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» «2».

و أورده السيّد أبو المكارم أيضا في الغنية «3»، و هو و إن كان في مقام الاحتجاج عليهم، إلا أنّه لم يعبّر بمثل ما عبّر به السيد المرتضى من قوله: «و ممّا يمكن أن يعارضوا به» و إنّما أسند الحديث إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ظاهره القطع بصدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّه لا يعمل بالأخبار الآحاد المفيدة للظن.

و أورده ابن إدريس في مواضع من السرائر، فاستدلّ به فيما إذا اختلف شخصان

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 1، ص 270

(2) مختلف الشيعة، ج 6، ص 72

(3) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ج 4، ص 536، السطر 21 و ص 537، السطر 27

ص: 22

______________________________

في كون مال وديعة أو قرضا، و قال: «و يكون القول قول من ادّعى أنّه دين، لأنّه قد أقرّ بأنّ الشي ء في يده أوّلا، و ادّعى كونه وديعة، و الرّسول عليه السلام قال: على اليد ما أخذت حتى تردّه .. إلخ» «1». و ليس في هذا الكلام شائبة الاحتجاج على المخالفين، و إنّما عارض رأي شيخ الطائفة في نهايته.

و قال أيضا في مسألة أخرى في باب الرّهن: «و الرسول عليه السّلام قال: على اليد ما أخذت حتّى تؤديه، إلّا ما خرج بالدليل» «2».

و قال في كتاب الغصب: «و يحتجّ على المخالف بقوله عليه السّلام: على اليد ما أخذت حتّى تؤدي» «3».

و قال في كتاب الغصب أيضا: «و من غصب ساجة فأدخلها في بنائه، لزمه ردّها، و إن كان في ذلك قلع ما بناه في ملكه، لمثل ما قدّمناه من الأدلة، من قوله عليه السّلام: لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفس منه. و قوله عليه السّلام أيضا: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» «4».

و مبناه الأصولي في حجية الخبر غير خفي على من يتصفّح السرائر، و أنه قدّس سرّه لا يسند الحديث الى المعصوم عليه السلام إلّا بالقطع، فقد تكرّر منه هذه الجملة في الإيراد على شيخ الطائفة قدّس سرّه: «و قد بيّنا أن أخبار الآحاد عند أصحابنا لا توجب علما و لا عملا، و الواجب على المفتي الرجوع في صحة الفتوى إلى الأدلة القاطعة» «5» و نحوه كلامه في باب الرهن «6».

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 437

(2) المصدر، ص 425

(3) المصدر، ص 481

(4) المصدر، ص 484

(5) المصدر، ص 322

(6) المصدر، ص 422

ص: 23

______________________________

و لا ينافي حجيّة هذا الحديث عنده و استناده إليه إيراده احتجاجا على المخالف في موضع من كتاب الغصب، لأنّ غايته إلزامهم بما هو حجة عندهم أيضا. فيكون الحديث مقبولا عند الخاصّة و العامّة، و لعلّ هذا منشأ استظهار صاحب العناوين و غيره من اتفاق الفريقين على صدوره منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و بهذا ظهر أن شبهة إيراده احتجاجا- في عبارة الغنية- غير جارية في كلام ابن إدريس في المواضع التي استند فيها الى الحديث.

و أمّا العلّامة قدّس سرّه فقد أورده في المختلف و التذكرة، فاستند إلى الحديث في الكتابين، و نقل في المختلف استدلال الشيخ في الخلاف، و استدلال ابن الجنيد و ابن إدريس به، و كذا نقل استدلال المشهور به.

أمّا استناده إلى الحديث ففي مواضع، ففي التذكرة: «كلّ من غصب شيئا وجب عليه ردّه على المالك، سواء طالب المالك بردّه أو لا، ما دامت العين باقية، بلا خلاف، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» «1» و أسنده إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الضمان بالمباشرة، فراجع «2».

و قال في المختلف: «إذا ادّعى الراكب الإجارة و المالك العارية المضمونة بعد تلفها قبل مضيّ مدة لمثلها أجرة، قال الشيخ في المبسوط: القول قول الراكب مع يمينه، لأنّ صاحبها يدّعي ضمانا في العارية فعليه البيّنة، و الأصل براءة ذمة الراكب. و الأقرب أنّ القول قول المالك، لأنّ الأصل تضمين مال الغير، لقوله عليه السّلام: على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه» «3» و نحوه في الاستناد كلامه في باب اللقطة «4».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 382 و 383

(2) المصدر، ص 374

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 77

(4) المصدر، ص 87

ص: 24

______________________________

و نقل استدلال المشهور به بقوله: «مسألة: المشهور أن المقبوض بالسّوم مضمون كالمقبوض بالبيع الفاسد. و قال ابن إدريس: لا يكون مضمونا، و هو الأقرب، و له قول آخر في باب الغصب: إنّه مضمون. لنا: الأصل عدم الضمان .. احتجوا بعموم قوله عليه السّلام:

على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» «1». و هذه الجملة الأخيرة هي المعتمدة في إحراز عمل المشهور بهذا النبوي و الفتوى بمضمونه، و ظاهره الأخبار الحسّي باستناد المشهور إليه، و إلّا كان المناسب أن يقول: «و يحتجّ لهم».

و بهذا ظهر أنّ عدم ظفرنا بالحديث في عدّة من المتون الفقهية القديمة كالمقنع و المقنعة و الجواهر و الكافي و غيرها غير قادح في استنادهم إليه بعد شهادة مثل العلّامة باستدلالهم به و حجيته عندهم.

كما ظهر أيضا التأمّل فيما ذكره القائل من «عدم ظفره باستدلال العلامة بهذا النبوي، و إنّما اقتصر على نقل استدلال ابن الجنيد به» إذ عرفت استناد العلّامة إليه في مواضع عديدة، و نقل استناد شيخ الطائفة و ابن إدريس و المشهور به أيضا في مواضع أخرى.

هذا مضافا إلى أنّ دعوى عدم الظفر به في كلام العلّامة ربما ينافي قوله في مقام آخر: «ثم شاع الاستدلال به بين المتأخّرين من زمن العلّامة».

هذا كلّه في إحراز عمل القدماء و بعض المتأخرين كالعلّامة. و أمّا من تأخّر عنه كالشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم فقد أسندوه إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بلا تأمّل، كما لا يخفى على من راجع الدروس و جامع المقاصد و المسالك و غيرها.

و قد تحصّل من هذا التتبّع في كلمات فقهائنا الأبرار الوثوق بانجبار ضعف سند الحديث. بل لا تبعد دعوى كون المضمون مجمعا عليه بينهم، و عليه لا مجال للتشكيك في عمل المشهور به كما لا مجال للمناقشة في كبرى الجبر بعملهم.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 321

ص: 25

______________________________

فالحقّ أنّ النبوي المزبور لا يكون أقلّ من خبر الثقة، فيصح الاستناد إليه و الاعتماد عليه في استنباط الحكم الشرعي، فلا بدّ من عطف عنان البحث إلى دلالته، فنقول و به نستعين، و بوليّه صلوات اللّه عليه نتوسل و نستجير:

محتملات حديث «على اليد» إنّ الوجوه المحتملة في معنى الحديث كثيرة:

الأوّل: أنّه يدلّ على الحكم التكليفي ما دام المأخوذ موجودا، فيختص بحال وجود العين، و لا يدلّ على حكم ما بعد تلفها، و للقائلين بذلك مسلكان:

أحدهما: أن يكون متعلق الحكم التكليفي ردّ العين، فيجب ردّ العين على من أخذها. و هذا الاحتمال يستفاد من كلام الشيخ قدّس سرّه في المبسوط، حيث إنّه- بعد بيان تحريم الغصب و إقامة الأدلة الأربعة عليه و ذكر النبوي على اليد ما أخذت .. إلخ- قال: «و الإجماع ثابت على أنّ الغصب حرام، فإذا ثبت تحريم الغصب فالأموال على ضربين حيوان و غير حيوان، فأمّا غير الحيوان فعلى ضربين ماله مثل و ما لا مثل له، فما له مثل ما تساوت أجزاؤه، و معناه تساوت قيمة أجزائه، فكلّ هذا له مثل كالحبوب و الأدهان و التمور و الأقطان و الخلول التي لا ماء فيها، و الأثمان و نحو هذا كلّه له مثل، فإذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما ردّه، و إن كان تالفا فعليه مثله، لقوله تعالى:

فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» «1» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه.

و قريب منه عبارة التذكرة: «و كلّ من يثبت يده على مال الغير و لا حقّ له في إمساكه و كان المال باقيا وجب عليه ردّه على مالكه، بلا خلاف، لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي. و لأنّ حق المالك متعلق بماليّته، و ماليّته لا تتحقّق إلّا

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 59 و 60

ص: 26

______________________________

بردّه إليه» «1».

و لعلّ وجهه عدم تأصّل الوضع بالجعل، و كونه منتزعا عن الأحكام التكليفية.

و المناسب لكونه منشأ لانتزاع الوضع عنه هو وجوب الرّدّ بالنسبة إلى نفس المأخوذ، لا بدله، و لا الأعم منه و من بدله، لمنافاته للغاية، و لا وجوب الحفظ.

ثانيهما: ما يفيده كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه من: أن المراد به وجوب حفظ المال عن الضياع و التلف، إلى أن يردّه إلى المالك. و الوجه فيه: أن الكلام محتاج الى التقدير، و يدور المقدّر بين الرّد و الأداء و الضمان. و لا يجوز تقدير ما عدا الحفظ من الرّدّ و الأداء و الضمان، لأنّ تقدير الأوّلين يوجب خروج المعنى عن السلاسة، إذ معناه حينئذ وجوب الرّد حتى يتحقق الرّدّ. و توقف الحكم على بقاء موضوعه عقلي، و كذلك انتفاءه بانتفائه، فالغاية حينئذ عقلية لا شرعية تعبّديّة.

و تقدير الأخير مناف لجعل الغاية أداء نفس المأخوذ، على ما يقتضيه رجوع الضمير المنصوب مفعولا ل «تؤدّيه»- المحذوف في بعض طرق الحديث، و المذكور في البعض الآخر كما تقدّم في نقل الحديث- إلى الموصول.

وجه المنافاة: أنّ الضمان عبارة عن الغرامة المجعولة في ظرف التلف، إذ لا معنى للغرامة و الخسارة مع وجود العين و ردّها، فإنّ ردّ نفس العين ليس غرامة على الآخذ، بل ردّا للمال إلى مالكه كما لا يخفى.

الثاني: ما عن بعضهم من كون الحديث مسوقا لبيان الحكم الوضعي، لكن بالنسبة إلى خصوص صورة التلف، من دون دلالة له على وجوب ردّ العين الذي هو حكم تكليفي، و لا على ضمانها ما لم تتلف.

و حاصل تقريبه: أنّ تلف العين تحت يده سبب لتعلق الغرامة به، و المراد بالضمان هو دفع المثل أو القيمة عند التعذّر، و هو المعبّر عنه بتحمّل الغرامة، إذ لا يعقل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 374، السطر 20

ص: 27

______________________________

لضمان العين معنى محصّل، لأنّ دفع عين المال إلى المالك ليس ضمانا و لا غرامة، فمعنى الحديث حينئذ: أنّ ضمان ما أخذته اليد ثابت عليه، و أنّه لا يخرج عن الضمان إلّا بدفع بدله القائم مقامه مثلا أو قيمة، هذا. و ليس معنى الحديث «أنّه يجب دفع عين المال إلى مالكه» إذ لا يحتاج إلى هذا التعبير، بل العبارة الدالة عليه: «أنّه يجب دفع أموال الناس إلى ملّاكها» فالتعبير بقوله: «على اليد» إنّما هو لبيان معنى آخر يلائم «على اليد» و ذلك المعنى هو الضمان الذي هو مجازاة لجناية اليد. و بهذه العناية أسند الحكم إلى اليد، و جعل عليها، و قيل: «على اليد، لا على آخذ المال» ثم قال هذا القائل في جملة كلامه:

«و هذا المعنى- أي الضمان- مما لا يشك فيه مشكّك بعد ملاحظة فهم العرف حتّى من لم يتشرّع بشرعنا أيضا».

الثالث: ما حكي عن بعض، و هو: أنّ الحديث مسوق لإفادة كلّ من الحكم التكليفي و الوضعي، و أنّ كلا الحكمين مستفادان من الحديث، فيجب على الآخذ ردّ المأخوذ، و يكون عهدته أيضا عليه.

و لعلّ وجه الاستفادة هو: أنّ العرف يفهمون من كون العين المتموّلة على شخص أنّ الأعم من العين و البدل يثبت على عهدته، فلثبوت المأخوذ في عهدة ذي اليد آثار تكليفية و وضعية من حفظه، و أدائه مع التمكن، و أداء بدله عند الحيلولة أو عند التلف، فإنّ معنى اعتباره في عهدته هو كون ذي اليد مرجعا و مأخوذا به، فيجب عليه ردّه مع بقاء عينه و ردّ بدله مع تلفه، فبنحو الطولية يثبت الحكم التكليفي و الوضعي بعد إرجاعه إلى التكليفي، هذا.

و أورد عليه بما حاصله: أنّ وجوب الردّ إمّا يستفاد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد» أو من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتّى تؤدّي» و لا يتمّ المدّعى على شي ء منهما.

أمّا الأوّل: فلأنّ لازم استفادة الحكم التكليفي إنّما هو تقدير الرّد، و لازم الحكم الوضعي تقدير الضمان بمعنى كون المأخوذ على عهدة الآخذ، و أنّه لو تلف كان عليه

ص: 28

______________________________

بدله، فإفادته للحكمين منوطة بتقديرهما معا، و ذلك مما لا يفي الكلام بإفادته، فهو أشبه شي ء باستعمال الخطاب في إنشائين، بل هو منه.

و أمّا الثاني: فلأنّ المغيّا- و هو لزوم الخروج عن عهدة المأخوذ على تقدير تلفه- ثابت إلى حين الأداء، و هذا يلائم وجوب الأداء قبل التلف و بعده، فهو أعم منهما، و لا دلالة للعامّ على تعيين الخاص، فلا بدّ من إثبات وجوب الرد قبل التلف بدليل آخر.

إذا عرفت الاحتمالات المتطرقة في معنى الحديث المزبور، فاعلم: أنّ تنقيح معنى الحديث منوط ببيان أمور:

الأوّل: أنّ الأصل عدم التقدير، فإذا لم يكن صحة الكلام عقلا منوطة بالتقدير- كقوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ أو شرعا كقوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ- فلا وجه للالتزام به.

الثاني: أنّ الأصل في الظرف أن يكون مستقرا، إذ اللغوية منوطة بتقدير فعل خاصّ ربّما لا يكون لتعيين متعلّقه دليل، فيصير الكلام لأجله مجملا، فإذا كان الظرف متعلقا ب «يجب» مثلا فلا بدّ من تقدير متعلّق له كالرّد و الحفظ و الضمان، و لا قرينة على أحدها، فيصير الكلام مجملا. بخلاف المستقر فإنّه لا يحتاج الى فعل خاصّ، بل العامل في الظرف هو أفعال العموم. فمع الدوران بين كون الظرف مستقرّا و لغوا يبنى على كونه مستقرّا متعلقا بفعل من أفعال العموم.

الثالث: أنّ الأصل في كلام الشارع أن يكون في مقام التشريع و الإنشاء لا التكوين و الاخبار، فمع الشك في كون كلامه إنشاء أو إخبارا يحمل على الإنشاء، فلا يصح أن يقال: إنّ معنى «على اليد» هو الاخبار عن كون المال تحت استيلاء الآخذ، و أنّه لا يرتفع خارجا هذا الاستيلاء إلّا بالرّدّ و الأداء.

الرابع: أنّ التشريع يكون من الاعتباريّات التي لها نحو وجود مغاير للوجود التكويني، فيمكن أن يكون لشي ء وجود تكويني و وجود اعتباري ناش من تشريع

ص: 29

______________________________

الشارع، فإذا اعتبر الشارع شيئا من الأعيان على شخص كقوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ فالاعتبار الشرعي يقتضي أن يكون ذلك الشي ء بوجوده الاعتباري على عهدته، إذ لا معنى لتعلق التشريع بالوجود التكويني، فلا بدّ أن يكون متعلق الاعتبار موجودا اعتباريا ثابتا على العهدة. يعني: أنّ الثابت بالتشريع هو الموجود الاعتباري، و كون الشي ء بهذا الوجود على العهدة عبارة أخرى عن الضمان، إذ لا معنى لأن يكون بوجوده الخارجي في العهدة، بل الموجودات الاعتبارية يكون وعاؤها العهدة، كالموجودات الذهنيّة التي يكون وعاؤها الذهن.

المختار في معنى حديث «على اليد» إذا عرفت هذه الأمور تعرف: أنّ مقتضى كون كلّ من التقدير و لغوية الظرف على خلاف الأصل هو أن يكون نفس المال المأخوذ على صاحب اليد، لا وجوب ردّه أو حفظه أو ضمانه، لأنّها مبنيّة على لغوية الظرف و الالتزام بالتقدير اللذين هما على خلاف الأصل، كما أنّ مقتضى إنشائية كلام الشارع و كون التشريع من الاعتباريات هو كون المأخوذ بوجوده الاعتباري ثابتا على عهدة الآخذ.

ففي وعاء الاعتبار يكون المأخوذ فوق يده، كما أنّه بوجوده التكويني يكون تحت يده، فللمأخوذ وجودان تكويني، و بهذا الوجود يكون تحت اليد. و اعتباري ناش من التشريع، و بهذا الوجود يكون فوق اليد، لأنّه مقتضى كلمة «على» الاستعلائيّة.

و حيث إنّ الحاكم بكون نفس المال على العهدة هو الشارع، و ثبوته الشرعي على اليد ليس إلّا ثبوتا اعتباريّا مقتضيا لكون الثابت بهذا الثبوت موجودا اعتباريا في العهدة، لأنّ العهدة وعاء الاعتباريّات، فالمعنى حينئذ هو: أنّ نفس المال المأخوذ بوجوده الاعتباري ثابت على العهدة، و هذا الثبوت مستمر إلى أن يحصل الأداء. و هذا الاستمرار يستفاد من كلمة «حتّى» لدلالتها على ما ثبت بما قبلها من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد». و ليس هذا

ص: 30

______________________________

إلّا عبارة عن الضمان، حيث إنّ مصداق ذلك الموجود الاعتباري مع تلف العين هو الأقرب الى التالف القائم مقامه، الواجد لغير خصوصيّاته المشخّصة من الجهات النوعية و الصنفية.

و قد ظهر ممّا ذكرنا ضعف الاحتمال الأوّل، أعني به كون مفاد الحديث تكليفا محضا، و هو وجوب ردّ العين، أو وجوب حفظها عن التلف، على الوجهين المتقدّمين عن الشيخ و العلامة و النراقي قدّس سرّهم و أنّ الحديث متكفل للحكم التكليفي المختص بالعين حال بقائها دون حكمها بعد تلفها.

وجه الضعف: أنّه مبني على لغوية الظرف، و قد عرفت أنّه خلاف الأصل، و لا يصار إليه إلّا بالقرينة.

كما أنّه ظهر أيضا ضعف الاحتمال الثاني، و هو كون الحديث مسوقا لبيان الحكم الوضعي بالنسبة إلى خصوص صورة التلف، بأن يقدّر الضمان، بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد» بأن يقال: على اليد ضمان أي غرامة ما أخذته.

وجه الضعف: أنّ تقدير الضمان خلاف الأصل بعد كون ظاهر الكلام هو اعتبار ثبوت نفس المال المأخوذ على عهدة صاحب اليد. و حيث إنّ الاعتبار يتعلق بالموجودات الاعتباريّة لا التكوينيّة، فلا بدّ أن يكون الثابت بهذا الاعتبار موجودا اعتباريا ثابتا في العهدة. و هذا الثبوت الاعتباري مستمر حتّى يحصل الأداء بعين المأخوذة التي هي مصداق حقيقي للوجود الاعتباري الذي اعتبره الشارع، لأنّه واجد للمقوّمات النوعية و الصنفية و الشخصية. و ببدله و هو المثل إن كان مثليا و القيمة إن كان قيميا، و مع فقد المماثل في المثلي يكون مصداق الأداء منحصرا بالمالية، هذا.

و كذا ظهر ضعف الوجه الثالث و هو الجمع بين الحكم التكليفي و الوضعي، و ذلك لأنّه موقوف على كون الظرف لغوا حتى يتعلق بكلمة «يجب» و على كون المتعلق كلمتين و هما: الرد و الضمان. و لا قرينة على شي ء منهما، فإنّه مع إمكان الظرف

ص: 31

______________________________

المستقر لا تصل النوبة إلى الظرف اللغو.

فالمتحصل: أنّ النبوي الشريف يدلّ على كون المال في وعاء الاعتبار على عهدة الآخذ، فإن كان موجودا ردّه إلى المالك، لأنّه المصداق الحقيقي لرد المال، حيث إنّه واجد للمقوّمات النوعية و الصنفية و الشخصية. فمفاد الحديث على هذا حكم وضعيّ، و لا يتكفل حكما تكليفيا، فيرجع في حكمه التكليفي الى ما يدلّ على حرمة حبس الحقوق و وجوب ردّها الى مالكيها.

و بالجملة: فاستدلال المصنف و غيره بهذا النبويّ على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد في محلّه، هذا.

ثمّ إنّه لا بأس بالتعرّض لبعض الجهات المتعلّقة بالنبويّ المذكور:

1- عدم اختصاص الأخذ بالقهر و الغلبة منها: أنّ الأخذ هل يكون عامّا أم مختصا بما يكون على وجه القهر و الغلبة؟

فلا يشمل الأيدي الأمانيّة، و يكون خروجها عن موضوع الحديث المزبور بالتخصص، فيختص الحديث بالغصب، و لا يشمل موارد إذن المالك الحقيقي كاللقطة و غيرها من الأمانات الشرعية، و تسليط المالك غيره على ماله كالوديعة و غيرها من الأمانات المالكيّة.

و ربّما يستشهد لذلك- أي الأخذ بالقهر و الغلبة- بقوله تعالى وَ كَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذٰا أَخَذَ الْقُرىٰ «1»، و قوله تعالى لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِينَ «2» و قوله تعالى فَأَخَذْنٰاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ «3» و غير ذلك من موارد

______________________________

(1) سورة هود، الآية 120

(2) سورة الحاقة، الآية: 45

(3) سورة القمر، الآية 42

ص: 32

______________________________

استعماله في الأخذ بالقهر و الغلبة. و جعل المحقق النائيني هذا المعنى هو الظاهر «1».

و فيه: أنّ الأخذ لغة هو تناول الشي ء مطلقا و إن لم يكن عن قهر و عدوان، كقوله تعالى خُذِ الْعَفْوَ «2» و قوله عزّ اسمه خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً «3» فتأمل، و قوله عليه السّلام: «خذها فإنّي إليك معتذر». و غير ذلك من الموارد.

و خصوصية القهر و الغلبة تستفاد من القرائن الحالية أو المقالية، من باب تعدد الدالّ و المدلول، و ليست من خصوصيات نفس المعنى اللغوي أو العرفي. فيدلّ الحديث الشريف على الضمان في جميع الموارد سواء أ كان هناك قهر أم لا، إلّا ما خرج بالدليل كالأمانات مطلقا.

و بالجملة: فلم يثبت كون مفهوم الأخذ عرفا هو التناول القهري حتى يحمل اللفظ عليه، فيحمل على معناه اللغوي، و هو مطلق التناول الذي منه المقبوض بالعقد الفاسد، و المسروق، و الوديعة، و العارية. فالأخذ يكون من قبيل المتواطي لا المشكك.

و لو سلّم التشكيك فإنّما هو من قبيل التشكيك البدوي الذي لا عبرة به في رفع اليد عن إطلاق مفهومه، هذا.

2- اعتبار الإرادة و الاختيار في الأخذ المضمّن و منها: أنّ «الأخذ» لمّا كان فعلا اختياريّا فلا بدّ من عدم صدوره بلا إرادة و لا اختيار، فإذا ألقى مال في حجر شخص بحيث صار تحت يده و استيلائه من دون دخل لإرادته و اختياره في ذلك لم يصدق عليه الأخذ حتى يشمله الحديث الشريف.

و كذا لا يصدق «الأخذ» على تناول الصبي غير المميّز الذي لا شعور و لا تمييز له بحيث

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 117

(2) سورة الأعراف، الآية 19

(3) سورة التوبة، الآية 103

ص: 33

______________________________

لا يلتفت إلى ما يصدر منه من الفعل و عنوانه، و كذا المجنون.

فيظهر من اعتبار الإرادة في حال الأخذ و كون الآخذ مستشعرا مميّزا لفعله خروج الصبي غير المميز و المجنون و النائم عن حيّز الحديث إذا أمسكوا على شي ء من المنقولات و استولوا عليه، فلا يشملهم الحديث حتى يحكم عليهم بالضمان.

و يشمل الصبي المميّز المستشعر لفعله، لصدق الأخذ الاختياري على فعله، وفاقا للمصنّف قدّس سرّه، حيث قال: «و من هنا كان المتّجه صحة الاستدلال به على ضمان الصغير بل المجنون إذا لم تكن يدهما ضعيفة لعدم التمييز و الشعور».

و الحاصل: أنّه يعتبر في شمول الحديث كون الفاعل مختارا في فعله، هذا.

3- شمول إطلاق الضمان للعلم بالحكم و الجهل به و منها: أنّ إطلاق الحديث يشمل كون صاحب اليد عالما بالحكم التكليفي- و هو وجوب الأداء- و الوضعي أعني به الضمان، و جاهلا بهما. كما يشمل كونه عالما بالموضوع و هو العلم بأنه مال الغير أو مغصوب أو مقبوض بالعقد الفاسد، و كونه جاهلا به كما إذا زعم أنّه مال نفسه أو أنّه وكيل عن مالكه أو وليّ عليه.

4- إطلاق الضمان لليد الأصلية و التابعة و منها: أنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون اليد أصلية و بين كونها تابعة، كيد وكيل الغاصب مع عدم علم الوكيل بالغصب، إذ مع علمه بالغصب لا تصح الوكالة حتّى ظاهرا. و كذا الحال في الوكيل في قبض المبيع بالبيع الفاسد، و ذلك لأنّه يعتبر في صحة الوكالة كون متعلّقها مباحا، و لذا قال في المسالك في ذيل قول المحقق قدّس سرّه: «و لو وكّله في بيع فاسد لم يملك الصحيح» ما لفظه: «كما لو قال: اشتر لي كذا إلى إدراك الغلّات، أو مقدم الحاج، أو بعه كذلك، أو ما شاكله. و لا فرق في ذلك بين أن يكونا عالمين بالفساد

ص: 34

______________________________

و جاهلين و بالتفريق، و إنّما لم يملك الصحيح، لعدم التوكيل فيه فيقع فضوليا» «1».

ففي الصورة المذكورة يكون الوكيل هو الذي يشمله الحديث دون الموكّل.

لا يقال: إنّ المقرّر عندهم أنّ يد الوكيل يد الموكّل، و كذا يد الأمين يد الحاكم فلا يعدّ يد أحدهما في العرف يدا له، بل يد الموكّل و الحاكم.

فإنّه يقال: إنّ معنى كون يد الوكيل يد الموكّل هو إجراء أحكام يد الموكّل عليه في التصرفات كالآثار المترتبة على قبض المالك، كفراغ ذمة المقبوض منه بقبض الوكيل، كفراغ ذمته بقبض الموكل، فإنّ قبض الوكيل كقبض الموكل في تلك الآثار. و هذا لا ينافي صدق الاستيلاء و التسلط عرفا على يد الوكيل الموجب لضمانه، فلا وجه لما قيل من:

أنّ المالك لا يرجع على الوكيل، بل على الموكل، لأنّه صاحب اليد.

و الحاصل: أنّ معنى كون يد الوكيل يد الموكّل و قبضه قبضه هو: أنّ القبض- الذي من شأنه أن يصدر من الموكّل- إذا صدر من الوكيل كان كصدوره من الموكّل في فراغ ذمة المقبوض منه، أو صحة العقد كالوكيل في عقد الصرف أو السّلم. و إجراء حكم الضمان الثابت للوكيل على الموكل أجنبي عن معنى قولهم: «يد الوكيل يد الموكل» إذ ظاهره هو أنّ كل ما يكون من وظيفة شخص إذا صدر عن غيره وكالة كان كصدوره عن نفس ذلك الشخص في الحكم الشرعي المترتب عليه، هذا.

5- إطلاق الضمان لليد المستقلّة و المشتركة و منها: أنّ قضية الإطلاق عدم الفرق بين انفراد اليد بالأخذ و تعددها بأن شاركها غيره فيها بحيث أسند إلى المتعدد، و كان المستولي على المال المأخوذ اثنين في عرض واحد. أو ترتبت إحدى اليدين على الأخرى، و هذه مسألة تعاقب الأيدي على المغصوب، و إن كان في كيفية التضمين إشكال ليس هنا محل ذكره، هذا.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 280

ص: 35

______________________________

6- أقسام المأخوذ باليد و منها: أنّ المأخوذ قد يكون عينا من المنقول و غيره، و قد يكون منفعة كسكنى الدار و منفعة الدكان و نحوهما، و قد يكون من قبيل الحقوق كحق التحجير، و قد يكون من قبيل ما لا يدخل تحت الاستيلاء و الاستحقاق كالحرّ و الخمر و الخنزير بالنسبة إلى المسلم، فهنا أقسام أربعة:

القسم الأوّل: الأعيان الشخصيّة و الكلّية الأوّل: كون المأخوذ هو العين، و ذلك يتصور على نحوين:

أحدهما: أن يكون المأخوذ من المنقولات.

ثانيهما: أن يكون من غير المنقولات، كالدار و الدكّان و الأرض و نحوها.

أمّا الأوّل فملخّصه: أنّه لا ريب في صدق أخذ اليد على الاستيلاء عليه بالقبض و نحوه، فيصدق الأخذ و الاستيلاء باليد على ركوب دابة الغير، فيشمله النبوي «على اليد ما أخذت» و إن لم يحرّكها من مكانها.

و أمّا الثاني فحاصله: أنّ إثبات اليد عليه حقيقة غير ممكن، لعدم الإحاطة بها كالمنقول، لكن التصرّف فيه بالدخول و نحوه ممكن، و هو يتصور على وجهين:

أحدهما: ما يوجب صدق الاستيلاء عليه، كدخول الجائر- عدوانا- دار غيره للتصرف و التسلط أو السكنى فيها، أو إجارتها. و هذا القسم لا إشكال في صدق اليد عليه، فيشمله النبوي الموجب للضمان.

ثانيهما: ما لا يوجب صدق التسلط و الاستيلاء عليه، كما إذا دخل دار الغير أو بستانه بغير إذن المالك للتفرّج و التنزّه مثلا، فإنّ الاستيلاء لا يصدق عليه، فلا يشمله النبوي، فلا دليل حينئذ على الضمان. و قد صرّح بذلك العلّامة في التذكرة حيث قال:

«و لو دخل دار غيره أو بستانه لم يضمن بنفس الدخول من غير استيلاء، سواء دخلها

ص: 36

______________________________

بإذنه أو بغير إذنه، و سواء كان صاحبها فيها أم لم يكن» «1».

و لا فرق في هذا القسم- أعني الأعيان- بين ما لو كان مفرزا و ما لو كان مشاعا، لإطلاق المأخوذ و عدم اختصاصه بالمفرز، فيعدّ من سكن دار غيره مع مالكها قهرا ذائد على النصف. و لهذا قال العلامة قدّس سرّه في التذكرة: «و لو لم يزعج المالك، و لكنه دخل و استولى مع المالك كان غاصبا لنصف الدار، لاجتماع يدهما و استيلائهما عليه. نعم لو كان الداخل ضعيفا و المالك قويّا لا يعدّ مثله مستوليا عليه لم يكن غاصبا لشي ء من الدار» «2».

لا يقال: إنّ الاستيلاء لا يتحقق إلّا على الشي ء المعيّن.

فإنّه يقال: إنّ الاستيلاء أمر عرفي يتحقق في المشاع كتحقّقه في المعيّن. و يدل عليه صحة بيع المشاع و صلحه و هبته و وقفه، فقبضه جائز كالمقسوم.

و أمّا الكلّيّ فلا يدخل تحت اليد و إن قيل به، لأنّ ما يقع تحت الاستيلاء خارجا هو الفرد كما لا يخفى.

إلّا أن يقال: أنّ وجود الفرد عين وجود الكلي الطبيعي، فلأجله يدخل الكلي تحت اليد و الاستيلاء.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق عدم اعتبار كون العين ممّا له قيمة و مالية. و دعوى تبادر ما كان له مالية ممنوعة.

إلّا أن يقال: إنّ الضمان الذي يدل عليه النبويّ- و هو تدارك خسارة المال المفوّت أو الفائت- لا يتصوّر إلّا فيما له مالية، فلا بد من شموله للمأخوذ الذي هو مال، فما ليس كذلك لا يندرج تحت هذا النبوي، هذا.

ثمّ إنّه لا فرق في ضمان المأخوذ بين بقاء عينه و بين تلفه، كعدم الفرق في ضمانه بين الأوصاف الطارية عليه من مزجه بشي ء أو تغيّر صورته كالطحن، فإنّ المأخوذ في

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 337، السطر 16

(2) المصدر، السطر: 22

ص: 37

______________________________

جميع الصور مضمون على الآخذ. كما لا فرق في الحكم بالضمان بين كون المتصدّي لذلك التصرف نفس الآخذ و غيره، و إن كان للمالك أيضا الرجوع إلى ذلك المتصرّف، لكنّه كلام آخر.

كما لا فرق في الأعيان بعد دخولها تحت اليد بين أن تكون مقصودة بالذات في الاستيلاء عليها و بين أن يتحقق الاستيلاء عليها بالتبع، و لهذا قال في الرياض: «و يضمن حمل الدابة لو غصبها. و كذا غصب الأمة الحامل غصب لحملها بلا خلاف أجده ظاهرا، لأنّه مغصوب كالأمّ. و الاستقلال باليد حاصل بالتبعية لها. و ليس كذلك حمل المبيع فاسدا، حيث لا يدخل في البيع، لأنّه ليس مبيعا، فيكون أمانة في يد المشتري، لأصالة عدم الضمان، و لأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع احتمال الضمان، لعموم على اليد ما أخذت حتّى تؤدي، مع الشك في صدق الأمانة عليه و به قطع الماتن في الشرائع» «1» انتهى كلامه رفع مقامه.

القسم الثاني: المنافع القسم الثاني- و هو كون المأخوذ منفعة- يتصور على نحوين:

أحدهما: المنافع التي لم يستوفها آخذ العين، كما إذا استولى على دابّة غيره فغصبها منه غاصب قبل استيفاء الأوّل شيئا من منافعها، فإنّ المنافع بالنسبة إلى الآخذ الأوّل غير مستوفاة، فلا تدخل تحت عنوان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت» و إن قلنا بضمان الثاني لها، لمباشرته للاستيفاء بدليل آخر.

و كذا الحال لو بقيت تحت يده و لكن لم يستعملها و لم ينتفع بها، فإنّه لا يصدق على المنافع حينئذ أنّها مأخوذة، لعدم استيفائه لها، و عدم تعلّق فعل منه بها. و إن قلنا بكونها مضمونة عليه لجهة أخرى من جهات الضمان و هي قاعدة الإتلاف، حيث إنّه

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 301

ص: 38

______________________________

أتلف المنافع على المالك، و لذا قال العلّامة قدّس سرّه في التذكرة: «منافع الأموال من العبيد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو ثوبا أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه، سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت يده بأن بقيت في يده و لا يستعملها، عند علمائنا أجمع» «1».

ثانيهما: المنافع المستوفاة، كما إذا ركب الدابة التي غصبها، أو استخدم العبد أو الجارية مثلا. و هذا كسابقه في عدم صدق الاستيلاء على المنافع، لأنّ المنفعة غير موجودة بحيث يجتمع طرفاها في زمان واحد، بل هي تدريجية الوجود، فلا يتصور الاستيلاء على المنافع من المستولي على العين حتى في صورة استيفائها، فلا يمكن إثبات ضمانها حتى مع الاستيفاء بحديث اليد. نعم لها سبب آخر للضمان و هو الإتلاف على المالك، و تدلّ عليه العبارة المتقدمة عن العلامة قدّس سرّه.

لكن خالف فيما ذكرناه صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث استدلّ على ضمان المنافع المستوفاة بالحديث المزبور. قال في كتاب العارية: «و لو استعار مستعير من الغاصب- و هو لا يعلم بغصبه- كان قرار الضمان للمنفعة الفائتة على الغاصب، لغروره، و إن كان للمالك أيضا إلزام المستعير بما استوفاه من المنفعة أو فاتت في يده، لعموم من أتلف و على اليد كما هو المشهور بين الأصحاب هنا، و في الغصب عند ذكر حكم الأيادي المترتبة على يد الغاصب» «2».

و أنت خبير بضعف التمسك بقاعدة اليد، لما عرفت من ظهور «ما» الموصولة في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت» في عين خارجيّة استولت عليه اليد. و ليست المنفعة موجودة مجتمعة أجزاؤها في الوجود، بل هي من الموجودات التدريجية المتصرّمة التي يتوقف وجود جزء منها على انعدام سابقه، فلا تجتمع أجزاؤها في الوجود حتى تأخذها

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 381

(2) جواهر الكلام، ج 27، ص 166

ص: 39

______________________________

اليد و تستولي عليها، فالمتعيّن التمسّك لضمان المنافع مطلقا حتى المستوفاة بقاعدة الإتلاف.

لا يقال: إنّ مجموع منافع الدار سنة مثلا يعدّ في نظر العرف موجودا واحدا، و لذا يبذل بإزائه الأجرة. و هذا يدلّ على أنّ المنافع كالأعيان مما يمكن أن تنالها اليد و تندرج تحتها.

فإنّه يقال: إنّ الاعتبار العرفي المزبور إنّما يصحّح اعتبار المالية المعتبرة في العوضين، كاعتبار مالية عين كالحنطة مثلا في الذمّة، أو عمل كذلك كخياطة ثوب، أو بناء دار، فإنّ الاعتبار المزبور لا يوجب صيرورة الكليّ في الذمّة موجودا خارجيا قابلا لأن تدخل تحت اليد. بل يجدي في المالية فقط، لا في الوجود الخارجي المتوقف عليه صدق الأخذ باليد. فدعوى عدم صدق اليد على المنافع مطلقا في غاية القرب، هذا.

لكن الانصاف صدق اليد على المنافع كصدقها على الأعيان. توضيحه: أنّ المنفعة هي الحيثية القائمة بالعين التي تستوفى تارة و لا تستوفى أخرى. و إن شئت فقل: إنّ المنفعة- التي هي معنى اسم المصدر- قائمة بالعين قيام اللازم بالملزوم و العرض بالمعروض، فمنفعة الدار مثلا هي صلاحيّتها للمسكونيّة. و هذا القابلية ثابتة للعين، و ليست تدريجية الوجود، فلا يتقوّم باستيفاء المستوفي لها تدريجا، حتى يستشكل في شمول النبوي لها بعدم كونها موجودة مجتمعة أجزاؤها في الوجود.

نعم لا تصلح المنافع لشمول الأخذ لها بالأصالة. و هذا لا يقدح في شمول النبوي لها كما تقدّم من إطلاق الأخذ للأصالة و التبعية. فما أفاده الجواهر من التمسك بقاعدة اليد في العبارة المتقدمة في غاية المتانة.

نعم بناء على دخل الاستيفاء- الذي هو قائم بالشخص المنتفع في حقيقة المنفعة- كان ما أفيد من منع جريان النبوي في المنافع في محلّه، هذا.

لكنّه في غاية الضعف و السقوط، إذ لا شبهة في صحة إسناد الفوت إلى المنفعة، بأن يقال: فاتت المنفعة، أو: فوّتها الغاصب، أو: استوفاه. و صحة هذه الإضافة منوطة

ص: 40

______________________________

بكون المنفعة هي الحيثية القائمة بنفس العين التي تستوفى تارة و لا تستوفى اخرى.

و ليس الاستيفاء الذي هو معنى مصدري دخيلا في مفهوم المنفعة التي هي من الحيثيات القائمة بالعين كالدار، هذا.

ثمّ إنّه لو شكّ في دخل فعل المنتفع في حقيقة المنفعة القائمة بالعين- التي وقعت تحت اليد- بحيث رجع الى الشبهة المفهومية بأن يدّعى إجمال مفهوم المنفعة، لم يمكن التمسك بالحديث المزبور، لعدم جواز التمسك بالدليل مع عدم إحراز موضوعه. كما إذا شك في أنّ مفهوم العالم الواجب إكرامه هل له سعة يشمل العالم الفلسفي أم لا؟

فلا يجوز التمسك لحكمه بدليل وجوب إكرام العالم كما لا يخفى.

القسم الثالث: الحقوق القسم الثالث: و هو أخذ الحقوق، و الحكم فيه عند جماعة منهم العلّامة المامقاني قدّس سرّه هو حكم المنفعة في عدم تناول حديث اليد لها، لعدم صدق أخذ اليد عليها «1». و عند جماعة أخرى شمول الحديث لها كشموله للمنافع على ما عن غير واحد، فغصب الحقوق كالتحجير و حقّ السبق إلى المشتركات كالسوق و المسجد و الخان و نحوها كغصب الأعيان و المنافع، فإنّها تدخل تحت اليد، لصدق الاستيلاء عليها عرفا. و لا يراد من الأخذ القبض حتى يختص المأخوذ بالأعيان. و لا يشمل غيرها من المنافع و الحقوق.

و بالجملة: فغصب العين المتعلّقة للحق كغصب العين المتعلقة للملك في شمول النبوي لها، و أداء الحق بأداء موضوعه، فأداء حق التحجير و السبق إلى المشتركات بأداء متعلقّه كالأرض و المسجد و غيرهما.

و الحاصل: أنّه بناء على ظهور الأخذ باليد و التأدية في العين خاصّة لا يشمل

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 272

ص: 41

______________________________

النبوي المنافع و الحقوق كما عليه غير واحد على ما تقدم آنفا.

القسم الرابع: ما ليس بملك و لا حقّ القسم الرابع: أعني به ما لا يدخل تحت التسلط بالتملك أو الاستحقاق كالحرّ و الخمر و الخنزير بالنسبة إلى المسلم. و حكمه على ما ذكره غير واحد من الأصحاب عدم دخوله تحت الحديث الشريف، لما مرّ من ظهور النبوي في الضمان، و لا ضمان في غير المملوك بمجرد اليد. و لأنّ غاية الضمان هو الأداء إلى من يجب الدفع إليه كالمالك و نحوه، و لا تأدية في غير المملوك، لعدم وجود المؤدّى إليه، فخروجه عن الرواية واضح.

و لا فرق في غير المملوك بين أن لا يكون قابلا للتملك من أصله كالحرّ المسلم و الخنزير و غيرهما، فإنّ ذلك غير مضمون باليد، و بين أن يكون قابلا له و لكن لم يجر عليه ملك أحد كالمباحات، فإنّه لا ضمان في أخذه.

و عن جماعة تعليل الحكم في الحرّ بأنّه لا يدخل تحت اليد.

فإن أرادوا بذلك أنّه لا يدخل تحت اليد شرعا فهو حسن، إذ ليس الحرّ مالا مملوكا شرعا حتى يدخل تحت اليد و يكون مضمونا على آخذه. لكن مقتضى القواعد هو الأخذ بالمعنى العرفي. و هو الاستيلاء، و لا مدخل للشرع في ذلك. بل إرادة اليد الشرعية تنتج عكس المدّعى، إذ يلزم حينئذ عدم ضمان الغاصب، لأنّه لا يدله شرعا على المال. و يلزم ضمان من له يد على المال شرعا كالأولياء. و هذا عكس المدّعى.

و إن أرادوا بقولهم: «إنّه لا يدخل تحت اليد» عدم دخوله عرفا تحت اليد، ففيه منع، ضرورة أنّ الحريّة و الرقّيّة أمران اعتباريّان لا مدخل لهما في الصدق العرفي، بداهة أنّ كل من تسلّط على إنسان بحيث يتصرّف فيه كيف يشاء يقال: إنّه مستول عليه، و هو في يده، من غير فرق فيه بين كونه حرّا و مملوكا.

فالأولى أن يقال في عدم ضمانه: إنّ دليل الضمان لا يشمله إذ المتبادر منه هو

ص: 42

______________________________

المملوك، خصوصا بقرينة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتى تؤدّي» و نحو ذلك، لظهوره في تأدية المأخوذ إلى مالك أمره، و إلّا فلا معنى للتأدية، لقيام التأدية بالمؤدّي و المؤدّى و المؤدّى إليه، فللتأدية إضافات ثلاث، فلا يشمل ما لا يقبل الملك كالحرّ و الخمر للمسلم، لعدم من يؤدي إليه المأخوذ.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ المملوكية مما لا دخل له في صدق الأخذ و الأداء العرفيّين، فلا يعتبر في الضمان كون المأخوذ مملوكا شرعا. فالقول باعتبار كون المأخوذ ملكا شرعا في صدق الأخذ و الأداء خال عن الدليل، و مناف لأوضاع الألفاظ العربية، و لا إشعار للأخذ و الأداء باعتبار كون المأخوذ مملوكا شرعا.

و عليه فخمر المسلم و خنزيره من جملة مصاديق الحديث، لثبوت الإضافة العرفية إلى المسلم الموجبة لصدق الأداء إليه المجعول غاية في الكلام.

و كذا الحال في الأوقاف العامة و الخاصة، لثبوت الإضافة إلى الموقوف عليهم المستلزم لتحقق الأخذ و الأداء إذا استولى عليها غيرهم.

نعم يخرج الحرّ، لعدم قابليته للأداء، لعدم وجود من يؤدّي إليه و لو عرفا، إذ لا يضاف الحرّ إلى أحد بالمملوكية و الاستحقاق. و لولا التقييد بالغاية لقلنا بأنّ من استولى على الحرّ و أثبت يده عليه ضمنه لو تلف تحت يده، لصدق قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت» بالمعنى الذي تقدّم، و هو كون ضمانه و عهدته عليه لو تلف.

و الحاصل: أنّ الحر يخرج عن مقتضى الحديث من جهة عدم قابليّته للأداء لأجل عدم وجود من يؤدّي إليه المأخوذ و لو عرفا، إذ لا يضاف الحرّ إلى أحد بالمملوكية و الاستحقاق عرفا أيضا.

و أمّا الخمر و الخنزير فلخروجهما عن مفاد الحديث، لما دلّ على عدم احترامهما، و إلّا فلا إشكال في صدق الأخذ و الأداء عليهما عرفا، و في ثبوت الإضافة العرفية لهما إلى المسلم الموجبة لصدق الأداء إليه المجعول غاية في الكلام، كصدق الأخذ عليهما.

فالمتحصل: أنّ الحرّ خارج عن حيّز الحديث تخصّصا، لعدم إضافته إلى أحد حتى

ص: 43

______________________________

يصدق الأداء عليه و أنّ الخمر و الخنزير اللذين هما تحت يد المسلم خارجان عن حيّز الحديث بالتخصيص، لصدق الأخذ و الأداء عرفا عليهما، فالخروج حينئذ يكون بالتخصيص الناشئ عمّا دلّ على عدم احترامهما. و عدم كونهما معنونين بعنوان من الملكية و الوقفية و الزكاة و غيرها حتى يكون بدلهما حافظا لذلك العنوان، فإنّ من أتلف الغنم التي هي زكاة، كان بدلها المضمون على المتلف معنونا أيضا بعنوان الزكاة، و يقال:

إنّه زكاة كما كان مبدلها زكاة. و هذا بخلاف الخمر و الخنزير المضافين إلى المسلم. هذا.

ثم إنّ ما تقدّم في الحرّ كان بالنسبة إلى نفسه. و أمّا بالإضافة إلى منافعه، فإن استوفاها الآخذ ضمنها، لأنّ استيفاء عمل الغير يوجب الضمان، لقاعدة الاستيفاء.

و إن لم يستوفها فضمانها مشكل إلّا أن يتمسك فيه بقاعدة الإتلاف. و قد تقدم شطر من الكلام فيه في بحث عمل الحرّ، فراجع. «1»

و أمّا حديث «على اليد» فلا يشمل منافع الحرّ، لأنّ اليد على نفس الحرّ كالعدم فضلا عن منافعه، فلا بدّ من التمسك فيها بقاعدة الإتلاف، كما تقدم.

7- المراد من الأداء المجعول غاية للضمان بقي الكلام في ارتفاع الضمان المدلول عليه بالحديث. اعلم: أنّه قد جعل في الحديث رافع الضمان التأدية، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتّى تؤدي» و محصل ما يستفاد من هذه الغاية أنّ الغاصب ضامن للمغصوب، و لا يرتفع ضمانه بمجرّد إذن المالك له في إبقائه تحت يده، بل المترتب على الاذن ليس إلّا ارتفاع الإثم الذي نشأ عن عدوانية يده، و لا ملازمة بين ارتفاع الإثم و بين بقاء الحكم الوضعي الثابت إلى أن يتحقق الأداء بتسليمه إلى المالك كما هو قضيّة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتّى تؤدي» فلا يرتفع الضمان إلّا بالأداء.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 71 الى 85

ص: 44

______________________________

نعم إذا وكّله المالك في التسلّم من قبله، فتسلّم الغاصب ما غصبه وكالة عن مالكه أمكن القول بارتفاع الضمان حينئذ، لتبدّل يده العادية باليد الأمانية. فالغاصب لصيرورته وكيلا فعلا صار قبضه و تسلّمه كتسلّم المالك موجبا لارتفاع الضمان عنه، هذا.

و قد استشكل بعض الفقهاء في ذلك بأنّ ظاهر الحديث هو الضمان ما لم يحصل التسليم و التأدية إلى المالك، خرج عنه التسليم الى يد الوكيل إذا كان غير الغاصب بالإجماع، و أمّا الغاصب الوكيل فخروجه غير معلوم، و الأصل يقضي بالعدم، هذا.

لكنه مندفع بأنّ أدلة الوكالة- على فرض تماميتها- حاكمة على أدلة الضمان، لكونها موجبة لتبدل الموضوع الموجب للضمان، فإنّ موجبه و هو اليد العدوانية يتبدل بسبب الوكالة بالأمانية، فإذا صارت يد الغاصب أمانيّة ارتفع الضمان. و لا فرق في الحكم بارتفاع الضمان بين الوكيل الغاصب و غيره كما هو مقتضى إطلاق أدلة الوكالة. و إلّا لم يكن وجه لخروج الوكيل غير الغاصب أيضا، لعدم كونه بالخصوص مورد الإجماع حتى يمتاز به عن الغاصب كما لا يخفى.

ثمّ الظاهر أنّ المراد بالتأدية إلى المالك هو جعله مستوليا عليه. فكما أنّ مجرّد وضع اليد على ثوب الغير ليس غصبا له، فكذلك مجرّد وضع المالك يده على ما غصب منه من دون استيلائه عليه- كما إذا وضع يده على ثوبه الذي غصبه غاصب- ليس رافعا للغصب و مصداقا للتأدية الرافعة للضمان. فإذا غصب شخص نقدا من صرّاف ثم دفعه إلى ذلك الصرّاف لينقده لم يكن هذا الدفع ضدّا للغصب و تأدية للمغصوب حتّى يرتفع الضمان، بل الغاصب ضامن له إذا تلف بآفة سماوية أو أخذه ثالث من يده، لعدم حصول التأدية الرافعة للضمان.

و الحاصل: أنّه لا يصدق التأدية إلى أحد إلّا إذا استولى عليه. ألا ترى أنّ تسليم النقد إلى الصرّاف لينقده لا يسمّى تأدية إليه.

هذا مضافا الى الإجماع المستنبط من تتبّع كلماتهم.

ص: 45

______________________________

و إلى الأصل مع الإغماض عن دلالة الحديث، فإنّ الاستصحاب يقضي ببقاء الضمان ما لم يحصل استيلاء المالك على المغصوب.

فتلخص: أنّ براءة ذمة الغاصب عن المغصوب منوطة باستيلاء المالك أو من يقوم مقامه عليه و لو قهرا و بدون اطّلاع الغاصب و إذنه، كما إذا أخذه المالك بالقهر و الغلبة و استولى عليه. فالمدار في حصول البراءة- و سقوط الضمان- على وصول المال إلى مالكه على وجه يكون مستوليا عليه. و هذا المعنى يتحقق قطعا بما إذا دفع المغصوب الى المغصوب منه بعنوان أنّه ماله و ملكه ليتصرّف فيه كتصرف سائر الملّاك في أملاكهم كما اختاره الشهيد الثاني قدّس سرّه قائلا: «بأنّ التسليم التام إلى المالك الموجب لارتفاع الضمان هو التسليم بهذا النحو» «1».

و أمّا إذا دفع إليه بنحو آخر كعنوان الأمانة المضمونة كالعارية المضمونة، أو عارية الذهب و الفضة مطلقا، أو غير المضمونة كالوديعة، أو بعنوان التمليك الضماني كالبيع منه، أو الهبة المعوّضة أو الإجارة أو الصلح غير المحاباتي أو نحو ذلك أو التمليك المجّاني كالهبة غير المعوّضة، ففي كونه رافعا للضمان إشكال.

و التحقيق أن يقال: إنّ رافع الضمان هو التأدية التي هي أمر عرفي، فلا بدّ من تحقق التأدية عرفا. و الظاهر تحققا باستيلاء المالك على التصرفات في العين، بحيث يكون تصرّفه فيها مستندا إلى مالكيّته لها و لو بزعم ملكية جديدة. فالاختلاف في موجبات الملكية لا يمنع عن صدق التأدية، فإذا دفع المغصوب إلى مالكه بعنوان التمليك الضماني أو المجّاني كان ذلك ردّا للمال إلى مالكه، لأنّ التأدية مقدمة للوصول إلى المالك بنحو يكون مستوليا عليه و متصرفا فيه تصرف الملّاك في أملاكهم، كما كان متصرفا فيه قبل غصب الغاصب. فالتأدية مقدّمة لعود السلطنة التامة التي كانت ثابتة للمالك، فلا تصدق التأدية على ردّ المال إلى مالكه بعنوان الوديعة أو العارية، لعدم كونهما موجبين لعود سلطنة المالك، إلّا إذا علم بالحال. فحينئذ لا يكون قبول المالك

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 205؛ الروضة البهية، ج 7، ص 55

ص: 46

______________________________

قبولا للوديعة و العارية، فلا يتحقق عقداهما.

و على كلّ حال إذا شك في كون الرّدّ تأدية رافعة للضمان فالاستصحاب يقضي ببقاء الضمان كما لا يخفى.

و اعلم أنّ في حكم التأدية الرافعة للضمان إتلاف المالك لما غصب منه إذا كان موجبا لضمانه لو تعلّق بغير ماله.

توضيحه: أنّ إتلاف المالك تارة يكون بنحو يوجب الضمان لو كان المال لغيره، كما إذا اعتقد أنّ المتاع الفلاني مال زيد، فغصبه و أتلفه، ثم تبيّن أنّه له.

و أخرى بنحو لا يوجب الضمان، كإتلاف الضيف ما قدّمه المضيف إليه من الطعام بالأكل، فإنّ هذا الإتلاف لا يوجب الضمان، فلو غصب زيد شاة عمرو ثم أطعمه إيّاها بعنوان الضيافة، فحينئذ و إن استولت يد المالك على ماله و أتلفه بالأكل، لكنّه لا يوجب سقوط ضمان الغاصب، لتغريره للمالك. بل يتأكد الضمان بقاعدة الغرور، و لذا يستقر الضمان على الغارّ لو أكل المغرور مال ثالث بتغريره.

و اتّضح ممّا ذكرنا سرّ ما أفاده الشهيد قدّس سرّه في اللمعة و غيره من الفقهاء من: أنّه لو غصب شاة فأطعمها المالك مع جهل المالك بكونها شاته ضمنها الغاصب «1».

فالمتحصل: أنّ إتلاف المالك على الوجه الأوّل- و هو اعتقاد المالك بكون المال لغيره، فأتلفه بقصد الإضرار بمالكه- يرفع ضمان الغاصب. بخلاف ما إذا كان على الوجه الثاني، فإنّه لا يرفعه.

و لو باع المغصوب من مالكه و شرط عليه إتلافه اليوم، فاشتراه و أحرقه، فهل يعدّ هذا من الغرور حتى لا يسقط الضمان، أم لا؟ فيه وجهان، أظهرهما صدق الغرور عليه عرفا.

هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بالنبويّ المشهور. و قد علم مما ذكر وجه دلالته على الحكم الوضعي أعني به ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، و اللّه العالم.

______________________________

(1) راجع الروضة البهية، ج 7، ص 54؛ مسالك الأفهام، ج 12، ص 157 و 205؛ شرائع الإسلام، ج 3، ص 242

ص: 47

[ج الدليل الثالث: أخبار ضمان منفعة الأمة المسروقة]

و يدلّ على الحكم المذكور (1)

______________________________

الدليل الثالث: أخبار ضمان منفعة الأمة المسروقة

(1) و هو ضمان المقبوض بالبيع الفاسد، و هذا دليل ثالث على المدّعى، و محصّله استظهار الحكم بضمان الأصل بالأولوية من ضمان المنافع غير المستوفاة، توضيحه: أنّه ورد في عدّة روايات «1» السؤال عن حكم شراء جارية من السوق، و أنّه استخدمها أو استولدها المشتري، ثم تبيّن كونها مسروقة، و قد ظفر بها مالكها. فأجاب عليه السّلام بأنّ المشتري يأخذ ولده، و يردّ الجارية و قيمة الولد إلى مالكها.

و تقريب الاستدلال بها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد هو: أنّ جواب الامام عليه السّلام متضمن لحكمين، أحدهما: وجوب ردّ الجارية، و هو مقتضى فرض فساد البيع، و ثانيهما:- و هو محل الشاهد- كون المشتري ضامنا لقيمة الولد.

و الاستدلال بهذا الحكم على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد يتوقف على مقدمتين:

الأولى: إثبات كون موجب الضمان هو اليد، لا غيرها من موجباته كالإتلاف و الاستيفاء و التسبيب.

الثانية: إثبات أولويّة ضمان الجارية من ضمان نمائها.

أمّا الأولى فبيانها: أنّ الضمان مستند إلى التلف الحكمي لا إلى الإتلاف و التسبيب و الاستيفاء، و ذلك لوضوح أنّ الجارية و منافعها مملوكة لسيّدها، و من منافعها قابليتها للاستيلاد، فمن استوفى شيئا من منافعها من كنس و طبخ و خياطة و وطي كان ضامنا لبدلها للمالك، كضمان من يلقي البذر في أرض الغير و يزرعه فيها، فإذا استولدها المشتري كان الولد منفعة لها، لكنّه لم يستوف هذه المنفعة، لأنّ الولد ينعقد حرّا بحكم الشارع تبعا لأبيه، و لا ينعقد رقّا حتى يقابل بالمال. و عليه فحكمه عليه السّلام بضمان نمائها- و هو الولد- إنّما هو لتلفه على مالك الجارية بسبب حرّيّته

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592- 590، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ص: 48

أيضا (1) قوله عليه السّلام في الأمة المبتاعة- إذا وجدت مسروقة، بعد أن أولدها المشتري- «أنّه يأخذ الجارية صاحبها، و يأخذ الرجل ولده بالقيمة» (2)

______________________________

التي هي بحكم التلف السماوي.

فإن قلت: إنّ المشتري بمباشرته للجارية ألقى نطفة الحرّ في رحمها و أتلف على مالكها قابليّتها لأن تصير حاملة بالرّق، فيكون ضمان قيمة الولد مستندا إلى إتلاف نماء الأمة لا إلى التلف، لأنّه نظير منع المستأجر أو المالك عن السكنى في الدار، فإنّ المانع ضامن لاجرة المثل.

قلت: الإتلاف هو إعدام الموجود عن صفحة الوجود، و هذا غير صادق في المقام، إذ المشتري بمباشرته معها أحدث نماء لها غير قابل للتملّك، و عدم تملكه لا يستند إليه، بل إلى حكم الشارع بحرّيّة الولد تبعا لأبيه في الحرّية، فلم يبق إلّا أن يكون ضمان قيمة الولد لأجل تلف النماء حكما، و هو كالتلف الحقيقي السماوي في اقتضائه للضمان.

و يشهد له أن المضمون هو قيمة الولد، لا قيمة منفعة الجارية و هي قابليّتها للاستيلاد. هذا تقريب كون الضمان للتلف لا الإتلاف.

و أمّا الثانية- و هي أولوية ضمان العين من ضمان النماء- فواضحة، لأنّ اليد على المنفعة تابعة لليد على العين، فإذا حكم الشارع بضمان اليد التابعة فاليد المتبوعة المتأصلة أولى بالضمان قطعا.

هذا بيان الاستدلال بهذه الطائفة على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.

(1) يعني: كما دلّ الإجماع و حديث «على اليد» على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد.

(2) هذا مفاد مرسلة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل اشترى جارية فأولدها، فوجدت مسروقة، قال: يأخذ الجارية صاحبها، و يأخذ الرجل

ص: 49

فإنّ (1) ضمان الولد بالقيمة- مع كونه (2) نماء لم يستوفه المشتري- يستلزم ضمان

______________________________

ولده بقيمته» «1».

و بهذا المضمون روايات أخرى، منها معتبرة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرّجل يشتري الجارية من السوق، فيولدها، ثم يجي ء مستحقّ الجارية، قال: يأخذ الجارية المستحقّ، و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «2». و كان الأولى الاستدلال بهذه المعتبرة لا بالمرسلة، و لعلّ نظر المصنف إلى وحدة المضمون المتضافر نقله، لا إلى خصوصيّة الخبر المتكفّل للحكم، فتأمّل.

(1) هذا تقريب الاستدلال، و قد تقدم آنفا، و محصّله: أنّ ضمان المنفعة- غير المستوفاة- للمقبوض بالبيع الفاسد يستلزم بالأولويّة ضمان الجارية لو تلفت بيد المشتري.

(2) أمّا كون الولد نماء و منفعة للجارية فواضح، لأنّه قد تكوّن في رحمها. و أمّا أنّ المشتري لم يستوف هذه المنفعة الخاصة كما استوفى سائر خدماتها من كنس و طبخ و خياطة و شبهها فلأنّ الولد تابع لوالده في الحرّيّة، فهو من حين انعقاد نطفته يتكوّن حرّا، و من المعلوم أنّ الحرّ لا يقوّم بالمال.

و عليه فغرض المصنف من قوله: «لم يستوفه» هو دفع ما توهّمه بعضهم من أنّ ضمان المشتري لقيمة الولد يكون لأجل استيفاء منفعة رحم الأمة بإشغاله بنطفته التي هي نطفة حرّ، كما يضمن قيمة سائر منافعها المستوفاة، فتكون الرواية أجنبيّة عن ضمان المقبوض بالبيع الفاسد إذا تلف بيد القابض، لدلالتها على الضمان باستيفاء المنفعة، و هو ممّا لا ريب فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 3

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 5

ص: 50

الأصل بطريق أولى (1).

و ليس (2) استيلادها من قبيل إتلاف النماء (3) بل من قبيل إحداث

______________________________

و أجاب عنه المصنف بمنع صدق الاستيفاء هنا، لعدم انتفاع المشتري منها بالولد، ضرورة عدم مقابلة الحرّ بالمال. و بهذا يظهر الفرق بين الاستيلاد و بين منافعها الأخرى، لصدق الاستيفاء عليها، فتكون مضمونة بأجرة المثل، بخلاف الاستيلاد.

(1) لما عرفت من أنّ اليد على المنافع تكون بتبع اليد على العين، فإذا كانت اليد التابعة مضمّنة فالأصلية أولى بالتضمين.

(2) غرضه قدّس سرّه دفع إشكال، محصّله: عدم ارتباط ضمان النماء بما نحن فيه- و هو ضمان التلف باليد- حتى يصحّ الاستدلال به على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، و ذلك لأنّ مورد الرواية ضمان الإتلاف لا التلف، و بيانه: أنّ استيلاد الجارية أتلف منفعتها على مالكها، لأنّ رحمها كان مستعدّا لانماء نطفة الرّق، و قد سلب المشتري عنه ذلك بإشغاله بنطفته. و بهذا يصدق الإتلاف، و لا يتوقف صدقه على فعليّة النماء، بشهادة أنّ من سقى أشجار الغير- المستعدة للإثمار- بماء مالح يمنعه عن الاثمار يصدق عليه عرفا أنّه أتلف ثمرها. و كذا في المقام، فإنّ الاستيلاد بمنزلة إتلاف النماء، لانعقاده حرّا، هذا.

و قد دفعه المصنف قدّس سرّه بمنع صدق الإتلاف- الذي هو إعدام الموجود- هنا، إذ ليس للجارية نماء موجود حتّى يتلفه المشتري. بل أحدث فيها نماء غير قابل لأن يتملّكه مالك الجارية، حيث إن حرّية المشتري منعت- شرعا- عن انعقاد ولده رقّا.

و ليس مستند عدم دخوله في ملك مالكها فعل المشتري حتى يضاف التلف إليه، و يصير هو المتلف له. و لمّا كان الولد بمنزلة التلف على المالك كان ضمان قيمته مقتضيا لضمان التالف الحقيقي بالأولويّة.

(3) حتى يكون أجنبيّا عن المدّعى و هو ضمان اليد.

ص: 51

المشتري نماءها غير (1) قابل للملك، فهو كالتالف (2) لا كالمتلف (3)، فافهم (4) [1].

______________________________

(1) حال ل «إحداث» يعني: أحدث المشتري باستيلادها نماء غير قابل للدخول في ملك مالك الجارية، و عدم دخول هذا النماء الخاصّ في ملكه يستند إلى حكم الشارع بحرّية الولد، لا إلى وطي المشتري لها.

(2) أي: التالف بالتلف السماوي، و هو مورد ضمان اليد.

(3) حتى يكون موردا لإتلاف مال الغير، فقاعدة الإتلاف أجنبية عنه.

(4) لعلّه إشارة إلى: دعوى إمكان صدق الإتلاف على مورد الرواية، فلا يصحّ الاستدلال بها على المقام.

أو إلى: أنّ الاستيلاد إشغال لها بالولد، فهو استيفاء لنمائها، فيكون الولد مضمونا بقاعدة الاستيفاء، لا باليد التي هي مورد البحث، هذا.

إلّا أن يقال: إنّ الولد من منافع الجارية، و ليس إشغالها بالمحلّ منفعة لها عرفا، و لذا تضمّنت الرواية قيمة الولد لا قيمة الأشغال.

أو يقال: إنّ الضمان في مورد الرواية إنّما هو لأجل تسليط الغاصب، بخلاف المقبوض بالعقد الفاسد، فإنّ التسليط فيه من نفس المالك و إذنه و لو بعنوان الوفاء بالعقد، فالضمان في مورد الرواية لا يقتضي الضمان في المقام.

إلّا أن يدّعى القطع بكون مناط الضمان فساد العقد، و هو جار في المقام و مورد الرواية.

لكن هذه الدعوى لا تخلو عن مجازفة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه اختلفت أنظار الأعلام قدّس سرّهم في موجب الضمان في النصوص المتكفلة لضمان قيمة الولد، فاختار المصنّف أنّه التلف الحكمي، و وافقه المحقق النائيني قدّس سرّه ببيان آخر سيأتي التعرّض له، و رجّح السيد و المحقق الأصفهاني قدّس سرّهما أنّه إتلاف منفعة الرّحم، و احتمل المحقق الايرواني قدّس سرّه كلّا من الاستيفاء و الإتلاف.

ص: 52

..........

______________________________

فلعلّ الأولى أن يكون الأمر بالفهم إشارة إلى: أنّ الوطي إذا كان مانعا عن صدق الإتلاف على حدوث الولد غير قابل للملك، فلا محالة يكون مانعا أيضا عن صدق الضمان باليد، ضرورة أنّ التلف تحت اليد إنّما يوجب الضمان باليد إذا كان التالف ملكا للمضمون له. و من المعلوم أنّ الولد ليس كذلك، لعدم كونه ملكا لصاحب الجارية، فلا تكون الرواية شاهدة لما نحن فيه من ضمان المأخوذ باليد، بل تدلّ على ضمان الولد بسبب تعبّديّ غير الأسباب المعروفة. بل عدم تعرّض الرواية لضمان منافع الأمة من حين الشراء إلى زمان الرّدّ يومي إلى عدم ضمان الرّدّ بالنسبة إلى المنافع.

فالمتحصل: أنّ الروايات الدالة على ضمان قيمة الولد لا تدلّ على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان اليد.

______________________________

أمّا المحقق النائيني فقد أفاد في تقريب استناد الضمان إلى التلف- لا إلى الإتلاف و الاستيفاء و التسبيب- ما حاصله: «أنّ استيلاد الأمة ليس داخلا تحت العناوين المذكورة، لعدم استيفاء المشتري منفعة الأمة، فإنّ استيفاء المنافع إنما هو من قبيل الركوب على الدابة و السكنى في الدار و أكل الثمرة و شرب لبن الشاة و وطي الجارية و نحوها، و ليس الولد منفعة لها، و لا ممّا كان المشتري سببا لإتلافها، إذ ليس الولد ملكا لمالك الأمة حتّى يكون المشتري سببا لإتلافه. و عدّ العرف إيّاه منفعتها لا اعتبار به، لعدم كون نظره متّبعا في تشخيص المصاديق. نعم أوجد المشتري سبب فوت النماء على المالك، لأنّ وطيه- الذي استلزم الحمل- صار سببا لفوت المنفعة عليه، لكن لا ضمان على من منع المالك من التصرّف حتى تلفت المنفعة. و عليه فضمان قيمة الولد لكونه حرّا إنّما هو من جهة تبعية المنافع التالفة للعين المغصوبة، فيدلّ الخبر على ضمان العين، لا للأولوية، بل لأنّ ضمان العين صار سببا لضمان التالف» «1».

أقول: ما أفاده قدّس سرّه مخالف لما استظهره المصنّف قدّس سرّه من وجهين: أحدهما: إنكار

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 117 و 118

ص: 53

______________________________

كون الولد منفعة للجارية، و الآخر: إنكار الأولوية، و جعل ضمان قيمة الولد مسبّبا عن ضمان العين المغصوبة. و صرّح في آخر كلامه بأنّ حكم الشارع بحرّية الولد تلف حكمي ملحق بالتلف الحقيقي.

أمّا إنكار كون الولد نماء للأمة- لعدم تبعية نظر العرف المسامحي في مقام تعيين المصاديق- فغير ظاهر، لصدق المنفعة عليه حقيقة، خصوصا بملاحظة إطلاق الانتفاع على الولد في ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في حكم الجارية المسروقة التي استولدها المشتري: «يردّ إليه جاريته، و يعوّضه بما انتفع، قال: كان معناه قيمة الولد» «1» و الظاهر أنّ تفسير عوض المنفعة بقيمة الولد من زرارة، و المهمّ إطلاق المنفعة المستوفاة على الاستيلاد، إذ لم يذكر في هذه الرواية استيفاء منفعة أخرى من منافع الجارية. و هذا المقدار كاف في عدم العناية و المسامحة في إطلاق المنفعة على الولد.

لكن هذه الرواية ربّما تشكل الأمر على المصنّف قدّس سرّه أيضا، فإنّه و إن اعترف بكون الولد نماء للجارية، إلّا أنّه ادّعى عدم استيفاء المشتري له، مع أنّ ظاهر قوله عليه السّلام:

«بما انتفع» بل صريحه كون الولد منفعة مستوفاة، هذا.

و أمّا إنكار الأولويّة فغير ظاهر أيضا، لما سيأتي في بحث ضمان المنافع المستوفاة من تأمّل بعضهم في صدق الأخذ عليها، و اختصاص حديث اليد بما يقبل الرّدّ إلى مالكه و هو العين. و حينئذ فإذا حكم الشارع بضمان قيمة الولد الذي هو من قبيل منفعة الجارية كان ضمان نفسها ثابتا بالأولويّة، مع اعترافه بتسبّب ضمان المنفعة عن ضمان العين، لليد.

نعم يمكن أن يكون نظر المصنّف الى أنّ الانتفاع لا يختص بما يقوّم بالمال حتى يصدق الانتفاع المالي على الولد، بل هو أعم من المال و الاعتبارات العرفية كتحصيل الوجاهة بين الناس، و لا شكّ في أن الولد منفعة بهذا المعنى.

هذا مضافا إلى غموض قياس الاستيلاد بمنع المالك عن استيفاء منفعة ملكه، مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 2

ص: 54

______________________________

ما في المقيس عليه من الاشكال، لما ذكرناه في ضمان حبس الحرّ الكسوب من أن تفويت المنافع مضمّن كاستيفائها. و الوجه في فساد القياس أنّ الوطي ليس سببا للحمل، و إنّما هو معدّله، فتسميته سببا كما ترى. هذا بعض ما يتعلق بكلام المحقق النائيني قدّس سرّه.

و أمّا كون الضمان للإتلاف فقد ذكرنا تقريبه في التوضيح عن المحقق الايرواني قدّس سرّه «1»، و محصّله: إتلاف منافع الرّحم، و مثّل له بضمان من سقى أشجار الغير بماء مالح منع من إثمارها، لاستناد التلف إلى فعله.

و قريب منه ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه، من «أن النطفة و إن كانت من الرّجل، إلّا أنّها كانت مكمّلة بدم الامّ، و كانت تكوّنها حيوانا بالقوى المودعة في الرّحم، فكان صيرورتها حيوانا من قبل الأمّ، فقد أتلفها الرّجل على الأب [على المالك] خصوصا إذا قيل بتكوّنه من نطفة المرأة، و كان اللقاح من الرّجل» «2».

لكن لا يخلو ما أفاداه من الغموض، فإنّ الإتلاف يقتضي ضمان الدم التالف و قوى الرّحم، مع أن المضمون في النصوص قيمة الولد. و دعوى «كون قيمة الولد تقديرا لما أصاب من منافع رحمها و لبنها، فالمضمون حقيقة هي المنفعة التي أتلفها المشتري بالاستيلاد» ممنوعة بأنّه لا شاهد لهذا الحمل، فيكون تخرّصا على الغيب.

بل يشهد بخلافه ما ورد في رواية أخرى لزرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه، فولدت منه أولادا، ثم أتاها من يزعم أنّها له، و أقام على ذلك البيّنة. قال: يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» «3» للتصريح بضمان خدمتها مضافا الى ضمان الولد. و عليه فالأقرب ما اختاره المصنّف من كون الضمان للتلف الحكمي لا لسائر موجباته.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 93

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 75

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 4

ص: 55

[د الدليل الرابع: قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»]

ثمّ إنّ هذه المسألة (1) من جزئيات القاعدة المعروفة (2) «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده (3). و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

و هذه القاعدة أصلا و عكسا (4) و إن لم أجدها بهذه العبارة في كلام

______________________________

الدليل الرابع: قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»

(1) الظاهر أنّ غرضه قدّس سرّه من التعرّض لقاعدة «ما يضمن» هنا هو إقامة دليل رابع على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد، لكونه من صغريات قاعدة «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» المقتضية لاتحاد حكم العقد الصحيح و الفاسد في الضمان، و حيث إنّ البيع الصحيح يقتضي ضمان المشتري بالثمن، و البائع بالمثمن، فكذا فاسده.

و الأمر كما أفاده قدّس سرّه لو تمّت هذه القاعدة في نفسها بأن كانت مجمعا عليها أو دلّ عليها قاعدة الإقدام كما سيأتي نقله عن المسالك. و أمّا إذا كان الدليل عليها قاعدة اليد كما يظهر من المسالك أيضا لم تكن قاعدة «ما يضمن» دليلا مستقلا على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، إذ المدار حينئذ على ما يستفاد من نفس حديث «على اليد» و بناء على هذا يكون تعرّض المصنّف قدّس سرّه لهذه القاعدة هنا مماشاة للأصحاب، حيث يظهر من بعضهم إرسال القاعدة إرسال المسلّمات.

(2) قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «وصف القاعدة في الرياض بالشهرة، و في كتاب الإجارة منها بكونها متّفقا عليها. و في شرح القواعد بالشهرة و بكونها مجمعا عليها، و كونها موافقة للقواعد الشرعية» «1».

(3) لا يخفى أنّ مورد الاستدلال هنا هو هذه الجملة لا عكسها، إذ المقصود مضمنيّة قبض المبيع بالعقد الفاسد كالمقبوض بصحيحه.

(4) التعبير بالعكس مسامحة، و أطلق المحقق الثاني قدّس سرّه العكس على أصل القاعدة، فقال في عدم ضمان المستأجر للعين- سواء أ كانت الإجارة صحيحة أم فاسدة-: «أمّا الصحيحة فظاهر، للقطع بأنّ ذلك من مقتضياتها. و أمّا الفاسدة

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 275

ص: 56

من تقدّم على العلّامة (1)،

______________________________

فلأنّ كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، و بالعكس» «1» فيكون مراده بالعكس هو أصل قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

و كيف كان فإطلاق العكس على «ما لا يضمن» مسامحة، لعدم انطباق شي ء من العكس المستوي و عكس النقيض عليه. أما الأوّل فلأنّه تبديل طرفي القضية مع بقاء الكيف على حاله. و كلاهما مفقود في المقام، لعدم تبدل الموضوع و المحمول، و لعدم تغيير الكيف من الإيجاب إلى السلب، لقولهم: «لا يضمن بفاسده».

و أمّا الثاني فلأنّ عكس النقيض هو تبديل نقيضي الطرفين مع الاختلاف في الكيف. و وجه عدم صدقه على قاعدة «ما لا يضمن» هو: أنّ الكيف و إن كان مختلفا، إلّا أن التبديل مفقود، فالصواب التعبير بالنقيض دون العكس. أو التعبير بما في الجواهر «2» من المفهوم تارة كما في بيعه، و السالبة أخرى كما في إجارته.

(1) قال في رهن التذكرة: «إذا فسد الرّهن و قبضه المرتهن لم يكن عليه ضمان، لأنّه قبضه بحكم أنّه رهن. و كلّ عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده أيضا كذلك.

و كلّ عقد كان صحيحه مضمونا ففاسده مثله. أمّا الأوّل فلأنّ الصحيح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولى باقتضائه. و أمّا الثاني فلأنّ من أثبت اليد عليه أثبته عن إذن المالك، و لم يلتزم بالعقد ضمانا، و لا يكاد يوجد التسليم و التسلّم إلّا من معتقدي الصحة» «3».

و لا يخفى وقوع السهو في العبارة- و لعلّه من الناسخ- فإنّ المناسب تبديل «أمّا الأوّل» ب «أمّا الثاني» لأن الأوّل في استدلاله هو قوله: «و كلّ عقد كان صحيحه غير مضمون ففاسده أيضا كذلك». و كذا ينبغي تبديل قوله «و أمّا الثاني» ب «و أمّا الأوّل». و الأمر سهل.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 7، ص 258

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 259 و ج 27، ص 252

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 32، و لاحظ كلامه في كتاب الإجارة، ج 2، ص 318

ص: 57

إلّا (1) أنّها تظهر من كلمات الشيخ رحمه اللّه في المبسوط، فإنّه علّل الضمان في غير واحد من العقود الفاسدة «بأنّه دخل على أن يكون المال مضمونا عليه» (2).

______________________________

و قد تعرّض قدّس سرّه أيضا لذكر القاعدتين في إجارة التذكرة.

هذا كلّه في ورود القاعدة في كلام العلّامة.

و أمّا ورودها في كلمات من تأخّر عنه كالشهيد و المحقق الثانيين و المحقق الأردبيلي و غيرهم قدّس سرّهم فكثير، و سيأتي نقل بعض عبائرهم في المتن.

(1) غرضه من هذا الاستدراك أنّ قاعدة «ما يضمن» أصلا و عكسا و إن لم ترد بهذه الألفاظ في كلام من تقدّم على العلّامة، لكنّها تظهر من كلمات شيخ الطائفة قدّس سرّه، و على هذا تكون القاعدة جارية على ألسنة القدماء أيضا، و ليست متداولة بين المتأخرين خاصّة. أمّا أصل القاعدة فتستفاد من مواضع من غصب المبسوط. و أمّا عكسها فيستفاد من كتاب الرّهن.

(2) كقوله في ضمان المقبوض بالبيع الفاسد: «فإن كان المبيع قائما ردّه، و إن كان تالفا ردّ بدله، إن كان له مثل، و إلّا قيمته. لأنّ البائع دخل على أن يسلم له الثمن المسمّى في مقابلة ملكه، فإذا لم يسلم له المسمّى اقتضى الرجوع إلى عين ماله. فإذا هلكت كان له بدلها. و كذلك العقد الفاسد في النكاح يضمن المهر مع الدخول، و كذلك الإجارة الفاسدة. الباب واحد» «1».

و قال في موضع آخر: «و هكذا كلّ ما كان قبضا مضمونا، مثل أن يأخذه على سبيل السّوم، أو على أنّه بيع صحيح، أو كان ثوبا فأخذه على أنّه عارية مضمونة، فكلّ هذا يستقرّ عليه، لأنّه دخل على أنه مضمون عليه، فلم يكن مغرورا فيه» «2».

و قال أيضا: «لأنّه- أي المشتري- دخل على أنّ العين عليه مضمونة بالبدل» «3».

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 65

(2) المصدر، ص 89

(3) المصدر، ص 85

ص: 58

و حاصله (1) [1]: أنّ قبض المال مقدما على ضمانه بعوض واقعي أو جعلي موجب للضمان. و هذا المعنى (2) يشمل المقبوض بالعقود الفاسدة التي تضمن بصحيحها (3).

______________________________

(1) يعني: و حاصل تعليل الضمان في جملة من العقود الفاسدة- بالدخول على الضمان- هو: أنّ وضع اليد على مال الغير موجب للضمان إذا كان مقترنا بالبناء على التعهّد ببدله الواقعي، كما في المقبوض بالسّوم، أو ببدله الجعلي المسمّى كما في العقود المعاوضية الصحيحة. و هذا الاقدام يمكن أن يكون دليلا على ما ذكره العلّامة و المتأخرون عنه من قولهم: «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الظاهر في جعل الملازمة في مضمّنية العقد المعاوضي بين صحيحه و فاسده. و على هذا فقاعدة «ما يضمن» و إن لم يصرّح بها في كلام من تقدّم على العلّامة قدّس سرّه، إلّا أنها مذكورة في المبسوط تلويحا.

(2) أي: الدخول على الضمان و الاقدام عليه، و مقصود المصنّف قدّس سرّه استظهار جريان قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في جميع العقود التي توجب صحيحها ضمانا. و الوجه في التعميم- مع كون كلام الشيخ قدّس سرّه مختصا ببعضها كالبيع و الإجارة- هو جريان الاقدام على الضمان في كل عقد مبني على تعهّد الآخذ حتى في العارية المشروط فيها الضمان أو عارية الذهب و الفضة، فإنّها و إن لم تكن معاوضة، إلّا أنّ الاستيلاء على العين مبنيّ على الضمان، هذا.

(3) كالصلح المتضمن للمعاوضة، و كالهبة المشروط فيها العوض، بناء على عدم اختصاص اقتضاء الضمان بنفس العقد، و شموله للاقتضاء العرضي، على ما سيأتي في المتن.

______________________________

[1] ظاهر هذا التعليل كون سبب الضمان الاقدام، لكن ظاهر قولهم: «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» هو سببية نفس العقد كالإتلاف للضمان، فاستظهار قاعدة «ما يضمن» من هذا التعليل الذي ذكره الشيخ قدّس سرّه في المبسوط محل نظر.

ص: 59

و ذكر (1) أيضا في مسألة عدم الضمان في الرّهن الفاسد «أنّ صحيحه لا يوجب الضمان، فكيف بفاسده؟»

______________________________

(1) غرضه استظهار قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» من كلام شيخ الطائفة في رهن المبسوط، فيما إذا فسد الرهن لاشتماله على شرط فاسد، قال قدّس سرّه:

«إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر، على أنّه إن لم يقبض إلى محلّه كان بيعا منه بالدين الذي عليه، لم يصحّ الرّهن، و لا البيع إجماعا، لأنّ الرّهن موقّت و البيع متعلّق بزمان مستقبل. فإن هلك هذا الشي ء في يده في الشهر لم يكن مضمونا عليه، لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون فكيف فاسده؟ و بعد الأجل فهو مضمون عليه، لأنّه في يده بيع فاسد، و البيع الصحيح و الفاسد مضمون عليه إجماعا» «1».

و الشاهد في قوله: «لأنّ صحيح الرّهن غير مضمون فكيف فاسدة» إذ يستفاد منه الملازمة في عدم الضمان بين الرهن الصحيح و الفاسد. و حيث إنّه لا خصوصية في عقد الرّهن أمكن استظهار القاعدة الكليّة، يعني: أنّ كل عقد صحيح لا يقتضي الضمان ففاسده مثله.

و قد تحصّل إلى هنا استظهار أصل القاعدة و عكسها من كلام شيخ الطائفة، و إن كان تعبيره مغايرا لتعبير العلّامة و من تأخّر عنه.

______________________________

ثم إنّه قد يورد على الشيخ قدّس سرّه بأنّ الإقدام بنفسه ليس علّة للضمان، فلا يصح تعليل الضمان به. لكنّه يندفع بأنّ الاستدلال به ليس لأجل عليّته له، بل للتنبيه على أنّه ليس بمانع عن تأثير المقتضي- و هو القبض- كما هو مورد كلامه في جميع الموارد التي استدلّ فيها على ثبوت الضمان مع فساد العقد، فتعليل الضمان بالاقدام عليه من قبيل تعليل الشي ء بعدم المانع عن تأثير مقتضية.

و الحاصل: أنّ في تعليل الشيخ دلالة على الملازمة بين الضمان و الاقدام وجودا و عدما.

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 204

ص: 60

و هذا (1) يدلّ على العكس المذكور.

و لم أجد (2) من تأمّل فيها عدا الشهيد (3) في المسالك فيما لو فسد عقد السبق، فهل يستحق السابق أجرة المثل، أم لا (4)؟

______________________________

(1) يعني: قول الشيخ: «انّ صحيحه لا يوجب الضمان فكيف فاسده» يدلّ على العكس المذكور.

(2) مقصوده من هذه الجملة: أنّ ظاهرهم الاتفاق على الأصل و العكس المذكورين، إلّا أنّ المخالف هو الشهيد الثاني قدّس سرّه حيث تأمّل في أصل القاعدة أي:

«ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في كتاب السبق و الرماية، و هذا التأمّل قادح في دعوى الإجماع على الأصل المذكور.

(3) و كذا المحقق الأردبيلي في ضمان المقبوض بالسوم و بالعقد الفاسد، حيث ناقش في دليل الضمان- من حديث على اليد و قاعدة ما يضمن- بقوله: «و صحتهما غير ظاهر، و الأصل يقتضي العدم» «1».

(4) توضيحه: أن المحقق قدّس سرّه فصّل- في ما لو تبيّن بعد المسابقة فساد العقد- بين كون منشأ الفساد اختلال شرط ممّا يتوقف عليه صحة العقد كتعيين مبدأ المسافة و منتهاها، و تعيين ما يسابق عليه، و تساوي ما به السباق، و غير ذلك، و بين كونه مغصوبية العوض و عدم مملوكيته لمن عليه بذله، فإنّ العقد يقع صحيحا و يتوقف على إجازة المالك، و لو لم يجز وجب على الباذل مثله أو قيمته.

و أمّا إن كان الفساد من الجهة الأولى فقد نقل الشهيد الثاني قولين في المسألة:

أحدهما: أنّه لا شي ء للسابق، و هو اختيار الشيخ و المحقق «و وجهه: أنّه لم يعمل له شيئا، و لا فوّت عليه عمله، و لا عاد نفع ما فعله إليه، و إنّما فائدة عمله راجعة إليه. بخلاف ما إذا عمل في الإجارة و الجعالة الفاسدتين، فإنّه يرجع إلى أجرة مثل عمله، لأنّ فائدة العمل للمستأجر و الجاعل».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 192

ص: 61

[بيان معنى القاعدة أصلا و عكسا]
اشارة

و كيف كان (1) فالمهمّ بيان معنى القاعدة أصلا و عكسا، ثم بيان المدرك فيها، فنقول و من اللّه الاستعانة:

______________________________

و القول الآخر للعلّامة و جماعة من المتأخرين، و هو وجوب أجرة المثل، قال قدّس سرّه: «لأنه عقد استحق المسمّى في صحيحه، فإذا وجد المفقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل. و لا نسلّم أنّ وجه وجوب اجرة المثل في العقدين و نظائرهما رجوع عمل العامل إلى من يجب عليه العوض، لأنّ العمل في القراض قد لا ينتفع به المالك، و مع ذلك يكون مضمونا».

ثمّ ناقش الشهيد الثاني في استدلال العلّامة مفصّلا إلى أن قال: «و قاعدة: أنّ كل ما كان صحيحه موجبا للمسمّى ففاسده موجب لأجرة المثل لا دليل عليها كلّيّة، بل النزاع واقع في بعض مواردها، فكلّ ما لا إجماع و لا دليل صالح يدلّ على ثبوت شي ء فالأصل يخالف مدّعي القاعدة» «1».

و الشاهد في قوله: «لا دليل عليها كلّية» و هذا مقصود المصنّف من نسبة التأمّل في قاعدة «ما يضمن» إلى الشهيد الثاني.

و لا يخفى اختلاف كلماته، فيظهر من مواضع من المسالك و بيع الرّوضة تسليم القاعدة و كلّيّتها، كقوله في عدم ضمان المحرم المستعير للصيد: «أما مع صحته فالأصل في العارية أن تكون عندنا غير مضمونة .. و أمّا مع فسادها فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في الضمان و عدمه، كما أسلفناه في مواضع قاعدة كلّيّة» «2».

(1) أي: سواء وجدت هذه العبارة في كلام من تقدّم على العلّامة أم لا؟ و سواء تمّ تأمّل الشهيد الثاني في عمومها أم لا؟ فالمهمّ .. إلخ. و هذا شروع في تحقيق أصل القاعدة الذي عدّ دليلا على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، و الكلام يقع في مقامين، أحدهما في ما يتعلق بالأصل، و الثاني في ما يتعلق بالعكس.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 109 و 110

(2) مسالك الافهام، ج 5، ص 139

ص: 62

[المبحث الأول: المراد بالعقد ما يشتمل على المعاوضة]

إنّ المراد بالعقد (1) أعمّ من الجائز و اللازم، بل ممّا كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب اليه.

______________________________

و الكلام في المقام الأوّل يقع في جهات:

الجهة الأولى: في معاني ألفاظ القاعدة، و هي متضمنة لأبحاث:

الأوّل: في شمول العقد للعقد الجائز و عدم اختصاصه بالعقد اللازم.

الثاني: في معنى الضمان.

الثالث: في أنّ عموم «كل عقد» يكون بلحاظ الأنواع أو الأصناف أو الأفراد.

الرابع: في أنّ اقتضاء العقد الصحيح للضمان هل يختص بذات العقد أم يعم الاقتضاء العرضي الناشئ من الشرط في ضمن العقد؟

الخامس: في أنّ الباء في قولهم: «بصحيحه» سببية أو ظرفية.

الجهة الثانية: في مدرك القاعدة و مستندها.

الجهة الثالثة: في أنّ ضمان المقبوض بالعقد الفاسد هل يختص بحال جهل الدافع بالفساد أم يعمّ صورة علمه به أيضا؟ و سيأتي الكلام في هذه المباحث بترتيب المتن إن شاء اللّه تعالى.

المبحث الأول: المراد بالعقد ما يشتمل على المعاوضة

(1) هذا شروع في البحث الأوّل من الجهة الأولى، و محصل ما أفاده: أنّ المراد بالعقد في قولهم: «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» كلّ ما يشتمل على المعاوضة، سواء أ كان عقدا لازما كالبيع و الصلح، أم جائزا كالجعالة بناء على كونها عقدا لا إيقاعا، و كالهبة المشروطة بالعوض. و الوجه في الشمول وجود ملاك الضمان في كلّ من العقد اللازم و الجائز.

بل يندرج في القاعدة بعض العناوين الاعتباريّة مما يحتمل كونه إيقاعا أو كان أقرب إلى الإيقاع، و ذلك كالجعالة و الطلاق الخلعي، فإنّه و إن ذهب جمع الى كونهما

ص: 63

..........

______________________________

من العقود، إلّا أنّ القائل بكونهما من الإيقاعات موجود أيضا.

أمّا الجعالة فهي عند جمع كابن إدريس و العلّامة و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم قدّس سرّهم عقد جائز. قال العلّامة: «الجعالة عقد جائز من الطرفين إجماعا، لكلّ منهما فسخها قبل التلبّس بالعمل، و بعده قبل تمامه، لأنّ الجعالة تشبه الوصيّة من حيث إنّها تعليق بشرط، و الرجوع عن الوصية جائز، و كذا ما يشبهها. و أمّا بعد تمام العمل فلا معنى للفسخ، و لا أجر، لأنّ الجعل قد لزم بالعمل» «1» هذا.

و لكن استظهر صاحب الجواهر- تبعا للشهيد الثاني- من عبارة الشرائع كونها إيقاعا، قال المحقق: «أمّا الإيجاب فهو أن يقول: من ردّ عبدي أو ضالّتي أو فعل كذا فله كذا، و لا يفتقر إلى قبول .. و يصح على كل عمل مقصود محلّل، و يجوز أن يكون العمل مجهولا، لأنّه عقد جائز كالمضاربة» «2».

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرحه: «قد اختلف كلام الأصحاب و غيرهم في الجعالة هل هي من قسم العقود أو الإيقاعات؟ و المصنف جعلها من الإيقاع وضعا و حكما، حيث صرّح بعدم افتقارها إلى القبول، و هو المطابق لتعريفهم لها، حيث جعلوها التزام عوض على عمل. و يؤيّده عدم اشتراط تعيين العامل، و إذا لم يكن معيّنا لا يتصور للعقد قبول، و على تقدير قبول بعض لا ينحصر فيه إجماعا. و منهم من جعلها من العقود، و جعل القبول الفعلي كافيا فيها كالوكالة، و المنفي هو القبول اللفظي. و هو ظاهر كلام المصنف فيما سيأتي حيث جعله عقدا جائزا. و الظاهر أنّه تجوّز في ذلك، إذ لو كان عقدا عنده حقيقة لذكره في قسم العقود لا في قسم الإيقاعات .. إلخ» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 288

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 163

________________________________________

(3) مسالك الأفهام، ج 11، ص 149 و 150

ص: 64

..........

______________________________

و اختار صاحب الجواهر كونها إيقاعا بقوله: «و لعلّه الأصح، لما تسمعه من صحة عمل المميّز بدون إذن وليّه بعد وضعها- بل قيل في غير المميّز و المجنون وجهان- و من المعلوم عدم صحة ذلك مع فرض اعتبار القبول فيها و لو فعلا، لسلب قابلية الصبي و المجنون قولا و فعلا عن ذلك، و لذا لا يجوز معه عقد من العقود الجائزة .. إلخ» «1».

و كأنّ هذه الوجوه أوجبت تردّد المصنّف في كون الجعالة عقدا جائزا، و احتمل كونها إيقاعا، و لذا قال: «ممّا كانت فيه شائبة الإيقاع».

و تظهر الثمرة بين كونها عقدا و إيقاعا في ما إذا صدر العمل من العامل خاليا عن قصد العوض و التبرّع مطلقا، سواء اطّلع على الإيجاب أم لا، فإنّه يستحق مال الجعالة على الإيقاعية دون العقدية، هذا.

و أمّا الطلاق الخلعي ففيه أيضا احتمالان بل قولان، أحدهما كونه عقدا، و الآخر كونه إيقاعا.

و الأوّل هو المشهور كما يستفاد من كلام الشهيد الثاني في شرح قول المحقق:

«و هل يصح- أي بذل الفداء- من المتبرّع؟ فيه تردّد، و الأشبه المنع». و الثاني هو الذي رجّحه الشهيد الثاني مدّعيا مخالفته لمذهب جميع الأصحاب، و وافقه الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه.

و لا بأس بنقل جملة من عبارة المسالك، فقال: «و أمّا بذله من المتبرّع عنها، بأن يقول للزوج: طلّق امرأتك بمائه من مالي، بحيث يكون عوضا للخلع، ففي صحته قولان، أظهرهما بين الأصحاب- و هو الذي اختاره المصنّف و الشهيد و غيرهما من الأصحاب- العدم، فلا يملك الزوج البذل، و لا يقع الطلاق إن لم يتبع به، لأنّ الخلع من عقود المعاوضات، فلا يجوز لزوم العوض لغير صاحب المعوّض، كالبيع، لو قال:

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 35، ص 189

ص: 65

..........

______________________________

بعتك كذا بمائة في ذمة فلان» إلى أن قال: «و قول بالصحة لا يعلم قائله من الأصحاب، لكنّه مذهب جميع من خالفنا من الفقهاء إلّا من شذّ منهم.

و مبنى القولين على أنّ الخلع فداء أو معاوضة، أو على أنّه طلاق أو فسخ.

فعلى الأوّلين يصح من الأجنبي، لجواز الافتداء منه، و بذل مال له ليطلّقها، كما يصحّ التزام المال ليعتق عبده. و قد يتعلّق به غرض بأن كان ظالما بالإمساك، و تعذّر إزالة يده بالحجة، أو كان يسي ء العشرة و يمنع الحقوق، فأراد المختلع تخليصها.

و على تقدير كونه طلاقا فالطلاق يستقل به الزوج، فجاز أن يسأله الأجنبي على مال، كما إذا قال: ألق متاعك في البحر و عليّ كذا» إلى أن قال: «و يرجّح جانب الفداء: الآية الدالة عليه، إلّا أنّ مفهوم خطابها اختصاصها بها، لكن مفهوم الخطاب ليس بحجة» «1».

و هذه الجملة الأخيرة تشهد بنفي كون الطلاق الخلعي عقدا، و أنّه إيقاع، و يتفرع عليه جواز تبرّع الأجنبي ببذل الفداء، فراجع تمام كلامه.

و اقتصر قدّس سرّه في شرح اللمعة على بيان وجهي المنع و الصحة، و إن أمكن استفادة ترجيح كون الخلع إيقاعا «لأنه افتداء، و هو جائز من الأجنبي».

و نحوه كلام الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه «2».

و الحاصل: أنّ بذل الفداء في الخلع لا يوجب صيرورته عقدا مؤلّفا من بذل الزوجة و طلاق الزوج، بل الغرض من البذل إحداث الداعي في نفس الزوج على الطلاق. نظير ما لو التزم رجل لرجل آخر مالا ليعتق عبده أو يطلق زوجته طلاقا رجعيا أو بائنا، بأن يقول له: «أعتق عبدك أو طلّق زوجتك و عليّ ألف دينار» فإنّ الألف ليس عوضا، و إنّما يقصد به حصول الرغبة لمن بيده الأمر فيما يراد منه من العتق و الطلاق.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 9، ص 392 و 393

(2) كشف اللثام، ج 1، (القسم الثاني) كتاب الطلاق، ص 151

ص: 66

[المبحث الثاني: المراد بالضمان في العقد الصحيح و الفاسد]

و المراد (1) بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون

______________________________

المبحث الثاني: المراد بالضمان في العقد الصحيح و الفاسد

(1) هذا هو المبحث الثاني من مباحث الجهة الاولى، و هو بيان معنى الضمان بحيث يكون جامعا للعقد الصحيح و الفاسد، بأن يراد من الضمان في جملتي «ما يضمن بصحيحه» و «يضمن بفاسده» معنى واحد. و قد فسّره المصنّف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: ما اختاره من أن الضمان كون درك المضمون عليه.

و الثاني: ما نقله عن بعض من أنّه «كون تلفه عليه بحيث يتلف مملوكا له».

و توضيح المعنى الأوّل هو: أنّ الضمان في الجملتين عبارة عن كون درك المضمون و خسارة تلفه على الضامن، بأن يجب عليه تداركه بأداء بدله من ماله، فتلف المال المضمون يوجب نقصان مال الضامن، للزوم تداركه منه.

و الضمان بهذا المعنى جامع للضمان في موارد ثلاثة:

أحدها: الضمان المعاوضي في العقود الصحيحة.

ثانيها: ضمان التالف في العقود الفاسدة.

ثالثها: ضمان العين الموهوبة- بشرط التعويض- إذا تلفت بيد المتهب.

و الوجه في جامعية الضمان بهذا المعنى هو: أنّ خسارة تلف المال تكون على عهدة الضامن، سواء أ كانت الخسارة بدفع البدل المسمّى كما في العقد الصحيح، أم بدفع البدل الواقعي كما في غيره.

مثلا إذا باع زيد كتابه من عمرو بدينار، فالكتاب هو المال الأصلي المملوك لزيد قبل العقد، و الدينار ماله الفعلي الذي حصّله ببيع كتابه. و بالعكس بالنسبة إلى المشتري، فالدينار ماله الأصلي و الكتاب ماله الفعلي. فإن كان العقد صحيحا اقتضى ضمان كلّ من الطرفين لمال صاحبه بالضمان المعاوضي، يعني أنّ البائع يتعهّد بالكتاب قبل تسليمه للمشتري بحيث لو تلف بيده التزم بخسارته و دركه من ماله، لا من مال المشتري. و كذا يتعهّد المشتري بالدينار بحيث لو تلف بيده كانت خسارته عليه لا على البائع.

ص: 67

عليه (1)، بمعنى (2) كون خسارته و دركه (3) في ماله الأصلي (4)، فإذا (5) تلف (6)

______________________________

و إن كان العقد المعاوضي فاسدا و ترتّب عليه القبض- فصار الكتاب بيد المشتري، و الدينار بيد البائع- كان المشتري ضامنا للكتاب بحيث لو تلف بيده كانت خسارته عليه لا على البائع، و لو تلف الدينار كان على عهدة البائع لا المشتري.

و الدليل على ضمان كلّ منهما لمال الآخر هو الملازمة المستفادة من قاعدة «ما يضمن» بين صحيح العقد المعاوضي و فاسده. هذا توضيح نظر المصنف في أصل معنى الضمان. و أمّا كونه جامعا بين موارد الضمان فسيأتي.

(1) خبر «كون» و الضمير راجع إلى «الضامن» المستفاد من كلمة «الضمان».

ثمّ إن تفسير الضمان بهذا الوجه لعلّه لمراعاة قرينة السياق المقتضية لوحدة الضمان في العقد الصحيح و الفاسد، لصدق «تدارك المضمون على الضامن» سواء أ كان التدارك بعوض المسمّى كما في الصحيح، أم بالبدل الواقعي كما في الفاسد. و لا يلزم استعمال لفظ «الضمان» في أكثر من معنى، و سيأتي تقريبه.

(2) هذا تفسير لقوله: «كون درك المضمون عليه» و قد عرفته.

(3) هذا الضمير و ضمير «خسارته» راجعان إلى المال المضمون.

(4) قد عرفت المراد بما هو مال أصلي للضامن، في قبال ماله الفعلي الذي حلّ محلّ المال الأصلي بالمعاوضة.

(5) لا يخفى أنّ الضمان المعاوضي يحصل بنفس العقد، و لا يتقيّد هذا الضمان بتلف أحد العوضين أو كليهما، فذكر «التلف» إنّما هو لبيان موضوع الخسارة الواردة في المال الأصلي، إذ لو لا التلف لم ترد خسارة على المتبايعين، لوضوح أنّ بائع الكتاب يتدارك خروج كتابه عن ملكه بالدينار، و كذا المشتري يتدارك نقصان ماله بدخول الكتاب في ملكه، فورود الخسارة على كل منهما يتوقف على تلف مال الآخر بيده.

(6) يعني: فإذا تلف المضمون وقع نقصان في ماله الأصلي، لوجوب تدارك المضمون من ماله الأصلي.

ص: 68

وقع نقصان فيه، لوجوب تداركه منه.

و أمّا مجرّد كون تلفه في ملكه (1)

______________________________

(1) أي: في ملك الضامن، و هذا إشارة إلى معنى آخر للضمان نسبه الفقيه المامقاني قدّس سرّه إلى العالم الجليل الشيخ علي في حواشي الروضة، قال فيما حكاه عنه:

«معنى قولهم في القاعدة: كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده: كل عقد يضمن المال أو الشي ء فيه بسبب كونه صحيحا يضمن بسبب كونه فاسدا، بمعنى: أنّ صحة العقد إن كانت سببا للضمان كان الفساد كذلك. فالبيع الصحيح مثلا سبب في كون المبيع إذا تلف كان من مال المشتري فكذا البيع الفاسد. و ما لا يضمن بصحيحه كالعارية و مال المضاربة و الوديعة و نحو ذلك، فإن صحيح مثله لا يوجب الضمان، فكذا فاسده» «1».

و قد ينسب هذا التفسير إلى صاحب الرياض قدّس سرّه في مسألة تقدير الثمن «2»، لكن في النسبة تأمّل، فراجع الرياض. و نسبه المحقق النائيني إلى العلّامة فيما احتمله في الأواني المكسورة و إلى صاحب المقابس «3». لكنه لا يخلو من تأمل أيضا، فإنّه نقل عن المحقق التستري دخول المضمون- في مطلق موارد الضمان- في ملك الضامن آنا ما قبل التلف حتى يقع التلف في ملكه، و هذا أجنبي عمّا يكون المصنف بصدده من تحديد معنى «الضمان» الوارد في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

و كيف كان فتوضيح تعريف الضمان بأنّه «يتلف مملوكا له» هو: أنّ الضمان بمعنى الخسارة الواردة على مال الضامن، و وقوع التلف في ملكه. مثلا إذا باع زيد كتابا من عمرو بدينار، فإن كان العقد صحيحا و سلّم البائع الكتاب إلى عمرو، و تسلّم الثمن

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 277، لكن لم أعثر على هذه العبارة في هامش النسخة المطبوعة من الروضة، و هي طبعة عبد الرحيم، فراجع، ج 1 ص 323

(2) حاشية السيد الاشكوري على المكاسب، ص 41

(3) منية الطالب، ج 1، ص 118؛ المكاسب و البيع، ج 1، ص 303

ص: 69

..........

______________________________

منه، ثمّ تلف الكتاب بيد المشتري، كان هو الضامن لماله، لورود الخسارة عليه بتلف الكتاب.

و إن كان العقد فاسدا و تلف المبيع بيد المشتري فهذا البيع الفاسد يقتضي وقوع التلف في ملك المشتري، بأن يقدّر دخوله في ملكه قبل التلف آنا مّا، و يكون دفع البدل خسارة واردة عليه بسبب التلف عنده.

و الوجه في العدول عن تفسير الضمان بما أفاده المصنّف- من «تدارك المضمون ببدله»- إلى تقييد المضمون بكونه مملوكا للضامن هو: أنّ الضمان- بمعنى تدارك المضمون- مخصوص بالعقد الفاسد، إذ المقبوض به لو تلف بيد المشتري كانت خسارته عليه، و وجب عليه دفع بدله إلى البائع. و أمّا في العقد الصحيح فلا يتصور معنى للضمان- بمعنى تدارك مال الغير- و ذلك لأنّ المبيع إذا تلف عند المشتري لم يلزمه شي ء أصلا، لأنّ المال تلف من ملكه، لا من ملك البائع حتّى يجب على المشتري تداركه، و حينئذ لم يتضح المراد من كلمة «الضمان» الواردة في قولهم:

«ما يضمن بصحيحه».

و لذا عدل هذا القائل إلى تعريف الضمان بنحو ينطبق على مورد العقد الصحيح أيضا، و قال: «إنّه الخسارة الواردة على الشخص حال كونها مملوكة له» فإنّ هذا المعنى ينطبق على المأخوذ بالعقد الصحيح، كما تقدم آنفا في مثال الكتاب المقبوض بالبيع الصحيح إذا تلف بيد المشتري، إذ يصدق عليه أنّ المشتري ضامن بهذا العقد، و وجه ضمانه هو وقوع التلف في ملكه.

و اعترض المصنّف قدّس سرّه على هذا التفسير بأنّه أجنبيّ عن معنى الضمان لغة و عرفا، إذ لا يصدق على «تلف المال المملوك لشخص» أنّه ضامن لماله التالف، بل المناط في صدقه تدارك الخسارة الواردة على المالك إذا تلف ماله عند غيره بلا إذن المالك، أو أتلفه ذلك الغير.

ص: 70

بحيث يتلف مملوكا له (1)- كما يتوهّم- فليس (2) هذا معنى للضمان أصلا فلا يقال (3): إنّ الإنسان ضامن لأمواله.

ثمّ (4) تداركه من ماله

______________________________

و أمّا ما زعمه هذا القائل من أنّ تصور معنى صحيح لجملة «ما يضمن بصحيحه» يتوقف على تفسير الضمان بأنّه «بحيث يتلف مملوكا له» فممنوع، إذ المقصود بالضمان في العقود الصحيحة هو الضمان المعاوضي، بمعنى أنّه بمجرّد العقد يصير المبيع ملكا للمشتري فيضمنه البائع لو تلف عنده، و يصير الثمن ملكا للبائع، و يضمنه المشتري بحيث لو تلف وجب عليه بدله. و أمّا إذا تسلّم المشتري المبيع، و تسلّم البائع الثمن، ثم تلف فلا ضمان، لوقوع التلف في ملكه. و لم يعهد صحة إطلاق أنّ كل شخص ضامن لأموال نفسه حتّى يتجه تعريف الضمان بالخسارة الواردة في ملك نفسه، هذا.

(1) أي: مملوكا للضامن، يعني: أنّ الجامع بين ضمان المال في العقد الصحيح و الفاسد هو وقوع التلف في ملك الضامن.

(2) هذا جواب قوله: «و أمّا» و ردّ تفسير الضمان المنقول عن بعضهم.

(3) هذا متفرع على قوله: «فليس» و الوجه في فساد تعريف الضمان بأنّه «يتلف مملوكا له» هو: أنّه لو كان هذا المعنى صحيحا لزم صدق ضمان الشخص لأموال نفسه التي قد تتلف منه، مع أنّه لا يصحّ الصدق المذكور، و يستكشف من عدم صدقه بطلان التعريف المذكور.

(4) بعد أن اختار المصنّف قدّس سرّه تعريف الضمان بأنّه «كون درك المال المضمون على عهدة الضامن» أراد إثبات جامعية هذا التعريف، و عدم كون الضمان مشتركا لفظيا، و عدم لزوم التفكيك في معنى الضمان بين جملة «ما يضمن بصحيحه» و «ما يضمن بفاسده».

و توضيحه: أنّه قد يتوهم اختلاف معنى الضمان في الجملتين، لأنّه في العقد

ص: 71

تارة يكون بأداء عوضه الجعلي الذي تراضى (1) هو و المالك على كونه عوضا، و أمضاه الشارع، كما في المضمون بسبب العقد الصحيح. و أخرى بأداء عوضه

______________________________

الصحيح يكون بالبدل الجعلي المسمّى في العقد كبدلية الدينار عن الكتاب. و لكن الضمان في العقد الفاسد يكون بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة. فإذا قبض المشتري الكتاب و تلف عنده و تبيّن فساد العقد كان اللازم تداركه بعوضه الواقعي لا الجعلي.

و بهذا يتفاوت معنى الضمان الذي أفاده المصنّف، لاختلاف نحوي تدارك مال الغير، هذا.

و قد دفعه قدّس سرّه بأنّ للضمان في جميع موارده مفهوما وحدانيا، و هو التدارك بمال الضامن، إلّا أنّ الاختلاف يكون فيما يتدارك به، إذ هو تارة بدل واقعي، و أخرى بدل جعليّ، و ثالثة أقلّ الأمرين من البدل الواقعي و الجعلي كما سيأتي بيانه في الهبة المعوّضة التالفة قبل دفع العوض، فللمتّهب الاقتصار في تدارك العين الموهوبة على أقلّ البدلين قيمة، فإن كان العوض المشترط أقل اكتفى به، و إن كانت القيمة الواقعية أقلّهما اكتفى به.

و الحاصل: أنّ الضمان في جميع موارده بمعنى «تدارك المال المضمون و تحمّل خسارته» و يراد به عند الإطلاق أداء العوض الواقعي، و في خصوص العقد الصحيح يراد به أداء البدل الجعلي، و ذلك من باب تعدّد الدال و المدلول و قيام القرينة على إرادة التدارك بالعوض المسمّى، و هي تعيين البدل في العقد المعاوضي الذي أمضاه الشارع، كجعل الدينار- بالبيع- بدلا عن الكتاب.

(1) كتراضي مالك الكتاب و مالك الدينار على كون كلّ منهما عوضا عن الآخر. و كتراضي مالك الدار و المستأجر على كون عشرة دنانير عوضا عن منفعتها مدة شهر مثلا. و هذا التراضي إنّما يترتب عليه الأثر بعد إمضاء الشارع لهذين العقدين و حكمه بصحتهما.

ص: 72

الواقعي- و هو المثل أو القيمة- و إن لم يتراضيا عليه (1). و ثالثة بأداء أقلّ الأمرين من العوض الواقعي و الجعلي، كما ذكره بعضهم (2) في بعض المقامات، مثل تلف الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض.

______________________________

(1) كما في صورة فساد العقد و تلف المال، فإنّ الضمان يكون حينئذ بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.

(2) كالشهيد الثاني، حيث قال: «و حاصل الأمر: أنّ العين الموهوبة المشروط فيها الثواب لو تلفت في يد المتهب أو عابت قبل دفع العوض المشروط و قبل الرجوع، سواء أ كان ذلك بفعله كلبس الثوب، أم لا، فهل يضمن المتهب الأرش أو الأصل أم لا؟ قولان: أحدهما عدم الضمان، و هو الذي اختاره المصنف، ثم تردّد فيه.

و جزم به العلّامة في التذكرة و ولده في الشرح .. و الثاني: الضمان، جزم به ابن الجنيد من المتقدمين و بعض المتأخرين، لعموم على اليد ما أخذت حتّى تؤدّى، و لأنّه لم يقبضها مجّانا بل ليؤدّي عوضها فلم يفعل، و لأنّ الواجب أحد الأمرين، ردّها أو دفع العوض، فإذا تعذّر الأول وجب الثاني. و هذا هو الوجه.

إذا تقرّر ذلك و قلنا بالضمان مع التلف، فهل الواجب مثل الموهوب أو قيمته أو أقلّ الأمرين من ذلك و من العوض؟ وجهان أجودهما الثاني، لما عرفت من أنّ المتهب مخيّر بين الأمرين، و المحقّق لزومه هو الأقل، لأنّه إن كان العوض الأقلّ فقد رضي به الواهب في مقابلة العين. و إن كان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا يتعين عليه العوض، بل يتخيّر بينه و بين بذل العين، فلا يجب مع تلفها أكثر من قيمتها. و هذا هو الأقوى. و وجه اعتبار القيمة مطلقا أنّ العين مضمونة حينئذ على القابض، فوجب ضمانها بالقيمة.

و فيه: أنّه مسلّط على إتلافها بالعوض، فلا يلزمه أزيد منه لو كان أنقص» «1».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 63 الى 65

ص: 73

فإذا ثبت هذا (1) فالمراد بالضمان بقول مطلق (2) هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي، لأنّ هذا (3) هو التدارك حقيقة، و لذا (4) لو اشترط ضمان العارية

______________________________

(1) يعني: فإذا ثبت أنّ معنى الضمان هو كون تدارك المضمون على عهدة الضامن و أنّ التدارك إمّا بالعوض المسمّى و إمّا بالواقعي و إمّا بأقل الأمرين، فالمراد .. إلخ.

و غرضه قدّس سرّه أنّ الضمان و إن كان هو التدارك بأحد الأنحاء الثلاثة، إلّا أنه عند الإطلاق و عدم تقييده بالعوض الواقعي أو الجعلي أو أقلّ الأمرين يحمل على التدارك الحقيقي الذي هو جبر الخسارة بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.

و أمّا أداء البدل المسمّى أو أقلّ الأمرين فيحتاج إلى دليل على جوازه، مثل ما دلّ على صحة عقد البيع و الإجارة، المقتضي لضمان كلّ منهما بالضمان المعاوضي، لا الواقعي، فلو ثبت الضمان في مورد و لم يقترن معه ما يقيّده بالبدل الجعلي تعيّن تداركه بالعوض الواقعيّ. لما عرفت من أنّ جبران خسارة مال الغير لا يكون إلّا بأداء عوضه الحقيقي، و لأجله يحمل «الضمان» الوارد في أدلّة ضمان المغصوب مثل «الغاصب ضامن» و غير المغصوب مثل «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» على التعهّد بالبدل الواقعي، لا غير.

و لا يخفى أن قوله قدّس سرّه: «فالمراد بالضمان .. إلخ» تمهيد لردّ ما احتمله بعضهم من حمل الضمان في العقود الفاسدة على العوض الجعلي لا الواقعي، و سيأتي بيانه.

(2) يعني: لم يقيّد الضمان بالمسمّى، و لا بالواقعي و لا بأقلّ الأمرين، بل ورد قوله «فهو ضامن» فإنّه ينصرف إلى الواقعيّ خاصة.

(3) أي: لأنّ التدارك بالعوض الواقعيّ هو التدارك الحقيقي، و غيره منوط بقرينة تدلّ عليه.

(4) يعني: و لأجل كون الضمان بقول مطلق هو لزوم التدارك بعوضه الواقعي لزم غرامة مثلها أو قيمتها.

ص: 74

لزم غرامة مثلها أو قيمتها (1). و لم يرد (2) في أخبار ضمان المضمونات- من المغصوبات (3) و غيرها (4)- عدا لفظ الضمان بقول مطلق (5).

______________________________

(1) فإن كانت العين المعارة مثلية كان ضمانها بمثلها، و إن كانت قيمية فبقيمتها.

(2) غرضه قدّس سرّه أنّه لم يفسّر لفظ الضمان- في أخبار المضمونات- بشي ء من الواقعي و الجعلي و غيرهما، بل الوارد فيها لفظ «الضمان» فينصرف إلى المعهود منه، و هو الواقعي من المثل أو القيمة.

(3) مثل ما في مرسل حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السّلام: «لأنّ الغصب كلّه مردود» «1».

(4) مثل ما ورد في ضمان المستودع مع التفريط في الحفظ من قوله عليه السّلام:

«هو ضامن لها إن شاء ..» «2».

و ما ورد في عدم ضمان المستعير من قوله عليه السّلام: «ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» «3».

و ما روي في ضمان عارية النقدين، و العارية المشروط فيها الضمان من قوله عليه السّلام: «لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان» «4» الحديث. و قوله عليه السّلام في ضمان المستعير: «إذا استعيرت عارية بغير إذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن» «5».

و غيرها من الأخبار الواردة في ضمان الصّنّاع، و المستأجر المفرّط في العين المستأجرة، فإنّ الضمان فيها ينصرف إلى التدارك بالبدل الواقعي، لا غير.

(5) يعني: غير مقيّد بالبدل الواقعي و لا المسمّى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 309، الباب 1 من أبواب الغصب، الحديث 3

(2) المصدر، ج 13، ص 229، الباب 5 من أبواب الوديعة، الحديث 1

(3) المصدر، ج 13، ص 237، الباب 1 من أبواب العارية، الحديث 6

(4) المصدر، ج 13، ص 239، الباب 3، الحديث 1

(5) المصدر، ج 13، ص 240، الباب 4، الحديث 1

ص: 75

و أمّا (1) تداركه بغيره فلا بدّ من ثبوته من طريق آخر، مثل تواطئهما عليه بعقد صحيح يمضيه الشارع. فاحتمال (2) «أن يكون المراد بالضمان في قولهم:- يضمن بفاسده- هو وجوب أداء العوض المسمّى، نظير الضمان في العقد الصحيح»

______________________________

(1) أي: و أمّا تدارك المضمون بغير البدل الحقيقي من المثل أو القيمة فلا يستفاد من نفس دليل الضمان، بل لا بدّ من دليل آخر عليه، و هو مؤلّف من أمرين:

أحدهما: توافق المتعاقدين على أن يضمن كلّ منهما مال الآخر بالعوض المعيّن في المعاملة.

ثانيهما: إمضاء الشارع هذا التراضي حتى يترتب عليه الأثر، كإمضاء البيع بآية حلّ البيع، و إمضاء الإجارة و الصلح المعاوضي بأدلّة صحّتهما، و هكذا سائر الموارد.

فإن كان العقد صحيحا كانت صحّته قرينة على إرادة الضمان بالبدل الجعلي، و إن كان فاسدا تعيّن حمل الضمان في قولهم: «يضمن بفاسده» على التدارك بالبدل الواقعي.

(2) يعني: بعد كون الضمان حقيقة في الضمان الواقعي أو منصرفا إليه يظهر ضعف احتمال إرادة العوض المسمّى من «الضمان» في جملة «يضمن بفاسده».

و المحتمل- كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه- هو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرح القواعد، حيث قال بعد ذكر قاعدة «ما يضمن» ما لفظه: «و هي صريحة في أصل الضمان، إلّا أنّها يحتمل فيها وجهان: أحدهما: الضمان بمقدار ما أقدم عليه من المقابل. و ثانيهما: قيمته بلغت ما بلغت، و هو الظاهر، لأنّ التقييد غير مفهوم منها» «1».

و هو قدّس سرّه و إن احتمل الضمان بالمسمّى، إلّا أنّه رجّح الضمان بالبدل الواقعي.

و على هذا فلا بدّ أن يكون غرض المصنف من الاشكال عليه هو: أنّ أصل إبداء احتمال الضمان بالبدل المسمّى في العقد المعاوضي الفاسد ممّا لا ينبغي صدوره من فقيه خصوصا مثل كاشف الغطاء قدّس سرّه.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 279

ص: 76

ضعيف (1) في الغاية، لا لأنّ (2) ضمانه بالمسمّى يخرجه عن فرض الفساد، إذ (3)

______________________________

(1) خبر قوله: «فاحتمال» و دفع له، و قد ذكر في دفع الاحتمال وجهان:

أحدهما: ما تكرّر في كلام المصنف من أنّ الضمان بقول مطلق يحمل على التدارك بالبدل الحقيقي.

و ثانيهما: ما أفاده بعضهم و هو لزوم الخلف، توضيحه: أنّ الضمان في العقد الفاسد بمقدار ما أقدم عليه- أي المسمّى- يوجب خروج العقد الفاسد عن فرض الفساد و يجعله صحيحا، إذ الضمان بالمسمّى يتوقّف على توافق المتعاوضين و إمضاء الشارع له، و حيث إنّ المفروض فساد العقد لم يكن توافقهما ممضى شرعا و لا موضوعا للأثر، فلا وجه لرفع اليد عن الضمان الواقعي الذي هو مقتضى إطلاق «الضمان» و الالتزام بالضمان الجعلي.

(2) فكأنّ هذا القائل فهم استلزام صحة العقد لتعيّن المسمّى، فإذا فسد كان تعيّن المسمّى بلا معيّن.

(3) تعليل لقوله: «لا» و هذه مناقشة المصنف في جواب الاحتمال، و حاصلها:

منع توقف الضمان بالعوض المسمّى على صحّة البيع من حين العقد، بل يمكن تعيّنه بعد تلف أحد العوضين.

توضيحه: أنّه إذا كان العقد فاسدا لم ينتقل المبيع إلى المشتري، و لا الثمن إلى البائع، و يحرم التصرف في كل منهما. و لو كان لأحدهما نماء كان لمالكه الأصلي، هذا مع بقاء العينين. و أمّا إذا تلف أحدهما- كما إذا تلف المبيع بيد المشتري- فنقول بأنّ الثمن المسمّى في ذلك العقد الفاسد هو الذي يضمنه المشتري، و يجب عليه تسليمه إلى البائع، و لا يتعيّن البدل الواقعي من المثل أو القيمة للعوضيّة.

و لا استيحاش من هذا، لوجود نظيره في الفقه و هو المعاطاة بناء على الإباحة، لما تقدّم في التنبيه السادس المعقود لبيان الملزمات من: أنّ تلف أحد العوضين ملزم للمعاطاة، و يتعيّن العوض الجعليّ للعوضية و يتملّكه مالك التالف،

ص: 77

يكفي في تحقق فرض الفساد بقاء كلّ من العوضين على ملك مالكه (1) و إن كان عند تلف أحدهما يتعيّن الآخر للعوضيّة، نظير المعاطاة على القول بالإباحة (2).

بل (3) لأجل ما عرفت من معنى الضمان، و أنّ التدارك بالمسمّى في الصحيح

______________________________

مع أنّه لم يدخل في ملكه من حين التعاطي المفيد للإباحة.

و على هذا فلا ملازمة بين الصحة و تعيّن المسمّى، حتى يكون ضمان المسمّى في العقد الفاسد مخالفا لفرض الفساد. بل يمكن القول بضمان المسمّى في العقد الفاسد أيضا بعد تلف أحد العوضين.

فالنتيجة: أنّ الاحتمال الذي أبداه كاشف الغطاء قدّس سرّه لا يندفع بما أفيد من اختصاص ضمان المسمّى بالعقد الصحيح، هذا.

(1) بأن كان المالان باقيين على ملك مالكيهما إلى أن يتلف أحدهما، فحينئذ ينتقل التالف منهما عند التلف- آنا ما- إلى ملك من تلف عنده، و بالعكس.

(2) فإنّ العوضين باقيان على ملك مالكيهما- و هما المتعاطيان- و لا يتعيّن أحدهما للعوضيّة إلّا بعد تلف الآخر.

و لا يخفى أنّ تنظير المقام بالمعاطاة- بناء على الإباحة التي لا يقول بها المصنف- إنّما هو لمجرّد دفع الاستبعاد عن تغيير الضمان في العقد الفاسد من الواقعي إلى الجعلي حين تلف أحد المالين، إذ القائل بالإباحة يلتزم بانتقال التالف قبل التلف آنا ما إلى من تلف عنده، و يتعيّن العوض الآخر للعوضيّة.

و إلّا فيرد على المصنف قدّس سرّه أنّ قياس المقام بالمعاطاة في غير محلّه، لكون العقد الفاسد فاسدا إلى الأبد، بخلاف المعاطاة، فإنّها صحيحة، و لأجل صحتها- بالإجماع المدّعى على الإباحة- يتعيّن المالان للعوضية عند التلف، هذا.

(3) معطوف على قوله: «لا لأن» و غرضه بيان وجه ضعف الاحتمال الذي أفاده الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه. و قد عرفته، و محصّله: أنّ الضمان بقول مطلق يراد به التدارك بالعوض الواقعي، و أنّ التدارك بالمسمّى يتوقف على أمرين، أحدهما توافق

ص: 78

لإمضاء الشارع ما تواطئا على عوضيّته، لا لأنّ (1) معنى الضمان في الصحيح مغاير لمعناه في الفاسد حتى يوجب ذلك تفكيكا في العبارة (2)، فافهم (3).

______________________________

المتعاملين، و الآخر إمضاء الشارع لما تواطئا عليه، و هذا الأمر الثاني مفقود في العقد الفاسد، فلا وجه للضمان بالمسمّى فيه.

(1) هذا قد استفيد من قوله قبل أسطر: «و لم يرد في أخبار ضمان المضمونات ..

إلخ» و كأنّه قدّس سرّه يريد دفع توهّم، حاصله: أنّ الضمان في العقد الصحيح إن كان بالمسمّى و في الفاسد بالواقعي لزم التفكيك في مدلول كلمة «ما يضمن بصحيحه» بحمله على ما يضمن بمسمّاه، و كلمة «ما يضمن بفاسده» بحمله على ضمانه الواقعي، و هذا التفكيك مخالف لظهور الكلام في إرادة معنى واحد من كلمة «الضمان» في الجملتين.

و محصّل دفعه: عدم لزوم التفكيك في معنى الضمان، لأنّه بمعنى تدارك مال الغير بحيث لو تلف كانت خسارته في ماله الأصلي. و هذا جار في كلّ من العقد الصحيح و الفاسد، إلّا أنّ مصداق المال الأصلي مختلف، فقد يكون ما عيّن في العقد، و قد يكون هو المثل أو القيمة، و من المعلوم أنّ اختلاف مصاديق التدارك لا يوجب تعدّد المفهوم حتى يتوهم التفكيك بين الضمان في صحيح العقد و فاسده.

(2) أي: التفكيك في الضمان بين جملة «ما يضمن بصحيحه» و جملة «يضمن بفاسده».

(3) لعلّه إشارة إلى أنّ التفكيك في مفهوم الضمان ممّا لا بدّ منه، سواء أ كان من باب استعمال لفظ الضمان في الواقعي تارة، و في المسمّى أخرى، أم من باب استفادة التدارك الواقعي من إطلاق اللفظ و عدم تقييده بشي ء، و التدارك الجعلي من قرينة تواطؤ المتعاقدين و إمضاء الشارع. هذا تمام الكلام في ثاني أبحاث الجهة الاولى، و هو معنى الضمان الوارد في القاعدة.

ص: 79

[المبحث الثالث: عموم «كل عقد» هل يكون بلحاظ الصنف أو غيره؟]

ثمّ (1) العموم في العقود

______________________________

المبحث الثالث: عموم «كل عقد» هل يكون بلحاظ الصنف أو غيره؟

(1) هذا شروع في المبحث الثالث من مباحث الجهة الأولى، و هو بيان المراد من العموم المدلول عليه بكلمة «كلّ» في قولهم: «كل عقد يضمن ..» أو بكلمة «ما» الموصولة في قولهم: «ما يضمن».

و الوجه في عقد هذا المبحث هو: أنّ في العموم احتمالات ثلاثة، بل أقوالا كذلك، و تتفاوت الآثار المترتبة على كلّ منها، فلا بدّ من تحقيق المسألة، و ينبغي الإشارة إلى أمرين مقدمة لتوضيح كلام المصنف قدّس سرّه، فنقول و به نستعين:

الأوّل: أنّ هذا البحث لا يختص بأصل القاعدة- أعني به «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»- بل يجري في العكس أيضا، إذ الموضوع فيه «كل عقد لا يضمن بصحيحه» أو «ما لا يضمن» فيجري فيه احتمال نوع العقد أو صنفه أو أشخاص العقود التي ينشئها المتعاقدان.

الثاني: في بيان المراد بالنوع و الصنف و الفرد، فنقول: إنّ «العقود» عنوان مشير إلى المعاملات القائمة بطرفين، سواء تضمّنت معاوضة أم لا، كالبيع و الصلح و الإجارة و الهبة و الجعالة و السبق و الرماية و المضاربة و العارية و الوديعة و الوكالة و الرّهن و نحوها ممّا هو معهود في الكتب الفقهية. و يعدّ كلّ منها نوعا، فالبيع- بما له من الأقسام- نوع واحد، لصدق تعريفه من «مبادلة مال بمال، أو تمليك عين بعوض» على جميعها. و كذا الإجارة نوع واحد، و الصلح نوع، و هكذا سائر العقود.

ثمّ إنّ لكلّ من هذه الأنواع أقساما هي أصناف ذلك النوع، كبيع الصّرف و السّلم و الحيوان و الثمار و النسيئة و المعاطاة، و بيع الدين و غيرها من الأقسام.

و للإجارة أيضا صنفان، هما إجارة الأعيان و الأعمال. و كذلك للصلح أصناف، فإنّه إمّا يفيد فائدة البيع أو الإجارة أو العارية أو الهبة أو الإبراء. و هكذا العارية، فإنّها إمّا عارية النقدين و إمّا غيرهما، و الثاني إمّا مشروط بالضمان و إمّا غير مشروط به.

ص: 80

..........

______________________________

و المراد بالأفراد هو أشخاص العقود التي تقع خارجا بإنشاء المتعاقدين.

إذا اتضح هذان الأمران، فنقول: إن أريد بلفظ «كل عقد» العموم بلحاظ الأنواع كان معناه: أنّ جميع أفراد نوع- كالبيع- إن كان في صحيحها ضمان، ففي فاسدها الضمان أيضا. و أنّ جميع أفراد نوع كالوديعة إن لم يكن في صحيحها ضمان فلا ضمان في فاسدها أيضا.

و على هذا ينحصر مصداق أصل قاعدة «ما يضمن» في البيع و الإجارة اللذين يضمن بصحيحهما، و لا يندرج في هذه القاعدة عقد آخر، لعدم مضمّنية جميع أفراد العقود- بنحو الإطلاق- غير البيع و الإجارة، فكأنّ القاعدة أسّست لبيان حكم الضمان في خصوص هذين العقدين.

و إن أريد العموم بلحاظ أصناف كل واحد من العقود كان معنى القاعدة: أنّ كل صنف من أصناف العقود إن كان في صحيحه ضمان فكذا في فاسد ذلك الصنف، سواء أ كان في سائر أصنافه ضمان أم لا. و معنى عكس القاعدة: أنّ كل صنف ليس في صحيحه ضمان فكذا في فاسده، سواء أ كان في سائر أصناف ذلك العقد ضمان أم لم يكن.

و على هذا الاحتمال تتكثّر العقود المندرجة في الأصل، و لا تنحصر في البيع و الإجارة المقتضيين للضمان، فيقال: إنّ العارية بنوعها مثلا لا ضمان في صحيحها فكذا في فاسدها. و لكن أقسام العارية مختلفة، ففي بعضها الضمان كعارية النقدين، فيمكن أن تندرج في أصل القاعدة، فإذا كانت عارية النقدين فاسدة- لاختلال بعض شروطها- ثبت فيها الضمان، لأنّ «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» مع أنّ نوع عقد العارية غير مضمّن.

و كذا تندرج الهبة المشروطة بالعوض في أصل القاعدة- بناء على تعميم اقتضاء العقد للضمان لما إذا كان بالذات أو بالعرض- مع عدم الضمان في نوع الهبة.

ص: 81

ليس (1) باعتبار خصوص الأنواع، لتكون أفراده مثل البيع (2) و الصلح و الإجارة و نحوها، لجواز (3) كون نوع لا يقتضي بنوعه الضمان، و إنّما المقتضي له بعض أصنافه، فالفرد الفاسد من ذلك الصنف يضمن به، دون الفاسد من غير ذلك

______________________________

و الحاصل: أنّه بناء على كون العموم بلحاظ الأصناف يلزم دخول بعض أقسام عقد في أصل القاعدة، و بعضها في العكس، و لا مانع منه.

و إن كان العموم بلحاظ الأفراد- لا الأنواع و لا الأصناف- كانت مصاديق أصل القاعدة و عكسها في غاية الكثرة، لأنّ كل عقد يقع في الخارج فهو بنفسه- لا بما أنّه فرد للنوع أو الصنف- إن كان مقتضيا للضمان على تقدير صحته كان مقتضيا له على تقدير فساده. و إن لم يكن مقتضيا له على فرض صحته فكذا على فرض فساده.

هذا كلّه في مقام الثبوت و الاحتمالات المتطرقة في المراد بالعموم. و أمّا في مقام الإثبات فقد استظهر المصنف الاحتمال الثاني و هو العموم بلحاظ الأصناف، و سيأتي بيانه.

(1) غرضه استظهار كون العموم بلحاظ الأصناف، لا الأنواع و لا الأفراد.

و المذكور فعلا نفي العموم النوعي، و أمّا العموم الأفرادي فسيأتي- بعد فصل- الخدشة فيه.

(2) هذه الأنواع مثال للعموم في كلّ من أصل القاعدة و عكسها، و ذلك بقرينة ذكر «الصلح» فإنّه بنوعه مما لا يضمن بصحيحه فكذا بفاسده. نعم البيع و الإجارة مثالان للنوع في أصل القاعدة لاطّراد الضمان في جميع أصنافهما و أفرادهما.

(3) تعليل لعدم كون العموم في القاعدة بلحاظ خصوص الأنواع. و محصّله: أنّه لو كان العموم بلحاظها لزم عدم اطّراد عكس القضية، مثلا لا يكون الصلح الجامع بين المعاوضي و المحاباتي مقتضيا للضمان، كما إذا كان مفيدا للهبة أو الإبراء، فيندرج في عكس القضية، في أنّ صحيحه لا يقتضي الضمان فكذا فاسده. و كذا الهبة الجامعة بين المشروطة بالعوض و غيرها، مع أنّ الصلح قد يقتضي الضمان كما إذا كان معاوضيا.

فالمتعيّن كون العموم بلحاظ الأصناف لا الأنواع، فصنف من الصلح- و هو

ص: 82

الصنف. مثلا الصلح بنفسه لا يوجب الضمان، لأنّه (1) قد لا يفيد إلّا فائدة الهبة غير المعوّضة، أو الإبراء. فالموجب للضمان هو المشتمل على المعاوضة. فالفرد الفاسد من هذا القسم موجب للضمان أيضا (2). و لا يلتفت إلى أنّ نوع الصلح الصحيح من حيث هو لا يوجب ضمانا (3)، فلا يضمن (4) بفاسده. و كذا (5) الكلام

______________________________

المعاوضي- يقتضي صحيحه الضمان، و كذا فاسده. و صنف منه و هو المحاباتي لا يقتضي صحيحه الضمان و كذا فاسده.

و هكذا العارية، فصنف منها يندرج في الأصل و هو «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و صنف آخر من ذلك النوع يندرج في العكس و هو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

(1) هذا تعليل لعدم اقتضاء الصلح- بما هو نوع من أنواع العقود- للضمان، إذ قد يكون أثره تمليك عين مجّانا و هو الهبة غير المعوّضة، أو إبراء المديون عمّا في ذمته، و هو إيقاع، و ربّما يخلو من العوض.

و على هذا فلو كان العموم في القاعدة بلحاظ النوع لزم اندراج الصلح- بجميع أقسامه- في العكس. مع أنّ الصحيح هو التفصيل بين أصنافه، فبعضها المشتمل على المعاوضة مندرج في الأصل، و بعضها في العكس. فلا بدّ من كون العموم بلحاظ الأصناف، و أنّ كل صنف عنوان مستقل، فإن اقتضى الضمان كان من أفراد الأصل، و إلّا فمن العكس.

(2) يعني: كإيجاب الفرد الصحيح من الصلح- المشتمل على المعاوضة- للضمان.

(3) يعني: مطلقا، سواء أفاد فائدة البيع أم الإجارة مما يشتمل على معاوضة بين المصالح و المتصالح، أم لم يشتمل عليها كالمفيد فائدة الهبة غير المعوّضة، و الإبراء.

(4) هذا متفرّع على كون العموم بلحاظ أنواع العقود، و لازمه خروج عنوان الصلح عن قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(5) هذا مثال ثان لظهور الثمرة بين كون العموم نوعيا و صنفيا، فبناء على إرادة الأنواع لا ضمان في الهبة المشروطة بالعوض، لأنّ جميع أفراد الهبة- بما هي مصاديق

ص: 83

في الهبة المعوّضة. و كذا (1) عارية الذهب و الفضة.

نعم (2)

______________________________

لعنوان الهبة- غير مضمونة، فلا تندرج في الأصل. و بناء على إرادة الصنف يتعيّن التفصيل بين الهبة المعوّضة باندراجها في الأصل، و بين الهبة غير المعوّضة باندراجها في العكس.

(1) هذا مثال ثالث للثمرة بين إرادة النوع و الصنف، فبناء على النوع تندرج العارية بجميع أقسامها في العكس. و بناء على الصنف يفصّل بين عارية الذهب و الفضة- و عارية الحيوان بناء على ما حكي عن ابن الجنيد- فتكون مضمونة سواء في صحيحها و فاسدها. و بين عارية سائر الأشياء فلا ضمان فيها.

(2) هذا استدراك على إرادة الصنف، و حاصله: أنّ مقتضى تمسكهم بقاعدة «ما لا يضمن» في استعارة المحرم صيدا هو إرادة النوع، يعني: حيث إنّه لا ضمان في نوع العارية فلازمه عدم ضمان المستعير، لفرض فساد العارية، و به يشكل إرادة الصنف.

و توضيحه: أنّ جمعا ذكروا: أنّ المحرم إذا استعار الصيد من المحلّ وجب عليه إرسال الصيد، و عاريته فاسدة، و لا يضمن للمعير الصيد الذي أتلفه بإرساله.

و الدليل على الضمان هو تبعية العارية الفاسدة لصحيحها في عدم الضمان. قال في المسالك: «و أمّا مع فسادها- أي العارية- فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في الضمان و عدمه كما أسلفناه في مواضع- قاعدة كليّة» «1». و من المعلوم ظهور هذا التعليل في أنّ المدار في الضمان و عدمه هو نوع العقد، فيشكل مختار المصنف قدّس سرّه من إرادة الصنف.

و لكنّه قدّس سرّه وجّهه بأنّ مقصودهم بالاستدلال بقاعدة «ما لا يضمن» هو الصنف، بقرينة تصريحهم في كتاب العارية بضمان عارية الذهب و الفضة، و العارية

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 139

ص: 84

ذكروا (1) في وجه عدم ضمان الصيد الذي استعاره المحرم: أنّ صحيح العارية لا يوجب الضمان، فينبغي أن لا يضمن بفاسدها. و لعلّ (2) المراد عارية غير الذهب و الفضّة و غير (3) المشروط ضمانها.

______________________________

المشروطة بالضمان، إذ لو كان المدار نوع العارية لزم التنافي بين إدراجها في «ما لا يضمن» و بين حكمهم بالضمان في القسمين المذكورين، و رفع التهافت منوط بالالتزام بالصنف، فيكون صنف من العارية مشمولا للأصل و هو «ما يضمن» و صنف منها للعكس، و هو «ما لا يضمن» هذا.

(1) الأولى أن يقال: «ذكر بعضهم» إذ المسألة خلافية، ففي الشرائع: «و لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا، لأنّه ليس له إمساكه. و لو أمسكه ضمنه، و إن لم يشترط عليه» «1». نعم رجّح الشهيد الثاني عدم الضمان، لقاعدة «ما لا يضمن» فراجع، و التفصيل في محله.

(2) هذا توجيه استدلال مثل الشهيد الثاني بقاعدة «ما لا يضمن» و قد عرفته آنفا.

(3) الأولى إسقاط «غير المشروط ضمانها» بناء على ما سيأتي منه قريبا في تفسير القاعدة من كون المقتضي للضمان نفس العقد الصحيح، و من المعلوم عدم كون الضمان في العارية المشروطة به من مقتضيات نفس العقد، بل هو اقتضاء عرضي ناش من الشرط.

إلّا أن يكون غرض المصنف قدّس سرّه الاستشهاد بكلام القوم لإثبات العموم الأصنافي لا الأنواعي، فلا بأس حينئذ بذكر العارية المشروطة بالضمان بعد تصريحهم بضمانها صحيحة و فاسدة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 172

ص: 85

[المبحث الرابع: اعتبار كون الضمان مقتضى العقد لا الشرط]

ثمّ المتبادر (1) من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له

______________________________

المبحث الرابع: اعتبار كون الضمان مقتضى العقد لا الشرط

(1) هذا شروع في المبحث الرابع من مباحث الجهة الأولى، و هو تحقيق أنّه هل يعتبر كون الضمان مقتضى نفس العقد أم يكفي كونه مقتضى الشرط؟ و لا يخفى أنّ المناسب تأخير هذا البحث عن المقام، لعدم تماميّة البحث الثالث بعد، فإنّ المصنف و إن رجّح العموم بلحاظ الصنف على النوع، إلّا أنّ احتمال كونه بلحاظ أشخاص كلّ صنف باق بحاله، و سيأتي بعد أسطر إبطاله. كما أنّ البحث الخامس و هو أن الباء سببية أو ظرفية مقدّم رتبة على البحث عن اختصاص اقتضاء الضمان بنفس العقد، أو تعميمه إلى اقتضاء الشرط أيضا.

و كيف كان فتوضيح ما أفاده: أنّ اقتضاء العقد الصحيح للضمان تارة يكون بذاته كالبيع، و أخرى يكون بالشرط النافذ بأدلة الشروط، كقوله عليه السّلام: «المؤمنون عند شروطهم» كما إذا شرط في عقد الإجارة أن يكون المستأجر ضامنا للعين- مع عدم اقتضاء ذات الإجارة ضمانها، و أنّ يده على العين أمانيّة لا تضمنها لو تلفت بآفة سماوية لا بتعدّ و تفريط- فلو تلفت كان المستأجر ضامنا لها، لوجوب الوفاء بالشرط الجائز في نفسه، كوجوب الوفاء بنفس العقد.

و كذا الكلام في ضمان العين المعارة لو شرط المعير ضمانها على المستعير.

و لا إشكال في هذا. إنّما الكلام في ما إذا شرط الضمان في مثل عقد الإجارة و العارية، ثم تبين بطلان العقد لاختلال بعض شرائط صحته، فهل تقتضي قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» تبعية الفاسد للصحيح في هذا الضمان العرضي الناشئ من الشرط، أم لا تقتضيه؟ في المسألة قولان:

أوّلهما: الاقتضاء، و هو ظاهر صاحب الرياض قدّس سرّه في العارية المضمونة تبعا للمسالك.

و ثانيهما: عدم الاقتضاء، و هو مختار المصنّف قدّس سرّه. و استدلّ عليه بأنّ المتبادر من قولهم: «كل عقد يقتضي صحيحه الضمان ففي فاسده كذلك» هو اقتضاء العقد

ص: 86

بنفسه (1) [1]، فلو (2) اقتضاه الشرط المتحقق في ضمن العقد الصحيح، ففي الضمان

______________________________

بطبعه للضمان، لا بالشرط الذي هو أجنبي عن العقد و خارج عنه، و إنّما يرتبط به بعناية الاشتراط. و على هذا فلا ضمان في الإجارة و العارية الفاسدتين المشروط فيهما ضمان العين.

(1) أي: بذاته، لا بالعرض كالشرط في ضمن العقد.

(2) هذا متفرع على اختصاص اقتضاء العقد الصحيح للضمان بنفسه، لا مطلقا و لو بالشرط.

______________________________

[1] كما أن المتبادر أو المتيقن ضمان نفس متعلق العقد، دون توابعه. ففي الإجارة مثلا المتعلق هو المنفعة، و العين تابعة، و في البيع هو العين، و المنافع تابعة.

فالقاعدة ساكتة عن ضمان غير مؤدى العقد من التوابع. و يظهر أثر هذا التفسير في المنافع غير المستوفاة، فإنّها غير مضمونة في العقد الصحيح، مع أنّها مضمونة في العقد الفاسد.

و قد جعله المصنف نقضا على القاعدة، لكنّه يندفع بالتفسير المزبور، لسكوت القاعدة عن ضمان التوابع التي منها المنافع غير المستوفاة، فتأمل جيدا.

ثمّ إنّ السيّد قدّس سرّه عمّم الفساد إلى العرضي بدعوى: أنّ العقد المقرون بالشرط و المجرد عنه صنفان متغايران، و المفروض إرادة الصنف من عموم مدخول (كلّ) و لذا لا يبقى إشكال في التمسك بهذه القاعدة «1».

و فيه: أنّ الضمان لمّا كان مستندا الى العقد و كان الشرط خارجا عنه، لأنّ العقد المشتمل عليه عقد و شرط، و لا يصدق العقد على المركب من العقد و الشرط الذي هو التزام خارج عن الالتزام العقدي، فيكون المراد من صنف العقد في قبال نوعه و شخصه حصص العقد بما هو عقد، فالقيود الخارجة عن العقد أجنبيّة عن نفس العقد، و خارجة عن ماهيّته.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 94

ص: 87

بالفاسد من هذا الفرد المشروط فيه الضمان- تمسّكا بهذه القاعدة (1)- إشكال (2).

كما لو استأجر إجارة فاسدة، و اشترط فيها ضمان العين (3)، و قلنا (4) بصحة هذا الشرط، فهل يضمن بهذا الفاسد، لأنّ (5) صحيحة يضمن به و لو لأجل الشرط أم لا؟ و كذا الكلام في الفرد الفاسد من العارية المضمونة.

و يظهر من الرّياض اختيار الضمان بفاسدها (6) مطلقا (7)

______________________________

(1) أي: ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(2) فلا وجه لمضمّنية العقد الفاسد المتضمن لشرط صحيح في نفسه، لعدم كون الضمان مقتضى ذات العقد.

(3) تقدّم آنفا توضيح هذا الفرع بقولنا: «فلا ضمان في الإجارة و العارية الفاسدتين .. إلخ».

(4) غرضه من هذه الجملة الحاليّة: أن التنظير بالإجارة الفاسدة- المتضمّنة لشرط ضمان العين- للاقتضاء العرضي يتوقف على الفراغ من صحة هذا الشرط في نفسه، فلو تأمّلنا في أصل جوازه كان مثال الإجارة أجنبيّا عن اقتضاء الشرط للضمان، لوضوح أنّ اقتضاءه له منوط بمشروعية الشرط في نفسه حتى يجب الوفاء به لاشتراطه في ضمن العقد.

(5) هذا تعليل للضمان بالفاسد فيما إذا كان المقتضي للضمان هو الشرط لا ذات العقد.

(6) أي: بفاسد العارية المضمونة.

(7) يعني: حتى إذا كان الضمان باقتضاء الشرط، الذي هو مورد البحث من حيث الاندراج في قاعدة «ما يضمن» فيظهر من ذلك ذهاب صاحب الرياض قدّس سرّه إلى تعميم الضمان إلى الاقتضاء الشرطي أيضا، إذ لا مدرك للضمان في فاسد العارية المضمونة إلّا هذه القاعدة.

ص: 88

..........

______________________________

قال في الرياض- في ما لو استعار من الغاصب، و تلفت العين بيد المستعير، فرجع المالك على الغاصب- ما لفظه: «لم يرجع- يعني الغاصب- على المستعير، إلّا مع علمه أو كون العين مضمونة، فيرجع عليه فيهما، لاستقرار الضمان عليه في الأوّل، و إقدامه في الثاني على الضمان، مع صحة العارية. فكذا عليه الضمان مع الفساد، للقاعدة الكلية: أنّ كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» «1».

و توضيح المراد من عبارة الرياض بحيث تكون شاهدة لما استظهره المصنف منها- من أنّ الضمان في العقد الصحيح إن كان للشرط الضمني كان كذلك في العقد الفاسد- هو: أنّ السيد قدّس سرّه حكم بأنّ الغاصب لو أعار العين المغصوبة حتى ينتفع المستعير بها و تلفت عنده رجع المالك على الغاصب، و أخذ بدل ماله منه، و لا يجوز للغاصب الرجوع على المستعير، إلّا في صورتين:

إحداهما: علمه بأنّ العين المعارة مغصوبة، و ليست ملكا للمعير، مع عدم إذن المالك في التصرف فيها، فيستقرّ الضمان على المستعير، لأنّه من تعاقب الأيدي.

ثانيتهما: جهله بالغصب، لكن كانت العين مضمونة، إمّا لكونها من الذهب و الفضة، و إمّا لأنّ الغاصب شرط على المستعير ضمان العين.

ففي كلتا الصورتين يضمن المستعير من جهة إقدامه على الضمان. و بهذا تندرج المسألة في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لأنّ العارية الصحيحة التي أقدم المستعير فيها على الضمان تكون مضمونة، فكذا يثبت الضمان في فاسدتها، كما في عارية الغاصب. و وجه فسادها انتفاء شرط الصحة و هو ملك العين و الانتفاع، أو الاذن.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 625

ص: 89

تبعا لظاهر المسالك (1).

و يمكن (2) جعل الهبة المعوّضة من هذا القبيل، بناء على

______________________________

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه- في شرح قول المحقق: «و لو استعاره من الغاصب و هو لا يعلم كان الضمان على الغاصب .. و كذا لو تلفت العين في يد المستعير» و أنّ في المسألتين قولين- ما لفظه: «و الحاصل: أنّ المالك مخيّر في الرجوع على كلّ منهما، فإن رجع على المستعير رجع على الغاصب إن لم تكن العارية مضمونة، و إلّا رجع عليه بغير ما قدم على ضمانه. و ربّما احتمل هنا ضعيفا رجوعه- أي رجوع المستعير على الغاصب- مطلقا- يعني سواء كانت العارية مضمونة أم لا- لأنّ استحقاق العين أوجب فساد العارية، فلا تكون مضمونة، و هو مغرور مع الغصب، فيرجع على من غرّه.

و يضعّف بأنّ غروره في الغصب لا مدخل له هنا في الضمان، لأنّا لم نضمّنه من حيث الغصب، بل من حيث كونها عارية مضمونة، و دخوله على ذلك، فإذا تبيّن فسادها لحق حكم الفاسد بالصحيح كما سلف من القاعدة. و إن رجع المالك على الغاصب لم يرجع على المستعير، إن لم تكن مضمونة، و إلّا رجع عليه بما كان يضمنه لو كانت صحيحة» «1».

و دلالتها على تبعية الفاسد للصحيح في الحكم بالضمان- حتّى إذا كان للشرط- أظهر من عبارة الرياض، لتصريحه بأنّ ضمان المستعير لا يستند إلى الغصب، بل إلى كون العارية مضمونة، لأنّه أقدم على ضمانها، و من المعلوم أنّ التعليل بالاقدام- مع جهله بالغصب- إمّا أن يكون لشرط الضمان في هذه العارية الفاسدة، و إمّا لكون العين المعارة ذهبا أو فضّة، هذا.

(2) غرضه قدّس سرّه بيان فرد ثالث لما إذا كان ضمان العوض مستندا إلى الشرط لا باقتضاء ذات العقد، و ذلك كالهبة المشروط فيها العوض، كما إذا وهب زيد كتابه لعمرو على أن يهبه عمرو دينارا. ففي هذه الهبة المشروطة احتمالان:

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 141 و 142

ص: 90

أنّها هبة مشروطة، لا معاوضة (1).

و ربّما يحتمل (2) في العبارة أن يكون معناه: أنّ كلّ شخص من العقود

______________________________

الأوّل: أنّ عقد الهبة يفيد تمليك عين مجّانا، و لا يقتضي بنفسه ضمان العوض، فأخذ العوض من المتهب يستند إلى الشرط. فتكون الهبة المشروط فيها العوض نظير العارية المشروط فيها الضمان، في أنّ منشأ الضمان هو الشرط لا ذات العقد. و هذا الاحتمال قوّاه المصنّف قدّس سرّه في أوائل البيع عند تعرّضه للنقوض الواردة على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» فراجع «1».

الاحتمال الثاني: أنّ الهبة المعوّضة معدودة من المعاوضات كالبيع و الإجارة و الصلح المعاوضيّ و نحوها. و على هذا يستند ضمان العوض إلى ذات العقد لا إلى الشرط.

(1) إذ لو كانت معاوضة كان اقتضاؤها للضمان ذاتيّا لا شرطيّا، ضرورة أنّ المقتضي للضمان حينئذ نفس العقد، لا الشرط المجعول فيه. هذا تمام الكلام في البحث الرابع، و هو أنّ اقتضاء الضمان مختصّ بذات العقد، أو يعمّ الشرط.

(2) هذا رجوع إلى البحث الثالث، و هو تحقيق أنّ العموم هل هو نوعيّ أم صنفيّ أم فرديّ، و قد تقدّمت الخدشة في إرادة العموم بلحاظ الأنواع، و بقي التعرض لاحتمال العموم الأفرادي.

و كيف كان فاحتماله مذكور في الجواهر- و إن لم يظهر أنّ المحتمل هو أو غيره- بقوله: «بل قد يقال: بشمول هذه القاعدة للفرض- أي: فساد الإجارة- بناء على إرادة أشخاص العقود منها، لا أصنافها، و لا ريب في عدم الضمان في المقام لو فرض صحة العقد المزبور، فكذا لا يضمن به على الفساد، للقاعدة المزبورة .. إلخ» «2».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 241- 245

(2) جواهر الكلام، ج 27، ص 247

ص: 91

يضمن به لو كان صحيحا، يضمن به مع الفساد.

______________________________

و توضيحه: أنّهم حكموا في الإجارة الفاسدة بوجوب أجرة المثل، مع فرض استيفاء المنفعة كلّا أو بعضا، سواء زادت على المسمّى أم نقصت عنه. و استثنى الشهيدان قدّس سرّهما صورة واحدة، فحكما بعدم ضمان اجرة المثل فيها، و هي ما إذا كان منشأ الفساد اشتراط عدم الأجرة، أو عدم ذكرها في العقد بنحو يستفاد منه إرادة عدم بذل الأجرة. و الوجه في عدم وجوب اجرة المثل على من استوفى المنفعة هو:

إقدام العامل على العمل مجّانا و بلا عوض.

هذا ما أفاده الشهيدان قدّس سرّهما. و وجّه صاحب الجواهر قدّس سرّه هذه الفتوى بجعلها من مصاديق قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بتقريب: أنّ «كلّ عقد يضمن .. إلخ» عنوان مشير إلى أشخاص العقود المنشئة في الخارج، و يفرض لكلّ عقد حالتان إحداهما الصحة، و الأخرى البطلان. فالمراد بالعقد في أصل القاعدة- أعني به «ما يضمن بصحيحه»- هو: أنّ كل شخص من العقود مقتض للضمان لو كان صحيحا، فهو مقتض له لو كان فاسدا. مثلا: بيع الكتاب بالدينار موجب لضمان كلا المتبايعين، لكونه عقدا معاوضيّا، فهذا الفرد من البيع إن كان فاسدا- لاختلال بعض شرائطه- كان مضمّنا أيضا.

و المراد بالعكس أعني «ما لا يضمن» هو: أنّ كل ما صدر مجّانا- كالهبة الخالية عن العوض و الصلح المفيد للإبراء- ممّا لا يفيد الضمان إذا كان صحيحا، فكذا لا يفيده إذا وقع فاسدا. و على هذا فالإجارة الفاقدة للأجرة باطلة شرعا، لأنّ حقيقة الإجارة «تمليك منفعة بعوض معلوم» أو «التسليط على العين لاستيفاء منفعتها بعوض» فخلوها عن الأجرة مناف لحقيقتها. إلّا أنّ هذه الإجارة مندرجة في «ما لا يضمن» لأنّها لو وقعت صحيحة شرعا لما كانت مضمّنة لمن يستوفي المنفعة، فكذا لا تكون مضمّنة له على تقدير فسادها.

و الحاصل: أنّ المدار في كون عموم القاعدة بلحاظ أشخاص العقود و أفرادها هو فرض حالتين لكل عقد خارجي، فنفس هذا الفرد إن اقتضى الضمان على تقدير

ص: 92

و رتّب (1) عليه عدم الضمان في ما لو استأجر بشرط أن لا أجرة، كما اختاره الشهيدان (2)، أو باع بلا ثمن (3)

______________________________

الصحة اقتضاه على تقدير الفساد. و إن لم يقتض الضمان على فرض صحته لم يقتضه على فرض فساده.

و بهذا يندرج مثال الإجارة الفاسدة- من جهة خلوّها عن الأجرة- في قاعدة «ما لا يضمن». هذا توضيح ما نسبه المصنف إلى بعضهم من إرادة العموم الأفرادي، و ما يترتب عليه من الثمرة.

(1) يعني: و رتّب هذا المحتمل- و هو صاحب الجواهر- على أنّ معنى العموم هو كل شخص .. إلخ عدم الضمان في ما لو استأجر بشرط عدم الأجرة، فلا يلاحظ أنّ نوع الإجارة أو كلّ صنف منها مضمّن أو غير مضمّن، بل المدار على شخص الإجارة الواقعة بين الطرفين، فإن كان صحيحها مؤثّرا في الضمان فكذا فاسدها، و إن لم يكن صحيحها مؤثّرا في الضمان فكذا فاسدها.

(2) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه- في ضمان أجرة المثل لو استوفى المنفعة و كانت الإجارة باطلة- ما لفظه: «و استثنى الشهيد رحمه اللّه من ذلك ما لو كان الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد، أو متضمّنا له كما لو لم يذكر أجرة، فإنّه حينئذ يقوى عدم وجوب الأجرة، لدخول العامل على ذلك. و هو حسن» «1».

و لكن المحقق الثاني اعترض على إطلاق كلام الشهيد، و فصّل بين العمل و بين سكنى الدار، فراجع «2».

(3) هذا المثال غير مذكور في كلام الشهيدين قدّس سرّهما، و إنّما أضافه المحقق الثاني في ما فصّله في كلاميهما، فراجع.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 184

(2) جامع المقاصد، ج 7، ص 120 و 121

ص: 93

كما هو أحد وجهي العلّامة في القواعد (1).

و يضعّف (2) بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له

______________________________

و أما العلّامة قدّس سرّه فاقتصر على احتمال الضمان و عدمه، فقال: «و كذا لو قال:

بعتك بلا ثمن، أو: على أن لا ثمن عليك، فقال: قبلت. ففي انعقاده هبة نظر، ينشأ من الالتفات إلى المعنى، و اختلال اللفظ. و هل يكون مضمونا على القابض؟ فيه إشكال، ينشأ من كون البيع الفاسد مضمونا. و دلالة اللفظ على إسقاطه» «1».

و كيف كان فتقريب انتفاء الضمان في البيع بلا ثمن هو: أنّ شخص هذا البيع لو كان صحيحا لم يكن المشتري ضامنا للثمن، لأنّ البائع أسقطه، و حيث كان بيعا فاسدا لحقه حكم الصحيح في عدم الضمان.

(1) و الوجه الآخر في كلام العلّامة هو الضمان، لأنّ نوع البيع الصحيح يفيده، فكذا فاسده، فيندرج في أصل القاعدة، لا في عكسها.

(2) يعني: يضعّف احتمال إرادة الاستغراق بلحاظ الأشخاص و الأفراد، على ما تقدّم في كلام الجواهر. و حاصل التضعيف: أنّ الموضوع في قاعدة «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» هو العقد، و أنّ له قسمين أحدهما صحيح و الآخر فاسد، و يكون الفاسد تابعا للصحيح في الضمان، و من المعلوم ظهور التقسيم في فعلية أقسامه، فلا بدّ من أن يكون للعقد فردان، أحدهما صحيح فعلا و هو الموجود خارجا جامعا للشرائط، و الآخر فاسد فعلا، لاختلال شرائطه الشرعيّة و إن كان عقدا عرفيّا.

و التحفّظ على ظهور الموضوع الجامع للقسمين في فعليّتهما يتوقف على كون الاستغراق بحسب النوع أو الصنف، و لا وجه لإرادة الشخص، ضرورة عدم تحمّل الفرد الشخصي- الموجود خارجا- للاتصاف فعلا بوصفين متقابلين و هما الصحة و الفساد، بل يوجد إمّا صحيحا و إمّا فاسدا. و يتوقف الاتّصاف على التقدير و الفرض

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 51، الشرط الأول من شرائط بيع السلف (الطبعة الحجرية).

ص: 94

بالفعل (1) صحيح و فاسد، لا ما (2) يفرض تارة صحيحا و أخرى فاسدا.

فالمتعيّن (3) بمقتضى هذه القاعدة (4) الضمان في مسألة البيع (5)، لأنّ البيع الصحيح

______________________________

بأن يقال: لو اقتضى هذا الفرد الخارجي- كالإجارة بلا أجرة و البيع بلا ثمن- الضمان على فرض صحته، لاقتضى الضمان على فرض فساده. و من المعلوم أنّ الفرد الواحد من كل عقد له حكم فعلي واحد، و لا يتعدّد حكمه الشرعي بمجرّد الفرض.

و الحاصل: أنّ ظهور القاعدة في فعلية القسمين يمنع عن الحمل على الأشخاص، و قد سبق أيضا امتناع حمل العموم على الأنواع، فتعيّن مختار المصنف و هو الحمل على الصنف، لصحة أن يقال: إنّ الإجارة إن كانت صحيحة- لاجتماع الشرائط فيها من ذكر الأجرة و غيرها- ففيها و في فاسدها الضمان، فالإجارة بلا أجرة فاسدة، و هي تابعة للإجارة الصحيحة في الضمان. و كذا البيع بلا ثمن، فإنّه بيع فاسد مضمّن، لكون نوع البيع و صنفه مقتضيا لضمان المتبايعين.

هذا بناء على صدق عنواني البيع و الإجارة عرفا على المثالين. و أمّا إذا قيل بالتجوز في الصيغة- و أنّ البيع بلا ثمن إنشاء للهبة، و أنّ الإجارة بلا أجرة إنشاء للعارية- كانا أجنبيّين عن المقام، لصحتهما هبة و عارية، و لا ضمان فيهما، فلاحظ.

(1) يعني: أنّ العقد الصحيح فرد، و العقد الفاسد فرد آخر، و كلّ منهما يمكن وجوده خارجا.

(2) يعني: ليس موضوع القاعدة فردا واحدا من العقد يفرض تارة صحيحا على تقدير اجتماع شرائطه، و أخرى فاسدا على تقدير اختلالها.

(3) هذا نتيجة بطلان كون العموم و الاستغراق بحسب أشخاص العقود، كما احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(4) أي: قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

(5) أي: البيع بلا ثمن. و قد عرفت وجه الضمان فيها آنفا، و أنّها مورد لأصل القاعدة لا عكسها.

ص: 95

يضمن به (1).

نعم (2) ما ذكره بعضهم من التعليل لهذه القاعدة «بأنّه أقدم على العين مضمونة عليه» (3) لا يجري في هذا الفرع (4). لكن الكلام في معنى القاعدة، لا في مدركها.

______________________________

(1) فكذا فاسد البيع، لانطباق عنوان «البيع» عليه.

(2) هذا استدراك على قوله: «فالمتعين .. الضمان في مسألة البيع» و حاصله: أنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه استدلّ- في كلامه الآتي في المتن- بالاقدام على الضمان على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و من المعلوم أنّ هذا التعليل لا يجري في «البيع بلا ثمن» ضرورة تحقق الإقدام المجّاني فيه، المضادّ للإقدام الضماني في البيع مع الثمن.

و هكذا سائر العقود المعاوضية.

و عليه فلا ينطبق دليل القاعدة على البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة. فيندرج البيع المزبور في الهبة المجانية التي هي من صغريات العكس، و هو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و كذا تندرج الإجارة المزبورة في العارية. و بهذا يشكل حكم المصنف بضمان المشتري للثمن الواقعي في مثال البيع بلا ثمن.

لكنّه قدّس سرّه تخلّص عن هذا الإشكال بأنّ الكلام فعلا في معنى القاعدة و تفسير مفرداتها، لا في مدركها، حتى يقال: بأنّ الإقدام على الضمان مخصوص بالعقد المتضمن للعوض، و لا يجري في العقد العاري عنه، و من المعلوم أنّ معنى القاعدة شامل للبيع بلا ثمن، و الإجارة بلا أجرة، هذا.

لكن ينبغي الاهتمام في البحث عن مدرك القاعدة و مقدار دلالته، ثم حملها على ما يساعد عليه دليلها.

(3) سيأتي قريبا استفادة هذا التعليل من كلام شيخ الطائفة، و كذا ورد التصريح به في كلام الشهيد الثاني و غيره.

(4) و هو البيع بلا ثمن، و المناسب ذكر مسألة الإجارة بلا أجرة أيضا، لارتضاعهما من ثدي واحد. هذا تمام الكلام في البحث الثالث، المتكفل لإثبات كون العموم بحسب الأصناف، لا الأنواع و لا الأفراد.

ص: 96

[المبحث الخامس: حرف «الباء» ظرفيّة أو سببيّة]

ثمّ (1) إنّ لفظة «الباء» في «بصحيحه و بفاسده» إمّا بمعنى «في» بأن يراد:

كلّما تحقّق الضمان في صحيحه تحقّق في فاسده (2).

______________________________

المبحث الخامس: حرف «الباء» ظرفيّة أو سببيّة

(1) هذا شروع في البحث الخامس من مباحث الجهة الاولى، و هو أنّ «الباء» في «بصحيحه و بفاسده» ظرفية أو سببيّة، و غرضه قدّس سرّه عدم التفكيك في الضمان بين العقد الصحيح و الفاسد، و أنّ كون الباء للظرفية أو السببيّة لا يوجب التفكيك المزبور.

توضيحه: أنّ الباء يستعمل في الظرفية كقوله تعالى نَجَّيْنٰاهُمْ بِسَحَرٍ و يستعمل في السببيّة كقوله عزّ من قائل إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخٰاذِكُمُ الْعِجْلَ و قوله فَكُلًّا أَخَذْنٰا بِذَنْبِهِ. فعلى الظرفية لا يلزم تفكيك في معنى «الباء»، فإنّ المعنى حينئذ: أنّ الضمان يكون في كلّ من العقد الصحيح و الفاسد.

و على السببيّة المطلقة الشاملة لكلّ من العلّة التامّة و الناقصة لا يختلف الضمان فيهما أيضا، لكون العقد في كليهما سببا ناقصا للضمان.

أمّا في الصحيح فلأنّه لو لم يتحقق فيه القبض لم يتحقق الضمان، لقولهم:

«و بالقبض ينتقل الضمان». و أمّا في الفاسد فلكون العقد سببا للقبض الذي هو منشأ للضمان. فللعقد دخل في الضمان في الصحيح و الفاسد، فالسببيّة ملحوظة في كليهما و مصحّحة لاستعمال الباء فيهما في السببيّة.

و بالجملة: فالعقد سبب ناقص للضمان و القبض متمّم له. و لذا لو تلف المبيع قبل القبض كان من مال بائعه، بل و كذا الثمن. هذا في العقد الصحيح. و في الفاسد يكون العقد مع الاقدام على القبض مصداقا لليد، و سيأتي توضيحه.

(2) و بناء على الظرفية لا يستفاد من القاعدة كون الضمان مقتضى العقد أو هو

ص: 97

و إمّا لمطلق السببيّة الشامل للناقصة (1)، لا العلّة التامّة، فإنّ (2) العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان إلّا بعد القبض كما في السّلم و الصّرف [1]، بل مطلق البيع، حيث إنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع

______________________________

مع القبض، و هذا بخلاف كون «الباء» سببيّة، إذ يجري البحث عن السببية التامّة و الناقصة، كما عرفت.

(1) يعني: لا خصوص السببيّة التامّة حتّى لا يكون القبض مؤثّرا في الضمان.

(2) هذا تقريب عدم كون العقد الصحيح علّة تامّة للضمان.

______________________________

[1] لا يخلو هذا التمثيل من المناقشة، لأنّ القبض شرط صحة بيعي الصرف و السّلم، فعدم الضمان فيهما قبله لعدم صحة العقد، بمعنى عدم وجود العقد الصحيح.

و كيف كان فالأولى أن يكون «الباء» لمطلق السببيّة، فيكون العقد سببا ناقصا للضمان، و القبض جزء أخيرا لعلّة الضمان. كما أنّ العقد سبب تام لقلب اليد المالكية إلى غيرها، ضرورة أنّه بنفس العقد يصير المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع.

و عليه فالاستيلاء على كلّ من العوضين قبل العقد استيلاء على مال نفسه، و بعده على مال الغير بدون إذن مالكي، أو استيمان شرعي أو مالكي يوجب عدم الضمان، لإطلاق «على اليد» فالعقد جزء السبب للضمان، و تمام السبب لقلب اليد المالكية.

و أمّا جعل «الباء» للظرفية فغير ظاهر، لأنّ الظرفية الحقيقية غير حاصلة، بداهة عدم كون العقد ظرفا حقيقة للضمان، فلا بدّ من التأويل بجعل استعمالها في الظرفية بمناسبة السببية، و هو تعسّف كما هو ظاهر. و كذا الظرفية الاعتبارية، فإنّ الظرف الاعتباري للضمان هو العهدة، كما هو واضح.

نعم العقد سبب لثبوت الضمان في العهدة. فكلّ من الظرفية الحقيقية و الاعتبارية مفقود في العقد، فلا معنى لجعل الباء للظرفية.

ص: 98

بمعنى أنّ دركه عليه (1)، و يتداركه (2) بردّ الثمن، فتأمّل (3).

و كذا (4) الإجارة و النكاح و الخلع، فإنّ المال في ذلك كلّه مضمون على من انتقل عنه إلى أن يتسلّمه من انتقل إليه.

و أمّا (5) العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة

______________________________

(1) خبر «أنّ» و الضمير راجع إلى البائع. و ضمير «دركه» راجع إلى المبيع.

(2) أي: يتدارك البائع المبيع بردّ الثمن إلى المشتري.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ الضمان- بمعنى تدارك مال الغير- أجنبي عن تلف المبيع قبل القبض، لأنّ البيع ينفسخ حينئذ، فيتلف المبيع في ملك مالكه و هو البائع، و هذا ليس من الضمان في شي ء، لأنّ التالف ملكه، لا أنّ عليه تداركه من ماله.

و على هذا فما أفاده بقوله: «بل مطلق البيع»- من جعل عقد البيع في جميع موارده جزء السبب المضمّن و جزءه الآخر هو القبض- غير ظاهر، و ذلك لأنّ كون العقد سببا تامّا لضمان المشتري- في غير بيع الصرف و السّلم- لا ينافي كون المبيع في ضمان البائع قبل قبضه، لفرض انفساخ هذا السبب التام بتلفه بيد البائع، و معه لا يبقى العقد الموجب لضمان المشتري. و هذا بخلاف القبض في بيع الصرف و السّلم، لدخله في سببيّة العقد للضمان المعاوضي.

(4) في كون الضمان على من انتقل عنه ما لم يتسلّمه المنتقل إليه. فإذا تلفت الأجرة بيد المؤجر- في إجارة الأعمال- تلفت منه لا من مال الأجير. و كذا الحال في تلف المهر بيد الزوج، و تلف عوض الخلع بيد الزوجة، فالقبض في هذه الثلاثة جزء السبب المضمّن للطرف الآخر.

(5) هذا في قبال قوله: «فإنّ العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان» و غرضه توجيه سببيّة العقد الفاسد للضمان، بناء على كون «الباء» سببيّة، فإنّ العقد الفاسد يكون بحكم العدم فكيف يوجب الضمان؟ و لذا تصدّى لتوجيه سببيّته بأحد وجهين:

ص: 99

أبدا [1] بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض، فقبله لا ضمان. فجعل الفاسد سببا إمّا (1) لأنّه المنشأ للقبض على (2) وجه الضمان

______________________________

الأوّل: أنّ الضمان في العقد الفاسد و إن كان منوطا بالقبض، إلّا أنّ الموجب للإقدام على القبض هو العقد الفاسد، فهو سبب السبب، و من المعلوم صحة إسناد الضمان إلى سبب السبب كصحة إسناده إلى نفس السبب أي القبض.

الثاني: أنّ العقد الفاسد بنفسه سبب ناقص للضمان، و تتوقف عليّته التامّة على تحقق الشرط، و هو القبض على وجه الضمان لا مجانا. و عليه فالسبب مؤلّف من العقد الفاسد و القبض. و هذا نظير بيع الصرف و السّلم، إذ يتوقف الضمان- في العقد الصحيح- على قبض الثمن في السّلم، و التقابض في الصّرف.

و الحاصل: أنّ مطلق السببيّة الجاري في بعض العقود الصحيحة يجري في العقد الفاسد أيضا، فلا مانع من جعل «الباء» سببيّة، هذا.

(1) هذا هو الوجه الأوّل لتوجيه جعل «الباء» سببيّة في العقد الفاسد كالصحيح.

(2) قيد للقبض، يعني: القبض المبني على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، في قبال القبض المبني على المجّانية، كما في الهبة و العارية الفاسدتين، لعدم إقدام المتهب و المستعير على ضمان ما قبضاه بالعقد الفاسد.

______________________________

[1] هذه العبارة توهم كون العقد الصحيح دائما أو غالبا أو نادرا علّة تامّة للضمان، و هذا ينافي قوله: «فان العقد الصحيح قد لا يوجب الضمان. الى قوله: بل مطلق البيع» حيث إنّ المبيع قبل القبض مضمون على البائع، إلى آخر ما أفاده، فإنّ ظاهره عدم كون العقد الصحيح علّة تامّة للضمان أبدا، فالمناسب أن يقول: و أمّا العقد الفاسد فكذلك أيضا في عدم عليّته التامّة أبدا.

ص: 100

الذي هو سبب للضمان [1]، و إمّا (1) لأنّه سبب (2) الحكم بالضمان بشرط القبض [2]. و لذا (3) علّل الضمان الشيخ و غيره «بدخوله على أن تكون العين مضمونة عليه» «1». و لا ريب (4) أنّ دخوله على الضمان إنّما هو بإنشاء العقد الفاسد، فهو (5) سبب لضمان ما يقبضه.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني، يعني: و إمّا لأنّ العقد الفاسد مقتض للحكم بالضمان بشرط كون القبض على وجه الضمان لا على وجه المجانية، و بهذا يكون العقد من أفراد مطلق السببيّة.

(2) فالعقد هو المقتضي للضمان، لا أنّه سبب السبب كما كان في الوجه الأوّل.

(3) أي: و لأجل اشتراط الضمان بالقبض علّل شيخ الطائفة و غيره .. إلخ.

و غرضه الاستشهاد بكلامهم على صحة الوجه الثاني، و أنّ العقد الفاسد من أفراد مطلق السببيّة، إذ بالعقد الفاسد يتحقق إقدام المتعاقدين على الضمان.

(4) غرضه تطبيق التعليل- الوارد في كلام الشيخ- على الوجه الثاني، و هو أنّ الاقدام على الضمان يكون بإنشاء العقد الفاسد.

(5) يعني: فإنشاء العقد الفاسد سبب لضمان ما يقبضه، إذ لولاه لما وقع القبض على وجه الضمان المقرّر عند المتعاقدين.

______________________________

[1] لا يختص هذا التوجيه بالعقد الفاسد، بل يجري في الصحيح أيضا، فلا وجه لتخصيصه بالفاسد.

[2] لكن هذا التوجيه ينافي ما ذكره سابقا بقوله: «ثمّ إنّ المتبادر من اقتضاء الصحيح للضمان اقتضاؤه له بنفسه». وجه المنافاة: أنّ الضمان يكون باقتضاء الشرط لا نفس العقد.

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 58 و 65 و 68 و 85 و 89؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 154

ص: 101

و الغرض من ذلك كلّه (1) دفع توهّم أنّ سبب الضمان في الفاسد هو القبض لا العقد الفاسد، فكيف يقاس الفاسد على الصحيح في سببيّة الضمان، و يقال:

______________________________

(1) أي: من توجيه سببيّة العقد الفاسد للضمان بالوجهين المتقدمين، و هما: كون العقد سبب السبب، أو سببا ناقصا. و غرضه من هذا البيان دفع توهّمين:

الأوّل: أنّ جعل «الباء» للسببيّة في العقد الصحيح أمر معقول. بخلاف العقد الفاسد، لعدم تأثيره في ضمان المتعاقدين، إذ تمام المؤثّر في الضمان هو القبض. و عليه فلا معنى لأن يقال: «إنّ العقد الذي يضمن بسببه إن كان صحيحا يضمن بسببه إن كان فاسدا» لما عرفت من عدم دخل العقد الفاسد في الضمان، و عليه يتعيّن جعل الباء للظرفيّة، هذا.

و قد دفعه المصنف بصحة إطلاق «السبب» على العقد الفاسد، إمّا لأنّه سبب السبب، و من المعلوم أنّ سبب السبب سبب بمقتضى قياس المساواة. و إمّا لأنّه سبب ناقص، و يكون مشروطا بالقبض، لا أنّ تمام السبب هو القبض كما زعمه المتوهّم.

الثاني: أنّ مقتضى سببيّة «الباء» هو كون العقد علّة تامة للضمان، من دون أن يكون للقبض دخل فيها أصلا، سواء أ كان العقد صحيحا أم فاسدا. و من المعلوم أنّ هذا الظهور ينافي ما تقرّر عندهم من عدم تأثير العقد الفاسد في الضمان إلّا بالقبض. و لا يرتفع هذا التنافي إلّا بتخصيص قاعدة «ما يضمن» بأن يقال: «كل عقد يضمن بسبب صحيحه يضمن بسبب فاسدة، إلّا العقد الفاسد قبل القبض» و يبقى للقاعدة موارد ثلاثة و هي العقد الصحيح مطلقا مع القبض و بدونه، و العقد الفاسد بعد القبض.

و قد دفعه المصنّف قدّس سرّه بأنّه لا موجب للتخصيص المزبور أصلا، إذ لا يراد من سببيّة العقد للضمان عليّته التامة حتى يقع التنافي المذكور، بل المراد مطلق السببيّة و لو الناقصة، و لا يستند الضمان في العقد الفاسد إلى خصوص القبض حتى يبقى مجال للتوهم. و عليه فالضمان مستند إلى العقد، إمّا لأنّه علة العلة، و إمّا لأنّه مقتض و سبب ناقص له.

ص: 102

كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده؟ (1).

و قد ظهر من ذلك (2) أيضا فساد توهم أنّ ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان في الفاسد على القبض، فلا بدّ من تخصيص القاعدة بإجماع و نحوه (3) [1].

______________________________

(1) يعني: مع أنّه لا يضمن بنفس العقد الفاسد، بل بالقبض المترتب عليه.

(2) أي: من تفسير سببيّة الضمان بقوله: «إمّا .. و إمّا» فإنّ السببية بأحد الوجهين المتقدمين تدفع توهم عدم توقف الضمان في الفاسد على القبض، كما عرفته آنفا.

(3) كحديث «على اليد» الظاهر في إناطة الضمان بالقبض. هذا تمام الكلام في الجهة الاولى، و هي شرح مفردات القاعدة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المقبوض بالعقد الفاسد جعل من صغريات القاعدة المعروفة و هي: كلّما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. و البحث فيه يقع في جهات:

الأولى: أنّ المذكور في التذكرة هو العقد، فإنّه قال في إجارتها: «و حكم كل عقد فاسد حكم صحيحه في الضمان في وجوب الضمان و عدمه، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، و ما لم يجب في صحيحه لا يجب في فاسده» «1». و نحوه ما عن القواعد.

و في إجارة جامع المقاصد: «فلأنّ كلّ عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده و بالعكس» «2».

و في إجارة مجمع الفائدة: «و لما تقرّر عندهم أنّ كلّ ما لا يضمن و بصحيحه لا يضمن بفاسده» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 138، السطر 17 و 18

(2) جامع المقاصد، ج 7، ص 258

(3) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 69

ص: 103

______________________________

و بالجملة: المذكور في كلمات الأصحاب عدا العلّامة قدّس سرّه عنوانان: أحدهما «ما يضمن» و الآخر «كل ما يضمن .. إلخ». و مقتضى كونهما من ألفاظ العموم ما لم تقم قرينة على العهد هو مطلق السبب عقدا كان أو إيقاعا أو برزخا بينهما كالنكاح على ما قيل. و تعبير العلّامة بالعقد لا يقدح بعد إجرائهم لهذه القاعدة في غير العقد من الإيقاعات كالخلع و الجعالة الفاسدين بناء على عدم كون الجعالة عقدا كما قيل. و من الأحكام كالشفعة و القسمة عندنا من كونها إفراز حقّ، لا معاوضة كما عن العامة. و اللقطة إن وقع قصد تملكها على وجه الفساد، هذا.

و يمكن إرادة العقد بمعناه اللغوي أعني به التعهّد، فيشمل جميع ما ذكرنا.

و كيف كان فاختلاف العبارات في كون الموضوع عنوان العقد كما في التذكرة، أو «ما يضمن» كما في إجارة مجمع الفائدة، أو «كلما يضمن» كما في غصب جامع المقاصد غير مهمّ بعد كون العبرة بدليل القاعدة، لعدم كون هذه القاعدة بنفسها متن رواية معتبرة، و لا معقد إجماع حتى يبحث في أنّ الموضوع هو مطلق الإنشاء عقدا كان أم إيقاعا، أو خصوص العقد، فدائرة موضوع القاعدة سعة و ضيقا تابعة لدليلها، كما لا يخفى.

الجهة الثانية: أنّ الضمان يستعمل في ثلاثة معان:

أحدها: ما اختاره المصنّف قدّس سرّه من كون المال متداركا بعوض بحيث تكون الخسارة واقعة في ماله الأصلي، ففي طرف العقد الصحيح يكون المال متداركا بسبب المعاوضة بماله الأصلي، بحيث إذا تلف كانت خسارته من ماله الأصلي المجعول عوضا، و في طرف العقد الفاسد يكون متداركا بما يؤدّيه عند تلفه بدلا عنه من ماله الأصلي.

و بعبارة أخرى: المراد بالضمان في الجملتين هو كون درك المضمون عليه بمعنى وقوع خسارته في ماله الأصلي، فتلفه يوجب نقصان ماله، لوجوب تداركه منه. و قد جعل الضمان بهذا المعنى جامعا للضمان في العقود الصحيحة و الفاسدة، و في تلف

ص: 104

______________________________

الموهوب بشرط التعويض قبل دفع العوض. ثمّ قال: «انّ المراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تداركه بعوضه الواقعي» و كأنّ مراده أنّ الضمان ظاهر في الضمان الواقعي ما لم تقم قرينة على خلافه، و قد قامت على الضمان بالمسمّى في المقبوض بالبيع الصحيح، دون البيع الفاسد، فيحمل على المعنى الظاهر فيه.

و هذا ليس تفكيكا في الضمان، لوجود الجامع. و اختلاف الخصوصيّات لا ينافي وجود الجامع الذي بلحاظه لم يكن تفكيك، لكونها من قبيل تعدّد الدال و المدلول.

ثانيها: ما نقله المصنف قدّس سرّه و زيّفه، و هو: كون تلفه عليه و أنّه يتلف مملوكا له، فالمأخوذ بالعقد الصحيح يكون تلفه منه، و هو عين كونه خسارة عليه، و المأخوذ بالعقد الفاسد يكون تلفه موجبا لترتب الخسارة عليه، للزوم تداركه بالبدل.

و على هذا فالتالف تارة نفسه خسارة كما في العقد الصحيح، فإنّ الكتاب المبيع بدينار مثلا إذا تلف عند المشتري يكون نفسه خسارة على المشتري، لأنّه ماله. و أخرى بدله خسارة كما في العقد الفاسد، فإنّ الكتاب المزبور ليس نفسه خسارة على المشتري، لفرض بقائه على ملك البائع، بل يكون بدله- مثلا أو قيمة- خسارة على المشتري.

هذا ما ينسب إلى الشيخ الجليل الشيخ علي رحمه اللّه في حاشية الروضة. و قد تقدّمت عبارته في التوضيح، فراجع. و قد ينسب الى الرياض أيضا في النقد و النسيئة في مسألة تقدير الثمن.

ثالثها: مطلق التعهد الجامع بين صورتي التلف و عدمه، فالتعهّد في صورة البقاء يكون بحفظه و ردّه إلى صاحبه، و في صورة التلف بردّ مثله أو قيمته. يعني: أنّ ما يقتضي صحيحه التعهّد- أي عدم المجّانية- ففاسده أيضا كذلك. و أمّا كونه بالمثل أو القيمة أو المسمّى فلم يتعرض القاعدة لها حينئذ.

و تظهر الثمرة بين هذه التفاسير الثلاثة في شمول القاعدة أصلا للهبة غير المعوّضة الفاسدة، كشمول القاعدة لها على التفسير الثاني، لأنّه يصدق على صحيحها

ص: 105

______________________________

عند تلف الموهوب أنّه تلف في ملك المتّهب، ففاسده أيضا كذلك، مع أنّها داخلة في العكس، لحكمهم فيها بعدم الضمان.

و عدم شمولها على الأوّل و الأخير، الموجب لعدم دخول الهبة المعوّضة في أصلها، لعدم صدق التعهّد بدفع المثل أو القيمة عند التلف في ملك المتّهب على تقدير إرادة التعهّد من الضمان، كما هو المعنى الثالث. كعدم صدق دفع البدل و العوض على تقدير إرادة اللزوم و الدرك كما هو المعنى الأوّل، إذ التلف و إن كان في ملك المتّهب، إلّا أنّه ليس من ماله الأصلي، لعدم دفعه شيئا في مقابله بعنوان العوضية، فتدخل على التقديرين في عكسها، هذا.

كما تظهر الثمرة بين الأوّل و الثالث في شمول الثالث لضمان الحيلولة، كمن أقرّ بمال زيد لعمرو، ثمّ أقر لزيد، فإنّ ضمان القيمة للمالك ضمان بمعنى التعهّد الذي هو المعنى الثالث، دون الضمان بالمعنى الأوّل و هو لزوم البدل من المثل أو القيمة، لاختصاصه بصورة التلف. و المفروض في ضمان الحيلولة وجود العين. إلّا أن يعمّم العوض و البدل بالنسبة إلى الموجود و التالف، فيدخل في المعنى الأوّل أيضا، لصدق دفع العوض على بدل الحيلولة، فيدفع البدل المزبور إلى مالك العين.

و كذا تظهر الثمرة في صدق المعنى الثالث- و هو التعهّد- على الموجود و المعدوم و اختصاص المعنى الأوّل بالمعدوم، إلّا أن يعمّم كما عرفت آنفا.

و كيف كان ففي المعنى الأوّل الذي اختاره المصنّف قدّس سرّه: أنّ ردّ مال الغير إلى مالكه لاقتضاء العقد ذلك ليس ضمانا و دركا، فإذا كان المثمن موجودا في يد البائع و ردّ المشتري الثمن لا يصدق أنّه أدّى دركه. بل يقال: إنّه أدّى دينه. و كذا لو كان المبيع في يد المشتري، و ردّ الثمن إلى البائع.

لا يقال: إنّ الثمن درك المبيع، و كان الشيخ قدّس سرّه يعترف بذلك، و لذا فرض مورد التلف، و لا شبهة في أنّ دفع الثمن إلى البائع بعد تلف المبيع في يد المشتري ليس إلّا

ص: 106

______________________________

كدفعه في حال وجود المبيع سواء أ كان في يد البائع أم المشتري.

و عليه فتلف المبيع لا دخيل في الضمان بوجه، لأنّ العقد مع فرض صحته يقتضي الضمان أي رد الثمن إلى البائع مع وجود المبيع عند البائع أو المشتري. كما لا دخيل في كيفية ردّ مال الغير بوجه، فتلف المبيع لا يعقل أن يكون مضمونا على مالكه، لعدم تعقّل ضمان الشخص مال نفسه، كما أنّ ردّ مال الغير كالثمن إلى البائع ليس من قبيل الدرك. فما فرضه جامعا بين العقد الصحيح و الفاسد- حتى لا يلزم التفكيك في معنى الضمان بين الصحيح و الفاسد- لا يخلو من غموض، هذا.

و في المعنى الثاني الذي زيّفه المصنف قدّس سرّه- و هو كون تلفه عليه، و أنّه يتلف مملوكا له- أوّلا: استدراك قيد المملوكية، إذ لا يعتبر في الضمان و التغريم كون التالف مملوكا للضامن، إلّا بناء على قول من يقول بكون أداء البدل من باب التعاوض القهري شرعا بين التالف و بدله. لكنّه ضعيف كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: أنّ الإنسان لا يكون ضامنا لأمواله التالفة، فتلف المال من الشخص لا يحقّق عنوان الضمان.

و ثالثا: أنّ مجرّد تلف مال من شخص غير تلفه عليه، إذ معنى كون تلفه عليه ترتب تدارك التالف و جبران خسارته عليه بسبب التلف. و أمّا كون نفس التلف خسارة فهو خسارة منه بلا تدارك عليه. فعنوان «تلفه» الموجب لتداركه عليه هو معنى الضمان، و ذلك منحصر في الفاسد، فلا يكون بين تلفه منه و تلفه عليه جامع حتى يكون أحد مصداقيه في الصحيح و الآخر في الفاسد.

نعم مجرّد شباهة ضمان الصحيح بضمان الفاسد- إمّا من جهة كونه ذا بدل كما في التفسير الأوّل، و إمّا من جهة الخسارة كما في التفسير الثاني- يوجب حسن المقابلة مع الضمان في الفاسد، كما في قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا.

و ربّما يقال: في تصحيح عدم التفكيك المزبور: «بأنّ الضمان في الصحيح

ص: 107

______________________________

و الفاسد كليهما بالمثل أو القيمة، فإنّ الضمان بالمسمّى في الصحيح قبل القبض، و هو خارج عن القاعدة الّتي أسّست لتشريع الضمان في موارد، و هو يتحقق بالقبض، و يقال:

إنّ بالقبض ينتقل الضمان. و معنى انتقاله أنّ المسمّى ينقلب بعد القبض بالمثل أو القيمة.

و معنى ضمان القابض بعد قبضه- مع أنّ المقبوض ملكه- أنّه لو تلف و طرأ عليه فسخ أو انفساخ وجب عليه ردّ المثل أو القيمة، و هو المضمون في الصحيح و الفاسد .. إلخ» «1».

فمحصّل كلامه: أنّ القاعدة أجنبية عن ضمان المسمّى، فالضمان حينئذ هو تدارك المضمون بالمثل أو القيمة مطلقا. أمّا في العقد الفاسد فواضح، لكون الضمان فيه في صورة التلف بالمثل أو القيمة. و أمّا في العقد الصحيح فلأنّ الضمان فيه أيضا بعد التلف و الفسخ أو الانفساخ إنّما هو بالمثل أو القيمة، هذا.

و أنت خبير بما فيه، لأنّ حمل قوله: «كلّ عقد يضمن بصحيحه» على أنّه يضمن بعد فسخه و بعد تلف المبيع في غاية الغرابة، لأنّ المراد بالعقد حينئذ فسخه أو الفسخ بعد العقد و القبض و التلف، و هو يحتاج إلى التقدير من غير قرينة على أصله، و لا على تعيين المقدّر. و طرح الدليل أولى من ارتكاب ذلك بلا دليل، هذا.

مضافا إلى: أنّ قوله: «إنّ الضمان بالمسمّى قبل القبض، و هو خارج عن القاعدة، فإنّها أسّست لموارد ضمان اليد» تخريص منه، لعدم دليل على الخروج، و لا على تأسيسها لموارد ضمان اليد. فلو أريد بتلك القاعدة قاعدة اليد، فلا معنى لتغيير عبارته الصحيحة الجامعة بهذه العبارة المجملة المحتاجة إلى التأويل كما لا يخفى، هذا.

ثمّ إنّ المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فسّر الضمان بكون الشي ء في العهدة. و هذا المعنى جامع بين موارد الضمان. قال في جملة ما أفاده: «و بالجملة: الضمان كما يناسبه معناه الأصلي كون الشي ء في ضمن شي ء، فإذا نسب إلى الشخص فمعناه: أنّه في ضمن

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 119

ص: 108

______________________________

عهدته. و هذا المعنى قد يكون بتسبيب من الشخص كما في عقد الضمان بأنحائه حتى ضمان النفس، فإنّ مرجعه إلى تعهّد إحضاره. و كما في مطلق المعاوضات، لتعهّد كلّ منهما و التزامه بأخذ المال ببدله، و لذا عبّر عنه بضمان المعاوضة فليس مجرّد كونه ذا عوض أو مملوكا بعوض مناط الضمان، بل تعهّد أخذه ببدله هو المناسب للضمان.

و قد يكون بجعل من الشارع أو العرف كما في التغريمات الشرعية و العرفية، فإنّهما يعتبران المأخوذ أو المتلف في عهدة الشخص. و العهدة في كل مقام لها آثار تكليفية أو وضعية، و لكنه لا يختلف معنى العهدة باختلافها، فكون الضمان تارة ضمان المعاوضة، و أخرى ضمان التكفل، و ثالثة ضمان الغرامة، و هكذا، لا يوجب اختلافا في معناه.

و بناء على ما ذكرناه في معنى الضمان فمفاد القاعدة: أنّه كل مورد كان عهدة مورد العقد على المتعاقدين في الصحيح فعهدته عليهما في الفاسد» «1» انتهى كلامه علا مقامه.

و أورد عليه: «- مضافا إلى أنّ ما ذكره في معنى الضمان و أصله اللغوي مخالف للعرف و اللغة. و الأوّل ظاهر. و يعلم الثاني بالمراجعة إلى كتب اللغة- بأنّ كلّ عهدة ليست ضمانا، فعهدة أداء الدين غير كونه ضامنا له، و الدّين متعلق بالعهدة، لكن المديون ليس ضامنا، و بناء العقلاء في باب البيع و نحوه على تسليم العوضين معنى غير الضمان في العرف و اللغة، فلا يقال بعد تحقق البيع: إنّ كلّا من المتبايعين ضامن للأداء أو للمال، و هو واضح، فلا جامع بما ذكر بين ضمان اليد و التزام المتبايعين لتسليم العين، إذ الثاني ليس بضمان» «2».

أقول: أمّا ما أفاده في مخالفة معنى الضمان عرفا فلم يظهر له وجه، إذ العرف يساعد على كون الضمان نوع تعهّد بشي ء، و أنّ مناط الضمان عندهم هو التعهد

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 76

(2) كتاب البيع، ج 1، ص 262

ص: 109

______________________________

و الالتزام بأخذ شي ء مع البدل، كالقرض الذي هو تمليك بالضمان.

و أمّا ما أفاده من كونه مخالفا للغة، ففيه: أنّ في المصباح: «ضمنت المال و به ضمانا فأنا ضامن و ضمين التزمته» «1». و في الصحاح: «ضمنت الشي ء ضمانا كفلت به فأنا ضامن و ضمين» «2» فإنّ التعهد بشي ء في ذمته هو الموافق لمعناه اللغوي.

فما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه- من معنى الضمان- ليس مخالفا لمعناه اللغوي، كما ليس مخالفا لمعناه العرفي.

و أمّا ما أفاده بقوله: «بأنّ كل عهدة ليست ضمانا» فإن أريد به عدم صدق الضمان اللغوي عليه، ففيه ما عرفت من صدقه على مطلق التعهد و الالتزام. و إن أريد به عدم صدق معناه العرفي على كلّ تعهّد، ففيه:- مضافا الى رجوعه إلى الإشكال الأوّل، و هو مخالفة الضمان بهذا المعنى للضمان العرفي، و عدم كونه اشكالا على حدة- أنّه و إن كان صحيحا، لكن المقام- أعنى به ضمان المقبوض بالعقد الفاسد- مما يصدق عليه الضمان العرفي.

نعم الإنصاف أنّ الضمان العرفي لا يصدق على العقد الصحيح المعاوضي، إذ لا يصدق الضمان على الثمن و المثمن، و لا الضامن على كلّ من المشتري و البائع بالنسبة إلى ما انتقل عنه. فما أفاده المحقق المتقدّم لا يكون جامعا بين العقد الصحيح و الفاسد حتّى لا يلزم التفكيك في معنى الضمان بين الجملتين.

و لعلّ الأولى أن يقال: إنّ الضمان عبارة عن كون مال الغير في العهدة، فيجب دفع عينه مع وجوده، و بدله مع تلفه حتى يخرج عن عهدته. و هذا ما يساعده العرف و اللغة.

و ليس معناه لزوم التدارك بالعوض الواقعي حتّى يغاير الضمان في العقد الفاسد الضمان

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 364

(2) صحاح اللغة، ج 6، ص 2155

ص: 110

______________________________

في العقد الصحيح، و يلزم التفكيك بينهما، بل لزوم التدارك مثلا أو قيمة- كلزوم دفع العين بنفسها إن كانت موجودة- من أحكام الضمان بالمعنى المزبور، و هو كون مال الغير في العهدة، فلا يلزم تفكيك في معنى الضمان بين الجملتين.

و توضيحه: أنّه إذا باع زيد كتاب المكاسب مثلا على عمرو بدينار بيعا صحيحا، فهنا أمور:

الأوّل: الخسارة الواردة على كلّ منهما بخروج الكتاب عن ملك زيد، و خروج الدينار عن ملك عمرو، و هذه الخسارة تجبر بكلّ من العوضين.

الثاني: ضمان زيد الكتاب قبل قبض المشتري له، و ضمان عمرو للدينار قبل قبض البائع له، فلو تلف الكتاب كانت خسارته على زيد. كما أنّه إذا تلف الدينار كانت خسارته على عمرو، و هذا ضمان المعاوضة.

الثالث: أنّه بعد التقابض إذا طرء فسخ بإقالة أو غيرها أو انفساخ، فإن كانت العين باقية دفعها القابض إلى المالك. و إن كانت تالفة دفع بدلها مثلا أو قيمة إليه. و هذا يدلّ على ضمان القابض، و إلّا امتنع الفسخ مع التلف، لانتفاء الموضوع.

و القول بامتناع ضمان القابض، لأنّه ماله، و لا يضمن الإنسان مال نفسه، مندفع بأنّه لا مانع من هذا الضمان إذا كان موضوعا لحقّ الغير، كإتلاف الراهن العين المرهونة، فإنّه ضامن لها مع أنّها ماله.

و كذا إتلاف المالك منذور التصدّق، أو العين الزكويّة بعد تعلّق حق الفقراء بها، بناء على عدم كون الزكاة جزءا من العين، إذ بناء عليه يكون الضمان تداركا لمال الغير لا لمال نفسه.

و كيف كان فإن كان تطبيق الضمان في العقد الصحيح بلحاظ الأمر الأوّل فليس ذلك من الضمان المصطلح، ضرورة أنّ كلّا من العوضين صار ملكا لمن انتقل إليه، فلا يكون ضمانه تداركا لمال الغير.

ص: 111

______________________________

و إن كان بلحاظ الأمر الثاني فكذلك، لأنّ تلف المبيع قبل القبض يوجب انفساخ البيع و رجوع المبيع إلى ملك البائع، فيتلف في ملكه لا في ملك غيره، فيكون الضمان المصطلح أجنبيّا عنه أيضا.

و إن كان بلحاظ الأمر الثالث كان إطلاقه على الصحيح و الفاسد بمعنى واحد، إذ معنى الضمان فيهما هو كون مال الغير في العهدة، فمع وجوده يجب ردّ عينه إلى مالكها، و مع تلفه يجب ردّ بدله من المثل أو القيمة إليه. نعم يكون الضمان بهذا المعنى في الصحيح تبعيّا، لترتّبه على انحلال العقد، و في الفاسد أصليا، لعدم توقفه على شي ء.

و عليه فلا يلزم تفكيك بين معنى الضمان في الفقرتين. بخلاف تفسير المصنّف تبعا للجواهر للضمان في الفقرة الأولى بالمسمّى، فإنّه يستلزم التفكيك بين الفقرتين في معنى الضمان، فلاحظ.

فالمتحصل: أنّه على ما ذكرناه من كون الضمان عبارة عن التعهد و الالتزام بمال الغير- و كون حكم هذا التعهد تارة وجوب دفع عينه مع وجودها، بناء على كون ردّ العين أيضا ضمانا. و أخرى دفع بدلها من المثل أو القيمة مع تلفها، لعموم على اليد و غيره- لا يلزم اختلاف في معنى الضمان و مفهومه. و اختلاف الأحكام ناش عن الأدلة كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتعلقة بمعاني الضمان.

الجهة الثالثة: أنّ العموم في قاعدة «ما يضمن بصحيحه .. إلخ» هل هو بلحاظ أنواع العقود أم بلحاظ الأصناف أم بلحاظ الأشخاص؟ و قبل الخوض فيه لا بدّ من تقديم أمرين:

الأوّل: أنّ التقسيم ظاهر في فعلية أقسامه كما هو ظاهر.

الثاني: أنّ القضية الحقيقية و إن كان الموضوع فيها مفروض الوجود، إلّا أنّه لا بدّ أن يكون المفروض وجوده ممكن الفعلية، فإن كان ممتنع الفعلية لم يصحّ جعله

ص: 112

______________________________

موضوعا للجعل و التشريع، إذ يلزم حينئذ لغوية إنشاء الحكم له.

إذا عرفت هذين الأمرين تعرف أنّه لا يصح أن يكون عموم القاعدة بلحاظ الأفراد، إذ معنى العبارة حينئذ: كل فرد و شخص من أفراد العقد إذا كان صحيحه مضمونا ففاسده أيضا مضمون. و من المعلوم أنّ الفرد إمّا يقع فعلا صحيحا أو فاسدا، و يمتنع اتصافه بالصحة و الفاسد معا لتناقضهما، إذ المراد بهما التمامية و عدمها. فاتصافه بهما يكون فرضيا، و لا يمكن أن يكون فعليّا، فلا يصح جعله موضوعا لحكم.

فما في بعض كلمات الأعلام- كصاحب الجواهر و بعض أجلّة المعاصرين «1»- من «كون عموم القاعدة بلحاظ الأفراد» في غاية الغموض: و إن فرضنا ظهور مثل هذا الكلام في العموم الأفرادي، كقوله: «أكرم كلّ عالم» لكنّه لا يمكن المصير إلى ذلك فيما نحن فيه كما لا يخفى.

و الاعتذار عن إشكال امتناع اتّصاف فرد واحد بالصحة و الفساد بما في القواعد الفقهية من قوله: «ليست هذه الجملة بهذه الصورة و هذه الألفاظ واردة في آية أو رواية معتبرة حتّى نقول يجب الأخذ بظاهرها، و ظاهرها كذا و كذا، بل لا بدّ من الأخذ بها بمقدار ما يدلّ عليه مدركها» اعتراف بورود الاشكال على ظاهر الجملة، و إنكار لاعتبارها، لعدم ورودها في آية و لا رواية معتبرة و لا معقد إجماع.

و ليس هذا جوابا عن الاشكال، بل هو اعتراف به مع إنكار اعتبار أصل القضية، و هذا مطلب آخر.

هذه جملة مما يتعلّق بالقاعدة، و بقي بعض الكلام حولها سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 247؛ القواعد الفقهية، ج 2، ص 96

ص: 113

[مستند قاعدة «ما يضمن»]
[الأوّل: إقدام المتعاملين]

ثمّ إنّ المدرك (1) لهذه الكلية على ما ذكره في المسالك- في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل- هو إقدام الآخذ على الضمان.

______________________________

مستند قاعدة «ما يضمن» الأوّل: إقدام المتعاملين

(1) هذا شروع في تحقيق ما يمكن أن يستدل به على القاعدة، و هو أمور، قاعدة الاقدام، و حديث «على اليد» و قاعدة الاحترام، و قاعدة نفي الضرر. و سيأتي بيانها مرتّبا إن شاء اللّه تعالى.

الأوّل: قاعدة الإقدام على الضمان التي ذكرها في رهن المسالك و توضيحه: أنّه إذا رهن المديون مالا عند المرتهن و اشترط فيه كون العين المرهونة مبيعا بالدين إذا حلّ الأجل و لم يؤدّ المديون دينه، فهل يصحّ ذلك أم لا؟

ذهب الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى أنّ الرهن و البيع فاسدان. أمّا الرّهن فلأنّه لا يتوقّت إلّا بوفاء الدين، لا بالأجل كشهر أو سنة مثلا. و أمّا البيع فلأنّه معلّق على عدم وفاء الدين، و التعليق مبطل، ثم قال: «فلو قبضه المرتهن على هذا الوجه ضمنه بعد الأجل، لا قبله، لأنّه في مدّة الأجل رهن فاسد، و بعده مبيع فاسد. و فاسد كل عقد يتبع صحيحه في الضمان و عدمه، فحيث كان صحيح الرهن غير مضمون كان فاسده كذلك. و حيث كان صحيح البيع مضمونا على المشتري، ففاسده كذلك. و السّرّ في ذلك- يعني في الضمان- أنّهما تراضيا على لوازم العقد، فحيث كان مضمونا فقد دخل القابض على الضمان. و دفع المالك عليه. مضافا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1» [1].

______________________________

[1] لا يخفى دلالة هذا الكلام على استناد قاعدة «ما يضمن» إلى الاقدام و اليد،

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 4، ص 55 و 56

ص: 114

ثم أضاف إلى ذلك (1) قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي».

و الظاهر أنّه (2) تبع في استدلاله بالاقدام الشيخ في المبسوط، حيث علّل الضمان في موارد كثيرة من البيع و الإجارة الفاسدين «بدخوله على أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمّى، فإذا لم يسلم له المسمّى رجع إلى المثل أو القيمة» «1».

______________________________

و غرض المصنّف قدّس سرّه من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني أنّه قدّس سرّه استدلّ على ضمان الرهن بعد الأجل بقاعدة «ما يضمن» ثم استدل عليها بقاعدة الإقدام على الضمان. و عليه فمدرك قاعدة «ما يضمن» هو الإقدام.

(1) يعني: أنّ الشهيد الثاني لم يقتصر- في مستند القاعدة- على الاقدام فحسب، بل جعل الحديث النبوي دليلا عليها أيضا.

(2) يعني: أنّ استدلال الشهيد الثاني بقاعدة الإقدام مسبوق باستدلال شيخ الطائفة بها- في موارد عديدة- على الضمان.

______________________________

كما نقله المصنف عنه. لكنّه في بحث المقبوض بالعقد الفاسد جعل القاعدة دليلا مستقلا على الضمان كاليد و الاقدام، و لا بدّ أن يكون مدرك القاعدة أمرا آخر بنظره، قال في شرح قول المحقق: «و لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه و كان مضمونا عليه» ما لفظه: «لا إشكال في ضمانه إذا كان جاهلا بالفساد، لأنّه أقدم على أن يكون مضمونا عليه، فيحكم عليه به، و إن تلف بغير تفريط. و لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي. و من القواعد المقرّرة في هذا الباب: أنّ كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» «2».

و هذا يقتضي أن يكون للقاعدة مدرك آخر غير الاقدام و اليد، حتى يصح جعلها دليلا ثالثا على الضمان، إذ لو كان مستندها الاقدام و اليد المذكورين في العبارة كانت العبرة بهما، لا بقاعدة ما يضمن، فتأمّل في كلامه.

______________________________

(1) تقدمت جملة من كلمات الشيخ في ص 58، فراجع.

(2) مسالك الافهام، ج 3، ص 154

ص: 115

و هذا الوجه لا يخلو عن تأمّل (1)، لأنّهما إنّما أقدما و تراضيا و تواطئا بالعقد الفاسد على ضمان خاص (2)، لا الضمان بالمثل أو القيمة، و المفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاصّ (3). و مطلق (4) الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصية حتى يتقوّم بخصوصية أخرى. فالضمان بالمثل أو القيمة إن ثبت فحكم شرعي تابع لدليله، و ليس ممّا أقدم عليه المتعاقدان.

______________________________

(1) ناقش المصنّف قدّس سرّه في الاستدلال بقاعدة الإقدام على قاعدة «ما يضمن» بوجوه ثلاثة، أحدها: منع صغروية العقد الفاسد لقاعدة الإقدام. ثانيها: منع الملازمة بين الاقدام و الضمان. ثالثها: منع قاعدة الإقدام كبرويّا، بمعنى عدم كونها من موجبات الضمان.

توضيح الوجه الأوّل: أنّ الضمان في العقد المعاوضي- الممضى شرعا- يكون بحسب العوض المسمّى. و في العقد الفاسد بحسب البدل الواقعي. و على هذا نقول:

بعدم صلاحية قاعدة الإقدام للاستدلال بها، و ذلك لأنّ الضمان الخاصّ و هو ضمان المسمّى- الذي أقدما عليه و تراضيا به- لم يسلم، لفساد سببه أعني به العقد. و الضمان الآخر- و هو ضمان البدل مثلا أو قيمة- ممّا لم يقدما عليه، فلو ثبت ضمان مع التلف لم يكن ذلك بقاعدة الإقدام، بل بدليل آخر.

فتوجيه الضمان في العقد الفاسد بقاعدة الإقدام في غير محلّه، إذ المقدم عليه- و هو الضمان المعاوضي- غير واقع، و الواقع- أعني به الضمان بالمثل أو القيمة- غير المقدم عليه، كما هو ظاهر.

(2) أي: الضمان الجعلي، كما إذا باع الكتاب بدينار، و كان قيمته السوقية أزيد أو أقلّ من الدينار.

(3) و من المعلوم عدم العبرة بالإقدام على الضمان الجعلي، لعدم إمضاء الشارع له، فهذا الاقدام يكون بحكم العدم.

(4) إشارة إلى توهّم و دفعه. أمّا التوهّم فهو: أنّ الاقدام على الضمان الخاص

ص: 116

هذا كلّه مع أنّ (1) مورد هذا التعليل أعمّ من وجه من المطلب، إذ قد يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض [1]، و قد لا يكون إقدام في العقد الفاسد مع تحقّق الضمان، كما إذا شرط في عقد البيع ضمان المبيع على البائع

______________________________

و إن كان منتفيا من جهة فساد العقد. إلّا أنّ انتفاء الضمان الجعلي لا يوجب انتفاء إقدامهما و تراضيهما على مطلق الضمان، ضرورة عدم تواطئهما على المجّانيّة، و من المعلوم أنّ مطلق الضمان ينصرف إلى البدل الواقعي. و عليه فلا بأس بجعل قاعدة الإقدام على الضمان و الدخول عليه مدركا لقاعدة «ما يضمن».

و أمّا الدفع فهو: أنّ ما أقدم عليه المتعاقدان ضمان خاصّ، و هو المعاوضيّ، و المفروض انتفاؤه بفساد العقد، و ينتفي مطلق الضمان أيضا، و الضمان بالبدل الواقعي يتوقّف على الاقدام و الرّضا به، و هو غير حاصل حسب الفرض.

و عليه فثبوت الضمان بالبدل الواقعيّ في العقد الفاسد منوط بدليل يدلّ عليه، و لا ربط له بإقدام المتعاقدين عليه.

(1) هذا هو الوجه الثاني من المناقشة في استدلال الشيخ و الشهيد الثاني قدّس سرّهما بقاعدة الاقدام، و بيانه: أنّ النسبة بين المدّعى- و هو قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده- و بين الإقدام الذي استدلّا به عليه عموم من وجه، مع أنّه يعتبر كون الدليل مساويا للمدّعى أو أعمّ منه مطلقا. و هذا الضابط مفقود في المقام، ضرورة اجتماع الضمان و الاقدام تارة و افتراقهما اخرى. فقد يكون الاقدام متحققا و لا ضمان كما في تلف المبيع قبل القبض، فإنّه يتلف من مال بائعه، مع أنّ المشتري أقدم على ضمانه بالثمن المسمّى في العقد الصحيح، و ليس بضامن له. و قد لا يكون إقدام على الضمان- في العقد الفاسد- و مع ذلك يتحقق الضمان، كما في الأمثلة المذكورة في المتن:

______________________________

[1] لكن موضوع كلامهم يكون بعد القبض، فمقصودهم من كون الاقدام موجبا للضمان أنّه موجب له في المقبوض، فلا يرد النقض المذكور.

ص: 117

إذا تلف في يد المشتري. و كما إذا قال: «بعتك بلا ثمن» أو: «آجرتك بلا اجرة».

نعم (1) قوّى الشهيدان في الأخير عدم الضمان، و استشكل العلّامة في مثال البيع في باب السّلم (2).

______________________________

أحدها: البيع بلا ثمن، فإنّ المشتري لم يقدم على ضمان المبيع، لفرض توافقهما على انتقال المبيع إليه مجرّدا عن الثمن. مع أنّ جمعا حكموا بضمان المشتري، و كون المبيع على عهدته، فلو تلف وجب عليه دفع بدله إلى البائع.

ثانيها: الإجارة بلا اجرة، كما إذا آجر المالك داره لزيد شهرا بلا أجرة، فإنّ المستأجر ضامن لاجرة المثل، مع عدم إقدامه على الضمان.

ثالثها: شرط ضمان المبيع على البائع إذا تلف عند المشتري: بأن يقول البائع:

«بعتك هذا الكتاب بدينار، بشرط أن يكون تلفه عندك عليّ» فقبل المشتري.

فلو تلف عنده لم يكن الضمان على البائع، بل على المشتري، مع أنّه لم يقدم عليه.

هذا كلّه في موارد افتراق الضمان و الاقدام. و أمّا مورد الاجتماع فكثير، كما إذا باع الكتاب بدينار بعقد صحيح، و تلف بيد المشتري، فإنّ الاقدام و الضمان متحققان.

فالنتيجة: أنّ النسبة بين المدّعى و دليله- و هو الاقدام- عموم من وجه، و في مثله لا يصح الاستدلال.

(1) هذا استدراك على جعل المثالين الأخيرين- و هما البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة- من موارد وجود الضمان بدون الاقدام عليه. و محصّله: أنّ ضمان المشتري و المستأجر في هذين المثالين ليس متّفقا عليه، لذهاب الشهيدين قدّس سرّهما إلى عدم الضمان، فالمسألة خلافية.

و عليه فمثال وجود الضمان بدون الاقدام هو ضمان المشتري للمبيع التالف بيده، مع شرط ضمانه على البائع.

(2) تقدم في (ص 93 و 94) توضيح المسألة، و نقل كلام الشهيدين في الإجارة بلا أجرة، و كلام العلّامة في البيع بلا ثمن، فراجع.

ص: 118

و بالجملة (1): فدليل الاقدام- مع أنّه (2) مطلب يحتاج إلى دليل لم نحصّله- منقوض (3) طردا و عكسا [1].

______________________________

(1) ظاهر العبارة أنّها تلخيص ما تقدّم من الاشكال على الاستدلال بقاعدة الإقدام، لكنّها تتضمّن إشكالا ثالثا على القاعدة لم يسبق له ذكر، و كان الأنسب تقديمه على الإشكالين السابقين، و محصّله: أنّا نطالب الشيخ و الشهيد الثاني قدّس سرّهما بالدليل على كون الاقدام من أسباب الضمان، نظير سببية إتلاف مال الغير و استيفاء منفعته و التسبيب و نحوها له. فلو أغمضنا عن الإشكالين السابقين لم يتّجه أيضا جعل الاقدام مدركا لقاعدة «ما يضمن» لعدم إحراز اقتضائه للضمان، هذا.

(2) هذا هو الاشكال الثالث الذي أشرنا إليه من عدم الدليل على كون الاقدام من موجبات الضمان و أسبابه.

(3) النقض بالطرد و العكس هو ما تقدّم في الاشكال الثاني، و المراد بالطّرد منع الأغيار، و هو يقتضي انتفاء الضمان بانتفاء الاقدام، مع أنّ الضمان موجود بدون الاقدام كما في البيع بلا ثمن و نحوه. و المراد بالعكس جمع الأفراد، بمعنى ثبوت الضمان في كلّ مورد تحقّق فيه الاقدام، مع أنّه قد يتحقق الاقدام، و لا ضمان، كما في البيع الصحيح إذا تلف المبيع بيد البائع.

و الحاصل: أنّ قوله: «طردا و عكسا» إشارة إلى أنّ النسبة بين الدعوى و الدليل عموم من وجه. و لعلّ التعبير بالعكس و الطرد في مثله لا يخلو من مسامحة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ شيخ الطائفة كما استدلّ على الضمان بقاعدة الإقدام المعبّر عنها «بالدخول على أن يكون المال مضمونا عليه بالمسمّى» كما نقلنا مواضع من كلماته، فكذلك استدل- كالشهيد الثاني- بقاعدة اليد، فيمكن أن يكون نظره إلى كلّ منهما مستقلا. و من مواضع استناده إلى الضمان اليدي قوله في تعاقب الأيدي في البيع الفاسد:

«فإذا ثبت أن البيع فاسد، نظر، فإن كان المبيع قائما أخذه مالكه و هو البائع الأوّل، سواء

ص: 119

______________________________

وجده في يد المشتري الأوّل أو المشتري الثاني، لأنّه ملكه لا حقّ لغيره فيه. و إن كان تالفا كان له أن يطالب بقيمته كل واحد منهما، لأنّ الأوّل لم يبرأ بتسليمه إلى الثاني، لأنّه سلّمه بغير إذن صاحبه، و المشتري الثاني قبضه مضمون بالإجماع.

فإذا ثبت ذلك فإنّه يجب عليه أكثر ما كانت قيمته. و قيل: إنّه يعتبر قيمته وقت التلف. ثمّ ينظر في قيمة المبيع، فإن كانت قيمته في يدهما واحدة فإنّه يطالب بقيمته إن شاء المشتري الأوّل، و إن شاء المشتري الثاني، لأنّ كل واحد منهما ضامن للقيمة .. إلخ» «1».

و قريب منه كلامه في باب الغصب في بيع العبد المغصوب إذا أعتقه المشتري، فيضمن أعلى القيم من حين القبض إلى حين العتق، قال: «لأنّه دخل على أنّه عليه بعوض، و قد تلف في يده .. إلخ» «2».

و عليه فالاستدلال على الضمان بكلّ من قاعدتي اليد و الاقدام موجود في كلام شيخ الطائفة قدّس سرّه. فلا وجه للإيراد على المصنّف قدّس سرّه بما حاصله: «أنّه لا موضوع للإشكال على استدلال الشيخ بقاعدة الإقدام، لأنّ المتكرر في كلماته في باب البيع الفاسد و الغصب و غيرهما هو استناد الضمان إلى اليد، كقوله: و إنّما وجب الضمان عليه- أي على المشتري- لأنّه أخذ الشي ء بعوض، فإذا لم يسلم العوض المسمّى وجب عوض المثل لما تلف في يده .. إلخ» «3» «4».

و ذلك لما عرفت من استناد الشيخ إلى كلتا القاعدتين، كما صنعه الشهيد الثاني أيضا. و لعلّه اقتبسه منه، و حينئذ ينبغي النظر في كل من اليد و الاقدام.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 150

(2) المبسوط، ج 3، ص 98

(3) المبسوط، ج 2، ص 149

(4) كتاب البيع، ج 1، ص 270

ص: 120

______________________________

أمّا اليد فتقتضي الضمان، لأنّ الاستيلاء على مال الغير- ما لم يطرأ عليه ما يرفع الضمان من قصد المجّانية- مضمّن، و الضمان الاقدامي على مبادلة المالين كالعدم في نظر الشارع، فيؤثر الاستيلاء المقتضي للضمان أثره.

و أمّا الاقدام فقد أنكر المصنف إقدامهما على ضمان المثل أو القيمة، و إنّما أقدما على ضمان خاصّ و هو عوض جعلي لم يسلم لهما، فلا وجه لاستناد البدل الواقعي إلى الاقدام.

و أورد المحقق الخراساني عليه بوجهين، قال قدّس سرّه: «يمكن أن يقال: بأنّهما أقدما على أصل الضمان في ضمن الاقدام على ضمان خاص، و الشارع إنّما لم يمض الضمان الخاصّ، لا أصله. مع أنّ دليل فساد العقد ليس بدليل على عدم إمضائه، فافهم» «1».

أمّا الإشكال الأوّل فيمكن أن يقال: إنّ ما أقدم عليه المتعاقدان حصّة من الضمان أي المسمّى، و دليل فساد العقد يدلّ بالملازمة على انتفاء هذه الحصّة، و معه لا يعقل بقاء طبيعة الضمان الموجودة بوجود هذه الحصّة.

و بعبارة أخرى: المضمون المقدم عليه مقيّد من أوّل الأمر بالمسمّى، و لا تركيب و لا اشتراط في البين حتى يتصوّر بقاء المشروط بعد انتفاء الشرط، أو بقاء الجزء بعد انتفاء المركّب.

هذا مضافا إلى غموض «تحقق الاقدام على أصل الضمان في ضمن الاقدام على ضمان خاصّ» فإنّ الإقدام على الحصّة و إن كان متضمنا للإقدام على طبيعي الضمان، إلّا أنّ المفروض إلغاء هذه الحصّة شرعا. و جعل حصة أخرى و هي البدل الواقعي- من المثل أو القيمة- مقامها، و من المعلوم انتفاء الطبيعة بانعدام حصّتها، هذا.

و أمّا الإشكال الثاني، فلا يخلو من إجمال في نفسه، لأنّ مرجع ضمير «عدم إمضائه» إن كان هو الضمان الخاصّ بمعنى عدم دلالة دليل فساد العقد على عدم

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 31

ص: 121

______________________________

الضمان الخاصّ، ففيه: أنّ دليل الفساد يستلزم انتفاء الضمان بالمسمّى، لانحصار الدالّ عليه في دليل إمضاء العقد، و مع فرض الفساد كيف لا ينتفي الضمان الخاص؟

و إن كان مرجع الضمير مطلق الضمان، بأن يراد عدم اقتضاء دليل فساد العقد انتفاء مطلق الضمان- كما لعلّه المراد- ففيه: أنّه و إن كان محتملا ثبوتا، إلّا أنّ الضمان حكم شرعي يتوقف على دليل في مقام الإثبات، و المفروض عدم الدليل عليه بعد حكم الشارع بإلغاء ضمان المسمّى. و كيف يكون إقدام المتعاملين على أصل الضمان مع أنّه أمر قصدي؟ و المقصود هو الضمان بالعوض الجعلي «1».

و بهذا يسلم أوّل إشكالي الماتن- على شيخ الطائفة- عن مناقشة المحقق الخراساني قدّس سرّهما.

إلّا أنّه لا يبعد- كما أفاده المصنّف أيضا- أن يكون مراد شيخ الطائفة احترام المال، و عدم ذهابه هدرا، إلّا إذا سلب المالك احترامه، بأن بذله للغير مجّانا. فإذا لم يقدم المتعاقدان على المجّانية كان الضمان في محلّه، لكونه حينئذ على طبق السيرة العقلائية الممضاة شرعا. فمراد شيخ الطائفة من الاقدام على الضمان بيان عدم الاقدام على المجّانية، و سلب احترام ماله.

و على هذا لا يرد الإشكال الأوّل المذكور في المتن على شيخ الطائفة قدّس سرّه.

و أمّا الإشكال الثاني- و هو قوله: إذ قد يكون الاقدام موجودا و لا ضمان كما قبل القبض .. إلخ- فيمكن أن يقال: إنّ الكلام في المقبوض بالعقد الفاسد، فالإقدام مع القبض دليل القاعدة، لا مجرّد الاقدام. فلا يرد عليه هذا النقض.

و أمّا قضية شرط الضمان على البائع فلا ترد على قاعدة الإقدام، لأنّ الضمان المعاوضي موضوع عند الشيخ للحكم بضمان المثل أو القيمة مع عدم صحة المعاوضة و عدم سلامة المسمّى. و شرط الضمان على البائع لا ينافي إقدام المشتري على ضمان

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 77

ص: 122

[الدليل الثاني: قاعدة الاحترام]

________________________________________

اللهم إلّا أن يستدلّ على الضمان فيها (1) بما دلّ على احترام مال المسلم،

______________________________

الدليل الثاني: قاعدة الاحترام

(1) أي: في المنافع و الأعمال المضمونة في الإجارة الفاسدة، و هذا إشارة إلى دليل ثالث على قاعدة «ما يضمن». و ظاهر العبارة و ان اقتضى الاستدلال على ضمان المنافع خاصة، إلّا أنّ الدليل- و هو احترام مال المسلم- عامّ، لصدق الموضوع- أي المال- على الأعيان و المنافع معا، و إن كان صدقه على الأعيان أوضح.

و على هذا فقاعدة الاحترام دليل على قاعدة «ما يضمن» مطلقا سواء أ كان العقد على تمليك الأعيان أم المنافع.

و كيف كان، فقاعدة الاحترام مصطادة من طوائف ثلاث من الأخبار:

الأولى: ما دلّ على عدم حلّيّة مال المسلم لغيره إلّا عن طيب نفسه، كمعتبرة سماعة و زيد الشّحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرء مسلم

______________________________

المسمّى. نعم لم يقدم المشتري على ضمان المثل أو القيمة، و هو ليس موضوعا للضمان.

و أمّا البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة فلا يندرجان في القاعدة موضوعا، لعدم كونهما عقدا، إذ البيع و الإجارة متقوّمان بالعوضين، فانتفاء أحدهما يوجب انتفاء ماهيّتهما، و لعلّهما يندرجان في الهبة و العارية. غاية الأمر أنّهما قد أنشئتا بلفظي البيع و الإجارة، فهما من صغريات «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بناء على صحة إنشائهما بهذين اللفظين. لكن الحقّ عدم صحّته.

و لا بدّ أن يكون النقض بمورد مسلّم، و الشهيدان اختارا عدم الضمان في الإجارة بلا اجرة، و استشكل العلّامة في الضمان في البيع بلا ثمن.

و بالجملة: فلا يرد شي ء من النقوض المزبورة على شيخ الطائفة قدّس سرّه.

ص: 123

..........

______________________________

و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه [نفسه]» «1».

و كرواية تحف العقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنّه قال في خطبة حجّة الوداع:

أيّها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، و لا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه» «2».

و نحوهما ممّا ذكرناه في أدلّة لزوم المعاطاة، فراجع «3».

و تقريب دلالتها على الضمان: أنّ الحرمة المسندة إلى مال المسلم أو المؤمن يراد بها حرمة التصرف، و من المعلوم أنّ التصرف في المال أعمّ من الخارجي كما في الأعيان المتموّلة التي ينتفع بها بوجه من وجوه الانتفاع كالأكل و الشرب و اللبس و نحوها. و من الاعتباري كالبيع و الصلح و الهبة و الوقف و نحوها. و لا ريب في أنّ الحرمة تكليفية في التصرّف الخارجي، و وضعية في الاعتباري. و حرمة المال تقتضي ضمان المتصرّف فيه، هذا.

الثانية: ما دلّ على أنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه، كمعتبرة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه» «4».

و تقريب دلالتها على الضمان: أنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نزّل حرمة مال المؤمن منزلة حرمة دمه، و عموم التنزيل يقتضي ثبوت كل حكم ثبت للدم- من التكليف و الوضع- للمنزّل و هو المال، و من المعلوم أنّ الدم لا يذهب هدرا، و هذا هو المناسب لمقام المسلم و عظم شأنه، لا مجرّد حرمة إراقة دمه تكليفا. فمقتضى عموم التنزيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 3، ص 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1؛ و الرواية بتمامها مذكورة في ج 19، ص 13، الباب 1 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3

(2) المصدر، ص 425، الحديث: 3

(3) هدى الطالب، ج 1، ص 516

(4) وسائل الشيعة، ج 8، ص 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3

ص: 124

..........

______________________________

- بعد عدم قرينة على خصوص الحكم التكليفي- احترام ماله بكلّ احترام لدمه، و من الواضح أنّ احترام دمه بعدم إراقته و بدفع الدية- لو أهرق- حتى لا يذهب هدرا، فكذا المال، فينبغي ضمانه لو تلف بيد المتصرّف، هذا.

الثالثة: ما ورد فيها من التعليل بعدم صلاحية ذهاب حق أحد، كمعتبرة الحلبي و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سألته هل تجوز شهادة أهل ملّة من غير أهل ملّتهم؟ قال: نعم، إذا لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد» «1».

و تقريب دلالة التعليل هو: أنّ المراد بالحقّ أعمّ من الحقّ المالي و غيره، لإطلاقه تارة على المال كالخمس و الزكاة و نحوهما، كقوله تعالى الَّذِينَ فِي أَمْوٰالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسّٰائِلِ وَ الْمَحْرُومِ، و كقوله عليه السّلام: «هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا». و أخرى على الحق المصطلح المقابل للحكم و الملك، كحقّ الوصيّة، كما ورد في موثقة سماعة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة أهل الذمة؟ فقال لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصية، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد» «2» إذ المراد بالحق- في التعليل- هو حقّ الوصية الثابت للمسلم.

و على هذا فيدلّ التعليل على أنّه إذا ثبت حقّ شخص على غيره لم يصحّ ذهابه و فواته بغير عوض، و هذا معنى الضمان.

و قد تحصّل من هذه الطوائف الثلاث حرمة مال المسلم و ضمانه. و لمّا كان صدق «المال» على المنافع و الأعمال المحترمة حقيقيا كصدقه على الأعيان، دلّت قاعدة الاحترام على قاعدة «ما يضمن» مطلقا سواء أ كان متعلق العقد عينا أم منفعة، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 390، الباب 20 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث: 3

(2) المصدر، ص 391، الحديث 5

ص: 125

و أنّه (1) لا يحلّ إلّا عن طيب نفسه، و أنّ حرمة ماله كحرمة دمه، و أنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد.

[الدليل الثالث: قاعدة نفي الضرر]

مضافا إلى أدلّة نفي الضّرر (2) [1].

______________________________

(1) هذا و قوله: «و أنّ حرمة ماله» و «و أنّه لا يصلح» معطوفة على قوله:

«احترام» عطف تفسير، فالمراد بالكلّ قاعدة واحدة و هي قاعدة الاحترام المستفادة من النصوص المتفرقة. و يشهد لهذا قوله بعد أسطر، «لقاعدتي الاحترام و نفي الضرر» فليس مقصود المصنف جعل كلّ طائفة من الطوائف الثلاث دليلا مستقلّا على ضمان المنافع و الأعمال.

الدليل الثالث: قاعدة نفي الضرر

(2) هذا إشارة إلى دليل آخر على القاعدة، و هو الأخبار المتضمّنة لنفي الضرر و الضرار في الإسلام، حيث إنّ تلف مال شخص- بلا عوض- عند غيره بدون إذن مالكه يوجب نقص ماله و تضرّره، و كذا الحال في استيفاء منفعة الغير بدون أجرة.

و لا يخفى أنّ الاستدلال بقاعدة نفي الضرر على المقام مبنيّ على كون مفاد عموم نفي الضرر نفيه مطلقا و إن كان ناشئا عن عدم جعل الحكم كالمقام، حيث إنّ المالك يتضرر من عدم حكم الشارع بضمان المنفعة، و مقتضى حكومة القاعدة على أدلّة الأحكام الأوّليّة نفيها، سواء أ كانت وجوديّة كوجوب الوضوء الضرري، أم عدميّة كعدم ضمان المستوفي لمنفعة مملوكة للغير، فيحكم بالضمان لئلّا يتضرر المالك أو العامل.

______________________________

[1] قد يستشكل في دلالة قاعدة الاحترام على الضمان بالتلف: بأنّ تنزيل حرمة مال المؤمن أو المسلم منزلة حرمة دمه يقتضي وجوب حفظه و عدم إتلافه حتى

ص: 126

______________________________

لا يذهب هدرا. و أمّا مجرّد تلفه عنده بآفة سماويّة فلا ظهور لها في ضمانه و وجوب تداركه بالبدل.

و كذا الحال في روايات الشهادة على الوصية، فإنّ عدم صلاحية ذهاب حق أحد ظاهر في حرمة تضييعه، و إشغال ذمته بالإتلاف. و الكلام يكون في التلف.

لكن يمكن أن يقال: بأنّه- بعد عدم اختصاص الحرمة بالتكليف و استفادة الحكم الوضعي منها كما هو الظاهر- لا وجه للاختصاص بالإتلاف، إذ المقبوض بالعقد الفاسد ليس أمانة مالكية بيد المشتري حسب الفرض، و مقتضى إطلاق دليل الحرمة على الضمان هو الحكم به مطلقا سواء أ كان بالتلف أم بالإتلاف، و لا قرينة على إرادة الإتلاف خاصّة من حرمة مال الغير.

و عليه فالقاعدة سليمة من هذه المناقشة. و للكلام تتمة تأتي في ضمان المنافع إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا قاعدة نفي الضرر فقد تشكل أوّلا: بأنّها أخصّ من المدّعى، فإن التالف في العقد الفاسد مضمون بالبدل الواقعي، و ربّما كان أكثر ماليّة من البدل المسمّى، فلو قيل بالضمان الواقعي كان مخالفا لامتنانيّة القاعدة، لتضرّر المشتري الذي تلف المبيع عنده مع عدم تقصيره في الحفظ. نعم لا بأس بإثبات الضمان لو كان البدل الواقعي مساويا للمسمّى أو أقلّ منه.

و ثانيا: باختصاص القاعدة بالإتلاف الذي هو موردها، و ذلك أجنبي عن التلف الذي هو محطّ البحث، لإصرار سمرة بالإضرار بالأنصاري و تعمّده فيه.

إلّا أن يقال: إن العبرة: بعموم الوارد- و هو لا ضرر- لا بخصوصية المورد و هو الإضرار، بل الغرض نفي الضرر في أحكام الإسلام عن المؤمنين سواء كان الضرر من قبيل التلف أم الإتلاف، فليتأمّل.

ص: 127

[الدليل الرابع: حديث «على اليد ..»]

و أمّا (1) خبر اليد فدلالته و إن كانت ظاهرة (2)، و سنده منجبرا، إلّا أنّ مورده مختصّ بالأعيان (3) [1]،

______________________________

الدليل الرابع: حديث «على اليد ..»

(1) هذا إشارة إلى الدليل الرابع على قاعدة «ما يضمن» و قد ورد ذلك في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه و محصّله: أنّ النبوي «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» لا بأس به سندا، لانجبار ضعفه بعمل المشهور، إلا أنّه أخصّ من القاعدة، لاختصاص المأخوذ باليد بالأعيان، لأنّها هي القابلة للأخذ. فتختصّ القاعدة بالعقود المعاوضية الواقعة على الأعيان كالبيع و الصلح المعاوضيّ و الهبة المشروطة بالعوض- بناء على تعميم الاقتضاء للشرط- و لا تشمل العقود الواقعة على المنافع كالإجارة الفاسدة، لأنّها تمليك المنفعة، و هي لا تؤخذ باليد، و كذا الجعالة الفاسدة، مع أنّ قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» تشمل تمليك المنافع أيضا.

و عليه يكون النبويّ أخصّ من المدّعى، فلا وجه لاستدلال الشهيد الثاني قدّس سرّه به على المقام.

(2) يعني: أنّ دلالة الحديث على الضمان ظاهرة، لما تقدم من أنّ إسناد الظرف إلى مال ظاهر في الضمان و التعهّد، لا الحكم التكليفي.

(3) لم يرد لهذا الحديث مورد، لعدم قرينة فيه على اختصاصه بالأعيان من سبق سؤال و نحوه. و الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه اختصاص الموصول بالأعيان بقرينة الأخذ باليد. و المنفعة حيثيّة قائمة بالعين كمسكونيّة الدار، و لا يمكن وضع اليد عليها حتى تصير مضمونة على الآخذ.

______________________________

[1] سيأتي إن شاء اللّه تعالى- في ثالث الأمور المتفرعة على عدم تملك المقبوض بالعقد الفاسد- أنّه لا يمنع ذلك من الاستدلال بالنبوي على ضمان المنافع في صورة قبض العين ذات المنفعة.

و وجه الاختصاص أمران:

أحدهما: ما سيأتي من المصنّف من عدم صدق «الأخذ باليد» بالإضافة إلى المنافع.

ص: 128

فلا يشمل المنافع و الأعمال (1) المضمونة في الإجارة الفاسدة. فكلّ (2) عمل وقع من عامل لأحد- بحيث يقع بأمره و تحصيلا لغرضه (3)- فلا بدّ من أداء عوضه لقاعدتي الاحترام و نفي الضرر.

______________________________

(1) لا يخفى صدق المنافع و الأعمال على مثل خدمة العبد و الأمة، فإنّها منفعة و عمل، إلّا أنّ المراد هنا بالمنافع ما يقابل الأعمال، فالمنافع نظير سكنى الدار و ركوب الدابة، و الأعمال المضمونة نظير الخياطة و النجارة و الطبابة التي هي أفعال الآدمي.

و عليه فإذا استأجر دارا بإجارة فاسدة، أو استأجر خيّاطا لخياطة ثوبه كذلك كان على المستأجر أجرة المثل، مع أنّ المنفعة غير قابلة للقبض باليد و الاستيلاء عليها.

(2) هذه نتيجة دلالة قاعدتي الاحترام و نفي الضرر على ضمان منافع الأعيان و أعمال الأشخاص. لكن الضمان مشروط بأن يكون العمل- كالخياطة و الطبابة و الكنس و نحوها- صادرا من العامل مستندا إلى أمر المستأجر و تحصيلا لغرضه، بأن يقول مالك القماش للخيّاط: «خطه ثوبا أو قباء» فخاطه و لم يقصد التبرّع، فإنّ له أجرة مثل عمله.

(3) فلو كان العمل مقابلا بالأجرة عرفا، لكنّ العامل تبرّع بالعمل- و لم يأمره شخص آخر- لم يكن عمله مضمونا بالأجرة. و كذا لا ضمان لو استند العمل إلى أمر الآمر، لكنّه لم يحصّل غرضه من الأمر، كما لو أمره بصنع سرير فجعله منضدة مثلا.

هذا كلّه في الوجوه المستدلّ بها على قاعدة «ما يضمن». و قد تحصّل وفاء ثلاثة منها بإثبات الضمان، و هي اليد- بالنسبة إلى العقود على الأعيان- و الاحترام و نفي الضرر.

______________________________

ثانيهما: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من عدم صدق التأدية في المنافع مطلقا، فإنّ ظاهر قوله: «حتى تؤدّي» كون عهدة المأخوذ مغيّاة بأداء نفس المأخوذ. و المنافع لتدرّجها في الوجود لا أداء لها بعد أخذها في حدّ ذاتها، لا كالعين التي لها أداء في حدّ ذاتها و إن عرضها الامتناع ابتداء أو بقاء «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 78

ص: 129

ثم (1) إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ و من تبعه (2)- من الاستدلال على الضمان بالاقدام و الدخول عليه- بيان (3) أنّ العين (4)

______________________________

و سيأتي استدارك بعض الأعمال المضمونة عند عدم استيفاء الآمر منفعة العامل كالسبق في المسابقة الفاسدة.

(1) غرضه توجيه استدلال شيخ الطائفة و الشهيد الثاني قدّس سرّهما بقاعدة الإقدام بنحو يسلم من مناقشة المصنّف قدّس سرّه. و توضيحه: أنّ المقتضي للضمان و الموجب له عند تلف مال الغير- من العين و المنفعة- هو قاعدة الاحترام، و قاعدة اليد- بالنسبة إلى الأعيان، لكنهما ليستا تمام السبب للضمان، ضرورة توقف وجود المقتضى على علّته التامّة من المقتضي و الشرط و عدم المانع، و المانع هو تسليط المالك غيره على العين مجّانا أو دفعها إليه أمانة، أو تبرّع العامل بعمله، فالتسليط بهذا النحو مانع عن تأثير الاحترام و اليد في الضمان.

و أمّا إذا دفع المالك ماله إلى غيره بقصد أخذ عوضه، و أقدم الآخذ على ضمانه بالعوض فقد تمّ سبب الضمان و هو اليد و الاحترام، بضميمة انتفاء المانع.

و عليه فغرض شيخ الطائفة من الاستناد إلى قاعدة الإقدام ليس إثبات سببيّتها التامّة للضمان، بل المقصود بيان عدم المانع عن تأثير مقتضي الضمان، و هو وضع اليد على مال الغير و قاعدة الاحترام. و لمّا لم تكن القاعدة دليلا مستقلّا لم يرد عليها ما تقدّم من المناقشة فيها صغرى و كبرى.

(2) كابن إدريس، حيث قال في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد: «لأنّ البائع دخل على أن يسلم له الثمن المسمّى في مقابلة ملكه، فإذا لم يسلم له المسمّى اقتضى الرجوع إلى عين ماله .. إلخ» «1». و كذا المحقق الثاني «2».

(3) خبر «يكون».

(4) كتسلّم المشتري للمبيع، فإنّه مبنيّ على دفع الثمن إلى البائع.

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 488

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 216

ص: 130

و المنفعة (1) اللذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجّانا و تبرّعا حتّى (2) لا يقضي (3) احترامهما بتداركهما بالعوض، كما في العمل المتبرّع به، و العين المدفوعة مجّانا (4) أو أمانة (5). فليس (6) دليل الاقدام دليلا مستقلّا، بل هو بيان لعدم المانع (7) عن مقتضي اليد في الأموال (8) و احترام الأعمال.

______________________________

(1) كتسلّم منفعة الدار و هي السكنى فيها، فإنّ المستأجر أقدم على تسلّمها في قبال الأجرة. هذا في إجارة الأعيان، و كذا الحال في إجارة الأعمال المحترمة.

(2) هذا مترتب على المنفيّ و هو التسلّم مجّانا و تبرّعا، إذ لو كان تسليمهما من قبل مالك العين و المنفعة تبرّعيّا لم يكن لهما احترام حتّى يلزم تداركهما بالعوض.

(3) أي: لا يحكم احترامهما بتداركهما بالعوض، و كلمة «العين» مجرور عطفا على «العمل».

(4) كما في الهبة، فإنّ تسليم العين مبنيّ على المجّانيّة، فلا يضمن المتسلّم- و هو المتّهب- العوض.

(5) كما في الوديعة و العارية.

(6) هذه نتيجة توجيه ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من جعل الاقدام دليلا على الضمان.

(7) و هو الاقدام على المجّانيّة، حيث إنّه يمنع عن تأثير اليد- المستولية على الأعيان- في الضمان.

(8) المراد بالأموال هنا هو خصوص الأعيان المتموّلة، لتصريحه قدّس سرّه باختصاص القاعدة بالأعيان. مضافا إلى قوله: «و احترام الأعمال» لظهوره في مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. و هذا لا ينافي إطلاق المال على المنافع و الأعمال في سائر الموارد.

ص: 131

نعم (1) ذكر في المسالك كلّا من الاقدام و اليد دليلا مستقلّا، فيبقى عليه (2) ما ذكر سابقا من النقض (3) و الاعتراض (4).

و يبقى الكلام (5) حينئذ في بعض الأعمال المضمونة التي لا يرجع نفعها إلى

______________________________

(1) هذا استدراك على قوله: «فليس دليل الاقدام دليلا مستقلا» و هو يتضمن أمرين:

أحدهما: أنّ توجيهنا لكلام شيخ الطائفة قدّس سرّه من جعل الاقدام بيانا لعدم المانع- لا دليلا مستقلا على الضمان- لا يجري في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، لظهور استدلاله على قاعدة «ما يضمن» بدليلين- و هما الاقدام و اليد- في كون كلّ منهما دليلا مستقلا على الضمان، و هذا آب عن الحمل على عدم المانع.

و عليه فالإشكال على قاعدة الإقدام وارد على الشهيد، و مندفع عن الشيخ.

ثانيهما: أنّ إسقاط قاعدة الإقدام عن كونها دليلا مستقلا على الضمان قد يوجب الإشكال في ضمان بعض الأعمال عند جمع، مع أنّه لا يتّجه إثبات ضمانه بقاعدة الاحترام، و سيأتي بيانه.

(2) يعني: فيبقى على الشهيد الثاني قدّس سرّه ما أورده المصنّف قدّس سرّه عليه.

(3) المراد به النقض من حيث الطرد و العكس، الناشئ من كون النسبة بين الاقدام و الضمان عموما من وجه.

(4) المراد بالاعتراض هو الإشكال الأوّل و الثالث، أي: منع صغرويّة الضمان في العقد الفاسد لكبرى الاقدام، و منع كبرويّة سببيّة الإقدام للضمان.

(5) يعني: و يبقى الكلام في دليل الضمان- حين عدم كون الاقدام دليلا مستقلّا على الضمان- في بعض الأعمال المضمونة. و توضيحه: أنّ إثبات ضمان الأعمال المحترمة بقاعدة الاحترام منوط بأمرين:

الأوّل: أن يعود نفع عمل الغير إلى الضامن، كتسليم القماش الى الخيّاط ليخيط ثوبا، فيضمن أجرته، لانتفاعه بعمله.

ص: 132

الضامن، و لم يقع بأمره، كالسبق في المسابقة، حيث حكم الشيخ (1)

______________________________

الثاني: أن يستند العمل- كالخياطة- إلى أمر من يضمنه، بأن يقول للخيّاط:

«خط هذا القماش ثوبا» أو للنجار: «اصنع هذا الخشب سريرا» فالآمر ضامن للأجرة المسماة، أو لأجرة المثل. فلو أوجد العامل عملا تبرّعا منه لا بأمر من شخص و لم يعد نفعه إليه لم يكن ضامنا.

و على هذا فإذا تسابق شخصان على الخيل و عيّنا السبق كمائة دينار للسابق منهما، و تبيّن بعد المسابقة فساد العقد، ففي المسألة قولان:

أحدهما: عدم استحقاق السابق أجرة مثل عمله، لعدم ما يوجب ضمان المسبوق، إذ لم يعد نفع العمل إلى المسبوق، و إنّما المنتفع هو السابق، لتدرّبه على فنون الحرب، و لم يقع العمل بأمر من المسبوق. و على هذا فلا مورد للنقض و الاشكال، إذ لا ضمان حتى يتفحّص عن دليله.

ثانيهما: استحقاق السابق اجرة المثل، لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و حيث إنّ عقد السبق و الرماية ممّا يضمن بصحيحه فكذا بفاسده. و بناء على هذا القول يشكل إثبات الضمان، لعدم جريان قاعدة احترام الأعمال، لانتفاء الأمر بالعمل، و لعدم عود النفع إلى غير السابق. و أمّا قاعدة الإقدام فالمفروض عدم كونها من موجبات الضمان كما عرفت في توجيه كلام الشيخ قدّس سرّه. فما الدليل حينئذ على وجوب بذل اجرة المثل إلى السابق في المسابقة الفاسدة؟

(1) حيث قال- بعد حكمه بعدم استحقاق المسمّى إذا فسد عقد المناضلة- ما لفظه: «و قال قوم: يستحق اجرة المثل كالبيع و الصلح و الإجارة. و قال آخرون:

لا يستحقّ شيئا، لأنّه إنّما يجب اجرة المثل في الموضع الذي يفوّت على العامل عمله، و عاد به نفعه إلى الناضل. كالقراض الفاسد يجب عليه مثل اجرة العامل، لأنّه فوّت عليه عمله فيما عاد نفعه إليه» «1». و المستفاد من سكوته و عدم الاعتراض على القول

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 302

ص: 133

و المحقق (1) و غيرهما (2) بعدم استحقاق السابق اجرة المثل (3). خلافا لآخرين (4).

______________________________

بعدم استحقاق اجرة المثل ارتضاؤه له.

(1) قال قدّس سرّه: «إذا فسد عقد السبق لم يجب بالعمل اجرة المثل، و يسقط المسمّى لا إلى بدل. و لو كان السبق مستحقا وجب على الباذل مثله أو قيمته» «1».

و في كلامه تفصيل بين كون منشأ الفساد اختلال الشرط، و بين كونه عدم مملوكية العوض لمن يجب عليه بذله.

(2) كالشهيد الثاني و المحقق الأردبيلي قدّس سرّه «2».

(3) و أمّا عدم استحقاق «السبق» المسمّى فواضح، إذ المفروض فساد العقد.

(4) كالعلّامة «3» و نجله فخر المحققين و المحقق الكركي قدّس سرّهم. قال في جامع المقاصد: «إذا فسدت المعاملة بعد المسابقة من جهة العوض فللفساد طريقان، أحدهما:

أن يظهر كون العوض المعقود عليه مما لا يملك في شرع الإسلام، كما لو ظهر خمرا، ففي استحقاق السابق على الباذل شيئا قولان: أحدهما: لا يستحق شيئا، اختاره نجم الدين بن سعيد .. الى أن قال: و أصحّهما و اختاره المصنّف هنا- أي في القواعد- و في التذكرة وجوب اجرة المثل، لأنّ كل عقد استحق المسمّى في صحيحه، فإذا وجد المعقود عليه في الفاسد وجب عوض المثل. و العمل في القراض قد لا ينتفع به المالك، و مع ذلك يكون مضمونا، فيرجع إلى أجرة المثل، الى أن قال: الثاني: أن يكون سبب الفساد استحقاق العوض. و مقتضى عبارة المصنف أنّ القول بسقوط المسمّى لا إلى بدل غير آت هنا. و هو ظاهر عبارة الشرائع. و يلوح من عبارة التذكرة عدم الفرق.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 240

(2) مسالك الأفهام، ج 6، ص 109 و 110، مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 187، لاحظ قوله:

«و يمكن أن يقال .. إلخ».

(3) راجع: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 356 و 357؛ قواعد الأحكام، ص 106، السطر 6 (الطبعة الحجرية)؛ تحرير الاحكام، ج 1، ص 262

ص: 134

..........

______________________________

و هو الصواب، فإنّ الدليل في الموضعين واحد، و كذا الفتوى.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّه مع ظهور العوض مستحقّا هل يجب مثله إن كان مثليّا، و إلّا فقيمته .. أم تجب اجرة المثل، لأنّ العوض المسمّى إذا فات وجب قيمة العوض الآخر، و هي أجرة مثله كما في سائر المعاوضات؟ وجهان أصحّهما الثاني» «1».

و الغرض من نقل كلامه- المتضمّن لكلام العلّامة أيضا- هو وجوب اجرة المثل في المسابقة الفاسدة سواء أ كان فسادها لاختلال شرط الصحة كعدم كون العوض قابلا للتملّك شرعا، فيبطل به أصل العقد. أم كان فسادها لمغصوبيّة العوض، لصحة العقد الفضولي و توقفه على إجازة المالك، و لو لم يجز انتقل الى مثله أو إلى أجرة المثل على الخلاف [1].

______________________________

[1] لكن تنظّر فيه الشهيد الثاني قدّس سرّه بأنّ الفرق بين عقد المسابقة و غيره من العقود التي يضمن بفاسدها ليس من جهة رجوع النفع و عدمه، بل لأنّ تلك العقود اقتضت الأمر بالعمل، بخلاف هذا العقد، فإنّه لم يقتض ذلك، فإنّ قوله: «سابقتك» على معنى: أنّ من سبق منّا فله كذا. و قاعدة ما يضمن لا دليل عليها كليّة، بل النزاع واقع في موارد .. إلخ «2».

و التحقيق عدم الضمان، لانتفاء موجباته من الاستيلاء على مال الغير، و من الاستيفاء، و من الأمر بعمل محترم يصدر من المأمور حتى إذا لم يعد نفعه إلى الآمر في المسابقة الفاسدة، و إن كان صحيحها مضمّنا لإمضاء الشارع لها، للاهتمام بأمر الجهاد مع الكفّار. و لو لا هذه الجهة كانت المسابقة من أنواع القمار المنهيّ عنه وضعا و تكليفا.

و عليه فالمسابقة الفاسدة مصداق للقمار المحرّم، فيكون أكل المال بها أكلا له بالباطل، إذ المفروض عدم تحقق ما يوجب الضمان، لأنّه لم يوجد فيها إلّا سبق السابق.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 368؛ جامع المقاصد، ج 8، ص 337 و 338

(2) مسالك الأفهام، ج 6، ص 110

ص: 135

و وجهه (1) أنّ عمل العامل لم يعد نفعه الى الآخر (2) و لم يقع بأمره (3) أيضا، فاحترام (4) الأموال- التي منها الأعمال- لا يقضي بضمان الشخص له، و وجوب

______________________________

(1) يعني: و وجه حكم الشيخ و المحقق بعدم استحقاق أجرة المثل في المسابقة الفاسدة هو عدم انطباق قاعدة الاستيفاء عليها.

(2) و هو من يجب عليه بذل السّبق.

(3) إذ لو وقع عمل العامل بأمر من غيره اقتضى احترامه الضمان حتى إذا لم ينتفع الضامن بذلك العمل، كما إذا أمره بكنس مسجد، فإنّ الآمر و إن لم تعد منفعة العمل إليه، لكنه يغترم بمجرّد صدور العمل عن أمره.

(4) غرضه أنّ قاعدة الاحترام لا تجري في المسابقة الفاسدة، كما لا يجري فيها قاعدة اليد و الاستيفاء، فلو قيل بوجوب اجرة المثل فيها كان دليله قاعدة الاقدام لا غير، مع أنّ المصنّف أسقطها عن الدليلية و أرجعها إلى عدم المانع.

______________________________

و ليس هذا السّبق بأمر المسبوق، و لا ممّا يعود نفعه إليه، و لا أنّه أتلف شيئا من أموال السابق. و مع انتفاء هذه الأمور الموجبة للضمان كيف يحكم في المسابقة الفاسدة بالضمان؟

و الحاصل: أنّ المسابقة الفاسدة من القمار المحرّم الذي لا يوجب الضمان.

إلّا أن يقال: إن المراد بعود النفع إلى باذل العوض كون العمل صادرا لغرض عقلائي مخرج له عن المعاملة السفهية، كما إذا استأجر شخصا لكنس مسجد أو بيت عالم أو نقل متاع مؤمن إلى بيته، فإنّ النفع إن أريد به المال فلا يعود مال في هذه الموارد الى باذل الأجرة، مع أنّ المعاملة صحيحة، فإذا فرض فساد هذه المعاملة كانت مضمونة، كما إذا صدرت صحيحة. فالمسابقة الفاسدة كالصحيحة تصدر عن غرض عقلائيّ، و هو التهيّؤ للحرب و الوقوف على رموزها، فتكون كالإجارة لكنس مسجد في كون المسابقة من المعاملات العقلائيّة، فتندرج في «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

و عليه فلا ينتقض قاعدة «ما يضمن» بالمسابقة الفاسدة، فالمسابقة كالإجارة في كون فاسدها كصحيحها موجبة للضمان. فما أفاده العلامة و ثاني المحققين قدّس سرّهما من الضمان في المسابقة الفاسدة هو الجدير بالقبول، و اللّه العالم.

ص: 136

عوضه (1) عليه، لأنّه (2) ليس كالمستوفي له، و لذا (3) كانت شرعيّته على خلاف القاعدة، حيث إنّه بذل مال في مقابل عمل لا ينفع الباذل. و تمام الكلام في بابه (4).

[عدم اختصاص الضمان بالجهل بفساد المعاملة]

ثمّ إنّه (5) لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد بين جهل الدافع بالفساد، و بين علمه مع جهل القابض (6).

______________________________

(1) أي: عوض العمل على الآخر الذي لم يأمر بالعمل و لم ينتفع به.

(2) أي: لأنّ الآخر لم ينتفع و لم يستوف عمل الغير حتى يكون ضامنا بمقتضى قاعدة الاحترام.

(3) أي: و لأجل عدم المقتضي للضمان في مثل المسابقة الفاسدة كانت مشروعيّتها على خلاف القاعدة، لعدم بذل مال في مقابل عمل ينتفع به الباذل.

(4) و هو كتاب المسابقة إذا تبيّن فسادها بعد العمل.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المعقودة لبيان مدرك قاعدة «ما يضمن».

عدم اختصاص الضمان بالجهل بفساد المعاملة

(5) هذا إشارة إلى الجهة الثالثة، ممّا تعرّض له في شرح قاعدة «ما يضمن» و هي اختصاص الضمان بجهل الدافع بفساد المعاملة، و تعميمه لكلتا حالتي العلم و الجهل به.

و لا يخفى أنّ هذا البحث و إن كان له تعلّق بالقاعدة، و لكنّه لا يختص بها، بل يجري في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد سواء أ كان الدليل على الضمان حديث «على اليد» أم حديث ضمان قيمة ولد الأمة المسروقة، أم قاعدة «ما يضمن» أم الإجماع المدّعى في بعض الكلمات.

و كيف كان فينبغي الإشارة إلى أمر قبل توضيح المتن، و هو: أنّ للمسألة صورا أربع، و هي: علمهما بالفساد، و جهلهما به، و علم الدافع و جهل القابض، و بالعكس. إلّا أنّ المذكور في المتن هي الصور الثلاث الأول، و لم يتعرّض لحكم صورة جهل الدافع بالفساد مع علم القابض به، و لعلّه اتّكالا على وضوحه.

(6) الدليل على عموم الضمان ما سيأتي في كلامه من إطلاق النص و الفتوى،

ص: 137

و توهّم (1) «أنّ (2) الدافع في هذه الصورة هو الذي سلّطه عليه، و المفروض

______________________________

و عدم مقيّد له في البين.

(1) هذا تفصيل في الضمان بين علم الدافع بالفساد و جهل القابض به، و بين غيره. و هذا التفصيل احتمله الشهيد الثاني قدّس سرّه أوّلا، لكنّه عدل عنه و قال:

«و الأقوى ثبوته- أي الضمان- في جميع الصور» «1».

و اختاره المحقق الأردبيلي قدّس سرّه بناء على مرجعيّة أصالة البراءة عن الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد، لعدم حجيّة حديث «على اليد» و لا قاعدة «ما يضمن» فقال قدّس سرّه: «و هو- أي عدم الضمان- مع الجهل بالفساد قويّ، و مع علم الآخر أقوى.

و مع علمه بالفساد- و بعدم جواز تصرفه و وجوب حفظه و وجوب ردّه إلى مالكه معجّلا- كالمغصوب، و ذلك قد يكون بعلمه بطلب من المالك على تقدير الفساد، و عدم رضاه بكونه عنده .. و أمّا مع الجهل بالفساد- سيّما في أمر غير ظاهر الفساد، و كذا بعد العلم به، و لكن مع عدم العلم بوجوب الرّد- فالضمان غير ظاهر ..

الى أن قال: نعم إذا علم عدم الرضا إلّا بوجه البيع أو اشتبه ذلك، يتوجّه جواز التصرّف، و الضمان على تقدير فهم عدم الرّضا بالمكث عنده، و كونه أمانة على تقدير غيره» «2».

و حاصله: أنّه قدّس سرّه فصّل بين صورتي العلم بالفساد و الجهل به، فإن كانا جاهلين فعدم الضمان قويّ. و إن كان الآخر- أي: الدافع- عالما و القابض جاهلا فعدم الضمان أقوى. و إن كان القابض عالما بالفساد و بحرمة التصرّف في المقبوض بالعقد الفاسد، و بوجوب ردّه إلى مالكه معجّلا فهو ضامن كالغاصب.

(2) هذا الوجه مذكور في المسالك و إن لم يعتمد عليه. و حاصله: أنّ الدافع- مع علمه بالفساد و جهل القابض به- سلّط القابض على المقبوض، و أذن له في

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 154

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 192 و 193

ص: 138

أنّ القابض جاهل» (1) مدفوع (2) بإطلاق النص و الفتوى. و ليس (3) الجاهل مغرورا، لأنّه (4) أقدم على الضمان قاصدا.

______________________________

إتلافه و التصرف فيه مع علمه ببقائه على ملكه، و لا موجب لضمان القابض حينئذ.

(1) إذ لو كان عالما بالفساد كان ضامنا بلا إشكال.

(2) هذا خبر «توهّم» و دفع للتوهّم المزبور و ملخّص الدفع: أنّ إطلاق النص و هو «على اليد» و كذا إطلاق الفتوى يثبت الضمان و يدفع الشك فيه.

(3) إشارة إلى وجه آخر لنفي الضمان، و هو قاعدة الغرور، بتقريب: أنّ الدافع مع علمه بالفساد و جهل القابض به قد غرّه، إذ لم يكن موظّفا بدفع المال إلى القابض، و مع ذلك دفعه إليه.

و ببيان آخر: قد تقرّر عندهم في باب الضمان «أنّ المغرور يرجع على من غرّه» كما إذا قدّم شخص طعاما لضيفه بعنوان أنّه ملكه أو مأذون في تقديمه للضيف، فتبيّن عدم كون المضيف مالكا و مأذونا في التصرّف فيه، فإنّ الآكل ضامن له. و لكنّه يرجع بقيمته على الغارّ و هو المضيف. و الوجه في الرجوع إلى الغارّ هو قاعدة الغرور.

و المدّعى انطباق هذه القاعدة على المقام، لأنّ الدافع العالم بفساد العقد أقبض ماله للطرف الآخر- الجاهل بالفساد- بعنوان أنّ المال انتقل إلى القابض، و أخذ عوضه من القابض. و هذا الإقباض خدعة من البائع العالم بالفساد، لأنّ المشتري يتخيّل صحة المعاملة و وجوب الوفاء بها. و من المعلوم أنّ إبقاء جهله و إعطاءه ما ليس بنظر البائع مالا للمشتري نحو غرور و خدعة، و لا وجه حينئذ لضمان المشتري لما تسلّمه من البائع العالم بالفساد، بل يرجع عليه بماله، هذا.

(4) أي: لأنّ الجاهل. و هذا إشارة إلى دفع الوجه المزبور- و هو قاعدة الغرور- و محصّله: عدم كون المقام من صغريات هذه القاعدة، و ذلك لأنّ القابض الجاهل- كالمشتري- قد قبض المال مع ضمانه بالمسمّى الذي يدفعه إلى البائع، و العالم بالفساد

ص: 139

و تسليط (1) الدافع العالم لا يجعلها أمانة مالكيّة (2)، لأنّه (3) دفعه على أنّه (4) ملك المدفوع إليه، لا أنّه (5) أمانة عنده أو عارية، و لذا (6) لا يجوز له التصرّف فيه

______________________________

إنّما سلّط القابض على المال بعنوان أنّه ملكه، و لم يقصد عنوانا آخر من الأمانة أو العارية، فلا غرور في البين.

(1) هذا من إضافة المصدر إلى الفاعل، و غرض المفصّل الاستناد إلى: أنّ العالم بفساد العقد إذا سلّط الآخر على ماله فقد أسقط حرمة ماله، فلا وجه لضمان القابض.

و أجاب عنه المصنّف قدّس سرّه بما عرفت من أنّ مجرّد التسليط لا يساوق المجّانيّة و الاذن في التصرّف، بل هو أعمّ فإن كان مقرونا بقصد الأمانة أو المجّانيّة لم يضمن الآخذ، و إن كان مبنيا على كون المال ملكا للآخذ- و لو تشريعا- كما هو المفروض في البيع الفاسد كان ضامنا، هذا.

(2) حتى لا يثبت الضمان، إذ الأمانة المالكيّة كالشرعيّة رافعة للضمان.

(3) تعليل لعدم الأمانة المالكيّة، و حاصله: أنّ المالك لم يدفع المال بعنوان الأمانة، بل دفعه إليه بعنوان كونه ملكا له.

(4) هذا الضمير و ضميرا «دفعه، أنّه» راجعة إلى «المقبوض» المستفاد من السياق.

(5) معطوف على «على» أي: لم يكن دفع المال إلى المدفوع إليه مبنيّا على الأمانة و العارية حتّى يسقط الضمان.

(6) أي: و لأجل كون دفع المال مبنيّا على كونه ملكا للمدفوع اليه- لا بعنوان الأمانة- لا يجوز للمدفوع إليه التصرف في المال، و لا الانتفاع به. و لو كان عارية لجاز الانتفاع به كما هو واضح.

هذا تمام الكلام في المقام الأول و هو البحث عن دليلية قاعدة «ما يضمن» على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد.

ص: 140

و الانتفاع به [1] و سيأتي تتمّة ذلك في مسألة بيع الغاصب مع علم المشتري (1).

______________________________

(1) سيأتي في الأمر الثالث ممّا ذكره في العقد المجاز، حيث قال: «ثم إنّ هنا إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري بالغصب .. إلخ».

______________________________

[1] قد ذكر لهذا التفصيل وجوه:

الأوّل: الأصل، بتقريب: أنّ أصالة البراءة تنفي الضمان.

و فيه ما لا يخفى، لحكومة «على اليد» عليه، سواء أريد به الأصل الحكمي و هو الضمان، أم أريد به الأصل الموضوعي و هو أصالة عدم تحقق سبب الضمان.

أمّا الأوّل فواضح. و امّا الثاني فلأنّ اليد تقتضي الضمان. إلّا أن يكون هناك مانع و هو الأمانة، و لا بدّ من العمل على طبق المقتضي حتّى يعلم المانع و هو الأمانة المعلوم عدمها في المقام.

الثاني: التسليط المجّاني المانع عن تأثير اليد في الضمان. توضيحه: أنّ العلم بالفساد موجب للعلم بعدم استحقاق العوض، و هو مستلزم للإقدام على دفع المال مجّانا.

و فيه:- مضافا إلى عدم اختصاص هذا الوجه بجهل القابض، لجريانه في صورة علمه أيضا- أنّه إن أريد عدم تمشي قصد البيع مع العلم بعدم استحقاق العوض، و لازمه قصد المجّانية، و هو ينفي الضمان، ففيه أوّلا: منع الملازمة بين العلم بعدم الاستحقاق و بين امتناع قصد البيع. و يتضح وجه عدم الملازمة بملاحظة التشريع، فإنّ الغاصب يشرّع مالكيته للمغصوب ثم يبيعه، فمع علمه بفساد البيع يقصد المعاوضة لا المجّانيّة.

و ثانيا: منع الملازمة بين عدم قصد حقيقة البيع و بين مجّانيّة التسليط الخارجي، لجواز كونه بعوض كما هو كذلك في مقامنا، ضرورة أنّ تسليط المشتري على المبيع إنّما يكون في مقابل تسليطه البائع على الثمن، فلا مجّانيّة حتى تمنع عن تأثير اليد في الضمان.

مضافا إلى: أنّ القبض الخارجيّ يكون متفرّعا على البيع الفاسد، لأنّ الكلام في المقبوض به، لا على عدم البيع، فلا مجال لإنكار قصد البيع حتى يكون القبض عنوانا

ص: 141

______________________________

مستقلّا قصد به المجّانيّة.

فالمتحصل: عدم الفرق في الضمان بين علم القابض و جهله.

نعم الفرق بينهما في ثبوت الحرمة التكليفيّة المنجّزة في صورة علم القابض و عدمها مع جهله، فلاحظ.

الثالث: قاعدة الغرور، بتقريب: أنّ الدافع العالم بالفساد قد غرّ القابض الجاهل به، حيث إنّ المقبض العالم إنّما أقبضه ما هو ماله بنظر القابض خدعة لإتمام المعاملة، و أخذ عوضه من القابض، فإبقاء جهله بحاله و إعطاؤه ما ليس بنظره ماله نحو غرور و خدعة، و من المعلوم أنّ المغرور يرجع على من غرّه. نعم مع علم القابض لا غرور و لا خديعة.

فهذا الوجه الثالث مختص بصورة جهل القابض.

و فيه أوّلا: أنّه أخصّ من المدّعى، لاختصاص الغرور بما إذا كان الجاهل القابض مباليا بماله دخل في صحّة المعاملة من الشرائط الشرعيّة، إذ بدون المبالاة و الاقتصار على الصحة العقلائيّة- بحيث لو علم بفساد المعاملة شرعا لأقدم عليها أيضا كبيع الخمر و الخنزير و غيرهما من البيوع العقلائيّة المنهيّ عنها شرعا- لا يصدق الغرور و الخدعة، لأنّ إقدام القابض حينئذ ليس ناشئا من الخدعة أصلا، بل من عدم مبالاته بالدين. فقاعدة الغرور لا تجري في كلتا صورتي جهل القابض و علمه، مع أنّ المدّعى ضمان القابض في كلتيهما، كما لا يخفى.

و ثانيا: أنّ الغرور بمعنى الخديعة متقوّم بأمرين:

أحدهما: علم الغارّ، و الآخر جهل المغرور. و انتفاء أحدهما يوجب انتفاء الغرور. و في المقام و إن كان القابض جاهلا بفساد العقد. إلّا أنّه عالم بالضمان و مقدم عليه، غايته أنّه أقدم على ضمان المسمّى لا أكثر، فلا تجري قاعدة الغرور في أصل الضمان. نعم تجري في الزائد على العوض المسمّى، بداهة أنّ الدافع غارّ بالنسبة إلى هذا الزائد، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

فالمتحصّل: أنّ ما عن المشهور من الضمان في جميع الصور- كما في حاشية

ص: 142

[قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده]

و أمّا عكسها (1) و هو «أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» فمعناه (2): أنّ كلّ عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورده (3) [1] ففاسده لا يفيد ضمانا،

______________________________

قاعدة: ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

(1) أي: عكس قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و قد تقدم (في ص 57) المسامحة في التعبير بالعكس كما لا يخفى، فراجع.

و كيف كان فهذا شروع في المقام الثاني، و هو البحث عن الجهات المتعلقة بقاعدة «ما لا يضمن» و اقتصر المصنّف قدّس سرّه هنا على جهات ثلاث، الأولى: مدلول القاعدة، الثانية: موارد النقض عليها. الثالثة: مدرك القاعدة و مستندها.

و أمّا المباحث المتقدمة في قاعدة «ما يضمن»- من معنى الضمان، و كون عموم العقود أفراديا أو أنواعيا أو أصنافيا، و اقتضاء ذات العقد للضمان أو كفاية اقتضاء الشرط له- فلا حاجة إلى إعادتها، لاشتراكها بين الأصل و العكس.

(2) هذا شروع في الجهة الأولى.

(3) مورد العقد ظاهر في نفس ما تعلّق به العقد، و ما هو مصبّه، كالعين في عقد البيع، و الانتفاع في العارية، و المنفعة في الإجارة. لكن المراد به هنا بقرينة ما يأتي في

______________________________

الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1»- هو الأقوى، فلا يقيّد الضمان في قاعدة ما يضمن بشي ء من العلم و الجهل.

كما أنّ المتحصّل ممّا ذكرنا تمامية كلية القاعدة من ناحية إيجابها أعني به «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و وفاء الأدلة من اليد و قاعدة الاحترام بإثبات إيجابها الكليّ، فلاحظ و تأمّل.

[1] ظاهره نفي سببيّة العقد للضمان، لا إثبات سببيّته لعدم الضمان، فعدم الضمان إنّما هو لعدم المقتضي له، لا لوجود المقتضي لعدم الضمان.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 281

ص: 143

كما في عقد الرهن و الوكالة و المضاربة و العارية غير المضمونة، بل المضمونة- بناء على أنّ المراد بإفادة الصحيح للضمان إفادته بنفسه (1) لا بأمر خارج عنه كالشرط الواقع في متنه- و غير (2) ذلك من العقود اللازمة و الجائزة.

______________________________

كلامه: «ثم إنّ مقتضى ذلك عدم ضمان العين ..» أعم منه و ممّا يكون متعلّق متعلّق العقد، إذ لو لا هذا التعميم لا يستقيم عدم ضمان العين المستأجرة، حيث إنّ اليد تقتضي ضمانها، فعدم ضمانها مبنيّ على تعميم متعلق العقد لمتعلق متعلقة. فمورد نفس متعلق الإجارة هو المنفعة، و العين تكون متعلق متعلق الإجارة. ففي الإجارة الصحيحة ليست العين مضمونة، و كذا في فاسدها.

(1) هذا متعلّق بقوله: «بل المضمونة» و هو إشارة إلى ما مرّ من اقتضاء العقد بنفسه للضمان، لا من جهة الشرط الذي هو خارج عن ماهيّة العقد، و يكون الضمان لأمر خارج عن حقيقته و هو الشرط. فبناء على التعميم تندرج العارية المشروطة بالضمان في أصل القاعدة، و بناء على الاختصاص تندرج في العكس.

(2) معطوف على «عقد الرهن ..» و المراد بالغير هو العقود التي لا تتضمّن معاوضة كالهبة و الوديعة.

______________________________

و على هذا فلو ثبت الضمان في فاسد العقد الذي لا يضمن بصحيحه لم يكن معارضا لهذه القاعدة، لتوقّف عدم الضمان على استقصاء سائر أسباب الضمان و إحراز عدمها. و إلّا فمجرّد عدم اقتضاء فاسد العقد للضمان لا يجدي في الحكم بعدم الضمان فعلا.

هذا لو كانت «الباء» للسببيّة، بخلاف ما لو كانت ظرفيّة، لظهورها في تبعيّة العقد الفاسد لصحيحة في عدم الضمان، فلو قام دليل آخر على الضمان كان معارضا لهذه القاعدة لو تمّت في نفسها، للتنافي بين ما يثبت الضمان في الفاسد و ما ينفيه، فلاحظ.

ص: 144

ثمّ إنّ مقتضى ذلك (1) عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا، لأنّ صحيح

______________________________

(1) المشار إليه هو قوله في تفسير القاعدة: «أنّ كلّ عقد لا يفيد صحيحه ضمان مورد ففاسده لا يفيد ضمانا» فمقتضى هذه القاعدة عدم ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة، لأنّ الإجارة الصحيحة لا تفيد ضمان العين فكذا الفاسدة.

و غرضه قدّس سرّه بيان أحد النقوض الواردة على قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و لكنّه خصّ هذه المسألة بالذّكر هنا و لم يجعلها في عداد النقوض الآتية بقوله: «ثم إنّه يشكل اطراد القاعدة في موارد» و لعلّه لخصوصيّة في هذه، و هي ابتناؤها على الخلاف في أنّ المراد بالعقد في أصل القاعدة و عكسها هل هو خصوص مصبّ العقد كالعين في باب البيع، و المنفعة في باب الإجارة، أم ما يعمّ متعلق المتعلق؟

فإن قلنا بالاختصاص لزم التفكيك بين العين و المنفعة في عقدي البيع و الإجارة، لكون العين في البيع موضوعا لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و المنفعة موضوعا لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

و ينعكس الأمر في باب الإجارة، إذ المعوّض فيها هو المنفعة، فتندرج في أصل القاعدة، و تندرج العين في العكس، يعني «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

و إن قلنا بالتعميم أي: دخول العين في مصبّ الإجارة، فلا ضمان في صحيحها و فاسدها. أمّا في الصحيح فلأنّ مالك العين يلزمه تسليم العين للمستأجر ليستوفي منفعتها، فهو مأذون من قبل المالك، و يده يد استحقاق. و أمّا في الفاسد فلإقدام المالك على تسليم العين بدون ضمان.

و كيف كان فإذا استأجر زيد من عمرو دارا عاما بمائة دينار، فإن كانت صحيحة كان المستأجر ضامنا للأجرة المسماة، و لا يضمن نفس الدار، فلو تلفت بيده- من دون تعدّ و تفريط في الحفظ- لم يضمنها، لكونها أمانة. و إن كانت الإجارة فاسدة ففي ضمانه قيمة الدار قولان:

ص: 145

الإجارة غير مفيد لضمانها، كما صرّح به (1) في القواعد و التحرير، و حكي عن التذكرة (2) و إطلاق (3) الباقي.

______________________________

أحدهما: الضمان، و هو المصرّح به في كلام العلّامة السيّد الطباطبائيّ قدّس سرّه «1».

و الآخر: عدمه، و لعلّه المشهور، كما ستقف عليه إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: بعدم ضمان العين. قال العلّامة في القواعد: «العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلّا بتعدّ أو تفريط، في المدّة و بعدها إذا لم يمنعها مع الطلب، سواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة» «2». و الجملة الأخيرة صريحة في عدم ضمان العين المستأجرة بالإجارة الباطلة شرعا. و نحوه عبارة التحرير «3».

(2) الحاكي هو السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه «4»، حكاه بتصرف في اللفظ، قال في التذكرة: «إذا كانت الإجارة فاسدة لم يضمن المستأجر العين أيضا إذا تلفت بغير تفريط و لا على عدوان، لأنّه عقد لا يقتضي صحيحه الضمان فلا يقتضيه فاسدة، كالوكالة و المضاربة. و حكم كل عقد فاسد حكم صحيحه في وجوب الضمان و عدمه، فما وجب الضمان في صحيحه وجب في فاسده، و ما لم يجب في صحيحه لم يجب في فاسده. و لأنّ الأصل براءة الذمّة من الضمان، لأنّه قبض العين بإذن مالكها، فلم يجب عليه ضمانها، لعدم موجب له مع هذا القبض» «5».

(3) الأولى أن يقال: «و أطلق الباقي» ليكون مقابلا لقوله: «كما صرّح به في القواعد». و جعله معطوفا على نائب فاعل «حكي»- ليكون مفاده حكي التصريح عن التذكرة كما حكي إطلاق الباقي- لا بأس به و إن كان خلاف الظاهر. و قد حكى

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 8

(2) قواعد الأحكام، ص 93، السطر 15 (الطبعة الحجرية).

(3) تحرير الأحكام، ج 1، ص 252

(4) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 132

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 318

ص: 146

إلّا أنّ صريح الرياض (1) الحكم بالضمان، و حكى (2) فيها عن بعض «نسبته إلى المفهوم من كلمات الأصحاب» و الظاهر أنّ المحكي عنه هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة (3).

______________________________

السيّد العاملي إطلاق الباقين، فراجع «1».

و كيف كان فالمقصود أنّ عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا يستفاد من تصريح العلامة و من ظاهر غيره ممّن أطلق عدم الضمان، و لم يقيّده بالعقد الصحيح، كالمحقق، حيث قال: «و العين المستأجرة أمانة لا يضمنها المستأجر إلّا بتعدّ أو تفريط» «2».

(1) قال في ذيل ما ذكره في شرح قول المحقق قدّس سرّه: «و يثبت أجرة المثل في كل موضع تبطل فيه الإجارة» «3» ما لفظه: «و العين مضمونة في يد المستأجر مطلقا كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب. و لعلّه لعموم الخبر بضمان ما أخذته اليد» «4».

(2) يعني: و حكى السيّد الطباطبائي في الرياض نسبة الضمان إلى ما فهمه بعض من كلمات الأصحاب، و الناسب هو المحقق الأردبيلي قدّس سرّه.

(3) قال المحقق المذكور ما نصّه: «ثمّ إنّ الظاهر أنّ العالم كالغاصب لا يجوز له التصرف، و لا يستحق شيئا، لما مرّ من أن الاذن إنّما علم بالعقد، لاعتقاد أنّه صحيح، و يلزم الطرف الآخر ما يلزمه، و قد بطل و هو عالم بالفرض، فيبقى أصل المنع على حاله كما قيل في البيع الباطل، بل يفهم من كلامهم الضمان مع الجهل أيضا» «5».

و هذه الجملة الأخيرة محلّ الاستشهاد بكلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه، حيث فهم من كلام الأصحاب ضمان العين المستأجرة.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 252

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 179

(3) المختصر النافع، ص 153

(4) رياض المسائل، ج 2، ص 8، أواخر الصفحة.

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 50

ص: 147

و ما أبعد (1) ما بينه و بين ما عن جامع المقاصد، حيث قال في باب

______________________________

(1) يعني: و ما أبعد ما بين ما أفاده المحقق الأردبيلي قدّس سرّه- من أنّ المفهوم من كلمات الأصحاب ضمان العين في الإجارة الفاسدة- و بين ما أفاده المحقق الكركي قدّس سرّه من أنّه يلوح من كلامهم عدم الضمان. و غرض المصنّف قدّس سرّه التعجّب من استظهار هذين العلمين، حيث ادّعى المحقق الأردبيلي أنّ الضمان يفهم من كلامهم، و ادّعى المحقق الكركي ظهور كلامهم في عدم الضمان.

و كيف كان فيحتمل أن يكون اختلافهما في النسبة إلى الأصحاب ناشئا من الاختلاف في فهم معنى قولهم: «كلّ ما يضمن بصحيحه .. إلخ» بأن يقال: إنّ المحقق الأردبيلي قدّس سرّه فهم من هذه العبارة: أنّ مورد إثبات الضمان و نفيه عند الأصحاب خصوص متعلّق العقد كالمنفعة في الإجارة، فلا يعمّ العين المستأجرة، فلا بدّ حينئذ من الحكم بضمان العين لقاعدة اليد، لعدم كون العين موردا للعقد.

و المحقّق الثاني قدّس سرّه فهم منها أنّ مورد النفي و الإثبات عندهم ما يشمل مورد العقد و متعلّق المتعلّق، فيعمّ العين المستأجرة، فيتعارض اليد و القاعدة، فيرجع إلى البراءة.

و الحاصل: أنّ هنا قاعدتين إحداهما- و هي اليد- توجب الضمان، و الأخرى و هي قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه» تنفي الضمان. و الاختلاف إنّما يكون في مفاد الثانية.

فإن كان مفادها عند الأصحاب نفي الضمان عن خصوص مورد العقد، فلا تشمل العين المستأجرة فاسدا كما زعمه المحقق الأردبيلي. و عليه فمقتضى قاعدة اليد ضمانها.

و إن كان مفادها عندهم نفي الضمان عن الأعمّ من مورد العقد كما استظهره المحقق الثاني من كلام الأصحاب فلازمه نفي الضمان عن العين المستأجرة فاسدا، إذا المفروض عدم اختصاص قاعدة «ما لا يضمن» بنفس مورد العقد، و شمولها لمتعلق متعلقة أيضا كالعين المستأجرة، فإنّ مورد العقد هو المنفعة دون العين.

ص: 148

الغصب: «إنّ الّذي (1) يلوح من كلامهم هو (2) عدم ضمان العين المستأجرة فاسدا باستيفاء (3) المنفعة. و الّذي ينساق إليه النظر (4) هو الضمان، لأنّ (5) التصرّف

______________________________

لكنّه بناء على تعميم مورد العقد لمتعلّق متعلقة تندرج الإجارة الفاسدة في قاعدة «ما لا يضمن» فإنّ صحيح الإجارة لا يوجب ضمان العين، و كذا فاسدها.

(1) العبارة منقولة بتصرّف غير قادح في المقصود، قال قدّس سرّه: «و هل العين مضمونة بالاستيفاء؟ يلوح من كلامهم العدم. و الذي ينساق إليه النظر كونها مضمونة، لأنّ التصرف في العين غير جائز، فهو بغير حق، فيكون في حال التصرف استيلاؤه عليها بغير حق، و ذلك معنى الغصب، إلّا أنّ كون الإجارة الفاسدة ..» «1»

إلى آخر ما في المتن. و كلامه مشتمل على أنظار ثلاثة سيأتي بيانها.

(2) هذا هو النظر الأوّل المذكور في جامع المقاصد، و هو نسبة عدم ضمان العين- في الإجارة الفاسدة- إلى الأصحاب. و كان مبنى هذه النسبة تصريح العلّامة في القواعد و التحرير و التذكرة بعدم الضمان.

(3) متعلق ب «عدم ضمان» يعني: أنّ استيفاء المنفعة و إن أوجبت ضمانها بأجرة المثل، لكنّها لا تقتضي ضمان العين.

(4) أي: نظر المحقق الثاني، خلافا لما استظهره من كلام الأصحاب من عدم الضمان. و هذا ثاني الأنظار في المسألة، و هو إثبات ضمان العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة، لكونه من موارد الغصب، و هو محرّم شرعا، و يترتّب عليه الضمان.

و الوجه في حرمة التصرّف هو فساد العقد حسب الفرض، و لا إذن من المالك غير الإذن العقديّ، فكما يضمن المستأجر منفعتها المستوفاة فكذا يضمن العين لو تلفت بيده.

(5) تعليل للضمان، و قد عرفته آنفا، كما عرفت أن هذه الجملة ليست نصّ عبارة جامع المقاصد.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 216

ص: 149

فيه (1) حرام، لأنّه غصب فيضمنه» ثمّ قال: «إلّا أنّ (2) كون الإجارة الفاسدة لا يضمن بها كما لا يضمن بصحيحها مناف لذلك (3)، فيقال: (4) إنّه (5) دخل على عدم الضمان بهذا الاستيلاء و إن لم يكن (6) مستحقا، و الأصل براءة الذمة من

______________________________

(1) كان المناسب تأنيث هذا الضمير و ضمير «فيضمنه» لرجوعهما إلى العين في الإجارة الفاسدة، و كذا تأنيث ضمير «لأنه» لو لم يرجع إلى التصرّف.

(2) هذا شروع في بيان النظر الثالث، و هو الخدشة في الضمان، و بيانها: أنّ قاعدة اليد و إن اقتضت ضمان العين، إلّا أنّها معارضة بقاعدة أخرى تقتضي عدم الضمان، فيتم نظر المشهور الّذين يلوح من كلامهم ذلك، و تلك القاعدة هي «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بتقريب: أنّ الموجر أقدم على عدم الضمان، حيث إنّه سلّط المستأجر على العين بلا عوض عنها، و إن لم يكن المستأجر مستحقا لها من جهة فساد العقد. فإن كان الترجيح مع قاعدة «ما لا يضمن» فلا ضمان.

و إن كانتا متكافئتين تساقطتا، و المرجع أصالة براءة ذمة المستأجر عن بدل العين التي استوفى منفعتها، هذا.

(3) أي: للضمان الذي تقتضيه قاعدة اليد.

(4) هذا تقريب تطبيق قاعدة «ما لا يضمن» على الإجارة الفاسدة بالنسبة إلى العين، و محصّله: الاقدام على تسليط المستأجر عليها بلا عوض عنها.

و يستفاد من هذا الكلام أنّ الاقدام على التسليط بعوض يكون من موجبات الضمان، فيكون المحقّق الثاني موافقا لشيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهم في عدّ الاقدام من أسباب الضمان.

(5) أي: أنّ مالك العين أقدم على عدم ضمانها.

(6) أي: و إن لم يكن المستولي- و هو المستأجر- مستحقّا للعين مقدّمة للانتفاع بها، و وجه عدم استحقاقه لها فساد عقد الإجارة.

ص: 150

الضمان (1)، فلا يكون العين بذلك مضمونة. و لو لا ذلك (2) لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأنّ استيلاءه بغير حق، و هو (3) باطل» «1» انتهى.

______________________________

(1) إن كان الأصل العملي في رتبة الدليل الاجتهادي أعني به قاعدة «ما لا يضمن» فيكون معاضدا لها في تقدمها على قاعدة اليد. و إن كان متأخّرا عنها رتبة- كما هو الحق- فتكون مؤيّدا، أو مرجعا على تقدير تساقط القاعدتين بالتعارض.

(2) أي: و لو لا انطباق قاعدة «ما لا يضمن» على الإجارة الفاسدة بالنسبة إلى العين لكان المرتهن .. إلخ.

و غرض المحقق الكركي قدّس سرّه من الاستشهاد بمسألة عدم ضمان العين المرهونة- في الرهن الفاسد- هو تأييد مقالته من عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة، لكونه من موارد قاعدة «ما لا يضمن» و بيانه: أنّ مجرّد وضع اليد على مال الغير لا يقتضي ضمانه، بل يتوقّف على عدم إذن مالكيّ و لا شرعيّ و لا استيمان و لا معاوضة، فلو كان التسليط المالكيّ مبنيّا على عدم ضمان الآخذ لم تقتض يده ضمانا، و هذا أمر مطّرد في موارد:

منها: الرهن الفاسد، فإنّ استيلاء المرتهن على العين المرهونة يكون بغير حقّ حسب الفرض، إلّا أنّها لو تلفت بيده لم يكن عليه بدلها، لأنّ الراهن سلّط المرتهن على ماله مبنيّا على كونه وثيقة عنده، لا بعنوان المعاوضة. و بهذا يندرج الرّهن في قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و تجري أصالة البراءة عن الضمان.

و لو لا هذا لزم الحكم بضمان الرّهن عملا بقاعدة اليد، مع أنّهم حكموا بعدم الضمان، أخذا بالقاعدة و بالأصل.

(3) يعني: و الحال أنّ ضمان المرتهن للعين المرهونة- في الرّهن الفاسد- باطل، فكذا لا وجه لضمان العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة، هذا تمام كلام المحقق الكركي قدّس سرّه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 216

ص: 151

و لعلّ الحكم بالضمان في المسألة (1) إمّا لخروجها (2) عن قاعدة «ما لا يضمن» لأنّ المراد بالمضمون مورد العقد، و مورد العقد في الإجارة

______________________________

(1) يعني: و لعلّ حكم الأصحاب بالضمان في مسألة الإجارة الفاسدة- على ما نسبه المحقق الأردبيلي إليهم، و عدم عملهم فيها بقاعدة «ما لا يضمن» المقتضية لعدم الضمان- مستند إلى أحد وجهين .. إلخ. و غرضه قدّس سرّه من هذه الجملة إلى قوله: «و إمّا لأنّ قاعدة ما لا يضمن معارضة بقاعدة اليد» توجيه الحكم بضمان العين بوجهين ذكرهما صاحب الجواهر قدّس سرّه و إن تنظّر فيهما في آخر كلامه، و سيأتي نقل بعض ما أفاده.

و على كلّ منهما يشكل ما تقدّم عن المحقق الكركي من ترجيح القول بعدم ضمان العين عملا بقاعدة «ما لا يضمن» و بأصالة البراءة عن الضمان.

(2) هذا هو الوجه الأوّل للقول بضمان العين، و هو مؤخّر- ذكرا- في الجواهر، قال قدّس سرّه: «على أنّه قد يقال: بعدم اندراج العين في قاعدة ما لا يضمن، فلا تعارض قاعدة اليد حينئذ، و ذلك لأنّ المراد من الإيجاب و السّلب فيها ما كان مضمونا بسبب العقد، و ما لم يكن مضمونا كذلك. على معنى أنّ الضمان و عدمه مورد العقد كالمنفعة في الإجارة، و العين في الهبة. و لا ريب أنّ عدم الضمان في العين المستأجرة لا مدخليّة للعقد فيه، و إنّما هو لكونها أمانة، فيدور الضمان في الفاسد عليها، لا من القاعدة المزبورة. و كذلك العين في العارية. فمع فرض عدم الأمانة- لما سمعته من تقييد الإذن بالصحة، و المفروض انتفاؤها- يتّجه ما نسباه- يعني المحقق الأردبيلي و صاحب الرياض- إلى الأصحاب من الضمان .. إلخ» «1».

و محصّل هذا الوجه: عدم شمول قاعدة «ما لا يضمن» للعين تخصّصا، بتقريب:

أنّ المراد ب «ما يضمن و ما لا يضمن» ما وقع عليه العقد، لا ما هو خارج عنه و يعدّ من حواشيه، كمتعلّق متعلّقه. فاستفادة حكمه منوطة بملاحظة سائر القواعد و الأدلّة، فإن اقتضت الضمان قيل به، و إن لم تقتضه قيل بعدم الضمان. هذا بحسب الكبرى.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 252

ص: 152

المنفعة، فالعين يرجع في حكمها إلى القواعد (1). و حيث كانت (2) في صحيح الإجارة أمانة مأذونا فيها شرعا، و من طرف المالك (3) لم يكن فيه ضمان. و أمّا في فاسدها فدفع الموجر للعين إنّما هو للبناء على استحقاق المستأجر لها، لحقّ الانتفاع فيها، و المفروض عدم الاستحقاق (4)، فيده عليه (5) يد عدوان موجبة للضمان.

و إمّا (6) لأنّ قاعدة

______________________________

و أمّا تطبيقها على المقام فهو: أنّ مورد الإجارة و متعلّقها هو المنفعة لا العين.

فإن كانت الإجارة صحيحة لم يضمنها المستأجر، لكونها أمانة شرعيّة و مالكيّة، أمّا الاذن الشرعيّ فلوجوب تسليم العين للمستأجر من باب وجوب الوفاء بالعقد ليستوفي منفعتها. و أمّا الاذن المالكيّ فلأنّ الموجر يأذن للمستأجر في الانتفاع بها، و هو منوط بتسليمها إليه. و من المعلوم فقدان هذا الاذن في الإجارة الفاسدة. فيتحقق حينئذ موضوع قاعدة اليد المقتضية للضمان، و بهذا يتجه حكم صاحب الرياض قدّس سرّه بالضمان، هذا.

(1) من قاعدة اليد و احترام مال المسلم و نفي الضرر و غيرها، المقتضية للضمان، أو قاعدة الاستيمان المقتضية لعدمه.

(2) أي العين. و جواب الشرط قوله: «لم يكن فيه ضمان».

(3) أمّا الاذن الشرعيّ فلصحّة الإجارة شرعا المقتضية لكون العين أمانة لاستيفاء منافعها مدّة الإجارة. و أمّا الاذن المالكيّ فلتسليمه إيّاها بطيب نفسه للانتفاع بها إذا توقّف الانتفاع بها على التسليم.

(4) لفساد العقد.

(5) الضمير راجع إلى العين، فالأولى تأنيثه.

(6) معطوف على قوله: «إمّا لخروجها» و هذا إشارة إلى ثاني الوجهين للحكم بضمان العين المستأجرة. قال في الجواهر: «و إن كان قد يوجّه- يعني الضمان- على تقدير صحّة النسبة إلى الأصحاب بما سمعت من عموم- على اليد- المعارض للقاعدة المزبورة من وجه، و يرجّح عليها بالنسبة المزبورة. و دعوى العكس باعتضادها

ص: 153

..........

______________________________

بقاعدة الأمانة يدفعها ما سمعته من الرياض أخيرا من أنّه إذا كان الدفع بعنوان الصحّة، لكون الاذن كالمقيّدة بذلك- أي بالصحّة- فمع الفساد ينكشف أن لا إذن، فلا تكون أمانة» «1».

و لا يخفى ابتناء هذا الوجه على شمول قاعدة «ما لا يضمن» للعين المستأجرة و عدم اختصاصها بمورد العقد و مصبّه، إذ لو اختصّت القاعدة بمورد العقد و متعلقة لم تكن العين المستأجرة مندرجة فيها، لعدم كونها أحد العوضين، فهي خارجة موضوعا عن القاعدة.

و بناء على هذا فتوضيح كون النسبة بين قاعدتي «اليد و ما لا يضمن» عموما من وجه هو: أنّ قاعدة «اليد» تجري في المغصوب و المقبوض بالبيع الفاسد و نحوهما ممّا يكون المضمون عينا، و تقتضي الضمان. و قاعدة «ما لا يضمن» تجري في العارية و نحوها من موارد الاستيمان، فتقتضي نفي الضمان. و تجتمع القاعدتان في العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة، فتنطبق قاعدة اليد عليها، لعدم كونها أمانة بيد المستأجر، فتكون مضمونة. و كذلك تنطبق قاعدة «ما لا يضمن» عليها، و تحكم بعدم ضمانها، لتبعية الإجارة الفاسدة لصحيحها، فكما لا تضمن العين في صحيحها فكذا في فاسدها.

و حيث كانت النسبة عموما من وجه، فإن كان لأحد العامّين مرجّح قدّم على الآخر، و إن كانا متكافئين تساقطا و يرجع إلى دليل ثالث. هذا بحسب الكبرى.

و المدّعى في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه تقديم قاعدة «اليد» في المجمع- المقتضية للضمان- على قاعدة «ما لا يضمن» النافية له. و الوجه في التقديم معاضدتها بفتوى الأصحاب بالضمان، على ما نسبه المحقق الأردبيلي و صاحب الرياض قدّس سرّهما إليهم.

و لا معاضد لقاعدة «ما لا يضمن» لأنّ قاعدة الاستيمان النافية للضمان مخصوصة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 252

ص: 154

«ما لا يضمن» معارضة بقاعدة اليد (1).

و الأقوى (2) عدم الضمان، فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة (3) بالعين

______________________________

بما إذا كان دفع العين إلى المستأجر مبنيّا على صحة الإجارة لا مطلقا. هذا توضيح كلام الجواهر.

و يحتمل أن يكون غرض المصنّف قدّس سرّه من هذا الوجه الثاني تقديم قاعدة اليد لكونها أخصّ مطلقا من قاعدة «ما لا يضمن» و من المعلوم أنّ التعارض بين العامّ و الخاصّ المطلقين بدويّ، و يتعيّن التخصيص. فيقال: إنّ قاعدة «ما لا يضمن» تنفي الضمان عن العين في الإجارة الصحيحة و الفاسدة، و قاعدة اليد تقتضي الضمان في الفاسدة، فتكون «اليد» مخصّصة لقاعدة «ما لا يضمن» و تبقى العين في الإجارة الصحيحة موضوعا لها، كموضوعيّة سائر العقود الأمانيّة لها.

(1) لا يخفى قصور العبارة عن تأدية المراد، فإنّ المقصود توجيه ضمان العين في الإجارة الفاسدة، و من المعلوم أنّ مجرّد تعارض القاعدتين ليس من أسباب الضمان، إذ لو كانتا متكافئتين تساقطتا، و المرجع حينئذ هو أصالة البراءة عن الضمان كما تقدّم في كلام المحقق الكركي قدّس سرّه.

و عليه كان الأولى أن يقال: «معارضة بقاعدة اليد، لكنّها لأخصّيّتها تخصّص قاعدة ما لا يضمن» كما يستفاد هذا التخصيص من قوله: «غير مخصّصة».

(2) بعد أن بيّن المصنف كلا دليلي الضمان و عدمه قوّى عدم الضمان، للخدشة في الوجهين المتقدمين عن الجواهر. و مقصوده قدّس سرّه إثبات عدم الضمان بدليل اجتهادي و هو قاعدة «ما لا يضمن» لا بالأصل العملي الذي ركن إليه المحقّق الكركي قدّس سرّه.

(3) هذا دفع الوجه الثاني للضمان، و هو تخصيص قاعدة «ما لا يضمن» بقاعدة اليد.

و محصّل الدفع: إباء قاعدة «ما لا يضمن» عن التخصيص بقاعدة اليد، لما تقرّر في بحث تعارض الدليلين من اشتراط التخصيص ببقاء العام على حيثيّة كونه قانونا، و عدم لزوم الاستهجان العرفي من كثرة التخصيص، بحيث تبقى تحت العامّ أفراد

ص: 155

المستأجرة،

______________________________

نادرة، فيمتنع التخصيص لو ترتّب محذور الاستهجان عليه. و لا فرق في هذا الامتناع بين كون نسبة المتعارضين عموما مطلقا و من وجه، لاتّحاد الملاك في كليهما.

و هذه الكبرى منطبقة على المقام. أمّا بناء على كون النسبة عموما من وجه كما صرّح به صاحب الجواهر قدّس سرّه فلأنّ غالب العقود المندرجة تحت عموم «ما لا يضمن» مشمولة لقاعدة اليد أيضا، كالمضاربة و الرهن و الهبة و نحوها ممّا تقع على الأعيان، فلو بنينا على تقديم قاعدة اليد لزم اختصاص «ما لا يضمن» بالعارية غير المضمونة، و هذا في الحقيقة إلغاء لتشريعها بنحو ضرب القانون. و أمّا لو قدّمنا هذه القاعدة على اليد لم يلزم هذا المحذور، لبقاء موارد عديدة مندرجة تحت اليد المقتضية للضمان كالمغصوب و المقبوض بالسوم و بالبيع الفاسد و غيرها.

و على هذا نقول: إنّ العين المستأجرة بالإجارة الفاسدة باقية تحت قاعدة «ما لا يضمن» بعد البناء على شمول القاعدة لمصبّ العقد و لمتعلّق متعلّقه.

و أمّا بناء على كون النسبة عموما مطلقا فكذا يتعيّن تقديم القاعدة على اليد، فإنّ الظاهر أخصّيّتها من اليد، دون العكس، و ذلك لورود هذه القاعدة مورد اليد، نظير ورود قاعدة التجاوز في مورد استصحاب العدم، إذ البناء على فعل المشكوك فيه- كالرّكوع و السجود- مخالف لاستصحاب عدم الإتيان به المقتضي لتداركه، مع أنّهم بنوا على تقديم القاعدة على الاستصحاب سواء كانا أمارتين أم أصلين محرزين، أم مختلفين. و الوجه في تخصيص دليل الاستصحاب هو ورود القاعدة مورده بحيث يلزم لغويّة تشريعها لو لا التخصيص.

و هكذا الحال في المقام، لأنّ غالب العقود التي تجري فيها قاعدة «ما لا يضمن» تجري فيها قاعدة اليد، و لا عكس. فتقديم قاعدة اليد المقتضية للضمان إلغاء لتشريع قاعدة «ما لا يضمن».

هذا كلّه توضيح عدم تخصيص قاعدة «ما لا يضمن» بقاعدة اليد. و عليه فالعين في الإجارة الفاسدة غير مضمونة، عملا بقاعدة «ما لا يضمن».

ص: 156

و لا متخصّصة (1).

______________________________

(1) هذا إشارة إلى ردّ أوّل الوجهين المتقدمين عن صاحب الجواهر قدّس سرّه الذي كان حاصله خروج العين المستأجرة موضوعا عن قاعدة «ما لا يضمن» فتشملها القواعد الأخر كقاعدة اليد الموجبة للضمان.

و محصّل مناقشة المصنّف قدّس سرّه فيه هو: اندراج العين المستأجرة في قاعدة «ما لا يضمن» و عدم خروجها عنها تخصّصا كعدم خروجها عنها تخصيصا.

و الوجه في بطلان التخصّص المزبور: أنّ المعوّض في إجارة الأعيان- كالدار- و إن كان هو المنفعة، إلّا أنّ الوفاء بالعقد يقتضي تسليم العين للمستأجر كي ينتفع بها، فالعقد يتضمّن شرطا ارتكازيّا متعارفا، و هو جعل العين أمانة بيد المستأجر. و حيث كان التسليط مالكيّا و مبتنيا على الأمانة كان خارجا عن قاعدة اليد و مندرجا في «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» لما تقرّر عندهم من انتفاء الضمان في موارد الاستيمان.

فإن قلت: يختص كون العين أمانة مالكيّة و شرعيّة- بيد المستأجر- بصحّة عقد الإجارة، و أمّا مع فسادها فلا، إذ لا يستحقّها المستأجر حتى تكون أمانة عنده.

قلت: لا فرق في قصد الاستيمان بين صحة الإجارة و فسادها، فإنّ المالك يرى نفسه ملزما بالوفاء بالشرط الضمني الارتكازي، فيجعل العين أمانة بيد المستأجر، و يكون اعتقاد صحة العقد داعيا له إلى تسليم العين. فلو كانت الإجارة فاسدة لم تقدح في قصد المالك، و إنّما يلزم تخلّف داعيه إلى التسليم. و قد تقرر عندهم عدم العبرة بتخلّف الدواعي، كما إذا قدّم المضيف طعاما لضيفه معتقدا بأنّه عالم، فتبيّن كونه جاهلا، فلا ريب في جواز الأكل، لأنّه من قبيل تخلّف الداعي.

و قد تحصّل: أنّ العين المستأجرة- فاسدة- غير مضمونة على المستأجر لو تلفت بيده، لشمول قاعدة «ما لا يضمن» لها، و لا مخصّص لها في البين، كما عرفت.

فالأقوى وفاقا للمحقق الكركي عدم الضمان، لكن للقاعدة، لا للأصل العملي.

هذا كله في التخلّص عن النقض الأوّل من النقوض الواردة على القاعدة.

ص: 157

[الجهة الثانية: موارد النقض على قاعدة «ما لا يضمن»]
اشارة

ثمّ إنّه يشكل اطّراد القاعدة في موارد:

[أ: النقض بعارية الصيد]

منها (1): الصيد الذي استعاره المحرم من المحلّ

______________________________

الجهة الثانية: موارد النقض على قاعدة «ما لا يضمن» أ: النقض بعارية الصيد

(1) هذا ثاني النقوض التي أوردوها على قاعدة «ما لا يضمن» و النقض الأوّل ما تقدّم من الإجارة الفاسدة على التفصيل المزبور.

و محصّل هذا النقض الثاني: أنّ العارية الصحيحة لا توجب الضمان، مع أنّ فاسدها في الصيد الذي استعاره المحرم من المحلّ يوجب الضمان. و فرض هذا النقض هو ما إذا لم يكن في الحرم، لأنّ الصيد في الحرم غير جائز لغير المحرم أيضا. فالمسألة مفروضة فيما إذا كان هناك شخصان، أحدهما محرم خارج الحرم، و الآخر محلّ، فصاد الثاني حيوانا و استعاره المحرم منه، فإنّه لا إشكال في وجوب إرساله عليه، فإن أرسله فلا خلاف في ضمانه لمالكه. و هذا خارج عن مورد البحث، لكونه إتلافا و لو بإذن الشارع، فلا ينتقض به القاعدة، لأنّ عدم الضمان في قاعدة «ما لا يضمن» مختص بالتلف، فالاتلاف خارج موضوعا عن حيّزها.

و إن أمسكه فإن مات بآفة سماويّة أو كان طائرا فطار- و هذا هو مورد نقض قاعدة «ما لا يضمن» على القول بفساد عارية الصيد للمحرم- ففيه خلاف بينهم، فمنهم من ذهب إلى الضمان، مع أنّ صحيح العارية لا ضمان فيه، و منهم من قال بعدمه.

بل يظهر من الجواهر «1» عدم وجود مصرّح بالضمان في مفروض البحث أعني التلف السماويّ، و أنّ حكمهم بالضمان إنّما هو في صورة الإتلاف المترتب على الموت بعد الإرسال.

قال في الشرائع: «و لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا، لأنّه ليس له

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 165

ص: 158

بناء (1) على فساد العارية، فإنّهم (2) حكموا بضمان المحرم له بالقيمة، مع أنّ صحيح العارية لا يضمن به. و لذا (3) ناقش الشهيد الثاني في الضمان على تقديري الصحّة و الفساد.

______________________________

إمساكه، فلو أمسكه ثمّ أرسله ضمنه، و إن لم يشترط عليه ذلك في العارية» «1». فإنّ ظاهره ترتّب الضمان على الإرسال الذي هو إتلاف الصيد، فلا يشمل ما نحن فيه و هو التلف.

(1) هذا ظاهر في أنّ فساد استعارة المحرم مسألة خلافيّة كما ستأتي في عبارة المسالك. و على كلّ فمنشأ الفساد هو النصوص الناهية عن إمساك الصيد و الآمرة بتخلية سبيله. و من المعلوم اشتراط صحة العارية بحلّيّة الانتفاع بالعين المعارة.

(2) هذا وجه ورود النقض على قاعدة «ما لا يضمن» و قد عرفته آنفا.

(3) يعني: و لكون صحيح العارية لا يضمن به ناقش الشهيد في ضمان المحرم قيمة الصيد للمالك على كلّ من تقديري صحة عقد عارية الصيد للمحرم و فساده، لأنّها إن كانت صحيحة فلا ضمان، و كذا إذا كانت فاسدة، لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

قال في المسالك: «و مقتضى عبارة المصنّف رحمه اللّه و جماعة أنّه يضمنه مع التلف للمالك أيضا بالقيمة، لأنّهم جعلوها من العواري المضمونة، و إن لم يشترط فيها الضمان. و دليله غير واضح، إذ مجرّد تحريم استعارته لا يدلّ على الضمان، سواء قلنا بفساد العقد أم بصحّته.

أمّا مع صحّته فالأصل في العارية عندنا أن تكون غير مضمونة، إلّا أن يدلّ دليل عليه، و لم يذكروا هنا دليلا يعتمد عليه. و أمّا مع فسادها فلأنّ حكم العقد الفاسد حكم الصحيح في الضمان و عدمه كما أسلفناه في مواضع قاعدة كليّة.

و يمكن الاستدلال على ضمانه هنا بإطلاق النصوص بأنّ المحرم لو أتلف صيدا مملوكا فعليه فداؤه لمالكه، فيدخل فيه صورة النزاع. و فيه نظر، لمعارضته بالنص

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 172

ص: 159

إلّا أن يقال (1): إنّ وجه ضمانه

______________________________

الصحيح الدالّ على أنّ العارية غير مضمونة، فكما يمكن تخصيص الأوّل بالصيد المأخوذ بغير إذن المالك، يمكن تخصيص الثاني بغير الصيد، فالترجيح غير واضح» «1» [1].

توضيح وجه نظره: أنّه كما يمكن أن يقال بالضمان، للنصوص الدالّة على «أنّ من أتلف صيدا مملوكا فعليه فداؤه» الشاملة لمورد النزاع، كذلك يمكن أن يقال بعدم الضمان، لما دلّ على أنّ العارية غير مضمونة. و كما يمكن تخصيص نصوص الفداء بالصيد المأخوذ بغير إذن المالك، فتخرج العارية عنها، فلا ضمان في الصيد المعار؛ فكذلك يمكن تخصيص ما دلّ على عدم الضمان في العارية بغير الصيد، ففي عارية الصيد ضمان، و لم يظهر ترجيح لأحدهما.

(1) هذا توجيه لضمان قيمة الصيد المعار، مع اقتضاء قاعدة «ما لا يضمن» عدمه. و حاصل التوجيه: خروج عارية الصيد موضوعا عن حيّز قاعدة «ما لا يضمن» المختصة بالتلف. و وجه الخروج كون الضمان للإرسال الذي هو بمنزلة الإتلاف، فلا نقض على القاعدة.

و لتوضيح التوجيه ينبغي تقديم أمرين:

الأوّل: الالتزام بوجوب إرسال الصيد المعار، كما هو المشهور، بل في

______________________________

[1] لا يخفى أنّه على ما أفاده في المسالك تكون النسبة بين ما دلّ على ضمان الصيد المتلف بغير إذن المالك، و بين ما دلّ على عدم الضمان في العارية عموما من وجه، و مع عدم المرجّح لتخصيص أحد الدليلين في المجمع- و هو الصيد المستعار- يرجع إلى الأصل، و هو هنا البراءة عن الضمان.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 139 و 140

ص: 160

..........

______________________________

جامع المقاصد: «لم أظفر إلى الآن بمخالف» «1» و إن تأمّل هو فيه. قال العلّامة قدّس سرّه:

«لا يحل للمحرم استعارة الصيد من المحرم و لا من المحلّ، لأنّه يحرم عليه إمساكه، فلو استعاره وجب عليه إرساله، و ضمن للمالك قيمته. و لو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحلّ، و بالجزاء للّه تعالى، بل يضمنه بمجرّد الإمساك» «2».

فلو قلنا بعدم وجوب تخلية سبيله و جواز ردّه إلى المالك المعير لم يتّجه ضمان القيمة حتى يكون مبنى النقض على قاعدة «ما لا يضمن». و يلوح من الشهيد الثاني قدّس سرّه عدم تعيّن وجوب الإرسال، قال قدّس سرّه بعد التأمل في فساد عارية الصيد ما لفظه: «فعلى تقدير قبضه له- أي قبض المستعير للصيد- إن ردّه على المالك لزمه الفداء للّه تعالى، و بري ء من حق المالك. و إن تلف في يده فلا شبهة في ضمانه للّه تعالى، لأنّه ثابت عليه بمجرّد الإمساك، كما في الصيد الذي ليس بمملوك» «3». فإنّ قوله: «و بري ء من حقّ المالك» ظاهر بل صريح في عدم ضمان القيمة بمجرّد الاستعارة، فلا ضمان على تقدير ردّ الصيد إلى مالكه، و إنما يجب عليه الفداء و الكفّارة.

و الحاصل: أنّ مبنى التوجيه المذكور في المتن هو استقرار القيمة على عهدة المحرم المستعير بمجرّد قبض الصيد من المحلّ.

الثاني: أنّ كون المستعير ضامنا لقيمة الصيد لمالكه مع فرض بقاء عينه- و عدم إرساله بعد- لا بدّ أن يكون للجمع بين دليلين، أحدهما: حرمة مال المسلم المقتضية لضمان ماله بماله من الخصوصيّات الشخصيّة و الصنفيّة و النوعيّة. و ثانيهما: وجوب إرسال الصيد و تخلية سبيله و حرمة تسليمه إلى المعير، فإنّه أمر بإعدام خصوصيّته و شخصيّته.

فمقتضى الجمع بينهما القول بإلغاء احترام الصيد- بعينه- رعاية لحقّ

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 60

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 209

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 149

ص: 161

- بعد البناء (1) على أنّه يجب على المحرم إرساله و أداء قيمته- أنّ المستقر عليه (2) قهرا (3) بعد العارية هي القيمة، لا العين [1]. فوجوب دفع القيمة ثابت

______________________________

الخالق جلّت آلاؤه، و بقاء ماليّته على عهدة المستعير رعاية لحق المخلوق.

إذا اتّضح ما مهّدناه قلنا في تقريب توجيه المصنّف قدّس سرّه: انّ ضمان الصيد ثابت بمجرّد استيلاء المحرم على العين، حيث إنّه مأمور بالإرسال الذي هو إتلاف- و لو تنزيلا- و مورد قاعدة «ما لا يضمن» هو التلف لا الإتلاف. فلا ينتقض القاعدة بضمان الصيد المستعار، لخروجه عن القاعدة موضوعا، لما عرفت من أنّ موردها التلف، لا الإتلاف الذي هو المفروض في عارية الصيد.

(1) كما هو المشهور. و أمّا بناء على تخيير المستعير بين الرّد إلى المالك، و بين الإرسال و ضمان قيمة الصيد لم يتم هذا التوجيه. و هذا إشارة الى الأمر الأوّل الذي مهّدناه لتوضيح المتن.

(2) أي: على المحرم.

(3) يعني: بحكم الشارع، و هذا كأنّه خرق لقانون ضمان مال الغير، إذ لم يعهد اشتغال الذمّة بالبدل من المثل أو القيمة مع بقاء العين، و التمكّن من إيصالها إلى المالك.

و لا بدّ أن يوجّه بأنّ الشارع أبقى ماليّة العين و ألغى حرمة خصوصيّتها، بالأمر بإرساله، كما أوضحناه في الأمر الثاني.

______________________________

[1] هذا غير ظاهر، إذ لازمه عدم براءة ذمّة المستعير بدفع العين، لفرض كون ذمته مشغولة بالقيمة. و لا يظنّ من أحد أن يلتزم بذلك. و لعلّه لهذا حمل صاحب الجواهر حكمهم بالضمان على الإرسال، لا على مجرّد العارية. قال قدّس سرّه شارحا لكلام المحقق: «لا يجوز للمحرم أن يستعير من محلّ صيدا، لأنّه ليس له إمساكه، بل يجب عليه إرساله. و حينئذ فلو أثم و أمسكه ثم أرسله ضمنه ..» «1».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 164

ص: 162

قبل التلف (1) بسبب وجوب الإتلاف الذي (2) هو سبب لضمان ملك الغير في كلّ عقد (3)،

______________________________

(1) يعني: فلا تنقض قاعدة «ما لا يضمن» بعارية الصيد، لأنّ ضمان قيمته ثابت قبل التلف و مستند إلى الأمر بإرساله، الذي هو بمنزلة إتلافه، و من المعلوم أنّ الضمان المنفيّ في قاعدة «ما لا يضمن» إنّما هو بعد التلف، و لا منافاة بين ثبوت الضمان بالإتلاف و ما هو بحكمه، و بين نفيه بالتلف.

(2) صفة للإتلاف، لا للوجوب، لأنّ المضمّن هو الإتلاف لا الأمر به، لقولهم:

«من أتلف مال الغير فهو له ضامن».

(3) المراد بالعقد هو الذي يكون موضوعا لقاعدة «ما لا يضمن» فإنّ الإتلاف مضمّن فيه. و أمّا العقد الموضوع لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فالضمان بالقيمة الواقعيّة ثابت بمجرّد التلف. و لمّا كانت العارية مندرجة في «ما لا يضمن» توقّف الضمان فيها على الإتلاف. هذا توضيح ما أفاده المصنّف قدّس سرّه.

و لا يخفى أنّ توجيه الضمان بالإتلاف قد أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه و إن خصّ الضمان بما إذا خلّى سبيل الصيد، قال قدّس سرّه: «و وجوب ذلك- أي إرسال الصيد- عليه لا ينافي ضمانه لمالكه و إن أقدم- أي المالك- على إعارته لمن يكون تكليفه إتلافه بالإرسال، فإنّ ذلك لا يقتضي ذهاب حرمة ماله، كما لا يقتضي إبطال

______________________________

و يظهر منه عدم وجود مصرّح بالضمان لو تلف الصيد بآفة سماويّة بيد المستعير قبل إرساله. و من العجب أنّ السيد قدّس سرّه حكى عبارة الشرائع هكذا قوله: «فلو أمسكه ثم أرسله ضمنه و إن لم يشترط عليه» «1». و لعلّه اعتمد على ما في الجواهر من مزج الشرح بالمتن، و إلّا فعبارة الشرائع خالية عن ترتّب الضمان على الإرسال، و إنّما يترتب على الإمساك، فراجع «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 94

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 172

ص: 163

لا بسبب التلف [1].

______________________________

سببيّته- أي الإتلاف- للضمان، الحاصلة من عموم قوله: من أتلف مال غيره فهو له ضامن ..» «1».

______________________________

[1] فيه: أنّ الثابت على المستعير المحرم وجوب الإرسال تكليفا، و هو بنفسه لا يستلزم الوضع أعني به الضمان و استقرار القيمة في الذمّة، بحيث يكون نفس وجوب الإرسال- كالإتلاف- موجبا لاشتغال الذمة بالقيمة، فإنّ سببيّة وجوب الإرسال للضمان محتاجة إلى دليل. و وجوب إيجاد سبب الضمان ليس من أسباب الضمان، بشهادة عدم ضمان من يجب عليه أكل طعام الغير حفظا لنفسه عن التلف لو لم يؤكل منه حتّى مات، فإنّه لا يضمن قيمة ذلك الطعام الذي أمر بإتلافه و أكله، و لذا لو لم يرسلها بل ردّها إلى المالك لم يضمن له شيئا و إن كان آثما لتركه الإرسال الواجب.

و عليه فالضمان لا يتحقق إلّا بعد التلف، و يكون مستندا إليه، فينتقض به القاعدة.

و كيف كان فالنقض بعارية الصيد موقوف على أمور:

الأوّل: فساد العارية، إذ على فرض صحتها لا يكون الضمان فيها نقضا لقاعدة «ما لا يضمن» بل يكون تقييدا لأدلة عدم ضمان العارية الصحيحة، كما لا يخفى.

الثاني: التلف، إذ الإتلاف خارج موضوعا عن مفروض البحث، فلا بدّ من إثبات كون المقام من التلف.

الثالث: الضمان لو تلف الصيد عند المستعير، إذ بدونه لا يكون نقضا على القاعدة.

الرابع: عدم زوال ملكيّة المعير المحلّ بتسليم العين إلى المحرم المستعير، إذ مع زوالها كان الضمان- بناء على ثبوته- غير مرتبط بالعارية الفاسدة، لأنّ نفس التسليم إلى المحرم و تسلّم المحرم له بأيّ نحو كان موجب لسقوط ملكه. و هذا أجنبيّ عن الإعارة و عقدها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 27، ص 165

ص: 164

______________________________

أمّا الأوّل: فيمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً «1» بعد ظهور الصيد في المصيد أي الحيوان الوحشي، لا في معناه المصدري، و ذلك بقرينة إضافته في الآية الشريفة المتقدمة عليها إلى البرّ و البحر. و بقرينة قوله تعالى مَتٰاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّٰارَةِ «2» و قوله تعالى في الآيتين المتقدمتين، و هما:

لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّٰهُ بِشَيْ ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنٰالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِمٰاحُكُمْ «3» و لٰا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ «4». و قد أطلق على الحيوان الصيد باعتبار كونه في معرض الاصطياد، و لا بأس به، لأنّه إطلاق شائع.

و تحريم ذات الصيد كغيره من التحريمات المضافة إلى الذوات- بقرينة حذف المتعلّق- ظاهر في حرمة جميع تقلّباته اصطيادا و حيازة و تملّكا و بيعا و شراء و إعارة و استعارة و استئمانا و إمساكا و غيرها، بتقريب: أنّ الحرمة بمعنى المنع الشامل للتكليفي و الوضعي. و على هذا فلا يصح كل تصرف اعتباري و خارجي يتعلّق بالعين التي أضيفت إليها الحرمة، فلا تصح إعارتها، إذ لا يصح الانتفاع بها بعد حرمة كل تصرف يتعلق بها. و من المعلوم اعتبار حليّة الانتفاع بها في صحة العارية.

و بالجملة: فيمكن الاستدلال على فساد عارية الصيد للمحرم بحرمته على المحرم، بتقريب: أنّ قوله تعالى حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ظاهر في حرمة جميع التصرفات المتعلقة به من الاصطياد و الإمساك و الانتفاع به، كشرب لبنه و أكل بيضه و نحوهما، و بطلان بيعه و شرائه و عاريته و وديعته و إجارته و نحوها، فإنّ حرمة الانتفاع بالصيد تهدم قوام العارية و هو جواز الانتفاع بالعين المستعارة.

إلّا أن يقال: إنّ التحريم المضاف إلى العين ناظر إلى الفعل المناسب لها، كالتحريم

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الآية 96

(2) سورة المائدة (5) الآية 96

(3) سورة المائدة (5) الآية 94

(4) سورة المائدة (5) الآية 95

ص: 165

______________________________

المضاف إلى الأمّهات. و عليه فالمراد بحرمة الصيد حرمة أكله، لأنّ الفعل المناسب هنا هو الأكل. نعم يراد بحرمة الصيد بقرينة النصوص حرمة جميع التقلبات.

و كيف كان فالظاهر فساد عارية الصيد لفقدان شرط صحتها و هو حلّيّة الانتفاع به.

و أمّا الثاني:- أعني به صدق التلف- فالظاهر ذلك و عدم صدق الإتلاف على الحكم بالإرسال، فلا موضوع عرفا لقاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». و لا شرعا، إذ لم يظهر دليل على تنزيل الإرسال الواجب منزلة الإتلاف حتى يخرج إعارة الصيد عن موضوع قاعدة «ما لا يضمن» و يندرج في قاعدة «من أتلف» الحاكمة على قاعدة «ما لا يضمن» بعد توسعة موضوع قاعدة «من أتلف» ليشمل الإتلاف الحقيقي و التنزيلي.

هذا مضافا إلى: أنّ الإتلاف التنزيلي منوط بوجوب الإرسال، و هو غير مسلّم، لذهاب صاحب الحدائق إلى وجوب ردّ الصيد الى مالكه. و على هذا فالنقض وارد.

و أمّا الثالث:- و هو الضمان- فقد عرفت الخلاف فيه، و مناقشة الشهيد الثاني في ذلك، و كلام الجواهر، و هو عدم وجود مصرّح بالضمان في صورة التلف السماوي الذي هو مورد البحث، فراجع. و مع الخلاف في الضمان لا وجه لجعله من موارد النقض.

و أمّا الرابع:- و هو عدم زوال ملكية المعير- فقد يستدل له بالآية الشريفة:

وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مٰا دُمْتُمْ حُرُماً بالتقريب المشار إليه من أنّ حرمة ذات الصيد بنحو الحقيقة الادّعائيّة إنما هي بلحاظ حرمة جميع التقلبات تكليفا و وضعا، و منه حرمة الاصطياد مباشرة و تسبيبا، بل و دلالة و إشارة، و منه حرمة إرجاع الصيد إلى بيت مغلق و إلى الصيّاد، و ذلك يستلزم وجوب إرساله الذي لازمه الخروج عن ملك صاحبه.

لكن فيه أوّلا: أنّ استفادة وجوب إرسال مال الغير- و حرمة إرجاعه إلى صاحبه- من الآية المباركة مشكلة جدّا، لعدم إطلاق لها يشمل كون الصيد مال الغير.

و ثانيا:- بعد تسليم الوجوب- أنّ كونه ملازما لخروجه عن ملكه ممنوع، نظير

ص: 166

______________________________

وجوب أكل مال الغير في المخمصة، في عدم استلزامه للخروج عن ملك مالكه.

و مثل الاستدلال المزبور في الضعف ما قيل: من كون إيجاب الإرسال مساوقا لسلب جميع الانتفاعات، و هو ملازم لسلب الملكية التي تعتبر بلحاظ الآثار، فما لا أثر له لا يعتبر ملكيّته، كأمر الشارع بإهراق الخمر الكاشف عن عدم مملوكيّتها. و أمره بإرسال المحرم صيده الكاشف عن سلب ملكيّته.

وجه الضعف بعد التسليم في المثالين- و هما الأمر بإهراق الخمر و إرسال الصيد- أنّه لا وجه له في المقام، إذ الحكم بالإتلاف مع الضمان مؤكّد للملكية لا مزيل لها. نعم لو نهض دليل على عدم ضمانه بالإرسال كان لما ذكر من سلب الملكيّة وجه.

و ما قيل من: «أنّ الأمر في المقام دائر بين التخصيص و التخصص، و أصالة العموم تقتضي عدم التخصيص، لأنّ جواز التصرف و الإرسال مع بقاء الملكية تخصيص لدليل حرمة التصرّف في مال الغير، فأصالة الإطلاق تكشف عن خروجه عن ملكه، و أنّ جواز الإرسال إنّما هو لخروج الصيد عن ملك مالكه» ضعيف.

وجه الضعف أوّلا: أنّ الخروج عن الملك قهرا تقييد لدليل الملكية.

و ثانيا: أنّ أصالتي العموم و الإطلاق لا تجريان مع العلم بمراد المتكلم كالمقام، و الشك في التخصيص و التقييد كما قرّر في محله.

فالمتحصّل: أنّ عدّ عارية الصيد للمحرم من نقوض قاعدة «ما لا يضمن» غير ظاهر. و على تقدير تماميّة النقوض لا يرد طعن على القاعدة عكسا أو أصلا على فرض تماميّتها في نفسها، لكونها من العمومات القابلة للتخصيص.

بقي التعرّض لإشكال أورده السيد قدّس سرّه على المتن، و محصّله: أنّ سببيّة الإتلاف لضمان قيمة الصيد مبنيّة على وجوب إرساله على المحرم حتى يكون إتلافا لمال الغير.

و ليس الأمر كذلك، إذ المستفاد من النصوص حرمة إمساكه، و هي لا تستلزم وجوب الإرسال، لإمكان التخلص من حرمته بردّه إلى المعير، و معه لا موجب لضمانه بمجرد

ص: 167

______________________________

تسلّم الصيد من المعير، «1» هذا.

أقول: لا ريب في اختلاف مضامين نصوص الباب، ففي بضعها الأمر بالتخلية.

كقوله عليه السّلام في رواية: «فإذا استوى جناحاه خلّى عنه» «2» و نحوه قوله عليه السّلام في رواية «فخلّ سبيلها» «3» و نحوهما ممّا هو ظاهر جدّا في وجوب الإرسال.

و في بعضها النهي عن إمساك الصيد، كرواية شهاب بن عبد ربّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«حرّم عليك ذبحه و إمساكه» «4» و إليه نظر السيد قدّس سرّه، لإمكان امتثال هذا النهي بكلّ من الإرسال و الرّد إلى المعير إن كان عارية.

و لا ريب في أنّ المجعول شرعا في حقّ المحرم أمر واحد، و هو إمّا مطلوبية الإرسال، فتكون مبغوضية الإمساك و الحبس بالعرض، و إمّا بالعكس. و لا يبعد استظهار الاحتمال الأوّل من مجموع النصوص الواردة في الصيد المملوك و غيره، و أنّه بمجرّد الإحرام يرسله، و أنّه لا يغلق الباب عليه و لا يؤذيه، لأنّ من دخله كان آمنا.

مضافا إلى فهم الأصحاب و تعبيرهم بوجوب الإرسال أو التخلية كما يظهر بمراجعة المتون الفقهية كالنهاية و فقه القرآن و الشرائع و السرائر و القواعد و المختصر النافع و غيرها، و نحوها الوسائل أيضا، فإنّه عنون الباب الثاني عشر من أبواب الصيد بقوله: «انّ الحمام و نحوه حتى الأهليّ إذا دخل الحرم وجب على من هو معه إطلاقه» «5» ثم ذكر بعض النصوص الناهية عن إمساك الصيد في هذا الباب.

و عليه فتعبير المصنّف قدّس سرّه بوجوب الإرسال أقرب إلى مضامين النصوص الآمرة بتخلية سبيل الصيد و إرساله، خصوصا مع تأييدها بفهم الفقهاء، و حيث إنّ الأمر بالإرسال أمر بإتلافه كان ضمان قيمته ضمان الإتلاف لا التلف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 94

(2) وسائل الشيعة، ج 9، ص 199، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

(3) وسائل الشيعة، ج 9، ص 199، الباب 2 من أبواب كفارات الصيد و توابعها، الحديث 1

(4) المصدر، ص 200، الحديث 2

(5) المصدر، ص 200

ص: 168

[ب: النقض على القاعدة بمنفعة المبيع فاسدا]

و يشكل (1) اطّراد القاعدة أيضا في البيع فاسدا بالنسبة إلى المنافع التي لم يستوفها (2)، فإنّ هذه المنافع (3) غير مضمونة في العقد الصحيح، مع أنّها

______________________________

ب: النقض على القاعدة بمنفعة المبيع فاسدا

(1) معطوف على «يشكل» و هذا نقض ثالث على قاعدة «ما لا يضمن» و محصّله: منع الملازمة بين البيع الصحيح و الفاسد في ضمان المنافع الفائتة، مع أنّ مقتضى القاعدة تبعية العقد الفاسد للصحيح في عدم الضمان.

و توضيحه: أنّ المشتري للمبيع- بالعقد الفاسد- إمّا أن يستوفي منافعه و ينتفع به، كما إذا اشترى دارا فسكن فيها أو سيّارة فركبها، و لا ريب في ضمانها، لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في الأمر الثالث مما يترتّب على المقبوض بالبيع الفاسد.

و إمّا أن لا يستوفي منافعها، بل فاتت كما إذا لم يسكن في الدار مع قابليتها للسكنى.

و هذه المنافع الفائتة غير مضمونة في العقد الصحيح، و مضمونة في الفاسد، فإذا فسخ العقد الصحيح بإقالة أو غيرها لم تكن منفعتها الفائتة مضمونة على المشتري، و إنّما عليه تسليم الدار للبائع و له استرداد تمام الثمن منه.

و أمّا إذا كان البيع فاسدا فقد حكموا بأنّ المشتري كما يضمن العين- لو تلفت بيده- كذلك يضمن بدل منفعتها الفائتة في المدّة التي كانت الدار تحت يده و سلطنته.

و هذا الحكم بالضمان مناف لقاعدة «ما لا يضمن» لأنّ عدم ضمان منافع المبيع بالبيع الصحيح يقتضي عدمه في البيع الفاسد أيضا. مع أنّهم فرّقوا بين البيع الصحيح و الفاسد، و حكموا بضمان المنفعة الفائتة في المقبوض بالبيع الباطل. و هذه التفرقة تكشف عن عدم كون «ما لا يضمن» قاعدة كلّية حتى يرجع إليها في كلّ عقد لم يضمن بصحيحه، هذا.

(2) قد تقدّم آنفا وجه تقييد المنافع بعدم استيفائها، لوضوح أنّ المنافع المستوفاة مضمونة بقاعدة الاستيفاء لا باليد، فلا مورد للنقض بها على قاعدة «ما لا يضمن».

(3) أي: المنافع الفائتة.

ص: 169

مضمونة في العقد الفاسد.

إلّا أن يقال (1): إنّ ضمان العين يستتبع ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد (2). و فيه نظر (3)، لأنّ نفس المنفعة غير مضمونة بشي ء في العقد

______________________________

(1) هذا جواب النقض، و محصّله: أنّه لا موضوع للنقض بالمنافع الفائتة، و ذلك لأنّها مضمونة في عقد البيع سواء أ كان صحيحا أم باطلا، فهي داخلة في أصل القاعدة أعني به «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده». و الوجه في ضمان المنافع مطلقا سواء استوفيت أم فاتت هو: أنّ البيع و إن كان «تمليك عين بعوض» و ظاهره خروج منافع العين عن مورد المعاملة، إلّا أنّ الصحيح ضمان منافعها أيضا. و ذلك لكونها ملحوظة في مقام المعاوضة و مؤثّرة في رغبة المشتري عند شراء العين، بل لزيادة المنفعة و قلّتها دخل في قيمة العين، كما هو المشاهد من طريقة العقلاء في شراء الأعيان ذوات المنافع.

و على هذا فنماءات المبيع مضمونة على المشتري، و يجب عليه ردّ عوضها إلى البائع إذا تبيّن فساد البيع.

و هذا الجواب و إن لم أظفر به بهذا النحو- من استتباع ضمان العين لضمان المنفعة- في الجواهر و غيره، لكن في بيان المحقق الكركي قدّس سرّه ما يستفاد منه ضمان منافع المغصوب و المقبوض بالبيع الفاسد، حيث قال قدّس سرّه في جواب إشكال عدم ضمان المنفعة ما لفظه: «لمّا كان المجموع في مقابلة المجموع، و فاتت المقابلة بفساد العقد كان كل منهما مضمونا بجميع أجزائه، نظرا إلى مقتضى المقابلة» «1». و ظاهره تقسيط الثمن على العين و المنفعة، و هذا مغاير لما في المتن من الاستتباع الظاهر في كون الثمن بإزاء نفس المبيع و هو العين، و إنّما تضمن المنافع بالاستلزام و الاستتباع، فلاحظ.

(2) يعني: فلا يرد النقض، إذ المفروض ضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد معا، فهي من مصاديق أصل القاعدة لا عكسها.

(3) هذا ردّ على استتباع ضمان العين لضمان المنافع في العقد الصحيح و الفاسد.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 324، و اقتبسه منه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 304

ص: 170

الصحيح (1)، لأنّ (2) الثمن إنّما هو بإزاء العين، دون المنافع.

______________________________

و حاصل وجه النظر: أنّ الثمن يبذل بإزاء العين في العقد الصحيح من دون أن يقع شي ء منه بإزاء المنافع حتّى تكون مضمونة في العقد الصحيح. و على هذا فالمنافع خارجة عن مورد العقد، فالقاعدة غير متعرّضة لها، بل يرجع في ضمانها إلى اليد أو قاعدة الاحترام أو غيرهما، فالنقض غير متوجّه، لخروج المنافع عن مورد العقد، و القاعدة ناظرة إلى مورد العقد.

و بعبارة أخرى: انّ منفعة المبيع و إن كانت ملحوظة للمشتري و متعلقة لغرضه، إلّا أنّها داعية له على شراء العين، و من المعلوم الفرق بين الحيثية التقييدية كما إذا شرط في بيع الكتاب خياطة ثوبه، و بين الحيثية التعليلية الخارجة عن مصبّ العقد، كداعويّة برودة الهواء لاشتراء الألبسة الخشنة الحارّة لدفع برودة الشتاء.

و المناط في الضمان هو الحيثيّة التقييدية دون التعليلية، و لذا قالوا بأنّ تخلّف الداعي عن المعاملة لا يوجب الخيار فيها و لا يبطلها. و على هذا فالمضمون في البيع الصحيح هو نفس العين، كما أنّ المضمون في الإجارة هو نفس المنفعة. فالجواب المذكور غير واف بدفع النقض.

و الصحيح في التخلّص عنه أن يقال: إنّ المدار على الضمان و عدمه هو مصبّ العقد، لا ما يتعلّق به. و لمّا كان الثمن مقابلا بالمبيع لا بمنافعه لم تندرج المنافع في أصل قاعدة «ما يضمن» كما زعمه المجيب عن النقض، و لا في عكسها كما زعمه الناقض.

فإن قلنا بضمانها فبدليل آخر كقاعدة الاحترام. و إن قلنا بعدمه فللاقدام على تسليط المشتري على المبيع لينتفع به، هذا.

(1) يعني: لا يقتضي نفس البيع الصحيح ضمان منفعة المبيع حتى يقتضيه فاسده، فلو ضمنها المشتري في البيع الفاسد كان لدليل آخر.

(2) تعليل لقوله «غير مضمونة» و المستفاد منه أمران، أحدهما: المناقشة في جواب النقض، و الآخر: ردّ أصل النقض. و قد تقدم توضيحهما آنفا بقولنا: «و حاصل وجه النظر: أنّ الثمن يبذل بإزاء العين» و قولنا: «و الصحيح في التخلّف عنه أن يقال ..».

ص: 171

[ج- النقض على القاعدة بحمل المبيع فاسدا]

و يمكن نقض (1) القاعدة أيضا (2) بحمل المبيع فاسدا (3)، على ما صرّح به (4)

______________________________

ج- النقض على القاعدة بحمل المبيع فاسدا

(1) هذا نقض رابع على قاعدة «ما لا يضمن» و توضيحه: أنّه إذا تبايع زيد و عمرو حيوانا حاملا- كشاة مثلا- بعشرة دنانير، فإمّا أن يكون المبيع مؤلّفا من الحمل و الحامل بأن يقسّط الثمن على كليهما، و إمّا أن يكون المبيع خصوص الأمّ، و يبقى الحمل أمانة عند المشتري إلى أن يولد، فيسلّمه إلى البائع.

فإن كان البيع صحيحا فلا كلام على كلا التقديرين. و إن كان فاسدا توجّه التفصيل بين الفرضين، فبناء على الأوّل- و هو كون المبيع كليهما- يكون المشتري ضامنا لكلّ من الحمل و الأمّ لو تلفا أو تلف أحدهما.

و بناء على الثاني- أي كون المبيع خصوص الأمّ- فمقتضى القاعدة عدم ضمان الحمل لو تلف عند المشتري، لأنّه ممّا لم يضمن في البيع الصحيح، فيلزم أن لا يضمن في البيع الفاسد أيضا، مع أنّ جماعة حكموا بضمان هذا الحمل التالف. و هذا نقض على قاعدة «ما لا يضمن».

نعم بناء على عدم ضمان الحمل- كما ذهب إليه جمع- لم يرد نقض على القاعدة، هذا.

(2) يعني: كما أمكن نقض القاعدة بما تقدّم من الموارد الثلاثة.

(3) متعلّق بالمبيع، يعني: المبيع بالبيع الباطل.

(4) اي: بضمان الحمل. قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «من غصب جارية حاملا ضمنها و حملها معا. و ولد المشتراة شراء فاسدا مثل ذلك» «1». و الشاهد في قوله: «و ولد المشتراة» حيث إنّه قدّس سرّه حكم على الجارية المشتراة بالشراء الفاسد بالضمان، سواء بالنسبة إليها و إلى حملها. و بهذا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 65

ص: 172

في المبسوط و الشرائع (1) و التذكرة (2) و التحرير «من كونه مضمونا على المشتري» خلافا للشهيدين (3)

______________________________

(1) قال المحقق قدّس سرّه: «و غصب الأمة الحامل غصب لولدها، لثبوت يده عليها و كذا يضمن حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد» «1».

(2) قال العلّامة قدّس سرّه فيها: «إذا اشترى شراء فاسدا وجب عليه ردّه على مالكه، لعدم خروجه عنه بالبيع. و عليه مئونة الرّدّ كالمغصوب .. و لو زادت العين في يد المشتري زيادة منفصلة كالولد و الثمرة، أو متصلة كالسمن و تعلّم الصنعة وجب عليه ردّ الزيادة أيضا، لأنّها نماء ملك البائع، فيتّبع» «2».

و الشاهد في جعل الولد نماء مضمونا للمبيع بالبيع الفاسد. و كذلك جزم العلّامة بضمان الأمّ و الحمل في التحرير و الإرشاد «3».

(3) قال الشهيد قدّس سرّه: «و غصب الحامل غصب الحمل. أمّا حمل المبيع فاسدا أو المستام فلا ضمان فيه. و قال الفاضل: يضمن الحمل في البيع الفاسد. و لعلّه أراد مع اشتراط دخوله» «4».

أقول: و بهذا الاشتراط صرّح العلّامة في الإرشاد، حيث قال: «و لو باع الحامل فالولد له، إلّا أن يشترطه المشتري» «5». فلعلّ الشهيد أراد إطلاق حكم العلّامة في التذكرة و التحرير بضمان الحمل في المبيع بالبيع الفاسد، لا إطلاق كلامه في سائر كتبه. و كذا المحقق في الشرائع «6».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 236

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 495

(3) تحرير الاحكام، ج 2، ص 137؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 362

(4) الدروس الشرعية، ج 3، ص 108

(5) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 366

(6) شرائع الإسلام، ج 2، ص 57

ص: 173

و المحقق الثاني (1) و بعض آخر (2)

______________________________

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك- بعد حكمه بضمان حمل الأمة المغصوبة- ما لفظه: «و أمّا ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبيع الفاسد فإنّما يتم مع دخوله معها في البيع، إمّا تبعا كما يقوله الشيخ، أو مع الشرط. أمّا لو لم يكن داخلا لم يتّجه ضمانه، لأنّه مقبوض بإذن المالك، و ليس مبيعا فاسدا حتى يضمن بفاسده كما يضمن بصحيحه ..

و قد اختلف كلام العلّامة في المسألة. ففي التحرير جزم بضمان الأمة و الحمل معا كما ذكره المصنّف- يعني المحقّق- و في القواعد جزم بعدم ضمان الحمل. و هو الأصحّ.

و لا إشكال مع دخوله في البيع» «1».

و قال في الروضة: «و غصب الحامل غصب للحمل، لأنّه مغصوب كالحامل، فالاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعيّة لامّه. و كذلك حمل المبيع فاسدا حيث لا يدخل في المبيع، لأنّه ليس مبيعا، فيكون أمانة في يد المشتري، لأصالة عدم الضمان، و لأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع احتماله، لعموم على اليد» «2».

و احتماله الضمان غير مذكور في عبارة المسالك المتقدمة.

(1) قال قدّس سرّه في شرح قول العلّامة في القواعد: «و يضمن حمل الغصب لا حمل المبيع فاسدا» ما لفظه: «أمّا حمل الغصب فإنّه مغصوب كالأصل. و أمّا حمل المبيع فإنّه ليس مبيعا، إذ لا يندرج الحمل في بيع الامّ، فيكون أمانة في يد المشتري، لأصالة عدم الضمان، و لأنّ تسلّمه بإذن المالك الذي هو البائع» «3».

(2) كالمحقق الأردبيلي قدّس سرّه «4». و قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بعد سرد أسماء المذكورين في المتن: «و لعلّه- أي عدم الضمان- قضية كلام الباقين إلّا

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 155

(2) الروضة البهية، ج 7، ص 24 و 25

(3) جامع المقاصد، ج 6، ص 220

(4) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 511

ص: 174

تبعا للعلّامة قدّس سرّه في القواعد (1). مع أنّ (2) الحمل غير مضمون في البيع الصحيح بناء على أنّه للبائع (3). و عن الدروس (4) توجيه كلام العلّامة بما إذا اشترط الدخول في البيع. و حينئذ لا نقض على القاعدة (5).

______________________________

من ستعرفه» «1».

(1) تقدّمت عبارة القواعد آنفا. و بالجملة فبناء على القول بعدم ضمان الحمل في بيع الحامل ببيع فاسد لا يتّجه النقض على قاعدة «ما لا يضمن».

(2) هذا هو النقض على القاعدة بناء على قول شيخ الطائفة و المحقّق و غيرهما من ضمان حمل المبيع فاسدا كضمانه بالغصب، مع عدم ضمانه في البيع الصحيح، لكون تمام الثمن بإزاء الحامل، و عدم تقسيطه عليها و على الحمل.

(3) إذ لو كان الحمل للمشتري- في البيع الصحيح- كان مضمونا عليه ببعض الثمن، لكونه جزءا للمبيع.

(4) غرضه قدّس سرّه من نقل توجيه الشهيد قدّس سرّه هو سلامة قاعدة «ما لا يضمن» عن النقض بحمل المبيع فاسدا، و محصّل التوجيه: أنّ مورد حكم العلّامة- في ما عدا القواعد من كتبه- بضمان الحمل في بيع الحامل فاسدا هو ما إذا اشترط المشتري على مالك الامّ بجزئيّة الحمل لها، كما إذا قال: «أشتري هذه الشاة الحامل على أن تكون سخلتها لي» و قبل البائع، فإنّ المشتري يضمن كلّا منهما بالضمان المعاوضي، بمعنى وقوع بعض الثمن بإزاء الأم و بعضه بإزاء الحمل. و إذا تبيّن فساد العقد كان الضمان لأجل تخلف الشرط، لا لاقتضاء ذات العقد.

________________________________________

(5) لأنّ الحكم بالضمان مع الشرط إنّما يكون لأجل الشرط، لا لاقتضاء ذات العقد. و من المعلوم أنّ مورد القاعدة هو اقتضاء نفس العقد للضمان و عدمه، لا لأمر خارج عن حقيقته كالشرط، فيخرج عن موضوع القاعدة أصلا و عكسا. فلا نقض.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 223

ص: 175

[د- النقض على القاعدة بالشركة الفاسدة]

و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة (1) [1]،

______________________________

د- النقض على القاعدة بالشركة الفاسدة

(1) هذا نقض خامس على قاعدة «ما لا يضمن» و هو الفرق بين الشركة الصحيحة و الفاسدة. و تقريبه: أنّ الشركة الفاسدة توجب الضمان و حرمة التصرف في المال المشترك، مع أنّ الشركة الصحيحة لا توجب الضمان، فينتقض قاعدة «كلّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بالشركة الفاسدة.

لكن هذا النقض إنّما يتوجّه بناء على عدم جواز التصرّف بسبب الشركة الفاسدة في المال المشترك، لانتفاء الاذن في التصرّف مع فساد الشركة. كما أنّ الوجه في جواز التصرف بقاء الاذن فيه.

و منشأ الوجهين أنّ تقييد الإذن بالشركة هل هو بنحو وحدة المطلوب أم تعدده؟ فعلى الأوّل لا يجوز، و على الثاني يجوز، فلا نقض، لوجود الاذن الرافع للضمان، كعدم الضمان في الشركة الصحيحة.

______________________________

[1] الظاهر عدم ورود هذا النقض، لأنّ الشركة إن كانت مقتضية لجواز التصرّف لم يكن فرق بين الشركة الصحيحة و الفاسدة في عدم الضمان، لكون الشريك أمينا، و لا ضمان على الأمين. و إن لم تكن مقتضية له لم يجز التصرّف مطلقا، سواء صحّ عقد الشركة أم فسد، و يثبت الضمان مطلقا، لعموم «على اليد» من دون مخصّص. فهذا النقض غير وارد.

و قد يقال: بانتقاض أصل القاعدة- أعني به: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده- بالنكاح الفاسد، مع علم المرأة بالفساد، لأنّها حينئذ زانية، و لا مهر لبغيّ، فإنّ النكاح الصحيح يوجب ضمان الصداق للمرأة، دون فاسده.

لكن فيه ما لا يخفى، لأنّ النكاح خارج عن القاعدة موضوعا، إذ ليس المهر بإزاء الاستمتاع بالزوجة حتّى يضمن على كلا تقديري صحة العقد و فساده، بل المهر بإزاء

ص: 176

بناء (1) على أنّه لا يجوز التصرّف بها، فأخذ المال المشترك حينئذ (2) عدوانا [1] موجب للضمان (3).

______________________________

(1) إذ بناء على إذن كلّ واحد من الشركاء لغيره في التصرّف في المال المشترك مطلقا- حتّى مع العلم بفساد الشركة- لم يرد نقض على القاعدة، فالنقض مبني على وحدة المطلوب و تقيّد الاذن في التصرّف بخصوص الشركة الصحيحة شرعا.

(2) أي: حين فساد الشركة و انتفاء الاذن.

(3) فتنقض قاعدة «ما لا يضمن» إذ لا ضمان في الشركة الصحيحة، مع أنّ في فاسدها الضمان.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ممّا يتعلق بقاعدة «ما لا يضمن» و سيأتي الكلام في الجهة الأخيرة، و هي دليل الاعتبار.

______________________________

الزوجية الاعتبارية- سواء أ كانت دائميّة أم انقطاعيّة- الثابتة بنفس العقد، لأنّ استحقاق المرأة للمهر إنّما هو بنفس العقد المحقّق للزوجية و إن لم يكن هناك استمتاع، كما إذا ماتت قبل مباشرة الزوج لها و التمتّع بها.

و الحاصل: أنّه ليس هنا شي ء يضمنه الزوج بالتلف أو الإتلاف. و مورد القاعدة كون الضمان مسبّبا عن أمر آخر غير العقد كالقبض في العقد، فإنّ التلف بعده يوجب الضمان، و قبله لا يوجبه، بل هو من مال بائعه.

و بالجملة: البضع و سائر الاستمتاعات لا ماليّة لها شرعا، فلا تقابل بالمال. نعم قد ثبت مهر المثل في بعض الموارد كالوطي بالشبهة، لاحترام الأعراض.

فالمتحصّل: أنّ ثبوت المهر في النكاح الصحيح، و عدمه في الزنا أجنبي عن مورد القاعدة.

[1] هذا متّجه في صورة العلم بفساد الشركة دون الجهل به، فالدليل أخصّ من المدّعى، فالأولى التمسّك بقاعدة اليد.

ص: 177

[الجهة الثالثة: مستند قاعدة «ما لا يضمن]
[أ: الأولويّة]

ثم إنّ مبنى هذه القضية السالبة (1)- على ما تقدّم من كلام الشيخ في المبسوط- هي الأولويّة (2).

______________________________

الجهة الثالثة: مستند قاعدة «ما لا يضمن» أ: الأولويّة

(1) أي: قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و قد أحسن المصنّف قدّس سرّه في التعبير بالقضيّة السالبة الموافق للصناعة، دون العكس لما مر من كون التعبير بالعكس مبنيّا على المسامحة. و كيف كان فهذا شروع في الجهة الثالثة- و الأخيرة- مما يتعلّق بالقاعدة، و هي مدركها و الدليل عليها. و المذكور في المتن أمران: أحدهما الأولويّة التي استظهرها من عبارة المبسوط، و ثانيهما الأخبار المتفرّقة الواردة في عدم ضمان الأمين، و سيأتي الكلام فيهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا هو الدليل الأوّل، و قد نقل المصنّف كلام شيخ الطائفة قدّس سرّهما إجمالا في صدر المسألة و حكيناه هناك بألفاظه، فراجع (ص 60) و المقصود منه هو استدلاله على عدم ضمان العين المرهونة في الرّهن المتضمن لشرط فاسد- مثل كونها مبيعة من المرتهن لو لم يؤدّ الراهن دينه، قال في المبسوط: «لأنّ صحيح الرهن غير مضمون عليه- أي على المرتهن- فكيف فاسده» «1».

و هذه العبارة الموجزة يحتمل أن يراد بها التعجّب من الضمان في العقد الفاسد الذي لا يؤثّر صحيحه في الضمان. و يحتمل أن يراد بها أولويّة عدم الضمان في العقد الفاسد من عدمه في العقد الصحيح منه، كالرهن الصحيح و الفاسد. و استظهر المصنّف قدّس سرّه هذا الاحتمال.

كما أنّه يحتمل أن يريد شيخ الطائفة- بناء على الأولويّة- أولويّة عدم ضمان العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه كالرهن- من عدم ضمان نفس هذا العقد الذي لا يضمن بصحيحه. و لعلّ هذا ظاهر العبارة. و يحتمل أن يريد قدّس سرّه ما استظهره

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 204

ص: 178

و حاصلها: أنّ الرّهن لا يضمن بصحيحه فكيف بفاسده؟ و توضيحه (1):

______________________________

المصنّف من أولويّة العقد الفاسد مما لا يضمن بصحيحه من فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه كالبيع.

و الانصاف عدم خلوّ المتن من اندماج، فلا بدّ أوّلا من بيان ما أفاده الماتن في توضيح عبارة المبسوط، و ثانيا من التعرّض لما أفاده في تقريب الأولويّة.

(1) أي: توضيح انتفاء الضمان في الرهن الفاسد و نحوه من العقود التي لا تضمن بصحيحها، و أمّا كون عدم الضمان في الفاسد للمساواة مع الصحيح أو للأولويّة فسيأتي في المتن بقوله: «وجه الأولويّة».

و محصّل ما أفاده بقوله: «و توضيحه» هو: أنّ سبب الضمان الجعليّ في العقود الصحيحة المضمّنة كالبيع و الصلح المعاوضيّ و الإجارة إمّا أن يكون إقدام المتعاقدين على صيرورة مال كلّ منهما مضمونا بمال الآخر. و إمّا أن يكون السبب إمضاء الشارع لما أقدما عليه، و حكمه بوجوب الوفاء بما التزما به.

و كلا السببين منتف في مثل الرّهن. أمّا انتفاء الاقدام على الضمان بالمسمّى فواضح، لأنّ تسليم العين إلى المرتهن ليس بقصد تمليكها له بعوض، بل بقصد كونها وثيقة عنده، فتكون أمانة كالعين في الوديعة و العارية و الوكالة. و أمّا انتفاء الضمان الناشئ من حكم الشارع بصحّة العقد فلأنّ المراد بالصحة في باب المعاملات إمضاء ما التزم به المتعاقدان و وجوب الوفاء به، فالإمضاء يكون على طبق الممضى و مماثلا له. و لمّا كان الممضى هو البناء على تسليم العين إلى المرتهن و تسلّمها بلا عوض كان معنى صحة الرّهن شرعا إمضاء ما أقدما عليه من عدم ضمان العين لو تلفت بيد المرتهن.

هذا إذا كان عقد الرّهن صحيحا. و كذا الحال لو كان فاسدا، فلا ضمان فيه، لا من جهة الإقدام على الضمان و لا من جهة حكم الشارع و إمضائه. أمّا انتفاء الاقدام فلأنّ الرهن الفاسد فرد من طبيعيّ الرّهن المبنيّ على كون العين المرهونة وثيقة

ص: 179

أنّ الصحيح من العقد (1) إذا لم يقتض (2) الضمان- مع إمضاء الشارع له- فالفاسد الذي هو بمنزلة العدم لا يؤثّر (3) في الضمان. لأنّ أثر الضمان (4) إمّا من الاقدام على الضمان (5)،

______________________________

و أمانة بيد المرتهن. و أمّا انتفاء الضمان من ناحية الإمضاء فلأنّ المفروض فساد العقد و كونه بمنزلة العدم، فكيف يؤثّر في الضمان؟ بل عدم الضمان في الرّهن الفاسد يكون من السالبة بانتفاء الموضوع.

و المتحصّل: أنّ علّة عدم الضمان مشتركة بين الرّهن الصحيح و الفاسد، فلا بدّ أن يكون المعلول- و هو عدم الضمان- كذلك. هذا تقريب عدم اقتضاء العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه للضمان. و أمّا أنّه للمساواة أو لأولويّة الفاسد بعدم الضمان فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: عقد الرّهن و نحوه مما لا يضمن بصحيحه.

(2) قد تقدّم آنفا وجه عدم اقتضاء الصحة و الإمضاء الشرعي للضمان، و محصّله: أنّ الإمضاء لا بدّ أن يكون على طبق الممضى، و لمّا كان الممضى هو الاقدام على الاستيمان لا المعاوضة، كان حكم الشارع بالصحة تثبيتا لهذا الاقدام، فيمتنع استناد الضمان إلى الإمضاء.

(3) هذه العبارة تدلّ على أنّ العقد الفاسد من الرّهن لا يكون مضمّنا، و أمّا أنّه لمساواته للعقد الصحيح أو لأولويّته منه في عدم الضمان فلا يستفاد منها.

(4) الإضافة بيانيّة، و غرضه أنّ الضمان- الذي هو أثر الصحة أو الإقدام- منتف في العقد الفاسد. و قد عرفت توضيحه آنفا. و لو قال: «لأنّ الضمان ..» كان أسهل تناولا.

(5) مقصوده قدّس سرّه انتفاء المقتضي للضمان. و لا يخفى أنّ استناد عدم الضمان إلى عدم الاقدام على المعاوضة لم يذكر في كلام شيخ الطائفة هنا، إذ المذكور فيه هو انتفاء الصحّة شرعا، و لكنّ المصنّف قدّس سرّه أضاف إليه انتفاء الاقدام هنا، لأنّه استفاده من

ص: 180

و المفروض عدمه، و إلّا يضمن (1) بصحيحه. و إمّا (2) من حكم الشارع بالضمان بواسطة هذه المعاملة الفاسدة، و المفروض أنّها لا تؤثّر شيئا [1].

و وجه الأولويّة (3): أنّ الصحيح

______________________________

تعليل الضمان في «ما يضمن بصحيحه» في موارد متعددة من المبسوط- بالاقدام و الدخول على أن تكون العين مضمونة، فإذا كان الضمان للإقدام في مثل عقد البيع كان عدم الضمان في الرّهن لأجل عدم الاقدام على المعاوضة و المبادلة. و لا بأس بما صنعه المصنّف قدّس سرّه استقصاء لجهات البحث.

(1) أي: لو كان الراهن و المرتهن أقدما على الضمان لكان الرّهن الصحيح مؤثّرا في الضمان، مع أنّ المفروض عدم مضمّنيّته.

(2) يعني: أنّ الموجب الثاني للضمان هو حكم الشارع بالضمان في هذا الرهن الفاسد، و لكن لا يجتمع الفساد الشرعيّ مع الضمان، لأنّ معنى الفساد لغويّة العقد و كونه كالعدم، و الضمان الشرعيّ يدور مدار الجعل و لو إمضاء، و المفروض عدمه.

(3) ظاهر العبارة أولويّة الرهن الفاسد- بعدم الضمان- من البيع الفاسد الذي يضمن بصحيحه، لا أولويّة الرهن الفاسد بعدم الضمان من الصحيح منه. و توضيحه:

أنّه قد سبق في (ص 58 و 115) استدلال شيخ الطائفة على الضمان في الفاسد- ممّا يضمن بصحيحه- بقاعدة الاقدام و الدخول على المعاوضة. و ناقش المصنّف فيه بأنّه

______________________________

[1] هذا الوجه إنّما يتّجه بناء على كون الضمان ناشئا عن العقد بحيث يكون نفس العقد سببا له، إذ يصح حينئذ أن يقال: إذا لم يكن الصحيح مقتضيا للضمان فالفاسد- الذي يكون كالمعدوم في عدم ترتّب أثر عليه- أولى بعدم تأثيره في الضمان. و أمّا بناء على كون سبب الضمان و مقتضية غير العقد من اليد و التصرّف فلا بدّ أن يكون عدم الضمان في الصحيح لاقتضاء العقد له، و لا يلزم من اقتضاء الصحيح للعدم أن يكون الفاسد كذلك، و من الواضح أنّ الأمر كذلك أي يكون سبب الضمان غير العقد.

ص: 181

..........

______________________________

لا سبيل لإثبات الضمان في مثل البيع الفاسد بقاعدة الإقدام، لأنّهما أقدما في العقد الصحيح على ضمان خاصّ و هو الضمان الجعلي المسمّى في العقد، و لم يقدما على طبيعيّ الضمان، حتّى يثبت الضمان بالبدل الواقعي في العقد الفاسد، فثبوت المثل أو القيمة في عهدة المتبايعين منوط بالدليل عليه.

فمقتضى قاعدة الإقدام انتفاء الضمان بالمسمّى في البيع الفاسد، لفرض أنّ الشارع لم يصحّح العقد و لم يمض ما أقدما عليه. مع وضوح أنّ البيع الفاسد يقتضي الضمان من جهة كونه مصداقا لطبيعيّ البيع المتقوّم بالمبادلة و المعاوضة بين المالين.

و عليه نقول: إنّ انتفاء الضمان بالعوض المسمّى في البيع الفاسد- لعدم الاقدام على طبيعيّ العوض و عدم إمضاء الضمان الخاص- يدلّ بالأولويّة القطعيّة على انتفاء الضمان في مثل الرّهن الفاسد الذي لا يضمن بصحيحه.

و وجه الأولويّة: أنّ الرهن الفاسد لا يتوقّع ترتب الضمان عليه، و ذلك لانتفاء كلّ من الاقدام على الضمان و الإمضاء، بخلاف البيع الفاسد، فإنّه من جهة كونه مصداقا لمفهوم البيع المتقوّم بالمبادلة و المعاوضة يترقّب منه الضمان، و مع ذلك لم يترتب عليه.

و هذا البيان كما ترى ظاهر في أولويّة فاسد العقد- الذي لا يضمن بصحيحه- بعدم الضمان من فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه كالبيع. و هو لا يلتئم مع كلام المبسوط- بناء على إرادة الأولويّة دون التعجّب و المساواة- لدلالته على أولويّة فاسد العقد- الذي لا يضمن بصحيحه- من صحيحه كالرهن الصحيح و الفاسد.

و لذا تكلّف المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه في توجيه الأولويّة التي ادّعاها المصنّف قدّس سرّه، بأن يقال: إنّ الملحوظ طبيعيّ العقد الصحيح، فالصّحّة في كلّ عقد تقتضي الضمان، سواء أ كان بيعا أم رهنا، فإذا لم يثبت الضمان فيه فعلا- مع اقتضاء الصحة ثبوته- فالفاسد الذي ليس فيه اقتضاء الضمان- إمّا لعدم إقدام مضمّن كما في الرهن، و إمّا لعدم إمضاء مضمّن كالبيع الفاسد- أولى بأن لا يوجب الضمان.

و على هذا فالرّهن الفاسد أولى بعدم الضمان من الرّهن الصحيح، لأنّ الصحة بنفسها

ص: 182

إذا كان مفيدا للضمان (1) أمكن أن يقال: إنّ الضمان من مقتضيات الصحيح (2)، فلا يجري في الفاسد، لكونه لغوا غير مؤثّر، على ما سبق تقريبه (3) من أنّه أقدم على ضمان خاصّ (4)، و الشارع لم يمضه، فيرتفع أصل الضمان (5) [1].

______________________________

مقتضية للضمان، و إن لم يبلغ مرتبة الفعلية، و هذا الاقتضاء الناقص مفقود في الفاسد «1».

(1) هذه الجملة قرينة على أن المصنّف قدّس سرّه قاس الأولوية بين نوعين من العقود، يعني العقد الصحيح المفيد للضمان الذي لا يؤثّر فاسده في الضمان، و بين العقد الصحيح الذي لا يفيد ضمانا كالرّهن، فجعل العقد الفاسد ممّا لا يضمن بصحيحه أولى بعدم الضمان من العقد الفاسد الذي يضمن بصحيحه.

(2) يعني: أنّ الصحة الشرعيّة تقتضي الضمان، سواء أ كان مضمّنا بالفعل أم لا، فإذا انتفت الصحّة لم يبق المقتضي له.

(3) حيث قال في الاعتراض على استدلال شيخ الطائفة بالاقدام ما لفظه:

«و هذا الوجه لا يخلو من تأمّل، لأنّهما إنّما أقدما و تراضيا بالعقد الفاسد على ضمان خاصّ، لا الضمان بالمثل أو القيمة، و المفروض عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان الخاصّ، و مطلق الضمان لا يبقى بعد انتفاء الخصوصيّة».

(4) و هو الضمان بالبدل المسمّى في العقد المعاوضيّ، كضمان الكتاب بدينار في بيعه به.

(5) يعني: فيرتفع أصل الضمان في العقد الفاسد الذي يضمن بصحيحه، فكيف حال العقد الفاسد الذي لا يضمن بصحيحه، فإنّه أحرى بعدم الضمان؟

هذا كله في تقرير الأولوية، و سيأتي مناقشة المصنّف قدّس سرّه فيها.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المحقق الايرواني قدّس سرّه استظهر من المتن: أنّ مقصود المصنّف قدّس سرّه ملاحظة الأولويّة بين عقدين يقتضي صحيح أحدهما الضمان، و لا يقتضيه الآخر، لكنه قدّس سرّه لغموض كلام الماتن قال: «ينبغي تقرير الأولويّة هكذا: إنّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 85

ص: 183

لكن يخدشها (1):

______________________________

(1) أي: يخدش الأولويّة، و محصّل الخدشة: أنّ مبنى الأولويّة- و هو إمكان كون علّة الضمان صحة العقد و إمضاء الشارع لما أقدم عليه المتعاقدان- معارض بإمكان دعوى كون الصحة في العقد الصحيح غير المفيد للضمان كالرهن و الإجارة- بالنسبة إلى العين المستأجرة- و إمضاء الشارع لما أقدما عليه من التسليط المجّانيّ هو السبب الرافع للضمان، و المانع عن تأثير القبض فيه. و لا يجري في العقد الفاسد، لعدم إمضاء الشارع للتسليط المجّانيّ على ما هو معنى الفساد، فلا أولويّة.

و الحاصل: أنّ لكلّ من الصحيح و الفاسد مزيّة ترفع أولويّة الفاسد من الصحيح في عدم الضمان. أمّا مزيّة الفاسد فقد عرفتها من عدم إقدام مضمّن و إمضاء مضمّن. و أمّا مزيّة الصحيح فهي أنّ إمضاءه المقتضي للسلطنة الشرعيّة الرافعة للضمان عند وجود سببه مختصّ به، فبلحاظ الإمضاء- الذي هو أمر وجوديّ رافع للضمان- يمتاز الصحيح عن الفاسد، فلا أولويّة.

و اعلم أنّ المذكور في المتن من المناقشة في استدلال شيخ الطائفة قدّس سرّه أمران:

أحدهما: ما أفاده المصنّف بقوله: «لكن يخدشها» و غرضه منع أولويّة العقد

______________________________

صحيح العقد الذي كان فيه إقدام على الضمان ليس في فاسده إقدام، لما عرفت أنّ الاقدام حاصل على المسمّى، و لا ضمان به. و ما به الضمان و هو المثل أو القيمة لا إقدام عليه. فإذا كان هذا حال ما كان الإقدام في صحيحه على الضمان موجودا، فكيف ما لا إقدام في صحيحه على الضمان، فإنّه بالأحرى أن لا يكون في فاسده إقدام على الضمان» «1».

و هذا كما ترى ملاحظة للأولويّة بين عقدين لا بين صحيح عقد و فاسده، مع أنّ ظاهر عبارة المبسوط كما تقدّم في التوضيح جعل عدم ضمان فاسد الرهن أولى من عدمه في صحيحه. إلّا أن يتكلّف في توجيه المتن بما أفاده المحقق الأصفهاني، و أدرجناه في التوضيح، فتأمّل فيه حقّه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 95

ص: 184

أنّه (1) يجوز أن يكون صحّة الرّهن و الإجارة (2) المستلزمة لتسلّط المرتهن و المستأجر على العين شرعا (3) مؤثّرة في رفع الضمان، بخلاف الفاسد الذي لا يوجب تسلّطا لهما على العين، فلا أولويّة (4).

فإن قلت (5): إنّ الفاسد و إن لم يكن له دخل

______________________________

الفاسد من العقد الصحيح بعدم الضمان، و قد عرفته.

ثانيهما: ما أفاده بقوله: «فان قلت» و أجاب عنه، و محصّله منع مساواة العقد الفاسد للصحيح في عدم الضمان، لوجود المقتضي للضمان في الفاسد، و عدمه في الصحيح، فكيف يكون الفاسد أولى بعدم الضمان؟

(1) هذا مرفوع محلّا على أنّه فاعل «يخدشها» و الضمير للشأن.

(2) عطف الإجارة على الرّهن- في كون العين غير مضمونة بيد المرتهن و المستأجر للتسليط المالكي- مبنيّ على دخول العين المستأجرة في قاعدة «ما لا يضمن» كما استظهره قدّس سرّه بقوله: «فالقاعدة المذكورة غير مخصّصة بالعين المستأجرة و لا متخصّصة» و إلّا فبناء على ما ذهب إليه صاحب الرياض و غيره من ضمانها لا تكون الإجارة كالرّهن.

(3) قيد لقوله: «تسلّط» يعني: فتكون العين أمانة شرعيّة و مالكيّة، فلا وجه للضمان في العقد الصحيح.

(4) أي: فلا أولويّة للفاسد من الصحيح في عدم الضمان.

(5) هذا الاشكال ناظر إلى أصل استدلال شيخ الطائفة قدّس سرّه مع الغضّ عن الخدشة التي ذكرها بقوله: «لكن يخدشها» و هو مبنيّ على أمرين:

الأوّل: أنّ حديث «على اليد» يقتضي ضمان المستولي على مال الغير مطلقا، سواء أ كانت يده عدوانيّة أم أمانيّه، و سواء أ كان بعقد صحيح أم لا، لصدق «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» على جميع موارد الوضع.

ص: 185

في الضمان (1)، إلّا أنّ مقتضى عموم «على اليد» هو الضمان (2)، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التي يكون مواردها غير مضمونة على القابض، و بقي الباقي (3).

______________________________

الثاني: أنّ هذا العموم خصّص في جملة من العقود الصحيحة، حيث لا ضمان فيها كالوديعة و العارية و الرهن و الوكالة و نحوها ممّا يكون التسليط بإذن الشارع و المالك. و أمّا إذا كانت هذه العقود باطلة غير ممضاة شرعا كان وضع اليد فيها مندرجا في عموم «على اليد» كاليد العدوانيّة في موارد الغصب المقتضية للضمان.

و بناء على هذين الأمرين يتّضح منع مساواة العقد الفاسد- ممّا لا يضمن بصحيحه- للصحيح في عدم الضمان، فضلا عن أولويّة الفاسد من الصحيح فيه.

و الوجه في المنع: أنّ سبب الضمان غير منحصر في ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من إقدام المالك على الضمان و إمضاء الشارع له، حتى يقال بتساوي الصحيح و الفاسد في علّة عدم الضمان و هي عدم الاقدام المضمّن و عدم الإمضاء المضمّن. بل للضمان سبب آخر، و هو قاعدة اليد الشاملة لكلّ من العقد الصحيح و الفاسد. إلّا أنّها خصّصت في العقود الصحيحة التي لا ضمان فيها، كالرهن و الوديعة و المضاربة، و لم تخصّص في فاسد هذه العقود. و مقتضى عموم قاعدة اليد- التي هي أمر خارج عن مرحلة العقد- هو الضمان في العقد الفاسد. و معه كيف حكم شيخ الطائفة قدّس سرّه بعدم الضمان في الرّهن الفاسد، استنادا إلى مساواته للصحيح في السببيّة لعدم التضمين؟

(1) لما عرفت من انتفاء علّة الضمان، و هي الإقدام على الضمان، و إمضاء هذا الاقدام، و هذه مشتركة بين الرهن الصحيح و الفاسد.

(2) فالعقد الفاسد من جهة وجود هذا العموم فيه أولى بالضمان من الصحيح.

(3) و العقد الفاسد ممّا بقي تحته، لعدم صلاحيّته لتخصيص عموم قاعدة اليد.

ص: 186

[ب: عموم دليل الهبة و الأمانات]

قلت (1): ما خرج به المقبوض بصحاح تلك العقود يخرج به (2) المقبوض

______________________________

ب: عموم دليل الهبة و الأمانات

(1) هذا جواب الاشكال على المساواة بين العقد الصحيح و الفاسد في عدم الضمان، و غرض المصنّف قدّس سرّه إثبات الملازمة في عدم الضمان بين العقد الصحيح غير المضمّن و بين فاسده.

و هذا الجواب دليل ثان على قاعدة «ما لا يضمن». و محصّله: أنّ الدليل المخرج للمقبوض بصحاح تلك العقود عن عموم على اليد- على ما اعترف به المستشكل- هو المخرج بعينه لفاسد تلك العقود عن العموم المزبور. و ذلك الدليل عموم ما دلّ على عدم ضمان من تسلّم مال الغير من دون أن يضمّنه المالك، من غير فرق في عدم الضمان بين التمليك المجّانيّ كالهبة، و بين التسليط على الانتفاع بعين مجّانا كالعارية، أو بعوض كالإجارة، إلى غير ذلك من موارد الاستيمان المالكيّ، بعد تساوي صحيح هذه العقود و فاسدها في الجهات الداخليّة و الخارجيّة. أمّا الداخليّة فهي عدم الاقدام المضمّن، و عدم الإمضاء المضمّن. و أمّا الجهات الخارجيّة فهي اليد الموجبة بذاتها للضمان و الاذن المالكيّ الرافع له.

و المراد بالاستئمان المالكي هو التسليط عن الرضا و عدم كونه بلا إذن منه حتى تكون يده عادية، و التسليطات المجانيّة كلّها كذلك. و ليس المراد بالاستئمان المالكي الاستنابة في الحفظ، ضرورة أنّه لا شي ء من العقود كذلك إلّا الوديعة.

و بعد فرض تساوي العقود الصحيحة و الفاسدة في الجهات الداخليّة و الخارجيّة تكونان متساويتين أيضا في الحكم بالضمان و عدمه. فإذا دلّ دليل على عدم الضمان في الصحيحة دلّ على عدمه في الفاسدة أيضا.

(2) هذا الضمير و ضمير «به» المتقدم راجعان إلى «ما» الموصول المراد به عموم ما دلّ على عدم الضمان في موارد الاستيمان.

ص: 187

بفاسدها (1)، و هي عموم (2) ما دلّ على: أنّ من لم يضمّنه (3) المالك سواء ملّكه إيّاه بغير عوض (4)، أو سلّطه على الانتفاع به (5)، أو استأمنه عليه لحفظه (6) أو دفعه إليه لاستيفاء حقّه (7)، أو العمل فيه بلا اجرة (8) أو معها، أو غير ذلك (9)، فهو (10) غير ضامن.

أمّا (11) في غير التمليك بلا عوض- أعني الهبة- فالدليل المخصّص لقاعدة

______________________________

(1) لمساواة فاسد تلك العقود مع صحاحها في الجهة المخرجة لها عن إطلاق «على اليد».

(2) هذا العموم يستفاد من النصوص المتفرّقة كما سيأتي ذكر جملة منها إن شاء اللّه تعالى.

(3) بصيغة التفعيل، أي: لم يقصد المالك ضمان القابض لماله.

(4) كما في الهبة بغير عوض، لكونها تمليكا للعين مجّانا.

(5) كما في العارية، فإنّ المالك المعير يسلّط المستعير على العين للانتفاع بها.

(6) كما في الوديعة، فإنّها استيمان لحفظ المال عن الضّياع.

(7) كما في إجارة الأعيان، فالمؤجر يسلّط المستأجر على العين ليستوفي حقّه منها، كالسكنى في الدار.

(8) كما إذا دفع القماش إلى الخيّاط ليخيطه ثوبا تبرّعا منه بالخياطة، أو دفع القماش إليه ليخيطه ثوبا بأجرة معيّنة. و هذه إجارة على الأعمال المحترمة. فسواء أ كان العمل مع أجرة أم بدونها تكون يده على الثوب أمانية لا يضمن تألفها.

(9) كما في دفع مال المضاربة إلى العامل للتجارة به. و كدفع المال الموكّل في بيعه إلى الوكيل، فهما غير ضامنين لما بيدهما.

(10) جزاء الشرط في قوله: «من لم يضمّنه».

(11) غرضه قدّس سرّه إبداء الفرق بين الهبة غير المعوّضة، و بين العقود الأمانيّة التي لا تضمن بصحيحها و فاسدها، و الفارق هو عدم صدق الأمانة في باب الهبة،

ص: 188

الضمان (1) عموم ما دلّ على أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن، بل «ليس لك أن تتّهمه» (2).

______________________________

لكونها رافعة للملك و لا تكون العين أمانة بيد المتّهب، بل هي ملكه، بخلاف العارية و الوكالة و المضاربة و الوديعة و الرهن و نحوها، فإنّها مصاديق لعموم ما دلّ على «عدم ضمان الأمين». و لا بدّ حينئذ من دليل آخر لإثبات عدم الضمان في الهبة الفاسدة، و ذلك الدليل هو الأولويّة القطعيّة، و سيأتي بيانها.

(1) يعني: قاعدة اليد المقتضية للضمان في كلّ استيلاء على مال الغير، سواء أ كان بالعقد أم بغيره، و سواء أ كان العقد صحيحا أم فاسدا.

(2) كما في رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته» «1». و رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «ليس لك أن تأتمن من خانك، و لا تتّهم من ائتمنت» «2».

و هناك نصوص أخرى دالة على عدم ضمان الأمين في موارد الوديعة و العارية و الإجارة على الأعمال، فمنها: مرسلة أبان بن عثمان عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث، قال: «و سألته عن الذي يستبضع المال، فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال:

ليس عليه غرم بعد أن يكون الرجل أمينا» «3» رواها الكافي و التهذيب بسند كالصحيح عنه عليه السّلام.

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان، و قال: ليس على مستعير عارية ضمان، و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن» «4».

و منها: معتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انّ أمير المؤمنين عليه السّلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 229، الباب 4 من أبواب الوديعة، الحديث 10

(2) المصدر، الحديث 9

(3) المصدر، ص 228، الحديث 5

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 237، الباب 1 من كتاب العارية، الحديث 6

ص: 189

..........

______________________________

أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب، فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «1». و التعليل ظاهر في كبرى عدم ضمان الأمين، و أنّ عدم تضمين الحمّامي إنّما هو لأمانته.

و منها: معتبرة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يضمن الصّائغ و لا القصّار و لا الحائك، إلّا أن يكونوا متهمين، فيخوف (فيجيئون) بالبيّنة، و يستحلف لعلّه يستخرج منه شيئا. و في رجل استأجر جمّالا فيكسر الذي يحمل أو يهريقه. فقال: على نحو من العامل، إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و إن كان غير مأمون فهو ضامن» «2». و ظهورها في إناطة الضمان بالتهمة، و عدمه بالأمانة مما لا ينكر.

و منها: قول الفقيه عليه السّلام في مكاتبة الصفّار في ضمان القصّار: «هو ضامن له إلّا أن يكون ثقة مأمونا إن شاء اللّه» «3».

إلى غير ذلك من النصوص المتفرقة الواردة في المستعير و المرتهن و الودعيّ و المستبضع، و الأجير على العمل كالقصّار و الحمّال و الجمّال، و المستأجر للعين، و غير ذلك المتضمّنة لعدم ضمانهم، بدعوى: أنّ اشتمال بعضها على تعليل عدم الضمان «بكون الرجل أمينا» يدلّ على قاعدة كلّية، و هي عدم ضمان المؤتمن و عدم الغرم على كلّ أمين. و مقتضي ترك الاستفصال عدم الفرق بين كون الاستيمان في العقد الصحيح أو الفاسد.

و بدعوى: أنّ التسليم في باب الإجارة و المضاربة و الشركة و نحوها يكون من قبيل جعل العين أمانة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 270، الباب 28 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 274، الباب 29 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث 11

(3) المصدر، ص 275، الحديث 18

ص: 190

أمّا في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم اليد بفحوى (1) ما دلّ على خروج مورد الاستيمان، فإنّ (2) استيمان المالك لغيره على ملكه إذا اقتضى عدم ضمانه له (3) اقتضى (4) التسليط المطلق (5) عليه مجّانا عدم

______________________________

و الحاصل: أنّ المدّعى عدم ضمان كلّ من استأمنه الرجل على ماله. و هذا بمنزلة الكبرى، فكأنّه قيل: «كلّ أمين ليس بضامن». و كون العقود الفاسدة من صغرياته، لصدق الأمين على المستعير في العارية الفاسدة، و على المستأجر في الإجارة الفاسدة، إلى غير ذلك. و صغرويّة العقود الفاسدة تثبت بترك الاستفصال.

هذا كلّه في العقود الفاسدة الأمانيّة التي لا تضمن بصحيحها. و أمّا الهبة فسيأتي وجه عدم الضمان بفاسدها.

(1) متعلّق ب «خروج» و هذا وجه عدم الضمان في الهبة الفاسدة حتى تكون قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» شاملة لها كشمولها للعقود الأمانية، فهي خارجة عن عموم «على اليد» المقتضي للضمان.

و تقريب الأولويّة: أنّ عدم الضمان في صورة قطع العلقة عن المال بالمرّة أولى من عدم ضمانه في موارد الاستيمان التي تبقى إضافة الملكيّة على حالها.

(2) تقريب للفحوى، و قد عرفته آنفا.

(3) أي: للمالك.

(4) جزاء الشرط، و جملة الشرط و الجزاء خبر قوله: «فإنّ استيمان».

(5) المراد بالتسليط المطلق هو سلطنة المتّهب على التصرفات الخارجيّة و الاعتباريّة المشروعة في العين الموهوبة، و هذا في قبال تسليط المالك في باب العارية، لكون متعلّقه الانتفاع بالعين بنفسه. و كذا في باب الإجارة، فإنّ المستأجر مسلّط على العين في جهة الانتفاع بها و استيفاء حقّه منها، لا مطلقا، و لذا لا يجوز له التصرّف الأجنبيّ عن حيثيّة الانتفاع. و كذا في باب البيع، فإنّ تسليط المالك.

ص: 191

ضمانه بطريق أولى (1). و التقييد (2) بالمجّانيّة لخروج التسليط المطلق بالعوض كما في المعاوضات، فإنّه عين التضمين.

فحاصل (3) أدلّة عدم ضمان المستأمن (4) أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعيّ- أعني المثل و القيمة- و لا جعلي فليس

______________________________

و إن كان مطلقا غير مقيّد بتصرّف دون آخر، إلّا أنّه مقابل بالعوض، و ليس مجّانيّا.

(1) تقدم تقريب الأولويّة آنفا.

(2) غرضه من هذه الجملة أنّ الموجب لتقييد التسليط المطلق في قوله: «اقتضى التسليط المطلق عليه مجّانا» بالمجّانيّة هو: أنّ للتسليط المطلق على المال فردين، أحدهما: بلا عوض و هو الهبة، و الآخر معه و هو البيع و الصلح المفيد فائدة البيع.

و ما ذكر- من أولويّة التسليط المطلق بعدم الضمان من موارد الاستيمان المالكيّ- فمورده الهبة التي لا يضمن المتّهب عوض ما أخذه من الواهب. و أمّا التسليط المطلق في باب البيع و نحوه فحقيقته التضمين، فلا معنى لتوهّم كونه كالهبة ممّا لا ضمان فيه.

(3) هذا الحاصل راجع إلى ما أفاده بقوله: «قلت» الذي محصّله خروج العقود الأمانيّة صحيحها و فاسدها عن الحديث النبويّ «على اليد» المقتضي للضمان في مطلق موارد الاستيمان. و عليه فإذا دفع المالك ماله إلى آخر من دون الاقدام على تضمين الآخذ ببدله الواقعي و لا ببدل جعليّ مسمّى لم يكن ماله مضمونا، فلو تلف لم يلزم تداركه ببدل على الآخذ. و بذلك تمّ الدليل على أنّ «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

(4) بصيغة المفعول أي: من جعله المالك أمينا على ماله لا يكون ضامنا. هذا تمام الكلام في ضمان نفس المقبوض بالبيع الفاسد، و سيأتي الكلام في وجوب ردّه و سائر آثاره إن شاء اللّه تعالى.

ص: 192

عليه ضمان [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد استدلّ على قاعدة «ما لا يضمن» بوجوه:

الوجه الأوّل: الأولويّة. و يكفي في ردّها ما أفاده المصنّف قدّس سرّه من الخدشة.

الوجه الثاني: الأصل، إذ الضمان حكم وضعيّ، فإن شكّ في ثبوته و لم يكن عليه دليل ينفى بأصالة البراءة.

و فيه: أنّ هذا مبنيّ على عدم إمكان التمسّك بالنبوي «على اليد ما أخذت» لضعف السند أو غيره. و قد تقدّم البحث فيه، و أنّه حجة و يصحّ الاستدلال به، فراجع.

الوجه الثالث: إقدام المتعاقدين على المجّانيّة الرافع للضمان في كل من الصحيح و الفاسد.

و فيه: أنّ ما أقدما عليه عنوان خاصّ صحيح، و قد انتفى، و ارتفاع العنوان يوجب انتفاء السبب الرافع للضمان، فمقتضى عموم «على اليد» هو الضمان.

الوجه الرابع: الأدلّة الدالّة على عدم الضمان في الأمانات كالوكالة و الوديعة و نحوهما، و ذلك كعموم ما دلّ على «أنّ من استأمنه المالك على ملكه غير ضامن، بل ليس لك أن تتّهمه» و ضمّ المصنّف رحمه اللّه إلى ذلك: الفحوى بالنسبة إلى مثل الهبة، فإنّه إذا لم يضمن فيما لم يكن فيه بذل المال بل كان مجرّد استيمان، ففيما كان فيه بذل المال يكون عدم الضمان أولى بالقبول.

و أورد عليه: بأنّ الكلام إنّما هو في مثل الشركة الفاسدة، و كذا الإجارة الفاسدة بالنسبة إلى العين، و في مثل حمل المبيع بالبيع الفاسد على القول بكونه مضمونا على المشتري مع عدم الضمان في صحيحه، و في مثل استعارة المحلّ من المحرم على تقدير فساد العارية.

و حينئذ نقول: إنّ العموم المزبور و نحوه من أدلة الاستيمان لا يستفاد منها إلّا حكم ما هو استيمان محض قصد منه مصلحة المالك كالوكالة و الوديعة، أو ما كان مثل العارية بالنسبة إلى الصحيح منها الذي هو مورد الاذن، دون غيره، إذ ليس في المورد

ص: 193

______________________________

إلّا الإذن المقيّد بكونه في ضمن العارية الصحيحة أو الإجارة الصحيحة مثلا، و قد انتفى القيد فينتفى المقيّد بانتفائه.

و دعوى كون مطلق الاذن رافعا للضمان، خالية عن البرهان، فإنّ المقبوض بالسوم مع اقترانه بالاذن مضمون على القابض كما عن المشهور. فالحق أنّ هذه القاعدة لم يقم عليها دليل واضح.

فحينئذ نقول: إنّ كلّ مورد قام الدليل على عدم ضمان المقبوض باليد كان ذلك مخرجا له عن عموم «على اليد» و كلّ مورد لم يقم فيه دليل على عدم الضمان فالمرجع فيه قاعدة اليد. و عليه فلا دليل على عدم الضمان في العقود الفاسدة.

فالنتيجة: أنّ قاعدة «ما لا يضمن» خالية عن الدليل. بل مقتضى عموم «اليد» الضمان.

أقول: بناء على تسليم الكبرى- و هي: أنّ كل أمين ليس بغارم- و تسليم صغرويّة المستأجر و المستعير و المرتهن و الودعي و المستبضع بالعقود الفاسدة لكبرى الأمين لا وجه للضمان.

و دعوى «تقيّد الاذن بصحّة العقد بأن يقال: إنّ العقود الفاسدة ليست من موارد الأمانات حتى لا يكون فيها ضمان، إذ الأمانة فرع الاذن، و هو مقيّد في العقود بصحتها، فينتفي الإذن بانتفاء الصحة كانتفاء كل مقيد بانتفاء قيده» خالية عن الشاهد، بعد صدق عناوين العقود على صحيحها و فاسدها بوزان واحد، و اشتراكها فيما عرفت في التوضيح من الجهات الداخلية و الخارجية.

لا يقال: إنّ الاستيمان المالكي هو الاستنابة في الحفظ، و ليس شي ء من العقود كذلك إلّا الوديعة، فاستناد عدم الضمان في قاعدة «ما لا يضمن» إلى الاستيمان المالكي في غير محله. بل لا بدّ من الالتزام بالضمان في تلك العقود.

فإنّه يقال: إنّ المراد بالاستئمان المالكيّ هو التسليط عن الرضا و عدم كونه بلا إذن

ص: 194

______________________________

حتى تكون يده عادية، و من المعلوم أنّ ما ذكره من التسليطات المجّانيّة كلّها كذلك، فلا تكون اليد عادية حتى يضمن القابض، بل اليد مأذونة و ليس مضمّنة.

و أمّا ما ورد من «أنّ المستعير و المستأجر، مؤتمنان» فهو تنزيل لهما منزلة من استأمنه المالك حقيقة في عدم الضمان بمجرّد التلف، لا أنّهما مؤتمنان حقيقة من قبل المالك.

و أمّا ما ورد في النصوص من «أنّه إذا كان مأمونا لا يضمن» فإنّه في قبال المتّهم، فالفرق بين الأمين و المتّهم هو: أنّ الأمين في صورة دوران الأمر بين التلف و الإتلاف لا يحكم عليه بالضمان، إمّا واقعا كما إذا لم يتلف بالتعدّي أو التفريط، و إمّا ظاهرا و في مقام الدعوى، فليس لصاحب المال مطالبته بالبينة و اليمين، بخلاف المتّهم، فإنّه يطالب بهما.

فهذه الأخبار في مقام التفكيك بين الأمين و المتّهم في الحكم الظاهريّ، لا في مقام بيان حكم التلف المحض الذي نتكلّم فيه. و لا يتفاوت فيه بين الأمين و المتّهم.

كما أنّه لا تفاوت بينهما في الضمان بالتلف مع التعدي أو التفريط.

ثمّ إنّ لبعض الأعلام كلاما، و هو: «أنّ ما ورد في مرسلة أبان بن عثمان المتقدّمة- من عدم الضمان بعد كون الرجل أمينا- يحتمل فيه وجوه، بعد الخدشة في كون ما ذكر بمنزلة التعليل، و احتمال أن يكون بيانا لمورد القضيّة، أي بعد ما جعلته في المورد أمينا لا غرم عليه، و هذا نحو أن يسأل الطبيب عن الرّمان، فيقول بعد أن كان حلوا لا مانع منه، الذي يفهم منه أنّ كلّ حلو لا مانع منه» هذا.

و فيه: أنّ قوله: «بعد أن يكون الرجل أمينا» مساوق لقوله في خبر غياث المتقدّم:

«إنّما هو أمين» و ظهور مثل هذه التعبيرات في بيان الكبرى الكلّية و هي عدم ضمان كل أمين- خصوصا بعد ملاحظة كون وظيفة الشارع بيان الأحكام الكلّية- مما لا ينكر، إذ من

ص: 195

______________________________

المعلوم أنّ التعليل بكون الرّجل أمينا ظاهر عرفا في حكم كلّي و هو عدم ضمان كلّ أمين، و لا ظهور له في كونه بيانا للمورد، فإنّ المورد من قبيل ما إذا أمر الإمام عليه السّلام بأخذ معالم الدين من أحد الأصحاب، و قال: «إنّه ثقة» فإنّه لا ريب في كونه تنبيها على وثاقته الموجبة لاندراجه في «الثقة» الذي يكون قوله حجة.

ثمّ قال: «إنّ في الرواية احتمالات: أحدها: أنّ المقصود الاخبار عن قضيّة واقعيّة، و هي: أنّ الأمين لا تصدر منه الخيانة حتى يضمن، فلا ضمان عليه واقعا. و عليه فلا يكون تعليلا ليستفاد منه حكم غير المورد».

و فيه: أنّ الاخبار- الذي هو حكاية أمر خارجي- خلاف الأصل في كلام الشارع، فإنّ الأصل في كلامه هو الحمل على إنشاء الأحكام. فقوله عليه السّلام: «ليس عليه غرم» حكم قد علّل بكونه أمينا، فكأنّه قال عليه السّلام: «علّة عدم الغرم شرعا هي أمانة الرجل» فموضوع عدم الضمان هو الأمين. كتعليل حرمة الخمر «بأنّه مسكر» الظاهر في كون موضوع الحرمة حقيقة هو المسكر، و أنّ حرمة الخمر إنّما هي لأجل انطباق موضوع الحرمة أعني طبيعيّ المسكر عليه، فيكون المقام من قبيل العلّة المنصوصة، لا من قبيل علّة التشريع.

و إن شئت فقل: إنّ ما نحن فيه من قبيل علّة المجعول، لا علّة الجعل على ما هو مصطلح بعض المحققين.

ثانيها: «أن يراد بقوله:- بعد أن يكون الرجل أمينا- أنّه بعد ما اتّخذته أمينا و جعلت المال أمانة عنده لم يحكم عليه بالغرم، إلّا مع قيام البيّنة. و على هذا يمكن أن يقال: إنّ الاتّخاذ أمينا في عقد الوديعة إنّما يصدق مع صحّته. و أمّا مع فساده فلا، إذ ليس المراد كونه أمينا واقعا أو كونه مورد وثوق المودع، بل المراد أنّه مع اتّخاذه في العقد أمينا و جعلت بضاعتك أمانة لديه لم يحكم عليه بالغرم، فلا يكون صادقا في فاسد العقد، لأنّه لم يتّخذه أمينا مطلقا، بل في العقد مع البناء على صحته».

ص: 196

______________________________

و فيه: أنّ كون الرجل أمينا معناه: أنّ كونه أمينا واقعا دعا الناس إلى أن يجعلوا أموالهم أمانة عنده. و هذا الداعي موجود في كلتا صورتي صحة العقد و فساده، لأنّ إمضاء الشارع لا دخل له في الرضا بكون المال أمانة عند الأمين. بل بعد البناء على أمانته يرضى بجعل المال عنده وديعة سواء أمضاها الشارع أم لا. بل الرضا مقيّد بالأمانة المحرزة بالفرض.

نعم إن كان الموجب لفساد الوديعة اختلال ما هو مقوّم لمفهومها عرفا- لا اختلال ما هو شرط لصحّتها شرعا- كانت دعوى تقيّد الوديعة بالرضا في محلّها، حيث إنّ الرضا تعلّق عرفا بالوديعة، و المفروض عدم تحققها، فلا موضوع للاستيمان، فتأمّل.

ثالثها: «أن يراد به أنّه بعد اتّخاذه أمينا لا يكون ضامنا بالتلف السماويّ، من غير إفراط و تفريط، فيأتي فيه الاشكال المتقدم».

و الفرق بينه و بين سابقه: إنّ هذا الوجه راجع الى الحكم الواقعي، و هو أنّ التلف من غير إفراط و تفريط- لا يوجب الضمان. و الوجه السابق راجع الى الحكم الظاهري، و هو عدم الضمان مع قيام البيّنة. و غرضه من الاشكال المتقدم هو أنّ الاتّخاذ أمينا لا يصدق مع فساد عقد الوديعة.

و فيه ما تقدّم من: أنّ الاتخاذ أمينا لا يتوقّف على صحّة العقد، بل يتوقّف على أمانته واقعا، و أن لا يكون العلم بأمانته جهلا مركّبا. و أمّا حكم الشارع بصحّة العقد فليس مقوّما لاتّخاذه أمينا.

رابعها: «أن يكون المراد أنّه بعد ما كان أمينا واقعا لا يضمن. و مقتضى التعليل: أن لا يضمن الأمين بالتلف السماوي مطلقا، و يضمن غير الأمين. ففي المقبوض بالعقد الفاسد مثلا إذا كان القابض أمينا ثقة لا يضمن، بخلاف غير الأمين».

و الظاهر أنّ غرضه أخصيّة هذه الرواية من المدّعى، لأنّها تدلّ على عدم ضمان الأمين، فالمقبوض بالعقد الفاسد غير مضمون على القابض إن كان أمينا، و مضمون عليه

ص: 197

______________________________

إن لم يكن أمينا. و المدّعى أعمّ من ذلك، إذ المقصود من قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» هو عدم الضمان مطلقا و إن لم يكن القابض أمينا.

و فيه: أنّ عدم الضمان في العقود الصحيحة منوط أيضا بالوثوق و الأمانة، لأنّ رضى المالك منوط بالأمانة، فإن لم يكن أمينا لا يرضى المالك بأن يكون المال أمانة عنده اتّجه من الحكم بالضمان مع الأمانة و إن كان العقد صحيحا، و بعدم الضمان و إن كان العقد فاسدا، لأنّ المدار حينئذ الأمانة. فإن كان أمينا فلا ضمان عليه، و إلّا فعليه الضمان.

خامسها: «أن يراد: كل من استأمنته لا يضمن، بمعنى أن كل من جعلت الشي ء عنده بعنوان الأمانة ليس بضامن، فيشمل الصحيح و الفاسد. و هذان الاحتمالان بعيدان» «1».

و فيه: أنّ الظاهر إرادة هذا المعنى من الرواية، لأنّ استبضاع المال لا يحصل عادة إلّا عند الأمين، فالاستيمان متحقق من صاحب المال، فالمستفاد من الرواية: أنّ كل من استأمنه المالك على ماله و كان القابض أمينا لا يضمن، فالاستيمان من المالك و أمانة القابض دخيلان في ارتفاع الضمان.

فتحصّل: من جميع ما تقدم أنّ ما أفاده الشيخ قدّس سرّه من ارتفاع الضمان باستيمان المالك يستفاد من النصوص، فلاحظ و تدبّر.

تكملة: هل المستفاد من الروايات المتفرّقة في هذه الأبواب هو كون الضمان في مورده و عدمه في مورده بنحو الاقتضاء كوجوب الصلاة و حرمة شرب الخمر، حتى يكون شرطه وجودا أو عدما مخالفا لمقتضى العقد، فشرط الضمان في العارية مثلا مخالف للكتاب، و شرط عدمه في عارية الذهب و الفضة- التي فيها الضمان- مخالف لمقتضى العقد المستفاد من الأدلّة الخاصّة الدالّة على الضمان في عاريتهما؟ أم التفصيل بين شرط عدم الضمان في مورد ثبوته، و بين شرط الضمان في مورد عدمه، كشرط

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 1، ص 291 و 292

ص: 198

______________________________

الضمان في عارية غير الذهب و الفضة، بدعوى: أنّ الظاهر من جعل الضمان كونه حكما اقتضائيّا، لأنّ ثبوت الحكم لموضوع لا يكون إلّا عن الاقتضاء، فشرط عدمه مخالف للشرع، بخلاف شرط الضمان في مورد عدمه، و ذلك لأنّ أدلّة نفي الضمان لا تدلّ على أزيد من عدمه، و لا تدلّ على أنّه عن اقتضاء، فإنّ دلالة تلك الأدلّة على ذلك محتاجة إلى قرينة مفقودة. كما أنّ دلالة دليل إباحة شي ء على أنّ الإباحة تكون لوجود المقتضي أو لوجود المانع عن جعل الحرمة منوط بدلالة دليل.

أم يقال: إنّ شرط عدم الضمان في مورد ثبوته أيضا ليس مخالفا للشرع، لإمكان دعوى أنّ تشريع الضمان إنّما هو إرفاق بالمالك و مراعاة لمصلحته، فأدلّة الضمان منصرفة عن مورد الاشتراط برضا المالك بعدمه.

و الحاصل: أنّه يحتمل وجوه:

أحدها: صحّة اشتراط الضمان في مورد عدمه، و اشتراط عدمه في مورد ثبوته، فالشرط مطلقا- أي وجود الضمان و عدمه- في مطلق الموارد ليس مخالفا للشرع.

ثانيها: عدم صحة الشرط مطلقا، أي شرط الضمان في مورد عدمه، و بالعكس.

ثالثها: التفصيل بين شرط عدم الضمان في مورد ثبوته، و بين شرط الضمان في مورد عدمه، بكون الأوّل مخالفا للشرع دون الثاني.

لا يبعد أن يقال: إنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل، فشرط الضمان في مورد عدمه و شرط عدمه في مورد ثبوته ليس مخالفا للشرع. و ذلك لإمكان استفادة هذه الكليّة من جملة من الروايات، كصحيحة زرارة: «قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: العارية مضمونة؟

فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلّا الذهب و الفضة، فإنّهما يلزمان، إلّا أن تشترط عليه أنّه متى توى لم يلزمك تواه. و كذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك

ص: 199

______________________________

لزمك. و الذهب و الفضة لازم عليك و إن لم يشرط عليك» «1». فإنّ المستفاد منه نفوذ شرط الضمان في مورد عدمه، و شرط عدمه في مورد ثبوته، إذ عارية غير الذهب و الفضة لا ضمان فيها، لقوله عليه السّلام: «جميع ما استعرته فتوى ..» و عارية الذهب و الفضة فيها الضمان، و شرط تعدمه ينفيه، لقوله عليه السّلام: «فإنهما يلزمان إلّا أن تشترط ..».

و صحيحته الأخرى: «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وديعة الذهب و الفضة؟

قال: فقال: كلّ ما كان من وديعة و لم تكن مضمونة لا تلزم» «2» و من المعلوم أنّ المراد به اشتراط عدم الضمان، و إلّا فهو من توضيح الواضح كما لا يخفى.

و تدلّ أيضا على صحة الشرط مطلقا- الكاشفة عن عدم كون الضمان و عدمه اقتضائيا- بعض روايات الإجارة، فلاحظ.

و لعلّ المستفاد من هذه الروايات نفوذ شرط الضمان و عدمه في جميع الموارد.

ففي الأمانات التي نفى الشارع فيها الضمان يجوز شرط الضمان فيها، كالعين المستعارة و المستأجرة، و لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة. و كذا يجوز شرط عدم الضمان فيما جعل فيها الضمان كعارية الذهب و الفضة.

و الحاصل: أنّ هذه الروايات ترجّح الاحتمال الأوّل و هو نفوذ شرط الضمان و عدمه في الأمانات، فيتعيّن في مقام الإثبات، دون الاحتمالين الآخرين. فجعل الضمان شرعا في بعض موارد الأمانات و عدمه في بعضها الآخر ليس من باب المقتضي و العلّة التامّة، فيتغير بالشرط الذي هو من العناوين الثانوية المغيّرة للأحكام الأوّليّة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 239، الباب 3 من كتاب العارية الحديث 2، رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة، و الرواية صحيحة كما لا يخفى على من راجع تراجم هؤلاء.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 228، الباب 4 من أبواب الوديعة، الحديث 4، رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حمّاد عن حريز عن زرارة، و الرواية صحيحة.

ص: 200

[الأمر الثاني المتفرع على المقبوض بالعقد الفاسد: وجوب ردّ المبيع فاسدا إلى مالكه فورا]

الثاني من الأمور المتفرّعة على عدم تملّك المقبوض بالبيع الفاسد: وجوب ردّه فورا إلى المالك (1). و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه على تقدير عدم جواز التصرّف فيه، كما يلوح (2) من مجمع الفائدة.

______________________________

وجوب ردّ المبيع فاسدا إلى مالكه فورا

(1) قد تقدّم في أوّل مسألة المقبوض بالعقد الفاسد (ص 6) أنّه موضوع لأحكام تكليفيّة و وضعيّة، و قد كان الكلام إلى هنا في عدم التملّك، و ضمان العين لو تلفت بيد الآخذ. و كان المناسب اتباعه ببحث ضمان المنافع المستوفاة و الفائتة، لكنّ المصنّف قدّس سرّه قدّم البحث عن حكم تكليفيّ متعلّق بنفس المقبوض بالبيع الفاسد، و هو وجوب ردّه فورا إلى المالك.

و استدلّ عليه بوجوه ثلاثة، و هي الإجماع المنقول في مجمع الفائدة، و التوقيع الشريف، و النبويّ، و سيأتي بيانها.

و لا يخفى أنّ محلّ الكلام و موضوع البحث عن وجوب ردّ المقبوض بالعقد الفاسد إلى مالكه فورا هو القول بعدم جواز التصرّف فيه، و كون القبض وفاء بالعقد الفاسد. فلو قيل بحصول إذن جديد- بعد العلم بالفساد على ما سبق تفصيله في أوّل المسألة و في ثامن تنبيهات المعاطاة- أو قلنا ببقاء الاذن المقارن للعقد و عدم ارتفاعه بفساد العقد لم يبق موضوع لوجوب ردّ المقبوض بالمعاملة الباطلة إلى مالكه فورا كما لا يخفى.

(2) يعني: يلوح من مجمع الفائدة عدم الخلاف في حرمة التصرّف في المقبوض بالبيع الفاسد و وجوب ردّه فورا إلى مالكه، قال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه: «و مع علمه بالفساد- و بعدم جواز تصرّفه و حفظه و وجوب ردّه إلى مالكه معجّلا- كالمغصوب، و ذلك قد يكون بعلمه بطلب من المالك على تقدير الفساد، و عدم رضاه

ص: 201

بل (1) صرّح في التذكرة- كما عن جامع المقاصد (2)- «أنّ مئونة الرّدّ على المشتري». و إطلاقه (3) يشمل ما لو كان في ردّه مئونة كثيرة،

______________________________

بكونه عنده، و فتوى العلماء له بذلك ..» «1».

و المراد بعدم الخلاف في المسألة قوله: «و فتوى العلماء». و لكن مورد كلامه قدّس سرّه علم المشتري بفساد العقد و بحرمة التصرّف بل بحرمة إمساكه، و أنّ المالك لو اطّلع على فساد العقد لطالب المشتري بالمبيع و لم يرض بكونه عنده. و هذا أخصّ من محلّ البحث و هو عدم اختصاص حرمة التصرّف- و ما يترتّب عليها من وجوب الرّدّ فورا- بصورة علم المشتري بالفساد، كما أنّ ضمان المقبوض بالبيع الفاسد لا يختصّ بصورة الجهل بالبطلان على ما سبق تصريح المصنّف به في الأمر الأوّل.

(1) غرضه الترقّي و الإضراب عن بناء وجوب الرّدّ فورا على حرمة التصرّف إلى أنّ وجوب الرّدّ كأنّه من المسلّمات، بشهادة جزم العلّامة به، و بنى عليه وجوب مئونته لو توقّف الرّدّ عليها. قال قدّس سرّه: «إذا اشترى شراء فاسدا وجب عليه ردّه على مالكه، لعدم خروجه عنه بالبيع، و عليه مئونة الرّدّ كالمغصوب» «2».

(2) الأولى إضافة «أيضا» إليه، لأنّ غرضه قدّس سرّه أنّ المصرّح بكون مئونة الرّدّ على المشتري ليس هو العلّامة خاصّة، بل المحقّق الكركي صرّح به أيضا. و الأمر سهل. قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «فرع: على المشتري مئونة ردّ المبيع فاسدا إن كان له مئونة كالمغصوب، و لا يرجع بالنفقة إلّا إذا كان جاهلا بالفساد، إذ لا يعدّ متبرّعا بنفقته، إذ لم ينفق إلّا بناء على أنّه ماله، فإذا فات ذلك رجع كلّ إلى حقّه، و جعل في التذكرة البائع غارّا» «3».

(3) يعني: و إطلاق وجوب الرّدّ- المنقول عن التذكرة- يقتضي إيجاب مقدّماته التي منها بذل المال سواء أ كان قليلا أم كثيرا، إلّا أن تكون كثرة مئونة الرّدّ ضررا

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 192

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 495

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 435

ص: 202

إلّا أن يقيّد (1) بغيرها (2) بأدلّة نفي الضرر [1].

______________________________

على المشتري، فينفى وجوب بذل المال الكثير عنه. بل مقتضى حكومة قاعدة الضرر نفي وجوب بذل المال و إن كان يسيرا، إلّا إذا كان بمثابة لا يصدق عليه الضرر.

(1) التعبير بالتقييد دون الحكومة- مع أنّ مبناه حكومة دليل نفي الضرر على أدلّة الأحكام الأوليّة- مسامحة، و لعلّه لأجل أنّ الحكومة قد تخصّص العامّ و تقيّد المطلق، و قد تعمّم، فالتعبير بالتقييد مبنيّ على ملاحظة نتيجة الجمع بين الدليلين.

(2) أي: بغير المئونة الكثيرة، و هذا الغير هو المئونة المتعارفة أو ما دونها.

______________________________

[1] لم يظهر وجه لكون المئونة على القابض، لأنّ الرّدّ لا يتوقف غالبا على بذل مال حتى يقال: إنّ الزائد على ما يقتضيه طبع الرّدّ من بذل المال على المالك، بل تمامه يكون على المالك، لقاعدة نفي الضرر. و لو كان الرّدّ بذاته و طبعه متوقّفا على مئونة لم تكن منفكّة عن مصاديقه، هذا.

مضافا إلى: أنّ حرمة الإمساك لا تستلزم وجوب الرّدّ، لعدم الملازمة بين حرمة الضدّ و وجوب ضدّه. و كذا وجوب نقيض الإمساك لا يدلّ على وجوب الرّدّ، لما قرّر في الأصول.

مع أنّه على القول به- لرفع اليد عن المبنى الأصولي- يمكن القول بعدم وجوب الرّدّ أيضا، لأنّه متقوّم برفع يد الدافع و إثبات يد القابض، و الرّفع مقدّم على الإثبات دائما، فيتصف هو بالوجوب، دون ما تأخّر عنه.

لكن فيه ما لا يخفى، لأنّ الرّدّ ليس مركّبا من الرّفع و الإثبات، بل هو عبارة عن الإيصال إلى المالك، و الإثبات منتزع عنه. و أمّا مراد الشيخ الأعظم قدّس سرّه من الاستدلال على وجوب الرّدّ بحرمة الإمساك فليس مبنيّا على اقتضاء حرمة الضّدّ لوجوب ضدّه، بل على فهم العرف من مثل قوله: «يحرم عليك إمساك مال الناس» لزوم الرّدّ إلى المالك، سيّما بملاحظة تعليل لزوم ردّ الأمانات إلى أهلها بأنّه «لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه».

ص: 203

______________________________

إلّا أن يدّعى: عدم ملازمة وجوب ردّ الأمانات إلى أصحابها للإيصال إليهم، و أنّ المراد رفع اليد و التخلية بينها و بين صاحبها. لكنّه خلاف ظاهر الأدلّة.

و كيف كان لا يكون وجوب الرّدّ مبنيّا على اقتضاء حرمة الضّد لوجوب ضدّه، فتدبّر.

و يمكن أن يستدلّ على وجوب الرّدّ بروايات متفرّقة في أبواب اللقطة و التجارة و الجهاد و الوديعة و غيرها، فلاحظ.

ثمّ إنّ للسيد قدّس سرّه تفصيلا، و هو ما لفظه: «ثمّ على فرض كون الرّدّ واجبا و كون مئونته على القابض إنّما يتمّ فيما إذا كان هو الناقل له عن مكانه. و أمّا إذا كان في مكان القبض و قد انتقل البائع إلى بلد آخر فلا دليل على وجوب نقله إلى ذلك البلد و كون مئونته على القابض، فتدبر» «1».

و اختار المحقّق النائيني قدّس سرّه هذا التفصيل بما حاصله: «أنّه يجب الرّدّ إذا نقل القابض المقبوض بالعقد الفاسد إلى بلد آخر مع كون المالك في بلد القبض. و أمّا إذا كان المقبوض في بلد القبض و انتقل المالك إلى مكان آخر لم يجب نقله إليه، بل يردّه إلى وكيله أو الحاكم، إذ لا دليل على لزوم الدفع إلى شخص المالك في هذه الصورة» «2».

و هذا موافق لما فصّله السيّد، إلّا أنّه لم يتعرض لوجوب ردّ المال في بلد القبض إلى وكيل المالك أو الحاكم، و صرّح به الميرزا قدّس سرّه.

و فيه: أنّ إطلاق دليل وجوب الرّدّ كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد .. إلخ» بعد البناء على اعتباره- كما هو التحقيق على ما تقدّم- كاف في المطلوب، لأنّ قضيّة إطلاق وجوب الرّدّ إلى المالك عدم الفرق بين كون المقبوض و المالك معا في بلد القبض و بين تفرّقهما، بأن كان المقبوض في مكان القبض و المالك في بلد آخر، أو كان المالك في مكان القبض و المال منقولا إلى محلّ آخر. ففي جميع الصور يجب ردّه الى المالك.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 95

(2) منية الطالب، ج 1، ص 132

ص: 204

و يدلّ عليه (1): أنّ الإمساك آنا ما تصرّف في مال الغير بغير إذنه، فلا يجوز، لقوله عجّل اللّه تعالى فرجه: «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره

______________________________

(1) أي: على وجوب الرّدّ فورا، و هذا إشارة إلى دليل ثان على المدّعى.

و حاصل الاستدلال بهذا التوقيع المبارك على فوريّة وجوب الرّدّ- بناء على كون الإمساك تصرّفا- أنّ الإمساك آنا ما مصداق للتصرّف المحرّم، لقوله عليه السّلام: «لا يجوز لأحد ..» فيجب التخلّص عن هذا الحرام بردّه فورا إلى مالكه.

______________________________

نعم إذا استلزم الرّدّ الى المالك ضررا أو حرجا سقط أصل وجوب الرّدّ على فرض وجوده، و يبقى وجوب تمكين المالك من ماله و رفع اليد عنه.

و الحاصل: أنّ الواجب هو الرّدّ إلى المالك إن لم يكن فيه ضرر أو حرج. و أمّا الرّدّ في خصوص مكان القبض لخصوصيّة فيه من كثرة الرغبات و نحوها فلا وجه له، إذ لا دليل عليه، و إنّما الدليل دلّ على وجوب الرّدّ إلى المالك سواء أ كان في بلد القبض أم لا.

و بالجملة: فالرّدّ واجب مطلقا و في جميع الصور. إلّا إذا لزم منه الضرر أو الحرج، فيرفع بقاعدتهما، و إن كان المال في مكان القبض و المالك فيه أيضا. و إن لم يلزم منه أحد هذين المحذورين وجب الرّدّ إلى المالك و إن كان المالك في مكان ثالث، أي: لا في محلّ القبض و لا في المكان الذي نقل إليه المال، كما إذا كان محلّ القبض النجف الأشرف، و المال نقل إلى كربلاء المقدّسة، و المالك سافر إلى بغداد.

و لو كان وجه التفصيل لزوم الضرر من الرّدّ في غير مكان القبض فلا بدّ من التفصيل بنحو آخر، و هو: أنّ الرّدّ إن استلزم الضرر ارتفع وجوبه سواء أ كان الرّدّ في محلّ القبض أم غيره، و سواء أ كان المالك في ذلك المحلّ أم غيره. و إن لم يستلزم الضرر وجب الرّدّ من غير فرق فيه بين محلّ الرّدّ و غيره، و كون المالك في مكان ثالث و غيره، كما لا يخفى.

ص: 205

إلّا بإذنه» «1».

و لو نوقش (1) في كون الإمساك تصرّفا كفى عموم (2) قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يحلّ مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه» «2» حيث يدلّ على تحريم جميع الأفعال المتعلّقة به، التي منها كونه في يده.

______________________________

(1) بأن يقال: إنّ «التصرّف» مأخوذ من الصّرف، فيراد به التقليب و التقلّب، و هما مفقودان في الإمساك، فلا يصدق التصرّف على مجرّد الإمساك حتى يكون منهيّا عنه، و يجب التخلص عنه بالرّد إلى المالك.

(2) هذا إشارة إلى دليل ثالث على وجوب الرّدّ فورا إلى المالك، و هو النبويّ الذي رواه زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حكاية خطبته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حجة الوداع، و فيه: «قال: اللّهم اشهد، ألا من كان عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه ..» الحديث.

و رواه صاحب الوسائل «3» في مكان المصلّي بما يقرب منه، و لكنّه ليس فيه لفظ «دم».

و كيف كان فتقريب دلالة الحديث على وجوب الرّدّ فورا: أنّ الحرمة المستفادة من «لا يحلّ» منسوبة إلى الذات- و هو المال- و لا بدّ من تقدير الفعل المناسب، كما في إسناد الحرمة إلى سائر الأعيان من الخمر و الدم و الميتة و نحوها. و حيث إنّه لا قرينة تقتضي تقدير فعل خاصّ لزم تحريم جميع الأفعال و الشؤون المتعلّقة بالمال، التي منها إمساكه و جعله في يده، فإنّ حذف المتعلق يدلّ على العموم.

و عليه فلا وجه لدعوى: «أن حرمة المال تكليفا تقتضي تقدير فعل مناسب

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 6، و فيه «فلا يحل» بدل «فلا يجوز».

(2) وسائل الشيعة، ج 19، ص 3، الباب 1 من أبواب قصاص النفس، الحديث 3

(3) وسائل الشيعة، ج 3، ص 425، الباب 3 من أبواب مكان المصلي، الحديث 3

ص: 206

و أمّا توهّم أنّ هذا (1) بإذنه، حيث إنّه دفعه باختياره (2) فمندفع (3) بأنّه إنّما ملّكه إيّاه عوضا [1]

______________________________

له و هو التصرّف أو الانتفاع، و أمّا مجرّد الإمساك فيشكّ في صدق التصرّف عليه، فيكون التمسّك بهذا النبويّ من التشبّث بالدليل في الشبهة الموضوعيّة». إذ في هذه الدعوى: أنّ حذف المتعلّق يقتضي حرمة كلّ ما يتعلّق بالمال، و لا وجه لاختصاص المتعلّق بالانتفاع و التصرّف حتى يشك في صدقهما على الإمساك.

خصوصا بملاحظة ورود هذه الجملة تعليلا لوجوب ردّ الأمانات، فإنّ التعليل يصير نصّا في المورد، فكيف يدّعى تقدير التصرّف أو الانتفاع؟ إذ لازمه أجنبيّة هذه الكبرى الكليّة عن المورد و هو ردّ الأمانة، و من المعلوم أنّ التخلّف عن ردّها إمّا بالتصرّف فيها و إمّا بمجرّد الإمساك، و كلاهما منهيّ عنه. و مجرّد كون غالب فائدة الأموال التصرّف فيها و الانتفاع بها لا يوجب اختصاص العموم- المدلول عليه بحذف المتعلّق- بهما.

و عليه فقرينيّة حذف المتعلّق على العموم باقية بحالها.

(1) أي: الإمساك، حاصله: أنّه قد يتوهّم عدم حرمة الإمساك و إن كان تصرّفا، حيث إنّ المالك قد أذن له بالإمساك حين دفع المبيع إليه، فيكون الإمساك مأذونا فيه و جائزا.

لكن هذا التوهّم مندفع بأنّ المالك قد دفع المبيع إلى المشتري باعتقاد أنّه ملّكه بإزاء الثمن الذي دفعه المشتري إليه، و المفروض عدم سلامة العوض له شرعا، لفساد المعاوضة و بقاء العوضين على ملك مالكيهما.

(2) الضمائر البارزة في «إذنه، إنّه باختياره، بأنه» و المستتر في «دفعه، ملّكه» راجعة إلى المالك المفهوم من السياق و من قوله: «امرء مسلم» و الضميران البارزان فيهما راجعان إلى المال.

(3) جواب «و أمّا توهّم» و دفع له، و قد تقدّم توضيحه آنفا.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا يختصّ بالمقبوض في العقود المعاوضيّة، و محلّ الكلام

ص: 207

فإذا انتفت (1) صفة العوضيّة باعتبار (2) عدم سلامة العوض له شرعا، و المفروض (3) أنّ كونه على وجه الملكيّة المجّانيّة ممّا لم ينشئها المالك (4).

______________________________

(1) لم يظهر جواب لهذا الشرط في العبارة، و التقدير «انتفى الاذن» و نحوه.

(2) متعلّق ب «انتفت» و هذا وجه انتفاء صفة العوضيّة، إذ بفساد العقد لا يسلم العوض للبائع، فينتفي إذنه للمشتري بالتصرّف في المبيع.

(3) غرضه قدّس سرّه نفي الأسباب التي يجوز لقابض المال- كالمشتري- التصرّف فيه. فما أنشأه البائع- و هو التمليك بالعوض- لم يقع، لفرض فساد البيع. و الملكيّة المجّانية بعنوان الهبة لم ينشئها، فلا معنى لأن يتصرّف هذا المشتري في المبيع بزعم كونه هبة بلا عوض. و كذلك لم ينشئ البائع عنوان الوديعة حتى يكون المال بيد المشتري أمانة مالكية.

و لو فرض إنشاء أحد هذين بعد العلم بفساد البيع كان خارجا عن محلّ البحث أعني به ترتّب قبض المبيع و إقباض الثمن على ذلك العقد الفاسد وفاء به، و اندرج في مورد التراضي الجديد.

(4) حتى يكون الاذن في الإمساك باقيا مع فساد البيع.

______________________________

أعمّ، فالصواب في الجواب أن يقال: إنّ الإقباض في العقود التمليكيّة المعاوضيّة و المجّانيّة لمّا كان بعنوان الوفاء بالعقد، و كون المقبوض ملكا للقابض لم يكن معنى لإذن الدافع، لأنّه باعتقاده مملوك للقابض، و لا محصّل لإذن الغير في تصرّف المالك في ماله، لعدم تسلطه على ذلك.

و أمّا العقود الاستيمانية فالإذن فيها بالتسليط إنّما كان وفاء بمضمون العقد، و مع فسادها ينتفي الاذن.

نعم قد يحرز طيب النفس بالتصرّف في العقود التمليكيّة المجّانيّة كالهبة الفاسدة، فعلى فرض حصوله يجوز التصرّف، لكن لا بدّ من إحرازه، و لا يكفي احتماله. و على تقدير عدمه لا يجوز التصرّف فيه.

ص: 208

و كونه (1) مالا للمالك و أمانة في يده (2) أيضا ممّا لم يؤذن فيه، و لو أذن له فهو استيداع جديد (3). كما أنّه لو ملّكه مجّانا كانت هبة جديدة. و لكنّ (4) الذي يظهر من المبسوط «1» عدم الإثم في إمساكه (5)، و كذا السرائر ناسبا له إلى الأصحاب (6).

______________________________

(1) معطوف على «كونه» و غرضه سدّ باب احتمال أن يكون المبيع أمانة مالكيّة بيد المشتري.

(2) حتى يندرج هذا البيع الفاسد في الأمانات المالكية، و يجوز الإمساك من هذه الجهة، كما يجوز إمساك ملك الغير في باب الوديعة و العارية و نحوهما.

و الوجه في عدم اندراجه في الأمانات واضح، لأنّ البائع أقدم على تمليك ماله بعوض، لا على جعله أمانة عند غيره.

(3) في قبال البيع الفاسد القديم، و المفروض أنّ هذا الاستيداع المالكيّ لم يتحقّق، و احتماله لا يكفي في صيرورته أمانة، بل إذا شكّ فيه اقتضى الأصل عدمه.

(4) هذا تصريح بما فهم من التقييد في أوّل هذا الأمر الثاني بقوله: «على تقدير عدم جواز التصرّف فيه» لظهوره في وجود قائل بجواز الإمساك أو بجواز التصرّف لو كان الإمساك تصرّفا.

(5) قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في المقبوض بالبيع الفاسد: «و يجب عليه ردّه و ردّ ما كان من نمائه المنفصل منه، لأنّ ملك الأوّل لم يزل عنه، فالتصرّف فيه لا يصحّ، و يلزمه ردّه على البائع لأنّه ملكه. و لا إثم عليه، لأنّه قبضه بإذن مالكه» و هذه الجملة الأخيرة ظاهرة في عدم فورية وجوب الرّدّ، فيجوز للمشتري إمساك المبيع.

(6) قال ابن إدريس قدّس سرّه في المقبوض بالبيع الفاسد: «فهو عند أصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب، إلّا في ارتفاع الإثم بإمساكه» «2» بناء على أن يكون عدم الإثم في

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 149

(2) السرائر الحاوي، ج 2، ص 326

ص: 209

و هو (1) ضعيف. و النسبة (2) غير ثابتة. و لا يبعد إرادة صورة الجهل (3)، لأنّه لا يعاقب (4) [1].

______________________________

الإمساك معقدا لإجماع الأصحاب كإجماعهم على لحوق حكم المغصوب بالمبيع بالبيع الفاسد.

(1) أي: و هذا القول الثاني- و هو عدم الإثم الكاشف عن عدم الحرمة- ضعيف، لما تقدّم من دلالة النبويّ على حرمة كلّ فعل يتعلّق بمال الغير بدون إذنه، و لو لم يصدق التصرّف عليه.

(2) يعني: ما نسبه ابن إدريس إلى الأصحاب من عدم الإثم في الإمساك غير ثابت، لاحتمال رجوع الاتّفاق المدلول عليه بقوله: «عند أصحابنا» إلى المستثنى منه خاصّة، بأن يراد: أنّ كون البيع الفاسد بمنزلة الغصب مجمع عليه من جميع الجهات إلّا جهة الإثم في إمساكه، فإنّها مختلف فيها. و عليه لا يكون جواز الإمساك مجمعا عليه، فلا مانع من القول بالحرمة عند مساعدة الدليل.

(3) أي: صورة جهل القابض بفساد المعاملة.

(4) و من المعلوم أنّ عدم العقاب يكشف عن عدم الإثم، و ذلك يلائم حال جهل القابض بفساد المعاملة. و يمكن أن يكون عدم الإثم لتوهّم الإذن المالكيّ كما عليه جماعة. و لعلّ هذا الاحتمال أقرب من الحمل على صورة الجهل، إذ غايته عدم تنجّز التكليف عليه لا عدم حرمته واقعا، و المدّعى هو حرمة الإمساك واقعا سواء تنجّز على المشتري بإحراز الفساد أم لم يتنجّز عليه.

هذا تمام الكلام في الأمر الثاني. و سيأتي الكلام في ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد.

______________________________

[1] قد ذكر السيد قدّس سرّه في حاشيته في الرّدّ على المصنّف قدّس سرّه- القائل بأنّ الإذن مقيّد بالملكية، و هي غير حاصلة- بما حاصله: أنّ الاذن إنّما تكون بالملكيّة الإنشائيّة،

ص: 210

______________________________

و المفروض تحقّقها، و أنّ البائع بنى- و لو تشريعا- على كون المشتري مالكا، لا بالملكيّة الشرعيّة التي لم تحصل لفرض فسادها شرعا.

ثمّ أشكل على ذلك بقوله: «فإن قلت: لم يصدر من البائع إلّا التمليك، و قد صار لغوا في حكم الشرع بالفرض، فأين الاذن».

و أجاب عنه بما لفظه: «قلت: هذا التمليك له حيثيّتان، فهو إذن من حيثية و تمليك من أخرى. و لمّا كان التمليك محتاجا شرعا إلى صيغة صحيحة و المفروض عدمها، فهو غير مؤثّر من هذه الجهة، لعدم حصول شرطه. و أمّا من الحيثيّة الأخرى فهي غير مشروطة شرعا، فيجوز العمل به، فإنّ الإذن مؤثّر في جواز التصرّف، من غير اشتراط بصيغة خاصّة، فيشمله عموم ما دلّ على جواز التصرّف مع الاذن و طيب النفس. و إذا جاز التصرّف فلا يجب الرّدّ إلى المالك فضلا عن كونه فوريّا. نعم لو رجع عن إذنه و طيبه وجب الرّدّ إليه فورا، فتدبّر» «1».

و حاصله: أنّه لا مانع من تأثير التمليك من حيثيّة الاذن في جواز التصرّف، و عدم تأثيره من حيثيّة أخرى، فتأثير الاذن في جواز التصرّف لمّا لم يكن مشروطا بشرط حاصل، لشمول ما دلّ على جواز التصرّف مع الاذن و طيب النفس له.

و فيه: أنّ جواز التصرّف في المقبوض بالعقد الفاسد منوط بأحد أمرين على سبيل منع الخلوّ: إمّا كون ذلك ملكا للقابض، و إمّا إذن المالك في التصرّف فيه.

أمّا الأوّل فانتفاؤه معلوم بالفرض.

و أمّا الثاني فكذلك، إذ لم يأذن فيه المالك أصلا. توضيحه: أنّ الأفعال تارة تتعلّق بالعناوين الكليّة كالأفعال الاعتبارية من بيع الكلّي من الحنطة و الشعير و غيرهما، و كالاذن و طيب النفس. و أخرى تتعلّق بالجزئيّات الخارجيّة كالأكل و الشرب و النوم و الضرب و القيام و القعود و أشباهها.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 95

ص: 211

______________________________

فإن كان الفعل متعلّقا بالشخص كان اعتقاد الفاعل بانطباق الكلّيّ عليه داعيا، فإذا ضرب شخصا باعتقاد أنّه كافر، فتبيّن أنّه مؤمن كان هذا من التخلّف في الداعي، فإنّ الضرب وقع على المؤمن حقيقة، و التخلّف إنّما هو في اعتقاد كفره.

و إن كان متعلّقا بالكلّي فلا يسري إلى غير مصداقه و إن اعتقد الفاعل بمصداقيّته له. مثلا إذا أذن المالك بدخول العلماء في داره لم يجز لغير العالم الدخول فيها و إن اعتقد المالك بعالميّته. و من المعلوم أنّ متعلّق الاذن في قوله (عج): «لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» هو العنوان الكلّيّ، و هو التصرّف في مال الغير بغير إذنه و بعنوان أنّه مال الآذن.

و بعبارة أخرى: إذا أحرز عنوان الاذن في التصرّف في ماله جاز التصرّف. و أمّا الاذن في التصرّف في مال غيره فلا معنى له. و من الواضح أنّ إذن المالك لغيره في التصرّف في ماله بعنوان أنّه ماله مفقود في المقبوض بالعقد الفاسد، ضرورة أنّ الدافع سلّم المال إلى القابض بعنوان أنّه ماله لا مال الدافع، و لم يسلّمه إليه بعنوان العارية و نحوها. و حيث إنّ القابض لم يصر مالكا للمقبوض و لا مأذونا من قبل مالكه في التصرّف فيه لم يجز له التصرّف فيه، لبقائه في المستثنى منه. و هو: «لا يجوز لأحد أن يتصرّف .. إلخ».

و الحاصل: أنّ جواز التصرّف للقابض منوط بإحراز إذن المالك للقابض بالتصرّف في المقبوض بما أنّه ملك للدافع، لا بما أنّه ملك للقابض، إذ لا معنى لإذن غير المالك بتصرف المالك في ماله، فما أفاده الشيخ قدّس سرّه من عدم جواز تصرف القابض هو الأقوى.

ص: 212

[الأمر الثالث ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد]
[أ: المنفعة المستوفاة]

الثالث (1): لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشتري قبل الرّدّ (2) كان

______________________________

ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد أ: المنفعة المستوفاة

(1) البحث في هذا الأمر عن حكم آخر من أحكام المقبوض بالعقد الفاسد لو كان له منفعة، و هو ضمانها، و الكلام في مقامين أحدهما في المنافع المستوفاة، و الآخر في المنافع الفائتة. فإذا اشترى دارا صالحة للسكنى فيها ببيع فاسد، و تسلّمها من البائع فهل يضمن اجرة مثل السكنى فيها كما يضمن قيمة الدار أم لا؟ و هكذا الكلام في سائر الأعيان ذوات النماء و المنفعة لو بيعت بعقد باطل شرعا.

و قدّم قدّس سرّه الكلام في المنافع المستوفاة، و حكم بضمانها وفاقا للمشهور و خلافا لابن حمزة الطوسي كما سيأتي.

(2) هذا من القيود المحقّقة لموضوع ضمان المنافع نظير قولهم: «ان رزقت ولدا فاختنه» في سوقه لبيان موضوع الحكم، و لذا يكون مفهومه سالبة بانتفاء الموضوع.

و كذا في المقام لوضوح أنّ منافع المبيع بعد ردّه إلى المالك غير مضمونة على المشتري

ص: 213

عليه عوضها (1) على المشهور (2). بل ظاهر ما تقدّم من السرائر (3)- من كونه بمنزلة المغصوب- الاتّفاق على الحكم (4).

و يدلّ عليه (5) عموم قوله: «لا يحلّ مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب

______________________________

إلّا بالاستيلاء على العين مرة ثانية عدوانا، فيصير أجنبيا عن حكم المقبوض بالعقد الفاسد و مندرجا في الغصب.

(1) كما إذا اشترى شاة فانتفع بلبنها و صوفها و سائر نماءاتها، فيجب عليه ردّ عوضها. و لا يخفى أنّ التعبير بالعوض- كما في المتن- أولى من التعبير بالأجرة الظاهرة في بدل عمل محترم أو منفعة عين كركوب الدابة.

و أمّا المنافع الأخرى التي هي أعيان أيضا كثمرة الشجرة المبيعة بالبيع الفاسد و لبن الشاة كذلك و نحوهما فالأولى التعبير عن بدلها بالعوض دون الأجرة.

(2) كما في مفتاح الكرامة «1».

(3) تقدّم كلام السرائر في الأمر الثاني، فراجع (ص 209) «2» و غرض المصنّف الإضراب و العدول عن مجرّد شهرة ضمان عوض المنفعة المستوفاة إلى كون الحكم إجماعيّا، لاتّحاد المقبوض بالبيع الفاسد مع الغصب في الأحكام ما عدا الإثم في الإمساك.

(4) و سيجي ء في عبارة التذكرة تصريحه باتفاق علمائنا على ضمان المنافع المستوفاة و غيرها «3».

(5) أي: يدلّ على ضمان المنافع المستوفاة عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يحلّ»

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 748

(2) السرائر الحاوي، ج 2، ص 326

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 381

ص: 214

نفسه» بناء (1) على صدق «المال» على المنفعة،

______________________________

و تقريب الاستدلال يتمّ ببيان أمرين:

الأوّل: أنّ المنافع أموال حقيقة، سواء أ كانت أعيانا تابعة لأعيان اخرى كالثمرة للشجرة، أم أعراضا و حيثيّات قائمة بالأعيان كالسكنى في الدار و الأعمال المحترمة كالخياطة، لما تقدّم في أوّل كتاب البيع من أنّ مناط ماليّة الأشياء هي رغبة العقلاء فيها و تنافسهم عليها، و لا ريب في عدم اختصاص رغبتهم بالأعيان المتموّلة، بل تعمّ المنافع أيضا. و يشهد لماليّة المنافع حكمهم في مسألتين:

إحداهما: جواز جعلها ثمنا في باب البيع، مع أنّ حقيقته المبادلة بين مالين، و لو لم تكن المنفعة مالا لما صحّ جعلها عوضا عن المبيع، بل يتعيّن كون كلا العوضين من الأعيان على ما ذهب إليه الوحيد البهبهاني قدّس سرّه و بعض آخر.

ثانيتهما: جواز جعلها صداقا في باب النكاح، مع وضوح اعتبار ماليّته.

الثاني: أن الحلّ المضاف إلى المال ظاهر في التكليف كما في نظائره. و هذا أجنبيّ عن المدّعى، و هو ضمان المنافع المستوفاة في المبيع بالعقد الفاسد، و لذا ينبغي تقريب الاستدلال بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا يحل مال ..» بأن يقال: إنّ حلّ المال المتلف عبارة عن عدم تعلّقه بذمّة المتلف و عدم كونه مطالبا بالأداء، و مقتضى عدم حلّه استقراره على عهدة المتلف له. و هذا هو ضمان ما استوفاه المشتري من المنافع، فإنّ وزان الاستيفاء في المنافع وزان الإتلاف في الأعيان في كونه مضمّنا.

و بهذا التقريب جاز التمسّك بالنبويّ المذكور لضمان توابع المغصوب من ولد الشاة و اللبن و الصوف و نحوها من التوابع التي هي من الأعيان التي يصدق عليها المال إذا تلفت، فإنّ مناط الضمان في الجميع صدق التصرّف في مال الغير بدون إذنه، و المفروض ماليّة المنافع بأقسامها، هذا.

(1) مبنى هذا البناء هو ظاهر كلام الفيروزآبادي في القاموس من تعريف المال

ص: 215

و لذا (1) يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح [1].

______________________________

بما يختص بالأعيان، و كذا العلّامة الطريحي في المجمع «1». لكنّه مزيّف و لم يعتمد عليه المصنّف في أوّل البيع، حيث قال: «و أمّا العوض فلا إشكال في جواز كونها منفعة».

و قال أيضا: «إنّ الصلح قد يتعلق بالمال عينا أو منفعة ..» «2». و كذلك رجّح ماليّة المنفعة بالاستشهاد بجواز وقوعه ثمنا في البيع و صداقا في النكاح، و لو لم تكن مالا تعيّن كون الثمن و الصداق من الأعيان.

(1) أي: و لأجل كون المنفعة مالا يجعل ثمنا و صداقا.

______________________________

[1] في كلا الشاهدين منع. أمّا في الأوّل فلعدم اعتبار كون الثمن مالا بعد صدق البيع العرفي على تبديل العين بمنفعة أو حقّ، كصدقه على تبديلها بعين. و كذا الحال في الصداق.

ثمّ إنّه يمكن أن يستدلّ على ضمان المنافع بوجوه أخر:

منها: قاعدة اليد، بالتقريب الذي تقدّم في ما يتعلق بمباحث اليد (ص 40).

إلّا أن يستشكل فيه بأنّ الأخذ و إن لم يكن مختصّا بالأعيان الخارجية، لصحة إضافة الأخذ إلى العلم و البيعة و العهود و المواثيق، فيراد باليد هنا الاستيلاء الصادق على أخذ المنافع، إلّا أنّ ذيله يمنع عن الأخذ بظهور الصدر، حيث إنّه لا يعقل ردّ المأخوذ بعينه في المنافع المتصرّمة الوجود، إذ لا تضمن قبل وجودها في الخارج، و بعد وجودها تنعدم، فيمتنع أداؤها إلى المالك.

و المستفاد من النبويّ اعتبار إمكان أداء المأخوذ ذاتا و إن صار ممتنعا بالعرض حتى ينتقل إلى البدل، خصوصا على النسخة المشتملة على قوله: «حتى تؤديه» لكونه كالصريح في ردّ نفس المأخوذ.

______________________________

(1) القاموس المحيط، ج 4، ص 52؛ مجمع البحرين، ج 5، ص 475

(2) راجع هدى الطالب، ج 1، ص 59 و 237

ص: 216

______________________________

و منها: قاعدة الإتلاف، و هي من القواعد العقلائيّة التي لم يردع عنها الشارع، بل أمضاها في موارد كثيرة. مثل ما ورد في شهادة الزور، كصحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه، و إن لم يكن قائما بعينه ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» «1» و نحوه غير من روايات الباب.

و مثل ما ورد في تلف الرّهن بتفريط المرتهن، كموثّقة إسحاق بن عمّار، قال:

«سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يرهن الرّهن بمائة درهم، و هو يساوي ثلاثمائة درهم، فيهلك، أعلى الرّجل أن يردّ على صاحبه مأتي درهم؟ قال: نعم، لأنّه أخذ رهنا فيه فضل و ضيّعه ..» «2» الحديث.

و نحوها سائر روايات الباب، فإنّ التعليل يدلّ على ضمان كلّ من ضيّع مال الغير، إذ لا خصوصيّة عرفا للرّهن، بل موضوع الضمان هو تضييع مال الغير و إن لم يكن رهنا. و هذا هو قاعدة الإتلاف.

ثمّ إنّ المراد بالإتلاف على ما يستفاد من النصوص التي تستند إليها قاعدته ما يعمّ الأكل و الشرب و التضييع و الإفساد، فلو لم يصدق مادّة الإتلاف- و هي التلف- في مورد و لكن صدق التضييع و الإفساد كفى في جريان قاعدة الإتلاف.

فما في حاشية المحقق الايرواني قدّس سرّه: من «أنّ المتبادر من إتلاف المال إخراجه عن المالية بتضييعه، لا إتلافه في سبيل الانتفاع به كأكل المأكول و شرب المشروب» «3».

لا يخلو من غموض، لما عرفت من أنّ المستفاد من الروايات ما يعمّ ذلك. و لا دليل على ما أفاده.

مضافا إلى: أنّ الأكل و الشرب مصلحة للآكل و الشارب، و إتلاف حقيقة لمال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 239، الباب 11 من كتاب الشهادات، الحديث 2

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، الباب 7 من كتاب الرّهن، الحديث 2

(3) حاشية المكاسب، ج 1، ص 96

ص: 217

______________________________

المالك، فلم لا تشمله القاعدة.

فالمتحصّل: أنّ الاستدلال بقاعدة الإتلاف لضمان المنافع المستوفاة- بعد صدق المال على المنافع عرفا كما هو كذلك و عدم العبرة بما يظهر من بعض اللغويّين من اختصاص المال بالعين ذات المنفعة، لتقدّم العرف العامّ عليه- في محلّه. فالاعدام و الإفساد و التضييع كلّها موضوع لقاعدة الإتلاف. ففي معتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل عن القصّار يفسد؟ فقال: كلّ أجير يعطى الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن» «1».

و في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام رفع إليه رجل استأجر رجلا ليصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب، فضمّنه أمير المؤمنين عليه السّلام» «2».

و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل كان له غلام، فاستأجره منه صائغ أو غيره. قال: إن كان ضيّع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون» «3».

و منها: قاعدة الاحترام المستفادة من موثّقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه» «4» بتقريب: أنّ إتلاف ماله يوجب الضمان، و لا يذهب هدرا، كما أنّ دمه لا يذهب هدرا. و من الواضح شموله للمنافع المستوفاة كشموله للأعيان، لكون المنافع ممّا يصدق عليه المال.

و المناقشة فيه «بأنّ الظاهر من حرمة المال بقرينة سائر الجمل المذكورة في الرواية هو الحكم التكليفي، فإنّ سبّ المؤمن و أكل لحمه بمعنى اغتيابه حرام تكليفي

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 271، الباب 29 من أبواب الإجارة، الحديث 1

(2) المصدر، ص 274، الحديث 10

(3) المصدر، ص 251، الباب 11 من أبواب الإجارة، الحديث 2

(4) وسائل الشيعة، ج 8، ص 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3

ص: 218

______________________________

فقط. و وحدة السياق تقتضي كون حرمة المال أيضا تكليفيّة محضة، فلا يستفاد الحكم الوضعي و هو الضمان من هذه الرواية» «1».

مندفعة أوّلا: بأنّه لا موجب للحكم الوضعيّ في سائر الجمل، لأنّ الفسوق و الكفر و المعصية كالصريح في الحرمة التكليفيّة، و لذا عبّر بغير هذه التعبيرات في المال، فلا مانع من حرمة المال تكليفا و وضعا. و هذا بخلاف النهي عن السباب و الغيبة و القتل الظاهر في التكليف خاصة.

و ثانيا: بأنّ تشبيه حرمة المال بحرمة الدم ظاهر في الضمان، و أنّ ماله كدمه لا يذهب هدرا. فحمل هذه الجملة- كسائر الجمل- على الحكم التكليفي فقط أو جعلها مجملة كما في بعض الكلمات «2» ليس كما ينبغي.

نعم يمكن المناقشة في قاعدة الاحترام بأخصّيّتها من المدّعي الذي هو ضمان المنافع سواء أ كان المقبوض مالا لمسلم أم غيره. و روايات القاعدة تتضمّن حرمة مال المسلم، و هذه الإضافة ظاهرة في كونها حيثيّة تقييديّة، فمال المسلم من حيث إضافته إلى المسلم محترم، فالاحترام إنّما هو لهذه الحيثيّة، لا لحيثيّة المال ليكون الاحترام مترتبا على المال من حيث كونه مالا حتى يكون دليلا على ضمان منافع المبيع فاسدا المستوفاة.

اللّهم إلّا أن يتشبث بعدم الفصل في حرمة المال بين المسلم و من بحكمه كالذّميّ.

و منها: الروايات الدالّة على عدم حلّيّة مال امرئ مسلم إلّا بطيب نفسه، و على حرمة التصرّف في مال الغير بدون إذنه «3». بعد ما عرفت من صدق المال على المنافع، و لذا تقع ثمنا في البيع و صداقا في النكاح. و قد تقدّم ذلك.

و منها: ما ورد في جملة من الروايات من: «أنّه لا يصلح ذهاب حق أحد» كحسن الحلبي و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سألته هل تجوز شهادة أهل ملّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 8، ص 610، الباب 158 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 3

(2) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 91

(3) ذكرنا مصادرها في ص 124 فراجع.

ص: 219

______________________________

على غير أهل ملّتهم؟ قال: نعم، إذا لم يجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، انّه لا يصلح ذهاب حق أحد» «1».

و الاستدلال بها منوط بصدق الحقّ على المال، و بكون عدم صلوح ذهابه كناية عن ضمانه، و إلّا فلا وجه للاستدلال بها على الضمان كما قيل. و مورد بعض هذه الروايات الوصية، و مقتضاها أنّ للمسلم أن يوصي بماله، و هذا حقّ له، و لا يصلح ذهاب حقّه. و هذا المعنى أجنبيّ عمّا نحن فيه.

مضافا إلى ما قيل من: أنها لا تشمل صورة التلف، فالدليل أخصّ من المدّعى.

إلّا أن يقال: إنّه إذا كان الحق لازم الرعاية، مع أنّه ليس مالا، و إضافته إلى من له الحق أضعف من إضافة المال إلى مالكه، فرعاية المال أولى.

أو يقال: إنّ حقّ أحد إذا ثبت على ذمّة غيره فلا يصح ذهابه بغير عوض، و هذا يدلّ على الضمان.

و أمّا ورود الروايات في باب الوصيّة فلا يمنع عن الاستدلال بها على الضمان، لإباء التعليل بعدم صلوح ذهاب حق أحد عن الاختصاص بباب الوصيّة، و بملّة دون أخرى. إلّا إذا قام دليل على التخصيص و عدم حرمة المال، كما ورد في الحربي.

و منها: قاعدة نفي الضرر في الشريعة المقدسة المستفادة من عدّة روايات.

تقريب الاستدلال بها: أنّ الحكم بعدم ضمان القابض لمنافع المال بالعقد الفاسد ضرر على المالك، فينفى بالقاعدة.

و نوقش فيه بأنّها لا تدلّ على الضمان سواء أريد بها نفي الحكم الضرري أوّلا كما هو مقتضى النفي البسيط و عليه المصنّف. أم أريد بها النفي المركّب أعني نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما عليه صاحب الكفاية و بعض المحققين.

وجه عدم الدلالة: اختصاص أدلّة نفي الضرر برفع الأحكام الوجوديّة الضرريّة كوجوب الوضوء و لزوم البيع. و أمّا إذا كان الضرر ناشئا من عدم جعل حكم كالضمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 390، الباب 20 من كتاب الوصايا، الحديث 3

ص: 220

______________________________

في المقام، فقاعدة نفي الضرر لا تنفيه ليثبت الجعل الشرعي كالضمان.

و لكن يمكن دفع هذه المناقشة بأنّ العدم تارة يراد به العدم الواقعي كعدم الوجوب و عدم الحرمة. و أخرى يراد به إنشاء عدمهما، كأن يقول الشارع «لا يجب أو لا يحرم».

فإن أريد بالعدم المعنى الأوّل لم يرتفع بقاعدة الضرر، لعدم كونه حكما حتى يرفعه دليل نفي الضرر.

و إن أريد به المعنى الثاني كان مجعولا مشمولا لقاعدة نفي الضرر، و الأعدام بعد تشريع الأحكام تكون مجعولة و لو بالإمضاء، لأنّ إبقاء الشارع لها مع تشريع الأحكام جعل لها بقاء، لا إخبار ببقاء الأعدام الواقعية على حالها كما تخيّله بعض. و هذا المقدار من الجعل كاف في نفيها بقاعدة الضرر، لأنّ إمضاء تلك الأعدام- و لو بمثل أصالة عدم الضمان- من الإسلام أيضا، فيشمله قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» أو «في الدين». فعدم ضمان المنافع المستوفاة حكم ضرريّ ينفى بقاعدة الضرر.

و الحاصل: أنّ إبقاء عدم ضمانها حكم ضرريّ ينفى بقاعدته.

هذا بناء على كون مفاد قاعدة نفي الضرر نفي نفس الحكم الضرري كما عليه المصنّف قدّس سرّه.

و أمّا بناء على كون مفادها نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فالأمر أوضح، لأنّه يقال: إنّ استيفاء المنافع مجّانا ضرريّ، أو تفويت منافع العين المملوكة للغير بإمساك العين ضرريّ، فيرتفع حكمه أعني عدم الضمان و يثبت الضمان.

لا يقال: إنّ المقام يكون من تعارض الضررين، لأنّ اشتغال ذمّة القابض ضرر أيضا كتضرّر الدافع.

فإنّه يقال: إنّ الضرر- و هو النقص- لا يرد على الدافع، لأنّه يدفع بدل المنفعة التي استوفاها، لا أنّه يتضرّر حتى يندرج في تعارض الضررين، فإنّ دفع عوض المال الذي دخل في كيسه ليس نقصا في المال، بل دفع لمال الغير، كأداء الثمن.

و منها: قاعدة الاستيفاء، فإنّ استيفاء مال الغير من دون إذن المالك في استيفائه مجّانا موجب للضمان إجماعا، و عليه السيرة العقلائيّة التي لم يردع عنها الشارع.

و هذه الوجوه لو نوقش في بعضها ففي البعض الآخر منها كفاية.

ص: 221

خلافا للوسيلة (1)، فنفى الضمان، محتجّا بأنّ «الخراج بالضمان» كما في النبويّ المرسل (2). و تفسيره (3): أنّ من ضمن شيئا و تقبّله لنفسه فخراجه له. فالباء

______________________________

(1) قال ابن حمزة قدّس سرّه: «فإذا باع أحد بيعا فاسدا و انتفع به المبتاع، و لم يعلما بفساده، ثم عرفا، و استردّ البائع المبيع، لم يكن له استرداد ثمن ما انتفع به، أو استرداد الولد إن حملت الأمّ عنده و ولدت، لأنّه لو تلف لكان من ماله، و الخراج بالضمان» «1».

و صريح كلامه قدّس سرّه اختصاص عدم ضمان المنافع المستوفاة في المبيع بالعقد الفاسد بصورة جهلهما بالفساد، مع أنّ عنوان البحث في المتن شامل لصورة علمهما أو علم أحدهما بالفساد.

و كيف كان فيكفي للتعرّض لكلام ابن حمزة قوله بعدم الضمان موجبة جزئيّة و هي صورة الجهل بالبطلان. و محصّل استظهاره من الحديث النبويّ هو: أنّ من أقدم على ضمان شي ء و تقبّله لنفسه بتضمين المالك فالخراج- أي: ما يخرج من ذلك الشي ء من الفوائد و المنافع- له مطلقا، سواء أمضى الشارع هذا الضمان أم لا. و من المعلوم أنّ المشتري في المقام أقدم على ضمان المبيع بتضمين البائع إيّاه على أن يكون خراجه له مجّانا، فضمان المبيع عليه و منافعه له، حتى على تقدير فساد المعاملة.

(2) قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ «و روي عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنّه قضى بأنّ الخراج بالضمان» ثم قال: «و معناه: أنّ العبد مثلا يشتريه المشتري، فيغتله حينا، ثم يظهر على عيب به، فيردّ بالعيب أنّه لا يردّ ما صار إليه من غلّة و هو الخراج، لأنّه كان ضامنا له و لو مات» «2».

(3) هذا التفسير إلى قوله: «و الفائدة بإزاء الغرامة» استظهار المصنّف من كلام ابن حمزة قدّس سرّهما، و توجيه استدلاله بالحديث.

______________________________

(1) الوسيلة (ضمن الجوامع الفقهية) ص 744، السطر 33

(2) عوالي اللئالي، ج 1، ص 219، الحديث 89

ص: 222

للسببيّة (1) أو المقابلة (2) [1]. فالمشتري (3) لمّا أقدم على ضمان المبيع و تقبّله (4) على نفسه بتقبيل البائع و تضمينه إيّاه على (5) أن يكون الخراج له مجّانا كان (6) اللازم

______________________________

(1) لأنّ ضمان المبيع سبب لملكيّة المنافع. وجه تسمية «الباء» بالسببيّة أنّها تدخل على الأسباب، كقوله تعالى ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

(2) «باء» المقابلة هي التي تدخل على الأعواض، مثل «اشتريته بألف، و كافيت إحسانه بضعف» ففي المقام إذا ثبت الخراج كان ضمان العين عوضا عنه، فتدبّر.

(3) قد عرفت في توضيح ما استدلّ به شيخ الطائفة على قاعدة «ما لا يضمن» من قاعدة الإقدام: أنّ كل واحد من البائع و المشتري أقدم على الضمان المعاوضيّ، فالبائع يضمّن المشتري المبيع، و يجعله على عهدته و يتقبّله المشتري، و يضمّن البائع الثمن و يتقبّله هو. و بعد هذا الاقدام لو كان نماء للمبيع كان ملكا للمشتري في قبال ضمانه للمبيع.

(4) أي: تقبّل المشتري المبيع على نفسه و ضمنه- بعد تمليك البائع و تضمينه- مبنيّا على أن تكون منفعته للمشتري مجّانا، فلو استوفاها لم يلزمه عوضها.

(5) يعني: أنّ الشرط الارتكازيّ المبنيّ عليه البيع هو كون النماء للمشتري سواء صحّ البيع أم فسد.

(6) جواب الشرط في قوله: «لمّا أقدم».

______________________________

[1] قد يقال: إنّ «الباء» كما يحتمل أن تكون للسببيّة، يحتمل أن تكون للمقابلة، فيكون الكلام مجملا، و الاستدلال بالحديث على عدم الضمان مبنيّ على السببيّة، فلا يصحّ.

لكنّه مندفع بأنّ الأصل في الباء السببية، بل يمكن إرجاع المقابلة- بنحو من العناية- إلى السببيّة أيضا.

ص: 223

من ذلك (1) أنّ خراجه له على تقدير الفساد (2). كما أنّ الضمان عليه (3) على هذا التقدير أيضا.

و الحاصل (4): أنّ ضمان العين لا يجتمع (5) مع ضمان الخراج. و مرجعه (6) إلى أنّ الغنيمة و الفائدة بإزاء الغرامة.

و هذا المعنى (7) مستنبط من أخبار كثيرة متفرّقة، مثل قوله- في مقام الاستشهاد على كون منفعة المبيع في زمان الخيار للمشتري-: «ألا ترى أنّها

______________________________

(1) أي: من الاقدام على ضمان المبيع على أن يكون خراج المبيع له مجّانا.

(2) كما أنّ الخراج للمشتري مجّانا على تقدير الصحة، لوحدة الدليل و هو الاقدام على تضمين العين بشرط مجّانيّة المنفعة.

(3) أي: كما أنّ ضمان العين يكون على المشتري على تقدير فساد العقد- و لو ببدله الواقعيّ لا الجعليّ- إذ ليس مدار ضمان العين على صحّة البيع شرعا، بل على جعل المتعاملين و إقدامهما، و هو موجود في كلتا صورتي إمضاء الشارع و عدمه.

(4) يعني: حاصل تفسير ابن حمزة للحديث النبويّ هو عدم اجتماع ضمان العين و المنفعة في باب البيع.

(5) إذ المفروض كون ضمان العين سببا لملكيّة المنافع للضامن، فلا يجتمع الضمانان- أي: ضمان العين و المنافع- على ضامن العين، كالمشتري، فلا بدّ أن يكون ضامنا للعين فقط، لأنّ ضمان العين عوض المنافع.

(6) أي: و مرجع عدم اجتماع ضمان العين مع ضمان الخراج هو: أنّ الغنيمة تكون بإزاء غرامة العين و بدلا لها.

(7) أي: كون ضمان العين سببا لملك الخراج، بحيث يكون ضامن العين مالكا لمنافعها- المعبّر عنها بالخراج- ليترتّب عليه عدم ضمان المنافع التي استوفاها من المقبوض بالعقد الفاسد.

ص: 224

..........

______________________________

و غرض المصنّف قدّس سرّه من هذا بعد نقل تفسير الحديث على رأي ابن حمزة قدّس سرّه هو تأييد هذه المقالة بما ورد في غير واحد من الأخبار، مثل ما دلّ على أنّ منفعة الدار المبيعة ببيع خياريّ تكون ملكا للمشتري في الزمان المتخلّل بين البيع و الأخذ بالخيار.

ففي موثّقة إسحاق بن عمار، قال: «حدّثني من سمع أبا عبد اللّه عليه السّلام و سأله رجل و أنا عنده، فقال: رجل مسلم احتاج الى بيع داره، فجاء إلى أخيه، فقال له:

أبيعك داري هذه، و تكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك، على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ؟ فقال: لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه، قلت: فإنّها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلّة، لمن تكون الغلة؟ فقال: الغلّة للمشتري، ألا ترى أنّها لو احترقت لكانت من ماله» «1».

و في رواية معاوية بن ميسرة: «قال: سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل باع دارا له من رجل، و كان بينه و بين الرجل الذي اشترى منه الدار حاصر، فشرط أنّك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله، قال:

له شرطه. قال له أبو الجارود: فإنّ ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين، قال: هو ماله. و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: أ رأيت لو أنّ الدار احترقت من مال من كانت؟ تكون الدار دار المشتري» «2».

و تقريب دلالتهما على مدّعى ابن حمزة قدّس سرّه هو: أنّ الامام عليه السّلام حكم بدخول منافع الدار- في مدّة الخيار- في ملك المشتري المستوفي لها، و لا يكون ضامنا لعوضها للبائع بعد فسخ العقد. و الوجه في عدم ضمانها هو ضمانه لنفس المبيع و بذل الثمن بإزائه، و هذا المطلب هو مفاد حديث «الخراج بالضمان».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 355، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 1، و المراد بالحاصر هو الجدار.

(2) المصدر، الحديث 3

ص: 225

لو أحرقت كانت من مال المشتري» [1].

و نحوه في الرهن (1) و غيره (2).

______________________________

(1) كموثق إسحاق بن عمّار، قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام: الرّجل يرهن الغلام و الدار فتصيبه الآفة، على من يكون؟ قال عليه السّلام: على مولاه، ثم قال: أ رأيت لو قتل قتيلا على من يكون؟ قلت: هو في عنق العبد. قال عليه السّلام: ألا ترى فلم يذهب مال هذا، ثم قال: أ رأيت لو كان ثمنه مائة دينار فزاد و بلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟

قلت: لمولاه، قال عليه السّلام: كذلك يكون عليه ما يكون له» «1».

(2) لعلّ مراده قدّس سرّه ما ورد في باب الإجارة من أنّه يجوز لمن استأجر أرضا أن يؤجرها بأكثر ممّا استأجرها بشرط أن تكون الأجرة الثانية مغايرة للأجرة الاولى في الجنس، أو أن يحدث في الأرض ما يقابل التفاوت بأن يحفر فيها نهرا و نحو ذلك.

فيقال في تقريب دلالتها على مدّعى ابن حمزة: إنّ المستأجر الأوّل لمّا ضمن الأجرة للمالك أو للسلطان أو لمن بيده أمر الأرض كانت الفائدة الحاصلة بالإجارة الثانية عائدة له، لا لمالك الأرض.

______________________________

[1] الظاهر عدم ارتباطهما بهذا المعنى أي كون ضامن العين مالكا لخراجها لأجل ضمان العين. بل هي في مقام بيان كون العين في مدة الخيار ملكا للمشتري، و أنّ ملكيّة المنفعة لقاعدة تبعيّتها في الملكيّة للعين.

و بعبارة أخرى: قاعدة تبعية المنافع للعين في الملكيّة سارية في جميع موارد ملكيّة العين مطلقا و إن لم يكن ضمان للعين بإزاء مال كالمجّانيّات من الهبة و نحوها، فإنّ ملكيّة العين مطلقا تقتضي ملكيّة المنفعة.

فليس المقصود سببيّة ضمان العين لملك المنفعة و خراجها. و لا قاعدة «من له الغنم فعليه الغرم» فالأخبار المشار إليها أجنبيّة عن مدّعى ابن حمزة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 126، الباب 5 من أبواب الرهن، الحديث 6

ص: 226

و فيه (1): أنّ هذا الضمان ليس هو ما أقدم عليه المتبايعان حتى يكون

______________________________

ففي معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرّجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسمّاة أو بطعام مسمّى، ثم آجرها، و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقلّ من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل، أ يصلح له ذلك؟ قال: نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك» الحديث «1».

هذا ما يتعلّق بالجهة الثانية و هي تأييد مقالة ابن حمزة الطوسي أعلى اللّه مقامه.

(1) هذا شروع في الجهة الثالثة مما يتعلّق بكلام ابن حمزة، و هو المناقشة فيه، و المذكور في المتن وجوه ثلاثة من الإيراد، أفاد أوّلها المصنف، ثم تعرّض للوجهين الآخرين و ردّهما.

أمّا مناقشة المصنف في كلام ابن حمزة فتوضيحها: أنّه قد تقدم (في ص 116) الإيراد على استدلال شيخ الطائفة بالإقدام على الضمان في البيع الفاسد بما محصّله: أنّ ما أقدما عليه من العوض المسمّى لم يسلم لهما، و لم يقدما على البدل الواقعي حتى يضمناه. و كذلك يقال في المقام، حيث إنّ ضمان المقبوض بالعقد الفاسد ضمان قهريّ شرعيّ، و ليس ضمانا اختياريّا للمتبايعين حتى يستلزم ملكيّة المنافع لضامن العين.

و المفروض أنّ الضمان الموجب لملكيّة المنافع هو الضمان المعاوضيّ الذي أقدم عليه المتعاقدان و أمضاه الشارع.

و بالجملة: الضمان المستلزم لملكيّة الخراج هو الضمان المقيّد بقيد الاقدام و الإمضاء، دون الضمان القهريّ الذي يكون من باب الغرامة المعبّر عنها بالضمان الواقعيّ، و المفروض أنّ الضمان في المقبوض بالعقد الفاسد ليس من الضمان المعاوضيّ الاختياريّ الذي أقدم عليه المتعاقدان و أمضاه الشارع، بل من الضمان القهريّ الذي لا يوجب ملكيّة المنافع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 13، ص 261، الباب 21 من أحكام الإجارة، الحديث 3

ص: 227

الخراج بإزائه (1)، و إنّما هو أمر قهريّ حكم به الشارع كما حكم (2) بضمان المقبوض بالسّوم و المغصوب. فالمراد بالضمان (3) الذي بإزائه الخراج التزام (4) الشي ء على نفسه و تقبّله له مع إمضاء الشارع له [1].

و ربّما ينتقض ما ذكرنا (5) في معنى الرواية بالعارية المضمونة،

______________________________

(1) بمقتضى «الخراج بالضمان» وجه عدم الاقدام على ضمان المبيع فاسدا هو: أنّه مضمون بالبدل الواقعيّ مع أنّ المقدم عليه ضمان جعليّ.

(2) بإطلاق «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

(3) يعني: في حديث: «الخراج بالضمان» و غرضه قدّس سرّه- بعد أن نفى كون ضمان المقبوض بالعقد الفاسد من الضمان المعاوضيّ الاختياريّ الممضى شرعا- أنّ المراد بالضمان الموجب لملكية المنافع هو معناه المصدريّ أي التزام الشي ء على نفسه و تقبّله له، مع إمضاء الشارع له. و الضمان بهذا المعنى مفقود في المقبوض بالعقد الفاسد، فلا يكون ضمان العين فيه موجبا لملكيّة المنافع حتى لا يضمنها.

(4) خبر قوله: «فالمراد».

(5) من كون الضمان في الحديث هو الضمان الاختياريّ الممضى شرعا الذي نبّه عليه بقوله: «فالمراد بالضمان الذي بإزائه الخراج ..» دون الضمان القهري الجاري في المقبوض بالبيع الفاسد.

و توضيح النقض الوارد على إرادة الضمان الاقداميّ الاختياريّ هو: أنّ المستعير إذا أقدم على ضمان العارية- بأن شرطه المعير عليه- و أمضاه الشارع لم يوجب هذا الإقدام مالكيّة المستعير لمنافعها، لما تقرّر عندهم من أنّه لا يملك منافع العارية، و إنّما يملك الانتفاع الذي عيّنه المالك له. و بهذا يشكل جعل مدلول الحديث

______________________________

[1] لكنه لا قرينة عليه، فيحتمل أن يراد به اسم المصدر، يعني كونه في العهدة، كما يحتمل إرادة معان أخر منه سيأتي بيانها.

ص: 228

حيث إنّه (1) أقدم على ضمانها، مع أنّ خراجها ليس له [1] لعدم تملّكه للمنفعة، و إنّما تملّك الانتفاع الذي عيّنه المالك (2)، فتأمّل (3).

______________________________

مخصوصا بالضمان الاقداميّ الممضى شرعا، فإنّ الشارع الممضى للعارية المضمونة لم يحكم بمالكيّة المستعير لخراجها.

(1) أي: أنّ المستعير أقدم على ضمان العين و لم يتملّك الخراج.

(2) كما في الشرائع، حيث قال: «و يقع بكل لفظ يشتمل على الاذن في الانتفاع» و قال أيضا: «و لا يجوز إعارة العين المستعارة إلّا بإذن المالك، و لا إجارتها، لأنّ المنافع ليست مملوكة للمستعير و إن كان استيفاؤها» «1».

(3) لعلّه إشارة إلى كفاية جواز استيفاء الخراج- بلا ضمان له مع ضمان العين- في صدق «الخراج بالضمان» إذ حاصل المعنى حينئذ: أنّ ضمان العين رافع لضمان المنافع، سواء صارت ملكا لضامن العين أم لا.

أو إلى: فقدان تملّك الانتفاع في العارية أيضا، بل تباح المنافع له بإذن مالك العين، فكأنّ معناه: أنّ ضمان العين يمنع عن ضمان المنافع و إن لم تصر مملوكة لضمان العين، فلا ينتقض- إرادة الضمان الاختياريّ- بالعارية.

أو إلى: أنّ معنى «الخراج بالضمان» هو كون الخراج في مقابل ضمان العين بعنوان كونها ملكه في حال الانتفاع بالعين، و من المعلوم أنّ العارية المضمونة ليست كذلك، لأنّها لم تضمن بعنوان كون العين ملكا للمستعير، فلا نقض.

______________________________

[1] المعروف في العارية أنّها إباحة الانتفاع بمنافع ملك الغير مجّانا مع بقاء المنفعة على ملك مالك العين، نظير إباحة الطعام للضيف و نثار الأعراس. قال في التذكرة: «ليس للمستعير أن يعير». و قال في وجهه: «إنّه غير مالك للمنفعة، و لهذا

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 171 و 173

ص: 229

و الحاصل (1): أنّ دلالة الرواية لا تقصر عن سندها في الوهن، فلا يترك

______________________________

(1) هذا ملخّص ما أورد به المصنف على ابن حمزة قدّس سرّهما النافي لضمان المنافع المستوفاة مستدلّا بالحديث النبويّ. و محصّل الكلام: أنّ الحديث موهون سندا و دلالة. أمّا سندا فلأنّه مرويّ بطرقنا مرسلا، و لا عبرة بالمراسيل ما لم تنجبر بعمل المشهور، و قد عرفت إعراض المشهور عن المدلول الذي استظهره ابن حمزة، بل ادّعى الإجماع على ضمان المنافع المستوفاة. و هذا الحديث و إن روي مسندا بطرق العامّة لكنّه مرميّ بضعف بعض رجاله كما سيأتي في التعليقة.

و أمّا دلالة فلأنّ محتملات الحديث كثيرة، و لا معيّن لما استظهره ابن حمزة منه، و يكفي في ردّه ما أفاده المصنف من اختصاصه بموارد الاقدام المضمّن الممضى شرعا.

و عليه فلا معارض لما يدلّ من القواعد الجارية في ضمان مطلق الأموال

______________________________

لا يجوز أن يؤجر» «1».

و يحتمل- كما قيل:- أن تكون العارية تمليك المنفعة مجّانا، كالهبة التي هي تمليك العين مجّانا، كما أنّ الإجارة تمليك المنفعة بعوض، في مقابل البيع الذي هو تمليك العين بعوض. ففي التذكرة في مقام الاستدلال على مشروعيّة العارية ما لفظه:

«أما الإجماع فلا خلاف بين علماء الأمصار في جميع الأعصار في جوازها و الترغيب فيها. و لأنّه لمّا جازت هبة الأعيان جازت هبة المنافع، و لذلك صحّت الوصيّة بالأعيان و المنافع جميعا» «2» و هو صريح في كون العارية من هبة المنافع.

لا يقال: إنّه على هذا يجوز للمستعير إجارة العين المستعارة، مع أنّ من المسلّم عدم جوازها.

فإنّه يقال: إنّ عدم جواز إجارتها إنّما هو لأجل شرط انتفاع المستعير بنفسه، و لو شرطا ضمنيّا مبنيّا عليه عقد العارية.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 209، السطر 14

(2) المصدر، السطر 27

ص: 230

لأجلها قاعدة ضمان مال المسلم و احترامه و عدم حلّه (1) إلّا عن طيب النفس.

و ربّما يردّ هذا القول (2)

______________________________

- سواء أ كانت أعيانا أم منافع- كقاعدة الاحترام.

(1) هذا عطف تفسير للاحترام، و ليس دليلا آخر على ضمان مال المسلم.

(2) أي: قول ابن حمزة قدّس سرّه بعدم ضمان المنافع المستوفاة، و يستفاد هذا الرّدّ من العلّامة و غيره حيث استدلّوا على ضمان منافع المبيع فاسدا بالروايات المتقدّمة في الأمر الأوّل- و هو ضمان المقبوض بالبيع الفاسد- المتضمنة لحكم الامام عليه السّلام بضمان منافع الأمة المسروقة. قال السيد العاملي قدّس سرّه في بيع الفضولي: «إذا لم يجز المالك رجع في عين ماله و نمائه متصلا أو منفصلا، و عوض منافعه المستوفاة و غيرها .. و في رواياتهم ما يدل عليه ..» «1». و قال في موضع آخر: «و يرجع به- بالمبيع فاسدا- و بزوائده متّصلة كالسمن و منفصلة كالولد، و بمنافعه المستوفاة و غيرها كما في المبسوط و غيره، و المخالف ابن حمزة» «2».

و حاصل الرّدّ: أنّ الجارية المسروقة كما تكون بنفسها مضمونة على المشتري الجاهل بالحال. كذلك تكون منافعها من الولد و الخدمة و اللبن مضمونة عليه.

و لو كان ضمان العين- في البيع الفاسد- موجبا لحلّيّة المنافع للمشتري لم يكن وجه لحكم الشارع بضمان نماءاتها.

و عليه فضمان المنافع مناف لما استظهره ابن حمزة من حديث «الخراج بالضمان» فلا بدّ من حمله- بعد فرض اعتباره سندا- على البيع الصحيح كما صنعه العلّامة «3» قدّس سرّه، هذا تقريب الرّدّ على ابن حمزة، و ستأتي خدشة المصنف فيه.

________________________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 169

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 319

ص: 231

بما ورد (1) في شراء الجارية المسروقة: من ضمان قيمة الولد (2) و عوض اللبن، بل عوض كلّ ما انتفع.

و فيه (3): أنّ الكلام في البيع الفاسد الحاصل بين مالكي العوضين (4) من

______________________________

(1) كخبر زرارة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل اشترى جارية من سوق المسلمين، فخرج بها إلى أرضه، فولدت منه أولادا، ثم أتاها من يزعم أنّها له، و أقام على ذلك البيّنة. قال: يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» «1».

(2) لا يخفى أنّ ضمان قيمة الولد و اللبن و سائر المنافع لم يرد في رواية واحدة، بل تضمّنتها نصوص متفرقة، ففي صحيحة جميل «و يدفع إليه المبتاع- و هو المشتري- قيمة الولد» و في رواية زرارة المتقدّمة ضمان عوض اللبن و الخدمة، و في خبر آخر ضمان كل ما انتفع، فمقصود الرّادّ على ابن حمزة ورود ضمان هذه في الأخبار المتفرّقة.

(3) هذه مناقشة المصنّف قدّس سرّه في التمسك بهذه الروايات لردّ ابن حمزة. و حاصل المناقشة: أنّ مورد الأخبار المتقدّمة أجنبيّ عن مسألة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد، و عدمه، لأنّ الكلام بين ابن حمزة و بين المشهور إنّما هو في المقبوض بالعقد الفاسد، من غير جهة الغصب، كما يدلّ عليه قوله في ذيل عبارته في الوسيلة: «فإن غصب إنسان أو سرق مال غيره .. الى قوله: و إن لم يكن عارفا كان له الرجوع عليه بالثمن و بما غرم للمالك» حيث إنّه يدلّ على غرامته للمالك غير الثمن من عوض المنافع، و لا وجه له إلّا ضمانها للمالك.

(4) و هذا أجنبيّ عن أخبار ضمان منافع الجارية المسروقة، إذ ليس بائعها مالكها، بل هو غاصب، و لا ملازمة في الضمان بين منافع المغصوب المبيع، و بين منافع

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 4 و نحوه الحديث 2

ص: 232

جهة (1) أنّ مالك العين جعل خراجها له (2) بإزاء ضمانها بالثمن، لا (3) ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير [1].

______________________________

المبيع فاسدا لاختلال شرط صحّته.

(1) متعلّق ب «الكلام» يعني: أنّ وجه البحث في مسألة ضمان منافع المقبوض بالبيع الفاسد هو: أنّ البائع أقدم على جعل منافع المبيع ملكا للمشتري في قبال الثمن، فإمضاء هذا الاقدام و عدم إمضائه غير مرتبط بضمان نماء الجارية المسروقة التي يكون ضمانها من جهة الغصب.

(2) أي: للمشتري، في قبال الثمن الذي يدفعه إلى البائع.

(3) معطوف على «جهة» يعني: ليس كلامنا في ضمان المقبوض بالعقد الفاسد شاملا لمطلق موارد الفساد حتى من ناحية مغصوبيّة العوضين أو أحدهما، حتى نستدلّ على ضمان المنافع بنصوص الجارية المسروقة، بل محلّ الكلام فساد العقد من غير ناحية الغصب، بأن كان العوضان مملوكين.

______________________________

[1] قد يشكل هذا الجواب بمنافاته لما تقدّم منه من الاستدلال بفحوى أخبار ضمان منفعة الجارية المسروقة على ضمان نفس الجارية لو تلفت بيد المشتري.

وجه المنافاة: أنّ الاستدلال بالفحوى منوط باتّحاد المقبوض بالعقد الفاسد و المغصوب حكما، سواء أ كان منشأ فساد العقد اختلال شرط الصيغة أو العوضين أو المتعاملين، كما أنّ إطلاق عنوان المسألة شامل لجميع مناشئ الفساد. و من المعلوم أنّ ما أفاده هنا من قوله: «لا ما كان فساده من جهة التصرّف في مال الغير» يقتضي اختصاص مدلول هذه الأخبار بما كان منشأ بطلان العقد عدم تملّك العوضين خاصّة، و معه كيف يتّجه الاستدلال بفحواها على ضمان المقبوض بالعقد الفاسد مطلقا؟ و جعلها في عداد حديث اليد و غيره ممّا يدل على ضمان المبيع بالبيع الفاسد؟

ص: 233

و أضعف من ذلك (1) ردّه بصحيحة أبي ولّاد المتضمنة لضمان منفعة

______________________________

(1) المشار إليه هو ردّ قول ابن حمزة بنصوص ضمان منافع الجارية المسروقة.

و هذا إشارة إلى وجه آخر لردّ مقالة ابن حمزة قدّس سرّه. و توضيحه: أنّه ورد في صحيحة أبي ولّاد الحناط السؤال عن اكتراء بغل من الكوفة إلى مسافة معيّنة- و هي قصر بني هبيرة- لاستيفاء دين من غريم، فلمّا خرج من الكوفة و وصل إلى قنطرتها أخبر بخروج الغريم إلى مكان آخر، و هو النيل، فتابعه أبو ولّاد إلى أن ظفر به ببغداد، و فرغ ممّا بينه و بينه، و رجع إلى الكوفة، و قد طال سفره من مبدئه إلى منتهاه خمسة عشر يوما، و هي أزيد بكثير من المدّة المتعارفة للسير من الكوفة إلى قصر بني هبيرة و الرجوع منه إلى الكوفة. فأراد أبو ولّاد التحلّل من المكاري ببذل اجرة أخرى زائدة على الأجرة المعيّنة أوّلا، فلم يرض بها صاحب البغل، فتراضيا بالترافع إلى قاضي الجور، فحكم ببراءة ذمّة أبي ولّاد من الأجرة الزائدة، مستدلّا بحديث الخراج بالضمان، فاسترجع صاحب البغل من هذا القضاء الجائر.

إلى أن تشرّف أبو ولّاد للحجّ و زار الامام الهمام أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه و أبنائه الطاهرين، و قصّ عليه قصّته، فقال عليه السّلام: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركاتها» و حكم على أبي ولّاد بضمانه لاجرة البغل في جميع المدّة التي خرج به من الكوفة حتى عوده إليها، لأنّه استوفى منفعته بإجارة فاسدة، لإخلاله بالشرط، فصار البغل مغصوبا، فيضمنه كما يضمن ما استوفى من منافعه.

و عليه تكون هذه الصحيحة ردّا على ابن حمزة القائل بأنّ ضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها، هذا.

و ناقش المصنّف قدّس سرّه في هذا الرّدّ مقتصرا على قوله: «و أضعف منه ذلك» وجه الأضعفيّة: أنّه ليس في الغصب- الذي هو مورد صحيحة أبي ولّاد- عقد فاسد، بخلاف ما قبلها، فإنّ فيه عقدا بين المشتري و غير المالك، و من المعلوم أنّ الغصب

ص: 234

المغصوب المستوفاة (1)، ردّا على أبي حنيفة القائل بأنّه إذا تحقّق ضمان العين- و لو بالغصب- سقط كراها، كما يظهر (2) من تلك الصحيحة.

نعم (3) لو كان القول المذكور موافقا لقول أبي حنيفة في إطلاق (4) القول بأنّ الخراج بالضمان انتهضت الصحيحة و ما قبلها (5) ردّا عليه.

هذا كله في المنفعة المستوفاة.

______________________________

أجنبيّ عن العقد الفاسد الذي هو مورد كلام ابن حمزة، إذ الغصب خال عن العقد.

(1) صفة للمنفعة، و المراد بالمنفعة المستوفاة في هذه الصحيحة هو الركوب على الدابّة و السّير بها.

(2) يعني: كما يظهر قول أبي حنيفة- بسقوط ضمان الأجرة بسبب ضمان العين- من تلك الصحيحة، و سيأتي متن صحيحة أبي ولّاد إن شاء اللّه تعالى في (ص 482 إلى 488).

(3) استدراك على عدم كون الصحيحة ردّا على ابن حمزة، و حاصله: أنّ الصحيحة تنهض للردّ على ابن حمزة إذا كان قائلا بإطلاق «الخراج بالضمان» بحيث يشمل الغصب كما يقول به أبو حنيفة. و أمّا إذا لم يقل بذلك، و كان قائلا باختصاص «الخراج بالضمان» بالعقود المعاوضيّة و عدم شموله للغصب لم تنهض الصحيحة للرّدّ عليه.

(4) المقصود من إطلاق «الخراج بالضمان» أنّ كلّ مورد تحقّق فيه ضمان العين كان منفعته مجّانا و بلا عوض، سواء أ كان بالعقد الصحيح كما يقول به أصحابنا- عدا ابن حمزة- أم أعمّ منه و من العقد الفاسد كما هو رأي ابن حمزة، أم أعمّ منهما و من الأعيان المغصوبة كما يقول به أبو حنيفة، لعدم تضمينه أبا ولّاد عوض انتفاعه بالبغل الذي صار مغصوبا بيده من قنطرة الكوفة إلى النيل، ثمّ إلى بغداد، ثمّ إلى الكوفة.

(5) و هو نصوص الجارية المسروقة، فإنّها أيضا صالحة لردّ مقالة أبي حنيفة، لما تقدم من صراحتها في ضمان اللبن و الخدمة و سائر منافعها. فكما تكون نفس الجارية مضمونة فكذا نماؤها، و هذا معارض بالتباين لما استفاده أبو حنيفة من

ص: 235

..........

______________________________

حديث «الخراج بالضمان» [1].

هذا ما يتعلّق بتوضيح المتن في ردّ استدلال ابن حمزة بالحديث النبويّ، و بقيت مباحث أخرى تأتي في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] و ربّما ينتقض قاعدة «الخراج بالضمان» بالمنافع التي تملك بالإرث تبعا للأعيان، أو بالأصالة، حيث إنّها ليست بسبب ضمان العين و تعهّدها ببذل مال بإزائها.

و فيه: أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان» ليس في مقام حصر سببيّة ضمان الأعيان لملكيّة المنافع، بل في مقام نفي الضمان عن المنافع فيما إذا حصل تعهّد ببذل عوض بإزاء العين. فكأنّه قيل: كلّ من ضمن عينا ملك منافعها، و هو لا يدلّ على تسبّب ملكيّة المنافع عن ملكيّة العين على وجه الحصر، فيمكن أن تكون ملكية المنافع بسبب آخر.

و هذا نظير أن يقال: «البيع سبب للنقل و الانتقال» و هو لا ينافي سببيّة الصلح و الهبة مثلا لهما، و لا ينفي سببيّة غير الضمان لملكيّة المنافع، لأنّ «الخراج بالضمان» قضية لقبيّة لا مفهوم لها، فلا تدلّ على الحصر أصلا.

ثمّ إنّه لا بأس بعطف عنان البحث إلى النبويّ «الخراج بالضمان» سندا و دلالة، فنقول و به نستعين و بوليّه صلوات اللّه و سلامه عليه و على آبائه الطاهرين و عجّل فرجه الشريف نتوسّل و نستجير: ينبغي البحث في مقامين، أحدهما: في السند، و الآخر في الدلالة.

أمّا المقام الأوّل فمحصّله: أنّه لم يرو هذا الحديث في جوامعنا الروائيّة، و إنّما روي مرسلا في بعض الكتب الفقهية كالخلاف و المبسوط و الوسيلة و السرائر و غيرها، فالاعتماد عليه منوط بإحراز عمل المشهور به.

ص: 236

______________________________

نعم روي بسندين في كتب العامّة، و اختلفوا في صحّة كلا الطريقين، و روايتهم له تارة بعنوان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان» أو «قضى بالخراج الضمان» و أخرى مع ذكر السبب. فعن السيوطي: «القاعدة الحادية عشر، قال: الخراج بالضمان حديث صحيح أخرجه الشافعي و أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حيّان من حديث عائشة. و في بعض طرقه ذكر السبب، و هو: أنّ رجلا ابتاع عبدا فأقام عنده ما شاء اللّه أن يقيم، ثمّ وجد به عيبا، فخاصمه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فردّه عليه، فقال الرجل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: قد استعمل غلامي، فقال: الخراج بالضمان» «1».

و السند الأوّل هو ما عن سنن ابن ماجة «بالإسناد عن مسلم بن خالد الزنجي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: إن رجلا اشترى عبدا .. إلخ». و السند الثاني: «مخلّد بن خفاف عن هشام بن عروة عن أبيه .. إلخ».

و اختلفوا في صحّة الطريقين، فعن تاج العروس نقل تصحيح جماعة. و عن ابن حزم: «لا يصح حديث الخراج بالضمان، لانفراد مخلّد بن خفاف و مسلم بن خالد الزنجي به» و عن الزبيدي: «ضعّف البخاري حديث مخلّد بن خفاف».

و أمّا السند الآخر فعن الحاكم تصحيحه، إلّا أنه حكي عن الذهبي: «اختلاف كلام ابن معين فيه، فتارة يقول: لا بأس به. و أخرى: إنّه ثقة. و ثالثة: إنّه ضعيف. و عند السّاجي:

كثير الغلط، و يرمى بالقدر».

فالمتحصّل من كلماتهم بعد التتبّع فيها: أنّ هذا الحديث ليس ممّا اتفق الكلّ على صحّته، بل اعتباره عند العامّة مورد الخلاف. هذا ما يرجع إلى سنده الذي لا يحصل

______________________________

(1) الأشباه و النظائر، ص 121، نقلا عن هامش تقريرات السيد المحقق الخويي، محاضرات في الفقه الجعفري، ج 2، ص 171 و 172

ص: 237

______________________________

الوثوق بصدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و أمّا من ناحية عملهم به فالعاملون به كثيرون من المذاهب الأربعة، إلّا أنّه لمّا لم يكن جدوى في وثوقهم به عندنا، فالأولى الاقتصار على ذكر من عمل به من فقهائنا الأبرار رضوان اللّه تعالى عليهم. و إن شئت الوقوف على أقول العامة و عملهم بالحديث فراجع ما تتبّعه العلّامة السيد المقرم في تعليقه على تقريرات السيد الخويي قدّس سرّهما «1».

و أمّا الإمامية أعلى اللّه كلمتهم فقد أسنده شيخ الطائفة قدّس سرّه إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الخلاف و المبسوط.

فقال في الخلاف: «إذا اشترى جارية حاملا، فولدت في ملك المشتري عبدا مملوكا، ثم وجد بالأمّ عيبا، فإنّه يردّ الامّ دون الولد، و للشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، و الثاني: له أن يردّهما معا، لأنّه لا يجوز أن يفرّق بين الأمّ و الولد فيما دون سبع سنين. و الأوّل أصحّ عندهم. دليلنا: عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الخراج بالضمان» «2».

و قال في المبسوط: «فصل في أنّ الخراج بالضمان: إذا كان لرجل مال فيه عيب فأراد بيعه وجب عليه أن يبيّن للمشتري عيبه، و لا يكتمه، أو يتبرّء إليه من العيوب.

و الأوّل أحوط. فإن لم يبيّنه و اشتراه إنسان فوجد به عيبا كان المشتري بالخيار إن شاء رضي، و إن شاء ردّه بالعيب و استرجع الثمن. فإن اختار فسخ البيع و ردّ المبيع نظر، فإن لم يكن حصل من جهة المبيع نماء ردّه و استرجع ثمنه، و إن كان قد حصل نماء و فائدة فلا يخلو من أن يكون كسبا من جهته أو نتاجا و ثمرة. فإن كان كسبا مثل أن يكتسب بعمله

______________________________

(1) محاضرات في الفقه الجعفري، ج 2، ص 169 الى 174

(2) الخلاف، ج 3، ص 108، المسألة: 176 من كتاب البيع.

ص: 238

______________________________

أو تجارته أو يوهب له أو يصطاد شيئا أو يحتطب أو يحتش، فإنّه يردّ المعيب و لا يردّ الكسب بلا خلاف، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان. فالخراج اسم للغلّة و الفائدة التي تحصل من جهة المبيع» إلى أن قال: «و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الخراج بالضمان معناه: أنّ الخراج أن يكون المال يتلف من ملكه، و لمّا كان المبيع يتلف من ملك المشتري، لأنّ الضمان انتقل إليه بالقبض كان الخراج له» «1».

و استند قدّس سرّه الى هذا الحديث في بيع المصرّاة، فقال: «و لا يردّ اللبن الحادث، لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قضى أنّ الخراج بالضمان» «2».

و قال في السرائر في عدم ضمان العين المرهونة: «و يحتجّ على المخالف بقوله عليه السّلام: الخراج بالضمان، و خراجه إذا كان للراهن بلا خلاف، وجب أن يكون من ضمانه» «3».

و قال العلّامة في المختلف- بعد نقل كلام ابن حمزة في الوسيلة- ما لفظه:

«و المعتمد أنّ النماء للبائع، لأنّ الملك باق عليه، و النماء يتبع الملك. و قوله عليه السّلام:

الخراج بالضمان محمول على الصحيح، و إلّا لكان الغاصب مالكا للمنافع، لدخول الأصل تحت ضمانه» «4».

و ظاهر العبارتين اعتمادها على الحديث. و لو كان في سنده غمز لكان المناسب التخلّف منه بطرحه كلّيّة، لا بحمله على العقد الصحيح.

نعم يحتمل في كلام ابن إدريس إيراده احتجاجا على المخالفين لا استنادا، و إن

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 2، ص 126

(2) المصدر، ص 125

(3) السرائر الحاوي، ج 2، ص 420

(4) مختلف الشيعة، ج 5، ص 319

ص: 239

______________________________

أمكن التخلّص عن هذا الاحتمال بمخالفته للظاهر، و لو كان الغرض الاحتجاج عليه بما هو مسلّم عندهم كان الأولى أن يقول: «و يحتج على المخالف بما يرويه عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» مع أنّه قدّس سرّه أسنده إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و قد تقدم نظيره في حديث «على اليد».

نعم يشكل تعليل العلّامة: «و إلّا لكان الغاصب مالكا للمنافع ..» بعدم صلاحيّة هذا الوجه لأن يكون منشأ لحمل «الخراج بالضمان» على خصوص الصحيح، ضرورة قابليّة عمومه للتخصيص بأدلّة الغصب كصحيحة أبي ولّاد.

و قال في الجواهر: «المشهور نقلا و تحصيلا- بل في ظاهر التذكرة الإجماع- على أنّ المبيع يملكه المشتري في زمن الخيار بالعقد» إلى أن قال: «و قيل به و بانقضاء مدة الخيار» و استدلّ عليه بأمور، إلى أن قال: «و النبويّ الخراج بالضمان الذي معناه أنّ الربح في مقابلة الخسران، فإنّ الخراج اسم للفائدة الحاصلة في المبيع، و المراد أنّها للمشتري، كما أنّ الضرر الحاصل بالتلف عليه، فهو دالّ على المطلوب، و إن كان مورد الحديث خيار العيب» «1».

أقول: الغرض ممّا ذكرناه من سند الحديث و عمل الفقهاء به من العامّة- كما حكي- و بعض الخاصّة هو: أنّه هل يوجب ذلك السند و العمل وثوقا بصدور الحديث حتى يصحّ الركون إليه و الاعتماد عليه أم لا؟ فإن حصل ذلك وصلت النوبة إلى البحث عن معنى الحديث.

و قد حكي عن شيخ الشريعة الأصفهاني قدّس سرّه: «انّا تتبعنا غاية التتبّع فلم نجدها في كتب الإمامية رضوان اللّه تعالى عليهم صحاحها و غير صحاحها، بل وجدناه في كتب العامّة بطرق متعدّدة في موارد عديدة». و لعلّ غرضه قدّس سرّه عدم الظفر به مسندا في جوامعنا

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 23، ص 78

ص: 240

______________________________

الروائيّة، و إلّا فقد عرفت روايته مرسلا عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل نسبه شيخ الطائفة إلى النبيّ جازما، و لم يقل: «و روي عنه». هذا بعض الكلام في المقام الأوّل.

و أمّا المقام الثاني و هو الدلالة فلنذكر كلام بعض اللغويّين في معنى الخراج و الضمان، ثمّ ما يحتمل في مفاد الحديث.

أمّا الخراج ففي مفردات الراغب: «و الخراج مختص في الغالب بالضريبة على الأرض، و قيل: العبد يؤدّي خرجه أي غلّته، و الرّعيّة تؤدّي إلى الأمير الخراج» «1».

و قال ابن منظور: «و قال الزجّاج: و الخراج اسم لما يخرج، و الخراج غلّة العبد و الأمة، و الخرج و الخراج الاتاوة، تؤخذ من أموال الناس» ثم قال: «و أما الخراج الذي وظّفه عمر على السواد و أرض الفي ء، فإنّ معناه الغلّة أيضا .. و لذلك يسمّى خراجا يؤدونها كل سنة .. و قيل للجزية التي ضربت على رقاب أهل الذمة: خراج، لأنّه كالغلّة الواجبة عليهم. ابن الأعرابي: الخرج على الرؤوس، و الخراج على الأرضين» «2».

و قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «الخرج و الخراج- بفتح المعجمة فيهما- ما يحصل من غلّة الأرض. و قيل: يقع اسم الخراج على الضريبة و الفي ء و الجزية و الغلّة، و منه خراج العراقين» «3».

و قال ابن الأثير: «الخراج بالضمان يريد ما يحصل من غلّة العين المبتاعة عبدا كان أو أمة أو ملكا. و ذلك أن يشتريه فيستغلّه زمانا» إلى أن قال: «و يكون للمشتري ما استغلّه، لأنّ المبيع لو تلف في يده لكان من ضمانه، و لم يكن على البائع شي ء. و الباء في (بالضمان) متعلّقة بمحذوف، تقديره: الخراج مستحقّ بسبب الضمان» «4».

______________________________

(1) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص 145

(2) لسان العرب، ج 2، ص 251 و 252

(3) مجمع البحرين، ج 2، ص 294

(4) النهاية، ج 1، ص 321

ص: 241

______________________________

هذا ما يتعلّق بمعنى كلمة الخراج.

و أمّا الضمان فهو التكفّل بالشي ء. قال في المجمع: «و ضمنت الشي ء ضمانا كفلت به، فأنا ضامن و ضمين، و ضمنت المال التزمته» «1» و نحوه ما في الصحاح و المصباح «2».

و هذا المعنى ما يساعده العرف العام، فإنّ الضمان العرفي هو كون مال الغير في العهدة، سواء أ كان سببه اختياريّا كقبول شرط ضمان العين المستأجرة أو عارية غير الذهب و الفضة، أم قهريّا كإتلاف مال الغير غفلة أو في حال النوم.

و أمّا ضمان الشخص لمال نفسه فلا معنى له، و ليس ذلك معنى لغويّا و لا عرفيّا للضّمان، فإنّ البيع ليس إلّا المبادلة بين المالين، و لا يخطر الضمان فيه أصلا، فلا يصح أن يقال: إنّ المنافع غير مضمونة على المشتري، لأنّه ضمن العين، و ضمانها يوجب أن تكون منافعها للضامن.

بل يقال: إنّ المنافع- تبعا للعين- مملوكة للمشتري، فلا يضمنها، إذ لا معنى لضمان الشخص مال نفسه، و جعل ماله في عهدته.

بل يقال: إنّ المنافع غير مضمونة عليه، لعدم ضمانه لها من جهة كونها ماله، فاستوفى مال نفسه، و لا معنى لضمان مال نفسه.

ففي مورد الحديث يقال: منفعة العبد المستوفاة غير مضمونة على المشتري في الزمان المتخلّل بين عقد البيع و بين ردّ العبد لأجل العيب على البائع. وجه عدم الضمان:

أنّ الخراج كمنفعة العبد غير مضمون على المشتري، لأنّ المشتري لم يجعلها في عهدته.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 6، ص 275

(2) صحاح اللغة، ج 6، ص 2155؛ المصباح المنير، ص 364

ص: 242

______________________________

و كذا لم يجعلها الشارع في عهدته. و المفروض أنّ ثبوت الخراج على العهدة منوط بصيرورة الخراج في العهدة، و بدون صيرورته في العهدة لا ضمان على من استوفى الخراج.

ففي مورد الحديث يقال: إنّ المشتري لا يضمن منافع المبيع المعيب ما لم يردّ المبيع على البائع أخذا بخيار العيب. وجه عدم ضمانها: أنّ المشتري لم يجعلها في عهدته، لأنّه استوفاها بعنوان كونها مملوكة له بتبعية مملوكية أصل المبيع له. و قاعدة التبعيّة تقتضي كون المنافع كنفس العين ملكا لمالك العين، و لا معنى لضمان شخص لمال نفسه كما هو الظاهر.

فكأنّه قيل: الخراج كائن على عهدة من استخرجه بسبب ثبوت عهدته عليه. و في مورد الحديث ليس الخراج- أي المنفعة- على المشتري، لأنّه لا بدّ أن تكون عهدة المنفعة على المشتري إذا ضمن و تعهّد، و المفروض عدم تعهّده لبدل المنفعة، فلا ضمان عليه. هذا ما خطر ببالي في معنى هذا الحديث، و ليكن هذا أحد المعاني المحتملة فيه، و سيأتي بيانه.

و كيف كان فيحتمل في مفاد جملة: «الخراج بالضمان» وجوه:

الاحتمال الأوّل: ما استفاده ابن حمزة، حيث استدلّ به على عدم ضمان المنافع المستوفاة، و قد خرج منه منافع المغصوب، حيث إنّها مضمونة على الغاصب بصحيح أبي ولّاد الآتي إن شاء اللّه تعالى، فإنّه يخصّص النبويّ المزبور.

و حاصل هذا الاحتمال: أنّ المراد بالخراج مطلق المنافع الشامل للخراج المصطلح و غيره. و يراد من الضمان المعنى اللغوي أعني به مطلق التعهّد، سواء أ كان أمرا اختياريّا مترتّبا على العقود الصحيحة أو الفاسدة، أم كان أمرا غير اختياريّ مترتّبا على الغصب. فالمراد: أنّ المنافع الحاصلة من الأموال المأخوذة بالعقود الصحيحة

ص: 243

______________________________

أو الفاسدة، أو المأخوذة غصبا مملوكة للضامن، و أن ضمان العين سبب لملكيّة المنافع، فتدلّ الرواية على عدم ضمان المنافع المستوفاة كما عليه ابن حمزة وفاقا لشيخ الطائفة.

و خلافا للحنفيّة، إذ المحكيّ عنهم: «و لا يضمن الغاصب منافع ما غصبه، لأنّها حصلت على ملك الغاصب، إلّا أن ينتقص باستعماله، فيغرم النقصان.

الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من كلمة «الخراج» فيه ما هو المعروف المتبادر منه من الخراج و المقاسمة. و المراد من كلمة «الضمان» فيه ضمان الأراضي الخراجيّة بسبب التقبّل و الإجارة. و لعلّ هذا أقرب الاحتمالات- كما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه «1»- و إن لم يذكر في كلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم.

و ملخّص هذا الاحتمال: أنّ المتقبّل للأرض الخراجية يملك ما يخرج منها من الغلّة بسبب الضمان و التقبّل، و لا ربط لهذا المعنى بمورد البحث.

الاحتمال الثالث: أن يراد بالخراج مطلق المنافع الخارجة عن الشي ء، لا خصوص الخراج المصطلح، و يراد بالضمان مطلق العهدة، سواء أ كانت اختياريّة كالمترتّبة على العقود الصحيحة و الفاسدة، أم غير اختياريّة كالعهدة المترتّبة شرعا على الغصب.

و حاصل هذا المعنى: أنّ منافع الأموال المأخوذة بالعقود الصحيحة أو الفاسدة أو بالغصب مملوكة للضامن بسبب ضمانه للعين أو بإزاء ضمانه لها، و لازم هذا الضمان عدم ضمان المنافع التي يستوفيها ضامن العين، سواء أ كان استيفاء المنفعة في حال التملك كالعبد الذي اشتراه، فاستغلّه، ثمّ ردّه بالعيب السابق، فإنّ مقتضاه كون الغلّة للمشتري. أم في غير حال التملك كانتفاع البائع بالمبيع الذي تلف قبل قبض المشتري له، فإنّ المنافع التي استوفاها البائع من المبيع تكون له، لأنّ ضمانه عليه بمعنى: أنّه ينتقل

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 133

ص: 244

______________________________

إليه المبيع آنا ما قبل التلف، فيتلف من ماله.

و على هذا المعنى يتمّ ما أفتى به أبو حنيفة من عدم ضمان الغاصب لما يستوفيه من منافع العين المغصوبة، و لا يلتزم به ابن حمزة و لا غيره، فلا يكون النبويّ بهذا المعنى سندا للقول بعدم ضمان منافع المقبوض بالعقد الفاسد.

نعم يكون دليلا لأبي حنيفة على عدم ضمان الغاصب لمنافع العين المغصوبة.

الاحتمال الرابع: أن يراد بالضمان خصوص الضمان الاختياري المترتّب على العقود الصحيحة الممضاة شرعا كالبيع و الإجارة و نحوهما، و بالخراج المنافع المستوفاة. فيكون المعنى: من تقبّل العين بعقد صحيح يملك منافعها بالتبع.

و هذا الاحتمال أجنبيّ عن المدّعى، و هو استيفاء منافع المقبوض بالعقد الفاسد، فلا يصحّ استدلال ابن حمزة قدّس سرّه بالنبويّ على هذا الاحتمال.

الاحتمال الخامس: أن يراد بالخراج- كما في الاحتمال الثالث- معناه المصدريّ أي الانتفاع بالشي ء، فيختصّ بالمنافع المستوفاة، و بالضمان الضمان المعاملي الاختياريّ مطلقا و لو لم يمضه الشارع، فيشمل العقود الصحيحة و الفاسدة. و على هذا المعنى يصحّ استدلال ابن حمزة قدّس سرّه بالنبويّ.

لكن لا بدّ في صحة الاستدلال من كون النبويّ ظاهرا في هذا المعنى بحيث يتبادر في أذهان العرف عند إلقاء الكلام إليهم، و هو كما ترى. بل قد عرفت أنّ الظاهر من لفظ الخراج ما هو المعروف في باب الخراج و المقاسمة، كما في حاشية العلّامة الشهيدي قدّس سرّه «1». و أنّ المراد بالضمان ضمان الأراضي الخراجيّة بسبب التقبّل و الإجارة من السلطان العادل أو الجائر. و من المعلوم أنّ هذا المعنى أجنبيّ عمّا نحن فيه من ضمان المنافع المستوفاة من العين المقبوضة بالعقد الفاسد، هذا.

مضافا إلى: ما في هذا الاحتمال الخامس من الإشكال، إذ لازمه ضمان البائع

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 221

ص: 245

______________________________

للمشتري منافع المبيع بالبيع الفاسد إذا استوفاها قبل تسليمه إلى المشتري.

و أيضا: لازمه ضمان غاصب المبيع للمشتري إذا استوفى المنافع، إذ المفروض ضمان المشتري للمبيع، فمنافعه له، فإذا غصبه غاصب و استوفى منافعه كان ضامنا للمشتري لا البائع. و هذا من الفساد بمكان من الوضوح. فدعوى القطع ببطلان هذا الاحتمال في محلها.

الاحتمال السادس: ما في حاشية المحقق الخراساني قدّس سرّه و هو: «أنّ خراج الأرض كمّا و كيفا على من ضمنها إنّما هو بحسب ضمانها» «1».

الاحتمال السابع: ما خطر ببالي، و هو: أنّ المراد بالضمان معناه العرفي، و هو صيرورة مال الغير في العهدة، و المراد بالخراج إمّا معناه المصدري و هو الانتفاع بالشي ء، و إمّا حاصل المعنى المصدريّ و هو ما يخرج من الشي ء و يعدّ منفعة له. و على الأوّل يختصّ بالمنافع المستوفاة، و على الثاني يكون أعم منها، فيشمل المنافع غير المستوفاة أيضا.

فمعنى الحديث- و اللّه العالم- أنّ المنافع مطلقا أو خصوص المستوفاة ثابتة على الشخص بسبب صيرورتها في عهدته، كما إذا غصب مال الغير، فإنّ العين و منافعها مضمونة عليه، فبدل المنافع ثابت عليه، لصيرورتها في عهدته بسبب الغصب. و هذا المعنى يستفاد من قرينة المورد، و هو شراء العبد المعيب و استيفاء المشتري منافعه و ردّه بعد ظهور العيب، فإنّ البائع طلب من المشتري بدل منافع العبد بقوله:

«يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: إنّه قد استغلّ عبدي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ عمله للمشتري، لأنّ الخراج بالضمان».

و حكي أنّ عمر بن عبد العزيز قضى- في عبد اشتراه شخص و استعمله ثم انكشف كونه معيبا فردّه- «بأنّ عمله للبائع» يعني: أنّ المشتري ضامن للمنافع التي استوفاها من العبد قبل فسخ البيع. ثم قيل لعمر بن عبد العزيز: إنّه روي عن عائشة أنّ مثله وقع في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 34

ص: 246

______________________________

و بالجملة: فبعد البناء على كون الخراج ظاهرا في مطلق المنافع- الذي هو حاصل المصدر- أو في الانتفاع بالشي ء الذي هو المعنى المصدريّ، و كون الضمان معناه العرفيّ المتبادر منه حين إطلاقه، و كون الظرف مستقرّا، يكون محصّل معنى الحديث:

أنّ المنافع ثابتة على الشخص بسبب صيرورتها في عهدته و ضمانه، فما لم يتحقق عهدتها على شخص لا يحكم بضمانه لها و خسارتها عليه.

و هذا المعنى ينطبق على مورد الحديث، و هو كون منافع العبد للمشتري، و ذلك لأنّ المشتري لم يضمن المنافع أي لم يجعل بدلها في عهدته، لأنّه استوفى منافع ماله، و لم يستوفها ضامنا لها، إذ لا معنى لضمان مال على عهدة مالكه، فلا وجه لتضمين المشتري بالنسبة إلى المنافع المملوكة له بقاعدة تبعية المنفعة للعين في الملكيّة.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّ حديث «الخراج بالضمان» لم يثبت الوثوق بصدوره، و لا يكفي مجرّد تشبّث شيخ الطائفة به في ثلاثة موارد، و كذا تشبّث ابن حمزة به و غيرهما ممن عرفت في المقام الأوّل.

مضافا إلى إجماله و عدم ظهوره فيما ادّعاه ابن حمزة و الشيخ قدّس سرّهما، فلا يصحّ التمسّك بهذا النبويّ لعدم ضمان المنافع التي استوفاها قابض العين بالعقد الفاسد.

ثمّ إنّ المحقق النائيني قدّس سرّه- على ما في تقرير بحثه الشريف- استظهر من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان» معنى لا بأس بالتعرّض له، فإنّه- بعد بيان: أنّ مفاد الحديث بمناسبة الحكم و الموضوع هو الضمان الجعليّ الفعليّ الأصليّ الممضى شرعا، و بعد دعوى عدم شموله للبيع الفاسد و الضمان القهريّ كما في ضمان المغصوب- أفاد ما توضيحه: أنّ الضمان بمعناه المصدري المعبّر عنه بالفارسيّة «عهده گرفتن يا قرار دادن چيزى در عهده» يتصوّر على أنحاء:

أحدها: أن يكون جعل شي ء في العهدة ببذل عوض في مقابله، كما في العقود المعاوضيّة من البيع و نحوه.

ثانيها: أن يكون هذا الجعل بسبب الشرط من دون بذل عوض في مقابل ما جعله في عهدته، كشرط الضمان في عارية غير الذهب و الفضة، و في كلّ عقد صحيح.

ص: 247

______________________________

أو بسبب التعبّد كحكم الشارع بالضمان في عارية الذهب و الفضة.

و كلّ واحد من هذين القسمين تارة يكون في العقد الصحيح، و أخرى في الفاسد، لأنّ العقد المعاوضيّ أمّا صحيح و إمّا فاسد. و كذا العقد المشروط بالضمان، أو كان الضمان فيه بالتعبّد. فالأقسام أربعة.

و ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الخراج بالضمان» هو كون الضمان معاوضيّا و ثابتا ببذل العوض. و الوجه في هذا الاستظهار هو دخول باء السببيّة على كلمة «الضمان» الظاهرة في كون الضمان ببذل العوض، لا بالشرط. فالأموال تبذل بإزاء تعهّد المال بإزائها، فالمبيع مثلا يبذل بعوض في عهدة المشتري، فبسبب تعهد المشتري لعوض الجميع يبذل له المبيع، فكأنّه قيل: الأموال مبذولة بسبب التعهّد بعوضها.

فيختصّ الحديث بما إذا كان الضمان ببذل العوض، و لا يشمل الضمان بالشرط كضمان عارية غير الذهب و الفضّة، و لا بالتعبّد كضمان عاريتهما. كما يختصّ بالعقد الصحيح، لوجهين:

الأوّل: ظهور كلمة «الخراج بالضمان» في كون التعهّد بالمبيع مثلا ببذل الثمن في مقابله هو المنشأ لكون الخراج كالمبيع له. و هذا مختصّ بما إذا كان العقد صحيحا، لأنّ في العقد الفاسد يكون الضمان بالمثل أو القيمة، لا بالعوض المسمّى في العقد. فضمان العوض اسم لما هو كذلك واقعا. و هو منتف في العقد الفاسد.

الثاني: أنّ منشأ الضمان في العقد الفاسد هو اليد، و لذا يراد بالضمان فيه معناه الاسم المصدريّ، فلو أريد تعميمه للعقد الفاسد لزم إرادة معنى اسم المصدر منه كما فهمه أبو حنيفة. فقاعدة «الخراج بالضمان» بعد اختصاصها بالعقد الصحيح لا تصلح لإثبات عدم ضمان منافع المقبوض بالعقد الفاسد كما في الوسيلة.

ثمّ إنّ بذل العوض يكون بإزاء الأموال سواء أ كانت باقية مع الانتفاع بها كالدار و الدكّان، أم تالفة كالشبع المترتّب على أكل الخبر، فإنّ الغرض منه يستوفى بإعدامه

ص: 248

______________________________

بالأكل كالعقاقير، فإنّ ترتّب خواصّها و ما هو مناط ماليّتها منوط بإعدامها.

و كيف كان فالظاهر من الضمان في الحديث الضمان المعاوضيّ، بقرينة الباء في «بالضمان» الظاهرة في السببيّة أو المقابلة، و مقتضاهما السببيّة و المقابلة من الطرفين، بمعنى: كون تملّك المنافع داعيا إلى الضمان و التعهّد بالعوض، فلحاظ تملك المنافع علّة غائيّة للضمان أي بذل العوض، فالمنفعة علّة غائيّة للبذل، و متقدّمة تصوّرا عليه و متأخرة عنه في الخارج، كما هو شأن العلّة الغائيّة، فيصحّ أن يقال: تملّك المنافع سبب للضمان، و الضمان سبب لكون المنافع له، فالضمان متأخّر عن لحاظ تملّك المنفعة، كما أنّ وجود المنفعة خارجا متأخّر عن الضمان.

فالمتحصّل: أنّ الحديث ظاهر في الضمان المعاوضيّ الصحيح، و لا يشمل العقد الفاسد. كما أنّه لا يشمل الضمان الحاصل بالشرط أو التعبّد من دون بذل عوض في مقابله، لكونه خلاف مقتضى الباء من السببيّة أو المقابلة. فلا يصحّ الاستدلال به على ضمان المنافع المستوفاة من المقبوض بالعقد الفاسد، لما عرفت من ظهوره في الضمان المعاوضي الصحيح، أو إجماله «1».

و قد نوقش في كلام المحقق النائيني قدّس سرّه تارة بإنكار ظهور الخبر في المعنى الأخير و هو منشأ ضمان العين، و الداعي إليه تملّك المنافع لينحصر بباب البيع.

وجه الإنكار: أنّ الضمان بهذا المعنى لا ينطبق على جعل الثمن مقابل العين و بالعكس، و لا على القرار و العقد، فإنّها ليست ضمانا عرفا و لغة.

و اخرى: بأنّ جعل مبنى استظهار الجعليّ المعاوضيّ ظهور الباء في السببيّة أو المقابلة، ثم دعوى أن مقتضى السببيّة أن تكون من الطرفين، مع أنّها لا تقتضي ذلك بلا شبهة، عجيب.

و ثالثة: بأنّ حمل السبب على العلّة الغائيّة خلاف ظاهر آخر.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 133

ص: 249

______________________________

و رابعة: بأنّ المقابلة من الطرفين لا محصّل لها.

و الكلّ كما ترى، إذ في الأولى: أنّ الضمان المعاوضيّ و إن لم يكن ضمانا عرفا و لغة، إلّا أنّ قرينيّة مورد النبويّ- و هو شراء العبد المعيب- توجب الحمل عليه، و إلّا امتنع تطبيقه على المورد.

و في الثانية: أنّ الاستظهار المزبور خارج عن طريقة أبناء المحاورة بعد البناء على ظهور الباء في السببيّة و المقابلة.

و أمّا الاستعجاب من أن تكون قضيّة السببيّة من الطرفين، ففيه: أنّ المراد بالسبب في المعاملات هو الداعي إلى إنشاء المعاملة، و من المعلوم أنّه موجود في الطرفين، فإنّ الدّاعي للمشتري إلى شراء الكتاب مثلا هو الانتفاع به، و الداعي للبائع إلى بيع الكتاب هو انتفاعه بالثمن.

و منه يظهر ما في المناقشة الثالثة من الإشكال، إذ لحاظ احتياج كلّ من المتعاقدين علّة غائيّة لإنشاء المعاملة، بحيث لولاه لم يقدما عليها. فحمل السبب على العلة الغائيّة ليس على خلاف الظاهر و ليس مخالفا لطريقتهم، فإنّ السببيّة مساوقة للعليّة.

و في الرابعة: أنّ المقابلة من المتضايفات، فلا يتّصف شي ء بالمقابلة إلّا مع اتّصاف غيره بها، كالأبوّة و البنوّة و الاخوّة و غيرها. فيتّصف كلّ من العوضين بالمقابلة. و كيف يمكن أن يكون الثمن مقابلا للمبيع و لا يكون المبيع مقابلا للثمن؟

فالمتحصّل: أنّ الاستظهار المنسوب الى المحقّق النائيني- بقرينة الباء و كذا مورد الرواية من بيع العبد و الجارية المعيبين- في محلّه. لكنّه متّجه في المتن الذي يشتمل على الموردين المزبورين. و أمّا المتن الخالي عنهما فإثبات ظهوره في الضمان المعاوضيّ الصحيح مشكل جدّا.

و على كلّ حال لا يصحّ الاستدلال بالنبويّ المذكور لنفي ضمان المنافع المستوفاة من المقبوض بالعقد الفاسد بعد الغضّ عن ضعف سنده، إمّا لإجماله، و إمّا لظهوره في العقد المعاوضيّ الصحيح الذي هو أجنبي عن المقام.

ص: 250

[ب: ضمان المنفعة الفائتة]

و أمّا المنفعة الفائتة [1] بغير استيفاء (1)

______________________________

ب: ضمان المنفعة الفائتة

(1) هذا شروع في المقام الثاني ممّا تعرّض له في الأمر الثالث المنعقد لبيان حكم منافع المقبوض بالبيع الفاسد، و قد تمّ الكلام في المقام الأوّل و هو ضمان المنافع المستوفاة خلافا لابن حمزة منّا. و المراد بالمنفعة الفائتة هي المقابلة للمستوفاة، سواء أ كانت عينا- كنفس المبيع- كثمرة الشجرة المبيعة فاسدا، و لبن الشاة كذلك و صوفها، أم كانت حيثيّة متصرّمة الوجود قائمة بالعين، و هي المعبّر عنها بالمنافع

______________________________

[1] قد يقال: إنّ المنافع الفائتة هي الحكميّة. و أمّا المنافع العينيّة المتصلة كالسمن، و المنفصلة كالصوف و اللبن و نحوهما فلا إشكال في ضمانها، لصدق المال عليها، و صدق الأخذ بمعنى الاستيلاء عليها، فيشملها الموصول في «ما أخذت» و عليه فمصبّ الأقوال في المنافع غير المستوفاة هي الحكميّة.

لكنّه ممنوع، لما سيأتي في المتن من استدلال المصنّف قدّس سرّه على عدم ضمان المنافع الفائتة بإخبار الجارية المسروقة التي حكم الامام عليه السّلام فيها بضمان خصوص النماء المستوفي كاللبن و الولد و الخدمة، دون ما فات منها، حيث إن مقتضى المقابلة عدم ضمان اللبن لو لم ينتفع به، كما إذا استأجر مرضعة للولد و لم يرتضع منها، فذهب لبنها هدرا.

مضافا إلى: التصريح بالأعمّيّة في بعض الكلمات كقول العلّامة قدّس سرّه: «و يضمنه و ما يتجدّد من منافعه، الأعيان أو غيرها، .. إلخ» «1».

و عليه فلم يتّضح وجه اختصاص المنفعة الفائتة بالحكمية، مع عموم المدّعى و الدليل، فلاحظ.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 81، السطر 27، (الطبعة الحجرية) و نحوه تصريح المحقق في منافع المغصوب، و إطلاقه في منافع المبيع فاسدا، فراجع شرائع الإسلام، ج 3، ص 244 و 245

ص: 251

فالمشهور فيها (1) أيضا (2) الضمان. و قد عرفت (3) عبارة السرائر المتقدّمة.

______________________________

الحكميّة كسكنى الدار و الأعمال المحترمة المملوكة كخدمة العبد.

و كيف كان فقد أفاد المصنّف قدّس سرّه أنّ الأقوال في حكم المنافع الفائتة خمسة:

أوّلها: الضمان، و هو المشهور، بل المدّعى عليه الإجماع.

ثانيها: العدم و هو الظاهر من فخر المحققين قدّس سرّه.

ثالثها: التفصيل بين علم البائع بالفساد و جهله به، بالضمان في الثاني و بالعدم في الأوّل.

رابعها: التوقّف في صورة علم البائع بالفساد، و الضمان في صورة الجهل.

خامسها: التوقّف عن الحكم بالضمان، و بعدمه مطلقا سواء علم البائع بالبطلان أم لم يعلم.

و اضطربت كلمات المصنّف في المسألة، فاختار القول الأوّل في بدء كلامه، و استدلّ له بوجهين، ثم ناقش فيهما، ثم رجّح القول الثاني لوجوه ثلاثة تقتضي عدم الضمان، ثم جعل التوقّف هو الإنصاف في المسألة، ثم رجّح في آخر كلامه القول الأوّل و هو الضمان مطلقا. و ستأتي الوجوه بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: في المنفعة الفائتة، و هذا شروع في القول الأوّل في المسألة.

(2) يعني: كالمنافع المستوفاة التي تقدّم أنّ المشهور فيها هو الضمان.

(3) يعني: في أوّل بحث المقبوض بالبيع الفاسد، حيث قال: «و في السرائر: أنّ البيع الفاسد يجري عند المحصّلين مجرى الغصب» و غرض المصنّف من الإشارة إلى كلام ابن إدريس قدّس سرّه هو استفادة الإجماع المنقول على ضمان المنافع الفائتة في المقبوض بالبيع الفاسد. و ذلك لمساواته للمغصوب في ما عدا حرمة الإمساك، و لمّا كانت المنافع الفائتة مضمونة في باب الغصب فهي كذلك في المقام.

و على هذا فالمدّعى و إن كان شهرة القول بالضمان في المنفعة غير المستوفاة، إلّا أنّ من يعتمد على الإجماع المنقول بخبر الواحد يلزمه الأخذ به، و لا سبيل له إلى القول بعدم الضمان أو التوقّف فيه.

ص: 252

و لعلّه (1) لكون المنافع أموالا في يد من بيده العين، فهي مقبوضة في يده،

______________________________

(1) أي: و لعلّ الضمان، و هذا استدلال للقول المشهور، و المذكور منه في المتن وجهان:

الوجه الأوّل: قاعدة اليد، فإنّها كما تجري في الأعيان و تثبت ضمانها، كذلك تجري في المنافع، و ذلك لأمرين مسلّمين:

أحدهما: أنّ المنافع أموال حقيقة، لما تقدّم في أوّل بحث البيع من جواز كون الثمن منفعة، مع أنّه تعتبر ماليّة العوضين، لوضوح كون البيع مبادلة مال بمال.

ثانيهما: أنّ المناط في ضمان العين- و هو قبضها و الاستيلاء عليها- متحقق في المنافع أيضا، حيث إنّها مقبوضة بقبض العين. و الدليل على صدق «القبض» على المنفعة ما ذكروه في مسألتين:

الأولى: أنّ الإجارة هي «تمليك منفعة بعوض» فيجب على الموجر تسليم المنفعة إلى المستأجر وفاء بالعقد، و من المعلوم أنّ قبضها يكون بقبض العين، فإذا أقبض الموجر داره للمستأجر فقد أقبضه سكناها. و لو لم تكن المنافع قابلة لوقوعها تحت اليد لم يكن مجرّد تسلّم المستأجر للدار استيلاء على سكناها. مع أنّه لا ريب في دخول المنفعة في ضمان المستأجر، و ثبوت الأجرة عليه بنفس تسلّطه على العين.

و هذا كاشف عن قابلية المنافع للقبض كالأعيان.

الثانية: أنّهم اعتبروا في بيع السّلم قبض الثمن في مجلس العقد، و جوّزوا وقوع المنافع المملوكة ثمنا- كسكنى الدار و خدمة العبد و الجارية- كما إذا باع طنّا من الحنطة سلفا و جعل المشتري خدمة الجارية سنة عوضا عنه، فحكموا بصحته، و أنّ تسليم الجارية- لينتفع البائع بخدمتها- تسلّم للثمن حقيقة. و هذا كاشف عن قابليّة المنافع للقبض و الوقوع تحت اليد، و لو لا بالاستقلال بل بتبع الأعيان. و لو اختصّ القبض و الاستيلاء بالأعيان الخارجيّة لزم بطلان عقد السّلم في الفرض المزبور، مع أنّ ظاهرهم صحته بلا ريب.

ص: 253

و لذا (1) يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين، فتدخل المنفعة في ضمان المستأجر (2). و يتحقّق (3) قبض الثمن في السّلم بقبض الجارية المجعول خدمتها ثمنا، و كذا (4) الدار المجعول سكناها ثمنا.

مضافا (5) إلى أنّه مقتضى احترام مال المسلم، إذ كونه في يد غير مالكه

______________________________

و بهذا يتّجه الاستدلال بحديث «على اليد» على ضمان المنافع مطلقا سواء استوفيت أم فاتت. هذا تقريب الدليل الأوّل، و سيأتي تقريب الدليل الثاني و هو قاعدة الاحترام.

(1) يعني: و لأجل كون المنافع أموالا في يد من بيده العين يجري على المنفعة حكم المقبوض إذا قبض العين. و غرضه قدّس سرّه الاستشهاد بما ذكره الفقهاء في المسألتين المتقدّمتين آنفا.

(2) هذا إشارة إلى المسألة الأولى، فإنّ المنفعة في باب الإجارة تكون كالمبيع، فكما يكون المبيع في ضمان البائع قبل إقباضه للمشتري، فكذا المنفعة تكون في ضمان الموجر قبل تسليم العين إلى المستأجر. و أمّا بعد التسليم فتدخل في ضمانه، و لو تلفت و لم يستوفها فقد تلفت من ماله لا من مال الموجر. و الغرض من هذا الفرع صدق قبض المنفعة بقبض العين.

(3) هذا إشارة إلى المسألة الثانية، و هي جعل المنفعة المملوكة ثمنا في بيع السّلم، سواء أ كانت سكنى دار أم كتابة عبد أم خدمة جارية، فيتحقّق قبض الثمن فيها بقبض الجارية أو العبد أو الدار. و لو كانت «اليد» مختصّة بالأعيان أشكل جواز وقوع هذه المنافع ثمنا في بيع السّلم.

(4) معطوف على «الجارية» يعني: يتحقق قبض الثمن بقبض الدار المجعول سكناها ثمنا في السّلم. و الجامع بين منفعة الدار و خدمة الجارية هو كونهما حيثيتين قائمتين بالعين و هي الدار و الجارية.

(5) هذا إشارة إلى الدليل الثاني على ضمان المنافع الفائتة في المقبوض بالبيع

ص: 254

مدّة طويلة (1) من غير اجرة مناف (2) للاحترام.

لكن يشكل الحكم (3)- بعد تسليم كون المنافع أموالا

______________________________

الفاسد، و هو قاعدة احترام مال المسلم. و تقريبها- بعد صدق المال على المنفعة- أنّ احترام المسلم و شرفه يقتضيان حرمة التصرّف في ماله بدون إذنه، و حرمة حبسه عن مالكه مدّة طويلة من غير اجرة في قبال منافعه، سواء استوفى ذلك الغير منفعته أم لا. و عليه فاحترام ماله يقتضي ضمان بدل ما تلف منه أو فات بيد الغير، فلا احترام لماله بدون الضمان.

(1) الظاهر أنّه لا خصوصيّة لطول المدة، إذ المناط في الضمان فوت المنفعة التي يبذل بإزائها المال، و لعلّ ذكرها من جهة الترديد في صدق «فوت المال» على فوات المنفعة في مدّة قصيرة، كإشغال دار الغير ساعة أو أقلّ.

(2) خبر قوله: «كونه».

(3) يعني: يشكل الضمان الذي ذهب إليه المشهور. و غرض المصنّف المناقشة في الدليلين المتقدّمين. و حاصل الاشكال على الأوّل أمران:

أحدهما: أنّ الموصول في «ما أخذت» هو المال، و لم يحرز صدق «المال» على المنافع حتى تندرج في الضمان اليديّ. فيحتمل اختصاصه بالأعيان المتموّلة، و يكفي في شبهة شمول المال للمنافع كلام ابن الأثير المنقول في اللسان: «المال في الأصل ما يملك من الذهب و الفضّة، ثم أطلق على كلّ ما يقتني و يملك من الأعيان، و أكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل، لأنّها كانت أكثر أموالهم» «1» لظهور قوله: «من الأعيان» في عدم ماليّة المنافع و الحقوق.

و عليه فالمنافع خارجة عن حديث «على اليد» موضوعا، و لا بدّ من التماس دليل آخر على ضمانها.

ثانيهما: أنّ مجرّد صدق «المال» على المنفعة لا يكفي في الضمان ما لم تندرج تحت

______________________________

(1) لسان العرب، ج 11، ص 636

ص: 255

..........

______________________________

عموم قاعدة «على اليد» و المفروض عدم اندارجها تحته، لأنّ صلة الموصول في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما أخذت» لا تشمل المنافع، لظهوره في كون المأخوذ باليد قابلا- بنفسه- للرّدّ و الأداء، و لا يكون ذلك إلّا عينا، فإنّها تؤخذ و تردّ. بخلاف المنفعة، لكونها حيثيّة قائمة بالعين، و ليست بنفسها قابلة للأخذ و الرّدّ، هذا.

فإن قلت: قد تقدّم في مسألتي الإجارة و بيع السّلم تحقق قبض المنفعة بقبض العين، و معه لا وجه لمنع شمول الصلة- و هي «أخذت»- للمنفعة، و دعوى اختصاصها بالأعيان. فإمّا أن يقال: بصدق الأخذ على المنفعة بتبع وضع اليد على العين، و مقتضاه دلالة الحديث على ضمان المنافع حتى الفائتة منها. و إمّا أن يقال: بأنّ ما يقبل الأخذ و القبض هو خصوص العين، و مقتضاه الإشكال في المسألتين المتقدّمتين، لأنّ الكلّ من باب واحد، هذا.

قلت: إنّ المنفعة تحصل في اليد و تقبض بقبض العين، و لذا يصحّ وقوعها ثمنا في بيع السّلم، و يتحقّق قبضها بتسليم العين ذات المنفعة، و لكن لا يصدق «أخذ المنفعة» عند وضع اليد على العين، فالأخذ أضيق مفهوما من القبض، لأعمّيّته، لصدقه على كلّ من المقبوض استقلالا، و المقبوض تبعا. بخلاف الأخذ الظاهر في المأخوذ بالأصالة.

و بهذا ظهر الفرق بين المسألتين و بين المنافع الفائتة، لعدم صدق «الأخذ» عليها حتى تندرج في حديث «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

فإن قيل: لا وجه لاختصاص صلة الموصول- و هي: أخذت- بالأعيان التي تتناولها الجارحة الخاصّة، و إلّا يلزم عدم شمول الحديث لوضع اليد على الأموال غير المنقولة كالبساتين و الدور و الدكاكين، مع أنّه لا ريب في تحقق وضع اليد بمجرّد الاستيلاء عليها. و هذا يكشف عن عدم إرادة معنى «الأخذ» حقيقة، و إنّما هو كناية عن مطلق الاستيلاء. و بناء على هذا المعنى الكنائي نقول بصدق الاستيلاء على كلّ من العين و المنفعة، و يتعيّن حينئذ الحكم بضمان المنافع الفائتة كالمستوفاة، هذا.

ص: 256

حقيقة (1)- بأنّ (2) مجرّد ذلك (3) لا يكفي في تحقّق الضمان، إلّا (4) أن يندرج في عموم

______________________________

قلنا: لا ريب في صدق «الأخذ» على الاستيلاء على الأعيان غير المنقولة كالدار و البستان، لكنّه لا يوجب شموله للمنفعة أيضا، و ذلك فإنّ الأخذ و إن كان كناية عن الاستيلاء، إلّا أنّ الاستيلاء الحقيقيّ على شي ء يقتضي أن يكون المستولي عليه موجودا حقيقيّا قارّا، سواء أ كان الاستيلاء عليه باليد كالمفتاح و الكتاب و نحوهما ممّا يتناول بالجارحة الخاصة، أم بالتصرّف فيه بالجلوس و المشي و سائر أنحاء التقلّب.

و أمّا المنفعة التي لا وجود لها بالفعل حين الاستيلاء على العين- بل إمّا توجد تدريجا على تقدير الاستيفاء، و إمّا لا توجد أصلا على تقدير الفوات- فلا وجه للتكلّف في صدق «الاستيلاء» عليها بمجرّد الاستيلاء على العين، لما عرفت من أنّها معدومة فعلا، فكيف يستولي عليها؟.

و الحاصل: أنّ حديث «على اليد» لا يشمل المنافع الفائتة، لمنع صدق الموصول عليها، فالاستدلال به على ضمانها مشكل. و ستأتي المناقشة في الاستدلال بقاعدة الاحترام.

(1) هذا إشارة إلى أوّل الإشكالين على الاستدلال بقاعدة اليد. و مقصوده بقوله: «حقيقة» أنّ المناط في شمول القاعدة للمنافع هو صدق «المال» بمعناه الحقيقيّ عليها، و إلّا فلا عبرة بعدّها من الأموال بالمسامحة و العناية كما هو واضح.

(2) هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بقاعدة اليد، و قد عرفته آنفا.

(3) أي: مجرّد كون المنافع أموالا حقيقة لا يكفي في ضمان المنافع الفائتة.

(4) متعلّق بقوله: «لا يكفي» و هذا تمهيد لبيان عدم شمول الصّلة للمنافع، لعدم قابليّتها للأخذ.

ص: 257

«على اليد ما أخذت». و لا إشكال (1) في عدم شمول صلة الموصول للمنافع.

و حصولها (2) في اليد بقبض العين لا يوجب صدق الأخذ [1].

______________________________

(1) يعني: و الحال أنّه لا إشكال في عدم شمول «أخذت» للمنافع، لما عرفت آنفا.

(2) مبتدأ خبره «لا يوجب» و غرض المصنّف من هذا بيان الفارق بين المنافع الفائتة و بين مسألتي الإجارة و ثمن بيع السّلم، بصدق قبض المنفعة فيهما بقبض العين، دون المقام، حيث إنّ دليل الضمان هو حديث اليد المشتمل على مادّة «الأخذ» و هي غير صادقة على المنفعة. و قد تقدم توضيح المطلب بقولنا: «فان قلت .. قلت» فلاحظ.

______________________________

[1] لم يظهر الفرق بين قبض المنافع في الإجارة و أخذها هنا، لأنّ الأخذ و الحصول في اليد المعبّر عنه بالقبض متقاربان، بل هما بمعنى، ففي اللسان: «أخذت الشي ء آخذه أخذا: تناولته» «1» و قال في القبض: «قبضت الشي ء قبضا: أخذته ..

و القبض: التناول للشي ء بيدك ملامسة» «2».

و عليه فلم يتّضح الفارق بين القبض و الأخذ حتى يصدق الأوّل على المنفعة و لو بتبع الاستيلاء على العين، دون الثاني.

و توجيه المطلب بما في حاشية سيّدنا الأستاد قدّس سرّه من «أنّ الأخذ إذا أخذ موضوعا لحكم شرعي لا يكفي في تحقّقه القبض بالتبع تشبّثا بإطلاق: ما أخذت» «3» لا يخلو عن غموض أيضا إذا لو كان القبض التبعي مسامحيّا أشكل صدق القبض في بابي الإجارة و السّلم أيضا، لعدم العبرة بالمسامحات العرفية في مقام التطبيق. و لو كان القبض التبعيّ حقيقيّا لزم صدقه على المنفعة في المقام، بعد ترادف الأخذ و القبض لغة، فالفرق بينهما غير متّضح، هذا.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 3، ص 472

(2) لسان العرب، ج 7، ص 214

(3) نهج الفقاهة، ص 136

ص: 258

و دعوى (1) «أنّه كناية عن مطلق (2) الاستيلاء الحاصل في المنافع بقبض الأعيان» مشكلة.

و أمّا احترام مال المسلم فإنّما (3) يقتضي عدم حلّ التصرّف فيه و إتلافه بلا عوض، و إنّما يتحقّق ذلك (4) في الاستيفاء.

______________________________

(1) غرض المدّعي إثبات شمول الحديث للمنفعة مع الغضّ عن صدق قبضها بقبض العين، بل لأنّ «الأخذ» هنا بمعنى الاستيلاء كناية، و من المعلوم صدق الاستيلاء عرفا على كلّ من العين و المنفعة.

و قد منع المصنّف قدّس سرّه هذه الدعوى بقوله: «مشكلة» و تقدم توضيحهما بقولنا:

«فان قيل .. قلنا».

(2) هذه الكلمة قرينة على أنّ «الأخذ» و إن كان بمعنى الاستيلاء في الجملة حتى يتحقّق ذلك بالنسبة إلى ما لا ينقل من الأموال، إلّا أنّه لا موجب للتوسعة في معناه بجعل الأخذ كناية عن مطلق الاستيلاء كي تندرج المنافع في الحديث، لكون هذا المفهوم العامّ خلاف الظاهر، فلا يصار إليه بلا قرينة.

(3) هذا إشكال المصنّف على الاستدلال بقاعدة الاحترام لضمان المنافع الفائتة، و حاصل الاشكال: أنّ ظاهر القاعدة ضمان المنافع المستوفاة، لأنّ الإتلاف عبارة عن إعدام الموجود، و هو لا يتحقّق إلّا في استيفاء المنافع و إتلاف الأعيان، فيقال: إنّ حرمة مال المسلم تقتضي ضمان من أتلفه لئلّا يذهب هدرا، كما أنّ دمه لا يذهب هدرا، و من المعلوم أجنبيّة هذا المعنى عن ضمان المنافع الفائتة، فإنّها تالفة لا متلفة حتى يلزم تداركها ببدلها.

و قد تحصّل: أنّه لا مقتضي للقول المشهور من ضمان المنفعة الفائتة في المبيع بالبيع الفاسد، لما عرفت من الخدشة في الدليلين، و هما قاعدتا اليد و الاحترام.

(4) أي: إنّما يتحقّق التصرّف فيه و إتلافه فيما إذا استوفى المنفعة، و هذا خارج عن محلّ البحث و هو المنفعة الفائتة.

ص: 259

فالحكم (1) بعدم الضمان مطلقا (2) كما عن الإيضاح، أو مع علم البائع بالفساد، كما عن بعض آخر (3) موافق (4) للأصل (5) السليم.

مضافا إلى: أنّه قد يدّعى (6) شمول قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه- بعد إبطال المقتضي للضمان- إبداء المقتضي لعدم الضمان وفاقا لفخر المحققين، و هذا المقتضي لنفي الضمان أمور ثلاثة:

أوّلها: الأصل السليم عن الحاكم و المعارض.

و ثانيها: قاعدة «ما لا يضمن».

و ثالثها: أخبار بيع الجارية المسروقة التي ضمّنت المشتري خصوص المنافع المستوفاة، و سيأتي بيانها.

(2) أي: مع علم البائع بالفساد و جهله به، فالإطلاق في قبال تفصيل بعض بين صورتي العلم و الجهل.

(3) لعلّ مراده من البعض هو العلّامة في القواعد، حيث استشكل في ضمان المنافع الفائتة. فقال: «و لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد، و يضمنه و ما يتجدّد من منافعه، الأعيان أو غيرها، مع جهل البائع أو علمه مع الاستيفاء، و بدونه إشكال» «1» بناء على ما فهمه المحقّق الكركيّ من العبارة من جعل مورد الاشكال علم البائع بالفساد و عدم استيفاء المشتري للمنفعة، فراجع.

(4) خبر قوله: «فالحكم».

(5) و هو أصالة البراءة عن الضمان عند فوت المنفعة بيد المشتري، و لا معارض لهذا الأصل من دليل اجتهاديّ أو أصل عمليّ.

(6) هذا وجه آخر استدل به بعضهم على عدم ضمان المنفعة الفائتة في المقبوض بالبيع الفاسد، و هو مبنيّ على اختصاص قاعدتي «ما يضمن و ما لا يضمن» بمصبّ العقد و مورده، على ما سبق من المصنّف قدّس سرّه التنبيه عليه، و فرّع عليه عدم ضمان العين

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 81، السطر 27 (الطبعة الحجرية).

ص: 260

بفاسده» و من المعلوم (1) أنّ صحيح البيع لا يوجب ضمانا للمشتري للمنفعة، لأنّها (2) له مجّانا. و لا يتقسّط (3) الثمن عليها. و ضمانها (4) مع الاستيفاء لأجل الإتلاف، فلا ينافي القاعدة المذكورة، لأنّها (5) بالنسبة إلى التلف لا الإتلاف.

______________________________

المستأجرة بالإجارة الفاسدة، بدعوى: أنّ متعلّق المعاوضة فيها هو المنفعة، فتندرج العين في قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده».

و كذا يقال في المقام: بأنّ صحيح البيع لا يوجب ضمان المشتري للمنفعة، حيث إنّ الضمان المعاوضيّ يقع بين المبيع و الثمن، و منافع المبيع ليست طرفا للمعاوضة و لا تقابل بشي ء من الثمن، فلا تضمن لو تلفت و فاتت. كما أنّ العين المستأجرة لا تضمن لو تلفت بيد المستأجر.

نعم إتلاف العين و استيفاء المنفعة يوجب الضمان، لقاعدة الإتلاف، و هذا لا ينافي قاعدة «ما لا يضمن» المختصّة بمورد التلف، لا الإتلاف كما لا يخفى.

(1) هذا تقريب شمول قاعدة «ما لا يضمن» للمنفعة الفائتة، و قد عرفته آنفا.

(2) يعني: لأنّ المنفعة تكون للمشتري مجّانا، لكون تمام الثمن بإزاء نفس العين.

(3) بأن يكون مقدار من الثمن بإزاء العين، و مقداره بإزاء المنفعة حتى تندرج المنافع- كنفس العين- في قاعدة «ما يضمن» ليكون نتيجة تقسيط الثمن ضمان منافع المبيع بالبيع الفاسد سواء استوفيت أم فاتت.

(4) مبتدأ خبره «لأجل» و غرضه دفع توهّم المنافاة بين نفي الضمان للمنافع بقاعدة «ما لا يضمن» و بين الالتزام بالضمان في استيفائها، و قد عرفت تقريبه بقولنا:

«نعم إتلاف العين ..».

(5) يعني: لأنّ قاعدة «ما لا يمضن» نافية للضمان في مورد التلف، و لا تتعرّض لحال الإتلاف أصلا حتى يتحقق التنافي بينها و بين ما يوجب الضمان كالإتلاف و الاستيفاء.

ص: 261

مضافا إلى الأخبار (1) الواردة في ضمان المنافع المستوفاة من الجارية

______________________________

(1) هذا ثالث الوجوه المستدلّ بها على عدم ضمان المنافع الفائتة، و محصّله:

استفادة عدم الضمان من السكوت في مقام بيان مورد الضمان في الجارية المسروقة، ثم إثباته في المقبوض بالبيع الفاسد بالأولويّة القطعيّة، فهنا أمران ينبغي توضيحهما.

الأوّل: أصل دلالة الأخبار على عدم ضمان المنفعة الفائتة في مورد بيع الجارية المسروقة.

الثاني: أولويّة المقام بعدم الضمان.

أمّا الأوّل فبيانه: أنّه قد ورد في جملة من الأخبار سؤال الراوي عن حكم جارية مسروقة بيعت، فاستولدها المشتري و انتفع بلبنها و خدمتها، فحكم عليه السّلام بضمان قيمة الولد و اللبن و اجرة مثل خدمتها من طبخ و كنس و طحن و نحوها من المنافع التي استوفاها المشتري في المدّة التي مكثت عنده، كقوله عليه السّلام- كما في خبر زرارة-: «و يعوّضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» «1» و سكت عليه السّلام عن ضمان منافعها الفائتة، مع كون السائل بصدد استعلام وظيفته الفعليّة و ما تشتغل عهدته به، و من المعلوم أنّ السكوت في مقام البيان بيان العدم.

فإن قلت: إنّ كون هذه الأخبار ناظرة إلى المنفعة الفائتة حتى يستفاد عدم ضمانها من السكوت محلّ تأمّل، لأنّه عليه السّلام اقتصر على بيان ضمان قيمة الولد و المنافع المستوفاة، و لم يفرض فوت بعض منافع الجارية حتى يتحقق موضوع للكبرى المقرّرة، و هي: أنّ السكوت في مقام البيان بيان العدم.

قلت: ليس كذلك، لأنّ مورد السؤال منزّل على المتعارف، و لا ريب في أنّ للجارية منافع يستوفى بعضها و يفوت بعضها الآخر، و ليست تستخدم بمثابة لا يفوت شي ء من منافعها. و لو شكّ كفى استفادة الإطلاق من ترك الاستفصال،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 4، و قد تقدم في ص 49 و 50 نقل بعض هذه الأخبار، فراجع.

ص: 262

المسروقة المبيعة الساكتة (1) عن ضمان غيرها (2) في مقام البيان [1].

______________________________

إذ لم يسأل عليه السّلام عن أنّ المشتري هل استخدمها في تمام منافعها أم في مقدار منها؟

و عليه ففوت المنفعة مفروض في الرّواية، و يتّجه الاستدلال بسكوته عليه السّلام عن ضمان المنافع الفائتة، و اقتصاره على ضمان المستوفاة.

و أمّا الأمر الثاني- و هو الأولويّة- فتقريبه: أنّ الأخبار الواردة في بيع الجارية المسروقة لم تضمّن المشتري عوض المنفعة الفائتة، مع كون موردها شراءها من الغاصب الأجنبيّ عن المالك، و كون مقتضى أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال هو ضمان المشتري للمنفعة الفائتة أيضا ليرجع على الغاصب من جهة غروره. فإذا كان البائع مالكا للجارية كان عدم ضمان المشتري أولى قطعا، لأنّ المالك أقدم على البيع و تسليمها إلى المشتري.

هذا تمام الكلام في تقريب دلالة هذه الطائفة على انتفاء الضمان في المنفعة الفائتة. و كذا الكلام في رواية أخرى و هي صحيحة محمّد بن قيس الآتية.

(1) صفة ل «الأخبار» و هذا إشارة إلى الكبرى المقرّرة في الأصول من: أنّ السكوت في جواب السؤال عن الوظيفة الفعليّة دليل على عدم الحكم، ففي المقام لو كان المشتري ضامنا لبيّنه الإمام عليه السّلام، لئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، مع عدم حكمة ظاهرة في تأخيره.

(2) أي: غير المنافع المستوفاة، و هذا الغير هو المنافع الفائتة.

______________________________

[1] قد يقال: إنّ تلك الأخبار ليست في مقام بيان حكم المنافع من حيث الضمان و عدمه، و التعرّض لدفع قيمة الولد إلى مالك الجارية إنّما هو لدفع توهم رقيّة الولد و كونه ملكا لمالك الجارية، لأنّه نماء ملكه. و لو كانت في مقام بيان حكم المنافع فلا بدّ من بيان ضمان المنافع المستوفاة التي هي مضمونة على مستوفيها قطعا، و من المعلوم عدم التعرّض لها مع استيفائها عادة، كخدمة الجارية في المدّة التي كانت عند المشتري.

ص: 263

و كذا (1) صحيحة محمّد بن قيس الواردة في من باع وليدة أبيه بغير إذنه،

______________________________

(1) معطوف على «الأخبار» و مقصوده أنّ الأمرين المتقدمين في تلك الأخبار- من السكوت و الأولويّة- جاريان في صحيحة محمّد بن قيس أيضا، فالتقريب مشترك بينهما.

أمّا الصحيحة فقد رواها شيخ الطائفة بإسناده عن علي بن الحسن بن فضّال، عن سندي بن محمّد و عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن محمّد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاشتراها رجل، فولدت منه غلاما، ثم قدم سيّدها الأوّل، فخاصم سيّدها الأخير، فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال: خذ وليدتك و ابنها. فناشده المشتري، فقال: خذ ابنه- يعني الذي باع الوليدة- حتى ينفذ لك ما باعك. فلمّا أخذ البيّع الابن قال أبوه: أرسل ابني. فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلمّا رأى سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» «1».

و سيأتي الكلام في مفاد الصحيحة في بيع الفضول إن شاء اللّه تعالى. إلّا أنّ

______________________________

لكن فيه: أنّ أخبار الباب متعدّدة، و قد صرّح في بعضها بضمان خدمتها. كما أدرجناه في التوضيح، و معه لا مجال لدعوى اختصاص القيمة بالولد لأجل دفع توهّم رقيّة الولد و كونه ملكا لسيّد الجارية، فلاحظ.

و لم يظهر من المتن اعتماد المصنّف قدّس سرّه على خصوص الرواية المتضمّنة لقيمة الولد حتى يتّجه ما ذكر، بل مقصوده الاستدلال بمجموعها، و قد عرفت اشتمال بعضها على ضمان ما أصاب من خدمتها، و هو المنفعة المستوفاة، فيبقى مجال استفادة عدم ضمان المنفعة الفائتة من السكوت.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1، و رواه ثقة الإسلام بسنده، و فيه «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام».

ص: 264

فقال عليه السّلام: «الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها» و سكت عن المنافع الفائتة. فإنّ (1) عدم الضمان في هذه الموارد (2)- مع كون العين لغير البائع (3)- يوجب عدم الضمان هنا (4) بطريق أولى.

و الانصاف أنّ للتوقّف في المسألة- كما في المسالك تبعا للدروس و التنقيح (5)- مجالا.

______________________________

المقصود من نقلها فعلا دلالتها على عدم ضمان ما فات من الجارية المبيعة بغير إذن مالكها. فإنّه عليه السّلام قضى أوّلا للمالك بأخذ الجارية من المشتري، و كذا ولدها الذي هو منفعتها، و لم يضمّن المشتري ما فات من منفعتها في المدّة التي كانت عنده. و حيث إنّ الصحيحة في مقام بيان الوظيفة الفعليّة كان اقتصاره على ضمان قيمة الولد دليلا على عدم استقرار عوض المنفعة الفائتة على عهدة المشتري. هذا تقريب أصل الدلالة.

و أمّا أولويّة المقام- و هو البيع الفاسد مع إقدام المالك على البيع- فقد تقدّمت آنفا.

(1) هذا تقريب الأولويّة، و أمّا الدلالة على عدم ضمان المنفعة الفائتة فمنشؤها السكوت.

(2) يعني: مورد الصحيحة و موارد بيع الجارية المسروقة، لظهورها في تعدّد الواقعة، لأنّ المسؤول في بعض الأخبار أبو جعفر عليه السّلام، و في بعضها أبو عبد اللّه عليه السّلام.

(3) يعني: ليس المبيع ملكا للبائع، إذ البائع فضول، إمّا غاصب كما في الجارية المسروقة، و إمّا غير غاصب كما في صحيحة محمّد بن قيس.

(4) أي: في المقبوض بالبيع الفاسد، إذ قد ينشأ الفساد من اختلال بعض شروط الصيغة خاصّة، مع اجتماع شروط العوضين و المتعاقدين، بأن يكونا مالكين أو مأذونين في التصرّف. هذا تمام الكلام في وجه عدم الضمان و سيأتي التوقّف في المسألة.

(5) قال الفاضل المقداد قدّس سرّه: «و أمّا مع الفوات فوجهان، من أصالة البراءة، و من أنّها منافع عين مضمونة فتضمن» «1».

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 32

ص: 265

و ربّما (1) يظهر من القواعد في باب الغصب عند التعرّض لأحكام البيع الفاسد اختصاص الاشكال و التوقّف بصورة علم البائع، على ما استظهره السيد العميد و المحقّق الثاني من عبارة الكتاب (2)،

______________________________

و قال الشهيد قدّس سرّه في حكم البيع الفاسد: «و يرجع صاحب العين بمنافعها المستوفاة، فلو فاتت بغير استيفاء فوجهان» «1».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و لو فاتت بغير استيفاء فوجهان» «2».

و لكنّه في موضع آخر من البيع رجّح الضمان فقال: «و كما تضمن العين تضمن منافعها؛ سواء استوفاها أم لا، على الأقوى» «3».

و كيف كان فقد جعل المصنّف قدّس سرّه هنا- و في عبارته الآتية قريبا- التوقّف مقتضى الإنصاف في المسألة، و لعلّه لأجل تمانع وجهي الضمان و عدمه لو تمّ المقتضي في كلّ منهما، بعد عدم ترجيح أحدهما على الآخر. لكنّه قدّس سرّه عدل عن هذا الإنصاف إلى القول المشهور و هو الضمان اعتمادا على الإجماع المصرّح به في التذكرة، و سيأتي.

(1) غرضه قدّس سرّه من هذه العبارة- إلى عدّ الأقوال في المسألة- هو: أنّ الأقوال في ضمان المنافع الفائتة أربعة، إلّا أنّ اختلاف شرّاح القواعد في الاستظهار من العبارة جعلها خمسة، ففخر المحقّقين قدّس سرّه جعل مصبّ إشكال العلّامة في ضمانها أعمّ من علم البائع بالفساد و جهله به، و لكنّ المحقّق الثاني و السيد العميد استظهرا من عبارة القواعد اختصاص التوقّف في ضمان المنافع الفائتة بما إذا علم البائع بالفساد، فلو كان جاهلا به كان ضامنا لها.

(2) يعني: عبارة كتاب القواعد، و هي قول العلّامة المتقدم في (ص 260) و فيه:

«و بدونه إشكال» فإن كان مرجع ضمير «بدونه» الاستيفاء، اتجه ما استظهره

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 194

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 154

(3) المصدر، ص 174

ص: 266

و عن الفخر (1) حمل الإشكال في العبارة على مطلق صورة عدم الاستيفاء.

فيتحصّل (2) من ذلك كلّه أنّ الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة.

______________________________

فخر المحقّقين من التوقّف في ضمان المنافع الفائتة مطلقا سواء علم البائع بالبطلان أم جهل به.

و إن كان مرجع الضمير الاستيفاء مع قيد «علمه» اتّجه ما استظهره المحقّق الثاني، إذ المعنى حينئذ: «انّه مع علم البائع بالفساد إذا فاتت المنفعة ففي الضمان إشكال و توقّف» فيتألّف موضوع توقّف العلّامة من أمرين: أحدهما علم البائع بالبطلان، و الآخر عدم استيفاء المشتري للمنفعة.

قال المحقّق الثاني في ضمان المنافع: «فلا تفاوت في كون المتجدّد في البيع عينا كالولد أو منفعة كسكنى الدار، و لا في كون البائع عالما بالفساد و جاهلا، و لا بين أن يستوفي المشتري فاسد المنفعة و عدمه، على إشكال في بعض الصور، و هو ما إذا علم البائع بفساد البيع و لم يستوف المشتري المنفعة» «1».

(1) الحاكي لكلام فخر المحققين هو السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّهما، قال في الإيضاح- في شرح عبارة القواعد المتقدمة: «و بدونه إشكال»- ما لفظه: «ينشأ من تبعيّة الأصل، و لأنّ الأصل في قبض مال الغير الضّمان إلّا بسبب عدمه، و لم يثبت. و من أنّها لم تقبض بالبيع الفاسد و لا بالغصب. و الحقّ الثاني، لأنّ مال الغير يجدّد في يده بغير فعلهما، فكان كالثوب تطيره الريح» «2».

و ما ذكره قدّس سرّه من وجه عدم الضمان بقوله: «و من أنّها لم تقبض بالبيع الفاسد و لا بالغصب» جار في صورتي علم البائع بالفساد و جهله به، و مقتضاه أنّه فهم من عبارة والده توقّفه في ضمان المنافع الفائتة مطلقا بلا فرق بين العلم و الجهل.

(2) يعني: بعد أن اختلف شرّاح القواعد في مراد العلّامة قدّس سرّه من قوله: «و بدونه إشكال» فقد تحصّل أقوال خمسة في حكم المنافع الفائتة.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 324

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 305؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 194

ص: 267

الأوّل: الضمان، و كأنّه للأكثر (1).

الثاني: عدم الضمان، كما عن الإيضاح (2).

الثالث: الضمان، إلّا مع علم البائع (3)، كما عن بعض من كتب على الشرائع.

الرابع: التوقّف (4) في هذه الصورة، كما استظهره جامع المقاصد و السيد العميد «1» من عبارة القواعد.

______________________________

إلّا أن يقال: بأن الأقوال ثلاثة، و التوقّف ليس قولا، بل هو تردّد في الحكم، فتأمّل.

(1) تقدم الاستدلال له بقاعدتي اليد و الاحترام، و ناقش فيهما المصنف، و بقي وجه آخر و هو الإجماع المنقول، فلا منافاة بين إنكار الضمان، للخدشة في القاعدتين، و بين إثباته للإجماع.

(2) و استدلّ عليه في عبارته المتقدّمة بقوله: «لأنّ مال الغير يجدّد في يده بغير فعلهما ..» و يمكن المناقشة فيه بأنّ المشتري قبض المبيع باختياره، و يكفي في قبض المنافع قبض العين، فقياس المقام بإطارة الريح في غير محلّه.

(3) لعلّ وجهه- كما عن بعض- أنّ البائع مع علمه بفساد البيع هو المقدم على تسليط المشتري على المنافع مجّانا، فلا وجه حينئذ لضمان المشتري للمنافع.

لكن فيه أوّلا: أنّ قضية هذا الوجه عدم ضمان المنافع مطلقا حتى المستوفاة منها، و هو كما ترى.

و ثانيا: أنّ مجرّد التسليط ليس رافعا للضمان، لا مكان بناء البائع تشريعا على صحّة المعاملة، و كون التسليم إلى المشتري بعنوان الوفاء بالمعاملة، فالتسليط معاوضيّ، و الرافع للضمان هو التسليط المجّانيّ و بلا عوض.

(4) و سيأتي إن شاء اللّه تعالى، في التعليقة وجهه و ضعفه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 324؛ كنز الفوائد، ج 1، ص 676

ص: 268

الخامس: التوقّف مطلقا (1) كما عن الدروس و التنقيح و المسالك و محتمل القواعد، كما يظهر من فخر الدين.

و قد عرفت (2) أنّ التوقّف أقرب إلى الانصاف.

إلّا (3) أنّ المحكيّ عن التذكرة: «أنّ منافع الأموال من العبد و الثياب و العقار و غيرها مضمونة بالتفويت و الفوات تحت اليد العادية، فلو غصب عبدا أو جارية أو عقارا أو حيوانا مملوكا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها، أو فاتت تحت يده، بأن بقيت مدّة في يده لا يستعملها، عند (4) علمائنا أجمع (5)».

______________________________

(1) يعني: مع علم البائع بالفساد و جهله به.

(2) حيث قال قبل أسطر: «و الانصاف أنّ للتوقّف في المسألة كما في المسالك .. إلخ».

(3) يعني: أنّ المانع عن التوقّف هو الإجماع الذي ادّعاه في التذكرة على ضمان الغاصب للمنافع مطلقا- من المستوفاة و غيرها- بعد البناء على كون يد المشتري فيما نحن فيه من اليد العادية خصوصا مع علمه بفساد العقد.

و كذا يظهر الإجماع من عبارة السرائر من قوله: «المنافع تضمن عندنا بالغصب» «1».

و تقدّم منه أيضا: «أن البيع الفاسد يجري عند المحصلين منزلة المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم بإمساكه».

(4) هذا متعلّق بقوله: «مضمونة بالتفويت و الفوات» يعني: أنّ ضمان مطلق المنافع اتّفاقيّ.

(5) ثم قال العلّامة قدّس سرّه: «و به قال الشافعيّ و أحمد بن حنبل، لأنّ المنافع مضمونة بالعقد الفاسد، فتضمن بالغصب كالأعيان .. إلخ» «2».

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 479

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 381

ص: 269

و لا يبعد (1) أن يراد باليد العادية مقابل اليد الحقّة، فيشمل (2) يد المشتري فيما نحن فيه، خصوصا (3) مع علمه،

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه من هذا الاستظهار: أنّ عبارة التذكرة تحتمل وجهين:

أحدهما: اختصاص معقد الإجماع بباب الغصب، لأنّ المتيقّن من قوله: «تحت اليد العادية» هو الغصب الذي يكون استيلاء الغاصب اعتداء على مال الغير. و بناء على هذا الاحتمال يمتنع الاستدلال بإجماع التذكرة على ضمان المنفعة الفائتة في المبيع بالبيع الفاسد، و ذلك لتعدّد الموضوع، إذ ليست يد المشتري عادية حتّى تندرج في موضوع حكمهم بالضمان في منافع المغصوب.

ثانيهما: شمول «اليد العادية المضمّنة» للمقام، لوضوح أنّ اليد على مال الغير إمّا حقّة، لاستنادها إلى إذن مالكي أو شرعي، و إمّا عادية، و لا ثالث لهذين القسمين.

و لا ريب في أنّ يد المشتري- على المبيع بالبيع الفاسد- ليست حقّة واقعا، لفرض فساد السبب المملّك. نعم قد يزعم استحقاقه للتصرّف فيه في صورة الجهل بالفساد، لكن لا عبرة بهذا الاعتقاد، لأنّ المناط في جواز التصرّف تملّكه للمبيع واقعا. و حيث لم يدخل في ملكه كانت يده عادية و إن لم يعلم به المشتري.

و على هذا الاحتمال لا يختصّ الاعتداء على مال الغير بباب الغصب، بل تندرج منافع المبيع بالبيع الفاسد فيه، فتتّجه دعوى الإجماع على ضمان المنفعة الفائتة.

و استظهر المصنّف قدّس سرّه هذا الاحتمال الثاني، لما ذكرناه آنفا من صدق «اليد العادية» على كلا المقامين، و لا قرينة على الاختصاص بباب الغصب. بل في ما نقلناه من التذكرة قرينة على أنّ ضمان منافع المبيع فاسدا أوضح وجها من باب الغصب، فلاحظ قوله: «لأنّ المنافع مضمونة بالعقد الفاسد، فتضمن بالغصب».

(2) لعدم كون يد المشتري حقّة بعد فساد العقد واقعا.

(3) وجه الخصوصيّة: أنّه لو نوقش في صدق «اليد العادية» على يد المشتري الجاهل بفساد العقد- بأنّه يزعم استحقاق التصرّف في المبيع- فلا ريب في صدقها

ص: 270

سيّما (1) مع جهل البائع به.

و أظهر منه (2) ما في السرائر في آخر باب الإجارة من «الاتّفاق أيضا على ضمان منافع المغصوب الفائتة» «1» مع قوله في باب البيع: «انّ البيع الفاسد عند أصحابنا بمنزلة الشي ء المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم عن إمساكه» «2» انتهى.

و على هذا (3) فالقول بالضمان لا يخلو عن قوّة، و إن كان المتراءى من ظاهر

______________________________

على يده عند علمه بالفساد، لاعتقاده حينئذ بأنّ استيلاءه على المبيع اعتداء على البائع.

(1) وجه الخصوصيّة: أنّ البائع العالم بفساد البيع ربما يرضى بتسلّط المشتري على المبيع، فيشكل صدق «اليد العادية» على يد المشتري. و أمّا مع جهل البائع بالفساد و علم المشتري به فلا ريب في صدق الاعتداء كما تقدّم آنفا.

(2) يعني: و أظهر من كلام التذكرة- في دعوى الإجماع على ضمان المنافع مطلقا استوفيت أم فاتت- كلام ابن إدريس قدّس سرّه بعد ضمّ كلامه في باب البيع الفاسد إلى ما أفاده في الغصب من تصريحه بضمان المنفعة الفائتة. فيتحصّل منه الإجماع على ضمانها في البيع كالغصب.

و وجه أظهريّة عبارة السرائر في الإجماع على ضمان المنافع الفائتة هو أنّ تعبير العلّامة باليد العادية يحتمل وجهين كما ذكرناه، لكن تعبير ابن إدريس بضمان منافع المغصوب و كون البيع الفاسد بمنزلة المغصوب لا يقبل الحمل على معنى آخر.

(3) أي: و بناء على الإجماع الذي حكاه ابن إدريس و العلّامة فالقول بالضمان قويّ.

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 479

(2) المصدر، ص 326

ص: 271

صحيحة أبي ولّاد «1» اختصاص الضمان (1) في المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلى غير محلّ الرخصة.

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه دفع توهّم يورد به على الحكم بضمان المنافع الفائتة في البيع الفاسد. و محصّل التوهّم: أنّ صحيحة أبي ولّاد الواردة في البغل المغصوب خصّت الضمان بالمنافع المستوفاة، فحكم الإمام أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام على أبي ولّاد بضمان اجرة مثل كراء البغل بالنسبة إلى خصوص المنفعة المستوفاة، لقوله عليه السّلام: «أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، و مثل كرى البغل من النيل إلى بغداد، و مثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة، توفيه إيّاه» و سكت عليه السّلام عن ضمان ما فات من منفعة البغل في المدّة، فإنّ قطع هذه المسافة يتحقق بأقلّ من خمسة عشر يوما، فيتراءى من ذلك أنّ ذمّته لم تشتغل إلّا بأجرة المنافع التي استوفاها من البغل، دون ما لم يستوفها من المنافع، فإنّ طيّ المسافة المزبورة إذا تحقق في مدّة عشرة أيّام كانت منافع البغل الفائتة في مدّة الخمسة غير مضمونة على مستأجر البغل.

و الحاصل: أنّ المنافع التي فاتت في مدّه الخمسة التي لم يستعمل البغلة فيها غير مضمونة، فالصحيحة تدلّ على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة.

و محصّل دفع التوهّم هو: أنّ ضمان المنفعة الفائتة من المغصوب من مسلّمات الفقه، فلو فرض ظهور سكوت الامام عليه السّلام في عدم ضمانها قلنا بأنّ هذا الظهور معرض عنه، و من المعلوم أنّ إعراض جميع الأصحاب عنه يوهن أصالة الجدّ فيها، فلا يمكن التمسّك به لإثبات عدم الضمان في باب الغصب، فكيف يعارض به الإجماع على ضمان المنفعة الفائتة للمبيع بالبيع الفاسد.

ثمّ إنّ تعبير المصنّف قدّس سرّه بقوله: «و إن كان المتراءى .. إلخ» ظاهر في عدم جزمه بالاستظهار المزبور. و لعلّ وجهه أنّ سيره لم يكن من الطريق المتعارف في هذه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 255، الباب 17 من أبواب الإجارة، الحديث 1

ص: 272

إلّا أنّا لم نجد (1) بذلك عاملا في المغصوب الذي هو موردها (2) [1].

______________________________

الأعصار من الكوفة إلى بغداد، فإنّ السير في هذا الزمان من الطريق المتعارف من الكوفة إلى بغداد و بالعكس بالبغال و الحمير يتحقّق في مدّة ثمانية أيّام تقريبا، لكن السّير في مورد الصحيحة كان على غير المتعارف، لأنّه ركب من الكوفة إلى النيل الواقع في الواسط- و يسمى فعلا بالحيّ- و من النيل إلى بغداد، و قيل: إنّ السير على هذا النحو يحتاج إلى زمان أوسع.

و على هذا فلا يبقى للصحيحة ظهور في عدم ضمان المنافع غير المستوفاة حتى يقال: إنّه موهون بالاعراض عن العمل بها في موردها و هو الغصب، فكيف يمكن التعدّي عن موردها إلى المقام، و هو منافع المقبوض بالعقد الفاسد؟

(1) هذا دفع التوهّم، و قد أوضحناه آنفا.

(2) أي: مورد صحيحة أبي ولّاد.

______________________________

[1] قد عرفت أن الأقوال في المسألة خمسة:

الأول- و هو المشهور-: الضمان مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك، كما ظهر من عبارة الإيضاح.

الثالث: التفصيل بين علم البائع بالفساد و جهله به، بعدم الضمان في الأوّل، و بالضمان في الثاني.

الرابع: التوقّف عن الحكم بالضمان في الصورة الثالثة، و هي صورة علم البائع.

الخامس: التوقّف في الضمان مطلقا.

لكن لا يستقيم عدّ التوقّف في هاتين الصورتين من الأقوال، لأنّ مرجع التوقّف إلى عدم الحكم، و من المعلوم أنّه ليس قولا و رأيا في المسألة. و عليه فالأقوال ثلاثة، ثالثها: التفصيل بين علم البائع بالفساد و جهله به، بالضمان في الثاني، و عدمه في الأوّل.

أمّا القول المشهور- و هو الضمان مطلقا- فقد استدلّ له بوجوه:

أحدها: الإجماع الذي يظهر من عبارة السرائر المتقدّمة.

ص: 273

______________________________

ثانيها: قاعدة اليد، بعد صدق «الأخذ» على المنافع بأخذ الأعيان، كما أفاده المصنّف قدّس سرّه.

ثالثها: قاعدة الاحترام المستفادة من جملة من الروايات الدالّة على «أنّ حرمة مال المؤمن كحرمة دمه» و المفروض كون المنافع من الأموال، لتنافس العقلاء عليها، فمنعها عن المالك بدون الضمان ينافي حرمة مال المؤمن.

رابعها: قاعدة نفي الضرر، حيث إنّ عدم ضمان من فوّت منافع الغير ضرر عليه، فينفى بقاعدته.

خامسها: قاعدة الإتلاف، كما استدلّ بها السيد قدّس سرّه «فإنّ الاستيلاء على العين و منع المالك عن الانتفاع بها تفويت و إتلاف لمنافعها. و مقتضى قاعدة الإتلاف ضمانها. و لأجل هذه القاعدة نحكم بضمان منافع المغصوب التي لم يستوفها الغاصب» «1».

سادسها: قوله عجل اللّه تعالى فرجه و صلّى عليه و جعلناه فداه: «فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2».

سابعها: ما في حاشية المحقّق الخراساني قدّس سرّه من «أنّ الدّليل على ضمان المنافع هو الدليل على ضمان الأعيان، لكون ضمانها من آثار ضمانها و لوازمه. و لا يتفاوت في ذلك بين كونها مستوفاة و غير مستوفاة كما لا يخفى. و الظاهر أنّ هذا هو الوجه في ضمانها مطلقا في باب الغصب قولا واحدا. و لا أظنّ اختصاص ذلك الباب بوجه غير جار في الباب. إلّا أن يكون هو إجماع الأصحاب. لكنّه لا يظن أن يكون مدركهم أيضا إلّا ما ذكرنا، فافهم» «3».

و حاصله: أنّ الوجه في ضمان المنافع المستوفاة و غيرها هو: أنّ من آثار ضمان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 96

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 3

(3) حاشية المكاسب، ص 34

ص: 274

______________________________

العين ضمان منافعها، فدليل ضمان العين دليل على ضمان منافعها. و ادّعى قدّس سرّه أنّ هذا هو الوجه في ضمانها مطلقا في باب الغصب. إلّا أن يكون الوجه في ضمان منافع المغصوب مطلقا هو الإجماع المفقود هنا، لكون الأقوال في ضمان منافع المقبوض بالعقد الفاسد متعدّدة، هذا.

أمّا الاستدلال بالإجماع ففيه أوّلا: عدم الاتّفاق، لكون المسألة ذات أقوال، كما عرفت.

و ثانيا: أنّ من المحتمل كونه مدركيّا، بأن يكون مستندهم في الضمان ما تقدّم من قاعدتي اليد و الاحترام.

و ثالثا: بأنّه من الإجماع المنقول الذي تقرّر في الأصول عدم حجيّته.

مضافا إلى: أنّ الظاهر من عبارة السرائر ترتيب خصوص وجوب الرّدّ من أحكام الغصب على المقبوض بالعقد الفاسد، ضرورة أنّ الغاصب إذا استولد الجارية المغصوبة لا يلحق به الولد، لأنّه زان، بخلاف ما إذا أولدها من قبضها بالعقد الفاسد، فإنّ الولد يلحق به.

و توجيه إجماع السرائر و التذكرة بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقّق النائيني قدّس سرّه من قوله: «و لكنّه لا يخفى انّ اختياره الضمان أخيرا ليس لاعتماده على الإجماع المنقول، مع أنّه قدّس سرّه منكر لحجّيّته في الأصول، بل اعتمد على نقل الإجماع من جهة كشف اتفاق الأعلام على شمول قاعدة اليد و الاحترام للمنافع» «1» لا يخلو من الغموض، إذ فيه أوّلا:

أن لازم الاتفاق على شمول قاعدتي اليد و الاحترام للمنافع عدم الاختلاف في ضمان المنافع غير المستوفاة. و قد عرفت تعدّد الأقوال فيه.

و ثانيا: أنّ موضوع القاعدتين- أعني بهما اليد و الاحترام- من الموضوعات العرفيّة التي يكون المرجع في معرفتها العرف، و ليس بيد الفقيه بما هو فقيه. فالإجماع

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 134

ص: 275

______________________________

التعبّديّ القائم على تشخيص المفهوم العرفيّ أو تطبيقه على مصاديقه غير الإجماع الذي هو حجّة- أعني به الإجماع- على الحكم الشرعي.

نعم إذا كان الموضوع من الموضوعات المستنبطة التي لا بدّ فيها من الرجوع الى الفقيه، كالغناء، و المفازة و الصعيد و الآنية و غيرها و كان مرجع الإجماع إلى تحديد الموضوع الذي يترتّب عليه الحكم الشرعيّ، فهو و إن كان وجيها. إلّا أن جماعة ناقشوا في صدق اليد على المنافع و منهم المصنّف، حيث قال قبل أسطر- بعد تسليم كون المنافع أموالا- ما لفظه: «بأنّ مجرّد ذلك لا يكفي في تحقّق الضمان. إلّا أن يندرج في عموم «على اليد ما أخذت، و لا إشكال في عدم شمول صلة الموصول للمنافع».

و مع هذه المناقشة- بل نفي الاشكال عن عدم صدق اليد على المنافع- كيف يمكن أن يدّعى رجوع الإجماع إلى الاتّفاق على صدق اليد على المنافع؟

و قد تقدّم كلام الإيضاح و تنظير المنافع بالثوب الذي أطارته الريح، فإنّه ظاهر في إنكار صدق اليد على المنافع، فلا بدّ أن يراد بالإجماع الاتّفاق على نفس الحكم أعني به الضمان، لا على دليل الحكم، و لا على تحديد موضوعه. لكن قد عرفت عدم الإجماع على الضمان، هذا.

ثمّ أفاد المحقق المذكور في وجه الضمان ما حاصله: «أنّ المقتضي له و هو اليد الشاملة للعين أصالة و المنافع تبعا- لصدق اليد و الأخذ عليهما- موجود، و المانع عنه مفقود، لأنّه إمّا قاعدة «ما لا يضمن» في كلتا صورتي العلم بالفساد و الجهل به. و إمّا تسليط البائع للمشتري على المنافع مجّانا في صورة علم البائع بالفساد.

و كلاهما مفقود، إذ الأوّل مختصّ أصلا و عكسا بمصبّ العقد و هو العين في المقام، و المنافع خارجة عنه، فيرجع فيها إلى القواعد الأخر.

و الثاني لا يستلزم المجّانيّة الرافعة للضمان، لإمكان البناء على الصحة تشريعا» «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 134

ص: 276

______________________________

انتهى ملخّصا.

و يتوجّه عليه: أنّ جعل وجود المقتضي و هو اليد مفروغا عنه أوّل الكلام، لما عرفت من المناقشة في صدق اليد على المنافع، لظهور النبويّ في اعتبار كون المأخوذ بنفسه قابلا للرّدّ، و ليست المنافع كذلك. فالظاهر قصور الحديث عن شموله للمنافع.

فمع عدم تسلّم وجود المقتضي لا تصل النوبة إلى البحث عن وجود المانع أو عدمه.

بل لو سلّمنا صدق اليد على المنافع أمكن المناقشة فيه أيضا بأنّ اليد المضمّنة هي خصوص العادية، و هي مفقودة هنا، لعدم منع القابض للمالك عن استيفاء المنافع كما لا يخفى.

نعم قاعدة الاحترام- بناء على عدم اختصاصها بالحكم التكليفيّ- تجري في المنافع غير المستوفاة. و كذا قاعدة الإتلاف فيما إذا استند تفويت المنافع إليه على التفصيل الآتي.

و أمّا الاستدلال بقاعدة اليد، ففيه: أنّ اليد و إن كانت كناية عن الاستيلاء الصادق على الأعيان و المنافع، و ليس المراد بها خصوص الأخذ بالجارحة الخاصّة قطعا، و إلّا يشكل الأمر في غير المنقولات كالأرض و الدار و نحوهما، لكن الذيل و هو «حتى تؤدي» ظاهر في كون المأخوذ بنفسه مردودا، فيختصّ النبويّ بما كان في نفسه قابلا للرّدّ و إن امتنع عرضا كالتلف.

و بالجملة: فجعل اليد كناية عن الاستيلاء الشامل للأعيان و المنافع لا يجدي في شمول النبويّ أيضا للمنافع، مع قرينيّة «حتى تؤدّي» على كون المأخوذ بعينه قابلا للرّدّ، فيختصّ النبويّ بالأعيان.

و أمّا قاعدة الاحترام فهي متوقّفة على صدق المال على المنفعة، لإضافة نفي الحل إلى المال في قوله عليه السّلام: «حرمة ماله كحرمة دمه» أو «لا يحل مال امرء مسلم» و مع الصدق لا ينبغي الإشكال في صحة الاستدلال بها.

ص: 277

______________________________

و دعوى كونها في مقام بيان الحكم التكليفي- و أنّه لا يجوز التصرّف فيه بدون إذنه، بقرينة السياق المستفاد من الجمل السابقة، كقوله: «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية» إذ لا ريب في ظهورها في الحكم التكليفيّ- غير مسموعة، لأنّه خلاف إطلاق الحرمة، فاحترام المؤمن و شرفه يقتضي حرمة التصرّف في ماله بدون إذنه، و ضمانه أيضا لو أتلفه متلف بغير إذنه الرافع للضمان.

و أمّا قاعدة الإتلاف فهي منوطة أيضا بصدق المال على المنافع، و إلّا فلا إشكال فيها من حيثيّة أخرى.

و الإتلاف و إن كان إعدام الموجود، إلّا أنّ التّفويت الّذي هو إبداء المانع عن الوجود يستفاد من النصوص الّتي هي مدرك قاعدة الإتلاف أيضا.

فالاتلاف أعمّ من إعدام الموجود و من المنع عن الوجود.

و قد يستشكل في جريان القاعدة في المنافع المستوفاة فضلا عن غير المستوفاة بما في حاشية سيّدنا الأستاذ قدّس سرّه من: أنّ المستفاد من أدلّة القاعدة خصوص الإضرار بالعين بالجناية على ذاتها أو صفاتها، فلا تشمل المنافع الّتي هي اعتبار محض، فالتمسك بقاعدة الإتلاف لضمان المنافع مطلقا مشكل «1».

لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد بالنقص هو العرفي الصادق على المنافع التي هي اعتبار محض، فتفويت المنافع بلا عوض جناية عرفا على المنفعة التي هي صفة العين.

و أمّا قاعدة الضرر فلا إشكال في التمسّك بها أيضا، بعد صدق النقص على فوت المنافع تحت يد قابض العين. و الاشكال عليها بما قيل من: «أنّها ناظرة إلى الأحكام الشرعيّة التي ينشأ منها الضرر، و عدم الضمان ليس حكما شرعيّا، فلا تجري القاعدة فيه» مندفع بما عرفت من: أنّ عدم الضمان كسائر الأعدام بعد تشريع الأحكام أيضا حكم شرعيّ يحكم عليه القواعد الثانويّة كقاعدتي الضرر و الحرج، فإنّ تفويت المنافع على

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 136

ص: 278

______________________________

مالكها ضرر عليه، لكونها مالا عرفا، فينفى بقاعدة نفي الضرر فإتلافها يوجب الضرر و هو النقص في مال مالكها، لا أنّه يوجب عدم النفع، كما لا يخفى.

و أمّا قوله عجّل اللّه تعالى فرجه و صلّى عليه: «فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف ..» فحاصل الكلام فيه: أنّ عدم حلّيّة التصرّف- الذي هو فعل اختياريّ- ظاهر في الحرمة التكليفيّة المستتبعة للمؤاخذة و العقوبة، و عدم حلية المال ظاهر في التبعيّة و الخسارة، و ذلك هو الضمان. فحرمة المال يراد بها الحكم الوضعيّ أعني به الضمان، و حرمة الفعل كالتصرّف يراد بها الحكم التكليفيّ أعني به الحرمة. و هذا هو ظاهر الرواية.

و أمّا ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه في عبارته المتقدّمة ففيه: أنّه إن أراد اقتضاء أخذ العين ضمان منافعها- لتحقّق الاستيلاء عليها بجميع حيثيّاتها و شؤونها بسبب الاستيلاء على العين- فيرد عليه ما أفاده المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ المنافع لا فعليّة لها، لأنّها موجودات بالقوّة، فلا يصدق عليها الاستيلاء «1».

لكن لا يخفى أنّ هذا ما يقتضيه النظر الدّقّي العقليّ الذي لا عبرة به في المقام.

و أمّا النظر العرفي فيساعد على صدق الاستيلاء على المنافع غير المستوفاة. و لذا يصحّ جعلها طرفا لإضافة الملكيّة، فإنّ الإجارة تمليك لتلك المنافع الّتي هي حيثيّات قائمة بالعين، فلا يعتبر في صحّة تمليكها، و لا في صدق الاستيلاء عليها فعليتها، بل المدار في صدق الاستيلاء عليها و صحّة اعتبار الملكيّة لها عرفا وجودها الشأنيّ كقابليّة الدار للسكنى، لا الوجود الفعلي، حتّى يقال: إنّها قبل فعليتها إعدام، فلا يصحّ الاستيلاء عليها.

فالاستيلاء على العين من قبيل الواسطة في الثبوت للاستيلاء على منافعها، لا من قبيل الواسطة في العروض كحركة السفينة و نحوها بالنسبة إلى جالسهما، إذ لو كان من قبيل الواسطة في العروض لزم عدم ضمان حابس الحرّ الأجير المقدّر عمله بأجرة، لأنّ الاستيلاء على العين لا يوجب ضمانها حتى تضمن منافعها عرضا، فلا بدّ من الحكم

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 78

ص: 279

______________________________

بعدم ضمان حابس الحرّ، إذ لا ضمان لنفس العين التي استولى عليها ذاتا- و هي الحرّ- حتى يصح نسبته عرضا إلى منفعته و هي عمله.

و إن أراد أنّ نفس ضمان العين بدليله الخاصّ مستلزم لضمان منافعه من دون سبب آخر بالإضافة إلى منافعها، فيرد عليه ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «1» من أنّه يشبه الجزاف، إذ معناه أنّ ضمان شي ء بموجبه سبب لضمان شي ء آخر، فنفس الضمان يكون من أسباب الضمان. مع أنّه لا شبهة في ضمان المنافع المستوفاة بدون ضمان العين، كما إذا اشترى عينا مسلوبة المنفعة مدّة، فاستوفى منافعها في تلك المدة، فإنّ المنافع مضمونة و العين غير مضمونة حتى يكون ضمانها بضمان العين. و كما إذا استوفى عمل الحرّ، فإنّ الحرّ غير مضمون، مع أنّ عمله المستوفي مضمون إلى غير ذلك.

نعم لا مانع من أن يكون الحديث دليلا على قاعدة التبعيّة، يعني: أنّ ضمان العين في موارده يوجب ضمان ما يعدّ من توابعها من باب التبعيّة، كتمليك العين الموجب لتمليك منافعها تبعا، لكون البيع تمليك العين لا المنفعة، فإنّ التبعيّة جارية في كثير من الموارد كالطهارة و النجاسة و الإسلام و الكفر و غير ذلك.

و لا يرد عليه: أنّ لازمه أن يكون ضمان شي ء بسببه سببا لضمان شي ء آخر. وجه عدم الورود: أنّ ذلك الشي ء إن كان من توابع العين المضمونة فلا مانع من ضمانه تبعا.

و إن لم يكن من توابعها لم يلزم ذلك أصلا، للاختصاص بالتوابع، لا كل شي ء و لو كان أجنبيا عن مورد اليد. فلا يلزم أن يكون سبب ضمان الدار مثلا موجبا لضمان العبد.

و من هنا يظهر الاشكال فيما ذكره قدّس سرّه من النقض باستيفاء منافع العين المسلوبة المنفعة و استيفاء عمل الحرّ، فإنّ اليد تدلّ على عقد إيجابيّ، و هو أنّ العين إذا صارت مضمونة صارت منافعها مضمونة أيضا. و لا تدلّ على عقد سلبي و هو عدم ضمان المنافع إذا لم تكن العين مضمونة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 88

ص: 280

______________________________

و الحاصل: أنّ المدلول عقد إيجابيّ أعني به ضمان المنافع بتبع ضمان العين، و ليس المدلول عدم ضمان المنافع تبعا لعدم ضمان العين، فيرجع في ضمان منفعة الدار المسلوبة المنفعة و عمل الحرّ المستوفي و نحوهما إلى دليل آخر، كقاعدة الاحترام و غيرها، هذا.

مضافا إلى: أنّ قاعدة اليد المقتضية لضمان المنافع التابعة لما أخذته اليد من العين من العمومات القابلة للتخصيص.

فالمتحصّل: أنّ ما أفاده المحقّق صاحب الكفاية قدّس سرّه من التمسّك بقاعدة اليد لضمان المنافع المستوفاة و غيرها مما لا بأس به.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّ ما عن المشهور من ضمان المنافع غير المستوفاة لا يخلو من قوة.

إلّا أن يناقش في صدق الأخذ على المنافع و إن صدق عليها القبض بأخذ العين، بأن يقال: إنّ الأخذ لا يصدق على التخلية و رفع المانع عن استيلاء الغير، بخلاف القبض، فإنّه يصدق عليه. و الأخذ ظاهر في الاستيلاء المقرون بالغلبة، و المقبوض بالعقد الفاسد يكون مبنيّا على الوفاء بالعقد لا القهر و الغلبة، فالتمسّك بقاعدة اليد لضمان المنافع غير المستوفاة مشكل جدا.

فإن دلّ دليل آخر على الضمان كقاعدة الاحترام و غيرها فلا كلام، و إلّا فتصل النوبة إلى الأصل المقتضي لعدم الضمان.

إلّا أن يدّعى أنّ موضوع الضمان لمّا كان من الموضوع المركّب أمكن أن يقال: إنّ الاستيلاء على مال الغير محرز وجدانا، و جزءه الآخر و هو عدم الرضا محرز بالاستصحاب، فيتمّ موضوع الضمان.

إلّا أن يستشكل في الاستصحاب بأنّ القبض لمّا كان بعنوان الوفاء بالعقد. فالرّضا محرز، دون عدمه حتى يستصحب، و يثبت به الضمان، و اللّه العالم.

ص: 281

______________________________

و أمّا القول بعدم الضمان مطلقا و هو المنسوب إلى فخر المحقّقين قدّس سرّه فقد عرفت وجهه من عبارته التي نقلناها عنه في التوضيح، و ضعفه.

و أمّا القول بالضمان في صورة جهل البائع بالفساد، و عدمه في صورة علمه به فقد تعرّضنا لوجهه بقولنا: «وجه الاشكال أنّ المالك مع علمه بالفساد .. إلخ».

و أمّا التوقّف في صورة علم البائع بالفساد فوجهه ما تقدّم في التوضيح من تسليط البائع.

لكن فيه: أنّه لو تمّ اقتضى عدم الضمان لا التوقّف فيه.

و أمّا التوقّف مطلقا فوجهه تضارب الأدلة.

أقول: لعلّ الأقرب التفصيل، بأن يقال: إنّ المشتري مع علمه بالفساد يضمن، لقاعدة الإتلاف، حيث إنّ عدم انتفاع المالك بماله مستند إلى قبض المشتري العالم بعدم استحقاقه للقبض الموجب لكون يده عادية، فلو لم يقبضه كان البائع قادرا على الانتفاع بماله، فالمشتري غاصب فوّت المنافع على المالك، فيضمن. و مع جهله بالفساد لا يضمن، لأنّ فوت المنافع لا يستند إلى المشتري، بل إلى البائع الدافع للمبيع إليه، لبنائهما على صحّة العقد، فلا يعدّ يد المشتري عادية. نعم إذا علم بالفساد و تساهل في دفع المبيع إلى البائع ضمن جميع المنافع من المستوفاة و غيرها.

و بالجملة: فصدق اليد العادية على يد المشتري مع جهله بالفساد، و كون قبضه مبنيّا على زعم صحّة العقد الموجب لعدم التزامه بردّ المبيع إلى المالك العالم بالفساد محلّ تأمّل بل منع.

نعم إذا نهض دليل على «أنّ كلّ من وقع تحت يده مال الغير ضامن له إلّا ما خرج بدليل» كان لضمان المنافع من المستوفاة و غيرها وجه. و عليه فلا يحكم بضمان المنافع الفائتة بغير استيفاء إلّا مع علم المشتري بالفساد، بحيث يستند فواتها إلى فعله و إلّا فلا دليل على الضمان أصلا.

ص: 282

______________________________

أمّا اليد فلعدم صدقها على المنافع غير المستوفاة أوّلا، و لعدم كونها عادية على تقدير صدقها عليها ثانيا. إذ الظاهر أنّ المراد بالعادية- بناء على تعنون اليد بها- ما لا يحكم شرعا و لو ظاهرا بعدم العداونيّة كالمقبوض بالعقد الفاسد، فإنّ يد القابض قبل علمه بفساد العقد ليست عادية، للحكم بصحّة العقد ظاهرا بمقتضى أصالة الصحة، فلا تكون يده عادية، بل حقّة في ظاهر الشرع.

إلّا أن يقال: إنّ اليد و إن لم تشمل يد القابض حدوثا، لكنّها بعمومها الأزماني تشملها بعد علمه بالفساد بقاء.

و أمّا ضمانها على القول به في الغصب فلصدق الإتلاف و التفويت عليها، و كون حبس العين الذي هو فعل الغاصب سببا لفواتها على المالك كما لا يخفى.

و أمّا قاعدة الاحترام فهي غير جارية، للتعارض، لأنّ احترام مال مؤمن لا يقتضي سلب احترام مال مؤمن آخر بلا وجه. و لا يكون الإضرار بمؤمن آخر من مقتضيات احترام مال مؤمن غيره، ضرورة أنّ المشتري لم يهتك حرمة مال البائع، بل قبضه بعنوان مال نفسه.

نعم مع العلم بالفساد و حبسه يصدق الهتك.

و أمّا قاعدة الضرر فهي معارضة بمثلها في طرف المشتري، إذ المفروض أنّ أخذ بدل المنافع الفائتة من المشتري ضرر عليه و نقصان في ماله، إذ لم يعد إليه نفع.

و أمّا قاعدة الاستيفاء فلا موضوع لها، إذ المفروض عدم استيفائها.

و أمّا أصالة الضمان فموردها الشكّ في تحقّق موضوعها، و هو الاستيلاء على مال الغير بدون رضا مالكه، فيقال: إنّ الاستيلاء محرز وجدانا، و عدم الرضا تعبّدا للاستصحاب، فيتمّ موضوع الضمان، كسائر الموضوعات المركّبة المحرز بعض أجزائها بالوجدان و بعضها الآخر بالتعبّد.

و ليس المقام كذلك، لأنّ الشكّ في ضمان المنافع الفائتة بغير استيفاء ليس ناشئا

ص: 283

______________________________

من الشكّ في طيب نفس المالك حتى يستصحب عدمه. بل الشك نشأ عن احتمال صدق أصل اليد أو اليد العادية على المنافع غير المستوفاة و عدمه. و هذا لا يجري فيه الأصل، لأنّه بعد قبض العين إمّا يصدق اليد على منافعها، و إمّا لا تصدق عليها، فالشّكّ يكون في قابليّة المنافع لوقوعها تحت اليد، و هذا الشكّ مانع عن التمسّك بقاعدة اليد، لكون الشبهة مصداقيّة، و من المعلوم أنّ الاستصحاب لا يثبت القابليّة.

نظير الشكّ في تحقّق التذكية، للجهل بقابليّة الحيوان لها، فإنّ الأصل لا يجري في القابليّة و لا يثبتها، لأنّ الحيوان إمّا خلق قابلا للتذكية، و إمّا خلق غير قابل لها. نظير القرشيّة، فإنّ الأصل في العدم المحموليّ لا يثبت عدم القابليّة و عدم قرشيّة المرأة إلّا بناء على الأصل المثبت. و في العدم النعتيّ الذي هو موضوع الأثر لا يجري، لعدم العلم بالحالة السابقة.

و قد ظهر من هذا البيان عدم المجال لأصالة الضمان في المنافع غير المستوفاة، لأنّه على تقدير صدق اليد عليها لا ينبغي الإشكال في الضمان، و على تقدير عدمه لا ينبغي الإشكال في عدم الضمان، فتنتهي النوبة إلى الأصل المحكوم و هو أصالة البراءة عن الضمان.

بل يمكن أن يقال بعدم الضمان و لو مع صدق اليد على المنافع أيضا- بعد البناء على كون اليد المضمّنة هي العادية، و اليد غير المضمّنة هي الأمانيّة- لأنّه يشك في صدق العدوانيّة عليها، فيتشبّث بأصالة البراءة لنفي الضمان.

فالمتحصّل: أنّه في صورة علم المشتري بالفساد تكون المنافع مضمونة عليه. و في صورة جهله به لا ضمان عليه. أمّا في الصورة الأولى فلكون يده عادية كالغاصب، بل هو نفسه. و أمّا في الثانية فللأصل بعد عدم الدليل على الضمان. و ليكن هذا قولا سادسا في المسألة.

فقد ظهر وجه العقد السلبيّ أعني به عدم الضمان في صورة جهل المشتري بالفساد، كما ظهر وجه العقد الإيجابيّ، و هو الضمان في صورة علم المشتري بالفساد.

ص: 284

______________________________

كما ظهر أيضا وجه عدم دخل علم البائع و جهله بالفساد في الضمان و عدمه، و اللّه العالم.

ثمّ إنّ سيّدنا الخويي قدّس سرّه التزم بعدم الضمان، لوجهين:

«أحدهما: عدم جريان قاعدة الإتلاف في تلك المنافع، لعدم استناد الإتلاف إلى القابض، حيث إنّه لم يزاحم المالك في استيفائها.

ثانيهما: عدم جريان السيرة على ضمانها بمجرّد تلفها تحت يد القابض من دون استناد إليه.

و ناقش في الوجوه التي استند إليها القائلون بالضمان- من قاعدتي اليد و الاحترام و حديث الحلّ و الإجماع- بعدم جريان قاعدة اليد في المنافع غير المستوفاة، لعدم قابليّتها للردّ.

و بعدم جريان قاعدة الاحترام فيها، إذ ليس مقتضاها أزيد من توقّف جواز التصرّف على إذن المالك.

و بأنّ حديث الحلّ لا يدلّ إلّا على حرمة التّصرّف تكليفا.

و بأنّ الإجماع غير ثابت أوّلا. و على تقديره يكون المتيقّن من معقده هو وجوب الرّدّ فقط، لا جميع أحكام الغصب» «1» انتهى ملخصا.

و توضيح ما له و عليه تقدم فيما اخترناه.

فروع ترتبط بضمان المنافع أ: ضمان عمل الحرّ الكسوب المحبوس ثمّ إنّه يناسب المقام التعرّض لبعض الفروع المبتلى بها في هذا العصر:

الأوّل: ما إذا حبس ظالم حرّا كسوبا، فهل يضمن ما فات عنه في مدّة الحبس من العمل الذي يبذل بإزائه المال أم لا؟ فيه قولان، و قد ذكرناه في بحث عمل الحرّ، فراجع «2».

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 138 الى 144

(2) هدى الطالب، ج 1، ص 75 إلى 85

ص: 285

______________________________

ب: جواز مطالبة المستأجر بتخلية العين المستأجرة الثاني: ما إذا استأجر دكّانا و اتّجر فيه مدّة مديدة، و باع جملة من متاعه نسية، و بعد انتهاء مدّة الإيجار أخرجه المؤجر عن الدكّان و أخذه منه، و هذه الإخراج يوجب تضرّر المستأجر، لذهاب أمواله التي تكون على الناس، لعدم معرفتهم بمكانه الفعلي حتى يؤدّوا إليه. و كذا يتضرّر المستأجر بترك تجارته مدّة حتى يتهيّأ له محلّ جديد، و يعرف الناس مكانه ليعاملوا معه و يؤدّوا أمواله، فهل تكون هذه الخسارات على عهدة المؤجر أم لا؟ للمسألة صورتان:

الأولى: ما إذا لم يشترط المستأجر على المؤجر بقاءه في الدكّان إلى مدّة مديدة يريد استيجاره فيها. و الثانية: ما إذا اشترط على المؤجر ذلك.

أمّا الأولى فملخّص البحث فيها: أنّ مقتضى سلطنة المؤجر على ماله جواز أخذ الدّكّان من المستأجر، و عدم ثبوت حقّ للمستأجر في الدّكّان، إذ المفروض عدم اشتراط حقّ لبقائه. و مجرّد استيجاره الدكّان مدّة مديدة لا يوجب حقّا له بحيث يسقط سلطنة المالك على دكّانه، و يجب عليه إبقاء المستأجر فيه.

و الظاهر عدم موجب لضمان المؤجر لخسارات المستأجر، لأنّ المديونين يجب عليهم الفحص عن الدائن و مكانه مقدّمة لأداء دينهم، فالضرر الوارد على المستأجر من ناحية أمواله التي له على الناس مستند إلى تقصير المديونين في أداء ديونهم، لا إلى المؤجر، فلا يجري شي ء من أسباب الضمان- كقواعد الضرر و الإتلاف و اليد و الاحترام- في المقام، لأنّ مناط شمولها لمورد هو عدم توسّط إرادة فاعل مختار بين موارد هذه القواعد، و الشخص الذي يراد تضمينه لا بدّ من استناد الفعل اليه، نظير إرسال الماء إلى دار الجارّ مثلا، فإنّ انهدام الدار حينئذ منسوب إلى مرسل الماء، لعدم توسّط فعل فاعل مختار بين الانهدام و بين إرسال الماء حتى يستند الانهدام إليه.

ص: 286

______________________________

بخلاف المقام، فإنّ الخسارات المتوجّهة إلى المستأجر ناشئة من تقصير المديونين، فيتوسّط بين تلف أمواله و بين أخذ المالك دكّانه إرادة فاعل مختار أعني به المديونين، فلا يستند تلف الأموال إلى المالك حتى يكون ضامنا لها، بل يستند إلى فعل المديونين، و هو تقصيرهم في الأداء. هذا ما يرجع إلى أمواله التي على الناس.

و أمّا ما يرد عليه من ضرر تعطيل تجارته إلى زمان ظفره بمحلّ لها، فليس ضررا أي نقصا ماليّا، بل هو من عدم النفع، فلا تشمله قاعدة الضرر.

و بالجملة: فما نحن فيه أجنبيّ عن قاعدة نفي الضرر، إمّا لعدم صدق الضرر، و إمّا لعدم كونه مستندا إلى مالك الدكّان. و كذا قاعدة الاحترام، لأنّ مال المالك أيضا محترم، و هو يتصرّف في ماله لقاعدة السلطنة.

نعم لو فرض كون أخذ الدكّان من المستأجر علّة تامة لفوات مال أو عمل ذي قيمة منه- كما إذا كان محلّ الخياطة منحصرا بذلك الدكّان، بحيث لا يمكن اشتغاله بها في غيره، و يتّصف إخراجه عن الدكّان بالتفويت- أمكن أن يقال بالضمان، و أنّ الخياطة الفائتة منه مضمونة على مالك الدكّان، إذا أعطي المستأجر أجرة المثل، بحيث لا يتضرّر المالك من بقاء المستأجر في الدكّان، و لا من جهة أخرى.

و الوجه في الضمان حينئذ قاعدة الضرر من دون معارض، إذ المفروض عدم تضرّر المالك ببقاء المستأجر في الدّكّان، حتى يقال: بوجوب دفع ضرر عن الغير، و هو المستأجر، و تحمّله عنه. بل ليس في البين إلّا قاعدة السلطنة، و هي محكومة بقاعدة الضرر.

و الحاصل: أنّه على تقدير كون فعل المالك- أي أخذ الدكّان من المستأجر- علّة تامة لضرر المستأجر، أو وقوعه في الحرج و المشقة يمكن القول بضمان المالك له إن لم يكن في البين سوى قاعدة سلطنة المالك على ماله.

ص: 287

______________________________

و لا بأس ببيان صور المسألة، و هي: أنّ قاعدة الضرر في ناحية المستأجر تارة لا معارض لها إلّا قاعدة سلطنة المالك. و اخرى يعارضها قاعدة الضرر في ناحية المالك، أو قاعدة الحرج، فللمسألة صور:

إحداها: كون سلطنة المالك ضررا على المستأجر أو حرجا عليه من دون لزوم ضرر على المالك، فحينئذ يقدّم حق المستأجر على حقّ المالك، لكون سلطنة المالك حينئذ ضررا أو حرجا على المستأجر، فتنفى بقاعدة الضرر أو الحرج.

ثانيتها: أن يتعارض الضرران، كما إذا تضرّر المالك ببقاء المستأجر في الدكّان، و تضرّر المستأجر أيضا بتخلية الدكّان.

ثالثتها: كون التخلية حرجا على المستأجر، و عدمها حرجا على المالك، فيتعارض قاعدتا الحرج.

رابعتها: كون التخلية ضررا على المستأجر، و عدمها حرجا على المالك.

خامستها: عكس ذلك، بأن تكون التخلية حرجا على المستأجر، كما إذا وقع في مشقّة استيفاء أمواله من الناس، و عدمها ضررا على المالك، فيقع التعارض في هاتين الصورتين بين قاعدتي الضرر و الحرج، فيرجع إلى قاعدة السلطنة، فللمالك إلزام المستأجر بالتخلية.

و بالجملة: هنا كبريان في قاعدة الضرر: إحداهما: حرمة الإضرار بالغير، بأن يكون فعله علّة تامّة أو الجزء الأخير منها لورود الضرر على الغير.

ثانيتهما: عدم وجوب تحمّل الضرر عن الغير.

و للمسألة المبحوث عنها صور يندرج بعضها في القاعدة الاولى، و بعضها الأخر في القاعدة الثانية. و مجموع الصور المتصورة في هذه المسألة تسعة:

الأولى: عدم الضرر لا للمالك في عدم التخلية، و لا للمستأجر في التخلية.

ص: 288

______________________________

و الحكم فيه و هو سلطنة المالك على إلزام المستأجر بالتخلية واضح لا غبار عليه.

و بقيّة الصور أربع منها مركّبات، و مثلها بسائط.

أمّا المركّبات فهي: تضرّر كلّ من المالك بعدم التخلية و المستأجر بالتخلية، و حرجيّة التخلية و عدمها للمالك و المستأجر، و كون التخلية ضررا على المستأجر و حرجا على المالك، و عكس ذلك.

________________________________________

و في هذه الصور الأربع- بعد تعارض الضررين أو الحرجين أو المختلفين- يرجع إلى قاعدة سلطنة المالك المقتضية لجواز إلزامه المستأجر بتخلية الدكّان. هذا بناء على كونها من صغريات كبرى التعارض.

و أمّا بناء على صغرويّتها لكبرى عدم وجوب دفع الضرر و المشقّة عن الغير، فيقدّم حقّ المالك على المستأجر، إذ لا يجب على المالك دفع الضرر أو المشقّة عن المستأجر، فلا بدّ من التأمّل في أنّ الضرر أو الحرج الوارد على المستأجر هل هو ناش عن فعل المالك أو غيره؟

فعلى الأوّل تسقط سلطنة المالك بضرر المستأجر، كسقوط سلطنة المالك على حفر بالوعة في داره إضرارا بجاره، فإنّ ضرر الجار يسقط سلطنة الحافر على حفر البالوعة في داره، لكونه من صغريات الإضرار بالغير.

و على الثاني لا تسقط سلطنة المالك، لكونه من صغريات كبرى عدم وجوب تحمّل الضرر عن الغير.

و أمّا البسائط، و هي الضرر على المالك فقط، و الحرج عليه كذلك، و الضرر على المستأجر فقط، و الحرج عليه كذلك، فالحكم في الأوليين منها سلطنة المالك على إلزام المستأجر بالتخلية، لوضوح عدم مانع من قاعدة السلطنة. و في الأخريين منها يكون

ص: 289

______________________________

الحق للمستأجر إن كان فعل المالك موجبا لوقوع المستأجر في الضرر و الحرج الرافعين لسلطنة المالك، و إلّا فسلطنة المالك باقية على حالها، لعدم وجوب دفع الضرر أو المشقّة عن الغير.

و لو نوقش في سلطنة المالك ففي استصحابها غنى و كفاية، حيث إنّه قبل الإيجار كان سلطانا على شؤون دكانه، و الآن كما كان، فتأمّل جيّدا.

هذا كلّه في الصورة الاولى و هي عدم الشرط على المالك.

و أمّا الصورة الثانية و هي ما إذا شرط المستأجر على المالك في ضمن عقد لازم أن يؤجره الدّكّان إلى مدّة مديدة كعشرين سنة، فليس للمالك إلزام المستأجر بالتخلية، بل عليه أن يؤجره الدكّان بعد مضي السنة الاولى من مدّة الإجارة، فلو لم يؤجره و أجبره بالتخلية، فتضرّر المستأجر بتخلية الدكّان ضمن المالك كلّ ضرر يرد على المستأجر من ناحية التخلية، لقاعدة الضرر، حيث إنّه صار سببا لوقوعه في الضرر، فلو آجر المالك دكّانه من غير المستأجر المشروط له فله فسخه و إجباره المالك بأن يؤجره منه.

ففائدة الشرط قصور سلطنة المالك عن الإيجار من الغير. بخلاف الصورة السابقة، فإنّ المالك فيها مسلّط على ماله، و لا ملزم له بان يؤجر الدكّان من المستأجر.

فالإجارة الثانية فضوليّة منوطة بإجازة المستأجر الأوّل، و له أخذ مال لإسقاط حقّه من المالك أو المستأجر الثاني، كما أنّ له إسقاط هذا الحقّ مجّانا.

ثمّ إنّه مع الشرط المزبور ليس للمستأجر الشارط إلّا إلزام المالك بأصل الإيجار، و ليس له إلزامه بالإيجار بمبلغ معيّن، إلّا إذا شرطه على المالك أيضا في ضمن عقد لازم، بأن شرط عليه بأن يؤجره الدكّان عشر سنين مثلا كلّ سنة بكذا، فحينئذ يكون الشرط بالنسبة إلى أصل الإيجار و الأجرة نافذا، فيجب على المالك الوفاء بهما كما لا يخفى.

و هل يجوز للمستأجر أن يأخذ مالا من المالك أو الأجنبيّ لإسقاط حقّه؟ الظاهر

ص: 290

______________________________

ذلك. أمّا بالنسبة إلى المالك فلا ينبغي الإشكال فيه، لأنّ فائدة إسقاط الشرط دفع قصور سلطنة المالك، و هذا غرض عقلائيّ. و أمّا بالنسبة إلى الأجنبيّ فلأنّ بذل المال لرفع الموانع عن الوصول إلى الأغراض العقلائيّة ممّا جرت عليه السيرة الممضاة شرعا، و حيث إنّ الشرط كجزء أحد العوضين يكون حقّا للشارط و قابلا بنفسه للنقل و الانتقال إن لم يكن هناك مانع كشرط تقوّم الشرط بنفس المشروط له صريحا أو ضمنا.

ففي مسألتنا إن كان شرط الإيجار على المستأجر مقيّدا بنفسه لم ينتقل إلى وارثه، كما لا يقبل النقل إلى غيره. نعم هو قابل للإسقاط مجّانا و مع العوض، سواء أ كان معطي العوض نفس المشروط عليه أم الأجنبي.

كما أنّه بدون شرط المباشرة يكون الشرط قابلا للانتقال القهري كالإرث، إذ مع الشكّ لا مانع من استصحابه إلى زمان موت المشروط له، فيشمله ما دلّ على أنّ ما تركه الميّت فلوارثه. هذا كلّه إذا كان حقّ المستأجر ناشئا من مجرّد الشرط الضمنيّ.

و أمّا إذا كان ناشئا من بذل السرقفليّة إلى المؤجر كان تابعا لكيفيّة المعاهدة بينهما، و تتصور المسألة بوجوه ليس هنا محل ذكرها، و استوفينا الكلام فيها في رسالة المسائل المستحدثة، وفقنا اللّه لنشرها.

ج: حق الطبع و النشر الثالث: أنّه إذا عمل عملا يوجب نقصان ماليّة مال الغير، كما إذا كان وجيها عند الناس، و جعل محلّ تجارته في مكان يوجب كساد تجارات غيره، أو نزّل سعر السّلع فأقبل الناس إليه و أدبروا عن غيره، أو طبع كتابا عزيز الوجود و صار بذلك كثير الوجود و قليل الثمن، فهل يوجب ذلك ضمانا على من تسبّب تنزّل الماليّة أم لا؟

ص: 291

______________________________

الحقّ التفصيل بين الموارد، بأن يقال: إنّ العمل المزبور إن كان تصرّفا في ملك الغير- كما إذا طبع ما ألّفه غيره بدون إذن مؤلفه و صار الطبع سببا لتنزّل قيمة الكتاب- ضمن المتصرّف النقص الماليّ الحاصل بسبب الطبع، حيث إن الكتاب مملوك ذاتيّ للمؤلّف بمعنى كونه نتيجة لعمله و فكره، و الناس مسلّطون على أموالهم، و لا يجوز التصرّف فيه إلّا بإذنهم و طيب نفوسهم. و لو كان التصرّف منقّصا لماليّته ضمن النقص، لأنّه أتلف ماليّة مال الغير. و التصرّف العدوانيّ يوجب الضمان بالنسبة إلى نفس المال و ماليّته، كما إذا غصب ثلجا أو ماء في مفازة و أراد أن يؤدّي الثلج في الشتاء أو الماء على الشاطئ، إلى غير ذلك من الأمثلة.

و الحق عدم الضمان في شي ء من الموارد، لأنّ قاعدة الضرر لا تجري أوّلا، لأنّ الضرر عبارة عن النقص في المال أو العرض أو الطرف. و المقام يكون من نقص الماليّة، لا من نقص المال، إذ لم يرد نقص في نفس المال.

و ثانيا: على تقدير جريانها متعارضة- بعد وضوح كونها من الأحكام الامتنانيّة- لتضرّر النوع بغلوّ سعر تلك السلعة التي صارت عزيزة الوجود، و من المعلوم أنّ الضرر النوعيّ أهمّ من الشخصي.

نعم في مثال طبع الكتاب من غير إذن مؤلّفه يكون للمؤلّف حق إجازة النشر و عدمها، فلو طلب من طابعه مالا لأن يأذن له في نشره كان له ذلك، لأنّ النشر تصرّف فيما ألّفه، فله المنع عن النشر و أخذ المال لرفع هذا المنع.

فالمتحصّل: أنّه لا ضمان في غير قضيّة طبع الكتاب بغير إذن المؤلّف. و أمّا هو فقد عرفت أنّ للمؤلّف أخذ مال للإجازة في نشره. و أمّا كونه شريكا في المطبوع- لكون ما فيه من المطالب من نتائج أعمال المؤلّف المملوكة له بالملكيّة الذاتيّة- فهو غير واضح، إذ الكتاب مملوك بالملكيّة الاعتبارية لطابعه. و أمّا المطالب فهي و إن كانت نتيجة أعمال المؤلّف و أفكاره، لكنّها ليست مملوكة له بالملكيّة الاعتباريّة. و لو بني على

ص: 292

______________________________

التضمين بالملكيّة الذاتيّة لزم من ذلك تضمين حابس الحرّ الكسوب و إن لم يستوف عمله. و الظاهر عدم التزامهم بذلك، لأنّهم لم يلتزموا بكفاية الملكيّة الذاتيّة في الضمان، و اعتبروا فيه الملكيّة الاعتباريّة.

لكن يبقى حينئذ سؤال الفرق بين استيفاء الحابس عمل الحرّ و عدمه، بالضمان في الأوّل دون الثاني، إذ الاستيفاء لا يجعل عمل الحرّ مملوكا اعتباريّا له حتى يضمنه الحابس.

نعم إذا صار أجيرا، ثم حبسه الحابس كان ضامنا لعمله، سواء استوفاه أم لا، لأنّ عمل الحرّ بسبب الإجارة صار ملكا اعتباريّا للمستأجر، فيضمنه الحابس كضمان عمل العبد بالحبس، فإنّ عمله مملوك للسيّد ملكيّة اعتباريّة تبعا لرقبته.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه: أنّه لا وجه للضمان في الأمثلة المزبورة.

نعم في طبع الكتاب بدون إذن المؤلّف و إن لم يكن ضمان على الطابع، إلّا أنّ اختيار نشر مطالبه و كتمانها بيده، لأنّها نتيجة عمله، فهي مملوكة له بالملكيّة الذاتيّة.

و مقتضى «الناس مسلّطون على أنفسهم» سلطنته على ما هو من شؤون نفسه و أعماله، فله الاذن في نشر مطالبه مجّانا و مع العوض.

و أمّا القرطاس و الخطوط فهي مملوكة للطابع ملكيّة اعتباريّة، و المؤلّف أجنبيّ عنهما.

و يمكن أن يقال: إنّ المؤلّف يصير مالكا لماليّة مطالب الكتاب لا نفس الخطوط و النقوش، و تكون مالكيّته لها نظير مالكيّة الزوجة بالإرث ماليّة الأبنية، إذ لا ترث من نفس البناء، بل ترث من قيمة الأبنية.

و عليه فالمراد بما تداول كتبه من «أن حق الطبع محفوظ للمؤلّف» إن كان حقّ النشر فلا بأس به. و إن كان غيره فلا بدّ من النظر فيه. و أمّا إذا كتب هذه الجملة غير المؤلّف فلا أثر له.

ص: 293

[الأمر الرابع ضمان المثليّ بالمثل]
اشارة

الرابع (1): إذا تلف المبيع،

______________________________

4- ضمان المثليّ بالمثل

(1) بعد أن ثبت في المبحث الأوّل ضمان المشتري لما أخذه بالبيع الفاسد، فتلف- و أنّه يجب عليه ردّ بدله إلى البائع- يقع الكلام في خصوصيّة هذا البدل المضمون، و أنّه هل يكفي ردّ ما يشاركه في النوع و هو ماليّته المتحقّقة في ضمن مطلق الأموال من النقود و السّلع المختلفة؟ أم لا بدّ من رعاية خصوصيّته الصنفيّة بدفع ما يكون أقرب إلى التالف مما يشترك معه في الصفات الدخيلة في الرّغبات، و يلزم حينئذ البحث عن ضمان التالف المثليّ بالمثل، و القيميّ بالقيمة. و هو بحث مبسوط لما فيه من الفروع التي تعرّض المصنّف قدّس سرّه لجملة منها، فعقد هذا الأمر الرابع المتضمّن لمقامات ثلاثة:

أوّلها: تعريف المثليّ.

ثانيها: دليل اعتبار ضمان المثليّ بمثله، و هي وجوه ثلاثة، الإجماع المتضافر نقله، و الإطلاق المقاميّ، و آية الاعتداء بالمثل. و إن كان مفاد هذه الوجوه مختلفا كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

ثالثها: حكم الشك في كون التالف مثليّا أو قيميّا، و أنّه يتخيّر الضامن بين دفع المثل أو القيمة، أو أنّه يتخيّر المالك بين مطالبة ما شاء منهما، و غير ذلك ممّا سيأتي بالتفصيل.

ثمّ إنّ الداعي لمعرفة مفهوم المثليّ هو وقوع هذا العنوان في دليلين:

ص: 294

فإن كان مثليّا وجب مثله (1) بلا خلاف (2)، إلّا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي.

______________________________

أحدهما: الإجماع على ضمان المثليّ بمثله، و عدم إجزاء أداء قيمته مع إمكان المثل.

و ثانيهما: الآية الشريفة المجوّزة للاعتداء بالمثل. فيلزم حينئذ تمييز موضوع الحكم ليترتب عليه آثاره، و لأجله قدّم المصنّف قدّس سرّه البحث الموضوعيّ، هذا.

(1) هذا هو الدليل الأوّل على أنّ المثليّ يضمن بالمثل. و نقل الإجماع تمهيد للبحث المبسوط عن تعريف المثليّ.

(2) هذا العنوان مقابل لما سيأتي في الأمر السابع في حكم ضمان القيميّ: «لو كان التالف المبيع فاسدا قيميّا فقد حكي الاتفاق على كونه مضمونا بالقيمة» .. ثم قال:

«فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي».

و العبارة المنقولة عن ابن الجنيد هي: «إن تلف المضمون ضمن قيمته أو مثله إن رضي صاحبه» «1». فإن كان مراده بالمضمون ما هو أعمّ من المثليّ و القيميّ كان معناه مخالفة ابن الجنيد في ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة، لحكمه بضمان القيمة مطلقا إلّا مع رضا المالك بالمثل. فيتّجه حينئذ ما نسبه المصنّف إليه هنا و في الأمر السابع من أنّ المخالف لضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة هو أبو علي الإسكافي.

و إن كان مراده بالمضمون خصوص القيميّ- كما احتمله جماعة منهم الشهيد قدّس سرّه بقوله: «و لعلّه يريد القيميّ»- فما نسبه إليه هنا من قوله: «عدا ما يحكى عن ظاهر الإسكافي» لا يخلو من غموض، لكون مصبّ كلام الإسكافي خصوص المضمون القيميّ، و لا تعرّض فيه للمثليّ أصلا، حتى يكون مخالفا لإجماع أصحابنا على ضمان المثليّ بالمثل [1].

______________________________

[1] و احتمل قويّا السيّد المحقّق الخويي قدّس سرّه وقوع السّقط في عبارة المتن، فكأنّه قال: «إذا تلف المبيع فإن كان مثليّا وجب مثله، و إن كان قيميّا وجبت قيمته، بلا خلاف

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 241

ص: 295

و قد اختلف (1) كلمات أصحابنا في تعريف المثليّ. فالشيخ «1» (2) و ابن زهرة «2» و ابن إدريس «3» و المحقّق «4» و تلميذه و العلّامة «5» و غيرهم (3) «قدّس اللّه أسرارهم»

______________________________

(1) هذا شروع في تحقيق معنى المثليّ، و قد اقتصر في أوّل كلامه على تعريف المشهور و حام حوله، و نقل بعد الفراغ منه تعاريف أخر.

(2) نقلنا عبارة المبسوط في (ص 26) فراجع، و من جملتها قوله: «فماله مثل ما تساوت أجزاؤه. و معناه: تساوت قيمة أجزائه .. إلخ».

(3) قال السيد الفقيه العامليّ بعد عدّ كتب الجماعة المصرّح بأسمائها في المتن:

«و المهذّب البارع و المقتصر و التنقيح، و فيه و في المسالك و الكفاية: أنّه المشهور» «6».

______________________________

في ذلك بين الأصحاب، إلّا عن الإسكافي، فإنّه حكم بضمان المثل في القيميّ أيضا» «7».

و هذا التوجيه منوط بظهور كلام الإسكافي في الاحتمال الثاني، و هو إرادة القيميّ. و أمّا بناء على إطلاق كلامه فلا نقص في عبارة المتن، لاقتصار المصنّف في هذا الأمر الرابع على بيان حكم المثليّ، و في الأمر السابع على ضمان القيميّ، و لا مانع من كون الإسكافي مخالفا في المسألتين، هذا.

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 59 و 60؛ و نحوه في الخلاف، ج 2، ص 103، المسألة 29 كتاب الغصب.

(2) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 537

(3) السرائر الحاوي، ج 2، ص 480

(4) شرائع الإسلام، ج 3، ص 239؛ و تلميذ هو الفاضل الآبي في شرحه على المختصر النافع، لاحظ كشف الرموز، ج 2، ص 382

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383، السطر 10؛ قواعد الأحكام (الطبعة الحجرية) ص 79؛ تحرير الأحكام، ج 2، ص 139

(6) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 141

(7) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 145 و 146

ص: 296

- بل المشهور على ما حكي (1)- «أنّه ما يتساوى أجزاؤه من حيث القيمة».

و المراد (2) بأجزائه ما يصدق عليه

______________________________

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و المشهور بين الأصحاب ما ذكره المصنّف من أنّ المثليّ ما يتساوى قيمة أجزائه، أي: أجزاء النوع الواحد منه ..» «1». و الحاكي عنه هو السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه كما عرفت آنفا.

(2) غرضه قدّس سرّه توجيه تعريف المشهور للمثليّ- بحيث يسلم عن بعض ما يرد عليه- ببيان المراد من الأجزاء، و توضيحه: أنّ الجزء يقابل الكلّ، كما أنّ الجزئيّ يقابل الكلّيّ، فالجزء يطلق على أبعاض المركّبات كالرأس و الرقبة و اليد بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الإنسان، و من المعلوم عدم صدق الكلّ- كزيد- على أجزائه، فلا يقال: إنّ يده إنسان. و هذا بخلاف الجزئيّ، لصحّة حمل الكلّيّ على أفراده، فيقال:

زيد إنسان.

و على هذا، يرد على تعريف المشهور للمثليّ ما حكاه الشهيد الثاني قدّس سرّه بقوله:

«و اعترض بأنّه إن أريد بالأجزاء كلّ ما تركّب عنه الشي ء، فيلزم أن لا تكون الحبوب مثليّة، لأنّها تتركّب من القشور و الألباب. و القشر مع اللّب مختلفان في القيمة. و كذا التمر و الزبيب، لما فيهما من النّوى و العجم. و إن أريد بالأجزاء التي يقع عليها اسم الجملة فيلزم أن لا تكون الدراهم و الدنانير مثليّة، لما يقع في الصّحاح من الاختلاف في الوزن، و في الاستدارة و الاعوجاج، و في وضوح السّكّة و خفائها، و ذلك ممّا يؤثّر في القيمة» «2».

و حاصل الشقّ الأوّل من الاعتراض هو: أنّ المشهور حكموا بكون الحنطة و الشعير مثليّين، مع أنّ التعريف غير صادق عليهما، إذ الصبرة من الحنطة تحتوي على حبّات مشتملة على ألباب و قشور، و من الواضح عدم مساواتهما في القيمة، فألحقّه من اللباب إذا قوّمت بدينار مثلا كانت الحقّة من القشور درهما لا خمسة دراهم، مع مساواتهما في المقدار من وزن أو كيل.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 182

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 182

ص: 297

اسم الحقيقة (1).

و المراد (2) بتساويهما من حيث القيمة تساويهما بالنسبة، بمعنى (3) كون قيمة كلّ بعض بالنسبة إلى قيمة البعض الآخر كنسبة نفس البعضين من حيث

______________________________

و لأجل دفع هذا الاعتراض وجّه المصنّف قدّس سرّه تعريف المثليّ بأنّ المراد ب «الأجزاء» هنا هو الأفراد و الجزئيّات التي تصدق عليها طبيعة واحدة، كالحنطة الصادقة على كلّ حبّة من حبّاتها.

فملخّص هذا التعريف: أنّ المثليّ هو «ما يكون أفراده متساوية قدرا و قيمة» فالحنطة من المثليّات، لأنّ فردين منها متساويان في المقدار و القيمة كالمنّين منها مثلا، فإنّ كلّ واحد من المنّين يسوى خمسة دراهم مثلا. فالمثلي على هذا هو الكلّيّ الذي تكون أفراده المساوية في المقدار مساوية في الماليّة أيضا.

و أمّا بناء على إرادة ظاهر لفظ «الأجزاء» فموضوع المثليّة هو الفرد، و مثليّته بلحاظ تساوي أجزائه معه. و موضوع المثليّة بناء على خلاف ظاهر الأجزاء هو الكليّ الذي تتساوى أفراده و مصاديقه في القيمة، و لا يرد إشكال حينئذ.

(1) كمنّ من الحنطة- مثلا- بالنسبة إلى منّ آخر منها، فيصدق حقيقة الحنطة على كلا المنّين، مع تساويهما قيمة.

(2) هذا مترتّب على توجيه التعريف بإرادة الجزئيّات من «الأجزاء» فالمثليّ هو ما تتساوى قيم أفراده، فإذا كان المنّ من الحنطة عشرة دراهم كان نصف المنّ منها خمسة دراهم، و ربعه درهمين و نصف، و هكذا. و لا يكون العبرة بقيمة اللباب و القشور حتى يقال بكون قيمة اللّب أضعاف قيمة القشر. مع وضوح عدم صدق عنوان «الحنطة» على القشر الذي هو بعض المركّب، بل لا بدّ من إضافته إليها فيقال:

قشر الحنطة. و هذا بخلاف إرادة الأفراد، فإنّ كلّ مقدار منها كالمنّ و الحقّة و الأوقيّة مصداق حقيقيّ لطبيعيّ الحنطة كما لا يخفى.

(3) هذا معنى التساوي في القيمة، و قد عرفته آنفا.

ص: 298

المقدار، و لذا (1) قيل في توضيحه: إنّ المقدار منه إذا كان يستوي قيمة فنصفه يستوي نصف تلك القيمة. و من هنا (2) رجّح الشهيد الثاني كون المصوغ من النقدين قيميّا، قال: «إذ لو انفصلت نقصت قيمتها» [1].

______________________________

(1) يعني: و لأجل تساوي الأفراد قيمة و مقدارا قيل في توضيح التساوي ..

إلخ، و القائل هو السيّدان الطباطبائي و العاملي قدّس سرّهما: «و المراد بتساوي قيمة أجزائه تساوي قيمة أجزاء النوع كالحبوب و الأدهان، فإنّ المقدار من النوع الواحد يساوي مثله في القيمة، و نصفه يساوي بنصف قيمة» «1».

(2) أي: و ممّا قيل في توضيح التساوي- المأخوذ في تعريف المثليّ- رجّح ثاني الشهيدين قدّس سرّهما كون المصوغ من النقدين قيميّا، لأنّه لو انفصل نقصت قيمته، فبعد الانفصال لا يساوي قيمة نصفه الفعلي نصف قيمة المجموع قبل الانفصال، فقيمة نصفه بعد الانفصال خمسة دنانير مثلا، مع أنّ قيمته قبل الانفصال كانت سبعة دنانير مثلا.

قال في الاشكال على ما أفاده المحقّق قدّس سرّه من قوله: «و لو كان في المغصوب صنعة لها قيمة غالبا كان على الغاصب مثل الأصل و قيمة الصنعة» ما لفظه:

«و هذا- أي لزوم الرّبا من دفع قيمة الصنعة- أقوى، فضمانها بالقيمة أظهر. مع أنّا نمنع من بقائه- أي المصنوع من النقدين- مثليّا بعد الصنعة، لأنّ أجزاءه ليست متّفقة القيمة، إذ لو انفصلت نقصت قيمتها عنها متّصلة كما لا يخفى» «2».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه مبنيّ على كون موضوع المثليّ هو الفرد، و مثليّته ملحوظة بالنسبة إلى أبعاض الفرد، لا الكليّ بالنسبة إلى أفراده، كما هو مقتضى قول المصنّف: «و المراد بأجزائه ما يصدق عليه اسم الحقيقة» فتدبّر في العبارة.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 241؛ رياض المسائل، ج 2، ص 303، السطر 27

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 191

ص: 299

قلت: و هذا (1) يوجب أن لا يكون الدرهم الواحد مثليّا، إذ (2) لو انكسر نصفين نقص قيمة نصفه عن نصف قيمة المجموع.

إلّا أن يقال (3) [1]: إنّ الدرهم مثلي بالنسبة إلى نوعه، و هو الصحيح

______________________________

(1) المشار إليه هو قوله: «إنّ المقدار منه إذا كان يساوي قيمة فنصفه يساوي قيمة نصفه» و غرض المصنّف قدّس سرّه الإيراد على تعريف المشهور حتّى بعد توجيه السيّد العاملي قدّس سرّه له، و حاصله: أنّه بناء على كون المناط في المثليّ مساواة قيمة نصفه لنصف قيمة كلّه يلزم خروج مسكوك النقدين- و هما الدرهم و الدينار- عن ضابط المثليّ و اندراجهما في القيميّ، فإذا كان الدينار الصحيح يساوي عشرة دراهم لم يكن قيمة نصف الدينار خمسة دراهم، بل أقلّ، لأنّ السّكّة المنقوشة على الذهب دخيلة في قيمته، و ليست المادّة بخصوصها مدار ماليّته، فكيف جعل المشهور الدرهم و الدينار مثليّين مع عدم انطباق التعريف عليهما؟

و بهذا ظهر أنّ الذهب و الفضّة لا يكونان مثليّين. أمّا المصوغ من أحدهما فلما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه من عدم مساواة قيمة نصفه لنصف قيمة تمامه، مثلا إذا كانت قيمة سوار عشرة دنانير و وزنها مثقالين لم تكن قيمة مثقال من المكسور منه خمسة دنانير، بل هي أقلّ منها. و أمّا المسكوك منهما فلما أفاده المصنّف قدّس سرّه، لنفس التقريب.

و لعلّه اقتبس المطلب من تعليل الشهيد الثاني قدّس سرّه «إذ لو انفصلت نقصت قيمته».

(2) هذا تعليل ورود الاشكال على المشهور الّذين جعلوا الدرهم مثليّا، مع أنّهم اعتبروا مساواة قيمة النصف- مثلا- لنصف قيمة المجموع.

(3) غرضه قدّس سرّه توجيه عدّ المشهور الدرهم من المثليّات، و توضيحه: أنّ

______________________________

[1] لكن على هذا يكون المصوغ من النقدين أيضا مثليّا، كالخاتم، و السوار، و الخلخال و نحوها، لتساوي أمثالها في القيمة كالدرهم الصحيح.

ثمّ إنّ هذا التوجيه غير وجيه، لأنّ معنى النقص هو ما ذكر في التوضيح من كون موضوع المثليّة الفرد، و التوجيه مبنيّ على كون موضوع المثليّة هو الكليّ، و إرادة الأفراد من الأجزاء.

ص: 300

و لذا (1) لا يعدّ الجريش مثلا للحنطة، و لا الدقاقة مثلا للأرز.

و من هنا (2) يظهر أنّ كلّ نوع من أنواع الجنس الواحد، بل كلّ صنف من

______________________________

«الدرهم» جنس يشتمل على نوعين:

أحدهما: الصحيح، و هو الذي تكون سكّته و هيئته محفوظة.

و ثانيهما: المكسور و المعيوب، كما إذا انكسر نصفين أو أكثر، أو عاب بأن انمحى نقشه المضروب عليه.

فإن كان موضوع مثليّة الدرهم هو الجنس الصادق على السليم و المعيب انتقض تعريف المثليّ، لأنّ النصف المكسور من الدرهم لا يسوى قيمة نصف الدرهم الصحيح، لزوال ماليّة هيئته بالكسر، و صيرورة العبرة في ماليّته بنفس المادّة و هي الفضّة.

و إن كان موضوع المثليّة خصوص النوع الصحيح لم ينتقض تعريف المثليّ، إذ لا ريب في أنّ الدراهم الصّحاح متساوية في الماليّة، و ليست الدراهم المكسورة مندرجة في النوع الصحيح حتى يقال بعدم مساواة أبعاضها. و الظاهر أن مناط المثليّة عندهم هو النوع لا الجنس، و لذا لا يعدّون الجريش و الطحين مثلا للحنطة، مع انطباق الجنس عليهما.

(1) يعني: و لكون المثليّة ملحوظة بالنسبة إلى النوع- كما وجّهه بقوله:

إلّا أن يقال- لا يعدّ الجريش مثلا للحنطة. و الجريش هو الحنطة المطحونة بطحن غير ناعم، بحيث تبقى قطعا صغارا. فالحنطة جنس لها أنواع، منها الحبّات غير المطحونة، و منها: الجريش، و منها الطحين. فإذا اشتغلت الذمّة بحقّة حنطة لم تفرغ بدفع حقّة من نوع آخر كالجريش.

(2) يعني: و من لحاظ المثليّة بالنسبة إلى النوع- لا الجنس- يظهر أنّ المثليّة ملحوظة في النوع بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع فقط، لا سائر أنواع الجنس.

ص: 301

أصناف نوع واحد مثليّ بالنسبة إلى أفراد ذلك النوع أو الصنف (1).

فلا يرد (2) ما قيل من: «أنه إن أريد التساوي بالكلّية، فالظاهر عدم صدقه على شي ء من المعرّف، إذ ما من مثليّ إلّا و أجزاؤه مختلفة في القيمة كالحنطة، فإنّ قفيزا من حنطة تساوي عشرة، و من اخرى تساوي عشرين.

و إن أريد التساوي في الجملة فهو في القيميّ موجود كالثوب و الأرض» (3) انتهى.

______________________________

(1) فالرّز في عصرنا له أنواع و أصناف عديدة ربّما يكون سعر النوع الجيّد ضعف سعر المتوسّط أو الردي ء. و هكذا الحنطة، و نحوهما سائر السّلع.

(2) هذا متفرّع على كون مناط المثليّة هو النوع و الصنف، دون مجرّد ما يصدق عليه الحقيقة. و غرضه قدّس سرّه دفع ما أورده المحقّق الأردبيليّ قدّس سرّه على تعريف المشهور، و محصّله: أنّ تفسير المثليّ ب «ما تساوت أجزاؤه» إمّا غير منطبق على شي ء ممّا عدّ مثليّا، و إمّا غير مانع الصدق على الغير و هو القيميّ.

و بيانه: أنه إن أريد بالتساوي التساوي الكلّيّ و من جميع الجهات، فالظاهر عدم صدقه على شي ء ممّا عدّ مثليّا، لاختلاف أجزاء كلّ مثليّ في القيمة، فإنّ قفيزا من حنطة يساوي عشرة، و من حنطة أخرى يساوي عشرين، مع أنّ الحنطة من أظهر أفراد المثليّ.

و إن أريد بالتساوي التساوي في الجملة أي التقارب في القيمة- في قبال الأشياء المختلفة قيمها بكثير، كالتفاوت بين سعر الحنطة و الشعير و الأرز مثلا- لزم دخول جملة من القيميّات في التعريف، لتقارب قيم كثير من الحبوبات و الأقمشة و الثياب و نحوها، مع أنّهم جعلوها من القيميّ. و عليه فجعل ضابط المثليّ التساوي الكلّيّ غير سديد. هذا تقريب إشكال المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه «1».

(3) هذه العبارة تختلف يسيرا مع ما في مجمع الفائدة، و كلامه قدّس سرّه متضمّن لشقّ ثالث للمنفصلة لم تذكر في المتن، و هي قوله: «و إن أريد مقدارا خاصّا فهو حوالة على المجهول».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 522 و 523

ص: 302

و قد لوّح هذا المورد (1) في آخر كلامه إلى دفع إيراده بما (2) ذكرنا من: أنّ كون الحنطة مثليّة معناه أنّ كلّ صنف منها متماثل الأجزاء (3) و متساو في القيمة، لا بمعنى أنّ (4) جميع أبعاض هذا النوع متساوية في القيمة. فإذا كان المضمون

______________________________

(1) و هو المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه، فإنّه جعل مناط المثليّة النوع أو الصنف، و دفع به الإيراد المتقدّم في كلامه.

و لا يخفى أنّ تماثل الأفراد في النوع و الصنف غير مصرّح به في مجمع الفائدة، لكن يستفاد منه ذلك. قال قدّس سرّه: «و الذي يقتضيه القواعد أنّه- أي المثليّ- لفظ بني عليه أحكام بالإجماع، و كأنّه بالكتاب أيضا، مثل ما تقدّم، و السّنّة أيضا، و ليس له تفسير في الشرع، بل ما ذكر اصطلاح الفقهاء، و لهذا وقع فيه الخلاف، فيمكن أن يحال إلى العرف، إذ الظاهر أنه ليس بعينه مرادا، فإنّ المثل هو المتشابه و المساواة في الجملة. و هو موجود بين كلّ شي ء .. فكلّ شي ء يكون له مثل في العرف، و يقال له:

إنّ هذا له مثل عرفا، فيؤخذ ذلك .. و يؤيّده أنّه على تقدير ثبوت كون المتلف مثليّا مثل الحنطة لا يؤخذ بها كلّ حنطة، بل مثل ما تلف عرفا .. إلخ» «1».

و مثّل أيضا بسنّ الجمل و الثوب و الفرس العتيق، حيث إنّ المضمون هو المماثل للتالف عرفا. و هذا هو النوع أو الصنف في تعبير المصنّف.

(2) متعلق ب «دفع» و المراد بالموصول قوله: «إلّا أن يقال: إنّ الدرهم مثليّ بالنسبة إلى نوعه».

(3) أي: متساوية الأفراد و متساوية في القيمة.

(4) يعني: أنّ تماثل الأجزاء و تساويها قيمة ملحوظ بالنسبة إلى أبعاض الصنف الذي هو أخص من النوع، فالحنطة الحمراء و الصفراء نوعان، و لكلّ منهما أصناف كالحبّات و الجريش و الطحين، فإذا كان المضمون حقّة من الجريش الأحمر كان الواجب دفع هذا المقدار من هذا الجريش، لا دفع نفس الحنطة الحمراء

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 525 و 526

ص: 303

بعضا من صنف فالواجب دفع مساويه من هذا الصنف، لا القيمة (1) و لا بعض من صنف آخر (2).

لكن الانصاف (3)

______________________________

و لا دقيقها، و لا حنطة صفراء.

(1) لاختصاص وجوب دفع القيمة بما إذا كان التالف قيميّا، و المفروض كونه مثليّا كالحنطة.

(2) لفرض أنّ مناط المثليّة هو الصنف لا الجنس و لا النوع، فلو كان المضمون دقيقا من الحنطة الحمراء لم تفرغ الذمّة بدفع دقيق حنطة أخرى، لعدم تماثل الحنطتين كما عرفت.

فتحصّل من كلام المصنّف قدّس سرّه أنّه- وفاقا للمحقّق الأردبيلي و غيره- وجّه تعريف المشهور للمثليّ بإرادة تساوي جزئيّات الأصناف، هذا. و سيأتي عدم تماميّة التعريف حتّى بالنظر إلى هذا التوجيه.

(3) أورد المصنّف قدّس سرّه على تعريف المشهور بوجهين، الأوّل: أنّ جعل مدار المثليّة هو الصنف مخالف لظاهر كلمات المشهور، لأنّهم يطلقون المثليّ على الجنس، لا الصنف. فقد عرفت تعريف المثليّ في عبارة المبسوط و تنظيره له بالتمور و الأدهان و الحنطة و الشعير، و ظاهره أنّ كلّ ما يصدق عليه التمر فهو مثليّ، مع كونه على عشرات الأصناف. و هكذا لكلّ من الحنطة و الشعير و الأدهان أقسام كثيرة.

و يترتّب على مثليّة جنس واحد- بماله من الأصناف- كفاية دفع صنف في مقام تفريغ الذمّة المشغولة بصنف آخر. مع أنّه لا ينطبق تعريف المثليّ على الأصناف، لعدم تساوي صنف لجزئيّات صنف آخر قيمة.

و دعوى «توجيه إطلاق المثليّ على جنس الحنطة بلحاظ تساوي أجزاء صنف واحد قيمة، لا بلحاظ تساوي قيمة أفراد كلّ ما يصدق عليه الحنطة، فيتمّ تعريف المشهور حينئذ» ممنوعة، لتوقّفه على الإضمار في التعريف، بأن يقال: «المثليّ

ص: 304

أنّ هذا (1) خلاف ظاهر كلماتهم، فإنّهم يطلقون المثليّ على جنس الحنطة و الشعير و نحوهما، مع عدم صدق التعريف عليه (2). و إطلاق (3) المثليّ على الجنس باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه و إن لم يكن بعيدا، إلّا (4) أنّ انطباق التعريف على الجنس بهذا الاعتبار (5) بعيد جدّا.

إلّا (6) أن يهملوا خصوصيّات الأصناف الموجبة لزيادة القيمة و نقصانها،

______________________________

هو ما تساوت أجزاء كلّ صنف من أصنافه، و ما تساوت أجزاء كل نوع من أنواعه» و لا ريب في أنّ الإضمار و التقدير خلاف الأصل، و لا يصار إليه بلا قرينة.

(1) أي: جعل مدار المثليّة على الصنف خلاف ظاهر كلماتهم، لأنّهم يطلقون المثليّ على الجنس لا الصنف.

(2) أي: على الجنس، إذ المفروض صدق التعريف أي تماثل الأجزاء- أي الأفراد- على أفراد الصنف، لا أفراد الجنس. فجعل جنس الحنطة من المثليّات لا وجه له.

(3) مبتدأ خبره جملة «و إن لم يكن بعيدا» و قد أوضحناه بقولنا: «و دعوى توجيه .. إلخ».

(4) هذا استدراك على قوله: «و إن لم يكن بعيدا» و هو جواب الدعوى، و قد عرفته أيضا.

(5) أي: باعتبار مثليّة الأنواع أو الأصناف. وجه البعد: لزوم المسامحة في التعريف، للاحتياج إلى الإضمار، بأن يقال: «ما يتساوى أجزاء أنواعه أو أصنافه» مع عدم البناء على المسامحة في التعاريف.

(6) ظاهر العبارة أنّ غرضه قدّس سرّه توجيه انطباق التعريف المذكور على الجنس باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه على نحو يسلم عن هذا البعد. لكنّه ليس كذلك، لأنّ هذا الإهمال يوجب كون الإطلاق بلحاظ نفس الجنس لا بلحاظ الأنواع و الأصناف.

ص: 305

كما التزمه بعضهم، غاية الأمر (1) وجوب رعاية الخصوصيّات عند أداء المثل عوضا عن التالف (2) أو القرض، و هذا أبعد (3)، هذا.

______________________________

و لكن الصحيح أنّ قوله: «إلّا أن يهملوا» معادل لقوله قدّس سرّه: «باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه».

فالأولى في تأدية المطلب أن يقال: إنّ إطلاقهم المثليّ على الجنس إن كان باعتبار مثليّة أنواعه أو أصنافه من باب توصيف الشي ء بحال متعلّقه، فهو و إن لم يكن بعيدا، إلّا أنّ انطباق التعريف المذكور عليه بهذا الاعتبار بعيد جدّا.

و إن كان باعتبار إهمال الخصوصيّات النوعيّة و الصنفيّة الموجبة لزيادة القيمة و نقصانها و لحاظ جنس الشي ء من حيث هو، فهو و إن كان يقرب معه انطباق التعريف على الجنس بلا مسامحة و لا احتياج إلى الإضمار، بأن يكون المعنى:

ما يتساوى أجزاؤه في القيمة من حيث هو مع قطع النظر عن الأوصاف النوعيّة و الصنفيّة، و إن كانت تتفاوت فيها مع ملاحظتها.

لكن هذا الإهمال بنفسه أبعد، لأنّ مقتضى التعريف للمثليّ حينئذ أنّه لا يجب على الضامن إلّا ما صدق عليه التعريف، فلا معنى لوجوب رعاية الخصوصيّات عند الأداء، و إلّا فلا فائدة في التعريف.

و بالجملة: الغرض من التعريف تشخيص ما يتحقّق بدفعه فراغ الذمّة عمّا اشتغلت به من مال الغير، و من المعلوم دخل القيمة الناشئة من الخصوصيّات الصنفيّة في الضمان، فلا معنى لإهمال الخصوصيات.

(1) يعني: أنّهم أهملوا خصوصيّة مساواة أفراد صنف لأفراد صنف آخر قيمة، و لكن لا بدّ من رعاية خصوصيّة المضمون في مقام تفريغ الذمّة. ففرق بين مقام تعريف المثليّ و بين مقام الأداء.

(2) يعني: في المقبوض بالعقد الفاسد، في قبال ضمان البدل بالقرض.

(3) يعني: أنّ إهمال الخصوصيّات في التعريف أبعد من الإضمار، لأنّ الغرض من تعريف المثليّ تشخيص ما اشتغلت به ذمّة الضامن، فلا وجه لوجوب رعاية

ص: 306

مضافا إلى (1): أنّه يشكل اطّراد التعريف

______________________________

الخصوصيّات عند الأداء، إذ مقتضى مثليّة كلّيّ هو جواز إعطاء أيّ فرد منه أداء لما في الذمّة، من غير ملاحظة الخصوصيّات.

(1) هذا هو الإشكال الثاني على تعريف المثليّ بما في كلام المشهور من «أنّه ما تساوت قيمة أجزائه» بناء على إرادة تساوي أفراد الصنف. و حاصل الاشكال:

أنّ التعريف إمّا غير جامع للأفراد على تقدير، و إمّا غير مانع للأغيار.

توضيحه: أنّ «تساوي أفراد الصنف الواحد قيمة» إن أريد به تساويها فيها بالدّقة- بحيث لا يكون بينها تفاوت في القيمة أصلا- لزم خروج أكثر المثليّات عن التعريف، و ذلك لأنّ أفراد الصّنف الواحد من الأجناس المثليّة و إن كانت متشابهة في جهات، لكنّها تتفاوت في بعض الخصوصيّات الدخيلة في ماليّة السّلعة.

مثلا إذا كان طنّ من الحنطة الحمراء مائة دينار- أي ما يساوي ألف درهم- لم تكن قيمة أوقيّة منها درهما، بل قيمتها أزيد منه، لتفاوت المبيع جملة لقيمته مفردا، فلا يصدق تعريف المثليّ ب «ما تساوت قيمة أجزاء صنف واحد» على الحنطة، مع كونها من أظهر أفراد المثليّ. و هكذا الحال في سائر السّلع و الأمتعة.

و إن أريد بتساوي الأفراد قيمة تقارب قيم الجزئيات- لا تساويها- لم يكن التعريف مانعا للأغيار، لصدق هذا المعنى على كثير من القيميّات، فإنّ أفراد القيميّ و إن لم تتساو في الصفات و الخصوصيّات، إلّا أنّ أسعارها متقاربة، بل ربّما تتساوى.

مثلا: الكتابة و الفطانة و نحوهما من صفات الكمال دخيلة في قيمة الجارية التي لها أنواع كالروميّة و الزنجيّة و التركيّة و غيرها، فيمكن أن تكون الجارية المضمونة روميّة كاتبة، و لكن للضامن دفع جارية تركيّة خدومة و فطنة تساوي تلك في القيمة، فيلزم صدق تعريف المثليّ على الإماء، مع أنّها من أظهر أفراد القيميّ.

و على هذا فتعريف المثليّ إمّا غير جامع للأفراد، و إمّا غير مانع للأغيار، فلا جدوى فيه، و لا بدّ من التماس تفسير آخر له.

ص: 307

- بناء على هذا (1)- بأنّه إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد من حيث القيمة تساويا حقيقيّا، فقلّما يتّفق ذلك في الصّنف الواحد من النوع، لأنّ أشخاص ذلك الصّنف لا تكاد تتساوى في القيمة، لتفاوتها بالخصوصيّات (2) الموجبة لزيادة الرغبة و نقصانها، كما لا يخفى.

و إن أريد (3) تقارب أجزاء ذلك الصنف من حيث القيمة- و إن لم يتساو حقيقة- تحقّق ذلك في أكثر القيميّات، فإنّ لنوع الجارية أصنافا متقاربة في الصفات الموجبة لتساوي القيمة، و بهذا الاعتبار (4) يصحّ السّلم فيها، و لذا (5) اختار العلّامة في باب القرض من التذكرة [على ما حكي عنه] أنّ ما يصح فيه

______________________________

(1) أي: بناء على اعتبار تساوي أفراد كلّ صنف من أصناف المثليّ، لا تساوي أفراد الطبيعة.

(2) و أقلّ تلك الخصوصيّات بيعها جملة و بمقدار كثير، و بيعها بمقدار قليل كالحقّة و الأوقيّة.

(3) معطوف على قوله: «و إن أريد تساوي الأجزاء من صنف واحد» و هذا إشارة إلى إشكال عدم مانعيّة التعريف عن الأغيار، و قد تقدّم بقولنا: «و إن أريد بتساوي الأفراد قيمة تقارب قيم الجزئيات .. إلخ».

(4) أي: باعتبار تحقّق تقارب صفات أصناف الجارية، الموجبة لتساوي القيمة بمعنى التساوي العرفي المسامحيّ لا الحقيقيّ. و لأجل الاكتفاء بذلك المقدار في رفع الجهالة القادحة في صحّة البيع يصح السّلم فيها. فلو كانت متباعدة الصفات المانعة عن صدق التساوي العرفي- بحيث لم يكتف بذلك في رفع الغرر- لم يصحّ السّلم فيها من جهة الغرر.

(5) أي: و لأجل تحقّق التقارب- الموجب للتساوي العرفيّ في القيميّات- اختار العلّامة أنّ القيميّات التي يصحّ فيها السّلم مضمونة في القرض بمثلها.

فلو لم يتحقق التقارب فيها كيف يحكم بضمان بعضها بالمثل، و المراد منه الفرد الآخر

ص: 308

السّلم من القيميّات مضمون في القرض بمثله».

و قد عدّ (1) الشيخ في المبسوط الرّطب و الفواكه من القيميّات، مع أنّ كلّ نوع منها مشتمل على أصناف متقاربة في القيمة، بل متساوية عرفا.

______________________________

المماثل للعين المقترضة المتقارب لها في الصفات، بل لا بدّ من الحكم بضمان القيمة فيها مطلقا، لعدم وجود المثل حينئذ.

ففي التذكرة: «مال القرض إن كان مثليّا وجب ردّ مثله إجماعا .. و إن لم يكن مثليّا، فإن كان ممّا ينضبط بالوصف- و هو ما يصحّ السّلف فيه كالحيوان و الثياب- فالأقرب أنّه يضمنه بمثله من حيث الصورة .. و أمّا ما لا يضبط بالوصف كالجواهر و القسيّ و ما لا يجوز السّلف فيه تثبت فيه قيمته» «1».

و هذه العبارة تتكفّل الكبرى، و هي الملازمة بين القرض و بيع السّلم، بإناطة كليهما بكون المال ممّا ينضبط بالوصف. و طبّق هذه الكبرى في عبارة أخرى على الجارية، فقال: «الأموال إمّا من ذوات الأمثال أو من ذوات القيم، فالأوّل يجوز إقراضه إجماعا. و أمّا الثاني فإن كان ممّا يجوز السّلم فيه جاز إقراضه أيضا .. و هل يجوز إقراض الجواري؟ أمّا عندنا فنعم، و هو أحد قولي الشافعي، للأصل، و لأنّه يجوز إقراض العبيد، فكذا الجواري، و لأنّه يجوز السّلف فيها فجاز قرضها كالعبيد» «2».

و غرض المصنّف قدّس سرّه الاستشهاد به على تحقق تقارب أفراد القيميّ في القيمة، كتقارب أفراد المثليّ، فينتقض تعريف المثليّ بكثير من القيميّات.

(1) غرضه قدّس سرّه الاستشهاد ثانيا على تقارب قيمة القيميّات، فينتقض تعريف المثليّ بها، لاشتراكهما في تقارب أسعار أفرادها. قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «و إن غصب شجرا فأثمرت كالنخل و نحوها، فالثمار لصاحب الشجر .. و إن تلف رطبا فعليه قيمته، لأنّ كلّ رطب من الثمار كالرّطب و التّفاح و العنب و نحوها إنّما تضمن بالقيمة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 5، السطر 4 الى 9

(2) المصدر، السطر 27 إلى 29

ص: 309

..........

______________________________

و إن كان رطبا فشمّسه فعليه ردّه إن كان قائما، و مثله إن كان تالفا، لأنّ الثمر له مثل» «1».

و لا يخفى أنّه قدّس سرّه جعل الثّمار كالتمور مثليّا على ما نقلناه عنه (في ص 26) و يمكن حمله على ما فصّله هنا بين الثمرة الرّطبة و المجفّفة، فالرّطبة قيميّ، و المجفّفة مثلي. و تحقيق ما هو الحقّ من كلاميه موكول إلى محلّه.

و قد تحصّل: أنّ المصنّف قدّس سرّه اعترض بوجهين على تعريف المثليّ بما في كلام المشهور، و استشهد بعبارتي التذكرة و المبسوط لإثبات الشقّ الثاني من الإيراد الثاني، و هو انتقاض التعريف بكثير ممّا عدّوه قيميّا، لأنّ تقارب قيم أفراد الصنف جهة مشتركة بين المثليّ و القيميّ، كما عرفت.

فإن قلت: لا ينتقض تعريف المثليّ بما ذكر من أفراد القيميّ، و ذلك لأنّ الأفراد المتقاربة أو المتساوية قيمة من كلّ صنف من أصناف المثليّ كثيرة، كالحنطة و الشعير، و أمّا تساوي سعر أفراد صنف من أصناف القيميّ فنادر. فلو سلّمنا دخول بعض القيميّات في تعريف المثليّ لم يقدح ذلك في انطباق التعريف على المثليات، و عدم انطباقه على غالب القيميّات.

قلت: الغرض من التعريف تحديد ما تشتغل ذمّة الضامن به، إمّا المثل أو القيمة، فيلزم تعريف كلّ منهما بما يجمع الأفراد و يمنع الأغيار، و من المعلوم أنّ دخول بعض أفراد القيميّ في تعريف المثليّ قادح في التحديد، و مجرّد قلّة مورد النقض و ندرته لا يوجب سلامة التعريف. لأنّ التعريف مبنيّ على شرح الحقيقة، لا على ما هو الغالب خارجا.

نعم يوجب عزّة الوجود الفرق بين المثليّ و القيميّ في حكمة الحكم بضمان المثل في الأوّل، و ضمان القيمة في الثاني، لا في تشخيص مصاديق أحدهما عن مصاديق الآخر الذي هو المطلوب هنا.

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 99 و 100

ص: 310

ثمّ (1) لو فرض أنّ الصّنف المتساوي من حيث القيمة في الأنواع القيميّة عزيز الوجود- بخلاف الأنواع المثليّة- لم يوجب (2) ذلك إصلاح طرد التعريف.

نعم يوجب ذلك (3) الفرق بين النوعين في حكمة الحكم بضمان المثليّ بالمثل، و القيميّ بالقيمة.

ثمّ إنّه عرّف المثليّ بتعاريف أخر أعمّ من التعريف المتقدّم، أو أخصّ.

فعن التحرير: «أنّه ما تماثلت أجزاؤه، و تقاربت صفاته (4)» «1».

______________________________

(1) هذا إشارة إلى دخل يرد على قوله: «تحقّق ذلك في أكثر القيميّات» و أوضحناه بقولنا: «فان قلت» و هو- كما أفاده سيّدنا الأستاذ قدّس سرّه- من صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال: «و لا يرد النقض بالثوب أو الأرض، الذي يمكن رفعه بعدم غلبة ذلك- أي التساوي أو التقارب قيمة- فيهما. و فرض بعض الأفراد كذلك لا يناسب اطراد قواعد الشرع» «2».

(2) هذا جواب الشرط في «لو فرض» و هو دفع الدخل المتقدّم، و قد عرفته أيضا.

(3) أي: يوجب عزّة الوجود في تساوي أفراد كلّ صنف من أصناف القيميّ- و كثرة تساوي أفراد كلّ صنف من المثليّ- الفرق بين النوعين في الحكمة الداعية للحكم بضمان المثليّ بمثله، و القيميّ بقيمته. و من المعلوم خروج الجهات التعليليّة عن موضوعات الأحكام، فالعبرة بما أخذ في لسان الدليل. و قد ثبت انطباق تعريف المثليّ على بعض القيميّات، و هذا المقدار كاف في بطلان تعريف المشهور. هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بتفسير المثليّ بما تساوت أجزاؤه في القيمة. و قد ظهر الاشكال فيه.

(4) هذا التعريف مساو لتعريف المشهور بناء على توجيهه بتساوي أفراد الصنف لا الجنس، و أخصّ منه بناء على ظاهره من تساويها في الحقيقة النوعيّة.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 2، ص 139

(2) نهج الفقاهة، ص 138

ص: 311

و عن الدروس و الرّوضة البهيّة: «أنّه المتساوي الأجزاء و المنفعة (1) المتقارب الصفات» «1».

و عن المسالك و الكفاية: «أنّه أقرب التعريفات إلى السّلامة» «2».

و عن غاية المراد: «ما تساوى أجزاؤه في الحقيقة النوعية» «3» (2).

و عن بعض العامّة «أنّه ما قدّر بالكيل أو الوزن» «4» (3).

______________________________

(1) قال المحقّق القميّ قدّس سرّه- في ما حكي عنه-: «و لعلّ المنفعة في كلامه عطف على القيمة المقدّرة، يعني المتساوي الأجزاء في القيمة و المنفعة. و يمكن أن يكون نظره في زيادة المنفعة إلى إخراج مثل الحنطة و الحمّص معا إذا تساويا في القيمة، و قيل النوع الواحد في تعريف المشهور يكفي عن ذلك، و في زيادة تقارب الصفات إلى ملاحظة الأصناف كما ذكرنا».

و كيف كان فتعريف الدروس أخصّ من سابقه و لا حقه كما لا يخفى.

(2) هذا أعمّ، و هو قريب من تعريف المشهور بناء على إرادة التساوي في الحقيقة، لا في النوع و الصنف. و أمّا بناء على توجيهه بالتساوي في قيمة أفراد الصنف كان تعريف الشهيد قدّس سرّه أعمّ، كأعمّيّته من تعريف الدروس و الرّوضة.

(3) هذا أيضا أعم من تعريف مشهور الخاصّة، لأنّ كثيرا من القيميّات لا تباع جزافا، بل لا بدّ من تقديرها بكيل أو وزن كالفواكه الرّطبة، و الحبوب، و المعاجين.

و لا يخفى أنّ التعاريف الثلاثة المنقولة عن العامّة مشتركة في ضبط المثليّ بالمكيل و الموزون، و يكون اختلافها بالإطلاق و التقييد، فهذا التعريف مطلق، و يشتمل التعريف الثاني و الثالث على قيد زائد.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 113؛ الروضة البهيّة، ج 7، ص 36

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 183؛ كفاية الأحكام، ص 257

(3) غاية المراد، ص 135

(4) روضة الطالب، ج 4، ص 108

ص: 312

و عن آخر منهم: «زيادة جواز بيعه سلما» (1).

و عن ثالث منهم: «زيادة جواز بيع بعضه ببعض» (2). إلى غير ذلك ممّا حكاه في التذكرة (3) عن العامّة [1].

______________________________

(1) فيصير أخصّ من تعريف المثليّ ب «مطلق ما يقدّر كمّه بالكيل أو الوزن» لتوقّف بيع السّلم على إمكان ضبط المبيع بالوصف. فما يعتبر فيه المشاهدة كالجلود لا تباع سلما.

(2) كجواز بيع الحنطة بمثلها كيلا أو وزنا، و التمر بمثله، و هكذا. فيندرج فيه كلّ مكيل أو موزون جاز بيعه ببعض آخر من جنسه، و هو صادق على جملة من القيميّات.

(3) قال فيها- بعد حكاية تعريف شيخ الطائفة و التعاريف الثلاثة عن العامّة-: «و قال بعضهم: المثليّات هي التي تقسم بين الشريكين من غير حاجة إلى تقويم ..

و قال آخرون: المثليّ ما لا يختلف أجزاء النوع الواحد منه في القيمة .. و يقرب منه قول من قال: المثليّات هي التي تتشاكل في الخلقة و في معظم المنافع، أو ما يتساوى أجزاؤه في المنفعة و القيمة. و زاد بعضهم: من حيث الذات لا من حيث الصفة .. إلخ» «1» مما لا جدوى في نقله، فراجع.

______________________________

[1] و في حاشية المحقّق الايرواني قدّس سرّه على المتن: «و الأحسن أن يعرّف المثليّ بما تشابهت أفراده و جزئيّاته في الصورة و الصفات، اللازم منه التساوي في الرغبات، اللازم منه التساوي في الماليّة. و على هذا فجنس الحنطة المختلف الأنواع و الأصناف اختلافا فاحشا إن لم يكن مثليّا صادقا عليه التعريف، فأصنافه النازلة مثليّة البتة» «2».

و يمكن أن يقال: إنّ تفريغ ما في الذمّة مقام، و تعريف المثليّ و تمييز كون شي ء

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 381

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 97

ص: 313

______________________________

مثليّا عن كونه قيميّا مقام آخر، لأنّ تفريغ الذمّة إنّما يحصل بأداء ما اشتغلت به من الجهات الكليّة و الشخصيّة الدخيلة في الماليّة. فالمثليّة إنّما تكون بلحاظ الجامع الذي له أفراد كثيرة متماثلة في الصفات التي تختلف بها الرغبات. فكلّ كلّيّ تكثر أفراده المتماثلة في الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات الدخيلة في اختلاف المالية يكون مثليّا، و القيميّ بخلافه.

و على هذا فمنتوجات المعامل الحديثة من الفروش و الظروف و غيرهما مما يغلب اتّفاقها في الصفات المختلفة بها الرغبات كلّها مثليّة، لتساويها في المقدار و الهيئة.

و عليه فالذهب و الفضّة المسكوكان و كذا غير المسكوكين- إذا لم يكونا مصوغين- من المثليّات. و أمّا المصوغان فهما من القيميّ، لاختلاف الصياغة في الصفات الموجبة لتفاوت الرّغبات، و اختلاف الماليّة. و كذا الحال في الحديد و النحاس.

و قيل في ضابط المثليّ و القيميّ: إنّ ماليّة الأموال تارة تكون باعتبار الجامع و الجهات الكليّة من دون لحاظ المشخّصات الفرديّة كالحنطة، فإنّ ماليّتها إنّما تكون بالحنطيّة، و الحمرة و الصفرة و غيرها من الجهات الكليّة نظير كتابة زيد لانسانيّته.

و اخرى تكون بلحاظ الجهات الشخصيّة و الخصوصيّات الفرديّة. فالأوّل هو المثليّ، و الثاني هو القيميّ.

و على هذا فالمثليّ هو الكليّ الذي تكون ماليّة أفراده بالجهات الكليّة الجنسيّة أو النوعيّة أو الصنفيّة، بحيث لا دخل للخصوصيّات الشخصيّة في ماليّتها.

و لعلّه يرجع إلى هذا التعريف ما أفاده المحقّق الخراساني قدّس سرّه بقوله: «فالأولى تعريفه بما كثر أفراده التي لا تفاوت فيها بحسب الصفات المختلفة بحسب الرغبات» «1». و القيميّ بخلافه كالفرس، فإنّ مناط ماليّته هي الجهات الشخصيّة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 35

ص: 314

ثمّ (1) لا يخفى أنّه ليس للفظ المثليّ حقيقة شرعيّة و لا متشرّعيّة. و ليس

______________________________

(1) هذا تتمّة البحث عن معنى المثليّ، و تمهيد لبيان حكم الشك في كون المضمون مثليّا أو قيميّا. و توضيحه: أنّ تعرّض الفقهاء لتفسير المثلي و القيميّ منوط بوقوع لفظهما موضوعا لحكم شرعيّ في لسان الدليل، كموضوعيّة «الصعيد» لجواز التيمّم به، و موضوعيّة «المفازة و الوطن و الغناء» لأحكام اخرى، فلو لم يتعلّق به حكم لم يكن شأن الفقيه تحقيق معنى اللفظ. هذا بحسب الكبرى.

و أمّا بحسب الصغرى فلم يرد لفظ «المثليّ» في نصوص الضمان حتى يبحث عن مفهومه. فالداعي لبيان معناه هو الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل، فيلزم حينئذ تعريفه لتمييز المضمون، و أنّه مثليّ أو قيميّ.

و على هذا نقول: إمّا أن يكون «المثليّ» بمعناه اللغوي و هو المماثل و «الشبيه» «1» و إمّا أن يكون منقولا عن اللغة إلى معنى آخر شرعيّا أو متشرعيّا، كنقل ألفاظ الصلاة و الزكاة و الحجّ و نحوها عن معانيها اللغويّة إلى ما ينسبق إلى أذهان المتشرّعة. و إمّا أن يكون بمعناه العرفيّ، و هو أعمّ من اللغويّ. هذا بحسب الثبوت.

______________________________

فما تنتجها المعامل الحديثة يكون مثليّا، لأنّ ماليّته بجهاته الكلّيّة، مثل كون الظرف المنتج فيها من القسم الكذائيّ. و كذا الذهب و الفضة المسكوكان و غير المسكوكين قبل الصياغة. و أمّا بعدها فإن كانت مصنوعة في المعامل فهي مثليّة أيضا، لتساوي أفراد كلّ صنف منها في الوزن و عيار الذهب. و إن كانت مصوغة باليد كانت قيميّة، لاختلاف الصياغة في الصفات الموجبة لتفاوت الرّغبات و اختلاف الماليّة.

و إن أمكن جعلها مثليّة أيضا، لإمكان صوغ أسورة عديدة متساوية وزنا و قدرا.

هذا كلّه إذا أحرز كون المضمون مثليّا أو قيميّا. و أمّا إذا شكّ فيه، فسيأتي البحث عنه في آخر هذا الأمر الرابع إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 563

ص: 315

المراد معناه اللغوي، إذ (1) المراد بالمثل لغة المماثل [1]. فإن أريد من جميع الجهات فغير منعكس (2)، و إن أريد من بعضها فغير مطّرد (3). و ليس (4) في النصوص

______________________________

و أمّا بحسب مقام الإثبات فلا يراد منه المعنى اللغويّ و هو المماثل، لما تقدّم من الإشكال الثاني على تعريف المشهور، حيث إنّه غير جامع لأفراد المثليّ لو أريد التماثل من جميع الجهات، و غير مانع عن دخول بعض القيميّات فيه لو أريد التماثل من بعض الجهات.

و أمّا المعنى الثاني- و هو نقله إلى اصطلاح شرعيّ أو متشرّعيّ- ففيه: أنّه لا حقيقة شرعيّة و لا متشرّعيّة في مثله.

فيتعيّن إرادة معناه العرفي بأن يقال: إنّ الفقهاء بصدد بيان مفهومه عرفا.

نعم اختلف المجمعون في مثليّة جملة من الأشياء، و القاعدة تقتضي الحكم بضمان المثليّ بمثله إذا كانت مثليّته متفقا عليها، و الرجوع في الأمور المختلف فيها إلى وجه آخر سيأتي بيانه.

(1) تعليل لعدم إرادة معنى «المثل» لغة في مبحث الضّمان.

(2) يعني: فغير منطبق على أفراد المعرّف، بمعنى عدم كونه جامعا لأفراده.

(3) أي: غير مانع عن دخول أفراد القيميّ في التعريف.

(4) هذا إشارة إلى الكبرى المتقدّمة بقولنا: «و توضيحه: أنّ تعرّض الفقهاء .. إلخ»

______________________________

[1] هذا خلط بين المثل الذي هو مباين للمال التالف، و بين المثليّ الذي هو كلّيّ ينطبق عليه و يصحّ حمله عليه بالحمل الشائع، و كلامنا في الثاني الذي عرّف بتعاريف.

و المثل بالمعنى الأوّل موضوع لأداء ما في الذمّة، لصدق الأداء الرافع للضمان عليه، لكونه الفرد المماثل للتالف من جميع الجهات الدخيلة في ماليّة التالف. و لم يتصدّ أحد لتعريفه و إن تصدّوا لتعريف المثليّ الذي هو الكليّ. و الإشكالات الطّرديّة و العكسيّة واردة على تعريف المثليّ، لا تعريف الفرد المماثل للتالف.

ص: 316

حكم يتعلّق بهذا العنوان حتى يبحث عنه.

نعم (1) وقع هذا العنوان في معقد إجماعهم على «أنّ المثليّ يضمن بالمثل و غيره بالقيمة» و من المعلوم أنّه لا يجوز الاتّكال في تعيين معقد الإجماع على قول بعض المجمعين مع مخالفة الباقين (2). و حينئذ (3) فينبغي أن يقال: كلّما كان مثليّا باتفاق المجمعين فلا إشكال في ضمانه بالمثل، للإجماع [1]. و يبقى ما كان مختلفا فيه بينهم كالذهب و الفضة غير المسكوكين. فإنّ صريح الشيخ في المبسوط كونهما من القيميّات (4)،

______________________________

و كان المناسب تقديم الوجه الداعي لهذا البحث المفصّل عن معنى المثليّ.

(1) استدراك على ما يفهم من قوله: «و ليس في النصوص ..» يعني: أنه و إن لم يرد لفظ المثليّ في الأخبار، لكنّه ورد في دليل تعبّديّ آخر و هو الإجماع.

(2) سيأتي في المتن ذكر بعض موارد اختلاف الفقهاء في المثليّة و القيميّة، مع اتّفاقهم على أصل الحكم و هو ضمان المثليّ بالمثل.

(3) أي: و حين عدم جواز الاتكال- في تشخيص صغريات المثليّ- على قول بعض المجمعين فينبغي أن يقال .. إلخ. و قد ذكر المصنّف من موارد المختلف في مثليّتها و قيميّتها أمورا أربعة ستأتي في المتن.

(4) قال قدّس سرّه فيه: «و أمّا إذا كان- أي التالف- من جنس الأثمان لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون ممّا فيه صنعة، أو لا صنعة فيه، فإن كان ممّا لا صنعة فيه- و هو

______________________________

[1] ظاهر هذه العبارة و قوله: «و حينئذ فينبغي أن يقال .. إلخ» أنّ مثليّة بعض الأموال و قيميّة الآخر تعبّديّة، فلا بدّ من الرجوع إلى الدليل الشرعيّ في تعيينه و هو الإجماع بالنسبة إلى بعض الموارد. و الظاهر أنّه ليس كذلك، لأنّ المثليّة و القيميّة من الموضوعات العرفيّة التي يرجع فيها إلى العرف، فإتّفاق المجمعين في بعض الموارد، و اختلافهم في الآخر إنّما هو من حيث كونهم من أهل العرف، لا من حيث إنّهم من أهل الشرع. هذا ما قيل، فتأمل فيه.

ص: 317

و ظاهر غيره (1) كونهما مثليّين. و كذا الحديد و النحاس و الرصاص، فإنّ ظواهر عبارة المبسوط (2) و الغنية و السرائر كونها قيميّة. و عبارة التحرير «1» صريحة في كون أصولها مثلية، و إن كان المصوغ منها قيميّا.

______________________________

النقرة- فعليه قيمة ما أتلف من غالب نقد البلد .. فأمّا إذا كان فيها صنعة، لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون استعمالها مباحا أو محظورا. فإن كان استعمالها مباحا كحليّ النساء و حليّ الرّجال مثل الخواتيم و المنطقة .. فإن كان غالب نقد البلد من غير جنسها قوّمت به .. إلخ» «2». و المستفاد منه تقويم الذهب و الفضّة بنقد البلد، سواء كانا سبيكتين، أم مصوغتين.

(1) كابن إدريس و المحقّق و العلّامة و فخر الدين و الشهيد و المحقّق الثاني، على ما حكاه عنهم السيد الفقيه العاملي قدّس سرّهم، ذكر ذلك شارحا لقول العلامة: «و الذهب و الفضة يضمنان بالمثل، لا بنقد البلد» «3».

(2) قال فيه: «فإن كان- أي التالف- من غير جنسها- أي جنس الأثمان- كالثياب و الخشب و الحديد و الرصاص و النحاس و العقار و نحو ذلك من الأواني كالصّحاف و غيرها فكلّ هذا و ما في معناه مضمون بالقيمة» «4».

و في التذكرة أيضا، حيث قال بعد ذكر عديد من الأشياء: «و الأظهر عندهم أنّها بأجمعها مثليّة» «5». و كلامه قدّس سرّه ناظر إلى أصولها- كما نسبه المصنّف إليه في التحرير- لا المصنوع منها.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 2، ص 139

(2) المبسوط، ج 3، ص 60 و 61

(3) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 258؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 384

(4) المبسوط، ج 3، ص 60؛ غنية النزوع، ص 537، السطر 13؛ السرائر الحاوي، ج 2، ص 480

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 381، السطر 31

ص: 318

و قد صرّح الشيخ (1) في المبسوط «1» بكون الرّطب و العنب قيميّا، و التمر و الزبيب مثليّا.

و قال في محكيّ المختلف: «إنّ (2) في الفرق إشكالا» بل (3) صرّح بعض من قارب عصرنا «2» «بكون الرّطب و العنب مثليّين».

و قد حكي (4) عن موضع من جامع المقاصد: «أنّ الثوب مثليّ» و المشهور خلافه.

و أيضا (5) فقد مثّلوا للمثليّ بالحنطة و الشعير. و لم يعلم أنّ المراد نوعهما

______________________________

(1) تقدّم نقل كلامه آنفا، فراجع. و هذا ثالث موارد الاختلاف.

(2) قال بعد نقل كلام الشيخ قدّس سرّه: «و في الفرق إشكال» «3».

(3) الوجه في الإضراب هو: أنّ العلّامة لم يجزم بمثلية الرّطب و العنب، و إنّما استشكل في الفرق بين العنب و الزبيب بجعل العنب قيميّا و الزبيب مثليّا. و أمّا المحقّق القميّ قدّس سرّه فلم يتردّد في مثليّة الرّطب و العنب، فيكون مخالفا لشيخ الطائفة قدّس سرّه.

(4) هذا مورد رابع ممّا اختلفوا في كونه مثليّا أو قيميّا، قال المحقّق الثاني قدّس سرّه بعد نقل تعريف المبسوط: «و نقض بالثوب و نحوه، فإنّ قيمة أجزائه متساوية، و ليس بمثليّ» «4». و لم يظهر أنّ النقض بالثوب منه أو من غيره من الفقهاء.

(5) لم يختلفوا في كون الحنطة و الشعير مثليّين، فغرض المصنف قدّس سرّه أنّهما و إن كانا متيقّنين من المثليّات، إلّا أنّه لم يظهر منهم أنّ المثليّة هل هي ملحوظة بالنسبة إلى أفراد طبيعة نوعيّة كالحنطة مثلا، فأنواعها و أصنافها أفراد الكلّيّ المثليّ؟ أم أنّها

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 60 و 99 و 100

(2) هو المحقّق القمي في جامع الشتات، ج 2، ص 543 و 544

(3) مختلف الشيعة، ج 6، ص 135

(4) جامع المقاصد، ج 6، ص 243 و 244، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 241

ص: 319

أو كلّ صنف (1)، و ما المعيار في الصنف؟ و كذا التمر.

[حكم الشك في كون التالف مثليّا أو قيميّا]

و الحاصل: أنّ موارد عدم تحقّق الإجماع على المثليّة فيها كثيرة (2)، فلا بدّ (3)

______________________________

ملحوظة بالنسبة إلى الأصناف، فكلّ صنف مثليّ بالنسبة إلى خصوص جزئيّاته، لا بالنسبة إلى سائر الأصناف. و هل المراد بتساوي الأجزاء في القيمة تساويها من جميع الجهات أو من بعضها؟

(1) حيث إنّ للتمر عشرات الأصناف، فهل مناط مثليّته صدق الحقيقة، أم النوع.

(2) كالأراضي، فقد اختلفوا في ضمانها بالمثل أو بالقيمة.

حكم الشك في كون التالف مثليّا أو قيميّا

(3) هذا شروع في المقام الثالث ممّا تعرّض له في الأمر الرابع، و هو حكم الشك في كون التالف مثليّا أو قيميّا. و كان المناسب بيان الأدلة على أصل اعتبار المثل، ثم التعرض لحكم الشك. و قد اقتصر قدّس سرّه على نقل إجماعهم على الحكم، و أخّر الوجهين الآخرين.

و كيف كان ففي تردّد المضمون بين المثليّ و القيميّ وجوه أربعة:

أوّلها: الضمان بالمثل معيّنا.

ثانيها: الضمان بالقيمة كذلك.

ثالثها: تخيير الضامن بين المثل و القيمة.

رابعها: تخيير المالك بينهما.

و اضطربت كلمات المصنّف قدّس سرّه في حكم المسألة، فرجّح أوّلا تخيير الضامن بين دفع المثل و القيمة، ثم تخيير المالك لو كان تخيير الضامن مخالفا للإجماع. ثم قوّى تخيير المالك من أوّل الأمر. ثم عاد إلى تقوية تخيير الضامن، و في آخر البحث ذهب إلى اقتضاء أدلة الضمان ثبوت المثل في العهدة، لكونه أقرب إلى التالف، و سيأتي بيانها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

ص: 320

من ملاحظة أنّ الأصل (1) الذي يرجع إليه عند الشك هو الضمان بالمثل أو بالقيمة أو تخيير المالك أو الضامن بين المثل و القيمة؟

و لا يبعد أن يقال (2): إنّ الأصل هو تخيير الضامن، لأصالة (3) براءة ذمّته

______________________________

(1) ظاهره هو الأصل العمليّ من البراءة أو الاشتغال، لكن المراد به أعمّ منه و من الأصل اللفظيّ، لما سيأتي من الاستدلال بحديث «على اليد» على تخيير المالك.

(2) أشرنا آنفا إلى أنّ المصنّف قدّس سرّه رجّح بدوا تخيير الضامن في مقام تفريغ ذمّته بين أداء المثل و القيمة. و هو مبنيّ على أمرين:

أحدهما: جريان أصالة البراءة عن ضمانه بأمر زائد على ما يختاره.

ثانيهما: الإجماع- بل الضرورة- على عدم وجوب الجمع بين المثل و القيمة.

أمّا الأوّل فتوضيحه: أنّ الضامن يعلم باشتغال ذمته بما تلف عنده من مال الغير، و لكنّه- عند الشكّ في كون التالف مثليّا و قيميّا- إذا أدّى أحدهما إلى المالك يشكّ في اشتغال عهدته بأمر زائد على ما أدّاه، و من المعلوم جريان أصالة البراءة النافية لضمانه بشي ء آخر. فإن دفع المثل نفى ضمانه بالقيمة بالأصل. و إن دفع القيمة نفى به ضمانه بالمثل.

هذا بناء على ما حقّق في الأصول من جريان الأصل في الأحكام الوضعيّة كجريانه في التكليفيّة. و إن قلنا باختصاص الجعل بالتكليف جرى الأصل في منشأ الانتزاع و هو وجوب الغرامة.

و أمّا الثاني فلأنّه لولا الإجماع على عدم وجوب الجمع بين الخصوصيّتين اقتضت أصالة الاشتغال دفع المثل و القيمة معا تحصيلا للقطع بالفراغ.

و بتماميّة الأمرين يتّضح وجه تخيير الضامن.

(3) بناء على كون الفرق بين المثل و القيمة هو الفرق بين الأقلّ و الأكثر، فيكون الشك في وجوب المثل شكّا في وجوب الأكثر. و أمّا بناء على كونهما من قبيل المتباينين- لكون المراد من القيمة في المقام النقد الواقع ثمنا كالدينار و الدرهم-

ص: 321

عمّا زاد على ما يختاره. فإن فرض (1) إجماع على خلافه

______________________________

فيرجع عند الشك في أحدهما بعينه إلى أصالة الاحتياط.

(1) شرع المصنّف من هذه العبارة في ترجيح تخيير المالك بين مطالبة المثل أو القيمة، و سلك لإثباته طريقين، أحدهما: بالنظر إلى الإجماع على عدم تخيير الضامن في مقام تفريغ ذمّته، و الآخر: مع قطع النظر عن هذا الإجماع.

أمّا الأوّل- و هو تخيير المالك مع الالتفات إلى الإجماع- فيدلّ عليه وجهان:

أوّلهما: أصالة عدم براءة ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك، كما إذا زعم الضامن كونه مخيّرا، فأدّى القيمة إلى المالك، و لم يرض بها، إذ يشك حينئذ في فراغ ذمّة الضامن عمّا اشتغلت به قطعا، و مقتضى استصحاب بقاء ما في العهدة عدم حصول البراءة بدفع ما يختاره الضامن و لم يرض به المالك. و قد تقرّر حكومة الاستصحاب على الأصل غير المحرز كالبراءة، فلا سبيل لإثبات تخيير الضامن بالتمسّك بأصالة البراءة.

ثانيهما: حديث «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» حديث إنّ الضمير المحذوف الراجع إلى «ما» الموصول ظاهر في تحقق الأداء- المسقط للضمان- بردّ نفس العين، إلّا إذا رضي المالك بردّ غيرها، فلا يرتفع الضمان بردّ غير العين إلّا برضا المالك، و مرجع هذا إلى تخيير المالك. فلو أدّى الضامن القيمة المغايرة للعين المضمونة- و لم يرض المالك بها- دلّ الحديث على بقاء مال الغير في عهدة الآخذ، و عدم حصول الغاية- و هي: حتّى تؤدّي- المفرّغة لما في الذمّة.

و أمّا الثاني:- أعني به ثبوت تخيير المالك مع الغضّ عن الإجماع على عدم تخيير الضامن- فيقتضيه أصالة الاشتغال، للشكّ في فراغ ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك. و لا ريب في أنّ الاشتغال اليقينيّ يقتضي البراءة اليقينيّة المنوطة بدفع المثل و القيمة معا. نعم الإجماع قائم على عدم وجوب الجمع بينهما.

و لكنّه لا يثبت تخيير الضامن، و إنّما يثبت تخيير المضمون له، لأنّه مالك لذمّة

ص: 322

فالأصل (1) تخيير المالك، لأصالة عدم (2) براءة ذمّته بدفع ما لا يرضى به المالك.

______________________________

الضامن، فله مطالبة ما شاء.

فإن قلت: إنّ أصالة البراءة معارضة لقاعدة الاشتغال، فتتساقطان، لكونهما في رتبة واحدة، فلا يبقى مرجّح لتخيير المالك من أوّل الأمر، و ينتهي الأمر إلى الطريق الأوّل المنوط بالاعتماد على الإجماع على عدم تخيير الضامن.

قلت: لا معارض لأصالة الاشتغال هنا، لعدم جريان أصالة البراءة في أمثال المقام ممّا يكون المتعلّق دائرا بين المتباينين، و هما المثل و القيمة، إذ لو كانت القيمة هي مجرّد ماليّة المضمون الموجودة في جميع الأعيان المتمولّة كانت هي الأقلّ، و كان المثل الواجد للجهات الصنفيّة المشتركة مع التالف هو الأكثر، فيكون المقتضي لجريان أصالة البراءة عن وجوب دفع الأكثر موجودا، و هي معارضة لقاعدة الاشتغال المقتضية لتخيير المالك.

و لكن المراد بالقيمة في باب الضمان هو النقد الواقع ثمنا كالدرهم و الدينار و الأنواط التي يعامل بها. و من المعلوم أنّ المثل و النقد متباينان، لعدم كون القيمة بعضا من المثل حتى تجري أصالة البراءة عن الأكثر، كما تجري في الزائد على المتيقّن عند دوران الدّين بين تسعين و مائة درهم مثلا.

و عليه فقاعدة الاحتياط تجري بلا معارض، و بعد الإجماع على عدم وجوب أداء الخصوصيّتين يتّجه تخيير المالك في قبول المثل أو القيمة. هذا تقريب القول بتخيير المالك.

(1) هذا الأصل أعمّ من العمليّ و اللفظيّ، لأنّه استدلّ بحديث «على اليد» و هو دليل اجتهاديّ.

(2) أي: استصحاب بقاء المضمون على عهدة الضامن، و قد عرفته بقولنا:

«أوّلهما: أصالة عدم براءة ذمّة الضامن بدفع ما لا يرضى به المالك .. إلخ».

ص: 323

مضافا إلى عموم (1) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» فإنّ مقتضاه (2) عدم ارتفاع الضمان بغير أداء العين، خرج ما إذا رضي المالك بشي ء آخر (3).

و الأقوى (4) تخيير المالك من أوّل الأمر (5)، لأصالة الاشتغال.

و التمسّك (6) «بأصالة البراءة» لا يخلو من منع (7).

نعم يمكن أن يقال (8):

______________________________

(1) هذا أصل لفظيّ يقتضي تخيير المالك. و قد أوضحناه بقولنا: «ثانيهما:

حديث- على اليد- حيث إن الضمير .. إلخ».

(2) أي: مقتضى عموم «على اليد» عدم ارتفاع الضمان .. إلخ.

(3) و بقي- ما لم يرض المالك به- في عموم «على اليد» المقتضي للضمان بقاء، كاقتضائه له حدوثا بمجرّد وضع اليد.

(4) هذا هو الطريق الثاني لإثبات تخيير المالك، و قد عرفته بقولنا: «و أمّا الثاني .. فيقتضيه أصالة الاشتغال .. إلخ».

(5) يعني: مع قطع النظر عن الإجماع على عدم تخيير الضامن.

(6) مبتدأ خبره «لا يخلو من منع» و هو دفع دخل، و قد تقدّم توضيحهما بقولنا: «فإن قلت: إن أصالة البراءة معارضة لقاعدة الاشتغال .. قلت: لا معارض لأصالة الاشتغال .. إلخ».

(7) إمّا لما ذكرناه من كون العلم الإجماليّ بالمثل و القيمة من قبيل العلم الإجماليّ بالمتباينين، و إمّا لما قيل من كونه من التعيين و التخيير الذي هو مجرى أصالة التعيينيّة، فتأمّل.

(8) هذا نظره الثالث في المسألة، و هو إثبات التخيير بين المثل و القيمة عقلا بمناط دوران الأمر بين المحذورين، لا التخيير الشرعيّ كما تقدّم في النظرين السابقين، و هما تخيير الضامن و تخيير المالك.

و هذا الوجه يعتمد على مقدّمتين:

ص: 324

..........

______________________________

الأولى: عدم تماميّة شي ء من الأقوال الأربعة، و هي تعيين المثل، و تعيين القيمة، و تخيير الضامن، و تخيير المالك، إذ لو نهض دليل على ترجيح أحدها تعيّن المصير إليه، سواء أ كان الدليل الشرعي أصلا لفظيّا كحديث «على اليد» أم عمليّا كالاستصحاب و الاشتغال و البراءة. فإذا نوقش فيها- إمّا لقصور المقتضي و إمّا لوجود المانع و هو المعارضة- تصل النوبة إلى تعيين الوظيفة بحكم العقل.

الثانية: قيام الإجماع على عدم تخيير المالك بين مطالبة المثل و القيمة، إذ لو تمّ هذا الإجماع كان الدليل الاجتهاديّ على تخييره شرعا موجودا، و معه لا مجال للتمسك بالأصل العمليّ العقليّ المتأخّر رتبة عن الأصول الشرعيّة.

و بناء على هاتين المقدّمتين نقول: إنّ المستقرّ في عهدة الضامن إمّا المثل أو القيمة، فإن رضي المالك بما يؤدّيه الضامن فلا كلام. و إن لم يرض به فإن كانت الذمّة مشغولة بالمثل واقعا و دفع القيمة إلى المالك لم تفرغ ذمّته عمّا اشتغلت به. و إن كانت مشغولة بالقيمة كذلك و أدّى المثل لم تفرغ ذمّته. كما أنّه لو كان على الضامن هو المثل لم يكن للمالك الامتناع عن قبوله، و ليس له مطالبة القيمة، و كذا لو كان عليه القيمة لم يكن للمالك الإباء عن قبولها.

فيدور أمر كلّ من الضامن و المالك بين المحذورين. أمّا الضامن فلأنّ ما عليه واقعا إحدى الخصوصيّتين مع فرض عدم وجوب الجمع بينهما.

و أمّا المالك فلاستحقاقه واقعا أحد الأمرين لا كليهما، و لا تخيير شرعا بينهما حسب الفرض. فيقال بالتخيير عقلا من باب الاضطرار. كما يقال في تخيير المجتهد في مقام الفتوى في ما لو اختلفت الأمّة على قولين، و لم يقم على أحدهما دليل بالخصوص، و لم يجز إبداع رأي ثالث في المسألة، فيتخيّر عقلا في الفتوى على

ص: 325

- بعد عدم الدليل لترجيح أحد الأقوال (1)، و الإجماع (2) على عدم تخيير المالك- بالتخيير (3) في الأداء، من جهة دوران الأمر بين المحذورين [1] أعني (4): تعيّن المثل بحيث لا يكون للمالك مطالبة القيمة، و لا للضامن الامتناع (5)،

______________________________

طبق أحد القولين، هذا.

(1) هذا إشارة إلى المقدّمة الأولى. و عدم ترجيح بعض الأقوال مبنيّ على الغضّ عمّا جعله أقوى من تخيير المالك.

(2) بالجرّ معطوف على «عدم» يعني: و بعد الإجماع على عدم تخيير المالك.

و هذا إشارة إلى المقدّمة الثانية.

(3) متعلق ب «يقال» يعني: يقال بالتخيير العقليّ.

(4) هذا بيان المحذورين. فإن كان المضمون خصوص المثل وجب على الضامن بذله، و لم يجز للمالك الامتناع عن قبوله. و إن كان المضمون خصوص القيمة وجب على الضامن أداؤها و لم يجز للمالك مطالبة المثل. و حيث إنّ الواقع مجهول لم يمكن تحصيل العلم ببراءة الذمّة، فيحكم العقل بالتخيير بين أداء المثل و القيمة.

(5) أي: الامتناع عن بذل المثل.

______________________________

[1] فيه: أنّ المقام أجنبيّ عن الدوران بين المحذورين اللذين يحكم فيه العقل بالتخيير، و ذلك لأنّه إنّما يكون في أمرين لا يمكن فعلهما و لا تركهما، كدوران الأمر بين وجوب شي ء و حرمته، أو وجوب شي ء و وجوب ضده، في الضدّين اللّذين لا ثالث لهما كالحركة و السكون. و ليس المقام كذلك، لإمكان تحصيل اليقين بالبراءة بدفع المثل و القيمة إلى المالك، ليأخذ المالك ما شاء منهما، و إن لم يخرجا عن ملكه بمجرّد الدفع.

و مع إمكان تحصيل اليقين بالبراءة بهذا النحو لا تصل النوبة إلى القرعة.

ص: 326

و تعيّن (1) القيمة كذلك (2)، فلا متيقّن (3) في البين. و لا يمكن (4) البراءة اليقينيّة عند التّشاحّ (5)، فهو (6) من باب تخيير المجتهد في الفتوى.

______________________________

(1) معطوف على «تعيّن المثل» يعني: أنّ منشأ كون المقام من موارد الدوران بين المحذورين هو تعيّن أحد الأمرين واقعا، و المفروض عدم طريق إلى إحرازه.

(2) يعني: بحيث لا يكون للمالك مطالبة المثل، و لا للضامن الامتناع عن بذل القيمة.

(3) إذ ليس المثليّ و القيميّ من قبيل الأقلّ و الأكثر حتى يكون الأقل هو المتيقن، بل هما متباينان، فلا تجري البراءة في المثليّة.

(4) لكونهما متباينين. و عدم الاحتياط في الماليّات، فالمضمون له لا يستحقّ واقعا إلّا أحدهما.

(5) بأن لا يأذن الضامن إلّا بقبض ما عليه واقعا، و لا يرضى المالك أيضا إلّا بما له واقعا، و المفروض جهلهما بالواقع، فلا يمكن تحصيل اليقين بالبراءة.

(6) حيث إنّ الضامن يدور أمر أدائه بين المحذورين، إجزاء المثل بخصوصه، و القيمة كذلك، لعدم القدر المتيقّن الذي تحصل به البراءة، فيتخيّر الضامن حينئذ. نظير تخيير المجتهد في الفتوى بما يختاره من المحذورين اللذين دار أمره بينهما، كما إذا قام عنده خبران متعارضان أحدهما يأمر بفعل و الآخر ينهى عنه، فإن كان الخبر الآمر صادرا واقعا وجبت الفتوى بمضمونه و لم تجز الفتوى بالحرمة. و إن كان الخبر الناهي صادرا وجبت الفتوى بالحرمة و حرمت الفتوى بالوجوب.

و حيث إنّ المفروض تردّد الصادر واقعا بين الخبرين فقد تردّد الأمر عنده بين الوجوب و الحرمة، فلا محالة يفتي بمضمون أحدهما، هذا.

ص: 327

فتأمّل (1) [1] هذا.

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى: أنّ تخيير المجتهد إنّما هو في تعارض الخبرين دون مثل المقام.

أو إلى: أنّ التخيير منوط بعدم ترجيح لأحد الأقوال، و المفروض وجود المرجّح لتخيير المالك من أوّل الأمر، فلا وجه لتنظيره بتخيير المجتهد.

______________________________

[1] إذا شكّ في كون مال مثليّا أو قيميّا لأجل الشبهة المفهوميّة فهل الأصل يقتضي تعيّن المثل أو القيمة أو تخيير الضامن أو المالك؟ احتمالات. قد عرفت في التوضيح مبانيها.

و قبل بيان الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه عند الشك في المثليّة و القيميّة لا بدّ من تقديم مقدّمتين نافعتين في جميع موارد الضمانات.

إحداهما: أنّ القيميّ و المثليّ من المتباينين أو الأقلّ و الأكثر. فإن أريد بالقيمة مطلق الماليّة السارية في جميع الأموال كانا من قبيل الأقلّ و الأكثر، لأنّ المثليّ حينئذ مال خاصّ علاوة على الماليّة المشتركة بين سائر الأموال، فتكون المثليّة خصوصيّة زائدة على المالية المشتركة.

و إن أريد بالقيمة خصوص ما هو المرتكز في الأذهان و المتسالم عليه من النقود الرائجة التي تقدّر بها ماليّة الأموال و تتمحض في الماليّة كانا من المتباينين. و ربّما يكون هذا ظاهر كلام اللغويّين.

ثانيتهما: أنّ الذمّة في باب الضمانات هل تشتغل بنفس الأعيان، بمعنى كون نفس العين على عهدة الضامن مطلقا من غير فرق في ذلك بين ضمان اليد و الإتلاف، و يكون أداء المثل أو القيمة أداء لها، لأنّه حكم العرف، فإنّهم يحكمون بضمان المثل في المثلي و القيمة في القيميّ، إذ لو كان له مثل عادة لا يعدّ إعطاء غيره أداء لها؟ أم تشتغل الذمّة بالمثل مطلقا، و يكون أداء القيمة بتعذّره نحو أداء له، أو بدلا اضطراريّا، أم تشتغل ابتداء في المثليّ بالمثل، و في القيميّ بالقيمة مطلقا كما نسب إلى المشهور، أم تشتغل بالقيمة مطلقا حتّى في ضمان اليد. أم يفصّل بين ضمان اليد و غيره.

ص: 328

______________________________

قد يقال: لو بني على المتعارف و تنزيل الإطلاقات الواردة في الضمان عليه كان مقتضى ذلك ضمان الماليّة مطلقا و ليست الخصوصيّات العينيّة ملحوظة في نظر العرف إلّا عبرة إلى مرتبة ماليّة المال، و لذا لو سقط المثل عن الماليّة لم يلتفتوا إليه أصلا.

و لا يرون دفعه تداركا. و كذا لو زاد في الماليّة لا يرون المالك مستحقّا لأزيد من قيمة ماله.

و بالجملة: ليس النظر في الأموال إلّا إلى ماليّتها. بل لو كانت خصوصيّة مال مطلوبة كان ذلك لأمر خارجيّ غير دخيل في حيثيّة الضمان. و إنّما يدور الضمان مدار التمول في أي عين كان بلا خصوصيّة للنقدين، و لا للمماثل و لا لغيرهما.

و هذا في غاية الغرابة، إذ لازمه ارتفاع الضمان بجبران الماليّة بأيّ مال كان، فلو أتلف منّا من حنطة زيد، و دفع إليه مقدارا من الدهن يساوي قيمة منّ الحنطة- و إن لم يرض به المالك- لزم منه براءة ذمّة الضامن، و هو كما ترى خلاف ما عليه العقلاء في باب الضمانات، إذ لا يرون هذا أداء لما أتلفه، فإن العقلاء كما يحكمون بأصل الضمان كذلك يحكمون بكيفيّته. فدعوى كون الضمان مطلقا بالماليّة- من دون رعاية الخصوصيّات الدخيلة في الرغبات و الماليّة- في غاية الغرابة.

فالحقّ أن يقال: إنّ حكم العقلاء في باب الضمانات هو ثبوت نفس العين التالفة المضمونة على عهدة الضامن، فالاستيلاء على العين الموجب للضمان يوجب ثبوتها في الذمّة. و هذا وجود اعتباريّ للعين، فبدون التلف يكون خروجه عن عهدتها بدفع عينها إلى مالكها، و مع التلف يكون أداؤها بإعطاء مماثلها إن كان مثليّا، و قيمتها إن كان قيميّا. و ثمرة ثبوت العين في الذمة هو كون المدار في القيميّة قيمة يوم الأداء لا يوم التلف.

و هذا- أي ثبوت نفس العين في الذمّة إلى وقت الأداء- ممّا تقتضيه الأدلّة الشرعية أيضا كحديث «على اليد» فإنّ ظاهره كون نفس المأخوذ على الآخذ و مستعليا

ص: 329

______________________________

عليه كما هو قضيّة كلمة على الاستعلائيّة، حيث إنّ الظرف مستقرّ متعلّق بفعل من أفعال العموم، فكأنّه قيل: المأخوذ ثابت على الآخذ، فالثابت على العهدة محمول على نفس المأخوذ، نظير قوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ حيث إنّ الرّزق بنفسه ثابت على المولود له، و جعل شي ء على شخص ظاهر في كونه على عهدته، و لذا استظهر الأصحاب من هذه الآية المباركة ملكيّة النفقة للزوجة، و التفصيل في محله.

و بالجملة: لا مانع من جعل شخص المأخوذ على العهدة اعتبارا كما في الكفالة، فإنّ الشخص المكفول يكون على عهدة الكفيل اعتبارا، فإن كانت العين موجودة كان أداؤها بنفسها، و إن كانت تالفة كان أداؤها بما هو أقرب إليها. و لا يعارضها سائر أدلّة الضمانات كآية الاعتداء على فرض دلالتها على ضمان المثل و القيمة، لأنّ ظاهرها تجويز الاعتداء بهما أي التقاصّ- يعني: على عهدة الغاصب ما يكون تقاصّه بالمثل أو القيمة- و هو لا يدلّ على أنّ ما في العهدة نفس العين أو القيمة أو المثل، إذ لو كان ما على العهدة نفس العين فلازمه أيضا التقاصّ بالمثل أو القيمة، فهذا اللازم أعمّ من كون ما في الذمّة نفس العين أو المثل أو القيمة.

فظهور «على اليد» يكشف عن كيفيّة الضمان و لا ينافيه الآية الشريفة، و لا دليل احترام مال المؤمن و أنّه كدمه، إذ لا يدلّ على كيفية الضمان، بل يدلّ على نفس الضمان و عدم هدره. و كذا سائر أدلّة الضمانات، فإنّها لو لم تكن ظاهرة في ضمان نفس العين و ثبوتها على العهدة ليست ظاهرة في الخلاف. فالبناء العقلائيّ الذي يساعده الدليل الشرعيّ كحديث «على اليد» قد استقرّ على كون الثابت في ذمّة الضامن نفس العين، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إنّ ما وقع تحت اليد هو الموجود الخارجيّ، و لا ريب في انعدامه بالتلف، فلا بدّ أن يسقط الضمان بسبب التلف، إذ الماهيّة المعرّاة عن الوجود الخارجيّ لم تقع تحت اليد، و لا يمكن وقوعها عليه. فلا يستفاد من حديث اليد ضمان المأخوذ بعد التلف.

ص: 330

______________________________

و الحاصل: أنّ الحديث في مقام بيان وجوب ردّ المأخوذ الموجود إلى مالكه، و لا يدلّ على وجوب ردّ بدله بعد التلف، لأنّ ظاهره كون المضمون ما هو الموجود خارجا، لا الأعمّ منه و من المعدوم الذي يعتبر موجودا باقيا، فلا يستفاد من الحديث اعتبار نفس العين على العهدة بعد التلف، كما لا يستفاد ذلك أيضا من أدلّة الضمانات.

فالمرجع حينئذ في كيفيّة الضمان هو العرف، و من المعلوم أنّهم يحكمون بضمان المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ، لأنّ ذلك أقرب إلى التالف، و صدق الجبران و تدارك الفائت عليه أولى من غيره، كمطلق الماليّة، فالضمان من أوّل الأمر يتعلّق ببدل التالف مثليّا أو قيميّا، لا بنفس العين بوجودها الاعتباريّ، فإنّه و إن كان ممكنا ثبوتا، لكنّه لا دليل عليه إثباتا.

ثمّ إنّ الظاهر- كما أشير إليه- عدم تعبّد في نفس الضمان و لا في كيفيّته، بل كلاهما من الأحكام العقلائيّة، فما اشتهر بين الأصحاب من ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة ممّا يساعده الارتكاز العقلائيّ، فالضمان عندهم عبارة عن عهدة الخسارة للمال بالتلف. و لا ينافي هذا الارتكاز شي ء من أدلّة الضمان، فالضمان المأخوذ في أدلّته ليس إلّا عهدة الخسارة في صورة التلف، و جبران الخسارة بمقتضى الارتكاز العقلائيّ إنّما هو بالمثل في المثليّ، و بالقيمة في القيميّ.

إذا عرفت هاتين المقدّمتين فاعلم: أنّ مقتضى العلم الإجمالي باشتغال ذمّة الضامن بإحدى الخصوصيّتين اللّتين هما بدل التالف- لحكم العقل بأنّ الضمان هو تدارك خسارة التالف ببدله الأقرب إليه، و هو المثل أو القيمة- هو الاحتياط بدفع المثل و القيمة إلى المضمون له، غاية الأمر أنّه يجب على المالك أخذ أحدهما، للإجماع على عدم الاحتياط في الماليّات، و لقاعدة الضرر. و لو لم يرض بأحدهما فالظاهر تعيّن القرعة بناء على جريانها في الشبهات الحكمية، و إلّا فالصلح القهري.

ص: 331

و لكن يمكن أن يقال (1): إنّ القاعدة المستفادة

______________________________

(1) هذا إشارة إلى دليل آخر على أصل الحكم بضمان المثليّ بالمثل- كما سيأتي تصريحه به في المتن بقوله: نعم الانصاف عدم وفاء الآية كالدليل السابق عليه بالقول المشهور- و الظاهر أنّ غرضه قدّس سرّه من التعرّض له هنا- بعد الفراغ عمّا يقتضيه الأصل العمليّ في الشك في كون التالف مثليّا و قيميّا- هو: استفادة حكم المسألة من الدليل الاجتهاديّ أعني به إطلاق أخبار الضمان مقاميّا، في قبال ما تقدّم من استفادته من الأصل العمليّ المقتضي لتخيير الضامن شرعا، أو تخيير المالك كذلك، أو التخيير عقلا.

______________________________

و لا تجري أصالة البراءة في إحدى الخصوصيّتين- و هي المثليّة- ليكون نتيجته تخيير الضامن، و ذلك لكون المقام من المتباينين كما مرّ سابقا، لا من الأقل و الأكثر.

كما لا تجري أصالة التعيينيّة القاضية بتعيّن المثل، لأنّ موردها العلم بوجوب شي ء تعيينا أو تخييرا، كوجوب تقليد المجتهد الأعلم المردّد بين كونه بنحو التعيينيّة و التخييريّة. و هذا أجنبيّ عن مطلوبيّة كلّ واحدة من الخصوصيّتين كالمثليّة و القيميّة، فإنّ الضمان تعلّق بالخصوصيّة المثليّة أو القيميّة.

كما لا وجه لتخيير المالك، ببيان: أنّ ما يختاره المالك إمّا هو البدل الواقعيّ الذي اشتغلت به ذمّة الضامن، فيكون مسقطا قهريّا، و إمّا هو بدل البدل، لرضاء المالك بغير الجنس في مرحلة الوفاء، فيكون مسقطا أيضا. فمختار المالك مسقط للذمّة قطعا دون غيره، لأنّه مشكوك المسقطيّة، و الأصل عدم سقوطه إلّا بما يختاره المالك.

إذ فيه: أنّ الكلام في إجراء الأصل بالإضافة إلى ما اشتغلت به ذمّة الضامن من المثل بالخصوص أو القيمة كذلك، لا بالنسبة إلى ما يرضى به المالك بدلا عن ماله التالف، لأنّه قد يكون القيمة في المثليّ و المثل في القيميّ، و قد يكون شيئا آخر ممّا لا ينضبط. و من المعلوم أنّ دفعهما معا مستلزم للعلم بأداء ما في الذمّة، سواء رضي المالك بأحدهما بالخصوص أم لا. فالقطع ببراءة الذمّة لا يتوقّف على دفع ما يختاره المالك، و نسبة الأصل إلى كليهما على حدّ سواء.

ص: 332

من إطلاقات الضمان (1)

______________________________

و توضيح ما أفاده: أنّ مادّة «الضمان و الغرامة» و ما بمعناهما قد وردت في كثير من النصوص المتكفلة لحكم المغصوب، و الأمانات التي فرّط أصحابها فيها كالعين المستأجرة و اللّقطة و العارية و الوديعة، و كان السائل يستفهم عن وظيفته الفعليّة المبتلى بها، و لم يستفصل منه الامام عليه السّلام عن أنّ المضمون مثليّ أو قيميّ، و إنّما حكم عليه السّلام بالضمان أو بما يؤدّيه، كما يستفاد أيضا من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» ممّا ظاهره استقرار المأخوذ على عهدة الآخذ إلى أن يردّه إلى المأخوذ منه.

و من المعلوم أنّ إهمال خصوصيّة المضمون- مع تفاوت الأموال في مالها مثل و ما ليس لها مثل- لا بدّ أن يكون لأجل إيكال الأمر إلى ما هو المتعارف بين العقلاء في ما يضمنون به، و عدم إبداع طريقة أخرى في مقام تفريغ الذمّة.

هذا من جهة. و من جهة أخرى نرى استقرار سيرتهم على أنّ من وضع يده على شي ء مملوك للغير لزمه ردّه إليه، و إن تلف لزمه ردّ أقرب شي ء إليه، و مع تعذّره يؤدّي قيمة التالف.

و لا ريب في أنّ الأقرب إلى التالف هو مماثلة في جميع الجهات المعتبرة في الماليّة و الأوصاف الدخيلة في رغبة العقلاء فيه، سواء أ كان متّحدا مع المثليّ الذي اصطلح عليه الفقهاء قدّس سرّهم، أم لم يكن كذلك. فالحيوان مطلقا ليس مثليّا بنظر الفقهاء، و لكن لا يبعد ضمانه عرفا بما يماثل التالف من جميع الجهات، و لو تعذّر فبقيمته.

و عليه فهذا الدليل يقتضي الضمان أوّلا بمثل التالف، ثم بقيمته، و معه لا مجال للتخيير أصلا.

(1) حاصله: أنّ المستفاد من بناء العرف الممضى شرعا- بمقتضى الإطلاقات المقاميّة الثابتة لأدلّة الضمان المتفرّقة في أبواب الفقه- هو: أن الضمان في جميع موارده يكون بالمثل، ثمّ بالقيمة، و معرفة المثل موكولة إلى العرف، و لا تتوقّف على الإجماع على كون الشي ء مثليّا أو قيميّا.

ص: 333

في المغصوبات (1) و الأمانات المفرّط فيها (2)

______________________________

نعم لو شكّ العرف فالمرجع الأصل المتقدّم.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاقات هو الترتيب، بمعنى أنّ اللازم أوّلا هو المثل، و بعد إعوازه قيمة التالف. بخلاف مقتضى الأصل، فإنّه التخيير، لا الترتيب. و يدلّ على هذا الترتيب ما سيأتي من قوله: «و قد استدلّ في المبسوط .. إلخ» على التقريب الآتي.

(1) كالنبوي: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» «1» بناء على اختصاص الأخذ بالقهر كما قيل، فيختصّ الحديث بباب الغصب. و كمرسلة حمّاد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السّلام: «لأنّ الغصب كلّه مردود» «2» بناء على عدم اختصاصه بحال بقاء العين المغصوبة، و شموله لردّها ببدلها.

(2) فمنها: ما ورد في ضمان الأجير، كمعتبرة زرارة و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: في رجل كان له غلام، فاستأجره منه صانع أو غيره.

قال: إن كان ضيّع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون» «3» حيث دلّ على ضمان مولى الأجير الذي ضيّع مال المستأجر، مع أنّ الأجير أمين. و لم يفصّل عليه السّلام في أنّ المضمون مثليّ أو قيميّ، و إطلاق الضمان منزّل على المتعارف.

و منها: ما ورد في ضمان الدابّة، كمعتبرة عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره، فنفقت، ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسمّ فليس عليه شي ء» «4» حيث إنّ الدابّة أمانة بيد المستأجر فرّط فيها بمخالفته للشرط، فضمنها، و لم يذكر عليه السّلام أنّ

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 1، ص 224، الحديث 106

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 309، الباب 1 من أبواب الغصب، الحديث 3

(3) وسائل الشيعة، ج 13، ص 251، الباب 11 من أبواب الإجارة، الحديث 2

(4) المصدر، ص 256، الباب 16 من أبواب الإجارة، الحديث 1، و نحوه الحديث 2 و 3 و 4 و 6، من الباب 17، ص 257 و 258

ص: 334

..........

______________________________

ضمانها بالمثل أو بالقيمة.

و منها: ما ورد في ضمان الصنّاع، كمعتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سئل عن القصّار يفسد، فقال: كلّ أجير يعطى الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن» «1». و لم يبيّن عليه السّلام المضمون به، مع أنّ ما يعطى الأجير لإصلاحه قد يكون مثليّا و قد يكون قيميّا.

و منها: ما ورد في ضمان الوصيّ المفرّط في المال الموصى به، كمعتبرة محمّد بن مسلم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم، فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن .. إلى أن قال: و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس عليه ضمان» «2».

و لا تبعد دعوى قوّة الإطلاق في هذه الرواية، لأعمّيّة المال الزكويّ و الموصى به ممّا هو مثليّ في مصطلح الفقهاء، و قيميّ عندهم، فيحمل الضمان على المتعارف عند العقلاء.

و منها: ما ورد في ضمان الملتقط، كخبر الحسين بن يزيد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الضالّة يجدها الرّجل فينوي أن يأخذ لها جعلا، فتنفق، قال: هو ضامن. فإن لم ينو أن يأخذ لها جعلا و نفقت فلا ضمان عليه» «3».

و منها: ما ورد في ضمان الودعيّ مع التفريط، كخبر محمّد بن الحسن، قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 271، الباب 29 من أبواب الإجارة، الحديث 1، و بمضمونه أكثر أخبار الباب، و هي أزيد من عشرين حديثا.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 417، الباب 46 من أبواب الوصايا، الحديث 1، و نحوه سائر أحاديث هذا الباب و الباب 37

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 369، الباب 19 من أبواب اللقطة، الحديث 1

ص: 335

و غير ذلك (1) هو (2) الضمان بالمثل، لأنّه (3) أقرب إلى التالف من حيث الماليّة و الصفات، ثمّ بعده (4) قيمة التالف من النقدين و شبههما (5)، لأنّهما أقرب من

______________________________

«كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: رجل دفع إلى رجل وديعة، و أمره أن يضعها في منزله [أو لم يأمره] فوضعها في منزل جاره، فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه؟ فوقّع عليه السّلام: هو ضامن لها إن شاء اللّه» «1».

و منها: غير ذلك من النصوص المتفرقة في أبواب الرهن و غيرها التي ورد فيها كلمة «الضمان» و لم يعيّن المضمون به. و لو كان ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة كان إهمال هذه الجهة- مع كون السائل في مقام استعلام وظيفته الفعليّة- تأخيرا للبيان عن وقت الحاجة بلا مصلحة واضحة فيه.

(1) أي: غير المغصوب و غير الأمانة المفرّط فيها، و مثال هذا الغير هو عارية الذهب و الفضة أو العارية المشروط فيها الضمان، فإنّ المستعير ضامن إن لم يكن مفرّطا، كما ورد في صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا تضمن العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان، إلّا الدنانير، فإنّها مضمونة و إن لم يشرط فيها ضمانا» «2». و التقريب كما تقدّم آنفا.

(2) خبر قوله: «ان القاعدة المستفادة».

(3) يعني: لأنّ المثل العرفيّ أقرب إلى التالف من قيمته. و وجه الأقربيّة واضح.

(4) أي: بعد الضمان بالمثل، و المراد بالبعديّة هو الرّتبيّة، أي: تأخّر جواز دفع القيمة عن تعذّر المماثل العرفيّ.

(5) مما يجعل ثمنا في المعاملات بمنزلة النقدين كالفلوس الرائجة المصوغة من غير النقدين- كالنحاس و الرصاص و القرطاس و غيرها- ممّا يعامل معها في الأسواق معاملة النقدين.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 229، الباب 5 من أبواب الوديعة، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 239، الباب 3 من أبواب العارية، الحديث 1

ص: 336

حيث المالية (1)، لأنّ ما عداهما يلاحظ مساواته للتالف بعد إرجاعه إليهما.

و لأجل الاتّكال على هذا الظهور (2) لا تكاد تظفر على مورد واحد من هذه الموارد (3)- على كثرتها- قد نصّ الشارع فيه على ذكر المضمون به، بل كلّها- إلّا ما شذّ و ندر (4)-

______________________________

(1) لأنّهما متمحّضان في الماليّة، و لذا يقدّر بهما ماليّة الأموال.

(2) أي: الضمان بالمثل ثم بالقيمة.

(3) يعني: الموارد التي حكم الشارع فيها بالضمان كالغصب و الأمانات المفرّط فيها.

(4) يعني: أنّ الشارع قد نصّ في موارد نادرة على المضمون به، و أنّه قيمة التالف، كما ورد في عدّة نصوص:

منها: صحيحة أبي ولّاد الحنّاط التي تقدّم مفادها (في ص 234) و سيأتي متنها في كلام المصنّف (في ص 482)، و المقصود منها قول أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق «صلوات اللّه و سلامه عليها»: «قيمة بغل يوم خالفته» «1» فالمضمون به هو خصوص الماليّة، و ليس الضمان مطلقا حتى يحمل على المفهوم منه عرفا، و هو المماثل في الصفات زيادة على المماثلة في الماليّة.

و منها، ما تقدّم في أخبار «2» بيع الجارية المسروقة من ضمان قيمة الولد و اللّبن و الخدمة، فراجع (ص 49 و 50).

و لا يخفى أنّ اعتبار القيمة في هذا المورد ليس تخصيصا في الحكم بالضمان بالمثل إن وجد و إلّا فبالقيمة. و ذلك لأنّ مورد الحكم بضمان المثل هو ما له مثل عرفا، فلو لم يكن له مثل كذلك كان ضمانه بالقيمة موافقا لبناء العقلاء. فإنّ الولد ممّا لا يوجد له مماثل حتى يضمن به، مع انعقاده حرّا. و كذلك لا يبعد أن يكون ضمان البغل بقيمته لأجل عدم المماثل له في جميع الصفات الدخيلة في ماليّته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 255، الباب 17 من أبواب الإجارة، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و غيره.

ص: 337

قد أطلق (1) فيها الضمان.

فلو لا الاعتماد (2) على ما هو المتعارف لم يحسن من الشارع إهماله في موارد البيان.

______________________________

و منها: ما ورد في خبر السكونيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنّها و بيضها، و فيها سكّين، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يقوّم ما فيها، ثم يؤكل، لأنّه يفسد، و ليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن» «1». و ظاهر الجملة الأخيرة- بل صريحها- ضمان السّفرة بقيمتها، و لعلّه لأجل ندرة المماثل في غالب الصفات.

و منها: ما ورد في ضمان المرتهن إذا فرّط في العين المرهونة من قوله عليه السّلام: «إنّه إن استهلكه ترادّ الفضل بينهما» «2» بناء على أنّ الدّين غالبا يكون في النقدين، و الرّهن من الأعيان، فحكم عليه السّلام بترادّ الفضل، فإن كان الدّين أزيد قيمة من الرّهن وجب على الراهن ردّ الزائد إلى المرتهن. و إن كان الدين أقلّ ماليّة من الرهن وجب على المرتهن ردّ الفضل إلى الراهن.

و منها: غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع في أخبار أهل بيت العصمة صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، و سيأتي نقل جملة منها في الأمر السابع، فلاحظ (ص 456 و 457).

(1) خبر «كلها».

(2) هذا تقريب الإطلاق المقاميّ الدالّ على إمضاء البناء العرفيّ على ضمان التالف بما هو أقرب إليه أعني به المماثل عرفا، و بتعذّره فالقيمة.

هذا تمام الكلام في الوجوه المتصوّرة في ضمان التالف المشكوك كونه مثليّا و قيميّا، و مقتضى الإطلاق المقاميّ هو الضمان بما يشابه التالف و يماثله عرفا، ثم بقيمته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 372، الباب 23 من أبواب اللقطة، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، الباب 7 من أبواب الرهن، الحديث 1 و غيره.

ص: 338

و قد استدلّ (1) في المبسوط و الخلاف على ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة بقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ «1» بتقريب: أنّ مماثل ما اعتدى هو المثل في المثليّ و القيمة في غيره (2).

______________________________

(1) هذا وجه ثالث استدلّ به للقول المشهور، و هو ضمان التالف المثليّ بالمثل، و كان الوجه الأوّل الإجماع المحكيّ، و الثاني الإطلاق المقاميّ، و قد عرفت أنّ مفاد هذه الوجوه مختلف من حيث إفادة الترتيب بين المثل و القيمة و عدمه.

(2) ما نسبه المصنف إلى شيخ الطائفة قدّس سرّهما من استدلاله بالآية الشريفة على ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة- قد صرّح به في موضعين من غصب الخلاف، و لم أظفر به في غصب المبسوط بعد ملاحظته بتمامه، و إنّما استدلّ فيه بالآية الشريفة على ضمان المثليّ بمثله، لا على ضمان القيميّ بالقيمة.

قال في الخلاف: «المنافع تضمن بالغصب كالأعيان، مثل منافع الدار و الدابّة و العبيد و الثياب، و به قال الشافعيّ. و قال أبو حنيفة: لا تضمن المنافع بالغصب بحال .. دليلنا، قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ. و المثل مثلان، مثل من حيث الصورة، و مثل من حيث القيمة. فلمّا لم يكن للمنافع مثل من حيث الصورة وجب أن يلزمه من حيث القيمة. و على المسألة إجماع الفرقة. و أخبارهم تدلّ عليها» «2».

و هذه العبارة صريحة في أنّه قدّس سرّه استظهر من الآية الشريفة ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة، لكون القيمة مثلا للتالف من حيث ماليّته. و هذا المقدار من المماثلة كاف في استفادة ضمان القيميّ بقيمته من الآية المباركة. و نحوه كلامه في ضمان العقار بقيمته، فلاحظ (مسألة 18) من الغصب.

و قال في غصب المبسوط- بعد تقسيم الأموال إلى حيوان و غير حيوان،

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 194

(2) الخلاف، ج 3، ص 402، المسألة: 11، و ص 406، المسألة: 18، و نحوه كلام ابن إدريس، فراجع السرائر، ج 2، ص 485

ص: 339

و اختصاص (1) الحكم بالتلف عدوانا لا يقدح بعد عدم القول بالفصل.

و ربما يناقش في الآية: بأنّ مدلولها اعتبار المماثلة في مقدار الاعتداء (2)

______________________________

و غير الحيوان إلى ما له مثل، و ما لا مثل له- ما لفظه: «فإذا غصب غاصب من هذا شيئا، فإن كان قائما ردّه. و إن كان تالفا فعليه مثله، لقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ .. إلخ». و نقلناه في (ص 26) فراجع. و هذه العبارة ظاهرة في دلالة الآية الشريفة على ضمان المثليّ بالمثل، و ليس في كلامه قدّس سرّه دلالتها على حكم القيميّ أصلا، فلاحظ.

و بما نقلناه عن شيخ الطائفة قدّس سرّه ظهر أنّ ما أفاده الفقيهان الشيخ المامقاني و سيدنا الأستاذ قدّس سرّهما- من اقتصار عبارة المبسوط على دلالة الآية الشريفة على حكم المثليّ دون القيميّ «1»- و إن كان متينا، إلّا أنّ المصنّف قدّس سرّه عزاه إلى الخلاف أيضا. و قد عرفت صراحة كلامه فيه في استفادة حكم القيميّ أيضا من الآية الشريفة.

كما ظهرت المسامحة في تعبير الماتن- من نسبة الاستدلال بالآية على كلّ من المثليّ و القيميّ- إلى المبسوط و الخلاف معا.

(1) نوقش في الاستدلال بالآية الشريفة- على ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بمثله- بوجهين، الأوّل: أن الآية الشريفة أجنبيّة عن المدّعي- الذي هو ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة في البيع الفاسد- لاختصاص الآية بالتلف العدواني، و من المعلوم أنّ محلّ الكلام هو تلف المقبوض بالعقد الفاسد، لا إتلافه، و ليس فيه اعتداء خصوصا مع الجهل بالفساد.

و أجاب عنه المصنّف قدّس سرّه، بأنّ الآية و إن اختصّت بمورد الاعتداء، إلّا أنّه يلحق به المقبوض بالبيع الفاسد بعدم القول بالفصل بين باب الغصب و ما نحن فيه.

و عليه فلا بأس بدلالة الآية على ضمان المثليّ بمثله.

(2) هذا هو الوجه الثاني من المناقشة، و المناقش هو السيّد العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه حيث قال في إنكار تعلّق الحكم بعنوان المثلي ما لفظه: «و فيه نظر، لاحتمال كون

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 303؛ نهج الفقاهة، ص 142

ص: 340

..........

______________________________

المراد بالمثل فيه مثل أصل الاعتداء، لا مثل المعتدى فيه الذي هو ما نحن فيه، فتأمّل» «1».

و توضيحه: أنّ المماثلة بين الاعتدائين ليست بحسب الذات، لأنّها من ضروريّات كونهما اعتداء. فالمماثلة إنّما تكون بينهما بحسب المعتدى به، و هو مدخول الباء في قولنا: «اعتدى عليه» بضربة أو بإتلاف ماله أو قطع يده أو غير ذلك.

و جهة المماثلة بالمعتدى به تارة تكون بلحاظ ذاتيهما، كما إذا اعتدى عليه بالضرب، فيعتدي عليه بالضرب.

و اخرى تكون بلحاظ الكمّ، كأن يضربه مرّة، فيشتمه مرّة.

و ثالثة بلحاظ الأثر الخاصّ المترتّب عليه، كأن يضربه ضربا مؤديا إلى بكائه، فيجازيه بالشتم مثلا المؤدّي إلى بكائه.

و رابعة بلحاظ الماليّة، كأن يتلف من أمتعة زيد ما يساوي درهما، فيأخذ زيد درهما من أمواله.

ثم إنّ كلمة «ما» في الآية الشريفة إمّا مصدريّة، فيكون المعنى «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ اعتدائه». و إمّا موصولة، فيكون المعنى «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ الذي اعْتَدىٰ به عَلَيْكُمْ» و المتحصّل من المعنيين واحد، إذ الجهات الملحوظة في المماثلة بين الاعتدائين ترجع إلى الجهات الملحوظة بين الأمرين المعتدى بهما.

و مرجع مناقشة الرّياض إلى أنّ الظاهر المماثلة في مقدار الاعتداء، يعني: في جنسه، فإن كان الاعتداء بالضرب كان جزاؤه به، فكأنّه قال: «من اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ اعتداء بِمِثْلِ اعتدائه عَلَيْكُمْ» فإن ضربكم فاضربوه، و إن شتمكم فاشتموه، هذا بناء على المصدريّة. أو: «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بشي ء هو مثل الظلم الذي وقع عَلَيْكُمْ، فان شتمكم فاشتموه» و هذا بناء على كون «ما» موصولة. و المعنى على التقديرين واحد، و هو المماثلة في نوع الظلم كالشتم و الضرب.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 303، السطر 32

ص: 341

لا المعتدى به (1). و فيه نظر (2).

______________________________

(1) يعني: لا مقدار المعتدى به، كما إذا ضربه مرّتين، فلا تدلّ الآية على ضربه مرّتين.

(2) وجهه- على ما حكي عنه في الحاشية- أنّ ظاهر الآية اعتبار المماثلة في الاعتداء و المعتدى به [1].

______________________________

[1] فيه: أنّ المماثلة في مقدار الاعتداء لا تنفكّ عن المماثلة في مقدار المعتدى به، فتأمّل.

و الانصاف أنّ الآية لا تخلو عن الدلالة على الضمان و إن وردت في الحرب، لكن لا قصور في دلالتها على الضمان، فإنّ إطلاق جواز الاعتداء بالمثل يشمل المورد و هو الحرب، غاية الأمر أنّ المراد بالمماثلة هنا المماثلة في نفس الاعتداء في الزمان، يعني: إذا حاربكم المشركون في أشهر الحرام، فيجوز لكم أن تحاربوهم في أشهر الحرام أيضا.

و إن لم يلزم المماثلة في نفس الحرب، كما إذا قتلوا من المسلمين عددا خاصّا أو رمى أحدهم سهما في عين مسلم أو قطع رجله، فلا يجب أن يكون الجزاء مثله، فإنّ اعتبار هذه المماثلة منفيّ بدليل خارجيّ.

فالمماثلة في الآية المباركة بمعونة الدليل الخارجيّ متمحّضة في الحرب في الشهر الحرام، لا في كيفية الحرب. و هذا التقييد لانفصاله لا ينافي إطلاق اعتبار المثليّة في سائر الموارد.

و لذا قال في مجمع البيان: «و في هذه الآية دلالة على أنّ من غصب شيئا و أتلفه يلزمه ردّ مثله. ثمّ إنّ المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الأمثال، و من طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له» «1».

فما قيل من: أنّ الآية أجنبيّة عن الضمان بتقريب «أنّ ظاهرها أنّ الكفّار إن اعتدوا عليكم فاعتدوا عليهم، كما أنّهم اعتدوا عليكم، فإذا لم يكن المثل في موردها كذلك

______________________________

(1) مجمع البيان، ج 1، ص 288

ص: 342

______________________________

- أي: لا يراد بالمثل في مورد ورود الآية المماثلة في مقدار الاعتداء- لا يمكن استفادة ضمان المثل في غير موردها بإطلاقها. و المثليّة في أصل الاعتداء لا تجدي في إثبات المطلوب. بل القرينة المذكورة أي عدم تقدير المقابلة بالمثل و جواز التجاوز عنه في المورد قائمة على عدم دخول الماليّات فيها، فهي إمّا مختصّة بالحرب، أو شاملة لما هو نظيره كمدافعة اللّص و المهاجم» «1».

يقال عليه: بأن تقييد مورد الآية بدليل خارجيّ لا يقدح في إطلاق المثل و ليس هذا من قبيل خروج المورد المستهجن، لكفاية المماثلة بين نفس الاعتدائين في شمول الدليل للمورد.

و كذا لا يرد ما أورده المصنّف قدّس سرّه على الاستدلال بالآية الشريفة من: أنّ المماثلة العرفيّة قد تتحقّق في القيميّات عند المشهور كالكرباس، فإنّه عندهم من القيميّات مع حكم العرف بكونه من المثليّات، فلا تنطبق الآية على مدعى المشهور، فلا يصحّ الاستدلال بها عليه.

وجه عدم الورود: أنّ المدّعى هو ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة، و الآية وافية بذلك، و الاختلاف في مفهوم المثليّ و القيميّ يرجع إلى النزاع في الصغرى. و هذا أجنبي عن أصل الكبرى و هي ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة.

و بالجملة: النزاع الصغرويّ لا يقدح في تسلم الكبرى.

و عليه فالاستدلال بالآية تامّ. و إجماعهم على مثليّة شي ء أو قيميّته إن كان تعبديّا فهو يخصّص أو يقيّد الآية. و المتحصّل بعد التقييد: أنّ المماثل العرفي للتالف مضمون على الضامن، إلّا إذا قام الإجماع على أنّه لا بدّ في ضمانه بالمماثل من كون غالب الأفراد مماثلا للتالف، لا فرد نادر كما في القيميّات، فإنّ أكثر أفراد القيميّ ليست مماثلة في الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات، بخلاف المثليّ كما تقدّم سابقا.

و إن لم يكن تعبّديا، بل ذهابهم إلى المثليّة أو القيميّة إنّما هو لكونهم من العرف، فلا حجيّة فيه في مقابل العرف العام.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 1، ص 326

ص: 343

نعم (1) الانصاف عدم وفاء الآية- كالدليل السابق عليه (2)- بالقول (3) المشهور، لأنّ (4) مقتضاهما وجوب المماثلة العرفيّة في الحقيقة و المالية.

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده من اقتضاء الآية الشريفة و بناء العقلاء الضمان بالمثل. و غرضه قدّس سرّه المناقشة في الدليلين المتقدّمين بعدم وفائهما بالقول المشهور، لكون النسبة بين الدليل و الدعوى عموما من وجه، و هو غير مفيد.

و محصّل المناقشة: أنّ المراد بالمثل- في الآية و الإطلاق المقاميّ- هو ما يعدّ عرفا مثلا للتالف في أمرين، أحدهما في الحقيقة النوعيّة، و ثانيهما في الماليّة. و من المعلوم أنّ الآية و العرف يقتضيان الضمان بالمثل- بهذا المعنى- حتى في القيميّات، لإمكان مساواة أفراد بعض القيميّات في الماليّة فضلا عن المساواة في الحقيقة. مع أنّ المشهور حكموا بضمان القيميّ بقيمته سواء وجد مثله أم لم يوجد، و سواء أ كانت قيمة المثل- على فرض وجوده- مساوية لقيمة المتلف أم أزيد أم أقلّ، هذا.

و استشهد المصنف قدّس سرّه بكلماتهم في مسألتين لإثبات عدم مطابقة الدليل مع المدّعى.

________________________________________

الأولى: ما إذا أتلف شخص ذراعا من كرباس، و أمكنه تحصيل مماثله عرفا، فإنّ الآية و العرف يقتضيان وجوب أداء ذراع من الكرباس إلى المالك، مع أنّ المشهور على كون الأقمشة و الثياب قيميّات، و أنّ الواجب دفع قيمة ذلك الذراع المتلف لا مماثلة في الصفات و الماليّة.

الثانية: الجناية على عبد مملوك للغير، و سيأتي بيانه.

(2) و هو الإطلاق المقاميّ المقتضي للضمان بالمماثل العرفيّ، لا المثل في مصطلح الفقهاء.

(3) متعلّق ب «وفاء» و قد عرفت وجه عدم الوفاء بالقول المشهور، المبنيّ على ضمان المثليّ بالمثل الذي عرّفوه بما تساوت أفراده قيمة.

(4) تعليل لعدم الوفاء، حيث إنّ المدّعى أمر، و مدلول الدليلين أمر آخر.

ص: 344

و هذا (1) يقتضي اعتبار المثل حتّى في القيميّات، سواء وجد المثل فيها أم لا (2).

أمّا مع وجود المثل كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا متساوية من جميع الجهات، فإنّ مقتضى العرف و الآية إلزام الضامن بتحصيل ذراع آخر (3) من ذلك و لو بأضعاف قيمته، و دفعه إلى مالك الذراع المتلف، مع أنّ القائل بقيميّة الثوب لا يقول به (4).

و كذا (5) لو أتلف عليه عبدا، و له في ذمة المالك- بسبب القرض أو السّلم- عبد موصوف بصفات التالف، فإنّهم لا يحكمون بالتهاتر القهريّ،

______________________________

(1) أي: وجوب المماثلة يقتضي .. إلخ.

(2) المقصود من ضمان التالف بمماثله عرفا- حتى مع فقد المثل- هو انتقال ضمان المثل إلى ضمان قيمته لا قيمة التالف، لإمكان اختلاف القيمتين، بأن تزيد قيمة المثل المتعذر عن قيمة التالف، و سيأتي في المتن توجيهه.

(3) لأنّ هذا الذراع الآخر مماثل للذراع التالف، و المفروض دلالة الآية الشريفة و الإطلاق المقاميّ على أنّ المضمون به هو المثل لا القيمة، فعلى الضامن تحصيل ذراع آخر و لو كانت قيمته أضعاف قيمة الذراع المتلف. مع أنّ المشهور القائلين بقيميّة الأقمشة و الثياب يقولون بكفاية أداء قيمة ما أتلفه، و عدم اشتغال العهدة بمثل المتلف.

(4) يعني: فلا ينطبق مفاد الآية الشريفة على ما يدّعيه المشهور من ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة، بل تدلّ على ضمان التالف بما يكون مماثلا له عرفا، و إن كان عند المشهور من القيميّات.

(5) يعني: و كذا نظير الكرباس كون التالف عبدا، فإنّهم حكموا فيه بضمان قيمته و إن كان له مماثل، و لذا لم يحكموا بالتهاتر القهريّ فيما إذا أتلف عبدا موصوفا بصفات العبد الذي يكون للضامن على المالك. فلو كان العبد مثليّا عند المشهور كان عليهم الحكم بالتهاتر، لكونهما من المثليّ.

ص: 345

كما يشهد به (1) ملاحظة كلماتهم في بيع عبد من عبدين.

______________________________

كما إذا كان لزيد عبد روميّ أبيض اللون كاتب، فاقترضه عمرو منه، و حصل لعمرو عبد بهذه الأوصاف، فأتلفه زيد. فإن كان العبد مثليّا لزم القول بالتهاتر القهريّ. لكنّهم قالوا باشتغال ذمّة عمرو بقيمة ما اقترضه من زيد، و باشتغال ذمّة زيد بقيمة ما أتلفه من عمرو. و من المعلوم أنّ اشتغال الذمّتين بالقيمة دليل على أنّ العبد عندهم معدود من القيميّات حتى مع وجود المماثل العرفيّ.

و كذا الكلام إذا باع زيد من عمرو- سلما- عبدا موصوفا بصفات معيّنة، ثمّ أتلف عمرو عبدا موصوفا بتلك الصفات من زيد، فبناء على الأخذ بظاهر الآية الشريفة و ببناء العقلاء لا بدّ من القول بالتهاتر القهريّ، و فراغ كلتا الذمّتين عمّا اشتغلتا به، لكنّهم حكموا بوجوب أداء العبد المبيع سلما إلى المشتري عند الأجل، و وجوب أداء قيمة العبد المتلف إلى المالك. و من المعلوم أنّ هذه الفتوى تكشف عن عدم الأخذ بالآية و الإطلاق المقاميّ، فكيف يستدلّ بهما على القول المشهور من ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة؟

(1) أي: كما يشهد بعدم حكمهم بالتهاتر ملاحظة كلماتهم .. إلخ. قال المحقّق قدّس سرّه:

«إذا اشترى عبدا في الذمّة، و دفع البائع إليه عبدين، و قال: اختر أحدهما، فأبق واحد. قيل: يكون التالف بينهما، و يرجع بنصف الثمن، فإن وجده اختاره، و إلّا كان الموجود لهما، و هو بناء على انحصار حقّه فيهما. و لو قيل: التالف مضمون بقيمته، و له المطالبة بالعبد الثابت في الذمّة كان حسنا. و أمّا لو اشترى عبدا من عبدين لم يصحّ العقد، و فيه قول موهوم» «1».

توضيحه: أنّ مسألة بيع عبد من عبدين يبحث عنها تارة في فروع شرطيّة العلم بالمبيع، فيقال: كما يصحّ ابتياع الجزء المشاع من الكلّيّ كنصف الدار، كذلك يصحّ ابتياع الكلّيّ في المعيّن بشرط تساوي الأجزاء كقفيز من كرّ. فلو لم تتساو الأفراد

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 60

ص: 346

..........

______________________________

الكلّيّ لم يصحّ البيع. و مثّل له المحقّق قدّس سرّه بذراع من الثوب، و جريب من الأرض، و عبد من عبدين، و شاة من قطيع «1».

و الوجه في البطلان تفاوت الأجزاء- أي الأفراد- في الصفات الدخيلة في ماليّتها، فلا يرتفع الغرر. خلافا للشيخ و ابن البرّاج و الشهيد، حيث ذهبوا إلى صحّة بيع عبد من عبدين عملا برواية محمّد بن مسلم المخالفة للأصول الشرعيّة كما في المسالك «2».

و اخرى: في بيع الكلّيّ في الذمّة- لا الجزء المشاع و لا الكلّيّ في المعيّن- بأن اشترى زيد من عمرو عبدا موصوفا بصفات معيّنة تخرجه عن الجهالة، فدفع البائع عبدين إلى المشتري، و قال له: اختر أحدهما. فتسلّمهما المشتري و أبق أحدهما قبل أن يختار. هذا صورة المسألة. و لا ريب في صحّة البيع لاجتماع شرائطها فيه.

إنّما الكلام في أنّ العبد الآبق هل يتلف على كلا المتبايعين و يرجع المشتري على البائع بنصف الثمن. و لو لم يظفر بالآبق كان العبد الموجود ملكا لهما، لانحصار حقّ المشتري في العبدين؟ أم يكون الآبق مضمونا على المشتري خاصّة بقيمته- سواء زادت على قيمة العبد الموجود أم نقصت منها أم ساوتها- و له مطالبة عبد من البائع، لأنّ المبيع عبد كلّيّ ثابت في ذمته إلى أن يتسلّمه المشتري. فيه قولان.

و على كليهما يتّجه ما نسبه المصنّف قدّس سرّه إلى الأصحاب من عدم الحكم بالتهاتر.

أمّا بناء على الأوّل فلأنّ العبد الآبق تلف من كليهما، فيضمن كلّ منهما نصف قيمته.

و يرجع المشتري بنصف الثمن الذي بذله للمبيع الكلّيّ. و لو كان العبدان مثليّين و تساوت قيمتهما لم يكن وجه لرجوع المشتري على البائع بنصف الثمن، و لم يجب عليه أداء نصف قيمة الآبق إلى البائع، بل حصل التهاتر القهريّ، و سقط ما في ذمّة

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 18

(2) مسالك الأفهام، ج 3، ص 396

ص: 347

نعم (1)

______________________________

البائع- من نصف الثمن- بما في ذمّة المشتري من نصف قيمة الآبق.

و أمّا على القول الثاني الذي استحسنه المحقّق قدّس سرّه فعدم التهاتر أوضح، فإنّ الآبق مضمون بقيمته على المشتري، لكونه مقبوضا بالسّوم، فيجب دفع تمام قيمته إلى البائع. كما أنّ للمشتري مطالبة عبد منه وفاء لبيع عبد كلّىّ بثمن معيّن. و من المعلوم أنّ العبدين لو كانا مثليّين و ممّا تساوت قيمتهما لحصل التهاتر القهريّ، فلم يكن للمشتري مطالبة عبد من البائع، و لم تكن على عهدته قيمة الآبق. لكن لأجل عدم المماثلة لا يقال بالتهاتر، بل كلّ منهما بحسب قيمته.

و قد ظهر أنّ قول المصنّف قدّس سرّه: «كما يشهد به ملاحظة كلامهم» إشارة إلى ما نقلناه عن المحقّق في بيع عبد كلّيّ في الذمّة، فإنّه شاهد على عدم التزامهم بالتهاتر في القيميّات.

و أمّا بيع عبد من عبدين موجودين خارجا فهو شاهد على عدم المماثلة بين العبدين و نحوهما. و لكنّه أجنبيّ عن التهاتر، كما أوضحناه. فما في كلام بعض الأجلّة «1» من الاستشهاد بعبارتين من الخلاف و عبارة من الشرائع لا يخلو من بعد، فلاحظ.

(1) هذا استدراك على ما ذكره من عدم التزام المشهور بضمان المثل في القيميّات- الذي هو مقتضى الآية و العرف- و محصّله: أنّه يستفاد من ذهاب جماعة إلى جواز ردّ العين المقترضة في القيميّات ضمان القيميّ بالمثل، لأنّ العين المقترضة تكون مماثلة عرفا للقيمة المستقرة على عهدة المقترض، فجواز ردّ نفس العين- دون القيمة- مستند إلى آية الاعتداء الظاهرة في اعتبار المماثلة بين البدل و المبدل. و لو لم تكن الآية دالّة عليه لم يجز الاقتصار في أداء القرض على دفع العين، بل كان المتيقّن دفع القيمة من النقدين.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 305

ص: 348

ذهب جماعة (1) منهم الشهيدان (2) في الدروس و المسالك إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة.

لكن لعلّه (3) من جهة صدق أداء القرض [1] بأداء العين، لا من جهة

______________________________

(1) و منهم شيخ الطائفة و المحقّق الأردبيليّ، على ما حكاه عنهما السيّد الفقيه العامليّ قدّس سرّهم «1».

(2) قال الشهيد قدّس سرّه: «و يردّ البدل مثلا أو قيمة. و لو ردّ العين في المثل وجب القبول. و كذا في القيميّ على الأصحّ. و نقل فيه الشيخ الإجماع. و يحتمل وجوب قبولها إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرّدّ، و إن نقصت فلا» «2».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و أولى بالجواز لو ردّ العين، لأنّ الانتقال إلى القيمة إنّما وضع بدلا عن العين، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب إلى الحق ..» «3».

(3) أي: لعلّ ذهابهم إلى جواز ردّ العين المقترضة. و غرضه المناقشة في الاستدراك بأنّ مجرّد جواز ردّ العين القيميّة المقترضة لا يكشف عن التزامهم بضمان القيميّ بالمثل، و اشتغال ذمّة الضامن بالكلّيّ الجامع بين العين و بين فرد آخر مماثل لها

______________________________

[1] لا يصدق الأداء حقيقة إلّا على ما إذا كان ما يؤدّي به فردا لما في الذمّة لانطباقه قهرا عليه. فإذا كان ما في الذمّة هو القيمة لم يصدق أداؤه على دفع العين، و لا يعدّ دفعها أداء لما في الذمة.

نعم يصدق الأداء مجازا من باب الوفاء بغير الجنس مع تراضي الطرفين، و الوفاء بغيره معاوضة على ما في الذمّة، لا أداء حقيقيّ له.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 57

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 320

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 449

ص: 349

ضمان القيميّ بالمثل (1). و لذا (2) اتّفقوا على عدم وجوب قبول غيرها و إن كان مماثلا لها (3) من جميع الجهات.

______________________________

من جميع الجهات الماليّة. بل لا بدّ من إحراز استناد جواز ذلك إلى كون العين المقترضة عندهم كأمثالها فردا من الكلّيّ الّذي استقر على عهدة المقترض، و ذلك غير معلوم، إذ لعلّه من جهة صدق أداء القرض بأداء العين، لا من جهة كون العين فردا من كلّيّ المثل- بالمعنى الذي عرفته- حتى يدلّ على ذهابهم إلى ضمان القيميّ بالمثل كما يستفاد من الآية.

و عليه فالإشكال الذي أورده المصنّف على المشهور من التزامهم بضمان القيميّ بالقيمة- مع دلالة دليلهم على وجوب المماثل عرفا- باق بحاله.

(1) حتى تكون فتوى هؤلاء الجماعة عملا بآية الاعتداء و العرف من اشتغال الذمّة بالمثل حتى في القيميّات.

(2) أي: و لأجل كون جواز ردّ العين المقترضة من جهة صدق أداء القرض على ردّها- لا من جهة ضمان القيميّ بالمثل حتى يكون جواز ردّ العين من باب جواز ردّ المثل الكلّيّ و أدائه ببعض أفراده- اتّفقوا على أنّه لا يجب على المقرض قبول فرد آخر مماثل للعين من جميع الجهات. فلو كان ضمان المديون بفرد من أفراد الكلّيّ الذي تكون العين من مصاديقه وجب على الدائن قبول نفس العين أو فرد آخر مثلها. فعدم وجوب قبول غير العين- على المقرض- يكشف عن عدم اشتغال ذمّة المقترض بالمثل في اقتراض القيميّ. مع أنّك قد عرفت دلالة آية الاعتداء على استقرار المماثل العرفيّ على عهدة الضامن، و لا تصل النوبة إلى الضمان بالقيمة إلّا بتعذّر المثل، و هذا ممّا لا يقول به المشهور.

(3) هذا الضمير و ضمير «غيرها» راجعان إلى العين المقترضة المفروض كونها قيميّة.

ص: 350

و أمّا (1) مع عدم وجود المثل للقيميّ التالف فمقتضى الدليلين (2) عدم سقوط المثل من الذّمّة بالتعذّر، كما لو تعذّر المثل (3) في المثليّ، فيضمن (4) بقيمته يوم الدفع و لا يقولون (5) به.

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أمّا مع وجود المثل فيها» و غرضه بيان شقّ آخر من المنفصلة حتى يظهر عدم وفاء الآية و الإطلاق المقاميّ بقول المشهور، لكون النسبة بين الدليل و الدعوى عموما من وجه. فإن كان المثل العرفيّ موجودا كما في الكرباس و العبد افترق الدليل عن قول المشهور بأنّ مقتضى الدليلين الضمان بالمثل، و المفروض عدم التزامهم به، لأنّهم يضمّنون المتلف بقيمة المتلف.

و إن لم يكن المثل موجودا افترقا في مورد آخر، توضيحه: أنّ المشهور يقولون بضمان القيميّ التالف بقيمة يوم التلف، مع اقتضاء الدليلين بقاء ما يماثل ذلك القيميّ في الذمّة، و عدم سقوط ضمانه بالتعذّر، فلو أراد الضامن التخلّص ممّا في عهدته لزمه أداء قيمة يوم الدفع إلى المالك، كما هو الحال في المثليّ الذي يتعذّر مثله، فإنّه لا يسقط عن ذمّته إلّا بأداء قيمته يوم الأداء. مع أنّ المشهور حكموا في القيميّ بأنّ ما عليه هو قيمة يوم تلف المضمون، و لا يضمن زيادة قيمته من يوم التلف إلى يوم الأداء، و هذا الحكم مما يأباه الآية و العرف.

(2) و هما الآية و العرف، إذ لا وجه لسقوط القيميّ بمجرّد تعذّره عن الذمّة- حتى يتعيّن عليه قيمة يوم التلف- مع اقتضاء هذين الدليلين اشتغال الذمّة بمثل التالف حتى في القيميّ، فيلزم اتّحاد حكم المثليّ و القيميّ المتعذّرين.

(3) فإنّه لا يسقط عن ذمّة الضامن بمجرّد تعذّره، و لا ينتقل إلى قيمته يوم تعذّره.

(4) هذه نتيجة بقاء المثل في الذمة، سواء في المثليّ و القيميّ.

(5) يعني: و الحال أنّ المشهور لا يقولون بضمان قيمة يوم الأداء- في القيميّ-

ص: 351

و أيضا (1) فلو فرض نقصان المثل عن التالف من حيث القيمة نقصانا فاحشا، فمقتضى ذلك (2) عدم وجوب (3) إلزام المالك بالمثل، لاقتضائهما اعتبار المماثلة في الحقيقة و الماليّة، مع أنّ المشهور كما يظهر من بعض (4)

______________________________

بل يقولون بضمان قيمة يوم تلف العين القيميّة، و هذه الفتوى مخالفة لمفاد الدليلين كما عرفت، و هذه المخالفة أيضا من موهنات الاستدلال بالآية و العرف على مذهب المشهور.

(1) هذا إشكال آخر على الاستدلال بالآية و العرف لمذهب المشهور، و حاصله: أنّ مقتضى الآية و العرف عدم جواز إلزام المالك بأخذ المثل الذي نقصت قيمته نقصانا فاحشا، إذ مقتضاهما اعتبار المماثلة في الحقيقة و الماليّة، و المفروض زوال المماثلة في الماليّة بنقصان القيمة. مع أنّ المشهور لم يلتزموا به، بل التزموا بجواز إلزام المالك بأخذ المثل حتى في هذه الصورة.

(2) أي: فمقتضى الآية و العرف. و إفراد اسم الإشارة باعتبار «ما تقدّم» و إلّا كان الأولى أن يقال: «ذينك».

(3) كذا في نسخ متعددة، و الصواب تبديل «وجوب الإلزام» بجوازه، أو إرادة الجواز من الوجوب و إن كان بعيدا.

و الوجه في عدم جواز الإلزام بالمثل هو: أنّ المماثلة المعتبرة عرفا في الصورة و الماليّة مفقودة. كما إذا أتلف فاكهة في أوّل أوانها، و هي- لعزّتها- تباع أضعاف قيمة وقت وفورها، فأراد الضامن دفع ذلك المقدار من الفاكهة أوان كثرتها، فإنّ المماثلة تكون حينئذ في صدق الحقيقة، فقط دون الماليّة، مع أنّ الآية و الإطلاق المقاميّ يقتضيان الانتقال إلى قيمة وقت التلف حتى تراعى المماثلة في المالية.

(4) قال السيد العاملي قدّس سرّه: «فلو بقي له- أي للمثل- قيمة و إن قلّت، فالمثل

ص: 352

إلزامه (1) به، و إن قوّى خلافه بعض (2). بل و ربّما (3) احتمل جواز دفع المثل

______________________________

بحاله، كما هو صريح جامع المقاصد، و قضيّة ما لعلّه يفهم من كلام التذكرة» «1».

و قال المحقّق الثاني: «هذا الحكم- أي وجوب أداء القيمة- إنّما يستقيم مع خروج المثل عن التقويم أصلا، فلو بقي له قيمة و إن قلّت فالمثل بحاله» «2». و يلوح منه اتّفاق الأصحاب عليه، بقرينة اتّفاقهم على الانتقال إلى القيمة لو سقط المثل عن الماليّة رأسا، هذا.

(1) قد سقط هنا كلمة «جواز» أي: جواز إلزام الضامن بالمثل، يعني: مع أنّ المشهور ذهبوا إلى جواز إلزام المالك بأخذ المثل و إن نقصت قيمته نقصانا فاحشا، و هذا التجويز مناف لمقتضى الآية و العرف.

(2) يعني: أنّ هذا البعض قوّى انتقال ضمان المثل إلى القيمة كي لا يتضرر المضمون له بنقصان ماليّة المثل «3».

(3) هذا متعلق بقوله: «مع أنّ المشهور .. إلزامه به» و غرضه: أنّ المشهور اقتصروا على جواز أداء المثل المنحطّ قيمته جدّا، كما نقلناه آنفا عن مفتاح الكرامة، و لكن العلّامة «4» قدّس سرّه احتمل جواز دفع المثل الساقط عن الماليّة، كما إذا أتلف الماء في المفازة و أدّاه على الشاطئ. و الإتيان بكلمة «بل» لأجل أنّه لو قيل بفراغ الذمّة بدفع المثل الساقط عن الماليّة رأسا، كان فراغها بدفع المثل المنحطّ قيمته أولى، لبقاء شي ء من ماليّته بعد.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 252، آخر الصفحة.

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 258

(3) لم أظفر على من يقوّي الانتقال إلى القيمة حتى مع بقاء مقدار من ماليّة المثل، نعم قوّاه جمع في الخروج عن التقويم، و هو أمر آخر. فراجع الجواهر، ج 37، ص 99؛ الدروس الشرعيّة، ج 3، ص 113، و غيرهما.

(4) قواعد الأحكام، ص 79، السطر 26 (الطبعة الحجرية).

ص: 353

و لو سقط من القيمة بالكلّيّة، و إن كان الحقّ خلافه (1) [1].

______________________________

(1) لأنّه خلاف التغريم المعتبر في الضمان. ففرق بين سقوط العين عن الماليّة و سقوط المثل عنها، حيث إنّ العين تردّ بلحاظ ملكيّتها لا بلحاظ ماليّتها، لكن التضمين و التغريم بلحاظ ماليّتها، فيجب حفظ الماليّة في الثاني دون الأوّل، فالمثل إذا سقط عن الماليّة لا يصدق على ردّه التغريم المقوّم للضمان، فلا يخرج الضامن عن عهدة الضمان بردّ المثل الساقط عن الماليّة، بخلاف ردّ العين، فإنّه يصدق عليه أداء ملك الغير، و ردّه إلى مالكه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الاشكال إنّما يرد على الاستدلال بالآية الشريفة بناء على كون المراد المماثلة بنحو الإطلاق و من جميع الجهات. لكن الظاهر أنّ المراد بها المماثلة من حيث الحقيقة مع حفظ الماليّة تحقيقا للتغريم و التضمين بالمال. فمقتضى الآية غير مخالف لمسلك المشهور، كيف؟ و المرجع في فهم معنى الآية هو العرف، فما يحكم به العرف في باب الضمان من ضمان المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ هو المستفاد من الآية الشريفة.

فالمراد بالمثل في الآية و في كلام المشهور واحد. و النسبة بينهما هي التساوي، لا الأعمّ و الأخصّ من وجه، لأنّ المراد بالمثل في الآية هو المماثل العرفيّ للتالف من حيث الحقيقة و الماليّة، كما هو قضيّة إطلاق المماثلة و إن لم يكن مماثلا للتالف من حيث الحقيقة و الماليّة. فيراعى المثليّة من حيث الماليّة. فالأوّل هو المثليّ و الثاني هو القيميّ.

نعم يقيّد إطلاق المثل بالنسبة إلى الأفراد التي تقلّ مماثلتها للتالف، كما إذا كان المال التالف غنما و كان فرد من الأغنام مماثلا له في الصفات، فإنّ مقتضى الآية لزوم دفع الفرد المماثل للتالف، و إن كان فردا نادرا من حيث المماثلة للتالف. لكن قيّد هذا الإطلاق بأنّ دفع المماثل للتالف لازم في صورة كثرة الأفراد المماثلة للتالف لا ندرتها، و هذا التقييد قد ثبت بالإجماع، و لولاه لكان الضمان بالمماثل، و إن كان منحصرا في فرد.

ص: 354

______________________________

فالمتحصّل بعد التقييد وجوب دفع المماثل فيما إذا كان أكثر أفراد الطبيعيّ الجامع بينها و بين التالف متفقة في الصفات الموجبة للرغبات و الماليّة، فإطلاق المثل يقيّد بالقيميّات، يعني: أنّ ضمان القيميّ يكون بالقيمة و إن وجد له مماثل.

و إن شكّ في كون التالف مثليّا أو قيميّا فيتمسّك بالعامّ، لأنّه المرجع في المخصّص المجمل المفهوميّ المردّد بين الأقل و الأكثر، حيث إنّه المرجع في أصل التخصيص و التخصيص الزائد، فإنّ وجوب دفع المثل خصّص بما إذا كثرت الأفراد المماثلة للتالف حقيقة و ماليّة، و قد خرج عن وجوب دفع المثل ما لا يكون كذلك، لأنّه يجب حينئذ بمقتضى الإجماع لزوم دفع القيمة. فمع الشكّ في المثليّة و القيميّة يشكّ في تخصيص العامّ زائدا على المتيقّن قيميّته، فيتمسّك في نفي الشك بالعامّ، و يحكم بلزوم دفع المماثل العرفيّ للتالف.

هذا بناء على إرادة المماثل العرفيّ الشامل للمثليّ و القيميّ، و أمّا بناء على إرادة المثل المشهوريّ المقابل للقيميّ فالآية لا تتكفّل حكم القيميّ حتّى تعمّه و يلتزم بتخصيصها بالإجماع، بل لا تتكفّل إلّا لحكم المثليّ، يعني: ضمان المثليّ بالمثل، فالآية ساكتة عن حكم ضمان القيميّ. و حينئذ فلو شكّ في المثليّة و القيميّة فلا عموم حتى يرجع إليه، فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال و وجوب تسليم الضامن كلّا من المثل و القيمة ليختار أيّ واحد منهما شاء كما تقدّم سابقا.

و الحقّ أن يقال: إنّ التمسك بالآية الشريفة مشكل، لأنّه إن أريد بالمثل فيها المماثلة المطلقة من حيث الاعتداء و المعتدى به في كل مورد، سواء أ كان من الدماء أو الأعراض أو الأموال- كما إذا اعتدى شخص على غيره في عرضه كشتمه أو سرقة ماله أو غيبته أو قذفه إلى غير ذلك من أنحاء الاعتداء- لزم تخصيص الأكثر المستهجن كما لا يخفى.

و لزم أيضا خروج المورد، و ذلك مستهجن. توضيحه: أنّ مورد الآية هو ابتداء المشركين بالقتال في الأشهر الحرم، و المماثلة من جميع الجهات أن تكون في أصل

ص: 355

فتبيّن (1) أنّ النسبة بين مذهب المشهور و مقتضى العرف و الآية عموم

______________________________

(1) هذه نتيجة الإشكالين المتقدّمين، و محصّلها: أنّ الدليل الثاني و الثالث على ضمان المثليّ بالمثل- و هما الآية و العرف- قاصران عن إثبات مدّعى المشهور،

______________________________

الحرب و كيفيّتها و كمّها، بأن يجازيهم المسلمون في نفس القتال و مقداره، فإن قتلوا من المسلمين عددا خاصّا بكيفيّة خاصّة كالقتل بالسّهم أو السيف لزم على المسلمين ذلك من دون زيادة، مع أنّه ليس كذلك.

و إن أريد بالمثل فيها المماثلة في نفس الاعتداء من دون نظر إلى الجنس المعتدى به و كيفيّته و مقداره لزم أن يكون قتالهم جائزا بالاعتداء منهم بالسرقة مثلا، فإن سرقوا من المسلمين في الأشهر الحرم جاز لهم قتال المشركين فيها. و هذا كما ترى.

فالظاهر أنّ المراد بالمثل بقرينة المورد خصوص القتال من دون لحاظ كمّه و كيفه، و التّعدّي عنه لا بدّ أن يكون إلى ما هو مناسب له كاللصّ و المهاجم، فلا وجه للاستدلال بالآية على الضمان أصلا، فإنّ بناء العقلاء الممضى كاف في إثبات أصل الضمان، و كيفيّته أي ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة. و في صورة الشك في المثليّة و القيميّة يرجع الى قاعدة الاشتغال على التقريب السابق، لا إلى عموم الآية، لما عرفت من أجنبيّتها عن مسألة الضمان.

هذا كلّه مضافا إلى: أنّ الشك في القيميّة يلازم الشك في المثليّة أيضا، لما مرّ من كونهما متباينين. فالشكّ في حدود مفهوم أحدهما يستلزم الشكّ في حدود مفهوم الآخر، فلا وجه للرجوع إلى عموم الآية مع الشكّ في حدود مفهوم موضوعه و هو المثل المشهوريّ.

و إلى: أنّ الآية في مقام بيان جواز الاعتداء في مقابل الاعتداء، فإذا أتلف مال زيد جاز لزيد إتلاف ماله، و هذا غير الضمان أعني الغرامة، فلا تدلّ الآية على الضمان، بل تدلّ على جواز إتلاف مال الغير جزافا.

ص: 356

من وجه، فقد يضمن بالمثل بمقتضى الدليلين (1) و لا يضمن به عند المشهور كما في المثالين المتقدّمين (2). و قد ينعكس الحكم (3) كما في المثال الثالث (4). و قد يجتمعان (5) في المضمون به كما في أكثر الأمثلة.

ثمّ (6) إنّ الإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة- على تقدير تحقّقه- لا يجدي

______________________________

لكون النسبة بين الدليل و المدّعى عموما من وجه.

فمورد الافتراق من ناحية الدليل هو مثل إتلاف ذراع من كرباس و عبد من عبدين، فالدليل يقتضي الضمان بالمثل، لوجود المماثل العرفيّ في الصورة و الماليّة، مع أنّ المشهور قالوا بضمان القيمة.

و مورد الافتراق من ناحية قول المشهور هو تنزّل قيمة المثل تنزّلا فاحشا، فإنّهم حكموا بضمان المثل، مع أنّ الدليل يقتضي الضمان بالقيمة، إذ الملحوظ في التغريم ماليّة التالف و الاتّحاد في الصورة، و المفروض تفاوت الماليّة بمقدار كثير لا يتسامح فيه.

و مورد الاجتماع كلّ مضمون مثليّ باصطلاح الفقهاء مع عدم اختلاف قيمة المضمون و المثل.

و حيث كانت النسبة عموما من وجه لم يمكن إثبات هذا المدّعى بهذا الدليل.

(1) و هما آية الاعتداء و بناء العرف.

(2) و هما العبد و الثوب، فإنّهما مضمونان بالمثل بمقتضى الآية و العرف، و بالقيمة عند المشهور.

(3) يعني: أنّ الآية و العرف يقتضيان الضمان بالقيمة، مع أنّ المشهور على الضمان بالمثل، كما في نقصان الماليّة فاحشا.

(4) و هو تنزّل قيمة المثل.

(5) تثنية الضمير في «يجتمعان» باعتبار عدّ الدليلين شيئا واحدا، و جعل مذهب المشهور طرفا آخر. و مراده بأكثر الأمثلة: الأمثلة الواقعيّة للضمان، و ليس غرضه الإشارة إلى شي ء ذكره سابقا.

(6) هذا تمهيد لبيان حكم الشكّ في القيميّة و المثليّة، و حاصله: أنّه- بعد البناء

ص: 357

بالنسبة إلى ما لم يجمعوا على كونه قيميّا (1)، ففي موارد الشكّ يجب الرجوع إلى المثل بمقتضى الدليل السابق (2) و عموم الآية بناء على ما هو الحق المحقّق من أنّ

______________________________

على تخصيص الآية بالإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة دون المثل- لا يجدي هذا الإجماع في موارد الشك في القيميّة و المثليّة، لعدم الإجماع فيها، فلا بدّ من الرجوع فيها إلى عموم الآية القاضي بلزوم دفع المماثل العرفيّ، لأنّه المرجع في المخصص المجمل المفهوميّ المردّد بين الأقل و الأكثر.

كما إذا ورد «أكرم الشعراء» و خصّصه بمخصّص منفصل مجمل مفهوما مردّد بين الأقل و الأكثر مثل «لا تكرم فسّاق الشعراء» بناء على تردد الفسق بين مخالفة مطلق التكليف الإلزاميّ و بين ارتكاب الكبائر خاصّة، فقد تقرّر في الأصول تخصيص العام بالمتيقّن من مفهوم الخاصّ، و الرجوع في الأكثر- كمقترف الصغيرة- إلى عموم إكرام الشعراء.

و كذا الحال في المقام، فإنّ عموم الآية يقتضي الضمان بالمثل حتى في القيميّ، لكنّه خصّص بالإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة. و مع إجمال مفهوم القيميّ يقتصر في التخصيص على المتيقّن منه، و يرجع في مورد الشك إلى عموم الآية.

و على هذا فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي بعد وجود الأصل اللفظيّ و هو أصالة العموم.

(1) كما أنّ الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل لا يجدي بالنسبة الى ما لم يجمعوا على كونه مثليّا، كما عرفته مفصّلا. فالضمان بالمثل منوط بإجماعين: أحدهما على أصل الحكم، و الآخر على الموضوع، و هو كون التالف مثليّا بنظر المجمعين.

و كذا الحال في الضمان بالقيمة في القيميّات، فلو لم يكن التالف قيميّا عند الكلّ كان ضمانه بالمماثل العرفيّ عملا بمقتضى الآية و العرف.

(2) و هو بناء العرف المنزّل عليه إطلاق الضمان في أخبار كثيرة.

ص: 358

العامّ المخصّص بالمجمل مفهوما المتردّد بين الأقلّ (1) و الأكثر (2) لا يخرج عن الحجّيّة بالنسبة إلى موارد الشك.

فحاصل الكلام (3): أنّ ما اجمع على كونه مثليّا يضمن بالمثل مع مراعاة

______________________________

(1) المراد بالأقلّ هو الأشياء التي أجمع الفقهاء على كونها قيميّة كالعقار.

(2) المراد بالأكثر هو ما يشكّ في مثليّته و قيميّته. و قد أشار المصنف إلى جملة منها (في ص 317 و 318).

(3) أي: حاصل ما يترتّب على الدليلين المذكورين من الآية و بناء العرف.

و هذا الحاصل يتكفّل النظر النهائي في ضمان التالف سواء أحرز كونه مثليّا أو قيميّا أم شكّ فيه.

أمّا المثليّ الذي أجمع الأصحاب على مثليته فيضمن بمماثله مع مراعاة الصفات الدخيلة في الماليّة، سواء ساوى قيمته- يوم الأداء و مكانه- قيمة التالف، أم نقص عنه. أمّا مع المساواة فلا ريب في سقوط المضمون عن العهدة. و امّا مع النقص غير المسقط عن الماليّة بالكلّيّة فلوجهين:

أحدهما: الإجماع المحكيّ على إهمال نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف، كما إذا كان قيمة التالف عشرة دنانير، و قيمة مثله يوم الأداء- و بلد الأداء- خمسة دنانير و لولا هذا الإجماع كان مقتضى الآية و العرف رعاية المماثلة في المالية كما حقّقه المصنّف قدّس سرّه.

ثانيهما: الأخبار الواردة في ضمان دراهم أسقطها السلطان عن المعاملة بها، و ضرب دراهم أخرى و روّجها، فتقلّ مالية الدراهم المنسوخة. و قد حكم الامام عليه السّلام بأنّ ذمة المديون مشغولة بتلك الدراهم الأولى لا الدراهم الجديدة. فإنّ هذه الأخبار تدلّ على أنّ التالف المثليّ مضمون بمثله حتى مع حطّ قيمته، هذا.

و أمّا القيميّ الذي أجمعوا على كونه قيميّا فيضمن بالقيمة سواء وجد مماثلة في الصفات أم لم يوجد.

ص: 359

الصفات التي يختلف بها الرّغبات، و إن فرض نقصان قيمته- في زمان (1) الدفع أو مكانه- عن قيمة التالف، بناء على (2) تحقّق الإجماع على إهمال هذه التفاوت.

مضافا إلى الخبر (3) الوارد في «أنّ اللازم على من عليه دراهم و أسقطها السلطان و روّج غيرها هي الدراهم الأولى».

______________________________

و أمّا التالف المشكوك مثليّته و قيميّته- لاختلاف الأصحاب في ذلك- فإن تساوت قيمة المضمون و قيمة المدفوع بدلا عنه الحق بالمثليّ، و لا يجزي أداء القيمة.

و إن اختلفت القيمتان الحق بالقيميّ، و لا يكفي دفع المماثل الذي نقصت قيمته عن قيمة المضمون، هذا.

(1) يعني: أنّ منشأ نقصان قيمة المثل عن قيمة التالف أحد أمور ثلاثة، إمّا هو الزمان بأن كان التالف عزيز الوجود، كالفاكهة في أوّل أوانها، فأدّاه الضامن في موسم وفورها. و إمّا هو المكان كما إذا ضمن في بلد يعزّ وجود التالف فيه، لكونه منقولا إليه من بلد آخر، فأدّاه الضامن في بلد ثالث يكون المثل فيه أنقص قيمة من بلد الضمان.

و إمّا هو الزمان و المكان معا. و الأمثلة واضحة. و المقصود أنّ تنزّل قيمة المثل لا يقدح في فراغ الذمّة، للإجماع و النصّ.

(2) قيد لقوله: «يضمن بالمثل و إن فرض نقصان» و هذا إشارة إلى أوّل الوجهين على عدم قدح نقصان قيمة المثل عن قيمة المضمون.

(3) هذا وجه ثان لكفاية ردّ مثل المضمون و إن نقص قيمته عنه، و المراد بالخبر هو الجنس لا الشخص، لورود هذا الحكم في خبرين. كمكاتبة يونس إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «أنّه كان لي على رجل عشرة دراهم، و أنّ السلطان أسقط تلك الدراهم، و جاءت دراهم [بدراهم] أعلى من تلك الدّراهم الاولى، و لها اليوم وضيعة، فأيّ شي ء لي عليه؟ الاولى التي أسقطها السلطان، أو الدراهم التي أجازها

ص: 360

و ما أجمع على كونه قيميّا يضمن بالقيمة، بناء (1) على ما سيجي ء من الاتّفاق على ذلك (2)، و إن وجد مثله (3) أو كان (4) مثله

______________________________

السلطان، فكتب: لك الدّراهم الاولى» «1».

بتقريب أنّ الدراهم الأولى الساقطة عن الرّواج لم تخرج عن الماليّة رأسا، لأنّ مادّتها فضّة، و هي لا تسقط عن القيمة بمجرّد إسقاط الهيئة و السّكّة، و إنّما تنقص قيمتها عن الدراهم الرائجة. مثلا إذا كانت عشرة من الدراهم الاولى تساوي دينارا، فبعد إسقاطها يكون الدينار بعشرين منها أو بثلاثين، و هذا هو تنزّل المالية، لا السقوط عن التقويم رأسا.

(1) متعلّق ب «يضمن بالقيمة» يعني: أنّ ضمان ما أجمعوا على قيميّته بالقيمة مبنيّ على تسلّم الكبرى، و هي ضمان القيميّ بقيمته لا بمماثله عرفا، فلولا هذا الإجماع اقتضت الآية الشريفة ضمانه بالمماثل، ثم بالقيمة.

(2) أي: على ضمان القيميّ بالقيمة، قال في الأمر السابع: «فالمرجع في وجوب القيمة في القيميّ و إن فرض تيسّر المثل له، كما في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه .. هو الإجماع كما يستظهر».

(3) كما لو أتلف ذراعا من كرباس طوله عشرون ذراعا، فإنّ مثل التالف ليس بعزيز الوجود، و مع ذلك فالمضمون به هو القيمة، للإجماع على قيميّة الأقمشة و الثياب.

(4) كما لو أتلف عبدا، و له على سيّده بسبب القرض أو السلم عبد بصفات التالف، فإنّهم لا يحكمون بالتهاتر، بل على المتلف قيمة العبد المتلف. و على المقترض أو البائع سلما أداء ما في ذمّته من العبد إلى مالكه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 488، الباب 20 من أبواب الصرف، الحديث 2

ص: 361

في ذمّة المالك (1).

و ما (2) شكّ في كونه قيميّا أو مثليّا يلحق بالمثليّ، مع عدم اختلاف قيمتي المدفوع و التالف، و مع الاختلاف الحق بالقيميّ (3)، فتأمّل (4).

______________________________

(1) و لولا الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة كان اللازم التهاتر في مثال إتلاف العبد.

(2) هذا حكم الشكّ في مثليّة التالف و قيميّته، و قد أوضحناه آنفا.

(3) لعلّ وجه إلحاقه بالقيميّ هو عدم إمكان المثل المماثل للتالف في الماليّة، فيصير من قبيل تعذّر المثل الموجب لجواز دفع القيمة.

(4) لعلّه إشارة إلى: أنّ مقتضى الدليلين السابقين اعتبار المماثلة في المالية، و المفروض فقدانها، فالدليلان قاصران عن الدلالة على الاجتزاء به. و لعدم الدليل على الاكتفاء بالقيمة يدور الأمر بين المثل و القيمة، و المرجع فيه أصالة الاشتغال كما تقدّم.

أو إشارة إلى: أنّه مع فرض تحقّق الإجماع على إهمال التفاوت بين قيمتي التالف و المدفوع لا وجه لإلحاق المثليّ بالقيميّ مع اقتضاء الآية الضمان بالمثل.

ص: 362

[الخامس ارتفاع ثمن المثليّ]

الخامس (1): ذكر في القواعد: «أنّه لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء تردّد» انتهى (2).

______________________________

5- ارتفاع ثمن المثليّ

(1) هذا البحث متفرّع على ما تحقّق في الأمر الرابع من ضمان المثليّ بالمثل، للوجوه الثلاثة المتقدّمة من آية الاعتداء و إطلاق نصوص الضمان مقاميّا و الإجماع، فيحرز اشتغال الذمّة بالمثل. هذا مع عدم تفاوت قيمتي المثل من زمان ضمانه إلى زمان أدائه. و أمّا إذا ارتفعت قيمته بأن صارت قيمته أضعاف قيمته وقت ضمانه فهل يجب على الضامن تحصيل المثل أم يكفي ردّ ثمنه الذي كان حين ضمانه؟

و كذا يتّجه هذا البحث بناء على قصور الأدلّة عن إثبات ضمان المثليّ بمثله، و قلنا بتخيير المالك بين مطالبة المثل و القيمة.

و أمّا بناء على القول بتخيير الضامن بينهما لم يبق موضوع لهذا البحث، لجواز اقتصار الضامن على القيمة، هذا.

(2) العبارة الموجودة في القواعد و في متن جامع المقاصد و مفتاح الكرامة هي:

«و لو تعذّر المثل إلّا بأكثر من ثمن مثله، ففي وجوب الشراء نظر» «1».

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 79 (الطبعة الحجرية)؛ مفتاح الكرامة، ج 6، ص 254؛ جامع المقاصد، ج 6، ص 260

ص: 363

أقول (1): كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة السوقيّة للمثل (2)، بأن صار

______________________________

و وجه النظر ما أفاده في التذكرة بقوله: «إذا أتلف المثليّ وجب عليه تحصيل المثل، فإن وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه بلا خلاف. و إن لم يجده إلّا بأزيد من ثمن المثل ففي إلزامه بتحصيله إشكال. ينشأ من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرّقبة في الكفارة و الهدي. و من أنّ المثل كالعين، و ردّ العين واجب و إن لزم في مئونته أضعاف قيمته. و للشافعيّة وجهان. أظهرهما الأخير. و ربّما يمكن الفرق بين المثل و العين بأنّه تعدّى في العين دون المثل، فلا يأخذ المثل حكم العين» «1».

و الأوّل وجه لعدم وجوب الشراء، و الثاني وجه لوجوبه كما لا يخفى.

و جعل المحقّق الثاني قدّس سرّه منشأ نظر العلامة قدّس سرّه: «لزوم الضرر المنفيّ عن الضامن، فلا يجب عليه الشراء بأكثر من ثمن المثل. و أنّ القدرة على المثل موجودة، فيجب شراؤه» ثمّ رجّح الوجوب كما صنعه العلّامة في التحرير «2».

(1) ناقش المصنّف قدّس سرّه في تردّد العلّامة و حكم بوجوب شراء المثل سواء أ كانت زيادة قيمته لأجل ارتفاع قيمته السوقيّة، لارتفاع أسعار السّلع بحيث قل ما تتساوى قيمة الأمتعة في مبدأ الشهر و منتهاه، أم كانت لأجل عزّة وجود المثل ككونه عند من يضنّ به، و لا يبيعه إلّا بأكثر من قيمته المتعارفة.

و لو كان كثير الوجود لم يرتفع قيمته السوقيّة. لكنّه قدّس سرّه في بادئ الأمر فصّل بين الصورتين، كما سيتّضح.

(2) هذا هو أحد منشئي كثرة ثمن المثل. و محصّله: أنّ تردّد العلّامة إن كان في صورة ارتفاع القيمة السوقيّة، لم يكن له وجه، لأنّ وجوب الشراء إجماعيّ، كما إذا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 384، أواخر الصفحة.

(2) تحرير الأحكام، ج 2، ص 139

ص: 364

قيمته أضعاف قيمة التالف يوم تلفه، فالظاهر أنّه لا إشكال في وجوب الشراء و لا خلاف، كما صرّح به في الخلاف، حيث قال: «إذا غصب ماله مثل كالحبوب و الأدهان فعليه مثل ما تلف في يده، يشتريه بأيّ ثمن كان بلا خلاف» «1».

و في المبسوط: «يشتريه بأيّ ثمن كان إجماعا» «2» انتهى.

و وجهه عموم النصّ و الفتوى (1) بوجوب المثل في المثليّ.

و يؤيّده فحوى (2) حكمه بأنّ تنزّل قيمة المثل حين الدفع عن يوم التلف

______________________________

أتلف زيد حنطة من عمرو، فأراد ردّ مماثلها بعد عام، و قد بلغت قيمة الحنطة ضعف ما كانت عليه، فإنّه لا ريب في وجوب الشراء مقدّمة لأداء المثل إلى المضمون له.

و يدلّ عليه وجوه ثلاثة، أوّلها: الإجماع الذي ادّعاه شيخ الطائفة في المبسوط و الخلاف.

ثانيها: إطلاق آية الاعتداء، القاضي بوجوب ردّ المثل سواء توقّف على الشراء أم لا، و سواء أ كان شراؤه بثمن المثل أم بأزيد منه.

ثالثها: إطلاق فتوى الأصحاب بوجوب ردّ المثل مهما كلّف من مئونة.

(1) الظاهر أن المراد بعموم النص عموم آية الاعتداء، و المراد بالعموم هو الإطلاق الأحوالي كما أوضحناه.

(2) تقريب الفحوى: أنّ دفع المثل مع نقصان قيمته عن قيمة التالف إنّما هو لصدق المماثلة، فإذا صدق عليه أنّه مماثل مع عدم مماثلته للتالف في الماليّة بحدّها، فصدق المماثل عليه مع بلوغه قيمة التالف و زيادة يكون بالأولويّة، لأنّه مماثل له في الحقيقة و الماليّة حقيقة لا عناية لمجرّد المماثلة في الصورة.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 415، المسألة 29 من كتاب الغصب.

(2) المبسوط، ج 3، ص 103

ص: 365

لا يوجب الانتقال إلى القيمة. بل ربّما احتمل بعضهم ذلك (1) مع سقوط المثليّ في زمان الدفع عن الماليّة (2) كالماء على الشاطئ (3) و الثلج في الشتاء.

و أمّا (4) إن كان لأجل تعذّر المثل و عدم وجدانه إلّا عند من يعطيه بأزيد

______________________________

و يمكن تقريب الفحوى بنحو آخر، و هو: أنّ حكمهم بعدم الانتقال إلى القيمة في صورة التنزّل يقتضي عدم مراعاة قاعدة «نفي الضرر» بالنسبة إلى تضرّر المالك به، فعدم مراعاة قاعدة الضرر بالنسبة إلى الضرر الوارد على الضامن- بازدياد ثمن المثل- أولى، لأنّ الضامن أقدم على ضرر نفسه.

(1) أي: عدم الانتقال إلى القيمة مع سقوط المثل عن التقويم، و المحتمل هو العلّامة في القواعد، من دون ترجيح له و لا لخلافه، و قد تقدم كلامه في الأمر الرابع.

و مال إليه في الجواهر «1».

(2) متعلّق بقوله: «سقوط».

(3) يعني: أتلف الضامن الماء في مفازة حيث يبذل المال الكثير لتحصيله، فأراد دفع ذلك المقدار من الماء على شاطئ النهر بحيث لا يبذل فلس بإزائه.

و كذا الحال في إتلاف الجمد و الثلج في حرّ الصيف، فأراد دفع مماثلهما في الشتاء.

(4) هذا عدل قوله: «إن كانت لزيادة القيمة السوقيّة» و كان الأولى أن يقال:

«و إن كانت لأجل تعذّر المثل ..» و كيف كان فلم نظفر في العبارة بجواب «و أمّا» فلاحظ و تأمّل.

و احتمال «كون- و الظاهر- غلطا، و أنّ الصواب اقترانه بالفاء ليكون جواب الشرط» ضعيف، إذ بعد فرض كون النسخة الصحيحة كذلك لا يصلح لأن يكون جوابا، لعدم الارتباط بين الشرط و الجزاء، إذ لا يكون قوله: «و الظاهر» مرتبطا بما قبله، فإنّ الجواب لا بدّ أن يكون مترتّبا على الشرط، و هو مفقود هنا كما لا يخفى.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 99

ص: 366

ممّا يرغب فيه الناس مع (1) وصف الإعواز، بحيث يعدّ بذل ما يريد مالكه بإزائه ضررا عرفا. و الظاهر أنّ هذا هو المراد بعبارة القواعد، لأنّ الثمن في الصورة الأولى ليس بأزيد من ثمن المثل، بل هو ثمن المثل. و إنّما زاد على ثمن التالف يوم التلف. و حينئذ (2) فيمكن التردّد في الصورة الثانية

______________________________

مع أنّ مقصوده حمل ترديد العلّامة قدّس سرّه على هذه الصورة الثانية، و هذا الحمل أجنبيّ عن بيان الحكم الذي يناسب الجزاء.

(1) متعلق بقوله: «يرغب» يعني: أنّ رغبة الناس فيه مع إعوازه لا تقتضي زيادة قيمته بمقدار يريده مالكه، فزيادة الثمن حينئذ ليست لارتفاع القيمة السوقيّة عند الإعواز، بل لأجل طمع المالك و إجحافه، بحيث يعدّ بذل ما يطلبه بائع المثل ضررا عرفا.

و حاصل الفرق بين الصورة الاولى- و هي ما أفاده بقوله. «كثرة الثمن إن كانت لزيادة القيمة إلخ»- و الصورة الثانية و هي قوله: «و أمّا إن كان لأجل تعذّر المثل إلخ» هو: أنّه في الصورة الاولى لا يصدق «الأكثر من ثمن المثل» إذ المفروض ارتفاع قيمة المماثل للتالف، فالثمن الفعليّ للمثل هو نفس ثمن المثل، لا أكثر منه. نعم هو أكثر من ثمن التالف يوم تلفه.

بخلاف الصورة الثانية، فإنّه يصدق عليها ذلك، إذ المفروض كون الثمن الذي يريده المالك أكثر من قيمته السوقيّة التي يرغب فيها الناس بوصف الإعواز، كما إذا كانت قيمته السوقيّة بهذا الوصف عشرة دراهم و المالك يريد خمسة عشر درهم، فإنّ صدق «أكثر من ثمن المثل» عليه حينئذ من الواضحات، و يصدق عليه أنّ المالك مجحف في هذه المعاملة، فيتّجه البحث عن وجوب شراء المثل و عدمه.

(2) يعني: حين إرادة بائع المثل أكثر من الثمن السوقيّ لمثل التالف بوصف إعوازه. و الظاهر زيادة هذه الكلمة، للزوم التكرار، لوضوح أنّ مفروض الصورة الثانية إرادة بائع المثل زيادة على ثمنه الواقعي، فلا حاجة إلى كلمة «حينئذ»

ص: 367

- كما قيل (1)- من أنّ الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم كالرقبة في الكفّارة و الهدي، و أنّه (2) يمكن معاندة البائع و طلب أضعاف القيمة، و هو ضرر (3).

و لكن الأقوى مع ذلك (4) وجوب الشراء وفاقا للتحرير كما عن الإيضاح «1» و الدروس و جامع المقاصد، بل إطلاق السرائر (5)، و نفي الخلاف

______________________________

و على تقدير إسقاطها أمكن جعل «فيمكن» جوابا لقوله: «و أمّا» الشرطيّة.

و الأولى أن يقال: «في هذه الصورة» بإسقاط كلمة «الثانية». أو إبقاؤها، و إن كان إسقاطها أولى، للاستغناء عنها باسم الإشارة، و هي «هذه».

(1) القائل هو العلّامة قدّس سرّه في التذكرة، و قد تقدّمت عبارته آنفا.

(2) معطوف على «أنّ الموجود» يعني: أنّه يمكن معاندة بائع المثل بأن يطلب أضعاف قيمته الواقعيّة، و هذا الوجه أفاده السيد العميد قدّس سرّه «2».

(3) هذا وجه تنزيل الموجود بأكثر من ثمن المثل منزلة المعدوم كالرقبة في الكفّارة، و من المعلوم أنّ الضرر منفيّ في الشريعة.

(4) أي: مع كون الموجود بأكثر من ثمن المثل كالمعدوم- و طلب أضعاف قيمته ضررا على الضامن- يكون الأقوى وجوب الشراء، قال المحقّق الثاني: «و الأصحّ الوجوب، فإنّ الضرر لا يزال بالضرر، و الغاصب مؤاخذ بأشقّ الأحوال، فلا يناسبه التخفيف، و هو الأصحّ» «3».

(5) الإتيان بكلمة «بل» لأجل أنّ ابن إدريس لم يكن من المصرّحين بوجوب شراء المثل إذا زاد ثمنه على ثمن التالف، فنسبة هذا الحكم إليه إنّما هي لاقتضاء إطلاق

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 254. راجع تحرير الاحكام، ج 2، ص 139، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 178، الدروس الشرعية، ج 3، ص 113

(2) كنز الفوائد، ج 1، ص 661

(3) جامع المقاصد، ج 6، ص 260

ص: 368

المتقدّم عن الخلاف، لعين ما ذكر في الصورة الاولى (1).

ثمّ إنّه لا فرق (2)

______________________________

كلامه بوجوب ردّ المثل، سواء تغيّرت الأسعار أم لم تتغيّر. و لو كان نظره قدّس سرّه إلى صورة مساواة ثمن المثل لثمن التالف لنبّه عليه، و من المعلوم أنّ عدم تقييد وجوب أداء المثل بصورة المساواة كاشف عن إطلاق الحكم. قال قدّس سرّه: «فمن غصب شيئا له مثل وجب عليه ردّه بعينه، فإن تلف فعليه مثله» «1». و الجملة الأخيرة هي محطّ نظر المصنّف قدّس سرّه من نسبة الإطلاق إليه، و هو كذلك.

نعم قال في موضع آخر: «فأمّا ماله مثل فعليه مثله يوم المطالبة، تغيّرت الأسعار أم لم تتغيّر ..» «2». و هذا تصريح بالإطلاق، بناء على أنّ المراد بالتغيّر الارتفاع، و لعلّ المصنّف قدّس سرّه لم يظفر بهذه العبارة و نسب الإطلاق إلى ابن إدريس قدّس سرّه.

(1) و هي كون زيادة الثمن لأجل رواج السوق، فإنّ ما ذكر فيها- من عموم النصّ و الفتوى- آت هنا، و لا مجال لقاعدة الضرر، لأنّها مخصّصة بأدلّة الضمان.

فالمتعيّن الرجوع إلى إطلاق تلك الأدلّة المخصّصة.

نعم تجري قاعدة نفي الحرج إذا لزم الإجحاف بحال الضامن، فإنّ هذه القاعدة تنفي وجوب الشراء.

إلّا أن يقال: إنّ قاعدة نفي الحرج أيضا مخصّصة بتلك الأدلّة المخصّصة، خصوصا بملاحظة «مؤاخذة الغاصب بأشق الأحوال».

(2) لإطلاق أدلّة الضمان، يعني: كما أنّ إطلاقها يقتضي وجوب شراء المثل بأكثر من ثمن المثل، لارتفاع الأسعار مرّ الزمان، كذلك يقتضي وجوب شرائه في بلد آخر- غير بلد تلف العين- إذا طالبه المالك بالمثل. سواء أ كانت قيمتا البلدين متساويتين أم كانت قيمة بلد المطالبة أزيد.

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 480

(2) المصدر، ص 490

ص: 369

في جواز مطالبة (1) المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره. و لا بين كون قيمته في مكان المطالبة أزيد من قيمته في مكان التلف أم لا، وفاقا (2) لظاهر المحكيّ «1» عن التحرير و التذكرة و الإيضاح و الدروس و جامع المقاصد.

و في السرائر: «أنّه الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلّة و أصول المذهب» (3).

______________________________

و الوجه فيه اشتغال ذمة الضامن بالمثل، فللمضمون له مطالبة حقّه. إلّا إذا تعذّر تحصيله، فينتقل إلى قيمته حينئذ كما سيأتي تفصيله في الأمر السادس إن شاء اللّه تعالى.

(1) المصدر مضاف إلى الفاعل، و ضمير «كونه» راجع إلى المثل.

(2) و خلافا لما في المبسوط من «لزوم قيمته في بلد الغصب، أو يصبر حتى يصل إليه ليستوفي ذلك، للضرر المنفي» «2». لكن قد عرفت الإشكال في العمل بقاعدة الضرر من عدم شمولها للحكم الثابت بعنوان الضرر كالضمانات.

(3) كلام ابن إدريس قدّس سرّه لا يختصّ بردّ المثل في غير بلد التلف، لتصريحه بأنّه حكم بدل التالف سواء أ كان مثليّا أم قيميّا، فلاحظ قوله: «إذا غصب منه مالا مثليّا بمصر، فلقيه بمكّة، فطالبه به. فإن كان المال له مثل، فله مطالبته، سواء اختلفت القيمة في البلدين، أم اتّفقت. و إن كان لا مثل له، فله مطالبته بقيمته يوم الغصب، دون يوم المطالبة، إذا أهلكه و أتلفه في يوم غصبه .. و لأنّ المغصوب منه لا يجب عليه الصبر إلى حين العود إلى مصر، بل يجب على الغاصب ردّ مثل الغصب إن كان له مثل، أو قيمته إن لم يكن له مثل، فإنّ هذا الذي يقتضيه عدل الإسلام و الأدلّة، و لا يعرج إلى

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 252. و لاحظ تحرير الأحكام، ج 2، ص 139، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383 و 384، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 177، الدروس الشرعية، ج 3، ص 114، جامع المقاصد، ج 6، ص 252

(2) المبسوط، ج 3، ص 76

ص: 370

و هو (1) كذلك، لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم (2)» «1». هذا (3) مع وجود المثل في بلد المطالبة.

و أمّا مع تعذّره فسيأتي حكمه في المسألة السادسة [1].

______________________________

خلافه بالآراء و الاستحسان» «2».

و منه ظهر أنّ كلمة: «و أصول المذهب» غير موجودة في ما بأيدينا من نسخة السرائر و إن نقله عنه السيد العاملي أيضا.

(1) يعني: أنّ ما حكي عن جمع- من جواز المطالبة بالمثل في غير بلد التلف- هو المتعيّن، لعموم سلطنة الناس على أموالهم.

(2) فإنّ إطلاقه يقتضي سلطنة المالك على المطالبة في كلّ مكان و زمان و بأيّ سعر كان، و ليس للضامن حبسه عنه.

و مع هذا الإطلاق لا حاجة إلى التمسّك بمثل «على اليد» أو «كلّ مغصوب مردود» حتى يورد عليه بقصوره، بدعوى «انصرافه إلى خصوص مكان ذلك المال».

لكن يمكن أن يقال: إن كانت سلطنة المالك على المطالبة في بعض الصور حرجيّة فتنفى بقاعدة الحرج، فلا بدّ من ملاحظة موارد المطالبة زمانا و مكانا، و عزّة و كثرة للمثل، و تنزّلا و ترقّيا من حيث القيمة. ففي كل مورد تكون مطالبة المالك حرجيّة يرتفع جوازها بنفي الحرج، فتأمّل.

(3) أي: جواز المطالبة في غير بلد التلف.

______________________________

[1] تحقيق المقام: أنّه قد استدل بآية الاعتداء على وجوب شراء المثل و لو بأكثر من قيمة مماثله. لكن قد عرفت الإشكال في الاستدلال بها على ما نحن فيه.

و قد استدلّ أيضا عليه بالإجماع تارة، و بأنّ الحكم بعدم وجوب الشراء على الغاصب يستلزم الضرر على المالك اخرى.

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 1، ص 222، الحديث: 29 و ص 457، الحديث 198

(2) السرائر، ج 2، ص 490 و 491

ص: 371

______________________________

و لا يعارض ضرر المالك بضرر الضامن ليندرج المقام في تعارض الضررين كي لا يجب الشراء بأكثر من ثمن المثل. و ذلك لأنّ ضرر الضامن إنّما نشأ عن إقدامه، فلا تجري قاعدة الضرر في حقّه، فتجري في طرف المالك بلا معارض، فيجب شراء المثل و لو بأكثر من ثمن المثل.

لكن فيه: أنّ الاقدام ليس إلّا في الغصب و ما هو بمنزلته من العلم بفساد العقد الموجب للقبض. و أمّا مع الجهل بالفساد فلا إقدام، فالضرران متعارضان. و مقتضى أصل البراءة عدم وجوب شراء المثل بأكثر من القيمة السوقيّة.

إلّا أن يقال: إنّ استصحاب بقاء ما في الذمّة من المثل و عدم انتقاله إلى القيمة يقضي بلزوم شراء المثل بأيّ ثمن كان.

و الذي ينبغي أن يقال هو: أنّ قاعدة الضرر لا تجري في الضمانات، لأنّ موضوعها الضرر، كالخمس و الزكاة، فإنّ المقتضي لوجود شي ء يمتنع أن يكون رافعا له، فقاعدة الضرر لا تجري في الضمانات أصلا، فلا موضوع لتعارض ضرري المالك و الضامن، و لا لدفعه بقاعدة الإقدام من ناحية الضامن.

مضافا إلى ما فيها: من كونها أخصّ من المدّعى، لاختصاصها بالغصب و ما هو بمنزلته، إذ لا إقدام على الضمان في غير الغصب.

فالمرجع إطلاق أو عموم أدلّة الضمان و عموم سلطنة الناس على أموالهم. هذا بالنسبة إلى الصورة الأولى المذكورة في المتن، و هي كون زيادة القيمة لأجل الرواج السوقيّ، لا العناد المالكيّ و لا طمعه. و مع هذا الإطلاق لا تصل النوبة إلى أصل عملي من استصحاب أو براءة أو اشتغال.

نعم إذا لزم الحرج كما إذا كان مجحفا لم يجب الشراء، لقاعدة نفي الحرج.

و أمّا الصورة الثانية- و هي كون زيادة القيمة غير مستندة إلى الرواج بل إلى عناد بائع المثل أو طمعه- فحكمها كما في المتن حكم الصورة السابقة، لجريان ما ذكر من الأدلة من عموم النص و الفتوى و الإجماع المستفاد من نفي الخلاف- في الخلاف- في

ص: 372

______________________________

هذه الصورة حرفا بحرف.

و بالجملة: فإطلاق أدلّة ضمان المثليّ بالمثل محكّمة، فيجب شراؤه و لو بأكثر من ثمن المثل، إذ المفروض عدم جريان قاعدة الضرر في الضمانات. و على تقدير جريانها تسقط بمعارضتها لضرر المالك. فيبقى إطلاق أدلّة الضمان سليما عن المعارض، و مقتضاه وجوب شراء المثل بأيّ ثمن كان.

إلّا أن يقال: إنّ قاعدة الضرر لا ترفع الحكم المجعول في مورد الضرر إذا كان الضرر بمقدار يقتضيه طبع الحكم كما في الصورة الأولى. و أمّا إذا كان الضرر زائدا على ذلك و مترتّبا على أمور خارجة عمّا يقتضيه طبع الحكم، كما إذا كان مترتّبا على عناد بائع المثل أو طمعه، فينفى بقاعدة الضرر، لأنّه خارج عن حيطة الضمان العقلائيّ و كون المثل في عهدة الضامن.

و بعبارة أخرى: ليس الضرر الزائد جزء ماليّة المثل الثابت على عهدة الضامن، و ما ثبت بالضمان هو المثل بماليّته السوقيّة لا بالماليّة الخاصّة التي يريدها شخص للطمع أو العناد، فإنّ ذلك خارج عن حيطة الضمان الشرعي و العرفيّ.

و عليه فلا يجب شراء المثل في الصورة الثانية، لقاعدة الضرر بالنسبة إلى الضامن، فينتقل إلى القيمة.

لكن يمكن أن يقال: بناء على إطلاق لفظيّ لأدلّة الضمان- كآية الاعتداء و الروايات- لا تجري قاعدة الضرر في الصورة الثانية أيضا، إذ المفروض وفاء الإطلاق بجعل الحكم الضرريّ بالنسبة إلى الضرر الزائد على القيمة السوقيّة، و حيث إنّ موضوع هذا الحكم هو الضرر فلا يرتفع بقاعدة الضرر، فحينئذ لا فرق في وجوب الشراء بين الصورتين.

نعم بناء على كون مستند الحكم بكيفيّة الضمان- أي ثبوت المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ في عهدة الضامن- هو الدليل اللبّيّ من السيرة أو الإجماع، فالمتيقّن هو وجوب الشراء في الصورة الأولى، فيرجع في الصورة الثانية إلى الأصل العمليّ، و هو

ص: 373

______________________________

استصحاب الضمان بالمثل، إن لم تجر قاعدة الضرر في الشراء بالزيادة على القيمة السوقيّة، لمعارضتها بضرر المالك، أو حرجه. و لو كان الشراء حرجيّا و لم يعارضه ضرر المالك أو حرجه لم يلزم شراؤه، لكون الحرج رافعا له، فلا يجري حينئذ استصحاب بقاء المثل في الذمّة حتى يجب شراء المثل بثمن كثير يريده بائع المثل.

فتلخّص ممّا ذكرناه: أنّه في الصورة الثانية لا يجب الشراء بأكثر من ثمن المثل، من غير فرق في ذلك بين كون دليل الضمان بناء العقلاء أو الإجماع أو مثل آية الاعتداء.

أمّا على الأوّلين فلأنّ الضمان العرفيّ مبنيّ على المتعارف عندهم من اعتبار القيمة السوقيّة ارتفاعا و انحطاطا، فلو تنزّل السعر السوقيّ ليس للمالك الامتناع عن أخذ المثل. كما أنّه لو ترقّى ليس للضامن الامتناع من إعطاء المثل، بل يجب عليه شراؤه و لو بأكثر من ثمن المثل.

فإذا كانت كثرة الثمن غير مستندة إلى القيمة السوقيّة بل إلى الأغراض الأخر- كالعناد أو الطمع- فهي غير مضمونة عرفا على الضامن، لأنّ الدليل لبّيّ. و المتيقّن منه هو ضمان المثل بقيمته السوقيّة قلّت أو كثرت، فلا يشمل ما إذا كانت كثرة الثمن لغير الرواج السوقيّ، فتنفيه قاعدة الضرر أو الحرج.

و حينئذ لا يجري استصحاب بقاء المثل في الذمّة، لأنّ الدليل الاجتهاديّ ينفي الضمان، و يجعل المثل الموجود في هذه الصورة كالمثل المتعذّر، فينتقل إلى القيمة. كما أنّ قاعدة السلطنة القاضية بجواز مطالبة المالك بالمثل- و إن كثر ثمنه لا لأجل رواج السوق- محكومة بقاعدة الضرر أو الحرج.

و أمّا على الثالث فلأنّ المنساق منه عرفا أيضا هو الضمان العقلائيّ الذي يبنى عليه إطلاق أدلة الضمان. و على تقدير الإطلاق تكون قاعدة الضرر حاكمة عليه، و تخصّه بالضمان المتعارف أعني به القيمة السوقيّة.

و بالجملة: فدليل الضمان لفظيا كان أم لبّيّا لا يقتضي وجوب شراء المثل بثمن لا يقتضيه رواج السوق، بأن نشأ عن داع نفسانيّ كالطمع و العناد.

ص: 374

[السادس: لو تعذّر المثل في المثليّ]
اشارة

السادس (1): لو تعذّر المثل في المثليّ،

______________________________

(1) هذا الأمر من فروع الأمر الرابع الذي تحقّق فيه أنّ المقبوض بالبيع الفاسد إذا تلف عند القابض يضمن بمثله إن كان مثليّا، و بقيمته إن كان قيميّا. خلافا لما نسب إلى ابن الجنيد. فبناء على اشتغال ذمّة الضامن بمثل التالف- في المثليّ- يتّجه البحث عن حكم تعذّر المثل، و انقلاب المضمون إلى القيمة. و يقع الكلام في تعيين قيمة المثل المتعذّر هل هو ثمنه يوم الأداء إلى المضمون له، أم يوم تعذّر المثل، أم غير ذلك من الاحتمالات التي سيأتي تفصيلها إن شاء اللّه تعالى؟

و لا بأس- قبل توضيح المتن- بالإشارة إلى أمرين:

الأوّل: أنّ تعذّر المثل قد يكون ابتدائيّا أي من حين تلف العين، بأن يعزّ وجود المتاع المثليّ في مدّة من الزمن، فتلفت العين فيها. و قد يكون طارئا، بأن يوجد المثل حين تلف العين و لم يحصّله الضامن تساهلا حتى تعذّر المثل.

و انقلاب الضمان بالمثل إلى الضمان بالقيمة و إن كان في كلتا الصورتين. إلّا أنّ المقصود بالبحث فعلا كما صرّح المصنّف قدّس سرّه به بقوله: «إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء كما في القيميّات، و بين طروّه بعد التمكّن كما فيما نحن فيه» هو التعذّر الطاري. و أمّا إذا فقد المثل وقت التلف فسيأتي حكمه.

الثاني: أنّ وجوب أداء ما في الذمّة لا يتوقّف على مطالبة من له الحق كما في المغصوب، فإنّ الغاصب مأمور بردّه- بنفسه أو ببدله- إلى المغصوب منه، سواء طالبه به أم لم يطالبه، لإطلاق «أنّ المغصوب مردود». و المبيع بالبيع الفاسد يكون كالمغصوب في عدم توقّف وجوب ردّه إلى مالكه على المطالبة. نعم إن لم نقل بحرمة إمساكه كما تقدّم من شيخ الطائفة و الحلّي قدّس سرّهما لم يجب ردّه فورا بدون المطالبة.

ص: 375

فمقتضى القاعدة (1) وجوب دفع القيمة

______________________________

و الصحيح من الوجهين هو الأوّل كما حقّقه المصنّف قدّس سرّه في الأمر الثاني، و أنّه يجب ردّه فورا إلى مالكه.

و هذا جار في صور ثلاث: إحداها: بقاء المبيع بالبيع الفاسد. ثانيتها: تلفه مع كونه مثليّا ممكن الحصول. ثالثتها: تلفه مع كونه قيميّا.

فيجب ردّ المبيع- في الصورة الاولى- و بدله في الصورتين الأخريين إلى مالكه فورا.

و بقي حكم صورة واحدة، أعني بها كون المبيع مثليّا، و قد تلف و تعذّر تحصيله، و قد عقد المصنف هذا الأمر لتحقيقه، و تعرّض لجهات من البحث.

الاولى: اشتراط انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة بمطالبة المالك.

الثانية: تعيين القيمة التي تجب بمطالبة المالك، هل هي قيمة المثل يوم الإعواز أم يوم الدفع أم غيرهما؟ و في هذه الجهة تفصيل الاحتمالات المذكورة في قواعد العلّامة قدّس سرّه.

الثالثة: في أنّ محلّ النزاع هل يختصّ بالتعذر الطاري أم يعمّ الابتدائيّ؟

الرابعة: في أنّ مناط إعواز المثل فقده في بلد التلف.

الخامسة: في كيفيّة تقويم المثل مع فرض تعذّره و فقده.

السادسة: في جواز مطالبة الضامن بالمثل لو وجد في بلد آخر غير بلد التلف.

السابعة: في حكم خروج المثل الموجود عن الماليّة و التقويم، و أنّه ملحق بتعذّر المثل أم لا؟

و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذه هي الجهة الاولى. و توضيحها: أنّ المصنّف قدّس سرّه بنى انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة على مطالبة المالك، إذ لو لم يطالب لم يكن دليل على إلزامه بقبول القيمة، لفرض أنّ ذمّة الضامن مشغولة بالمثل، و مجرّد التعذّر و الإعواز لا يسقط المثل عن العهدة، للفرق بين الأحكام التكليفيّة التي تتغيّر بطروء العناوين الثانويّة، و بين الأحكام الوضعية كالضمان، فلو صبر المالك إلى أن يتيسّر للضامن أداء المثل لم يتّجه إلزامه بقبول القيمة، هذا.

ص: 376

مع مطالبة (1) المالك، لأنّ منع المالك ظلم (2)، و إلزام الضامن بالمثل منفيّ بالتعذّر، فوجب القيمة جمعا بين الحقّين (3).

مضافا إلى قوله تعالى:

______________________________

و أمّا إذا طالبه المالك بقيمة المثل المتعذر، فقد استدلّ المصنف قدّس سرّه بوجهين على وجوب بذل القيمة على الضامن.

أحدهما: الجمع بين حقّي المالك و الضامن. و الآخر: آية الاعتداء، و سيأتي بيانهما.

(1) وجه تقييد وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك هو استقرار المثل في ذمّة الضامن، و عدم كون القيمة في رتبة المثل، بل هي في طوله و متأخّرة عنه رتبة. و هذا التقييد لا ينافي كون المقبوض بالبيع الفاسد كالمغصوب ممّا يجب ردّه بنفسه أو ببدله إلى المالك فورا، و ذلك لعدم كون القيمة واجدة لخصوصيّة المثل المستقرّ في العهدة حتى يكون أداؤها مسقطة له، و سيأتي مزيد توضيح له.

(2) هذا أوّل الوجهين على وجوب أداء القيمة على الضامن، استدلّ به المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه و غيره «1». و هو مقتضى الجمع بين حقّي المالك و الضامن.

أمّا حقّ المالك فهو استحقاقه للقيمة بعد إسقاط الأوصاف النوعيّة التي هي من حقوقه، فله المطالبة بالقيمة، فلو أبى الضامن عن دفع القيمة إلى المالك كان ظلما عليه، و هو قبيح عقلا و ممنوع شرعا.

و أمّا حقّ الضامن فهو: أنّ مطالبة المثل منه غير جائزة، لسقوط التكليف بسبب تعذّره، فلو ألزمناه بدفع المثل كان ظلما عليه، و هو منفيّ عقلا و شرعا.

و الجمع بين الأمرين- بحيث لا يستلزم ظلما على أحدهما- إنّما هو بإلزام الضامن بأداء القيمة لو طالبه المالك بها.

(3) و هو حقّ المالك و الضامن.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 527؛ مفتاح الكرامة، ج 6، ص 242 و 243

ص: 377

فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ (1) فإنّ الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذر المثل لم يعتد عليه (2) أزيد مما اعتدى (3).

______________________________

و بالجملة:- بعد البناء على كون ذمّة الضامن مشغولة بالمثل حتى يعدّ تعذّره و عدم سقوط الأوصاف النوعيّة بدون إسقاط المالك لها- لا وجه لإلزام الضامن إيّاه بقبول القيمة، بل له الانتظار إلى أن يوجد، إذ المفروض عدم كون تعذّر المثل مسقطا له عن ذمّة الضامن، و موجبا للانتقال إلى القيمة، فلا موجب لإلزام المالك بقبول القيمة.

و لا يقاس إعواز المثل بتلف العين، حتى يقال: إنّ الإعواز يوجب الانتقال إلى القيمة، كما أنّ تلف العين يوجب الانتقال إلى المثل إن كان مثليّا و القيمة إن كان قيميّا.

و ذلك لأنّه لا معنى لبقاء العين التالفة في الذمّة، لامتناع أدائها بعد تلفها.

فالانتقال إلى المثل أو القيمة بالتلف قهريّ، بخلاف إعواز المثل، إذ لا مانع من ثبوت كلّيّ المثل في الذمّة إلى زمان الأداء، و لذا لا يجوز للضامن إلزام المالك بالقيمة. كما لا يجب على الضامن إلّا دفع قيمة يوم الأداء، لما مرّ من عدم كون الإعواز موجبا للانتقال إلى القيمة، بل المثل باق في ذمّته إلى يوم الأداء، فتعتبر القيمة يوم الدفع، لأنّه زمان الانتقال إلى القيمة.

(1) هذا ثاني الوجهين على وجوب أداء القيمة. و هو مبني على ما تقدم من شيخ الطائفة قدّس سرّه من: أنّ المماثلة أعم من كونها في الصورة- و هي المشاركة في الحقيقة- و من كونها في المالية خاصة. و حيث إنّ القيمة مماثلة للتالف في المالية دلّت الآية الشريفة على أنّه يجوز للمالك الاعتداء على الضامن بأخذ قيمة ماله منه، فمطالبة القيمة اعتداء بالمثل، لا بأزيد منه حتى تحرم.

(2) هذا الضمير و الضمير المستتر في «اعتدى» راجعان إلى الضامن.

(3) لأنّ القيمة مثل التالف في الماليّة، و المفروض دلالة الآية على جواز الاعتداء بالمماثل.

ص: 378

و أمّا (1) مع عدم مطالبة المالك فلا دليل على إلزامه بقبول القيمة، لأنّ المتيقن (2) أنّ دفع القيمة علاج لمطالبة المالك، و جمع (3) بين حقّ المالك بتسليطه

______________________________

(1) معطوف على قوله: «مع مطالبة المالك» و قد تقدّم وجه تقييد وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك بقولنا: «و بالجملة بعد البناء على كون ذمّة الضامن مشغولة بالمثل .. إلخ».

(2) هذا التعليل ظاهر في أنّ الوجه الأوّل- و هو الجمع بين الحقّين- لا يجري في ما إذا صبر المالك حتى يتيسّر المثل، و لم يطالب الضامن بالقيمة، لأنّه مالك للمثل في ذمّة الضامن. فهو مسلّط شرعا على المطالبة ببدل المثل المتعذر، كما أنّ له الانتظار و عدم أخذ القيمة.

و أمّا الوجه الثاني- أعني به آية الاعتداء- فيستفاد من التعليل المزبور أيضا عدم وجوب دفع القيمة في صورة عدم مطالبة المالك بها. و ذلك لأنّ المخاطب بجواز الاعتداء على المعتدي- كالضامن في ما نحن فيه- هو المالك، لقوله تعالى فَاعْتَدُوا المنسلخ عن الوجوب. فللمعتدى عليه تغريم المعتدي بالمماثل، الشامل للمماثلة في مجرّد الماليّة خاصّة، و له الانتظار إلى زمان تيسّر المثل المصطلح الذي هو أقرب إلى التالف، لمساواته له في الحقيقة و الماليّة معا. و على كلّ فليس أمر تفريغ الذمّة عن المثل أو القيمة موكولا إلى الضامن حتى يجوز له تفريغ ذمّته عمّا اشتغلت به فورا كي ينقلب ضمانه من المثل إلى القيمة، هذا.

(3) هذا و قوله: «و حقّ الضامن» قرينة على أنّ غرضه من قوله: «لأنّ المتيقّن» هو عدم المجال للاستدلال بالجمع بين الحقّين على جواز أداء القيمة حتى مع عدم مطالبة المالك بها.

لكن يستفاد منه أيضا وجه عدم دلالة الآية الشريفة، لقوله قدّس سرّه: «أمّا عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل» لظهوره في توقف انقلاب ما في الذمّة من المثل إلى القيمة على المطالبة التي هي من شؤون سلطنته على ماله التالف أو المتلف.

ص: 379

على المطالبة، و حقّ الضامن بعدم تكليفه (1) بالمعذور (2) أو المعسور (3). أمّا مع عدم المطالبة فلا دليل على سقوط حقّه عن المثل.

و ما ذكرنا (4) يظهر من المحكي «1» عن التذكرة و الإيضاح، حيث ذكرا في ردّ بعض الاحتمالات الآتية «2» في حكم تعذّر المثل ما لفظه: «أنّ المثل لا يسقط بالإعواز، ألا ترى أنّ المغصوب منه لو صبر إلى زمان وجدان المثل ملك المطالبة به. و إنّما المصير إلى القيمة وقت تغريمها» انتهى.

______________________________

(1) أي: تكليف الضامن.

(2) فيما إذا لم يوجد المثل أصلا، فلو كلّف الشارع الضامن بدفع المثل كان معذورا عن امتثاله.

(3) فيما إذا وجد المثل في بلد بعيد بحيث لا يخلو تحصيله و نقله من مشقّة شديدة منفيّة شرعا.

(4) أي: عدم سقوط المثل عن ذمّة الضامن بالتعذّر و الإعواز- مجرّدا عن مطالبة المالك و الانتقال إلى القيمة- إنّما هو لمطالبة المالك، بمقتضى سلطنته على مطالبة ماله، و الكلام المحكيّ عن التذكرة و الإيضاح كالصريح في ذلك، فإنّ كلمة «تغريمها» تدل على إناطة أداء القيمة بمطالبة المالك غرامة ماله.

و لا يخفى أنّ العلّامة قدّس سرّه وجّه بالعبارة المنقولة في المتن الاحتمال الرابع من الاحتمالات العشرة المحكيّة عن الشافعيّة. و الاحتمال الرابع هو ضمان أقصى القيم من يوم الغصب إلى وقت التغريم. و ليس في كلامه ردّ بعض الاحتمالات، إلّا من جهة استلزام تقوية بعضها تضعيف ما عداها، فراجع التذكرة.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 252. لاحظ: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383، السطر 25؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 175

(2) ستأتي بقوله: «ثم إن في المسألة احتمالات أخر ذكر أكثرها في القواعد».

ص: 380

لكن أطلق (1) كثير منهم الحكم بالقيمة عند تعذّر المثل.

و لعلّهم (2) يريدون صورة المطالبة، و إلّا (3) فلا دليل على الإطلاق (4).

______________________________

(1) يعني: أنّ إطلاق كثير منهم الحكم بالقيمة وقت تغريم الضامن- و عدم تقييده بالمطالبة- يقتضي الانتقال إلى القيمة عند تعذّر المثل مطلقا و إن لم يطالب المالك.

قال السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «أمّا أنّه ينتقل إلى القيمة عند التعذّر فهو مما طفحت به عباراتهم كما ستسمع، بل هو إجماعيّ .. و أمّا أنّها تلزم يوم الإقباض لا الإعواز- و إن حكم بها الحاكم يوم الإعواز- فممّا صرّح به في الخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر و الشرائع و التحرير و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و المسالك و مجمع البرهان، و هو قضيّة من اقتصر على لزوم القيمة يوم الإقباض كالإرشاد و غيره» «1».

و أنت ترى خلوّ كلامهم من قيد مطالبة المالك. و به يشكل ما ذهب إليه المصنّف قدّس سرّه و غيره من اشتراط وجوب دفع القيمة بمطالبة المالك.

(2) غرضه توجيه الإطلاق المزبور، و حاصله: أنّه يمكن أن يريدوا خصوص صورة المطالبة، لا مطلقا حتى يكون مرادهم انتقال المثل بالإعواز إلى القيمة.

(3) يعني: و إن لم نحمل إطلاق حكمهم بالقيمة- عند تعذّر المثل- على خصوص صورة مطالبة المالك أشكل الأخذ بظاهر كلامهم، لعدم دليل على إطلاق انقلاب المثل إلى القيمة.

(4) كما هو مذهب القائلين بثبوت العين في الذمّة، و لا ينتقل إلى البدل من المثل أو القيمة، خلافا لغيرهم كالمصنّف و جماعة، حيث ذهبوا إلى الانتقال إلى البدل بمجرّد تلف العين و الإعواز.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 242 و 243

ص: 381

و يؤيّد ما (1) ذكرنا: أنّ المحكيّ عن الأكثر في باب القرض «أنّ المعتبر في المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة» (2).

نعم (3) عبّر بعضهم بيوم الدفع،

______________________________

(1) من عدم سقوط المثل عن ذمّة الضامن بمجرّد الإعواز و التعذّر لو لم يطالبه المالك بالقيمة. وجه التأييد أنّ تعبير الأكثر «باعتبار قيمة العين المقترضة- المتعذّر مثلها- يوم مطالبة المالك» يدلّ على كون موضوع كلامهم خصوص صورة المطالبة، فبدونها لا موجب لانقلاب ما في الذمّة- من المثل- إلى القيمة.

و التعبير بالتأييد- دون الدلالة- لوجهين، أحدهما: أنّه استشهاد بكلام الأكثر، لا بدليل معتمد من نصّ أو إجماع، و من المعلوم أنّ فتوى الأكثر أو المشهور لا تصلح دليلا على حكم شرعيّ.

و ثانيهما: أنّه يحتمل أن يريدوا أنّ الانقلاب إلى القيمة كان في يوم تعذّر المثل لا في يوم المطالبة. كما يحتمل أن يختصّ الحكم بباب القرض، لا في جميع موارد الضمان حتى المقبوض بالبيع الفاسد.

(2) الحاكي هو السيّد الفقيه العاملي، قال قدّس سرّه في شرح قول العلّامة: «و لو تعذّر المثل في المثليّ وجبت القيمة يوم المطالبة» ما لفظه: «كما في السرائر و التذكرة و جامع المقاصد- لما ستسمعه عنه في الدراهم- و مجمع البرهان و المسالك و الكفاية و المفاتيح، لأنّ الثابت هو المثل إلى أن يطالبه» «1».

(3) استدراك على التأييد، و غرضه قدّس سرّه أنّ العلّامة قدّس سرّه لم يعبّر بقيمة يوم المطالبة، و إنّما قال في المختلف: «و الأجود يوم الدفع» «2». فبناء على وجوب رعاية قيمة يوم دفعها إلى المالك لا يتوقف انقلاب المثل المتعذّر إلى القيمة على مطالبة المالك، بل نفس التعذّر موجب للانتقال. و من المعلوم منافاة هذا لمذهب الأكثر، و لا يصحّ التأييد المزبور.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 48

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 392

ص: 382

فليتأمّل (1).

و كيف كان (2) فلنرجع إلى حكم المسألة، فنقول:

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى: أنّه لا بدّ أن يراد بيوم المطالبة يوم الدفع أيضا، ضرورة أنّ المطالبة بنفسها لا تصلح سببا لانتقال الحقّ من المثل إلى القيمة، و إلّا لزم الانتقال إلى قيمة يوم المطالبة فيما إذا طالب و لم يقدر عليه الضامن، أو عصى و لم يؤدّ القيمة إلى أن زادت أو نقصت، و من المعلوم أنّه ليس كذلك. فالتعبير بيوم المطالبة إنّما هو بالنظر إلى الغالب، و هو اتّحاده مع يوم الدفع.

لكن يشكل هذا الحمل بأنّ العلّامة قدّس سرّه نقل أوّلا فتوى ابن إدريس باعتبار يوم المطالبة، ثم أورد عليه بأنّ الأجود قيمة يوم الدفع، فكيف يمكن إرادة يوم واحد و هو يوم المطالبة و الدفع المترتّب عليها حتى يكون اختلاف التعبير لفظيّا؟

فالأولى جعل الأمر بالتأمّل إشارة إلى كفاية نظر الأكثر في مقام التأييد لو صحّ في نفسه.

(2) أي: سواء تمّ التأييد المزبور- بتوجيه يوم الدفع بيوم المطالبة- أم لم يتم، فلنرجع إلى حكم المسألة، و هذا شروع في الجهة الثانية، و هو تعيين القيمة التي يجب على الضامن دفعها إلى المالك. فنقل المصنّف قدّس سرّه قولين في بادئ الأمر، ثم نقل احتمالات اخرى عن قواعد العلّامة.

أمّا القولان فأوّلهما للمشهور، و هو اعتبار قيمة يوم الأداء، و ثانيهما للحلّيّ و العلّامة في بعض المواضع، و هو اعتبار قيمة وقت تعذّر المثل.

و اختار الماتن مذهب المشهور، و استدلّ عليه بأنّ المثل لمّا لم يسقط عن ذمّة الضامن بمجرّد إعوازه فهو باق على عهدته إلى زمان أداء قيمته، فإن دفعها سقط المثل، و إلّا فلا، فزمان الانتقال إلى القيمة هو زمان دفعها، فيتعيّن رعايتها، و لا عبرة بقيمة يوم التعذّر، و لا أقصى القيم من زمان التلف أو الإعواز إلى الأداء.

ص: 383

إنّ المشهور (1) أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع، لأنّ المثل ثابت في الذمّة إلى ذلك الزمان، و لا دليل على سقوطه بتعذّره، كما لا يسقط الدّين بتعذّر أدائه. و قد صرّح بما ذكرنا المحقّق الثاني (2). و قد عرفت (3) من التذكرة و الإيضاح ما يدلّ عليه (4).

و يحتمل (5) اعتبار وقت تعذّر المثل. و هو للحلّيّ في البيع الفاسد،

______________________________

(1) كما في مفتاح الكرامة، حيث قال بعد عبارته المنقولة (في ص 381):

«و الحاصل: انّي لم أجد مخالفا منّا في ذلك، بل و لا متأمّلا في هذا الباب إلّا قوله في الإيضاح: إنّ الاحتمال الرابع أصحّ، و إلّا قوله في المفاتيح: و قيل وقت الإعواز» «1».

(2) حيث قال- في ردّ القول بضمان أعلى القيم من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز- ما لفظه: «و يضعّف بأنّ المثل لا يسقط من الذمّة بتعذّره، و أداء الدين لا يسقط بتعذّر أدائه، و لهذا لو تمكّن من المثل بعد ذلك وجب المثل دون القيمة، فما دام لم يأخذ المالك القيمة فالمثل باق في الذمّة بحاله» «2».

(3) قبل أسطر، حيث قال: «و ما ذكرنا يظهر من المحكيّ عن التذكرة و الإيضاح .. إلخ» «3».

(4) أي: ما يدلّ على اعتبار قيمة يوم الدفع، و كلام التذكرة و الإيضاح و إن كان تعليلا لاشتراط دفع القيمة بمطالبة المالك، لكنّه يدلّ أيضا على أنّ الملحوظ قيمة يوم الدفع، لترتبه على المطالبة، إذ لا عبرة بدفع القيمة التي لم يطالبها المالك من الضامن.

(5) هذا الاحتمال هو القول الثاني في المسألة، لا محض احتمال، فإنّ ابن إدريس قدّس سرّه اختاره في بعض موارد البيع الباطل، حيث قال: «و إن أعوز المثل فعليه ثمن المثل

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 243

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 254

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 175

ص: 384

و للتحرير في باب القرض (1)، و عن محكيّ المسالك (2)

______________________________

يوم الإعواز» «1». خلافا لما اختاره في كتاب الغصب بقوله: «فإن أعوز المثل فله قيمته يوم إقباضها» «2».

(1) قال السيّد العامليّ في إعواز المثل إذا كانت العين المقترضة مثليّة: «و قيل وقت التعذّر، و هو خيرة التحرير، و نسب إلى الشيخ في النهاية و القاضي و ابن إدريس في موضع من كتابه فيما إذا تعذّرت الدراهم، و هو خيرة الكتاب- يعني القواعد- في ذلك كما يأتي، و يظهر من الإيضاح أيضا، لأنّه وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة» «3».

(2) يعني: في بعض مواضع المسالك، و هو ما أفاده في شروط العوضين- في عدم انعقاد البيع بحكم أحدهما- بقوله: «و لا يخفى أنّ هذا كلّه في القيميّ. أمّا المثليّ فيضمن بمثله، فإن تعذّر فبقيمته يوم الإعواز على الأقوى» «4».

لكن الشهيد الثاني قدّس سرّه قوّى في باب القرض ضمان قيمة يوم المطالبة «5» و في باب الغصب قال: إنّ الأظهر عند الأصحاب قيمة يوم الإقباض، فراجع.

و عليه كان المناسب التنبيه على أنّ قيمة يوم الإعواز ليست نظره بقول مطلق، بل هي مختاره في خصوص كتاب البيع، و العهدة على الحاكي الذي لم أظفر به، و لم أجده في مفتاح الكرامة، بل عدّ السيد الشهيد الثاني في المسالك من القائلين باعتبار قيمة يوم المطالبة، كما تقدّمت عبارته (في ص 381).

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 285

(2) المصدر، ص 490

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 48

(4) مسالك الأفهام، ج 3، ص 174

(5) المصدر، ص 447

ص: 385

لأنّه (1) وقت الانتقال إلى القيمة.

و يضعّفه (2) أنّه إن أريد بالانتقال (3) انقلاب ما في الذمّة إلى القيمة في ذلك الوقت (4) فلا دليل عليه (5). و إن أريد عدم وجوب إسقاط ما في الذّمّة إلّا

______________________________

(1) أي: لأنّ وقت تعذّر المثل هو وقت الانتقال إلى البدل. و هذا التعليل متكرّر في كلمات أرباب هذا القول، و قد نقله عنهم السيّد العامليّ قدّس سرّه في عبارته المتقدّمة.

(2) ضعّف المصنف قدّس سرّه احتمال اعتبار ثمن المثل يوم الإعواز بما حاصله: أنّه إن أريد بالانتقال انقلاب ما في الذمة من المثل إلى القيمة في ذلك الوقت- أي وقت الإعواز- حتى لو لم يطالب المالك بها، ففيه: أنّه لا دليل على سقوط المثل بمجرّد الإعواز و انتقاله إلى القيمة.

و إن أريد بالانتقال وجوب إسقاط ما في الذمة من المثل بالقيمة في صورة مطالبة المالك، فهو و إن كان صحيحا. لكنّه لا يوجب سقوط المثل و ثبوت القيمة في الذمّة. و لذا لو أخّر الاسقاط عذرا أو عصيانا بقي المثل في ذمّة الضامن إلى أن يتحقّق الاسقاط. و إسقاطه في كلّ زمان إنّما يتحقّق بأداء قيمته في ذلك الزمان، و ليس مكلّفا بإسقاطه بقيمة زمان آخر.

مثلا إذا كان ثمن المثل وقت تعذّره و إعوازه عشرة دنانير، و بعد مضيّ شهر خمسة عشر دينارا، فإن طالب المالك الضامن يوم التعذّر كان مكلّفا بأداء العشرة لإسقاط ما في ذمّته بها. و إن طالبه بعد شهر كان الضامن مكلّفا بأداء خمسة عشر دينارا، و لا يكفي أداء عشرة دنانير حينئذ، لأنّ تفريغ الذمّة في كلّ زمان منوط بدفع قيمة المثل في زمان الاسقاط، لا قيمة الأزمنة السابقة. و عليه فلا عبرة بما اختاره جماعة من كون المدار ثمن المثل يوم إعوازه.

(3) أي: في قولهم: «لأنّ يوم التعذّر وقت الانتقال إلى البدل الذي هو القيمة».

(4) أي: وقت تعذّر المثل.

(5) بل الدليل على خلافه موجود، و هو عدم إناطة الحكم الوضعيّ- كالضمان-

ص: 386

بالقيمة، فوجوب (1) الاسقاط بها (2) و إن حدث يوم التعذّر مع المطالبة، إلّا (3) أنّه لو أخّر الاسقاط بقي المثل في الذمّة إلى تحقّق الاسقاط. و إسقاطه في كلّ زمان بأداء قيمته في ذلك الزمان (4). و ليس في الزمان الثاني (5) مكلّفا بما (6) صدق عليه الإسقاط في الزمان الأوّل (7)، هذا.

______________________________

بالتمكّن، فالعهدة مشغولة بالمثل حتى في وقت إعوازه.

(1) يعني: ففيه: أنّ وجوب الإسقاط بالقيمة و إن حدث يوم التعذّر مع المطالبة، إلّا .. إلخ.

(2) يعني: أنّ حدوث وجوب دفع القيمة يوم التعذّر مشروط بمطالبة المالك قيمة المثل في يوم التعذّر، فلو لم يطالب لم يحدث يوم الإعواز وجوب دفع القيمة.

(3) يعني: أنّ حدوث وجوب أداء القيمة يوم الإعواز لا يكفي في سقوط المثل عن الذمّة، و انتقال الضمان إلى ثمن المثل. و الشاهد على عدم تبدّل المثل بالقيمة بمجرّد التعذّر هو: أنّ المالك لو طالبه بها يوم الإعواز- حتى يسقط ما في ذمّة الضامن من المثل- و لكنّه لم يؤدّ القيمة في ذلك اليوم و أراد أداءها بعد شهر وجب عليه مراعاة القيمة الفعليّة، لا قيمة يوم التعذّر. و هذا دليل على أنّ وقت الانتقال من المثل إلى القيمة هو يوم الأداء، لا يوم الإعواز.

(4) فإن أدّى قيمة يوم الإعواز- مع مطالبة المالك- كان هو المسقط لما في ذمّته، و كان زمان انقلاب الضمان من المثل إلى القيمة متحدا مع زمان الاسقاط.

و إن أدّى القيمة بعد الإعواز بشهر لم تكف قيمة يوم التعذّر إذا كانت أقلّ من قيمة يوم الدفع.

(5) و هو زمان إسقاط ما في الذمّة من المثل.

(6) المراد بالموصول هو ثمن المثل المتعذّر يوم تعذّره.

(7) و هو زمان تعذّر المثل مع مطالبة المالك بالقيمة، فإنّه زمان حدوث وجوب القيمة، و لكنّه ليس زمان إسقاط المثل، و لا زمان انقلابه إلى القيمة.

هذا ما أفاده في تضعيف احتمال اعتبار قيمة يوم الإعواز، و تثبيت مختار المشهور.

ص: 387

و لكن (1) لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقا- من (2) الآية و من أنّ المتبادر من إطلاقات الضمان هو وجوب الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف بعد تعذّر المثل- توجّه (3) القول بصيرورة التالف قيميّا بمجرّد تعذّر المثل (4)، إذ لا فرق في تعذّر المثل بين تحقّقه ابتداء كما في القيميّات (5) و بين طروّه بعد التمكّن كما فيما نحن فيه.

______________________________

(1) استدراك على ما اختاره المشهور- من كون العبرة بقيمة يوم الدفع- و تأييد للقول باعتبار قيمة يوم الإعواز. و حاصل الاستدراك: أنّ مقتضيات الأدلّة مختلفة، فإن استندنا إلى الجمع بين الحقّين- و أنّ تعذر المثل لا يسقطه عن الذمّة- اتّجه القول بضمان قيمة يوم الدفع. و إن استندنا في لزوم القيمة في المثل المتعذّر إلى آية الاعتداء و إطلاقات الضمان القاضية بلزوم الرجوع إلى أقرب الأموال إلى التالف اتّجه القول بانقلاب المثل بمجرّد تعذّره إلى القيمة، إذ لا فرق في تعذّر المثل بين كونه بالأصالة كما في القيميّات، و بين كونه بالعرض بعد التمكّن منه كما نحن فيه، فيكون العبرة في انقلاب المثليّ إلى القيميّ يوم تعذّره و إعوازه، لا يوم أدائه.

(2) هذا و قوله: «و من أنّ المتبادر» بيان للموصول في قوله: «ما تقدّم سابقا» أي: في الأمر الرابع. و المراد بالآية آية الاعتداء بالمثل التي استدلّ بها شيخ الطائفة قدّس سرّه على ضمان المثليّ بالمثل، و القيميّ بالقيمة.

(3) جواب الشرط في قوله: «لو استندنا».

(4) سواء طالبه المالك بقيمة المثل المتعذّر أم لم يطالبه بها، و سواء أسقط الضامن ما في ذمّته يوم الإعواز أم أخّره إلى زمان آخر. و الوجه فيه كون ثمن المثل أقرب إلى العين التالفة أو المتلفة عند تعذّر المثل، فيكون يوم الإعواز وقت الانقلاب إلى القيمة.

(5) فإنّ المثل متعذّر فيها بحسب الخلقة، فالتعذّر في القيميّات ابتدائيّ، بخلاف تعذّر المثل في المثليّ بعد التمكن من دفعه، فإنّه عارضيّ.

ص: 388

و دعوى (1) اختصاص الآية و إطلاقات الضمان بالحكم بالقيمة بتعذّر المثل ابتداء لا يخلو عن تحكّم (2) [1].

______________________________

(1) غرض المدّعي الذبّ عن مقالة المشهور من ضمان قيمة يوم الدفع، ببيان: أنّ الآية و الإطلاق و إن اقتضيا اعتبار قيمة يوم الإعواز، لكنّهما مختصّان بالتعذّر الابتدائيّ، بأن لم يوجد مماثل التالف من أوّل الأمر، فيقال بضمان القيمة يوم الإعواز.

و هذا أجنبيّ عمّا نحن فيه من التعذّر الطاري، فالذمّة مشغولة بالمثل، لوجوده حال تلف العين، و إعوازه لا يوجب الانقلاب إلى القيمة، بل الموجب له هو الاسقاط بتسليم الثمن إلى المالك.

(2) إذ المناط في كليهما تعذّر وجود المثل، و هو جار في القيميّ و المثليّ الذي تعذّر وجوده، سواء أ كان طارئا أم ابتدائيّا. و لا مقيّد في البين حتى تختصّ الآية بالتعذّر البدويّ.

لكن يمكن إبداء الفرق بينهما بأنّ اعتبار المثل في القيميّ لغو، إذ المفروض عدم كونه مرجوّ الحصول، بخلاف المثل المتعذّر في المثليّ، فإنّه مرجوّ الحصول. و هذا الفرق يوجب الفرق بين القيميّ و المثليّ المتعذّر المثل عند العرف المحكّم في باب الضمانات، فإنّ تضمين الضامن بالمثل في القيميّات لا أثر له، فيلزم اللغويّة بل الامتناع، لكونه من التكليف بغير المقدور، إذ لا يرجى وجوده في زمان حتى يصحّ إشغال ذمّته بالمثل، فمن أوّل الأمر يجعل في ذمّته القيمة. فلا تحكّم في الفرق بين القيميّ المتعذّر مثله إلى الأبد و بين المثليّ المتعذر مثله المرجوّ وجوده بعد حين، بانقلاب القيميّ بمجرّد إعوازه إلى القيمة، و انقلاب المثل المتعذر إلى القيمة يوم الدفع.

و قد تحصّل من كلمات المصنّف قدّس سرّه: أنّ المشهور بين الأصحاب اعتبار قيمة يوم الدفع، و غير المشهور هو اعتبار قيمة يوم إعواز المثل. و سيأتي الكلام في وجوه اخرى ذكرها العلّامة في التذكرة و القواعد.

______________________________

[1] قد يتمسك لإثبات القيمة بقاعدة الميسور، بتقريب: أنّ دفع المثل الواجد

ص: 389

______________________________

للصفات النوعيّة معسور، فيسقط وجوب أدائه، و يبقى الميسور و هو نفس الماليّة، فيجب أداؤها.

لكن فيه: أنّ المثل و القيمة متباينان، و ليسا من قبيل المركّب المتعذّر بعض أجزائه، فلا تكون القيمة ميسورا للمثل حتى تجري فيها قاعدة الميسور.

ثم إنّ ما أفاده، المصنّف قدّس سرّه من «أنه ليس للضامن إلزام المالك بقبول القيمة عند إعواز المثل و عدم مطالبة المالك» مبنيّ على ما نسب إلى المشهور في باب الضمان من اشتغال الذمّة بالمثل في المثليّ معلّقا على التلف في صورة البقاء، و منجّزا في صورة التلف، إذ بناء عليه يكون المثل في الذمّة، و إعوازه لا يوجب الانتقال إلى القيمة، فإذا صبر المالك إلى أن يوجد المثل فليس للضامن إلزامه بالقيمة.

و أمّا بناء على كون الثابت على عهدة الضامن نفس العين، فمع إعواز المثل يجوز دفع القيمة و لو مع عدم مطالبة المالك، و ليس له الامتناع عن قبولها، لأنّ القيمة حينئذ نحو أداء للعين بجهتها الماليّة، كما أنّ المثل أداء للعين بجهتها النوعيّة مراعاة لحال المالك، لكونه أقرب إلى التالف. فمع إعواز المثل و مطالبة القيمة يجب أداؤها، لأنّه مع تعذّر المرتبة الكاملة يجب دفع النازلة.

و قد وجّه هذا المبنى- أي: اشتغال الذمّة بنفس العين، الموجب لجواز مطالبة قيمة المثل و وجوب أدائها على الضامن- بوجوه:

الأوّل: حديث «على اليد» بدعوى: ظهوره في أنّ الثابت في الذمّة و لو بعد التلف نفس العين بخصوصيّتها الشخصيّة و النوعيّة و الماليّة.

و فيه أوّلا: عدم دلالة حديث «على اليد» على الضمان، بل يدلّ على الحكم التكليفيّ و هو وجوب الأداء ما دامت العين موجودة، فتأمّل.

و ثانيا:- بعد تسليم دلالته على الضمان- أنّه لا يفهم العرف منه إلّا ضمان المثليّ

ص: 390

______________________________

بالمثل و القيميّ بالقيمة، و اعتبار كون العين على العهدة قيد زائد لا ينتقل إليه أذهان أبناء المحاورة. بل يمتنع اشتغال الذمّة بالعين بخصوصيّاتها المشخصة، لامتناع أدائها بعد تلفها، فلا تشتغل الذمّة إلّا ببدلها من المثل أو القيمة.

و ثالثا: أنّه لم يثبت كون دليل الضمان بالمثل أو القيمة لمراعاة حال المالك حتى يكون له الاعراض عن مرتبة و الأخذ بمرتبة أخرى، و لذا لو كان المثل موجودا ليس له الاعراض عن المثليّة و مطالبة القيمة، بل يجب عليه قبول المثل.

الثاني: أنّ اليد إذا وقعت على العين وقعت عليها بخصوصيّتها الشخصيّة و النوعيّة و الماليّة، فجميع تلك الجهات تقع على عهدته. و مقتضى دليل السلطنة جواز إلقاء المالك خصوصيّة المثليّة، و مطالبة خصوصيّة الماليّة. من غير فرق في ذلك بين كون مقتضى دليل اليد عهدة نفس العين بشؤونها، و بين كونه ضمان المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ، حيث إنّ ضمان المثل و كونه على العهدة متضمّن لضمان القيمة أيضا، فله إلقاء جهة المثليّة و مطالبة القيمة.

و فيه- مع أنّ لازم ذلك جواز إلقاء خصوصيّة المثل و العين و جواز مطالبة القيمة حتى مع وجود العين و المثل، و هو كما ترى- أنّ دليل الضمان لا يدلّ إلّا على ضمان نفس العين على المبنى الأوّل، و المثل في المثليّ على المبنى الثاني. و ليس في ضمان العين ضمانات، و لا في ضمان المثل ضمانان عرضا أو طولا حتى يصحّ للمالك إسقاط جهة و مطالبة جهة أخرى، إذ ليست شؤون العين مضمونة، بل المضمون نفس العين التي لها مثل و قيمة، و هكذا المثل على المبنى الثاني.

و أمّا دليل السلطنة على الأموال فلا يقتضي جواز مطالبة غير ما على عهدة الضامن و هو المثل في المثليّ، و لا معنى لاقتضائه أداء القيمة إلّا إذا قيل بتبدّل المثل بالقيمة عند الإعواز، و هو أوّل الكلام.

ص: 391

______________________________

الثالث: ما في المتن من: أنّ منع المالك ظلم، و إلزام الضامن بالمثل منفيّ بالتعذّر، و مقتضى الجمع بين الحقّين وجوب القيمة.

و فيه: أنّ كون منع المالك عن القيمة ظلما منوط بثبوت القيمة على عهدة الضامن، و هو أوّل الكلام، و مع ضمان المثل إلزام الضامن بغير ما للمضمون له لعلّه ظلم.

و دعوى «اشتمال المثل على الماليّة، فتعذّره لا يسلب سلطنة المالك عن الماليّة، فله مطالبة القيمة» مدفوعة بما مرّ آنفا من عدم كون شؤون العين مضمونة. فالعهدة لا تشتغل إلّا بالمثل، لا به و بالقيمة، و لا دليل على كون التعذّر بمجرده موجبا للانقلاب كما تقدّم.

نعم إذا تعذّر المثل إلى الأبد أو إلى أمد بعيد كان منع المالك عن القيمة ظلما.

فإطلاق كلام المصنّف القاضي بوجوب القيمة مع التعذّر و لو إلى أمد قريب محلّ النظر.

كما أنّ ما أفاده من الجمع بين الحقّين أيضا محلّ التأمّل، لأنّ نفي الإلزام بالتعذّر غير ثبوت الحق للضامن، كما أنّه ليس للمالك حقّ المطالبة مع تعذّره، و حقّ مطالبة القيمة له غير ثابت مع اشتغال الذمّة بالمثل فقط.

الرابع: ما في المتن أيضا من التمسّك بقوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ حيث إنّ الضامن إذا ألزم بالقيمة مع تعذّر المثل لم يعتد عليه أزيد ممّا اعتدى.

و كذا إطلاقات أدلّة الضمان، إذ المتبادر منها وجوب الرجوع إلى ما هو الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل، و هو القيمة. فالتعذّر يوجب الانتقال إلى القيمة، كالتعذّر الابتدائي في القيميّات. و لا فرق بين التعذّر الابتدائيّ و العارضيّ.

و فيه أوّلا: أنّ الآية وردت في الاعتداء الحربيّ، و ليست راجعة إلى باب الضمان أصلا.

و ثانيا: أنّه- بعد الغضّ عمّا ذكر- لا يكون إلزام الضامن بالقيمة اعتداء بالمثل، بل بغيره، و لم يرخّص الشارع فيه.

ص: 392

______________________________

إلّا أن يقال: إنّ القيمة اعتداء بالمثل، لمماثلتها للتالف في المالية.

و لو سلّم دلالة الآية على عدم الاعتداء زائدا على مقدار اعتداء الغاصب أو الضامن، لكن لا تدلّ على جواز الاعتداء بكلّ شي ء لا تزيد ماليّته على ماليّة المضمون، لعدم كون الآية في مقام بيان ذلك، حيث إنّها بصدد بيان المنع عن التعدّي بالزيادة، لا جواز الأخذ بكل ما لا يزيد ماليّته عن ماليّة المضمون.

و ثالثا: أنّه فرق بين التعذّر الابتدائيّ كالقيميّات و التعذّر العارضيّ، بأنّ التعذّر العارضيّ لا يوجب الانتقال إلى القيمة، لرجاء وجود المثل فيه. بخلاف الابتدائي، فإنه لا يرجى وجوده، فالتكليف بدفع المثل فيه ممتنع، فلا يمتنع فيه التكليف بدفع المثل.

الخامس: أنّ صبر المالك إلى أن يوجد المثل ضرر عليه، و هو منفي، فله المطالبة بالقيمة.

و فيه أوّلا: أنّ التأخير ليس ضررا دائما، فالدليل أخصّ من المدّعى.

و ثانيا: أنّ لزوم التأخير لتعذّر المثل عقليّ، و ليس بشرعيّ حتى يرفع بقاعدة الضرر.

و ثالثا: أنّ شأن قاعدة الضرر نفي الحكم، لا إثبات أمر مباين أو مخالف، كإثبات القيمة مع ضمان المثل.

و منه يظهر الكلام في دليل نفي الحرج لو كان التأخير حرجيّا.

السادس: بناء العقلاء على مطالبة القيمة عند تعذر المثل، و إلزام الضامن بأدائها.

و فيه: أنّ المتيقّن منه- بعد ثبوته و اتّصاله بزمان المعصوم عليه السّلام- هو تعذّر المثل إلى الأبد، أو إلى أمد بعيد جدّا. و أمّا إذا كان أمد التعذّر قليلا فلا.

السابع: الالتزام بانقلاب المثل بمجرّد التعذّر إلى القيمة، بتقريب كون الوضع منتزعا عن التكليف، و من المعلوم امتناع التكليف بأداء المتعذّر. و عدم سقوط الضمان

ص: 393

______________________________

رأسا، لأنّ سقوطه مخالف للضرورة، فالتكليف لا محالة يتوجّه إلى أداء القيمة. و ينتزع من هذا التكليف الحكم الوضعيّ أعني به اشتغال الذمّة بالقيمة، و هو المطلوب. فللمالك مطالبة القيمة. فالتعذّر أوجب التكليف المنتزع عنه الشغل المترتّب على انقلاب المثل إلى القيمة، و ليس للضامن التأخير.

و فيه: مع إمكان استقلال الوضع و عدم تبعيّته للتكليف فعلا كما في إتلاف الصبيّ مال غيره- فإنّه ضامن مع عدم تكليف فعليّ عليه بوجوب الأداء- فلا ينتزع عن وجوب أداء القيمة اشتغال الذمّة بالقيمة، إذ من الممكن كون ذمّته مشغولة بالمثل، و مع ذلك جاز للمالك مطالبة الضامن بالقيمة، لعدم إمكان وصوله إلى المثل. و حبس ماله إلى زمان وصوله إلى المثل ضرر عليه، و هو منفيّ.

و الحاصل: أنّ سلطنة المالك على مطالبة القيمة و وجوب أدائها على الضامن ليست لانقلاب المثل إليها، بل لأقربيّتها إليه في مقام التأدية.

و هذا نظير بدل الحيلولة، و القول بأن ظاهر قاعدة اليد ضمان نفس العين، و أداء المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ نحو أداء لها من غير انقلاب العين إليهما.

الثامن: لغويّة جعل المثل المتعذّر في الذمّة سيّما إذا كان التعذّر إلى الأبد. و كذا التكليف بأدائه، بل هو ممتنع، لعدم القدرة عليه، فلا محالة ينقلب المثل بمجرّد تعذّره إلى القيمة.

و فيه: أنّه لا يلزم اللغويّة مطلقا. أمّا في صورة تعذر المثل إلى أمد قريب فواضح.

و أمّا مع تعذّره إلى الأبد فلأنّ بقاء المثل في الذمة يوجب اعتبار قيمة يوم الدفع، بخلاف ما إذا قلنا بتبدله بمجرّد التعذّر، فإنّ المدار على قيمة يوم التعذّر.

فالمتحصل: أن الوجوه المستدل بها على الانقلاب لا تخلو من مناقشة.

نعم لا بأس ببناء العقلاء المحكّم في باب الضمان على اعتبارهم القيمة

ص: 394

______________________________

بمجرّد تعذّر المثل، بمعنى انقلاب ما في ذمّة الضامن من المثل إلى القيمة، أو بمعنى سلطنة المالك على مطالبة ماليّة ماله و إن كان المثل في ذمة الضامن. و ذلك إمّا لكون المثليّة من حقوق المالك، و له إسقاطها. و إمّا لكون الصبر ضررا عليه.

لكن ينبغي تقييد سلطنة المالك على مطالبة القيمة بما إذا لم يكن دفع القيمة مضرّا بحال الضامن أزيد من الضرر الوارد من نفس الضمان، و إلّا فليس للمالك مطالبة القيمة، إلّا إذا كان الضمان اعتدائيّا، كما إذا غصب الضامن أو قبض المبيع مع علمه بفساد المعاملة، فإنّ الإقدام حينئذ يوجب جواز المطالبة منه بالقيمة و إن كانت ضررا عليه.

فتلخّص من جميع ما ذكرنا: أنّه لا دليل على انقلاب المثل عند إعوازه إلى القيمة و إن قلنا بجواز مطالبة القيمة لجهة من الجهات، فإنّ إعواز المثل لا يخرج المضمون عن المثليّة، و لذا لو فرض الإعواز في مدّة طويلة ثم وجد المثل وجب بحكم العقلاء أداء المثل، و وجب على المالك قبوله، و ليس له الامتناع. و لو امتنع ردّه إلى الحاكم.

فأداء القيمة عند إعواز المثل نحو أداء له في هذه الحالة من دون انقلاب العين إليها، فإنّ انقلاب المباين إلى مثله بمجرّد التعذّر ممّا لا يساعده دليل، إذ بقاؤه في الذمّة ليس منوطا بوجوده خارجا، و إلّا لم يصحّ إحداثه كما في السّلم، فإنّ بيع حنطة في الذمّة إلى أجل معلوم مع عدم وجودها حين البيع صحيح بلا إشكال. فلو كان وجود الكلّيّ خارجا شرطا لاشغال الذمّة بالكلّيّ لم يصحّ بيع السلف في هذه الصورة أصلا.

و منه يظهر عدم الإشكال في بقائه على الذمّة، و عدم انقلابه بمجرّد إعواز أفراده إلى كلّيّ آخر، فإنّ البقاء لا يزيد على الحدوث، فعدم وجود المثل في الخارج لا يوجب انقلاب الحقيقة المثليّة إلى الحقيقة القيميّة المباينة لها، إذ ليس الميزان في القيميّ عدم وجود المثل له في الخارج.

و الحاصل: أنّ إعواز المثل لا يوجب خروج الشي ء عن المثليّة، و هو الموافق لارتكاز العقلاء أيضا في باب الضمانات، و لذا لو أعوز المثل مدّة طويلة، ثم وجد

ص: 395

______________________________

فللمالك مطالبته، و ليس له الامتناع عن قبوله إذا دفعه الضامن إليه كما تقدّم آنفا. كما أنّه بناء على انقلاب المثليّ بمجرّد تعذّر المثل إلى القيمة يجب على المالك قبول القيمة، و ليس له الامتناع، لأنّه لا حقّ له في المثل حتى يصبر إلى أن يوجد، بل حقّه نفس القيمة، فيجب عليه قبولها، و إن لم يقبلها تردّ إلى الحاكم.

و ممّا ذكرنا من عدم مساعدة ارتكاز العقلاء على انقلاب المثل إلى القيمة بمجرّد إعوازه- و أنّ هذا الارتكاز هو الموجب لانصراف أدلّة الضمان إليه- يظهر ما في كلام المصنّف قدّس سرّه: «و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقا من الآية و من أنّ المتبادر .. إلخ» من الإشكال، إذ لا يستفاد منها إلّا الضمان العقلائيّ الذي قد عرفت أنّه ليس ضمان المثليّ إلّا بالمثل، سواء أعوز المثل أم لا، فإنّ الإعواز لا يوجب خروج الشي ء عن حقيقته.

فالمتحصّل: أنّ تعذّر المثل لا يوجب انقلاب المال المثلي إلى القيميّ.

ثمّ إنّ في زمان اعتبار القيمة احتمالات و وجوها كثيرة، و تحقيق ما هو الحقّ منها موقوف على بيان أمور:

الأوّل: أنّه قد مرّ سابقا عدم الدليل على انقلاب المثل عند تعذّره إلى القيمة، و إن كان المستند في لزوم القيمة آية الاعتداء و المتبادر من إطلاق الضمان، ببيان: أنّ الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل هو القيمة، فينقلب المثل عند إعوازه إلى القيمة.

و ذلك لما عرفت من أنّ إعواز أفراد طبيعة لا يوجب الانقلاب إلى طبيعة أخرى، فإنّ المثليّ- كما تقدّم سابقا- مغاير للقيميّ و مباين له، فكيف تنقلب المثليّة الى القيميّة بإعواز أفراد المثليّ؟ نعم القيمة عند تعذّر المثل أقرب إلى التالف في مقام التأدية، و هذا غير الانقلاب.

الثاني: أنّ مقتضى «على اليد ما أخذت» ضمان العين المأخوذة بجميع صفاتها الحقيقيّة و الانتزاعيّة و الإضافيّة ممّا لها دخل في الرغبات و اختلاف القيم، فالدابّة مثلا

ص: 396

______________________________

بمالها من الصفات المزبورة و كذا الثلج المأخوذ في الصيف و في قارّة أفريقا مضمونان على المستولي عليهما، و لذا يكون وصف الصحّة مضمونا، لوقوعه تحت اليد تبعا، فإذا كانت العين المغصوبة أو المقبوضة بعقد فاسد موجودة وجب ردّها مع أداء قيمة الصفات التالفة.

و إذا تلفت وجب ردّ مثلها بصفاتها إن كانت مثليّة، و إن كانت قيميّة وجب ردّ أعلى القيم من زمن الغصب أو الأخذ بالبيع الفاسد إلى زمان التلف، إن كان ارتفاع القيمة لأجل الصفات، لا لزيادة القيمة السوقيّة التي لا ترجع إلى وصف من أوصافها.

الثالث: أنّ الاحتمالات في زمان اعتبار القيمة كثيرة، و نذكر مهمّاتها و مهمّات مبانيها.

و محصّل الكلام فيها: أنّه إمّا أن نقول بأنّ مقتضى أدلّة الضمان هو وقوع العين في العهدة في المثل و القيميّ حتى حال التلف و التعذّر، و لا تنقلب إلى غيرها إلى زمان الأداء بالمثل أو القيمة.

و إمّا أن نقول بأنّ مقتضاها ضمان المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ، بمعنى: أنّ العين إذا تلفت يقع على العهدة بدلها، و هو المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ.

و على هذا الاحتمال إمّا نقول ببقاء المثل على العهدة إلى وقت الأداء حتى مع إعوازه مطلقا، و أنّ دفع القيمة إلى المالك عند التعذّر نحو أداء للمثل. و إمّا نقول بانقلابه بمجرّد التعذّر إلى القيمة. و بانقلاب العين في الاحتمال الأوّل، و هو وقوع العين على العهدة وقت تعذّر الأداء.

هذه هي الاحتمالات المعتدّ بها من الاحتمالات المتصورة في المقام.

فإن قلنا بالاحتمال الأوّل- و هو كون العين على العهدة- فعن بعض المحقّقين: أنّ الاعتبار بقيمة يوم الأداء، ببيان: أنّ ماليّة العين حال الأداء لا تحتاج إلى عناية، بخلاف غير حال الأداء كحال التعذّر أو التلف أو المطالبة، فإنّها تحتاج إلى عناية و معيّن.

بل نفس التكليف بأداء ماليّة العين تقتضي تعيّن ماليّتها عند تعلّق الأداء بها، لأنّها

ص: 397

______________________________

قيمتها بالفعل، و هي نحو أداء للعين. و التكليف و إن لم يتعلّق إلّا بنفس العين دون القيمة، إلّا أنّ عدم إمكان ردّها بنفسها أوجب المصير إلى ماليّتها، إذ المضمون هو العين بماليّتها، دون ذات العين بدون الماليّة. فنفس دليل الضمان يقتضي ضمان ماليّة المضمون، و لا يحتاج ضمانها إلى دليل آخر. و تقييد ماليّتها بغير وقت الأداء محتاج إلى مئونة زائدة، فمقتضى الضمان العرفيّ الممضى شرعا هو قيمتها الفعليّة.

فلا يرد عليه: أنّ هذا التقريب قاصر عن إثبات مطلوبهم، لأنّ التكليف على هذا المبنى لم يتعلّق بأداء القيمة و الماليّة، ضرورة عدم انقلاب العين إلى القيمة، و ليس دليل لفظيّ دالّ على وجوب أداء قيمة العين حتى يستظهر منه ما ذكر، هذا.

نعم الإشكال في أصل المبنى «بعدم دليل على وقوع العين في العهدة بعد التلف مع عدم إمكان أدائها أصلا» في محلّه، لاحتياجه إلى عناية زائدة، فإنّ اعتبار وجود العين على العهدة ممّا لا يتبادر في أذهان العقلاء الحاكمين بالضمان. بل تلف العين يوجب اشتغال الذمّة ببدلها مثلا أو قيمة. كما أنّ تلف المثل يوجب الانتقال إلى البدل إلّا مع رجاء وجود المثل في زمان غير بعيد، هذا.

و قد يقال: باعتبار قيمة يوم التلف مع فرض كون العين على العهدة، ببيان: «أنّ الماليّة بلحاظ حال التلف ماليّة حقيقية موجودة مضمونة. و أمّا الماليّة قبل التلف فهي موجودة، لكنّها غير مضمونة، و لذا لا يجب تداركها مع دفع العين إذا نقصت قيمتها.

و الماليّة بعد التلف ليست موجودة، بل مفروضة بفرض وجود العين، و لا تدارك حقيقة إلّا للماليّة المتحقّقة بتحقّق العين، لا الماليّة المقدّرة للعين المفروضة.

فالنتيجة هي الاعتبار بقيمة يوم التلف، لا يوم الأداء كما هو مقتضى الوجه الأوّل.

نعم إنّما تكون العبرة بيوم الأداء إذا قلنا بأنّ مقتضى أدلة الضمان كون الثابت على العهدة المثل لا العين، لأنّ المثل ثابت عليها إلى زمان الأداء، فالاعتبار بيومه، لأنّ المثل كلّي ثابت في الذمة له ماليّة موجودة لا مفروضة. و هو الفارق بين بقاء العين على العهدة

ص: 398

______________________________

إلى زمان التفريغ، و بقاء المثل إلى زمان الأداء، فإنّ العين حيث كانت شخصيّة و قد تلفت فلا وجود و لا ماليّة لها إلّا بالفرض. بخلاف المثل، فإنّه كلّيّ لا يتوقّف اشتغال الذمّة به على وجود شي ء يطابقه خارجا، فلا تلف له، فماليته حال الأداء متحققه لا مفروضة» «1».

و فيه: أنّ الفرق بين بقاء العين على العهدة إلى زمان التفريغ، و بقاء المثل إلى زمان الأداء غير ظاهر، لأنّ ماليّة الكلّيّ ليست باعتبار نفسه، بل باعتبار ماليّة مصاديقه المحقّقة أو المقدّرة، فمصاديقه التي تكون تحت قدرة الضامن جهة تعليليّة لصيرورة الكلّيّ في الذمّة مالا، نظير الأوراق النقديّة، فإنّ ماليّتها باعتبار الذهب أو الفضّة أو غيرهما ممّا جعل بإزائها و منشأ لماليّتها، و يقال لها: «رصيد».

و عليه فالكلّيّ إذا كان على ذمّة معتبرة- أمكن لصاحبها إيجاد مصاديقه مهما أراد، أو يطالب آجلا أو عاجلا- يكون مالا، و مع عدم الإمكان مطلقا لا تعتبر له الماليّة، فكما أنّ ماليّة الكلّيّ باعتبار غيره و هو مصاديقه، فكذلك ماليّة العين التي هي في الذمّة باعتبار أنّها مضمونة، و أنّ صاحب الذمة قادر على أدائها بمثلها أو قيمتها. و العين المعدومة خارجا غير معدومة في صقع الاعتبار، و لها ماليّة باعتبار إمكان تأديتها بالمثل أو القيمة.

فلا فرق بين الكلّيّ في الذمّة. و العين فيها، لا من جهة المعدوميّة من جهة و الموجوديّة من أخرى، فإنّ كلّا منهما معدوم خارجا و موجود اعتبارا. و لا من جهة الماليّة، لأنّ كلّا منهما بذاته مع الغضّ عن إمكان تحقّق مّا لا مالية له. و لهذا لا يعتبر الكلّيّ في ذمّة من لا يقدر على إيجاد مصداقه عاجلا و لا آجلا، و لا ماليّة له. فالعين المعتبرة في ذمّة من أمكنه أداء مثلها أو قيمتها مال، و المسألة عقلائيّة لا عقليّة، فالاعتبار على هذا المبنى- أي كون العين في الذمّة- بقيمة يوم الأداء مع اعتبار جميع الأوصاف الدخيلة في الرغبات.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 94

ص: 399

______________________________

و أمّا ما أفيد من «عدم ضمان الماليّة قبل التلف و إن كانت موجودة» فإن أريد بها القيمة السوقيّة فلا بأس به، لما قيل من أنّ مجرّد زيادة القيمة السوقيّة ما لم ترجع إلى وجود وصف أو فقدانه لا توجب الضمان، لعدم مساعدة العرف عليه، إذ القيمة معتبرة بإزاء الشي ء و صفاته الموجبة للرغبات، و لا تلاحظ القيمة وصفا لنفس الشي ء.

و إن أريد بها الأعمّ منها و من الأوصاف الدخيلة في الرغبات، فهي مضمونة بدليل الضمان كما تقدّم.

و عليه فالأولى أن يقال: إنّ مقتضى هذا المبنى- أي: كون العين في الذمّة- وجوب الخروج عن عهدة العين التي في عهدته. بأداء قيمتها التي هي نحو أداء لها، و العرف يحكم بأنّ أداءها يتحقق بأداء قيمتها الفعلية، لا القيم الأخر، فلو كان قيمتها حال الأداء مائة مثلا و قبله خمسين، فأداء الخمسين ليس نحو أداء لها.

و كذا الحال بناء على كون مفاد دليل الضمان ضمان المثل في المثليّ و القيمة في القيميّ- في قبال المبنى المتقدّم و هو ضمان نفس العين- فإنّه بناء على بقاء المثل في الذمة إلى وقت الأداء و عدم انقلابه بالتعذّر إلى القيمة يجري فيه ما مرّ من كون العبرة بقيمة يوم الأداء.

و أمّا بناء على انقلاب المثل بتعذّره إلى القيمة، فإن كان التعذّر بدويّا أي من زمان تلف العين- فالعبرة بقيمة العين يوم التلف، لأنّه يوم الانقلاب إلى القيمة.

و لا وجه لاعتبار قيمة الأزمنة المتخللة بين تلف العين و أداء القيمة، إذ القيمة في تلك الأزمنة فرضيّة لا حقيقيّة. فالضمان إنّما ثبت في الماليّة الموجودة، و هي زمان تلف العين، فالقيمة قيمة العين، لا قيمة المثل حتى يلاحظ قيمة يوم الأداء، نظرا إلى ثبوت كلّيّ المثل في الذمّة إلى زمان الأداء.

و إن كان التعذّر طارئا، فعلى القول بكون المثل و القيمة كليهما غرامة نفس العين- و أنّ ضمان المثل في المثليّ لسدّ خلل مال الغير بمقدار الإمكان، و هو ماهيّته النوعية،

ص: 400

______________________________

و مع عدم الإمكان من هذه الجهة لا بدّ من ضمان قيمتها، لأنّها سدّ لخللها في هذا الحال بالمقدار الممكن- فلا بدّ حينئذ من اعتبار قيمة يوم تلف العين أيضا.

و على القول باشتغال العهدة مع التعذّر الطاري بالمثل فلا بدّ من الخروج عن عهدته، لا عهدة العين، إذ المفروض عدم اشتغال الذمّة بها، بل بالمثل، فلا وجه لاعتبار قيمتها، فالعبرة حينئذ بقيمة المثل يوم التعذّر.

هذا بناء على ضمان المثل في المثليّ. و أمّا بناء على كون العين على العهدة إلى زمان تعذّر المثل ثم انقلابها إلى القيمة، فالمدار على قيمة يوم تعذّر المثل، لأنّه وقت انقلابها إلى القيمة.

فالمتحصّل: أنّه بناء على وقوع العين على العهدة تكون العبرة بقيمة يوم الأداء.

و بناء على وقوع المثل في الذمّة ففي تعذّره البدويّ تكون العبرة بقيمة يوم تلف العين، لأنّه زمان انقلاب العين بالقيمة، فيكون كتلف القيميّ في كون العبرة بقيمة يوم التلف.

و في تعذّره الطاري تكون العبرة أيضا بقيمة يوم تلف العين بناء على كون المثل و القيمة كليهما غرامة نفس العين. و بقيمة يوم تعذر المثل بناء على اشتغال الذمّة بالمثل، لا قيمة العين التالفة، لعدم اشتغال الذمّة بالعين، فلا وجه لاعتبار قيمتها، هذا.

تتمة: اعلم أنّ من الأقوال اعتبار أعلى القيم من حين أخذ العين إلى زمان التلف.

و وجهه ما أشير إليه سابقا من كون العين بجميع أوصافها الدخيلة في الرغبات مضمونة، فالقيمة العالية الناشئة من الأوصاف الثابتة له حال الأخذ مضمونة، لوقوع الأوصاف تبعا للعين تحت اليد، فلو تنزّلت قيمتها بعد الأخذ كان الضمان باقيا، فمع تلف العين تصير قيمتها العالية مضمونة.

و أمّا بعد التلف فلا وجه لضمان زيادة قيم الأمثال إلى حين تعذّر المثل أو الأداء، لأنّ العين التالفة خرجت عن تحت اليد، و وقوعها على العهدة على القول به- أو وقوع

ص: 401

______________________________

مثلها على القول الآخر- مغاير لكونهما تحت اليد الذي هو الموجب للضمان، فلا وجه لضمان زيادة قيم أمثال العين في صورة وقوع المثل على الذمّة، أو العين المفروضة الوجود في صورة وقوع العين بوجودها الاعتباري على الذمّة، فيسقط كثير من الاحتمالات كأعلى القيم من حين الأخذ إلى حين الإعواز أو المطالبة أو الأداء، أو من حين التلف إلى زمان الإعواز، أو غيره مما ذكر.

فما قيل من: «أن الانقلاب إلى القدر المشترك بين العين و المثل أي أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان إعواز المثل وجيه، لأنّ القول بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف ينتج في المقام ضمانه بأعلى القيم من زمان أخذ العين إلى زمان إعواز المثل، لأنّ معنى الضمان بأعلى القيم هو استقرار مراتب القيمة السوقيّة في عهدة الضامن بشرط تلف المضمون، فإذا تعذّر ردّ المثل بقي ارتفاع قيمته على العهدة، كما أنّ ارتفاع قيمة العين أيضا عليها» «1».

ممّا لا يمكن المساعدة عليه، لما مرّ آنفا من أنّ الموجب للضمان هو كون الشي ء تحت اليد. و أمّا كونه على العهدة فهو مغاير لما يوجب الضمان، و لذا لو كان عليه صاع من الحنطة بسبب القرض أو البيع و لم يؤدّ مع المطالبة لم يضمن ارتفاع قيمته، إذ لا وجه للضمان بعد عدم كون ما على العهدة تحت اليد. فالقول بضمان أعلى القيم في الغصب إلى زمان التلف لا ينتج ما ذكر من ضمان أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان إعواز المثل.

و توهّم شمول آية الاعتداء لذلك بتقريب: أنّ عدم أداء العين و المثل حين ارتفاع قيمته اعتداء يعتدى فيه بالمثل، و هو القيمة، فاسد، لأنّ الاعتداء مع المطالبة اعتداء في تأخير أداء ما في ذمّته، لا اعتداء في قيمته.

مضافا إلى عدم دلالة الآية الشريفة على الضمان كما مرّ مرارا.

و الحاصل: أنّ ما ذكر ليس له وجه، فضلا عن كونه وجيها.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 142

ص: 402

[الوجوه المحتملة في قيمة المثل المتعذّر، و مبانيها]

________________________________________

ثمّ إنّ في هذه المسألة (1) احتمالات أخر (2)، ذكر أكثرها في القواعد (3)، و قوّى بعضها في الإيضاح، و بعضها بعض الشافعيّة.

______________________________

الوجوه المحتملة في قيمة المثل المتعذّر، و مبانيها

(1) أي: مسألة تعذّر المثل.

(2) أي: غير اعتبار القيمة يوم تعذّر المثل الذي نسبه إلى الحلّيّ في البيع، و إلى التحرير في باب القرض.

(3) قال العلّامة قدّس سرّه فيه: «و لو تلف المثليّ في يد الغاصب و المثل موجود فلم يغرمه حتى فقد، ففي القيمة المعتبرة احتمالات: الأوّل: أقصى قيمته من يوم الغصب إلى التلف، و لا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال. الثاني: أقصى قيمته من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز. الثالث: أقصى القيم من وقت الغصب إلى الإعواز. الرابع:

أقصى القيم من وقت الغصب إلى وقت دفع القيمة. الخامس: القيمة يوم الإقباض» «1».

و أضاف إلى هذه احتمالات أخرى في غصب التذكرة، فراجع.

و لا يخفى أنّ الاحتمال الخامس هو مذهب المشهور الذي اختاره المصنّف، و قد تقدّم وجهه و مبناه، و هو عدم سقوط المثل عن الذّمّة بمجرّد الإعواز، بل يتوقف سقوطه على أداء ثمن المثل، و لذا تكون العبرة بقيمة يوم الدفع و الإقباض. و يبتني عليه الاحتمال الرابع أيضا كما سيأتي.

و أمّا سائر الاحتمالات فمبنيّة على استقرار القيمة في عهدة الضامن بأحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: انقلاب العين المثليّة التالفة إلى القيمة بسبب إعواز المثل.

الثاني: انقلاب نفس المثل إلى القيمة.

الثالث: انقلاب الجامع المشترك بين العين التالفة و المثل المتعذّر إلى القيمة.

و هذا المبنى الثالث لم يشر إليه المصنّف قدّس سرّه هنا، و لكنّه أشار إليه في تفصيل مباني

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 79 (الطبعة الحجرية).

ص: 403

و حاصل جميع الاحتمالات (1) في المسألة مع مبانيها: أنّه إمّا أن نقول باستقرار المثل في الذّمّة إلى أوان الفراغ منه بدفع القيمة، و هو الذي اخترناه (2) تبعا للأكثر من اعتبار القيمة عند الإقباض، و ذكره في القواعد خامس الاحتمالات.

و إمّا (3) أن نقول بصيرورته (4) قيميّا عند الإعواز.

______________________________

الاحتمالات بقوله: «و إن قلنا: إنّ المشترك بين العين و المثل صار قيميّا» و كان المناسب التنبيه على إجماله هنا كما نبّه على إجمال سائر المباني.

و كيف كان فكلام المصنّف قدّس سرّه حول مباني الاحتمالات المذكورة في قواعد العلّامة قدّس سرّه يقع في مقامين:

أحدهما: مقام الثبوت، و بيان ما يمكن أن يكون وجها لكلّ واحد من الاحتمالات.

ثانيهما: مقام الاثباب، و هو الاستظهار من أدلّة الضمانات.

(1) أي: جميع الاحتمالات المتصورة في هذه المسألة ممّا تقدّم و غيره ممّا سيأتي.

(2) يستفاد اختياره له من بيانه و عدم المناقشة فيه، حيث قال: «ان المشهور أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع .. إلخ».

(3) معطوف على قوله: «إمّا أن نقول» و قد أشرنا آنفا إلى أنّ: منشأ ما عدا الاحتمال الخامس- من الاحتمالات المذكورة في القواعد- هو هذا الشّقّ من القضيّة المنفصلة أعني استقرار القيمة في ذمّة الضامن عند الإعواز.

(4) مقتضى السياق رجوع الضمير إلى «المثل» الذي تقدّم في قوله: «إمّا أن نقول باستقرار المثل في الذّمّة إلى أوان الفراغ منه» فالمراد بقوله: «و إمّا أن نقول» هو:

أن نقول بصيرورة المثل المتعذّر قيميّا، أي انقلاب المثل إلى القيمة.

و لكن يشكل هذا الإرجاع من جهة أنّ المصنف رتّب عليه احتمالين:

أحدهما: انقلاب المثل إلى القيمة، و هذا يلتئم مع إرجاع الضمير إلى المثل.

ص: 404

فإذا صار كذلك (1)، فإمّا أن نقول: إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة (2) قيميّ فيكون القيميّة صفة للمثل بمعنى: أنّه لو تلف وجب قيمته. و إمّا أن نقول: إنّ المغصوب انقلب قيميّا بعد أن كان مثليّا.

فإن قلنا بالأوّل (3)، فإن جعلنا الاعتبار في القيميّ

______________________________

ثانيهما: انقلاب نفس العين المثليّة التالفة إلى القيمة، لما سيأتي من قوله: «و إمّا أن نقول: إنّ المغصوب انقلب قيميّا بعد أن كان مثليّا» و من المعلوم أنّ انقلاب نفس العين التالفة إلى القيمة أجنبيّ عن صيرورة المثل قيميّا، لأنّ المدار على قيمة العين لا قيمة المثل المتعذّر، و إن كان تعذّره واسطة ثبوتيّة لتبدّل ضمان العين بالثمن.

و كيف كان فمراد المصنّف من قوله: «و إمّا أن نقول بصيرورته قيميّا» هو تبدّل ضمان المثل بضمان القيمة، إمّا قيمة المثل، و إمّا قيمة العين التالفة أو المتلفة.

إلّا أن يوجّه إرجاع الضمير إلى «المثل» بأنّ المثليّ يصير قيميّا، سواء أ كانت القيمة قيمة المثل أم قيمة العين المضمونة، فيصحّ جعله مقسما لقسمين، فتدبّر.

(1) يعني: فإذا صار قيميّا عند إعواز المثل، لا عند دفع القيمة الذي نسبه المصنّف إلى المشهور و اختاره كما عرفت.

(2) كما فهمه المحقّق الثاني «1» من قول العلامة قدّس سرّهما. و عليه فتكون القيمة بدلا عن المثل الذي هو بدل عن العين، فتصير القيمة بدل البدل، في قبال الاحتمال الآخر و هو كون القيمة بدلا عن العين، نظير بدليّة المثل عنها، فيكون للعين بدلان: المثل و القيمة، لكنّهما ليسا بدلين عرضيّين بل طوليين، و بدلية القيمة مشروطة بتعذّر المثل.

أمّا بدليّة المثل فمطلقة.

(3) المراد بالأوّل هو أوّل الاحتمالين المبنيين على انقلاب المثل قيميّا عند الإعواز، و قد أفاده بقوله: «فإمّا أن نقول: إنّ المثل المستقرّ في الذّمّة قيميّ ..» و ليس المراد بالأوّل بقاء المثل في الذّمّة إلى أوان أداء القيمة، لما عرفت من أنّه لو قلنا

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 254

ص: 405

بيوم التلف (1)- كما هو أحد الأقوال (2)- كان (3) المتعيّن قيمة المثل يوم الإعواز، كما صرّح به (4) في السرائر في البيع الفاسد، و التحرير في باب القرض، لأنّه (5) يوم تلف القيميّ.

و إن جعلنا الاعتبار فيه (6) بزمان الضمان- كما هو القول

______________________________

ببقاء المثل في عهدة الضامن إلى يوم الإقباض تعيّنت قيمته في ذلك اليوم، و لا مجال لسائر الاحتمالات.

(1) و هو الموافق للمرتكز العرفيّ في الضمان بالقيم من تدارك الخسارة الماليّة- الواردة على المالك بتلف العين- بما يساوي تلك الخسارة حين التلف.

(2) بل في الدروس و الروضة نسبته إلى الأكثر، كما نقله المصنف في الأمر السابع. و الوجه فيه: أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو يوم التلف، إذ الواجب قبله إنّما هو ردّ العين.

(3) جواب الشرط في «فإن جعلنا» و جملة الشرط و الجزاء جواب لقوله:

«فإن قلنا ..».

(4) أي: كما صرّح ابن إدريس و العلّامة قدّس سرّهما- في بعض المواضع- بتعيّن قيمة المثل يوم إعوازه. و قد تقدّم كلامهما و كلام الشهيد الثاني في بيع المسالك، فراجع (ص 384 و 385).

(5) يعني: لأنّ يوم إعواز المثل هو يوم تلف القيميّ، فلا بدّ من رعاية قيمة المثل يوم تعذّره.

و لا يخفى أنّ تعيّن قيمة المثل يوم الإعواز ليس من الاحتمالات المذكورة في القواعد، و إنّما ذكره العلّامة قدّس سرّه في التذكرة سابع الاحتمالات، و نبّه المصنّف قدّس سرّه عليه، لترتّبه على القول بالانقلاب و بضمان القيميّ يوم تلفه.

(6) أي: و إن جعلنا الاعتبار في القيميّ بزمان الضمان- لا يوم التلف- اتّجه القول بضمان قيمة زمان تلف العين، لأنّ زمان تلف العين هو أوّل أزمنة ثبوت المثل في

ص: 406

الآخر في القيميّ (1)- كان (2) المتّجه اعتبار زمان تلف العين (3)، لأنّه (4) أوّل أزمنة وجوب المثل في الذّمّة المستلزم (5)

______________________________

الذّمّة، لأنّ الذّمّة لا تشتغل بالمثل ما دامت العين موجودة، فإذا تلفت انتقل الضمان إلى البدل و هو المثل، و حيث إنّ المفروض إعواز المثل ضمنه بقيمته يوم تلف العين.

و بعبارة أخرى: إنّ اشتغال الذّمّة بقيمة المثل زمان تلف العين منوط بأمرين:

أحدهما: القول بأنّ القيميّ المغصوب يضمن بقيمة يوم غصبه، ضرورة أنّ وضع اليد على مال الغير مقتض لاشتغال العهدة به. و لا عبرة بقيمته في سائر الأزمنة كيوم تلفه أو يوم مطالبة الملك ببدل التالف.

ثانيهما: أنّ المثليّ انقلب يوم إعوازه بالقيميّ.

و بناء عليهما يتّضح وجه ضمان قيمة المثل يوم تلف العين، و ذلك لأنّ تلفها يوجب استقرار المثل في الذّمّة، فالمضمون في يوم التلف هو المثل، و حيث تعذّر الوصول إلى المثل- كما هو المفروض- و انقلب قيميّا، فلا بدّ من رعاية قيمته يوم استقراره في العهدة و هو يوم تلف العين.

(1) هو لشيخ الطائفة في موضع من المبسوط، و لغيره أيضا كما سيأتي في الأمر السابع.

(2) جواب الشرط في قوله: «و إن جعلنا ..».

(3) يعني: اعتبار ثمن المثل في يوم تلف العين المضمونة بالغصب أو بالقبض بالبيع الفاسد كما في المقام.

(4) يعني: لأنّ زمان تلف العين أوّل أزمنة ثبوت المثل في الذّمّة، فانقلب ضمان العين بضمان المثل، و حيث إنّ المثل متعذّر، ضمن ثمنه يوم تعذّره، كما إذا تلفت العين في أوّل الشهر، و تعذّر المثل في آخر الشهر، فيضمن ثمن المثل في أوّل الشهر الذي تلفت العين فيه، لا ثمنه في يوم إعواز المثل كما كان في الاحتمال السابق على هذا الاحتمال.

(5) صفة ل «وجوب المثل» و المراد بالوجوب هو الثبوت.

ص: 407

لضمانه بقيمته عند (1) تلفه (2). و هذا (3) مبنيّ على القول بالاعتبار في القيميّ بوقت الغصب كما عن الأكثر.

و إن جعلنا (4) الاعتبار فيه بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف- كما حكي عن جماعة من القدماء (5) في الغصب- كان المتّجه الاعتبار بأعلى

______________________________

(1) متعلّق ب «ضمانه» لا «بقيمته» و ظرف القيمة- و هو زمان تلف العين و اشتغال الذّمّة بالمثل- محذوف.

(2) هذا الضمير راجع إلى العين، و ضميرا «لضمانه، بقيمته» راجعان إلى المثل، فكأنّه قيل: وجوب المثل في الذّمّة مستلزم لضمان خصوص قيمة المثل الثابتة عند تلف العين، لا سائر قيمة.

(3) أي: ضمان قيمة يوم التلف مبنيّ على القول بكون العبرة في القيميّ بزمان الغصب، لأنّه وقت الضمان كما عن الأكثر، و المفروض أنّ زمان اشتغال الذّمّة بالمثل هو زمان تلف العين.

(4) معطوف على «و إن جعلنا» و مقصوده قدّس سرّه بيان مبنى الاحتمال الثاني المتقدّم عن القواعد، و هو ضمان أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل، فأفاد:

أنّه لو قلنا في القيميّ المغصوب بمقالة جماعة من قدماء الأصحاب- من ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف- اتّجه الاحتمال الثاني و هو ضمان المثليّ المتعذّر وجوده بأعلى القيم من تلف العين إلى الإعواز، و ذلك لأنّ زمان الضمان بالمثل هو زمان تلف العين، كما إذا تلفت أوّل الشهر و تعذّر المثل في آخره، فإنّ المثل المنقلب إلى القيميّ صار مضمونا في تمام الشهر، فلو ارتفعت قيمته وسط الشهر و انخفضت في يوم إعواز المثل ضمن تلك القيمة العليا.

(5) قال السيّد العامليّ قدّس سرّه: «هو خيرة الخلاف و المبسوط و النهاية في موضع منهما، و الوسيلة و الغنية و السرائر و الإيضاح و اللمعة و المقتصر و التبصرة- على إشكال- و كذا شرح الإرشاد للفخر، و في بيع المختلف نسبته إلى علمائنا، و في

ص: 408

القيم من يوم تلف (1) العين إلى زمان الإعواز.

و ذكر هذا (2) الوجه في القواعد ثاني الاحتمالات.

و إن قلنا (3): إنّ التالف

______________________________

غصبه: انّه أشهر. و استحسنه في الشرائع، و كأنّه قال به أو مال إليه. و في الكفاية و المسالك: أنّ في خبر أبي ولّاد ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين، و كأنّه قال به و قوّاه في الروضة أيضا .. إلخ» «1».

(1) لما عرفت من أنّ يوم تلف العين أوّل زمان ضمان المثل بقيمته عند تلفها، و آخر زمانه زمان تلف المثل أعني به زمان إعوازه.

(2) أي: اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.

هذا تمام الكلام في الاحتمالات الثلاثة المبتنية على انقلاب المثل إلى القيمة بالإعواز.

أوّلها: اعتبار قيمة المثل يوم الإعواز، و هو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم تلفه.

ثانيها: اعتبار قيمة المثل يوم تلف العين، و هو مبنيّ على القول بضمان القيميّ بقيمة يوم ضمانه و دخوله في العهدة. و حيث إنّ ضمان المثل تحقّق في يوم تلف العين اعتبر ثمنه فيه، لا في يوم إعوازه و تعذّره.

ثالثها: اعتبار أعلى قيم المثل من زمان تلف العين إلى زمان إعواز المثل، و هذا مبنيّ على ضمان القيميّ المغصوب بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان التلف.

و سيأتي الكلام فيما يبتني من الوجوه على القول الآخر في المثليّ المتعذّر، و هو ضمان قيمة نفس العين لا قيمة المثل.

(3) معطوف على قوله: «فان قلنا بالأوّل» يعني: و إن قلنا بالثاني- و هو انقلاب التالف المثليّ قيميّا، لا انقلاب المثل المعوز إلى القيمة- ففيه احتمالان:

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 244

ص: 409

انقلب (1) قيميّا احتمل (2) الاعتبار بيوم الغصب

______________________________

أحدهما: كون العبرة بقيمة يوم الغصب.

و الآخر: كون العبرة بأعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف. و سيأتي توضيحهما.

(1) ليس المراد بالانقلاب اتّحاد المثليّ المتعذّر مع القيميّ حقيقة، لما تقدّم في الأمر الرّابع من التقابل بينهما و تباينهما، فالمثلي ما تساوت أجزاؤه، و القيميّ ما لا تتساوى أجزاؤه. بل المراد إجراء حكم القيميّ في المثليّ المتعذّر. فكما أنّ الضامن للتالف القيميّ مخاطب بتفريغ ذمّته بأداء القيمة، فكذا في المضمون المثليّ الذي كان موجودا حين تلف العين ثم طرأ عليه التعذّر، فإنّه مخاطب بأداء قيمة التالف بعد أن كان مخاطبا بأداء المثل.

(2) وجه هذين الاحتمالين واضح، و هو اتّحاد حكم المثليّ المتعذّر المنقلب إلى القيميّ مع حكم القيميّ بالأصالة. فإن قلنا بضمان الأعيان القيميّة بقيمة يوم غصبها تعيّن ضمان العين المثليّة- التي طرأ التعذّر على أمثالها- بقيمة يوم ضمانها و دخولها في العهدة. فكأنّ هذه العين المثليّة قيميّة من أوّل الأمر، فتضمن بما تضمن به الأعيان القيميّة.

و إن قلنا بضمان القيميّ بأعلى القيم من الغصب- أو الضمان- إلى يوم التلف اتّجه القول بضمان المثليّ المتعذّر بأعلى قيمته من حين غصبه إلى تلفه.

و لا يخفى أنّ المصنّف قدّس سرّه اقتصر- بناء على الانقلاب- على احتمالين، و أهمل الاحتمال الأوّل الذي رتّبه على ضمان القيميّ بقيمة يوم تلفه.

و الوجه في إهمال ذكره- كما في حاشية الشيخ المامقاني قدّس سرّه- وجود المانع عن جريانه بناء على مفروض البحث و هو انقلاب المثليّ قيميّا، و ذلك لأنّ الكلام في المثليّ الذي تعذّر مثله، و من المعلوم أنّ الضامن كان مخاطبا يوم تلف العين بأداء المثل دون قيمة العين، و لهذا لم يمكن إلزام المالك بقبول القيمة لو دفعها الغاصب يومئذ.

ص: 410

كما في القيميّ (1) المغصوب، و الاعتبار بالأعلى منه (2) إلى يوم التلف. و ذكر هذا أوّل الاحتمالات في القواعد.

و إن (3) قلنا: إنّ المشترك بين العين و المثل صار قيميّا

______________________________

و عليه فلا يصحّ أن يكون المناط قيمة العين عند تلفها «1».

(1) أي: القيميّ بالأصالة، و هو ما لا تتساوى أجزاؤه. و المراد بيوم الغصب يوم القبض.

(2) أي: من يوم غصب العين إلى يوم تلفها بوصف كونها قيميّة، و هو يوم إعواز المثل.

(3) معطوف على «فإن قلنا بالأوّل» و هذا مبنى الاحتمال الثالث المذكور في القواعد، و هو ضمان القيمة العليا من حين الغصب إلى التلف.

و حاصل هذا المبنى: أنّ المدار في ضمان المثليّ الذي تعذّر مثله ليس هو العين بخصوصها حتى تضمن بقيمة يوم غصبها أو يوم تلفها، و لا هو المثل بخصوصه حتى يضمن بقيمة يوم تلف العين الذي هو زمان اشتغال الذّمّة بالمثل، و لا بيوم إعوازه الذي هو كتلفه. بل المدار على قيمة الجامع بين العين و المثل، بمعنى: أنّ المنقلب قيميّا هو القدر المشترك بينهما أي الصفات الكلّيّة و الجهات النوعيّة و الصنفية الموجبة لماليّة الشي ء، إذ هي الأمر المشترك الموجود في العين التالفة و مثلها اللذين هما من مصاديق الكلّيّ المثليّ. و تعذّر هذا الأمر المشترك منوط بتلف العين و تعذّر المثل، ضرورة توقّف تعذّر الكلّيّ و تلفه على تلف جميع أفراده.

مثلا إذا وضع يده على صاع من الحنطة المملوكة لزيد و تلفت عنده، اشتغلت ذمّته بما يماثلها في الصفات الدخيلة في ماليّتها، فلو أهمل حتى تعذّر المثل تبدّل الضمان بصنف الحنطة الكلّيّة الجامعة للعين و المثل.

و المناسب لهذا المبنى احتمالان مما احتمله العلّامة قدّس سرّه.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 310

ص: 411

جاء (1) احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان (2) إلى يوم تعذّر المثل، لاستمرار (3) الضمان فيما قبله (4) من (5) الزمان إمّا للعين، و إمّا للمثل. فهو (6) مناسب لضمان الأعلى من حين الغصب إلى التلف.

______________________________

أحدهما: الاحتمال الثالث، و هو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان و القبض إلى يوم إعواز المثل، فإذا كانت قيمة الحنطة زمان الغصب دينارا، ثم صارت يوم تلفها نصف دينار، و يوم تعذّر المثل دينارا و نصف دينار، كان المضمون به هو الأخير، لأنّ المستقرّ في العهدة ليس خصوص العين و لا خصوص المثل، بل كلّيّ الحنطة إلى زمان إعوازها. و لا ريب في أنّ ارتفاع القيمة من حالات العين المضمونة، فيكون مضمونا.

ثانيهما: الاحتمال الرابع، و هو ضمان أعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم أداء القيمة، لأنّه يوم تفريغ الذّمّة من الكلّيّ المثليّ المستقرّ في العهدة من يوم الضمان، و يتوقّف الفراغ عنه على أداء قيمته.

(1) وجه مجي ء هذا الاحتمال ما ذكرناه من استقرار الكلّيّ في ذمّة الضامن، لا خصوص العين التالفة، و لا خصوص المثل المتعذّر.

(2) المراد بيوم الضمان هو يوم الغصب، و يوم قبض المبيع بالبيع الفاسد.

(3) تعليل لتوجّه احتمال الضمان بأعلى القيم من زمان الضمان إلى زمان إعواز المثل الذي هو يوم سقوط خصوصيّة المثل عن الذّمّة، و تبدّله بضمان الجامع بين العين و المثل.

(4) أي: قبل يوم تعذّر المثل.

(5) بيان ل «ما» الموصولة، يعني: أنّ الضمان مستمرّ من يوم الضمان إلى يوم الإعواز.

(6) الظاهر رجوع الضمير إلى استمرار الضمان قبل تلف المغصوب إلى زمان تعذّر المثل، و عليه فلا بدّ من حمل «التلف» على إعواز المثل لا تلف العين، إذ لو أريد تلف العين لم يتّجه ضمان ارتفاع قيمة الأمثال من هذا اليوم- الذي هو مبدأ استقرار المثل في الذّمّة- إلى زمان الإعواز، و ذلك لفرض كون المضمون خصوص العين من يوم غصبها إلى يوم تلفها، لا الماليّة المشتركة بين المثل و العين.

ص: 412

و هذا (1) ذكره في القواعد ثالث الاحتمالات.

و احتمل (2) الاعتبار بالأعلى من يوم الغصب إلى دفع المثل (3).

و وجهه (4) في محكيّ التذكرة و الإيضاح: بأنّ المثل لا يسقط بالإعواز، قالا: «ألا ترى أنّه لو صبر المالك إلى وجدان المثل استحقّه (5)، فالمصير إلى القيمة عند تغريمها» و القيمة الواجبة على الغاصب أعلى القيم.

______________________________

(1) المشار إليه قوله: «احتمال الاعتبار بالأعلى من يوم الضمان إلى يوم تعذّر المثل» و هو ثالث الاحتمالات المتقدمة في عبارة القواعد.

(2) معطوف على قوله: «جاء احتمال» و غرضه قدّس سرّه أنّه لو قلنا بضمان الماليّة الجامعة بين العين التالفة و المثل المتعذّر احتمل القول بضمان القيمة العليا من حين الضمان إلى زمان أداء الغرامة، و هي قيمة المثل.

و الوجه في هذا الاحتمال: أنّ ذمّة الضامن مشغولة بالجامع بين العين و المثل، و المسقط هو أداء القيمة إلى المالك، فلو ارتفعت قيمة المثل بعد زمان تعذّره كان هذا الارتفاع مضمونا أيضا.

(3) الصواب أن يقال: «إلى دفع القيمة» كما هو صريح عبارة القواعد و التذكرة.

إلّا أن يلتزم بتقدير مضاف، بأن يقال: «دفع قيمة المثل المفروض تعذّره» فيكون دفع القيمة أداء للمثل المتعذّر من جهة ماليّته، لا من جهة مثليّته، هذا.

(4) أي: وجّه العلّامة و فخر المحقّقين ضمان أعلى القيم- من يوم الغصب إلى أداء القيمة- بأنّ المثل لا يسقط .. إلخ.

(5) هذه العبارة منقولة بالمعنى، و إلّا فعبارة التذكرة و الإيضاح هي: «ملك المطالبة به» ثم زاد في التذكرة قوله: «و إنّما المصير إلى القيمة عند تغريمها».

و هذا الاحتمال الرابع مختار فخر المحققين، لقوله بعد ذكر مآخذ الاحتمالات الخمسة: «و الأصحّ الرابع» «1».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 175

ص: 413

و حاصله (1): أنّ وجوب دفع قيمة المثل يعتبر (2) من زمن وجوبه (3) إلى وجوب مبدله أعني العين، فيجب أعلى القيم منها (4)، فافهم (5).

______________________________

و كيف كان فالحاكي لعبارتي التذكرة و الإيضاح هو السيّد العامليّ، و عبارة المتن نصّ كلامه «1».

(1) هذا الحاصل مذكور في مفتاح الكرامة أيضا، فراجع. يعني: حاصل توجيه العلّامة و فخر الدين للاحتمال الرابع هو: أنّ وجوب دفع قيمة المثليّ الذي بقي مثله في الذّمّة إلى يوم غرامة القيمة- و سقط بدفع القيمة إلى المالك- إنّما يعتبر بنحو القهقرى من أوّل زمان وجوب قيمة المثليّ، و هو زمان دفعها، و ينتهي إلى زمان ثبوت مبدل القيمة أعني نفس المال المثليّ المغصوب، و هو زمان غصب العين.

و عليه فيكون هنا وجوبات عديدة بعدد القيمة إن اختلفت في أجزاء هذا الزمان المتخلّل بين المبدء و المنتهى، فيجب دفع الأعلى من هذه القيم، إذ المفروض أنّ القيمة الواجبة على الغاصب هي أعلى القيم.

و الأولى: أن يعبّر هكذا: «و حاصله: أنّ إسقاط وجوب دفع قيمة المثل يلاحظ من زمن ثبوت القيمة .. إلخ».

(2) أي: يلاحظ من زمن وجوب القيمة- أي ثبوتها- إلى ثبوت مبدل القيمة و هو نفس المال المثليّ المغصوب.

(3) الوجوب بمعنى الثبوت في الذّمّة، و ضميره و كذا ضمير «مبدله» راجعان إلى القيمة، فالمناسب تأنيث الضميرين، و إن صحّ تذكيرهما أيضا باعتبار الرجوع إلى البدل المستفاد من قوله: «إلى وجوب مبدله». و الأمر سهل.

(4) الأولى إسقاط كلمة «منها» بأن يقول- كما في مفتاح الكرامة-: «فيجب الأقصى» أو «أقصى القيم».

(5) لعلّه إشارة إلى ضعف القول بصيرورة القدر المشترك قيميّا، الذي هو أحد

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 252

ص: 414

[استظهار بعض الوجوه المتقدّمة من أدلّة الضمان]

إذا عرفت هذا (1) فاعلم: أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ هو أنّه مع تعذّر المثل لا يسقط المثل عن الذّمّة، غاية الأمر يجب إسقاطه مع

______________________________

جزأي هذا الاحتمال الرابع. و أمّا الجزء الآخر- و هو ثبوت المثل إلى زمان دفع القيمة- فقد قوّاه سابقا.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل و هو بيان مآخذ الاحتمالات الخمسة.

و قد تحصّل مما أفاده المصنّف قدّس سرّه من أوّل الأمر السادس إلى هنا وجوه في ضمان قيمة العين المثليّة التالفة مع إعواز المثل.

الأوّل: اعتبار ضمان قيمة يوم الدفع و المطالبة، و هو المنسوب إلى المشهور، و هو خامس الاحتمالات المذكورة في القواعد، و قد عبّر عنه بقيمة يوم الإقباض.

الثاني: اعتبار قيمة يوم تعذّر المثل. و اختاره ابن إدريس و العلّامة و الشهيد الثاني، في بعض المواضع.

الثالث: اعتبار قيمة يوم تلف العين، الذي هو زمان استقرار المثل في العهدة.

الرابع: اعتبار أعلى القيم من يوم تلف العين إلى زمان إعواز المثل.

الخامس: اعتبار قيمة يوم ضمان العين.

السادس: اعتبار أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم تلف العين.

السابع: اعتبار أعلى القيم من يوم ضمان العين إلى زمان أداء قيمة المثل. و قد عرفت مبنى كلّ واحد منها.

استظهار بعض الوجوه المتقدّمة من أدلّة الضمان

(1) هذا شروع في المقام الثاني، و هو بيان ما يستفاد من الأدلّة و كلمات الأصحاب. و محصّله: أنّ الدليل على ضمان المثليّ بالمثل إمّا هو الإجماع أو المتبادر من إطلاقات الضمان الدالة على التغريم بما هو أقرب إلى التالف. فإن اعتمدنا على الإجماع قلنا باقتضائه لضمان قيمة يوم أدائها، و ذلك لاستقرار المثل على عهدة الضامن بمجرّد تلف العين، و لم يقيّد اشتغال الذّمّة بالمثل بعدم تعذّره و إعوازه، فلا يوجب تعذّره

ص: 415

مطالبة المالك. فالعبرة بما هو إسقاط حين الفعل (1)، فلا عبرة بالقيمة إلّا يوم الاسقاط و تفريغ الذّمّة.

و أمّا بناء (2) على ما ذكرنا (3) من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف فالأقرب كان (4) المثل مقدّما مع تيسّره. و مع تعذّره ابتداء

______________________________

انتقال الضمان إلى القيمة حتى يكفي أداء ثمنه يوم إعوازه، بل يبقى المثل في الذّمّة إلى إسقاطه بمطالبة المالك، فتكون العبرة بقيمته يوم أدائها. و قد تقدّم وجهه عند بيان رأي المشهور، و هكذا في مبنى الاحتمال الخامس.

و إن اعتمدنا على المتبادر من أدلّة الضمان انقلب الضمان إلى القيمة، و سيأتي.

(1) أي: حين الإسقاط، إذ المفروض بقاء المثل على عهدة الضامن، و لا يسقط إلّا بدفع القيمة. فالعبرة بقيمة يوم الاسقاط، لا يوم إعواز المثل.

(2) هذا في مقابل ما ذكره بقوله: «فاعلم أنّ المناسب لإطلاق كلامهم لضمان المثل في المثليّ .. إلخ» و إطلاق كلامهم إنّما هو لعدم تقييدهم ذلك بصورة التمكّن من المثل، فأطلقوا ضمان المثل في المثليّ، و لم يقيّدوه بصورة التمكّن من دفع المثل، و هذا الإطلاق يقتضي بقاء المثل في الذّمّة و لو مع إعوازه.

و أمّا بناء على ما ذكرنا- من أنّ المتبادر من أدلّة الضمان التغريم بالأقرب إلى التالف، فالأقرب- كان المثل مقدّما مع التمكّن من دفعه إلى المالك، و مع عدم التمكّن منه كان المتعيّن دفع القيمة. فالاعواز يوجب انقلاب المثليّ إلى القيميّ، فالقيمة قيمة للمثل حال الإعواز، فيكون عدم التمكّن العارضيّ من دفع المثل كعدم التمكّن بالأصالة كما في القيميّات. فالمثل الثابت في الذّمّة ينقلب إلى القيمة من زمان الإعواز.

(3) أي: في كلّ من الأمر الرابع و السادس، فقال في السادس: «و لكن لو استندنا في لزوم القيمة في المسألة إلى ما تقدّم سابقا من الآية و من أنّ المتبادر من إطلاقات الضمان .. إلخ» فراجع (ص 388).

(4) جواب «و أمّا بناء». و «فالأقرب» بالجرّ معطوف على «بالأقرب».

ص: 416

كما في القيميّ أو بعد التمكّن كما فيما نحن فيه كان (1) المتعيّن هو القيمة، فالقيمة (2) قيمة للمغصوب من حين صار قيميّا و هو حال الإعواز، فحال الإعواز معتبر من حيث إنّه أوّل أزمنة صيرورة التالف قيميّا، لا من حيث ملاحظة القيمة قيمة للمثل دون العين.

فعلى القول باعتبار يوم التلف في القيميّ توجّه ما اختاره الحلي رحمه اللّه (3).

و لو قلنا (4) بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (5)- كما عليه جماعة من القدماء «1»- توجّه (6) ضمانه فيما نحن فيه بأعلى القيم من حين الغصب إلى زمان الإعواز (7)،

______________________________

(1) جواب «و مع تعذّره» المتضمن للشرط.

(2) يعني: أنّه بناء على المتبادر من إطلاقات الضمان يتعيّن القول في المثليّ- المتعذّر مثله- بضمان قيمته يوم الإعواز، لأنّه يوم صيرورة العين المثليّة قيميّة.

(3) من الاعتبار بقيمة يوم تعذّر المثل و إعوازه، لأنّه يوم تلف العين بوصف القيمية، إذ قبل هذا الزمان كان التالف مثليّا، و إنّما صار قيميّا بسبب الإعواز

(4) هذا مقابل قوله: «فعلى القول باعتبار يوم التلف» و الأولى لرعاية المشاكلة أن يقال: «و على القول بضمان القيميّ بأعلى القيم .. إلخ».

و كيف كان فتوضيح كلامه قدّس سرّه: أنّه بناء على القول بضمان القيميّ بأعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف توجّه ضمان المثليّ فيما نحن فيه- أعني به إعواز المثل- بأعلى القيم من حين الغصب في المغصوب، و من زمان القبض في المقبوض بالعقد الفاسد، و كان هذا هو الاحتمال الثاني في عبارة القواعد.

(5) و هو الوجه لما حرّرناه في التعليقة بقولنا: «تتمة اعلم أنّ من الأقوال اعتبار أعلى القيم .. إلخ.

(6) جواب الشرط السابق.

(7) الذي هو بمنزلة تلف العين القيميّة، لكن قد ذكرنا في التتمّة المشار إليها خلافه.

______________________________

(1) نقلنا أسماءهم عن مفتاح الكرامة، فراجع ص 408

ص: 417

إذ (1) كما أنّ ارتفاع القيمة مع بقاء العين مضمون بشرط تعذّر أدائه المتدارك (2) لارتفاع (3) القيم، كذلك بشرط تعذّر المثل في المثليّ، إذ مع ردّ المثل يرتفع ضمان القيمة السوقيّة (4).

و حيث كانت العين فيما نحن فيه مثليّا كان أداء مثلها عند تلفها كردّ عينها في إلغاء ارتفاع القيم، فاستقرار (5) ارتفاع القيم إنّما يحصل بتلف العين و المثل.

فإن قلنا (6): إنّ تعذّر المثل يسقط المثل- كما أنّ تلف العين يسقط العين-

______________________________

(1) تعليل لاعتبار تعذّر المثل في ضمان ارتفاع القيمة، المستفاد من تقييد «الأعلى» بغاية الإعواز. يعني: أنّ ارتفاع القيمة إنّما لا يضمن إذا أمكن دفع العين، و لم ينته الأمر إلى دفع القيمة، بل كان ارتفاع الضمان بسبب دفع العين أو مثلها. و أمّا إذا انتهت النوبة إلى دفع القيمة لتلف العين و تعذّر المثل فارتفاع القيمة يكون حينئذ مضمونا، و هذا الارتفاع المضمون يكون من زمان الضمان إلى زمان تعيّن القيمة و ثبوتها في الذّمّة، أو إلى زمان أدائها بناء على ثبوت المثل في الذّمّة إلى زمان الأداء.

(2) باسم الفاعل صفة ل «أدائه» يعني: أنّ أداء العين كان جابرا لارتفاع القيمة، لكن حيث تعذّر أداؤها- لفرض تلفها- صار الغاصب ضامنا لارتفاع القيمة.

(3) اللام للتعدية، مثل «خرجت لزيد من الدار» بمعنى: أخرجته من الدار.

(4) لتفرّع ضمان القيمة السوقيّة- في الأعيان المثليّة- على إعواز المثل.

(5) هذا متفرّع على كون ردّ المثل- في الأعيان المثليّة التالفة- بمنزلة ردّ نفس التالف، في عدم اشتغال الذّمّة بأعلى القيم. فإذا لم يتحقّق ردّ العين لتلفها و لا ردّ المثل لاعوازه ضمن أعلى قيمتيهما. و هل المضمون ارتفاع القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز، أم هو من حين الغصب إلى حين أداء القيمة؟ فيه خلاف سيأتي مأخذ كلّ منهما في المتن.

(6) هذا تفصيل لقوله: «فاستقرار ارتفاع القيم ..».

ص: 418

توجّه القول بضمان القيمة من زمان الغصب إلى زمان الإعواز (1)، و هو أصحّ الاحتمالات في المسألة عند الشافعيّة على ما قيل (2).

و إن قلنا (3): إنّ تعذّر المثل لا يسقط المثل و ليس كتلف العين (4) كان (5) ارتفاع القيمة فيما بعد تعذّر المثل أيضا مضمونا (6)، فيتوجّه ضمان القيمة من حين الغصب إلى حين دفع القيمة، و هو المحكيّ عن الإيضاح. و هو أوجه الاحتمالات على القول بضمان ارتفاع القيمة مراعى بعدم ردّ العين أو المثل (7).

______________________________

(1) أي: إعواز المثل الذي هو كتلف العين في كونه سببا لسقوط المثل.

(2) القائل هو العلّامة في التذكرة، قال قدّس سرّه: «و للشافعيّة في القيمة المعتبرة عشرة أوجه .. ثالثها: و هو الأصح عندهم، القيمة المعتبرة أقصى القيم من يوم الغصب إلى يوم الإعواز، لأنّ وجود المثل كبقاء عين المغصوب من حيث إنّه كان مأمورا بتسليم المثل، كما كان مأمورا بردّ العين، فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمته في المدّتين. كما أنّ المتقوّمات تضمن بأقصى قيمتها لهذا المعنى، و لا نظر إلى ما بعد انقطاع المثل، كما لا نظر إلى ما بعد تلف المغصوب من المتقوّم» «1».

(3) هذا عدل قوله: «فإن قلنا: إنّ تعذّر المثل يسقط المثل».

(4) حتى يسقط المثل بالإعواز كسقوط العين بتلفها.

(5) جواب الشرط المتقدّم أعني به «و إن قلنا: انّ تعذر .. إلخ».

(6) إذ المفروض بقاء المثل في العهدة و عدم سقوطه بتعذّره، فارتفاع قيمته بعد تعذّره مضمون كضمانه قبل تعذّره، فيتوجه حينئذ ضمان القيمة من حين الغصب إلى زمان دفع القيمة كما حكي عن الإيضاح.

(7) يعني: بأن يكون ضمان ارتفاع القيمة مشروطا بعدم إمكان ردّ العين أو المثل، فمع إمكانهما و ردّهما لا يضمن ارتفاع القيمة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383

ص: 419

[اختصاص انقلاب الضمان إلى القيمة بالتعذّر الطارئ]

ثمّ اعلم: أنّ العلّامة ذكر في عنوان هذه الاحتمالات «أنّه لو تلف المثليّ و المثل موجود، ثم أعوز» (1) و ظاهره اختصاص هذه الاحتمالات بما إذا طرء تعذّر المثل بعد تيسّره في بعض أزمنة التلف (2)، لا ما تعذّر فيه المثل ابتداء.

و عن جامع المقاصد: «أنّه يتعيّن حينئذ (3) قيمة يوم التلف» (4)

______________________________

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة لتعيين قيمة العين المثليّة المضمونة عند إعواز المثل. و سيأتي التنبيه على أنّ مورد البحث و موضوعه هو التعذّر الطارئ لا البدويّ. و قد جعلناه في صدر الأمر السادس جهة ثالثة ممّا يتعلّق بتعذّر المثل.

و إن أمكن جعله تتمة للجهة الثانية، و الأمر سهل.

اختصاص انقلاب الضمان إلى القيمة بالتعذّر الطارئ

(1) هذا منقول بالمعنى، و إلّا فعبارة القواعد هكذا: «و لو تلف المثليّ في يد الغاصب و المثل موجود، فلم يغرمه حتى فقد ففي ..» و قريب منها عبارة التذكرة «1».

و كيف كان فالمقصود أنّ موضوع كلامهم بانتقال الضمان من المثل المتعذّر إلى القيمة هو التعذّر الطاري على المثل، لا ما كان متعذّرا حين تلف العين أو قبله، فإنّه مضمون بالقيمة حين التلف، كما يظهر من المحقّق الثاني قدّس سرّه و سيأتي كلامه.

(2) أي: أزمنة تلف العين، و الظرف متعلّق ب «تيسّره».

(3) أي: حين تعذّر المثل ابتداء، أي: حين تلف العين.

(4) الحاكي لكلامه السيّد العاملي قدّس سرّه «2». و اعتبار قيمة يوم التلف يستفاد من ضمّ كلاميه في موضعين:

أحدهما: قوله في ضمان القيميّ المغصوب- في تضعيف رأي المبسوط-: «و إنّما

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 79، (الطبعة الحجرية)؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 250

ص: 420

و لعلّه (1) لعدم تنجّز التكليف بالمثل عليه في وقت من الأوقات.

و يمكن أن يخدش فيه (2) بأنّ التمكّن من المثل ليس بشرط لحدوثه في

______________________________

ينتقل إلى القيمة عند التلف» «1».

ثانيهما: قوله في ضمان المثليّ المتعذّر مثله: «لو لم يكن المثل موجودا وقت التلف فالظاهر أنّ الواجب قيمة التالف. أمّا مع وجوده و عدم التغريم إلّا بعد فقده فإنّه قد استقرّ في الذّمّة، فيرجع إلى القيمة» «2».

فيحمل قوله: «فالظاهر أن الواجب قيمة التالف» على قوله: «و إنّما ينتقل إلى القيمة عند التلف» و يصحّ ما نسبه المصنف إليه.

(1) يعني: و لعلّ تعيّن قيمة يوم التلف لأجل عدم تنجّز التكليف بالمثل على الضامن في وقت من الأوقات، لفقدانه من أوّل الأمر.

(2) أي: في هذا الوجه. و حاصل الخدشة: إنّ اشتغال الذّمّة بالمثل ليس مشروطا بالتمكّن من أداء المثل، لا حدوثا و لا بقاء.

و لا يخفى أنّه نوقش في كلام جامع المقاصد بوجهين مذكورين في الجواهر أيضا، أحدهما حلّي، و الآخر نقضيّ. و ارتضى المصنّف الحليّ و تأمّل في النقضيّ.

قال في الجواهر- بعد نقل ما استظهره جامع المقاصد من ضمان قيمة يوم التلف في التعذّر البدويّ- ما لفظه: «و قد يناقش بعدم المنافاة بين ثبوته في الذّمّة و بين تعذّر أدائه في ذلك الوقت. و دعوى صيرورته قيميّا واضحة المنع، إذ المثليّ لا يتعيّن كونه كذلك بتعذر المثل. و إلّا لزم عدم وجوب دفعه لو تمكّن منه بعد ذلك قبل الأداء، لثبوت القيمة حينئذ في الذّمّة، و لا أظنّ القائل المزبور يلتزمه، لوضوح ضعفه. فالمتجه ثبوت المثل في ذمّته على كلّ حال. و تعذّر أدائه حال التلف لا يقتضي عدم ثبوته في الذّمّة، فإن عدم التمكّن من وفاء الدين لا يقتضي عدم ثبوته في الذّمّة، و حينئذ لم يكن

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 246

(2) المصدر، ص 252

ص: 421

الذّمّة ابتداء، كما لا يشترط في استقراره استدامة، على ما اعترف (1) به مع طروء التعذّر بعد التلف (2). و لذا (3) لم يذكر أحد هذا التفصيل في باب القرض.

و بالجملة (4): فاشتغال الذّمّة بالمثل إن قيّد بالتمكّن لزم الحكم بارتفاعه

______________________________

للتقييد المزبور فائدة» «1».

و الإيراد النقضيّ على كلام جامع المقاصد هو قوله: «و إلّا لزم .. لوضوح ضعفه» و ما قبله و ما بعده هو الإيراد الحلّي الذي ارتضاه المصنّف و أثبته في المتن.

(1) أي: اعترف المحقّق الثاني بعدم اشتراط التمكّن من المثل في استقرار المثل في الذّمّة استدامة، لأنّه اختار أنّ المعتبر قيمة يوم الإقباض. و لو كان التمكّن من المثل شرطا في صحّة تعلّقه بالغاصب كان اللازم سقوط المثل بمجرّد تعذّره، و تحقّق الانتقال إلى القيمة، و قد قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة قدّس سرّه: «الخامس القيمة يوم الإقباض» ما نصّه: «هذا هو الأصحّ، لأنّ الواجب هو المثل، فإذا دفع بدله اعتبرت البدليّة حين الدفع، فحينئذ يعتبر القيمة».

و قد نقل المصنف تصريح جامع المقاصد- بما ذهب إليه المشهور- في أوائل هذا الأمر من كون العبرة بقيمة يوم الدفع بقوله: «و قد صرّح بما ذكرنا المحقّق الثاني ..»، فراجع ص (384).

(2) أي: تعذّر المثل بعد تلف العين.

(3) أي: و لعدم دخل التمكّن من المثل في اشتغال الذّمّة به ابتداء لم يذكر أحد التفصيل- في باب القرض بين وجود المثل و عدمه، بأن يقال: مع التمكّن من المثل في المثليّ يثبت في ذمّة المقترض مثله، و مع عدم التمكّن منه يثبت قيمة العين المقترضة، بل أطلقوا القول في ذلك، و قالوا: إنّ العين المقترضة إن كانت مثلية ثبت مثلها في ذمّة المقترض، و إن كانت قيميّة ثبت قيمتها.

(4) هذه خلاصة الخدشة، و محصّل الكلام: أنّ حصر موضع البحث بالتعذّر

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 97 و 98

ص: 422

بطروء التعذّر، و إلّا لزم الحكم بحدوثه مع التعذّر من أوّل الأمر.

إلّا أن يقال (1): إنّ أدلّة وجوب المثل ظاهرة في صورة التمكّن و إن لم يكن مشروطا به عقلا (2)، فلا تعمّ صورة العجز [1]. نعم (3) إذ طرء العجز فلا دليل على سقوط المثل و انقلابه قيميّا (4).

______________________________

الطارئ غير سديد، إذ لو كان اشتغال الذّمّة بالمثل مقيّدا بتمكّن الضامن منه لزم الحكم بالانقلاب إلى القيمة بمجرّد التعذّر، سواء طالب المالك به أم لم يطالب، مع أنّهم اشترطوا أداء القيمة بالمطالبة. و هذا يكشف عن عدم إناطة استقرار المثل في العهدة بتيسّره. و لو لم يكن مقيّدا بتمكّن الضامن تعيّن القول بضمان المثل في الأعيان المثليّة حتى مع تعذّره البدوي.

(1) غرضه توجيه ما أفاده العلّامة و المحقّق الثاني قدّس سرّهما- من اختصاص موضوع البحث بالتعذّر الطارئ- بما حاصله: أنّ اشتغال الذّمّة بالمثل و إن لم يكن منوطا عقلا و لا عرفا بالتمكّن من أداء ما اشتغلت به الذّمّة، لكن الدليل لا يدلّ إلّا على اشتغال الذّمّة في صورة التمكّن من أدائه، فلا تعمّ صورة العجز الابتدائيّ، فلو وجد المثل- حين تلف العين- اشتغلت العهدة به، سواء أدّاه إلى المالك أم لم يؤده إليه حتى أعوز، فيبقى المثل في الذّمّة إلى إسقاطه بمطالبة المالك.

(2) مرجعه إلى قصور مقام الإثبات عن شمول صورة التعذّر الابتدائي، و قد عرفته.

(3) هذا تتمّة للتوجيه المتقدّم بقوله: «إلّا أن يقال» و غرضه التفصيل في مفاد الدليل بين التعذّر الطاري و الابتدائيّ.

(4) يعني: و مع عدم الدليل على الانقلاب يرجع إلى الاستصحاب.

______________________________

[1] مجرد العجز لا يكفي في ثبوت القيمة، بل المثبت لها هو اعتبار التمكّن في ثبوت المثل حتّى ينتفي بانتفائه، و يثبت القيمة. و بدون اشتراط التمكّن يدور الأمر بين المثل و القيمة، و لا دليل على تعيّن القيمة.

ص: 423

و قد يقال (1) على المحقّق المذكور: إنّ اللازم ممّا ذكره أنّه لو ظفر المالك بالمثل قبل أخذ القيمة لم يكن له المطالبة. و لا أظنّ أحدا يلتزمه (2). و فيه تأمّل (3).

______________________________

(1) هذا هو الإيراد النقضيّ الذي أورده صاحب الجواهر على المحقّق الكركي قدّس سرّهما القائل بضمان قيمة يوم التلف في تعذّر المثل ابتداء.

و حاصل النقض: أنّه لو كان الوجه في الانتقال إلى قيمة وقت التلف عدم تنجّز التكليف بالمثل على الضامن في وقت من الأوقات انتقض كلامه بما إذا كان المثل متعذّرا من أوّل الأمر، و لكن لم يأخذ المضمون له القيمة، ثم وجد المثل.

و الوجه في ورود النقض هو: أنّ المحقّق الكركي يدّعي اشتغال ذمّة الضامن في هذا التعذّر البدويّ بثمن المثل من حين تلف العين المضمونة، و لم يستقرّ في عهدته المثل أصلا، فالتمكّن من المثل بعد التلف لا يوجب تبدّل القيمة به. مع أنّه لا سبيل للالتزام بكفاية دفع القيمة مع وجود المثل.

و هذا كاشف عن غموض ما أفاده المحقّق الثاني من عدم اشتغال الذمّة بالمثل في موارد التعذّر البدويّ. فالصحيح اتّحاد التعذّر البدويّ و الطارئ حكما، هذا.

(2) أي: يلتزم بعدم جواز مطالبة المثل من الضامن إذا تيسّر المثل بعد إعوازه و قبل أخذ القيمة. و الوجه في عدم الالتزام بعدم جواز المطالبة هو اشتغال الذّمّة بالمثل.

(3) تأمّل المصنّف قدّس سرّه في ورود هذا النقض على المحقّق الثاني، و ذلك لإمكان الالتزام بجواز المطالبة بالمثل في مورد النقض، و هو لا ينافي اشتغال الذّمّة بالقيمة في التعذّر الابتدائيّ. و الوجه في عدم التنافي بين الحكمين هو: أنّ اشتغال الذّمّة بالمثل مشروط بالتمكّن منه، و لمّا كان متعذّرا حين التلف- كما هو المفروض- قلنا: إنّه لا يتنجّز التكليف بالمثل على الضامن، فإن دفع القيمة سقط المثل عن ذمّته.

______________________________

ثمّ إنّ الحقّ عدم الفرق في الحكم الوضعي أعني به اشتغال ذمّة الضامن بالمثل بين صورتي التعذّر البدوي و الطاري، كما في القرض و السّلم.

نعم في الحكم التكليفيّ- أعني به وجوب الأداء- يكون بينهما فرق، فإنّه في التعذّر البدويّ يمتنع الوجوب، لامتناع أداء المثل دائما إذا كان التعذّر كذلك، لكنّه لا يمتنع

ص: 424

..........

______________________________

و إن لم يدفعها حتى تيسّر المثل لم تفرغ ذمّته بأداء القيمة، بل يجب عليه دفع المثل، و ذلك لصيرورة كلّ تكليف مشروط فعليّا بفعليّة شرطه، و بهذا يسلم كلام المحقّق الكركي عن نقض صاحب الجواهر قدّس سرّه.

______________________________

عن شغل الذّمّة بالمثل. و لا أثر للإعواز بدويّا كان أم طارئا في هذا الحكم الوضعيّ.

نعم توجّه الخطاب بوجوب أداء المثل تكليفا منوط بالقدرة عليه، و فائدة شغل الذّمّة بالمثل هو تقويمه حال الأداء. نعم إذا ثبت إجماع تعبّديّ على انقلاب المثليّ بسبب التعذّر إلى القيميّ كان ذلك مخصصا لما دلّ على ضمان المثليّ بالمثل و القيميّ بالقيمة، لكن ثبوته مشكل، و إلّا لم يقع فيه الخلاف.

و الحاصل: أنّ حكم تعذّر المثل حكم تعذّر العين، لا حكم تلفها، و من المعلوم أنّ تعذّر العين لا يوجب الانتقال إلى القيمة، بل العين تبقى في الذّمّة، و إنّما يجب على الضامن بدل الحيلولة.

و ينبغي التنبيه على أمور: الأوّل: أنّ المراد بالإعواز الواقع في معقد الإجماع هو معناه العرفيّ، لا العقليّ الموقوف على فقدان جميع أفراد الكليّ، لأنّ الإعواز كسائر الألفاظ الواقعة في الكتاب و السنّة و معاقد الإجماعات، فيخصّص الإجماع قاعدة السلطنة المقتضية لتسلّط الناس على مطالبة أموالهم سواء كانت خارجيّة أم ذميّة، فالمالك للمثل الذّمّي مسلّط على مطالبة مثل ماله، إلّا إذا أعوز المثل. فحينئذ ينتقل بسبب الإجماع إلى القيمة. و الإعواز على تفسير العلّامة من عدم وجدانه في البلد و ما حوله لا يناط بالتعذّر و التعسّر.

لكن الظاهر خلافه، لاعتبار المشقّة عرفا في تحقّق الإعواز، فبدون المشقّة لا ينتقل المثل إلى القيمة استنادا إلى عموم سلطنة المالك على مطالبة ماله.

و ما ذكرناه من اعتبار المشقّة في الإعواز هو المتيقّن من معقد الإجماع لو لم يكن ظاهره، و التعبير بالتعذّر إشارة إلى المشقّة العرفيّة، و ليس المراد بالتعذّر التعذّر العقليّ، لعدم إناطة شي ء من الأحكام الشرعيّة بالأمور العقليّة. فعلى هذا يمكن أن لا يكون في

ص: 425

______________________________

تحصيل المثل من خارج نواحي البلد لشخص مشقّة، و يكون لغيره مشقّة.

فالأولى إحالة المشقّة إلى العرف. و على أيّ حال يكون التعذّر شخصيّا لا نوعيّا و لو شكّ في تحقّق الإعواز مفهوما لإجماله فالمعوّل قاعدة السلطنة، لكون الشك في التخصيص الزائد، هذا.

لكن الحقّ عدم ثبوت إجماع تعبّديّ على انقلاب المثليّ بتعذّر المثل إلى القيمة، بل المثل باق في الذّمّة حتى بعد التعذّر.

الثاني: أنّه لا فرق في التعذّر بين أن يكون خارجيّا و شرعيّا، كما إذا فرض تنجّس جميع أفراد الكليّ المثليّ بحيث لا يمكن تطهيرها مع توقّف الانتفاع المحلّل بها على طهارتها كالدّهن و الخلّ و نحوهما ممّا لا يقبل التطهير.

الثالث: أنّه لا فرق في التعذّر بين الذاتي كفقدان الأمثال في الخارج، و بين العارضي كعدم وصوله إليه لحبس و نحوه، فإنّ المناط في التعذّر- و هو عدم القدرة العرفية على أداء المثل- موجود في الجميع.

الرابع: هل يجوز للضامن إجبار المالك على أخذ القيمة مع إعواز المثل أم لا؟

الظاهر العدم، إذ ليست القيمة متعلّقة للضمان حتى يجوز للضامن إجباره على أخذ القيمة، بل تعلّق الضمان بالمثل، فللمالك الصبر إلى أن يوجد المثل و عدم أخذ القيمة.

و هل يجوز للمالك إجبار الضامن على أخذ القيمة منه؟ الظاهر ذلك، لقاعدة السلطنة الموجبة لجواز مطالبة ماله مع الإعواز، و الصبر إلى تمكّن الضامن من أداء المثل نفسه.

و دعوى كون إجبار الضامن على أخذ القيمة منه ضررا عليه، فينفى بقاعدته، غير مسموعة، لأنّ أخذ القيمة منه ليس ضررا عليه، بل أداء لما في ذمّته بعد رضا المالك بإلغاء الخصوصيات الدخيلة في متعلّق الضمان أعني به المثل.

إلّا أن يقال: إنّ القيمة ليست مالا للمالك حتى يكون له السلطنة عليها، و إنّما المال الثابت له في الذّمّة هو المثل، فليس له إجبار الضامن بالقيمة.

ص: 426

______________________________

اللّهم إلّا أن يدّعى: أنّ الضمان قد تعلّق بكلّ من المثليّة و الماليّة، و له رفع اليد عن المثليّة و الأخذ بالماليّة. لكن قد تقدّم سابقا ما فيه، فتدبّر.

الخامس: هل العبرة في تقويم المثل مع فرض عدمه بقيمة يوم الإعواز أم يوم الأداء أم يوم المطالبة أم غيرها ممّا بنى عليه في المسألة؟ فلا وجه للترديد بين قيمته في غاية العزّة أو المتوسّط، إذ المفروض تعيّنها بما بني عليه في المسألة من قيمة يوم إعواز المثل أو غيره مما تقدّم. و بعد اختيار قيمة يوم معيّن لا يبقى مجال للترديد بين حالات القيمة ممن كونها في غاية العزّة و متوسّطها.

السادس: هل المدار على قيمة المثل المتعذّر في بلد المطالبة أم في بلد الضمان أم في بلد الأداء إذا اختلفت القيم في البلاد؟ الظاهر أنّ المناط قيمة بلد الأداء، لأنّه بناء على ما هو المشهور المنصور من بقاء المثل في ذمّة الضامن إلى حين الأداء المسقط له لا بدّ من مراعاة قيمة يوم الأداء، سواء كان الأداء في بلد الضمان أم غيره من البلاد. و قد تقدّم سابقا أنّ ارتفاع قيمة المثل المتعذّر من زمان اشتغال الذّمّة به إلى يوم الأداء غير مضمون، لأنّ ماليّة الارتفاع المزبور مالية فرضية، و دليل الضمان لا يشمل غير الماليّة الحقيقية.

نعم لو كانت القيمة مرتفعة بسبب خصوصية بلد التلف فتلك الخصوصية الحافّة بالعين أو المثل مضمونة، فلا بد من ملاحظة مرتبة من الماليّة ناشئة من خصوصية بلد التلف، فإذا كان بلد المطالبة غير بلد التلف، فالمضمون هي القيمة التي روعي فيها خصوصية بلد التلف.

و لو بني على الانتقال إلى القيمة- و كونها بدلا عن المثل عند إعوازه- تعيّن قيمة بلد التعذّر إن كانت مخالفة لبلد المطالبة في مالية المثل، إذ المفروض انقلاب المثل من زمان التعذّر إلى القيمة، فالمتعيّن قيمة يوم إعوازه.

ص: 427

[هل مناط تعذّر المثل فقده في البلد و ما حوله؟]

ثمّ إنّ المحكيّ عن التذكرة «أنّ المراد بإعواز المثل: أن لا يوجد في البلد و ما حوله» (1). و زاد في المسالك قوله: «ممّا ينقل عادة منه إليه كما ذكروا في انقطاع المسلم فيه» (2).

______________________________

هل مناط تعذّر المثل فقده في البلد و ما حوله؟

(1) هذه جهة رابعة ممّا يتعلّق بإعواز المثل، و هي بحث عن تحديد الموضوع أيضا، و أنّ مناط الإعواز هل هو فقد المثل في جميع الأمكنة، أم فقده في خصوص بلد التلف و حواليه أم الرجوع فيه إلى العرف؟

قال في التذكرة: «إذا غصب عينا من ذوات الأمثال و تلفت في يده أو أتلفها و المثل موجود فلم يسلّمه حتى فقد أخذت منه القيمة، لتعذّر المثل، فأشبه غير المثليّ.

و المراد من الفقد أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه» «1».

(2) هذا منقول بالمعنى، و إلّا فعبارة المسالك هكذا: «و المراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حوله ممّا ينقل منه إليه عادة، كما بيّن في انقطاع المسلم فيه» «2».

و حاصل ما أفاده في انقطاع المسلم فيه في بلد البائع- و إمكان تحصيله من بلد آخر- أنّه إن نقله البائع باختيار فهو. و إن لم ينقله إليها، فإن لم يكن في نقله إليها مشقّة أجبر على النقل. و إن كان فيه مشقّة لم يجبر على نقله إلى البلد» «3».

فإن كان مراده قدّس سرّه من عدم المشقّة هو اعتياد النقل من خارج البلد إلى بلد المعاملة كان كلامه في بيع السّلم موافقا لما أفاده هنا من تعارف النقل من مكان آخر إلى البلد، و إلّا لم يتّحد مفاد الكلامين، فلاحظ.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383، السطر 12

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 183

(3) مسالك الافهام، ج 3، ص 431

ص: 428

و عن جامع المقاصد: «الرجوع فيه (1) إلى العرف».

و يمكن أن يقال (2): إنّ مقتضى عموم وجوب أداء مال الناس (3) و تسليطهم (4) على أموالهم- أعيانا (5) كانت أم في الذّمّة-

______________________________

(1) قال قدّس سرّه: «و اعلم أنّ المراد من تعذّر المثل أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه. كذا ذكر في التذكرة. و لم يحدّ ما حواليه. و الظاهر أنّ المرجع فيها إلى العرف» «1».

و على هذا التحديد لا يعتبر التعذّر و التعسّر في تحصيل المثل.

ثمّ إنّ ظاهر عبارة القواعد المتقدمة هو كون المرجع في تحديد حوالي البلد العرف، لا في تحديد الإعواز- كما هو ظاهر المتن- فالصواب تأنيث ضمير «فيه».

(2) غرضه قدّس سرّه تضييق دائرة الإعواز، و أنّ مقتضى عموم وجوب ردّ الأموال إلى مالكيها هو وجوب ردّها مع وجودها و لو في بلاد نائية، و كان في تحصيلها مئونة كثيرة، فدائرة الإعواز حينئذ تكون أضيق ممّا ذكره المحقّق الكركي قدّس سرّه.

(3) كقوله عليه السّلام: «المغصوب مردود» «2» بناء على شموله لردّ المثل أو القيمة، و عدم اختصاصه بردّ نفس المغصوب.

(4) كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلّطون على أموالهم» «3».

(5) خبر مقدّم ل «كانت» و الجملة مبيّنة ل «أموالهم» يعني: لا فرق في سلطنة الملّاك على أموالهم بين كونها أعيانا خارجيّة كالدينار، و الكتاب و الدار و نحوها، أم أعيانا كلّيّة في ذمّة الآخرين، فإنّها أموال أيضا، بشهادة جواز بيعها و شرائها كما تقدّم في أوّل بحث البيع. و لو لا هذا التعميم لم يمكن التمسّك بحديث السلطنة

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 245

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 309، الباب 1 من كتاب الغصب، الحديث 3

(3) عوالي اللئالي، ج 1، ص 222 و 457

ص: 429

وجوب (1) تحصيل المثل كما كان يجب ردّ العين أين ما كانت، و لو كانت في تحصيله مئونة كثيرة (2)، و لذا (3) كان يجب تحصيل المثل بأيّ ثمن كان. و ليس (4) هنا تحديد التكليف بما عن التذكرة.

نعم لو انعقد الإجماع على ثبوت القيمة عند الإعواز تعيّن ما (5) عن جامع المقاصد.

______________________________

لإثبات جواز مطالبة المالك من الضامن بدل ماله التالف أو المتلف، لوضوح عدم كون ما في الذّمّة عينا خارجيّة حتى يتسلّط المالك عليها.

(1) خبر قوله: «إنّ مقتضى» يعني: أنّ مقتضى عموم الأدلّة وجوب تحصيل المثل على الضامن، كما يجب عليه ردّ العين أينما كانت.

(2) كما تقدّم تفصيله في الأمر الخامس.

(3) أي: و لأجل اقتضاء الأدلّة العامّة وجوب تحصيل المثل كان تحصيله واجبا بأيّ ثمن كان.

(4) غرضه الإيراد على ما أفاده العلّامة قدّس سرّه في التذكرة من إناطة وجوب أداء المثل على الضامن بتيسّره في البلد و حواليه. و محصّل الإيراد: أنّ مقتضى عموم الأدلّة وجوب أداء المثل حتى لو توقف على نقله من بلد بعيد عن بلد الضمان أو المطالبة، و بهذا يتضيّق دائرة الإعواز و الانقلاب إلى القيمة، هذا.

و يحتمل أن يكون ما في التذكرة تحديدا لجواز مطالبة المالك للضامن بالقيمة، لا لانقلاب المثل بها، و إن كان يجب على الضامن تحصيل المثل.

(5) من الرجوع في معنى الإعواز إلى العرف، لأنّ الإعواز الواقع في معقد الإجماع كغيره- من الألفاظ الواقعة في الكتاب و السنّة و معاقد الإجماعات- في الرجوع في مفاهيمها إلى العرف، فيكون الإجماع مخصّصا لعموم دليل السلطنة، و تختص سلطنة المطالبة بالمثل بما إذا كان موجودا في البلد و نواحيه.

و عليه فقوله: «نعم لو انعقد» تقييد لعموم ما دلّ على وجوب أداء مال الناس و سلطنتهم على أموالهم، سواء توقّف الرّدّ على تحمّل مشقّة أم لا.

ص: 430

كما أنّ (1) المجمعين إذا كانوا بين معبّر بالإعواز و معبّر بالتعذّر كان (2) المتيقّن الرجوع إلى الأخصّ- و هو المتعذّر- لأنّه المجمع عليه.

______________________________

(1) غرضه: أنّه لو تمّ الإجماع على ثبوت القيمة عند إعواز المثل ترتّب عليه أمران:

أحدهما: تقييد إطلاق الأدلّة العامّة المقتضي للفحص عن المثل في سائر البلاد، و نقله إلى بلد المطالبة مقدّمة لأدائه إلى المالك.

ثانيهما: الاقتصار في تقييد الإطلاق على القدر المتيقّن، و الرجوع فيما عداه إلى الإطلاق.

توضيحه: أنّ الأصحاب- الّذين أجمعوا على انتقال الضمان من المثل المتعذّر إلى القيمة- عبّروا تارة ب «فإن تعذّر المثل ضمن قيمته يوم الإعواز» و اخرى ب «و لو أعوز المثل».

و الظاهر أنّ «التعذّر» أخصّ من «الإعواز» لظهور التعذّر في فقدان جميع أفراد الكلّيّ حقيقة، بخلاف الإعواز الذي يراد منه معناه الإضافيّ، و هو فقدان الأمثال في البلد و نواحيه، و إن كانت موجودة في سائر البلدان. و لمّا كان التعذّر أضيق دائرة من الإعواز توقّف تقييد الأدلّة العامّة على صدق «التعذّر» و يرجع في ما عداه إلى الإطلاق المقتضي لجواز المطالبة بالمثل، لعدم اتفاقهم على انتقال الضمان إلى القيمة بمجرّد الإعواز.

هذا بناء على عدم ترادف اللفظين في عبارات المجمعين، و إلّا فبناء على إرادة معنى واحد منهما و من «الفقد» المذكور في عبارتي التذكرة و القواعد- بأن يراد التعذّر الحقيقيّ في الجميع، أو العرفيّ الإضافيّ كذلك- لم يختلف الحال في تقييد الأدلّة العامّة، لعدم كون التعذّر أخصّ من الإعواز حينئذ. و كذا الحال إذا كان كلّ من الأعمّ و الأخصّ مذكورا في بعض معاقد الإجماعات، إذ لا ينافي الإجماع على الأخصّ الإجماع على الأعمّ.

(2) جواب «إذا كانوا» يعني: كان المتيقّن في رفع اليد عن عموم مثل دليل السلطنة الرجوع إلى الأخصّ.

ص: 431

نعم (1) ورد في بعض (2) أخبار السّلم: «أنّه إذا لم يقدر المسلم إليه (3) على

______________________________

(1) استدراك على ما تقدّم من تعيّن الاقتصار على عنوان «التعذّر» لكونه أخصّ من «الإعواز» و حاصله: أنّ المراد بالتعذّر ليس هو فقد جميع أفراد الكلّيّ حقيقة، بل المراد به التعذّر العرفيّ المساوق للإعواز، و ذلك بشهادة ما ورد في أخبار السّلم من: أنّ عدم القدرة على إيفاء المسلم فيه يوجب الخيار للمشتري. و من المعلوم أنّ المراد به التعذّر العرفيّ المتحقق بفقد المسلم فيه في البلد و حواليه.

و عليه فتعبير عدّة من المجمعين ب «لو تعذّر المثليّ» محمول على عدم حصول المثل عادة لا عقلا. فما تقدّم من قوله: «كان المتيقّن الرجوع إلى الأخصّ» ممنوع، إذ لا أخصّيّة و لا أعمّيّة بين عنواني التعذّر و الإعواز، بل هما متساويان في الصّدق.

(2) كمعتبرة الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أسلم دراهمه في خمسة مخاتيم من حنطة أو شعير إلى أجل مسمّى، و كان الذي عليه الحنطة و الشعير لا يقدر على أن يقتضيه جميع الّذي له إذا حلّ، فسأل صاحب الحقّ أن يأخذ نصف الطعام أو ثلثه أو أقلّ من ذلك، أو أكثر، و يأخذ رأس مال ما بقي من الطعام دراهم؟

قال: لا بأس. و الزّعفران يسلم فيه الرجل دراهم في عشرين مثقالا أو أقلّ من ذلك أو أكثر. قال: لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الزعفران أن يعطيه جميع ماله أن يأخذ نصف حقّه أو ثلثه أو ثلثيه، و يأخذ رأس مال ما بقي من حقّه درهم [دراهم]» «1».

و الغرض أنّ كلمة «لا يقدر» التي وردت تارة في سؤال السائل و قرّره الامام عليه السّلام، و أخرى في ذيل الرواية في كلامه عليه السّلام لا يراد بها التعذّر العقليّ، بل المراد هو العرفيّ. و قد عبّر عنه في نصوص أخر بالعجز و عدم الوجدان و نحوهما، و المقصود- كما تقدّم حكايته عن المسالك- هو الانقطاع في البلد و نواحيه.

(3) و هو البائع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 69، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث: 7

ص: 432

إيفاء المسلم فيه تخيّر (1) المشتري» و من المعلوم أنّ المراد بعدم القدرة ليس التعذّر العقليّ المتوقّف على استحالة النقل من بلد آخر، بل الظاهر منه عرفا [1] ما عن التذكرة (2). و هذا (3) يستأنس به للحكم فيما نحن فيه.

______________________________

(1) تخيير المشتري- بين الفسخ و الانتظار إلى أن يتمكّن البائع من تسليم المبيع سلما- يستفاد من معتبرة عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام- عند عجز البائع عن إيفاء المسلم فيه-: «فليأخذ رأس ماله أو لينظره» «1».

(2) و هو قوله: «و المراد من الفقدان أن لا يوجد في ذلك البلد و ما حواليه» «2».

(3) يعني: أنّ الحكم في باب السّلم إذا علّق على عدم القدرة- المنزّلة على الموضوع العرفيّ دون العقليّ- استؤنس به للحكم في ما نحن فيه و هو تعذّر المثل، و قد تقدم في عبارة المسالك جعل التعذّر في المقامين من باب واحد.

و الحاصل: أنّ المناسب أن يكون المناط في المقامين واحدا، بأن يقال: إنّ المراد بالتعذّر فيهما هو العرفيّ. هذا تمام الكلام في الجهة الرابعة من جهات البحث في إعواز المثل.

______________________________

[1] إذا كان الظاهر من عدم القدرة في أخبار السلم معناه العرفي، فليكن التعذّر في المقام كذلك. إلّا أن يكون الفرق بينهما بعدم تصوّر التعذّر المطلق في موارد نصوص أخبار السّلم من الجذع و الحنطة و غيرهما، فإنّ هذه الموارد قرينة على عدم إرادة التعذّر المطلق من تلك الأخبار، فالمراد التعذّر العرفي. بخلاف المقام، فإنّه ليس فيه قرينة على إرادة التعذّر العرفي، فيراد منه التعذّر المطلق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 72، الباب 11 من أبواب السلف، الحديث 14

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383، السطر 16

ص: 433

[المعيار في قيمة المثل المتعذّر]

ثمّ إنّ (1) في معرفة قيمة المثل مع فرض عدمه إشكالا، من (2) حيث إنّ العبرة بفرض وجوده و لو في غاية العزّة كالفاكهة في أوّل زمانها أو آخره (3)، أو وجود (4) المتوسّط؟

______________________________

المعيار في قيمة المثل المتعذّر

(1) هذه هي الجهة الخامسة، و حاصلها: أنّ قولهم: «إذا تعذّر المثل وجبت قيمته» يواجه إشكالا، و هو: أنّ المثل إن كان موجودا أمكن معرفة قيمته، سواء أ كانت أعلى من قيمته السوقيّة أم لا. و إن لم يكن موجودا- كما هو المفروض- لم يكن سبيل إلى معرفة قيمته حتى يؤدّيها الضامن إلى المالك، إلّا بفرض وجود المثل.

و لمّا كان المثليّ ذا أسعار متفاوتة بتفاوت الأزمنة، فهل يلزم تقويم المثليّ بأعلى القيم كما هو الحال في الفاكهة أوّل أوانها، و كذا في آخرها، أم أنّ المناط قيمته في أوساط زمان وجوده، بحيث يكون أقل قيمة في هذه الفترة؟ فيه احتمالان. اختار المصنّف قدّس سرّه اعتبار قيمته في أوّل زمان وجوده و آخره، بشرط أن يرغب العرف في شرائه، فلو ارتفع سعر المتاع بحدّ لا يرغب في معاملته إلّا القليل منهم لم يكن عبرة به أصلا. فالمدار حينئذ على قيمته العالية في أوّل وجوده و آخره بشرط إقبال النوع على بيعه و شرائه، هذا.

(2) هذا بيان الاشكال، و قد عرفته آنفا.

(3) أي: آخر زمان الفاكهة، يعني: أنّ العبرة بعزّة وجود الفاكهة سواء في أوّل أوانها أم آخرها.

(4) عطف على «في غاية العزّة» يعني: أنّ العبرة بقيمة متوسّطة بين زماني عزّة الفاكهة، و هو أوان وفورها، فيقال: إنّ هذه الفاكهة لو كانت موفورة كان قيمتها كذا درهما مثلا، و هذا هو قيمتها المضمونة في ظرف الإعواز و التعذّر، لا قيمتها في زمان عزّتها و غلائها.

ص: 434

الظاهر هو الأوّل (1) [1] لكن مع فرض وجوده بحيث (2) يرغب في بيعه و شرائه، فلا عبرة بفرض وجوده (3) عند من يستغني عن بيعه، بحيث (4) لا يبيعه إلّا إذا بذل له عوض لا يبذل الراغبون في هذا الجنس بمقتضى رغبتهم.

______________________________

(1) و هو كون العبرة بفرض المضمون في زمان عزّته و ارتفاع قيمته، لا في زمان وفوره و تنزّل قيمته.

(2) هذا قيد للقيمة المضمونة، و حاصله- كما تقدّم بيانه- أنّ المثل المتعذّر تارة يفرض وجوده في بعض الأزمنة بنحو يرغب في اقتنائه كثير من الناس، كالفاكهة في أوّل وقتها، ضرورة كونها أغلى قيمة من زمان وفورها و هو الزمان المتوسّط بين أوّل أوانها و آخرها. لكن يبذل العقلاء هذه القيمة الغالية لتحصيلها.

و اخرى يفرض وجوده بنحو لا يرغب النوع في تحصيله، لارتفاع قيمته جدّا.

و كون ثمنه مجحفا بحيث لا يبذله إلّا القليل من أغنياء الناس. نعم قد يضطرّ عامّة الناس إلى شرائه لعلاج مثلا مهما كان ثمنه، لكن المناط في المقام هو الرغبة في تحصيله في الحالات العاديّة، لا حالة الاضطرار و الإلجاء.

و المناط في تقويم المثل المتعذّر هو الفرض الأوّل، أي: بذل ثمن المثل في زمان عزّته، لكن لا مطلقا، بل خصوص الثمن الذي يبذله غالب الناس، هذا.

(3) الضمائر البارزة من «وجوده» إلى «يبيعه» راجعة إلى المثل المتعذّر.

(4) هذا بيان للاستغناء عن بيع المثل، يعني: فوجود هذا المثل لا يقدح في صدق التعذّر.

______________________________

[1] بل المتعيّن هو قيمة المثل فيما بني على زمان التقويم من يوم الإعواز، أو يوم المطالبة، أو يوم الدفع فالنزاع المزبور لا مورد له، فلا وجه للإشكال المذكور في المتن، لأنّ منشأ الاختلاف إن كان اختلاف الفصول، فتعيين قيمة يوم التعذّر أو غيره يرفع الاشتباه. و إن كان منشؤه اختلاف الأيّام في عزة الوجود و ذلّته فالتعيين المزبور أيضا يرفع الاشتباه. و إن كان منشؤه اختلاف الأمكنة و البلدان فسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 435

نعم (1) لو ألجئ إلى شرائه لغرض آخر بذل ذلك (2)، كما لو فرض الجمد في الصيف عند ملك العراق، بحيث لا يعطيه (3) إلّا أن يبذله (4) بإزاء عتاق الخيل و شبهها (5). فإنّ (6) الراغب في الجمد في العراق من حيث إنّه راغب (7) لا يبذل هذا العوض بإزائه، و إنّما يبذله من يحتاج إليه لغرض آخر (8) كالإهداء إلى سلطان قادم إلى العراق مثلا، أو معالجة (9) مشرف على الهلاك به، و نحو ذلك من الأغراض، و لذا (10) لو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذّر

______________________________

(1) هذا استدراك على قوله: «لا يبذل الراغبون» يعني: أنّ عامّة الناس الّذين لا يبذلون الثمن الكثير- لشراء سلعة في حال الاختيار- قد يبذلونه عند عروض عنوان ثانويّ كالعلاج، كشراء بعض الفواكه الشتويّة في فصل الصيف بأضعاف قيمتها في الشتاء- حتى في أوّل أوانها- لكن هذا ليس معيارا لتقويم المثل المتعذّر.

(2) أي: ذلك العوض الكثير.

(3) أي: أنّ الملك لا يعطي الجمد و الثلج مجّانا، كما لا يعطيه بإزاء عوض متعارف، بل يعطيه في قبال الخيل الجياد ذات القيمة الغالية جدّا.

(4) أي: يبذل الملك الجمد بإزاء جياد الخيل.

(5) كالجواهر و الأحجار الكريمة التي تباع بأغلى الثمن.

(6) تعليل لقوله: «فلا عبرة بفرض وجوده» و قد عرفته آنفا.

(7) يعني: من حيث إنّه راغب في تحصيل الجمد على الوجه المتعارف، لا من حيث إنّ رغبته في الجمد يكون لغرض آخر يقتضي بذل ثمن كثير بإزائه.

(8) فإنّ هذا المثال أجنبي عن المقام، لأنّ العبرة في القيمة بالقيمة السوقيّة، لا ما يطلبه المالك اقتراحا.

(9) معطوف على «الاهداء» و ضمير «به» راجع إلى الجمد، و متعلّق ب «معالجة».

(10) أي: و لأجل إناطة فرض وجود المثل بغرض غير نادر الوقوع، فلو وجد هذا الفرد من المثل لم يقدح في صدق التعذّر، و لا يوجب جريان حكم وجود المثل عليه.

ص: 436

كما ذكرنا في المسألة الخامسة (1). فكلّ (2) موجود لا يقدح وجوده في صدق التعذّر، فلا عبرة بفرض وجوده (3) في التقويم عند عدمه.

[هل العبرة بقيمة بلد التلف أو المطالبة أو أعلى القيمتين؟]

ثمّ إنّك (4)

______________________________

(1) حيث قال فيها: «و أمّا إن كان لأجل تعذّر المثل و عدم وجدانه إلّا عند من يعطيه بأزيد مما يرغب فيه الناس .. إلخ» فراجع (ص 366).

(2) هذه نتيجة كون المعيار في قيمة المثل المتعذّر بفرض وجوده بنحو يرغب في شرائه الناس و لو بثمن غال، لكونه في أوان عزّة وجوده. و على هذا فلا عبرة بوجوده عند مثل السلطان، فهذا الوجود ملحق بالتعذّر، و لا يكون مناطا للقيمة التي يجب على الضامن أداؤها إلى المالك.

(3) هذا الضمير و ضمير «عدمه» راجعان إلى المثل، يعني: أنّ وجوده عند الملك مثلا ليس معيارا للتقويم عند فقد المثل في الظروف المتعارفة. و بهذا ينتهي الكلام في الجهة الخامسة.

هل العبرة بقيمة بلد التلف أو المطالبة أو أعلى القيمتين؟

(4) هذه سادسة الجهات المبحوث عنها في مسألة إعواز المثل في ضمان العين المثليّة التالفة أو المتلفة. و حاصلها: أنّ المالك يجوز له المطالبة بالمثل- عند وجوده- مطلقا سواء أ كان بقيمته المتعارفة أم بأزيد منها، و سواء أ كان في بلد المطالبة أم في مكان آخر. و الوجه فيه: ما تقدّم من اشتغال عهدة الضامن بالمثل، فيتعيّن عليه أداؤه، خصوصا مع مطالبة ذي الحق.

و أمّا إذا تعذّر المثل في بلدي التلف و المطالبة، و اختلفت قيمته فيهما، بأن كان ثمنه في بلد التلف عشرة دنانير مثلا، و في بلد آخر اثني عشر دينارا، فهل يستحقّ المالك المطالبة بالقيمة العليا أم لا؟ فيه وجوه ثلاثة.

أوّلها: تعيّن قيمة المثل في بلد تلف العين.

ص: 437

قد عرفت (1) أنّ للمالك مطالبة الضامن بالمثل عند تمكّنه و لو كان في غير بلد الضمان، و كان قيمة المثل هناك أزيد (2).

و أمّا مع تعذّره و كون قيمة المثل في بلد التلف مخالفا لها في بلد المطالبة، فهل له (3) المطالبة بأعلى القيمتين، أم يتعيّن قيمة بلد المطالبة، أم بلد التلف؟

وجوه (4) [1]

______________________________

ثانيها: تعيّن قيمته في بلد المطالبة.

ثالثها: أعلى القيمتين. و سيأتي وجه كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: في أواخر المسألة الخامسة، حيث قال: «ثمّ إنّه لا فرق في جواز مطالبة المالك بالمثل بين كونه في مكان التلف أو غيره .. إلخ» فراجع (ص 369).

(2) و ذلك لأنّ المضمون هو المثل، فلا بدّ من أدائه إلى المالك من دون لحاظ قيمته.

(3) أي: للمالك.

(4) أمّا الاعتبار ببلد التلف فلعلّه مبنيّ على انقلاب ما في الذّمّة من المثل إلى القيمة، و كون القيمة قيمة العين، لأنّ دخالة خصوصية بلد التلف في ماليّة العين تقتضي لزوم جبران تلك الماليّة في بلد المطالبة إن كان غير بلد التلف، فإنّ تلك المرتبة من الماليّة الناشئة من خصوصيّة بلد تلف العين لا بدّ من تداركها، لفرض كونها ماليّة تحقيقيّة، لا تقديريّة حتى لا تضمن.

و أمّا الاعتبار ببلد المطالبة فلعلّه مبنيّ على بقاء العين أو المثل في الذّمّة إلى زمان المطالبة، إذ القيمة الّتي يدفعها الضامن تكون قيمة لما في الذّمّة، فإذا استحقّ

______________________________

[1] الأوجه أن يقال- كما أفيد- في إتلاف المال في بلد و مصادفة المالك للمتلف في بلد آخر لا يوجد مثله فيه مع اختلاف قيمة ذلك البلد لقيمة بلد التلف: إنّ العبرة بقيمة بلد المطالبة، لبقاء المثل في الذّمّة، فللمالك مطالبته به متى شاء و أينما شاء، لأنّ الحقّ له، فالمناط قيمة زمان الدفع و مكانه، فحال المكان حال الزمان في ذلك.

ص: 438

و فصّل الشيخ (1) في المبسوط في باب الغصب

______________________________

المالك المطالبة به في بلد معيّن استحقّ تطبيق ما في الذّمّة على الفرد الخارجيّ في ذلك البلد، فتكون خصوصيّة البلد من قيود ما يستحقه المالك، فلا بدّ من دخلها في التقويم.

و أمّا اعتبار أعلى القيمتين فهو مبنيّ على ضمان ارتفاع القيم، و كون المضمون الجامع بين العين و المثل، و بقاء المثل في الذّمّة إلى زمان المطالبة. و لكن قد تقدّم عدم ضمان القدر المشترك بين التالف و الموجود.

(1) لا بأس بنقل جملة من كلامه وقوفا على حقيقة الأمر، قال قدّس سرّه: «إذا غصب منه مالا مثلا بمصر فلقيه بمكّة، فطالبه به، لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون لنقله مئونة، أو لا مئونة لنقله. فإن لم يكن لنقله مئونة كالأثمان، فله مطالبته به، سواء كان الصّرف في البلدين متّفقا أو مختلفا، لأنّه لا مئونة في نقله في العادة. و الذّهب لا يقوّم بغيره، و الفضّة لا يقوّم بغيرها إذا كانا مضروبين. و إن كان لنقله مئونة لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون له مثل أو لا مثل له. فإن كان له مثل كالحبوب و الأدهان نظرت. فإن كانت القيمتان في البلدين سواء كان له مطالبته بالمثل، لأنّه لا ضرر عليه في ذلك. و إن كانت القيمتان مختلفتين فالحكم فيما له مثل و فيما لا مثل له سواء، فللمغصوب منه إمّا أن يأخذ من الغاصب بمكّة قيمته بمصر، و إمّا أن يدع حتّى يستوفي ذلك منه بمصر، لأنّ في النقل مئونة، و القيمة مختلفة، فليس له أن يطالبه بالفضل .. إلخ» «1».

و هذه العبارة و إن كانت بظاهرها أجنبيّة عن محلّ البحث- من تعذّر المثل في بلد التلف و المطالبة- لاختصاصها بصورة وجود المثل في بلد المطالبة، و لذا يتفرّع عليه أنّ القيمة المدفوعة إلى المالك هي بدل الحيلولة. لكنّ المناسبة- الداعية لتعرّض كلام الشيخ هنا- هي اتّحاد حكم المثليّ مع القيميّ فيما لو اختلفت قيمة المثل في بلدي

______________________________

(1) المبسوط في فقه الإمامية، ج 3، ص 76

ص: 439

«بأنّه إن لم يكن في نقله (1) مئونة كالنقدين فله المطالبة بالمثل، سواء كانت القيمتان مختلفتين أم لا. و إن كان في نقله مئونة فإن كانت (2) القيمتان متساويتين كان له المطالبة أيضا (3)، لأنّه (4) لا ضرر عليه في ذلك، و إلّا (5) فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف، أو يصبر

______________________________

التلف و المطالبة، و توقّف نقل المثل على مئونة، كما هو صريح قوله: «و إن كانت القيمتان مختلفتين فالحكم فيما له مثل و فيما لا مثل له سواء» و أنّ المالك مخيّر بين مطالبة قيمة بلد التلف و بين الانتظار حتى العود إلى بلد التلف لاستيفاء المثل.

(1) أي: في نقل المغصوب. و هذا هو الشقّ الأوّل في عبارة المبسوط، و محصّله:

جواز مطالبة المالك بالمثل في غير بلد الغصب و الضمان، سواء اتّحدت قيمة المثل في البلدين أم لا.

(2) هذا هو الشقّ الثاني، و هو تساوي قيمة بلد الغصب و المطالبة مع توقّف النقل على مئونة. و حكمه جواز المطالبة في غير بلد الضمان.

(3) يعني: كالشقّ الأوّل الذي لم يتوقّف نقل المثل- من بلد الغصب إلى بلد المطالبة- على نفقة.

(4) الضمير للشأن، و هذا تعليل لجواز المطالبة بالمثل في غير بلد الغصب، و محصّله: أنّ الضامن لا يتضرّر بأداء المثل إلى المالك، لفرض تساوي قيمته في البلدين.

(5) هذا هو الشقّ الثالث، يعني: و إن لم تكن القيمتان متساويتين- مع توقّف النقل على مئونة- صار المثليّ كالقيميّ في أنّ المالك يتخيّر بين أخذ قيمة المثل في بلد التلف، و بين الصبر حتى الرجوع الى بلد التلف، و أداء المثل فيه إلى المالك.

ص: 440

حتى يوفيه بذلك البلد» [1] ثمّ قال: «إنّ الكلام في القرض كالكلام في الغصب» (1).

و حكي نحو هذا (2) عن القاضي أيضا، فتدبّر (3).

______________________________

(1) بخلاف السّلم، فليس للمشتري مطالبة المسلم فيه- و لا بدله- في غير بلد العقد، سواء أ كان لنقله مئونة أم لا. كذا أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه تلو عبارته المتقدّمة.

(2) أي: حكي نحو هذا التفصيل عن القاضي «1» كما حكي عن شيخ الطائفة قدّس سرّهما.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ هذا التفصيل بشقوقه أجنبيّ عن موضوع البحث، لأنّ مورد كلامه هو صورة وجود المثل في بلدي التلف و المطالبة، و مورد البحث هو تعذّر المثل، فكان الأنسب نقل كلام المبسوط في ذيل الفرع المتقدّم في الأمر الخامس في قبال قول الحلّيّ و العلّامة و الفخر و الشهيد قدّس سرّهم القائلين بجواز مطالبة المثل عند التمكّن منه مطلقا كما صنعه في الجواهر.

مع أنّ الشقّ الأوّل من تفصيله راجع إلى جواز المطالبة في غير بلد التلف من دون تعرض فيه لتعيين القيمة. و الشق الثاني راجع إلى جواز المطالبة في صورة تساوي

______________________________

[1] الحق أن يقال: إنّ اعتبار زمان القيمة كاعتبار مكانها. فعلى القول ببقاء العين أو المثل على العهدة فالعبرة بقيمة بلد الأداء، كما تقدّم في زمان الأداء. و لا فرق بين الزمان و المكان من هذه الجهة.

و على القول بأنّ أداء القيمة عند تعذّر المثل غرامة للعين. فالعبرة بقيمة بلد تلف العين.

و على القول بكون التعذّر موجبا لضمان القيمة، فالتعذّر البدويّ موجب لضمان قيمة بلد التلف، و التعذّر الطاري موجب لضمان قيمة بلد التعذّر. و في جميع الصور لا بدّ من لحاظ الأوصاف الدخيلة في الرغبات و الماليّة.

______________________________

(1) المهذب، للقاضي ابن البرّاج، ج 1، ص 443

ص: 441

و يمكن أن يقال (1): إنّ الحكم باعتبار بلد القرض، أو السّلم (2)- على القول به

______________________________

القيمتين، و هو غير محلّ الكلام. و الشقّ الثالث راجع إلى عدم جواز المطالبة بالمثل في غير بلد التلف، و موضوعه وجود المثل، و هو غير محلّ البحث.

(1) الظاهر أنّ غرضه قدّس سرّه من هذه العبارة المناقشة في تفصيل المبسوط، و بيانه:

أنّ قوله في الشّقّ الثالث: «و إلّا فالحكم أن يأخذ قيمة بلد التلف أو يصبر حتى يوفيه بذلك البلد» مشكل، لاقتضاء أدلّة الضمان- كآية الاعتداء بالمثل- اشتغال عهدة الضامن ببدل المغصوب، و للمالك مطالبته منه، سواء أ كانا في بلد الضمان أم في بلد آخر، و سواء تساوت القيم في البلدين أم اختلفت. و لا مقيّد في البين حتى يختصّ جواز المطالبة بما إذا كانا في بلد الضمان، أو تساوت القيمتان في البلدين. بل مقتضى إطلاق الدليل استحقاق المطالبة في بلد آخر حتى إذا كانت القيمة فيه أزيد من بلد الضمان. مع أنّ شيخ الطائفة قدّس سرّه منع المالك من مطالبة الزيادة، و خيّره بين مطالبة قيمة المثل في بلد الضمان و بين الانتظار حتى يؤدّي الضامن البدل في بلد الضمان.

نعم نقول باستحقاق المطالبة بالبدل في خصوص بلد القرض و السّلم، و ذلك لانصراف إطلاق العقد إليه و عدم تقييده بأداء المضمون في مكان آخر كانصراف إطلاق عقد البيع إلى نقد بلد المعاملة لا نقد بلد آخر. و أمّا الغصب و ما بحكمه- كالمقبوض بالبيع الفاسد- فلا عقد حتى يختصّ استحقاق مطالبة البدل ببلد الضمان، بل مقتضى إطلاق دليل الضمان جواز المطالبة به في بلد آخر حتى مع تفاوت القيمتين.

(2) قد عرفت فيما نقلناه عن المبسوط أنّ شيخ الطائفة قدّس سرّه ألحق القرض بالغصب، و مقتضاه جريان الشقوق الثلاثة فيه، و لم يحكم بتعيّن بلد القرض، و إنّما صرّح بتعيّن بلد العقد في بيع السّلم خاصّة.

و كيف كان فالفرق بين القرض و السّلم- بنظر شيخ الطائفة- لا يدفع إشكال المصنف عليه، لأنّ غرضه إبداء الفارق بين الغصب و ما بحكمه، و بين القرض و السّلم.

ص: 442

مع الإطلاق- لانصراف (1) العقد إليه، و ليس [1] في باب الضمان ما يوجب هذا الانصراف (2).

[لحوق حكم سقوط المثل عن الماليّة بتعذّره]

بقي الكلام في أنّه هل يعدّ (3) من تعذّر المثل خروجه عن القيمة كالماء على الشاطئ إذا أتلفه في مفازة، و الجمد في الشتاء إذا أتلفه في الصيف، أم لا؟

الأقوى- بل المتعيّن- هو الأوّل (4)،

______________________________

(1) خبر «إنّ» و ضمير «اليه» راجع إلى بلد القرض أو السّلم.

(2) فالفارق بين الغصب و القرض و السّلم فقدان الانصراف في الأوّل، لانتفاء موضوعه أعني به العقد. بخلاف القرض و السّلم، فإنّ عقدهما منصرف إلى بلد العقد.

هذا ما يتعلق بالجهة السادسة.

لحوق حكم سقوط المثل عن الماليّة بتعذّره

(3) هذه سابعة جهات البحث في الأمر السادس، و تفترق عن الجهات الستّ المتقدّمة في أنّ الكلام في هذه الجهة ليس في إعواز المثل و عدم وجوده خارجا، بل في إلحاق سقوطه عن الماليّة بتعذّره حتى ينقلب الضمان إلى القيمة مع تيسّر الكلّي المثليّ، و ذلك كالماء إذا أتلفه في مفازة، فأراد أداء مقدار مساو له على شاطئ النهر، و المفروض عدم مالية الماء عليه، فهل يكفي ردّ المثل، أم يجب ردّ قيمة التالف في زمان الضمان و مكانه، أم قيمة المثل آنا قبل سقوطه عن الماليّة؟ وجوه، ستأتي.

(4) و هو كون سقوط المثل عن القيمة كتعذّر المثل، لأنّ المماثلة المعتبرة في ضمان

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ المنساق من أدلّة الضمانات أيضا اعتبار بلد التلف، أو البلد الذي وصل إليه العين، إذ مقتضى المماثلة و البدليّة المستفادة من التغريم ذلك، فإذا اختلفت القيم باختلاف الأمكنة، فلا بدّ من اعتبار قيمة بلد تلف العين، أو بلد وصولها إليه، فلا يبقى حينئذ فرق بين المقام و القرض و السّلم.

ص: 443

بل حكي عن بعض (1) نسبته إلى الأصحاب و غيرهم، و المصرّح (2) به في محكيّ التذكرة و الإيضاح و الدروس قيمة المثل في تلك المفازة (3).

______________________________

المثل يراد بها المماثلة في الحقيقة النوعيّة و الماليّة، إذ المماثلة في الحقيقة النوعيّة فقط- بأن تشملهما حقيقة واحدة كصدق طبيعة الماء و الجمد على الماء على الشاطئ و الثلج في الشتاء مثلا، من دون الماليّة- لا توجب المماثلة المقصودة في باب الضمان، و هي المماثلة في الحقيقة و الماليّة معا.

(1) الحاكي هو السيّد العاملي قدّس سرّه: «و في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب و غيرهم» «1». و عبارة المحقّق الكركي قدّس سرّه هذه: «فالمختار هو وجوب القيمة، و لا محيد عن مختار الأصحاب و غيرهم في ذلك» «2».

و ظاهر نسبته إلى الأصحاب إجماعهم على الانتقال إلى القيمة.

(2) الظاهر أنّ غرضه الخدشة في الإجماع المستفاد من كلام المحقّق الكركي قدّس سرّه و ذلك لأنّهم اختلفوا في القيمة المستقرّة في عهدة الضامن، هل هي قيمة المغصوب كالثلج التالف في الصيف، أم قيمة المثل؟ ذهب العلّامة في التذكرة و القواعد، و فخر المحققين و الشهيد «3» إلى اعتبار قيمة المثل في مثل تلك المفازة- في مثال إتلاف الماء في الصيف- أو قيمة مثل ذلك الجمد. و ذهب المحقّق الكركي إلى ضمان قيمة المغصوب «4»، لا المثل، و معه كيف يدّعى الإجماع على ضمان قيمة المغصوب؟

(3) يعني: أنّ العبرة في تقويم المثل- الذي سقط عن القيمة- بقيمته في تلك المفازة، أي: قيمته في المكان الذي أتلفه فيه.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 252

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 258

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 177؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 113

(4) جامع المقاصد، ج 6، ص 255

ص: 444

و يحتمل آخر مكان أو زمان سقط المثل به عن الماليّة (1) [1].

______________________________

(1) بناء على عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة و انحطاطها. فحينئذ يكون المضمون آخر زمان أو مكان ماليّته، لأنّه بعد فرض ضمان ماليّة المال المضمون كنوعيّته- و عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة- يكون المدار في الضمان آخر أزمنة و أمكنة ماليّته، بمعنى سقوطه عن الماليّة بعد ذلك الزمان و المكان.

مثلا إذا كان قيمة إناء الماء في المفازة درهمين، فتوجّها نحو الشاطئ، و تنزّلت قيمته إلى نصف درهم، لقرب المسافة إلى النهر، و لم تقلّ عن هذا الثمن بعدها، بل سقطت عن الماليّة بالكليّة، كان المدار على آخر مكان الماليّة، و هو نصف الدرهم في المثال.

و كذا الحال في إتلاف الجمد في الصيف و هو زمان ارتفاع قيمته، و تتنزّل ماليّته في فصل الخريف شيئا فشيئا كلّما قرب الشتاء، فالمدار على قيمته النازلة التي تسقط عنها بعد ذلك الزمان كآخر أيّام الخريف. و هكذا سائر الأشياء المثليّة.

______________________________

[1] الأولى التعرّض لحكم سقوط نفس العين عن الماليّة أوّلا، ثم التكلم في حكم سقوط المثل عن الماليّة، فنقول: قد أفاد المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه ما لفظه: «إذا سقط العين عن الماليّة فمقتضى عموم على اليد المستفاد منه كون عهدة العين على ذي اليد كونها مغيّاة بأداء المأخوذ، فلا ينبغي الشكّ في خروج العين عن العهدة بأدائها و إن سقطت عن الماليّة. كما لا ريب في الخروج عن عهدة العين بأدائها مع تنزّل قيمتها. فيعلم منه أنّ الواجب أداء نفس المأخوذ، لا بما له من الصفة الاعتباريّة أعني الماليّة، و إلّا فلا فرق بين سقوطها عن الماليّة رأسا و سقوط مقدار معتدّ به عن ماليتها. و مقتضى دليل من أتلف مال الغير فهو له ضامن ليس إلّا تدارك المال بالحمل الشائع، لا تدارك الماليّة «1».

و هو قدّس سرّه تبع شيخه المحقّق الخراساني قدّس سرّه «2»، و حاصله: أنّ ردّ العين و إن سقطت

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 97

(2) حاشية المكاسب، ص 39

ص: 445

______________________________

عن الماليّة، لكنّه يصدق عليه أنّه ردّ لما أخذه.

هذا إذا كان دليل الضمان «على اليد» فإنّ إطلاق «حتى تؤديه» يقتضي خروج العين عن العهدة بأدائها مطلقا و إن سقطت عن الماليّة.

و أمّا لو كان قاعدة الإتلاف، فالظاهر منها هو إتلاف المال- لا إتلاف الماليّة- فسقوط المأخوذ عن الماليّة لا يقدح في ارتفاع الضمان بردّها، و ليس إخراج العين من مكان إلى آخر لا ماليّة لها فيه إزالة لماليّتها، و ليس كجعل الخل خمرا بعلاج، لأنّه إزالة لوصف الخليّة، و يتبعه زوال الماليّة، فضمانه من حيث إزالة الصفة، لا من حيث إزالة الماليّة.

و فيه: ما مرّ مرارا من: أنّ الأوصاف الدخيلة في الرغبات و زيادة القيم سواء أ كانت حقيقية أم اعتباريّة أم إضافيّة مضمونة، لوقوعها تحت اليد تبعا. و هذا غير القيمة السوقيّة المختلفة زيادة و نقيصة التي هي غير مضمونة كما تقدّم سابقا.

و عليه فصفة الثلج- و هي كونه في الصيف- توجب الرغبة و الماليّة، بخلاف كونه في الشتاء، فصفة الصيفيّة كصفة الخليّة مضمونة، فإذا أبقى الثلج إلى زمان الشتاء لا يكفي ردّه في ارتفاع الضمان، لبقاء ضمان صفة الصيفيّة الإضافيّة الدخيلة في قيمته في ذمّته، من غير فرق في ذلك بين كون العين في صورة التلف على العهدة أو المثل.

و يظهر ممّا ذكرنا حال الدراهم التي يسقطها السلطان، فإنّ الدرهم الموصوف بكونه معتبرا و رائجا مضمون على قابضه، فلا بدّ في مقام الأداء و تفريغ الذّمّة من لحاظ هذا الوصف، بأن تلحظ العين و تجبر موصوفة بهذا الوصف، و إلّا فلم يؤدّ ما عليه، فإنّ دليل الضمان يشمل العين و صفتها باعتبار واحد، سواء سقطت العين عن الماليّة رأسا كما إذا كانت مواد الفلوس الرائجة من القرطاس و نحوه ممّا إذا أسقطه السلطان سقط عن الماليّة رأسا، لعدم الماليّة للمادّة. أم نقصت ماليّتها، كما إذا كانت مادّتها من الذهب أو الفضّة، و إسقاط السلطان له أثّر في ماليّته من حيث السكّة فقط دون مادّته، فإنّ المضمون

ص: 446

______________________________

هو العين بوصفها الدخيل في الماليّة، فالدراهم المزبورة مضمونة بوصفها السّكيّ.

و لا بدّ من حمل إطلاق كلام الأصحاب من «أنه إذا اقترض دراهم، ثم أسقطها السلطان ليس عليه إلّا الدراهم الاولى» «1» على الدراهم التي لم تخرج عن الماليّة.

كما كان الأمر في الدراهم كذلك، لأنّ مادّتها كانت من الفضّة التي لها ماليّة. فلا وجه لتنظير المقام أعني به خروج المثل عن الماليّة بالدراهم التي أسقطها السلطان، و ذلك لعدم خروج موادّ الدراهم عن الماليّة.

و أمّا قاعدة الإتلاف فالظاهر أنّ التعبير في دليلها ب «مال الغير». دون «ملك الغير» إنّما هو لأجل إناطة الضمان بماليّة المتلف، لا بمجرّد إضافة الملكيّة، إذ لو كانت هي المدار في الضمان لزم التعبير بملك الغير، فالماليّة ملحوظة على نحو الموضوعيّة في باب الضمان.

نعم الاستيلاء على ملك الغير و إن كان حراما أيضا، إلّا أنّه ما لم يكن مالا ليس بمضمون، بل الحرمة تكليفيّة محضة.

فما أفاده قدّس سرّه من «عدم ضمان الماليّة، بل المضمون نفس المال» ممّا لا يمكن المساعدة عليه، لما عرفت من أنّ كلّ صفة لها دخل في الماليّة مضمونة تبعا للعين، فنقل العين من مكان إلى مكان آخر لا ماليّة لها فيه إزالة لماليّتها الناشئة عن الصفة الإضافيّة، فإنّ الثلج المضاف إلى زمان خاص و مكان كذلك صفة دخيلة في ماليّته تلزم رعايتها.

تتمّة: إذا شكّ في خروج العهدة بدفع العين المضمونة التي سقطت عن الماليّة، فهل الأصل يقتضي الاشتغال و لزوم دفع القيمة أيضا، أم لزوم دفع العين فقط، أم القيمة كذلك؟ و هذا الشكّ ناش عن أنّ التدارك هل يجب أن يكون بالماليّة أو بخصوصيّة العين

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 39

ص: 447

______________________________

أو بكلتيهما؟ و مقتضى الأصل بقاء العين بماليّتها على العهدة، و عدم سقوطها بأداء ما سقطت عن القيمة إلّا بأدائها و قيمتها، فلا وجه لأن يقال: إنّ أداء العين موجب لسقوط الضمان، و اشتغال الذّمّة بخصوصيّة المال مشكوك فيه، فينفى بالبراءة.

بل يقال: إنّ ضمان العين المتمولّة قد ثبت قطعا و اشتغلت بها الذّمّة يقينا، و دفع العين الساقطة عن الماليّة إلى المالك يوجب الشك في سقوط الضمان، و مقتضى الاستصحاب بقاء العهدة إلى أن تؤدّى القيمة أيضا، فاستصحاب بقاء العهدة يقضي بلزوم دفع القيمة أيضا.

و قد نوقش في هذا الأصل بما في حاشية المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه من «أنّه لا مجال لهذا الأصل، إذ لم يثبت للعهدة أثر شرعا و عرفا إلّا وجوب دفع العين، فلا معنى للتعبد بالقيمة من التعبد ببقاء العين إلّا بالأصل المثبت، لأنّ بقاءها مع دفع العين ملزوم عادة أو عقلا لوجوب التدارك بالماليّة. نعم أصالة بقاء الخروج عن عهدة العين بدفعها قبل سقوطها عن الماليّة لا بأس بها» «1».

و فيه: أنّ أصالة بقاء شغل الذّمّة يستلزم عقلا وجوب الخروج عن العهدة، و هذا اللازم أعمّ للحكم الواقعيّ و الظاهريّ، نظير وجوب الإطاعة عقلا الذي هو لازم أعمّ للحكم الواقعيّ و الظاهريّ، و وجوب مقدّمة الواجب، فإنّهما حكمان عقليّان للوجوب الأعمّ من الواقعيّ و الظاهريّ.

فإذا ثبت وجوب شي ء بالاستصحاب مثلا ترتّب عليه الحكمان العقليان المذكوران، كما يترتّبان على الوجوب الواقعيّ الثابت بالعلم الوجدانيّ. و من المعلوم أنّه لا شائبة لمثبتيّة الأصل في هذه الموارد. نظير استصحاب وجوب صلاة الجمعة مثلا، فإنّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 97

ص: 448

______________________________

لازمه العقليّ لزوم الإطاعة بإتيان صلاة الجمعة، لكون الوجوب المستصحب كالوجوب المعلوم لازم الإطاعة عقلا. و المقام كذلك، إذ العقل كما يحكم بلزوم الخروج عن عهدة مال الغير مع العلم بالاشتغال، كذلك يحكم به مع استصحاب الاشتغال، لكون الاستصحاب حجة كحجّيّة العلم عليه، مع الفرق بينهما من حيث التعبد في الأوّل.

فالمتحصّل: أنّ الغرض من الاستصحاب إثبات الاشتغال فقط، الذي هو موضوع لحكم العقل بلزوم الخروج عن العهدة بأيّ شي ء يمكن، و من المعلوم أنّ أداء العين الساقطة عن الماليّة لا يوجب العلم بالخروج عن العهدة، بل يتوقف العلم به على أداء القيمة أيضا.

و يمكن أن يقال: بعدم الحاجة إلى الاستصحاب، بل نفس قاعدة الاشتغال كافية في لزوم دفع القيمة أيضا، لتوقّف اليقين بالفراغ عليه.

و أمّا ما أفاده قدّس سرّه أخيرا من الأصل الآخر- و هو أصالة بقاء الخروج عن عهدة العين بدفعها قبل سقوطها عن الماليّة- ففيه: أنّه من الأصل التعليقيّ، إذ لا معنى للتنجيزيّ مع عدم تحقّق الدفع. و حجيّة الاستصحاب التعليقيّ الراجع إلى التعليق في الموضوع- كالمقام، لأنّ تقريبه حينئذ هو: أنّه لو دفع العين قبل خروجها عن الماليّة لكانت مسقطة للعهدة، و الآن كما كان- محلّ الاشكال، لعدم إحراز وحدة الموضوع في حالتي اليقين و الشكّ، مع سقوط العين عن الماليّة في حال الشك.

فالاستصحاب التنجيزيّ القاضي ببقاء العهدة محكّم، فلا يمكن الاكتفاء في سقوط العهدة بدفع العين الساقطة عن الماليّة، بل لا بدّ من دفع كلّ من العين و القيمة. أمّا العين فلكونها بشخصها مضمونة. و أمّا القيمة فلكونها كذلك أيضا.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بالقيمة قيمة يوم سقوط العين عن الماليّة، لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة، لا قيمة يوم الأخذ، و لا يوم الأداء، و لا أعلى القيم من زمان الأخذ إلى زمان الأداء، أو إلى زمان التلف.

ص: 449

[القدرة على المثل بعد دفع القيمة]

فرع (1): لو دفع القيمة في المثل المتعذّر مثله، ثمّ تمكّن من المثل

______________________________

القدرة على المثل بعد دفع القيمة

(1) هذا فرع آخر ممّا تعرّض له المصنّف من المباحث المتعلّقة بإعواز المثل، و هو: حكم تمكّن الضامن من أداء المثل بعد تعذّره و دفع قيمته إلى المالك، فهل يجب عليه أداء المثل أم لا؟ ذكر المصنف مباني ثلاثة، يقتضي اثنان منها عدم الوجوب، و يحتمل الوجوب بناء على الثالث.

و توضيحه: أنّه إمّا أن نقول بعدم سقوط المثل عن الذّمّة بسبب التعذّر، و إمّا أن نقول بسقوط المثل بسبب تعذّره و استقرار القيمة. و بناء على الانقلاب نقول تارة:

إنّ المغصوب بمجرّد تعذّر مثله يصير قيميّا، و اخرى: إنّ نفس المثل بتعذّره- الذي هو كالتلف- يصير قيميّا. فهذه مبان ثلاثة.

فعلى الأوّل- و هو عدم سقوط المثل بالإعواز- لا يجب دفع المثل إلى المالك، لأنّ ما في الذّمّة كان هو المثل إلى زمان دفع القيمة، و لمّا كان إعطاء القيمة بالتراضي فقد سقط المثل، لكونه من قبيل الوفاء بغير الجنس مع التراضي- كما في القرض- و من المعلوم سقوط ما في الذّمّة به، فلا وجه لوجوب دفع المثل بعد التمكّن منه.

و على الثاني- و هو سقوط المثل بالتعذر و صيرورة المغصوب المثليّ قيميّا- لا يجب أداء المثل أيضا، لكون سقوطه بدفع القيمة أولى من الفرض الأوّل، لأنّ نفس القيمة المدفوعة مصداق لكلّيّ القيميّ الثابت في ذمّة الضامن، و من المعلوم أنّ دفع مصداق الطبيعيّ رافع لما في العهدة حقيقة.

و بعبارة اخرى: إنّ نفس القيمة حقّ المضمون له واقعا- بناء على انقلاب المضمون المثليّ إلى قيمته- فأداؤها إلى المالك أداء حقّه الواقعيّ، فيتعيّن سقوط الضمان حينئذ.

و على الثالث- و هو سقوط المثل و انقلابه بقيمته لا بقيمة العين- يكون السقوط لأجل كون القيمة بدل الحيلولة عن المثل. فمع التمكّن من أدائه يحتمل وجوب المثل.

ص: 450

فالظاهر (1) عدم عود المثل في ذمّته، وفاقا للعلّامة رحمه اللّه (2) و من تأخّر عنه (3) ممّن تعرّض للمسألة، لأنّ المثل كان دينا في الذّمّة سقط بأداء عوضه مع التراضي، فلا يعود، كما لو تراضيا (4) بعوضه مع وجوده. هذا (5) على المختار من عدم سقوط المثل عن الذّمّة بالإعواز.

و أمّا على القول بسقوطه (6) و انقلابه قيميّا، فإن قلنا بأنّ المغصوب انقلب

______________________________

هذا حكم الشقوق الثلاثة. و مذهب الماتن هو الأوّل.

(1) هذا مختار المصنّف قدّس سرّه وفاقا لجمع، و هو مبنيّ على مذهب المشهور من عدم سقوط المثل بالتعذّر، كما تقدّم في أوائل هذا التنبيه السادس بقوله: «إنّ المشهور أنّ العبرة في قيمة المثل المتعذّر بقيمته يوم الدفع، لأنّ المثليّ ثابت في الذّمّة إلى ذلك الزمان، و لا دليل على سقوطه بتعذّره».

(2) قال في القواعد: «و لو غرم القيمة ثمّ قدر على المثل فلا تردّ القيمة، بخلاف القدرة على العين» «1».

(3) كالشهيدين و المحقّق الكركيّ و غيرهم قدّس سرّهم كما نسبه إليهم السيد العاملي قدّس سرّه «2».

(4) يعني: أنّ عدم عود المثل المتعذّر إلى الذّمّة- بعد القدرة عليه- يكون نظير تراضي المالك و الضامن على القيمة في صورة التمكّن من المثل، فلو أخذها المالك لم يكن له مطالبة المثل.

(5) أي: عدم عود المثل إلى عهدة الضامن مبنيّ على المختار .. إلخ.

(6) مقتضى السياق رجوع الضميرين إلى «المثل المتعذّر» لكنّه في «انقلابه» لا يخلو من تكلّف. و قد تقدم نظيره في (ص 404) فراجع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 79، السطر 24 (الطبعة الحجرية).

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 243؛ و لاحظ: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 383، السطر 37 و 38؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 113؛ جامع المقاصد، ج 6، ص 255 و 256؛ مسالك الأفهام، ج 12، ص 184

ص: 451

قيميّا عند تعذّر مثله (1) فأولى (2) بالسقوط، لأنّ المدفوع نفس ما في الذّمّة.

و إن قلنا: إنّ المثل بتعذره- النّازل (3) منزلة التلف- صار قيميّا (4) احتمل (5) [1] وجوب المثل عند وجوده، لأنّ (6) القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل، و سيأتي (7) أنّ حكمه عود المبدل عند انتفاء الحيلولة.

______________________________

(1) هذا هو مبنى الشقّ الثاني، المتقدّم بقولنا: «و بناء على الانقلاب فتارة نقول إنّ المغصوب بمجرّد تعذّر مثله يصير قيميّا».

(2) هذا حكم الشقّ الثاني، و هو أولوية سقوط المثل عن الذّمّة من الشقّ الأوّل، لما عرفت من انتقال حقّ المضمون له من المثل إلى القيمة، فكأنّ العين المضمونة قيميّة من أوّل ضمانها، لا مثليّة، فكيف يجب دفع المثل بعد أداء قيمة المضمون؟

(3) صفة لتعذّر المثل، يعني: أنّ تعذّر المثل يكون بمنزلة تلف جميع أفراده، الموجب لتبدّله بالقيمة.

(4) هذا مبنى الشقّ الثالث، و قد عرفته بقولنا: «و اخرى نقول: إنّ نفس المثل بتعذّره يصير قيميّا».

(5) هذا حكم الشق الثالث، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «و على الثالث ..

يكون السقوط لأجل ..».

(6) تعليل لاحتمال وجوب المثل، يعني: أنّ القيمة بدل ماداميّ، فإذا وجد المبدل سقط البدل عن الاعتبار، و يرجع الحكم إلى المبدل.

(7) يعني: في الأمر السابع بقوله: «ثم إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين و صار ممكنا وجب ردّها إلى المالك».

______________________________

[1] لكن هذا الاحتمال ضعيف جدّا، لأنّه مع فرض الانقلاب يكون ما على العهدة خصوص القيمة، لا غيرها، فدفع القيمة رفع لمصداق ما على العهدة، فلا معنى

ص: 452

______________________________

لرجوع المثل، إذ لم يكن في الذّمّة مثل حتى يرجع بعد وجوده.

نعم في صورة عدم سقوط المثل عن العهدة يتّجه القول بكون القيمة من قبيل بدل الحيلولة، بدعوى: أنّ القيمة غير جابرة لحيثيّتي النوع و الماليّة، بل جابرة لخصوص حيثيّة الماليّة، و بدليّتها ناقصة، فمع التمكّن من الجبران التامّ تعيّن ذلك.

و كيف كان فتفصيل الكلام في المقام: أنّه على القول ببقاء العين على العهدة إلى زمان التدارك و الأداء، و كون أداء المثل أداء ناقصا، للعذر عن الأداء التامّ بسبب التلف، و كون أداء القيمة عند تعذّر المثل أداء للعين بوجه أنقص من أداء المثل.

و كذا على القول بكون المثل على العهدة، و أنّ أداء القيمة أداء ناقص للمثل، للعذر عن الأداء التام يتعيّن القول بعود المثل، لارتفاع العذر بوجود المثل عن الأداء التّام، فلا يكفي الأداء الناقص، لعدم كونه أداء عند رفع العذر.

و الحاصل: أنّ أداء ما في الذّمّة بغير مصداقه أداء ناقص، و مع التمكّن من أدائه التامّ لا يعدّ الناقص أداء له. نعم لو أسقط صاحب الحق خصوصيّة ما في الذّمّة من العين أو المثل، و طالب الضامن بأداء غيره، فمقتضى القاعدة سقوط حقّه عن المثل و لو مع وجوده فضلا عن إعوازه.

هذا كلّه بناء على كون القيمة أداء ناقصا للمثل.

و أمّا بناء على كونها أداء تامّا للمثل، كما أنّ نفس المثل أداء كامل و جبران تامّ للعين في المثليّات، فإذا تعذّر المثل و دفع القيمة كانت القيمة تمام الغرامة و مسقطة لما في العهدة، فليست القيمة غرامة ناقصة، بل هي تامّة، فمع وجود المثل يكون هو تمام غرامة العين، و مع فقده أو كون العين قيميّة تكون القيمة تمام غرامتها و جابرة لتمام الخسارة، و معه لا معنى لبقاء المثل على العهدة.

و لا وجه للتفصيل الذي أفاده المصنّف قدّس سرّه من «أنّه مع بقاء المثل في الذّمّة لا يعود المثل، لسقوطه بالقيمة مع التراضي، و مع سقوط المثل و انتقاله إلى القيمة يحتمل

ص: 453

______________________________

القول بعوده بعد وجوده، لكون القيمة حينئذ بدل الحيلولة عن المثل» و ذلك لأنّ الأمر بالعكس، فإنّ المثل إذا سقط عن الذّمّة و انتقل إلى القيمة، فالقيمة المدفوعة حينئذ نفس ما على عهدة الضامن، فيكون من الوفاء بالجنس، فلا محيص عن السقوط. و لا وجه لعود المثل إلى الذّمّة بعد كون القيمة عين ما في الذّمّة. فلا بدّ في الحكم بعود المثل بعد التمكّن منه من الالتزام ببقاء المثل في العهدة، و عدم انتقاله بسبب التعذّر إلى القيمة حتى تكون القيمة عند تعذّره من بدل الحيلولة.

و يمكن التفصيل بوجه آخر، و هو: أنّه إذا كان دفع القيمة بعنوان الصلح عمّا في الذّمّة، سواء أ كان هو العين أم القيمة، فيسقط ما في العهدة، و لا يبقى مورد لبدل الحيلولة.

و إن كان بعنوان الغرامة و تدارك ما على الضامن، فعلى القول بانتقال العين أو المثل المتعذّر إلى القيمة حقيقة فالقيمة المدفوعة عين حقّه، فلا مورد لبدل الحيلولة حينئذ أيضا.

و على القول ببقاء العين أو المثل في الذّمّة إلى زمان التدارك، و أنّ القيمة غرامة ناقصة، فالقيمة عند تعذّر المثل تكون من بدل الحيلولة، لأنّ البدليّة الناقصة العذرية ترتفع، و تنتقل إلى البدليّة التامّة الاختياريّة.

و لعلّ هذا التفصيل أولى من سابقه، لأنّه على تقدير كون العين أو المثل في الذّمّة إذا صالح المالك ما على عهدة الضامن بالقيمة فقد سقط ما عليه. و لا معنى لبدل الحيلولة حينئذ.

و على تقدير انقلاب العين التالفة أو المثل المتعذّر إلى القيمة تكون القيمة المدفوعة عين ما على العهدة، لا بدلا عنه حتى يقال: إنّه بدل الحيلولة، فلا موضوع لبحث البدليّة أصلا.

ص: 454

[السابع ضمان القيميّ بالقيمة]
اشارة

السابع (1): لو كان التالف المبيع فاسدا قيميّا (2) فقد حكي (3) الاتّفاق على

______________________________

ضمان القيميّ بالقيمة

________________________________________

(1) الغرض من عقد هذا الأمر بيان جهة أخرى مما يتعلّق بالمبيع بالبيع الفاسد إذا تلف بيد المشتري، و هي كيفيّة ضمان القيميّات، و أنّها مضمونة بالقيمة أو بما يماثلها. فإن كانت مضمونة بالقيمة لم يكن للمالك إلزام الضامن بالمثل، و لا للضامن كذلك. و كذا الحال لو كان القيميّ- كالمثليّ- مضمونا بالمثل. فيقع البحث في مقامين:

أحدهما: في الدليل على ضمان القيميّ بالقيمة، لا المثل.

ثانيهما: في تعيين القيمة بحسب تفاوتها في الأزمنة من يوم القبض و التلف، و أعلى القيم بينهما، و غير ذلك ممّا سيظهر.

(2) قد أشرنا إلى تعريف القيميّ في الأمر الرابع، و أنّه ما يكون مدار ماليّته على الجهات الشخصيّة، و هذا ممّا يحكم به العرف في باب الضمان.

(3) هذا شروع في المقام الأوّل، و قد استدلّ بوجوه على ضمان القيميّ بالقيمة.

الأوّل: الإجماع المنقول الذي ادّعاه الفقيه المتتبّع السيد العاملي قدّس سرّه- بعد حكاية الشهرة عن الشهيد- بقوله: «لا أجد فيه في الباب خلافا، إلّا ما يحكى عن أبي علي، و ما يظهر من قرض الخلاف، و ما لعلّه يظهر من المحقّق في باب القرض ..

و كيف كان فقد اتّفقوا هنا- يعني في باب الغصب- من غير تأمّل و لا خلاف» «1».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 243 و 244

ص: 455

كونه مضمونا بالقيمة (1). و يدلّ عليه الأخبار المتفرّقة (2) في كثير من القيميّات،

______________________________

(1) خلافا للإسكافي و الشيخ و المحقّق في باب القرض.

لكن صحّة نسبة الخلاف إلى الإسكافي لا تخلو عن إشكال، لعدم ظهور عبارته المحكيّة فيما نسب إليه، و تقدّم التعرّض له عند كلام المصنّف في أوّل التنبيه السادس، و سيأتي أيضا. و أمّا مخالفة شيخ الطائفة و المحقّق قدّس سرّهما فهي مبنية على ثبوت التلازم بين القرض و المقام أعني به المقبوض بالعقد الفاسد، المحكوم بحكم الغصب، و هو غير ثابت.

(2) أي: و يدلّ على ضمان القيميّ بالقيمة الأخبار المتفرّقة الواردة في كثير من القيميّات المضمونة بالإتلاف و الالتقاط و نحوهما من موجبات الضمان، و هذه الأخبار دليل ثان على المدّعى، و قد تقدّم بعضها في (ص 338) كرواية بيع الجارية المسروقة، و كرواية السفرة و غيرهما، و نذكر بعضها الآخر هنا، فنقول و به نستعين:

منها: رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل أصاب شاة في الصحراء، هل تحلّ له؟ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فخذها و عرّفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلى صاحبها، و إن لم تعرف فكلها و أنت ضامن لها؛ ان جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردّها عليه» «1».

و تقريب الدلالة: أنّ الشاة المضمونة بالالتقاط قيميّة، فتضمن بقيمتها، لقوله عليه السّلام: «يطلب ثمنها أن تردّها عليه».

و منها: رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام، قال: «و سألته عن الرجل يصيب اللقطة، فيعرفها سنة، ثم يتصدّق بها، فيأتي صاحبها، ما حال الذي تصدّق بها؟ و لمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها أو قيمتها؟ قال: هو ضامن لها، و الأجر له، إلّا أن يرضى صاحبها، فيدعها و الأجر له» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 365، الباب 13 من أبواب اللقطة، الحديث 7

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 352، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث: 14

ص: 456

فلا حاجة (1) إلى التمسّك بصحيحة أبي ولّاد الآتية في ضمان البغل [1]

______________________________

و الشاهد في كون الملتقط ضامنا لقيمة اللقطة، لأنّه عليه السّلام قرّر السائل في اشتغال عهدته بالقيمة، و قال: «هو ضامن لها».

و منها: ما رواه زيد بن علي عن آبائه عليهم السّلام، قال: «أتاه رجل تكارى دابة فهلكت، و أقرّ أنّه جاز بها الوقت، فضمّنه الثمن و لم يجعل عليه كراء» «1». بتقريب: أنّ الدّابة الهالكة قيميّة، و المستأجر المفرّط ضامن لقيمتها.

و منها: مرسلة الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في حديث: «و إن وجدت طعاما في مفازة فقوّمه على نفسك لصاحبه ثم كله، فإن جاء صاحبه فردّ عليه القيمة» «2».

و التقريب كما تقدّم.

و منها: رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم، فاحترقت، و احترق متاعهم؟ قال: يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل» «3».

و الدلالة ظاهرة أيضا، فإنّ بعض الأمتعة المحترقة قيمي عادة، و قد حكم عليه السّلام بضمان قيمة الدار و الأثاث.

و منها: روايات أخر وردت في تلف العين المرهونة سيأتي ذكرها عند تعرّض الماتن لها.

(1) هذا تعريض بما في الجواهر من الاستدلال- على ضمان القيميّ بالقيمة-

______________________________

[1] أورد المحقّق الايرواني قدّس سرّه عليه بأنّ «إظهار الاستغناء عن الصحيحة، ثم العود إلى الاستدلال بها بعد سطرين ليس كما ينبغي» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 257، الباب 17 من أبواب الإجارة، الحديث 5

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 351، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 9

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 210، الباب 41 من موجبات الضمان، الحديث 1

(4) حاشية المكاسب، ج 1، ص 101

ص: 457

..........

______________________________

بصحيحة أبي ولّاد الآتية، و بنصوص ضمان العبد المشترك المعتق بعضه، قال صاحب الجواهر قدّس سرّه: «نعم للمصنّف- و هو المحقّق- في كتاب القرض ضمان القيميّ بمثله، و قد سمعت الكلام فيه هناك. كما أنّك سمعت الكلام في المحكيّ عن ابن الجنيد المحتمل لإرادة ما لا ينافي المشهور منه. و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لظهور صحيح أبي ولّاد و غيره ممّا دلّ على ضمان الحيوان عبدا كان أو غيره في كون الكلام القيمة، و منه نصوص العتق لشريك، المقتضي للسراية المأمور بها بالتقويم، فليس للمتلف دفع المثل العرفي إلّا مع رضا المالك. كما أنّه ليس للمالك اقتراحه» «1».

و المستفاد منه: الاستدلال على اعتبار القيمة في ضمان القيميّات بطائفتين من الأخبار.

الأولى: صحيحة أبي ولّاد، الظاهرة في ضمان البغل بالقيمة، لقوله عليه السّلام: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» و لمّا كانت البغال و الحمير و الدّوابّ معدودة من القيميّات، فلو تلفت اشتغلت الذّمّة بأثمانها لا بأمثالها. و عليه فالصحيحة دليل على تعيّن القيمة في بدليّتها عن العين القيميّة المضمونة.

الثانية: ما ورد من أنّه لو كان عبد مشتركا بين جماعة، فأعتق أحدهم نصيبه،

______________________________

و الأمر كما أفاده، إذ لو كانت الصحيحة وافية بإثبات ضمان القيميّ بقيمة يوم الغصب أو التلف لم يكن وجه في الاشكال على صاحب الجواهر قدّس سرّه المستدلّ بها.

و إن لم تكن وافية به لم يبق مجال لقوله بعد سطرين «فيردّه إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة: منها صحيحة أبي ولّاد الآتية.

و يتأكد الإشكال بناء على ما عن نسخة التهذيب- التي عوّل عليها المصنّف- من تعريف «بغل» الظاهر في إرادة البغل المعهود، لا بغل كلّيّ حتى يحتمل ضمان القيميّ بالمثل، بأن تكون القيمة بدلا عن البدل.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 100

ص: 458

..........

______________________________

تعيّن عليه دفع قيمة سائر حصصه إلى شركائه، حتّى يتحرّر العبد كاملا بالسراية.

و من المعلوم أنّ العبيد و الإماء قيميّات و ليست مثليّة، فضمان قيمة العبد دليل على أنّ القيميّ لا يضمن إلّا بالقيمة.

و هذه النصوص جمعها الشيخ الحرّ قدّس سرّه في باب عنوانه «أنّ من أعتق مملوكا له فيه شريك، كلّف أن يشتري باقيه و يعتقه إن كان موسرا مضارّا، و إلّا استسعى العبد في باقي قيمته، و ينعتق، فإن لم يسع خدم بالحصص» «1».

ففي معتبرة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في عبد كان بين رجلين، فحرّر أحدهما نصفه، و هو صغير، و أمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرّر نصفه. قال: يقوّم قيمة يوم حرّر الأوّل، و أمر الأوّل أن يسعى في نصفه الذي لم يحرّر حتى يقضيه» «2».

و نحوه سائر أخبار الباب.

و تقريب الدلالة: أنّ تحرير العبد إتلاف لمال الشريك. و حيث إنّ المضمون قيميّ- و هو العبد- كان ضمانه بالقيمة، لقوله عليه السّلام: «يقوّم قيمة». هذا توضيح نظر الجواهر.

و ناقش المصنّف فيه بمنع دلالة صحيحة أبي ولّاد و نصوص تحرير العبد المشترك على ضمان القيميّ بالقيمة. أمّا الصحيحة فلظهورها في ضمان القيميّ بالمثل لا بالقيمة، فإنّ كلمة «بغل» في قوله عليه السّلام: «قيمة بغل يوم خالفته» نكرة، و هي ظاهرة في كون ذي القيمة بغلا غير معيّن، و يتّجه مذهب القائل بأنّ الثابت في الذّمّة بغل غير معيّن، و أنّ القيمة بدل عنه، لا أنّ المضمون قيمة البغل التالف.

و أمّا نصوص العتق فلأنّ الأمر بتقويم العبد- المعتق بعضه- غير ظاهر في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 20، الباب 18 من أبواب كتاب العتق.

(2) المصدر، ص 21، الحديث 4

ص: 459

و لا بقوله عليه السّلام: «من أعتق شقصا من عبد قوّم عليه» (1). بل الأخبار كثيرة (2).

______________________________

ما نحن فيه من ضمان القيميّ بالقيمة، لاحتمال كون التقويم معاوضة شرعيّة قهريّة، رعاية لحرّيّة العبد المبعّض.

و المتحصل: أنّ صحيحة أبي ولّاد و أخبار تحرير بعض العبد غير وافية بإثبات المدّعى، و هو تعيّن القيمة في ضمان القيميّات.

(1) لم أظفر بهذا المتن في جوامع الأخبار من الوسائل و غيره، فلعلّ المصنّف نقله بالمعنى، أو اعتمد على ما رواه شيخ الطائفة مرسلا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «1».

(2) يعني: أنّ الأخبار الكثيرة ظاهرة في ضمان القيميّ بالقيمة، و هي سليمة عن المناقشة، و معها لا حاجة إلى الصحيحة و نصوص العتق اللّتين استند إليهما صاحب الجواهر قدّس سرّه، مع ما فيهما من الخدشة كما عرفت آنفا.

ثم إنّه لا بأس بالإشارة إلى نكتة، و هي: أنّ المصنّف قدّس سرّه ادّعى هنا كثرة الأخبار الدالّة على اعتبار القيمة في القيميّات، لقوله: «الأخبار المتفرّقة في كثير من القيميّات» و قوله: «بل الأخبار كثيرة». و هذا ربّما ينافي ما نبّه عليه في الأمر الرابع من جعل الأخبار المتكفّلة للضمان بالقيمة نادرة جدّا، حيث قال هناك: «إلّا ما شذّ و ندر». فإن كانت هذه الأخبار شاذّة لم يتّجه قوله هنا من: «أنّها كثيرة» و إن كانت كثيرة لم يتجه رميها بالندرة و الشذوذ في التنبيه الرابع.

قلت: الظاهر عدم التنافي بين التعبيرين، فإنّ ندرتها تكون بالقياس إلى النصوص المشتملة على مادّة الضمان و التغريم بصيغ عديدة في مطلق المضمونات.

سواء أ كانت مثليّة أم قيميّة، و هي أزيد من مائة رواية قطعا كما لا يخفى على المتتبّع، و قد ادّعى المصنف هناك انصراف إطلاقها إلى الأقرب إلى المضمون، و هو المثل ثم القيمة.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 396، المسألة: 2 من كتاب الغصب، و قريب منه بزيادة «و له مال» في عوالي اللئالي، ج 3، ص 298، الحديث 24

ص: 460

بل قد عرفت (1) أنّ مقتضى إطلاق أدلة الضمان في القيميّات هو ذلك (2) بحسب المتعارف [1].

إلّا (3) أنّ المتيقّن [2] من هذا المتعارف ما كان المثل فيه متعذّرا.

______________________________

و أمّا دعوى كثرة أخبار ضمان القيميّ فصحيحة أيضا، لتحقّق الكثرة بعشر روايات أو ما يقارب العشرة. و لا ريب في أنّ ما ورد فيه لفظ «الثمن أو القيمة» لا يقلّ عن هذا العدد، كما ذكرناها بمصادرها، فلاحظ.

(1) يعني: في الأمر الرابع، حيث قال: «إنّ القاعدة المستفادة من إطلاقات الضمان في المغصوبات و الأمانات المفرّط فيها و غير ذلك هو الضمان بالمثل .. ثم بعده قيمة التالف ..».

و هذا إشارة إلى دليل ثالث على اعتبار القيمة في المضمونات القيميّة، و تقريبه:

أنّ الأخبار المتفرّقة المشتملة على مادّتي «الضمان و الغرامة» لم يتعرّض فيها لكيفيّته مع كونها واردة في مقام البيان، فعدم تعرّض المتكلّم لبيان الكيفيّة دليل على إحالتها على العرف، و من المعلوم أنّهم يحكمون بأداء ما هو أقرب إلى التالف، فإن كان مثليّا تعيّن أداء المثل، و إن كان قيميّا تعيّن دفع القيمة.

و عليه فمناط هذا الوجه استفادة الحكم من الأدلّة العامّة في الضمانات، سواء أ كان المضمون مثليّا أم قيميّا.

(2) خبر قوله: «ان مقتضى» و المشار إليه هو الضمان بالقيمة.

(3) استدراك على قوله: «بل قد عرفت أنّ مقتضى إطلاق» و غرضه المناقشة في دلالة الطائفتين من الأخبار على ضمان القيميّ بالقيمة. أمّا الطائفة الأولى فسيأتي منع إطلاق دلالتها.

______________________________

[1] بل مقتضى ما تقدّم هناك: أنّ القاعدة المستفادة من أدلّة الضمان هو الضمان بالمثل، لأنّه أقرب إلى التالف من حيث المالية و الصفات، فتشمل القيميّات.

[2] هذا غير ظاهر، لعدم تفرقة العرف ظاهرا في القيميّ- بالمعنى المقابل للمثليّ- بين تيسّر المثل و تعذّره، فإنّ المثليّ و القيميّ ماهيّتان متباينتان، و تعذّر أفراد

ص: 461

..........

______________________________

و أمّا الطائفة الثانية- و هي إطلاقات الضمان- فيشكل الاستدلال بها على ضمان القيميّ بالقيمة مطلقا حتى مع تيسّر المثل العرفي للعين التالفة القيمية. وجه الاشكال: أنّ مناط الأخذ بالإطلاق المقامي هو عدم بيان كيفيّة خاصة، و إحالة الأمر إلى العرف في مقام البيان. و من المعلوم توقف الإطلاق على عدم تعارف سيرتهم على أمر آخر. مع أنّه لا ريب عندهم في كون المثل أقرب إلى التالف حتى في القيميّات.

و عليه تختص الروايات المطلقة بما إذا تعذّر المثل، مع أنّ المدّعى عام و هو ضمان القيميّ بالقيمة سواء تيسّر المثل أم تعذّر.

______________________________

إحداهما في الخارج لا يوجب انتقال ما ثبت منهما في ذمّة إلى أخرى، و لا وجه لرفع اليد عن إطلاق ما دلّ على ضمان القيميّ بالقيمة، الشامل لصورة تعذّر المثل كما صنعه المصنّف قدّس سرّه.

و كيف كان فيحتمل- في مسألة ما لو كان التالف المبيع بالبيع الفاسد قيميّا- وجوه ثلاثة: أحدها: الضمان بالقيمة مطلقا. ثانيها: الضمان بالمثل كذلك. ثالثها: ضمان المثليّ بالمثل، و القيميّ بالقيمة.

و قد استدلّ المصنّف قدّس سرّه لضمانه بالقيمة بالإجماع و الروايات المتفرّقة في كثير من القيميّات، بحيث لا يكون للضامن و المضمون له التخلّف عن الضمان بالقيمة.

لكن الظاهر عدم استفادة كيفيّة الضمان و خصوصيّاته من نفس أدلّة الضمان، كقاعدتي اليد و الإتلاف و قاعدة احترام مال المسلم، لعدم تعرّضها لخصوصيّات الضمان. فمقتضى الإطلاق المقاميّ هو إيكال كيفيّة الضمان إلى العرف. و بعد انقسام الأموال إلى قسمين مثليّ و قيميّ و تباينهما ماهيّة يحكم العرف بضمان كلّ منهما بالمثل، فالمثليّ يضمن بالمثل، لأنّه المماثل له عرفا ماهيّة و ماليّة. و القيميّ يضمن بالقيمة، لأنّها مثله عرفا.

و هذا الأمر العقلائيّ الارتكازيّ ممّا بنى عليه الشرع، لعدم تعرّضه لكيفيّة الضمان مع كونها محلّ ابتلاء النوع ليلا و نهارا. و هذا الإهمال دليل على إحالة كيفيّة الضمان إلى العرف.

نعم ربّما يستظهر بمعونة ترك الاستفصال من بعض الروايات لزوم الغرامة

ص: 462

______________________________

بالقيمة في مطلق الضمانات، كموثّق إسحاق بن عمّار، قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك [فيهلكه] أعلى الرّجل أن يرد على صاحبه مأتي درهم؟ قال: نعم، لأنّه أخذ رهنا فيه فضل و ضيّعه.

قلت: فهلك نصف الرّهن؟ قال: على حساب ذلك. قلت: فيترادّان الفضل؟ قال:

نعم» «1». فإنّه بسبب ترك الاستفصال ظاهر في أنّ الرّهن- سواء أ كان مثليّا أم قيميّا و سواء أ كان المثل متعذّرا أم لا، و سواء وجد للقيميّ مثل أم لا- إذا هلك بالتفريط فهو مضمون بالقيمة، لكون سقوط مائة درهم دليلا على أنّ الضمان بالقيمة، و إلّا فلا وجه للسقوط. كما أنّ لزوم تأدية مأتي درهم دليل على أنّ الدراهم على عهدته في المثليّ و القيميّ مطلقا.

و نحوه غيره من الروايات المذكورة في الباب المذكور الدالّة على أنّ التالف مضمون بالقيمة مطلقا و إن كان مثليّا، لأنّ معنى ترادّ الفضل أنّه إن كان الرّهن زائدا على الدّين سقط من الضمان بمقدار الدين، و أخذ الراهن فضله. و إن كان الرّهن ناقصا عن الدّين سقط من الدين بمقداره، و أخذ المرتهن البقيّة.

و لا معنى للسقوط و التهاتر إلّا الضمان بالقيمة، إذ لو كان العهدة مشغولة بالمثل أو العين لم يكن وجه للتهاتر، بل لا بدّ في المثليّ من أداء المثل، و في القيميّ تبقى العين على العهدة إلى زمان الأداء، فالتهاتر القهريّ لا وجه له إلّا مع الضمان بالقيمة.

مضافا إلى: تصريح الروايات بالسقوط القهري، ففي صحيحة أبي حمزة، قال:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول عليّ عليه السّلام: يترادّان الفضل؟ فقال: كان عليّ عليه السّلام يقول ذلك. قلت: كيف يترادّان الفضل؟ فقال: إن كان الرّهن أفضل ممّا رهن به ثم عطب ردّ المرتهن الفضل على صاحبه. و إن كان لا يسوى ردّ الراهن ما نقص من حق المرتهن.

قال: و كذلك قول عليّ عليه السّلام في الحيوان و غير ذلك» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، الباب 7 من أحكام الرهن، الحديث 2

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، الباب 7 من كتاب الرهن، الحديث 1

ص: 463

______________________________

و قريب منه صحيحة محمد بن قيس «1» و غيرها من الروايات الدالّة على كون الضمان بالقيمة.

و تدلّ عليه أيضا روايات متفرّقة، كموثّقة السكونيّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ عليهم السّلام: «أنّه قضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت الدار، و احترق أهلها، و احترق متاعهم؟ قال: يغرم قيمة الدار و ما فيها ثم يقتل» «2» فإنّ تغريمه قيمة الدار و ما فيها من المتاع و لو كان مثليّا ظاهر في كون الضمان مطلقا بالقيمة.

إلّا أن يقال: إنّ «ما فيها» معطوف على القيمة، فيكون المراد حينئذ أنّه يغرم قيمة الدار، و يغرم ما فيها، من دون تعرّض للقيمة و غيرها. لكنّه خلاف الظاهر، فتبعد إرادته بلا قرينة.

كبعد احتمال أنّ متاع الدار في مورد قضاء أمير المؤمنين «عليه الصلاة و السلام» كان قيميّا لا يوجد مثله، لأنّ ظاهره أنّ ذلك من قضاياه الكلّيّة، لا أنّه قضيّة خارجيّة.

و لو سلّم ذلك كانت حكاية أبي عبد اللّه عليه السّلام كافية في إفادة الحكم، لبعد كونه عليه السّلام ناقلا للتاريخ. فلو كان متاع البيت قيميّا و كان حكم المثليّ غير القيميّ كان عليه بيان خصوصيّة الواقعة الدخيلة في الحكم.

و على كل حال يستفاد منها قاعدة كلّيّة، و هي: أنّ إتلاف مال الغير موجب لضمان القيمة.

و موثّقة سماعة، قال: «سألته عن المملوك بين شركاء، فيعتق أحدهم نصيبه، فقال:

هذا فساد على أصحابه، يقوّم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه، لأنّه أفسده على أصحابه» «3». فإنّ موردها القيميّ و التعليل بالإفساد يدلّ على عليّة كلّ إفساد للضمان

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 129، الباب 7 من كتاب الرهن، الحديث: 4

(2) وسائل الشيعة، ج 19، ص 210، الباب 41 من أبواب موجبات الضمان، الحديث: 1

(3) وسائل الشيعة، ج 16، ص 22، الباب 18 من كتاب العتق، الحديث 5

ص: 464

______________________________

و إن لم يكن عتقا. و يمكن أن تكون هذه الموثّقة من أدلّة قاعدة الإتلاف.

و صحيحة أبي ولّاد الآتية التي موردها القيميّ أيضا.

و بالجملة: فالروايات الدالّة على الضمان بالقيمة على طائفتين:

إحداهما: ما وردت في ضمان خصوص القيميّات بالقيمة كالعبد و الجارية.

ثانيتهما: ما وردت في المضمون مطلقا سواء أ كان مثليّا أم قيميّا كالرهن التالف و احتراق ما في الدّار و غلّة الأرض، و غير ذلك مما يقتضي الإطلاق كون التالف المضمون بالقيمة مثليّا أو قيميّا.

و الظاهر عدم التنافي بينهما، لأنّ ما دلّ على الضمان بالقيمة في القيميّات لا تنفي ضمان المثليّات بها حتى يجب حمل المطلق- و هو ما دلّ على الضمان بالقيمة مطلقا و إن كان المضمون مثليّا- على المقيّد، ليكون مقتضى الحمل اختصاص ضمان القيمة بالقيميّات.

فالمتحصل: أنّ مقتضى الروايات ضمان الأشياء مطلقا- و إن كانت مثليّة- بالقيمة.

و لا بدّ في الخروج عن إطلاقها من دليل على التقييد. و قد ادّعي أنّه الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل. قال في الجواهر: «انّه من قطعيّات الفقه» «1». و عن غاية المراد «أطبق الأصحاب على ضمان المثليّ بالمثل، إلّا ما يظهر من ابن الجنيد» لكنّه أوّل كلامه أيضا.

و الحقّ أن يقال: إنّ القدر المتيقن من الإجماع على ضمان المثليّ بالمثل هو صورة وجود المثل دون نادر الوجود و متعذرة، فإنّ إطلاقات ضمان القيمة محكّمة في غير المتيقن، و هو وجود المثل، لأنّه مقتضى مرجعيّة العام في المخصص المجمل.

و الحاصل: أنّ الإجماع لمّا كان لبّيّا فلا بدّ في تخصيصه من الأخذ بالمتيقّن منه و هو وجود المثل، دون نادرة و متعذرة. و على هذا فالروايات وافية بكيفيّة الضمان، فلو كان بناء العرف على غير تلك الكيفيّة كان الروايات رادعة عنها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 85

ص: 465

بل (1) يمكن دعوى انصراف الإطلاقات الواردة في خصوص بعض

______________________________

(1) غرضه المناقشة في دلالة عدّة من الأخبار الواردة في ضمان القيميّات، كما ناقش في إطلاقات الضمان. و حاصلها: أنّ المدّعى عامّ، و هو: ضمان كلّ قيميّ بالقيمة كضمان المثليّ بمثله، مع أنّه يمكن منع إطلاق بعض الأخبار لحالة وجود مماثل عرفيّ للقيميّ المضمون، ففي صحيحة أبي ولّاد: «قيمة بغل يوم خالفته». إذ من المحتمل كون الثابت في ذمّة الضامن بغلا غير معيّن، و إنّما تعطى القيمة بدلا عنه، لا بدلا عن نفس البغل التالف أو المتلف. و لا سبيل لاستفادة ضمان قيمة البغل التالف حتى مع وجود بغل مماثل له في الصفات و الماليّة.

و كذا يمكن أن يكون تقويم العبد- و أداء قيمة ما بقي منه غير محرّر- لأجل

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكر أنّ القيميّات مطلقا مضمونة بالقيمة، و المثليّات أيضا مضمونة بالقيمة، إلّا إذا كان المثل موجودا بوجود غير عزيز. و أمّا مع عزّة وجوده فضلا عن فقدانه فضمانه بالقيمة أيضا.

و من هنا يظهر أنّ ما أفيد في مباحث تعذّر المثل- سواء أ كان التعذّر بدويّا أم طارئا- لا بدّ من تطبيقها على ما بيّناه هنا، بأن يقال: إنّ التعذّر مطلقا يوجب الانقلاب إلى القيمة، أخذا بإطلاق ما دلّ على الضمان بالقيمة و إن كان مثليّا، و اقتصارا على المتيقّن من الإجماع، و هو ضمان المثليّ بالمثل إذا كان موجودا، دون ما إذا كان مفقودا أو عزيز الوجود. فالمثل بمجرّد فقدانه أو عزّة وجوده ينتقل ضمانه إلى القيمة، هذا.

و أمّا الروايات الدالّة على الضمان بالمثل في القيميّ فهي مختصّة بالقرض، و لا ربط لها بما نحن فيه.

مضافا إلى: أنّها ضعيفة السند.

فروايات المقام كما عرفت منحصرة بالطائفتين المتقدمتين. و روايات القرض أجنبية عن باب الضمانات المبحوث عنها.

ص: 466

القيميّات كالبغل و العبد و نحوهما لصورة (1) تعذّر المثل كما هو الغالب (2).

فالمرجع (3) في وجوب القيمة في القيميّ و إن فرض تيسّر المثل له- كما (4) في من أتلف عبدا من شخص باعه عبدا موصوفا بصفات ذلك العبد بعينه.

______________________________

تعذّر المثل، بحيث لو تيسّر عبد مماثل للمعتق مالية و صفة يحلّ محلّه كان مقدّما على دفع القيمة، فتأمّل.

و الحاصل: أنّ الإطلاقات المختصّة بالقيميّات تنقسم إلى طائفتين، فما كان منها متكفّلا لضمان قيمة العبد و البغل أمكن انصرافها إلى صورة تعذّر المثل كما هو الغالب في العبد و البغل. فلا يكفي أداء القيمة مع تيسّر المثل. و ما كان منها متكفّلا لضمان قيمة سائر الأمتعة يمكن إطلاقها لحالتي تيسّر المماثل و تعذّره.

(1) متعلق ب «لانصراف».

(2) يعني: أنّ الغالب في بعض القيميّات تعذّر المثل العرفيّ.

(3) غرضه أنّه- بعد انصراف إطلاقات أدلّة ضمان القيميّ بالقيمة إلى صورة تعذّر المثل، و عدم شمولها لصورة تيسّر المثل- لا بدّ من القول، بضمان القيميّ بالمثل مع وجوده، مع أنّهم لم يلتزموا به، بل التزموا بالقيمة حتى مع تيسّر المثل، فدليلهم على الضمان بالقيمة في القيميّ مطلقا و لو مع وجود المثل هو الإجماع.

(4) ذكر المصنّف قدّس سرّه مثالين لتيسّر المثل، أحدهما: أن يبيع شخص عبدا كلّيّا موصوفا بصفات تميّزه عمّن سواه بثمن معيّن، و أتلف المشتري على البائع عبدا مملوكا له بصفات العبد المبيع- قبل أن يسلّمه البائع منه- فإنّهم لم يحكموا بالتهاتر و تساقط ما في ذمّتي البائع و المشتري، بل قالوا باستقرار المبيع في ذمّة البائع، و بضمان المشتري قيمة العبد الذي أتلفه على البائع. و هذا الحكم شاهد على ضمان القيميّ بالقيمة، سواء تيسّر المثل أم تعذّر.

ثانيهما: مثال الكرباس، فإنّ الأذرع منه متماثلة، و لكن يجب دفع قيمة الذراع المتلف، لا مثله.

ص: 467

و كما لو أتلف عليه ذراعا من مائة ذراع كرباس منسوج على طريقة واحدة لا تفاوت في أجزائه أصلا- هو الإجماع (1) كما يستظهر.

و على تقديره (2) ففي شموله لصيرورة تيسّر المثل من جميع الجهات تأمّل.

خصوصا (3) مع الاستدلال عليه (4) كما في الخلاف و غيره بقوله تعالى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ بناء (5) على أنّ القيمة مماثل للتالف في الماليّة فإنّ (6) ظاهر ذلك جعلها (7) من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل.

______________________________

(1) خبر قوله: «فالمرجع».

(2) يعني: و على تقدير تحقّق الإجماع، و غرضه المناقشة في شمول الإجماع- على فرض ثبوته- للمثل الموجود المماثل للتالف القيميّ من جميع الجهات، فالإجماع على ثبوت القيمة في هذه الصورة غير ثابت، لأنّه دليل لبّيّ، و المتيقّن منه غير هذه الصورة.

(3) وجه الخصوصيّة ظهور الآية الشريفة في تعيّن المماثل للتالف من جميع الجهات و إن كان التالف قيميّا، إلّا إذا تعذّر المثل، فإنّ القيمة حينئذ مما يعدّ مماثلا للتالف.

(4) أي: على وجوب القيمة في القيميّ، و قد تقدّم في (ص 339) نقل استدلال شيخ الطائفة قدّس سرّه بالآية الشريفة على كلّ من وجوب المثل في المثليّ، و القيمة في القيميّ، فراجع.

(5) هذا البناء هو استدلال شيخ الطائفة، و ليس أمرا آخر، إذ لو لم تكن القيمة مماثلة للتالف كانت الآية الشريفة أجنبيّة عن المدّعى. و عليه فالاستدلال بها منوط بالتوسعة في المماثلة كما تقدّم مشروحا في (ص 339).

(6) تعليل لقوله: «خصوصا» و قوله: «ذلك» إشارة إلى «الاستدلال».

(7) أي: جعل القيمة من باب الأقرب إلى التالف بعد تعذّر المثل، فتكون المماثلة في الماليّة.

ص: 468

و كيف كان (1) فقد حكي الخلاف في ذلك عن الإسكافي (2)، و عن الشيخ و المحقّق في الخلاف و الشرائع في باب القرض (3).

فإن أرادوا ذلك (4) مطلقا

______________________________

(1) أي: سواء أ كان مقتضى إطلاقات ضمان القيميّات ضمانها بالقيمة مطلقا سواء تيسّر المثل أم تعذّر، أم كان مقيّدا بتعذر المثل، فقد حكي .. إلخ.

و غرضه من هذا الكلام الخدشة في الإجماع بمخالفة ابن الجنيد في مطلق المضمون، و مخالفة شيخ الطائفة و المحقّق في خصوص باب القرض. و هل تقدح هذه المخالفة في تحقّق الإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة أم لا؟ سيأتي تحقيقه إن شاء اللّه تعالى.

(2) أمّا أبو علي فقد تقدّم كلامه في أوّل الأمر السادس، فراجع (ص 295) و أمّا الشيخ و المحقّق فيظهر منهما في باب القرض ثبوت نفس مثل العين المقترضة في ذمّة المديون، قال في الخلاف: «إذا لم يجد مال القرض بعينه وجب عليه مثله، و عليه أكثر أصحاب الشافعيّ .. دليلنا: أنّه إذا قضى مثله برئت ذمّته، و إذا ردّ قيمته لم يدلّ دليل على براءتها. و أيضا: فالذي أخذه عين مخصوصة، فمن نقل إلى قيمتها فعليه الدلالة» «1».

و قال في الشرائع: «و ما ليس كذلك- أي مثليّا- يثبت في الذّمّة قيمته وقت التسليم. و لو قيل يثبت مثله أيضا كان حسنا» «2».

(3) و أمّا في باب الغصب فوافقا المشهور من التفصيل بين المثليّ و القيميّ.

(4) أي فإن أرادوا وجوب المثل في القيميّات. ناقش المصنّف قدّس سرّه في القول بضمان القيميّ بالمثل بعدم خلوّه من شقّين ممنوعين.

توضيحه: أنّ القائلين بوجوب المثل في القيميّ إن أرادوا ذلك مطلقا سواء تيسّر المثل أم تعذّر، ففيه: أنّه مردود بإطلاقات روايات ضمان القيميّات بالقيم في

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 175، رقم المسألة: 287

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 68

ص: 469

..........

______________________________

موارد كثيرة، كصحيحة أبي ولّاد الآتية، و روايات تقويم العبد المشترك الذي أعتق بعض مواليه شقصه، و روايات سقوط الدين بتلف الرّهن، المتقدّمة في (ص 338) و روايات متفرّقة اخرى وردت في ضمان القيميّات. و لم يقيّد وجوب أداء القيمة فيها بتعذّر المثل حتى يستكشف منها أنّ العين التالفة تضمن بالمثل سواء أ كانت مثليّة أم قيميّة كي يكون أداء القيمة- في القيميّات- بدلا عمّا اشتغلت به الذّمّة و هو المثل.

و عليه فمقتضى أصالة الإطلاق ضمان القيميّ بالقيمة، و أنّها بدل عن العين المضمونة، و ليست بدلا عن المثل.

و إن أرادوا من ضمان القيميّ بالمثل ضمانه عند تيسّر المثل- لا مطلقا- لم يكن ذلك بعيدا، لوجهين:

أحدهما: ظهور آية الاعتداء في اعتبار المماثلة بين التالف و بدله، و من المعلوم أنّ المماثل للتالف القيميّ هو المثل العرفيّ لا القيمة، فمع تيسّره يتعيّن في البدليّة عن المضمون.

ثانيهما: قاعدة نفي الضرر الجارية في حقّ المالك، و ذلك لأنّ الجهات النوعيّة دخيلة في الضمان، لتحقّق المماثلة فيها، دون الجهات الماليّة المعرّاة عن الصفات النوعيّة، لعدم تحقّق المماثلة حينئذ بين التالف و بدله. فمع تيسّر المثل يتضرّر المالك بقبول القيمة، لفقدان الصفات النوعيّة، فإنّ الحنطة- في الغرامات- بدل الحنطة التالفة المضمونة، دون القيمة، فخصوصيّة الحنطية مثلا يتضرّر المالك بفقدها. و عليه فيلزم ردّ المثل في القيميّات مع الإمكان.

هذا ما يقتضيه الوجهان. لكن المانع من القول بوجوب المثل المتيسّر- في ضمان القيميّات- هو عدم القول بالفصل، لأنّهم بين قائل بضمان القيميّ بالقيمة مطلقا- كما هو المشهور- سواء وجد المماثل العرفي أم لا، و بين قائل بضمانه بالمثل مطلقا، كما يظهر من شيخ الطائفة و غيره في باب القرض، بلا فرق- أيضا- بين تيسّر المثل

ص: 470

حتّى (1) مع تعذّر المثل، فتكون (2) القيمة عندهم بدلا عن المثل حتى يترتّب عليه وجوب قيمة (3) يوم دفعها- كما ذكروا ذلك (4) احتمالا في مسألة تعيّن القيمة (5) متفرّعا على هذا القول (6)- فيردّه (7) إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة.

______________________________

و تعذّره، و لم يقولوا ببدليّة القيمة عن المثل في صورة التعذّر حتى يستكشف منه الطولية، و يكون القيمة بدلا عمّا هو بدل التالف.

و الحاصل: أنّ ما ذهب إليه شيخ الطائفة و المحقّق في باب القرض- من ترجيح ضمان القيميّ بالمثل- لا سبيل للأخذ به في القرض، فضلا عن القول به في المغصوب و المقبوض بالبيع الفاسد.

(1) بيان للإطلاق.

(2) هذا متفرع على اشتغال الذّمّة أوّلا بالمثل، فيكون هو بدل التالف، و لو تعذّر كانت القيمة بدل المثل لا بدل التالف.

(3) يعني: إذا كان وجوب دفع القيمة مترتّبا على تعذّر المثل ترتّب عليه وجوب دفع قيمة يوم الأداء، لا يوم التلف، و لا يوم تعذّر المثل، و لا أعلى القيم، و لا غير ذلك.

و وجه احتمال قيمة يوم الدفع هو: أنّ المثل ثابت في الذّمّة إلى وقت الأداء، فقيمة يوم الدفع هي ثمن المثل المنتقل إلى القيمة.

(4) أي: وجوب قيمة يوم الدفع.

(5) يعني: المسألة التي وقع فيها البحث عن أنّ الواجب هل هو قيمة يوم القبض أو يوم التلف أو أعلى القيم أو غير ذلك؟ مما سيأتي التعرّض له قريبا.

(6) أي: أنّ القول باعتبار قيمة يوم الدفع متفرّع على القول بضمان القيميّ بالمثل مطلقا و لو مع تعذّره، فإنّ مقتضاه حينئذ قيمة يوم الدفع، كما عرفت آنفا.

(7) جواب الشرط في قوله: «فإن أرادوا ذلك» و هذا إشارة إلى أوّل الشّقّين، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «ففيه أنه مردود بإطلاقات روايات ضمان القيميّات ..».

ص: 471

منها: صحيحة أبي ولّاد الآتية (1).

و منها: رواية تقويم العبد.

و منها: ما دلّ على «أنّه إذا تلف الرّهن بتفريط المرتهن سقط من دينه بحساب ذلك» فلولا (2) ضمان التالف بالقيمة لم يكن وجه لسقوط الدّين بمجرّد ضمان التالف.

و منها: غير ذلك من الأخبار الكثيرة (3) [1].

______________________________

(1) لقوله عليه السّلام: «قيمة بغل يوم خالفته» الظاهر في اعتبار قيمة البغل سواء وجد بغل مماثل للبغل الذي اكتراه أبو ولّاد، أم لم يوجد. و هكذا حال الإطلاق في روايات عتق العبد.

(2) هذا تقريب دلالة أخبار تلف العين المرهونة على ضمان القيميّ بالقيمة، لا بالمثل. و محصّله: أنّ العين المرهونة لو كانت مضمونة بالمثل لم يكن وجه للحكم بسقوط ما يساويه من الدّين، بل كان المرتهن ضامنا للمثل، و كان الدين- بتمامه- باقيا على عهدة الراهن، و لا تهاتر في البين. مع أنّ الامام عليه السّلام حكم بسقوط المقدار المساوي للدين عن ذمّة المديون، و لم يفصّل بين تيسّر مثل الرهن و تعذّره. و هذا كاشف عن ضمان القيميّ بالقيمة مطلقا سواء تيسّر المماثل العرفي أم تعذّر.

(3) يعني: من الأخبار المتفرّقة في أبواب العارية و الوديعة و الإجارة و اللقطة

______________________________

[1] كرواية السفرة المطروحة في الطريق التي تقدمت في (ص 338). لكن الاستدلال بها مشكل، لقوّة احتمال كونه من باب جواز التصرّف بالقيمة، نظير التملّك بالقيمة. و باب التقويم مغاير لباب التضمين، و لذا لا بأس بالالتزام بالتقويم حتى في المثليّ، بل البيض و اللحم اللذان هما في مورد الرواية المزبورة من المثليّات، فلاحظ و تأمّل. فجعل رواية السكونيّ من الروايات الدالّة على ضمان التالف بالقيمة لا يخلو من تأمّل.

ص: 472

..........

______________________________

و غيرها، و لا بأس بالتيمّن بذكر بعضها.

فمنها: معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل أعار جارية، فهلكت من عنده و لم يبغها غائلة، فقضى أن لا يغرمها المعار.

و لا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة» «1».

بتقريب: أنّ الجارية و الدابّة قيميّتان، و هما مضمونتان بالتعدّي عليهما، و لم يقيّد عليه السّلام الضمان بالقيمة بتعذّر المثل. فاللازم الحكم بضمانها مطلقا.

و منها: ما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره، فنفقت، ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها. و إن لم يسمّ فليس عليه شي ء» «2». و قد أطلق عليه السّلام الضمان، مع أنّ المضمون قيميّ، و لم يقيّد اشتغال الذّمّة بالقيمة بتعذّر المثل.

و منها: ما ورد في ضمان الغسّال و الصّبّاغ و القصّار و الصّائغ و البيطار و الدلّال و نحوهم، مع أنّ ما بأيديهم من الأعيان المضمونة قيميّات غالبا، كمعتبرة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سئل عن القصّار يفسد؟ فقال: كلّ أجير يعطى الأجرة على أن يصلح فيفسد فهو ضامن» «3».

و منها: ما ورد في ضمان الجمّال و الحمّال و المكاري و الملّاح و نحوهم إذا فرّطوا أو كانوا متّهمين و لم يحلفوا، أو شرط عليهم الضمان، مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه؟ قال: إن كان مأمونا فليس

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 237، الباب 1 من كتاب العارية، الحديث 9، و نحوه سائر أحاديث الباب.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 255، الباب 16 من أحكام الإجارة، الحديث: 1، و نحوه الحديث:

2، 3، 4 و 6 من الباب 17، ص 257 و 258

(3) المصدر، ص 271، الباب 29 من أحكام الإجارة، الحديث 1 و نحوه كثير من روايات الباب البالغة عشرين حديثا.

ص: 473

و إن أرادوا (1) أنّه مع تيسّر المثل يجب المثل لم يكن (2) بعيدا، نظرا إلى ظاهر آية الاعتداء و نفي الضرر، لأنّ (3) خصوصيّات الحقائق قد تقصد.

اللّهمّ (4) إلّا أن يتحقّق إجماع على خلافه

______________________________

عليه شي ء. و إن كان غير مأمون فهو ضامن» «1».

و منها: ما ورد في ضمان اللقطة، كرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن الرّجل يصيب اللقطة، دراهم أو ثوبا أو دابّة، كيف يصنع؟

قال: يعرّفها سنة، فإن لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي ء طالبها فيعطيها إيّاه، و إن مات أوصى بها. فإن أصابها شي ء فهو ضامن» «2».

فقد أطلق الحكم بالضمان، مع أنّ اللقطة قد تكون قيميّة كالدابّة و الثوب، و لم يقيّد ضمان القيمة بإعواز المماثل للتالف.

و منها: غير ذلك مما لا يخفى على المتتبّع.

(1) معطوف على قوله: «فإن أرادوا ذلك مطلقا» و هذا هو الشّقّ الثاني من المنفصلة، و قد تقدّم توضيحه بقولنا: «و إن أرادوا من ضمان القيميّ بالمثل ضمانه عند تيسّر المثل ..» راجع (ص 470).

(2) جواب الشرط في قوله: «و إن أرادوا» و ظاهره و إن كان تسليم كلام شيخ الطائفة و الإسكافي و المحقّق، لكنّه سيأتي منعه بقوله: «اللّهم إلّا أن يتحقق إجماع على خلافه».

(3) تعليل للضرر، و قد أوضحناه بقولنا: «و ذلك لأن الجهات النوعية دخيلة في الضمان .. إلخ» راجع (ص 470).

(4) هذا منع قوله: «لم يكن بعيدا» و غرضه دفع دخل خصوصيّات الحقائق في الغرامة، و حاصل الدفع: أنّه إذا قام إجماع على عدم دخل تلك الخصوصيّات في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 276، الباب 30 من أحكام الإجارة، الحديث 7. و نحوه كثير من روايات الباب.

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 352، الباب 2 من أبواب اللقطة، الحديث 13. و نحوه الحديث 14

ص: 474

و لو (1) من جهة أنّ ظاهر كلمات هؤلاء (2) إطلاق القول بضمان المثل، فيكون الفصل بين التيسّر و عدمه (3) قولا ثالثا في المسألة.

[الأقوال في القيمة المعتبرة في ضمان القيميّ]
[أ: اعتبار قيمة يوم التلف]

ثمّ إنّهم (4) اختلفوا في تعيين القيمة في المقبوض بالبيع الفاسد، فالمحكيّ في

______________________________

الضمان لم يجب حينئذ مراعاتها.

(1) يعني: و لو كان طريق استكشاف الإجماع- على عدم دخل خصوصيّات الحقائق في الضمان- إطلاق كلمات الإسكافي و الشيخ و المحقّق قدّس سرّهم. و المراد من إطلاق قولهم بضمان المثل هو الإطلاق الشامل لصورة تعذّر المثل و تيسّره.

(2) و هم الإسكافي و الشيخ و المحقّق.

(3) يعني: فيكون الفصل- بضمان المثل في الأوّل و القيمة في الثاني- قولا ثالثا خارقا للإجماع على ضمان القيميّ بالقيمة، من غير فرق بين تيسّر المثل و تعذّره.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل، و هو إثبات ضمان القيميّ بالقيمة لا بالمثل. و سيأتي الكلام في المقام الثاني.

الأقوال في القيمة المعتبرة في ضمان القيميّ أ: اعتبار قيمة يوم التلف

(4) هذا شروع في المقام الثاني، و هو تعيين حدّ القيمة المستقرّة على عهدة الضامن، إذا اختلفت بحسب الأزمنة، فهل يضمن قيمة يوم الغصب و القبض، أم قيمة يوم التلف، أم قيمة يوم الأداء أم أعلى القيم؟ أقوال.

و المحكيّ عن جماعة هو اعتبار قيمة يوم تلف العين، لأنّ الواجب ردّ العين، و إنّما تحقّق الانتقال إلى القيمة بالتلف، فيوم التلف يوم اشتغال الذّمّة بالقيمة [1].

______________________________

[1] و القول بأعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف، لأنّه كالغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال، و لأنّ العين مضمونة في جميع الأوقات السالفة، و مقتضى الاشتغال لزوم

ص: 475

______________________________

الخروج عن العهدة. نسب هذا القول إلى ابن إدريس.

و قول بضمانه بقيمته يوم قبضه، اختاره في الشرائع، و ربّما نسب إلى الأكثر، لأنّه زمان تعلّق الخطاب بالخروج عن العهدة، و لصحيحة أبي ولّاد الآتية، بعد وضوح عدم الفرق بين موردها و بين المقبوض بالعقد الفاسد.

و قول بضمانه بأعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف بشرط أن يكون التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة، فلو كان باختلاف السوق لم يضمن. و اعتبر قيمة العين يوم التلف.

و هذا منسوب إلى الشهيد في المسالك. و وجهه: أنّه لا بدّ أن يكون المضمون أمرا متأصّلا، و ليس ذلك إلّا الزيادة العينيّة، و أمّا مجرّد الزيادة السوقية فهو أمر اعتباريّ لا يضمن. مضافا إلى دلالة خبر البغل عليه «1».

و قول بضمان قيمة يوم الأداء، و هو الذي اختاره السيد في حاشيته، بدعوى: أنّ نفس العين باقية في العهدة، و يجب الخروج عنها، لكن لمّا لم يمكن ردّ نفسها وجب دفع عوضها، فهي بنفسها باقية في العهدة إلى زمان الأداء، فالعبرة في القيمة إنّما هي بيوم الأداء.

هذه عمدة الأقوال في المسألة و مبانيها.

و قبل الخوض في تحقيق ما ينبغي الاعتماد عليه من الأقوال لا بأس بتأسيس الأصل في المسألة حتى يكون هو المرجع إذا لم نستفد من الأدلّة شيئا، فنقول:

إنّه قد يقال: إنّ قاعدة الاشتغال تقتضي وجوب أعلى القيم من زمان القبض إلى زمان الأداء، فلا بدّ من دفع أعلى القيم، لتوقّف يقين الفراغ عليه.

لكن الحقّ أنّ المقام من مجاري أصالة البراءة، لكون الشكّ بين الأقلّ و الأكثر الاستقلاليّين.

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 12، ص 187

ص: 476

غاية المراد (1) عن الشيخين و أتباعهما تعيّن قيمة يوم التلف. و عن الدروس و الرّوضة نسبته إلى الأكثر.

و الوجه فيه على ما نبّه عليه جماعة منهم العلّامة في التحرير: «أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو يوم التلف، إذ الواجب قبله هو ردّ العين» «1».

و ربّما يورد عليه (2): أنّ يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة، أمّا كون المنتقل إليها قيمة يوم التلف فلا.

______________________________

(1) قال الشهيد قدّس سرّه فيه: «و أمّا الضّمان بالقيمة يوم التلف فلأنّ الواجب العين، و إنّما تحقّق الانتقال إلى القيمة بالتلف. و هو مذهب الشيخين و أتباعهما. و خالف ابن إدريس في ذلك، و أوجب ضمانه بأعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف» «2».

و نسبه في الدروس «3» إلى الأكثر. و نقله عنه الشهيد الثاني في الرّوضة، و هو مذهب ابن البرّاج و العلّامة في المختلف كما في المسالك «4».

و لكن في كونه اختيار الأكثر تأمّلا، لمعارضته بما أفاده المحقّق من جعل قول الأكثر ضمان قيمة يوم الغصب، فراجع «5».

كما أنّ ما نسب إلى شيخ الطائفة قدّس سرّه لا يخلو من شي ء، إذ في موضع من المبسوط «6» و الخلاف ضمان أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، و استحسنه المحقّق.

(2) حاصل الإيراد على كلام العلّامة قدّس سرّه هو: أنّ يوم التلف و إن كان يوم انتقال ضمان العين إلى ضمان قيمتها، و لكنّ مجرّد هذا الانتقال غير كاف في تعيين قيمة

______________________________

(1) تحرير الاحكام، ج 2، ص 139

(2) غاية المراد، ص 86، السطر 17

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 113؛ الروضة البهية، ج 7، ص 41

(4) مسالك الأفهام، ج 12، ص 186

(5) شرائع الإسلام، ج 3، ص 240

(6) المبسوط، ج 3، ص 72 و 75؛ الخلاف، ج 3، ص 493، المسألة 9؛ شرائع الإسلام، ج 3، ص 240

ص: 477

و يدفع (1) بأنّ معنى ضمان العين عند قبضه كونه في عهدته، و معنى ذلك (2) وجوب تداركه (3) ببدله عند التلف حتّى يكون عند التلف كأنّه

______________________________

وقت التلف، إذ ربّما يجب أداء أعلى القيم من يوم الغصب إلى التلف. و عليه فلا بدّ من التماس دليل آخر على تعيين قيمة وقت التلف.

و لا يخفى عليك أنّه لم أظفر بمن أورد- بهذا الإيراد- على القول بضمان قيمة يوم التلف. نعم أورد به المحقّق و الشهيد الثانيان و غيرهما على القول بضمان قيمة يوم الغصب «من أنّه أوّل وقت دخول العين في ضمان الغاصب» فأوردوا عليه: «بأنّ معنى ضمان العين حينئذ هو أنّها لو تلفت وجب بدلها و هو القيمة، لا بمعنى وجوب قيمتها و العين باقية ..» «1».

و هذا الاشكال يمكن تقريره بالنسبة إلى القول بضمان قيمة يوم التلف، فيقال:

إنّ يوم التلف يوم الانتقال إلى القيمة، و أمّا ضمان خصوص قيمة هذا اليوم فغير لازم.

(1) حاصل هذا الدفع: أنّ استدلال العلّامة قدّس سرّه سليم عن الإيراد المتقدّم، و ذلك لأنّ وضع اليد على مال الغير يوجب ضمانه أي دخوله في عهدته، و يجب عليه ردّه إلى مالكه ما دام موجودا، و يجب تداركه ببدله بردّ قيمته- لكونه قيميّا حسب الفرض- إذا تلف، بحيث تسدّ القيمة مسدّ نفس العين التالفة، فكأنّها لم تتلف و لم ترد خسارة على المالك أصلا. و من المعلوم أنّ جبران خسارة المالك يكون بأداء قيمة يوم التلف، لكون هذه القيمة مساوية في الماليّة للعين التالفة، و معه لا وجه لرعاية قيمة العين في المدة المتخللة بين الضمان و التلف، إذ لم تكن تلك القيم مضمونة حال وجود العين.

و عليه فلا يرد على كلام العلّامة قدّس سرّه ما أفيد، هذا.

(2) أي: و معنى كون العين في عهدة الضامن وجوب تداركه .. إلخ.

(3) الضمائر في «تداركه، ببدله، كأنّه، له، مقامه» و المستتر في «يكون، يتلف» راجعة إلى «العين» فالأولى تأنيثها.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 246؛ مسالك الأفهام، ج 12، ص 185 و 186؛ جواهر الكلام، ج 37، ص 101

ص: 478

لم يتلف (1). و تداركه (2) على هذا النحو بالتزام مال معادل له قائم مقامه.

و ممّا ذكرنا (3) ظهر أنّ الأصل في ضمان التالف ضمانه بقيمته يوم التلف، فإن خرج المغصوب من ذلك (4) مثلا فبدليل خارج.

نعم (5) لو تمّ ما تقدّم عن الحلّيّ في هذا المقام من «دعوى الاتّفاق على كون

______________________________

(1) في جبرانه من حيث الماليّة، و الجابر هو المال حين تلف العين.

(2) هذا كالصغرى لكبرى الضمان، فكأنّه قال: الضمان كلّية هو الجبران، فكأنّه لم يتلف شي ء على المالك. و الجبران يتحقّق بأداء مال معادل في الماليّة للعين التالفة قائم مقامها. و النتيجة تعيّن قيمة وقت التلف.

(3) يعني: من وجوب تدارك التالف عند التلف- و كون هذا معنى الضمان- ظهر ..، و غرضه تأسيس قاعدة كلّيّة في ضمان القيميّ في كافّة الموارد، سواء أ كان موجب الضمان غصبا أم قبضا بعقد فاسد أم قبضا بالسّوم، أم عارية مشروطة بالضمان، أم وديعة كذلك، أم غير ذلك من أسباب الضمان. ففي جميعها ينبغي تدارك العين القيميّة بقيمتها وقت التلف، لأنّه وقت انتقال الضمان من العين إلى القيمة.

و لو نهض دليل على ضمان المغصوب بقيمته يوم الغصب كان تخصيصا في أصالة الضمان بقيمة يوم التلف، و لا مانع من هذا التخصيص، و لكنه لا يلحقه سائر موارد الضمان، إلّا إذا تمّ إجماع ابن إدريس قدّس سرّه على اتّحاد المبيع بالبيع الفاسد مع الغصب في الأحكام عدا الإثم في الإمساك، فإنّه يقتضي ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بقيمة يوم الغصب لو ثبت ضمان المغصوب به.

(4) أي: من الأصل المقتضي لضمان التالف- كلّيّة- بقيمة يوم التلف.

(5) استدراك على الأصل الذي قرّره بقوله: «و ممّا ذكرنا ظهر أنّ الأصل» و غرضه إخراج المبيع بالبيع الفاسد عن الأصل المزبور، و إلحاقه بالمغصوب في كونه مضمونا بقيمة يوم القبض، لا يوم التلف.

ص: 479

المبيع فاسدا بمنزلة المغصوب إلّا في ارتفاع الإثم» ألحقناه (1) بالمغصوب إن ثبت فيه حكم مخالف لهذا الأصل (2).

بل (3) يمكن أن يقال: إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي ولّاد الآتية كشف ذلك عن عدم اقتضاء إطلاقات الضمان لاعتبار قيمة يوم التلف، إذ (4) يلزم حينئذ أن يكون المغصوب- عند كون قيمته يوم التلف أضعاف ما كانت يوم الغصب- غير واجب التدارك عند التلف، لما (5) ذكرنا من أنّ معنى التدارك التزام بقيمته يوم وجوب التدارك.

______________________________

(1) أي: ألحقنا المبيع فاسدا بالمغصوب، و ضمير «فيه» راجع إلى المغصوب.

(2) المقتضي للضمان بقيمة يوم التلف.

(3) غرضه إلحاق المقبوض بالعقد الفاسد بالمغصوب مع الغضّ عن الإجماع الذي ادّعاه الحلّيّ على كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب، فيكون استدراكا عن قوله: «نعم لو تمّ ما تقدّم .. إلخ» و حاصله: أنّ مفاد الإجماع إلحاق خصوص المبيع فاسدا- من موارد الضمانات- بالمغصوب في كون المدار على قيمة يوم القبض، فيبقى غيره من الموارد تحت الأصل المزبور المقتضي لضمان قيمة يوم التلف.

و مفاد قوله: «بل يمكن أن يقال» إلحاق جميع موارد الضمان بالمغصوب، إذ لو فرض كون قيمة يوم التلف أضعاف قيمته يوم القبض لزم أن يكون الغاصب أحسن حالا من غيره في هذا الفرض، و هو زيادة قيمته يوم التلف على قيمته يوم الغصب، و هو باطل بالضرورة، فينقلب الأصل المزبور إلى أصالة الضمان بقيمة يوم التلف في جميع موارد الضمان، فصحيحة أبي ولّاد تكشف عن عدم إطلاق في أدلّة الضمان يقتضي اعتبار قيمة يوم التلف.

(4) تعليل للكشف المزبور، و حاصله: لزوم التالي الفاسد، و هو كون الغاصب أحسن حالا من غيره.

(5) علّة لقوله: «يلزم» و بيان لوجه اللزوم، يعني: يترتّب اللازم الباطل المزبور

ص: 480

نعم (1) لو فرض دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم أمكن جعل التزام الغاصب بالزائد (2) على مقتضى التدارك مؤاخذة له بأشقّ الأحوال.

[ب: ضمان القيميّ بقيمة يوم الضمان]
اشارة

فالمهمّ حينئذ (3) صرف الكلام إلى معنى الصحيحة بعد ذكرها ليلحق به البيع الفاسد، إمّا لما ادّعاه الحلّيّ (4)، و إمّا لكشف الصحيحة عن معنى التدارك و الغرامة في المضمونات (5)، و كون العمدة في جميعها بيوم الضمان كما هو أحد الأقوال فيما نحن فيه من البيع الفاسد.

______________________________

على كون ما ذكر من معنى التدارك.

(1) استدراك على وجوب التدارك بقيمة يوم التلف. و حاصله: أنّه لو فرضنا دلالة الصحيحة على وجوب أعلى القيم- كما استفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه- اختصّ ذلك بالغصب، لكون الغاصب مأخوذا بأشقّ الأحوال.

(2) المراد بالزائد على مقتضى التدارك هو التفاوت بين أعلى القيم و قيمة يوم التلف أو يوم الغصب، و هذا التفاوت عقوبة مختصّة بالغاصب، لكونه مأخوذا بأشقّ الأحوال، و لا يجري في سائر الضّمناء.

(3) أي: حين تفاوت مقتضى الأصل في باب الضمان بتفاوت الاستظهار من الصحيحة.

(4) من إجماع المحصّلين على كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب إلّا في ارتفاع الإثم على إمساكه.

ب: ضمان القيميّ بقيمة يوم الضمان

(5) سواء أ كان موجب الضمان هو الغصب أم القبض بالبيع الفاسد أم العارية المشروطة أم اللقطة أم غيرها.

ص: 481

[الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد على اعتبار قيمة يوم الضمان]

و حيث (1) إنّ الصحيحة مشتملة على أحكام كثيرة و فوائد خطيرة (2) فلا بأس بذكرها جميعا (3)، و إن كان الغرض متعلّقا ببعضها.

فروى الشيخ في الصحيح (4) عن أبي ولّاد، قال: «اكتريت بغلا الى قصر بني هبيرة (5) ذاهبا و جائيا بكذا و كذا، و خرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل (6)، فتوجّهت نحو النّيل،

______________________________

الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد على اعتبار قيمة يوم الضمان

(1) غرضه من هذه الجملة توجيه نقل جميع الصحيحة، مع أنّ محلّ الاستدلال بها على ضمان يوم التلف أو يوم الغصب جملتان منها.

و محصّل التوجيه: اشتمال الصحيحة على أحكام كثيرة، و الوقوف على جهل أئمّة الضلال بأحكام الشريعة الغرّاء، و تلاعبهم بدين اللّه، و ما يستتبعه ذلك من حبس قطر السماء و بركات الأرض، فالحمد للّه الذي هدانا لولاية أوليائه عليهم السّلام و ما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه.

(2) سيأتي ذكر جملة من هذه الأحكام في التعليقة بعد الفراغ من توضيح كلمات المصنّف فيما يتعلّق بمورد الاستدلال بها.

(3) لكنّه قدّس سرّه لم يف بما وعده من ذكر تمام الصحيحة، و سنذكر تتمّتها.

(4) و كذا رواها ثقة الإسلام قدّس سرّه بسند صحيح، فالسند صحيح بطريقيه، و لا تختصّ الصحّة بطريق شيخ الطائفة قدّس سرّه، لكن لا مفهوم لتعبير المصنّف، و إنّما غرضه وجود طريق صحيح لهذا الخبر الشريف.

(5) هذا الموضع يسمّى في عصرنا الحاضر بالهاشميّة، و هو من أقضية محافظة بابل [الحلّة] يبتعد عن الحلّة قرابة عشرين كيلومترا. و أمّا القصر فلم يبق منه سوى أطلال. و أمّا ابن هبيرة فهو من عمّال بني أمية- لعنهم اللّه- في أواخر عهدهم و سلطنتهم. كذا قيل.

(6) و هو قرية بين كوفة و بغداد، ففي اللّسان: «و نيل: نهر بالكوفة، و حكى الأزهري، قال: رأيت في سواد الكوفة قرية يقال لها: النيل، يخرقها خليج كبير يتخلّج

ص: 482

فلمّا أتيت النيل خبّرت أنّه توجّه إلى بغداد، فاتّبعته و ظفرت به و فرغت ممّا بيني و بينه (1)، و رجعت إلى الكوفة، و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما.

فأخبرت (2) صاحب البغل بعذري، و أردت أن أتحلّل منه فيما [ممّا] صنعت و أرضيه، فبذلت له خمسة عشر درهما، فأبى أن يقبل (3)، فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصّة، و أخبره الرّجل.

فقال لي: ما صنعت بالبغلة؟

قلت: رجّعته سليما. فقال (4): نعم بعد خمسة عشر يوما.

قال: فما تريد من الرجل؟

قال (5): أريد كراء بغلي، فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوما.

______________________________

من الفرات الكبير» «1».

(1) هذا الضمير و ضمائر «أنّه، توجّه، فاتّبعته، به» راجعة إلى «الغريم» المراد به المديون.

(2) الوجه في إخبار صاحب البغل هو مخالفة أبي ولّاد لعقد الإجارة، لأنّ السير من الكوفة إلى قصر بني هبيرة- ذاهبا و جائيا- يقلّ عن عشرة أيّام، فكان تصرّفه و ركوبه على البغل مخالفا لمقتضى الإجارة، فأراد أبو ولّاد استرضاء صاحب البغل و الاستحلال منه.

(3) يعني: أنّ صاحب البغل لم يقنع بخمسة عشر درهما، و زعم استحقاقه اجرة أزيد منها.

(4) يعني: فقال صاحب البغل: إنّ أبا ولّاد و إن أرجع البغل سليما، لكنّه أرجعه بعد خمسة عشر يوما، و هو أكثر من مدّة الإجارة المتعارفة للذهاب من الكوفة إلى قصر ابن هبيرة و الرجوع منها إلى الكوفة.

(5) يعني: قال صاحب البغل: أريد كراء البغل في مدّة خمسة عشر يوما، و هو أكثر من خمسة عشر درهما التي اقترحها أبو ولّاد.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 11، ص 686

ص: 483

فقال (1): إنّي ما أرى لك حقّا، لأنّه اكتراه إلى قصر بني هبيرة، فخالف (2)، فركبه إلى النيل و إلى بغداد، فضمن قيمة البغل و سقط الكراء، فلمّا ردّ البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء.

قال (3): فخرجنا من عنده و أخذ صاحب البغل يسترجع فرحمته ممّا أفتى (4) به أبو حنيفة، و أعطيته (5) شيئا و تحلّلت منه. و حججت تلك السنة، فأخبرت أبا عبد اللّه عليه السّلام بما أفتى به أبو حنيفة.

فقال (6): في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها، و تحبس الأرض بركاتها.

______________________________

(1) يعني: فقال أبو حنيفة للمكاري: لا أرى لك حقّا على أبي ولّاد أصلا، لا خمسة عشر درهما، و لا أزيد منها، بل تستحقّ الدراهم التي تراضيتما عليها- أوّلا- حين اكتراء البغل من الكوفة إلى قصر بني هبيرة.

(2) يعني: فخالف أبو ولّاد مقتضى الإجارة، و عدل بطريقه من قرب قنطرة الكوفة إلى النيل، و لم يذهب إلى قصر بني هبيرة.

(3) يعني: قال أبو ولّاد: فخرجنا من عند القاضي و أخذ صاحب البغل يقول:

إنّا للّه و إنّا إليه راجعون. لكون قضائه جائرا مخالفا للعدل و الانصاف الذي تدعو دين الفطرة إليه، و لم يخف بطلانه على عقل أبسط الناس- و هو المكاري- و إن خفي على عقل فقيه العراق بحسب زعمه.

(4) التعبير بالفتوى- مع أنّهما ترافعا إلى القاضي- لأجل أنّ النزاع في الحكم الكلّيّ، فكان فصل الخصومة بالفتوى، لا ببيان حكم قضيّة شخصية.

(5) ضمير الفاعل من هنا إلى «فأخبرت» راجع إلى أبي ولّاد، و ضمير المفعول و المجرور في «منه» راجع إلى صاحب البغل.

(6) أي: فقال أبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام: في مثل هذا القضاء- المخالف لما أنزله اللّه تعالى- تحبس السماء ماءها .. إلخ.

ص: 484

فقلت (1): لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فما ترى أنت جعلت فداك؟

قال عليه السّلام (2): أرى له عليك مثل كراء (3) بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، و مثل كراء بغل راكبا من النيل إلى بغداد، و مثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة، توفيه (4) إيّاه.

قال (5): فقلت: جعلت فداك، قد علّفته بدراهم، فلي عليه علفه؟

فقال (6): لا، لأنّك غاصب.

______________________________

(1) أي: قال أبو ولّاد لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما هو حكم اللّه في هذه المسألة؟

(2) أي: قال الإمام أبو عبد اللّه عليه السّلام: أرى لصاحب البغل عليك .. إلخ.

(3) يعني: عليك مثل أجرة بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل، و مثل كراء بغل راكبا من النيل الى بغداد، و مثل كراء بغل من بغداد إلى الكوفة.

(4) أي: تعطي صاحب البغل هذا الكراء، و الظاهر أنّ المراد قنطرة الكوفة لا نفس المدينة، لأنّ أبا ولّاد لم يخالف مقتضى الإجارة قبل بلوغه قنطرة الكوفة، و إنّما خالفه من القنطرة إلى النيل، ثمّ منه إلى بغداد، و منه عائدا إلى الكوفة.

و الوجه في هذه المحاسبة كون المسافة و مدّة الركوب على البغل أزيد من السير المتعارف من كوفة إلى بغداد، ثم منه إلى كوفة، لكون القصر و النيل خارجين عن الجادّة المعمولة بين كوفة و بغداد، فلأجل ذلك تزداد اجرة المثل- في الطريق التي سلكها أبو ولّاد- على اجرة السير المتعارف، فيكون ضامنا لمنفعة البغل المستوفاة.

(5) يعني: قال أبو ولّاد: قد علّفت البغل بدراهم في مدّة ركوبي عليه. و غرض أبي ولّاد من هذا الكلام: التخلّص من بعض الأجور- التي حكم الامام عليه السّلام بضمانها- بأنّ استيفاء ركوب البغل في المسافة المذكورة و إن لم يكن بعقد إجارة، إلّا أنّه صرف دراهم في تعليف البغل، فينبغي حطّ بعض اجرة المثل بإزاء التعليف، هذا.

(6) يعني: قال الامام الصادق عليه السّلام: لا تستحقّ على المكاري مئونة التعليف لأنّك غاصب، و ليس تصرّفك في البغل مستندا إلى إذن مالكيّ أو شرعيّ حتى يكون

ص: 485

قال (1): فقلت: أ رأيت، لو عطب (2) البغل و نفق أ ليس كان يلزمني (3)؟

قال (4): نعم، قيمة بغل يوم خالفته.

قلت (5): فإن أصاب البغل

______________________________

مئونته على المالك.

(1) يعني: قال أبو ولّاد: فقلت للإمام عليه السّلام: أ رأيت .. إلخ. و الظاهر أنّ أبا ولّاد استغرب من حكمه عليه السّلام بضمان اجرة المثل و بوجوب الإنفاق على البغل، و ذلك لما سمعه من قاضي الكوفة من أنّه لمّا صار ضامنا لرقبة البغل بالغصب كانت منفعته- كالركوب- مملوكة له، فلذا استفهم أبو ولّاد منه عليه السّلام، و قال: لو هلك البغل في المدّة التي كانت عنده غصبا، فهل يكون مضمونا؟ و هل يجب دفع قيمته إلى المكاري أم لا؟

فأجاب عليه السّلام: نعم، لو هلك البغل عندك كنت ضامنا لقيمته، لأنّك غاصب و كذلك تكون ضامنا لاجرة المثل، و وجب عليك تعليفه. و لا وجه لحكم القاضي الجائر اعتمادا على حديث: «الخراج بالضمان» لعدم كون مورده الغصب أصلا، كما تقدّم تفصيله في الأمر الثاني.

(2) من باب «تعب» بمعنى: هلك. كذا في المصباح «1». و فيه أيضا: «و نفقت الدابّة نفوقا من باب قعد: ماتت» «2». و الظاهر أنّ المراد من «العطب» هنا هو الموت عن الكسر، و النفوق هو الموت حتف الأنف.

(3) بالتخفيف، أي: هل تكون القيمة لازمة عليّ و مضمونة لو هلك البغل؟

(4) يعني: قال الامام عليه السّلام: لو هلك البغل لزمك قيمته يوم خالفت عقد الإجارة.

(5) هذا قول أبي ولّاد. و هو سؤال أيضا عن ضمان البغل، لكن الفارق بينه و بين سابقه أنّ السؤال الأوّل كان عن ضمان الرقبة لو مات البغل. و هذا سؤال عن

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 416

(2) المصدر، ص 618

ص: 486

كسر أو دبر (1) أو عقر [غمز].

فقال: عليك قيمة ما بين الصحّة و العيب يوم تردّه.

فقلت (2): من يعرف ذلك؟

______________________________

ضمان الطرف و الأعضاء من كسر أو قرحة أو عرج. فأجاب عليه السّلام: بضمانها أيضا كالرقبة.

و طريق معرفته تقويم البغل صحيحا من كلّ عيب، و تقويمه مع ذلك الكسر أو العرج أو القرحة، فالتفاوت بين القيمتين هو المضمون. كما إذا قوّم سليما بعشرة دنانير، و معيبا بثمانية، فالأرش ديناران يجب دفعهما إلى المكاري.

(1) قرحة الدابّة، و «العقر» بمعنى الجرح. و في بعض النسخ «غمز» و هو ميل الدابّة من رجلها و العرج الضعيف. و أمّا «الغمر» بالراء فلم يظهر له معنى يناسب المقام.

(2) هذا قول أبي ولّاد، و هو استفهام عن طريق معرفة الأرش- الذي يضمنه لو اعتلّ البغل عنده- بعد معرفة أصل ضمان العيب. و أجابه عليه السّلام بأنّ لمعرفة أرش العيب طرقا.

فإن توافق المكاري و أبو ولّاد على قيمة البغل صحيحا و معيبا، فيدفع الأرش إليه.

و إن اختلفا في القيمة، بأن ادّعى صاحب البغل زيادة قيمته، و أنكرها أبو ولّاد، حتّى يكون أرش ما بين الصحّة و العيب أقلّ، كما إذا ادّعى المكاري أنّ قيمة الصحيح عشرة دنانير، و قيمة المعيب ثمانية، فيطالب بدينارين. و ادّعى أبو ولّاد أنّ قيمة البغل السليم عشرة و قيمة المعيب تسعة، فيكون ضامنا لدينار. فيحلف المكاري على ما يدّعيه. أو يأتي بشهود على أنّ قيمة البغل يوم الاكتراء عشرة دنانير مثلا.

فإن لم يأت المكاري بشهود و لم يحلف على دعواه بأن وجّه اليمين إلى منكر زيادة القيمة حلف أبو ولّاد على الثمن القليل و ثبت دعواه.

ص: 487

قال عليه السّلام: أنت و هو، إمّا أن يحلف هو (1) على القيمة فيلزمك فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة (2) لزمك ذلك. أو (3) يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا، فيلزمك.

فقلت (4): إنّي كنت أعطيته دراهم و رضي بها و حلّلني.

فقال: إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم.

و لكن ارجع إليه، فأخبره بما أفتيتك به، فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك» الخبر (5).

______________________________

(1) يعني: صاحب البغل، فيحلف على القيمة العليا، فتثبت في ذمّة أبي ولّاد.

(2) يعني: على القيمة الدّنيا، فتلزمك و تستقرّ على عهدتك.

(3) هذا عدل لقوله: «إمّا أن يحلف» يعني: أنّ للمكاري إثبات دعواه بإحدى طريقين: الحلف و البيّنة.

(4) هذا قول أبي ولّاد، و غرضه من هذا السؤال حطّ مقدار من اجرة المثل التي حكم الامام عليه السّلام باستقرارها في ذمّته، فقال: إنّي أشفقت على المكاري بعد حكم قاضي الكوفة، و أعطيته دراهم و تحلّلت منه، فهل يجوز احتسابها من اجرة المثل، أم أنّها لا تحسب منها و يجب أداء أجرة المثل كاملة؟

فأجاب عليه السّلام: بأنّ رضى المكاري بتلك الدراهم و تحلّلك منه كان ناشئا من جهله بما يستحقّه عليك واقعا، فرضي بما أعطيته إيّاه. و لكن أخبره بالحكم الواقعيّ و ما يستحقه عليك من اجرة المثل، فإن حلّلك من اجرة المثل و رضي بما أعطيته سابقا فهو، و إلّا فادفع إليه ما يستحقه من اجرة المثل كاملة.

(5) ذيل الصحيحة: «فلمّا انصرفت من وجهي [حجّتي] ذلك لقيت المكاري، فأخبرته بما أفتاني به أبو عبد اللّه عليه السّلام، و قلت له: قل: ما شئت حتى أعطيكه. فقال:

قد حبّبت إليّ جعفر بن محمّد عليهما السّلام و وقع له في قلبي التفضيل، و أنت في حلّ،

ص: 488

و محلّ الاستشهاد فيه فقرتان:

الأولى: قوله: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» إلى ما بعد، فإنّ الظاهر (1)

______________________________

و إن أحببت أن أردّ عليك الذي أخذته منك فعلت» «1».

و المراد بالموصول في «بما أفتاني به» هو اشتغال ذمّة أبي ولّاد بأجرة مثل البغل من الكوفة إلى النيل، و منه إلى بغداد، و منه عائدا إلى الكوفة، و قد حكم أبو حنيفة بعدم استحقاق المكاري لهذه الأجرة. فلمّا سمع المكاري فتوى الامام الصادق عليه السّلام باستحقاقها فرح بها و طابت نفسه من أبي ولّاد، و أسقط ماله في ذمّته، بل لم يكتف المكاري بهذا الاسقاط، فقال: لو شئت يا أبا ولّاد أرجعت إليك الدراهم التي أعطيتنيها بعد قضاء أبي حنيفة.

و اعلم أنّ هذه الصحيحة قد يستدلّ بها تارة على اعتبار قيمة يوم الغصب.

كما عليه جماعة و منهم المصنّف في بادئ الأمر. و اخرى على ضمان يوم التلف كما عليه آخرون، و ثالثة على ضمان أعلى القيم من الغصب إلى التلف كما عليه الشهيد الثاني، و سيأتي التعرّض لجميع ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(1) استدلّ المصنّف قدّس سرّه بجملتين من هذه الصحيحة المباركة على مدّعاه من ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب، كما أفاده- قبل ذكر الصحيحة بأسطر- بقوله:

«بل يمكن أن يقال: إذا ثبت في المغصوب الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما هو ظاهر صحيحة أبي ولّاد الآتية».

الجملة الأولى: قوله عليه السّلام في جواب أبي ولّاد: «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

و حاصل تقريب الاستدلال بها: أنّ «اليوم» قيد للقيمة بأحد وجهين: إمّا بإضافة «القيمة» المضافة إلى «البغل» إليه، بأن يضاف القيمة أوّلا إلى البغل، و ثانيا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الباب 17 من كتاب الإجارة، الحديث 1، الا أنّه أسقط ذيله، و ذكر تمامه في الكافي ج 5، ص 290 و 291. ثمّ إنّ الرواية على طريقة الكافي صحيحة، و كذا على طريقة الشيخ، لأنّه رواها بإسناده إلى أحمد بن محمد و طريقه إليه صحيح، فلا إشكال في الصحيحة من حيث السند، فلاحظ.

ص: 489

أنّ «اليوم» قيد للقيمة، إمّا بإضافة القيمة المضافة إلى البغل [1]

______________________________

إلى اليوم، فيكون المتحصّل من هذه الإضافة: أنّ المضمون قيمة يوم المخالفة، يعني:

قيمة البغل الثابتة له يوم الغصب، و هو زمان الميل عن قنطرة الكوفة إلى النيل.

و إمّا بجعل «اليوم» قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل،

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد اختلفت نسخ الحديث، ففي الكافي و الوسائل و مرآة العقول نقلها بتنكير «البغل» في كلام أبي عبد اللّه عليه السّلام الدالّ على ضمان الكراء و ضمان البغل. و في الوافي و التهذيب نقله معرّفا باللام في جميع الموارد. و في غصب الوسائل نقله منكّرا في بعض الموارد و معرّفا في بعضها الآخر.

و كيف كان فالظاهر أنّ أبا حنيفة تمسّك فيما حكم به من عدم ضمان أجرة المثل بحديث «الخراج بالضمان» بزعم أنّ الخراج- أي المنافع- بإزاء ضمان العين، فكأنّ قيمة العين عوض منافعها، لأنّ ماليّة العين إنّما هي بإزاء منافعها، فالقيمة المبذولة بإزائها إنّما هي قيمة فوائدها، لأنّ العين المجرّدة عن المنافع لا ماليّة لها. و هذا شي ء لا تستبعده العقول، فيما إذا تلفت العين تحت يد من استوفى خراجها.

لكن ما حكم به أبو حنيفة مخالف للعقل و العدل الإسلاميّ، و لذا استرجع صاحب البغل، و تحلّل منه أبو ولّاد، إذ المفروض بقاء العين و استيفاء المنافع، فلو لم يضمن من استوفاها كان ظلما على المالك، هذا.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق في صحة الاستدلال بالصحيحة بين تنكير البغل و تعريفه في مقدار الكراء، لما مرّت إليه الإشارة سابقا من عدم دخل الهويّة بما هي في القيم و الرغبات. و إنّما الدخيل فيها هو الخواصّ و الأوصاف الموجبة لاختلاف القيم و الرّغبات، مثل كون البغل قويّا سريع السير مرتاضا غير شموس، فقوله عليه السّلام: «له عليك كراء بغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل» يراد به البغل المماثل لبغله بحسب فهم العرف و ارتكاز العقلاء، لا كراء كلّ بغل شاء، سواء كان مخالفا لبغله أم لا. و مع المماثلة لا فرق بين كراء شخص بغله و كراء مماثله، كما لا يخفى.

ص: 490

إليه (1) ثانيا، يعني: قيمة يوم المخالفة للبغل، فيكون إسقاط حرف التعريف (2) من البغل للإضافة [1]

______________________________

حيث إنّ الإضافة إمّا تفيد التعريف إن أضيف إلى المعرفة، أو الاختصاص إن أضيف إلى النكرة. فالقيمة بعد أن أضيفت إلى البغل أفادت الاختصاص، أي: اختصاص القيمة بالبغل لا غيره.

و حاصل هذا التقريب: أنّ القيمة المختصّة بالبغل هي قيمته يوم الغصب، في مقابل قيمته يوم التلف. أو أعلى القيم أو غيرهما من القيم التي تنسب إلى البغل.

و قد أشار إلى هذا التقريب بقوله: «و إمّا بجعل اليوم قيدا .. إلخ».

(1) أي: إلى اليوم، بأن أضيفت القيمة مرّة إلى البغل، و ثانية إلى اليوم كما ذكرناه آنفا. و لكن صريح كلامه في السطر الآتي إضافة «البغل» إلى «يوم المخالفة» و لذا سقط اللام من «البغل» و معنى هذا الكلام: إضافة «القيمة» إلى «بغل» و إضافة «بغل» إلى «يوم المخالفة» إذ لو كانت «القيمة» مضافة مرّتين إحداهما إلى «البغل» و الأخرى إلى «يوم المخالفة» لم يكن وجه لسقوط حرف التعريف من «بغل» لعدم كونه مضافا إلى «يوم» كي يحذف منه اللام.

(2) و هو الألف و اللام من «البغل» لأجل إضافة «البغل» إلى «يوم خالفته» و غرضه من هذا الكلام دفع ما يتوهّم من: أنّ تنكير «البغل» إنّما هو للإشارة إلى أنّ ذا القيمة ليس خصوص البغل الذي هو مورد البحث، بل المضمون قيمة بغل مماثل لهذا البغل، فتكون الرواية دليلا لمذهب من جعل القيميّ مضمونا بالمثل.

و محصّل دفع هذا التوهّم: أنّ البغل ليس نكرة، بل هو معرّف باللام، غاية الأمر أنّ اللام سقط لأجل الإضافة، فالمراد بالبغل هو خصوص البغل الذي اكتراه أبو ولّاد.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ اللام يسقط عن المضاف لا المضاف إليه كالبغل في الصحيحة.

كذا قيل. و لكن نفس «البغل» مضاف إلى اليوم، فيسقط عنه حرف التعريف، و إن كان «البغل» مضافا إليه أيضا ل «قيمة» مثل: جاءني عبد سلطان بلدكم.

ص: 491

لا (1) لأنّ ذا القيمة بغل غير معيّن، حتى توهم الرواية مذهب من جعل القيميّ مضمونا بالمثل (2)، و القيمة إنّما هي قيمة المثل (3).

و إمّا (4) بجعل «اليوم» قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل [1].

______________________________

(1) أي: ليس منشأ إسقاط حرف التعريف هو كون البغل الذي يجب دفع قيمته كلّيّا غير معيّن حتى يكون المضمون هو البغل المماثل للتالف- الذي اكتراه أبو ولّاد- و تكون القيمة بدل البدل.

(2) كالاسكافيّ و من وافقه من كون المضمون مضمونا بمثله، و لا تستقرّ القيمة في ذمّة الضامن إلّا بتعذر المثل.

(3) لا قيمة نفس التالف، فإنّها غير مضمونة بناء على ضمان القيميّ بالمماثل عرفا.

(4) هذا هو الشقّ الثاني من شقّي الاستدلال بالجملة الاولى من الصحيحة على ضمان يوم الغصب، و قد أوضحناه بقولنا: «و إمّا بجعل اليوم قيدا للاختصاص ..»

راجع (ص 490).

و قد تحصّل من كلام المصنف قدّس سرّه إلى هنا: وفاء الجملة الاولى من الصحيحة- بطريقين- لإثبات ضمان المغصوب القيميّ بقيمة يوم غصبه، لا بقيمة يوم التلف.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الاستدلال بقوله عليه السّلام: «نعم قيمة بغل يوم خالفته» على كون الضمان بقيمة يوم الغصب مبنيّ على رجوع القيد أعني به «يوم خالفته» إلى القيمة، بأحد وجوه:

الأوّل: إضافة القيمة إلى البغل، و البغل إلى اليوم بنحو تتابع الإضافات كقول الشاعر: «و ليس قرب قبر حرب قبر» بناء على تنكير البغل، إذ مع تعريفه لا تصحّ إضافته معنى، و إنّما تصح إضافته لفظا.

ص: 492

______________________________

الثاني: إضافة القيمة إلى البغل و اليوم معا.

الثالث: إضافة المتحصّل من المضاف و المضاف إليه- و هو القيمة المتخصصة بالبغل- إلى اليوم.

الرابع: كون اليوم ظرفا للقيمة من دون إضافة شي ء إليه، فيكون اليوم منصوبا بالاختصاص سواء أ كان البغل منكّرا منوّنا بإضافة القيمة إليه، كما في نسختي الكافي و الوسائل و مرآة العقول، فإنّ البغل مذكور فيها بالتنكير. فالبغل حينئذ مجرور منوّنا بإضافة القيمة إليه. أم كان البغل معرّفا باللام كما في التهذيب و الوافي، يعني: قيمة البغل المعهود يوم المخالفة. فتدلّ على أنّ المضمون قيمة يوم الغصب، هذا.

أمّا الوجه الأوّل فلا يصار إليه في المقام، لأنّ البغل من الذوات غير القابلة للتقييد بالزمان، لعدم اختلاف الأعيان باختلاف الأزمان، كما هو شأن التقييدات، فلا يصلح الزمان لأن يكون قيدا. كما لا يصح تقييد الدار و الدّكّان و نحوهما بالزمان، فلا يقال: «دار أو دكّان أو خان يوم» كما لا يقال: «بغل يوم الغصب، أو يوم الجمعة» إلّا باعتبار قيمتها التي هي معنى حدثيّ. بخلاف قوله: «و ليس قرب قبر حرب قبر» لصحّة كون «حرب» قيدا للقبر.

و أمّا الوجه الثاني- و هو إضافة القيمة إلى كلا الأمرين عرضا- فهو غير معهود في الاستعمالات، إذ يتوقف ذلك على لحاظين مستقلّين متباينين، و ذلك في استعمال واحد ممتنع.

مضافا إلى: أنّه على فرض صحّته في نفسه لا يمكن المصير إليه في المقام، إلّا بناء على تنكير البغل. و أمّا مع تعريفه باللام فلا يصحّ ذلك، لأنّ البغل لإضافته إلى «يوم» لا بدّ من تجريده عن اللام.

و بالجملة: فإشكال هذا الوجه الثاني- مضافا إلى امتناع تعدّد اللحاظين- عدم معهوديّته في الاستعمالات الشائعة.

ص: 493

______________________________

و أمّا الوجه الثالث- و هو إضافة المجموع المتحصّل من المضاف و المضاف إليه إلى اليوم- فلا بأس به.

و محصّله: أنّه يلزمك الحصّة الخاصّة من القيمة أعني بها قيمة البغل الثابتة له في يوم المخالفة، فهذه القيمة الخاصة مضمونة على الغاصب. فالظرف- و هو اليوم- متعلّق بالثابت. و مثل هذا كثير في الاستعمالات العرفيّة، فيقال: ماء رمان زيد، و حبّ رمان عمرو.

و أمّا الوجه الرابع- و هو كون اليوم منصوبا على الظرفيّة و ظرفا للقيمة- فهو أيضا ممّا لا بأس به، لأنّ «القيمة» بمعنى ما يتقوّم به، و هو معنى حدثيّ قابل للتقيّد بالزمان.

لكن يحتمل رجوع القيد- أعني يوم المخالفة- إلى قوله عليه السّلام: «نعم» الذي بمعنى يلزمك، يعني: «يجب عليك في يوم المخالفة قيمة البغل» فيدلّ على أن حدوث الضمان يكون يوم المخالفة، و لا يدلّ على تعيين القيمة، و أنّها قيمة يوم المخالفة أو يوم الغصب.

و مع هذا الاحتمال تكون الصحيحة مجملة، فلا يصح الاستدلال بها على ثبوت قيمة يوم الغصب. فيرجع في تعيين القيمة إلى القواعد. و قد تقدّم سابقا أنّ مقتضاها ضمان قيمة يوم التلف، هذا ما احتمله جمع منهم صاحب الجواهر، و سيأتي نقل كلامه في التوضيح ان شاء اللّه تعالى.

لكن يبعّده أمران:

أحدهما: ما يستفاد من كلام المصنّف من لغويّة ذكر القيد- أعني يوم المخالفة- الذي هو راجع إلى قوله عليه السّلام: «نعم» لأنّه يبيّن حينئذ مبدء الضمان و هو يوم الغصب، و ذلك معلوم عند السائل.

ثانيهما: أنّ لازم رجوع القيد إلى قوله: «نعم» انتقال العين إلى القيمة قبل تلفها، لأنّ السائل فرض المخالفة مع بقاء العين. و قد حكم الامام عليه السّلام بضمان قيمة البغل. و هذا ممّا لم يقل به أحد. فلا بدّ من ترجيح احتمال رجوع القيد- أعني به يوم المخالفة- إلى

ص: 494

______________________________

القيمة بأحد الوجهين المتقدمين، فتكون الصحيحة على هذا دليلا على ضمان قيمة يوم الغصب كما هو مدّعى من ادّعى ذلك.

لكن يمكن أن يقال: إنّها دليل على ضمان قيمة يوم التلف. تقريبه: أنّ أبا ولّاد يسأل عن الضمان إذا عطب أو نفق، و من المعلوم أنّ الذهن غير المشوب بالمناقشات ينقدح فيه من قوله: «لو عطب أو نفق أ ليس يلزمني» أنّه يلزمني قيمة البغل حال تلفه، لأنّها قيمته الفعليّة، لا قيمته في الزمان الماضي أو المستقبل.

و لمّا كان ضمان التلف تحت يده موهما لضمانه مطلقا و لو لم يكن التلف في حال الغصب فقد دفع هذا التوهّم بقوله عليه السّلام: بأنّ ضمان التلف ليس ثابتا مطلقا، بل في خصوص حال الغصب. فتلف البغل قبل الغصب- و هو في المثال من الكوفة إلى قنطرتها- لا يوجب الضمان. فيوم المخالفة قيد لضمان التلف، يعني: أنّ التلف يوجب الضمان إذا وقع في حال الغصب، لا مطلقا، ففي جوابه عليه السّلام تصديق لقول أبي ولّاد و ردع له.

أمّا تصديقه فمن جهة لزوم القيمة عند التلف التي هي في ارتكازه و ارتكاز العقلاء قيمتها حال التلف، لأنّها قيمتها الفعليّة.

و أمّا ردعه فمن جهة أنّ إطلاق ضمان التلف يقتضي ثبوت الضمان من وقت الأخذ، فردعه الامام عليه السّلام بأنّ الضمان على فرض التلف ثابت من وقت الغصب. فقوله عليه السّلام: «يوم خالفته» قيد لقوله عليه السّلام: «نعم» أو للفعل المدلول عليه به كما هو ظاهر التركيب اللغويّ. و القيمة التي ورد عليها التصديق هي قيمة يوم التلف. فكأنّه قيل: إذا مات البغل حال الغصب و المخالفة ضمن قيمته، و من المعلوم أنّ قيمته الفعلية هي قيمته يوم التلف.

و لا فرق في هذا الاستظهار بين تنكير البغل و تعريفه، لما تقدّم سابقا من عدم دخل الهويّة بما هي في القيم و الرغبات، و أنّ الدخيل فيها هي الخواصّ و الأوصاف، كقوّة البغل و سرعة سيره و كونه مرتاضا غير شموس، هذا.

ص: 495

______________________________

و الّذي ينبغي أن يقال: إنّ قول السائل: «أ يلزمني» المترتّب على العطب و النفوق، إمّا بمعنى عهدة العين، و إمّا بمعنى لزوم دفع البدل فعلا، و إمّا بمعنى لزومه على تقدير التلف، و هو الضمان بالقوّة في كلام المشهور.

أمّا الأوّل فهو غير مرتّب على العطب، لأنّه مترتّب على مجرّد الغصب، فلا يصحّ جعل العطب في كلام السائل شرطا للزوم ضمان القيمة، و لا جعل اللزوم جزاء لقوله:

«فلو عطب» لفقدان الترتّب المعتبر بين الشرط و الجزاء، حيث إنّ العهدة مضافة إلى العين، لأنّ فاعل «أ يلزمني» هو البغل، لا بدله أعني به القيمة، فلا بدّ من الاقتصار على قوله: «نعم» لأنّه يسأل عن ضمان العين، فيكفيه قوله: «نعم» فلا يتعلّق اللزوم المستفاد منه بقيمة البغل.

و أمّا الثاني- و هو لزوم دفع البدل فعلا- فهو قابل لترتّبه على العطب، إذ المترتّب عليه هو القيمة لا العين، لفرض تلفها، فيتعيّن حينئذ أن يكون «يوم خالفته» قيدا للقيمة، لا لقوله: «يلزمني» لعدم اللزوم الفعليّ للقيمة من يوم المخالفة، بل لزوم القيمة فعلا مترتّب على العطب الواقع في ظرف المخالفة.

لكن يشكل إرادة اللزوم الفعليّ للقيمة في يوم المخالفة مع إمكان إرادة اللزوم التقديريّ و إرادة العهدة منه، إذ المفروض بقاء العين.

و أمّا الثالث- أعني به لزوم دفع البدل على تقدير التلف، و هو الضمان بالقوّة- فهو مترتّب على فرض وجود العطب، لا على العطب الفعليّ، و من المعلوم أنّ قوله: «أ رأيت لو عطب البغل .. إلخ» بيان لمعنى الضمان بالقوّة، أعني به لزوم البدل على تقدير التخلّف بجعل العطب مقدّما، و جعل لزوم البدل تاليا. و هذا اللزوم التقديريّ هو الذي سمعه من أبي حنيفة، لا اللزوم الفعليّ، إذ لم يكن في الواقعة عطب فعليّ.

و منه ظهر أنّه لا وجه لاستفادة اللزوم الفعليّ، فإنّه مرتّب على العطب الفعليّ، لا على فرضه بجعله واقعا موقع الفرض و التقدير الذي هو مفاد مدخول أداة الشرط.

ص: 496

و أمّا ما احتمله جماعة (1) من «تعلّق الظرف بقوله: نعم، القائم مقام قوله عليه السّلام: يلزمك يعني: يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل»

______________________________

(1) هذا الاحتمال مذكور في مفتاح الكرامة و المستند و الجواهر «1»، عارضوا به دلالة الفقرة على ضمان المغصوب بقيمة يوم غصبه. و الفاضل النراقي قدّس سرّه و إن رجّح الضمان بقيمة يوم الغصب، إلّا أنّه استفاده من الفقرة الثانية الآتية، و هي قوله عليه السّلام:

«أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أن قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا ..».

قال في الجواهر في ردّ استظهار ضمان قيمة يوم الغصب- ما لفظه: «و فيه:

احتمال تعلّق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله: نعم، فيكون المراد: يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب، بمعنى أنّها تتعلّق بك ذلك اليوم. و حينئذ فحدّ القيمة غير مبيّن فيه، فلا ينافي ما دلّ على القيمة يوم التلف الذي ستعرف أنّه الأصحّ. و دعوى أنّ الأوّل- و هو ضمان قيمة يوم الغصب- أظهر ممنوعة».

______________________________

و عليه فيتردّد الأمر بين أن يكون «يوم المخالفة» قيدا للقيمة، و أن يكون قيدا للزوم التقديري المستفاد من قوله عليه السّلام: «نعم» فتكون الرواية ساكتة عن وقت القيمة.

فالنتيجة: أنّ الصحيحة لا تكون ظاهرة في اعتبار قيمة يوم الغصب، كما ادّعاه القائل باعتبار قيمة يوم المخالفة، لتطرّق احتمال قيديّة يوم المخالفة لكلّ من القيمة و اللزوم. فعلى الأوّل يكون المدار على قيمة يوم الغصب و على الثاني يكون المدار على قيمة يوم التلف، لأنّ معناه حينئذ: يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل، و من المعلوم أنّ قيمته الفعليّة عند التلف هي قيمته حال التلف.

فتلخّص: أنّ الصحيحة إمّا ظاهرة في اعتبار قيمة يوم التلف، أو مجملة، و لا ظهور لها في اعتبار يوم الغصب.

______________________________

(1) راجع: مفتاح الكرامة، ج 6، ص 244؛ مستند الشيعة، ج 2، ص 368؛ جواهر الكلام، ج 37، ص 101 و 102

ص: 497

فبعيد (1) جدّا [1]،

______________________________

و الوجه في تعلّق الظرف- و هو: يوم- بفعل «يلزم» هو اعتبار تعلّق الظرف بفعل أو شبه فعل، و لا يصلح تعلّقه ب «نعم» و إنّما يتعلّق بفعل «يلزمك» الذي دلّ عليه كلمة «نعم».

و عليه فبناء على احتمال تعلّق الظرف ب «يلزمك» لا تدلّ هذه الجملة على ضمان يوم الغصب، و إنّما تدلّ على استقرار قيمة المضمون بمجرّد الغصب، و أمّا حدّ قيمة المضمون فغير مدلول عليه، فلا يعلم أنّها قيمة يوم الغصب أو يوم التلف أو غيرهما. هذا. و سيأتي إيراد المصنّف قدّس سرّه على هذا الاحتمال.

(1) جواب «و أما ما احتمله».

______________________________

[1] بل قريب جدّا، لأنّ الظاهر أنّ أبا ولّاد يسأل عن أصل الضمان، و إلّا كان المناسب أن يقول: أيّ شي ء يلزمني يوم المخالفة؟

و لا يبعد أن يكون منشأ السؤال ما قاله أبو حنيفة من: أنّ ضمان الأصل لا يلائم ضمان الكراء، لأنّ الخراج بالضمان، فلمّا رأى السائل أن الامام عليه السّلام أثبت الكراء، أراد أن يستفسر منه أنّه مخالف لأبي حنيفة في الكراء، و ضمان الأصل، أو في الكراء فقط.

و بتقريب آخر: أنّ أبا حنيفة ادّعى الملازمة بين ضمان البغل و سقوط الكراء، لكون الخراج بالضمان، و حيث إنّه عليه السّلام ردّ عليه بأن الكراء ثابت، زعم أبو ولّاد- أو احتمل- أنّ ثبوت الكراء كاشف عن عدم ضمان الأصل، للملازمة بين ثبوت الضمان و نفي الكراء، على ما أفتى به أبو حنيفة، فسأل أنّه مع ثبوت الكراء هل يثبت الضمان؟

و قال: «أ رأيت لو عطب .. إلخ».

و بالجملة: سأل أبو ولّاد عن ضمان الأصل، باحتمال سقوطه مع ثبوت الكراء.

فأجاب عليه السّلام بثبوت الضمان التعليقيّ، يعني: لو عطب أو نفق، لكن- لا مطلقا- بل يوم المخالفة، فكأنّه قال: يلزمك يوم المخالفة و غصب مال الغير قيمة بغل إذا عطب أو نفق.

ص: 498

بل غير ممكن، لأنّ (1) السائل إنّما سأل عمّا يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة، بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان، كما يدلّ عليه (2): «أ رأيت لو عطب البغل أو نفق، أ ليس كان يلزمني؟» فقوله: «نعم» يعني: يلزمك بعد

______________________________

(1) تعليل لعدم الإمكان، توضيحه: أنّ ملاحظة السؤال تقتضي علم السائل بأنّ لزوم القيمة و ضمانها يكون بعد تلف البغل، لأنّ أبا ولّاد علّق لزوم القيمة على العطب و النفوق، فلو كان ظرف اللزوم هو التلف امتنع أن يكون «يوم خالفته» قيدا له، إذ يلزم حينئذ أن يكون ظرف اللزوم يوم المخالفة أيضا. و هذا ينافي تعليق اللزوم على العطب و النفوق، فلا بدّ أن يكون «يوم المخالفة» قيدا لغير اللزوم.

هذا مضافا إلى: أنّ ظاهر السؤال هو السؤال عن المقدار اللازم بالتلف بعد العلم بثبوت الضمان بالتلف، فلا بدّ من حمل الجواب على إرادة بيان المقدار، و ذلك يقتضي تعليق الظرف بغير اللزوم، و إلّا لم يكن جوابا عن السؤال، لفرض علم أبي ولّاد بأصل لزوم القيمة.

(2) هذه الدلالة مبنيّة على كون الاستفهام تقريريّا لا حقيقيّا، فبناء على الاستفهام التقريريّ تدلّ كلمة «يلزمني» على علم أبي ولّاد بأنّ ضمان القيمة يكون بعد تلف البغل.

______________________________

فهذا المعنى التعليقيّ ثابت بالفعل يوم الغصب كما قيل بذلك أيضا في خبر «على اليد» فمضمون الصحيحة موافق لخبر «على اليد» مع اختلاف غير جوهريّ، و هو ذكر القيمة، لكون المورد من القيميّات، فلاحظ.

فالمتحصّل: أنّ نتيجة هذا الاحتمال هي ضمان قيمة البغل على فرض التلف.

و الضمان يكون من يوم المخالفة و الغصب، يعني: يحدث الضمان المعلّق على موت البغل من يوم الغصب. و أمّا كون القيمة قيمة يوم الغصب أو يوم التلف أو غيرهما فالصحيحة ساكتة عنها، و مقتضى القواعد كما تقدّم سابقا هو قيمة يوم التلف.

ص: 499

التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته (1).

و قد أطنب بعض (2) من جعل الفقرة ظاهرة في تعلّق الظرف بلزوم القيمة عليه، و لم يأت بشي ء يساعده التركيب اللغويّ، و لا المتفاهم العرفيّ.

الثانية (3): قوله: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل

______________________________

(1) فيكون المضمون قيمة يوم المخالفة لا يوم التلف.

(2) لعلّه إشارة إلى ما حكاه في الجواهر عن بعض بقوله: «نعم ربّما قيل: إنّه ظاهر فيه- يعني في تعلّق الظرف بالفعل المدلول عليه بقوله عليه السّلام: نعم- باعتبار أنّ سؤال الراوي عن الضمان بسبب التلف، لا بسبب المخالفة. فمطابقة الجواب للسؤال تقتضي أن يكون المراد منه: نعم يلزمك يوم خالفته هذا الحكم، يعني: يصير حكمك في هذا اليوم لزوم قيمة البغل إن هلك. و المتبادر منه بعد معلوميّة أنّه ليس المراد قيمته ميّتا هو أقرب زمان حياته إلى الموت، و هو قبيل التلف. و هذا معنى قيمته يوم التلف.

بل لعلّ تنكير- بغل- يومي إلى ذلك أيضا، إذ هو إشارة إلى أنّه يفرض الميّت حيّا، و إلّا فلا ريب أنّه لا يكفي قيمة أيّ بغل يكون. و هو مناسب لكون الظرف لغوا متعلّقا بقوله: يلزمك. و إلّا فلا يناسب التنكير، إذ البغل يوم المخالفة حيّ بالفرض و الاستصحاب، فالأولى تعريفه» «1».

(3) يعني: الفقرة الثانية- من صحيحة أبي ولّاد- الظاهرة في ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب، لا يوم التلف و لا أعلى القيم، و هي قوله عليه السّلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون .. إلخ».

بتقريب: أنّ البغل لو أصابه كسر أو دبر كان على أبي ولّاد دفع أرش ما بين الصحيح و المعيب إلى المكاري. و المناط في تقويم البغل صحيحا هو يوم الاكتراء.

و الظاهر أنّ مراد الامام عليه السّلام من يوم الاكتراء هو يوم مخالفة أبي ولّاد لمقتضى عقد الإجارة، و ذلك لكون البغل في يوم الاكتراء أمانة بيد أبي ولّاد لاستيفاء المنفعة منه.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 102 و 103

ص: 500

يوم اكتري كذا و كذا» فإنّ إثبات (1) قيمة يوم الاكتراء من (2) حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه (3)،

______________________________

فلا يكون مضمونا، إذ الموجب للضمان هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالغصب، و المفروض في هذه الصحيحة تحقّق المخالفة عند وصول أبي ولّاد إلى قنطرة الكوفة. و بما أنّ المسافة بين كوفة و قنطرتها قريبة، فإمّا أن يكون وصوله إلى القنطرة عصر يوم الاكتراء لو خرج من الكوفة صباحا، و إمّا أن يكون وصوله إليها بعد يوم. و من المستبعد جدّا تغيّر قيمة البغل بعد ساعات أو بعد يوم واحد.

و على هذا يكون المناط في تقويم البغل المضمون هو يوم الغصب المعبّر عنه بيوم الاكتراء. و الشاهد عليه أنّه لم يقل أحد باعتبار قيمة يوم الاكتراء حتى لو اختلفت مع قيمة يوم المخالفة و الغصب. و لذا قال في الجواهر: «ثمّ إنّ الظاهر بناء قوله عليه السّلام: حين اكتري على غلبة عدم التفاوت في هذه المدّة القليلة. و على الاستصحاب. و إلّا فلم يقل أحد باعتبار القيمة حين اكترى» «1».

(1) هذا تقريب دلالة الفقرة الثانية على ضمان قيمة وقت الغصب، و قد عرفته آنفا. و يستفاد هذا التقريب من الفاضل النراقي قدّس سرّه حيث قال: «فإنّ معناه: فيلزمك قيمة البغل حين اكتري. و لا يرد أنّه ليس حين المخالفة، فيلزم القيمة قبل المخالفة، و هو مخالف للإجماع. لأنّه لا فاصلة يعتدّ بها بين وقتي المخالفة و الإكراء في المورد كما يدلّ عليه صدر الحديث» «2».

(2) يعني: لا من حيث إنّ قيمة يوم الاكتراء متحدة مع قيمة يوم المخالفة، فإن الجدوى في القيمة بلحاظ الاتحاد موجودة.

(3) أي: في إثبات قيمة يوم الاكتراء.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 103

(2) مستند الشيعة، ج 2، ص 368

ص: 501

لعدم (1) الاعتبار به، فلا بدّ (2) أن يكون الغرض منه (3) إثبات قيمة يوم المخالفة، بناء (4) على أنّه يوم الاكتراء، لأنّ الظاهر من صدر الرواية (5) أنّه خالف المالك بمجرّد خروجه من الكوفة. و من المعلوم (6) أنّ اكتراء البغل لمثل تلك المسافة

______________________________

(1) تعليل لعدم الجدوى في إثبات قيمة يوم الاكتراء بالبيّنة. وجه عدم الاعتبار ما عرفته من أنّ يوم الاكتراء زمان حدوث اليد الأمانيّة غير الموجبة للضمان أصلا، و الموجب له إنّما هو اليد العدوانيّة المتحقّقة بالمخالفة في نفس يوم الاكتراء، أو في اليوم اللاحق له، و من المعلوم عدم اختلاف قيمة البغل في هذه المدّة القليلة.

فلو لم يكن المدار في الضمان على قيمة يوم الغصب لم يكن وجه لتعرّض قيمة يوم الاكتراء الذي هو زمان حدوث اليد الأمانيّة.

(2) هذا متفرّع على عدم العبرة بقيمة يوم الاكتراء لو لم تكن متّحدة مع قيمة يوم المخالفة.

(3) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان إلى: إثبات قيمة يوم الاكتراء.

(4) هذا البناء هو ظاهر الصحيحة، لقرب المسافة بين كوفة و قنطرتها.

(5) و هو قول أبي ولّاد: «فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبّرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل، فتوجّهت نحو النيل» فقوله: «توجّهت نحو النيل» ظاهر في أنّ مخالفة أبي ولّاد- بعدوله عن طريق قصر أبي هبيرة إلى طريق النيل- كانت من يوم الاكتراء، أو بعده بيوم واحد، لا أكثر.

(6) غرض المصنف: أنّ استظهار ضمان يوم الغصب- من تعبير الامام عليه السّلام بيوم الاكتراء- مبنيّ على أمرين مسلّمين:

أحدهما: أنّ المسافة بين كوفة و قصر أبي هبيرة قريبة، فلو أراد أبو ولّاد اكتراء بغل لهذه المسافة لم يستأجر بغلا قبل خروجه بأسبوع مثلا ممّا يمكن اختلاف قيمة البغل فيه، بل كان يستأجر البغل قبل ساعات أو قبل يوم.

ثانيهما: أنّ قيمة البغل لا تتفاوت عادة في ساعات قلائل.

و بناء على هذين الأمرين يتّجه دلالة الفقرة الثانية على ضمان يوم الغصب.

ص: 502

القليلة إنّما يكون يوم الخروج أو في عصر اليوم السابق. و معلوم أيضا عدم اختلاف القيمة في هذه المدة القليلة.

و أمّا قوله عليه السّلام (1) في جواب السؤال عن إصابة العيب: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه» فالظرف (2) متعلّق به «عليك»

______________________________

(1) بعد أن استظهر المصنّف قدّس سرّه من الفقرة الثانية ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب تعرّض لما ينافي هذا الاستظهار. و المنافي فقرة أخرى في الصحيحة، و هي قوله عليه السّلام: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه».

و توضيحه: أنّ أبا ولّاد سأل عن حكم تعيّب البغل و إصابة كسر أو عرج به، فأجاب عليه السّلام بقوله: «عليك قيمة ..» و ظاهره وجوب أداء أرش العيب الحادث بقيمة يوم ردّ البغل الى مالكه، بأن يقوّم البغل يوم ردّه صحيحا تارة و معيبا اخرى، فالتفاوت بين القيمتين مستقر في ذمّة أبي ولّاد. و من المعلوم أنّ هذا الظهور مناف لما أفاده المصنّف قدّس سرّه من استقرار قيمة يوم المخالفة على عهدة أبي ولّاد، إذ لا فرق في ضمان قيمة يوم الغصب بين كون المضمون قيمة نفس البغل لو تلف بيد المستأجر، و بين كونه أرش العيب، فلو كانت العبرة بقيمة وقت الغصب لزم تقويم الأرش بذاك اليوم. و لو كانت العبرة بقيمة يوم ردّ العين المغصوبة لزم تقويم العين- لو تلفت- بقيمة يوم الأداء، هذا.

(2) جواب قوله: «و أمّا» و دفع المنافي المتقدّم، و حاصل الدفع: أنّ التنافي المزبور مبنيّ على رجوع «يوم» إلى «قيمة ما بين الصّحّة و العيب» بأن يكون المعنى:

«عليك قيمة يوم الردّ» و أنّ العبرة في الأرش بتقويم البغل يوم ردّه إلى المكاري.

و لكن هذا الاستظهار ممنوع، لرجوع الظرف إلى «عليك» و تعلّقه به. يعني:

«عليك يوم تردّ البغل قيمة ما بين الصّحّة و العيب» و عليه لا يكون الأرش مقيّدا بتقويم البغل صحيحا و معيبا يوم ردّه، حتى يستفاد منه ضمان قيمة وقت الأداء. بل مفاده وجوب ردّ الأرش، بلاد دلالة على تعيين القيمة يوم الردّ أو يوم الغصب أو غيرهما.

ص: 503

لا قيد للقيمة (1)، إذ (2) لا عبرة في أرش العيب بيوم الرّد إجماعا، لأنّ (3) النقص الحادث تابع في تعيين يوم قيمته لأصل العين. فالمعنى: عليك أداء الأرش يوم ردّ البغلة [1].

______________________________

هذا كله بناء على النسخة التي عوّل عليها المصنف قدّس سرّه. و أمّا بناء على سقوط كلمة «يوم» من الرواية- كما ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه من أنّ نسخة التهذيب المصحّحة المحشّاة التي تحضره قد سقط منها لفظ اليوم، و أنّ المذكور فيها: قيمة ما بين الصّحّة و العيب تردّه عليه- فالأمر أوضح، و لا موضوع لتوهّم التنافي، إذ لا توقيت في القيمة حتى يحتمل تعلّق «اليوم» بالقيمة، بل المدلول وجوب أصل الأرش من دون تعيين مقداره بحسب الأزمنة، هذا.

(1) حتى تتقيّد القيمة بخصوص يوم ردّ البغلة.

(2) تعليل لعدم كون الظرف قيدا للقيمة. و المراد ب «يوم تردّه» يوم ردّ العين المغصوبة، لا ردّ الأرش.

(3) حاصل هذا التعليل: أنّ المناط في تعيين مقدار أرش العيب- الحادث في العين المغصوبة- ليس هو يوم ردّ العين، حتى يكون قرينة على جعل «يوم تردّه» متعلّقا بالقيمة، بل الأرش تابع الأصل العين، فإن قلنا بضمان قيمة يوم الغصب تعيّن تقويم الأرش بقيمة ذاك اليوم. و إن قلنا بضمان أعلى القيم كان الأرش تابعا له في التقويم، و هكذا و على هذا فلا خصوصيّة في أرش العيب توجب تقويمه بقيمة يوم ردّ العين حتى يكون الظرف قيدا للقيمة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الاشكال بعينه جار في جعل الظرف و هو «يوم» قيدا ل «عليك» حيث إنّ يوم ردّ العين ليس زمان حدوث وجوب القيمة في الذّمّة إجماعا، بل زمان ثبوت القيمة على العهدة يوم حدوث العيب، لا يوم ردّ العين.

ص: 504

و يحتمل (1) أن يكون قيدا للعيب، و المراد (2) العيب الموجود في يوم الرّدّ، لاحتمال (3) ازدياد العيب إلى يوم الردّ، فهو المضمون، دون العيب القليل الحادث أوّلا.

______________________________

(1) هذا الاحتمال في قبال ما استظهره بقوله: «فالظرف متعلّق بعليك» و سيأتي تضعيف الاحتمال. و الغرض من إبداء هذا الاحتمال تقوية ضمان الأرش بقيمة يوم الرّدّ، لا تبعية الأرش لأصل العين في القيمة المضمونة.

و توضيح الاحتمال: أنّ كلمة «يوم» قيد ل «العيب» فيكون المعنى على هذا:

«عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب الموجود في يوم ردّ العين، لا قيمة العيب السابق على الرّدّ». فلو كان أرش العيب وقت حدوثه دينارا، فاتّسع الجرح و ازداد العيب إلى يوم ردّ العين، فبلغ التفاوت بين البغل الصحيح و المعيب دينارين وجب على أبي ولّاد دفع دينارين حين ردّ البغل إلى المكاري.

و نتيجة هذا الاحتمال مخالفة قيمة الأرش لقيمة نفس البغل، فالعبرة في البغل بقيمة يوم المخالفة و الغصب، و العبرة في مقدار الأرش بقيمة العيب يوم ردّ العين.

و بناء على هذا الاحتمال يشكل ما أفاده المصنف قدّس سرّه من جعل «يوم» متعلّقا ب «عليك» وجه الإشكال: دلالة هذه الجملة على اعتبار قيمة معيّنة، و هي قيمة يوم ردّ البغل المعيب.

(2) يعني: إذا كان «يوم» متعلّقا ب «العيب» كان المراد من القيمة قيمة العيب في يوم ردّ العين، لا قيمة العيب في زمان حدوثه.

(3) تعليل لإرادة العيب الموجود حين الرّدّ.

______________________________

و قد نوقش في هذا الاستدلال بوجوه:

أحدها: دلالته على ضمان العين المستأجرة بدون شرط الضمان، و هو مخالف للقواعد.

و قد دفع بأنّ المراد بيوم الإكتراء يوم المخالفة فلا يلزم الاشكال المزبور.

ص: 505

______________________________

ثانيها: منافاة قوله عليه السّلام: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه» لضمان قيمة يوم المخالفة، لمنافاة قيمة يوم الرّد ليوم الغصب. و لا فرق في ضمان القيمة من حيث الوقت بين قيمة العين إذا تلفت و بين قيمة صفاتها.

________________________________________

و قد دفع تارة بأنّ «يوم» متعلق ب «عليك» لا قيد للقيمة، فمعناه حينئذ: عليك يوم الرّدّ قيمة ما بين الصّحّة و العيب من دون تعرّضه لزمان القيمة، فلا ينافي ما استدلّ به على اعتبار قيمة يوم الغصب.

و اخرى: بأن اعتبار تعيين الأرش بقيمة يوم الدفع مخالف للإجماع.

و فيه: أنّ الإجماع غير محقّق، و لذا طلب السيّد و النائيني من المصنف قدّس سرّهم مدركه.

فالأولى أن يقال: إنّ تعيين الأرش بقيمة يوم الدفع مخالف للقواعد.

و ثالثة بأنّ قاعدة «الأقرب يمنع الأبعد» تقتضي رجوع القيد أعني به «اليوم» إلى العيب دون القيمة، فمعناه حينئذ وجوب ردّ قيمة العيب الموجود حين الرّد، دون ما ارتفع و لم يبق إلى زمان ردّ العين. و هذا ما تقتضيه قاعدة «على اليد» الموافقة لسيرة العقلاء.

و رابعة بابتناء المناقشة على اشتمال الصحيحة على كلمة «يوم». و قد أنكر في الجواهر ذلك، و قال: «إنّ الموجود فيما حضرني من نسخة التهذيب الصحيحة المحشاة (تردّه عليه) من دون لفظ اليوم. و معناه: وجوب ردّ الأرش لا غير، فلا توقيت فيه» لكن الصواب على هذا تأنيث ضمير «تردّه» لرجوعه إلى القيمة. إلّا أنّ الأمر سهل في التذكير و التأنيث.

ثالثها: أنّ قوله عليه السّلام: «إمّا أن يحلف هو» ظاهر في ثبوت جميع الحقوق من الحلف و الردّ و البيّنة للمالك، و هو مخالف لقاعدة «البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعى عليه». و المصنف قدّس سرّه جعل هذه الفقرة مؤيّدة لكون المدار على قيمة يوم التلف، و موهنة لكون المدار على قيمة يوم الغصب.

و محصّل كلامه: أنّه إذا اختلف الغاصب و المالك في قيمة العين المغصوبة و كانت العبرة بقيمة يوم المخالفة كان المالك مدّعيا، لدعواه زيادة القيمة المخالفة للأصل، و كان الغاصب منكرا، لإنكاره تلك الزيادة.

ص: 506

______________________________

و عليه فمقتضى القاعدة توجّه الحلف على الغاصب لا المالك. بل الواجب على المالك إقامة البيّنة على دعواه.

لكنّ الصحيحة تدلّ على كون كلّ من اليمين و إقامة البيّنة على المالك. و هذا خلاف المقرّر من كون البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر، فإن كان المالك مدّعيا فوظيفته إقامة البيّنة، لا اليمين. و إن كان منكرا فوظيفته الحلف. فتوجيه الوظيفتين إلى المالك خلاف موازين القضاء.

فعلى القول بكون العبرة بقيمة يوم الغصب تكون الصحيحة مخالفة للقواعد من جهتين:

الاولى: أنّ دعوى الزيادة من المالك مخالفة للأصل، فلا تتوجّه إليه اليمين.

الثانية: أنّ اليمين إذا توجّهت إلى المالك لم تسمع منه البيّنة، فكيف حكم الامام عليه السّلام بقبول كلا الأمرين من المالك؟

فلا بدّ حينئذ من حمل الصحيحة على أنّ العبرة بقيمة يوم التلف، لا يوم الغصب، إذ يصحّ على مبنى يوم التلف توجّه كلا الأمرين إلى المالك. و ذلك لأنّ الإمام عليه السّلام تعرّض في الفقرة المزبورة لصورتين من صور التنازع بين المالك و الغاصب.

الصورة الأولى: اتّفاق المالك و الغاصب على أنّ قيمة يوم الاكتراء كذا و كذا، و لكن اختلفا في تنزّله عن تلك القيمة يوم التلف، و عدم تنزله عن تلك القيمة، فإنّه حينئذ يجب الأخذ بقول المالك، لأنّ الغاصب يدّعي نقصان القيمة، و المالك ينكره، فيقدّم قول المالك مع يمينه، لكونه موافقا للأصل أي استصحاب قيمته السابقة.

مثلا إذا اتّفقا على أنّ قيمة البغل يوم الاكتراء عشرون دينارا، لكن الغاصب يدّعي نقصانها إلى يوم التلف، و ادّعى المالك بقاءها على حالها. فلا شبهة في كون قول المالك موافقا للأصل، فيقدّم مع يمينه. بخلاف قول الغاصب، فإنّه مخالف للأصل، فوظيفته إقامة البيّنة.

ص: 507

______________________________

الصورة الثانية: أنّ يتّفق المالك و الغاصب على أنّ قيمة يوم التلف متّحدة إجمالا مع قيمة يوم المخالفة، لكنّهما اختلفا في تعيين تلك القيمة، بأن ادّعى المالك أنّ قيمته يوم المخالفة عشرون دينارا، و ادّعى الغاصب أنّها عشرة دنانير. و من المعلوم أنّ المالك حينئذ يدّعي زيادة القيمة، فيجب عليه إقامة البيّنة على ذلك. أمّا الغاصب فهو منكر لتلك الزيادة، فيتوجّه عليه اليمين.

و الحاصل: أنّه بناء على حمل الصحيحة على كون المدار في تعيين القيمة على قيمة يوم التلف أمكن تصوير التغاير بين إلزام المالك بالحلف، و بين إلزامه بإقامة البيّنة.

و أمّا بناء على كون المناط قيمة يوم الغصب، فتصوير التغاير بين الأمرين بعيد جدّا، لأنّه على هذا لا بد من حملها على صورة اتّفاق المالك و الغاصب على قيمة اليوم السابق على يوم المخالفة. أو على قيمة اليوم اللاحق ليوم المخالفة، ثم ادّعى الغاصب نقصان القيمة السابقة.

لكنّه خلاف الظاهر من الصحيحة، فلا يمكن الالتزام به، مع عدم القرينة عليه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام المصنّف.

و يرد عليه: أنّ حمل الصحيحة على إرادة يوم التلف، ثم فرض توجّه الحلف في صورة، و توجّه البيّنة على المالك في صورة أخرى، خلاف الظاهر جدّا، لاستلزامه فرض صورتين مغايرتين. مع أنّ ظاهر العطف ب «أو» هو التخيير في صورة واحدة بين الحلف و إقامة البيّنة. فجعل جملة «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه ذلك. أو يأتي صاحب البغل بشهود .. إلخ» مؤيّدة لإرادة يوم التلف- دون يوم المخالفة و الغصب- ممّا لا وجه له.

مضافا إلى: إمكان فرض هاتين الصورتين بناء على كون العبرة بقيمة يوم الغصب أيضا، بأن يكون المالك في إحداهما مدّعيا عليه البينة، و في أخراهما منكرا عليه اليمين.

كما إذا اتّفقا في قيمة يوم الاكتراء، و اختلفا في قيمة يوم الغصب، فإنّ المالك حينئذ

ص: 508

______________________________

لادّعائه الزيادة إلى يوم الغصب مدّع، و الغاصب منكر. و إن ادّعى الغاصب تنزّل القيمة، و أنكره المالك انعكس الأمر، و صار المالك منكرا، و الغاصب مدّعيا.

لكن هذا الفرض أيضا خلاف ظاهر العطف بكلمة «أو» من التخيير في صورة واحدة، لا في صورتين متغايرتين.

مضافا إلى: أنّه خلاف اتّحاد زماني الاكتراء و الغصب. و قد ظهر من الأبحاث المتقدّمة وحدة زمانهما.

فمقتضى الجمود على هذا الظاهر لزوم تخصيص عموم ما ورد من «أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» بظاهر هذه الصحيحة من توجّه كلّ من الحلف و البيّنة على المالك في خصوص الدابة المغصوبة، أو في مطلق القيميّ المغصوب.

لكنّه في غاية البعد، إذ لم يعهد من أحد الالتزام بهذا التخصيص.

و لعلّه لأجل هذا البعد قال المحقق الايرواني: «إنّ قضيّة البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر قضيّة واردة في المخاصمات. و في مورد الرواية لم تفرض مخاصمة. بل الراوي سأل عن أنّه من يعرف قيمة البغل و هو تالف؟ فقال عليه السّلام: إمّا أنت أو هو، فيكون الحلف من كلّ منهما لأجل أن يذعن الطرف المقابل الجاهل بالقيمة، لا لأجل إلزام خصمه المنكر له» «1».

و هذا ما تقتضيه أصالة العموم فيما إذا شكّ في التخصيص، بعد العلم بعدم كون شي ء محكوما بحكم العام، و الشك في كون خروجه عنه بالتخصص أو التخصيص، فإنّه تجري أصالة العموم، و يثبت لازمها أعني به عدم فرديّته للعامّ حتى يكون خروجه بالتخصيص. فإنّه لم يثبت في مورد الرواية الترافع إلى الحاكم حتى يندرج الحلف فيه في اليمين المعتبرة في ميزان القضاء، بل اندراجه فيها مشكوك فيه، فلا مانع من جريان أصالة العموم في دليل «كون اليمين على المنكر و البيّنة على المدّعى» و إثبات كون ما نحن فيه خارجا عن موضوع دليل العموم تخصّصا، لاختصاص ذلك بباب الخصومات.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 102

ص: 509

______________________________

فلا يرد: أنّ حمل الرواية على كون العبرة بقيمة يوم الغصب يستلزم مخالفة القواعد من ناحيتين: إحداهما: أنّ دعوى المالك زيادة القيمة مخالفة للأصل، فلا تتوجّه إليه اليمين، بل وظيفته البيّنة.

ثانيتهما: أنّه إذا توجّهت اليمين إلى المالك لم تسمع منه البيّنة. مع أنّ الامام عليه السّلام حكم بقبول كلّ من البيّنة و اليمين من المالك، فلا بدّ من حمل الرواية على كون العبرة بقيمة يوم التلف.

ثم إنّ هذين الإشكالين إنّما يتوجّهان بناء على إرادة قيمة البغل من قوله: «فمن يعرف ذلك». و هو الذي أوقعهم في حيص و بيص من التخصيص أو التخصّص.

و أمّا بناء على إرادة قيمة ما بين الصّحيح و المعيب كما هو الظاهر، لأنّ الجملة المتضمّنة للسؤال عن تلف العين و ضمانها و الجواب عنها قد تمّت، و السائل بعد ذلك سأل عن ضمان عيب العين مع بقائها، فأجاب عليه السّلام عنه بضمان قيمة ما بين الصحيح و المعيب. فقوله عليه السّلام: «من يعرف ذلك» ظاهر في الرجوع إلى قيمة البغل صحيحا و معيبا، لا قيمة البغل من حيث هو كما كان ذلك مبنى كلماتهم.

و على هذا الاحتمال يمكن أن يقال: إنّ الظاهر من قوله عليه السّلام: «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» هو الحلف على قيمة البغل المعيب الموجود بين أيديهما. و من المعلوم أنّ في اختلاف قيمة المعيب يكون صاحب البغل منكرا، لأنّه يريد جلب النفع إلى نفسه، فينكر زيادة قيمة المعيب بخلاف الغاصب، فإنّه يريد دفع الضرر عن نفسه، فيدّعي زيادة قيمته.

مثلا إذا كان قيمة الصحيح أربعين درهما، و ادّعى الضامن أنّ قيمة المعيب ثلاثون درهما، و أنكره المالك، و قال: «بل قيمته عشرون درهما» فوظيفة المالك حينئذ اليمين، لأنّه منكر للزيادة التي يدّعيها الضامن، و هي العشرة، فيحلف أو يردّ الحلف إلى صاحبه.

و أمّا قوله عليه السّلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكترى كذا و كذا» فصريح في أنّ اختلافهما راجع إلى قيمة البغل حال الصّحّة لا حال العيب، و إن كان هذا الاختلاف لتشخيص ما به التفاوت بينهما. و من المعلوم أنّ القول في هذا

ص: 510

______________________________

الاختلاف قول الضامن، لأنّه ينكر الزيادة التي يدّعيها المالك. فإذا ادّعى المالك أنّ قيمة البغل صحيحا خمسون درهما، و أنكر الضامن، كان المالك مدّعيا و الضامن منكرا، فالرواية متعرّضة لصورتين من صور الدّعوى:

إحداهما: اختلاف قيمة المعيب بعد اتّفاقهما على قيمة الصحيح، كما إذا اتّفقا على أنّ قيمة الصحيح أربعون درهما، و اختلفا في أنّ قيمة المعيب ثلاثون أو عشرون و حينئذ يكون المالك منكرا لما يدّعيه الضامن من كون قيمته ثلاثين، و لذا يحلف أو يردّ الحلف إلى الضامن.

ثانيتهما: عكس الصورة الأولى، و هي صورة اتّفاقهما على قيمة المعيب كعشرين درهما، و الاختلاف في قيمة الصحيح كما إذا ادّعى المالك أنّها أربعون، و أنكر الضامن، و قال: بل ثلاثون، فحينئذ يكون المالك مدّعيا، و لذا طولب بإقامة البيّنة.

فالمتحصّل: أنّه لا يلزم تخصيص قاعدة «البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه».

و يمكن حمل قوله عليه السّلام: «إمّا أن يحلف هو .. إلخ» على بيان طرق معرفة القيمة على حسب اختلاف حالات المالك و الغاصب، لا على بيان طرق حكم الحاكم بمقدار القيمة، كي يتعيّن حمل الكلام على بيان وظيفة الحاكم المنوطة بالبيّنة، ثم يمين المنكر، ثم اليمين المردودة.

فالغاصب إن كان جاهلا- مع علم المالك- فإخباره مع يمينه حجّة. و إن كان الغاصب عالما و المالك جاهلا فأخبار الغاصب مع يمينه حجّة و طريق إلى معرفة المالك بالقيمة. و إن كان كلاهما جاهلين بالقيمة فالبيّنة حجّة و طريق لهما. فلا تشمل الرواية صورة الترافع و التنازع إلى الحاكم حتى يلزم انخرام قاعدة: البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه.

كما أنّه قد تحصّل ممّا تقدّم: عدم دلالة الصحيحة- بفقرتيها- المزبورتين- على كون العبرة في ضمان القيميّات بقيمة يوم الغصب. فالعبرة إمّا بقيمة يوم التلف، و إمّا بأعلى القيم.

ص: 511

لكن (1) يحتمل أن يكون العيب قد تناقص إلى يوم الرّد، و العبرة حينئذ (2) بالعيب الموجود حال حدوثه، لأنّ المعيب لو ردّ إلى الصّحّة أو نقص (3) لم يسقط ضمان ما (4) حدث منه و ارتفع على (5) مقتضى الفتوى.

فهذا الاحتمال (6) من هذه الجهة (7) ضعيف أيضا (8)،

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه تضعيف احتمال كون «اليوم» قيدا للعيب، بتضعيف منشئه، و هو احتمال ازدياد العيب إلى يوم ردّ العين.

و محصّل التضعيف: أنّ احتمال ازدياد العيب- بعد حدوثه- معارض باحتمال نقصانه إلى يوم الرّدّ، كما إذا تصدّى الغاصب معالجة البغل و مداواته، فزال العيب أو نقص، فلو كانت العبرة في الأرش بالعيب الموجود حال ردّ البغل لزم عدم ضمان الغاصب شيئا بإزاء العيب، أو ضمانه قيمة أقلّ من قيمة العيب يوم حدوثه. مع أنّ المناط قيمة الأرش يوم حدوثه، على ما يظهر من فتاواهم من ضمان العيب، حتى إذا نقص أو زال بيد الضامن. و لأجل هذه الفتوى يشكل المصير إلى احتمال تعلّق «يوم» بالعيب، بل المتعيّن تعلّقه ب «عليك» هذا.

(2) أي: حين تناقص العيب و زواله تدريجا.

(3) المراد بنقصان المعيب نقص عيبه.

(4) المراد بالموصول هو العيب، أي: العيب الذي حدث في المغصوب، ثم ارتفع.

(5) متعلّق ب «لم يسقط» يعني: أنّ الدليل على استقرار أرش العيب حال حدوثه على عهدة ضامن العين هو فتوى الأصحاب.

(6) أي: احتمال كون «يوم» قيدا للعيب، و هو الذي تقدّم بقوله: «و يحتمل أن يكون قيدا للعيب .. إلخ».

(7) أي: من جهة فتوى الأصحاب بضمان العيب الحادث مطلقا حتى إذا زال أو نقص.

(8) أي: كضعف ما تقدّم بقوله: «و أمّا قوله عليه السّلام في جواب السؤال عن إصابة العيب».

ص: 512

فتعيّن (1) تعلّقه بقوله: «عليك» (2). و المراد: بقيمة ما بين الصّحّة و العيب: قيمة التفاوت بين الصّحّة و العيب، و لا تعرّض في الرواية ليوم هذه القيمة، فيحتمل يوم الغصب (3)، و يحتمل يوم حدوث العيب (4) الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة، الذي هو بمنزلة جزء العين في باب الضمانات و المعاوضات.

و حيث (5) عرفت ظهور الفقرة السابقة عليه (6) و اللاحقة له في (7) اعتبار

______________________________

(1) هذه نتيجة بطلان كلّ من تعلّق «اليوم» ب «قيمة» و تعلّقه احتمالا ب «العيب».

(2) فمعناه حينئذ «عليك يوم ردّ العين قيمة ما بين الصّحّة و العيب» من دون تعرّض لزمان هذه القيمة، فيحتمل أن يكون زمان التقويم يوم الغصب، و يحتمل أن يكون يوم حدوث العيب، الذي هو يوم تلف وصف الصّحّة، و من المعلوم أنّ وصف الصّحّة جزء معنوي مقابل بجزء من الثمن، كالأجزاء الخارجيّة.

(3) لتبعية ضمان الأجزاء- التي منها وصف الصّحّة- لضمان يوم الغصب.

(4) يعني: إذا قلنا بضمان العين المضمونة التالفة بقيمة يوم التلف ترتّب عليه ضمان العيب بقيمة يوم حدوثه، لأنّه زمان تلف وصف الصّحّة الذي هو كالجزء الخارجيّ في الضمان

(5) يعني: أنّ جملة «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه» لمّا كانت مجملة، لدوران قيمة العيب بين قيمة يوم غصب العين و بين قيمة يوم حدوث العيب، و لم تكن منافية لاستظهار قيمة يوم الغصب، تعيّن رفع إجمالها بالرجوع إلى ما ورد في صدر الصحيحة و ذيلها ممّا يدلّ على ضمان قيمة يوم الغصب.

(6) أي: على قوله عليه السّلام: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه» و المراد من الجملة السابقة قوله عليه الصلاة و السلام: «قيمة بغل يوم خالفته». و المراد بالجملة اللاحقة قوله عليه السّلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا» فإنّ ظاهر هاتين الجملتين اعتبار قيمة يوم الغصب.

(7) متعلّق ب «ظهور الفقرة.».

ص: 513

يوم الغصب تعيّن حمل هذا (1) أيضا (2) على ذلك (3).

[تضعيف دلالة الصحيحة على اعتبار قيمة وقت الضمان]

نعم (4) يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة

______________________________

(1) أي: جملة «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه» و الوجه في التعيّن هو لزوم حمل المجمل على المبيّن.

(2) أي: كما حملنا جملة «يوم الاكتراء» على يوم الغصب، لعدم العبرة في باب ضمان العين المستأجرة بيوم الاكتراء.

(3) أي: على يوم الغصب. و بهذا يظهر عدم وجود معارض للصحيحة لإرادة يوم الغصب من الصّدر و الذيل.

هذا تمام الكلام في ما استظهره المصنف قدّس سرّه من ضمان يوم الغصب. و سيأتي تعرّضه لاستظهار ضمان يوم التلف.

تضعيف دلالة الصحيحة على اعتبار قيمة وقت الضمان

(4) استدراك على ما استظهره المصنّف قدّس سرّه- من فقرتي الصحيحة- من ضمان المغصوب بقيمة يوم الغصب. و غرضه تضعيف هذا الظهور، و استفادة ضمان قيمة يوم التلف وفاقا لجماعة.

و حاصل الاستدراك: أنّ الموهن لما استظهرناه من الصحيحة من اعتبار قيمة يوم الغصب هو: أنّ الحكم بضمان يوم المخالفة مبنيّ على ما هو الغالب في مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما، لا لأجل خصوصيّة فيه، فلا يبقى للرواية ظهور في دخل خصوصيّة ليوم المخالفة كما هو المدّعى.

لا يقال: على هذا فما الوجه في العدول عن التعبير ب «يوم التلف» إلى التعبير ب «يوم المخالفة» مع إخلاله بالمقصود، لاحتمال كون المدار عليه.

فإنّه يقال: وجهه دفع توهّم أمثال صاحب البغل من العوام، و هو كون العبرة بالقيمة التي اشترى بها البغل.

ص: 514

بأنّه (1) لا يبعد أن يكون مبنى الحكم (2) في الرّواية- على ما هو الغالب في مثل مورد الرّواية- من (3) عدم اختلاف قيمة البغل في مدّة خمسة عشر يوما.

و يكون السّر (4) في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهّمه أمثال صاحب البغل من العوام أنّ (5) العبرة بقيمة ما اشترى به البغل و إن نقص بعد ذلك، لأنّه (6) خسّره المبلغ الذي اشترى به البغلة.

______________________________

(1) متعلّق ب «يوهن» و بيان لوجه توهين ما تقدم من استفادة ضمان يوم الغصب من الصحيحة.

(2) و هو ضمان قيمة يوم الغصب، المستفاد من قوله عليه الصلاة و السلام:

«قيمة بغل يوم خالفته» و من قوله عليه الصلاة و السلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا» لدلالة الجملتين على كون العبرة بقيمة يوم الغصب، كما تقدّم مفصّلا.

(3) بيان ل «ما هو الغالب».

(4) هذا دفع دخل مقدّر، تقدّم بيانهما بقولنا: «لا يقال .. فإنه يقال ..» فغرض المصنّف إسقاط خصوصيّة «يوم المخالفة» عن دخله في تقويم المضمون.

(5) الجملة في محلّ نصب على أنّها بيان للضمير المنصوب في قوله: «يتوهمه» أو أنّها مجرورة ب «من» البيانية المبيّنة للموصول في «ما ربما».

يعني: أنّ صاحب البغل و عوام الناس يتخيّلون و يتوهّمون ضمان التالف بثمنه الذي اشتروه حتى إذا نقص عنه بعده، لصيرورة البغل فارضا قد ضعف عن السّير عليه مسافة مديدة، فإنّهم لا يعتنون بهذا النقص و يطالبون بثمن الاشتراء. فأراد عليه الصلاة و السلام تنبيه المكاري على أنّه لا يستحقّ ثمن الاشتراء، و إنّما يستحقّ قيمته الفعليّة في يوم المخالفة و إن كان أقلّ بكثير من قيمة الشراء.

(6) تعليل لتوهّم المكاري استحقاق قيمة الاشتراء، يعني: لأنّ أبا ولّاد- الذي اكترى البغل- أورد خسارة على المكاري، قدرها الثمن الذي بذله المكاري لشراء البغل.

هذا أصل توهين استظهار قيمة يوم الغصب، ثمّ أيّده المصنّف بأمرين، كما يأتي

ص: 515

و يؤيّده التعبير (1) عن يوم المخالفة في ذيل الرّواية ب «يوم الاكتراء» (2) فإنّ فيه إشعارا بعدم عناية المتكلّم بيوم المخالفة من حيث إنّه يوم المخالفة (3).

إلّا أن يقال (4): إنّ الوجه في التعبير ب «يوم الاكتراء» مع كون المناط يوم المخالفة (5) هو التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء، لكون

______________________________

و إن ناقش في أوّلهما.

(1) هذا هو المؤيّد الأوّل لإسقاط يوم المخالفة عن الموضوعيّة، يعني: و يؤيّد كون الحكم- في الصحيحة- مبنيّا على الغالب التعبير عن يوم المخالفة ب «يوم الاكتراء» كما تقدّم في الفقرة الثانية. و لو كان الحكم مترتّبا على خصوص يوم المخالفة و الغصب لم يكن وجه للتعبير ب «يوم الاكتراء» حتى لو فرض اتّحاده مع يوم المخالفة. فالتعبير «بيوم الاكتراء» مشعر بعدم اعتناء الامام عليه الصلاة و السلام بقيمة البغل في يوم المخالفة، و أنّ تعبيره عليه السّلام «بيوم المخالفة» في الجملة السابقة يكون لأجل وحدة قيمة البغل في يومي المخالفة و الاكتراء. و عليه فلا سبيل لاستظهار ضمان قيمة البغل في يوم الغصب من الصحيحة.

(2) أي: فإنّ في التعبير ب «يوم الاكتراء» إشعارا بعدم موضوعيّة قيمة البغل يوم الغصب.

(3) بل من حيث كون القيمة في يوم المخالفة مساوية لها في يوم الاكتراء إلى يوم الرّد، و من هنا يصحّ التعبير عن قيمته بقيمة يوم الاكتراء و الردّ و المخالفة.

(4) غرضه الخدشة في التأييد و التحفّظ على كون «يوم المخالفة» ملحوظا على نحو الموضوعيّة، و حاصله: أنّه مع كون العبرة بقيمة يوم المخالفة يكون النكتة في التعبير عنه ب «يوم الاكتراء» هي التنبيه على سهولة إقامة الشهود على قيمته في زمان الاكتراء، لكون البغل في يوم الاكتراء بمحضر المكارين، فيسهل الاطّلاع على قيمته.

بخلاف وقت المخالفة، لعدم حضورهم عند قنطرة الكوفة حتى يتيسّر تقويم البغل بالمراجعة إليهم. و عليه فالعبرة بقيمة المضمون في زمان الغصب، هذا.

(5) كما استظهره المصنّف من قوله عليه الصّلاة و السّلام: «قيمة بغل يوم خالفته».

ص: 516

البغل فيه غالبا (1) بمشهد من الناس و جماعة من المكارين (2). بخلاف زمان المخالفة من حيث (3) إنّه زمان المخالفة.

فتغيير التعبير ليس لعدم العبرة بزمان المخالفة، بل للتنبيه على سهولة معرفة القيمة بالبيّنة. كاليمين (4)- في مقابل قول السائل (5): «و من يعرف ذلك؟» فتأمّل (6).

______________________________

(1) أي: في يوم الاكتراء.

(2) الّذين هم خبراء بثمن البغال و الدّوابّ.

(3) لمّا كان يوم الاكتراء و المخالفة واحدا في مورد الصحيحة، و كانت العبرة بقيمة يوم المخالفة، لزم تقييد «اليوم» عند ترتب حكم على حيثيّة المخالفة. فغرضه قدّس سرّه من قوله: «من حيث إنّه زمان المخالفة» أنّ مناط معرفة قيمة البغل يوم الاكتراء لا زمان المخالفة، فالعبرة في الضمان بيوم الغصب، و طريق معرفة القيمة إخبار المكارين الّذين يسهل حضورهم في زمان الاكتراء، و يصعب في زمان المخالفة.

(4) يعني: كمعرفة القيمة باليمين في السهولة.

(5) يعني: في جواب سؤال أبي ولّاد، حيث قال عليه الصلاة و السلام: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك، أو يأتي صاحب البغل بشهود ..».

(6) لعلّه إشارة إلى: أنّ الخدشة في المؤيّد- المتقدمة بقوله: «إلّا أن يقال»- لا يوجب ارتفاع التوهين في أصل المطلب.

أو إلى: أنّ الخدشة في المؤيّد ممنوعة. و أنّ التعبير ب «يوم الاكتراء» موهن لاستظهار ضمان قيمة يوم المخالفة. و ما ذكر من «سهولة معرفة القيمة بالبيّنة و صعوبتها في يوم المخالفة» غير وجيه، لأنّه- بعد اقتران المخالفة زمانا بالاكتراء- يسهل معرفة قيمة البغل في كلّ من زمان الاكتراء و المخالفة، فلو كانت العبرة بيوم المخالفة تعيّن التعبير به.

ص: 517

و يؤيّده (1)

______________________________

و عليه فالتعبير ب «يوم الاكتراء» كاشف عن عدم موضوعيّة يوم المخالفة، هذا.

(1) هذا مؤيّد ثان لكون الحكم في الرّواية- من ضمان قيمة يوم المخالفة- مبنيّا على الغالب، لا لموضوعيته له. و حاصل وجه التأييد: أنّ قوله عليه السّلام: «أنت و هو، إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك .. إلخ» يدلّ على عدم خصوصيّة في تقويم البغل بيوم المخالفة، إذ لو كانت العبرة بخصوص يوم المخالفة لم يكن وجه لكون قول المالك مقدّما على قول المستأجر، مع كون قوله مخالفا للأصل، لأنّه يدّعي زيادة القيمة بعد الاكتراء، و هذه الدعوى مخالفة لأصالة براءة ذمّة الضامن، أو مخالفة لاستصحاب عدم الزيادة.

و لم يكن أيضا وجه لقبول بيّنته، لأنّ من يقبل قوله فليس عليه البيّنة، بل البيّنة على صاحبه.

و بالجملة: فهذا كلّه مخالف لموازين القضاء، و موهن لظهور الصحيحة في كون العبرة بقيمة يوم الغصب.

و بتعبير آخر: أنّ الامام عليه الصّلاة و السّلام جعل طريق إثبات القيمة الزائدة التي يدّعيها المكاري- حتى تستقرّ على عهدة أبي ولّاد- أمرين، أحدهما:

الحلف، و الآخر: إقامة البيّنة. و جعل عليه السّلام طريق إثبات القيمة التي يدّعيها أبو ولّاد خصوص اليمين المردودة.

و عليه نقول: لو كانت العبرة بقيمة البغل يوم الغصب، أشكل تطبيق جواب الامام عليه الصّلاة و السّلام على موازين باب القضاء. أمّا أوّلا: فلأنّ مالك البغل مدّع لزيادة قيمته يوم الغصب على قيمته يوم الإكتراء بيمينه، و من المعلوم أنّ قوله مخالف لأصالة عدم الزيادة. و لا وجه لتقديم قوله بمجرّد يمينه، لأنّ المتّبع في باب القضاء توجيه الحلف أوّلا إلى المنكر، فإن حلف ثبت قوله، و إن ردّها إلى المالك فحلف ثبت قوله.

ص: 518

أيضا (1) قوله عليه السلام فيما بعد (2) في جواب قول السائل: «و من يعرف ذلك؟» قال: أنت و هو، امّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك. فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه. أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون على أنّ قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا، فيلزمك» الخبر، فإنّ (3) العبرة لو كانت بخصوص يوم

______________________________

مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام قدّم قول المالك بحلفه على القيمة، فقال: «إمّا أن يحلف هو على القيمة ..».

و أمّا ثانيا: فلأنّ المقرّر في باب القضاء «البيّنة على المدّعي و اليمين على المنكر» فالوظيفة الأوّليّة لكلّ منهما تغاير وظيفة الآخر، فعلى المدّعي إقامة البيّنة لإثبات مقصوده، و على المنكر اليمين للتخلّص من دعوى المدّعي. و من المعلوم عدم صدق عنواني «المدّعي و المنكر» على شخص واحد حتى تثبت دعواه بكلّ من اليمين و البيّنة. مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام جمع بين اليمين و البيّنة في حقّ المالك هذا.

و لا مخلص من هذين الإشكالين إلّا بجعل العبرة بقيمة يوم التلف، إذ يمكن توجيه كلّ من تقديم قول المالك، و توجيه اليمين و البينة معا إلى المالك كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: كما تأيّد الحكم- بضمان قيمة يوم التلف- بالمؤيّد الأوّل.

(2) يعني: بعد الفقرة الأولى، و هي قوله عليه الصّلاة و السّلام: «نعم قيمة بغل يوم خالفته».

(3) هذا تعليل لقوله: «و يؤيّده أيضا» و بيان لوجه التأييد، و حاصله- كما عرفت تفصيله- أنّه لو كانت العبرة بضمان قيمة يوم الغصب لزم مخالفة موازين باب القضاء من جهتين. إحداهما: قبول قول المالك المدّعي لزيادة قيمة البغل، و المفروض مخالفة دعواه لأصالة عدم الزيادة.

ثانيتهما: الجمع بين قبول يمينه و قبول بيّنته، مع امتناع كون شخص واحد مدّعيا و منكرا.

ص: 519

المخالفة لم يكن وجه لكون القول قول المالك مع كونه مخالفا للأصل (1).

ثم لا وجه لقبول بيّنته (2)، لأنّ من كان القول قوله، فالبيّنة بيّنة صاحبه.

و حمل (3) الحلف هنا على الحلف المتعارف الذي يرضى به المحلوف له

______________________________

(1) أي: استصحاب عدم زيادة القيمة على قيمة ما قبل يوم المخالفة.

(2) أي: بيّنة المالك، و من المعلوم أنّ قبول بيّنته مخالف لما تقرّر من أنّ من يقبل قوله لا تقبل بيّنته، و إنّما تقبل من صاحبه.

(3) مبتدأ خبره «خلاف الظاهر» و الحامل هو صاحب الجواهر قدّس سرّه و قد بسط الكلام لتثبيته، و لئلّا يلزم طرح الصحيحة من جهة مخالفتها لموازين القضاء، قال قدّس سرّه:

«قلت: لكن قد يقال: يمكن حمله على إرادة بيان أنّ ذلك طريق لمعرفة القيمة مع التراضي بينهما في ذلك، لا أنّ المراد بيان تقديم قوله مع عدم التراضي. و إلّا لم يكن معنى لقوله عليه السّلام: أو يأتي بشهود، ضرورة عدم الحاجة إليهم في إثبات قوله، بناء على أنّ القول قوله .. إلى أن قال: فلا دلالة في الصحيح المزبور على فرض المسألة بما عند الأصحاب من كون المراد شغل ذمّة الغاصب بالزائد و عدمه. بل إن لم يحمل على ما ذكرنا من التراضي بينهما على اليمين لم يكن معنى لقوله عليه السّلام: تعرفها أنت و هو، ضرورة كون المعرفة للمالك حينئذ، بناء على أنّ القول قوله. و ليس المراد من قوله عليه السّلام- فإن ردّ اليمين عليك- اليمين المردودة المصطلحة، إذ تلك إنّما هي على نفي ما يدّعيه المنكر، لا على إثبات ما يدّعيه الغاصب. فلا محيص حينئذ عن حمل الصحيح المزبور على ما ذكرناه، و إلّا نافى قواعد القضاء، فتأمّل جيّدا، و اللّه العالم» «1».

و غرضه قدّس سرّه من هذا الحمل توجيه العمل بهذه الصحيحة بنحو لا ينافي ما تقرّر في باب القضاء من «أن البينة على المدّعي و اليمين على من أنكر» و ادّعى صاحب الجواهر عدم دلالة الصحيحة على كون مورد تقديم قول المالك و قبول بيّنته- معا- هو إنكار الغاصب زيادة قيمة المغصوب، بل مورده التداعي. و أقام

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 224 و 225

ص: 520

..........

______________________________

قرائن داخليّة على مدّعاه، و كان المناسب توضيحها تسهيلا للأمر على إخواننا المشتغلين أيّدهم اللّه تعالى. لكن لخوف الإطالة و الخروج عن حدود التوضيح نقتصر على شرح ما لخّصه المصنّف في المتن، فنقول و به نستعين:

إنّ المراد بالحلف في قوله عليه الصّلاة و السّلام: «إمّا أن يحلف هو ..» ليس الحلف الذي يكون ميزانا لفصل الخصومة حتى يلزم مخالفة قاعدة «اليمين على المنكر و البيّنة على المدّعي» بل المقصود بالحلف هنا هو اليمين المتعارفة عند عامّة الناس بداعي تصديق الطرف الآخر و إذعانه بالمحلوف عليه، كما يشاهد في مقام المعاملة، فيحلف البائع مثلا على أنّ المبيع كلّفه كذا دينارا، أو أنّه صرف عليه كذا مبلغا، فيصدّقه المشتري، و يرضى بالثمن، و لولا اليمين بالأسماء المقدّسة لم تقنع نفس المشتري بما يدّعيه البائع.

و كذا الحال في حلف الموجر على الأجرة التي يجعلها على داره أو دكّانه.

و من هذا القبيل اختلاف أبي ولّاد و المكاري في قيمة البغل، فلو ادّعى المكاري قيمة عليا و حلف عليها رضي أبو ولّاد بها، و احتمل عدم تصديقه إيّاه بدون الحلف.

و على هذا فلا ربط للحلف المذكور في الصحيحة بباب القضاء حتى تنخرم قاعدة «اليمين على من أنكر» إذ لا أثر في الصحيحة من الترافع إلى القاضي في خصوص معرفة قيمة البغل، هذا.

فإن قلت: لو كان المراد من الحلف هو المتداول في مقام المماكسة عند المعاملة لم يكن وجه لتعبير الامام عليه الصّلاة و السّلام: «فان ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمه» لأنّ ظاهر «الرّدّ» هو كون الحلف حقّا للمالك ابتداء، و أنّ الحاكم الشرعيّ يأمر المالك بالحلف، فإن أبى منه وجّهه الحاكم إلى الغاصب، و من المعلوم أنّ «ردّ اليمين» من شؤون القضاء و فصل الخصومة عند الحاكم و الترافع إليه، فلا وجه لحمل «الحلف» على ما يتداول بين عامّة الناس في مقام المعاملة، هذا.

ص: 521

و يصدّقه (1) فيه من دون (2) محاكمة. و التعبير (3) بردّ [بردّه] اليمين على الغاصب من جهة أنّ المالك أعرف بقيمة بغله، فكان الحلف حقّا له ابتداء خلاف (4) الظاهر.

______________________________

قلت: التعبير ب «ردّ اليمين» لا ينافي إرادة الأيمان المتعارفة بين الناس، و ذلك لخصوصيّة في هذه القصّة، و هي أنّ تقديم قول المكاري- بضميمة حلفه على القيمة- ناش من كونه أعرف بقيمة بغلة من غيره، فلذا حكم الامام عليه الصّلاة و السّلام بتوجّه اليمين إليه أوّلا، فإن حلف ثبتت القيمة العليا في ذمّة أبي ولّاد، و إن ردّ اليمين عليه، فحلف على القيمة النازلة لزم على المكاري قبولها.

و الحاصل أنّه: لا مانع من حمل الحلف في الصحيحة على الحلف المتعارف بين الناس، و لا يراد به الحلف المعتبر في فصل الخصومة حتى يشكل استظهار قيمة يوم الغصب من الصحيحة.

(1) الضمير المستتر راجع إلى المحلوف له و هو أبو ولّاد، و الضمير البارز راجع إلى الحالف و هو المكاري. و ضمير «فيه» راجع إلى «المحلوف عليه» المستفاد من العبارة، و المراد به قول المكاري.

(2) متعلّق ب «يرضى» يعني: أنّ الطرف الآخر يرضى بما يحلفه الحالف، و لا حاجة إلى مراجعة المحكمة للحلف فيها.

(3) مبتدأ خبره قوله: «من جهة» و تقدّم توضيح الدخل و جوابه بقولنا:

«إن قلت .. قلت».

(4) خبر قوله: «و حمل» و ردّ له. و حاصل الرّدّ: أنّ شأن الإمام عليه الصّلاة و السّلام بيان الحكم الشرعيّ الكلّيّ، و القانون العامّ لحلّ المنازعة بين المكاري و أبي ولّاد، و ليس عليه السّلام بصدد إرجاعهما إلى ما تعارف بين الناس لحلّ المرافعة، إذ لا عبرة بها لو لم تنطبق على الموازين الشرعيّة. هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه و قد بيّن في التعليقة ما يتعلّق به، فراجع.

فتحصّل: أنّ المؤيّد الثاني لضمان قيمة يوم التلف- دون قيمة يوم المخالفة- سليم عن الخدشة المتقدّمة.

ص: 522

و هذا (1) بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف،

______________________________

(1) هذا مرتبط بقوله: «فإنّ العبرة لو كانت بخصوص يوم المخالفة» و تتمّة للمؤيّد الثاني، و حاصله: أنّ مدلول الصحيحة إن كان ضمان قيمة يوم التلف لم يلزم خرق قواعد باب القضاء أصلا، لإمكان حمل حكمه عليه الصّلاة و السّلام «بتقدّم قول المكاري بيمينه» على صورة من صور نزاعهما في قيمة البغل، و حمل حكمه صلوات اللّه و سلامه عليه بقبول بيّنته على صورة أخرى.

توضيحه: أنّ اختلاف المكاري و أبي ولّاد في قيمة البغل يفرض تارة فيما إذا اتّفقا على قيمته يوم المخالفة بأن كانت خمسين درهما مثلا، و ادّعى أبو ولّاد نقصان ثمنه يوم التلف بأن صارت أربعين درهما، و أنكر المكاري هذا النقص، فيحمل قوله عليه الصّلاة و السّلام: «إمّا أن يحلف هو على القيمة فيلزمك» على هذه الصّورة، و هو مطابق لقاعدة «البيّنة على المدّعي و اليمين على من أنكر» و حيث إنّه لا بيّنة لأبي ولّاد على دعوى نقصان القيمة يتجه قبول قول المكاري بيمينه، لموافقته لاستصحاب بقاء قيمة البغل على حالها.

و أخرى فيما إذا اتّفقا على عدم تغيير قيمته السوقيّة من زمان الغصب إلى زمان التلف، و إنّما اختلفا في قيمته السابقة، فالمكاري يدّعي أنّها خمسون درهما، و الغاصب ينكره و يقول إنّها أربعون درهما. و يحمل قوله عليه الصّلاة و السّلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود ..» على هذه الصّورة، لكون الغاصب منكرا للزيادة، و يطابق قوله للأصل، و المكاري مدّعيا للزيادة، و عليه إقامة البيّنة على أنّ قيمة البغل خمسون درهما، و ليس في هذا مخالفة لقانون القضاء «البيّنة على المدّعي» بل هو مصداق للقاعدة المسلّمة.

و ثالثة فيما إذا اتّفقا على قيمة البغل يوم الغصب و أنّها خمسون درهما مثلا، و ادّعى المالك ارتفاعها إلى ستّين درهما يوم التلف، و أنكر الغاصب هذا الارتفاع، و أنّ القيمة لم تزدد على الخمسين. و هذه الصّورة و إن لم تذكر في الصحيحة، لكن يعلم

ص: 523

فإنّه (1) يمكن أن يحمل توجّه اليمين على المالك على (2) ما إذا اختلفا في تنزّل القيمة يوم التلف، مع اتّفاقهما أو الاطّلاع (3) من الخارج على قيمته سابقا. و لا شكّ حينئذ (4) أنّ القول قول المالك.

و يكون سماع البيّنة (5) في صورة اختلافهما في قيمة البغل سابقا مع

______________________________

حكمها من حكم الصّورة الأولى، فيحلف الغاصب على نفي زيادة القيمة، و إن نكل و ردّ اليمين على المكاري و حلف على ارتفاع القيمة، استقرّ على عهدة الغاصب حينئذ.

فالنتيجة: أنّ الصحيحة إن دلّت على اعتبار قيمة يوم الغصب لزم إمّا مخالفة قواعد القضاء كما عرفته مفصّلا، و إمّا حمله على فرد نادر من موارد النزاع كما سيأتي توضيحه قريبا. و إمّا على التعبّد كما سيأتي أيضا. و إن دلّت على ضمان قيمة يوم التلف كان قبول قول المكاري بيمينه و قبول بيّنته مطابقا لموازين القضاء، بعد حمل مورد الحلف على صورة، و مورد البيّنة على صورة أخرى، هذا.

(1) هذا تقريب مطابقة الصحيحة لموازين باب القضاء بناء على أمرين:

أحدهما: كون العبرة بقيمة يوم التلف.

ثانيهما: التفكيك بين موردي تقدّم قول المالك بيمينه، و بين قبول يمينه، كما عرفت.

(2) متعلّق ب «أن يحمل».

(3) يعني: أنّ اتّفاقهما على القيمة السابقة إمّا لعلمهما بها، و إمّا لاستعلام القيمة من الخبراء و المقوّمين.

(4) أي: حين اتّفاقهما على قيمته سابقا. و الوجه في تقديم قول المالك حينئذ هو إنكاره لما يدّعيه الغاصب من نقصان قيمة المعيب.

(5) هذه صورة ثانية من صور نزاعهما في قيمة البغل. و في هذا الفرض تكون وظيفة المالك إقامة البيّنة، و لا مورد ليمينه و لا ليمين الغاصب، و قد عرفت توضيحه بقولنا: «و اخرى فيما إذا اتفقا على عدم تغيير قيمته السّوقيّة .. إلخ».

ص: 524

اتّفاقهما على بقائه عليها إلى يوم التلف، فيكون (1) الرّواية قد تكفّلت بحكم صورتين من صور تنازعهما. و يبقى بعض الصور، مثل: (2) دعوى المالك زيادة قيمة يوم التلف عن يوم المخالفة (3). و لعلّ حكمها- أعني حلف الغاصب- يعلم من حكم عكسها (4) المذكور في الرّواية.

و أمّا على تقدير كون العبرة في القيمة بيوم المخالفة فلا بدّ (5) من حمل

______________________________

(1) هذا متفرّع على ما تقدّم من حمل مورد قبول حلف المالك على الصّورة الاولى، و حمل مورد قبول بيّنته على الصّورة الثّانية.

(2) هذه هي الصّورة الثّالثة من صور النزاع، و قد تقدّم توضيحها أيضا.

(3) يعني: عن قيمة يوم المخالفة، المتّفق عليها بينهما.

(4) أي: الصّورة الاولى، و هي اختلافهما في تنزّل القيمة- يوم التلف- عن قيمتها السّابقة المتّفق عليها.

هذا كلّه في توجيه الصّحيحة بناء على كون العبرة بقيمة يوم التلف.

(5) غرضه من هذا الكلام إلى الشروع في استفادة ضمان أعلى القيم هو توجيه الصّحيحة بناء على دلالتها على ضمان قيمة يوم المخالفة، بذكر وجهين، و المناقشة فيهما.

توضيح الوجه الأوّل: أنّه يمكن تطبيق الصحيحة على قاعدة «الحلف وظيفة المدّعى عليه، و البيّنة وظيفة المدّعي» بحمل قوله عليه الصّلاة و السّلام: «إما أن يحلف هو فيلزمك» على صورة من صور النزاع، و هي ما إذا اتّفقا على قيمة البغل في اليوم السابق على يوم المخالفة، بأن كانت خمسين درهما، ثم اختلفا في قيمته يوم المخالفة، بأن ادّعى الغاصب نقصانها يوم المخالفة إلى أربعين درهما، و ادّعى المالك بقاءها على الخمسين درهما، إذ يكون المالك حينئذ منكرا، لموافقة قوله لأصالة عدم النقصان، فيتّجه قبول قوله مع يمينه.

و كذا الحال لو اتّفقا على قيمة البغل في اليوم اللاحق ليوم المخالفة، و هي خمسون درهما، و لكن الغاصب يدّعي كونها في يوم المخالفة أربعين، فيتّجه قبول يمينه، لموافقة قوله للاستصحاب القهقرائيّ الدالّ على كون قيمته يوم المخالفة خمسين درهما.

ص: 525

الرّواية على ما إذا اتّفقا على قيمة اليوم السّابق على يوم المخالفة، أو اللاحق له (1)، و ادّعى الغاصب نقصانه عن تلك (2) يوم المخالفة. و لا يخفى بعده (3).

و أبعد منه (4) حمل النّصّ على التّعبّد، و جعل حكم خصوص الدابّة

______________________________

و الحاصل: أنّه بناء على حمل الصحيحة على هذه الصورة من صورة النزاع لا يلزم مخالفة قاعدة القضاء. لكن ردّه المصنّف قدّس سرّه بالبعد، و سيأتي توضيحه كما سيأتي توضيح الوجه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: ليوم المخالفة.

(2) أي: عن تلك القيمة المتّفق عليها، و الظرف منصوب ل «نقصانه» أي: وقع النقصان في يوم المخالفة.

(3) لعلّ وجهه عدم ابتلاء الغاصب بالبغل قبل المخالفة ليتمشّى منه موافقة المكاري على قيمته قبل الاكتراء، فيلزم حينئذ حمل الصحيحة على فرد نادر، لأنّهما لو اتّفقا على قيمة البغل قبل المخالفة بيوم- أو بعدها كذلك- كانت دعوى الغاصب نقصان القيمة في يوم المخالفة بعيدة جدّا، إذ ليست البغال كسائر أموال التّجارة التي تتغيّر أسعارها و أثمانها تغييرا فاحشا في يوم أو يومين.

و حيث كان هذا الحمل بعيدا كان الأولى حملها، على الصّورتين المتقدّمتين المبتنيتين على ضمان يوم التلف.

(4) أي: من حمل الرّواية على ما إذا اتّفقا .. و هذا التّوجيه الثاني يستفاد من فتوى شيخ الطائفة قدّس سرّه في موضعين من النهاية، و لا بأس بنقل كلامه فيهما تسهيلا للأمر على إخواننا أعزّهم اللّه تعالى.

فنقول: قال- في باب بيع الغرر و المجازفة و ما يجوز بيعه و ما لا يجوز- ما لفظه:

«و من غصب غيره متاعا، و باعه من غيره، ثمّ وجده صاحب المتاع عند المشتري كان له انتزاعه من يده. فإن لم يجده حتى هلك في يد المبتاع رجع على الغاصب بقيمته يوم غصبه إيّاه .. فإن اختلف في قيمة المتاع كان القول قول صاحبه مع يمينه باللّه تعالى» «1».

______________________________

(1) النهاية، ص 402

ص: 526

أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتّفق عليها نصّا و فتوى من «كون البيّنة على المدّعي

______________________________

و وجّهه المحقّق بقوله: «إنّما كان القول قول المالك، لأنّ الثابت في الذّمّة هو الشي ء المغصوب، فإذا ادّعى الغاصب أنّ القدر المدفوع هو قيمته، و أنكر المالك، كان القول قوله، لأنّ الغاصب يدّعي خلاص ذمّته ممّا هو ثابت فيها بالقدر المدفوع، و أنّ القدر هو قيمة ما في الذّمّة. و على هذا التخريج لا تكون هذه الصورة خارجة عن الأصل» «1».

هذا كلّه فيما اختاره شيخ الطائفة في بيع المغصوب في كتاب المتاجر.

و قال في باب الإجارة- في من اكترى دابّة على أن يركبها إلى موضع مخصوص، فتجاوزه- ما لفظه: «و متى هلكت الدابّة- و الحال ما وصفناه- كان ضامنا لها، و لزمه قيمتها يوم تعدّى فيها. فان اختلفا في الثمن كان على صاحبها البيّنة، فإن لم تكن له بيّنة كان القول قوله مع يمينه. فإن لم يحلف و ردّ اليمين على المستأجر منه لزمه اليمين، أو يصطلحان على شي ء. و الحكم فيما سوى الدّابّة فيما يقع الخلف فيه بين المستأجر و المستأجر منه، كانت البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» «2».

و هذا الكلام صريح في اختصاص الدّابّة المغصوبة بحكم، و هو الجمع بين مطالبة البيّنة من المالك، ثم قبول قوله مع اليمين. و الوجه فيه- كما صرّح به المحقّق في نكت النهاية «3»- العمل بصحيحة أبي ولّاد. فتكون مخصّصة لقاعدة «البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» و أمّا غير الدّابّة مما يقع الخلاف في ثمنه فمشمول لعموم القاعدة.

و قد ظهر بما نقلناه من كلمات الشيخ و المحقّق قدّس سرّهما اختلاف كلامي الشيخ في بابي البيع و الإجارة، ففي بيع المغصوب حكم بتقديم قول المالك مطلقا، سواء أ كان المغصوب دابّة أم غيرها. و في باب الإجارة خصّ الحكم بالدّابّة المغصوبة

______________________________

(1) النهاية و نكتها، ج 2، ص 179

(2) النهاية، ص 446

(3) النهاية و نكتها، ج 2، ص 280 و 281

ص: 527

و اليمين على من أنكر» كما حكي عن الشيخ في بابي الإجارة و الغصب (1).

______________________________

عملا بصحيحة أبي ولّاد. و لأجل هذا الاختلاف عبّر المصنّف ب «أو» فقال:

«خصوص الدّابّة أو مطلقا».

إذا اتّضح ما ذكرناه- من صحّة نسبة هذا الحمل إلى شيخ الطائفة قدّس سرّه- قلنا في توضيحه: إنّ الأصل المقرّر في باب القضاء من «أنّ البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» حكم شرعيّ كلّيّ كسائر القواعد الشرعيّة العامّة القابلة للتخصيص كقاعدة التجاوز و الفراغ و لا ضرر و لا تعاد و نحوها. و ليست أحكاما كلّيّة آبية عن التخصيص.

و حيث كانت صحيحة أبي ولّاد جامعة لشرائط الحجّيّة تعيّن تخصيص القاعدة المقرّرة في باب القضاء بها، و يقال: إنّ النزاع في ثمن الدّابّة المغصوبة مختصّ بحكم تعبّديّ، و هو تقديم بيّنة المالك و قبول يمينه، و لا يندرج في عموم «البيّنة على المدّعي و اليمين على المدّعى عليه» هذا.

و قد ناقش المصنف قدّس سرّه في هذا الحمل بأنّه أبعد من الحمل السابق. و لعلّ وجه الأبعديّة عدم ذهاب أحد إلى التعبّد و تخصيص قاعدة «البيّنة على المدّعي ..» مع كون تخصيص العامّ جمعا عرفيّا واضحا. و يكفي لإثبات عدم عرفيّة هذا التخصيص إعراض جماعة ممّن نقل فتوى الشيخ عنه، و اعتراضهم عليه كابن إدريس و المحقّق و العلّامة و غيرهم «1» قدّس اللّه أسرارهم.

(1) المراد من الغصب هو بيع المغصوب، لا باب الغصب.

هذا تمام الكلام في ترجيح استظهار ضمان المغصوب بقيمة يوم التلف من صحيحة أبي ولّاد، و عدم وفائها بإثبات ضمان يوم الغصب. و سيأتي الكلام في استظهار ضمان أعلى القيم من الصحيحة.

______________________________

(1) راجع: السرائر، ج 2، ص 465؛ شرائع الإسلام، ج 2، ص 187، المسألة الثانية؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 150؛ مسالك الأفهام، ج 5، ص 221.

ص: 528

[ج: القول الثالث: ضمان أعلى القيم]

و أضعف من ذلك (1) الاستشهاد بالرواية على اعتبار أعلى القيم من حين

______________________________

ج: القول الثالث: ضمان أعلى القيم

(1) المشار إليه هو الاستشهاد بالصحيحة على كون العبرة بقيمة يوم الغصب.

و قد نبّه على ضعفه بقوله: «نعم يمكن أن يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنّه لا يبعد .. إلخ».

و استدلّ على ضمان أعلى القيم من يوم الغصب إلى التلف بوجوه:

أوّلها: صحيحة أبي ولّاد، على ما صرّح به الشهيد الثاني قدّس سرّه و إن لم يذكر تقريب دلالة الصحيحة على ذلك. قال في المسالك في عدّ الأقوال المذكورة في ضمان القيميّ: «و ثانيها: ضمان القيمة يوم التلف .. و هذا القول قويّ. إلّا أنّ في صحيحة أبي ولّاد- فيمن اكترى البغل و تجاوز به محلّ الشرط- ما يدلّ على وجوب أعلى القيم بين الوقتين. و لولاها لما كان عن هذا القول عدول» «1».

و قوّى هذا القول في شرح اللمعة «لمكان هذا الخبر الصحيح».

و لكنّه قدّس سرّه استدلّ بالصحيحة- قبل سطر- على ضمان قيمة يوم الغصب، حيث قال: «و في صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في اكتراء البغل و مخالفة الشرط ما يدلّ على هذا القول» «2».

و كيف كان فيمكن أن يكون نظره- في دلالة الصحيحة على قيمة زمان الغصب- إلى الظهور البدويّ في جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» كما في مفتاح الكرامة «3».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 186؛ الروضة البهية، ج 7، ص 43 و 44؛ و حكاه عنه السيّد العاملي في مفتاح الكرامة ج 6، ص 244.

(2) الروضة البهية، ج 7، ص 42.

(3) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 244.

ص: 529

..........

______________________________

و قد تقدّم بيان المصنّف قدّس سرّه في كيفيّة الدّلالة.

و أمّا دلالة الصحيحة على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى التلف فلم يبيّنها الشهيد الثاني قدّس سرّه و يمكن توجيهما بوجهين.

أحدهما: استفادة الحكم من جملة «نعم قيمة بغل يوم خالفته» بإلغاء المعنى الحدثي، و إرادة المعنى الاسمي على ما سيأتي توضيحه في التعليقة. و لعلّ هذا الوجه ظاهر الجواهر، حيث قال قدّس سرّه: «اللهم إلّا أن يقال: إنّه بناء على تعلّق الظرف بالفعل المستفاد من قوله: نعم، يكون المراد أنّ ابتداء الضمان من ذلك اليوم إلى يوم التلف، فيضمن الأعلى منه حينئذ. بل إن جعل متعلقا بالقيمة يكون المراد منه ذلك أيضا، لعدم معقولية ضمان القيمة مع وجود العين، فيكون الحاصل: أنه تلزمه القيمة مع العطب من يوم المخالفة» «1».

ثانيهما: استفادة الحكم من مجموع الجملتين، و هما: قوله عليه السّلام: «قيمة بغل يوم خالفته» و قوله عليه السّلام: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه». بتقريب: أنّ القيمة المضمونة ليست خصوص قيمة يوم الغصب، بل المستقرّ على ذمّة أبي ولّاد- عند تعيّب البغل- هو إحدى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف، أو إلى ردّه معيبا إلى المكاري. و من المعلوم اقتضاء إطلاق القيمة بين هذين الوقتين ضمان الجامع بين القيم، و أداء هذا الجامع منوط بدفع الأعلى.

فلو كان ثمن البغل يوم المخالفة خمسين درهما مثلا، ثم ارتفع إلى ستّين، و تنزّل إلى أربعين، و كان في يوم تلفه أو يوم ردّه معيبا خمسا و أربعين كان على عهدة الضامن ستّون درهما، لإطلاق قوله عليه السّلام «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب» لاستقرار القيمة العليا بمجرّد ارتفاع القيمة في الفترة بين الغصب و الرّد، أو بين الغصب و التلف. و لا تفرغ الذّمّة بأداء القيمة النازلة، لعدم كونها جامعة بين القيم المختلفة في المدة التي كانت العين تحت يد الغاصب.

______________________________

(1) جواهر الكلام؛ ج 37، ص 104.

ص: 530

الغصب إلى التلف كما حكي عن الشهيد الثاني، إذ (1) لم يعلم لذلك وجه صحيح، و لم أظفر بمن وجّه دلالتها على هذا المطلب (2).

نعم استدلّوا على هذا القول (3) بأنّ العين مضمونة في جميع تلك الأزمنة التي منها زمان ارتفاع قيمته.

و فيه (4) أنّ ضمانها

______________________________

(1) تعليل لقوله: «و أضعف» و التعبير به إنّما هو لعدم الظفر بوجه دلالة الصحيحة على ضمان أعلى القيم، و هذا بخلاف دلالتها على ضمان يوم الغصب، فإنّها ليست ببعيدة، و لذا استظهره جماعة كالفاضل النراقي و غيره، و كذا المصنّف في بادئ الأمر، و إن عدل عنه إلى ترجيح اعتبار قيمة يوم التلف.

(2) قد وجّهه صاحب الجواهر قدّس سرّه كما أشرنا إليه آنفا، لكنه ضعّفه لكونه ضمانا تقديريا لا تحقيقيّا، فراجع.

(3) كذا في مفتاح الكرامة و الجواهر «1» أيضا، و المستدلّ بهذا الوجه جماعة، منهم الفاضل المقداد و ابن فهد الحلّي قدّس سرّهم. و كذا الشهيد الثاني «2»، إلّا أنّه ناقش فيه و اعتمد على صحيحة أبي ولّاد، فراجع المسالك.

و كيف كان فحاصل هذا الوجه الثاني القول بضمان أعلى القيم بين الغصب و التلف هو: أنّ العين مضمونة في جميع أزمنة الغصب و المخالفة، و من تلك الأزمنة زمان ارتفاع قيمتها، و لا تفرغ الذّمّة بدفع قيمة يوم الغصب أو يوم التلف لو كانت أقلّ القيم في هذه المدّة، لفرض اشتغال الذّمّة بالقيمة العليا.

(4) هذا ردّ الوجه المزبور لإثبات ضمان أعلى القيم بين الغصب و التلف، و هو مذكور- مختصرا- في كلام الشهيد الثاني و السيّد العامليّ و صاحب الجواهر «3» قدّس سرّهم،

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 244؛ جواهر الكلام، ج 37، ص 104

(2) لاحظ: التنقيح الرائع، ج 4، ص 70، المهذّب البارع، ج 4، ص 252، مسالك الأفهام، ج 12، ص 187.

(3) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 244، جواهر الكلام، ج 37، ص 104، مسالك الأفهام، ج 12، ص 187.

ص: 531

في تلك الحال (1) إن أريد به وجوب قيمة ذلك الزمان لو تلف فيه فمسلّم، إذ تداركه لا يكون إلّا بذلك، لكن المفروض أنّها (2) لم تتلف فيه.

و إن أريد به استقرار قيمة ذلك الزمان (3) عليه فعلا (4) و إن تنزّلت بعد ذلك، فهو (5) مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.

______________________________

و حاصله: أنّه إن أريد بضمان العين في أزمنة الغصب وجوب قيمة ذلك الزمان على تقدير تلفها فيه، فهو مسلّم، إذ تداركها حينئذ منحصر بذلك. لكنّه خلاف المفروض، لأنّها لم تتلف، و هذا الضمان التقديريّ لم يصر فعليّا.

و إن أريد به أنّ قيمة ذلك الزمان قد استقرّت عليه و ثبتت على عهدته فعلا- و إن لم تتلف العين و تنزّلت قيمته بعد ذلك- فهو مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان ارتفاع القيمة مع ردّ العين.

و إن أريد به استقرار القيمة على الغاصب بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف،- يعني: إن تلفت العين كان ارتفاع القيمة مضمونا، و إن لم تتلف و ردّها على صاحبها لم يضمن تلك القيمة العليا- قلنا: إنّ هذا الاحتمال و إن لم يخالف اتّفاقهم على عدم ضمان ارتفاع القيمة لو ردّ العين، إلّا أنّ الموهن للالتزام به هو مخالفته لأصالة براءة الذّمّة عن القيمة المرتفعة، و المفروض عدم وجود حجّة على اشتغال الذّمّة بتلك القيمة العليا.

و بهذا ظهرت الخدشة في استدلال الجماعة على ضمان أعلى القيم.

(1) أي: في حال ارتفاع القيمة.

(2) أي: أنّ العين لم تتلف في زمان ارتفاع قيمتها حتى تضمن بتلك القيمة المرتفعة، و عليه فضمان هذه القيمة تقديريّ، يعني: لو تلفت العين في ذلك الزمان لكانت مضمونة بتلك القيمة العليا.

(3) أي: الزمان الذي ارتفعت فيها قيمة العين المضمونة.

(4) هذا و «عليه» متعلّقان ب «استقرار» أي: استقرار القيمة العليا على الضامن لمجرّد ارتفاع القيمة في بعض الأزمنة و إن تنزّلت بعده.

(5) جواب قوله: «و إن أريد به».

ص: 532

و إن أريد استقرارها (1) عليه بمجرّد الارتفاع مراعى بالتلف، فهو (2) و إن لم يخالف الاتّفاق، إلّا أنّه (3) مخالف لأصالة البراءة من غير دليل شاغل (4) عدا ما حكاه في الرياض «1» عن خاله العلّامة قدّس اللّه تعالى روحهما من قاعدة نفي الضرر الحاصل (5) على المالك.

و فيه (6) نظر، كما اعترف به بعض من تأخّر.

______________________________

(1) أي: استقرار القيمة المرتفعة على الضامن لمجرّد الارتفاع، لكنّها منوطة بالشرط المتأخّر، و هو التلف في زمان تنزّل القيمة.

(2) أي: فاستقرار القيمة العليا و إن لم يخالف الاتّفاق- إذ معقد الاتّفاق على عدم ضمان ارتفاع القيمة إنّما هو مع ردّ العين، و أمّا مع التلف فلا اتفاق على عدم ضمانه- إلّا أنّ وجوب أعلى القيم مخالف لأصالة البراءة.

إلّا أن يقال- كما عن الوحيد البهبهاني قدّس سرّه- بجريان قاعدة نفي الضرر عن المالك، الحاكمة على أصل البراءة.

(3) أي: أنّ استقرار ارتفاع القيمة مخالف لأصالة البراءة المقتضية لعدم اشتغال الذّمّة بالقيمة العليا.

(4) أي: شاغل لذمّة الضّامن.

(5) صفة للضرر، و وجه تضرّر المالك هو عدم تمكّنه من العين في زمان ارتفاع قيمتها، و من المعلوم أنّ الضرر منفيّ في الشريعة.

(6) أي: و في كون نفي الضرر شاغلا للذّمّة بأعلى القيم نظر، كما اعترف صاحب الجواهر بهذا النظر، حيث قال- في ذيل بيان وجه تردّد المحقّق قدّس سرّه في اعتبار زيادة القيمة و نقصانها بعد التلف- ما لفظه: «و لعلّه لذا قيل: إنّ وجه القول قاعدة الضرر، و ذلك لأنّ عدم تمكينه منها حين ارتفاع القيمة ضرر عليه، و تفويت لتلك المنفعة العليا، و من هنا كان خيرة العلّامة الأكبر الآغا محمد باقر البهبهاني قدّس سرّه فيما

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 304

ص: 533

نعم (1) يمكن توجيه الاستدلال المتقدم من كون العين مضمونة في جميع

______________________________

حكي عنه. إلّا أنّك قد عرفت فيما تقدّم اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان الأعلى مع فواته و إن ردّ العين نفسها، و هو مخالف للإجماع بقسميه، بل قد عرفت عدم الضّمان فيما لو منعه من بيع ماله بقيمة عالية» «1».

و حاصله: أنّ الضامن مكلّف بأداء العين ما دامت موجودة مهما كانت قيمتها، و لم تشتغل ذمّته بالبدل حتى تقتضي قاعدة نفي الضرر الاشتغال بأعلى القيم.

هذا تمام الكلام في الوجه الثاني مما استدلّ به على ضمان أعلى القيم من زمان الغصب إلى زمان التلف، و سيأتي تقريبه بوجه آخر يمكن جعله وجها ثالثا للحكم.

(1) هذا استدراك على مناقشته في الوجه الثاني بقوله: «و فيه أنّ ضمانها في تلك الحال ..» و غرضه تقريب الوجه المزبور ببيان آخر يسلم عن المناقشة، و حاصله:

وحدة مناط الضّمان في الحيلولة و التلف، توضيحه: أنّ العين المضمونة لو تلفت حين ارتفاع قيمتها تضمن قيمتها العليا، لكون زمان التلف وقت اشتغال الذّمّة بالبدل بعد ما كانت مشغولة بالعين.

و الوجه في الضّمان حرمان المالك عن العين و عدم تمكّنه من الانتفاع بماله.

و هذا المناط موجود في صورة بقاء العين في يد الضامن حين ارتفاع قيمتها، فإنّها و إن لم تتلف، لكنّ حيلولة الضامن بين المالك و ملكه، و منعه عن التّصرّف فيه موجبة لضمان القيمة المرتفعة و إن كان تلفها في زمان تنزّل قيمتها.

نعم لا يقتضي هذا الوجه ضمان أعلى القيم لو ردّ الضامن العين إلى المالك في زمان تنزّل القيمة، و ذلك لأنّ ردّ العين يوجب تدارك تلك القيمة العليا، و لو لا هذا التدارك لزم ردّ التفاوت- بين القيمة الفعليّة و أعلى القيم- عند ردّ العين. هذا محصّل التوجيه، و سيأتي في المتن مزيد توضيح له.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 105.

ص: 534

الأزمنة- بأنّ (1) العين إذا ارتفعت قيمتها في زمان و صار ماليّتها مقوّمة بتلك القيمة (2)، فكما أنّه إذا تلفت حينئذ (3) يجب تداركها بتلك القيمة، فكذا إذا حيل بينها (4) و بين المالك حتى تلفت، إذ (5) لا فرق- مع عدم التمكّن منها- بين أن تتلف أو تبقى.

نعم (6) لو ردّت تدارك تلك الماليّة بنفس العين. و ارتفاع (7) القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ لا يضمن بنفسه، لعدم كونه مالا، و إنّما هو مقوّم لماليّة المال، و به تمايز الأموال كثرة و قلّة.

______________________________

(1) متعلّق ب «توجيه» و بيان له.

(2) أي: القيمة المرتفعة.

(3) أي: حين صيرورة ماليّة العين مقوّمة بتلك القيمة العليا.

(4) أي: بين العين و بين المالك.

(5) تعليل لوجوب تدارك العين بالقيمة العليا.

(6) استدراك على ضمان القيمة العليا، يعني: أنّ مناط ضمان أعلى القيم و إن كان موجودا في صورة بقاء العين عند الغاصب، إلّا أنّ ردّ العين- في زمان تنزّل القيمة- جابر لتلك القيمة العليا.

(7) هذا دفع دخل، حاصله: أنّ القيمة المرتفعة لو كانت مضمونة لم يختلف الحال بين بقاء العين- و ردّها بعد ذلك- و بين تلفها، فكيف حكم الماتن بتدارك القيمة العليا بردّ العين و عدم ضمانها؟

و حاصل الدّفع: أنّ ارتفاع القيمة السوقيّة أمر اعتباريّ غير مضمون، و إنّما المضمون هو العين المتموّلة التي استولى عليها الضامن. و هذا الأمر الاعتباريّ ليس بمال حقيقة، بل يكون مقوّما لماليّة العين، و لهذا حكموا بفراغ ذمّة الضامن بردّ نفس العين ما لم تسقط عن الماليّة، كما تقدّم في التنبيه السادس في مثال الماء على الشاطئ

ص: 535

و الحاصل (1): أنّ للعين في كلّ زمان من أزمنة تفاوت قيمته مرتبة من الماليّة أزيلت يد المالك منها، و انقطعت سلطنته عنها، فإن ردّت العين فلا مال سواها يضمن (2). و إن تلفت استقرّت عليها تلك المراتب، لدخول الأدنى تحت الأعلى (3). نظير ما لو فرض للعين منافع متفاوتة متضادّة، حيث إنّه يضمن الأعلى منها (4).

______________________________

و الثلج في الشتاء.

ففي المقام يفصّل بين تلف العين و بقائها، فإن تلفت في زمان ارتفاع قيمتها ضمن قيمتها حين التلف. و إن بقيت و نقص قيمتها و ردّها إلى المالك لم يضمن ارتفاع قيمتها، و إن كان مناط الضمان- و هو حرمان المالك عن ماله في زمان أعلى القيم- موجودا في حالتي البقاء و التلف.

(1) يعني: و حاصل توجيه الاستدلال على ضمان أعلى القيم هو: أنّ للعين .. إلخ.

(2) لما تقدّم من أنّ ارتفاع القيمة و رغبة العقلاء و إن كان مقوّما لماليّة المال، إلّا أنّ المضمون هو المال، لا الماليّة، فلا يضمن أعلى القيم لو ردّ العين إلى مالكها.

(3) فلا يلزم الجمع بين القيمة العليا و المتوسطة و النازلة، بل يكفي دفع القيمة الجامعة بين تمام القيم، و هي أعلى القيم خاصّة.

(4) و لا يضمن جميع تلك المنافع الفائتة، قال في الجواهر: «إنّما الكلام فيما لو تعدّدت منافعه كالعبد الخيّاط الحائك، ففي القواعد في موضع منها: و المنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد و التفويت. و لو تعدّدت المنافع كالعبد الخيّاط الحائك لزمه أجرة أعلاها، و لا تجب اجرة الكلّ ..» «1» و المسألة لا تخلو من بحث، فراجع الجواهر.

و إلى هنا تمّ توجيه المصنّف قدّس سرّه للاستدلال، و سيأتي الاستشهاد عليه بكلام العلّامة قدّس سرّه.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 167

ص: 536

و لأجل ذلك (1) استدلّ العلّامة في التحرير للقول باعتبار يوم الغصب بقوله: «لأنّه زمان إزالة يد المالك» (2).

و نقول في توضيحه: إنّ كلّ زمان من أزمنة الغصب قد أزيلت فيه يد المالك من العين على حسب ماليّته (3)، ففي زمان أزيلت من مقدار درهم، و في آخر عن درهمين، و في ثالث عن ثلاثة، فإذا استمرّت الإزالة إلى زمان التلف وجبت غرامة أكثرها، فتأمّل (4).

______________________________

(1) أي: لأجل كون الحيلولة سببا للضمان استدلّ .. إلخ، لأنّ إزالة يد المالك حيلولة حقيقة بين المال و مالكه، و مانعة عن سلطنة المالك على ماله.

و الظاهر أنّ نظر المصنّف في قوله: «و لأجل ذلك» إلى جعل إزالة يد المالك و قطع سلطنته عن ماله موجبة للضمان، و لذا جعل العلّامة انقطاع السلطنة سببا له، لأنّ يوم الغصب زمان انقطاع السلطنة. فنظر المصنّف قدّس سرّه منحصر في أصل الضمان من ناحية إزالة يد المالك عن ماله، لا في كيفيّته، و إلّا كان عليه الالتزام بأعلى القيم كما قرّبه في المتن.

و بعبارة أخرى: تعليل العلّامة ناظر إلى ضمان يوم الغصب، مع أنّ المصنّف في مقام الاستدلال على ضمان أعلى القيم، فالاستشهاد بعبارة التحرير لإثبات ضمان أعلى القيم منوط بتقريب آخر، و هو ما أفاده المصنّف بقوله: «إن كل زمان من أزمنة الغصب ..».

(2) قال في التحرير: «فالأكثر على ضمان القيمة يوم الغصب، لأنّه الوقت الذي أزال يده عنه» «1».

(3) أي: ماليّة العين في كل زمان من أزمنة الغصب، فالأولى تأنيث الضمير.

(4) الظاهر أنّه إشارة إلى ما ذكرناه من عدم ابتناء قول العلّامة- بضمان قيمة يوم الغصب- على ما أفاده المصنّف، بل على خصوص كون سلب سلطنة المالك موجبا للضمان.

أو إشارة إلى: عدم كون الحيلولة عن القيمة كالحيلولة عن العين، بكون حيلولة

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 2، ص 139

ص: 537

و استدلّ في السرائر و غيرها على هذا القول (1) بأصالة الاشتغال، لاشتغال ذمّته بحقّ المالك، و لا يحصل البراءة إلّا بالأعلى.

و قد يجاب (2) بأنّ الأصل في المقام البراءة، حيث إنّ الشكّ في التكليف بالزائد.

______________________________

العين موجبة لضمان القيمة العليا، بخلاف الحيلولة عن القيمة مع بقاء العين، فإنّها لا توجب ضمان ارتفاع القيمة.

(1) أي: على القول بضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف، و هذا إشارة إلى وجه ثالث يظهر من كلام ابن إدريس، قال قدّس سرّه: «فإن لم يردها- أي العين المغصوبة- حتى هلكت العين لزمه ضمان قيمتها بأكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف، لأنّه إذا أدّى ذلك برئت ذمّته بيقين، و ليس كذلك إذا لم يؤدّه» «1».

و علّله في باب البيع «ببقاء المال على ملك صاحبه، ما انتقل عنه» «2». و ظاهره وجود الدليل على ضمان أكثر القيم، فراجع.

و كيف كان فتقريب اقتضاء قاعدة الاشتغال الضمان بالقيمة العليا هو: أنّ ذمّة الضامن اشتغلت بماليّة المغصوب في جميع المدّة من القبض إلى التلف، و منها زمان ارتفاع القيمة، و يشكّ في فراغ الذّمّة بدفع القيمة النازلة أو المتوسّطة، و قد تقرّر اقتضاء الاشتغال اليقينيّ للفراغ كذلك.

(2) الظاهر أنّ المجيب هو صاحب الجواهر قال قدّس سرّه: «و دعوى أنّه- أي الوجه- قاعدة الاشتغال .. يدفعها ما تحقّق في الأصول من أنّ مثله يجري فيه أصل البراءة، ضرورة رجوعه إلى الشّكّ في التكليف بين الأقلّ و الأكثر» «3».

و محصّله: أنّ الشكّ في ضمان القيمة السفلى أو العليا يكون من موارد الشكّ في الأقلّ و الأكثر الاستقلاليّين، و هو مجرى أصالة البراءة لا الاشتغال.

______________________________

(1) السرائر الحاوي، ج 2، ص 481

(2) المصدر، ص 326

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 106

ص: 538

نعم (1) لا بأس بالتّمسّك باستصحاب الضّمان المستفاد من حديث اليد [1].

______________________________

(1) استدراك على عدم صغرويّة المقام لقاعدة الاشتغال، و غرضه قدّس سرّه إثبات وجوب أعلى القيم بوجه رابع و هو الاستصحاب، بتقريب: أنّ حديث «على اليد» يدلّ على الضمان بمجرّد الاستيلاء على مال الغير إلى زمان أدائه أو أداء بدله، فالحالات الطارئة على العين مضمونة، و منها ارتفاع قيمتها، فلو تلفت العين حين نقص قيمتها، و دفع تلك القيمة النازلة إلى المالك يشكّ في فراغ ذمّته عمّا اشتغلت به قطعا، و من المعلوم أنّ مقتضى الاستصحاب وجوب دفع أعلى القيم. هذا.

و لا يخفى أنّه لو جرى الاستصحاب كان حاكما على كلّ من أصالة الاشتغال المثبتة لأعلى القيم، و أصالة البراءة النافية له. و ظاهر سكوت المصنّف قدّس سرّه ارتضاؤه له، إلّا أن يستفاد مبناه ممّا تقدّم من تسالمهم على عدم ضمان ارتفاع القيمة لو كان التلف حين نقصها.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد استدلّ على اعتبار أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف بوجوه:

الأوّل: ما أفاده الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، و تقدّم كلامه في التوضيح.

و قيل في توجيه الاستدلال على ذلك: بأنّ المغصوب مضمون على الغاصب في جميع أزمنة الغصب التي منها زمان ارتفاع القيمة، إذ يصدق على ذلك زمان المخالفة أيضا، ضرورة أنّ المراد من يوم المخالفة في الصحيحة إنّما هو طبيعي يوم المخالفة الذي يصدق على كلّ يوم من أيّام الغصب، لا اليوم الخاصّ.

و عليه فإن ردّ الغاصب نفس المغصوب فهو، و إلّا فإن ردّ أعلى القيم فقد ردّ قيمة يوم المخالفة بقول مطلق، لدخول القيمة السفلى في القيمة العليا، ضرورة أنّه لا يجب على الغاصب قيم متعدّدة بتعدّد أيّام المخالفة. كما أنّه لو ردّ القيمة النازلة لما ردّ قيمة يوم المخالفة بقول مطلق، بل أدّى قيمة بعض أيّام المخالفة.

ص: 539

______________________________

و بالجملة: مبنى هذا التوجيه إرادة معنى اسم المصدر من المخالفة، بحيث ينسلخ عن المعنى المصدري أي إحداث المخالفة، و إرادة الجنس أو الاستغراق من «اليوم» فيعمّ جميع أيّام المخالفة التي منها يوم أعلى القيم. لأنّ علّة الضمان- و هي الغصب- ما دامت موجودة لاقتضت الضمان، فلا اختصاص لآن حدوث الغصب. فتدلّ على لزوم قيمة كلّ يوم تكون المخالفة فيه موجودة حتى يوم أعلى القيم، و لازمه ضمان أعلى القيم الجامع لقيم تمام أيّام المخالفة، هذا.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر من المخالفة حدوثا، و هو منحصر بوقت واحد. و الظاهر أنّه اشتبه الضمان التعليقيّ بالتنجيزيّ، فإنّ القيمة العليا مضمونة مع التلف. و أمّا بدونه فلا، فلو تنزّلت قيمته لأجل السوق- لا لزوال صفة دخيلة في الماليّة- لم يضمن الغاصب تلك القيمة المرتفعة.

و بالجملة: ضمان أعلى القيم فعلا منوط بالتلف في يوم أعلى القيم، و الضمان المعلّق على التلف لا يثبت فعليّة الضمان في غير حال التلف.

و عليه فالاستدلال بالصحيحة على الضمان الفعلي لأعلى القيم غير وجيه، لأنّ ضمان قيمة العين في أزمنة الغصب و إن كان ثابتا، لكنّه تعليقيّ، لكونه معلّقا على التلف.

و مع بقاء العين و ردّها إلى المالك لا ضمان لأعلى القيم إجماعا.

الثاني: ما حكاه السيّد صاحب الرياض عن خاله الوحيد البهبهانيّ قدّس سرّهما: من قاعدة الضرر الوارد على المالك «1». و لكن تنظّر فيه الجواهر بما مرّ في التوضيح «2».

و يرد على الجواهر: أنّ الإجماع على عدم جريان قاعدة الضرر في صورة ردّ نفس العين لا يقتضي سقوط القاعدة في غيره من الموارد التي لا إجماع على خلافها، فلا مانع من إجراء القاعدة في صورة تلف العين.

فالعمدة في عدم جريان قاعدة الضرر في مورد تلف العين هي: أنّ القاعدة تنفي

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 304

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 105

ص: 540

______________________________

الحكم الضرريّ، و لا تثبت حكما يلزم من عدم ثبوته الضرر كالمقام، فإنّ قاعدة الضرر لا تثبت الضمان الذي يلزم من عدم جعله الضرر على المالك.

الثالث: أنّ الغاصب باستيلائه على مال الغير اشتغلت ذمّته به، فلو أدّى المغصوب بعينه أو قيمتها العليا مع تلفها برئت ذمّته قطعا. و أمّا لو أدّى قيمتها المتوسّطة أو السّفلى، فلا يعلم بصدق التأدية و بفراغ ذمّته، فيستصحب اشتغال ذمّته إلى أن يؤدّي القيمة العليا.

و فيه: أنّ المورد من صغريات الأقلّ و الأكثر الاستقلاليّين، فيؤخذ بالأقلّ، لأنّه المتيقّن، و تجري البراءة في الزائد عليه، فالشكّ إنّما هو في حدوث الاشتغال بالأكثر، لا في البقاء حتى يجري فيه الاستصحاب.

و لو سلّم، فإن جرى الاستصحاب في ضمان نفس العين في الذّمّة فلازمه دفع الغاصب قيمة يوم الرّدّ، لا أعلى القيم. و إن جرى في ضمان القيمة فيرد عليه: أنّ المتيقّن هو اشتغال ذمّته بالقيمة النازلة، و أمّا الزائد عليها فهو مشكوك فيه، فتجري فيه البراءة. فما هو المتيقّن قد ارتفع قطعا، و غيره لم يتعلّق به اليقين من الأوّل.

و الحاصل: أنّ الاستصحاب إمّا لا يجري أصلا، و إمّا يجري و لكن الثابت به هو قيمة يوم الرّدّ، لا أعلى القيم.

الرابع: ما أفاده المحقّق الايرواني قدّس سرّه من قوله: «فالأحسن في الاستدلال على ضمان أعلى القيم أنّه يصدق عنه صعود القيمة أنّ الغاصب معتد يوم صعود القيمة بماليّة صاعدة، و مقتضى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ جواز أخذ تلك الماليّة منه بعد التلف مجازاة لاعتدائه» «1».

و فيه: ما تقدّم سابقا من عدم دلالة الآية على الضمان، فضلا عن الضمان بأعلى القيم.

الخامس: ما أفاده المصنّف من استصحاب الضمان.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 102

ص: 541

______________________________

و فيه: أنّه إن أريد به ضمان نفس العين حتى بعد تلفها بأن تكون العين على العهدة إلى يوم الأداء، ففيه: أنّ مقتضاه اعتبار قيمة يوم الأداء، سواء أ كانت أعلى القيم أم غيره. و إن أريد به ضمان القيمة فالثابت منها هو الأقلّ، لكون الزائد منفيّا بالبراءة.

نعم إذا شكّ في أنّ الثابت على العهدة عند تلف العين هو المثل أو القيمة- و حيث إنّهما متباينان- فاللازم دفع القيمة العليا، لتوقّف العلم بالفراغ عليه.

و الحاصل: أنّ العلم بأداء ما في الذّمّة منوط بإعطاء القيمة العليا، سواء أ كان ما في الذّمّة نفس العين أم القيمة أم المثل، فإنّ استصحاب ما في الذّمّة جار إلى دفع أعلى القيم إلى زمان الأداء، هذا.

تكملة: لا يخفى أنّ ما ذكر من ضمان ارتفاع القيمة إنّما هو بحسب الأزمنة. و أمّا بحسب الأمكنة، فعلى القول باعتبار يوم التلف- كما ربّما يستفاد من صحيحة أبي ولّاد و سائر أدلّة الضمان- لا ينبغي الإشكال في ضمان مكان التلف أيضا، لأنّ ظاهر أدلّة ضمان القيمة في القيميّات التالفة هو القيمة الفعليّة، و هي قيمة حال التلف في مكان التلف، لدخل المكان في القيمة. و أمّا قيم سائر الأمكنة فهي تقديريّة، كتقديريّة سائر الأزمنة، إذ يقال: لو كان هذا الشي ء في مكان كذا كانت قيمته كذا. و هذا خلاف ظاهر أدلّة الضمان.

و على القول باعتبار زمان الغصب- كما استظهره الشيخ و غيره من صحيحة أبي ولّاد- فيشكل الالتزام بقيمة مكان التلف، لأنّ اعتبار قيمة يوم الغصب في مكان يقع فيه التلف بعد ذلك ممّا لا يستظهر من الأدلة، فإنّه تقييد في الأدلّة من غير دلالة فيها عليه، بل تعيين قيمة يوم الغصب يدفع اعتبار قيمة مكان التلف.

لا يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الضمان بيوم التلف كما هو قضية إطلاق أدلّة الضمان، و بين صحيحة أبي ولّاد الدالة على اعتبار يوم الغصب هو ضمان قيمة يوم الغصب في مكان التلف.

ص: 542

______________________________

فإنّه يقال: مضافا إلى عدم دلالة صحيحة أبي ولّاد على ضمان قيمة يوم الغصب كما تقدم إنّه ليس جمعا عرفيا، لأنّ الصحيحة على فرض دلالتها على ضمان يوم الغصب ظاهرة في ضمان ذلك المكان أيضا، لا المكان الآخر، فإنّ اعتبار المكان الآخر قيد زائد ينفيه إطلاق أدلّة الضمانات.

و بالجملة: فالمضمون هو القيمة الفعليّة حال التلف المنوطة بلحاظ مكان التلف.

و أمّا بناء على اعتبار قيمة يوم الغصب فالمدار على قيمته في مكان الغصب كزمانه، لأنّ حدوث ضمان القيمة كان بزمان الغصب المستلزم لدخل خصوصيّة مكان الغصب فيه، لدخل ذلك المكان في القيمة المقدّرة بيوم الغصب.

و ينبغي التعرّض للفوائد التي تظهر من صحيحة أبي ولّاد.

الأولى: أنّ الافتراء على اللّه سبحانه و تعالى يوجب الحرمان من فضله، و استحقاق عذابه و غضبه، لقوله عليه السّلام- بعد ما قصّ عليه أبو ولّاد الواقعة-: «في مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض بركتها» بل المستفاد منه حرمان الآخرين أيضا، و إحاطة البلاء بهم، و عدم اختصاص العقوبة الدنيويّة بالمفتري عليه جلّ و عزّ، لأنّ حبس قطر السماء و بركة الأرض ضيق على الجميع، حتى الصبيان و الحيوانات، فيلزم احتراق الكلّ بنار أشعلها المفتري، نعوذ باللّه من شرور أنفسنا.

الثانية: ضمان المنافع المستوفاة بأجرة المثل، حيث إنّ أبا ولّاد استوفى منفعة البغل، فركبه إلى النيل ثمّ إلى بغداد، ثمّ منه إلى الكوفة. لقوله عليه السّلام: «أرى له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل .. توفيه إياه».

و المستفاد منه أمور:

الأوّل: ضمان كراءات ثلاثة، لاختلاف المسافات بين كلّ بلدين، و لا يكفي دفع أجرة واحدة للسير من كوفة إلى بغداد ثم العود إلى كوفة. و ذلك لعدم السّير من الطريق المتعارف، و عدم كون «النيل» في الجادّة المستقيمة بين كوفة و بغداد. و لا ريب حينئذ

ص: 543

______________________________

في اختلاف أجور المثل، فتكون كلّها مضمونة.

الثاني: أنّ الغاصب يضمن اجرة مثل المنفعة المستوفاة، فلا تفرغ الذّمّة بدفع أقلّ منها، و لا يجوز للمغصوب منه مطالبة زيادة عليها. نعم يستحقّ المالك الأجرة المسمّاة أيضا. و لا ينافيه عدم استيفاء المنفعة الخاصة التي وقع العقد عليها بين المكاري و أبي ولّاد.

و الوجه في عدم المنافاة: أنّ المكاري سلّمه البغل ليسير عليها إلى قصر بني هبيرة، فخالفه أبو ولّاد بإرادته و اختياره بعد أن أخبر بخروج الغريم إلى النيل.

الثالث: نفي قاعدة «الخراج بالضمان» التي استند إليها قاضي الكوفة، فإنّ الإمام عليه السّلام ضمّن أبا ولّاد اجرة المنافع مع كونه ضامنا لنفس العين، كما ورد في فقرتين من الصحيحة. و عليه فقاعدة «الخراج بالضمان» إمّا ساقطة من أصلها، و إمّا مخصوصة بالعقد الصحيح كما تقدّم شطر من الكلام حولها في الأمر الثالث، فراجع (ص 236 الى 250).

الرابع: عدم ضمان المنافع الفائتة، لأنّ الصحيحة تكون في مقام بيان تمام الوظيفة، فسكوتها عن المنافع غير المستوفاة دليل على عدم ضمانها. و هذا ربّما يعارض القول بضمانها كما مرّ تفصيله في الأمر الثالث.

و يمكن الجواب عنه بعدم كون الصحيحة في مقام بيان جميع ما يضمنه أبو ولّاد، لأنّ السؤال كان عن خصوص المنافع المستوفاة، فتدبّر.

أو يقال: بالاعراض عن هذا السكوت، فلا معارض للقول بالضمان.

الثالثة: عدم احترام مال يصرفه الغاصب في حفظ العين المغصوبة، حيث إنّه عليه السّلام أجاب السائل- عن الدراهم التي صرفها في تعليف البغل- بقوله: «لا لأنك غاصب».

و يستفاد منه أيضا أنّ مخالفة مقتضى عقد الإجارة توجب تبدل اليد الأمانيّة بالعادية الضمانيّة، و إلّا فالعين المستأجرة أمانة بيد المستأجر لا يضمنها لو تلفت بنفسها.

ص: 544

______________________________

الرابعة: ضمان القيميّ بالقيمة، لقوله عليه السّلام: «قيمة بغل يوم خالفته» بناء على إرادة البغل المغصوب، لا قيمة بغل مثله، و إلّا دلّت على ضمان المغصوب بالمثل و إن كان قيميّا. و قد تقدّم تفصيله في الأمر السابع.

كما يستفاد من هذه الفقرة ضمان قيمة يوم القبض بناء على استظهار المصنّف قدّس سرّه أوّلا، أو قيمة يوم التلف كما قال به آخرون.

الخامسة: صحّة ضمان الأعيان الخارجيّة، لأنّ ضمان قيمة يوم الغصب يكشف عن صيرورة العين مضمونة في يوم الغصب. لكن الضمان في صورة وجود العين تعليقيّ، و في صورة تلفها تنجيزيّ، ضرورة أنّ العين ما دامت موجودة وجب ردّها لا قيمتها، فضمان قيمتها معلّق على تلفها، فتبدّل اليد الأمانيّة بالعدوانيّة يوجب ضمانا تعليقيّا لم يكن قبل التبدّل المزبور، إذ مع فرض أمانيّة اليد لا ضمان أصلا لا فعليّا و لا تعليقيّا كما لا يخفى، السادسة: ضمان التفاوت بين الصّحّة و العيب.

و بعبارة أخرى: ضمان وصف الصّحّة في العين المغصوبة. و ذلك لقوله عليه السّلام- في جواب سؤال أبي ولّاد عن إصابة كسر و شبهه بالبغل-: «عليك قيمة ما بين الصّحّة و العيب يوم تردّه عليه». و ظاهره اعتبار الأرش بقيمة يوم الرّدّ، لا يوم حدوثه.

السابعة: أنّه يستفاد من قوله عليه السّلام: «أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكتري كذا و كذا، فيلزمك» اعتبار الاستصحاب، حيث إنّ قيمة يوم الاكتراء تستصحب إلى زمان الغصب، فإنّ إطلاق اعتبار قيمة يوم الاكتراء يقتضي اعتبارها و لو مع تخلّل زمان بين زماني الاكتراء و الغصب يمكن تغيّر القيمة فيه، فإنّ قول المالك بعدم تنزّل القيمة من يوم الاكتراء إلى يوم الغصب يكون موافقا للأصل أعني به الاستصحاب.

ص: 545

______________________________

و منه يظهر تقدّم قول المالك أيضا في صورة اتّفاقهما على قيمة معيّنة في يوم الاكتراء، و اختلافهما في التنزّل و عدمه، حيث إنّ قول المالك بعدم التنزّل موافق للأصل.

و الحاصل: أنّ الجملة المزبورة تدلّ و لو بالالتزام على اعتبار الاستصحاب في قيمة يوم الاكتراء.

الثامنة: أنّ الجملة المزبورة تدلّ على حجّيّة الاستصحاب في مؤديات الطرق و الأمارات، و أنّ مؤدّى الأمارات كالمعلوم في جريان الاستصحاب فيها إذا شكّ في بقائها، فإنّ هذه الجملة تصلح لإثبات أعمّيّة اليقين المعتبر في الاستصحاب من الوجدانيّ و التعبّديّ، فلا حاجة إلى إثبات أعمّيّة اليقين إلى التّشبّث بأدلّة حجّيّة الأمارات، و دعوى: أنّها تنزّل غير العلم منزلة العلم، كما هو ظاهر.

التاسعة: إن المناط في الخروج عن العهدة بإحلال صاحب الحق هو كون الداعي إلى الإحلال أمرا واقعيّا، لا الأعمّ منه و من الاعتقاديّ و إن خالف الواقع. و هذه الفائدة يكثر نفعها في الفقه جدّا.

و تستفاد هذه من جوابه عليه السّلام لكلام أبي ولّاد: «إني أعطيته دراهم و رضي بها و حلّلني» حيث قال عليه السّلام: «إنّما رضي فأحلّك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع إليه و أخبره بما أفتيتك به ..».

العاشرة: إنّ الإبراء إيقاع، فلا يتوقّف على القبول، لقوله عليه السّلام: «فإن جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك».

هذا ما استفدناه من الصحيحة، و قد أشار الشيخ الأعظم قدّس سرّه إلى تضمّنها لها بقوله:

«مشملة على أحكام كثيرة و فوائد خطيرة» و لعلّه أراد منها ما ذكرناه من الفوائد، أو أراد ما هو أزيد منها، ممّا ربّما تظهر بالتأمل فيها. وفّقنا اللّه تعالى للاستنارة بكلمات أوليائه الأئمّة المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.

ص: 546

[د: ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بقيمة يوم البيع]

ثمّ إنّه (1) حكي عن المفيد و القاضي و الحلبي: الاعتبار بيوم البيع في

______________________________

د: ضمان المقبوض بالبيع الفاسد بقيمة يوم البيع

(1) هذا إشارة إلى قول رابع في ضمان المقبوض بالبيع الفاسد، ذهب إليه الشيخ المفيد و القاضي ابن البرّاج و أبو الصلاح الحلبي قدّس سرّهم على ما نقله عنهم العلّامة في المختلف في بيع الغرر و المجازفة «1».

و هذا القول يختصّ به حكم المبيع فاسدا، و لا يشمله حكم المغصوب، فلا يضمن المبيع بيوم قبضه و لا بيوم تلفه و لا بأعلى القيم بينهما، بل يضمن بقيمة يوم البيع سواء قبضه المشتري فيه أم لا. كما أنّ ظاهر هذا القول التفصيل في فساد البيع بين أن يستند إلى جهالة الثمن و عدم تعيينه في العقد، فيضمن المبيع بقيمة يوم البيع، و بين غيرها من اختلال شرط الصّحّة، فيضمن بقيمة القبض و الأخذ.

و كيف كان فهذه الفتوى تظهر من النهاية أيضا، حيث قال: «و من اشترى شيئا بحكم نفسه، و لم يذكر الثمن بعينه كان البيع باطلا، فإن هلك الشي ء في يد المبتاع كان عليه قيمته يوم ابتاعه .. إلخ» «2». و الشاهد في هذه الجملة الأخيرة، حيث أوجب على المشتري قيمة يوم البيع، لا قيمة يوم القبض.

و لعلّ نظرهم في هذا الحكم إلى صحيحة رفاعة الخنّاس، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك، ثمّ بعثت إليه بألف درهم، فقلت: هذه ألف درهم حكمي عليك أن تقبلها، فأبى أن يقبلها منّي. و قد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالثمن، فقال: أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر ممّا بعثت إليه كان عليك أن تردّ عليه [إليه] ما نقص من القيمة. و إن كان ثمنها أقلّ ممّا بعثت إليه فهو له. قلت: جعلت فداك: إن وجدت بها عيبا بعد ما مسستها؟ قال: ليس لك أن تردّها، و لك أن تأخذ قيمة ما بين الصّحّة

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 243 و 244؛ المقنعة، ص 593؛ الكافي لأبي الصلاح، ص 353، و لم أظفر بالمطلب في جواهر الفقه لابن البرّاج.

(2) النهاية و نكتها، ج 2، ص 145 و 146

ص: 547

ما كان فساده من جهة التفويض (1) إلى حكم المشتري.

و لم يعلم له (2) وجه. و لعلّهم (3) يريدون به يوم القبض، لغلبة اتّحاد زمان

______________________________

و العيب منه» «1».

و الشّاهد في قوله عليه السّلام: «أرى أن تقوّم الجارية قيمة عادلة» و ذلك بناء على تماميّة أمور ثلاثة:

الأوّل: فساد البيع الذي فوّض فيه تعيين الثمن إلى المشتري- كما هو مورد الرواية- على ما هو المشهور، بل قيل بعدم خلاف فيه إلّا من صاحب الحدائق.

فلو قيل بصحّته خرجت المسألة عن المقبوض بالبيع الفاسد.

الثاني: صيرورة الجارية بعد المسّ أم ولد، حتى تصير بمنزلة التالف، و يتّجه حينئذ ضمان قيمتها، لامتناع ردّها إلى بائعها شرعا.

الثالث: أن يكون المراد من قوله عليه السّلام: «قيمة عادلة» قيمة يوم البيع.

فإن تمّت هذه الأمور الثلاثة كانت الصحيحة دليلا تعبّديّا على لزوم قيمة يوم البيع فيما كان منشأ فساده تفويض الثمن إلى تعيين المشتري بعد العقد، و يختصّ بمورده.

و إن لم تتم- كما هو الظاهر- كان المقبوض بالبيع الفاسد محكوما بحكم الغصب.

(1) يعني: إيكال تعيين الثمن إلى المشتري، بأن يقول البائع له: «بعتك هذا بما حكمت به من الثمن» أو: «بعتك هذا بأيّ ثمن شئت». و هو باطل عندهم، لفقد الشرط و هو معلوميّة العوضين.

(2) أي: و لم يعلم لاعتبار قيمة يوم البيع وجه. بل المناط في ضمان المبيع فاسدا بيوم القبض، و صحيحة رفاعة غير ظاهرة في اعتبار قيمة يوم البيع من حيث إنّه يوم البيع، لظهورها في تحقّق القبض في يوم العقد، فلو اعتبر تقويم الجارية بقيمة يوم البيع احتمل أن يكون لاتّحاده مع يوم القبض، فيتحد مفادها مع قول المشهور من ضمان يوم القبض.

(3) غرضه توجيه كلامهم حتى لا يخرج عن حيّز الأقوال المذكورة في ضمان

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 271، الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث: 1

ص: 548

البيع و القبض، فافهم (1).

[حكم زيادة ثمن القيميّ بعد التلف]

ثمّ إنّه (2) لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف

______________________________

المغصوب، إذ بناء على ظاهر كلمات هؤلاء ينفرد المقبوض بالبيع الفاسد- بضمان قيمة يوم البيع- عن المغصوب، فالمصنّف احتمل إرادة يوم القبض من «يوم البيع» حتى لا ينفرد المقبوض بالبيع الفاسد بحكم يخصّه.

(1) لعلّه إشارة إلى بعد هذا التوجيه، لأنّه خلاف الظاهر من دون قرينة.

و قد تحصّل من الأبحاث المتقدّمة في الأمر السابع: أنّ القيميّ يضمن بقيمته يوم تلفه، لا بقيمة يوم القبض و الغصب، و لا بأعلى القيم بين الغصب و التلف، من دون فرق بين المغصوب و المقبوض بالبيع الفاسد. و لا بين كون منشأ الفساد تفويض الثمن إلى حكم المشتري، أو اختلال شرط آخر.

و سيأتي لبحث ضمان القيمي تتمّة تتضمّن أمورا ثلاثة:

أحدها: حكم زيادة قيمة القيميّ بعد تلفه.

ثانيها: اختلاف قيمة القيميّ بحسب الأمكنة في ما كان بلد الغصب مغايرا لبلد التلف.

ثالثها: ضمان ارتفاع القيمة لو كان لزيادة في العين.

حكم زيادة ثمن القيميّ بعد التلف

(2) هذا شروع في الأمر الأوّل، و توضيحه: أنّ محطّ الأقوال المتقدّمة- من ضمان قيمة يوم الغصب أو التلف أو الأعلى بينهما- إنّما هو زيادة قيمة العين المضمونة في المدّة التي كانت عند الضامن، فلو لم ترتفع قيمتها عنده حتى تلفت، و زادت قيمة أمثالها بعده لم تكن هذه الزيادة مضمونة، لما عرفت من أنّ موضوع الأقوال المتقدّمة بقاء العين حتى يدّعى ضمان أعلى قيمها، لوقوع العين في حالة زيادة القيمة تحت يد الضامن، و من المعلوم فقد هذا المناط لو كان ارتفاع القيمة بعد التلف.

ص: 549

على جميع الأقوال [1] إلّا أنّه تردّد فيه (1) في الشرائع.

______________________________

و هذا و إن كان واضحا، إلّا أن المحقق قدّس سرّه تردّد فيه، و قال: «و لا عبرة بزيادة القيمة و لا بنقصانها بعد ذلك- أي التلف- على تردّد» «1».

و وجّهه الشهيد الثاني بقوله: «نعم لو قلنا بأنّ الواجب في القيميّ مثله- كما ذهب إليه ابن الجنيد مخيّرا بين دفع المثل و القيمة، و مال إليه المصنّف في باب القرض- اتّجه وجوب ما زاد من القيمة إلى حين دفعها، كما في المثليّ.

و المصنّف رحمه اللّه تردّد في ذلك، لما ذكرناه من الشك في كون الواجب في القيميّ المثل أو القيمة» «2».

و نحوه كلامه في الرّوضة فراجع. و محصّله: أنّ الشك في المبنى يستلزم الشكّ في الفروع المبتنية عليه.

(1) أي: في عدم العبرة بزيادة القيمة بعد التلف.

______________________________

[1] بل ينافيه القول باعتبار قيمة يوم الأداء، لكونها قيمة للتالف بعد مراعاة قيمته في أزمنة تلفه. و يشهد له آية الاعتداء و قاعدة نفي الضرر بناء على صحّة التمسّك بهما في الضمانات، فيكون ما بعد التلف كما قبله.

إلّا أن يريد المصنف من قوله: «جميع الأقوال» خصوص الأقوال الثلاثة التي تعرّض لها في الأمر السابع، و هي اعتبار قيمة يوم الغصب و التلف و الأعلى بينهما، إذ لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على هذه الأقوال الثلاثة.

و ما في بعض الكلمات من «توجيه عدم ضمان زيادة القيمة بعد التلف حتى على

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 240

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 188؛ الروضة البهية، ج 7، ص 40 و نحوه في جواهر الكلام، ج 37، ص 105

ص: 550

و لعلّه (1)- كما قيل (2)- من جهة احتمال كون القيميّ مضمونا بمثله، و دفع القيمة إنّما هو لإسقاط المثل (3).

و قد تقدّم (4) أنّه مخالف لإطلاق النصوص و الفتاوى.

______________________________

(1) أي: و لعلّ تردّد المحقّق قدّس سرّه. و قوله: «من جهة» خبر قوله: «و لعلّه».

(2) القائل- كما عرفت- هو الشهيد الثاني و غيره.

(3) فيكون المثل مستقرّا في الذّمة إلى زمان دفعه أو دفع قيمته، فلم ينتقل الضمان من المثل إلى القيمة بمجرّد تلف العين المضمونة حتى لا يضمن ارتفاع القيمة بعد التلف.

(4) هذا ردّ مبنى تردّد المحقّق قدّس سرّه و قد نبّه عليه المصنّف قدّس سرّه في أوائل هذا التنبيه بقوله: «فإن أرادوا ذلك مطلقا حتى مع تعذّر المثل فتردّه إطلاقات الروايات الكثيرة في موارد كثيرة .. إلخ».

و حاصله: مخالفة كلام ابن الجنيد لإطلاق نصوص ضمان القيميّات، و فتاوى الأصحاب بضمان القيميّ بالقيمة سواء وجد المثل أم لم يوجد.

و اقتصر في الجواهر في ردّه على قوله: «و هو كما ترى».

______________________________

القول بأنّ القيميّ مضمون بالمثل، لأنّ عمدة دليل الضمان قاعدة اليد، و هي لا تشمل المثل الذي على العهدة و لو قلنا بضمان ارتفاع القيم، و ذلك لأنّ موضوع دليل اليد هو الاستيلاء على مال الغير، و كون الشي ء على العهدة غير كونه تحت اليد و الاستيلاء، فما في العهدة خارج عن دليل اليد موضوعا» «1» لا يخلو من غموض، لأنّه بعد صدق اليد يصدق الأداء- الذي جعل غاية للعهدة و رافعا لها- على كلّ من العين و بدلها، فلا بدّ من إرادة معنى من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «على اليد» ينطبق على كلّ ممّا تحت اليد و فوق العهدة.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 1، ص 430

ص: 551

[ارتفاع القيمة بسبب الأمكنة]

ثمّ إنّ ما ذكرنا (1) من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة بحسب الأزمنة.

و أمّا إذا كان بسبب الأمكنة كما إذا كان في محلّ الضمان بعشرة، و في مكان التلف بعشرين، و في مكان المطالبة بثلاثين، فالظاهر اعتبار محلّ التلف (2)، لأنّ (3) ماليّة الشي ء تختلف بحسب الأماكن، و تداركه بحسب (4) ماليّته.

______________________________

ارتفاع القيمة بسبب الأمكنة

(1) هذا هو الأمر الثاني المذكور في تتمّة مباحث ضمان القيميّ، و حاصله: أنّ ما تقدّم من الخلاف- في كون القيميّ مضمونا بقيمة يوم الغصب أو يوم التلف أو الأعلى بينهما- ناظر إلى اختلاف قيمة المضمون بحسب الأزمنة. و قد تحقّق عدم ضمان ارتفاع القيمة ما دامت العين باقية. و أمّا إذا نقل الغاصب العين إلى بلد آخر فتلفت فيه، و طالبه المالك بها في بلد ثالث، و تعدّدت الأسعار في البلاد الثلاثة، فهل يقال بضمان أعلاها أم تتعيّن قيمة بلد الغصب أم بلد التلف؟

اختار المصنف قدّس سرّه اعتبار قيمة مكان التلف، لأنّ اشتغال الذّمّة بالبدل حصل فيه. و لا مجال للقول بضمان أعلى القيم، و لا مكان الغصب، و إن قيل بكلّ منها فيما اختلفت القيم بحسب الأزمنة، هذا.

(2) هذا بناء على اعتبار قيمة يوم التلف. و أمّا بناء على اعتبار يوم الغصب فلا كما ذكرناه في التعليقة، فراجع.

(3) توضيحه: أنّ وجود المال في مكان يكون من الصفات الدخيلة في الرغبات و الماليّة التي تكون مضمونة على الضامن، و من المعلوم أنّ تدارك الشي ء يكون بماليّته المختلفة بصفاته، فالمتعيّن ماليّة محلّ التلف.

(4) خبر «و تداركه».

ص: 552

[ضمان ارتفاع القيمة بسبب الزيادة العينيّة]

ثمّ (1) إنّ جميع ما ذكرنا من الخلاف إنّما هو في ارتفاع القيمة الناشئة من تفاوت رغبة الناس. و أمّا إذا كان حاصلا من زيادة العين (2)

______________________________

ضمان ارتفاع القيمة بسبب الزيادة العينيّة

(1) هذا هو الأمر الثالث، و هو ناظر إلى تحديد موضوع البحث- في ضمان القيميّ- من جهة أخرى. و حاصله: أنّ ما ذكرناه من عدم ضمان ارتفاع القيمة- خلافا للقائل باعتبار أعلى القيم- ناظر إلى ارتفاع القيمة السوقية مع بقاء العين على حالها، و عدم حدوث تغيير فيها.

فلو ارتفعت القيمة عند الغاصب لأجل زيادة عينيّة كسمن الشاة، أو تعلّم صنعة ككتابة العبد المغصوب و خياطته- ثم عادت العين إلى ما كانت عليه حين الغصب حتّى تلفت عند الغاصب- كانت هذه الزيادة أو الصفة مضمونة، كضمان العين المغصوبة، لوضوح دخل تلك الصفة في رغبات الناس التي هي مدار ماليّة الأشياء.

و مثّل له الشهيد الثاني قدّس سرّه بقوله: «حتى لو غصب جارية قيمتها مائة، فسمنت و بلغت القيمة ألفا، و تعلّمت صنعة فبلغت ألفين، ثم هزلت و نسيت الصنعة، فعادت قيمتها إلى مائة، ردّها و غرم ألفا و تسعمائة. و لو علّم العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسيها، ثم علّمه حرفة أو سورة أخرى فنسيها أيضا ضمنهما» «1».

(2) يعني: حصلت زيادة في العين المغصوبة عند ما كانت بيد الغاصب، ثم زالت- كما تقدّم آنفا في كلام المسالك- كانت الزيادة مضمونة، فإن ردّ العين إلى المغصوب منه لزمه ردّ قيمة الزيادة الفائتة معها. و إن تلفت العين لزمه ردّ القيمة العليا، و هي قيمة العين حال تلك الزيادة. و لا يكفي ردّ قيمة يوم التلف. قال المحقق قدّس سرّه:- فيما زادت القيمة لزيادة صفة ثم زالت-: «أمّا لو تجدّدت صفة غيرها، مثل أن سمنت فزادت قيمتها، ثم هزلت فنقصت قيمتها، ثم تعلّمت صنعة فزادت قيمتها، ردّها

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 220

ص: 553

فالظاهر كما قيل (1) عدم الخلاف في ضمان أعلى القيم. و في الحقيقة (2) ليست قيم التالف مختلفة، و إنّما زيادتها في بعض أوقات الضمان لأجل الزيادة العينية الحاصلة فيه (3)، النازلة (4) منزلة الجزء التالف.

نعم (5) يجري الخلاف المتقدم في قيمة هذه الزيادة الفائتة، فإنّ العبرة بيوم فواتها أو يوم ضمانها أو أعلى القيم؟

______________________________

و ما ضمن بفوات الأولى» «1».

(1) القائل صاحب الجواهر قدّس سرّه، قاله بعد عبارة المحقّق المتقدّمة: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه ..» «2».

(2) غرضه أنّ ضمان أعلى القيم للصفة الزائلة مغاير للقول بضمان نفس المغصوب بأعلى القيم بين الغصب و التلف. و الفارق بينهما: أنّ القيمة السوقيّة للعين المغصوبة لم تختلف من حين غصبها إلى حين تلفها لو بقيت بحالها، بشهادة عدم زيادة قيمة أمثالها. فارتفاع قيمتها في حال سمنها أو تعلّم الصنعة يكون في مقابل هذه الزيادة أو الصفة، و حيث إنّهما بمنزلة جزء المغصوب كان زوالهما بمنزلة نقص جزء من العين المغصوبة، فتكون مضمونة. كما إذا غصب دابة فعرجت عنده، فإنّه يضمن الأرش على ما تقدّم مفصّلا في صحيحة أبي ولّاد.

(3) أي: في التالف، و هو العين المغصوبة.

(4) صفة للزيادة العينيّة.

(5) استدراك على قوله: «ففي الحقيقة ليست قيم التالف مختلفة» الذي ملخصه:

أنّ العبرة بضمان قيمة يوم التلف مع تلك الزيادة التالفة.

و محصّل الاستدراك: أنّه إذا غصب عبدا قيمته ألف درهم، و بقي عنده سنة و تعلّم الخياطة عنده، فإن لم تتغير قيمة هذه الصنعة بأن كانت ألف درهم كان ضامنا

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 245

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 173

ص: 554

[مباحث بدل الحيلولة]
اشارة

ثمّ (1) إنّ في حكم العين في جميع ما ذكر من ضمان المثل أو القيمة

______________________________

للألفين، فإن ردّ العبد ردّ معه ألفا لو نسي الخياطة.

و إن تغيّرت قيمة الخياطة بأن كانت تسعمائة في شهر، و ألفا في شهر آخر، و ثمانمائة في شهر ثالث، ثم نسي الخياطة فيه، جرت هنا الأقوال الثلاثة في ضمان نفس العين.

فإن قلنا: إنّ العبرة بيوم التلف ضمن القيمة النازلة، و هي ثمان مائة درهم، لكون نسيان الصنعة بمنزلة تلف العين.

و إن قلنا بضمان العين بأعلى القيم، ضمن ألف درهم.

و إن قلنا بضمان يوم الغصب ضمن تسعمائة درهم، لأجل الخياطة المنسيّة، فيردّ هذا الأرش مع العبد إن كان موجودا، أو مع قيمته إن كان تالفا.

مباحث بدل الحيلولة

(1) هذا أوّل مباحث بدل الحيلولة، و موضوعه وجود العين، لكن مع تعذّر الوصول إليها لإباق أو ضياع أو غيرهما.

و توضيحه: أنّ ضمان مال الغير لا يخلو من إحدى حالات ثلاث، لأنّه إمّا أن تكون العين موجودة، و إمّا أن تكون تالفة، و على الأوّل إمّا أن يتمكّن من ردّها إلى المالك، لكونها بمتناول يده، و إمّا أن يتعذّر، لضياعها أو سرقتها.

فإن كانت موجودة عنده و أمكن ردّها إلى المالك فقد تقدّم في الأمر الثاني وجوب ردّها فورا إليه، و الضمان في هذه الصورة تقديريّ، بمعنى أنّه لو هلكت وجب دفع بدلها.

و إن كانت تالفة وجب ردّ بدلها من المثل أو القيمة، و قد تقدّمت مباحثه مفصّلة في الأمر الرابع إلى السابع.

و إن كانت العين موجودة لم تنعدم بعد، إلّا أنّ الضامن عاجز عن ردّها فعلا

ص: 555

حكم (1) تعذّر الوصول

______________________________

إلى المالك كما إذا سرقت منه، فهل يلحق هذا بالتلف حتى يضمن بدلها من المثل أو القيمة، أم لا يلحق بالتلف؟ لرجاء القدرة على ردّها. و هذا هو البحث المعروف ببدل الحيلولة. و قد تعرّض له المصنّف قدّس سرّه تبعا للأصحاب. قال المحقق قدّس سرّه: «إذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل، و يملكه المغصوب منه، و لا يملك الغاصب العين المغصوبة، و لو عادت كان لكلّ منهما الرجوع» «1». و يبحث فيه عن جهات:

منها: الدليل على وجوب بدل الحيلولة.

و منها: تحديد الموضوع، و انّه يعتبر العلم بعدم الظفر بالعين، أو يكفي الظنّ به، أو غير ذلك.

و منها: أنّ المالك يملك بدل الحيلولة أو يباح له التّصرّف؟

و منها: أنّه يضمن ارتفاع قيمة العين بعد دفع بدل الحيلولة أو لا؟

و منها: وجوب ردّ العين فورا لو تمكّن منه بعد أداء البدل، و عدمه.

و منها: أنّ العين تدخل في ملك الغاصب أو لا؟

و منها: حكم تصرف المالك في البدل بما يخرجه عن الملك.

و منها: حكم تمكن المالك من أخذ العين، و عجز الغاصب عن أدائها إليه.

و منها: غير ذلك مما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

و ممّا ذكرنا ظهر أنّ البحث عن بدل الحيلولة ليس من فروع خصوص التنبيه السابع الباحث عن حكم ضمان القيميّ، بل يتفرّع على الأمر الرابع أيضا، إذ لو كان المضمون مثليّا و تعذّر ردّه إلى مالكه وجب على الضامن ردّ بدل الحيلولة، و هو المثل، لاتّحاد التلف و الحيلولة حكما، هذا.

(1) يعني: أنّه كما يجب في صورة تلف العين دفع البدل، كذلك في صورة تعذّر الوصول إلى العين لغرق أو ضياع أو سرقة أو نحوها، إذ لا ينعدم المال حقيقة في هذه

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 241

ص: 556

إليه (1) و إن لم يهلك، كما لو سرق أو غرق أوضاع أو أبق، لما دلّ (2) على الضمان بهذه الأمور في باب الأمانات المضمونة.

[أ- مورد بدل الحيلولة]

و هل يقيّد ذلك (3) بما إذا حصل اليأس من الوصول

______________________________

الموارد، و إنّما يتعذّر الوصول إليه.

(1) الضمير راجع إلى العين فالأولى تأنيثه. كما أن الأولى أن يقال: «تهلك» مؤنّثا لا مذكّرا.

(2) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل على وجوب دفع بدل الحيلولة، و هو النصوص الواردة في ضمان الودعيّ و المستبضع و المستعير و المستأجر، الدالّة بمفهومها أو منطوقها على ضمان العين، إذا لم يتمكّن من ردّها إلى المالك، سواء أ كان بسبب التلف الحقيقيّ، أم بعدم الظفر بها كما إذا أبق العبد، أو سرق المتاع، أو ضاعت الوديعة و نحوها.

و قد تقدّم نقل جملة من هذه النصوص في (ص 189 و 334- 336) فراجع و نقتصر هنا بذكر واحدة منها تبرّكا، و هي معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن العارية يستعيرها الإنسان، فتهلك أو تسرق؟ فقال: إن كان أمينا فلا غرم عليه» «1». فإنّ مفهومه الضمان بدون الأمانة، بلا فرق بين التلف الحقيقيّ المعبّر عنه بالهلاك، و بين الحكميّ، لتعذّر الوصول إليها لسرقة و ضياع، كما هو مورد البحث في بدل الحيلولة.

أ- مورد بدل الحيلولة

(3) أي: الضمان، و غرضه قدّس سرّه بيان مورد بدل الحيلولة، و المذكور في العبارة صور أربع تشترك في أمرين، أحدهما: بقاء العين و عدم ذهاب صورتها النوعيّة، و الثاني: عدم كونها بمتناول اليد حتى تردّ إلى المالك. و حينئذ فيحتمل وجوه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 237، الباب 1 من كتاب العارية، الحديث 7

ص: 557

..........

______________________________

الأوّل: تقييد وجوب بدل الحيلولة باليأس من الوصول إلى العين، أي الاطمئنان بعدم الظفر بها. فلو لم يطمئنّ بعدم الظفر بها لم يجب البدل، سواء حصل له الظن بعدم الوصول أم لم يحصل بأن شكّ فيه.

الثاني: تقييد وجوب البدل بعدم الظنّ بوجدان العين، و لا يعتبر اليأس الذي هو العلم أو الاطمئنان بعدم الوصول، بل يكفي عدم رجاء الوجدان في وجوب بدل الحيلولة.

فالفارق بين الوجهين أمران:

أحدهما: اعتبار حصول اليأس من الوصول إلى العين في الوجه الأوّل، و عدم اعتباره في الثاني.

ثانيهما: أنّ المناط في الأوّل هو اليأس عن الوصول، و ظاهره الوصول بنفسه.

و في الثاني هو الوجدان، و ظاهره إعمال مقدمات تنتهي إلى الظفر بالعين.

و يمكن انطباق كلّ واحد من الوجهين على موارد بدل الحيلولة من الضياع و السرقة و الإباق و الغرق، و ان قيل بأنّ المال المسروق و الغريق ممّا ييأس وصوله، بخلاف الضائع الذي لا يأس عن الظفر به و إن لم يظنّ وجدانه.

و لعلّ الوجه الأوّل يختصّ بما إذا تعذّر إعادة العين و إن كان عودها بنفسها مرجوّا، كطائر فرّ من عشّه، و لكنّه يرجى عوده بنفسه إليه، لأنسه به.

الثالث: القول بالتفصيل في ضمان البدل بين المدّة القصيرة و الطويلة، و بين التضرّر و عدمه، فيقال بعدم الضمان فيما لو علم بوجدان العين في مدة قصيرة، سواء تضرّر فيه المالك أم لا. و كذا لو علم به في مدّة طويلة مع عدم تضرّر المالك بالانتظار. و يقال بالضمان في ما لو علم بوجدانها في أمد بعيد مع تضرّر المالك بالصبر إلى التمكّن من العين.

الرابع: القول بضمان البدل مطلقا بمجرّد تعذّر العين، سواء أ كانت مدّة الوصول إليها طويلة أم قصيرة.

________________________________________

ص: 558

إليه (1)، أو بعدم رجاء وجدانه (2)، أو يشمل (3) ما لو علم وجدانه في مدّة طويلة يتضرّر المالك من انتظارها، أو (4) و لو كانت قصيرة؟ وجوه (5). ظاهر أدلّة ما ذكر من الأمور الاختصاص بأحد الأوّلين (6).

لكن ظاهر إطلاق الفتاوى الأخير (7) كما يظهر (8) من إطلاقهم أنّ اللوح

______________________________

هذا ما يحتمل ثبوتا في تحديد موضوع الحكم.

و أفاد المصنّف قدّس سرّه في مقام الإثبات أنّ مفاد أدلّة وجوب أداء بدل الحيلولة يختلف عن ظاهر الفتاوى، إذ مقتضى الأدلّة اختصاص الوجوب بأحد الوجهين الأوّلين، و هما اليأس من الوصول و عدم رجاء الوجدان، لكونهما قدرا متيقّنا من «تعذّر الوصول» الذي هو بحكم التلف الحقيقيّ. و لكن مقتضى إطلاق الفتاوى وجوب بدل الحيلولة حتى لو تمكّن الضامن من الظفر بالعين في مدّة قصيرة كي يردّها إلى المالك، و سيأتي نقل فتواهم إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا هو الاحتمال الأوّل.

(2) هذا هو الاحتمال الثاني، و قد عرفت الفرق بينه و بين الاحتمال الأوّل.

(3) هذا هو الاحتمال الثالث، و هو معطوف على قوله: «يقيّد» و مقابل له، و غرضه التعميم و بيان احتمال عدم اختصاص التعذّر بصورة اليأس عن الوصول أو اليأس عن الوجدان، بل «تعذّر الوصول» أعمّ منهما و ممّا علم وجدانه في مدّة طويلة.

(4) معطوف على «مدّة طويلة» يعني: يصدق «التعذّر» حتّى في صورة العلم بوجدان العين في مدّة قصيرة، و هذا هو الاحتمال الرابع.

(5) مبتدء مؤخّر لمحذوف، و هو «فيه».

(6) أي: حصول اليأس من الوصول إليه، أو عدم رجاء الوجدان.

(7) و هو قوله: «أو و لو كانت قصيرة».

(8) قال في الجواهر: «و إن كانت- أي السفينة التي أدرج فيها لوح مغصوب- في اللّجة، و خيف من النزع غرق حيوان محترم- آدميّ أو غيره- أو مال كذلك لغير الغاصب الجاهل بالغصب، ففي القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و المسالك

ص: 559

المغصوب في السفينة إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب (1) انتقل إلى قيمته إلى أن يبلغ الساحل.

و يؤيّده (2) أنّ فيه جمعا بين الحقّين، بعد فرض رجوع القيمة إلى ملك الضامن (3) عند التمكّن من العين، فإنّ (4) «تسلّط النّاس على مالهم» الذي فرض

______________________________

و الروضة و ظاهر غيرها عدم وجوب النزع، بل في مجمع البرهان: لا خلاف فيه، جمعا بين الحقّين، و لاحترام روح الحيوان، سواء كان الغاصب أو للغاصب أو غيره ..» «1».

و قوله: «جمعا بين الحقّين» شاهد على أنّهم أطلقوا الحكم بالانتقال إلى القيمة، أعني بها قيمة اللوح المتعذّر أخذه فعلا لخوف غرق مال غير الغاصب مع كون اللوح معلوم الوصول و الوجدان، و لم يفرّقوا بين كون مدة الوصول إلى الساحل طويلة أو قصيرة.

(1) إذ لو كان المال الموجود في السفينة ملكا للغاصب أو لمن يعلم بغصبيّته وجب نزع اللوح المغصوب فورا، لعدم احترام مثل هذا المال، و لم تصل النوبة إلى انتقال الضمان من العين إلى بدل الحيلولة.

(2) يعني: يؤيّد هذا الإطلاق أنّ الانتقال إلى القيمة إلى زمان وصول العين جمع بين حقّي المالك و الغاصب، لأنّ مقتضى سلطنة المالك على ماله جواز مطالبته عينا أو بدلا، و مقتضى عدم تضرّر الغاصب هو أن يدفع المالك إليه بدل الحيلولة الذي أخذه منه، بعد وصول العين المغصوبة إلى مالكها.

و التعبير بالتأييد لعدم إحراز ثبوت حقّ للمالك مع فرض بقاء العين و وصولها إليه في مدّة قصيرة.

(3) لقولهم بترادّ العين و بدل الحيلولة، كما نقلناه عن المحقق في (ص 556).

(4) تعليل لثبوت حقّ للمالك يقتضي جواز مطالبة بدل الحيلولة من الضامن.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 77

ص: 560

كونه في عهدته يقتضي (1) جواز مطالبة الخروج عن عهدته (2) عند تعذّر نفسه.

نظير ما تقدّم (3) في تسلّطه على مطالبة القيمة للمثل المتعذّر في المثليّ.

نعم (4) لو كان زمان التعذّر قصيرا جدّا- بحيث لا يحصل صدق عنوان الغرامة و التدارك على أداء القيمة- أشكل الحكم (5).

[ب: المراد بالتعذّر هو العرفيّ لا العقليّ]

ثم الظاهر (6) عدم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف،

______________________________

(1) خبر قوله: «انّ تسلّط» و ضمير «عهدته» راجع إلى الضامن.

(2) مرجع هذا الضمير و ضميري «كونه. نفسه» هو «مال الناس».

(3) حيث قال في الأمر السادس: «انّ دفع القيمة علاج لمطالبة المالك، و جمع بين حقّ المالك بتسليطه على المطالبة، و حقّ الضامن بعدم تكليفه بالمتعذّر أو المعسور».

(4) استدراك على إطلاق حكمهم بضمان بدل الحيلولة حتّى في ما إذا كان زمان تعذّر الوصول إلى العين المضمونة قصيرا. و الوجه في الاستدراك: أنّ بدل الحيلولة غرامة على الضامن لأجل تدارك حرمان المالك عن ماله مدّة التعذّر، و من المعلوم أنّ صدق عنوان «الغرامة» يتوقّف على حصول النقص و الفوت على من له الغرم، و مع قصر المدّة لا يصدق فوت مال المالك و لا نقصه عليه، فلا موجب للغرامة.

(5) منشأ الاشكال أمران، يقتضي أحدهما الضمان، و الآخر عدمه، فقاعدة السلطنة تقتضي جواز المطالبة حين التعذّر الموجب للانتقال إلى القيمة حتّى في المدّة القصيرة. و صدق التمكّن عرفا من ردّ العين- لقصر الزمان- يقتضي عدم الانتقال إلى القيمة.

ب: المراد بالتعذّر هو العرفيّ لا العقليّ

(6) غرضه تحديد التعذّر الموجب للبدل، و حاصله: أنّ الانتقال إلى بدل الحيلولة لا يناط بسقوط التكليف بوجوب ردّ العين، فلو لم يصل التعذّر إلى هذا الحدّ

ص: 561

بل لو كان ممكنا (1) بحيث يجب عليه السعي في مقدماته لم يسقط القيمة (2) زمان السعي.

لكن (3) ظاهر كلمات بعضهم التعبير بالتعذّر.

______________________________

وجب دفع بدل الحيلولة أيضا، كما تقتضيه فتاواهم بالانتقال إلى القيمة في اللوح المغصوب، مع إمكان الوصول إليه و لو بالسعي مقدّمات الإيصال إلى الساحل.

و بعبارة أخرى: المراد بالتعذّر ليس هو الامتناع الذي يعدّونه من مسقطات التكليف، نظير الامتثال و انتفاء الموضوع، كسقوط أحد المتزاحمين- المتساويين ملاكا- عن الوجوب الفعليّ التعيينيّ، و التخيير في الامتثال. فلو كان التعذّر في المقام بهذا المعنى لم يبق موضوع لبدل الحيلولة، لفرض بقاء صورتها النوعيّة على ما كانت عليه، كالعبد الآبق و اللوح المدرج في السفينة. فالمراد بالتعذّر هنا ما يجتمع مع التكليف بأداء العين، حتى لو توقّف الوصول إليها على تمهيد مقدّمات و السعي إليها.

و قد ظهر أنّ تعبير المصنف قدّس سرّه بالتعذّر ليس مساوقا للوجه الأوّل- و هو اليأس عن الوصول- حتى يكون ذلك تكرارا، إذ التعذّر العقليّ المسقط للتكليف أخص من اليأس، فإنّ عدم القدرة فعلا على تحصيل العين لا ينافي القطع بحصوله فيما بعد، فضلا عن رجاء حصوله. كما أنّ اعتبار التعذّر العرفيّ في سقوط التكليف بردّ العين لا يساوق الصورة الأخيرة، و هي الحكم ببدل الحيلولة بمجرّد التعذّر الفعليّ، بل التعذّر العرفي أعمّ من التعذّر الفعلي و التعذّر في مدّة قصيرة.

(1) يعني: لمّا كان الوصول إلى العين ممكنا في نفسه- و لو بتمهيد مقدّمات- وجب السعي إليها ليظفر بها.

(2) يعني: بدل الحيلولة.

(3) هذا استدراك على إرادة التعذّر العرفيّ في المقام، و حاصله: أنّ ظاهر كلمات بعضهم اعتبار التعذّر المسقط للتكليف، كقول المحقّق قدّس سرّه: «و إذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل» و قريب منه عبارة القواعد و الدروس.

ص: 562

و هو (1) الأوفق بأصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين، فتأمّل (2).

و لعلّ المراد به (3) التعذّر في الحال

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه الاستدلال لما هو ظاهر تعبير جماعة بالتعذّر الذي يلوح منه سقوط التكليف بأداء العين. و تقريبه: أنّ الدليل على استحقاق البدل هو سلطنة المالك على ماله، و لا ريب في اقتضائها جواز مطالبة البدل في مورد تعذّر الوصول إلى العين. أمّا لو لم يتعذّر الوصول إليها فقاعدة السلطنة تقتضي مطالبة العين، لا بدل الحيلولة. و لو شكّ في ثبوت سلطنته على مطالبة كلّ من المبدل و البدل كان مقتضى أصالة عدم تسلّط المالك على أزيد من إلزامه بردّ العين عدم سلطنته على مطالبة البدل، هذا.

(2) الظاهر أنّه إشارة إلى الخدشة في الأصل المذكور، إمّا لأنّه قد يفضي إلى تضرّر المالك بحرمانه عن ماليّة ماله، فلو ثبتت له سلطنة المطالبة بالبدل لم يتضرّر بذلك، و إن لم تصل إليه خصوصيّات ماله. و إمّا لأنّ السلطنة على مطالبة بدل الحيلولة لا تنافي سلطنته على العين، لاختصاص زمان وجوب البدل بتعذر الوصول إلى العين، و هو وقت السعي في مقدّمات تحصيل العين، و اختصاص وجوب ردّ العين بزمان حصولها عنده، فلا تكليف بردّها قبل حصولها حتى يقال بنفي الزائد- و هو وجوب البدل- بأصالة عدم السلطنة.

(3) غرضه توجيه أخذ «التعذّر» في الحكم ببدل الحيلولة، و بيانه: أنّ ظاهر التعذّر و إن كان هو التعذّر المطلق، يعني التعذّر في الحال و الاستقبال، بأن يحصل اليأس من الظفر بالعين، لكن يحتمل إرادة التعذّر الفعليّ أي حين السعي في مقدّمات تحصيل العين، فيكفي هذا التعذّر في جواز مطالبة بدل الحيلولة من الضامن، لأنّ نفس تأخير تسليم المال إلى مالكه ضرر عليه ينبغي تداركه بالبدل، هذا.

ص: 563

و إن كان (1) لتوقّفه على مقدّمات زمانيّة يتأخّر لأجلها ذو المقدّمة.

[ج: جواز امتناع المالك من أخذ بدل الحيلولة]

ثم (2) إنّ ثبوت القيمة مع تعذّر العين ليس كثبوتها مع تلفها في كون دفعها حقّا للضامن، فلا يجوز (3) للمالك الامتناع، بل (4) له أن يمتنع من أخذها، و يصبر إلى زوال العذر، كما صرّح به الشيخ في المبسوط (5).

______________________________

(1) يعني: و إن كان هذا التعذّر الفعليّ مستندا إلى استلزام مقدّمات تحصيل العين لزمان طويل.

ج: جواز امتناع المالك من أخذ بدل الحيلولة

(2) هذا فرع آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة، و غرضه إبداء الفرق بين ثبوت القيمة مع بقاء العين، و تعذّر ردّها إلى المالك، و بين ثبوتها مع تلفها.

و حاصل الفرق أنّه في صورة التلف يجب على المالك أخذ القيمة، لأنّ للضامن إبراء ذمّته بدفع القيمة، لامتناع تكليفه بردّ العين؛ فليس للمالك الامتناع من الأخذ.

و في صورة التعذّر يجوز للمالك الامتناع من الأخذ، و الصبر إلى زوال العذر و إمكان ردّ العين.

(3) هذا متفرّع على المنفيّ، و هو كون دفع القيمة- عند التلف- حقّا للضامن يجب على المالك قبولها.

(4) معطوف على «ليس» يعني: أنّ للمالك الامتناع من أخذ بدل الحيلولة، بأن يصبر إلى زوال العذر من ردّ العين. و هذا هو الفارق بين تلف العين حقيقة بذهاب صورتها النوعيّة، و بين تلفها حكما بالتعذّر.

(5) حيث قال قدّس سرّه: «إذا غصب ملكا لغيره، فخرج عن يده، مثل أن غصب عبدا فأبق، أو فرسا فشرد، أو بعيرا فندّ، أو ثوبا فسرق، كان للمالك مطالبته بقيمته، لأنّه حال بينهما بالغصب ..» «1». و غرض المصنّف من نسبة التصريح إلى الشيخ قوله «كان للمالك» لدلالته على كون المطالبة بالقيمة حقّا له، و ليس للغاصب الإلزام

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 95.

ص: 564

و يدلّ عليه (1) قاعدة تسلّط الناس على أموالهم.

[د: خروج العين عن الماليّة]

و كما أنّ (2) تعذّر ردّ العين

______________________________

بأخذها، فيجوز الصبر إلى الظفر بالعين المضمونة.

(1) يعني: و يدلّ على جواز امتناع المالك من أخذ القيمة- أي بدل الحيلولة- قاعدة السلطنة، لاقتضائها جواز كلّ من مطالبة البدل الموقّت، و من الامتناع عنه، بأن يصبر حتى الظفر بالعين، أو إحراز تلفها، فيأخذ بدلها الدائميّ المستقرّ على عهدة الضامن. و هذا بخلاف ما إذا تلفت العين، لانقطاع سلطنته عليها من أوّل الأمر، و استقرار بدلها في ذمّة الضامن، فله تفريغها بأداء المثل أو القيمة، و لا يجوز للمالك الامتناع من أخذ البدل.

د: خروج العين عن الماليّة

(2) ظاهره بيان مورد آخر مما يجب فيه بدل الحيلولة، و هو خروج المال عن التقويم، توضيحه: أنّ المناط في ضمان بدل الحيلولة- كما تقدّم- أمران، أحدهما: بقاء العين و عدم ذهاب صورتها النوعيّة، و ثانيهما: تعذّر إيصالها إلى المالك.

و بناء على اعتبار هذين يتّجه البحث عمّا إذا أمكن إيصال العين إلى مالكها، لكنّها سقطت عن الماليّة، فيحتمل لحوق هذا الفرض ببدل الحيلولة، كما اختاره المصنّف قدّس سرّه و يحتمل كونه من موارد التلف الحقيقيّ- لأنّ التموّل صفة مقوّمة لضمان العين- فالواجب حينئذ دفع البدل الدائميّ إلى المالك، و لا ربط له ببدل الحيلولة الذي هو بدل محدود و مغيّا بالوصول إلى العين.

فإن قلت: مختار المصنف هنا ربما ينافي ما تقدّم في التنبيه السادس من حكمه بأنّ سقوط المثل عن الماليّة يوجب الانتقال إلى القيمة كالماء على الشاطئ و الجمد في الشتاء. فتشتغل ذمّة الضامن بالقيمة- التي تكون بدلا دائميّا لا محدودا- و يسقط المثل عن العهدة.

ص: 565

في حكم التلف (1)، فكذا خروجه (2) عن التقويم.

[ه: هل البدل ملك المضمون له أم مباح له؟]

ثمّ إنّ (3) المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف،

______________________________

وجه المنافاة: أنّ خروج المثل عن الماليّة لو اقتضى انقلاب ضمانه بالقيمة فليكن خروج العين عن التموّل مثله، فكيف حكم المصنّف: بأنّه كتعذّر العين في أنّ البدل محدود من باب الحيلولة بين المال و مالكه؟

قلت: يمكن دفع التنافي بأنّ خروج المال عن التقويم على نحوين، فتارة لا يرجى عود الماليّة إليه، كاللحم المتعفّن و الفاكهة الفاسدة، فالواجب فيهما المثل أو القيمة من باب التلف الحقيقيّ، لكون تلف الماليّة كتلف العين. و اخرى يرجى عود الماليّة، كما إذا ضمن ماء في المفازة و لم يتلف حتى وصل الشاطئ، و أراد اجتيازه إلى مفازة أخرى، فيقال: بأنّ للمالك مطالبة بدل الحيلولة عند الشاطئ، و لو بقي الماء بحاله إلى الوصول إلى المفازة الأخرى وجب على الضّامن دفعه إلى المالك.

و لعلّ هذا الفرض الثّاني محطّ نظر الماتن هنا، حيث عدّ سقوط المال عن التقويم من موارد بدل الحيلولة. مضافا إلى فرق آخر بين المقام و المثليّ، بأنّ العين واجدة لخصوصيّتها الشخصيّة المضمونة، و لا ينتقل إلى البدل إلّا بالتلف الحقيقيّ، و المفروض عدمه. بخلاف المثليّ، المشارك للعين في الصنف، هذا.

(1) في وجوب البدل المحدود، و هو بدل الحيلولة.

(2) أي: خروج العين عن الماليّة، فالأولى تأنيث الضمير.

ه: هل البدل ملك المضمون له أم مباح له؟

(3) هذا فرع آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة، و الغرض منه بيان حكمه من حيث صيرورته ملكا لمن له الغرم أو أنّه يباح له التصرّف فيه. و أثبت المصنّف قدّس سرّه كونه ملكا له بنفي الخلاف بين المسلمين، و استوجهه بأنّ التدارك لا يحصل إلّا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا للمغصوب منه، حيث إنّ فوات المال عنه لا ينجبر إلّا بذلك.

ص: 566

كما في المبسوط (1) و السرائر و الخلاف و الغنية. و ظاهرهم (2) إرادة نفي الخلاف بين المسلمين.

______________________________

و لولا هذان الوجهان- و هما الإجماع و اقتضاء الغرامة و التدارك الملكيّة- أمكن القول ببقاء بدل الحيلولة على ملك الغارم، غاية الأمر أنّه يباح لمالك العين الانتفاع به و التصرّف فيه حتى بما يتوقّف على الملك، و يشترط دخوله في ملكه بتلف العين.

و عليه فيكون بدل الحيلولة كالمعاطاة- بناء على نظر من تقدّم على المحقّق الثاني قدّس سرّه من كونها مفيدة للإباحة- بلا فرق بين ما لا يتوقّف على الملك، و ما يتوقّف عليه كالعتق و البيع و الهديّة، و قد جزم بهذا الاحتمال المحقّق القمّيّ قدّس سرّه على ما حكي عنه.

(1) حيث قال- بعد ما نقلناه عنه في (ص 564) ما لفظه: «فإذا أخذ القيمة ملكها بلا خلاف، لأنّه أخذها لأجل الحيلولة» «1». و الغرض أنّ دعوى «عدم الخلاف» مصرّح بها في كلام السيد أبي المكارم، و ابن إدريس أيضا.

(2) و في مفتاح الكرامة أيضا: «و ظاهرهما- يعني كلام الخلاف و الغنية- نفيه بين المسلمين» «2». يعني: أنّ الحكم ليس مجمعا عليه بين الإماميّة خاصّة، بل هو متّفق عليه بين المسلمين. و منشأ استظهار نفي الخلاف بين المسلمين هو قول شيخ الطائفة- بعد العبارة المتقدّمة-: «فإذا ملك القيمة فهل يملك المقوّم أم لا؟ فعندنا أنّه ما يملكها، و أنّها باقية على ملك المغصوب منه» لظهور قوله: «فعندنا» في إجماع الإماميّة على بقاء العين في ملك المغصوب منه، و إذا ظفر بالعين وجب ردّ بدل الحيلولة إلى الغاصب، لخروجه عن ملك المغصوب منه حينئذ.

و ربّما تكون نسبة الحكم إلى أصحابنا في هذه المسألة قرينة على أن مراده بنفي

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 95؛ الخلاف، ج 3، ص 412، كتاب الغصب، المسألة 26؛ غنية النزوع، ص 538، (ضمن الجوامع الفقهية)؛ السرائر، ج 2، ص 486

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 254

ص: 567

و لعلّ الوجه فيه (1) أنّ التدارك لا يتحقّق إلّا بذلك (2).

و لو لا ظهور الإجماع (3) و أدلّة الغرامة في الملكيّة لاحتملنا أن يكون مباحا له (4) إباحة مطلقة و إن لم يدخل في ملكه. نظير الإباحة المطلقة في المعاطاة على القول بها فيها (5)، و يكون دخوله في ملكه مشروطا بتلف العين (6).

______________________________

الخلاف في المسألة السابقة نفي الخلاف بين المسلمين، و لولاه لم يكن وجه للتعبير تارة بنفي الخلاف، و أخرى ب «عندنا».

(1) اي: و لعلّ الوجه في تملّك المغصوب منه لبدل الحيلولة هو: أنّ تدارك حرمان المالك عن العين المتعذّرة إنّما هو بدخول البدل في ملكه حتى يتسلّط على التصرّف فيه، كما كان يتصرّف في المبدل لو كان حاضرا عنده.

و هذا الوجه يستفاد من كلام الجواهر أيضا، كقوله: «بل أدلّة الضمان التي منها- على اليد- شاملة لذلك قطعا فهي حينئذ مقتضية لملك المالك القيمة .. فالقيمة حينئذ مملوكة، و العين باقية على الملك للأصل» «1».

(2) أي: بكون المال المبذول- المسمّى ببدل الحيلولة- ملكا للمغصوب منه.

(3) أي: على القول بالإباحة في المعاطاة، غرضه: أنّه بالإباحة يتحقّق التدارك. و لا يتوقف ذلك على القول بالملكية، فالموجب له هو ظهور الإجماع و أدلّة الغرامة.

(4) أي: لمالك العين، و المراد بالإباحة المطلقة ما يشمل التصرّف المشروط بالملك كالبيع.

(5) أي: على القول بالإباحة المطلقة في المعاطاة، لتحقّق التدارك بهذه الإباحة، و لا موجب لدخول بدل الحيلولة في ملك مالك العين: فدليل القول بالملكيّة هو الإجماع و أدلّة الغرامة.

(6) كما أنّ تملّك المأخوذ بالمعاطاة مشروط بتلف العوض.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 131

ص: 568

و حكي الجزم بهذا الاحتمال (1) عن المحقّق القمي رحمه اللّه في أجوبة مسائله (2).

[و: دفع بدل الحيلولة لا يقتضي انتقال العين الى الغارم]

و على أيّ حال (3) فلا ينتقل العين إلى الضامن،

______________________________

(1) أي: احتمال الإباحة المطلقة.

(2) الموجود في جامع الشتات كون بدل الحيلولة نوعا من الملك، و لم يرد في كلامه التصريح بالإباحة، و لكن الظاهر إرادة الإباحة، لأنّه قدّس سرّه أراد التفصّي عن إشكال الشهيد الثاني- الآتي قريبا- من أنّه يلزم الجمع بين العوض و المعوّض لو قلنا بصيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك العين، و الالتزام بالملك المتزلزل. فتخلّص المحقّق القمّيّ عنه بقوله: «فلا مانع من أن يكون ذلك نوعا من التملّك، و حاصله: أنّ للمالك التصرّف [في البدل] للبدل حتى بالإتلاف و البيع و غير ذلك. و ذلك مراعى إلى حين ظهور العين المغصوبة، فإن ظهر العين و البدل باق فللغاصب استرداد ماله إذا كان باقيا، بخلاف ما لو أتلفه» «1».

و: دفع بدل الحيلولة لا يقتضي انتقال العين الى الغارم

(3) يعني: سواء قلنا بدخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له أم بالإباحة المطلقة، فلا ينتقل العين .. إلخ. و هذا فرع آخر، و هو أنّ الغرامة التي يدفعها الضامن إلى المالك- بسبب الحيلولة- لا توجب دخول العين المضمونة في ملك الضامن، للفرق بين العوض في العقود المعاوضيّة، و بين بدل الحيلولة الذي هو غرامة، و ليس أداء للعين من حيث ماليّته حتى يستلزم دخول العين في ملكه من جهة امتناع اجتماع العوض و المعوّض عند واحد.

و الحاصل: أنّ بدل الحيلولة غرامة يبذلها الضامن، و لا تقتضي دخول العين في ملكه معاوضة، كما أنّ البدل الدائميّ الذي يبذله الضامن لا يوجب صيرورة العين التالفة ملكا له، هذا.

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 152، السطر: 6.

ص: 569

فهي غرامة (1) لا تلازم فيها بين خروج المبذول عن ملكه، و دخول العين في ملكه، و ليست معاوضة ليلزم الجمع بين العوض و المعوّض، فالمبذول هنا (2) كالمبذول مع تلف العين في عدم البدل له.

و قد استشكل في ذلك (3) المحقّق و الشهيد الثانيان.

قال الأوّل في محكيّ جامعه: «إنّ هنا إشكالا، فإنّه كيف يجب القيمة و يملكها الآخذ، و يبقى العين على ملكه؟ و جعلها (4) في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه» انتهى.

و قال الثاني: «إنّ هذا لا يخلو من إشكال من حيث اجتماع العوض

______________________________

و قد تقدّم في عبارة المبسوط التصريح بعدم دخول العين في ملك الغارم، و لكن استشكل فيه المحقّق و الشهيد الثانيان، و سيأتي.

(1) لا أداء للعين من حيث الماليّة حتى يلزم دخول العين في ملك الغاصب ببذل البدل.

(2) هذه نتيجة كون بدل الحيلولة غرامة لا أداء للعين من حيث الماليّة، يعني:

أنّ المبذول بعنوان بدل الحيلولة كالمبذول مع تلف العين.

(3) يعني: في صيرورة بدل الحيلولة ملكا لمالك العين.

(4) مبتدء خبره «لا يكاد» و غرض المحقّق الثاني قدّس سرّه دفع دخل، حاصله: أنّ بدل الحيلولة ليس في قبال نفس العين المضمونة حتى يلزم إشكال الجمع بين العوض و المعوّض في ملك المضمون له، بل يكون البدل عوضا عن حيلولة الغاصب- بين العين و مالكها- المفوّتة لسلطنته عليها، فلا إشكال حينئذ «1».

و دفعه المحقّق الثاني بأنّ بدليّة المثل أو القيمة عن الحيلولة- لا عن نفس العين- غير متّضحة، إذ لو تلفت لزم عوضها و سقط التكليف بردّ العين، و إن بقيت- كما هو الفرض- فما الدليل على استحقاق بدل محدود لأجل الحيلولة؟.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 261

ص: 570

و المعوّض على ملك المالك من دون دليل واضح (1) [1].

و لو قيل (2) بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا (3)، و توقّف تملّك المغصوب منه للبدل على اليأس (4) من العين- و إن جاز له التصرّف- كان وجها (5) في المسألة» «1».

و استحسنه في محكي الكفاية (6).

______________________________

(1) يعني: لو دلّ دليل على جواز اجتماع العوض و المعوّض في ملك واحد أمكن الالتزام بمالكيّة المضمون له- هنا- لكلّ من العين و بدل الحيلولة، و لكن حيث لا دليل عليه إثباتا يشكل المصير إليه.

(2) غرض الشهيد الثاني التخلّص من محذور اجتماع العوض و المعوّض- بالقول بالملك المتزلزل لا المستقرّ، فالمضمون له يملك بدل الحيلولة، كمالكيّة ذي الخيار للمبيع متزلزلا، و استقرار الملك مراعى باليأس من العين، و قبل اليأس يجوز للمالك التصرّف في البدل بأنحاء التصرّف.

و لا يخفى عليك أنّ هذا الملك المتزلزل قول ثالث في المسألة في قبال كلّ من الملك المستقرّ، و الإباحة المطلقة.

(3) أي: التزلزل مستمر إلى اليأس، و به يستقرّ الملك.

(4) بل على التلف، و يمكن أن يكون اليأس طريقا إليه.

(5) إذ به يندفع إشكال الجمع بين العوض و المعوّض.

(6) يعني: استحسن الفاضل السبزواري قدّس سرّه القول بالملك المتزلزل لحلّ إشكال الجمع بين العوض و المعوّض.

______________________________

[1] ظاهره كظاهر المستند عدم كون محذور اجتماع العوض و المعوّض عقليّا، مع أنّ محذورة عقليّ، لأنّ العوض في الملكيّة عبارة عن كون مال بدلا عن مال آخر، بحيث تكون إضافة الملكيّة قائمة بمال لم يكن ملكا له.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي قدّس سرّه في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 255؛ مسالك الافهام، ج 12، ص 201 كفاية الأحكام، ص 259

ص: 571

أقول: الذي ينبغي أن يقال (1) هنا: إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن، و لازم ذلك (2) إقامة مقابله من ماله مقامه (3)، ليصدق ذهابها من كيسه.

ثم (4) إنّ الذّهاب إن كان على وجه التلف الحقيقيّ أو العرفيّ المخرج للعين

______________________________

(1) ناقش المصنّف في كلام المحقّق و الشهيد الثانيين و الفاضل السبزواري قدّس سرّهم من جعل محذور اجتماع العوض و المعوّض مانعا من دخول البدل في ملك المضمون له، ثم تخلّص الشهيد الثاني عنه بالملك المتزلزل.

و حاصل المناقشة: اقتضاء الدليل دخول البدل في ملك المضمون له، و ذلك لأنّ معنى ضمان العين- و كون عهدتها على الضامن- هو كون ذهابها من كيس الضامن، بحيث يرد نقصان في ماله، و لازم ذلك جعل مقابله من ماله مقام التالف في الملكيّة، بمعنى: إقامة إضافة الملكيّة بما يبذله للمالك، فما يدفعه إلى المالك يقوم مقام ماله التالف في الملكيّة. هذا في التلف الحقيقيّ.

و أمّا في تعذّر الوصول إلى العين كالمقام- و فوات الانتفاع بها- فمعنى الضمان تدارك السلطنة الفائتة، و هذا المقدار و إن كان يتحقّق بإباحة البدل للمالك، لتمكّنه من التصرّف فيه مطلقا، إلّا أنّ الموجب للقول بمالكيّة المضمون له هو عدم جواز بعض التصرّفات للمباح له، كالعتق و البيع و الوقف و نحوها، فيلزم قصر سلطنة المالك حينئذ، و لا سبيل لتدارك تلك السلطنة المطلقة على ماله إلّا بدخول البدل في ملكه، هذا.

و عليه فما أفادوه- من عدم دليل واضح على اجتماع العوض و المعوّض عند المالك- قد عرفت منعه، لاقتضاء أدلّة الضمان جبر السلطنة الفائتة و تداركها، و لا يكون إلا بالملك.

(2) أي: و لازم ذهاب العين من مال الضامن هو إقامة مقابلها من ماله مقامها.

(3) أي: مقام العين، فالأولى تأنيث الضمير.

(4) هذا تفصيل لقوله: «إنّ معنى ضمان العين ذهابها من مال الضامن»

ص: 572

عن قابليّة الملكيّة (1) [الملك] عرفا وجب قيام مقابله من ماله مقامه (2) في الملكيّة. و إن كان (3) الذهاب بمعنى انقطاع سلطنته عنه و فوات الانتفاع به في الوجوه التي بها قوام الملكيّة وجب قيام مقابله مقامه (4) في السلطنة، لا في الملكيّة (5) ليكون (6) مقابلا و تداركا للسلطنة الفائتة. فالتدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك (7) في هذه الصورة (8).

______________________________

و حاصله: أنّ لذهاب العين صورتين، إحداهما: التلف الحقيقيّ أو العرفيّ، و الأخرى انقطاع السلطنة، و هو التلف الحكمي، و تقدّم بيانهما آنفا، و سيأتي أيضا.

(1) الظاهر أنّ الصواب «الماليّة» لقيام المنافع بالشي ء من حيث كونه مالا، لا ملكا. و يمكن توجيه «الملكيّة» بأنّها- في المقام- غالبا لا تنفكّ عن الماليّة، فتتحد قابليّة الملكيّة و الماليّة، و الأمر سهل.

(2) أي: مقام العين في إضافة الملكيّة، فيكون البدل الدائميّ ملكا لمالك العين التالفة. و الأولى تأنيث الضمير، كما مرّ.

(3) معطوف على «إن كان» و هو بيان مورد بدل الحيلولة، و أنّ حكمه الإباحة المطلقة، و حاصله: أنّ المراد بالذهاب انقطاع سلطنة المالك عن ماله، فاللازم جعل مال في مقابل السلطنة الفائتة عن ماله، لا في مقابل الملكيّة، فالتدارك لا يقتضي ملكية البدل المبذول لتدارك السلطنة، إذ لا يتوقّف تداركها على ملكيّة البدل، بل يحصل بالإباحة و السلطنة المطلقة عليه.

(4) هذا الضمير و ضمائر «عنه، به، مقابله» راجعة إلى «العين» فالأولى تأنيثها.

(5) يعني: أنّ الفارق بين التلف الحقيقيّ و فوات السلطنة هو لزوم كون تدارك الأوّل بدخول البدل في ملك المضمون له، بخلاف الثاني، لكفاية إباحته له.

(6) أي: ليكون هذا المقابل مقابلا للسلطنة الفائتة و تداركا لها.

(7) بالكسر، أى: البدل الموجب للتدارك.

(8) أي: صورة انقطاع سلطنة المالك و فوات الانتفاعات.

ص: 573

نعم (1) لمّا كانت السلطنة المطلقة المتداركة للسلطنة الفائتة متوقّفة على الملك، لتوقّف بعض التّصرّفات عليها، وجب ملكيّته للمبذول، تحقيقا لمعنى التدارك و الخروج عن العهدة.

و على أيّ تقدير (2) فلا ينبغي الإشكال في بقاء العين المضمونة على ملك مالكها (3).

إنّما الكلام في البدل المبذول، و لا كلام أيضا في وجوب الحكم بالإباحة (4) و بالسلطنة المطلقة عليها.

______________________________

(1) استدراك على أنّ التدارك لا يقتضي ملكيّة المتدارك- بالكسر- لكن لمّا كانت السلطنة المطلقة الجابرة للسلطنة الفائتة منوطة بالملك، لتوقّف بعض التّصرّفات عليه، وجب الحكم بكون البدل ملكا للمالك، و ذلك لأنّ التدارك يقتضي ذلك حيث إنّ السلطنة المطلقة الفائتة لا تتدارك إلّا بسلطنة مثلها، فنفس انقطاع سلطنة المالك و إن لم يقتض ملكيّة بدل الحيلولة، إلّا أنّ كيفية السلطنة الفائتة تقتضي كون السلطنة الجابرة لها مثلها.

(2) يعني: سواء قلنا بملكيّة بدل الحيلولة للمالك، أم قلنا بإباحتها المطلقة.

(3) لعدم موجب لخروجها عن ملك مالكها، و مع الشكّ يجري الاستصحاب، و قد تقدّم أيضا بقوله: «و على أيّ حال فلا ينتقل العين إلى الضامن».

(4) كما اختاره المحقّق القمّي قدّس سرّه لكفاية هذه الإباحة المطلقة في جبر فوات سلطنة المالك على ماله، و لا يتوقّف التدارك على دخول بدل الحيلولة في ملك المضمون له. نعم هذه الإباحة تستلزم الملك من أوّل الأمر، أو تنتهي إليه عند التّصرّف، حتى تصحّ التّصرّفات المشروطة بالملك فيه. و قد تقدّم تفصيل الكلام في رابع تنبيهات المعاطاة. لكن الذي تحصّل من كلامه هناك الإشكال في الإباحة المطلقة فراجع «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 94 إلى ص 120

ص: 574

و بعد ذلك فيرجع محصّل الكلام حينئذ (1) إلى أنّ إباحة جميع التّصرّفات- حتى المتوقّفة على الملك- هل يستلزم الملك من حين الإباحة أو يكفي فيه حصوله من حين التّصرّف؟ و قد تقدّم في المعاطاة بيان ذلك.

[ز: اشتراط وجوب البدل بفوات معظم منافع العين]

ثم (2) إنّه قد تحصّل ممّا ذكرنا (3) أنّ تحقيق ملكيّة البدل (4) أو السلطنة (5)

______________________________

(1) أي: حين وجوب الحكم بإباحة البدل و السلطنة المطلقة عليه.

ز: اشتراط وجوب البدل بفوات معظم منافع العين

(2) هذا البحث يتعلّق بكون بدل الحيلولة ملكا أو مباحا لمالك العين، و الغرض منه تحديد موضوع البحث و حصر مورده بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتّى يتصف البدل بكونه غرامة. فلو كان الفائت منفعة غير مقوّمة لماليّة العين فمقتضى ما تقدّم عدم كون بدل الحيلولة ملكا و لا مباحا للمالك.

إلّا إذا حكم الشارع بغرامة العين، فإنّها تكشف عن انتقال العين إلى الغارم، كما في البهيمة الموطوءة، فإنّ الشارع ضمّن الواطي قيمة الحيوان و أوجب نفيه عن البلد، و لكن لا يسقط به عن الماليّة و التقويم، و إنّما هو حيوان معيب، فإيجاب دفع البدل يدلّ على تحقّق مبادلة شرعيّة بينه و بين الحيوان.

و هذا بخلاف سقوط العين عن الماليّة، فلا يكون وجوب دفع البدل مقتضيا لخروج المبدل عن الملك، لكون البدل غرامة للسلطنة الفائتة و للخروج عن الماليّة.

و سيأتي مزيد بيان للمطلب.

(3) يعني: من بقاء العين على ملك مالكها، و كون دفع البدل غرامة عمّا فات من سلطنة المالك.

(4) بناء على دخوله في ملك المضمون له.

(5) بناء على إباحته له.

ص: 575

المطلقة عليه مع بقاء العين على ملك مالكها إنّما (1) هو مع فوات معظم الانتفاعات به، بحيث يعدّ بذل البدل غرامة و تداركا (2). أمّا لو لم يفت إلّا بعض ما ليس به قوام الملكيّة (3)، فالتدارك لا يقتضي ملكه (4) و لا السلطنة على البدل.

و لو فرض (5) حكم الشارع بوجوب غرامة

______________________________

(1) خبر قوله: «أن تحقيق».

(2) لأنّ التدارك عبارة عن «قيام شي ء مقام آخر فيما زال عنه من الأوصاف» و مقتضاه تعنون الشي ء الثاني بالعنوان الزائل عن الأوّل- من الملكيّة- في مورد الانتفاع بجميع وجوه المنافع.

(3) الأولى تبديل الملكيّة بالماليّة، لأنّ الانتفاع يدور مدار الماليّة لا الملكيّة كما هو ظاهر.

(4) أي: ملك البدل، و لو قال: «لا يقتضي ملك البدل و لا السلطنة المطلقة عليه» كان أقرب إلى السلاسة.

(5) هذا حكم صورة بقاء معظم الانتفاعات مع وجوب البدل شرعا كالحيوان الموطوء، و توضيحه: أنّ الحيوان المقصود ظهره- كالخيل و البغال و الحمير- إذا وطأه غير المالك لا يفوت معظم الانتفاعات به بمجرّد وطئه، لأنّه يحرم بيعه في خصوص بلد الوطي، لا مطلقا، فلا يصدق التدارك هنا، لأنّ المناط في صدقه بقاء الانتفاعات التي بها قوام الماليّة، و هي باقية بعد الوطء أيضا، لأنّ وجوب نفيه في بلد الوطي و بيعه في آخر لا يرفع مناط الماليّة، فلا يصدق التدارك حتى يحكم بوجوبه على الواطئ. فحكم الشارع بغرامة القيمة و دخولها في ملك مالك الحيوان كاشف عن مبادلة شرعيّة بين الحيوان و قيمته، فينتقل الحيوان إلى ملك الغارم تعبّدا، و هذا تخصيص في ما تقدّم من قيام الإجماع على عدم خروج العين من ملك المضمون له في موارد بدل الحيلولة، هذا.

ثمّ إنّ الشارع حكم حقيقة- لا فرضا- بوجوب التدارك في فوات بعض

ص: 576

قيمته حينئذ (1) لم يبعد كشف ذلك عن انتقال العين إلى الغارم. و لذا (2) استظهر غير واحد (3) أنّ الغارم لقيمة الحيوان الذي وطأه يملكه، لأنّه (4) و إن وجب بالوطي نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر، لكن هذا لا يعدّ فواتا لما به قوام الماليّة.

هذا (5) كلّه مع انقطاع السلطنة عن العين مع بقائها على ملكيّتها السابقة.

______________________________

الانتفاعات مع عدم تقوّم الماليّة بها، كالبهيمة الموطوءة المقصود ظهرها، لقول الباقر عليه السّلام في حسنة سدير: «و إن كانت مما يركب ظهره غرم قيمتها، و جلد دون الحدّ، و أخرجها من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعيّر بها صاحبها» «1». فالقيمة يملكها المالك، كما أنّ الحيوان الموطوء يصير مملوكا للغاصب، مع أنّه لم يفت ما به قوام ماليّته.

(1) أي: حين عدم فوات معظم المنافع التي تدور الماليّة مدارها.

(2) أي: و لأجل كشف الغرم- مع بقاء معظم الانتفاعات- عن المبادلة التعبّديّة استظهر غير واحد مالكيّة الغارم للحيوان الموطوء.

(3) كالشهيدين و السيّد الطباطبائي، قال في الرياض: «و إن كان غيره- أي و إن كان الفاعل غير المالك- فالظاهر أن تغريمه القيمة يوجب ملكه للبهيمة ..

و بذلك صرّح الشهيدان في النكت و الروضة» «2».

(4) تعليل لدخول الحيوان الموطوء في ملك الفاعل، و أنّ مجرّد نفيه عن البلد و بيعه في بلد آخر لا يسقطه عن الماليّة.

(5) المشار إليه قوله: «ثم إنّ تحقيق ملكيّة البدل أو السلطنة المطلقة عليه» و حاصله: أنّ محطّ البحث عن مالكيّة المضمون له للبدل أو إباحته له إنّما هو في صورة بقاء العين على ماليّتها، و كون الغرامة عوضا عن السلطنة الفائتة، ففي مثله يقال بملكية البدل أو بالسلطنة المطلقة عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 571، الباب 1 من أبواب نكاح البهائم، الحديث: 4

(2) رياض المسائل، ج 2، ص 499، السطر 9، الروضة البهية، ج 9، ص 311.

ص: 577

أمّا لو خرج (1) عن التقويم مع بقائها على صفة الملكيّة (2) فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك، لأنّ (3) القيمة عوض الأوصاف و الأجزاء التي خرجت العين لفواتها عن (4) التقويم، لا عوض (5) العين نفسها، كما (6) في الرطوبة الباقية بعد الوضوء بالماء المغصوب، فإنّ بقاءها على ملك مالكها لا ينافي معنى الغرامة،

______________________________

و أمّا لو خرجت العين عن التقويم- مع كونها باقية على ملك مالكها- فمقتضى قاعدة الضمان وجوب تمام القيمة، لأنّ الغارم فوّت ماليّتها على مالكها. و قد تقدّم عدم التنافي بين كون كلّ من العين و غرامتها ملكا للمضمون له. فلو كسر إناء الغير وجب عليه دفع قيمته مع عدم خروج رضاضه عن ملكه، و عدم انتقالها إلى ملك الغارم.

(1) الأولى أن يقال: «خرجت».

(2) كالظروف المكسورة، و الدّهن الذي تنجّس بإلقاء القذر فيه، بناء على عدم جواز الانتفاع به، فيجب على الكاسر و الملقي دفع تمام القيمة، مع بقاء الظرف و الدهن المتنجّس على ملك المالك.

(3) تعليل لوجوب تمام القيمة مع عدم انتقال العين إلى ملك الغارم.

(4) متعلّق ب «خرجت» و «لفواتها» علّة للخروج عن التقويم.

(5) معطوف على «عوض الأوصاف» و بيانه: أنّه لو كانت القيمة عوض نفس العين لزم دخولها في ملك الغارم لئلّا يجتمع العوض و المعوّض عند واحد، و لكن حيث كانت القيمة عوض الأوصاف أو الأجزاء لم يلزم الاجتماع.

(6) هذا مثال لخروج العين عن التقويم لفوات أجزائها.

و يمكن أن يكون مثالا لفوات الأوصاف أيضا، لأنّ وصف الاجتماع لأجزاء الماء دخيل في ماليّته، و المفروض فوات ذلك الوصف الموجب لخروجه عن التقويم.

ص: 578

لفوات (1) معظم الانتفاعات، فيقوى عدم جواز المسح بها إلّا بإذن المالك (2) و لو (3) بذل القيمة. قال في شرح القواعد فيما لو (4) خاط ثوبه بخيوط مغصوبة:

«و لو طلب المالك نزعها و إن أفضى إلى التلف وجب، ثم يضمن الغاصب النقص، و لو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة» انتهى (5).

و عطف (6) على ذلك في محكيّ جامع المقاصد قوله: «و لا يوجب ذلك

______________________________

و كيف كان فالمراد برطوبة الماء المغصوب- مع اعتبار إباحة الماء- هو الالتفات إلى غصبيّة الماء بعد الغسلتين و قبل المسحتين، إذ لو أحرز غصبيّته قبل الوضوء لم يصحّ و ضوؤه من أوّل الأمر.

(1) تعليل لصدق معنى الغرامة، و حاصله: صدق الغرامة هنا، لفوات معظم الانتفاعات المقوّم لصدق الغرامة.

(2) إذ المفروض بقاء الرطوبة على ملك مالكها، و المسح بها تصرّف فيها، فجوازه منوط بإذنه، لأنّ حرمة التصرّف من آثار الملك، لا المال، فلا يضرّ عدم صدق المال على الرطوبة.

(3) وصليّة، يعني: يقوى بطلان المسح بدون إذن المالك حتى إذا بذل القيمة.

(4) هذه العبارة نصّ كلام القواعد، و فيه أيضا: «وجب نزعها مع الإمكان، و لو خيف تلفها لضعفها فالقيمة» «1».

(5) هذا نصّ كلام المحقّق الثاني في شرح العبارة «2». و مراده بالتلف بقرينة قوله بعده: «النقص» أنّ الخيوط تارة تتلف بالنزع، لكونها ضعيفة تتقطّع و تخرج عن حيّز الانتفاع بها ثانية، فلا تقابل بالمال. و اخرى تنقص قيمتها. فعلى الأوّل يجب دفع تمام قيمة الخيوط إلى مالكها، و على الثاني يجب دفع نقص ماليّتها.

(6) هذا ظاهر في كون العبارة السابقة لغير جامع المقاصد، مع أنّها عين كلامه

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 81، السطر 6 (الطبعة الحجرية).

(2) الحاكي هو السيد العاملي، مفتاح الكرامة، ج 6، ص 285؛ جامع المقاصد، ج 6، ص 304 و 305

ص: 579

خروجها عن ملك المالك كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين، و لو استوعب القيمة أخذها (1) و لم تدفع العين» انتهى.

و عن المسالك في هذه المسألة: «أنّه إن (2) لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، و لا يخرج بذلك عن ملك مالكه كما سبق، فيجمع بين العين و القيمة» «1» (3)

______________________________

كما عرفت، فالأولى أن يقال: «و عطف على ذلك قوله».

(1) يعني: لو كانت الجناية مستوعبة للقيمة أخذ المالك تمام القيمة، مع بقاء العين على ملكه، فيجتمع لديه العين و القيمة، و لا يدفع العين إلى الضامن.

كما إذا غصب عبدا فجنى عليه بقطع يده، فالدية المقدّرة نصف قيمة العبد، لكن يفصّل في المسألة بين ما لو تنزّلت قيمة العبد- بهذه الجناية- عن نصف قيمته، فيجب دفع أكثر من نصف قيمته، و بين ما لو تنزّلت قيمته أقلّ من النصف تعيّن المقدّر الشرعيّ. مثلا إذا قوّم العبد المغصوب سليما بألف دينار، كانت دية قطع يده خمسمائة دينار، و لكن يلاحظ قيمة العبد مقطوع اليد، فإن كانت خمسمائة كفى دفع الدية المقدّرة.

و إن كانت قيمته أربعمائة دينار وجب دفع ستمائة، و لا يجزي دفع خمسمائة دينار، و هي الدية المقدّرة. هذا.

و لو جنى عليه جناية أخرى بحيث صار دية المجموع ألف دينار وجب دفع الألف- مع العبد المجنيّ عليه- إلى مالكه. و الشاهد في جواز اجتماع العبد و قيمته في ملك مالكه.

(2) عبارة المسالك: «و إن لم يبق ..».

(3) يعني: فلا يدخل العين في ملك الضامن بدفع البدل، بل كلّ من المبدل و البدل ملك للمالك.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 178

ص: 580

لكن عن مجمع البرهان في هذه (1) المسألة اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: «يمكن أن لا يجوز، و يتعيّن القيمة، لكونه بمنزلة التلف (2). و حينئذ (3) يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه يجب ردّه. كما قيل بجواز المسح (4) بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد (5) إكمال الغسل و قبل المسح» «1» انتهى.

و استجوده بعض المعاصرين (6) ترجيحا (7) لاقتضاء ملك المالك للقيمة خروج المضمون عن ملكه، لصيرورته (8) عوضا شرعا.

______________________________

(1) يعني: مسألة الخيوط المغصوبة.

(2) يعني: فلا مال له حتى يكون سلطانا على مطالبته، فلو طالبه كان نزع الخيوط ضررا على صاحب المخيط، فلا يجوز له مطالبة الخيوط، بل له مطالبة القيمة.

(3) أي: حين كونه بمنزلة التلف و دخول الخيوط في ملك الغاصب يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب.

(4) جواز الصلاة في الثوب المخيط بالخيوط المغصوبة- و جواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب- لأجل كون الخيوط و الرطوبة المذكورتين بمنزلة الشي ء التالف.

(5) التقييد ببعديّة إكمال الغسلتين للاحتراز عن العلم بغصبيّة الماء قبل إكمالهما، لبطلان الوضوء حينئذ.

(6) و هو صاحب الجواهر، و وافقه السيّد في الحاشية «2».

(7) يعني: ترجيحا لاقتضاء ملك المالك .. إلخ على استصحاب ملك المالك للمضمون.

(8) علّة للاقتضاء، و ضميره راجع إلى المضمون، و المراد بالمعوّض هو القيمة.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 521

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 80؛ حاشية المكاسب، ج 1، ص 108

ص: 581

و فيه: أنّه لا منشأ لهذا الاقتضاء (1). و أدلّة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها يرجع إلى وجوب تدارك ما ذهب من المالك، سواء كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقيّ، أو كان الذاهب السلطنة عليها التي بها قوام ماليّتها، كغرق المال، أو كان الذاهب الأجزاء أو الأوصاف التي يخرج بذهابها العين عن التقويم مع بقاء ملكيّته (2).

______________________________

(1) أي: اقتضاء ملك المالك للقيمة خروج العين المضمونة عن ملكه، و دخولها في ملك الضامن، لصيرورتها عوضا شرعا عن القيمة التي دفعها الضامن إلى المالك.

و حاصله: أنّه لا منشأ للاقتضاء المزبور أصلا، لأنّ ما يتوهّم أن يكون منشأ له هو أدلّة الضمان، و هي غير صالحة لذلك، لأنّ المستفاد من تلك الأدلة هو وجوب تدارك ما فات عن المالك، سواء أ كان الفائت نفس العين كما في التلف الحقيقيّ، أم كان الفائت السلطنة عليها مع بقاء عين المال كغرقها، فيما لم يكن الماء معدما لها، كالأحجار الكريمة التي تبقى في الماء، أم كان الفائت الأجزاء أو الأوصاف التي تخرج العين بذهابها عن القيمة مع بقاء الملكيّة.

و من المعلوم أنّ العين على التقدير الأوّل تخرج عن الملكيّة عرفا، فلا تقبل إضافة الملكيّة حتى يقال: إنّ طرف الإضافة هو المالك أو الضامن.

و على التقدير الثاني تكون السلطنة المطلقة على البدل بدلا عن السلطنة المنقطعة عن العين. و هذا معنى بدل الحيلولة، لا بدلا عن نفس العين، حتى يدّعى صيرورتها ملكا للضامن ببذل البدل.

و على التقدير الثالث يكون البدل المبذول بدلا عن ماليّة المال، إذ المفروض خروجه عن الماليّة مع بقاء عينه، فليس البدل المبذول بدلا عن نفس العين حتى يكون ملك المالك للقيمة مقتضيا لخروج العين المضمونة عن ملكه، و دخولها في ملك الضامن، لصيرورتها شرعا عوضا عن البدل المبذول للمالك.

(2) الأولى «ملكيّتها» لرجوع الضمير إلى العين.

ص: 582

و لا يخفى أنّ العين على التقدير الأوّل (1) خارج (2) عن الملكيّة عرفا.

و على الثاني (3) السلطنة المطلقة على البدل بدل عن السلطنة المنقطعة عن العين. و هذا معنى بدل الحيلولة.

و على الثالث (4) فالمبذول عوض عمّا خرج المال بذهابه عن التقويم، لا عن نفس العين، فالمضمون في الحقيقة هي تلك الأوصاف التي تقابل بجميع القيمة، لا نفس العين الباقية، كيف؟ (5) و لم تتلف هي، و ليس لها على تقدير التلف أيضا عهدة ماليّة، بل الأمر بردّها مجرّد تكليف لا يقابل بالمال (6). بل لو استلزم ردّه ضررا ماليّا على الغاصب أمكن سقوطه (7)، فتأمّل (8).

______________________________

(1) و هو تقدير تلف العين حقيقة، فإنّ العين التالفة لا تعدّ ملكا و لا مالا.

(2) الأولى «خارجة».

(3) و هو تقدير فوت السلطنة، مع بقاء العين في مكان لا تنالها اليد فعلا.

(4) و هو كون الذاهب الأجزاء و الأوصاف المقوّمة لماليّة العين.

(5) يعني: كيف يكون المبذول بدلا عن نفس العين؟ مع أنّها باقية غير تالفة.

(6) حتى يقال: إنّ بدل الحيلولة بدل عن العين، فملك المالك للبدل يقتضي خروج المبدل عن ملكه، و دخوله في ملك الضامن. بل الحكم بوجوب ردّ العين حينئذ تكليف محض لا يستتبع الوضع.

و بالجملة: فعلى جميع التقادير لا يكون البدل بإزاء نفس العين حتى يدّعى اقتضاؤه لملكيّة المبدل للضامن.

(7) أي: سقوط التكليف. و الوجه في سقوطه حكومة قاعدة نفي الضرر عليه، و ليست معارضة بضرر المالك مالا، لفرض خروج العين عن الماليّة، التي استوفاها بالغرامة.

(8) لعلّه إشارة إلى: منع جريان قاعدة الضرر هنا، لأنّها في مقام الامتنان، فلا تجري في حقّ الغاصب، فيبقى إطلاق ما دلّ على وجود الرّد بحاله.

ص: 583

و لعلّ (1) ما عن المسالك من «أنّ ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب، بعد خروجه عن القيمة بالإخراج، فتعيّن القيمة فقط»

______________________________

(1) غرضه توجيه ما في المسالك من: «أن ظاهر الفقهاء عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب، و الخشبة عن البناء».

و حاصل التوجيه: أنّ عدم وجوب الرّدّ في هذين الموردين إنّما هو لأجل استلزام الرّد الضرر على مالك الثوب و البناء.

ثم لا يخفى أنّ ما نسبه المصنف قدّس سرّه إلى المسالك و إن كان في محلّه، إلّا أنّ العبارة المنقولة ليست نصّ كلامه، بل هي تلفيق بين كلماته في مسألتين كما نبّه عليه الفقيه المامقاني قدّس سرّه. «1»

و لتوضيح الأمر ننقل أوّلا عنوان المسألة في الشرائع، ثمّ ما في المسالك.

قال المحقّق قدّس سرّه: «يجب ردّ المغصوب ما دام باقيا و لو تعسّر، كالخشبة تستدخل في البناء، أو اللوح في السفينة، و لا يلزم المالك أخذ القيمة .. و لو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة، فإن أمكن نزعها الزم ذلك، و ضمن ما يحدث من نقص، و لو خشي تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة» «2».

و ظاهره وجوب الرّدّ مطلقا، سواء فسدت الخشبة بالنزع من البناء أم لم تفسد، و على تقدير عدم الفساد لا فرق بين تضرّر المالك و عدم تضرّره. و سيأتي من المصنّف إمكان حمل هذا الإطلاق على صورة عدم تضرّر مالك البناء بنزع الخشبة، فلو تضرّر لم يجب النزع، بل وجب دفع قيمتها.

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في حكم الخشبة المغصوبة: «إذا غصب خشبة و أدرجها في بنائه أو بنى عليها لم يملكها الغاصب، بل عليه إخراجه من البناء و ردّه إلى المالك .. إلى أن قال: ثمّ إذا أخرجها و ردّها لزمه أرش النقص إن دخلها نقص.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 318

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 239

ص: 584

محمول على صورة تضرّر المالك (1) بفساد الثوب المخيط، أو البناء المستدخل فيه الخشبة، كما لا يأبى عنه (2) عنوان المسألة (3)، فلاحظ.

و حينئذ (4) فلا تنافي ما تقدّم عنه سابقا من بقاء الخيط على ملك مالكه،

______________________________

و لو بلغت حدّ الفساد على تقدير الإخراج بحيث لا يبقى لها قيمة فالواجب تمام قيمتها.

و هل يجبر على إخراجها حينئذ؟ نظر من فوات الماليّة، و بقاء حقّ المالك في العين.

و ظاهرهم عدم الوجوب، و أنّها تنزّل منزلة المعدومة. و لو قيل بوجوب إعطائها المالك لو طلبها كان حسنا، و إن جمع بين القيمة و العين» «1».

و قال في مسألة خياطة الثوب بخيط مغصوب: «الخيط المغصوب إن خيط به ثوب و نحوه فالحكم كما في البناء على الخشبة، فللمالك طلب نزعه، و إن أفضى إلى التلف. و يضمن الغاصب النقص إن اتّفق. و إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، و لا يخرج بذلك عن ملك المالك كما سبق، فيجمع بين العين و القيمة» «2».

و قد اتّضح من هذا أن قول الماتن قدّس سرّه: «ما عن المسالك من أن ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخيط المغصوب عن الثوب» غير مذكور في مسألة الخيط، بل ذكره في حكم الخشبة، و لكن حيث قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «كما سبق، فيجمع بين العين و القيمة» صحّت النسبة المزبورة، لاتّحاد حكم الخيط و الخشبة المغصوبين.

(1) أي: مالك الثوب.

(2) أي: كما لا يأبى كلام المحقّق- في عنوان المسألة- عن الحمل على صورة تضرّر المالك .. إلخ.

(3) يعني: مسألة البناء المستدخل فيه خشبة مغصوبة.

(4) أي: و حين حمل فتواهم بتعيّن القيمة- في مسألتي الخيط و الخشبة المغصوبين- على صورة تضرّر المالك فلا تنافي ما تقدّم .. إلخ.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 12، ص 176

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 178

ص: 585

و إن وجب بذل قيمته.

ثمّ إنّ هنا قسما رابعا (1) و هو ما لو خرج المضمون عن الملكيّة مع بقاء حقّ الأولويّة فيه، كما لو صار الخلّ المغصوب خمرا. فاستشكل في القواعد وجوب

______________________________

وجه المنافاة: أنّ بقاءه على ملك مالكه يقتضي وجوب ردّه، فيجب إخراجه مقدّمة لردّه. و هذا الحكم ينافي حكمهم بعدم وجوب الإخراج، لكشفه عن عدم وجوب الرّدّ.

و أمّا وجه عدم المنافاة فهو: أنّ وجوب الرّدّ مقيّد بعدم استلزامه الضرر على الرادّ.

و الحاصل: أنّ المنافاة ناشئة من الملازمة بين الملكيّة و وجوب الرّدّ، فالملازمة منحصرة بعدم تضرّر الرادّ بالرّد، لا مطلقا حتى في صورة التضرّر به، فيمكن ان يكون مالكا، و لا يحب على الغاصب ردّه لتضرّره به، هذا.

لكن كلام المسالك آب عن هذا الحمل، لأنّه قال- فيما لو خيف من نزع الخشبة هلاك مال غير الحيوان أو هلاك نفس السفينة، و المال له أو لمن يعلم أن فيها لوحا مغصوبا- بأنّ فيه وجهين: «أحدهما، و هو الذي يقتضيه إطلاق المصنّف، و صرّح به الأكثر: أنّه ينزع أيضا، كما يهدم البناء لردّ الخشبة، و لا يبالي بما صنع، لأنّ دفع المغصوب إلى المالك واجب على الفور، و لا يتمّ إلّا بهذا. و عدوان الغاصب لا يناسبه التخفيف، و هو الذي أدخل الضرر على نفسه ..» «1».

(1) غرضه أنّ الأقسام و التقادير الثلاثة المتقدّمة كانت بالنسبة إلى العين المملوكة، الّتي خرجت عن الملكيّة أو الماليّة رأسا. و يبقى حكم قسم آخر، و هو خروج العين عن الملكيّة، و تعلّق حق الأولويّة بها، كما إذا غصب خلّا فانقلب عنده خمرا، فإنّه يجب دفع قيمة الخلّ إلى المالك، و هل يجب ردّ الخمر إليه- أيضا- أم لا؟

استشكل العلّامة فيه.

فالوجه في وجوب ردّها هو استصحاب الحكم قبل انقلابها خمرا، للشكّ في

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 13، ص 177

ص: 586

ردّها مع القيمة (1).

و لعلّه (2) من استصحاب وجوب ردّها. و من (3) أنّ الموضوع في المستصحب ملك المالك، إذ لم يجب إلّا ردّه، و لم (4) يكن المالك إلّا أولى به.

______________________________

انتفاء وجوب الرّدّ بمجرّد الانقلاب.

و الوجه في عدم وجوب الرّدّ منع جريان الاستصحاب هنا، لأنّ متعلّق الحكم هو «مال الغير و ملكه» و حيث إنّ المفروض زوال إضافة الملكيّة عن هذا المائع لم يبق مجال لاستصحاب الوجوب المتعلّق بمال الغير.

ثم تأمّل المصنّف في هذا الوجه، بأنّ المستصحب وجوب ردّ المائع الذي طرأ عليه حالتا الخلية و الخمرية، و ليستا مقوّمتين للموضوع حتى يقطع أو يشكّ في ترتّب الحكم عليه. و لهذا ذهب جمع إلى وجوب ردّها، لأنّ المرجع في تعيين معروض المستصحب- أي الموضوع- هو العرف. و يتأيّد المطلب بما تقرّر من أنّه لو عادت الخمر خلّا وجب ردّه إلى المغصوب منه قطعا، و لو كان الموضوع متعدّدا لم يكن وجه لوجوب الرّدّ.

(1) قال في القواعد: «و لو غصب عصيرا فصار خمرا ضمن المثل، و في وجوب الدفع إشكال .. فإن صار خلّا في يد الغاصب ردّه مع أرش النقصان إن قصرت قيمة الخلّ» «1».

(2) أي: و لعلّ الاستشكال ينشأ من الاستصحاب، و المحقّق الثاني جعل منشأ وجوب الرّدّ بقاء الأولويّة، ثمّ قال: «و في وجوب الدفع قوّة» «2».

(3) هذا وجه عدم وجوب الرّدّ، لتعدّد الموضوع المانع عن الاستصحاب.

(4) يعني: و الحال أنّه ليس للمالك إلّا حقّ الأولويّة لا الملك، و موضوع وجوب الرّد هو الملك.

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ص 80، السطر 29 (الطبعة الحجرية).

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 292

ص: 587

إلّا أن يقال: (1) إنّ الموضوع في الاستصحاب عرفيّ. و لذا (2) كان الوجوب مذهب جماعة، منهم الشهيدان و المحقّق الثاني (3). «1»

و يؤيّده أنّه لو عاد خلّا ردّت إلى المالك بلا خلاف ظاهر (4).

______________________________

(1) غرضه ترجيح وجوب الرّدّ، و قد عرفت تقريبه.

(2) أي: و لأجل جريان الاستصحاب- لوحدة الموضوع عرفا- كان الوجوب مختار جماعة.

(3) نعم، لكن لا للاستصحاب الذي وجّه المصنّف الحكم به، بل لوحدة موضوع دليل الضمان، فراجع كلام المحقّق و الشهيد الثانيين.

(4) كما نقله صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال شارحا للمتن: «و لو غصب عصيرا فصار خمرا ثم صار خلّا في يد الغاصب قبل أن يدفع بدله، بل و بعده إذا كان على وجه كدفع الحيلولة كان للمالك، على ما صرّح به غير واحد، بل عن رهن غاية المرام و المسالك نفي الخلاف فيه، لأنّه عين ماله» «2».

و الظاهر عدم الإشكال في وجوب ردّه إلى المالك قبل دفع البدل. و أما بعد دفعه فقد استشكل فيه غير واحد على ما يظهر من عباراتهم، لكنّه لا ينافي نفي ظهور عدم الخلاف.

ثمّ إنّ الوجه في جعله مؤيّدا لا دليلا هو عدم الملازمة بين ملك المالك له لو صار خلّا و بين ثبوت الحقّ، لجواز أن يكون دخوله في ملكه لأجل كون أصله ملكا له حين كان خلّا، فهو نظير الملك بالتبعيّة.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 112؛ جامع المقاصد، ج 6، ص 292؛ مسالك الافهام، ج 12، ص 237

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 199 و 200

ص: 588

[ح: عدم ضمان ارتفاع القيمة و الزيادة بعد دفع البدل]

ثمّ إنّ (1) مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد الدفع (2)، سواء كان (3) للسوق أو للزيادة المتصلة (4)، بل (5) المنفصلة كالثمرة، و لا يضمن منافعه (6)، فلا يطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلك (7).

______________________________

ح: عدم ضمان ارتفاع القيمة و الزيادة بعد دفع البدل

(1) هذا فرع آخر ممّا يتعلّق ببدل الحيلولة، و هو عدم ضمان الغاصب ارتفاع قيمة العين بعد دفع البدل، و قد سبق في الأمر السابع عدم ضمان ارتفاع قيمة العين التالفة على جميع الأقوال، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين أن يكون ارتفاعها قبل دفع القيمة و بعدها. و فصّل هناك بين كون ارتفاع القيمة للسوق فلا يضمن، و بين الزيادة العينيّة فتضمن. هذا في التلف الحقيقيّ.

و أمّا زيادة القيمة في بدل الحيلولة فلا تضمن مطلقا.

و ملخّص تقريب عدم الضمان: أنّ الغارم يخرج عن عهدة ضمان العين بدفع البدل، و لازمه عدم ضمانه لزيادة قيمة العين مطلقا و إن كانت للزيادة في العين. و كذا لا يضمن منافعه، لخروج العين عن عهدته و ضمانها بدفع البدل، فلا ارتباط للعين بالضامن.

(2) أي: دفع بدل الحيلولة.

(3) أي: كان ارتفاع القيمة.

(4) كالسمن في الحيوان، و تعلّم الصنعة في العبيد و الإماء.

(5) الإتيان بكلمة الإضراب لأجل أنّ ضمان الزيادة المنفصلة كالثمرة لا يخلو من وجه، لكونها عينا اخرى يحتمل ضمانها، لكن حيثيّة كونها نماء للعين المضمونة التي دفع بدلها إلى مالكها توجب عدم ضمانها.

(6) في ضمان المنافع بعد دفع بدل الحيلولة قولان: أحدهما ذلك، و الآخر العدم كما سيأتي في المتن.

(7) يعني: بعد دفع البدل. و وجه عدم ضمان المنافع حينئذ واضح، إذ المفروض

ص: 589

و عن التذكرة و بعض آخر (1) ضمان المنافع، و قوّاه (2) في المبسوط بعد أن

______________________________

خروج العين- بدفع البدل- عن ضمان الغاصب، فلا مجال لقاعدة تبعيّة المنافع للعين في الملكيّة.

(1) الحاكي لكلام العلّامة و غيره هو السيّد العاملي و غيره، قال قدّس سرّه:

«و قد قرّب في التذكرة اللزوم و الوجوب، و قال: إنّه أصحّ وجهي الشافعيّة، لأنّ حكم الغصب باق، و إنّما وجبت القيمة للحيلولة، فيضمن الأجرة .. و مال إليه في المسالك، و كأنّه قال به في مجمع البرهان و هو الأصحّ» «1». و جعله في الجواهر- بعد ما نسبه إلى جماعة- موافقا للتحقيق «لبقاء العين المغصوبة على ملك المالك، و على وجوب ردّها على الغاصب مع التمكّن، و على ضمانها و ضمان نمائها، و أنّ القيمة للحيلولة غرامة شرعيّة ثبتت بالأدلّة، و هي لا تقتضي براءة، و لا تغييرا للحال الاولى» «2».

و فيه: أنّ القيمة المدفوعة اقتضاها الضمان على نحو اقتضائه لها في التلف على أن تكون تداركا لما فات، فكأنّه لم يفت، من غير فرق بين أن تكون بدلا عن العين أو عن الحيلولة، فكأنّ العين في يده، فكيف تكون حينئذ مضمونة؟

(2) أي: قوّى ضمان المنافع، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «و أجرتها- أي العين- من حين دفع القيمة إلى حين الرّدّ على وجهين، أحدهما: لا اجرة عليه .. و هو الأقوى.

و الثاني: عليه أجرتها .. و هذا قويّ أيضا» «3». فما نسبه المصنّف قدّس سرّه إليه لا يخلو من مسامحة، إذ الأقوى بنظر الشيخ هو عدم ضمان المنافع، و القويّ ضمانها، و الأمر سهل.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 249 (أواخر الصفحة)؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 382؛ مسالك الأفهام، ج 12، ص 201؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 538

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 139

(3) المبسوط، ج 3، ص 96

ص: 590

جعل الأقوى خلافه. و في موضع من جامع المقاصد «أنّه موضع توقّف» (1) و في موضع آخر: رجّح الوجوب (2).

[ط: ضمان ارتفاع قيمة العين و النماء قبل دفع البدل إلى المالك]

ثم (3) إنّ ظاهر عطف التعذّر على التلف في كلام بعضهم «1»- عند التعرّض لضمان المغصوب بالمثل أو القيمة- يقتضي عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة

______________________________

(1) قال بعد بيان وجهي الإشكال- في ضمان منافع العبد الآبق السابقة على الغرم- ما لفظه: «و المسألة موضع توقّف» «2».

(2) حيث قال بعد بيان وجهي الإشكال في ضمان النماء المتّصل و المنفصل- إذا تجدّد بعد دفع البدل- ما لفظه: «و الأصحّ استحقاق الرجوع به أيضا على الغاصب، استصحابا لما كان إلى أن يعلم المزيل» «3».

ط: ضمان ارتفاع قيمة العين و النماء قبل دفع البدل إلى المالك

(3) ما تقدّم بقوله: «ثمّ إن مقتضى الغرامة» إلى هنا كان حكم ارتفاع قيمة العين بعد أداء بدل الحيلولة، و كذا منافعها المتجدّدة. و غرضه الآن بيان حكم ارتفاع القيمة قبل أداء البدل إلى المالك، فأفاد قدّس سرّه: أنّ مقتضى تنزيل التعذّر منزلة التلف في كلام مثل المحقّق قدّس سرّه هو ترتيب آثار التلف على التعذر، التي منها عدم ضمان ارتفاع القيمة السوقيّة المتحقّق بعد التعذّر و قبل الدفع، كالارتفاع الحاصل بعد التلف.

لكن مقتضى القاعدة ضمانه له، و ذلك لأنّ التلف يوجب تعيّن القيمة، و لذا يجب على المالك قبولها، و ليس له الامتناع عن أخذها. بخلاف تعذّر العين، إذ لا يتعيّن به القيمة، بل للمالك الصبر إلى زمان التمكّن من العين، و تبقى العين في عهدة الضامن في مدّة التعذّر. و لو تلفت كان للمالك قيمتها من حين التلف أو أعلى القيم أو يوم الغصب، على الخلاف السابق.

______________________________

(1) كالمحقق في المختصر النافع، ج 2، ص 296؛ و العلامة في تحرير الاحكام، ج 2، ص 139

(2) جامع المقاصد، ج 6، ص 251

(3) المصدر، ص 273

ص: 591

الحاصل بعد التعذّر و قبل الدفع، كالحاصل بعد التلف (1).

لكن مقتضى القاعدة (2) ضمانه له (3)، لأنّ (4) مع التلف يتعيّن القيمة (5)، و لذا ليس له الامتناع من أخذها. بخلاف تعذّر العين، فإنّ القيمة غير متعيّنة، فلو صبر المالك حتى يتمكّن من العين كان له ذلك، و يبقى العين في عهدة الضامن في هذه المدّة، فلو تلفت كان له قيمتها من حين التلف، أو أعلى القيم إليه، أو يوم الغصب على الخلاف.

و الحاصل: أنّ قبل دفع القيمة يكون العين الموجودة في عهدة الضامن، فلا عبرة بيوم التعذّر.

و الحكم (6) بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف مع الحكم بضمان الأجرة

______________________________

و الحاصل: أنّ العين الموجودة قبل دفع بدلها تكون في عهدة الضامن. و عليه فلا عبرة بيوم التعذّر، و الحكم بكون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف.

(1) على ما صرّح به في الأمر السابع بقوله: «ثم إنّه لا عبرة بزيادة القيمة بعد التلف على جميع الأقوال» و مراده بالقيمة هي السوقيّة، لا لزيادة عينيّة، كما صرّح به هناك أيضا، فراجع (ص 549).

(2) يعني: قاعدة كون بدل الحيلولة غرامة، لا بدلا عن العين المتعذّرة.

(3) أي: ضمان الغاصب لارتفاع القيمة.

(4) هذا بيان الفارق بين التلف و التعذّر في عدم ضمان الارتفاع في الأوّل، و ضمانه في الثاني.

(5) يعني: لا يملك مالك العين التالفة- في عهدة الضامن- إلّا القيمة.

(6) غرضه تضعيف كون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف، و حاصله: أنّ الالتزام بذلك يوجب التناقض. توضيحه: أنّ لازم كون يوم التعذّر كيوم التلف عدم ضمان الأجرة و النماء بالتعذر و قبل أداء البدل، فالحكم بضمان الأجرة و النماء بعد التعذّر و قبل أداء البدل مناف لذلك، فمقتضى القاعدة ضمان ارتفاع القيمة إلى يوم دفع البدل.

و أمّا بعده فلا.

ص: 592

و النماء إلى دفع البدل و إن تراخى (1) عن التعذّر مما لا يجتمعان ظاهرا، فمقتضى القاعدة ضمان الارتفاع إلى يوم دفع البدل، نظير دفع القيمة (2) عن المثل المتعذّر في المثليّ.

[ي: وجوب ردّ العين فورا بارتفاع العذر]

ثم (3) إنّه لا إشكال في أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العين و صار ممكنا وجب ردّها (4) إلى مالكها- كما صرّح به في جامع المقاصد- فورا (5) و إن كان في إحضارها

______________________________

(1) أي: تراخى دفع البدل. و غرضه أنّه لا فرق في التنافي بين الحكمين- و هما كون يوم التعذّر بمنزلة يوم التلف، و وجوب دفع بدل المنفعة قبل دفع بدل الحيلولة- بين أن يدفع بدل الحيلولة عقيب تعذّر ردّ العين فورا، أم بعده تراخيا.

و الوجه في عدم الفرق كون التعذّر بمنزلة التلف، فكما لا موضوع لضمان ارتفاع قيمة التالف، فكذا لا مجال لضمان ارتفاع قيمة العين المتعذّر إيصالها إلى المالك.

فالقول بضمان الارتفاع منوط برفع اليد عن المبنى، و هو وحدة حكم التلف و التعذّر.

(2) يعني: نظيره في ضمان ارتفاع القيمة إلى يوم دفعها في المثليّ المتعذّر مثله.

ي: وجوب ردّ العين فورا بارتفاع العذر

(3) هذا فرع آخر من فروع بدل الحيلولة، و هو وجوب ردّ العين إلى مالكها بمجرّد ارتفاع التعذّر و التمكّن منه، و لو توقّف إحضار العين على مئونة وجب على الضامن بذلها، كما وجب بذلها قبل التعذّر، يعني: لو وضع يده على مال الغير و أمكن إيصاله إليه وجب ردّه فورا، سواء توقّف على بذل مئونة أم لم يتوقّف عليه. لكون البذل مقدّمة للرّد الواجب، على ما سبق تفصيله في الأمر الثاني، فلاحظ (ص 201).

(4) لأنّه عين ماله، و مع إمكان دفعها لا تصل النوبة إلى بدلها، و الغرامة المدفوعة إلى المالك إنّما تكون بدلا دائميّا في صورة تلف العين، لا في صورة وجودها، إذ البدليّة حينئذ ماداميّة.

(5) قال قدّس سرّه في الظفر بالعبد الآبق المغصوب: «بل يجب على الغاصب ردّ العبد

ص: 593

مئونة كما كان قبل التعذّر، لعموم (1) «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (2).

و دفع (3) البدل لأجل الحيلولة إنّما أفاد خروج الغاصب عن الضمان، بمعنى انّه لو تلف لم يكن عليه قيمته بعد ذلك (4)، و استلزم ذلك (5) [و لازم ذلك]

______________________________

مطلقا على الفور» «1». و تقدم كلام آخر منه (في ص 202) دالّ على كون مئونة الرّدّ على المشتري، فراجع.

(1) تعليل لوجوب ردّ العين.

(2) لأنّ الغاية لا تصدق حقيقة إلّا بردّ نفس العين لا بدلها.

هذا بناء على دلالة الحديث على خصوص الحكم التكليفيّ أو الأعمّ منه و من الوضعيّ. و أمّا بناء على ظهوره في الوضع- كما تقدّم في أوّل مسألة المقبوض بالبيع الفاسد- فقد يشكل استظهار وجوب الرّد من الحديث، فتأمّل.

(3) مبتدء، خبره «إنما أفاد» تعرّض المصنّف قدّس سرّه لدفع توهّمين قد يردا على وجوب ردّ العين المضمونة بعد زوال التعذّر.

الأوّل: أنّه لا يجب ردّ العين إلى مالكها، إذ الضامن دفع الغرامة إلى المالك، و هي ماليّة العين، و مقتضى التدارك عدم وجوب ردّ العين بعد ارتفاع العذر.

و دفعه المصنف قدّس سرّه بأنّ بدل الحيلولة لا يرفع التكليف بردّ العين، و إنّما يفيد أمرين، أحدهما: خروج الضامن عن عهدة قيمة العين لو تلفت بعد أداء البدل، فيصير البدل المحدود دائميّا، و لا يجب شي ء آخر.

ثانيهما: عدم ضمان المنافع الحاصلة في العين بعد دفع الغرامة.

و من المعلوم أنّ هذين الحكمين المترتّبين على أداء بدل الحيلولة لا يمنعان عن فعليّة وجوب ردّ العين عند التمكّن منه.

(4) أي: بعد التلف.

(5) أي: خروج الغاصب عن الضمان، و هو إمّا فاعل «يستلزم» و إمّا مضاف

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 261.

ص: 594

على ما اخترناه (1) عدم ضمان المنافع و النماء المنفصل و المتّصل بعد دفع الغرامة.

و سقوط (2) وجوب الرّدّ حين التعذّر للعذر العقليّ، فلا يجوز استصحابه، بل مقتضى الاستصحاب (3) و العموم هو الضمان المدلول عليه بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

______________________________

إليه لقوله: «و لازم» بناء على ما في بعض النسخ، و قوله: «عدم ضمان» إمّا مفعول ل «يستلزم» و إمّا خبر ل «لازم».

و على كلّ فعدم ضمان المنافع- بعد أداء بدل الحيلولة- حكم آخر، و هو يترتّب على الحكم الأوّل أعني به خروج الغاصب عن عهدة العين

(1) من قوله: «ثمّ إنّ مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم ..».

(2) مبتدء، خبره قوله: «للعذر العقليّ». و هذا إشارة إلى التوهّم الثاني، و حاصله: أنّه لا يجب ردّ العين بعد التمكّن منه، و ذلك لاستصحاب عدم وجوب ردّها حال التعذّر، و مع هذا الأصل المحرز لا مجال لتكليف الضامن بردّ العين عند القدرة عليه.

و قد دفعه المصنف قدّس سرّه بمنع جريان الاستصحاب هنا، لانتفاء قيد المستصحب، توضيحه: أنّ سقوط وجوب دفع العين كان مقيّدا عقلا بالتعذّر المسقط للتكليف، و حيث إنّ المفروض زوال العذر، فلو أريد تسوية الحكم إلى ما بعد التعذّر كان إثبات حكم موضوع لموضوع آخر، و لا معنى للاستصحاب حينئذ.

(3) بأن يقال: إنّ المتيقن في السابق هو الضمان مطلقا في حالتي التعذّر و التمكّن، و دفع الغرامة في حال التعذّر يوجب الشك في أنّ المرتفع به أصل الضمان أو خصوص الضمان في حال التعذّر و ما دام متعذّرا، فلا يحصل القطع بارتفاع الضمان بالمرّة، بل هو مشكوك فيه، لاحتمال ارتفاع الضمان الخاصّ لا أصله، فلا مانع من استصحاب أصل الضمان في حال التمكّن. و يترتّب عليه وجوب الرّدّ، لوجود المقتضي و هو الضمان، و عدم المانع عنه و هو التعذّر.

ص: 595

[ك: هل ينتقل البدل إلى الغارم بتمكّن دفع العين؟]

و هل الغرامة (1) المدفوعة تعود ملكه إلى الغارم بمجرد طروء التمكّن،

______________________________

ثم إنّ الجمع بين الاستصحاب و العموم خلاف ما قرّره قدّس سرّه في الأصول من حكومة الثاني على الأوّل.

ك: هل ينتقل البدل إلى الغارم بتمكّن دفع العين؟

(1) هذا فرع آخر من فروع بدل الحيلولة، و هو أنّه: إذا تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المالك بعد دفع بدل الحيلولة، و لكنّه لم يوصل العين إلى المالك، ففي خروج بدل الحيلولة من ملك المضمون له، و عدمه وجهان:

الأوّل: أنّ التمكّن من العين يوجب خروج البدل عن ملك المضمون له، و دخوله في ملك الضامن، و حيث إنّه لم يوصل العين إلى مالكها يصير ضامنا لها بضمان جديد. و يترتب عليه أنّه لو تلفت عنده اعتبرت قيمتها الفعليّة، لا قيمتها السابقة في حال التعذّر. فبناء على ضمان القيميّ بقيمة يوم الضمان تتعيّن قيمتها يوم التمكّن منها، أي حين ارتفاع العذر.

و بناء على ضمانه بقيمة يوم التلف تعتبر قيمتها فيه.

و بناء على ضمان أعلى القيم بين وقت الضمان و التلف يتعيّن أعلاها.

الثاني: أنّ مجرّد التمكّن من العين لا يقتضي انتقال بدل الحيلولة إلى ملك الغارم، فلو لم يوصلها إليه و تلفت عنده لم يضمنها بضمان جديد، بل يصير بدل الحيلولة بدلا دائميّا مستقرّا، بعد أن كان بدلا محدودا مغيّا بوصول العين أو تلفها. و حينئذ ينتفي احتمال ضمان يوم القبض أو وقت التلف أو الأعلى بينهما.

و استظهر المصنّف قدّس سرّه هذا الاحتمال، و استدلّ عليه بالاستصحاب، بتقريب:

أنّ بدل الحيلولة كان ملكا لمالك العين حين التعذّر، و لو شك في زواله بمجرّد تمكّن الضامن من ردّ العين جرى استصحاب ملكه له.

ص: 596

فيضمن (1) العين من يوم التمكّن ضمانا جديدا (2) بمثله أو قيمته يوم (3) حدوث الضمان، أو (4) يوم التلف، أو أعلى القيم. أو أنّها باقية على ملك مالك العين، و كون (5) العين مضمونة بها لا بشي ء آخر في ذمّة الغاصب، فلو تلفت (6) استقرّ ملك المالك على الغرامة، فلم (7) يحدث في العين إلّا حكم تكليفيّ بوجوب ردّه، و أمّا الضمان و عهدة جديدة فلا؟ وجهان (8)، أظهرهما الثاني (9) لاستصحاب كون العين مضمونة بالغرامة، و عدم طروء ما يزيل ملكيّته عن الغرامة، أو يحدث (10) ضمانا جديدا.

______________________________

(1) هذا متفرّع على عود بدل الحيلولة- الذي هو بدل محدود بالتعذّر- إلى ملك الغارم، و اشتغال ذمّته بقيمة أخرى كما عرفت.

(2) في قبال بدل الحيلولة الذي كان ضمانا قديما في حال تعذّر ردّ العين.

(3) متعلّق ب «قيمته» أي: قيمته يوم حدوث الضمان، أو قيمته يوم التلف أو أعلى القيم، على الخلاف المتقدّم في الأمر السادس و السابع.

(4) هذا عدل قوله: «تعود» يعني: هل الغرامة تعود ملكا إلى الغارم أم هي باقية على ملك مالك العين؟ و قد أوضحناه آنفا بقولنا: «الثاني: أن مجرّد التمكّن من العين ..».

(5) بالجرّ معطوف على «ملك» المجرور ب «على». و الواو بمعنى «مع» أي: مع كون العين مضمونة بتلك الغرامة لا بغيرها. و ضمير «بها» راجع إلى الغرامة.

(6) أي: فلو تلفت العين- بيد الغاصب بعد التمكّن من ردّها إلى المالك- صار بدل الحيلولة ملكا مستقرّا لمالك العين، و لم يحدث ضمان جديد.

(7) هذا متفرّع على بقاء ملك الغرامة لمالك العين، و عدم انتقالها إلى الغارم بمجرّد تمكّنه من ردّ العين إلى مالكها.

(8) خبر قوله: «و هل الغرامة المدفوعة».

(9) و هو بقاء الغرامة على ملك المغصوب منه.

(10) معطوف على «يزيل» و «يحدث» بصيغة الفاعل من باب الافعال، يعني:

ص: 597

و مجرّد (1) عود التمكّن لا يوجب عود سلطنة المالك حتى يلزم من بقاء مالكيّته على الغرامة الجمع بين العوض و المعوّض.

غاية ما في الباب (2) قدرة الغاصب على إعادة السلطنة الفائتة المبدلة عنها بالغرامة، و وجوبها عليه.

و حينئذ (3) فإن دفع العين فلا إشكال في زوال ملكيّة [مالكية] المالك للغرامة.

و توهّم (4) أنّ المدفوع كان بدلا عن القدر الفائت من السلطنة في زمان

______________________________

و عدم طروء ما يزيل ملكيّته من الغرامة، أو ما يحدث ضمانا جديدا، فمجرّد تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المالك لا يجدي في رفع الضمان، بل الضمان باق على حاله.

(1) غرضه قدّس سرّه بيان عدم طروء ما يزيل ملكيّة مالك العين لبدل الحيلولة، إذ قد يتوهّم: اختصاص البدل بحال التعذّر، فلو فرض تمكّن الغاصب من إيصال العين إلى مالكها لزم خروج بدل الحيلولة إلى ملك الغارم حتى لا يجتمع العوض و المعوّض عند واحد.

و أجاب عنه المصنف بعدم عروض ما يزيل ملكيّة المضمون له للبدل، و بقاء ملاك تغريم الضامن، و ذلك لأنّ فوات سلطنة المالك على ماله اقتضى دفع البدل، و لا فرق فيه بين تمكّن الغاصب من ردّ العين و بين تعذّره عليه. فخروج البدل عن ملك مالك العين منوط بوصولها إليه. و عليه فلا موضوع للجمع بين العوض و المعوّض عند واحد.

(2) يعني: غاية ما يلزم من عود تمكّن الغاصب من ردّ المغصوب إلى المغصوب منه هو قدرته على إعادة ما فات عن المالك من السلطنة الّتي أبدلت بالغرامة.

(3) يعني: و حين قدرة الغاصب على إعادة السلطنة، فإن دفع العين فلا إشكال في زوال مالكيّة المالك للغرامة.

(4) غرض المتوهّم منع عود بدل الحيلولة إلى الغاصب بعد دفع العين إلى

ص: 598

التعذّر فلا يعود، لعدم عود مبدله، ضعيف في الغاية. بل كان (1) بدلا عن أصل السلطنة يرتفع (2) بعودها، فيجب دفعه أو دفع بدله مع تلفه، أو خروجه (3) عن ملكه بناقل لازم بل جائز.

و لا يجب (4) ردّ نمائه المنفصل.

______________________________

المالك. و تقريبه: أنّ بدل الحيلولة لمّا كان عوضا عن السلطنة الفائتة في زمان تعذّر ردّ العين إلى مالكها لم يكن موجب لإعادته إلى الغاصب، ضرورة أنّ محذور اجتماع العوض و المعوّض غير لازم في المقام، لأنّ بدل الحيلولة كان بدلا عن السلطنة الفائتة التي يستحيل عودها إلى المالك. و السلطنة الحادثة بعد ردّ العين لم تكن في قبال بدل الحيلولة. و عليه فلا وجه لأن يقال: «فلا إشكال في زوال ملكيّته للغرامة، بل يبقى البدل على ملكيّة المضمون له».

و دفعه قدّس سرّه بقوله: «ضعيف في الغاية» و بيانه: أنّ الغرامة التي دفعها الضامن كانت بدلا عن أصل السلطنة، بحيث تكون البدليّة ملحوظة بين البدل و السلطنة حدوثا و بقاء. ففي زمان التعذّر يكون البدل بدلا عن السلطنة في ذلك الزمان، و في زمان التمكّن لو بقي البدل ملكا للمالك كان ملكا له بلا مبدل منه، لعدم فوات السلطنة في ذلك الزمان حتى يكون مبدلا منه.

(1) أي: بل كان المدفوع بدلا عن أصل السلطنة.

(2) يعني: يرتفع البدل عن البدليّة بعود السلطنة، فيجب حينئذ دفع البدل إلى الضامن، أو دفع بدله مع تلفه، أو خروجه عن ملك المغصوب منه بناقل لازم بل جائز، لكون النقل كالتلف.

(3) معطوف على «تلفه» يعني: أنّ وجوب دفع البدل ثابت في التلف و في الخروج عن الملك بناقل.

(4) لأنّه نماء ملكه بما أنّه ملكه، لا بما أنّه بدل عن السلطنة حتى يجري عليه حكم العين من الرجوع إلى ملك الغارم. و أمّا النماء المتّصل فهو تابع للعين عرفا،

ص: 599

و لو لم يدفعها (1) لم يكن له مطالبة الغرامة أوّلا، إذ ما لم يتحقق السلطنة لم يعد الملك إلى الغارم، فإنّ الغرامة عوض السلطنة، لا عوض قدرة الغاصب على تحصيلها للمالك، فتأمّل (2).

نعم (3) للمالك مطالبة عين ماله،

______________________________

فينتقل إلى الغارم، كما أنّ العين تنتقل إليه.

(1) معطوف على قوله: «فإن دفع العين» يعني: و لو لم يدفع الغارم العين المغصوبة إلى المالك لم يكن له مطالبة الغرامة من المالك، لأنّ الغرامة عوض السلطنة الفائتة، لا عوض قدرة المالك على تحصيل السلطنة. نعم يجوز للمالك المطالبة بالعين كما سيأتي.

(2) الظاهر أنّه إشارة إلى تثبيت ما ذكره، و دفع توهم كون المقام نظير البيع، و أنّ لكلّ من البائع و المشتري امتناع تسليم ماله حتى يتسلّم مال الآخر.

و وجه الاندفاع هو الفرق بين باب الغرامة و باب المعاوضة، إذ لا ريب في عوضيّة كلّ من الثمن و المثمن عن الآخر. بخلاف المقام، فإنّ الغرامة عوض، و السلطنة معوّض، فما لم يرتفع المعوّض- بمعنى تحقّق السلطنة للمالك و عودها إليه- لم يرجع الغرامة إلى الغارم.

(3) غرضه بيان الفارق بين الضامن و المضمون له في مطالبة كلّ منهما ما له، فالضامن ليس له مطالبة الغرامة قبل تسليم العين إلى المالك كما عرفت آنفا. و أمّا المالك فيجوز له مطالبة عين ماله من الضامن، و ذلك لإطلاق قاعدة السلطنة، فإن طالبه و ردّ الضامن العين اتّجه ردّ بدل الحيلولة إليه، و إلّا فلا.

فإن قلت: كما يجوز للغارم مطالبة البدل، فكذا ليس للمالك مطالبة العين، فهما سواء من هذه الجهة. و الوجه في عدم استحقاق المالك المطالبة بالعين هو: أنّ الغرامة التي دفعها الضامن تكون بدلا عن سلطنته التامة على ماله، فالسلطنة المطلقة للملّاك على أموالهم غير ثابتة في المقام، لفرض تدارك سلطنته على العين ببدل الحيلولة الذي

ص: 600

لعموم (1) «الناس مسلطون على أنفسهم» و ليس (2) ما عنده من المال عوضا من مطلق السلطنة (3) حتى سلطنة المطالبة، بل (4) سلطنة الانتفاع بها على الوجه المقصود من الأملاك. و لذا (5) لا يباح لغيره بمجرّد بذل الغرامة.

______________________________

دفعه الضامن إليه، و بتحديد سلطنته و تضييقها لا سبيل لإثبات استحقاق مطالبة العين. و عليه فإن اختار الضامن ردّ العين إلى مالكها استردّ بدل الحيلولة منه، و إلّا فليس لأحد منهما المطالبة.

قلت: إنّ قاعدة السلطنة تقتضي جواز مطالبة العين من الغارم. و لا يتضيّق هذا الحقّ إلّا بكون بدل الحيلولة بدلا عن سلطنة المالك المطلقة على ماله، أو بدلا عن سلطنته على مطالبة ماله، إذ على كلّ منهما يسقط حقّ المطالبة و لا بدّ من انتظار إقدام الضامن حينئذ بأن يردّ العين إلى المالك و يستردّ البدل. و لكنّ الصحيح احتمال ثالث، و هو كون بدل الحيلولة بدلا عن خصوص سلطنة انتفاع المالك بالمال، المفروض فواتها في زمان تعذّر الوصول إلى العين، و أمّا سلطنته المطلقة على جميع أنحاء التقلّب في المال فلم تقابل ببدل الحيلولة حتى يسلب عن المالك حقّ مطالبة العين.

(1) المراد بالعموم هو الإطلاق كما مرّ غير مرّة.

(2) هذا إشارة إلى وهم، و جوابه قوله: «بل سلطنة الانتفاع» و قد أوضحناهما بقولنا: «فان قلت. قلت».

(3) إذ لو كان بدل الحيلولة بدلا عن مطلق السلطنة- بأن كانت العين المسلوبة السلطنة عليها ملكا للمضمون له- لم يستحقّ المالك مطالبة العين.

(4) يعني: يكون بدل الحيلولة عوضا عن بعض أنحاء السلطنة، و هو سلطنة الانتفاع بالملك. و أمّا السلطنة على الجهات الأخرى فباقية للمالك، و لم تعوّض بشي ء أصلا، و بناء على هذا فله المطالبة.

(5) غرضه إقامة الشاهد على كون بدل الحيلولة عوضا عن حيثيّة خاصّة من حيثيّات السلطنة، أي: و لأجل عدم كون الغرامة عوضا عن مطلق السلطنة لا يباح العين لغير

ص: 601

و ممّا ذكرنا (1) يظهر أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يدفع المالك، القيمة، كما اختاره (2) في التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد «1».

و عن التحرير «2» الجزم بأنّ له ذلك (3). و لعلّه (4) لأنّ القيمة عوض، إمّا عن العين، و إمّا عن السلطنة عليه. و على أي تقدير فيتحقّق التّراد.

و حينئذ فلكلّ من صاحبي العوضين حبس ما بيده حتى يتسلّم ما بيد الآخر (5).

______________________________

المالك، يعني: أنّ مالك العين لو بذل الغرامة للغاصب- بأن قال: «ما أريد منك الغرامة» أو ردّها إليه على وجه البذل و العطيّة بعد أخذها منه- لم يكن مجرّد بذلها موجبا لإباحة العين للغاصب.

و لو كانت الغرامة عوضا عن مطلق سلطنة المالك حتى سلطنة المطالبة و قد بذل العوض بعد قبضه أو قبله كان ذلك بمنزلة بذل المعوّض عنه، و كان من اللازم سقوط سلطنة المطالبة، بل إباحة العين للغاصب.

(1) يعني: من عدم عود الغرامة إلى ملك الغارم إلّا بعد إرجاع السلطنة على العين إلى مالكها يظهر أنّه ليس للغاصب حبس العين إلى أن يردّ مالك العين القيمة المدفوعة غرامة، إذ ليس للغاصب حينئذ مال عند المالك حتّى يجوز له ذلك، كما في المعاوضة.

(2) أي: عدم جواز الحبس.

(3) أي: الحبس.

(4) يعني: و لعلّ وجه جزم التحرير بأنّ للغاصب حبس العين إلى دفع المالك إليه القيمة هو تحقّق المعاوضة بين العين و البدل بأحد نحوين، فإمّا أن يكون المعوّض نفس العين، و إمّا السلطنة المطلقة عليها.

و على كلّ منهما يجوز للغاصب حبس العين حتى يردّ المالك البدل إلى الغارم، و لا يجب عليه المبادرة إلى تسليم العين إليه، كما يجوز للمالك الحبس حتى تصل إليه العين.

(5) كما هو الشأن في المعاوضات.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 385، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 178، جامع المقاصد؛ ج 6، ص 161.

(2) تحرير الأحكام، ج 2، ص 140، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة؛ ج 6، ص 256.

ص: 602

و فيه (1): أنّ العين بنفسها ليست عوضا و لا معوّضا (2)، و لذا تحقّق للمالك الجمع بينها و بين الغرامة، فالمالك مسلّط عليها (3). و المعوّض للغرامة السلطنة التي هي في معرض العود بالتّراد.

اللهم إلّا أن يقال: له حبس العين من حيث تضمّنه لحبس (4) مبدل الغرامة، و هي السلطنة الفائتة.

و الأقوى الأوّل (5).

[ل- لو حبس العين فتلفت، فالعبرة بأيّ القيم؟]

ثمّ لو قلنا (6) بجواز الحبس لو حبسه فتلفت العين محبوسا؛ فالظاهر أنّه

______________________________

(1) حاصل المناقشة في جواز حبس العين هو عدم تحقّق المعاوضة بين العين و البدل. أمّا عدم كون العين عوضا فمعلوم. و أمّا عدم كونها معوّضا فلأنّ بدل الحيلولة غرامة عن سلطنة الانتفاع الثابتة لكلّ مالك على ماله. و ممّا يشهد بعدم تحقّق المعاوضة اجتماع العين و البدل في ملك المضمون له، مع أنّ قوام المعاوضة بدخول أحد العوضين في كيس من خرج منه العوض الآخر. و هذا كاشف عن كون البدل عوضا عن السلطنة الفائتة.

(2) حتى يجوز للغارم حبس العين عن المالك إلى أن يأخذ الغرامة منه، و كذا حبس المالك الغرامة حتى يتسلّم العين من الغارم.

(3) أي: على الغرامة.

(4) أي: للغاصب حبس العين، و حاصله: أنّ حبس العين علّة لحبس السلطنة التي هي مبدل الغرامة، فيكون من هذه الحيثيّة نظير المعاوضة.

(5) و هو عدم جواز حبس العين للغاصب.

ل- لو حبس العين فتلفت، فالعبرة بأيّ القيم؟

(6) هذا من فروع المسألة، و تعبيره ب «لو قلنا» ظاهر في عدم التزامه به، لما تقدّم منه من عدم خروج الغرامة عن ملك مالك العين بمجرّد تمكن الغاصب من ردّها إليه، إذ بناء عليه لا مجال لجواز حبس العين.

و عليه فكلامه هنا مبنيّ على مقالة العلّامة قدّس سرّه في التحرير، فأفاد المصنف قدّس سرّه:

ص: 603

لا يجري عليه حكم المغصوب، لأنّه حبسه بحقّ (1).

نعم (2) يضمنه، لأنّه قبضه لمصلحة نفسه.

و الظّاهر أنّه (3) بقيمته يوم التلف [1] على ما هو الأصل في كلّ مضمون [2].

______________________________

أنّ الغاصب لو حبس العين لم يجر عليها حكم المغصوب بقول مطلق، بل ينفكّ التكليف عن الوضع، فلا تكليف بوجوب ردّها إلى المالك، لكون حبسها حقّا له.

و لكنّه يضمنها لو تلفت في الحبس. و يتفرّع على اشتغال عهدته بها أنّ العبرة هل تكون بقيمته يوم الحبس أو يوم التلف أو أعلى القيم؟ فبناء على ضمان القيميّ بقيمته يوم التلف يضمنها الغاصب هنا.

(1) إذ كان له ذلك حتى يتسلّم الغرامة من المالك، فكان الحبس بحكم الشارع، فلا إثم عليه.

(2) غرضه أنّ نفي حكم الغصب إنّما هو بالنسبة إلى الحرمة التكليفية فقط.

و أمّا الحكم الوضعيّ- و هو الضمان- فهو باق، لأنّه قبضه لمصلحة نفسه، كما في المستام. و الخارج عن عموم «على اليد» المقتضي للضمان هو خصوص اليد الثابتة على مال الغير لمصلحة المالك، فلو لم تكن اليد لمصلحة المالك كانت مضمّنة.

(3) أي: أنّ المغصوب مضمون بقيمته يوم التلف، لأنّه زمان الانتقال إلى القيمة.

______________________________

[1] الظاهر كما عن المحقّق الرشتي قدّس سرّه منافاة العبرة بقيمته يوم التلف لما اختاره سابقا من عدم تجدّد الضمان بمجرّد التمكّن، و أنّ العين مضمونة بالغرامة المدفوعة، لا بما في ذمّة الغاصب حتى يكون المدار على قيمة يوم التلف.

لكن يمكن توجيه ضمان قيمة يوم التلف بابتنائه على نظر العلّامة القائل بجواز الحبس المقتضي لتجدّد الضمان عند التمكّن.

[2] هذا صحيح بناء على كون المضمون بعهدة الضامن. و أمّا في موارد بدل الحيلولة تكون الغرامة المدفوعة بدلا عن المضمون بحيث لو تلفت العين كانت مضمونة ببدل الحيلولة.

ص: 604

و من قال بضمان المقبوض بأعلى القيم (1) يقول به هنا من زمان الحبس (2) إلى زمان التلف.

و ذكر العلّامة في القواعد «أنّه لو حبس، فتلف محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن، و استرجاع القيمة الأولى» «1».

و الظاهر أنّ (3) مراده بقيمة الآن مقابل القيمة السابقة بناء على زوال حكم الغصب عن العين، لكونه (4) محبوسا بغير عدوان، لا خصوص (5) حين

______________________________

(1) كما هو مذهب جماعة من القدماء، على ما سبق في الأمر السادس و السابع.

(2) يعني: لا من زمان الغصب، إذ المفروض أنّ الغرامة كانت بدلا عن العين.

و أمّا بعد التمكّن من ردّها و جواز حبسها لاسترداد بدل الحيلولة فالمدار في ضمانها لو تلفت على أعلى القيم من زمان الحبس إلى زمان التلف، لتجدّد الضمان بالحبس.

(3) لمّا كان ظاهر «الآن» اعتبار قيمة وقت تلف العبد، فتصدّى المصنّف لتوجيهه بأنّ المراد ليس خصوص القيمة الفعليّة، بل ما يقابل القيمة السابقة، و هي زمان غصب العبد. و لعلّ الداعي إلى هذا الحمل اختيار العلّامة ضمان أعلى القيم، لا قيمة يوم التلف، فيراد من «قيمته الآن» تمام زمان الحبس، لا خصوص يوم التلف، فلو كانت قيمته أوّل أيّام الحبس أكثر من قيمته يوم التلف لم يبعد ضمان الأكثر.

و لو أبقينا «الآن» على ظاهره- و هو يوم التلف- كان منافيا لمختار العلّامة في القواعد من ضمان أعلى القيم.

(4) تعليل لزوال حكم الغصب، لفرض تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى مالكها و امتناعه عن تسلّمها، و ردّ بدل الحيلولة، فحبس العين يكون حقّا للغاصب و إن كان ضامنا بضمان جديد، فلو اختلفت قيمتها من يوم حبسها إلى يوم تلفها لم تتعيّن قيمة يوم التلف، بل يرجع إلى ما أسّسه كلّ في ضمان القيمي، من أنّ العبرة بقيمة يوم الضمان، أو التلف، أو الأعلى بينهما.

(5) لمخالفته لمبنى العلّامة قدّس سرّه من ضمان أعلى القيم.

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ص 79، السطر 30 (الطبعة الحجرية)

ص: 605

التلف و كلمات كثير منهم لا تخلو عن اضطراب (1).

ثم إنّ أكثر ما ذكرناه مذكور في كلماتهم في باب الغصب، لكن (2) الظاهر أنّ أكثرها- بل جميعها- حكم المغصوب من حيث كونه مضمونا، إذ ليس في الغصب خصوصيّة زائدة.

نعم ربّما يفرّق من جهة نصّ في المغصوب مخالف (3) لقاعدة الضمان، كما احتمل في الحكم بوجوب قيمة يوم الضمان من جهة صحيحة أبي ولّاد، أو أعلى القيم، على ما تقدّم من الشهيد الثاني دعوى دلالة الصحيحة عليه (4).

و أمّا (5) ما اشتهر من «أنّ الغاصب مأخوذ بأشقّ الأحوال» فلم نعرف له

______________________________

(1) كما يظهر بمراجعة كلام السيد العميد و المحقق الثاني «1» و ما علّقه صاحب الجواهر عليه.

هذا تمام الكلام في بدل الحيلولة، و به تمّ الكلام في مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

(2) يعني: لا في المقبوض بالبيع الفاسد. و غرضه بيان وجه ما فصّله في ضمان القيميّ و المثليّ و بدل الحيلولة مع كونها مذكورة في باب الغصب، و وجه التّعدّي منه إلى غيره من موارد الضمان- كالمقبوض بالعقد الفاسد- هو: أنّ الغصب لمّا كان أجلى أفراد موجبات الضمان فقد ذكروا أحكام الضمان فيه، و عليه فتكون الأحكام أحكام كلّ مضمون، لا خصوص المضمون بالغصب.

(3) مخالفة الغصب للقاعدة المقتضية لضمان قيمة يوم التلف مبنيّة على دلالة صحيحة أبي ولّاد على اعتبار قيمة يوم الغصب، و ذلك غير ظاهر كما سبق بيانه عند التكلّم في مفاد الصحيحة.

(4) و قد تقدّم هناك تفصيل البحث.

(5) غرضه أنّه قد يتوهّم دلالة ما اشتهر من «أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال» على ضمان المغصوب بأعلى قيمته، لأنّ المناسب بحاله هو جبران خسارة المضمون له بدفع الأشقّ و هو أعلى القيم. و لا بأس به دلالة، لكن حيث إنّ هذه

______________________________

(1) كنز الفوائد، ج 1 ص 662 جامع المقاصد، ج 6، ص 262.

ص: 606

مأخذا واضحا (1).

________________________________________

و لنختم بذلك أحكام المبيع بالبيع الفاسد، و إن بقي منه آخر أكثر مما ذكر (2)،

______________________________

القاعدة لم تكن مفاد رواية معتبرة، و لا متصيّدة من نصوص متفرّقة لم يكن وجه للاعتماد عليها. فالعبرة حينئذ في المغصوب بقيمته يوم الغصب أو يوم التلف، على ما تقدّم تفصيله في البحث عن صحيحة أبي ولّاد.

(1) قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه ما لفظه: «وجدت فيما حرّره بعض الفضلاء ممّا أفاده الشيخ الفقيه المحقّق موسى بن جعفر الغروي قدّس سرّه في مجلس البحث تقييد هذه القاعدة المشهورة بما إذا كانت المشقّة في الغرامة و المؤنة، احترازا عمّا إذا كانت المشقّة في الكيفية، كما لو كان الرّدّ مشتملا على العسر. قال في مسألة وجوب ردّ المغصوب إلى صاحبه: و لو أدّى ردّه إلى عسر، العسر الذي لا نضايق عنه في الإلزام بردّ العين هو ما لم يصل إلى حدّ المشقّة غير المتحمّلة عادة، فلو وصل إلى ذلك الحدّ فهو في حكم التعذّر. بل الظاهر أنّهم كلّما يعبّرون بالتعذّر مع الإطلاق يريدون به ما يعمّ هذا النوع من التعسّر الذي كاد يكون من التعذّر الحقيقيّ العاديّ.

إن قلت: لم لا يجوز الإلزام بردّ العين و إن أدّى إلى عسر غير متحمّل، و من أين إلحاق هذا النوع من العسر بالتعذّر. بل الدليل على الحاقه بالعسر غير المضايق عن لزومه موجود، و هو ما اشتهر عندهم من أنّ الغاصب يؤخذ بالأشقّ.

قلنا: المراد بقولهم المذكور إنّما هو أخذه بالأشق في الغرامة، لا في غيرها، و المشقّة الحاصلة في الرّد ليس ممّا ذكروا فيها الأخذ بالأشقّ، فلو كانت للنقل مثلا مئونة فهي على الغاصب، لما ذكر، و هكذا، فلا تذهل» «1».

(2) غرضه قدّس سرّه أنّا و إن فصّلنا الكلام في أحكام المبيع بالبيع الفاسد، إلّا أنّ ما لم نتعرّض له أزيد بكثير ممّا ذكرناه، إذ بعد اتّحاده حكما مع المغصوب يجري فيه كثير من مسائل الغصب. و ما تقدّم من مباحث المثليّ و القيميّ و بدل الحيلولة قليل من كثير، و لا تنحصر أحكام الغصب في الأبحاث السابقة. مثلا لو مزج المبيع بالعقد

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 319.

ص: 607

و لعلّ بعضها يجي ء في بيع الفضولي [1].

______________________________

الفاسد بغيره، بحيث يشقّ تمييزه كالحنطة بالشعير، أو الدخن بالذرّة، فهل يقال بالشركة القهريّة أو يكلّف تمييزه؟

و لو اشترى أرضا فزرعها أو آجرها من غيره، فزرعها كان عليه ردّ الأرض و أجرة الغرس و الزرع و أرش الأرض إن نقصت بالزرع، و عليه طمّ الحفر.

و لو اشترى حبّا فزرعه، أو بيضا فاستفرخه، فهل الزرع و الفرخ للمشتري أم للبائع؟ و غير ذلك مما هو كثير.

و بهذا ينتهي الكلام في شرح ما أفاده شيخنا الأعظم من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد، و سيأتي الكلام في الجزء الرابع في شرائط المتعاقدين إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] تفصيل الكلام في بدل الحيلولة يقع في الدليل عليه، و ما يترتّب عليه من أمور، فنقول: قد استدلّ لوجوبه بوجوه:

الأوّل: ما في المتن من الروايات الدالّة على الضمان بهذه الأمور من الضياع و السرقة و الإباق و نحوها.

و فيه: أنّ موردها التلف، لا التعذّر.

لكن فيه ما لا يخفى، إذ المذكور فيها التلف و الضياع و السرقة، فلا تختصّ بالتلف.

الثاني: ما في حاشية السيد قدّس سرّه «1» من قاعدة الضرر، بتقريب: أنّ صبر المالك إلى حين الوصول الى ماله ضرر عليه.

أو ببيان: أنّ عدم الحكم بضمان البدل ضرر على المالك.

أو: بأنّ امتناع الضامن عن أداء البدل ضرر على المالك.

و فيه: ما قيل: من أنّ دليل نفي الضرر يرفع الحكم الناشئ عنه الضرر، بمعنى نفي تشريع الحكم الملقي للمكلّف في الضرر. و أمّا الضرر الناشئ عن عدم تشريع الحكم فلا يشرّع حكما لا يلزم منه الضرر، كالحكم بوجوب البدل على الضامن إلى أن يتمكّن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106

ص: 608

______________________________

من دفع العين إلى المالك، و إلّا يلزم الحكم بوجوب تدارك الضرر المتوجّه إلى مسلم من بيت المال، و من المعلوم عدم صحّة هذا التمسّك.

مضافا إلى: عدم وفاء قاعدة نفي الضرر بالمدّعى، و هو لزوم بدل الحيلولة مطلقا، سواء لزم من صبر المالك ضرر أم لا، إذ من الواضح كون النسبة بين موارد بدل الحيلولة و بين موارد تضرّر المالك هي العموم من وجه، إذ قد لا يتضرّر المالك بصبره إلى زمان التمكّن من الوصول إلى ماله، و مع ذلك يحكم بلزوم أداء بدل الحيلولة. و قد يتضرّر المالك من حيلولة الغاصب بينه و بين ماله مدّة قليلة كساعة أو ساعتين، مع أنّه ليس من موارد بدل الحيلولة، لاعتبار الفقهاء قدّس سرّهم في ثبوت بدل الحيلولة تعذّر وصول المالك إلى ماله مدّة طويلة. و قد يتعذّر وصوله إلى المالك مع تضرّره بعدم وصوله إليه. و مع هذه النسبة لا يصحّ الاستدلال بقاعدة الضرر مطلقا.

و دعوى إقدام الضامن على ضرر نفسه فاسدة، لأنّه لم يقدم إلّا على ضمان العين دون سائر الجهات التي منها، بدل الحيلولة.

الثالث: ما في المتن و حاشية السيد «1» أيضا من قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، بتقريب: أنّ مقتضاها جواز مطالبة العين وسيلة إلى أخذ البدل الذي هو ممكن.

أو بتقريب: أنّ السلطنة على مطالبة ماليّة ماله المضمون تقتضي جواز مطالبة البدل حتى ينتفع ببدل ماله.

أو بتقريب: أنّ السلطنة على الانتفاع بماله تقتضي جواز مطالبة بدل ماله لينتفع به.

و الكلّ لا يخلو من محذور. أمّا السلطنة على مطالبة العين للتوسّل إلى أخذ البدل، فإن أريد منها صورة إمكان ردّ العين فلازمها جواز إلزام الغاصب بردّ ماله، فيجب عليه السعي في مقدّمات تحصيله، و لا يجب على الغاصب حينئذ دفع البدل.

و إن أريد منها صورة عدم إمكان ردّ العين و تحصيلها- و إن أمكن حصولها فيما بعد- فلا وجه لجواز مطالبة العين، لكونه لغوا، إذ المفروض عدم إمكان تحصيلها و ردّها

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106

ص: 609

______________________________

إلى المالك. و مع اللغويّة و عدم تعقّل الترخيص في مطالبة العين كيف يترتّب عليه دفع البدل؟ و قد فرض المستدلّ جواز مطالبة العين وسيلة إلى أخذ البدل.

و أمّا السلطنة على مطالبة ماليّة ماله نظرا إلى كون عين ماله ذات شؤون ثلاثة، من حيث الشخصيّة، و من حيث الطبيعة النوعيّة، و من حيث الماليّة، و امتناع مطالبة الاولى لا يمنع عن مطالبة الباقي، ففيها: امتناع سلطنة المالك على مطالبته. أمّا الماليّة القائمة بنفس العين فلتعذّرها. و أمّا الماليّة القائمة ببدلها فهي حصة أخرى من الماليّة، و السلطنة عليها سلطنة على مطالبة مال الغير، لا على مال نفسه.

و أمّا السلطنة على مطالبة السلطنة على الانتفاعات بماله، ففيها: أنّ تلك السلطنة الشخصيّة على الانتفاع بماله متعذّرة بتعذّره، و السلطنة على الانتفاع بالبدل المدفوع سلطنة أخرى ليس للمالك مطالبتها إلّا بعد استحقاق البدل، و هو أوّل الكلام.

نعم بناء على مشرّعيّة قاعدة السلطنة يمكن إثبات جواز مطالبة البدل. لكنّه في حيّز المنع، بل قاعدة السلطنة لا تقتضي إلّا جواز التصرّفات التي ثبتت مشروعيّتها.

فالمتحصّل: أنّ قاعدة السلطنة لا تصلح لإثبات جواز مطالبة البدل.

الرابع: أنّ فيه جمعا بين الحقّين، مع فرض رجوع البدل إلى الضامن بعد ارتفاع العذر.

و فيه: أنّه مبنيّ على تعلّق حقّ للمالك على الضامن مع بقاء عين ماله ليكون ذلك جمعا بين الحقّين، لكن لا يلتزم أحد بتعلّق حقّ للمالك بالبدل مع بقاء العين و عدم تلفها، بل لا حقّ له إلّا على العين.

الخامس: حيلولة الغاصب بين المالك و ماله.

و فيه: أنّ الحيلولة ليست من موجبات الضمان بالاستقلال، إلّا إذا اندرجت تحت اليد أو الإتلاف، و المفروض أنّ قاعدة اليد لا تقتضي ردّ البدل مع عدم التلف أو الإتلاف.

السادس: أنّ الغاصب فوّت سلطنة المالك، فيجب عليه تداركها بدفع البدل.

فالمراد بهذا الدليل هو قاعدة الإتلاف، غايته أنّ متعلق الإتلاف ليس نفس العين، بل السلطنة عليها، فتفويت هذه السلطنة يوجب الضمان.

و فيه: أنّه ليس للمالك إلّا الملك. و أمّا السلطنة عليه فهي من أحكام الملك،

ص: 610

______________________________

و لا معنى لتعلّق الضمان بها.

و هذا مراد المحقّق الثاني قدّس سرّه من قوله: «جعل القيمة في مقابل الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه» و حاصل إشكاله: أنّ مجرّد منع الضامن عن إعمال المالك سلطنته في ماله و حيلولته بينه و بين ماله لا يوجب أن تكون القيمة واجبة عليه.

إلّا أن يقال: ليس المراد من السلطنة التي التزم المصنّف بتداركها هي الحكم الشرعيّ، بل المراد هي الجدة الاعتباريّة، فالبدل بدل لهذه الجدة التي هي عبارة عن كون المال تحت استيلاء المالك يتقلّب فيه ما يشاء، و يتصرّف فيه بكلّ ما يريد.

بل قيل: هذه هي التي تقع متعلّقة للإجارة في مثل الدار و الدّكان، فإنّ الأجرة تقع بإزاء كون العين تحت يده، فإذا كان الضامن سببا لتفويت هذه الخصوصيّة على المالك وجب عليه تداركها، و هو لا يتحقّق إلّا بأداء ما هو بدل المال من المثل أو القيمة حتى يتصرّف المالك فيه على مشيّته.

و فيه أوّلا: أنّ مورد قاعدة الإتلاف هو المال، و صدقه على السلطنة كما ترى.

و ثانيا: أنّ مقتضى هذا الدليل هو لزوم البدل فيما إذا كان تعذّر الوصول إلى المال من جهة حبس المالك و منعه عن التصرّف فيه أيضا.

و ثالثا: أنّ مقتضى هذا الدليل إمّا ضمان المنافع، أو التفاوت بين كون العين داخلة تحت استيلائه و بين كونها خارجة عنه.

و أمّا بدل نفس العين كما هو المبحوث عنه في بدل الحيلولة فلا يقتضيه هذا الدليل، فإنّ المالك و إن لم يقدر على جميع أنحاء التقلّبات في ماله لأجل الحيلولة، إلّا أنّ هذا لا يقتضي إلّا ضمان المنافع أو النقص، فإمّا يستحقّ أجرته أو أرشه، لا بدل نفس العين، إذ الفائت هو السلطنة على العين بالتصرّف و التقلّب فيها، فلا بدّ من تداركها المتوقّف على أداء الأجرة أو الأرش، فبدل الحيلولة- و هو الأجرة أو الأرش- أجنبيّ عن بدل العين.

السابع: النبويّ المعروف «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» بتقريب: أنّ المال بجميع خصوصيّاته الشخصيّة و النوعيّة و الماليّة و السلطنة عليه في عهدة الضامن

ص: 611

______________________________

بمجرّد وضع اليد عليه، خرج منه صورة ردّ العين إجماعا، فيبقى الباقي، فيشمل صورة التلف و ما بحكمه، و صورة التعذّر بأقسامه، لأنّه لو كان المال بماليّته و خصوصيّاته في عهدة الغاصب مشروطا بعدم ردّه، فإذا لم يمكن ردّ عينه فللمالك مطالبة بدله، سواء صدق التلف أم التعذّر، أم لم يصدق، و سواء خرج المال عن القيمة أم لم يخرج، كان التعذّر عقليّا أم عرفيّا، كان زمانه قصيرا أم طويلا، حصل اليأس من العين أم لم يحصل.

و هذا التقريب يدلّ على ضمان الغاصب سلطنة المالك على ماله، و تدارك هذه السلطنة إنّما يكون ببذل بدل العين إلى المالك ليتسلّط عليه و يتصرّف فيه بما يشاء.

و هذا بدل الحيلولة، حيث إنّ المراد به بدل العين التي تلفت جميع الانتفاعات بها في بعض الأزمنة، كاللوح المنصوب في السفينة الذي يخاف من نزعه على النفس المحترمة، و لو كان هو الغاصب، أو تلف مال غير الغاصب ممّا يكون محترما.

و ليس المراد تلف العين حقيقة، و لا جميع الانتفاعات في تمام الأزمنة، سواء خرجت العين عن الملكيّة، و لم يبق إلّا حق الاختصاص كصيرورة الخلّ خمرا، و تنجّس الدهن. أم بقيت على الملكيّة كالظروف المنكسرة و المرآة كذلك.

و لا تلف بعض الانتفاعات الّذي لا يتقوّم به الملكيّة في جميع الأزمنة، كما لو صار الحيوان غير المقصود أكل لحمه موطوءا، فإنّه لم يتلف منه إلّا الانتفاع به دائما في بلد الوطي، لا في سائر البلاد، هذا.

لكن فيه: أنّ هذا التقريب لقاعدة اليد لا يقتضي خصوص البدل المثليّ إن كان المضمون مثليّا أو القيمي إن كان قيميّا، بل يقتضي ما لا يمكن الانتفاع به في زمان يتعذّر وصول المال إلى المالك، إذ المقصود تدارك السلطنة التي فوّتها الغاصب على المالك، و من المعلوم أنّها تجبر ببذل اجرة المنافع أو الأرش، و هو التفاوت بين قيمة العين باقية تحت سلطنة المالك، و خارجة عن حيّز سلطنته، و لا يقتضي قاعدة اليد خصوص بدل الحيلولة. مع أنّ الظاهر تسالمهم على أنّ بدل الحيلولة هو البدل لنفس العين على تقدير التلف، لا بدل المنافع أو الأرش بين استيلاء المالك على العين و عدمه، كما هو قضيّة هذا الدليل، هذا.

ص: 612

______________________________

مضافا إلى: أنّ مقتضاه لزوم البدل مطلقا و إن كانت مدّة التعذّر قليلة، مع أنّ الفقهاء لم يلتزموا بلزوم البدل في هذه الصورة، هذا.

و يمكن تقريب الاستدلال بحديث «على اليد» بوجه آخر، و هو أنّه ظاهر في الضمان الفعليّ للمأخوذ إلى زمان الأداء، فكأنّه قال: إنّ غرامة المأخوذ على الآخذ إلى زمان أدائه، و هذا بعينه ضمان بدل الحيلولة. فهذا الحديث سيق لبيان بدل الحيلولة، لأنّ الغاية لا تناسب ضمان التلف، فالضمان بدليل اليد ثابت إلى ردّ العين، فلا بدّ من أداء قيمة اللوح المغصوب إلى زمان أدائه.

لكن فيه: عدم ظهور معتدّ به للنبويّ في هذا المعنى مع تطرّق احتمالات أخر فيه.

الثامن: دعوى الإجماع على ثبوت بدل الحيلولة مع تعذّر وصول المال إلى مالكه.

و فيه: أنّه- بعد تسليم الإجماع- يحتمل أن يكون مستند المجمعين بعض الوجوه المتقدّمة أو كلّها، و معه لا علم لنا بوجود إجماع تعبّديّ في المقام.

و لكن لا بأس بنقل بعض كلمات الفقهاء في بدل الحيلولة، فإنّه قد وقع التنصيص في عباراتهم على سببيّة الحيلولة للضمان.

قال المحقّق قدّس سرّه: «إذا تعذّر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل، و يملكه المغصوب منه، و لا يملك الغاصب العين المغصوبة. و لو عادت كان لكلّ منهما الرجوع» «1».

و قال الشهيد قدّس سرّه في القواعد- بعد تقسيم الضمان إلى ما يكون بالقوّة و ما يكون بالفعل- ما نصّه: «و الضمان الفعليّ تارة بعد تلف العين، و لا ريب أنّه مبرء لذمّة الضامن، و يكون من باب المعاملة على ما في الذمم بالأعيان، و هو نوع من الصلح. و تارة مع بقاء العين، لتعذّر ردّها، و هو ضمان في مقابلة فوات اليد و التصرّف، و الملك باق على ملك مالكه .. إلخ» «2».

و هذا الذي أفاداه بيان على وجه الكلّيّة، و قد صرّحوا بذلك في موارد مخصوصة:

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 241

(2) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 347 و 348

ص: 613

______________________________

منها: ما ذكره العلّامة رحمه اللّه في القواعد، حيث قال: «و لو أبق العبد المغصوب ضمن في الحال القيمة للحيلولة، فإن عاد ترادّا» «1».

و منها: ما لو أقرّ إنسان بما في يده من العين لزيد مثلا، ثم أقرّ بها لعمرو، فإنّهم حكموا بأنّه يغرم للثاني، للحيلولة بينه و بين العين بالإقرار «2».

و منها: ما لو شهدت البيّنة بالطلاق، ثم رجعت عن الشهادة بعد حكم الحاكم بالتفريق بين المرء و زوجته، فإنّهم حكموا بأنّ الشهود يغرمون للزوج المهر. و كذا الحال في رجوع البيّنة عن الشهادة في الماليّات «3»، كلّ ذلك لمكان الحيلولة المستندة إلى الشهادة.

و منها: ما لو باع أو صالح أو وهب شيئا على أنّه له، ثم أقرّ به لزيد، فإنّهم حكموا بأنّه يغرم للمقرّ له عوضه مثلا أو قيمة، لحيلولته بين المقرّ له و ماله بالعقد الناقل.

و منها: ما ذكروه من ضمان الامام عليه السّلام المهر للزوج الكافر المهادن إذا هاجرت زوجته إلى بلد الامام عليه السّلام أو نائبه مسلمة، ثم طلبها الزوج، فمنعه عنها الامام عليه السّلام، فإنّ أصحابنا قد أجمعوا على أنّ على الامام عليه السّلام حينئذ غرامة المهر للزوج. و استدلّ العلّامة رحمه اللّه في المنتهى لهذا الحكم بقضيّة الحيلولة. «4»

و منها: ما ذكروه من: أنّ على واطئ البهيمة لمالكها القيمة، لمكان الحيلولة. «5»

و منها: ما ذكروه في كتاب القصاص من: أنّ من أطلق مستحقّ القصاص من يد وليّ المقتول، ألزم بدفع المال، للحيلولة، ثمّ إن تمكّن منه الوليّ لزمه ردّ المال إلى القاهر المطلق، لأنّ أخذ المال إنّما كان للحيلولة، و قد زالت.

إلى غير ذلك من الموارد التي تشرف الفقيه على القطع بسببيّة الحيلولة للضمان.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ص 79 (الطبعة الحجريّة).

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 154؛ قواعد الاحكام، ص 115

(3) قواعد الاحكام، ص 241

(4) منتهى المطلب، ج 2، ص 977 و 978 (الطبعة الحجرية).

(5) الروضة البهية، ج 9، ص 313

ص: 614

______________________________

فلو نوقش في الأدلّة المتقدّمة لكان تسالم الفقهاء على ما يظهر بالتتبّع في كلماتهم- من تعليلاتهم بالحيلولة على سببيّتها للضمان، و أنّها من موجباته- كافيا في إثبات ذلك.

فلو كانت الوجوه المتقدّمة المحتجّ بها على ضمان بدل الحيلولة ضعيفة و غير معتبرة عندهم، فالتعليلات المزبورة في كلماتهم كاشفة عن تسلّم سببيّة الحيلولة عندهم للضمان.

بقي أمور ينبغي التنبيه عليها:

الأوّل: أنّ مورد بدل الحيلولة على ما يستفاد من كلمات الأعلام صرف التعذّر، لا التلف و ما بحكمه، كما إذا خرج المال عن الماليّة شرعا كالبهيمة الموطوءة، أو عرفا كالمال المسروق الذي لم يعرف سارقه، أو المال الذي غرق، فإنّهما خارجان عن موضوع بدل الحيلولة، فيختصّ مورده بوجود العين و إمكان الانتفاع بها في نفسها، و انحصار المانع بالتعذّر. فلو خرجت العين عن قابليّة الانتفاع شرعا كالبهيمة الموطوءة أو عرفا كغرقها لم يكن من مورد بدل الحيلولة، بل يحكم عليه بحكم التلف.

و لو شكّ في صدق التعذّر على بعض الموارد كما إذا غرق أو سرق، و لم يحصل اليأس من الوصول إليه، فبناء على كون حديث «على اليد» دالّا على وقوع المال بجميع خصوصيّاته- الّتي منها سلطنة المالك عليه- في العهدة يحكم بضمان هذه السلطنة. و بناء على عدم اقتضاء «على اليد» إلّا ضمان ماليّة المال عند التلف- لا ضمان شخص المال فضلا عن توابعه، حتى يجب عليه الخروج عن عهدة ذلك مع بقاء العين- يكون الأصل براءة ذمّة الغاصب و من بحكمه.

الثاني: هل المدار في التعذّر على التعذّر العقليّ المسقط للتكليف بردّ العين، أو الأعمّ منه و من العرفيّ؟ وجهان مبنيّان على ما تقدّم من الاختلاف في تقريب الأصل في المسألة. و لكن مقتضى الأدلّة عدم الفرق بين الصورتين، لورود الضرر على المالك، و فوت سلطنته في كلتا الصورتين. ففي مورد التعذّر العرفيّ و إن وجب على الضامن السعي في تحصيل العين، إلّا أنّ هذا لا ينافي وجوب البدل في زمان السعي، و ذلك لإطلاق قاعدة «على اليد» و عموم السلطنة و قاعدة لا ضرر، و غير ذلك من الأدلة التي أقاموها على ثبوت البدل و استحقاق المالك المطالبة به.

ص: 615

______________________________

كما أنّ مقتضى إطلاق الأدلة عدم الفرق أيضا بين العلم بحصول العين و اليأس منه و رجائه. و التخصيص بمورد اليأس غير وجيه. إذ ليس دليل بدل الحيلولة لبّيّا حتى يكون المتيقّن منه صورة اليأس.

إلّا أن يقال: إنّ دليله هو الإجماع، فلا بدّ حينئذ من الأخذ بالمتيقن منه من جميع الجهات، فتأمّل.

فالمتحصّل: أنّ المدار على مطلق التعذّر، لا خصوص العقليّ.

و أمّا زمان التعذّر فدعوى انصراف الأدلّة عن قصره جدّا قريبة، لعدم صدق فوات السلطنة أو الانتفاع أو غير ذلك عرفا على الزمان القصير جدّا.

لكن الفقهاء أفتوا في اللوح المغصوب في السفينة بوجوب القيمة، مع إمكان الوصول إليه و نزعه بوصول السفينة إلى الساحل. و هذا يكشف عن كون التعذّر و لو في زمان قليل موجبا لوجوب البدل.

فتلخّص: أنّ المدار على مطلق التعذّر، و عدم دخل الياس من الوصول إلى العين فيه.

الثالث: أنّه هل للضامن إجبار المالك على أخذ بدل الحيلولة، بأن يكون بدل الحيلولة حقّا لكلّ من المالك و الضامن، كجواز إجباره على أخذ بدل العين حين التلف أم لا؟ بأن يكون حقّا للمالك فقط.

قد يقال: إنّ الأدلّة الدالّة على وجوب بدل الحيلولة لا تدلّ على جواز إجبار الضامن المالك على قبول البدل. و ليس هنا دليل آخر يدلّ على ذلك غير تلك الأدلّة.

و عليه فيتخيّر المالك بين قبول البدل و بين الصبر إلى زمان زوال العذر، و إجبار الضامن إيّاه على قبول بدل الحيلولة خلاف سلطنته، إذ المالك يستحقّ على الضامن نفس العين، فإجبار الضامن إيّاه على قبول بدلها خلاف سلطنته. و هذا مراد المصنّف قدّس سرّه من تمسّكه بقاعدة السلطنة في المقام.

و الفرق بين التلف و التعذّر أنّه بتلف العين تسقط الخصوصيّات عن عهدة الضامن قهرا، فلا يبقى في ذمّته إلّا الطبيعي من المثل أو القيمة، فيكون للضامن حق إلزام المالك بقبول ذلك، لأنّه عين ما يملكه في عهدته فعلا. بخلاف صورة التعذّر، فإنّ

ص: 616

______________________________

الخصوصيّات غير ساقطة، و ذمّة الضامن مشغولة بها، غاية الأمر أنّ للمالك إسقاطها و الإغماض عنها، و الرّضا بالطبيعيّ أو القيمة. و أمّا الضامن فلا حقّ له في إلزام المالك بإسقاط حقّه.

أقول: لا حاجة إلى غير أدلّة بدل الحيلولة في جواز إلزام الضامن المالك بأخذ البدل، لأنّ المستفاد من تلك الأدلّة إن كان وجوب دفع البدل إلى المالك، لاشتغال ذمّته به، فله إلزام المالك بأخذه لتفريغ ذمّته، لأنّ إبقاء ذمّته مشغولة بمال الغير نقص و حرج عليه.

و إن لم يكن مفاد أدلّة بدل الحيلولة إلّا ثبوت حقّ للمالك في المطالبة من دون اشتغال ذمّة الضامن به، غايته أنّه لو طالبه المالك بالبدل وجب عليه إجابته فليس للضامن إلزام المالك بذلك، لانتفاء الحكم الوضعيّ أعني به شغل الذّمّة، فلا موجب للإلزام المذكور.

و لعلّ هذا هو الأظهر إن لم يكن مفاد حديث «على اليد» غرامة المأخوذ على الآخذ، و إلّا فعليه يكون للضامن إلزام المالك.

و لو شكّ في ثبوت هذا الحقّ للضامن فالأصل عدم ثبوته، لأنّه قبل التعذّر لم يكن هذا الحقّ ثابتا له، فمقتضى الاستصحاب بقاؤه.

الرابع: أنّ بدل الحيلولة هل يملكه المالك أم يباح له التصرّف فقط؟ الظاهر اختلاف ذلك باختلاف المباني، و إن ذكر المصنّف: «أنّ المال المبذول يملكه المالك بلا خلاف كما في المبسوط و الخلاف و الغنية و التحرير. و ظاهرهم إرادة نفي الخلاف بين المسلمين».

فإن كان المستند فيه حديث «لا ضرر» فهو لا يقتضي إلّا لزوم جبر الضرر، و من المعلوم انجباره بإباحة التصرّف في البدل، دون ملكيّته للمالك.

و إن كان المستند فيه دليل السلطنة بتقريب: أنّ الغاصب فوّت سلطنة المالك على ماله، فيجب عليه تدارك هذه السلطنة له، لم يثبت أيضا له إلّا إباحة التصرّف في البدل على النحو الذي يتصرّف في ملكه، لانجبار السلطنة الفائتة بإباحة التصرّفات في البدل، و عدم توقّف الانجبار على الملكيّة.

نعم مقتضى إباحة التصرّفات مطلقا حتّى المتوقّفة على الملك هو الالتزام

ص: 617

______________________________

بالملكيّة الآنيّة قبل التصرّف المنوط بها، كالمعاطاة بناء على إفادتها الإباحة المطلقة.

و بالجملة: تنجبر السلطنة الفائتة القائمة بالعين بالسلطنة على بدلها من مال الغاصب، و هذه السلطنة لا تقتضي الملكيّة.

و إن كان المستند فيه قاعدة اليد، فمقتضى كون البدل أداء لنفس العين المأخوذة- ليصدق عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتى تؤدّي» بعد غضّ المالك عن خصوصيّات ماله- صيرورة البدل ملكا للمالك، تحقيقا لمعنى البدليّة في الملكيّة. فكما أنّ إضافة الملكيّة قائمة بالبدل في صورة التلف، لسقوط الخصوصيّات بسببه عن عهدة الضامن، و بقاء الطبيعيّ على عهدته، فكذلك في صورة التعذّر، فبدل الحيلولة يصير قائما مقام العين حال التعذّر في الملكيّة.

و الحقّ أن يقال: إنّه لو ثبت للمالك حقّ في أخذ البدل عن العين في الماليّة فهو ملك للمالك. و لو ثبت له حقّ في أخذ المال بدلا عن السلطنة الفائتة فهو غير مملوك للمالك، بل يباح له التصرّف فيه ما دام محجورا عن التصرّف في عين ماله.

و الظاهر ثبوت الحقّ، كما يدلّ عليه ما أشار إليه المصنّف قدّس سرّه من الروايات الواردة في الموارد المتفرّقة، لظهور لفظ: «الغرامة و الضمان» الواردين في تلك الروايات في الملكيّة، فالبدل مملوك للمالك لا مباح له.

و أمّا توجيه القول بالإباحة بعدم اجتماع العوض و المعوّض في ملك المالك فغير وجيه.

أمّا أوّلا: فبإمكان التزام صيرورة العين المتعذر ردّها ملكا للضامن، كما اختاره الجواهر «1» في بعض أقسام التعذّر كالخيط الذي بردّه يتلف المخيط، و الرطوبة الباقية على أعضاء الوضوء. و اختار ذلك السيد «2» في جميع أقسام التعذّر. و بهذا الوجه يرتفع الاشكال.

و أمّا ثانيا: فبأنّ البدل من باب الغرامة لا العوض، فاجتماع البدل و المبدل في

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 80

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 107 و 108

ص: 618

______________________________

ملك المالك كاجتماع الأرش و العين المعيبة. هكذا قيل.

لكن فيه: أنّ الأرش بدل عن وصف الصحّة، و ليس بدلا عن العين حتى يلزم الجمع بين العوض و المعوّض.

ثمّ إنّه يترتّب الثمرة على ملكيّة البدل للمالك و إباحته له: أنّه على الأوّل يكون البدل دينا على الضامن، فينفذ إبراؤه، و يصحّ بيعه، و إصداقه، و الضمان عنه، و الحوالة عليه، و حصول التهاتر به، و الوصيّة به، و وجوب قبوله على المالك إذا دفعه إليه الضامن.

بخلافه على الثاني، لأنّه حينئذ حكم تكليفيّ صرف، و لا تشتغل ذمّته بشي ء حتى يترتب عليه آثار الملكيّة.

و لا يخفى أنّ عبارات الأصحاب مختلفة، فبعضها ظاهر في اشتغال ذمّة الضامن بالبدل، و بعضها ظاهر في مجرّد الوجوب التكليفيّ، و بعضها محتمل للاحتمالين، فلاحظها.

الخامس: هل تنتقل العين إلى الضامن بإعطاء البدل أم لا؟

قد يقال: بانتقال العين إلى الضامن، و البدل إلى المالك، لاستحالة بدليّة شي ء عن شي ء إلّا بقيام البدل مقام المبدل في جهة من جهاته، و تلك الجهة في المقام هي إضافة الملكيّة.

و قد يقال: بأنّ المالك يملك البدل، و أمّا الضامن فلا يملك المبدل، لأنّ المأخوذ بعنوان البدليّة ليس عوضا حقيقيّا حتى تستحيل البدليّة إلّا بدخول العين المتعذّرة في ملك الضامن، بل هو غرامة خالصة كالمبذول عند تلف العين. و من البيّن أنّ عنوان «الغرامة» لا يستلزم خروج البدل عن ملك الضامن، و لا دخول العين المتعذّرة في ملكه حتى يكون ذلك معاوضة قهريّة شرعيّة، هذا.

لكن فيه: أنّه بناء على كون بدل الحيلولة ملكا للمالك- كما تقتضيه الروايات المشار إليها الواردة في الموارد المتفرّقة، و كذا قاعدتا الإتلاف و اليد الدّالّتان على أنّ ما يدفعه الضامن إلى المالك هو عين ماله- لا بدّ من الالتزام بصيرورة المبدل المضمون ملكا للضامن بالمعاوضة القهريّة الشرعيّة، إذ لو لا ذلك لزم اجتماع العوض و المعوّض في ملك مالك العين.

و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه حسنة سدير المتقدّمة في التوضيح، الدالّة على غرامة

ص: 619

______________________________

الواطي قيمة البهيمة الموطوءة، الظاهرة في صيرورتها ملكا للواطي الغارم بدفع القيمة.

نعم بناء على كون البدل مباحا للمالك- لا ملكا له- لا وجه لخروج المبدل عن ملك مالكه و دخوله في ملك الضامن.

و يترتّب على خروج المبدل عن ملك المالك و عدم خروجه عنه فروع:

أحدها: أنّه إذا توضّأ- جهلا أو غفلة- بماء مغصوب، و علم أو تذكّر بعد إكمال الغسلات و قبل المسح، فعلى القول بدخول الرطوبة في ملك الضامن يجوز المسح بها.

و على القول ببقائها على ملك المالك لا يجوز، بل عليه الاستيناف.

إلّا أن يقال: إنّ الرطوبة بمنزلة الشي ء التالف، فلا يملكها مالكها، فلا مانع حينئذ من المسح بها.

لكنّه مشكل جدّا، لأنّها كيف تكون كالتالف؟ مع أنّ المسح المتمّم للوضوء يتحقق بها، و يترتّب عليها، فتكون هذه الرطوبة ملكا و مالا، و لذا لو قال له الغاصب: «إن أعطيتني مقدارا معيّنا من المال فأنا راض بالتصرّف الوضوئيّ» فأعطاه و رضي، صحّ وضوؤه.

ثانيها: إنّه إذا غصب أحد خمرا محترمة لغيره، و انقلبت خلّا فعلى القول بالمعاوضة القهريّة بين البدل و المبدل كان الخلّ بعد أداء البدل ملكا للضامن، و إلّا فهو للمضمون له.

ثالثها: أنّه إذا خاط أحد ثوبه بخيوط مغصوبة، فعلى القول بدخول الخيوط في ملك الغاصب بعد أداء البدل جازت له الصلاة في ذلك الثوب. و كذلك التصرفات الأخر، و إلّا فلا.

إلّا أن يقال: إنّ تلك الخيوط بمنزلة التالف، إذ لا يمكن ردّها غالبا إلى مالكها إلّا بعد سقوطها عن الماليّة بسبب النزع، بل في مجمع البرهان «1» الجزم بعدم وجوب النزع، بل قال بإمكان عدم الجواز، لكونه بمنزلة التلف، فيتعيّن القيمة. و حينئذ فيمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخيط، إذ لا غصب فيه حتى يجب ردّه، هذا.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 10، ص 521

ص: 620

______________________________

لكنّ الحقّ أنّ الخيوط- و إن قلنا بسقوطها عن الماليّة بالنزع- باقية على ملك مالكها، و حرمة التصرّف في المغصوب إنّما هي باعتبار إضافة الملكيّة، لا باعتبار الماليّة، فتنزيلها منزلة التلف في غير محلّه، فلا بدّ من ابتناء المسألة على مالكيّة الغاصب للمبدل و عدمها. فعلى الأوّل تجوز التصرّفات، و على الثاني لا تجوز.

رابعها: أنّه لو غصب أحد دهنا و خلطه بطعامه، فعلى القول بدخول المبدل في ملك الغاصب بعد ردّ بدله جاز له التصرّف في ذلك الطعام، و إلّا فلا يجوز له التصرّف فيه إلّا برضى مالك الدهن.

إلى غير ذلك من الفروع.

السادس: لو زال التعذّر، و تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المغصوب منه بعد أداء بدل الحيلولة، فالظاهر ثبوت الترادّ، بل عن بعضهم نفي الخلاف بينهم فيه، من غير فرق في ذلك بين مثل الغرق و السرقة و الضياع مما يعدّ تلفا عرفا، و بين ما لا يعدّ كذلك، إلّا أنّه متعذّر الحصول. بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك لو فرض عود التالف الحقيقيّ بخرق العادة.

و عن المحقّق النائيني قدّس سرّه: «إذا ارتفع العذر، و تمكّن من ردّ العين إلى مالكه وجب الرد فورا حتى على القول بالمعاوضة القهريّة الشرعيّة، لأنّ حكم الشارع بالمعاوضة مترتّب على عنوان التعذّر و يدور مداره» «1».

و قد يقال: بابتناء جواز الرجوع و عدمه على كون ملكيّة البدل لمالك العين لازمة أو جائزة. فعلى الأوّل لا يجوز ذلك، و على الثاني يجوز. نظير المعاطاة بناء على إفادتها الملكيّة. «2» هذا.

و لا يخفى أنّه بناء على الملكيّة لا بدّ من البناء على اللزوم، لأنّه الأصل في الملك، فلا وجه لجواز رجوع المالك إلى العين. و عليه فيكون التعذّر علّة محدثة و مبقية لمالكيّة

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 161

(2) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 221

ص: 621

______________________________

المغصوب منه للبدل، و مالكيّة الضامن للمبدل، كسائر المعاوضات الشرعيّة. و جواز الملك محتاج الى الدليل، و مجرّد احتمال الجواز ثبوتا لا يجدي إثباتا. هذا.

فالأولى في وجه وجوب ردّ العين إلى مالكها بعد ارتفاع التعذّر هو: أنّ حقيقة البدليّة و الغرامة تقتضي وجوب الرّدّ عند التمكّن، إذ حقيقة البدليّة هي القيام مقام الغير و بدلا عنه، فبدليّة البدل الطوليّ متقوّمة بعدم المبدل. و مع وجوده لا معنى للبدليّة و الغرامة، و إلّا كان بدلا عرضيّا، و هو خلاف الفرض. فيجب ردّ عينه، لأنّه أداء للمأخوذ حقيقة، كما يدلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في النبويّ: «حتى تؤدّي» بخلاف البدل، فإنّه ليس أداء للمأخوذ حقيقة.

و احتمال المعاوضة و انتقال العين إلى البدل- كما في المعاوضة على ما في الذمم- ضعيف جدّا، لأنّ المعاوضة المالكية مفقودة، لعدم انقداح معاوضة في ذهنهما، و عدم إنشائهما لها.

و كذا المعاوضة القهريّة العقلائيّة، لعدم اعتبارهم لها بالنسبة إلى التالف الحقيقيّ، و عدم جعلهم التالف الحقيقيّ ملكا للغارم في مقابل بدله الذي يؤدّيه إلى المالك. و ليس اعتبارهم الضمان في التلف الحقيقيّ مغايرا لاعتباره في التلف العرفيّ.

و كذا المعاوضة القهريّة الشرعيّة، لأنّ أدلّة الغرامات و الضمانات منزّلة على ما يفهمه العرف، و ليست الغرامة عند المتشرّعة غير ما لدى العقلاء، و هي بدليّة البدل عن مال المضمون له ما دام ردّ العين متعذّرا.

لا يقال: إنّ المقام كتعذّر المثل في المثليّ في عدم وجوب ردّ المثل هناك بعد التمكّن منه و دفع القيمة، لاشتراكهما في تعذّر الرّدّ في زمان، فلا بدّ فيما نحن فيه من الالتزام بعدم وجوب ردّ العين أيضا بعد التمكين منه إلى المالك.

فإنّه يقال: بوضوح الفرق بينهما، حيث إنّ الثابت هناك في ذمّة الضامن هو كلّيّ المثل، فإذا رضي المالك بالقيمة فقد رضي بتبديل ذلك الكلّيّ بالقيمة، فيصير حقّه تلك القيمة، من قبيل الوفاء بغير الجنس مع التراضي، فيسقط حقّه لا محالة، كسائر المعاملات الواقعة على ما في الذمم في اللزوم، و عدم جواز الرجوع.

ص: 622

______________________________

و هذا بخلاف المقام، فإنّ العين الشخصيّة لا تدخل في الذّمّة حتى تقع المعاوضة بين ما في الذّمّة و بدله، و تبرء ذمّته، بل يجب بعد ارتفاع العذر ردّ نفس العين كما هو مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «حتى تؤدّى».

السابع: هل ترجع الغرامة إلى الغارم بمجرّد تمكّنه من ردّ العين إلى المالك أم بردّها خارجا؟ وجهان، أقواهما الثاني، لأنّ التعذّر و إن أوجب استحقاق البدل، لكنّه علّة للوجوب، لا أنّه موضوع له حتى تبطل البدليّة بمجرّد التمكّن، و ذلك لأنّ صرف التمكّن لا يخرج العين عمّا هي عليه من انقطاع سلطنة المالك عنها، و عدم كونها تحت يده، فما لم ترجع العين إلى المالك لا تدخل تحت يده و استيلائه، و لا تعدّ مالا من أمواله، فالموضوع لثبوت ملكيّة المالك لبدل الحيلولة هو انقطاع سلطنته عن ماله، لا التعذّر، فإنّه علّة للوجوب، كالتغيّر الموجب لعروض النجاسة على الماء، فإذا زال التغيّر بنفسه و شكّ في أنّه علّة محدثة فقط أو مبقية أيضا فتستصحب النجاسة.

ففيما نحن فيه إذا شكّ في كون التعذّر علّة محدثة فقط أو مبقية أيضا فلا مانع من استصحاب بقاء البدل على ملك المالك، فلا يوجب التمكّن من ردّ العين الجمع بين العوض و المعوّض، بأن يقال: إنّ التمكّن يوجب الجمع بين العوض و المعوّض عند المالك، لكون التمكّن موجبا لعود ملكيّة العين له، و البدل أيضا ملكه. بل التمكّن كعدمه.

فالبدل لا ينتقل إلى الغارم بمجرّد تمكّنه من ردّ العين، بل يتوقّف على ردّها خارجا، لأنّ الغرامة بدل السلطنة الفائتة عن المالك، و من المعلوم أنّ عود السلطنة الفعليّة السابقة يتوقّف على ردّ العين إليه خارجا، لا على مجرّد تمكّن الغاصب من ردّها.

و بالجملة: لو كان مجرّد التعذّر علّة محدثة و مبقية لوجوب البدل على الغارم كان صرف التمكّن من الرّدّ موجبا لخروج البدل عن ملك المالك، لكنّه ليس كذلك.

و عليه فليس للغارم استحقاق حبس العين، لأنّه لا يستحقّ الغرامة إلّا بردّ العين، فإذا كان الرّدّ علّة استحقاقه للغرامة فكيف يتقدّم المعلول- و هو الاستحقاق- على علّته و هي الردّ؟

و لو تسامح الضامن في دفع العين بعد تمكّنه منه فللمالك مطالبته، لقاعدة «الناس

ص: 623

______________________________

مسلّطون على أموالهم». و لا يجوز للضامن حبس العين و مطالبته البدل من المالك، لما مرّ آنفا من أنّ البدل بدل عن السلطنة الفائتة، لا عن القدرة على دفع العين.

فالمتحصّل: أنّ الغرامة لا تعود إلى الغارم بمجرّد التمكّن من ردّ العين إلى المالك، بل يناط ذلك بردّها إلى مالكها.

الثامن: إذا خرج المغصوب عن صورته النوعيّة، ثم رجع إليها، فهل يضمن الغاصب بدله من المثل أو القيمة، أم عينه؟ مثاله غصب الخلّ، ثم انقلابه خمرا، ثم صيرورته خلّا، فيه قولان:

أحدهما: ضمان البدل، لانعدام المغصوب بزوال صورته النوعيّة، و الموجود ثانيا غيره، لتخلّل العدم بينهما، و من البيّن أنّ المعدوم لا يعاد.

ثانيهما: ضمان العين نفسها، لأنّ الموجود ثانيا عين الأوّل في نظر العرف.

و تحقيق المقام: أنّ هنا مسألتين:

إحداهما: حكم المبدل قبل أداء البدل، و الثانية حكمه بعد أدائه.

أمّا المسألة الأولى فحاصل الكلام فيها: أنّ الظاهر وجوب أداء العين نفسها على الغاصب، لأنّ الثابت ابتداء على الضامن هو نفس العين، فيجب عليه ردّها على مالكها، و إذا تلفت العين انتقل الضمان إلى بدلها من المثل أو القيمة. و من المعلوم أنّ العين إذا عادت ثانيا فثبوت الضمان فيها أولى من ثبوته في بدلها، لكونها جامعة لجميع الخصوصيّات الّتي كانت موجودة في العين المغصوبة، من دون فرق عرفا في ذلك بين كون العائد عين الأوّل و غيره.

و أمّا المسألة الثانية فقد استشكل فيها غير واحد. و الظاهر أنّه من صغريات العين التالفة، فإنّ الضامن بعد دفع الغرامة برئت ذمّته. فإن رجعت العين إلى نظام الوجود كانت ملكا للضامن، لأنّ حقّ الأولويّة الثابت بالسيرة العقلائيّة انتقل إلى الضامن بعد دفع الغرامة، بناء على كونها أداء لمال المالك بعد إسقاطه للخصوصيّات كما عليه سيرة العقلاء، فبأداء البدل يسقط الضمان عن الغاصب، و ليس دليل آخر يقتضي ضمان العين ثانيا.

إلّا أن يقال: إنّ حقّ الأولويّة لا يسقط بمجرّد دفع البدل، و لا ينتقل إلى الضامن إلّا

ص: 624

______________________________

بإسقاط المالك له، فحينئذ يكون المالك مستحقا لماله العائد بعد زواله، فالأحوط التصالح.

ثمّ إنّ ظاهر كلام المصنّف بقاء حق الأولويّة للمالك. و أيّده برجوع الخلّ المنقلب عن الخمر إلى مالكه حين كونه خلّا، و ليس هذا إلّا من جهة بقاء حقّه المسمّى بحقّ الاختصاص.

و قد أجاب المحقّق الأصفهاني قدّس سرّه عن هذا التأييد بما حاصله: «أنّ وجوب ردّ الخلّ المنقلب عن الخمر إلى المالك لا يكشف عن بقاء حق الأولويّة له، لأنّه من قبيل عود الملك إلى مالكه، فيكون من باب ردّ الملك إلى مالكه، لا من باب أولويّة المالك به.

و السّرّ في ذلك أنّ إطلاق أسباب الملكيّة من الهبة و الصلح و الإرث و غيرها يقتضي تأثيرها بنحو الإطلاق، إلّا إذا اقترنت بمانع يمنع عن تأثيرها، و إذا ارتفع المانع أثّر المقتضي أثره، من دون أن يثبت هنا حقّ الأولوية عند سقوط المقتضي عن التأثير.

و بالجملة: فزوال الملكيّة تارة يكون لموجب الانتقال إلى الغير، كالبيع و غيره من موجبات الانتقال. و اخرى لوجود مانع من تأثير مقتضي الملكيّة بقاء كانقلاب الخلّ خمرا. فسقوط المقتضي لحدوث الملكيّة بقاء إنّما هو لوجود المانع، فإذا زال المانع أثّر المقتضي أثره، من دون وجود حق الأولويّة في حال سقوطه عن التأثير، و عدم لزوم الترجيح بلا مرجّح، بعد وجود المقتضي للملكيّة لمالك العين دون غيره» «1». انتهى ملخّصا.

و فيه: أنّ الملكيّة من الأحكام الشرعيّة الاعتباريّة، و هي من الأفعال الاختيارية للشارع، و هي سعة و ضيقا تابعة لكيفيّة جعلها، و لا تقاس بالمقتضيات الخارجيّة كالنار المقتضية للإحراق و الموانع التكوينيّة، كرطوبة الثوب المانعة عن احتراقه بالنار، التي بزوالها يؤثّر المقتضي لاحراقه- و هو النار- أثره، فيحترق بها الثوب بعد جفافه. بل لا بدّ من الرجوع إلى الأدلّة، و هي تدلّ على أنّ الخلّ يملك بالهبة و البيع و الإرث و غيرها.

و لكن إذا انقلب خمرا خرج عن الملكيّة، و لو عاد إلى الخليّة كان الحكم بملكيّته للمالك الأوّل منوطا بالدليل، و هو مفقود في المقام. و السبب السابق كالهبة و البيع لا يؤثّر في

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 111

ص: 625

______________________________

حدوث الملكيّة بعد الانقلاب إلى الخلّ، و ليس كالمقتضي التكوينيّ كالنار.

و بالجملة: فأولويّة المالك بالخمر المنقلبة عن الخلّ الثابتة بالسيرة المتشرعيّة أوجبت رجوع الخلّ المنقلب عن الخمر إلى المالك، لا السبب الناقل للخل إليه.

هذا بناء على خروج الخمر عن الملكيّة. و أمّا بناء على عدم خروجها عنها- كما قيل- فلا كلام، فإن ظاهر الشيخ في الخلاف عدم قيام إجماع على عدم ملكيّة الخمر. قال في رهن الخلاف: «الخمر ليست بمملوكة، و يجوز إمساكها للتخليل و التخلّل» ثم قال:

«دليلنا: إجماع الفرقة على نجاسة الخمر، و على تحريمها الإجماع، فمن ادّعى صحّة أنّها مملوكة فعليه الدلالة» «1» حيث تمسّك في مورد المسألة المبحوث عنها بعدم الدليل، فلو قام الإجماع على عدم المملوكيّة تمسّك به جزما كما هو دأبه في الكتاب.

التاسع: أنّه هل يكون تمكّن المالك من استرداد ماله كافيا في رجوع العين إليه و ارتفاع الضمان و انتقال البدل إلى الضامن، أم لا بدّ من تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى المالك؟

لا ينبغي الارتياب في أنّ المناط في ثبوت بدل الحيلولة على القول به إنّما هو عدم تمكّن الغاصب من ردّ العين إلى مالكها، سواء تمكّن المالك بنفسه من ذلك أم لا، بداهة أنّ سبب الضمان المستفاد من قاعدة اليد هو وضع اليد و الاستيلاء على مال الغير.

و إذا تلف أو ضاع أو سرق مثلا وجب عليه بدله حقيقة في التلف، و للحيلولة في غيره، فتمكّن المالك لا دخل له في ارتفاع الضمان عن الغاصب، و هذا واضح جدّا.

العاشر: ما تعرّض له المصنّف قدّس سرّه بقوله: «ثمّ إنّ مقتضى صدق الغرامة على المدفوع خروج الغارم عن عهدة العين و ضمانها، فلا يضمن ارتفاع قيمة العين بعد دفع الغرامة سواء كان الارتفاع للسوق أو للزيادة المتّصلة بل المنفصلة كالثمرة .. إلخ».

و حاصل ما أفاده: ضمان ارتفاع القيمة و المنافع قبل دفع البدل، و عدمه بعد دفعه.

و لكن عن العلّامة في التذكرة و عن بعض آخر ضمان المنافع. و قد قوّاه في المبسوط بعد أن جعل الأقوى خلافه.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 241، المسألة 36 من كتاب الرهن.

ص: 626

______________________________

أقول: المسألة مبنيّة على أنّ الغرامة هل هي بدل عن العين أم السلطنة. فإن كانت بدلا عن العين المتعذّرة كما هو مقتضى دليل ضمان اليد فلا محالة تنقطع علاقة المالك عن العين، و تصير ملكا للضامن بجميع شؤونها حتى النماءات المنفصلة فضلا عن المتّصلة، و عن زيادة القيمة السوقيّة.

و إن كانت بدلا عن السلطنة الفائتة- كما هو قضيّة قاعدة السلطنة- ضمن الغاصب جميع شؤون العين، سواء أ كانت تلك الشؤون فائتة أم لا.

و الحقّ أنّ يقال: إنّ البدل المدفوع بدل عن العين و لو من جهة فوات السلطنة. كما أنّه في صورة التلف يكون البدل بدلا عن العين، فحينئذ يكون بدلا عن العين بشؤونها، فلا يضمن ارتفاع القيمة و لا منافعه. هذا في صورة دفع الضامن للبدل.

و أمّا إذا لم يدفع البدل، فمقتضى ضمان العين بجميع شؤونها هو ضمان المنافع و ارتفاع القيمة السوقيّة.

الحادي عشر: قد عرفت أنّ المدار في ثبوت بدل الحيلولة- على القول به- تعذّر الوصول إلى العين، بحيث لا يتمكّن المالك من الانتفاع بها، فلو تمكّن المالك من الانتفاع بها مع حصول نقص فيها و لو في بعض أوصافها خرجت عن مورد بدل الحيلولة، لفرض إمكان الانتفاع بها، و عدم ارتفاع سلطنته عنها، كصورة امتزاج العين بعين اخرى الموجب للشركة، فإنّ العين بعد امتزاجها بغيرها لا تخرج عن قابليّة انتفاع المالك بها، غاية الأمر أنّه حدث عيب في ماله، لأنّ الشركة نقص في العين المملوكة بالاستقلال، فيجب على الغاصب أداء الأرش للمالك. فهذا المورد خارج عن موارد بدل الحيلولة، لإمكان الانتفاع بالعين.

الثاني عشر: أنّ أسباب الضمان على ما أفاده المصنّف قدّس سرّه بقوله: «سواء كان الذاهب نفس العين كما في التلف الحقيقيّ .. إلخ» أمور أربعة.

الأوّل: تلف العين حقيقة، و تسقط حينئذ عن الملكيّة عرفا، فيجب بدلها على متلفها و الخروج عن عهدتها بدفع بدلها، لأدلّة الضمان.

الثاني: التلف الحكميّ، و هو قطع سلطنة المالك عن ماله كالغرق و السرقة

ص: 627

______________________________

و نحوهما ممّا لا يكون عوده مرجوّا. و هذا مورد بدل الحيلولة.

الثالث: إزالة الأوصاف التي لها دخل في مالية العين بحيث تخرج العين بذهابها عن الماليّة مع انحفاظ العين بنفسها في ملك مالكها، و سلطنته عليها تسلّط الملّاك في أملاكهم، فالضمان حينئذ بالماليّة الخالصة دون العين المغصوبة، كالثلج في الشتاء و الماء على الشاطئ.

الرابع: ذهاب الأوصاف التي بها تخرج العين عن الملكيّة أيضا، إمّا شرعا كالخلّ المنقلب خمرا، و إمّا عرفا كالكوز المكسور، لكن تبقى العين متعلّقة لحقّ المالك. هذا ما أفاده المصنّف قدّس سرّه.

و لا يخفى أنّ ما ذكره في القسم الأوّل أعني به التلف الحقيقي- من زوال ملكيّة المالك عن العين- متين، غاية الأمر أنّ العين قد تعتبر ملكا للغاصب فيما إذا ترتّب عليه الأثر كما في تعاقب الأيدي.

و أمّا ما ذكره في القسم الثاني من كونه موردا لبدل الحيلولة فهو غير تامّ، لأنّ مورده صورة بقاء العين مع تعذّر الوصول إليها، بحيث يرجى زوال العذر أيضا. و أمّا إذا كان العثور عليها مقطوع العدم و كان الضامن مأيوسا من الوصول إليها كما في المال المسروق أو الملقى في البحر فهو تالف عرفا، فيلحق بالقسم الأوّل، إذ ليس المراد من التلف الانعدام الحقيقيّ الذي ذهب بعض الفلاسفة إلى استحالته، بل المراد هو التلف العرفيّ، فلا يكون موردا لبدل الحيلولة المصطلحة.

و أمّا ما أفاده في القسم الثالث- من زوال الماليّة مع بقاء ملكيّة العين- فربّما يناقش فيه كما في حاشية السيد قدّس سرّه بأنّ ذهاب الوصف إن أوجب سقوط العين عن قابليّة الانتفاع بها، فتسقط عن الملكيّة أيضا، و إلّا فهي مال، «1» هذا.

لكن الظاهر إمكان سقوطها عن الماليّة التي مناطها إمكان الانتفاع المعتدّ به بها، دون ملكيّتها التي هي إضافة خاصّة بين الشي ء و مالكه، و لا يناط اعتبار الملكيّة بالماليّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 110

ص: 628

______________________________

كحبّة حنطة و الرطوبة الباقية على أعضاء الوضوء، و الخيط الباقي في الثوب المخيط و نحوها.

و أمّا ما أفاده في القسم الرابع- من سقوط العين عن الماليّة و الملكيّة معا- فلا إشكال في صحّته، لأنّ المتلف يضمن بدل العين من المثل أو القيمة، كما لا شبهة في بقاء حق الاختصاص بها للمالك.

و لنختم الكلام هنا في بدل الحيلولة و بذلك فرغنا من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد، و به تمّ الجزء الثالث من شرحنا على «متاجر» شيخنا الأعظم، آملا منه تعالى القبول، و سائلا منه التوفيق لا كماله بحقّ سادة أوليائه محمّد و آله المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين، و اللعن على كافّة أعدائهم إلى يوم الدين يا ربّ العالمين.

ص: 629

ص: 630

صورة

ص: 631

صورة

ص: 632

صورة

ص: 633

صورة

ص: 634

صورة

ص: 635

صورة

ص: 636

صورة

ص: 637

صورة

ص: 638

صورة

ص: 639

صورة

ص: 640

المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«انا الله و انّا اليه راجعون »

فوجئنا ببالغ الأسى والأسف - و الكتاب قيد الطبع - بالمصاب الجلل و الكارثة العظمى، و ذلك بإرتحال فقيه الطائفة، السيد المؤلف قدس سره ، ففجعت أسرة آل الجزائري العريقة في العلم و التدين بفقد عميدها في العصر الحاضر، بل و فجعت الحوزات العلمية بفقدها أحد أساطين العلم و التقوى، فصدق قوله علیه السلام :

«إذا مات المؤمن الفقيه ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء»

ففي السحر من ليلة السبت 25 ذي القعدة الحرام 1419 أفل هذا الكوكب الساطع عن سماء الفقاهة وافداً على ربّه الكريم، فسكن ذلك القلب العطوف، و سكنت تلك اليراعة التي خلدت لسالكي طريق الإجتهاد و روّاد الفضيلة تراثاً علمياً و معنوياً ضخماً. بعد أن قضى زهاء أربعين عاماً من عمره الشريف بجوار باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم متعلّماً ثم مدرساً و مؤلفاً، وكان أمله أن يثوى في تلك الارض المقدسة، لكن قدر له الخروج منها و أن ينتقل إلى «دار السلام» في حرم

أهل البيت علیهم السلام فيكون مضجعه و مثواه الأخير بجوار سيدتنا فاطمة الصغرى علیها السلام . و بهذا الفادح الأليم نعزّي حامي الشريعة الغراء سيّدنا الإمام المنتظر «صلوات الله و سلامه عليه و عجل فرجه الشريف»، كما نعزي أسرته الكريمة، سائلين منه تعالى لهم الصبر و الأجر.

و إنّنا و إن فقدنا شخص المؤلف، لكنّا لم نفقد منتهى هدايته في علمه و تقواه، و تواضعه و زهده و عزوفه عن الدنيا و زخارفها، و إعراضه عنها، فقد جسّد قدس سره الاسلام علماً و عملاً، عاش سعيداً و مات حميداً، و جزاه الله عن الاسلام و أهله خيراً. و نستمد منه تعالى التوفيق لمواصلة منهاجه و نشر ما بقي من أجزاء هذه الموسوعة الفقهية الخالدة «هدى الطالب بل و إعداد سائر مؤلفاته الثمينة التي هي حصيلة جهاده العلمي الدؤوب للطبع لتكون خدمة أخرى لفقه أهل البيت علیهم السلام ، إنه ولي التوفيق.

ص: 3

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 4

الجزء الرابع

[تتمة كتاب البيع]

[شرائط المتعاقدين]
اشارة

الكلام في شروط المتعاقدين (1)

______________________________

شرائط المتعاقدين

(1) و هي أمور، و المذكور منها في الكتاب البلوغ و القصد و الاختيار و ملك أمر البيع إمّا بملك العوضين- مع انتفاء الحجر- و إمّا بولاية التصرّف. و لا بأس بالإشارة إلى بعض الأمور قبل الشروع في توضيح العبارة.

الأمر الأوّل: أنّ شرائط البيع على قسمين:

أحدهما: ما يكون دخيلا في البيع عرفا، كمالية العوضين، و القصد إلى إنشائه.

و الآخر: ما يكون دخيلا فيه شرعا، من دون دخل له في البيع العرفي، كاعتبار البلوغ في المتعاقدين، فإنّه قيد زائد على ما اعتبره العرف في البيع، فاشتراطه فيه منوط بقيام دليل شرعي عليه. فإن نهض دليل عليه فهو المتّبع، و إلّا فإطلاق دليل إمضاء المعاملة واف بإثبات نفوذ معاملات الصبي المميّز المتمشّي منه قصد العنوان المعاملي، و لا يبقى مجال للتمسك بأصالة الفساد.

الأمر الثاني: أنّ الظاهر من الروايات كون البلوغ شرطا، لا كون الصبا مانعا.

و تظهر الثمرة في الشك في بلوغ العاقد. فعلى الأوّل يحكم بفساد العقد، لكونه مقتضى استصحاب عدم البلوغ، فيبطل الإنشاء. و على الثاني يصح، لاندفاع المانع بالأصل.

ثمّ إنّ ظاهر تعبير الفقهاء ب «شروط المتعاقدين» دخل الأمور المذكورة بنحو

ص: 5

..........

______________________________

الشرط الذي يتمّ به تأثير العقد، لا كون أضدادها موانع الصحة، فمثل البلوغ و الاختيار متمّم تأثير الإنشاء في النقل و الانتقال، لا كون الصبا و الإكراه مانعين عن نفوذه. و يشهد له تعبيرهم «باشتراط الكمال بالبلوغ و العقل» و تفريعهم بطلان عقد الصبي عليه، من جهة فقد الشرط.

نعم تعبير المصنف قدّس سرّه ب «بطلان عقد الصبي» قد يوهم مانعية الصبا عن الصحة.

لكن يندفع بأنّه متفرّع على اشتراط الكمال كما سيأتي في كلام الشهيد قدّس سرّه.

مضافا إلى تداول إطلاق الشرط على الأمر الوجودي و عدم المانع، و الأمر سهل.

الأمر الثالث: أنّ الشرائط المذكورة معتبرة في البيع، سواء أنشئ بالقول أم بالفعل، بناء على ما تقرّر في باب المعاطاة من المكابرة في منع صدق البيع العرفي- الموجب للملك- عليها. و كذا الحال لو قيل بعدم الملك، و أنّها تفيد الإباحة تعبدا، و ذلك لما تقرّر في أوّل تنبيهات المعاطاة من أن المتيقن من المعاملة الفعليّة هي الجامعة لشرائط البيع القولي.

إذا عرفت ما ذكرناه من الأمور فلنشرع في توضيح المتن.

ص: 6

[الشرط الأوّل: البلوغ]
اشارة

مسألة المشهور- كما عن (1) الدروس و الكفاية- بطلان عقد الصبي،

______________________________

الشرط الأوّل: البلوغ

(1) الحاكي هو السيّد المجاهد قدّس سرّه «1». و نسبة الشهرة إلى الفاضل السبزواري قدّس سرّه و إن كانت في محلها، إلّا أنّ نسبتها إلى الشهيد مسامحة، لقوله في الدروس: «و نعني بكمال المتعاقدين بلوغهما و عقلهما. فعقد الصبي باطل و إن أذن له الولي، أو أجازه، أو بلغ عشرا، على الأشهر» و تعبيره بالأشهر لتعدد الأقوال في المسألة كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة «2»، و قد أنهاها الفقيه المامقاني قدّس سرّه «3» إلى سبعة أقوال، و يتجه التعبير بالأشهر بالنسبة إلى القول الثامن- و هو البطلان مطلقا- سواء أذن له الولي قبل العقد أم لا، و سواء أجاز عقده بعده أم لا، و سواء بلغ عشر سنين أم لا، و سواء أ كان مميّزا أم لا.

و هذا بخلاف ما لو عبّر الشهيد بالمشهور، فإنّه موهم بل ظاهر في ندرة القول بالصحة و شذوذه، مع أنّه ليس كذلك، كما سيظهر في مطاوي الأبحاث الآتية

______________________________

(1) المناهل، ص 286، الدروس الشرعية، ج 3، ص 192، كفاية الأحكام، ص 89.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

(3) غاية الآمال، ص 321 و 322.

ص: 7

[الوجوه المستدل بها على اعتبار البلوغ]
[أ: الإجماع]

بل (1) عن الغنية الإجماع عليه و إن (2) أجاز الولي.

و في كنز العرفان «نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا» (3).

______________________________

إن شاء اللّه تعالى، لوجود المفصّل تارة بين عقد المميّز و غيره، و اخرى بين إذن الولي له و استقلاله فانتظر.

و كيف كان فغرض المصنف قدّس سرّه من حكاية الشهرة عن الدروس و الكفاية توهين القول بصحة معاملة الصبي، و ذلك لمخالفته للشهرة الفتوائية على البطلان.

و قد استدلّ على فساد عقده بالإجماع المتضافر نقله و بالنصوص، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

الوجوه المستدل بها على اعتبار البلوغ أ: الإجماع

(1) غرضه الترقي عن مجرد اشتهار الفتوى بالبطلان إلى كون الحكم مجمعا عليه. قال السيد أبو المكارم قدّس سرّه: «و يخرج عن ذلك أيضا- يعني كخروج بيع العبد الجاني عن دليل حلّ البيع- بيع من ليس بكامل العقل، و شراؤه، فإنّه لا ينعقد و إن أجازه الولي، بدليل ما قدّمناه من الإجماع، و نفي الدليل الشرعي على انعقاده.

و يحتج على المخالف بما رووه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ ..» «1».

(2) وصلية، و غرض السيّد قدّس سرّه تعميم البطلان لصورة إذن الوليّ له في البيع و الشراء، و أمّا بطلانه في صورة عدم الإذن فكأنّه من الواضحات.

(3) قال الفاضل المقداد قدّس سرّه في الأحكام المستفادة من آية وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ ما لفظه: «اختلف في معنى ابتلائهم، فقال أبو حنيفة: هو أن يدفع إليه ما يتصرف

______________________________

(1) غنية النزوع، ص 523، س 34، و الحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

ص: 8

و ظاهره (1) إرادة التعميم لصورة إذن الولي (2).

و عن التذكرة: «أنّ الصغير محجور عليه بالنصّ و الإجماع، سواء كان مميّزا أو لا، في جميع التصرّفات، إلّا ما استثني، كعباداته (3)

______________________________

فيه. و قال أصحابنا و الشافعي و مالك: هو تتبّع أحواله في ضبط أمواله، و حسن تصرفه، بأن يكل إليه مقدمات البيع، لكن العقد لو وقع منه كان باطلا، و يلزم على قول أبي حنيفة أن يكون العقد صحيحا» «1».

و الشاهد في نسبة بطلان عقد الصبي المميّز إلى أصحابنا.

(1) منشؤه إطلاق محجورية الصبي عن التصرف، بلا فرق بين استقلاله فيه و بين إذن الولي له.

(2) يعني: فيكون الصبي مسلوب العبارة كالبهائم، فلا عبرة بعبارته و إن اقترنت بإذن الولي أو إجازته. ففي المسألة أقوال، أهمّها اثنان:

أحدهما: اعتبار البلوغ في المتعاقدين، و عدم العبرة بعبارة الصبي و إن كانت مع إذن الولي أو إجازته. و هذا هو المشهور بين الأصحاب، بل المدّعى عليه الإجماع.

ثانيهما: اعتباره في نفوذ عقده من دون حاجة إلى مراجعة الولي.

و بعبارة أخرى: ما يثبت في البالغ- من استقلاله في أموره من عقوده و إيقاعاته- ينفى في الصبي، فليس الصبي مستقلّا في تصرفاته بحيث تنفذ عقوده و إيقاعاته بلا مراجعة الولي. فلا مانع من شمول إطلاق الأدلة الإمضائية لعقد الصبي مع إذن وليّه.

(3) لما ثبت في محلّه من شرعية عباداته، و إن كان محلّ الخلاف، و ظاهر كلام العلّامة التسالم على استثناء عبادات الصبي من أفعاله التي هو محجور عليها. و لكنه غير ظاهر.

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 102.

ص: 9

و إسلامه (1) و إحرامه و تدبيره و وصيّته و إيصال الهدية و إذنه في الدخول على خلاف في ذلك (2)» «1» انتهى.

و استثناء إيصال الهدية (3) و إذنه الهدية و اذنه في دخول الدار يكشف

______________________________

ثم إنّ الظاهر أنّ مورد البحث هو الصبي المميز الذي له قصد و إرادة. و أمّا غير المميّز الذي لا يميّز الصلاح عن الفساد و لا قصد له ففعله كعدمه، و لا يصلح أن يكون موردا للبحث و النزاع، لفقدان القصد المقوّم للأفعال القصدية الّتي منها البيع.

و من المعلوم أنّ الفعل الصادر بعنوانه المتقوّم بالقصد إذا صدر عن الصبي ينبغي أن يقع فيه البحث، و أنّه هل يكون موضوعا للآثار؟ أم لا بد في ترتيب الأثر عليه من صدوره عن البالغ، و أنّ الصادر عن الصبي ليس موضوعا للأثر. فدعوى «الإجماع على كون فعل الصبي كالعدم سواء أ كان مميزا أم لا» غير مسموعة، إذ لا مقتضي لصحة فعل غير المميّز، لعدم القصد إليه.

و بالجملة: فلا بدّ من جعل مورد البحث خصوص الصبي المميز القاصد للفعل، لتوقف العناوين القصدية على القصد.

(1) المراد بنفوذ إسلام الصبي هو خروجه به عن تبعية أبويه الكافرين، و هذا المورد منصوص، كصحة إحرامه و تدبيره و وصيته، و سيأتي في التعليقة التعرّض لها إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: في اعتبار إذن الصبي في الدخول، فقد يقال بجواز الدخول في الدار بمجرد إذن الصبي، و قد يقال بمنعه.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه من هذه العبارة تقريب دلالة كلام العلّامة على ما نحن فيه، و هو حجر الصبي عن العقد و الإيقاع و عدم العبرة بإنشائه، و توضيحه: أنّه قد يتخيّل أجنبية عبارة التذكرة عن المقام، لظهور قوله: «الصغير محجور عليه في

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 73، س 25، و الحاكي عنه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170.

ص: 10

..........

______________________________

جميع التصرفات» في اختصاص الحجر بتصرّفه في ماله كبيعه و شرائه و صلحه و هبته و إجارته و نحوها من التصرف الاعتباري في أمواله الشخصية. و أمّا إذا لم يتصرّف الصبي في مال نفسه بل توكّل عن الغير في مجرّد الإنشاء فقد يشكل استظهار بطلانه من قول العلّامة: «جميع التصرفات» لعدم كون إجراء العقد و الإيقاع- بالوكالة عن الغير- تصرفا في مال الصبي حتى يكون محجورا عنه. و من المعلوم أخصيّة المنع- من التصرف في مال نفسه- من المدّعى، و هو عدم العبرة بأفعاله و أقواله مطلقا سواء تعلقت بماله أم بمال وليّه بإذنه، أم بمال الغير وكالة.

و قد زيّف المصنف قدّس سرّه هذا الوهم، لدلالة فحوى كلام العلامة على أنّ المراد من التصرف مطلق أقواله و أفعاله، و ذلك لأمرين مسلّمين:

أحدهما: أصالة الاتصال في الاستثناء، و عدم حمله على الانقطاع إلّا بقرينة.

ثانيهما: أولوية حجر الصبي عن تصرفه- الموضوع لحكم شرعيّ- من حجره عن تصرفه الذي لا يترتب عليه الأثر.

و توضيحه: أنّ العلّامة استثنى- من عموم حكمه بحجر الصغير عن التصرف- أمورا، منها: ما يترتب عليه الأثر كإسلامه و إحرامه و عتقه و نحوها ممّا حكم الشارع عليه بالصحة و النفوذ.

و منها: ما ليس موضوعا لحكم كإيصال الهدية و الإذن في الدخول. و الوجه في عدم موضوعيّتهما لحكم هو أنّ جواز تصرف المهدي إليه منوط بوصول الهدية إليه عن إذن المالك، و لا دخل لإيصال الصبي فيه أصلا، و إنّما هو آلة، كما لو حملها المهدي على حيوان أو أرسلها بالبريد.

و كذلك الحال في جواز الدخول في دار الغير، فإنّه مترتّب على إحراز رضا المالك، سواء أ كان الكاشف عنه إذن الصغير أم البالغ، فالعبرة بالمكشوف و هو الرضا المالكي، لا بالكاشف، فلو لم يحرز رضاه بإذن الكبير لم يجز للأجنبي الدخول.

ص: 11

بفحواه عن شمول المستثنى منه (1) لمطلق (2) أفعاله، لأنّ (3) الإيصال و الإذن ليسا من التصرفات (4) القولية و الفعلية. و إنّما الأوّل (5) آلة في إيصال الملك، كما لو حملها على حيوان و أرسلها (6).

______________________________

و على هذا فحيث إنّ العلّامة قدّس سرّه استثنى من موارد الحجر هذين الموردين اللّذين لا يترتب عليهما أثر شرعي كان مقتضى اتصال الاستثناء دخولهما في المستثنى منه- أعني به جميع التصرفات- لو لا الاستثناء. و لمّا كان المستثنى منه شاملا لهما اقتضت الأولوية القطعيّة اندراج فعل الصبي و قوله- الموضوعين للأثر الشرعي- فيه، كما إذا صار الصغير المميّز وكيلا عن غيره في إنشاء عقد أو إيقاع، فإنّ مقتضى عموم قوله: «جميع التصرفات» حجر الصبي عنه و عدم العبرة بعبارته، و لا يختص المنع بالتصرف في مال نفسه حتى يكون معقد الإجماع مختصا بتصرف الصبي في أمواله، كي يصير الدليل أخصّ من المدّعى، و هو عموم حجر الصبي و إلغاء إنشائه مطلقا سواء تعلق بماله أم بمال الغير.

(1) المراد بالمستثنى منه قول العلّامة: «جميع التصرّفات» و الوجه في الفحوى ما عرفته من أن إيصال الهدية ممّا ليس موضوعا لحكم شرعي لو توقّف تمشّيه من الصبي على الاستثناء كشف ذلك بالأولوية عن توقف الفعل و القول الموضوعين للحكم على الاستثناء.

(2) متعلق ب «شمول».

(3) هذا تقريب الفحوى، و قد عرفته.

(4) المراد من التصرف هنا معناه الأخص، و هو القول و الفعل الموضوعان للأثر، كالإسلام و الإحرام و التدبير و الوصية، فإنّها موضوعات لأحكام. بخلاف إيصال الهدية.

(5) لو قال: «و إنّما الصبي في الأوّل آلة .. إلخ» كان أنسب، حتى يكون المراد بالأوّل مثال إيصال الهدية، و تتّجه آليّة الصغير فيه.

(6) أو أرسلها بالبريد أو بوسيلة أخرى، حيث إنّ المهمّ وصول الهدية عن إذن مالكها.

ص: 12

و الثاني (1) كاشف عن موضوع تعلّق عليه إباحة الدخول، و هو رضا المالك [1].

______________________________

(1) بالرفع معطوف على «الأوّل» و المراد بالثاني أذن الصغير في دخول الضيف في الدار، حيث إنّ العبرة بالمكشوف و هو إباحة الدخول من قبل المالك، لا إعلام الصبي و إذنه.

هذا كله في الدليل الأوّل على بطلان عقد الصبي، و هو الإجماع المنقول.

______________________________

[1] تعميم معقد الإجماع للصبي المميّز غير ظاهر. قال في الكفاية مفرّعا على ما ذكره بقوله: «يشترط أن يكون المتعاقدان عاقلين بالغين على المشهور» ما لفظه:

«فلا يصح بيع المجنون و لا الصبي، و كذا الشراء، و في المميّز إشكال».

و كذا يشكل شمول إجماع الغنية للصبي المميّز، لأنّ عبارتها المحكيّة هي هذه:

«لا ينفذ بيع من ليس بكامل العقل و شراؤه، فإنّه لا ينعقد و إن أجازه الولي، بدليل ما قدمناه من الإجماع، و نفي الدليل الشرعي». إذ الظاهر ممّن ليس بكامل العقل هو غير المميّز، لا مطلق الصبي، لأنّ من الواضح كون بعض أفراد غير البالغ كامل العقل بالوجدان، فلا يصدق عليه العنوان المزبور- و هو غير كامل العقل- فلا يشمل معقد الإجماع الصبي المميّز. و على تقدير الشمول لم يحرز كون الإجماع تعبديا، لاحتمال مدركيته، بأن يستند المجمعون إلى بعض الوجوه المحتج بها على مذهب المشهور.

و الحاصل: أنّه لا إجماع أوّلا، لكون المسألة خلافية، و أنّ معقده بعد تسليمه لا يشمل المميّز ثانيا، و أنّ احتمال مدركيته يسقطه عن الاعتبار ثالثا. فالإجماع لا يصلح لإثبات مدّعى المشهور.

و كذا دليلهم الثاني و هو حديث «رفع القلم عن الصبي» لما سيأتي في توضيح المتن.

و كذا دليلهم الثالث، و هو الروايات المتضمنة منطوقا و مفهوما لعدم جواز أمر الصبي، لما ذكره المصنف بقوله: «لكن الإنصاف أنّ جواز الأمر .. إلخ» فتلك الأخبار أيضا لا تفي بإثبات مذهب المشهور. و على تقدير دلالتها على نفي مطلق الجواز عن عقد الصبي لا ينافي النفوذ بعنوان كونه عقدا للولي، حيث إنّ إذنه تصحح نسبته إليه كعقد الفضولي المضاف إلى من بيده اعتباره بعد إجازته.

ص: 13

[ب: حديث رفع القلم عن ثلاثة]

و احتج (1) على الحكم في الغنية بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ».

______________________________

ب: حديث رفع القلم عن ثلاثة

(1) هذا شروع في النصوص المستدل بها على المدّعى، و لا يخفى أن السيّد لم يستدل بحديث رفع القلم، و إنما قال: «و يحتج على المخالف ..» فلاحظ كلامه في (ص 8).

و كيف كان فالاستدلال بحديث رفع القلم عن الصبي يقع في مقامين، أحدهما في السند، و الآخر في الدلالة.

أمّا الأوّل فقد روى في الوسائل عن الخصال عن الحسن بن محمّد السكوني عن الحضرمي عن إبراهيم بن أبي معاوية عن أبيه عن الأعمش، عن ابن ظبيان، قال:

«اتي عمر بامرأة مجنونة قد زنت، فأمر برجمها. فقال علي عليه السّلام: أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ» «1».

و هذا الطريق لا يخلو من ضعف بالأعمش و غيره، إلّا أن أصل الحادثة و قضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين ممّا يطمأن بصدوره. فالشيخ المفيد قدّس سرّه صدّر الفصل- الذي عقده لذكر قضائه عليه السّلام في عهد إمرة الثاني- بقوله:

«فمن ذلك ما جاءت به العامة و الخاصة» «2» ثم ذكر هذه القصّة بعنوان: «و رووا [روي] أنّ مجنونة .. إلخ» و لعلّه يستفاد من تعبيره قدّس سرّه تسالمهم على روايته، و لا أقلّ من تضافر نقله، هذا.

مضافا إلى تلقّي الفقهاء لجملة «رفع القلم عن الثلاثة» بالقبول، و إسناده إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 1، ص 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 10.

(2) الإرشاد، ج 1، ص 203 و 204، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السّلام، و رواه العلّامة المجلسي في بحار الأنوار عن العامة، في ج 30، ص 680، و إن شئت الوقوف على مصادر القصّة عندهم فراجع هامش الإرشاد و البحار.

ص: 14

..........

______________________________

الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حتى من لا يعمل منهم بالخبر الواحد العاري عن قرينة القطع كابن إدريس، فقال في باب الوصية: «و أيضا قوله عليه السّلام: رفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم» «1». و قال في الحدود: «لقوله عليه السّلام المجمع عليه رفع القلم عن ثلاثة» «2». و هذا المقدار كاف في حصول الوثوق بالصدور لو لم يوجب القطع به.

و أمّا المقام الثاني- و هو في الدلالة- فنقول: إنّ القلم المرفوع محتمل لأمرين قد شملت كلّا منهما عناية الجعل.

أحدهما: قلم التكليف، سواء أ كانت إلزامية أم غير إلزامية، بل قلم مطلق الأحكام حتى الوضعية بناء على تأصلها في الجعل. و أمّا بناء على الانتزاع يختصّ بالمجعول و هو التكليف. و هذا القلم مساوق لمثل قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيٰامُ كَمٰا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ «3» و قَدْ عَلِمْنٰا مٰا فَرَضْنٰا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوٰاجِهِمْ وَ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «4» فالحكم المتعلق بفعل المكلف قلم مجعول شرعا في حقّه.

ثانيهما: قلم المؤاخذة، و هو قلم كتابة السيئات المترتب على عصيان الخطاب الإلزامي المنجّز، في قبال قلم الحسنات و المثوبات المترتّبة على فعل الطاعات.

و لا فرق في كتابة المؤاخذة و العقوبة شرعا بين كونها دنيوية أعم من كونها بدنيّة في النفس و الطرف كالحدود و القصاص و التعزيرات أم مالية كالديات، و بين كونها أخروية و هو كلّ ما توعّد به تعالى العصاة في تلك النشأة. و هذا القلم أي: المؤاخذة الفعلية- الّتي هي فعل الشارع أيضا- قابل لكلّ من الوضع و الرفع التشريعيّين و لو باعتبار منشئهما، و هو الحكم الإلزامي و نحوه.

إذا اتضح إطلاق «القلم» على كلّ من التكليف و ما يلحقه من العقوبة، فيقال في تقريب استدلال المشهور بحديث «رفع القلم»: إنّ المراد بالقلم المرفوع هو كافة

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 207.

(2) السرائر، ج 3، ص 324.

(3) البقرة، الآية 183.

(4) الأحزاب، الآية 50.

ص: 15

و قد سبقه في ذلك (1) الشيخ في المبسوط في مسألة الإقرار، و قال: «إنّ مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم (2)» «1». و نحوه الحلّي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا. و تبعهم في الاستدلال به جماعة كالعلامة «2» و غيره «3».

[ج: عدم جواز أمر الصبي]

و استدلّوا أيضا بخبر (3) حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السّلام: «ان الجارية

______________________________

الأحكام المجعولة على الكبار، تكليفية كانت أم وضعيّة، فكما لا يتصف فعل الصبي بالوجوب و الحرمة، فكذا لا تثبت في حقّه الأحكام الوضعية كسببيّة عقده و إنشائه للبيع- مثلا- لحصول النقل و المبادلة في إضافة الملكية، فإنّ سببيّته له اعتبار وضعي إمضائي مرفوع عن الصغير، إمّا برفعها و إمّا برفع منشأ انتزاعها كوجوب الوفاء كرفعها عن إنشاء المجنون و النائم. و عليه فالحديث واف بالمدّعى و هو إلغاء أقوال الصبي و أفعاله عن الاعتبار و عدم موضوعيتها للآثار المترتّبة على ما إذا صدرت من الكبير. هذا تقريب الاستدلال، و سيأتي مناقشة المصنف فيه بوجوه ثلاثة.

(1) أي: في الاستدلال بحديث «رفع القلم» على عدم نفوذ إقرار الصبي.

(2) يعني: الحكم المترتب على كلام البالغ، و هو التأثير في النقل و الانتقال و وجوب الوفاء به، و غير ذلك من أحكام الإنشاء الممضى شرعا.

ج: عدم جواز أمر الصبي

(3) هذا دليل ثالث للمشهور، و هو جملة من الروايات الدالة منطوقا أو مفهوما على عدم جواز أمر الصبي في البيع و الشراء. بتقريب: أن إطلاق نفي الجواز يقتضي نفي الأثر عن عقده مطلقا، سواء استقل به أم أذن له الولي. و المستدل جماعة، منهم

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 3.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 200، س 36 و ج 2، ص 145، س 39 و ص 146، س 17.

(3) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 50، و المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج 7، ص 83 و غيره، و المحقق الشوشتري في مقابس الأنوار، ص 3، كتاب البيع.

ص: 16

إذا زوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء. و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة» الحديث «1».

و في رواية ابن سنان: «متى يجوز أمر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ أشدّه. قال:

ما أشدّه؟ قال: احتلامه (1)» «2».

______________________________

أصحاب مفتاح الكرامة و الرياض و المستند و الجواهر و الحدائق قدّس سرّهم. قال السيد العاملي: «و المراد بجواز أمره تصرفه بالبيع و الشراء و نحوهما، فالقول بأنّه لا منافاة بين صحة عقده و بين عدم دفع المال إليه- كما يظهر من مجمع البرهان- لا وجه له، فإنّ الخبر المذكور قد دلّ على عدم جواز أمره يعني تصرفه بجميع أنواع التصرفات.

و العقد الواقع منه إن كان صحيحا موجبا لنقل الملك فهو التصرف الذي دلّ الخبر على المنع منه، و إلّا فهو لغو» «3».

(1) الظاهر أنّ مراده ما رواه الصدوق في الخصال عن أبي الحسين الخادم بيّاع اللّؤلؤ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: حتى يبلغ أشدّه. قال: و ما أشدّه؟ قال احتلامه. قال: قلت:

قد يكون الغلام ابن ثمان عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر و لم يحتلم؟ قال: إذا بلغ و كتب عليه الشي ء [و نبت عليه الشعر] جاز عليه أمره، إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

و نقله صاحب الوسائل- في كتاب الحجر- عن الخصال، عن بيّاع اللؤلؤ، لا عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 1، ص 3، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، ح 2، و ج 13، ص 142 الباب 2 من أبواب الحجر، ح 1.

(2) الخصال، ج 2، ص 268، عنه في البحار، ج 103، ص 162، ح 5، وسائل الشيعة، ج 13، ص 143، الباب 2 من أحكام الحجر، ح 5.

(3) راجع مفتاح الكرامة، ج 4، ص 171، رياض المسائل، ج 1، ص 511، مستند الشيعة (الطبعة الحديثة) ج 14، ص 263، جواهر الكلام، ج 22، ص 261، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 369، مقابس الأنوار، ص 3، كتاب البيع.

ص: 17

و في معناها (1) روايات أخر.

لكن الإنصاف (2) أنّ جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في

______________________________

ابن سنان، و الظاهر وقوع السهو فيه.

و روى في وصيّة الوسائل عن التهذيب رواية أخرى عن ابن سنان تتضمن سؤاله عن مدلول الآية المباركة و تفسير الأشدّ بالاحتلام، إلّا أن ذيله يختلف عما نقلناه، لتضمنه تحديد البلوغ- بالسنين- بثلاثة عشرة سنة، فراجع «1».

و كيف كان فالشاهد في عدم جواز أمر الصبي و سلب عبارته، و صدر الرواية دالّ عليه.

(1) ممّا يتضمّن الحجر قبل البلوغ، و توقف نفوذ المعاملة عليه، كما في معتبرة هشام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام، و هو أشدّه، و إن احتلم و لم يؤنس منه رشده و كان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليّه ماله» «2».

و كمرسلة الصدوق: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، و جاز أمرها في مالها، و أقيمت الحدود التامة لها و عليها» «3».

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في دلالة كلتا الطائفتين من الأخبار- و هما أحاديث رفع القلم و عدم جواز أمر الصبي- على مدّعى المشهور من سلب العبارة و عدم العبرة بإنشائه.

أمّا المناقشة في الطائفة الثانية المشتملة على عدم جواز أمر الصبي فتوضيحها:

أنّ عدم نفوذ الأمر يفترق عن سقوط عبارته بالكليّة، و ذلك لأنّ المثبت في البالغ منفيّ في الصبي، و من المعلوم أنّ المثبت في البالغ هو الاستقلال و النفوذ، من دون حاجة إلى إذن أحد، فلا بدّ أن يكون المنفي في الصبي هو ذاك المعنى المثبت في البالغ، لأنّه مقتضى قرينة المقابلة بين القضيتين الإيجابية و السلبية مع وحدة المحمول كالنفوذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 8.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 430، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 9.

(3) وسائل الشيعة، ج 13، ص 143، الباب 2 من أحكام الحجر، ح 3.

ص: 18

التصرف لأنّ (1) الجواز مرادف للمضي، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة. كما يقال: بيع الفضولي غير ماض (2)، بل موقوف.

و يشهد له (3) الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله: «إلّا ان يكون سفيها». فلا (4) دلالة لها حينئذ على سلب عبارته، و أنّه (5)

______________________________

و عدمه. و عليه يكون إنشاء الصبي نظير عقد الفضول في عدم سقوطه عن قابلية الإمضاء بلحوق إجازة مالك الأمر.

و الشاهد على إرادة عدم الاستقلال من قوله عليه السّلام: «لا يجوز أمره» و عدم إرادة سلب العبارة كما يدعيه المشهور هو الاستثناء الوارد في رواية عبد اللّه بن سنان المتقدمة: «إلّا أن يكون سفيها أو ضعيفا» حيث إنّ السفيه ليس مسلوب العبارة، و إنّما هو محجور عن الاستقلال في تصرفاته المالية، فيظهر من هذا الاستثناء نفي التصرف المستقل، إذ المراد بالجواز في البالغ هو النفوذ بالاستقلال، و هذا منفي في غير البالغ.

و بهذا ظهر أجنبية هذه الطائفة عن مدّعى المشهور.

و أما المناقشة في الطائفة المتضمنة لرفع القلم عن الصبي فبوجوه ثلاثة ستأتي قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا تقريب ظهور «عدم جواز الأمر» في عدم الاستقلال، لا في مدّعى المشهور من سلب العبارة.

(2) يعني: أنّ عدم المضي لا ينافي صحة عقد الصبي معلّقا على إجازة وليّه، نظير توقف نفوذ عقد الفضول على إجازة وليّ العقد.

(3) يعني: و يشهد لظهور الروايات في نفي الاستقلال: الاستثناء الوارد في بعضها، على ما عرفته آنفا.

(4) هذا متفرع على ظهور الروايات في نفي الاستقلال، لا في سلب العبارة كلّيّة.

(5) معطوف على «سلب عبارته» و مفسّر له، يعني: إذا تصدّى الولي لمقدمة المعاملة من تعيين العوضين ثم أمر الصبي المميّز بإنشاء العقد، لم تدل الروايات

ص: 19

إذا ساوم (1) وليّه متاعا و عيّن له قيمته، و أمر الصبي بمجرّد إيقاع العقد مع الطرف الآخر كان باطلا. و كذا (2) لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن (3) وليّه.

و أمّا حديث (4) رفع القلم ففيه أولا: أنّ الظاهر منه قلم المؤاخذة [1]

______________________________

- المتضمنة لعدم جواز أمر الصبي- على بطلانه رأسا، هذا.

(1) المساومة هي المجاذبة بين البائع و المشتري على السلعة و فصل ثمنها.

(2) معطوف على «أنّه» يعني: لا دلالة لمثل خبر حمزة بن حمران على بطلان إنشاء إيجاب النكاح أو قبوله إذا كان بإذن وليّه. وجه عدم الدلالة ما تقدم آنفا من ظهور الرواية في نفي استقلال الصبي في التصرف، لا في سلب عبارته حتى يكون إنشاؤه لغوا كإنشاء الهازل و اللّاغي.

(3) متعلق ب «أوقع» يعني: لو أذن الولي للطفل في أن يزوّج هندا من زيد، أو يقبل ذلك الإيجاب، لم تدل رواية حمزة بن حمران على بطلانه.

و الظاهر أنه لا فرق في صحة إنشاء الصبي بإذن وليّه بين كون التزويج لنفسه أو لغيره، و لم يظهر وجه تقييد الصحة بكون النكاح لغيره.

(4) أشرنا إلى أنّ المصنف قدّس سرّه ناقش في دلالة «رفع القلم عن الصبي» على سلب عبارته- و كون إنشائه كالعدم- بوجوه ثلاثة:

توضيح الوجه الأوّل: أنّ الاستدلال به منوط بكون المرفوع عن الصغير هو الأحكام المجعولة في حقّ البالغين، سواء أ كانت إلزامية أم غيرها، و سواء أ كانت تكليفية أم وضعية، فيقال حينئذ بخلوّ صفحة التشريع- بالنسبة إلى الصبيان- عن كلّ قلم مجعول في حق الكبار، كما تقدم في تقريب الاستظهار.

______________________________

[1] سيأتي في التعليقة ضعفه، و أنّ المراد قلم جعل الأحكام الإلزامية، يعني: أنّ قلم جعلها مرفوع عن الصبي، فالرواية أجنبية عن عقد الصبي، و غير شاملة له.

ص: 20

..........

______________________________

و لكن الظاهر من «رفع القلم» هو رفع المؤاخذة التي هي من خواص التكاليف الإلزامية. و الوجه في هذا الظهور تسالم المشهور على أمرين:

أحدهما: شرعية عبادات الصبي لا تمرينيتها، لوضوح إناطة التقرّب بوجود أمر مولوي استحبابي في حق الصغير المميّز ليتقرّب به إليه جلّ و علا. و من المعلوم توقف هذا الأمر الندبي على شمول إطلاق أدلة العبادات لكلّ من الصبي و البالغ، و إنّما يرتفع عن الصبي ما وضعه الشارع على البالغ، و هو خصوص المؤاخذة و العقوبة المترتبة على عصيان الحكم الإلزامي، فيكشف عن ارتفاع خصوص الإيجاب و التحريم امتنانا عن غير البالغ. و أمّا سائر الأحكام التكليفية من الاستحباب و الإباحة و الكراهة، و كذا الأحكام الوضعية، فإطلاق أدلتها شامل لكل من الصغير و الكبير على السواء، لعدم امتنان رافع لها.

ثانيهما: اشتراك الأحكام الوضعية بين الصبي و البالغ، فلو دلّ حديث «رفع القلم» على إلغاء سببية إنشاء الصبي و كونه بحكم العدم لكان منافيا لتسالمهم على الاشتراك المزبور. و لا مناص من جعل المرفوع قلم المؤاخذة المترتبة على عصيان الأحكام التكليفية الإلزامية- من الإيجاب و التحريم- خاصة، حتى يبقى قلم الأحكام الوضعية شاملا للصغار، فسببية الإنشاء للملكية و الضمان و الوصاية و نحوها حكم وضعي مشترك.

و بناء على هذين الأمرين يتعيّن جعل المرفوع المؤاخذة المخصوصة بالأحكام الإلزامية، دون غيرها، لكون الحديث في مقام الامتنان على الأمّة، فيختص المرفوع بما فيه ثقل عليهم، و لا ثقل في غير الإيجاب و التحريم حتى يرتفع بالحديث، فالأحكام التكليفية غير الإلزامية و كذا الاعتبارات الوضعية- الّتي منها سببية الإنشاء للأثر المترتب عليه- جارية في حق الصبي، و لا وجه لما التزم به المشهور من سلب عبارته اعتمادا على حديث رفع القلم عنه.

ص: 21

لا قلم جعل الاحكام، و لذا (1) بنينا كالمشهور على شرعية عبادات الصبي.

و ثانيا (2): أنّ المشهور على الألسنة أنّ الأحكام الوضعية ليست مختصة

______________________________

(1) يعني: و لكون المراد برفع القلم رفع المؤاخذة قلنا بشرعية عبادات الصبي.

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و توضيحه: أنّه لو سلّمنا ظهور «رفع القلم» في نفي كافة الأحكام المجعولة على الكبار قلنا: لا بدّ من جعل المرفوع خصوص الأحكام التكليفية، حتى تكون الاعتبارات الوضعية جارية في حق الصغار، و ذلك لما اشتهر بينهم من عدم اختصاص الخطاب الوضعي بالبالغين، لحكمهم بضمان الصبي بالإتلاف، و بصحة عتقه و تدبيره و وصيّته و نحوها.

و على هذا فلا تلازم بين التكليف و الوضع، فيمكن تأثير عقد الصبي في النقل و الانتقال، و اتصاف إنشائه بالسببية فعلا و التأثير الفعلي، لكنه لا يخاطب بوجوب الوفاء بإنشائه إلّا بعد البلوغ، لكون وجوب الوفاء حكما إلزاميا معلّقا على البلوغ و كما العقل.

أو يقال: بأنّ إنشاء الصبي سبب لتوجه خطاب «ف بعقد الصبي المولّى عليه» إلى الولي الآذن له، فيجب فعلا عليه ترتيب الأثر على عقد الصبي المأذون له، و كذا لو أجاز عقده. و بهذا يتصف إنشاؤه بالسببية أيضا.

فإن قلت: كيف يتصف إنشاؤه بالسببية، مع عدم مخاطبته بوجوب الوفاء فعلا؟

و كيف يصير إنشاؤه سببا لتوجه الخطاب إلى الوليّ؟ مع دوران وجوب الوفاء مدار العقد، و لا عقد للوليّ حتى يجب وفاؤه به.

قلت: لا استيحاش في سببيّة إنشاء الصغير لخطاب غير فعليّ في حق نفسه، أو لخطاب فعلي في حق وليّه، و ذلك لوجود نظيره، و هو أنّه لو أجنب الصغير بمباشرة زوجته مثلا أثّرت جنابته في توجّه أحكام تكليفية، بعضها غير فعلية و هو ما يتعلق بنفسه، و بعضها فعلية خوطب به البالغون، فغير الفعلي وجوب الغسل عليه بمجرّد بلوغه. و الفعلي أنّه يحرم على الغير تمكين الصغير المجنب من مسّ المصحف الشريف،

ص: 22

بالبالغين، فلا مانع من أن يكون عقده سببا لوجوب الوفاء (1) بعد البلوغ، أو على الولي إذا وقع بإذنه أو إجازته. كما يكون جنابته سببا لوجوب غسله بعد البلوغ، و حرمة (2) تمكينه من مسّ المصحف.

و ثالثا (3): لو سلّمنا اختصاص الأحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير البالغ موضوعا للأحكام المجعولة في حق البالغين، فيكون الفاعل كسائر غير البالغين خارجا عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ.

______________________________

و من دخوله في المسجد، و نحوهما من المحظورات على المحدث بالحدث الأكبر.

و الحاصل: أنّ مقتضى تسالمهم على شمول الأحكام الوضعية للصغار هو الالتزام بسببية عقده و إنشائه في ترتب الأثر عليه كالنقل و الانتقال في البيع، و الزوجية في النكاح، و البينونة في الطلاق، و بهذا يسقط استدلال المشهور بحديث «رفع القلم» على بطلان إنشاء الصبي.

(1) الأولى زيادة كلمة «عليه» ليرجع ضميره إلى الصبي، و ليتّجه عطف «أو على الولي» عليه.

(2) بالجرّ معطوف على «وجوب» يعني: يحرم فعلا على البالغين تمكين الصبيّ من مسّ المصحف. و حرمة التمكين مسبّبة عن جنابة الصغير.

(3) هذا ثالث وجوه المناقشة، و محصّله: منع استدلال المشهور بحديث «رفع القلم» على سلب عبارة الصبي و بطلان عقده حتّى مع تسليم اختصاص الخطاب الوضعي بالبالغين، و توضيحه: أنّ رفع قلم التكليف و الوضع عن الصغير يقتضي عدم ترتب أثر على عقده بالنسبة إلى نفسه، فلو باع شيئا من ماله لم يتملّك الثمن ما دام صبيّا، فإذا بلغ أثّر ذلك العقد أثره و وجب عليه الوفاء به. و أمّا الكبير الذي عقد مع الصبي فيجب عليه ترتيب الأثر و يحرم عليه نقض العقد و نكثه. و من المعلوم أنّ رفع قلم التكليف و الوضع عن الصبي أجنبي عن الأحكام الموضوعة على الكبير الذي عقد معه.

ص: 23

..........

______________________________

و الفارق بين هذا الاشكال و الاشكال الثاني: أنّ المصنف قدّس سرّه التزم هناك بسببية إنشاء الصبي للنقل و لوجوب الوفاء معلّقا على البلوغ، لما اشتهر من اشتراك الوضع بين البالغ و الصغير. و في الاشكال الثالث التزم باختصاص مطلق الأحكام بالبالغين، و لكنه فكّك بين طرفي العقد في موضوعيّته للآثار. هذا ما يناسب ذكره في التوضيح، و إن شئت تفصيل الفرق فلاحظ التعليقة [1].

______________________________

[1] قد يفرّق بين وجهي الإشكال تارة بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ الثاني ناظر إلى سببيّة عقد الصبي فعلا لوجوب الوفاء به معلّقا على البلوغ، و الثالث ناظر إلى سببية عقده لوجوب الوفاء به بعد البلوغ بلا سببية فعلية للوجوب التعليقي. و لكن مع ذلك ليس للطرف الآخر نقض العقد، لأنّ العقد موضوع تام لوجوب الوفاء و إن لم يؤثر فعلا في الملكية، كما في العقد بين الفضول و الأصيل، فإنه يحرم عليه النقض مع عدم وجوب شي ء على الفضول «1».

و الحاصل انه يفكّك بين الحكم الوضعي و هو الملكية، و بين التكليفي و هو وجوب الوفاء، فعقد الصبي بالنسبة إلى نفسه لا يتصف بالسببية للملكية و لا لوجوب الوفاء، و بالنسبة إلى الكبير يتصف بالسببية لوجوب الوفاء خاصة لا للملكية، هذا.

و اخرى بما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه من: أنّ الثاني متمحّض في سببيّة إنشاء الصبي بالاستقلال في حصول جميع آثار المعاملة، و الثالث ينفي استقلال تأثيره مع الالتزام بالتأثير الضمني، بأن يكون إنشاء الصبي جزء المؤثر، و الجزء الآخر بلوغه، أو بلوغ أرباب الأموال من الموكّلين للصبي. و هذا نظير عقد الوصية في كونه جزء المؤثر، و كون جزئه الآخر موت الموصى. و نظير عقد الصرف و السّلم في كونه جزء المؤثر، و كون جزئه الآخر هو القبض.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 114.

ص: 24

______________________________

ثم اعترض هذا المحقق على المصنف قدّس سرّهما بالتناقض، لابتناء الوجه الثالث على نفي الوضع عن الصغير، فإثباته له و لو بعنوان جزء السبب يقتضي عموم الوضع للكبير و الصغير، إذ لا فرق في الشمول بين تمام السبب و جزئه «1».

و ثالثة بما يظهر من بعض من: أنّ الاشكال الثاني ناظر إلى جريان الحكم الوضعي بالنسبة إلى نفس الصبي، بخلاف الاشكال الثالث، لتمحضه في موضوعية إنشاء الصبي لحكم البالغ، كما إذا عقد على مال الولي بإذنه، أو توكّل عن الأجنبي في مجرّد إجراء العقد، فإنّ مقتضى صحّته ترتيب الأثر عليه من قبل الولي أو الموكّل، و هذا المقدار أجنبي عن رفع القلم عن الآثار المختصّة بالصبي، هذا.

أقول: ما أفاده المصنف في الاشكال الثاني واضح لا إجمال فيه و إن تطرّق إليه المنع بما سيأتي. و إنّما الكلام في الاشكال الثالث، فإنّه قدّس سرّه جمع فيه بين أمرين:

أحدهما: موضوعية عقد الصبي للآثار التي يجب على البالغين ترتيبها عليه، من دون توجّه خطاب إلى نفس الصبي.

ثانيهما: صيرورة الصبي مخاطبا بترتيب آثار المعاملة بمجرّد بلوغه، و هذا يستفاد من تحديد رفع الأحكام ببلوغه، لاقتضاء عدم لغويّة التحديد لزوم العمل بمقتضى العقد و وجوب الوفاء به بمجرد البلوغ، و من المعلوم توقف فعلية الآثار بالبلوغ على الالتزام بالصحة التأهّليّة في عقد الصبي في حقّ نفسه، حتى تتوقف سببيته الفعلية لكلّ من الوضع و التكليف- أعني بهما الملكية و وجوب الوفاء به- على بلوغه، و إلّا فلو قلنا باختصاص الأحكام الوضعية بالكبار و أسقطنا أقوال الصبي و أفعاله عن اقتضاء التأثير امتنع فعلية الحكم بالبلوغ.

و بهذا قد يشكل ما أفادوه من الفروق بين الإشكال الثاني و الثالث.

أمّا ما تقدم من المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فلأنّ الاشكال الثالث ليس ناظرا إلى سببية عقد الصبي لخصوص وجوب الوفاء، و ذلك لما في ذيل كلام المصنف قدّس سرّه من صيرورة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

ص: 25

______________________________

الصبي مخاطبا حال البلوغ بترتيب الآثار، و من المعلوم توقف ترتيبها على اقتضاء عقد الصبي لتأثيره في كلّ من الملكية و وجوب الوفاء، لا في خصوص التكليف، إذ لو لم يلتزم بسببية ناقصة في إنشائه للنقل و الانتقال امتنعت سببيّته التامة بعد البلوغ الذي هو ليس ظرف الإنشاء، و كيف يجب الوفاء بعقد لم يؤثّر في الملكية أصلا؟

بل في الحقيقة يلغو مثل هذا الأمر الذي لا موضوع له «1».

و عليه فالتفكيك بين الوضع و التكليف هنا من الغوامض التي تقصر أفهامنا عن اكتناهها.

و أمّا تنظيره للمقام بعقد الفضول من حيث عدم مخاطبته بوجوب الوفاء، بخلاف الأصيل، فهو و إن كان صحيحا، لكنّ الوجه في حرمة النقض على الأصيل هو صحة عقده مع الفضول تأهّلا، و قابليته لفعلية التأثير بإجازة المالك، فالسببية الناقصة للمبادلة متحققة بذلك العهد، فلو أنكرنا هذا التأثير الناقص لم يجب على الأصيل الوفاء كما يلتزم به القائل ببطلان عقد الفضول رأسا، و عليه فلم يتحقق تفكيك بين الوضع و التكليف.

و الانصاف أن إشكال الميرزا النائيني على المصنف «من امتناع تفكيك الآثار بين البالغ و غيره فيما كان ذات الفعل موضوعا للأثر» «2» لا يندفع عنه بما أتعب به المحقق الأصفهاني نفسه الشريفة لتثبيته.

و أما ما أفيد «من كون الاشكال الثالث ناظرا إلى موضوعية إنشاء الصغير للبالغ كما في الوكيل» فيدفعه صراحة كلام المصنف من صيرورة الصغير مخاطبا بالوفاء بالبلوغ، و هذه قرينة على أنّ مراد المصنف من الموضوعية غير الوكالة، فالصبي يعقد على مال نفسه مع الكبير، فيكون هذا العقد موضوعا لوجوب الوفاء فعلا على الكبير، و معلّقا على البلوغ بالنسبة إلى الصغير.

و عليه فلعلّ الأقرب إلى مقصود المصنف قدّس سرّه من الفرق بين الإشكالين ما أفاده

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

(2) منية الطالب، ج 1، ص 173.

ص: 26

______________________________

المحقق الايرواني قدّس سرّه من تمام المؤثر و جزء المؤثر. و يرد حينئذ على الماتن ما تقدم منه من التناقض.

و كيف كان فإشكالات المصنف الثلاثة على استدلال المشهور بحديث رفع القلم لا تخلو من مناقشة.

أمّا الأوّل- و هو تعلق الرفع بالمؤاخذة الكاشف عن نفي خصوص التكليف الإلزامي عن الصبي، و صحة العقد حكم وضعي لا ترفع بالحديث- فغير ظاهر، لوجوه:

أوّلها: أنّ الداعي إلى تقدير المؤاخذة أمران:

أحدهما: اقتضاء مادة الرفع لكون المرفوع ثقيلا، فلا يصدق عرفا على رفع ورقة و ان صدق عليها لغة.

و الآخر ورود الحديث مورد الامتنان.

و لكن الظاهر عدم اقتضائهما رفع المؤاخذة المترتبة على فعل البالغ، فيمكن تعلق الرفع بنفس الأحكام الإلزامية، و كذا الوضعية التي فيها ثقل و كلفة و مشقة كالقصاص. و لو دار الأمر بين أحد الأمرين لم يكن مرجح لتقدير المؤاخذة.

و دعوى «امتناع الحكم بشرعية عبادات الصبي لو كان المرفوع بالحديث نفس الأحكام الإلزاميّة، إذ بناء على المبنى المنصور من بساطة الأوامر و النواهي لا يبقى للفعل رجحان بعد رفع الإلزام، بخلاف ما لو تعلّق الرفع بالمؤاخذة المختصة بالتكاليف الإلزامية» ممنوعة، إذ لا فرق في هذا الاشكال بين رفع التكليف و المؤاخذة، لسقوط الإلزام على كلّ منهما، و به يسقط أصل الطلب.

لكن يندفع الإشكال بأنّ الدليل المقيّد محفوف بقرينة الامتنان الموجبة لرفع خصوص ما فيه الثقل و المشقة و هو الإلزام، بل رفع ما عدا الإلزام خلاف المنّة على الصغير، لحرمانه عن الحسنات التي يتفضل بها سبحانه و تعالى على فعل الخيرات.

ثانيها: أنّ تقدير المؤاخذة ممتنع في نفسه، لظهور رفع العقوبة في نفي فعليتها، و من المعلوم أنّها مترتبة على استحقاقها حتى يتعلّق به العفو، و المقطوع به عدم استحقاق الصبي للعقوبة حتى يتعقبه العفو. هذا في المميّز القابل للخطاب،

ص: 27

______________________________

فإنّ الضرورة الفقهية على نفي استحقاقه للمؤاخذة على أفعاله إلّا ما استثني كالتعزير في السرقة المتكررة. و أمّا غير المميّز فلقضاء العقل القطعي كالنائم و المجنون بقبح مؤاخذته.

هذا مضافا إلى أن نفي فعلية العقاب لا يستلزم نفي التكاليف الإلزامية عن الصغير، لأعميتها منه، فالظهار حرام معفوّ عنه كما قيل، و عليه فليس للمصنف قدّس سرّه استكشاف سقوط التكاليف الإلزامية من رفع المؤاخذة الفعلية.

هذا بناء على ظاهر المتن من رفع فعلية المؤاخذة. و إن أريد من رفع المؤاخذة رفع استحقاقها- كما قد يقال و إن كان خلاف الظاهر- ففيه: أنّ الاستحقاق حكم عقلي، فلا يكون موضوعا لرفع القلم التشريعي، و إن صحّ جعله بلحاظ منشئه و هو الحكم الشرعي موضوعا للرفع، كما في حديث رفع التسعة. و ذلك للفرق بينهما، حيث إنّ القلم يختص بما يكون شرعيا، فرفع القلم لا يتعلق بما ليس شرعيا و إن ترتب على حكم شرعي.

ثالثها: ما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه- في جملة ما أورده على رفع المؤاخذة- بما لفظه: «و رابعا: انّا لو سلّمنا عموم الحديث و شموله لرفع كل حكم تكليفي أو وضعي لا يجدي ذلك في صحة الاستدلال بالحديث لرفع التأثير عن إنشاء الصغير، و ذلك أنّ تأثير الإنشاء في حصول عنوان المنشأ- كعنوان النكاح و البيع و الهبة- تأثير تكويني في أمر اعتباري، فيكون كتأثير سيفه في القطع، و قلمه في الكتابة و هذا لا يرفعه حديث الرفع. و أمّا رفع الآثار المترتبة شرعا على العناوين المتولدة من إنشائه، على أن لا يكون البيع الحاصل بإنشائه محكوما بأحكام البيع، فذلك في البشاعة يساوق القول بعدم ترتيب أحكام الأموات على من مات بسيفه، أو أحكام المصحف على ما كتب بقلمه، و هكذا. و معلوم بالقطع أن حديث الرفع لا يرفع إلّا أحكاما مترتبة بلا واسطة على فعل الصغير، لا أحكاما مترتبة حتى مع الواسطة» «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 106.

ص: 28

______________________________

و لكن يمكن أن يقال: بأنّ تنظير إنشاء الصبي بكتابة المصحف و القتل بالسيف غير ظاهر، فإنّ عقده و إيقاعه و إن فرض تأثيره في الأمر الاعتباري بنظر العقلاء، إلّا أنّ المهم إحراز إمضائه شرعا بمعنى أنه هل للشارع اعتبار مماثل لما أنشأه الصبي و اعتبره العقلاء أم لا، فلو لا حديث رفع القلم و نحوه كان مقتضى إطلاق أدلة الإمضاء تنفيذ ما أنشأه الصبي. و أمّا لو تمّت دلالة الحديث على سلب عبارة الصغير كان مفاده عدم ترتيب آثار المعاملة- التي يرتّبها العقلاء- على عقد الصبي.

و لأجله يتسامح في إطلاق السبب على الإنشاء، و المراد به هو الموضوع و الحكم، لا العلية و المعلولية التكوينيّتان. و هذا بخلاف كتابة المصحف، فإنّ الموضوع لحكم الشارع بحرمة المسّ هو النقوش الخاصة القرآنية سواء كتبها الكبير أم الصغير.

و الحاصل: أنّ جعل الإنشاء مؤثرا تكوينيا في أمر تكويني اعتباري- كما تكرّر في كلامه- لا يخلو من غموض. هذا بعض ما يتعلق بالإشكال الأوّل.

و أمّا الإشكال الثاني- و هو الالتزام بتأثير إنشاء الصبي، لاشتراك الحكم الوضعي بينه و بين البالغ- ففيه ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه أوّلا: منع أصل النسبة، فإنّ المشهور و إن التزموا بثبوت الحكم الوضعي- في الجملة- في حقّ الصغير كما في نفوذ وصيّته و تدبيره و عتقه و صدقته، إلّا أنّ المشهور أيضا على فساد عقوده و معاملاته كما تقدم في عبارة الدروس و الكفاية، بل ادّعي عليه الإجماع. و من المعلوم أنّ تلك الموجبة الجزئية لا تفي بإثبات محل البحث و هو صحة بيعه مطلقا حتى في صورة إذن الولي.

و ثانيا: لو سلّمنا صحة النسبة قلنا بمخالفته لمبنى المصنف في الأصول من انتزاع الحكم الوضعي من التكليف، و المفروض عدم كتابة التكليف عليه فعلا، و لا يعقل فعلية الأمر الانتزاعي و تعليقية منشئه، هذا «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 114.

ص: 29

و بالجملة (1): فالتمسك بالرواية ينافي [1] ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي، و ما (2) اشتهر بينهم من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين [2].

______________________________

(1) هذه نتيجة المناقشة الثانية و الثالثة، و محصلها: أن التمسك بحديث «رفع القلم» لإلغاء أقوال الصبي و أفعاله ينافي ما اشتهر بينهم من أمرين، أحدهما: شرعية عبادات الصبي، لا تمرينيتها. و الآخر: عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين.

و عليه فيلزم إرادة رفع المؤاخذة المترتبة على أفعال البالغين و أقوالهم، و هذا لا ينافي موضوعية إنشاء الصبي المميّز- القاصد للأمر الاعتباري- للأثر.

(2) منصوب محلّا عطفا على «ما اشتهر بينهم».

______________________________

و الظاهر ورود الإشكالين على المصنف قدّس سرّه. و تقدم توضيح الثاني منهما في رسالة الحق، فراجع «1».

و أمّا الإشكال الثالث فقد تقدم بعض ما يتعلق به عند بيان الفارق بينه و بين الإشكال الثاني.

[1] لا منافاة أصلا بعد كون المراد من رفع القلم رفع التكاليف الإلزامية، الذي لا ينافي شرعية عبادات الصبي.

[2] قد عرفت في التعليقة أجنبيّة الرواية عن عقد الصبي، لاختصاصها بالأحكام الإلزامية الموجبة للعقوبة، و مجرّد إجراء الصبي الصيغة ليس من الأحكام الإلزامية و لا موضوعا لها حتى يرتفع بحديث الرفع. فالاستدلال بها لسلب عبارة الصبي- و لو مع إرادة نفي قلم الأحكام كما هو ظاهر كلام المصنّف- في غير محله.

و عليه فمقتضى العمومات صحة عقد الصبي، غايته مع إذن الولي أو إجازته،

______________________________

(1) راجع الجزء الأول من هذا الشرح، ص 125- 126.

ص: 30

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة، و إلّا (1) فالمسألة محلّ إشكال. و لذا (2) تردّد المحقق في الشرائع في إجارة المميّز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في العارية (3)، و استشكل (4) فيها في

______________________________

(1) يعني: و لو لا الإجماع المتضافر نقله- و المعتضد بالشهرة الفتوائية على سلب عبارة الصبي- يشكل الحكم ببطلان عقد الصبي.

(2) يعني: و لكون المسألة محل الاشكال تردّد المحقق .. إلخ.

(3) قال قدّس سرّه في كتاب العارية: «فلا يصح إعارة الصبي و لا المجنون. و لو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة» «1». و قال في كتاب الإجارة: «فلو آجر المجنون لم ينعقد إجارته، و كذا الصبي غير المميّز، و كذا المميّز إلّا بإذن وليّه. و فيه تردد» «2».

و الغرض أنّ تردد المحقق قدّس سرّه في صحة إجارة الصبي، و جزمه بالصحة في عاريته- مع كونهما بإذن الولي- كاشف عن عدم وضوح بطلان عقد الصبي كلّيّة، فلو كان سلب عبارته مجمعا عليه متّضحا وجهه لكانت عاريته و إجارته فاسدتين.

(4) يعني: و استشكل العلّامة في إجارة الصبي في كتابي القواعد و التحرير «3».

لكنه جزم بالبطلان في التذكرة، فقال: «فلا تنعقد إجارة الصبي إيجابا و لا قبولا،

______________________________

للنصوص الدالة على «عدم نفوذ عقد الصبي حتى يبلغ» الظاهرة في نفي استقلاله في تصرفاته، المقيّدة للإطلاقات الحاكمة بنفوذ العقود، بما إذا لم يكن المتعاقدان بالغين. فما أفاده من كون المسألة محل إشكال غير ظاهر. و العجب منه قدّس سرّه أنّه تمسّك بالإجماع، مع عدم إجماع في المسألة، و كونه على تقديره إجماعا منقولا. مضافا إلى: أنّ في إطلاق معقده للصبي المميّز الذي هو مورد البحث تأملا، بل منعا كما تقدم في التعليقة، فلاحظ.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 171.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 180.

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 281، تحرير الأحكام، ج 1، ص 244.

ص: 31

القواعد و التحرير، و قال في القواعد: «و في صحة بيع المميّز بإذن الوليّ نظر» (1).

بل (2) عن الفخر في شرحه: «أنّ الأقوى الصحة» مستدلّا بأنّ العقد إذا وقع بإذن الولي كان كما لو صدر عنه. و لكن لم أجده فيه.

و قوّاه (3) المحقق الأردبيلي- على ما حكي عنه-

______________________________

سواء كان مميزا أو لا، و سواء أذن له الولي أم لا، إذ لا عبرة بعبارة الصبي» «1».

(1) يعني: أنّ العلّامة تنظّر في كتاب القواعد في صحة بيع الصبي كما استشكل في صحّة إجارته، و لم يجزم ببطلانهما.

(2) الوجه في الإتيان بحرف الإضراب واضح، فإنّ فخر المحققين رجّح الصحة- بناء على صحة النسبة- لكن الموجود في الإيضاح و حكاه عنه في مفتاح الكرامة «2» هو تقوية عدم صحة إجارة الصبي، قال في الإيضاح في بيان وجهي الإشكال: «أقول:

ينشأ من أنّ البلوغ شرط إجماعا قيل في اعتبار الصيغة و صلاحيّتها، لترتب الحكم عليها، لمساواته النائم و المجنون في رفع القلم، كما في الحديث، و هو نفي نكرة، فيعمّ.

و من وقوعها بإذن الولي، فصار كما لو صدر منه. و الأقوى عدم الصحة» فالحقّ مع المصنف في قوله: «و لكن لم أجده فيه» و لعلّ الناسب لم يلاحظ عبارة الإيضاح بكاملها.

(3) يعني: أنّ المحقق الأردبيلي قوّى صحة عقد الصبي، حيث قال: «و بالجملة:

إذا جوّز عتقه و وصيّته و صدقته بالمعروف و غيرها من القربات- كما هو ظاهر الروايات الكثيرة- لا يبعد جواز بيعه و شرائه و سائر معاملاته إذا كان بصيرا مميّزا رشيدا .. خصوصا مع إذن الولي ..» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 290، س 24.

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 55، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 73.

(3) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 152 و 153، و الحاكي عنه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 7، ص 73.

ص: 32

و يظهر (1) من التذكرة عدم ثبوت الإجماع عنده، حيث قال: «و هل يصح بيع المميّز و شراؤه؟ الوجه عندي أنّه لا يصح» «1».

و اختار (2) في التحرير صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده «2».

و ذكر المحقق الثاني: «أنّه لا يبعد بناء المسألة على أنّ أفعال الصبي و أقواله شرعية أم لا؟» ثم حكم بأنّها غير شرعية و أنّ الأصح (3) بطلان العقد «3».

و عن المختلف: «أنّه حكى في باب المزارعة عن القاضي كلاما يدلّ على صحة بيع الصبي» (4).

______________________________

(1) لعلّ وجه الظهور تعبيره بقوله: «عندي» المشعر بالخلاف، و لو كان البطلان إجماعيا لقال: «عندنا».

(2) و هذا الاختيار شاهد على عدم تحقق الاتفاق على سلب عبارة الصبي مطلقا.

(3) و من المعلوم أنّ التعبير بالأصح- بعد تفريع المسألة على الشرعية و التمرينية المختلف فيها- شاهد على عدم كون بطلان عقد الصبي من واضحات الفقه.

(4) يعني: مع إذن أبيه لا مطلقا. و الظاهر أنّ عبارة المختلف الحاكية لكلام القاضي هي قوله: «مسألة: مزارعة الصبي باطلة على الأشهر. و قال ابن البرّاج: إذا اشترى الصبي التاجر أرضا، و حجر أبوه عليه، فدفعها مزارعة بالنصف إلى غيره يزرعها ببذره و عمله فعمل على ذلك .. و الوجه أنّ شراءه باطل. فإن سوّغناه مع الإذن بطلت المزارعة .. و لو كان البذر من الدافع- و هو الصبي- كان الحاصل له» «4»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، س 16.

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 218، س 29.

(3) جامع المقاصد، ج 5، ص 194.

(4) مختلف الشيعة، ج 6، ص 188، المهذب للقاضي ابن البرّاج، ج 2، ص 20.

ص: 33

و بالجملة: فالمسألة (1) لا تخلو عن إشكال، و إن أطنب بعض المعاصرين (2) في توضيحه حتى ألحقه بالبديهيات في ظاهر كلامه.

فالإنصاف (3) [1] أنّ الحجة في المسألة هي الشهرة المحقّقة و الإجماع

______________________________

و عبارة المهذّب صدرا و ذيلا ظاهرة في صحة شراء الصبي للأرض و دفعها مزارعة للغير، و إن قيّده بصورة إذن الولي و بكونه تاجرا، الدال على رشده. فالمهم عدم إلغاء إنشاء الصبي و معاملته شرعا.

(1) و هي بطلان عقد الصبي مطلقا حتى المميّز و لو بإذن وليه.

(2) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث قال- بعد كون بطلان عقد الصبي أشهر بل مشهورا، بل عدم وجدان الخلاف فيه- ما لفظه: «بل صحّ له دعوى تحصيل الإجماع على ذلك كما وقع من بعضهم، بل ربّما كان كالضروري، و خصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب، و إرسالهم لذلك إرسال المسلّمات، حتّى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه اتّكالا على معلوميته» «1».

(3) بعد قصور النصوص عن إثبات سلب عبارة الصبي و تنزيل إنشائه منزلة العدم- حتى مع إذن وليّه في المعاملة- ينحصر دليل بطلان عقده في الإجماع و الشهرة الفتوائية. لكن الإجماع قد يتوهّم اختصاص معقده باستقلال الصبي في المعاملة و عدم إذن وليّه فيها، فيكون أخصّ من المدّعى، و هو عدم العبرة بإنشائه مطلقا حتى مع إذن الولي أو إجازته.

و توضيح التوهم: أنّه يمكن أن يكون نظر السيد أبي المكارم و العلامة قدّس سرّهما في دعوى الإجماع على حجر الصبي إلى صورة استقلاله في التصرف، فلا دليل حينئذ على شمول معقد الإجماع لصورة إذن وليه في المعاملة، فلا بدّ من

______________________________

[1] كيف يقتضي الانصاف ذلك مع بناء المصنف في الأصول على عدم حجية الإجماع المنقول و الشهرة. فالإنصاف أنه لا حجة على سلب عبارة الصبي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 260 و 261.

ص: 34

المحكي عن التذكرة بناء (1) على أنّ استثناء الإحرام الذي لا يجوز إلّا بإذن الولي شاهد على أنّ مراده بالحجر ما يشمل سلب العبارة، لا نفي الاستقلال في

______________________________

اختصاص البطلان بصورة استقلاله في التصرف.

و قد دفع المصنف قدّس سرّه هذا التوهم بوجود قرينة الإطلاق في كلامي السيد و العلّامة. أمّا في عبارة التذكرة فلاستثناء الإحرام من موارد الحجر عن التصرف، و حيث إنّ صحة إحرام الصبي منوطة بإذن وليه، فإمّا أن يكون مراده من «التصرف» ما هو أعم من صورة الاستقلال و الإذن. و إمّا أن يكون خصوص صورة الاستقلال- كما يدّعيه المتوهم- فيكون استثناء الإحرام حينئذ عن التصرف المحجور عنه منقطعا، لا متصلا، لما عرفت من عدم العبرة بإحرام الصبي مستقلّا، و لكن لمّا كان الأصل في الاستثناء هو الاتصال تعيّن إرادة مطلق التصرف في المستثنى منه، يعني سواء أ كان مستقلا أم مأذونا من قبل وليّه. و بهذا ينعقد الإطلاق في إجماع التذكرة على بطلان عقده و إيقاعه، أي سلب العبارة.

و أمّا في عبارة الغنية فلأنّه قدّس سرّه و إن قال: «و إن أجاز الولي» و لكن منعه من صحة عقد الصبي مع إجازة وليه ليس من جهة عدم نفوذ تصرفه بإذن الولي، بل من جهة بطلان عقد الفضول، فربّما يصح عقده بإذنه السابق، هذا.

لكن مراد السيد عدم الصحة مطلقا حتى مع الإذن، بشهادة استدلاله بحديث رفع القلم، و هو كاشف عن إرادة التعميم، إذ المرفوع عن الصبي مطلق الحكم، سواء التكليفي و الوضعي، و سواء أ كان مستقلا في التصرف أم مأذونا أم مجازا، و هذا الإطلاق يساوق سلب العبارة، و هو المدّعى.

(1) هذا البناء مبني على أصالة الاتصال في الاستثناء، و توقف الانقطاع على قرينة، لظهور الإخراج في دخول الخارج في المخرج عنه. و حيث إنّ الإحرام لا يجوز إلّا بإذن الولي فلا بدّ من شمول المستثنى منه- و هو التصرف المحجور عنه- لمطلق أفعال الصبي و أقواله، حتى لو وقعت بإذن وليّه.

ص: 35

التصرف (1).

و كذا (2) إجماع الغنية بناء على أنّ استدلاله بعد الإجماع بحديث رفع القلم دليل على شمول معقده للبيع بإذن الولي.

و ليس المراد (3) نفي صحة البيع المتعقب بالإجازة حتى يقال: إنّ الإجازة عند السيد غير مجدية في تصحيح مطلق العقد الصادر من غير المستقلّ، و لو كان غير مسلوب العبارة كالبائع الفضولي.

و يؤيّد الإجماعين (4) ما تقدّم عن كنز العرفان.

______________________________

(1) كما يدّعيه المتوهم.

(2) معطوف على «الإجماع المحكي عن التذكرة».

(3) يعني: لو اقتصر السيّد قدّس سرّه في إثبات بطلان بيع الصبي على الإجماع لكان قوله: «و إن أجاز الولي» موهما لكون وجه البطلان عدم استقلاله في التصرف، بناء على ما ذهب إليه السيد من بطلان عقد من ليس مستقلا في التصرف، سواء أ كان كبيرا غير مالك لأمر العقد، أم صبيّا مسلوب العبارة، فالمهمّ قصور الإجازة اللاحقة عن تصحيح عقد غير المستقل، و هذا بخلاف ما لو أذن له الولي قبل العقد، فيصحّ حينئذ، لعدم افتقاره إلى الإجازة اللاحقة كي يبطل.

و لكن الدافع لهذا الوهم استدلال السيد بحديث رفع القلم، و هو ظاهر في سلب العبارة، و عدم ترتب الأثر على إنشاء الصبي مطلقا، سواء أ كان باذن وليه أم لا.

(4) أي: إجماعي الغنية و التذكرة. و غرضه بقوله: «ما تقدم عن كنز العرفان» ما أفاده في صدر المسألة بقوله قدّس سرّه: «و في كنز العرفان نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا».

و لعلّ التعبير بالتأييد دون الدلالة لأجل احتمال اعتماده في دعوى الإجماع على عبارة التذكرة و عدم تحصيل اتفاق الفتاوى بنفسه.

ص: 36

نعم (1) لقائل أن يقول: إنّ ما عرفت (2) من المحقق و العلّامة و ولده و القاضي و غيرهم- خصوصا (3) المحقق الثاني الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبي- يدلّ على عدم تحقق الإجماع.

و كيف كان (4) فالعمل على المشهور.

[د: حديث «عمد الصبي خطأ»]

و يمكن أن يستأنس له (5)

______________________________

(1) غرضه التشكيك في ثبوت الإجماع- على بطلان عقد الصبي- بنحو يكون كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام أو عن حجة معتبرة.

(2) من تردّد المحقق في إجارة المميّز بإذن الولي، و استشكال العلّامة فيها.

(3) وجه الخصوصية: أنّ تردّد المحقق و العلّامة و إن كان موهنا للإجماع التعبدي، إلّا أنّ ابتناء المسألة- عند المحقق الثاني- على شرعية عباداته و تمرينيتها أقوى دليل على عدم انعقاد الإجماع الكاشف عن رأى المعصوم عليه السّلام- مع وجود القائل بكلّ منهما- و معه لا وجه لدعوى الاتفاق على سلب العبارة عن الصبي.

(4) يعني: سواء تحقّق الإجماع التعبدي على بطلان عقد الصبي أم لم يتحقق، فالمتّبع فتوى المشهور بالبطلان.

د: حديث «عمد الصبي خطأ»

(5) أي: للمشهور، و هذا وجه رابع لإثبات عدم موضوعية أقوال الصبي و أفعاله لأثر شرعي. و التعبير بالاستيناس- دون الدلالة التي عبّر عنها المصنف في حديث رفع القلم و عدم جواز الأمر- لأجل أنّ استظهار سلب الاعتبار عن عبارة الصبي من هذه الطائفة لا يخلو من شي ء، لتطرق احتمال ظهورها في رفع خصوص الأحكام المترتبة على عنوان العمد، و ذلك بقرينة مقابلته للخطإ، يعني: أنّ الأحكام المترتبة على عنوان العمد ترفع عن عمد الصبي، و أنّ عمده موضوع لحكم الخطأ المترتب على الفعل الصادر خطأ من البالغ.

ص: 37

أيضا (1) بما ورد في الأخبار المستفيضة من «أن عمد الصبي و خطأه واحد» «1»

______________________________

و عليه ففرق بين أن يقال: «قصد الصبي كلا قصد» و بين «عمد الصبي محكوم بحكم خطأ البالغ» و المجدي في المقام هو المفاد الأوّل، مع أنه يحتمل إرادة الثاني.

و كيف كان فتقريب دلالة هذه الأخبار المستفيضة- التي سيأتي التعرض لها في التعليقة إن شاء اللّه تعالى- أنّ قوله عليه السّلام: «عمد الصبي و خطأه واحد» ظاهر في كون عمد الصبي كالعدم، و قصده كلا قصد. فلو ترتب الحكم الشرعي على الفعل الإرادي الصادر من البالغ لم يترتب عليه لو صدر من الصبي القاصد. مثلا موضوع الوفاء بالعقد هو العقد المقصود، فلو أنشأه الصبي المميّز- و لو بإذن وليه- كان بمنزلة إنشاء البالغ الهازل أو النائم في عدم موضوعيته لوجوب الوفاء به.

فان قلت: إنّ هذه الأخبار- لو سلّم ظهورها في سلب عبارة الصبي- لم يتجه الاستدلال بها على بطلان عقده، و ذلك لما ورد في بعضها من قرينة الاختصاص بجناية الصبيان، كقوله عليه السّلام في معتبرة إسحاق بن عمار: «عمد الصبي خطأ يحمل على العاقلة» و عليه فليست في مقام تنزيل عقد الصبي منزلة العدم، و إنما هو حكم مخصوص ببابي القصاص و الديات. مضافا إلى أن صاحب الوسائل رواها في البابين المذكورين.

قلت: هذه الطائفة مشتملة على مضامين ثلاثة، و محطّ النظر هو معتبرة محمّد بن مسلم المذكورة في المتن، و هي مطلقة و لا قرينة فيها على الاختصاص بباب الجناية. و ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيد، خصوصا بعد استظهار إطلاق تنزيل عمد الصبي منزلة خطأ البالغ في كلمات شيخ الطائفة و ابن إدريس كما سيأتي التعرض له. و أمّا ذكر هذه الأخبار في باب الديات لمناسبة فليس دليلا على الاختصاص كما لا يخفى.

(1) يعني: كما استدلّ بحديث رفع القلم، و عدم جواز أمر الصبي، و إن كانت الدلالة ممنوعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 2.

ص: 38

كما في صحيحة ابن مسلم و غيرها (1). و الأصحاب (2) و إن ذكروها في باب الجنايات، إلّا أنّه لا إشعار في نفس الصحيحة بل و غيرها (3) بالاختصاص (4) بالجنايات.

______________________________

(1) كمعتبرة إسحاق بن عمّار «1» و خبر أبي البختري الآتي «2» في المتن.

(2) يعني: أرباب الجوامع الروائية، و إلّا فاستدلّ بها الفقهاء في غير باب الجناية، ككفارات الإحرام، و عبارة المتن دفع دخل تقدم توضيحهما بقولنا: «فان قلت .. قلت ..».

(3) المراد بغير الصحيحة هو معتبرة إسحاق بن عمّار، و لم يظهر الوجه في عدم إشعارها بالاختصاص بباب الجنايات.

إلّا أن يدّعى: أن قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ يحمل على العاقلة» يتضمّن أمرين:

أحدهما: تنزيل موضوع- و هو عمد الصبي- منزلة موضوع آخر و هو خطاؤه.

و الآخر: حكم، و هو كون دية جنايته على عاقلته، و ليس هذا الحكم قرينة على تقيّد الأوّل بباب الجنايات، فلذا يحكم بإطلاق تنزيل عمده منزلة خطائه، و كون قصده كلا قصد، هذا.

و لكن الظاهر قرينية «تحمّل العاقلة للدية» على تنزيل عمد الصبي في خصوص باب الجناية منزلة خطأ البالغ في تحمل العاقلة، إذ لم يثبت هذا الحكم في غير الجناية الخطائية في البالغ حتى يثبت في حق الصبي.

و عليه فالأولى في دعوى عدم الإشعار- بالاختصاص بالجناية- الاعتماد على خصوص صحيحة محمد بن مسلم غير المذيّلة بتحمل العاقلة للدية.

(4) متعلق ب «لا إشعار».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 3.

(2) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من كتاب القصاص، ح 2.

ص: 39

و لذا (1) تمسّك بها الشيخ في المبسوط و الحلّي «1» في السرائر على أنّ إخلال الصبي المحرم بمحظورات الإحرام- التي (2) يختص حرمتها الموجبة للكفارة فيها بحال التعمد- لا يوجب (3) كفارة على الصبي، و لا على الولي، لأنّ عمده خطاء.

و حينئذ (4) فكل حكم شرعي تعلّق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم

______________________________

(1) أي: و لعدم إشعار الصحيحة بالاختصاص بالجنايات تمسّك بها الشيخ رحمه اللّه و الحلّي على عدم كون إخلال الصبي بمحرّمات الإحرام موجبا للكفارة، لأنّ عمده خطاء، و من المعلوم عدم ترتب الكفارة على ارتكابها خطأ، فكل حكم شرعي يترتب على الفعل القصدي للبالغ لا يترتّب على الفعل الصادر عمدا عن الصبي، لأنّ قصده نزّل منزلة العدم، و عمده بمنزلة الخطاء.

(2) صفة ل «المحظورات» و قوله: «الموجبة» صفة للحرمة، يعني: أنّ محرّمات الإحرام على قسمين، منها: ما لا يستلزم كفارة في غير حال العمد كلبس المخيط و الطيب و حلق الشعر و تقليم الأظفار و نحوها نسيانا. و منها: ما يستلزمها حتى لو ارتكبها المحرم نسيانا كالصيد، على ما حكاه في المبسوط.

و كلام شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما ناظر إلى القسم الأوّل، يعني: لو تعمّد الصبي المحرم لبس المخيط مثلا لم يجب عليه التكفير، لكون عمده بمنزلة خطأ البالغ.

و استدلّا على ذلك بما روي عنهم عليهم السّلام من: أنّ عمد الصبي و خطأه سواء، فراجع.

(3) خبر قوله: «ان إخلال».

(4) أي: و حين لم تكن صحيحة محمّد بن مسلم- و لا غيرها- ظاهرة و لا مشعرة بالاختصاص بجناية الصبي، فكل حكم .. إلخ. و هذا تقريب الاستيناس بهذه الطائفة على سلب عبارة الصبي، و حاصله: أنّ ترتب الأثر على الإنشاء سواء في العقد و الإيقاع منوط بقصد الأمر الاعتباري، و لمّا كان قصد الصبي المميّز بمنزلة عدم قصده كان إنشاؤه لغوا، كإنشاء البالغ الهازل أو الغالط.

______________________________

(1) المبسوط، ج 1، ص 329، السرائر، ج 1، ص 636 و 637.

ص: 40

الشرعي عليها القصد، بحيث لا عبرة بها (1) إذا وقعت بغير القصد، فما (2) يصدر منها عن الصبي قصدا بمنزلة (3) الصادر عن غيره بلا قصد، فعقد (4) الصبي و إيقاعه مع القصد كعقد الهازل و الغالط و الخاطي و إيقاعاتهم.

بل (5) يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون و الصبي استظهار المطلب من حديث رفع القلم، و هو ما عن قرب الاسناد بسنده عن أبي البختري: «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: انّه كان يقول:

المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطأ يحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «1».

______________________________

(1) أي: بالأفعال، و المراد بها المعاملات. و قوله: «القصد» نائب فاعل: «يعتبر».

(2) جواب الشرط المستفاد من قوله: «فكل حكم» مثل قولك: كلّ من يزورني فله درهم.

(3) خبر قوله: «فما يصدر».

(4) هذا متفرّع على عموم إلغاء قصد الصبي، و عدم موضوعيّته لحكم شرعي.

(5) هذا إضراب عن قوله: «و يمكن أن يستأنس له» و غرضه أنّ ما ورد من «أن عمد الصبي خطأ» ليس مجرّد استيناس للحكم بسلب عبارة الصبي، بل بملاحظة رواية أبي البختري يمكن استظهار الحكم- و هو إلغاء قصد الصبي مطلقا، لا في خصوص باب الجنايات- من قوله عليه السّلام: «عمد الصبي خطأ».

و تقريب الاستظهار: أنّ رواية أبي البختري تكفّلت مطالب ثلاثة: أوّلها: أن جناية المعتوه و الصبي بالقتل العمدي تكون بمنزلة جنايتهما خطأ، فلا مجال للاقتصاص منهما، الذي هو حكم ارتكاب القتل العمدي من البالغ.

ثانيهما: أنّ الدية تستقر على عاقلتهما، و لا تخرج من مال المعتوه و الصبي، و هذا حكم الخطأ المحض، و إلّا فالدية في الجناية شبه العمد تكون في مال الجاني.

ثالثها: رفع القلم عن المعتوه و الصبي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من أبواب قصاص النفس، ح 2.

ص: 41

فإنّ (1) ذكر «رفع القلم» في الذيل ليس له وجه ارتباط إلّا (2) بأن تكون علّة لأصل الحكم و هو ثبوت الدية على العاقلة، أو بأن تكون معلولة لقوله:

______________________________

و بما أنّ قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» ليست جملة مستأنفة، بل هي مرتبطة بكون الدية على العاقلة، فلا بد من استكشاف وجه الربط، و هو أحد أمرين.

فإمّا أن يكون رفع القلم علّة لوجوب الدية على العاقلة، و معناه: أنّ رفع قلم المؤاخذة الدنيوية- سواء المالية كالدية و النفسية كالقصاص- عن المعتوه و الصبي كارتفاع المؤاخذة الأخروية صار منشأ لوجوب الدية على العاقلة.

و إمّا أن يكون رفع القلم معلولا لتنزيل الشارع عمد المعتوه و الصبي منزلة خطأهما، و معناه حينئذ: أنّ عمدهما لمّا كان في وعاء التشريع بمنزلة الخطأ و قصدهما كلا قصد، فلذا ارتفعت المؤاخذة الأخروية و الدنيوية- من القصاص و الغرامة الماليّة- عنهما شرعا.

و هذان الاحتمالان يشتركان في نفي موضوعية إنشاء الصبي للأثر، و يفترقان في ضمانه بالإتلاف.

أمّا الجهة المشتركة فلأنّ الإنشاء أمر قصدي، و لا يتحقق بدونه، و لذا لا يترتب أثر على إنشاء الهازل و النائم و الغالط و نحوهم ممّن لا يكون داعيه إلى الإنشاء تحقق الأمر الاعتباري في وعاء الاعتبار كالملكيّة و الزوجيّة و الحريّة.

و لا فرق في لغويّة إنشاء الصبي بين كونه لأجل تنزيل قصده منزلة عدم القصد، و بين رفع قلم المؤاخذة عنه شرعا. كما لا فرق بين كونه مستقلّا في التصرف في ماله، و بين كونه وكيلا عن الغير أو مأذونا عن وليّه.

و أمّا الجهة الفارقة- و هي الضمان بالإتلاف بناء على المعلوليّة، و عدمه بناء على العلّيّة- فسيأتي توضيحها في ص 146.

(1) هذا تقريب استظهار سلب عبارة الصبي من رواية أبي البختري، و قد عرفته آنفا.

(2) وجه الحصر في العلية و المعلولية عدم تطرّق احتمال آخر ككون الجملتين متلازمتين، أو كونهما معلولي أمر ثالث.

ص: 42

«عمدهما خطاء» يعني: (1) أنّه لمّا كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع و في الواقع رفع القلم عنهما.

و لا يخفى أنّ (2) ارتباطها بالكلام على وجه العليّة و المعلولية للحكم المذكور في الرواية- أعني: عدم مؤاخذة الصبي و المجنون بمقتضى جناية العمد، و هو القصاص، و لا بمقتضى شبه العمد و هو الدية في مالهما- لا يستقيم (3) إلّا بأن يراد من رفع القلم ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا من حيث العقوبة الأخروية (4) و الدنيوية (5) المتعلقة بالنفس كالقصاص أو المال كغرامة الدية.

و عدم (6) ترتّب ذلك على أفعالهما المقصودة المتعمّد إليها ممّا لو وقع من

______________________________

(1) هذا تقريب معلوليّة رفع القلم، و عليّة تنزيل عمدهما منزلة خطائهما.

(2) غرضه من هذه الجملة أنّ ربط جملة «عمدهما خطأ» بجملة «رفع القلم» بالعلية أو المعلولية منوط بكون المرفوع قلم المؤاخذة مطلقا- كما هو مورد الرواية- لا قلم الأحكام التكليفيّة خاصّة، إذ بناء عليه تكون المؤاخذة الدنيوية- و هي الغرامة الماليّة بأداء الدية- في مالي المعتوه و الصبي، مع أنّ الرواية صريحة في كون الدية على العاقلة، و هذا يتوقّف على كون المرفوع عنهما مطلق المؤاخذة حتى الدنيويّة و لو الماليّة.

(3) خبر قوله: «أنّ ارتباطها» و قد عرفت تقريب عدم الاستقامة إلّا برفع المؤاخذة.

(4) فالعقوبة الأخرويّة لمن قتل مؤمنا عمدا هو الخلود في العذاب، و هذه مرفوعة عن قتل الصبي و المجنون عمدا.

(5) و هي إحدى ثلاث، فإمّا في النفس و إمّا في الطرف- بالقصاص في حق البالغ القاتل أو الجارح عمدا- و إمّا في المال بأداء الدية في الجناية شبه العمد.

(6) بالرفع معطوف على «ارتفاع المؤاخذة» و المراد ب «ذلك» هو المؤاخذة، و التذكير بلحاظ قوله: «للحكم المذكور».

ص: 43

غيرهما (1) مع القصد و التعمد لترتب عليه غرامة أخروية أو دنيوية.

و على هذا (2) فإذا التزم على نفسه مالا بإقرار (3) أو معاوضة (4) و لو (5) بإذن الولي فلا (6) أثر له في إلزامه بالمال و مؤاخذته به و لو (7) بعد البلوغ، فإذا (8)

______________________________

(1) أي: غير الصبي و المجنون، و المراد بالغير هو البالغ العاقل.

(2) المشار إليه هو رفع المؤاخذة عن أفعال المعتوه و الصبي المقصودة المتعمّد إليها. و غرضه قدّس سرّه من هذا التفريع إلغاء إقرارهما و إنشائهما عن الأثر، فلو أقرّ الصبي المميّز بمال على ذمّته لم يؤاخذ به مطلقا و لو بعد بلوغه، سواء أ كان بإذن وليّه أم لا.

و الوجه فيه ما استفيد من الحديث من سلب قصده، و المفروض أنّ الإقرار و المعاملات أمور قصديّة.

و ليس الوجه في إلغاء إقراره المزبور كونه محجورا عن التصرف، إذ بناء عليه يلزم مؤاخذته بإقراره لو كان بإذن الولي، مع أنّ الحديث دال على سلب قصد الصبي مطلقا حتى بإذن وليّه.

(3) كما لو قال: «لزيد عليّ دينار» فهو إخبار باشتغال ذمّته بدينار لزيد.

(4) كما لو أنشأ القبول بقوله: «اشتريت هذا بدينار في ذمّتي».

(5) وصليّة، و هذا تصريح بإطلاق سلب الأثر عن التزام الصبي مالا على ذمته.

و كان الأولى تأخيره عن قوله: «فلا أثر له».

(6) جواب «فإذا التزم» أي: ليس التزام الصبي مؤثّرا في إلزامه بالمال في الحكم باشتغال ذمته به.

(7) وصلية، و هذا تصريح بإطلاق سلب مؤاخذة الصبي بالمال، فلا يؤاخذ به حتى بعد بلوغه.

(8) هذا وجه عدم إلزام الصبي بما التزم به على نفسه بإقرار أو معاوضة.

و محصّله كما تقدم آنفا هو كون قصده تكوينا خطأ تشريعا، و ليس الوجه فيه مجرّد حجره عن التصرف في ماله، لما عرفت من ارتفاع الحجر عنه بإذن وليّه، فيلزم نفوذ

ص: 44

لم يلزمه شي ء بالتزاماته- و لو كانت بإذن الولي- فليس (1) ذلك إلّا لسلب قصده و عدم العبرة بإنشائه، إذ لو كان ذلك لأجل عدم استقلاله و حجره عن الالتزامات على نفسه لم يكن (2) عدم المؤاخذة شاملا لصورة إذن الولي. و قد فرضنا الحكم (3) مطلقا (4)، فيدل (5) بالالتزام على كون قصده في إنشاءاته و إخباراته مسلوب الأثر.

ثمّ (6) إنّ مقتضى عموم هذه الفقرة

______________________________

إقراره و تصرفه لو أذن له وليّه، مع أنّ الظاهر سقوط إنشاءاته و إخباراته عن الاعتبار مطلقا و لو كانت بإذن وليّه، و هذا السقوط كاشف عن أنّ الدليل عليه هو سلب عبارته و كون قصده كلا قصد.

(1) جواب قوله: «فإذا لم يلزمه».

(2) جواب قوله: «لو كان ذلك».

(3) يعني: الحكم بعدم مؤاخذة الصبي بإقراره و معاوضته.

(4) أي: حتّى في صورة إذن الوليّ.

(5) يعني: فيدلّ رفع قلم المؤاخذة عن الصبي- بالالتزام- على سلب الأثر عن قصده. و عليه فدلالة «رفع القلم عن الصبي» على سلب العبارة و إن لم تكن بالمطابقة، لكنها تكون بالالتزام- إذ لو كان قصده كقصد البالغ العاقل موضوعا للأثر جازت مؤاخذته به- و من المعلوم كفاية الدلالة الالتزاميّة في مقام الاستدلال.

هذا كله في أصل دلالة رواية أبي البختري على دعوى المشهور من سلب عبارة الصبي، و يتفرّع عليها أمران نبّه عليهما المصنف قدّس سرّه.

(6) هذا هو الأمر الأوّل، و حاصله: أنّ جملة «و قد رفع عنهما القلم» إمّا علة للحكم باستقرار الدية على العاقلة، و إمّا معلولة لتنزيل العمد منزلة الخطأ.

فإن كانت الجملة علّة اقتضت عدم مؤاخذة الصبي و المعتوه بشي ء من الأفعال

ص: 45

- بناء (1) على كونها علّة للحكم- عدم (2) مؤاخذتهما بالإتلاف الحاصل منهما،

______________________________

سواء صدرت عنهما عمدا أم خطأ، فلو أتلفا مالا محترما لم يضمناه، لفرض رفع قلم المؤاخذة عنهما مطلقا. و ضمان المتلف مؤاخذة، فهي مرفوعة عنهما.

فإن قلت: لا ريب في كون الإتلاف مضمّنا مطلقا حتى في حال الغفلة و النوم، و حيث إنّ «رفع القلم» من العمومات الشرعية القابلة للتخصيص فلذا يخصّص بما دلّ على الضمان بالتضييع و الإتلاف، و لا إشكال، هذا.

قلت: عموم «رفع القلم» و إن كان شرعيا، لكنّه آب عن التخصيص، لوروده مورد الامتنان على المعتوه و الصبي، و هو يقتضي رفع كلّ مؤاخذة عنهما سواء أ كانت في النفس أم في الطرف أم في المال. و عليه فإشكال الضمان بالإتلاف باق بناء على العلية.

و إن كانت الجملة معلولة لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ» لم يلزم إشكال أصلا، لاختصاص المؤاخذة المرفوعة عنهما بما إذا ترتبت على خصوص فعل البالغ العمدي حتى يترتب عليه حكم فعله الخطائي، و حيث إن ضمان البالغ بالإتلاف مطلق و يثبت لحال خطائه أيضا، فلذا يخرج هذا الضمان عن مورد قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» لتبعية المعلول لعلّته سعة و ضيقا، و لمّا كان الضمان بالإتلاف خارجا عن العلّة موضوعا امتنع أن يكون مشمولا للمعلول، و هو رفع القلم.

فالمتحصل: أنّ دلالة جملة «عمد الصبي خطأ» على سلب عبارته و إلغاء إنشائه و إخباره عن الأثر تامّة، و لا يقدح فيها ضمانه بالإتلاف مطلقا على تقدير عليّة «رفع القلم» لوجوب الدية على العاقلة.

(1) و أمّا بناء على كون «رفع القلم» معلولا لقوله: «عمد الصبي خطأ» فقد عرفت خروج ضمان الإتلاف تخصّصا عن العلّة. فالإشكال إنّما يتجه لو كان رفع القلم علّة لاستقرار دية الجناية على العاقلة، كما عرفت توضيحه آنفا.

(2) خبر «ان مقتضى» و ضميرا «مؤاخذتهما، منهما» راجعان إلى المعتوه و الصبي.

ص: 46

كما هو ظاهر المحكي عن بعض، إلّا أن يلتزم (1) بخروج ذلك عن عموم رفع القلم. و لا يخلو من بعد (2).

و لكن (3) هذا غير وارد على الاستدلال، لأنّه (4) ليس مبنيّا على كون «رفع القلم» علّة للحكم، لما (5) عرفت من احتمال كونه معلولا لسلب اعتبار قصد الصبي و المجنون، فيختص (6) رفع قلم المؤاخذة بالأفعال الّتي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل، فيخرج مثل الإتلاف (7)،

______________________________

(1) أي: إلّا أن يلتزم بخروج إتلاف الصبي و المجنون عن عموم رفع القلم تخصيصا.

(2) لأنّ سوقه آب عن التخصيص بعد وروده في مقام الامتنان.

(3) يعني: أنّ إشكال ضمانهما بالإتلاف و إن كان لازما بناء على علّية رفع القلم، إلّا أنّ الاستدلال بحديث أبي البختري على سلب عبارة الصبي سليم عن الإيراد، إذ ليس الاستدلال منوطا بعلية رفع القلم، بل المهمّ ظهور جملة «عمد الصبي خطأ» في إلغاء أفعاله و أقواله القصدية. و يكفي احتمال معلولية «رفع القلم» لتنزيل عمده منزلة خطأ البالغ شرعا، و لا ينتقض بضمان الإتلاف أصلا، كما أوضحناه قبل أسطر.

(4) أي: لأنّ الاستدلال على سلب عبارة الصبي ليس مبنيا على خصوص علّية رفع القلم حتى يستشكل فيه بضمان الإتلاف. وجه عدم الابتناء ما عرفت من أنّ جملة «عمد الصبي خطأ» وافية بإسقاط أفعاله و أقواله عن الأثر، سواء أ كانت علّة لرفع القلم أم معلولة له.

(5) تعليل لقوله: «ليس مبنيّا».

(6) هذه نتيجة احتمال كون رفع القلم معلولا لجعل قصد الصبي بمنزلة العدم.

(7) خروجا موضوعيا، بأحد وجهين:

الأوّل: أنّ حديث الرفع- بمناسبة الحكم و الموضوع- ينفي الآثار الثابتة للأفعال التي يعتبر فيها قصد الفاعلين، فيخرج مثل الإتلاف الذي لا يعتبر القصد في

ص: 47

فافهم و اغتنم (1).

ثم إنّ (2) القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع

______________________________

سببيته للضمان، لأنّ ذات الإتلاف مع الغضّ عن العمد سبب الضمان، و لذا يترتب على إتلاف فاقد العقل كالمجنون، و على فعل النائم الذي لا يشعر بما يفعله.

فسببيّة الإتلاف نظير نواقض الوضوء، فإنّ ناقضية البول مثلا للوضوء غير منوطة بالقصد و الاختيار، فلا ترتفع بحديث رفع القلم عن الثلاثة.

الثاني: أنّ الحديث وارد في مقام الامتنان على الأمّة الذين هم على السّواء بنظر الشارع، فرفع قلم الضمان عن إتلاف الصبي و إن كان منّة عليه قطعا، إلّا أنّه خلاف الامتنان على الكبير الذي تلف ماله، و من المعلوم أنّه لا ترجيح للصغير على الكبير حتى يقال بعدم سببيّة إتلاف الصبي للضمان.

و بهذا يقال أيضا بعدم شمول «رفع الخطأ» في مثل حديث رفع التسعة لإتلاف البالغ خطأ، ضرورة استلزام عدم ضمانه خلاف الامتنان على المالك، هذا.

(1) الأمر بالفهم و الاغتنام إشارة ظاهرا إلى دقة المطلب و تمامية الاستدلال بالحديث على مسلك المشهور.

(2) هذا إشارة إلى الأمر الثاني، و محصله: عدم التنافي بين كون المرفوع عن الصبي مطلق المؤاخذة المترتّبة على فعل البالغ، و بين تشريع بعض التعزيرات عليه كإدماء أنامله و قطعها في السرقة المتكررة. وجه عدم التنافي: أنّ المؤاخذة المرفوعة عنه هي الثابتة في حق البالغين سواء أ كانت دنيوية- بأن كانت في النفس كالقصاص أم في المال كالدية- أم أخروية. و هذا لا ينافي تأديبه ببعض العقوبات الدنيوية التي تخفّ عن عقوبة البالغ كمّا و كيفا.

قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «و متى سرق من ليس بكامل العقل بأن يكون مجنونا أو صبيّا لم يبلغ- و إن نقب و كسر القفل- لم يكن عليه قطع. فإن كان صبيا عفي عنه مرّة، فإن عاد أدّب، فإن عاد ثالثة حكّت أصابعه حتى تدمى، فإن عاد قطعت أنامله،

ص: 48

على البالغين (1)، فلا ينافي (2) ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير (3) [1].

______________________________

فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك، كما يقطع الرّجل سواء» «1». و قطع أصابعه في المرحلة الخامسة و إن كان عقوبة البالغ، إلّا أنّه عقوبته في سرقته الاولى، و هذا فارق بين تعزير الصبي و حدّ البالغ. و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و مستند هذا القول أخبار كثيرة صحيحة، و عليه الأكثر» «2».

(1) وجهه تقييد الرفع بغاية البلوغ، لقوله عليه السّلام: «حتى يحتلم»، فالمرفوع عن الصبي هو الثابت على البالغ.

(2) ضمير الفاعل راجع إلى قلم المؤاخذة المرفوع.

(3) يعني: بما يراه الامام من التأديب بما دون الحد الثابت على البالغ، فيمكن ثبوته على الصبي.

______________________________

[1] يقع الكلام في تحقيق رابع أدلة المشهور من الروايات المتضمنة لكون عمد الصبي و خطائه واحدا، و هي على ثلاثة مضامين:

الأوّل: ما يدلّ على ذلك مطلقا من دون تقييد بشي ء، كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: عمد الصبي و خطؤه واحد» «3».

الثاني: ما يدلّ على ذلك مقيّدا بكون دية الجناية الصادرة عن الصبي خطأ على عاقلته، كخبر إسحاق بن عمار «عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام انّ عليّا عليه السّلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ تحمل على العاقلة» «4».

______________________________

(1) النهاية و نكتها، ج 3، ص 325.

(2) الروضة البهية، ج 9، ص 222، و راجع أخبار الباب في الوسائل، ج 18، ص 522 الى 526، الباب 28 من أبواب حد السرقة «باب حكم الصبيان إذا سرقوا».

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 307، الباب 11 من أبواب العاقلة، ح 2.

(4) المصدر، ح 1.

ص: 49

______________________________

و عن علي عليه السّلام: «ليس بين الصبيان قصاص عملهم خطأ يكون فيه العقل» «1».

و عن دعائم الإسلام عن علي عليه السّلام: «انّه ما قتل المجنون المغلوب على عقله و الصبي، فعمدهما خطأ على عاقلتهما» «2» و غير ذلك من الروايات.

الثالث: ما يدلّ على هذا الحكم مع قيد آخر، و هو رفع القلم عن الصبي، كرواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «أنّه كان يقول في المجنون المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» «3».

قد يقال: ان الطائفة الأولى تدلّ على عدم الاعتناء بأقوال الصبي و أفعاله، و أنّ وجود ما يصدر عنه كالعدم، في عدم ترتب أثر عليه، فلا يترتب على عقود الصبي و إيقاعاته أثر و إن أذن له الولي أو أجازه، لأنّها كالصادرة من البالغين نسيانا، أو في حال النوم. فكأنّه قيل: عمد الصبي كالعدم، و قصده كلا قصد.

و لا تنافي بين هذه الطائفة و بين الطائفتين الأخريين حتى يحمل المطلق على المقيّد، ضرورة عدم التنافي بين كون عمد الصبي بمنزلة الخطاء في الجنايات، و بين كون عمده بمنزلة الخطاء في غير موارد الجنايات، فلا وجه لحمل المطلق على المقيّد.

هذا ملخص ما يقال في تقريب الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات على سلب عبارة الصبي حتى مع إذن الوليّ كما نسب إلى المشهور.

لكن فيه أوّلا: القطع بعدم إمكان إرادة الإطلاق، و إلّا يلزم تأسيس فقه جديد أو يلزم عدم مانعيّة مبطلات الصلاة و مفطرات الصوم، فإذا أكل أو شرب عمدا و هو صائم، أو أحدث كذلك و هو في الصلاة لزم عدم بطلان صومه و صلاته. و كذا لو زاد عمدا في صلاته، أو سافر قاصدا لقطع المسافة، فإنّه يلزم عدم بطلان صلاته في الأوّل، و عدم

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 18، ص 418، الباب 8 من أبواب العاقلة، ح 2

(2) المصدر، ح 4.

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 66، الباب 36 من أبواب القصاص في النفس، ح 2.

ص: 50

______________________________

ثبوت القصر في الثاني، بل يلزم عدم مشروعية عبادات الصبي طرّا، لأنّها قصدية، و المفروض أنّ قصد الصبي كلا قصد على ما استظهره المستدل.

و ثانيا: انّ الاستظهار المزبور منوط بأن تكون العبارة دالة على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع، «كلا ربا بين الوالد و الولد» حتى يراد عدم ترتب حكم على عمد الصبي كعدمه على خطائه، و يكون المراد أنّ قصده كلا قصد في عدم ترتب أثر عليه.

و ليس الأمر كذلك، لأنّ المقام من تنزيل أحد الأمرين الوجوديّين منزلة صاحبه، و ذلك يتوقف على وجود الأثر شرعا للمنزّل عليه، فلا بد أن يكون للخطاء أثر حتى يصح تنزيل العمد منزلته، كتنزيل الطواف منزلة الصلاة. و من المعلوم أنّه لا مصداق لهذه الكبرى، و هي كون عمد الصبي منزلة خطائه إلّا الجنايات، لأنّ الجناية الصادرة منه عمدا بمنزلة الجناية الصادرة منه خطأ في كون الدية على العاقلة، فيصح حينئذ تنزيل جناية الصبي عمدا منزلة جنايته خطأ في كون ديتها على العاقلة، و لا مورد لهذا التنزيل في غير الجنايات.

لا يقال: إنّه قد ثبت أثر خاص لكل من العمد و الخطاء في الصلاة، و في تروك الإحرام، حيث إنّ ترك جزء من الصلاة عمدا موجب لبطلان الصلاة، و تركه خطأ غير موجب له، بل موجب لسجدة السهو إن لم يكن المتروك ركنا. و المحرم إذا صاد حيوانا عمدا وجبت عليه الكفارة زائدة على ما إذا صاده خطأ، فلا تختص أخبار تنزيل عمد الصبي منزلة الخطأ بالجنايات.

فإنه يقال: إنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه متقوم بأمرين:

أحدهما: ثبوت الأثر لكلّ من العمد و الخطاء.

ثانيهما: كون أثر الخطاء ثابتا لغير الفاعل، كما في الجناية الخطائية، فإنّ أثرها- و هو الدية في جناية البالغ خطاء- ثابت على غير الجاني أعني العاقلة. و من المعلوم أنّ مصداقه منحصر بباب الجنايات، لفقدان الأمر الثاني- و هو ثبوت أثر الخطاء على غير

ص: 51

______________________________

الفاعل- في الموارد المزبورة، ضرورة أنّ حكم الخطاء فيها كوجوب سجدتي السهو و وجوب الكفارة الثابتين على المخطئ البالغ منتف عن الصبي بحديث الرفع، و على فرض ثبوته على الصبي ليس ثابتا على العاقلة.

لكن عن المحقق النائيني قدّس سرّه جريان الحديث أعنى عمد الصبي خطأ في كفارات الحج، حيث إنّ ارتكاب محرمات الإحرام عمدا يوجب الكفارة، دون ارتكابها خطأ إلّا الصيد. فلكلّ من العمد و الخطاء أثر، فلا يختص الحديث بالجنايات «1».

و فيه: أنّ عدم وجوب الكفارة في الخطأ إنّما هو لعدم الموضوع و هو العمد، بخلاف الجنايات، فإنّها على ثلاثة أقسام: العمدية و الخطائية المحضة و الشبيهة بالعمد.

فتلخص: أنّ الاستدلال بالمطلقات المتقدّمة لإثبات كون الصبي مسلوب العبارة في غير محله.

بقي الكلام فيما يستفاد من قوله عليه السّلام في ذيل رواية أبي البختري: «عمدهما خطاء تحمله العاقلة، و قد رفع عنهما القلم» فانّ المصنف قدّس سرّه استظهر من هذه الجملة دلالتها على كون الصبي مسلوب العبارة، و أنّ عقده و إيقاعه مع القصد ليسا موضوعين للآثار الشرعية، بل هما كعقد الخاطى و الهازل و إيقاعهما، فلا يختص ما دلّ على كون عمد الصبي خطاء بالجنايات.

و تقريب استظهاره: أنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و قد رفع عنهما القلم» إمّا علة لثبوت الدية على العاقلة، يعني: أنّ علة ثبوت الدية على العاقلة لا على نفس الصبي هي رفع القلم عنه إذ لو كان القلم موضوعا عليه كان نفس الصبي مطالبا بالدية. و إمّا معلول لقوله: «عمدهما خطأ» بمعنى أنّ علّة رفع القلم عن الصبي و المجنون هو كون قصدهما بمنزلة عدم القصد في نظر الشارع. فالرواية و إن كان موردها الجناية، إلّا أنّ العبرة بعموم العلّة لا بخصوصية المورد، فلا يعتد بشي ء من الأفعال و الأقوال الصادرة من الصبي

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 173.

ص: 52

______________________________

و المجنون، لأنّهما مسلوبا العبارة في وعاء التشريع، فلا محذور في الأخذ بعموم العلة في سائر الموارد، هذا.

لكن الظاهر عدم تمامية شي ء من التقريبين.

أمّا كونه علّة لثبوت الدية على العاقلة، ففيه: عدم الملازمة بينهما فضلا عن العليّة.

نعم ثبت في الشريعة المقدسة أنّ دم المسلم لا يذهب هدرا، لكنه لا يلازم ثبوت الدية على العاقلة، لإمكان أن تكون الدية على جميع المسلمين، أو بيت المال، أو غير ذلك.

و أمّا كونه معلولا لقوله: «عمده خطأ».

ففيه:- مضافا إلى عدم اقترانه بما يفيد العلية في مقام الإثبات كلفظة «لأنّ» أو «فان»- أنّه إن أريد كون العمد خطاء تكوينا فلا بأس بعليّته لرفع القلم، لأنّه بعد فرض عدم صدور الفعل العمدي عن الصبي لا يصلح فعله لأن يكون موضوعا شرعا للأثر.

لكن الأمر ليس كذلك، لكونه كذبا.

فلا بد أن يكون عمده خطاء تنزيلا لا تكوينا، بمعنى: أنّ الشارع نزّل عمد الصبي منزلة الخطاء، بأن يراد من التنزيل نفي آثار العمد كالقصاص و شبه العمد كالدية الثابتة في مال الجاني خطأ، و ترتيب آثار الخطاء المحض بالنسبة إلى غير الفاعل. و ذلك منحصر بالجنايات، لأنّها هي التي تترتب على أقسامها الثلاثة- من العمد و شبهه و الخطأ المحض- أحكام خاصة.

و إن شئت فقل: إنّ وجه المناسبة بين قوله عليه السّلام: «رفع عنهما القلم» و بين قوله عليه السّلام: «عمدهما خطاء» هو أنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه متقوم بأمرين:

أحدهما: حكم سلبي، و هو عدم ترتب أحكام العمد- من القصاص و الدية في ماله- على فعله، و عدم إلزام الصبي بشي ء من أفعاله.

و الآخر: حكم إيجابي، و هو ترتب أحكام الفعل الخطائي على فعله في خصوص ما إذا كان متوجّها إلى الغير كالعاقلة، لا إلى الصبي.

ص: 53

______________________________

و المتكفل لبيان الأمر الأوّل هو: «رفع القلم عن الصبي» و لبيان الأمر الثاني هو قوله: «تحمله العاقلة» و هذا معنى رفع القلم، يعني: أنّ قلم التكاليف الإلزامية الثابتة للأفعال العمدية على البالغين مرفوع عن الصبي، فعمد الصبي عمد تكوينا و خطاء تشريعا. فالقصاص مرفوع عن الجناية الصادرة عنه عمدا، فرفع القلم عن الصبي متمم لقوله: «عمد الصبي خطاء» لا معلول له.

و على هذا فمفاد رواية أبي البختري موافق لما يستفاد من سائر الروايات المتضمنة لكون الصبي مرفوع القلم.

هذا مضافا الى ضعف سندها بأبي البختري الذي اسمه وهب بن وهب بن عبد اللّه بن رمعة بن الأسود، لأنّه كان كذّابا عامي المذهب. فلا تكون الرواية حجة.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّه لا دليل على كون الصبي مسلوب العبارة، بحيث لا يترتب على إنشاءاته العقدية و الإيقاعية أثر أصلا و لو كانت بإذن الولي أو إجازته. مع أنّ الإذن و الإجازة يوجبان إضافة ما أنشأه الصبي إلى الولي كعقد الفضولي.

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه أشار إلى فروع:

منها: مسألة إتلاف الصبي و سببيّته للضمان و عدمها، فإنّه قد يتوهم عدم الضمان، لأنّ عمد الصبي خطاء، و لأنّ قلم التكليف مرفوع عنه حتى يحتلم.

لكن فساد هذا التوهم ظاهر. أمّا الأوّل فلأنّ تنزيل عمد الصبي منزلة خطائه إنّما هو في خصوص الأفعال التي لا تكون موضوعة للأحكام الشرعية، إلّا إذا صدرت عن فاعليها بالقصد و الاختيار، فلو كان الحكم الشرعي مترتبا على نفس الفعل و إن صدر بلا قصد و عمد كالجنابة الموجبة للغسل و إن حصلت في النوم، و كمباشرة النجاسات الموجبة لنجاسة البدن، و إن كانت المباشرة بغير إرادة و اختيار، و كالإحداث الناقصة للطهارة، فإنّها ناقصة لها و إن صدرت جهلا أو غفلة و بغير اختيار، فإنّ موضوعية هذه الأمور لأحكامها لا تتوقف على صدورها عن قصد و عمد. و من المعلوم أنّ الإتلاف من

ص: 54

______________________________

هذا القبيل، إذ لم يؤخذ في قاعدته إلّا صدق الإتلاف المعلوم صدقه على الإتلاف العمدي و غيره.

هذا مضافا إلى ما تقدم من اختصاص الحديث بما إذا كان للفعل العمدي أثر كالجناية العمدية، و للفعل الخطائي أثر آخر بالنسبة إلى غير الفاعل، فيحكم على فعل الصبي حينئذ بحكم الخطاء، و من المعلوم أنّ الإتلاف لا يختلف حكمه بحسب العمد و الخطاء، فلا يكون الحديث شاملا للإتلاف، كما لا يشمل كفارات الحج، لأنّ عدم وجوب الكفارات على الصبي المرتكب لمحرّمات الإحرام إنّما هو من جهة انتفاء الموضوع و هو العمد، فعدم ترتبها على الخطاء الصادر عن البالغ إنما هو لعدم تحقق العمد، لا لأجل موضوعية الخطاء له كموضوعية الخطاء في باب الجنايات.

فما عن المحقق النائيني قدّس سرّه «من التمسك بالحديث في كفارات الحج» مما لم يظهر له وجه، لما عرفت من أنّ انتفاء الكفارات عن ارتكاب البالغ خطاء لمحظورات الإحرام إنّما هو لانتفاء موضوعها و هو العمد، لا لأجل الخطاء كما لا يخفى.

و أمّا الثاني أعني: حديث رفع القلم، فلأنّ المراد به كما مرّ آنفا رفع الأحكام الإلزامية عن الصبي. و هذا لا ينافي توجه الأحكام الإلزامية إليه بعد البلوغ، لإمكان موضوعية فعل الصبي لأحكام إلزامية بعد بلوغه، فإنّ جميع الإلزاميات مرفوعة عن الصبي ما دام صبيا، فإذا بلغ توجّه إليه وجوب تدارك ما أتلفه في حال الصبا، لأنّ الإتلاف بعنوانه موجب للضمان و إن كان المتلف صبيا. و ليس الضمان من الأحكام الإلزامية حتى يرفع بحديث رفع القلم.

لا يقال: إن كان الإتلاف موضوعا لوجوب الأداء بعد البلوغ فليكن بيع الصبي أيضا واجب الوفاء بعد البلوغ.

فإنّه يقال: إنّ بيع الصبي غير نافذ بمقتضى رواية ابن سنان المتقدمة، حيث إن نفوذ أمر الصبي أنيط فيها بالبلوغ، فعقد غير البالغ لا أثر له، هذا.

ص: 55

______________________________

و منها: تعزيرات الصبي، فإنّه لا إشكال في ثبوتها على الصبي. إنّما الكلام في أنّ خروجها عن حديث رفع القلم و نحوه هل هو بالتخصص أم التخصيص؟ قال المصنف قدّس سرّه: «ثم إنّ القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات للصبي كالتعزير» و حاصله: أنّ المراد بالقلم المرفوع عن الصبي هو رفع التكاليف الإلزامية الثابتة على البالغين، فيكون خروج تعزيرات الصبي عن حديث «رفع القلم» موضوعيا، لعدم ثبوت تلك التعزيرات في حق البالغين، بل هي ثابتة في حق الصبيان لحكمة خاصّة، و هي تأديبهم و صيانتهم عن الضلال.

و يحتمل أن يكون خروج تعزيرات الصبي عن رفع القلم بالتخصيص، بأن يقال:

إنّ رفع القلم يشمل كل حكم إلزامي، و قد خرج عنه تعزيرات الصبي بنصوص خاصة.

و التحقيق أن يقال: إنّ التعزيرات الثابتة في الشريعة المقدسة إمّا أن يؤخذ في موضوعها البالغ، و إمّا أن يؤخذ في موضوعها الصبي، و إمّا أن لا يؤخذ شي ء منهما في موضوعها، بأن كان موضوعها الطبيعي الجامع بين البالغ و الصبي.

فإن كان موضوعها البالغ فهي ترتفع عن الصبي، لعدم الموضوع، فالخروج عن حديث رفع القلم موضوعي.

و إن كان موضوعها الطبيعي الجامع بين البالغ و الصبي فالخروج حكمي.

و إن كان موضوعها الصبي فهي غير قابلة للرفع، لأنّ مقتضي الشي ء لا يكون رافعا له، فلا محالة يخصّص عموم رفع القلم بما دلّ على تلك التعزيرات على الصبي، هذا.

و منها: عدم العبرة بقبض الصبي و إقباضه و إقراره و نذره و إيجاره و ضمانه و غيرها ممّا يعتبر فيه القصد، فإنّ شيئا من تلك الأفعال لا يترتب عليه الأثر إذا صدر عن الصبي، لأنّ قصده كلا قصد. و قد أيّده المصنف بما نقله عن التذكرة.

لكن يرد عليه ما تقدم من عدم دليل على سقوط فعل الصبي و قوله عن الاعتبار مطلقا حتى مع إذن الولي، لأنّ دليل عدم جواز أمر الصبي لا يقتضي إلّا عدم جواز

ص: 56

______________________________

استقلاله في التصرّف في أمواله، فكلّ ما لا يعدّ في العرف تصرفا في أمواله استقلالا لا مانع عن جوازه، فيصح تحجيره و حيازته و التقاطه و صيده و إحياؤه الموات.

و دعوى «عدم جواز الأمور المذكورة، لاعتبار القصد فيها، و المفروض أنّ قضية عمد الصبي خطاء، هي جعل قصده كالعدم، فلا يترتب على قصده أثر، فما يصدر عن الصبي من الأمور القصدية يكون كالعدم» غير مسموعة، لما عرفت من عدم دلالة «عمد الصبي خطاء» على تنزيل قصد الصبي منزلة عدم القصد، بل إنّما يدلّ على تنزيل العمد منزلة الخطاء الذي هو موضوع لأحكام، و ذلك يختص بباب الجنايات. و لا يدلّ على لغوية قصد الصبي و كونه كالعدم في الأمور الّتي يعتبر في ترتب الأثر عليها قصدها، هذا.

مضافا إلى: أنّ اعتبار القصد في بعض الأمور المذكورة كالحيازة و إحياء الموات و الالتقاط غير مسلّم، بل إطلاق مثل «من حاز ملك» و «من أحيى أرضا ميتة فهي له» و «من سبق إلى ما لم يسبق إليه غيره فهو أولى به» و نحو ذلك يقتضي عدم اعتبار القصد فيها.

و الحاصل: أنّ عدم ترتب الأثر على الأمور القصدية الصادرة عن الصبي متوقف على أمرين: الأوّل: اعتبار القصد فيها، و الثاني: سقوط قصد الصبي عن الاعتبار.

و قد عرفت عدم اعتبار الأوّل في بعض الأمور المذكورة و عدم سقوط قصد الصبي عن الاعتبار بحيث يعدّ كالمعدوم، لعدم دلالة ما استدل به من مثل قولهم عليهم السّلام:

«عمد الصبي خطاء» على ذلك لما مرّ مفصّلا من أنّ مفاده تنزيل العمد منزلة الخطاء، لا جعل قصده كالعدم.

و قد عرفت عدم تمامية الأمر الثاني، و «أنّ عمد الصبي خطاء» من باب التنزيل و يختص بباب الجنايات، و لا يشمل الأمور القصدية المزبورة، فهي خارجة عن هذا التنزيل، فلا يبقى إلّا ما ورد من «عدم جواز أمر الصبي إلى أن يبلغ» و قد مرّ سابقا أنّ المراد بعدم الجواز عدم الاستقلال، فلا يشمل التصرف المقرون بإذن الولي

ص: 57

______________________________

أو إجازته.

هذا كله مع عدم كون بعض الأمور المزبورة كحيازة المباحات و إحياء الموات قصديّا على ما هو قضية إطلاق أدلتهما، هذا.

________________________________________

ثم إنّ المستفاد من جملة من النصوص كون قبض الصبي مفيدا للملكية، كحسنة أبي بصير «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال: نعم ..» «1» الحديث. و رواية أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: ذرّيّة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا» «2» الحديث. و معتبرة يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام «قال: سألته عن رجل عليه كفارة عشرة مساكين، أ يعطي الصغار و الكبار سواء، و الرجال و النساء، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال: كلّهم سواء» «3» و كموثق يونس بن يعقوب: «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما، و أرى أنّ ذلك خير لهم؟ قال: فقال لا بأس» «4» فإنّ ظاهر هذه الروايات و غيرها هو مالكية الصبيان للزكاة و الكفارة بمجرّد القبض.

هذا مضافا إلى: ما قيل من قيام السيرة على كون قبض الصبي مفيدا للملكية في الهبة و غيرها.

ثمّ إنّ الظاهر عدم خصوصية لزكاة المال و الفطرة و الكفارة، فيتعدى إلى سائر الموارد، و يحكم بمملّكية القبض في سائر المقامات المعتبر فيها القبض.

و هل تنفذ وصية الصبي أم لا؟ فيه خلاف، فعن العلامة في القواعد: «يشترط في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 155، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 1.

(2) المصدر، ح 2.

(3) وسائل الشيعة، ج 15، ص 570، الباب 17 من أبواب الكفارات، ح 3.

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 156، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، ح 3.

ص: 58

______________________________

الموصى البلوغ و العقل و الحرية فلا تنفذ وصية الصبي و إن كان مميزا في المعروف و غيره» و هذا القول قد حكي عن السرائر و الإيضاح و شرح الإرشاد لفخر الإسلام و غيرهم. لكن عن ظاهر التذكرة و اللمعة و النافع و الدروس التوقف. و عن المقنعة و المراسم و النهاية و المهذب و الغنية و كشف الرموز و الإرشاد و الروض و الكفاية و المفاتيح و أبي الصلاح و أبي علي: أنه تجوز وصية من بلغ عشرا مميّزا في البرّ و المعروف.

و يدل على الجواز روايات:

منها: موثق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته» «1».

و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حقّ جازت وصيته، و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى من ماله باليسير في حقّ جازت وصيته» «2» الحديث.

و منها: غير ذلك «3».

و هذه الروايات أخص من النصوص الدالة على عدم نفوذ أمر الصبي، فتخصصها.

نعم في صحة وصيته للغرباء إشكال، لصحيح محمّد بن مسلم «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الغلام إذا حضره الموت فأوصى فلم يدرك جازت وصيته لذوي الأرحام، و لم تجز للغرباء» «4». فإنّ مقتضى حمل المطلق على المقيّد هو نفوذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 429، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 3.

(2) المصدر، ح 2.

(3) المصدر، ح 6.

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 429، الباب 44 من أحكام الوصايا، ح 1.

ص: 59

______________________________

وصيّة الصبي لخصوص ذوي الأرحام دون غيرهم، إن لم يثبت الإعراض عن هذه الصحيحة، و إلّا فلا وجه للتقييد، بل لا بدّ من الالتزام بالإطلاق.

و هل يتبع قول الصبي في الإذن بدخول الدار أم لا؟ قال العلّامة في التذكرة: «لو فتح الصبي الباب و أذن في الدخول عن إذن أهل الدار و أوصل الهدية إلى انسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد، لتسامح السلف فيه» «1».

و لا يخفى إنّه بناء على المنع عن نفوذ تصرفات الصبي لا وجه لاستثناء هذين الأمرين، لعدم دخولهما في المستثنى منه، لأنّ المراد بالمستثنى منه تصرفات الصبي التي تكون موضوعا لأثر شرعي. و ليس شي ء من الأمرين كذلك. أما الأوّل فلأنّ جواز الدخول في الدار بإذن الصبي إنّما هو لحصول الاطمئنان بإذن أهل الدار من إذن الصبي، لا لأجل اعتبار إذن الصبي، فلو لم يحصل هذا الاطمئنان من قول الصبي لم يجز الدخول كما إذا لم يحصل هذا الاطمئنان من إذن البالغ أيضا، فالمدار في جواز الدخول على الاطمئنان برضا المالك بالدخول سواء حصل هذا الاطمئنان من قول البالغ أم من قول الصبي.

و الحاصل: أنّ الاذن في الدخول إلى دار الغير ليس في نفسه موضوعا لجواز الدخول.

و أمّا الثاني و هو إيصال الهدية إلى المهدي إليه فليس أيضا مرتبطا بما نحن فيه، إذ ليس مقوما لعقد الهبة، و لذا يتحقق بواسطة حيوان معلّم.

و بالجملة: فأمثال هذه الموارد خارجة عن العمومات المانعة عن نفوذ أمر الصبي بالتخصص لا التخصيص.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، س 30.

ص: 60

و الحاصل: (1) أنّ مقتضى ما تقدّم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود، و الأخبار المتقدمة- بعد انضمام بعضها إلى بعض- عدم (2) الاعتبار بما يصدر من الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها، كإنشاء العقود أصالة و وكالة، و القبض و الإقباض، و كلّ التزام على نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجار (3).

و قال في التذكرة (4): «و كما لا يصح تصرفاته اللفظية،

______________________________

(1) هذا الحاصل راجع إلى أصل المطلب و هو سلب عبارة الصبي، مستدلا عليه بالإجماع و النصوص، لكن لمّا لم تجتمع شرائط الحجية في كل واحد منها بالخصوص- لما تقدم من المناقشة الدلالية في بعض الأخبار، و كذا في انعقاد الإجماع التعبدي- فلذا تصدّى المصنف لإثبات مرامه بدعوى التجابر و انضمام بعضها إلى بعض.

و هذا نظير ما أفاده في بحث الاستصحاب- بعد قصور بعض الأخبار سندا، كمكاتبة القاشاني، و قصور بعضها دلالة كصحاح زرارة- من دعوى التجابر و التعاضد، و لكنه لا يخلو من شي ء تعرّضنا له في موضعه «1».

(2) خبر قوله «إنّ مقتضى».

(3) هذا التعميم مبنيّ على عدم اختصاص ما دلّ على «أنّ عمد الصبي خطأ» بالجنايات، و كون المراد به جعل العمد كالعدم، لا تنزيل العمد منزلة الخطاء.

لكن سيأتي في التعليقة خلافه، و أنّ المراد تنزيل أحد الوجوديّين منزلة الآخر في الأحكام المترتبة على المنزّل عليه، المستلزم لسلب آثار المنزّل- كالعمد- عن نفسه، فينفى أثر العمد عن عمد الصبي، و يثبت له آثار الخطأ.

(4) غرضه من نقل عبارة التذكرة تأييد ما ذكره من عدم العبرة بما يصدر من الصبي من الأفعال التي يناط ترتب الأثر عليها بالقصد إلى مقتضاها. و قد تضمّنت العبارة فروعا سيأتي توضيح كلّ منها.

و لا يخفى أنّ المصنف نسب تمام العبارة إلى التذكرة، مع أنّ المذكور فيها مقدار

______________________________

(1) راجع منتهى الدراية، ج 7، ص 242.

ص: 61

كذا لا يصح قبضه، و لا يفيد حصول الملك في الهبة و إن اتّهب له الولي (1)، و لا لغيره (2) و إن أذن الموهوب له بالقبض. و لو قال (3) مستحق الدين للمديون:

______________________________

منها، و الباقي منقول عن النهاية. و ظاهر تعبيره: «قال في التذكرة» النقل عنه بلا واسطة، و لكن لم أظفر ببعض ما نقله في التذكرة.

و الأولى ما حكاه عنه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بقوله: «فروع ذكرها في التذكرة و نهاية الأحكام، قال: و لو اشترى الصبي و قبض و استقرض و أتلف فلا ضمان عليه في الحال و لا بعد البلوغ، لأنّ التضييع من الدافع. و على الولي استرداد الثمن، و لا يبرء البائع بالرد إلى الصبي. و قال: كما لا تصح تصرفاته اللفظية ..» إلى آخر ما في المتن، فراجع «1».

(1) هذا هو الفرع الأوّل، و غرض العلّامة إسقاط قبض الصبي عن الاعتبار في العقود التي يكون القبض فيها متمّما لتأثيرها، كالهبة و بيع الصرف، و توضيحه: أنّه لو وهب شخص للصبي مالا، أو باعه أحد النقدين و أقبضه إيّاه لم يدخل في ملك الصبي، بل هو باق على ملك الواهب و البائع، سواء أ كان الولي قبل الهبة أو البيع أم لا. و الوجه في عدم العبرة بقبض الصبي سقوط أفعاله القصدية عن الاعتبار.

(2) معطوف على «له» المحذوف بعد قوله: «و لا يفيد حصول الملك في الهبة» و هذا إشارة إلى الفرع الثاني، يعني: أنّه لو وهب شخص لغيره مالا، و أذن المتهب للصبي في أن يتسلّم له الهبة و يوصلها إلى المتهب لم يكن قبض الصبي جزء السبب المملّك، فالعين الموهوبة باقية على ملك الواهب ما لم يقبضها المتهب بنفسه أو بواسطة وكيله البالغ، و لا فرق في عدم العبرة بقبض الصبي بين إذن وليّه في القبض و عدمه.

(3) هذا هو الفرع الثالث ممّا يتفرّع على عدم العبرة بقبض الصبي، و توضيحه أنّ زيدا لو كان مديونا لعمرو منّا من الحنطة مثلا، فقال له الدائن: سلّم حقي إلى هذا الصبي، فسلّم المديون مقدار حقّه إلى الصبي لم يبرء المديون عن دينه، لأنّ الدين كلّي في الذمة، و لا يتعين حقّا للدائن إلا بقبض صحيح، و المفروض أنّ قبض الصبي

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 172.

ص: 62

سلّم حقّي إلى هذا الصبي، فسلّم مقدار حقه إليه لم يبرء عن الدين، و بقي المقبوض على ملكه، و لا ضمان (1) على الصبي، لأنّ المالك ضيّعه حيث دفعه إليه، و بقي الدين، لأنّه (2) في الذمة، و لا يتعيّن إلّا بقبض صحيح، كما لو (3) قال: إرم حقي في البحر، فرمى مقدار حقّه. بخلاف (4) ما لو قال للمستودع: سلّم مالي إلى

______________________________

كالعدم، فلا يترتب عليه ما يترتب على قبض البالغ من تعين الكلّي الذمّي في المقبوض.

و لو تلف المال بيد الصبي لم يضمنه، بل يتلف من مال المديون الذي ضيّع ماله بدفعه إلى الصبي.

و عليه فقبض الطفل لا يوجب تعيّن الكلي الذمي في المقبوض. كما أنّ الخمس لا يتعيّن إلّا بقبض صحيح من المستحق أو وليه أو وكيله، فلا تفرغ الذمة لو دفعه إلى من زعم استحقاقه، فبان عدمه واقعا.

و حيث إنّ الإلقاء في البحر ليس قبضا للدين إلى الدائن- ما لم يرجع إلى التوكيل في القبض ثم الرمي فيه- فالكليّ المملوك للدائن باق في ذمة المديون.

و هذا بخلاف الأمر بإلقاء عين شخصية في البحر أو تسليمها إلى الصبي، كما في الوديعة، فلو قال المودع للمستودع: «سلّم حقّي إلى هذا الطفل» ففعل الودعي لم يكن عليه شي ء، لفرض كون العين الشخصية ملكا للمودع، من دون توقف ملكيته لها على القبض الصحيح. و لمّا كان المالك سلطانا على ماله جاز له الإذن في إتلافه أو إقباضه من الصبي، و هذا هو الفارق بين العين الشخصية و الكلية.

(1) يعني: لا ضمان على الصبي لو تلف عنده أو أتلفه. و الوجه في عدم الضمان استناد التضييع إلى المالك الدافع ماله إلى صبيّ أسقط الشارع قبضه عن الاعتبار.

(2) أي: لأنّ الدّين كلّي في ذمة المديون، و يتوقف الفراغ منه على قبض صحيح منتف حسب الفرض.

(3) غرض العلامة قدّس سرّه تنظير عدم تعيين الحق- بقبض الصبي- بالأمر بإلقاء مقدار من المال في البحر.

(4) هذا بيان الفارق بين العين الشخصيّة و الكلية، و قد عرفته آنفا.

ص: 63

الصبي أو ألقه في البحر، لأنّه امتثل أمره في حقّه المعيّن.

و لو كانت (1) الوديعة للصبي، فسلّمها إليه ضمن و إن كان (2) بإذن الولي، إذ ليس له (3) تضييعها بإذن الولي.

و قال أيضا (4): «لو عرض الصبي دينارا على الناقد لينقده أو متاعا إلى

______________________________

(1) هذا فرع رابع من فروع قبض الصبي. و توضيحه: أنّ وليّ الطفل لو جعل مال الصبي وديعة عند شخص، ثم قال له: سلّمه إلى الصبي، ففعل الودعي، كان ضامنا، لأنّ قبضه بمنزلة العدم، فإقباضه إيّاه تضييع للمال. و لا عبرة بإذن الولي في التسليم المضيّع، لأنّ وظيفة الولي حفظ مال المولّى عليه و مراعاة مصلحته، و دفع المال إلى الصبي خلاف مصلحته، لأنّه في معرض الخطر و التلف، فالدفع إلى الصبي كالأمر بإلقاء ماله في البحر في ترتب الضمان عليه.

(2) أي: و إن كان تسليم الوديعة إلى الصبي بإذن الولي.

(3) أي: ليس للودعي تضييع الوديعة و إن كان الولي أذن له في التضييع.

(4) أي: قال العلّامة. و هذا فرع خامس من فروع قبض الصبي، و توضيحه:

أنّه لو عرض الصبي دينارا على صرّاف ليصرفه دراهم، لم يجز للصرّاف ردّ الدينار أو الدراهم إلى الصبي، بل يجب الرد إلى الولي، لكون قبض الطفل كلا قبض.

نعم لو أمره الولي بالدفع إلى الصبي فأقبضه الصرّاف، فإن كان الدينار للولي بري ء الصرّاف بالإقباض إلى الطفل، لكونه مالا متعيّنا أذن مالكه له بدفعه إلى الصبي، كما لو أذن بإلقائه في البحر أو إحراقه. و إن كان الدينار للصبي لم يجز للصرّاف دفعه إليه اعتمادا على إذن وليّه، لما تقدم في الفرع الرابع من اعتبار رعاية صلاح المولّى عليه، و لا مصلحة في إقباض المال إلى الصبي، لكونه في عرضة التلف و الضياع.

و كذا الحال لو عرض الصبي متاعا على مقوّم لتعيين سعره، فأخذه المقوّم، فلا يجوز ردّه إلى الصبي، على نحو ما تقدّم في الدينار.

ص: 64

مقوّم ليقوّمه، فأخذه لم يجز (1) له ردّه إلى الصبي، بل إلى وليّه (2) إن كان، فلو أمره (3) الولي بالدفع إليه فدفعه إليه بري ء من ضمانه إن كان المال للولي، و إن كان للصبي فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر، فإنّه يلزمه (4) ضمانه.

و إذا (5) تبايع الصبيان و تقابضا، و أتلف كلّ واحد منهما ما قبضه، فإن جرى بإذن الوليين فالضمان عليهما، و إلّا فلا ضمان عليهما، بل على الصبيين» و يأتي في باب الحجر تمام الكلام «1» «و لو فتح (6) الصبي الباب و أذن في الدخول على أهل الدار، و أدخل الهدية إلى إنسان عن إذن المهدي فالأقرب الاعتماد، لتسامح السلف فيه» «2» انتهى كلامه رفع مقامه.

______________________________

(1) أي: لم يجز للناقد أو المقوّم.

(2) المراد به الأب و الجد، و إلّا فالولي العام و هو الحاكم الشرعي موجود على كل حال.

(3) أي: فلو أمر الوليّ الناقد أو المقوّم بالدفع إلى الصبي بري ء الناقد أو المقوّم من الضمان إن كان المال للوليّ، و إلّا فلا.

(4) أي: يلزم الملقي- و هو الناقد أو المقوّم- ضمان مال الصبي، و ضمير «فإنه» للشأن.

(5) هذا فرع سادس، و توضيحه: أنّه إذا تبايع صبيّان، و قبض المشتري المبيع، و البائع الثمن، و أتلف كل منهما ما قبضه، فإن كان البيع و الشراء بإذن الوليين كانا ضامنين، لإذنهما في القبض المضمّن المنتهى إلى الإتلاف. و إن كان بدون إذنهما كان الضمان على الصبيّين، لقاعدة الإتلاف الموجب لضمان المتلف و إن كان صبيّا. و ليس هنا إذن من الولي يرفع الضمان عن الصبيين.

(6) هذا فرع سابع، و هو مخالف لما تقدّم من إسقاط أقوال الصبي و أفعاله عن

______________________________

(1) هذه العبارة للسيد العاملي، لا من العلامة في التذكرة و نهاية الاحكام.

(2) نهاية الاحكام، ج 2، ص 454.

ص: 65

[بعض الأقوال الأخرى في المسألة]
[1- التفصيل في معاملة الصبي بين الخطير و الحقير]

ثم إنّه ظهر مما ذكرنا (1) أنّه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الأشياء اليسيرة أو الخطيرة، لما عرفت من عموم النص و الفتوى، حتّى (2) أنّ

______________________________

الاعتبار. و غرضه قيام السيرة على الاعتماد المزبور، فبالسيرة المتشرعية يثبت ما قامت عليه السيرة من الإذن في الدخول على أهل الدار و إدخال الهدية الى المهدي له بإذن مهديها «1».

هذا تمام كلام في الاستدلال لمذهب المشهور من بطلان إنشاء الصبي و سلب عبارته، و سيأتي الكلام في ردّ بعض الأقوال في المسألة.

بعض الأقوال الأخرى في المسألة 1- التفصيل في معاملة الصبي بين الخطير و الحقير

(1) من قوله قبل أسطر: «و الحاصل: أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي في البيع و غيره من العقود، و الأخبار المتقدّمة .. إلخ» فإنّ مقتضى ذلك، عدم الفرق في المنع عن معاملات الصبي بين المحقرات و غيرها، لشمول إطلاق تلك الأدلة للمحقّر و غيره، لعدم تقييد مثل «عدم جواز الأمر، و رفع القلم و كون عمده كلا عمد، بل و الإجماع أيضا» بالأموال الخطيرة.

و هذا تمهيد لردّ جملة من الأقوال في المسألة كقول المحدّث الكاشاني من التفصيل بين المحقرات و غيرها، و تفصيل صاحب الرياض بين استقلال الصبي في المعاملة، فتبطل و بين آليّته لمعاملات الوليّ فيصحّ، و يترتّب الملك عليه، و قول الشيخ الفقيه كاشف الغطاء بترتّب الإباحة على معاملة الأطفال المأذونين، دون الملك، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) لمّا كان ظاهر فعل أبي الدرداء نفوذ بيع الصبي للأشياء الحقيرة كالعصفور، و كان موافقا لدعوى المحدّث الكاشاني، تصدّى المصنف لردّه بما أفاده العلّامة قدّس سرّه من وجوه ثلاثة:

______________________________

(1) هذا الفرع مذكور في التذكرة، ج 1، ص 464، س 30 و في نهاية الاحكام، ج 2، ص 454.

ص: 66

العلّامة في التذكرة لمّا ذكر حكاية- أنّ أبا الدرداء اشترى عصفورا من صبيّ فأرسله- ردّها (1) بعدم الثبوت و عدم الحجية، و توجيهه (2) بما يخرجه عن محل الكلام.

و به (3) يظهر ضعف ما عن المحدّث الكاشاني من: «أنّ الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة دفعا للحرج» انتهى «1»، فإنّ

______________________________

الأوّل: عدم ثبوت أصل القضية، لضعف السند.

الثاني: أنّ شراء أبي الدرداء ليس حجة شرعا، لأنّه ليس من السنة التي هي قول المعصوم عليه السّلام و فعله و تقريره.

الثالث: توجيه الواقعة بما يخرجه عن البيع الجدّي من الصبي، و ذلك لاحتمال علمه بعدم مالكية الصبي للعصفور، فاشتراه أبو الدرداء منه ليستنقذه، و من المعلوم توقف البيع على مالكيّة البائع للمبيع، أو الوكالة عنه أو الولاية عليه، فمع العلم بعدم مالكيته و نحوها له لم تنشأ المعاملة الجدّية. و عليه فإعطاء الثمن للصبي ليس إلّا مقدمة لإرسال العصفور و استنقاذه، هذا.

و لا يخفى أنّ العلّامة اقتصر على وجهين، و لم يتعرض لضعف السند و عدم ثبوت القضية، فقال في ردّ المالكية: «و فعله- أي فعل أبي الدرداء- ليس حجة.

و جاز أن يكون قد عرف أنّه ليس ملكا للصبي، فاستنقذه منه» «2».

(1) جواب «لمّا» الظرفيّة، و ضمير «ردّها» راجع الى «حكاية».

(2) بالجرّ معطوف على «عدم» و هذا موهن ثالث لصحة بيع الصبي للشي ء الحقير. و قد عرفت أنه في عبارة التذكرة موهن ثان لا ثالث.

(3) أي: بما تقدم من قوله: «و الحاصل: أنّ مقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي .. إلخ» و غرضه منع مستند المحدث الكاشاني، و هو قاعدة نفي الحرج،

______________________________

(1) مفاتيح الشرائع، ج 2، ص 46 و الحاكي عند هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 170

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، س 24.

ص: 67

الحرج ممنوع، سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقّرات، و التزام مباشرة البالغين لشرائها، أم أراد أنّه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس على نصب الصبيان للبيع و الشراء في الأشياء الحقيرة.

ثم لو أراد استقلاله في البيع و الشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنّه غير محجور عليه في الأشياء اليسيرة فالظاهر (1) كونه مخالفا للإجماع.

______________________________

بتقريب: أنّ الحكم بفساد معاملة الصبيان في المحقرات يستلزم الحرج على البالغين إذا باشروا شراء جميع ما يحتاجون إليه كالخضراوات و البيضة و نحوها، و لما كانت القاعدة حاكمة على إطلاق الأدلة القاضية بسلب عبارة الصبي فلذا يختص المنع بالأمور الخطيرة، هذا.

و قد ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع الحرج صغرويا، سواء أريد لزوم الحرج في طرف المشتري بأن يقع الأولياء في العسر لو تصدّوا لشراء جميع ما يحتاجون إليه حتى المحقّرات. أم أريد لزومه في طرف البائع، كاعتياد أرباب الدكاكين تفويض بيع الأشياء اليسيرة إلى الأطفال، فالحكم بفساد معاملتهم حرج على البائعين.

فالحقّ أنّه لا حرج في شي ء من المقامين.

هذا لو كان نظر المحدث الكاشاني إلى جواز معاملة الصبيان في المحقّرات بإذن أوليائهم، مستندا إلى نفي الحرج، و قد عرفت عدم لزومه.

و لو كان مقصوده إثبات استقلالهم في بيع المحقّرات و شرائها بأموالهم- من دون مراجعة أوليائهم- فهو ممنوع جدّا، لمخالفته للإجماع، إذ القدر المتيقن منه عدم استقلالهم في المعاملة بأموالهم، للحجر. فيبعد التزام المحدث الفيض بتجويز معاملتهم في المحقّرات بالاستقلال لمجرّد الحرج، هذا.

(1) جواب قوله: «لو أراد» و قد عرفته آنفا.

ص: 68

و أمّا (1) ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده» معلّلا

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه توجيه رواية السكوني بما لا يدلّ على نفوذ معاملة الصبي. أمّا تقريب دلالتها على وجود المقتضي للصحة في معاملاته فبوجوه تستفاد من فقرات ثلاث:

الأولى: الحكم بالكراهة المدلول عليها بنهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الغلام الذي لا يحسن صناعة، على ما عليه المشهور، بلحاظ احتمال سرقته، و هذا كالنهي التنزيهي في صدر الرواية عن كسب الإماء معلّلا «بأنّها إن لم تجد زنت» مع أنّه لا ريب في نفوذ معاملتها، فليس ما اكتسبتها محرّما بقول مطلق. و من المعلوم أنّ كراهة التصرف تدل على اقتضاء معاملة الصبي للصحة، إذ لو كان التصرف في ما اكتسبه حراما كانت الرواية دليلا على عدم نفوذ معاملته و بقاء مكسوبه على ملك من تعامل مع الصبي، فعدم تحريم التصرف في ما اكتسبه شاهد على كون الصبي مالكا لما اكتسبه.

و الوجه في عدم التحريم كون احتمال السرقة شبهة موضوعية بدوية بالنسبة إلى ما بيد الغلام، و هي مجرى قاعدة الحل.

الثانية: تقييد موضوع الكراهة بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من لا يحسن صناعة بيده» فإنّ التقييد كاشف عن عدم فساد معاملة الغلام من أصلها، فلو كان إنشاؤه لغوا شرعا و ساقطا من أصله لغا تقييد موضوع الكراهة بعدم عرفان صناعة، لفرض حرمة التصرف في ما اكتسبه مطلقا سواء أحسن صناعة أم لم يحسنها.

الثالثة: تعليل النهي عن الكسب «بأنّه ان لم يجد سرق» و تقريبه: أنّ العلم بسرقة ما بيد الغلام في رتبة المانع عن التصرف في ما اكتسبه، و من المعلوم أنّ تعليل النهي بوجود المانع فرع تمامية المقتضي لمالكيّته لما اكتسبه، فلو لم يكن كسبه نافذا حرم التصرف فيه حتى مع العلم بعدم سرقته. و عليه فالتعليل المزبور دالّ على مشروعية كسب الغلام بالبيع و الشراء و الإجارة و الصلح و نحوها. و هذا ينافي

ص: 69

..........

______________________________

مختار المشهور من بطلان عقد الصبي.

و قد دفع المصنف هذا الاستدلال بأجنبية الرواية عن المقام- و هو نفوذ معاملة الصبي- و بيانه: أنّ الكسب المنهي عنه تنزيها إن أريد به معناه المصدري من بيع و شراء و تجارة و نحوها من أنحاء تحصيل المال كانت الرواية حجة على نفوذ معاملته، للوجوه الثلاثة المتقدمة. و إن أريد به معناه الاسمي أي مكسوب الغلام- و ما وقع بيده- لم تنفع الرواية لإثبات صحة إنشاءاته.

و ظاهر التعليل لأنه «إن لم يجد سرق» إرادة الكسب بمعناه الاسمي أي ما حصّله بأحد الأنحاء، فالتصرف في المال الواقع تحت يد الغلام محكوم بالكراهة، لاحتمال سرقته.

و بناء على إرادة الكسب بمعنى المكسوب- لا المعنى المصدري- نقول: بأنّه لم يفرض في الرواية كراهة معاملة الصبي حتى يستكشف نفوذها و صحتها، بل المهم الحزازة في التصرف في ما بيد الغلام، سواء حصّله بدون معاملة كالالتقاط المترتّب عليه الملكية حتى بدون اعتبار قصد التملّك بفعله، كي يقال: بعدم اعتبار قصده شرعا.

و كذا لو حصّله بحيازة مباح كالصيد.

أو صار مالكا لما بيده بمعاملة صحيحة من الولي، كما إذا آجر الغلام لعمل محترم، فإنّ الأجرة المسماة ملك الأجير.

أو صار مالكا لاجرة المثل كما إذا آجره الولي بإجارة فاسدة اختلّ بعض شرائط الصحة فيها. أو آجر الصبيّ نفسه لعمل محترم، أو أمره شخص بعمل كذلك، فإنّ الصبي يملك اجرة المثل في هذه الموارد الثلاثة، و هذه الأجرة هي كسبه الذي يكره التصرف فيه.

و على كلّ حال فجواز التصرف في هذه الموارد لا يكشف عن نفوذ معاملة الصبي بما هو صبي. فالرواية قاصرة عن إثبات مقصود المستدل، هذا.

ص: 70

«بأنّه إن لم يجد سرق» فمحمول (1) على عوض كسبه من التقاط أو اجرة عن إجارة أوقعها الوليّ أو الصبي (2) بغير إذن الولي، أو عن (3) عمل أمر به من دون إجارة، فأعطاه المستأجر أو الآمر اجرة المثل، فإنّ هذه (4) كلّها مما يملكه الصبي (5). لكن يستحب للولي و غيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيها (6)، لاحتمال (7) كونها من الوجوه المحرّمة (8). نظير رجحان الاجتناب عن

______________________________

(1) جواب قوله: «و أمّا ما ورد» و قد عرفت عدم ظهور النهي عن كسب الغلام في الكسب بمعناه المصدري أي المعاملة، بل المراد معناه الاسمي- بقرينة التعليل- و هو المال الحاصل في يده، و لو لم يتوقف حصوله فيها على مباشرة الصبي للبيع و الشراء و الإجارة.

(2) إذا آجر الصبي نفسه للغير كانت إجارته فاسدة، و لا يستحق الأجرة المسمّاة، و لكنه يستحق اجرة المثل.

(3) كما إذا أمر شخص صبيّا بعمل محترم كحلق رأسه، ففعل، فله اجرة المثل لئلّا يضيع عمل العامل.

(4) المشار إليه هو المذكورات من عوض الالتقاط و الأجرة المسماة و اجرة المثل.

(5) يعني: مع فرض عدم نفوذ معاملة الصبي، فجواز التصرف في هذه الموارد لا يدلّ على نفوذ تصرفات الصبي.

(6) هذا الضمير و ضمير «اجتنابها» راجعان إلى المذكورات من الأجور و عوض الالتقاط.

(7) تعليل لاستحباب الاجتناب عن الأموال التي اكتسبها الصبيّ بأجرة و نحوها.

(8) كالسرقة المذكورة في الرواية.

ص: 71

أموال غيره ممّن لا يبالي بالمحرمات (1).

و كيف كان (2) فالقول المذكور في غاية الضعف.

[2- التفصيل بين استقلال الصبي و آليّته]

نعم (3) ربّما صحّح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبيّ

______________________________

(1) يعني: مع احتمال وجود الحرام فيه بإحتمال غير منجّز، و إلّا فمع العلم بالحرام يجب الاجتناب عنه.

(2) يعني: سواء تمّ حمل رواية السكوني على ما اكتسبه الصبي بأجرة و حيازة مباح و نحوهما، أم لم يتم، فالتفصيل- بين الأشياء اليسيرة بصحة معاملة الصبي فيها، و بين الخطيرة بعدم الجواز- في غاية الضعف.

ثم لا يخفى أنّ ذكر رواية السكوني هنا ظاهر في كونها من جملة أدلة المحدث الكاشاني على نفوذ معاملة الصبي في المحقرات. مع أنّها أجنبية عن التفصيل بين الأشياء الخطيرة و الحقيرة. فإن تمّت دلالتها بأحد الوجوه الثلاثة كانت حجة على صحة معاملة الغلام و تملكه لما يكتسبه قليلا أو كثيرا. و إن لم تتم لم تصلح لإثبات جواز اكتسابه القليل أيضا، فلاحظ.

2- التفصيل بين استقلال الصبي و آليّته

(3) بعد أن أبطل تصرفات الصبي من حيث كونها تصرفا أراد تصحيحها بغير عنوان التصرف الموضوع للأثر الشرعي، و حاصل ما أفاداه في الرياض و مفتاح الكرامة: أنّ الصبي يكون آلة لمن يصحّ له التصرف من البالغ العاقل، لا أن يكون أحد طرفي المعاملة، فتقع المعاملة بين البالغين العاقلين، و يكون الصبي كالحيوان الموصل لأحد العوضين إلى من انتقل إليه المال.

قال في الرياض- بعد ما استدل بالنصوص المتقدمة على عدم جواز تصرف الصبي- ما لفظه: «نعم الأظهر جوازه في ما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية، لتداوله في الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غير نكير، بحيث يعدّ مثله إجماعا من

ص: 72

بمنزلة الآلة لمن له أهلية التصرف «من جهة استقرار السيرة (1) و استمرارها على ذلك».

و فيه إشكال (2) من جهة قوّة احتمال كون السيرة ناشئة عن عدم المبالاة في الدين كما في سيرهم الفاسدة (3).

______________________________

المسلمين كافّة. لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة، فإنّه الذي يمكن فيه دعوى اتفاق الأمة» «1».

و ظاهره قابلية الصبي المأذون للإنشاء، اعتمادا على السيرة التي لا بدّ من اختصاصها بما هو المعتاد، فلا سبيل لآليته في الأشياء الخطيرة، هذا.

و الفرق بين كلامي الرياض و المفاتيح هو: أن المحدث الكاشاني يرى نفوذ معاملة الصبي في المحقرات، و ظاهره استقلاله في التصرف دفعا للحرج المنفي في الشريعة المقدسة، و صاحب الرياض يرى نفوذه لا من جهة استقلاله، بل لآليّته للولي.

(1) لمّا كانت دليلية السيرة- بعد تحققها أوّلا- منوطة بإمضائها شرعا فلذا ادّعى سيّد الرياض استقرارها، و استمرارها إلى عصر المعصوم عليه السّلام لإحراز الإمضاء و لو بعدم الردع.

(2) أورد المصنف على صاحب الرياض بوجهين:

أحدهما: عدم اعتبار سيرة المسلمين هنا، لقوة احتمال كونها حادثة و صادرة ممّن يتساهل بأحكام الشرع. و مثلها لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة المانعة عن معاملة الصبي.

و ثانيهما: أنّ عنوان «ما جرت به العادة» إحالة على المجهول، لعدم كونه منضبطا في نفسه، بل يختلف بحسب أعمار الأطفال كما سيأتي مثاله في المتن.

(3) كسير المسلمين قديما و حديثا على ارتكاب كثير من المناهي و إشاعتها

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 511، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 171.

ص: 73

و يؤيّد ذلك (1) ما يرى من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميّزين و غيرهم، و لا بينهم و بين المجانين، و لا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال- بحيث لا يعلم الولي أصلا- و معاملتهم (2) لأوليائهم على سبيل

______________________________

كالقمار و الرّشى و حلق اللحى و الكذب و الغيبة و نحوها، فهل تكون هذه ممضاة حتى تعدّ حجة على الحكم الشرعي؟

(1) أي: و يؤيد كون السيرة ناشئة من عدم المبالاة في الدين. وجه التأييد:

أنّ سيرة المسلمين استمرّت على أمور لا سبيل للالتزام بها.

منها: التعويل على معاملة الصبيان، سواء بلغوا حدّ التمييز أم لا.

و منها: التسوية بين الأطفال و بين المجانين في الاعتماد على معاملاتهم.

و منها: الاعتماد على معاملة الأطفال سواء عاملوا بأموال أنفسهم- أي مستقلّا- بحيث لا يعلم أولياؤهم بما يفعلون، أم عاملوا للأولياء، بأن كان الصبيان آلات لهم.

مع أنّه لا شك في سقوط هذه السير العملية عن الاعتبار شرعا، إذ لا أقل من حجر المجنون و الصبي، فكيف يستقل كل منهما في التصرف؟

و الظاهر أن الوجه في جعل هذه السيرة الفاسدة مؤيّدة لا حجّة هو: أنّ الغرض إسقاط السيرة التي اعتمدها السيّدان الجليلان صاحبا الرياض و المفتاح.

و يكفي في وهنها قوة احتمال صدورها من أهل التسامح بأحكام الشرع. و أمّا سيرتهم على تسوية المجنون و الطفل و نحوهما فهي و إن كانت فاسدة قطعا، إلّا أنّه لا تلازم بين و هن هذه و بين وهن سيرتهم على قبول معاملة الصبي فيما جرت به العادة بشرط كونه آلة للولي، فيمكن التفكيك بحجّيّة إحدى السيرتين دون الأخرى. نعم لا بأس بالتأييد من جهة المماثلة.

(2) بالجر معطوف على «بين معاملتهم» يعني: استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال، و بين معاملتهم لأوليائهم على نحو الآلية.

ص: 74

الآلية. مع أنّ هذا (1) مما لا ينبغي الشك في فساده، خصوصا الأخير (2).

مع (3) أنّ الإحالة على «ما جرت العادة به» كالإحالة على المجهول، فإنّ الّذي جرت عليه السيرة هو الوكول إلى كلّ صبي ماهر [ما هو] فطن فيه، بحيث لا يغلب في المساومة عليه، فيكلون الى من بلغ ست سنين شراء باقة بقل، أو بيع بيضة دجاج بفلس، و إلى من بلغ ثمانية سنين اشتراء اللحم و الخبز و نحوهما. و إلى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب، بل الحيوان، بل يكلون إليه أمور التجارة في الأسواق و البلدان. و لا يفرّقون بينه و بين من أكمل خمسة عشر سنة. و لا يكلون إليه شراء مثل القرى و البساتين و بيعها إلّا بعد

______________________________

(1) يعني: التعميم المزبور ممّا لا ينبغي الشك في فساده.

(2) و هو عدم الفرق بين معاملتهم بالاستقلال لأنفسهم و لأوليائهم على سبيل الآلية.

(3) هذا إشكال آخر على صاحب الرياض، و هو أنّه لو سلّم اعتبار السيرة قلنا إن عنوان «ما جرت به العادة» مجهول الحدّ، إذ لم تجر العادة على معاملة الصبيان مبلغا معيّنا بحيث لا يتجاوزونه إلى أزيد منه، لاختلافهم في المقدار بحسب أعمارهم و فطانتهم، فالأولياء يهمّهم عدم غبن الأطفال في المعاملة، فربّما يكون ما جرت به العادة بالنسبة إلى أبناء ست سنين شراء باقة من الخضراوات بثمن بخس، أو شراء بيضة دجاج، و بالنسبة إلى أبناء ثمان سنين شراء أقراص خبز أو قليل من اللّحم، و بالنسبة إلى المراهقين و أبناء أربعة عشر سنة شراء الثياب و الحيوان و نحوهما ممّا يبلغ ثمنه دنانير.

و حينئذ نسأل صاحب الرياض ما المراد ب «ما جرت به العادة» فإنّ هذه الموارد كلّها مما جرت به العادة، كلّ منها بحسب عمر الصبي. فإمّا أن يلتزم بالتفصيل بين سنيّ الأطفال، و هو بعيد. و إمّا أن يقتصر على عنوان «ما جرت به العادة» و هو مجهول.

ص: 75

أن يحصل له التجارب. و لا أظنّ أنّ القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل (1).

و كيف كان فالظاهر أنّ هذا القول (2) أيضا مخالف لما يظهر منهم.

و قد عرفت (3) حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز ردّ المال إلى الصبي إذا دفعه إلى الناقد لينقده، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوّم ليقوّمه، مع كونه غالبا في هذه المقامات بمنزلة الآلة للوليّ، و كذا حكمه بالمنع من ردّ مال الطفل إليه بإذن الولي، مع أنّه بمنزلة الآلة في ذلك غالبا.

[3- إفادة معاملة الصبي لإباحة التصرف]

و قال كاشف الغطاء رحمه اللّه (4)- بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة

______________________________

(1) يعني: فإذا لم يلتزم بهذا التفصيل فلا بدّ من إرادة ما جرت السيرة و العادة عليه في الجملة، و هو الإحالة على المجهول.

(2) أي: قول صاحبي الرياض و مفتاح الكرامة- بنفوذ تصرفات الصبي إذا كان آلة لمن له أهلية التصرف- مخالف للمشهور، كمخالفة قول المحدث الكاشاني له.

(3) غرضه التنبيه على أنّ تصحيح معاملات الصبي فيما إذا كان آلة خلاف ظاهر كلماتهم من عدم نفوذ معاملاته و أفعاله، حيث إنّ العلّامة قدّس سرّه ذكر منع تصرفه- في المال- في موارد يكون فعل الطفل فيها كالآلة للولي، و هذا يكشف عن عدم كون الصبي كالآلة.

3- إفادة معاملة الصبي لإباحة التصرف

(4) غرضه من نقل كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه أنه كالمشهور التزم بعدم صحة معاملة الصبي بحيث يكون أحد طرفي العقد إيجابا أو قبولا، لكن التزم بإباحة التصرف في معاملة الصبي إذا ثبت إذن الأولياء للصبيان في إعطاء المتاع للمشتري، و الاذن له في التصرفات، فيكون الآخذ موجبا للمعاملة من طرف ولي الصبي و قابلا لنفسه.

ص: 76

و وكالة- ما لفظه: «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميّزين إذا جلسوا مقام أوليائهم أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد حتى يظنّ أنّ ذلك من إذن الأولياء، خصوصا في المحقرات» ثم قال: «و لو قيل بتملك الآخذ (1) منهم، لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات (2) فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا» «1» انتهى.

أمّا التصرف (3) و المعاملة بإذن الأولياء سواء كان على وجه

______________________________

و هذا قول ثالث- مما عدا المشهور- في المسألة، و قد نفى البعد في آخر كلامه عن حصول الملك لمن يتعامل مع الصبي، بالشرطين المزبورين، و هما التمييز، فلا عبرة بآليّة الطفل غير المميّز. و العلم أو الظن بإذن الولي، فالمبيح للمأخوذ من الصبي هو الوليّ الآذن في المعاملة، لا نفس الصبي المنشئ لها بالقول أو بالمعاطاة.

(1) يعني: أنّ الآخذ من الصبي مأذون من قبل الولي في التصرف في المأخوذ بأنحاء التصرفات، الّتي منها الوكالة عن الولي في إيجاب البيع، ثم قبوله أصالة لنفسه.

و بناء على هذا لا شأن للصبي في المعاملة أصلا، و إنّما يكون جلوسه مقام وليّه كاشفا محضا عن إذنه العام لمن يشتري من الصبي و يأخذ منه. و لا ريب في اقتضاء هذا الإذن العام للملك لا للإباحة المجرّدة، غايته استكشاف التوكيل بالعلم أو الظن الحاصل من جلوس الأطفال، و لا ضير فيه.

(2) يعني: حتى التصرف التملّكي بعوض يدفعه إلى الصبي ليسلّمه إلى وليّه.

(3) اعترض المصنف على قول كاشف الغطاء قدّس سرّهما: «نعم ثبت الإباحة في معاملة المميزين ..» بما حاصله: أنّ الإباحة إمّا تحصل بنفس إنشاء الصبي- قولا أو فعلا على- نحو الموضوعية، و إمّا تحصل به على نحو الطريقية و الكشف عن إذن الولي.

و الأوّل خلاف المشهور، بل ادّعى العلّامة الإجماع على حجر الصبي عن كل تصرّف عدا أمور معيّنة. و لا فرق في مخالفته للمشهور بين القول باعتبار شرائط

______________________________

(1) كشف الغطاء، ص 50، أفاده في شرطية البلوغ مما تعرض له في المقصد الثاني الذي عنوانه «في القواعد المشتركة بين المطالب الفقهية» قبل التعرض الشرطية العقل بسطرين.

ص: 77

البيع أو المعاطاة فهو الذي قد عرفت أنّه خلاف المشهور و المعروف، حتى لو قلنا بعدم اشتراط شروط البيع في المعاطاة، لأنّها (1) تصرّف لا محالة و إن لم يكن بيعا، بل و لا معاوضة (2).

و إن أراد بذلك: أنّ إذن الولي و رضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة- لا نفس المعاملة كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي- فتوضيحه (3) ما ذكره بعض المحققين من تلامذته و هو: أنّه لمّا كان (4) بناء المعاطاة

______________________________

البيع اللفظي في ترتب الإباحة على المعاطاة، و بين القول بعدم الاعتبار. وجه عدم الفرق أن إنشاء الصبي و معاملته المفيدة للإباحة تصرّف في المال، و هو محجور عنه حسب الفرض.

و الثاني- و هو كشف إنشاء الصبي عن إذن وليّه- منوط بمقدمات ذكرها المحقق الشوشتري في توضيح نظر أستاذه كاشف الغطاء قدّس سرّه، و ستأتي.

و لا يخفى أنّ الأولى أن يقال- بدل قوله: أمّا التصرف و المعاملة بإذن الأولياء- «ان أراد بذلك أي ثبوت الإباحة في معاملة المميّزين» لأنّه في مقابل قوله بعد ذلك: «و إن أراد بذلك أنّ إذن الولي .. إلخ» فالمقابلة تقتضي أن تكون العبارة على النحو المذكور.

(1) تعليل للتعميم المتقدّم بقوله: «حتى لو قلنا» و تقدم بيانه آنفا.

(2) وجه عدم كون المعاطاة المبيحة معاوضة هو اعتبار المبادلة الملكية أو الحقيّة في مفهوم المعاوضة، فالإباحة المجرّدة عن الملك ليست معاوضة، و لكن التصرف صادق عليها، و المفروض حجر الصبي عن مطلق التصرف.

(3) جزاء قوله: «و إن أراد بذلك» و هذا شروع في نقل كلام المقابس بطوله.

(4) يعني: أنّ الإباحة تتوقّف على مقدمات أربع:

الاولى: عدم توقف صدق المعاطاة على التعاطي من طرفين و لا من طرف واحد، بل يكفي حصول المراضاة بتصرف كل منهما في مال الآخر، كما يقال في مثل

ص: 78

على حصول المراضاة كيف اتّفق، و كانت (1) مفيدة لإباحة التصرف خاصة كما هو المشهور، و جرت (2) عادة الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة، و الرّضا (3) باعتماد غيرهم في التصرف فيها على الأمارات (4) المفيدة للظنّ بالرضا في المعاوضات، و كان (5) الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبي تعيّن (6)

______________________________

وضع الفلس في موضع أعدّه صاحب آنية الماء، و أخذ إناء منها. و قد تقدم تفصيل ذلك في ثاني تنبيهات المعاطاة، فراجع «1».

(1) معطوف على «كان» في- لمّا كان- و هذه مقدمة ثانية، و هي إفادة المعاطاة للإباحة كما عليه المشهور، دون الملك حتى المتزلزل.

(2) معطوف على «كان» و هذه مقدمة ثالثة، و هي: جريان عادة الناس على التسامح في معاملة المحقّرات، و الاقتصار على الأمارة المفيدة للظن برضا المالك بالتصرف، و لا يتحرّون القطع برضاه، و من تلك الأمارات جلوس الصبي موضع وليّه في معاملة الأشياء الرخيصة.

(3) بالجر تقديرا بالعطف على «التسامح» و قوله: «باعتماد» متعلق ب «الرضا».

(4) هذا و قوله: «في التصرف» متعلقان ب «اعتماد» يعني: جرت عادة الناس برضاهم بأن يعتمد غيرهم في التصرف في أموالهم على ما يفيد الظن بالرضا في المعاوضات فيها.

(5) معطوف على «كان» في «لمّا كان» و هذه مقدمة رابعة، و حاصلها:

أنّ الأموال الحقيرة- التي يعتمد في معرفة قيمتها غالبا على إخبار الصبيان- إمّا أن تكون أسعارها معيّنة بالدقة، و إمّا أن يكون الاختلاف فيها بما يتسامح به عادة، فلا يصير الصبي مغبونا في المعاملة.

(6) خبر قوله: «و كان الغالب» يعني: و مع هذه الغلبة الموجبة لتعيّن القيمة لا حاجة إلى المساومة.

______________________________

(1) الجزء الثاني من هذا الشرح، ص 53 و 302.

ص: 79

القيمة أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة، فلأجل (1) ذلك صحّ القول بالاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء مع الشروط المذكورة (2). كما يعتمد عليه في الإذن في دخول الدار و في إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق. بل ما ذكرنا (3) أولى بالجواز من الهدية من وجوه (4)، و قد استند فيه (5) في التذكرة إلى تسامح السلف.

و بالجملة: فالاعتماد في الحقيقة (6) على الاذن المستفاد من حال المالك في

______________________________

(1) جواب قوله: «لمّا كان بناء المعاطاة» و قوله: «ذلك» إشارة إلى المقدمات الأربع المتقدمة آنفا.

(2) المذكور في عبارة كاشف الغطاء أمران، أحدهما التمييز، و الآخر الجلوس مقام الأولياء. و لو فرض شرط ثالث فهو حقارة الأشياء التي عبّر عنها ب «خصوصا» و الأمر سهل.

(3) أي: الاعتماد على ما يصدر من الصبي من صورة البيع و الشراء- مع الشروط المذكورة- أولى بالجواز من الاعتماد على إيصال الصبي للهدية من وليّه إلى المهدي إليه.

(4) الأوّل: تخصيص المال في المقام باليسير، و تعميمه في الهدية له و للخطير على ما يقتضيه إطلاق كلامهم.

الثاني: وجود الأمارات المفيدة للظن بالإذن مثل الجلوس في الدكان، و المعاملة بمرأى و مسمع من الناس هنا، دون الهدية.

الثالث: انّ المقام من باب الإباحة، و الهديّة من باب التمليك، و يتسامح في الأوّل بما لا يتسامح به في الثاني.

الرابع: أنّ المقام فيه العوض، بخلاف الهدية.

(5) أي: في الحكم بإباحة المال المأخوذ في معاملات المميّزين.

(6) في معاملات الصبيان.

ص: 80

الأخذ و الإعطاء، مع البناء على ما هو الغالب من كونه (1) صحيح التصرف، لا على (2) قول الصبي و معاملته من حيث إنّه كذلك (3). و كثيرا (4) ما يعتمد الناس على الاذن المستفاد من غير وجود ذي يد أصلا مع شهادة الحال بذلك، كما في دخول الحمام و وضع الأجرة عوض الماء التالف في الصندوق. و كذا في أخذ الخضر الموضوعة للبيع، و شرب ماء السقّائين، و وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعدّ لها (5)، و غير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها، كما يعتمد على مثل ذلك (6) في غير المعاوضات من أنواع التصرفات (7).

______________________________

(1) أي: المالك صحيح التصرف شرعا أي غير محجور عليه بسبب من أسباب الحجر.

(2) معطوف على الإذن، يعني: أنّ الاعتماد على إذن المالك لا على قول الصبي.

(3) أي: من حيث إنّه صبيّ. و الغرض نفي موضوعيّة الصبي في المعاملة، و أنّ المعاملة تقع مع المالك حقيقة.

(4) غرض صاحب المقابس تنظير الاعتماد على الرضا المنكشف بجلوس الصبي- بالشرائط المزبورة- باعتماد الناس على شاهد الحال في بعض الموارد مما لم يكن ذو اليد حاضرا أصلا، و لا يتوقفون عن التصرف و المعاملة، كما في دخولهم الحمام حين غيبة الحمّامي، و وضع الأجرة في الصندوق المعدّ لها.

(5) كذا في المقابس و بعض نسخ المكاسب، و هو الصحيح ليرجع الضمير إلى «قيمة الماء و الخضر» فما في بعض نسخ المتن من تثنية الضمير لعلّه من سهو الناسخ.

و لعل التثنية باعتبار الأخذ و الشرب، يعني: وضع القيمة المتعارفة في الموضع المعد لأخذ الخضر و شرب الماء. لكنه غير وجيه كما هو واضح.

(6) أي: الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ و الإعطاء.

(7) كالصلاة في البساتين.

ص: 81

فالتحقيق أنّ هذا (1) ليس مستثنى من كلام الأصحاب، و لا منافيا له (2) و لا يعتمد على ذلك (3) أيضا في مقام الدعوى (4)، و لا فيما إذا طالب المالك بحقه، و أظهر عدم الرضا» انتهى «1».

و حاصله: أنّ مناط الإباحة و مدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين أو بشخص منزّل منزلة شخصين، بل على تحقق الرضا من

______________________________

(1) المشار إليه هو: معاملة الصبيان، على التقريب المزبور. و غرضه: أنّ معاملات الصبيان ليست داخلة في موضوع قول الأصحاب ببطلان معاملة الصبي حتى يكون الحكم بالصحة فيها منافيا له و مستثنى منه، و مخصّصا له، لأنّ المعاملة فيها تقع بين الكبار، و الصبيّ آلة محضة، فصحة معاملات الأطفال حينئذ تكون على طبق القاعدة.

(2) لأنّ المنافاة فرع وحدة الموضوع، و هي غير متحققة هنا، إذ موضوع حكمهم بالبطلان معاملة الصبي. و التقريب المزبور في الصحة يخرجه عن معاملة الصبي و يدرجه في معاملة البالغين.

(3) أي: الظن بإذن المالك بمعاملة الصبي الحاصل من الأمارات المفيدة له في مقام الدعوى. توضيحه: أنّ الظن بإذن المالك الناشئ عن الجلوس مجالس الأولياء ليس ممّا يعتمد عليه في تقويم قول المشتري المدّعي لإذن المالك، لموافقته لهذا الظهور.

و يرفع اليد عن تقديم قول المالك بعدم إذنه الموافق للأصل، إذ لا دليل على اعتبار هذا الظهور بهذا المقدار، لعدم ثبوت جريان العادة على حجّيّته في هذا المقام.

و تظهر ثمرة النزاع بعد التلف، فإنّه بناء على ثبوت الإذن يكون الضمان بالبدل الجعلي. و بناء على عدمه يكون الضمان بالبدل الواقعي. و أمّا قبل التلف فلا ثمرة له، إذ المفروض جواز التراد في المعاطاة مع بقاء العين على المشهور.

(4) يعني: و لا يعتمد على الظن بإذن المالك في مقام مطالبة المالك بحقه، بأن يدّعي عدم الرضا بالمعاملة حينها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 10، كتاب البيع.

ص: 82

كلّ منهما بتصرّف صاحبه في ماله حتى لو فرضنا أنّه حصل مال كلّ منهما عند صاحبه باتفاق كإطارة الريح و نحوها، فتراضيا على التصرف بإخبار صبي أو بغيره من الأمارات كالكتابة و نحوها، كان (1) هذه معاطاة أيضا، و لذا كان وصول الهدية إلى المهدي إليه على يد الطفل الكاشف إيصاله عن رضى المهدي بالتصرف- بل التملك- كافيا (2) في إباحة الهدية، بل في تملكها.

و فيه: أنّ ذلك (3) حسن، إلّا أنّه موقوف أوّلا على ثبوت حكم المعاطاة

______________________________

(1) جواب الشرط في: «لو فرضنا». و الفرق بينه و بين المعطوف عليه هو أنّ المشتري- في المعطوف عليه- يدّعي الإذن، قبال دعوى المالك عدمه. و في المعطوف يسكت أو يدّعي الجهل بالحال. هذا ما أفاده صاحب المقابس في توجيه كلام شيخه من حصول الإباحة بمعاملة الصبي المأذون، و ستأتي مناقشة المصنف قدّس سرّه في كل منهما.

(2) خبر قوله: «و لذا كان».

(3) ناقش المصنف في كلام المقابس بوجهين:

الأوّل: منع ما أفاده في المقدمة الأولى، فإنّ مناط الإباحة و إن كان مجرّد الرّضا من كلّ منهما بتصرف صاحبه في ماله. لكنه موقوف على الإكتفاء في المعاطاة بمجرّد الرّضا، من دون تعاط خارجي، و لا إنشاء إباحة أو تمليك. و هو ممنوع، إذ لا فرق في توقف الملك و الإباحة على الإنشاء بين المعاطاة و العقد اللفظي، و المفروض في كلام المقابس انتفاء إنشاء الإباحة، فلا وجه لحصولها.

و دعوى حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلى الصبي، مدفوعة بأنّه إنشاء لشخص غير معلوم، و هو خارج عن المعاطاة موضوعا، و مشكوك الدخول فيها حكما.

و قياس معاملة الصبي- في تحقق الإنشاء- بإيصال الهدية بيده إلى المهدي إليه، مع الفارق، لأنّ إعطاء الهدية إلى الطفل مقدمة لإيصالها إنشاء تمليكها أو إباحتها للمهدي إليه، كما أنّ إذن الولي للصبي في إعارة ماله إنشاء إباحة الانتفاع للمستعير.

ص: 83

من دون إنشاء إباحة و تمليك، و الإكتفاء فيها بمجرّد الرضا (1).

و دعوى حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلى الصبي، مدفوعة بأنّه إنشاء إباحة لشخص غير معلوم (2). و مثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة مع العلم بخروجه عن موضوعها.

و به (3) يفرّق بين ما نحن فيه و مسألة إيصال الهدية بين الطفل، فإنّه يمكن فيه دعوى كون دفعه إليه للإيصال إباحة أو تمليكا، كما ذكر أنّ إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في انتفاع المستعير.

و أمّا دخول الحمام (4) و شرب الماء و وضع الأجرة و القيمة فلو حكم

______________________________

كما أنّ تنظير المقام بدخول الحمام و شرب الماء ممنوع أيضا، لوجود السيرة على كفاية وصول العوضين في هذه المعاطاة، بخلاف معاملة الصبي.

و الحاصل: أنّه لا سبيل للالتزام بتوجيه صاحب المقابس لترتب الإباحة على معاملة الصبيان المأذونين من قبل أوليائهم.

(1) المفروض وجوده و انكشافه بجلوس الأطفال مواضع أوليائهم للمعاملة.

(2) يعني: إذا كان طرف المعاملة غير معيّن في نظر الولي، بل هو كلّيّ و هو عنوان «من عامل الصبي» فلا يجري هذا الاشكال لو كان الطرف معيّنا معلوما عند الولي.

(3) أي: و بعدم الإنشاء- في المقام- يفرّق بين ما نحن فيه و بين مسألة إيصال الهدية بيد الطفل، بأن يقال: انّ الدفع إلى الصبي إنشاء إباحة أو تمليك.

(4) الذي ذكره صاحب المقابس مثالا لاستفادة الإذن الحاصل من شهادة الحال. و توضيحه: أنّه لو حكمنا بصحة وضع القيمة و الأجرة فيهما لأجل المعاطاة- بناء على حصولها بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء- فإنّما هو لأجل دعوى قيام السيرة عليه فيهما، لا لأجل كون المال يسيرا. فحينئذ ينحصر مورد الصحة مع وساطة الصبي في الإيصال و الدفع و القبض بما قامت السيرة على

ص: 84

بصحتهما- بناء على ما ذكرنا (1) من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء- انحصر (2) صحة وساطة الصبي فيما يكفي فيه مجرد وصول العوضين، دون ما لا يكفي فيه (3).

و الحاصل: أنّ دفع الصبي و قبضه بحكم العدم (4). فكلّما يكتفى فيه بوصول كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر بأيّ وجه اتفق (5) فلا يضرّ مباشرة الصبي لمقدمات الوصول.

ثم إنّ (6) ما ذكر مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليّا كان أم غيره.

______________________________

الاكتفاء بمجرّد الوصول، و عدم الحاجة الى الواسطة، فلا يصح الاستدلال بصحة المعاطاة في الأمثلة التي ذكرها- ممّا قام الدليل و هو السيرة على عدم الحاجة إلى الإنشاء فيها- على صحتها في مطلق اليسير و لو لم يقم سيرة على عدم الحاجة إليه.

(1) يعني: في ثامن تنبيهات المعاطاة، حيث قال: «فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرف. و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة» «1».

(2) جواب الشرط في قوله: «فلو حكم».

(3) و هو بيع الصبي و شراؤه بإذن الولي، لعدم قيام السيرة المتشرعية على كفاية مجرّد وصول العوضين في ذلك.

(4) كما اعترف كاشف الغطاء به أيضا، لكنّه أراد تصحيحه بكاشفيّة قبضه قبض وليّه.

(5) بإطارة ريح أو بواسطة عبد أو صبيّ، أو بوضع اجرة الحمامي في الصندوق المعدّ لها.

(6) هذا إشكال آخر على صاحب المقابس، و ملخّصه: أنّ ما ذكره في وجه تصحيح معاملة الصبي الجالس مجلس وليه من كون المناط في الإباحة هو

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 302.

ص: 85

و أمّا ما ذكره (1) كاشف الغطاء أخيرا من صيرورة الشخص موجبا

______________________________

التراضي من المالكين- أخصّ من المدّعى، لاختصاصه بصورة علم من يعامل الصبي بأنّه مأذون من المالك الجائز التصرف، مع أنّ المدّعى أعم من ذلك، و هو ترتب الإباحة أو الملك على بيع الصبي و شرائه، في قبال المشهور.

(1) ناقش المصنف في ما أفاده كاشف الغطاء في ذيل كلامه- من نفي البعد عن ترتّب الملك على المعاملة مع الصبي المأذون، لكون الطرف موجبا قابلا- بوجهين أيضا:

الأوّل: أنّ مفروض كلامه كون ولي الطفل هو أحد طرفي العقد من جهة استكشاف رضاه من جلوس الصبي، و لمّا كان هذا الولي غائبا عن مجلس المعاملة فلا بدّ أن يكون الطرف الآخر موجبا عن الولي بالوكالة، و قابلا لنفسه بالأصالة.

و هذا لا بأس به في حصول الملك، لكن الإشكال في الصغرى، و ذلك لانتفاء الإذن الخاص لهذا الطرف، لعدم علم الولي به حتى يأذن له بإجلاس الصبي مجلس نفسه.

و دعوى «علم الطرف برضا وليّ الطفل بالبيع و الشراء، و هذا العلم كاف في أن يقصد الإيجاب وكالة عن الولي، و القبول عن نفسه، فيتم ركنا العقد» غير مجدية، لما سيأتي في بحث بيع الفضول إن شاء اللّه تعالى من عدم خروج العقد- عن عنوان الفضول- بمجرّد علم العاقد برضا المالك، و لا أقل من كون المسألة خلافيّة.

و حيث كان العقد مع الصبي فضولا توقّف على مراجعة وليّه للإمضاء، و المفروض أنّ من يعامل الطفل لا يراجع وليّه بعد المعاملة أصلا، و لا ريب أنّ صحّة عقد الفضول معلّقة على إجازة من بيده الأمر.

الثاني: أنّ صيرورة الطرف موجبا بإذن الوليّ مجرّد فرض لا واقع له خارجا، إذ المحسوس بالوجدان عدم كون الطرف قاصدا للنيابة عن وليّ الطفل حتى يصير موجبا من قبله، بل لا يقصد إلّا القبول الذي هو وظيفة المشتري. و مقتضى خلوّ هذه المعاملة عن الإيجاب بطلانها رأسا، فهي لا تفيد الإباحة فضلا عن الملك الذي تصوّره الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه.

ص: 86

و قابلا، ففيه أوّلا: أنّ تولّي وظيفة الغائب- و هو من أذن للصغير- إن كان بإذن منه (1) فالمفروض انتفاؤه. و إن كان (2) بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع [1].

و ثانيا: أنّ المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة (3) عمّن أذن للصبي (4).

ثم (5) إنّه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبي، و لا بالأشياء

______________________________

(1) الضمير راجع إلى «من» الموصول المراد به وليّ الصبي.

(2) أي: و إن كان تولّي- من يتعامل مع الصبي- لمجرّد علمه برضا الولي كانت المعاملة فضوليّة.

(3) مفعول به ل «قصد».

(4) بل لا يقصدون إلّا الأصالة، و لا يتحمّلون وظيفة الطرف الآخر.

(5) هذا إشكال ثالث يرد على صاحب الرياض و كاشف الغطاء و غيرهما ممّن يصحّح معاملة الصبيان بالآلية أو في المحقرات. و توضيحه: أنّ مقتضى كون الصبيان آلات هو وقوع المعاملة بين الكبار، فتكون صحيحة. و هذا يستلزم الإيراد عليهم بلزوم التعميم لموردين.

أحدهما: الالتزام بآليّة الصبي في الأشياء الخطيرة، و تخصيص آليّته بالمحقرات بلا موجب.

______________________________

[1] هذا المنع ينافي ما سيأتي منه قدّس سرّه في بيع الفضولي من ترجيح خروج المعاملة المقرونة برضا المالك عن بيع الفضولي موضوعا أو حكما، فلاحظ قوله هناك:

«و إن كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد ..» و لعلّ إشكاله على كاشف الغطاء مبني على صغروية العلم بالرضا للفضولي، و ترتفع المنافاة حينئذ.

ص: 87

الحقيرة، بل هو (1) جار في المجنون و السكران- بل البهائم- في الأمور الخطيرة، إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار و كان الصغير آلة فلا فرق في الآلية بينه و بين غيره (2).

نعم من تمسّك في ذلك (3) بالسيرة من غير أن يتجشّم لإدخال ذلك تحت القاعدة (4) فله (5) تخصيص ذلك بالصبي (6)، لأنّه المتيقّن من موردها، كما أنّ ذلك

______________________________

ثانيهما: الالتزام بآلية المجنون و السكران و البهيمة أيضا، لفرض كون المتعاملين حقيقة هما البالغان العاقلان القاصدان للمدلول. مع أنّهم اقتصروا في الآلية على الصبيان.

نعم يندفع الإيراد بأن يقال: إن القائل بالآلية لا يدرج معاملة الصبي في عنوان البيع و لا في المعاطاة حتى يدّعى صدق عنوان العقد فيما كان الآلة بالغا مجنونا أو سكرانا، أو كان المبيع ثمينا جدّا، و إنّما يقول بصحته لدليل تعبدي و هو السيرة الممضاة، و هي دليل لبي تختص بمورد العمل، و هو بيع المحقّرات و شراؤها، و كون المتصدي صبيا، هذا.

(1) الضمير راجع الى «ما ذكروه» من الآليّة.

(2) مع أنّهم خصّصوا الآلية بالصبيّ.

(3) أي: في جواز المعاملة مع الصبيّ.

(4) المراد بالقاعدة الأصل اللفظي كعموم الأمر بالوفاء بالعقود، و كإطلاق حلّ البيع و التجارة عن تراض، فهي لا تشمل بيع الصبي- بنظر القائل- بصحته للسيرة.

(5) جواب «من تمسّك» الذي هو موصول اشرب معنى الشرط.

(6) وجه الاختصاص وجود السيرة القائمة على الاكتفاء بالظن برضا المالك في معاملة الصبي في الأشياء اليسيرة، و عدم وجود السيرة في غير معاملة الصبي و غير الأشياء اليسيرة. و مقتضى القاعدة لزوم العلم برضا المالك.

ص: 88

مختصّ بالمحقّرات [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هنا قولين في قبال المشهور القائلين بكون الصبي مسلوب العبارة:

الأوّل: التفصيل بين المحقرات و غيرها. قال الفيض في محكي المفاتيح: «الأظهر جواز بيعه و شرائه فيما جرت العادة به منه في الشي ء الدّون، دفعا للحرج في بعض الأحيان». و في المقابس بعد نقل هذه العبارة «و يمكن أن يستأنس لذلك- مضافا إلى السيرة المستمرة و قضاء الحاجة و الضرورة في كل من المعاملة و دفع العوض و أخذه منه- بما رواه الشيخ في الموثق كالصحيح عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي و المملوك، فقال: على قدرها يوم أشهد تجوز في الأمر الدّون، و لا تجوز في الأمر الكثير» «1» «2».

لكن لا يمكن المساعدة على شي ء منهما. أمّا السيرة فاستقرارها على معاملات الصبي في الأمور الحقيرة و إن لم يكن قابلا للإنكار، إلّا أنّها لا تكشف عما نحن بصدده من استقلال الصبي في المعاملات. بل من جهة جريان المعاطاة بين الناس في المحقّرات بوضع الثمن في الموضع المعدّ له، و أخذ المتاع بإزائه، كما في دخول الحمّام و وضع الأجرة في كوز الحمامي. و المقام من هذا القبيل، فإنّ قبض الصبي ليس بأقل من وضع الفلوس في كوز الحمّامي، فلا وجه لجعل ما نحن فيه من مستثنيات عدم نفوذ أمر الصبي، إذ لا ربط بينهما، لأنّ المقصود إثبات استقلال الصبي في معاملاته بالنسبة إلى المحقرات باستقرار السيرة على ذلك، و هذا المعنى أجنبي عن المعاطاة الواقعة بين البالغين التي لا تتوقف على الإعطاء و الأخذ.

نعم إذا كان القبض شرطا للعقد كما في الهبة فلا عبرة بقبضه، لا بما أنه قبض، بل بما أنّه التزام شرط للعقد، و هو مرفوع عن الصبي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 253، الباب 22 من أبواب الشهادات، ح 5.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 9.

ص: 89

______________________________

و الحاصل: أنّ دعوى السيرة على نفوذ معاملات الصبي في المحقرات مطلقا و لو بدون إذن الولي كما هو المقصود ممنوعة، فإنّ سيرة المتدينين على خلاف ذلك.

مضافا إلى كفاية إجماع السيد ابن زهرة و العلامة قدّس سرّهما على حجر الصبي عن التصرف للرّدع عنها. و لا أقل من عدم إحراز إمضائها شرعا.

و أمّا الرواية ففيها: أنّها أجنبية عن مورد البحث، إذ الشهادة غير المعاملة. و مورد الرواية هو الأول، و التعدي عن موردها مما لا دليل عليه.

و من هنا يظهر ضعف ما في المقابس: «و هذا القول لا يخلو عن قوة، إلّا أنّ الأصحاب تركوا العمل بالخبر» و ذلك لأنّ العمل بالرواية لا يجدي في معاملات الصبي، لكون الشهادة غير المعاملة، و لا ملازمة بينهما أصلا.

و بالجملة: الرواية قاصرة عن إثبات المدّعى. و السيرة المتشرعية على صحة معاملات الصبي بالاستقلال في المحقرات أيضا مفقودة. و السيرة العقلائية مردوعة بما دلّ على عدم نفوذ معاملات الصبي. و مع الشكّ فمقتضى أصالة الفساد عدم نفوذ معاملات الصبي بالاستقلال حتى في المحقرات، فلا وجه لصحة معاملات الصبي، هذا.

القول الثاني: نفوذ معاملات الصبي تمسكا بوجوه:

الأوّل: رواية السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الإماء، فإنها إن لم تجد زنت، إلّا أمة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنه إن لم يجد سرق» «1» تقريب الاستدلال بها: أنّ عقد الصبي لو كان باطلا كان الأنسب أن يعلّل النهي به، لا بالأمر العرضي و هو سرقة الصبي، لأنّ التعليل بالأمر الذاتي أولى من التعليل بالأمر العرضي، فهذا التعليل يكشف عن صحة معاملات الصبي، و أنّ النهي تنزيهي، و حكمته ما ذكر في الرواية من السرقة.

و نوقش فيه أوّلا: بضعف الرواية بالسكوني، و عدم انجبارها.

لكن فيه: أنّه قد ثبت في محلّ آخر صحة الاعتماد على رواية السكوني.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 118، الباب 33 من أبواب ما يكتسب به، ح 1.

ص: 90

______________________________

و ثانيا: بأنّ المراد بكسب الغلام إمّا معناه المصدري، و إمّا معناه الاسم المصدري و هو المال المكسوب. فإن أريد به الأوّل فمعناه مباشرة الصبي للتجارة عند احتياج وليّه إلى ذلك، لكن هذه المباشرة تبعيّة لا استقلالية، فيكون الصبي بمنزلة الآلة لوليه في إيجاد المعاملة بينه و بين المشتري. و القرينة على إرادة هذا المعنى قوله عليه السّلام في صدر الرواية:

«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن كسب الإماء، فإنّها إن لم تجد زنت». مع أنّه لا شبهة في نفوذ كسب الأمة بإذن مولاها.

و أنت خبير بما فيه، حيث إنّ التقييد باحتياج الولي غير ظاهر من الكلام، بل لا بدّ من استفادته من الخارج. مع أنّه بعد تسليمه بكون الصبي مأذونا في إنشاء المعاملة كمأذونيّة البالغ فيه، فجعل الصبي آلة غير ظاهر. بل الصبي ينشئ المعاملة بإذن الولي كإنشاء البالغ الوكيل عنه للمعاملة.

و إن أريد به الثاني- أي المال الذي يكتسبه الصبي- فالمراد به المال الذي يحصّله بالالتقاط أو الاستعطاء أو حيازة المباحات أو العمل بأمر الغير ممّا لا يكون عقدا، فلا يشمل المال الذي يحصّله الصبي بالعقد، فلا يدلّ على صحة عقد الصبي كما هو المقصود.

لكن فيه أيضا: أنّ هذا الحمل مما يأباه الإطلاق.

و عليه فدلالة هذه الرواية على نفوذ معاملات الصبي ظاهرة كما لا يخفى.

و قد استدل أيضا على هذا القول بقوله تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ «1» فإنّ الظاهر من الابتلاء هو الامتحان و الاختبار بالمعاملات على الأموال حتى يتبين رشدهم. و لا وجه لحملها على الابتلاء بمقدمات العقد من المقاولة أو على المعاملات الصورية التمرينية كعباداته على ما عن جماعة، لكونه خلاف الظاهر من غير موجب. كما أنّ ظاهرها كون الابتلاء قبل

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 6.

ص: 91

______________________________

البلوغ، للتعبير عن الأطفال باليتامى، لذهاب اليتم بالبلوغ. و بعدم الفصل يتحقق العموم لكل صبي و إن لم يكن يتيما.

فالمتحصل من الآية المباركة أنّ دفع المال منوط بأمرين: أحدهما البلوغ، و الآخر إيناس الرشد منهم. فولاية الولي ترتفع بهذين الأمرين. كما أنّ حجر الصبي عن ماله يرتفع بهما، فلا مانع من صحة عقد الصبي الاختباري و إن لم يجز دفع المال إليهم، لتوقف جواز دفعه إليه على الأمرين المزبورين.

و لو سلّم توقف الابتلاء بالبيع و الشراء على دفع المال إليهم فالمراد دفع بقية الأموال الزائدة على المقدار المحتاج إليه في اختبارهم.

فالمتحصل: أنّ دلالة الآية على نفوذ معاملات الصبي الاختبارية غير قاصرة.

الثالث: السيرة العقلائية الجارية على معاملة الصبيان المميزين معاملة البالغين، و عدم الفرق بين البالغ و الصبي المميّز الذي يبلغ بعد ساعة مثلا. و هذه السيرة ثابتة قطعا، و لا مجال للتشكيك فيها، و ليست مردوعة إلّا في استقلال الصبيان في المعاملات. فالإشكال على السيرة باحتمال كونها ناشئة عن عدم المبالاة في الدين موهون.

كوهن الاشكال على إطلاق السيرة- كما في المتن- بأنّها مختلفة باختلاف عمر الصبي، و موضوعات معاملاته. إذ فيه أنّ هذا الاختلاف ليس للبناء على عدم الجواز، بل للاحتياط في حفظ المال، و التحذر من الانخداع الموجب للوقوع في الغبن، و لذا اختلفت السيرة في توكيل البالغين أيضا في المعاملات، فربّ شخص يكون ماهرا في معاملات الأراضي دون غيرها، فيوكّلونه فيها، و لا يوكّلونه في شراء الحيوانات مثلا، و هكذا. و من المعلوم أنّ منشأ هذا الاختلاف هو التحفظ على الأموال، و إلّا فلا إشكال في جواز توكيل دلّال الحيوانات في شراء الأراضي و بالعكس.

و دعوى: أنّ ما عليه السيرة هو المعاطاة التي يكفي فيها الإذن بالتصرف و الرضا به. أو: «أنّ ذلك من إذن الولي في تولّي البالغ لطرفي العقد» غير مسموعة، لعدم برهان عليها.

ص: 92

______________________________

مضافا إلى: أنّ الدعوى الثانية لا مجال لها مع عدم بلوغ الطرفين.

فعليه لا يبعد القول بصحة عقد الصبي إذا كان بإذن الولي كما هو خيرة جماعة منهم المحقق الأردبيلي، و قبله الفخر في الإيضاح على ما حكى عنهما، و اختاره في إجارة الشرائع و تردّد فيه، و اختاره في عاريتها «1» و حكي عن جماعة.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: عدم جواز تصرّف الصبي في أمواله مستقلّا مع إذن الوليّ، لأنّه لا يجوز للولي أن يدفع مال الصبي إليه و يأذن له في البيع و الشراء و أمثالهما، لأنّ جواز ذلك قد أنيط ببلوغه و رشده، فهو محجور عليه في التصرف في أمواله، و لا يرتفع الحجر إلّا بالبلوغ و الرشد، خلافا للمحقق الإيرواني قدّس سرّه استنادا إلى أن البلوغ اعتبر أمارة على الرشد من دون موضوعية له، فالصبي إذا كان رشيدا جاز دفع ماله إليه، و تصرفه فيه بالاستقلال.

و لا بأس بنقل عبارته، و هي هذه «لا يبعد استفادة كون المدار في صحة معاملات الصبي على الرشد من الآية وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ على أن تكون الجملة الأخيرة استدراكا عن صدر الآية، و أنّه مع استيناس الرشد لا يتوقف في دفع المال و لا ينتظر البلوغ، و أنّ اعتبار البلوغ طريقي اعتبر أمارة إلى الرشد، بلا موضوعية له» «2». بدعوى: أنّ الابتلاء- و هو الاختبار- إنّما يكون قبل البلوغ، و هذا الاختبار يحصل بدفع شي ء من مال الصبي إليه ليتصرف فيه، و مقتضى إطلاقه جواز تصرفه مستقلّا، هذا.

لكن فيه: أنّ اختبار الصبي لا يتوقف على دفع ماله إليه ليستقل بالتصرف فيه، لإمكان الاختبار بمباشرة الصبي للبيع و الشراء بنظارة الولي أو المنصوب من قبله، أو

______________________________

(1) تقدمت كلماتهم في ص 19، فراجع.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 107.

ص: 93

______________________________

بمباشرة الصبي لمقدمات المعاملة حتى يتصدّى الولي لإيقاعها.

و الحاصل: أنّه لا يجوز للصبي أن يتصرف في أمواله حتّى مع إذن الولي، بحيث يرتفع الحجر عنه بإذن الولي.

الأمر الثاني: أنّه يصح مباشرة الصبي للعقد و الإيقاع في أمواله بإذن الولي، و كذا يصح أن يكون وكيلا من الولي في ذلك. و الوجه في ذلك: أنّ النهي تعلّق بدفع مال اليتيم إليه لأن يكون هو المتصرف بالاستقلال، فلا يعمّ مباشرة الصبي لإنشاء عقد أو إيقاع في ماله بإذن الولي.

و دعوى: «كون الصبي مسلوب العبارة، لما دلّ من النصوص على عدم نفوذ أمره، و على رفع القلم عنه، و على كون عمده و خطائه واحدا» غير مسموعة، لما مرّ سابقا من عدم دلالة شي ء منها على ذلك، فراجع.

الأمر الثالث: أنّه يجوز أن يكون الصبي وكيلا عن غير الولي في العقد و الإيقاع بالاستقلال بدون إذن الولي، و ذلك للعمومات و الإطلاقات، و عدم دليل على التخصيص أو التقييد، لأنّ الآية الشريفة تدلّ على المنع عن تصرفات اليتامى في أموالهم لا أموال غيرهم. فالمانع عن تصرفاته في مال غيرهم إمّا عدم القول بالفصل بين التصرف في مال نفسه و التصرف في مال غيره، و إمّا الروايات المتقدمة الدالة على عدم نفوذ أمر الصبي قبل البلوغ.

أمّا الأوّل فعهدته على مدّعيه.

و أما الثاني فقد تقدم عدم دلالته على بطلان توكيله.

الأمر الرابع: أنّ القائلين بصحة معاملات الصبي- بهذا العنوان- بين من يقول بصحتها من غير خروجها عن عنوانها تمسّكا بالسيرة و غيرها من الأدلة التعبدية، فبيع الصبي مع كونه بيع الصبي صحيح. إمّا مطلقا، لعدم اشتراط البلوغ فيه كما حكي عن

ص: 94

______________________________

القاضي. و إمّا في نوع منه، فيكون مستثنى عن عنوان مطلق البيع الذي ثبت فيه اشتراط البلوغ.

و بين من يقول بصحة نوع من معاملة الصبي تطبيقا له على القاعدة، بإدراجه في عنوان يقتضي الصحّة، و قد وقع هذا على وجوه:

أحدها: ما ذكره صاحب مفتاح الكرامة و بعض من: عدم اشتراط شروط عقد البيع و غيره من العقود في المعاطاة، لأنّها معاملة مستقلة كما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه، فلا يعتبر فيها شروط عقد البيع، بل قد قامت السيرة على صحّتها و إن لم تجمع شروط العقود.

خلافا للمحقق الأردبيلي قدّس سرّه حيث اعتبر شروط العقود في المعاطاة أيضا.

ثانيها: ما يحتمله صدر عبارة كشف الغطاء المذكورة، و حاصله: أنّ وليّ الطفل الذي أجلسه مقام نفسه أباح لمن يشتري من الطفل ماله بعوض، و جلوس الطفل أمارة على ذلك، فإن أفاد القطع فهو، و إلّا فلا أقلّ من إفادته للظن، فالآخذ من الطفل يأخذ بظن أنّ المالك أباح له المال بعوض.

و هذا مبني على أن يكون المراد بالإباحة في صدر العبارة إباحة الأولياء، أو يكون المراد بقوله: «حتى يظن أنّ ذلك من إذن الأولياء» حصول الظن من جلوسهم، و تظاهرهم: «بأن إقامة الأولياء إيّاهم مقام أنفسهم» إذن منهم للآخذ في الأخذ. و هذا هو الذي أوضحه بعض المحققين بأنّه ينطبق على القاعدة من جهة دخول مثل ذلك في المعاطاة، و أنّه يكفي فيها مجرّد وصول عوض كل من المالين إلى مالك الآخر، كما في كوز الحمامي و الموضع المعدّ لوضع فلوس السقّاء فيه، فالصبي هنا بمنزلة كوز الحمّامي.

لكن الظاهر أنّ المراد بالإباحة هي الإباحة الشرعية، و أن لفظة «ذلك» إشارة إلى قيامهم مقام الأولياء. و أنّ لفظة «من» نشوية، فيصير المحصّل اعتبار معاملة المميّز بإذن الولي، غاية الأمر أنّ الإذن هنا غير معلوم، بل قامت عليه الأمارة الظنية.

ص: 95

______________________________

ثالثها: ما في ذيل كلام كاشف الغطاء رحمه اللّه من قوله: «و لو قيل بتملك الآخذ منهم لدلالة مأذونيّته في جميع التصرفات، فيكون موجبا قابلا لم يكن بعيدا» «1» و محصله: أنّ جلوس الطفل في ذلك المقام و تظاهره في المعاملات على رؤس الأشهاد أمارة على أنّ الآخذ من الطفل مأذون من طرف المالك الذي هو وليّ الطفل، فيكون الآخذ موجبا من جهة، و قابلا من أخرى. فإذا اشترى من الطفل كان موجبا على وجه الفرعية، لتفرعه على إذن ولي الطفل، و قابلا بالأصالة، لكونه مشتريا لنفسه. و لو باع على الطفل كان الأمر بالعكس، فكأنّ الآخذ وكيل عن المالك.

لكن في الجميع ما لا يخفى.

إذ في الأوّل: عدم الالتزام بكون المعاطاة معاملة مستقلة.

و في الثاني أوّلا: أنّ تأثير الإباحة العامة بلا عوض- كالمضايف- في ترتيب آثار الملكية مما لم يقم عليه دليل، و غاية ما يترتب على الإباحة المزبورة جواز التصرفات.

و ثانيا: أنّ الثابت هو الإباحة مع العلم بالرضا، فإنّه الذي استقرّت عليه السيرة، دون الظن بالرضا.

و في الثالث: أنّه ليس هناك إذن سابق مفيد للتوكيل. نعم الرّضا من المالك موجود، لكنّه لا يكفي في التوكيل، فيصير فضوليا، و التصرف فيما اشتراه فضولا حرام إلّا بعد الإجازة اللفظية. و لذا لو علم رجل برضى صاحبه ببيع ماله فباعه لم يكن له التصرف في الثمن الذي يقبضه، فإن تصرف فعل حراما.

بل قد يقال في رد هذا الوجه: بأنّ صيرورة القابض من الصبي موجبا قابلا بإذن وليه مخالفة للإجماع و السيرة أيضا، إذ لا نجد ذلك لا في أنفسنا و لا في أنفس سائر المتعاملين مع الصبيان، بل الثابت عند الجميع عدمه.

و كيف كان فالحق صحة معاملة المميّز بإذن الولي، لعدم مسلوبية عبارته، سواء تعلّقت بماله أم بمال الولي أم الأجنبي، هذا.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 77، فراجع.

ص: 96

[الشرط الثاني: القصد إلى المدلول]
اشارة

مسألة (1):

و من جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به.

______________________________

الشرط الثاني: القصد إلى المدلول

(1) تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة لشرط آخر من شرائط المتعاقدين، و هو قصد تحقق مضمون العقد في وعاء الاعتبار، و ينبغي الإشارة إلى أمرين قبل توضيح المتن:

الأوّل: أنّ دخل هذا القصد في العقد بمعنى كونه مقوّما لمفهومه، بخلاف دخل البلوغ الذي اعتبره الشارع في المتعاقدين، بحيث كان العقد العرفي صادقا على إنشاء الصبيين المميّزين. و سيأتي في قوله: «بل في تحقق مفهومه» المسامحة في جعل القصد شرطا.

الثاني: أنّ الإنشاء متقوم بقصود ثلاثة مقدمة على أمر رابع و هو الرضا بالمضمون و طيب النفس به، و تلك القصود الثلاثة هي:

أوّلها: قصد اللفظ، في قبال الغالط المتلفظ بكلمة سهوا بدل كلمة اخرى لسبق لسان و نحوه، كأن يقول: «آجرت» مكان «بعت» مع كونه منشئا لتمليك عين لا منفعة، لوضوح كون الإجارة غلطا في مقام إنشاء البيع، لتغاير مفهوميهما.

ثانيها: قصد استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، في قبال استعماله في معناه المجازي

ص: 97

..........

______________________________

كما إذا تلفظ بالبيع و قصد بقوله: «بعت» معناه المجازي و هو الإجارة، بناء على صحة إنشاء الإجارة بلفظ «بيع المنفعة بعوض».

ثالثها: الإرادة الجدية إلى تحقق مضمون العقد، بعد تعلق إرادته بكلّ من اللفظ و استعماله في معناه الموضوع له أو المتفاهم منه عرفا. و اعتبار هذا القصد الجدّي يكون في قبال استعمال الصيغ الإنشائية بدواع أخر كالسخرية و المزاح و أشباههما، نظير استعمال صيغة الأمر فيما عدا الطلب، كالتهديد و التعجيز و الامتحان و نحوها مما ذكروه في الأصول.

و الوجه في اعتبار هذه القصود الثلاثة واضح، فإنّ العقود تابعة للقصود، فلا بد من كون الإنشاء بداعي حصول المضمون الاعتباري. و قد نفى المصنف قدّس سرّه الخلاف و الاشكال في اعتبار ما نحن فيه و هو الإرادة الجدية المتأخرة عن القصدين الأوّلين، و هو كما أفاده.

فإن قلت: المناسب للتنبيه على اعتبار القصد الجدّي هو المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود، إذ كما يبحث فيها عن شرائط الصيغة من الماضوية و العربية و الدلالة الوضعية و نحوها، فكذا ينبغي التنبيه على اعتبار كون الداعي إلى استعمالها هو تحقق مفادها في وعاء الاعتبار، بأن يقصد التسبب بصيغة «بعت» إلى مبادلة عين بعوض.

فما الوجه في عدّ القصد الجدّي إلى مضمون العقد من شرائط المتعاقدين، و عدم جعله من شرائط الصيغة؟

قلت: فرق بين الإرادة الاستعمالية و الجدية، و الأمور المعتبرة في الصيغة مقوّمة للبيع الإنشائي، أي استعمال اللفظ- المنشأ به العقد- في معناه، و من المعلوم اعتبار القصد إلى المعنى في الاستعمال الإنشائي، فلو كان مادة «البيع» حقيقة في تمليك عين بعوض، و مجازا في تمليك المنفعة، كان اعتبار الدلالة الوضعية في الإنشاء متضمنا لاعتبار الإرادة الاستعمالية، بأن يكون المنشئ مريدا للمعنى الحقيقي دون المجازي، و هو تمليك المنفعة.

ص: 98

و اشتراط القصد بهذا المعنى (1) في صحة العقد- بل في تحقق مفهومه (2)- مما (3) لا خلاف فيه و لا إشكال.

______________________________

و أمّا الإرادة الجدّية فهي أمر آخر وراء شرائط الصيغة، فإنّ الاستعمال- سواء أ كان إفناء اللفظ في المعنى أم غيره- يتحقق بمجرّد استعمال «بعت» في حصّة خاصة من طبيعي التمليك و هي «مبادلة عين بمال» مثلا. و لكن هذا المقدار غير كاف في تحقق البيع بالحمل الشائع، و ذلك لأنّ هذا الاستعمال يمكن أن يكون بداعي الجدّ، فيتسبب به الى التمليك الاعتباري، و يمكن أن يكون بدواع أخر كالهزل و المزاح. و من المعلوم أن البيع متقوّم بقصد تحقق المبادلة في إضافة الملكية، و هذا القصد لا بد من تحققه من المتعاقدين في مقام الإنشاء، و هو أمر زائد على الإرادة الاستعمالية القائمة بالصيغة. و لذا يعتبر القصد الجدي في غير العقد اللفظي أيضا- كما عرفت- كالمعاطاة العارية عن الصيغة و شؤونها، و لكن شرائط الصيغة مختصة بالعقد اللفظي.

و بهذا ظهر الفرق بين الإرادتين الاستعمالية و الجدية، و أنّ الاولى من شؤون الصيغة، دون الثانية التي هي من شرائط المتعاقدين، كما جعلوها منها.

إذا اتّضح هذان الأمران قلنا: إنّ المصنف قدّس سرّه تعرّض في هذه المسألة لشرطية القصد الجدّي، ثم عطف عنان البحث إلى كلام المحقق التستري في المقابس، و سيأتي.

(1) أي: بمعنى القصد الجدّي لمدلول العقد الذي يتلفظان به.

(2) أي: في تحقق مفهوم العقد، و الوجه في الإضراب- عن الاشتراط في الصحة و ترتيب الأثر شرعا- إلى الدخل في المفهوم العرفي هو: أن «الشرط» إنّما يطلق على الأمر الخارج عن حقيقة المشروط كالصيغة الخاصة لو قيل باعتبارها شرعا، و لا يطلق الشرط على ما يقوّم المفهوم و العنوان عرفا، و من المعلوم أنّ القصد الجدّي لمدلول العقد دخيل في حقيقته، لتبعية العقود للقصود، و عليه فالتعبير بالشرط مبني على المسامحة.

(3) خبر قوله: «و اشتراط القصد» يعني: أنّ هذا الشرط من مسلّمات الفقه.

ص: 99

فلا يقع (1) من دون قصد إلى اللفظ كما في الغالط (2) أو إلى المعنى- لا بمعنى عدم استعمال اللفظ فيه- بل بمعنى عدم تعلق إرادته و إن أوجد مدلوله بالإنشاء كما في الأمر الصوري (3)، فهو شبيه الكذب في الإخبار كما في الهازل. أو قصد (4) معنى يغاير مدلول العقد، بأن قصد الإخبار أو الاستفهام، أو إنشاء معنى غير البيع مجازا أو غلطا (5)، فلا (6) يقع البيع، لعدم القصد إليه، و لا المقصود (7)، إذا اشترط فيه عبارة خاصة.

______________________________

(1) أي: فلا يقع البيع، و هذا متفرع على اعتبار قصدهما لمدلول العقد، ضرورة أنّ القصد الجدّي- أي إنشاء مدلول العقد- منوط بقصد اللفظ و معناه، و إيجاد مدلول اللفظ في وعاء الاعتبار.

(2) كأن يقول: «آجرت» بدل «بعت» غلطا.

(3) فإنّ الأمر الصوري فاقد للقصد الجدي، و إلّا فقصد اللفظ و المعنى و الإنشاء موجود فيه، و المفقود فيه الإرادة الجدية بمعنى عدم كون الإنشاء بداعي الجدّ، بل بدواع أخر كالسخريّة و التعجيز و التهديد.

(4) معطوف على «عدم» في قوله: «بل بمعنى عدم تعلق إرادته» يعني: عدم القصد إلى المعنى تارة يكون بعدم الإرادة الجدية و كون الإنشاء صوريا، و اخرى بقصد معنى يغاير مدلول العقد، كما إذا قصد الحكاية بقوله: «بعت».

(5) هذا الغلط غير الغلط السابق، لأنّ ذلك في التلفظ بكلمة بدل كلمة، كالتلفّظ بلفظ «آجرت» بدل «بعت». و هذا في استعمال اللفظ في غير ما وضع له بدون علاقة. كاستعمال لفظ الحمار مثلا في الجدار.

(6) متفرع على إنشاء معنى غير البيع مجازا أو غلطا.

(7) لعدم صحة إنشائه إلّا بلفظ خاص، فلو كان المقصود البيع و أنشأه بغير لفظ البيع لا يقع شي ء من الإجارة و البيع، لعدم قصد الإجارة، و عدم لفظ خاص معتبر في إنشاء البيع. فلا تقع الإجارة، لعدم قصدها، و لا البيع، لعدم إنشائه باللفظ المجعول آلة لإنشائه.

ص: 100

ثم إنّه ربما يقال (1): بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي و المكره، كما صرّح به في المسالك، حيث قال: «إنّهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» «1».

______________________________

(1) غرضه أن الشهيد الثاني قدّس سرّه جعل الإشكال- في صحة عقد الفضولي و المكره- عدم القصد إلى مدلول العقد، أي انتفاء إرادة المدلول جدّا. و ذلك أمّا في الفضولي فلعدم تمشّي قصد النقل و الانتقال منه، لعلمه بعدم ملكه لأحد العوضين، و عدم تأثير عقد غير المالك، فيمتنع أن يقصد التمليك و المبادلة، بل يكون تلفظه بالصيغة لقلقة لسان، كإنشاء الهازل.

و أمّا في المكره فلأنّ الباعث له على الإنشاء توعيد المكره و الخوف من التضرّر، فيلتجئ المكره إلى الإنشاء تخلّصا من عقوبة المكره فهو و إن كان مالكا، لكن لا يريد المعاملة. و هذا معنى انتفاء القصد إلى مدلول العقد فيه.

هذا وجه ما ذكره الشهيد الثاني قدّس سرّه. و فصّل صاحب الجواهر «2»- في بعض كلامه- بين الفضولي و المكره، فذهب إلى انتفاء القصد في المكره- لو لا الإجماع على صحة عقده المتعقب بالرضا- و تحققه في الفضولي، فراجع.

و كيف كان فناقش المصنف قدّس سرّه في كلام المسالك بتحقق القصد الجدّي في كليهما، أمّا في الفضول فبأنّ كونه أجنبيّا عن المال لا يمنع تمشّي القصد الجدّي إلى مدلول العقد، بأن يكون إنشاؤه جزء المؤثّر، و يتوقّف تمام تأثيره على لحوق إجازة المالك، هذا بحسب الثبوت، و أمّا بحسب الإثبات فسيأتي في بحث بيع الفضول إن شاء اللّه تعالى وفاء الأدلة بصحة عقد الفضول تأهّلا، و عدم سقوطه عن التأثير رأسا.

و أمّا في المكره فلأنّه قاصد جدّا لمدلول العقد، و المنتفي في حقّه هو الأمر الرابع أعني به طيب النفس بما ينشئه، و من المعلوم أنّ الرّضا بمضمون العقد من عوارض النفس و حالاتها. و هو أجنبي عن القصود الثلاثة المتقدمة.

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 3، ص 156.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

ص: 101

و فيه: أنّه (1) لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقق مدلوله في صدق (2) مفهوم العقد.

مضافا إلى ما سيجي ء في أدلة الفضولي (3).

و أمّا معنى ما في المسالك (4) فسيأتي في اشتراط الاختيار (5).

______________________________

(1) حاصله: أنّ القصد المقوّم لمفهوم العقد موجود في عقدي الفضولي و المكره، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، إذا المنتفي في عقد المكره هو الرضا، و يكفي لحوقه بالإنشاء، و لا يلزم مقارنته له. و المنتفي في الفضول هو انتساب العقد إلى المالك، و يكفي فيه الإجازة المتأخرة.

و لا يخفى أن نقاش المصنف في كلام الشهيد راجع إلى الصغرى، بمعنى أن ظاهر المسالك انتفاء الإرادة الجدية في الفضول و المكره فيبطل عقداهما. و ظاهر المصنف تحقق القصد الجدّي، و أنّ المنتفي شي ء آخر وراء هذا القصد.

(2) متعلق ب «المتحقق» يعني: لا دليل على اشتراط أزيد من القصد- الموجب لصدق مفهوم العقد- في عقد الفضولي و المكره.

و قد يقال: إنّ قوله: «في صدق» متعلق بقوله: «اشتراط» و المتعلق ب «المتحقق» محذوف، يعني: القصد المتحقق في عقدي الفضول و المكره.

(3) من قيام الدليل على كفاية هذا المقدار من القصد الموجود في الفضولي، و هو الإجماع على صحة نكاح الفضولي و بيع المكره بحق، فراجع (ص 268 و 407).

(4) يعني: هل يكون مراد الشهيد الثاني انتفاء القصد الثاني و هو الإرادة الاستعمالية، أم مراده انتفاء القصد الثالث و هو الإرادة الجدية، أم مراده انتفاء الرّضا بالمنشإ؟

(5) سيأتي هناك في جملة كلامه: «و غير ذلك ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» فراجع (ص 165).

هذا ما يتعلق بأصل اعتبار القصد الجدّي للمضمون، و سيأتي الكلام في ما رتّبه عليه المحقق التستري.

ص: 102

[هل يعتبر تعيين المالكين في العقد أم لا؟]
اشارة

و اعلم أنّه ذكر بعض المحققين ممّن عاصرناه «1» كلاما في هذا المقام (1)، في أنّه (2) هل يعتبر تعيين المالكين اللّذين يتحقق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما؟

أم لا (3). و ذكر أنّ في المسألة أوجها و أقوالا، و أنّ المسألة في غاية الإشكال،

______________________________

هل يعتبر تعيين المالكين في العقد أم لا؟

(1) أي: في مسألة اعتبار قصد مدلول العقد.

(2) متعلق ب «كلاما» و «في هذا» متعلق ب «ذكر».

(3) حاصل هذا البحث: أنّه هل يعتبر- مضافا إلى قصد مدلول العقد- تعيين مالكي العوضين، بمعنى أن يعيّن البائع المباشر للإيجاب مالك المبيع الذي يبيع له، و أن يعيّن المباشر للقبول مالك الثمن الذي يشتري له.

ثم على فرض اعتباره هل يلزم تعريفه للمشتري، و كذا تعريف المشتري للبائع أم لا، فهنا مقامان.

و لا بأس ببيان صورة إجمالية عمّا فصّله المحقق التستري في المقام، قبل الأخذ في شرح كلماته، فنقول: إنّ المراد من التعيين قصد وقوع المعاملة بين جزئيين حقيقيين خارجيين، كما في بيع كتاب زيد بدينار عمرو، فتتحقق المعاوضة بين مملوكين شخصيّين لمالكين معيّنين.

و لعلّ الداعي إلى تعرّض هذا البحث هو: أنّ عناوين المعاملات متقومة بالقصد الجدّي إلى مضامينها كما تقدم في صدر المسألة، ففي البيع مثلا لا بدّ من قصد مبادلة مال بمال، أو قصد تمليك عين بمال، و هل يكفي هذا القصد أم لا بدّ من قصد آخر، و هو قصد وقوع البيع لمالك المبيع و الثمن؟ بدعوى أنّ الملكية نسبة بين المالك و المملوك، أو إضافة بينهما، و لمّا كانت النسبة متقومة بالمنتسبين و لم يعقل التمليك المطلق أو المهمل، فلا بدّ من قصد آخر و هو تعيين طرفي الملكية من المالك و المملوك.

و هذا البحث و إن كان جاريا في مطلق البيوع، سواء أ كان العاقد مالك

______________________________

(1) هو المحقق الشيخ أسد اللّه الشوشتري في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 12 و 13.

ص: 103

و أنّه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس اللّه أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه. ثم قال: «و تحقيق المسألة: أنّه إن توقّف (1) تعيّن المالك على التعيين

______________________________

أحد العوضين أم وكيلا عنه أم وليّا عليه، و سواء أ كان العوض شخصيا أم كليّا في الذمة، و سواء أ كان الكلي مضافا إلى ذمة شخص معيّن- ككتاب المكاسب في ذمة زيد- أم مضافا إلى ذمم جماعة بأن يكون الكتاب الكلي في ذمة كل من زيد و عمرو و بكر، إلّا أنّ عمدة الثمرة تظهر في بيع الكلّي فيما كان العاقد وليّا على جماعة يملك كل واحد منهم سلعة مماثلة لسلع الآخرين، أو وكيلا عن جماعة كذلك.

فأمر التعيين سهل في موردين، و هما: العقد على العين الشخصية، و العقد على الكلي المضاف إلى ذمة معيّنة كالكتاب في ذمة زيد، حيث يقع البيع بالنسبة إلى مالك العين الخارجية و مالك الكلي.

و أمّا إذا كان العاقد وكيلا عن جماعة فهل يصح أن يبيع الكتاب الذي في ذمة موكّله- من دون تعيين مصداق عنوان «الموكّل» مع فرض تعدد الموكّلين- أم لا بدّ من قصد شخص خاص يضاف الكلي إلى ذمته. و هكذا الحال إذا أنشأ العاقد البيع للفرد المبهم كعنوان «أحد الموكّلين» المنتشر في كل واحد منهم.

و يجري هذا البحث بالنسبة إلى الولي على جماعة كالأب و الجد و الحاكم الشرعي إذا كانوا أولياء على جماعة لهم سلع مماثلة.

و كذا الحال في طرف المشتري، إذا كان العاقد وليّا على جماعة لهم أثمان متماثلة، أو كان وكيلا عن جماعة كذلك، و سيأتي ذكر بعض أمثلة المسألة، هذا.

(1) فصّل المحقق التستري قدّس سرّه بين كون العوضين شخصيين- مثل هذا الكتاب و هذا الدرهم- و بين كونهما كليّين، و قدّم البحث عن حكم ما إذا كان العوضان كليين أو أحد العوضين كليا و الآخر جزئيا. و أمثلة هذه الصورة كثيرة، نذكر بعضها:

الأوّل: أن يكون العاقد وكيلا عن زيد و عمرو و بكر في بيع كتاب المكاسب- الكلّي- بدينار، و أن يكون وكيلا عن كلّ من علي و حمزة و جعفر في شراء كتاب

ص: 104

..........

______________________________

مكاسب بدينار، فالعاقد وكيل عن جماعة البائعين و المبتاعين.

الثاني: أن يكون وليّا على الطرفين، كما إذا كان العاقد حاكما شرعيا، و أراد بيع شي ء لكل واحد من المفلّسين، و أراد شراء ذلك الشي ء لكل واحد من أيتام ثلاثة بدينار.

الثالث: أن يكون العاقد وليا على كلّ من البائع و المشتري، أو وكيلا عنهما، إلّا أنّ كلّ واحد من العوضين قابل لأن يكون مبيعا أو ثمنا، كما إذا وكّل زيد و عمرو بكرا في تبديل فرس لكلّ منهما بثور، و وكّله علي و عبد اللّه في تبديل ثور لكلّ منهما بفرس، ففي مثله يلزم العاقد رعاية أمرين:

أحدهما: تعيين مالك الفرس، و أنّه زيد أو عمرو، و كذا تعيين مالك الثور.

ثانيهما: تعيين أنّ البائع مالك الفرس أو أنّه مالك الثور، فلا يكفي أن يقول:

«ملّكت فرس موكّلي زيد بثور موكّلي عبد اللّه» و ذلك لاختصاص بعض الأحكام بعنوان البائع و المشتري، كخيار الحيوان الثابت للمشتري، فلا بدّ من تمييز أحدهما عن الآخر، بأن ينوي كون مالك الفرس هو البائع، و مالك الثور هو المشتري، ليكون الخيار له، لا للبائع.

و يمكن التمثيل له أيضا ببيع الصرف إذا كان العاقد وكيلا في الإنشاء و القبض، فتوكّل عن جماعة لهم دنانير يريدون تحويلها دراهم، و توكّل عن جماعة آخرين لهم دراهم يريدون تبديلها دنانير.

هذا بعض أمثلة بيع الكلي في ذمة جماعة يصلح العقد لانتسابه إلى كل واحد منهم.

و الذي أفاده المحقق التستري قدّس سرّه أنّ بيع الكلي لا يخلو من أحد فروض ثلاثة، يصح العقد في اثنين منها، و يبطل في الثالث، و هي:

الأوّل: أن يعيّن العاقد من يبيع له و من يشتري له، إمّا بالقصد، و إمّا به

ص: 105

حال (1) العقد، لتعدّد (2) وجه وقوعه الممكن (3) شرعا، اعتبر تعيينه في النيّة، أو مع التلفظ به أيضا،

______________________________

و بالتلفظ به، كما إذا قال الوكيل عن جماعة في بيع كتاب المكاسب بدينار: «بعت كتاب المكاسب الكلّي في ذمة موكّلي زيد، بدينار في ذمّة موكّلي في الشراء عليّ» و هذا صحيح بلا ريب.

الفرض الثاني: أن يطلق العاقد و لا يعيّن شخصا معيّنا من الموكّلين أو المولّى عليهم، و لكنه قاصد لتعيينه بعد العقد، كما إذا قال: «بعت كتاب المكاسب في ذمة موكّلي، بدينار في ذمة موكّلي» و هذا باطل.

الفرض الثالث: أن يطلق العاقد و لم يكن قاصدا حين العقد لتعيين البائع و المشتري بعد العقد، و لكن يحكم العرف بانصراف إطلاق الإنشاء إلى شخص معيّن من الموكّلين، أو انصرافه إلى وقوعه عن نفس العاقد. و هذا صحيح أيضا.

هذه فروض المسألة، و استدلّ المحقق التستري قدّس سرّه بوجوه ثلاثة على اعتبار التعيين، و سيأتي بيانها.

(1) متعلق بكلّ من «التعيّن و التعيين» على نهج التنازع.

(2) علّة لتوقف التعيّن على التعيين حال العقد، يعني: أنّ لزوم التعيين ينشأ من قابلية البيع لوقوعه لكلّ شخصين من الطائفتين، بأن يكون البائع أحد الموكّلين في البيع، و يكون المشتري أحد الموكّلين في الشراء. و الوجه في هذه القابلية تعدد أفراد الموكّلين في البيع و الشراء، بحيث يكون لكل واحد منهم عوض مماثل لما يملكه الآخرون، و من المعلوم أنّ مالك الكلي لا يتعيّن حال العقد إلّا بالتعيين حينه إمّا بالنية مع التلفظ بها، أو بالنيّة المجردة. و قد تقدم مثال ذلك بقولنا في الفرض الأوّل: «أن يعين العاقد من يبيع له و من يشتري له إمّا بالقصد .. إلخ».

(3) صفة ل «وجه» و قد عرفت وجه صلاحية العقد لوقوعه عن كل واحد من الموكلين في البيع و الشراء.

ص: 106

كبيع الوكيل و الولي العاقد عن اثنين في بيع (1) واحد، و الوكيل عنهما، و الولي عليهما في البيوع المتعددة، فيجب (2) أن يعيّن من يقع له البيع و الشراء، من نفسه (3)، أو غيره (4). و أن يميّز (5)

______________________________

(1) هذا و قوله: «في البيوع المتعددة» متعلقان ب «العاقد» و غرضه أنّه عند تعدد الموكّلين لا بدّ من التعيين، سواء أنشأ الوكيل عقدا واحدا عن الطرفين، أم أنشأ عقودا متعددة. فمثال العقد الواحد هو: ما إذا وكّل زيد و عمرو بكرا في أن يبيع عن كل منهما منّا من الحنطة في ذمته، و وكّله عليّ و عبد اللّه في شراء منّ من الحنطة بدينار في ذمته. فإن عيّن الوكيل البائع بأنّه زيد، و المشتري بأنه عبد اللّه صحّ، و وقع البيع و الشراء لهما. و إن لم يعيّن، و قال: «بعت منّا من الحنطة في ذمّة موكّلي في البيع، بدينار في ذمة موكّلي في الشراء» لم يصح.

و مثال البيوع المتعددة: أن ينشئ الوكيل بيعين بلا إضافة إلى موكّل معيّن، بأن يقول مرّتين: «بعت منّا من الحنطة عن موكّلي، بدينار في ذمة موكّلي» فإنّه لا يصح من جهة الإبهام، و عدم إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة.

هذا حال الوكيل عن اثنين. و كذا الحال في الوكيل عن جماعة إذا أنشأ العقد بعدد الموكّلين بدون تعيين أشخاصهم.

(2) جواب الشرط في قوله: «ان توقف» و المراد بالوجوب الوضع، و هو اشتراط صحة البيع بالتعيين.

(3) بأن يقول: «بعت منّا من الحنطة التي هي في ذمة موكّلي زيد من نفسي بدينار» فيكون العاقد وكيلا في الإيجاب، و أصيلا في القبول. و لا مانع منه.

(4) هذا الغير إمّا موكّلوه في البيع أو الشراء، أو غيرهم، كما إذا اشترى لولده الصغير الذي يلي أمره، أو اشترى لشخص آخر فضولا، فيتوقف على الإجازة.

(5) معطوف على «أن يعيّن» و هذا اعتبار أمر آخر زيادة على تعيين طرفي العقد، و مورده قابلية كل واحد من العوضين للاتصاف بعنوان المبيع و الثمن، فيكون

ص: 107

البائع من المشتري إذا أمكن (1) الوصفان في كلّ منهما.

فإذا عيّن (2) جهة خاصّة تعيّنت.

و إن (3) أطلق، فإن (4) كان هناك جهة يصرف إليها الإطلاق كان (5) كالتعيين، كما لو دار الأمر بين نفسه و غيره، إذا (6) لم يقصد الإبهام و التعيين بعد

______________________________

مالكاهما- بالتبع- قابلين لانطباق عنوان «البائع و المشتري» عليهما أيضا.

و قد ذكرناه (في ص 105) بقولنا: «الثالث أن يكون العاقد وليّا على كلّ من البائع و المشتري .. إلخ» فراجع.

(1) و أمّا إذا لم يمكن اجتماع الوصفين في واحد فحكمه واضح، لحصول التمييز الواقعي بكون مالك العروض بائعا و مالك النقد مشتريا.

(2) هذا شروع في بيان فروض المسألة عند تعدد الموكّلين أو المولّى عليهم، و الفرض الأوّل هو التعيين، و قد تقدم بيانه في (ص 105) بقولنا: «الأوّل: أن يعين العاقد من يبيع له و من يشتري له ..».

(3) معطوف على «فإذا عيّن» و لعدم التعيين فرضان تقدما في (ص 106) و نشير إليهما مرّة أخرى.

(4) هذا أوّل فرضي الإطلاق، و قوامه بالإهمال بأن لا يكون قاصدا للترديد حين العقد، و فرض انصراف الإطلاق إلى نفس العاقد، أو إلى أحد الموكّلين- مثلا- بالخصوص.

(5) أي: كان الإطلاق كالتعيين، إذ عند دوران العقد بين وقوعه لنفسه و لغيره ينصرف إطلاقه إلى وقوعه لنفسه، لتوقف انتسابه الى الغير على مئونة ثبوتا و إثباتا.

(6) قيد للانصراف إلى النفس، إذ لو قصد الإبهام و الترديد بين نفسه و غيره حين العقد و أراد التعيين بعد العقد، لم ينصرف الإطلاق- مع هذا الشرط- إلى نفسه، بل يقع البيع باطلا.

ص: 108

العقد، و إلّا (1) وقع لاغيا.

و هذا جار في سائر العقود من النكاح و غيره (2).

و الدليل على اشتراط التعيين و لزوم متابعته في هذا القسم (3): أنّه

______________________________

(1) أي: و إن قصد الترديد حين العقد، و التعيين بعده وقع العقد لاغيا. و على هذا فالمعتبر في انصراف الإطلاق خلوّه عن كلّ من قصد التعيين للنفس أو للغير، و من قصد الإبهام.

(2) كالإجارة مثلا، كما إذا وكّل زيد و عمرو و بكر خالدا في إجارة داره لمدة سنة بمائة دينار مثلا- مع فرض تماثل الدور و تساوي اجورها- و وكّله ثلاثة آخرون في استيجار دور، اجرة كلّ منها مائة دينار. فإن أنشأ بمثل «آجرت دار أحد الموكلين، بمائة دينار لأحد الموكلين في الاستيجار» بطل. و إن عيّن الطرفين صحّ.

و أمّا في النكاح، فكما إذا وكّلت هند و زينب و سمية زيدا في التزويج من أشخاص موصوفين بصفات معيّنة، و وكّله رجال ثلاثة في تزويج نساء معلومة وصفا و خلقا، فإن قال: «زوّجت موكّلتي من موكّلي» بطل، لإمكان التطبيق على كل واحد منهم، و على كلّ واحدة منهن. و إن عيّن الموكّل و الموكّلة صحّ. و هكذا

(3) و هو كون العقد صالحا لوقوعه على وجوه عديدة، لعدم معيّنة للإطلاق، و ملخّص ما أفاده في الدليل على وجوب التعيين يرجع الى وجوه ثلاثة:

الأوّل: عقلي، و حاصله: أنّه لو لا التعيين لزم بقاء الملك بلا مالك، إذ البيع يفيد الملكية، فإذا لم يعيّن المشتري لزم صيرورة المبيع ملكا بلا مالك. و كذا بالنسبة إلى الثمن، مع أن المملوكية و المالكية من المتضايفات، فلا يعقل اعتبار المملوكية بدون المالكية.

الثاني: شرعي، و حاصله: أنّه قام الإجماع على بطلان العقد بعدم الجزم، و هو التردّد في المنشأ بجميع خصوصياته التي منها المالك. فلو سلّم إمكان الملك بلا مالك معيّن لزم التردد من حيث المالك، و هو مبطل للعقد إجماعا.

ص: 109

لو لا ذلك (1) لزم بقاء الملك بلا مالك معيّن في نفس الأمر، و أن (2) لا يحصل الجزم بشي ء من العقود التي لم يتعيّن فيه العوضان، و لا بشي ء (3) من الأحكام و الآثار المترتبة على ذلك. و فساد ذلك (4) ظاهر.

و لا دليل (5) على تأثير التعيين المتعقب

______________________________

الثالث: شرعي أيضا، و حاصله: أنّه لو أغمضنا عمّا ذكرنا من الدليلين المذكورين نقول: إنّه لا دليل على الصحة بدون التعيين، لانصراف أدلتها إلى صورة التعيين لشيوعها فيرجع في غيرها إلى الأصل، و هو أصالة الفساد.

(1) أي: لو لا التعيين. و هذا إشارة إلى الدليل الأوّل، و هو مقتضى المعاوضة في الملكية عقلا.

(2) معطوف على «لزم» و هذا هو الدليل الثاني، أعني به اعتبار الشارع الجزم- حين الإنشاء- بالمنشإ بجميع ملابساته.

(3) عدم الجزم بأحكام البيع مترتب على عدم تعيّن موضوعها من العوضين و مالكيهما، فلو تعيّنا حصل الجزم بالأحكام من وجوب إقباض المبيع، و الخيار و نحوهما.

(4) أي: و فساد العقد الفاقد للجزم بخصوصيات المنشأ ظاهر، لما عرفت من الإجماع على اعتبار الجزم في العقود.

(5) يعني: و أنّه لا دليل على تأثير التعيين بعد العقد، و هذا دليل ثالث على اعتبار التعيين.

و يمكن جعل هذه العبارة تتمة للدليل الثاني، فيكون الدليل على اعتبار التعيين في كلام صاحب المقابس الوجهين الأوّلين. و تقريب كون قوله: «و لا دليل» تتمة هو:

أنّه ربما يورد على اعتبار الجزم في العقود بأن الجزم بالمنشإ و خصوصياته و إن كان إجماعيا، إلّا أنّ المعتبر هو مطلق الجزم سواء أ كان حال الإنشاء أم بعده. و عليه فلو أطلق العقد و أبهم و قصد تعيين من يقع له العقد بعده صحّ و لم يقع لغوا،

ص: 110

و لا (1) على صحة العقد المبهم، لانصراف (2) الأدلة إلى الشائع المعروف من الشريعة و العادة، فوجب الحكم بعدمه (3).

و على هذا (4) فلو اشترى الفضولي لغيره في الذمة، فإن عيّن ذلك الغير تعيّن، و وقف على إجازته، سواء تلفّظ بذلك أم نواه. و إن أبهم مع قصد الغير

______________________________

لتعقبه بالجزم بالعوضين و المالكين. و هذا المقدار من الجزم كاف في صحة العقد.

و أجاب عنه صاحب المقابس باعتبار مقارنة الجزم للإنشاء، و لا يجدي تعقبه به، و ذلك لأنّ أدلة الإمضاء- كحلّ البيع و الأمر بالوفاء بالعقود- و إن كانت شاملة لكلّ من العقد المقارن للجزم و للمتعقب به، إلّا أنّها منصرفة إلى العقود الشائعة المتداولة في الخارج، و هي الّتي يتقدم فيها الإيجاب على القبول مثلا، و يكون المنشئ جازما حين الإنشاء. و عليه فلا يبقى دليل على إمضاء العقد الفاقد للجزم حينه و إن تعقّبه، فيحكم ببطلانه، لأصالة الفساد و من المعلوم أنّ الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه، فلا ينقلب العقد الفاسد صحيحا، هذا.

(1) هذا ليس مطلبا آخر، بل الغرض إبهام العقد، و تعقيبه بالتعيين.

(2) تعليل لقوله: «و لا دليل» و قد عرفته آنفا.

(3) أي: عدم تأثير التعيين المتعقب، لأصالة الفساد الجارية في المعاملات.

(4) أي: و بناء على اعتبار التعيين و عدم صحة العقد المبهم، فلو اشترى .. إلخ.

و غرضه تطبيق كبرى ما أفاده على مثال، و هو: أنّ الفضول لو اشترى من زيد كتابا بدينار كلّيّ في ذمة شخص، فإن عيّنه حال العقد بالنية أو بها و بالتلفظ به كأن يقول:

«اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة عمرو» صحّ العقد مراعى بإجازة عمرو، فإن أجاز تمّ الشراء له، و إن لم يجز بطل. و إن لم يعيّنه بل قال: «اشتريت هذا الكتاب بدينار في ذمة غيري» و لم يقصد شخصا معيّنا بطل، و لا ينتظر وجود مجيز خارجا.

كما لا سبيل لتصحيح العقد بأن يقع الشراء لنفس الفضول، و ذلك لظهور لفظ «غيري» في المنع عن صرف الإطلاق إلى نفسه.

ص: 111

بطل، و لا يوقف (1) إلى أن يوجد له مجيز» إلى أن قال (2): «و إن (3) لم يتوقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد، بأن يكون العوضان

______________________________

(1) يعني: و لا يحكم بكون هذا العقد معلّقا على أن يوجد له مجيز حتى تنكشف الحال من أنه يجيز أو يردّ.

(2) يعني: قال المحقق التستري في المقابس.

(3) معطوف على قوله (في ص 104): «ان توقف تعيّن المالك على التعيين حال العقد» و هذا شروع في حكم صورة ثانية، و هي كون العوضين جزئيين خارجيين لا كليّين ذميّين كما كان في الصورة السابقة. كما إذا كان المبيع كتاب المكاسب المتعيّن خارجا، و الثمن دينارا معيّنا أيضا، فقال مالك الكتاب أو وكيله: «بعت هذا الكتاب بهذا الدينار» فهل يلزم تعيين المالكين أم لا؟ فيه وجوه ثلاثة:

الأوّل: لزوم التعيين، إمّا بالتصريح بأن يقول: «بعتك كتابي هذا بدينار» فيعيّن البائع بضمير التكلم، و المشتري بضمير الخطاب. و إمّا بالإطلاق لا بالتصريح، لكفاية الإطلاق- المنصرف إلى المالكين- في مقام الإثبات، فيحكم بوقوع العقد لهما، فيصحّ أن يقول: «بعت كتابي هذا بهذا الدينار».

الثاني: عدم لزوم التعيين بالقصد أو باللفظ، فيكفي كون العوضين الجزئيين- المملوكين لهذين المتعاملين- في وقوع العقد لهما. و لا يقدح في صحة هذه المعاملة و وقوعها للمالكين التصريح بالخلاف، بأن يقول العاقد: «بعت هذا الكتاب- المملوك لزيد- عن عمرو بدينار بكر لخالد» مع أنّ عمروا و خالدا أجنبيان عن العوضين بالمرّة. و على كلّ فالبيع لو صحّ فقد وقع بين المالكين و هما زيد و بكر، و يلغو التصريح باسم عمرو و خالد.

________________________________________

الثالث: التفصيل بين الإطلاق و التصريح بالخلاف، فيصحّ في الأوّل، و يبطل في الثاني. و يظهر مثاله من الوجهين المتقدمين. و لكل واحد من هذه الاحتمالات الثلاثة وجه سيأتي بيانه.

ص: 112

معيّنين (1)، و لا يقع العقد فيهما على وجه يصحّ إلّا لمالكهما، ففي وجوب التعيين أو (2) الإطلاق المنصرف إليه (3)، أو عدمه (4) مطلقا، أو التفصيل (5) بين التصريح بالخلاف (6)، فيبطل، و عدمه (7) فيصح، أوجه (8). أحوطها [أقواها (9)] الأخير (10)،

______________________________

(1) المراد من المعيّن هو الجزئي الخارجي، في قبال الكلي المضاف إلى ذمّة معيّنة.

(2) ظاهر العطف كون الإطلاق احتمالا آخر في مقابل وجوب التعيين، لكنه ليس بمراد، بل المراد التعيين إمّا بالتصريح به، و إمّا بالتعويل على الإطلاق المنصرف إلى المالكين، فقوله: «أو الإطلاق» بيان أحد عدلي الواجب التخييري. و على كلّ فقد تقدم آنفا مثال التعيين و الإطلاق.

(3) الضمير راجع إلى «المعيّن» المستفاد من «التعيين».

(4) بالجر معطوف على «وجوب التعيين» و ضميره راجع إلى الوجوب، و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني. يعني: أنّ تعيّن المالكين واقعا مغن عن التعيين بالتصريح أو بالإطلاق، بل لا يقدح التصريح بالخلاف.

(5) بالجرّ معطوف على «وجوب التعيين» يعني: التفصيل- في وجوب التعيين- بين التصريح بالخلاف .. إلخ. و هذا إشارة إلى ثالث الاحتمالات.

(6) أي: خلاف ما تقتضيه المعاوضة من كون البيع لمالك المبيع، و الشراء لمالك الثمن، فيبطل مع التصريح بالمنافي.

(7) بالجرّ معطوف على «التصريح» أي: و عدم التصريح بالخلاف، فيصحّ العقد، و يؤخذ بمقتضى إطلاقه، من وقوعه للمالكين.

(8) مبتدأ مؤخر لقوله: «ففي وجوب التعيين ..».

(9) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في المقابس المطبوع «أحوطها».

(10) و هو الصحة مع عدم التصريح بالخلاف، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها.

ص: 113

و أوسطها الوسط (1)، و أشبهها بالقاعدة [للأصول] (2) الأوّل.

و في حكم المعيّن (3) إذا ما عيّن المال بكونه في ذمة زيد مثلا.

______________________________

أمّا المقتضي فهو الإطلاق المنصرف إلى المالكين. و أمّا عدم المانع فلأنّ المانع هو التصريح بما ينافي مقتضى المعاوضة، و المفروض عدمه. بخلاف ما لو صرّح بالمنافي، لوقوع التدافع بين مقتضى المعاوضة و بين المصرّح به، و حيث لا مرجّح لأحدهما فيبطل العقد.

(1) يعني: الصحة مطلقا حتى مع التصريح بالخلاف. و وجه الصحة اقتضاء المعاوضة وقوع العقد لمالكي العوضين. و التصريح بالخلاف لغو لا أثر له، لمنع انصراف العمومات، و هي مقدمة على أصالة الفساد.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و الموجود في المقابس ما أثبتناه من قوله: «بالقاعدة» و المراد بالأصول أصالة الفساد و أصالة عدم ترتب الأثر، و عدم حصول النقل و الانتقال، لكن مرجع الجميع واحد، فالأولى ما أثبته في المقابس من قوله:

«بالقاعدة».

و على كلّ فوجه الأشبهية بأصالة الفساد هو انصراف الأدلة الاجتهادية إلى العقود الشائعة المتعارفة، لا النادرة التي تنسب العقود فيها إلى غير المالكين.

(3) يعني: و في حكم العوض المعيّن. و غرضه بيان جريان الاحتمالات الثلاثة- المتقدمة في العوضين الشخصيين- في ما إذا كان العوضان أو أحدهما كليّا في ذمّة شخص معين. كما إذا توكّل عن زيد في بيع كتاب المكاسب- الكلي- بدينار، و عن عمرو في شراء كتاب المكاسب بدينار في ذمته، فيقال: إنّه هل يجب على الوكيل تعيين من يقع له البيع و من يقع له الشراء، بأن يصرّح باسمهما، أو يعوّل على الإطلاق بأن يقول: «بعت كتاب المكاسب بدينار» أم لا يعتبر التعيين أصلا، بل لا يقدح التصريح بالخلاف، أم يفصّل بين الإطلاق و بين التصريح بالخلاف؟

ص: 114

و على الأوسط (1): لو باع (2) مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغا قصد كونه عن الغير.

و لو باع (3) مال زيد عن عمرو،

______________________________

و كيف كان فالكلّي المضاف إلى ذمّة معيّنة صورة ثالثة من صور المسألة، و لكنها متحدة حكما مع العين الشخصيّة، هذا.

(1) هذا متفرع على الاحتمالات الثلاثة في العقد على الأعيان الشخصية أو الكلية المضافة إلى ذمة شخصية كالمنّ من حنطة في ذمة زيد، أو كتاب المكاسب في ذمة عمرو، أو الدينار الكلي في ذمة بكر، و هكذا. و المذكور في المتن فروع أربعة تختلف أحكامها بحسب الاحتمالات الثلاثة المتقدمة، كما سيظهر.

(2) هذا هو الفرع الأوّل، و هو أن يبيع العاقد مال نفسه بدينار بقصد أن يقع عن الغير، بمعنى دخول الدينار في ملك ذلك الغير، و خروج المال عن ملك العاقد، فبناء على الاحتمال الثاني يصح البيع و يقع لنفسه، و يلغو التصريح بما يخالف مفهوم المعاوضة من دخول العوض في كيس من خرج عنه المعوّض.

و بناء على الاحتمال الأوّل و الأخير يبطل، لفقد تعيين المالك البائع، بل وجود التصريح بالخلاف.

(3) هذا هو الفرع الثاني، بأن يبيع بكر كتاب زيد من خالد بدينار، على أن يدخل الدينار في ملك عمرو الأجنبي عن الكتاب، فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون العاقد وكيلا عن مالك الكتاب و بين كونه أجنبيا.

فإن كان وكيلا عن زيد في بيع كتابه صحّ البيع عنه، لا عن عمرو، فتؤثّر الوكالة في وقوع البيع لمالك المبيع، و يلغو التصريح بوقوعه عن عمرو.

و إن لم يكن وكيلا عن زيد كان إنشاء العاقد فضوليا، فإن أجاز زيد بيع كتابه صحّ و وقع لنفسه، و إن ردّ بطل البيع. و على كلّ من الوكالة و الفضولية يلغو التصريح بوقوع البيع عن عمرو، لفرض كونه أجنبيا. هذا حكم المسألة بناء

ص: 115

فإن كان وكيلا عن زيد صحّ عنه (1)، و إلّا (2) وقف على إجازته.

و لو اشترى (3) لنفسه بمال في ذمة زيد، فإن لم يكن وكيلا عن زيد وقع عنه (4)، و تعلّق المال بذمّته، لا عن (5) زيد ليقف على إجازته. و إن كان وكيلا

______________________________

على الاحتمال الثاني.

(1) أي: عن زيد، و وجه الصحة انتساب العقد إلى الموكّل بالوكالة.

(2) أي: و إن لم يكن العاقد وكيلا عن زيد وقع البيع مراعى إلى أن يجيز زيد أو يردّ.

(3) هذا هو الفرع الثالث، و هو أن يشتري العاقد لنفسه شيئا بثمن كلّيّ مضاف إلى ذمة زيد، فيقول للبائع: «اشتريت هذا الكتاب لنفسي بدينار في ذمّة زيد» فبناء على الاحتمال الثاني فصّل صاحب المقابس بين كون المشتري وكيلا عن زيد و بين عدم وكالته.

فإن لم يكن وكيلا صحّ البيع لنفسه، و استقرّ الثمن على ذمته، لأنّ التصريح بإضافة الشراء للنفس يلغي وقوع الشراء لزيد، فكأنّه لم يتلفّظ به أصلا، ضرورة عدم العبرة بالتصريح بالخلاف، و عدم وجوب تعيين المالك كما هو فرض الاحتمال الثاني. و لا تصل النوبة إلى احتمال وقوع الشراء فضوليا عن زيد ليتوقف على إجازته أو ردّه.

و إن كان وكيلا عن زيد في شراء الكتاب مثلا احتمل أحد أمور:

الأوّل: بطلان العقد رأسا، و عدم وقوعه لنفسه و لا لموكّله.

الثاني: صحته عن نفسه.

الثالث: صحته عن موكّله، و سيأتي وجه كلّ منها.

(4) أي: عن نفس العاقد، بمقتضى الإضافة إلى النفس.

(5) معطوف على «عنه» أي: لم يقع الشراء لزيد، لانتفاء الاذن المصحّح لإضافة العقد إلى الآذن، مضافا إلى وجود المانع و هو إضافة الشراء إلى النفس.

ص: 116

فالمقتضي (1) لكلّ من العقدين (2) منفردا موجود، و الجمع بينهما يقتضي إلغاء أحدهما، و لمّا لم يتعيّن (3) احتمل البطلان، للتدافع. و صحته (4) عن نفسه، لعدم

______________________________

(1) هذا وجه بطلان الشراء رأسا، و هو وجود مقتضيين متدافعين، مع عدم مرجّح لأحدهما على الآخر. أمّا المقتضي لوقوعه عن نفسه فهو اشتراؤه لنفسه، و مقتضى المعاوضة كون الثمن في ذمة نفسه، فيكون الشراء له بعوض في ذمّته. و أمّا المقتضي لوقوعه عن زيد الموكّل له فهو جعل الثمن في ذمة زيد بمقتضى وكالته عنه بالفرض. و مقتضى المعاوضة كون الشراء لزيد.

و الجمع بين المقتضيين متعذر، إذ الكتاب الشخصي إمّا أن يدخل في ملك الوكيل، أو الموكّل. و حينئذ فلا بدّ من إلغاء أحدهما، و لمّا لم يتعيّن ما يلغى منهما- لعدم مرجح له، و من المعلوم امتناع الترجيح بدونه- يقع التدافع بين المقتضيين، و يسقط كلاهما عن التأثير، و هذا معنى البطلان رأسا.

(2) الأولى أن تكون العبارة هكذا: «فالمقتضي لوقوع العقد لكلّ منهما منفردا موجود».

(3) يعني: لم يتعيّن أحدهما الملغى، و وجه عدم تعيّنه انتفاء المرجّح لتعيينه للإلغاء.

(4) بالرفع معطوف على «البطلان» يعني: احتمل صحة العقد عن نفس العاقد، و هو الاحتمال الثاني، في قبال الاحتمال الآتي أعني صحته عن موكّله.

و وجه صحته عن نفسه: عدم تعلّق الوكالة بمثل هذا الشراء، فيقع عن نفسه، إذ الوكالة المتعارفة تقتضي إضافة العقد إلى خصوص الموكّل، و عدم قصد دخول المبيع في ملك الوكيل مع خروج الثمن عن ملك موكّله، فلمّا أضافه العاقد إلى نفسه و إلى غيره انعقد لنفسه، لوجهين: أحدهما: الانصراف، و الآخر: ترجيح جانب الأصالة، و تلغو وكالته حينئذ.

ص: 117

تعلق الوكالة بمثل هذا الشراء، و ترجيح (1) جانب الأصالة. و عن (2) الموكّل، لتعيّن العوض في ذمة الموكّل. فقصد كون الشراء لنفسه لغو كما في المعيّن (3).

و لو اشترى (4) عن زيد بشي ء في ذمته فضولا و لم يجز فأجاز عمرو لم يصح عن أحدهما.

و قس (5) على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب.

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «لعدم» و ظاهره أنّه وجه آخر لإثبات صحة العقد عن الوكيل، إذ الترجيح منوط بشمول الوكالة لمثل هذا العقد حتى يرجّح الوقوع عن النفس على الوقوع عن الموكّل.

و الوجه الأوّل ناظر إلى قصور دليل الوكالة عن شموله لمثل هذا العقد، فلا يبقى إلّا البطلان رأسا، أو الوقوع للنفس، و لمّا كان المقتضي لصحته لنفسه موجودا اتّجه الالتزام به.

(2) معطوف على «عن نفسه» يعني: احتمل صحة البيع عن الموكّل، لتعيّن العوض في ذمته بتصريح الوكيل «في ذمة موكّلي و هو زيد» و قد تقدم أنّ تعيين المال الكلّي في ذمة شخص معيّن يكون بحكم الثمن الشخصي في كون التصريح بخلاف مقتضاه لغوا. و عليه فلا عبرة بإضافة الشراء إلى نفس الوكيل.

(3) يعني: كما في العوض المعيّن، حيث يلغو قصد الشراء أو البيع لغير مالكه.

(4) هذا هو الفرع الرابع، و هو أن يشتري الفضول شيئا بثمن في ذمة زيد، فلم يجز زيد، و أجازه عمرو. فيبطل البيع، و لا يقع لا لزيد و لا لعمرو.

أمّا عدم وقوعه لزيد فلردّه للبيع و رفضه له.

و أمّا عدم وقوعه عن عمرو فلأنّ الفضول لم يقصد جعل الثمن في ذمته حتى تتمشّى منه الإجازة و الردّ، فهو أجنبي عن العقد، و لا عبرة بإجازته.

(5) يعني: تجري الاحتمالات الثلاثة في كلّ ما كان أحد العوضين فيه كلّيا،

ص: 118

و لا فرق (1) على الأوسط في الأحكام المذكورة بين النيّة المخالفة (2) و التسمية (3) و يفرق بينهما (4) على الأخير. و يبطل الجميع (5) على الأوّل» «1» انتهى كلامه.

______________________________

و عيّنه العاقد، لكن صرّح بما يخالفه. و تجري في غير البيع أيضا، كالوكيل في إيجار دار لزيد بأجرة معيّنة في ذمته، ثم جعل المنفعة لنفسه أو لشخص آخر غير زيد.

و التخريج سهل بعد وضوح الضابطة.

(1) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه من هذه الجملة أنّ أحكام الفروع الأربعة المتقدمة لا تختلف بناء على تسليم الاحتمال الثاني- و هو عدم وجوب تعيين المالكين عند كون العوضين جزئيين أو كليين في ذمة معيّنين- سواء نوى العاقد وقوع البيع لغير المالكين أم لا، و سواء تلفّظ بما نواه أم لم يتلفّظ به.

و أمّا بناء على الاحتمال الثالث- و هو قدح التصريح بالخلاف- فيلزم التفصيل بين نيّة وقوع العقد لغير المالك فيصح، و بين التلفظ بوقوعه للغير، فيبطل، لمانعية التصريح عن الصحة.

و أمّا بناء على الاحتمال الأوّل- و هو وجوب التعيين- فلا فرق في البطلان بين قصد غير المالك و بين التلفظ به، لاختلال شرط الصحة بكلّ من النية و القول.

هذه جملة من كلام صاحب المقابس في مسألة تعيين المالكين. و سيأتي كلام آخر منه في معرفة كل من المتعاقدين للآخر حتى يخاطبه بكاف الخطاب.

(2) بأن يقصد بيع كتاب زيد عن عمرو بدينار، و لكنّه لم يتلفظ به حين الإنشاء.

(3) بأن يتلفظ بما نواه.

(4) أي: بين النية المخالفة و التسمية.

(5) لصدق عدم التعيين في جميع الفروع الأربعة، فيبطل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 13.

ص: 119

[المناقشة في ما أفاده صاحب المقابس]

أقول: (1) مقتضى المعاوضة و المبادلة دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر، و إلّا لم يكن كل منهما عوضا و بدلا.

______________________________

المناقشة في ما أفاده صاحب المقابس

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في ما تقدم من كلام صاحب المقابس بوجهين، أحدهما ناظر إلى الخدشة في لزوم التعيين في المبيع الكلي، و الآخر إلى المناقشة في الشخصي.

توضيح الوجه الأوّل: أنّ البيع «مبادلة مال بمال» و من المعلوم تقوّم مفهوم المعاوضة بقصد خروج المبيع عن ملك البائع إلى ملك المشتري، و خروج الثمن من كيس المشتري إلى ملك البائع. و إلّا فلو قصد مالك المبيع تمليك ماله لزيد، و قصد المشتري تمليك ماله لشخص آخر غير البائع، لم تتحقق المعاوضة بين المالين، بل تحقّق تمليكان مجّانيان، و هذا أجنبيّ عن البيع. و عليه فمجرد قصد المعاوضة بين المالين كاف في صدق العنوان، و لا يلزم إسناد البيع إلى مالكي العوضين. و هذا واضح في بيع الأعيان الشخصية.

و أمّا في الأعيان الكلّية فتعيين المالكين و إن كان مسلّما، إلّا أنّه ليس شرطا مستقلّا زائدا على الشروط المتعارفة، بل لأجل توقف صدق «المبادلة بين مالين» على إضافة الكلّي إلى ذمة معيّنة، فإنّ العقلاء لا يعتبرون منّا من الحنطة الكلّية مالا ما لم يضف إلى ذمة معيّنة معتبرة تتمكّن من تسليمها إلى المشتري. و كذا الحال في الثمن الكلّي كالدينار.

و عليه فتعيين المالكين و قصد وقوع البيع لهما- أو التلفظ بما يقصده- مقوّم لمفهوم المعاوضة و المعاملة، إذ الإنشاء على الكليّ غير المضاف إلى ذمة معلومة ملحق عرفا بالهزل، و ليس موضوعا للأثر، كما إذا قال: «بعت عبدا بألف دينار» مع عدم قصده مالكي العبد و الدينار.

و الحاصل: أنّ ما يظهر من عبارة المقابس من جعل تعيين المالكين- في بيع الكلّيّات- شرطا مستقلّا في قبال سائر ما يعتبر في مفهوم المعاوضة، لا يخلو من شي ء.

ص: 120

و على هذا (1) فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك. إلّا أنّ ملكية العوض و ترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك (2)، فإنّ من الأعواض ما يكون متشخّصا بنفسه في الخارج كالأعيان (3). و منها ما لا يتشخّص إلّا بإضافته إلى مالك كما في الذمم (4)، لأنّ ملكية الكلّي لا يكون إلّا مضافا إلى ذمة (5). و إجراء (6) أحكام الملك على ما في ذمة الواحد المردّد بين شخصين فصاعدا غير معهود. فتعيّن الشخص في الكلّي إنّما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين صاحب الذمة (7).

فصحّ على ما ذكرنا (8) أن تعيين المالك مطلقا غير معتبر

______________________________

(1) أي: و على كون مقتضى المعاوضة دخول كلّ من العوضين في ملك مالك الآخر.

(2) الأولى أن يقول: «على إضافة العوض إلى شخص معيّن» في قبال: عدم إضافته إلى أحد، و في قبال إضافته إلى شخص غير معيّن، حيث إنّ صاحب الذمة ليس مالكا لما في ذمّته و إن كان يصحّ تمليكه إيّاه لغيره.

(3) يعني: الأعيان الشخصية الخارجية، كهذا الكتاب و ذلك الفرس، و كل ما هو متشخص موجود.

(4) تقدمت أمثلته مكررا في شرح كلمات صاحب المقابس قدّس سرّه.

(5) فليس منّ من الحنطة ملكا لزيد إلّا بإضافته إليه، فيبيعه سلفا قبل الحصاد.

(6) بالرفع مبتدأ، و خبره «غير معهود» و غرضه أنّ تعيين مالك الكلّي الذمي إنّما هو لعدم اعتبار العقلاء ملكية الكلّي إذا تردّد مالكه بين زيد و عمرو و بكر مثلا.

و لعلّ عدم اعتبارهم لأجل أنّه لا ماهية و لا هويّة للمردّد، كما هو واضح.

(7) لا لأجل تعبّد خاص وراء تقوّم مفهوم المعاوضة به.

(8) من عدم اعتبار تعيين المالك- من حيث إنّه مالك- في صحة العقد، و إنّما الحاجة إلى تعيينه لكون الكلّي بدون إضافته إلى شخص لا يقبل المعاوضة.

ص: 121

سواء (1) في العوض المعيّن أو في الكلي. و أنّ (2) اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشقّ الأوّل (3) من تفصيله إنّما هو لتصحيح ملكيّة العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد فرض كونه مالكا، فإنّ من اشترى لغيره في الذمة إذا لم يعيّن الغير لم يكن الثمن ملكا، لأنّ ما في الذمة ما لم يضف إلى شخص معيّن لم يترتب عليه أحكام المال من جعله ثمنا أو مثمنا.

و كذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين، فإنّه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال: «بعت عبدا بألف» ثم قال: «قبلت» فلا يصير العبد قابلا للبيع، و لا الألف قابلا للاشتراء به حتّى يسند كلّا منهما إلى معيّن أو إلى نفسه من حيث إنّه نائب عن ذلك المعيّن، فيقول: «بعت عبدا من مال فلان بألف من مال فلان» فيمتاز البائع عن المشتري.

و أمّا ما ذكره من الوجوه الثلاثة (4) فيما إذا كان العوضان معيّنين

______________________________

(1) هذا بيان لقوله: «مطلقا».

(2) معطوف على قوله: «ان تعيين المالك».

(3) المراد به ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه بقوله: «إنّه إن توقّف تعين المالك على التعيين حال العقد .. إلخ». و مورده كليّة العوضين، و المراد من الأمثلة ما ذكره بقوله:

«كبيع الوكيل إلى قوله في بيوع متعددة»، و ما ذكره بقوله أخيرا: «و على هذا فلو اشترى الفضوليّ لغيره في الذمّة ..».

(4) من قول صاحب المقابس: «ففي وجوب التعيين أو الإطلاق المنصرف إليه، أو عدمه مطلقا أو التفصيل .. إلخ» و هذا شروع في الوجه الثاني من المناقشة في كلام المحقق التستري قدّس سرّه، و هو ناظر إلى ما أفاده في الشق الثاني أعني به تعيّن العوضين خارجا.

و ملخص إيراده على صاحب المقابس هو: أنّه مع تعيّن العوضين في الخارج

ص: 122

فالمقصود (1) إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أنّ من لوازمها العقلية دخول العوض في ملك مالك المعوّض- تحقيقا (2) لمفهوم العوضية و البدلية- فلا (3) حاجة إلى تعيين من ينقل عنهما و إليهما العوضان.

و إذا لم يقصد (4) المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد، فإن (5) جعل العوض من عين مال غير المخاطب الّذي ملّكه المعوّض، فقال: «ملّكتك فرسي هذا بحمار

______________________________

إن قصدت المعاوضة الحقيقية التي تستلزم عقلا دخول العوض في ملك مالك المعوّض، فلا حاجة حينئذ إلى تعيين مالكي العوضين، لتعينهما بتعيّن العوض و المعوض. و إن قصدت المعاوضة الصورية فلا ينعقد البيع أصلا. فلا مورد لتثليث الوجوه في صورة تعيّن العوضين خارجا، لأنّه مع قصد المعاوضة الحقيقية- التي لازمها دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر- فقد عيّن المالكان قهرا بالملازمة. و معه لا معنى للترديد بين الوجوه الثلاثة. و مع عدم قصد المعاوضة الحقيقيّة فالوجوه كلها باطلة، و معه أيضا لا معنى للترديد بينها.

(1) جواب قوله: «و أما» و الأولى تبديله ب «ففيه» ليكون أظهر في الإيراد.

(2) متعلق ب «دخول العوض».

(3) جواب قوله: «إذا كان» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(4) معطوف على «إذا كان» و هو شقّ آخر من المنفصلة، أي: عدم قصد حقيقة المعاوضة، و أنّه لا فائدة في تعيين البائع و المشتري حينئذ.

(5) الظاهر أنّه متفرّع على قصد المعاوضة الحقيقية، و حاصله: أنّه إذا قصد المعاوضة الحقيقية- و لكن جعل العوض من عين مال غير المخاطب الذي ملّكه المعوّض- لم يقع البيع لخصوص المخاطب، لعدم تحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية بالنسبة إليه. و أمّا وقوع البيع فضوليا لعمرو ففيه كلام يأتي في بيع الغاصب، و هو: أنّ المجاز غير المنشأ، و المنشأ غير المجاز.

ص: 123

عمرو» فقال المخاطب: «قبلت» لم يقع (1) البيع لخصوص المخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه. و في وقوعه اشتراء فضوليا لعمرو كلام (2) يأتي (3).

و أمّا ما ذكره من مثال «من باع مال نفسه عن غيره» (4) فلا إشكال في عدم وقوعه عن غيره. و الظاهر (5) وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير، لأنّه أمر غير معقول (6) لا يتحقق القصد إليه حقيقة.

______________________________

(1) جواب قوله: «فان جعل».

(2) مبتدأ مؤخّر، خبره قوله: «و في وقوعه».

(3) سيأتي هذا البحث في المسألة الثالثة من بيع الفضولي بقوله: «و لكن يشكل في ما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم .. إلخ».

(4) و هو ما ذكره صاحب المقابس- في التفريع على الاحتمال الثاني- بقوله:

«و على الأوسط لو باع مال نفسه عن الغير وقع عنه، و لغا قصد كونه عن الغير» و المصنف قدّس سرّه و إن كان موافقا له في حكم المسألة أعني وقوع البيع لنفس العاقد، و لغوية التصريح بوقوعه عن الغير. إلّا أنّ الظاهر اعتماد صاحب المقابس على مقام الإثبات، و هو الأخذ بأصالة الظهور في «بعت» في إرادة البيع لنفسه. و المصنف يعتمد على مقام الثبوت، و هو أن قصد المعاوضة الحقيقية يوجب عدم قصد وقوعها عن الغير، لتوقف المعاوضة الحقيقية على قصد خروج المبيع من ملك البائع إلى ملك المشتري، و حلول الثمن محلّه، فلا يعقل القصد الجدّي لدخول الثمن في ملك الغير.

و بهذا ظهر أن المانع الثبوتي- أي عدم المعقولية- هو الموجب لوقوع البيع عن نفس العاقد، و لا تصل النوبة إلى مقام الإثبات حتى يحكم بوقوعه له رعاية لجانب الأصالة.

(5) لأصالة الظهور في قوله: «بعت مالي» لظهوره في المعاوضة الحقيقية، و هي الوقوع للبائع المالك للمبيع.

(6) لأنه خلاف مقتضى المعاوضة.

ص: 124

و هو (1) معنى لغويته.

و لذا (2) لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع إجازته كما سيجي ء (3) و لا يقع عن نفسه أبدا.

نعم (4) لو ملّكه فأجاز قيل: بوقوعه له، لكن (5) لا من حيث إيقاعه أوّلا لنفسه، فإن (6) القائل به لا يفرّق

______________________________

(1) يعني: و عدم تحقق القصد إليه هو معنى لغويّته.

(2) يعني: و لأجل عدم المعقولية لو باع مال غيره عن نفسه- كقوله: بعتك كتاب زيد عن نفسي بدينار بأن يدخل الثمن في ملك العاقد- وقع للغير إن أجاز، تحقيقا لمعنى المعاوضة، و لا وجه لوقوعه عن نفسه، لاقتضاء المبادلة دخول الثمن في ملك مالك المبيع، و بالعكس، فيلغو قصد وقوعه عن العاقد.

(3) يعني: في المسألة الثالثة من بيع الفضولي، و هي بيع الفضولي لنفسه.

(4) غرضه الاستدراك على قوله: «و لا يقع عن نفسه أبدا» ببيان صورة أخرى يلتزم فيها بدخول الثمن في ملك نفسه، كما لو باع كتاب زيد لنفسه بدينار، ثم تملّك الكتاب من زيد بشراء أو بهبة أو بإرث، ثم أجاز ذلك البيع الفضول، فقد قيل بصحة هذا البيع الفضولي بعد الإجازة، و دخول الثمن في ملك العاقد. لكن هذا القول لا ينافي ما تقدم من اقتضاء مفهوم المعاوضة دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

وجه عدم المنافاة: أنّ تملكه للثمن في المثال المزبور لا يستند إلى إيقاع ذلك البيع الفضولي لنفسه، بل لكونه من قبيل «من باع شيئا ثم ملكه» إذ القائل بالصحة بعد تملّك مال الغير لا يفرّق بين المثالين، و هما: بيع مال الغير عن نفسه فضولا، و بين بيعه عن مالكه فضولا. و عدم الفرق كاشف عن لغوية قصد وقوع البيع عن نفسه. بل يقع عن مالكه، و بعد تملكه منه و إجازته يدخل الثمن في ملك العاقد.

(5) هذا توجيه الاستدراك، و قد ذكرناه بقولنا: «لكن هذا القول لا ينافي ..».

(6) تعليل لقوله: «لا من حيث» يعني: أنّ قصد وقوع بيع الغير عن نفسه لغو

ص: 125

حينئذ (1) بين بيعه (2) عن نفسه أو عن مالكه. فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما، و وجوده كعدمه (3).

إلّا (4) أن يقال: إنّ وقوع بيع مال نفسه لغيره إنّما لا يعقل إذا فرض

______________________________

على كلّ حال، و ذلك لأنّ القائل بالوقوع لنفسه يقول به سواء قصد العاقد وقوعه لنفسه أم لمالك المبيع.

(1) أي: حين القول بصحته.

(2) أي: بيع مال الغير.

(3) إذ لو كان هذا القصد مؤثّرا لزم الفرق بين قصد وقوعه لنفسه و للمالك، بأن يقال: إنّه عند قصد وقوعه لنفسه يقع له، و لا حاجة إلى الإجازة بعد تملكه للمبيع، لفرض وقوع البيع له. بخلاف ما لو أضافه إلى المالك، فإنّه يقع عنه، و لذا يتوقف على إجازة العاقد بعد تملكه للمبيع. و عليه فالحاجة إلى الإجازة في كلا الفرضين دليل على لغوية قصد وقوعه لنفسه، و أنّه يقع لمالك المبيع خاصة.

(4) استدراك على ما ذكره في الفرع الأوّل من قوله: «من باع مال نفسه عن غيره .. و الظاهر وقوعه عن البائع» و حاصله: أنّه لمّا كان بيع مال نفسه ظاهرا في إرادة المعاوضة الحقيقية- بأن يقع لنفسه- أمكن رفع اليد عن هذا الظاهر عند إتيانه بكلمة «بعت كتابي عن زيد بدينار» و يقال بالبطلان بأحد احتمالين:

الأوّل: عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و أنّه لا يقع البيع للعاقد كما لا يقع عن زيد، فهو إنشاء لغو، فهو غير قاصد من حين الإنشاء للمبادلة بين كتابه و الدينار، لكنّه يتشبّث بقرينة مانعة عن إضافة البيع إلى نفسه، و هي إضافته إلى زيد. و حينئذ لا وجه لما أفاده المصنف بقوله: «و الظاهر وقوعه عن البائع» وفاقا لصاحب المقابس.

الاحتمال الثاني: أن يستند البطلان إلى عدم قصد المعاوضة الحقيقية، بأن يقصدها على وجه التنزيل و الادّعاء، يعني: أنّ المالك عند ما يقول: «بعت كتابي عن زيد بدينار» يدّعي مالكية زيد للكتاب تنزيلا له منزلة نفسه، ثم ينشئ البيع،

ص: 126

قصده للمعاوضة الحقيقية، لم لا يجعل هذا (1) قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية؟ (2) أو على (3) تنزيل الغير منزلة نفسه في مالكية المبيع؟

كما سيأتي أن (4) المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصوّر إلّا على هذا الوجه (5)،

______________________________

فيستند البطلان إلى انتفاء ركن العقد، و هو إضافة العوض إلى غير مالكه، و به تنتفي إرادة حقيقة المعاوضة.

و الحاصل: أنّه بناء على كلا الاحتمالين يحكم بفساد هذا البيع، و لا يصح ما تقدم من الجزم بوقوعه للبائع المالك، و لغوية قصد وقوعه عن الغير.

نعم سيأتي إبطال الاحتمال الثاني، و تقوية وقوعه عن المالك، فانتظر.

(1) المشار إليه هو إضافة البيع إلى الغير ليقع عنه. و هذا إشارة إلى أوّل الاحتمالين المتقدمين في بطلان هذا الإنشاء.

(2) و من المعلوم أنّه لا بيع عند انتفاء قصد المبادلة الحقيقية، فلا يقع لا عن نفسه و لا عن غيره. و قوله: «المبادلة» مفعول لقوله: «إرادته».

(3) معطوف على «على عدم» يعني: لم لا يجعل إضافة البيع إلى الغير قرينة على تنزيل ذلك الغير منزلة المالك ادّعاء، و إن لم يكن مالكا واقعا؟ و هذا ثاني الاحتمالين المتقدمين آنفا.

(4) سيأتي في المسألة الثالثة من بيع الفضولي- و هي بيع الغاصب لنفسه- التنبيه عليه غير مرّة، فقال في بعض كلامه: «فالأنسب في التفصّي أن يقال: ان نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه من قوله: تملكت منك .. ليس من حيث هو، بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا، و لذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته، ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة .. إلخ» فراجع (ص 581).

(5) أي: على وجه التنزيل منزلة المالك الحقيقي، و ادّعاء كون نفسه هو ذاك.

و لا يخفى أنّ ما أفاده في بيع الفضول ناظر إلى بيع مال الغير عن نفسه، بفرض

ص: 127

و حينئذ (1) فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي.

و من هنا (2) ذكر العلامة و غيره في عكس المثال المذكور: «أنّه لو قال

______________________________

نفسه مالكا حقيقيا، و هذا عكس ما نحن فيه، و هو بيع مال نفسه عن غيره، و يشترك الأصل و العكس في تنزيل غير المالك منزلة المالك.

(1) أي: و حين كون قصد وقوع البيع عن غير المالك قرينة على انتفاء إرادة المعاوضة الحقيقية- بأحد الوجهين المتقدمين- يحكم ببطلان المعاملة، لا بوقوعها عن المالك.

(2) أي: و من عدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك الحقيقي في بيع مال نفسه عن الغير، حكم العلّامة و غيره كالشهيد قدّس سرّهما .. إلخ. قال في رهن القواعد: «و لو قال:

بعه لنفسك، بطل الإذن، لأنّه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه». و قال في الدروس:

«و لو قال: الراهن للمرتهن: بعه لنفسك لم يصح البيع، لأنّ غير المالك لا يبيع لنفسه» «1».

و ظاهره الإذن في البيع بعد تحقق العقد، لا باشتراطه في ضمن العقد.

و كيف كان فغرض المصنف تأييد بطلان العقد المزبور بما ذكره جمع في فرعين:

أحدهما: أن يقول الراهن للمرتهن: «بع هذه الوثيقة لنفسك» فباعها المرتهن.

و حكموا ببطلانه، و هو من موارد بيع مال الغير لنفس العاقد، لبقاء الرّهن على ملك الرّاهن بعد، و إذنه في البيع غير مصحّح له.

ثانيهما: أن يدفع شخص مالا إلى طالب طعام، و يقول له: «اشتر به لنفسك طعاما» فيبطل، لأنّ الثمن بعد باق على ملك الدافع، فلا يتمشّى من المشتري قصد حقيقة المعاوضة، لأنّه المنتفع بالطعام، لا دافع الثمن.

______________________________

(1) لاحظ قواعد الأحكام، ج 2، ص 127، الدروس الشرعية، ج 3، ص 409.

ص: 128

المالك للمرتهن: «بعه لنفسك» بطل، و كذا لو دفع مالا إلى من يطلب [يطلبه] (1) الطعام و قال: «اشتر به لنفسك طعاما» «1» هذا.

و لكن (2) الأقوى صحة المعاملة المذكورة، و لغوية القصد المذكور، لأنّه (3) راجع إلى إرادة إرجاع فائدة البيع إلى الغير، لا جعله (4) أحد ركني المعاوضة (5).

و أمّا حكمهم (6) ببطلان البيع في مثال الرهن و اشتراء الطعام فمرادهم

______________________________

و هذان المثالان عكس ما نحن فيه، و هو بيع مال نفسه عن الغير. لكن مناط البطلان في الجميع واحد، و هو انتفاء القصد الجدّي للمعاوضة مع المالك الحقيقي.

و سيأتي توجيه حكمهم في الكل.

(1) كذا في النسخ، و الظاهر صحة ما أثبتناه، بحذف الضمير.

(2) هذا عدول عن قوله: «و حينئذ فيحكم ببطلان المعاملة» و غرضه تثبيت ما أفاده أوّلا- جازما به- من قوله: «و الظاهر وقوعه عن البائع، و لغوية قصده عن الغير» و توضيحه: أنّ القائل: «بعت كتابي عن زيد» إن قصد حقيقة المعاوضة بأن يدخل الثمن في ملك زيد و يخرج الكتاب عن ملك نفسه كان البطلان مسلّما. و أمّا إذا قصد إضافة البيع إلى نفسه، و كان إضافته إلى زيد لأجل حصوله على فائدة المعاملة بأن يدخل الدينار في ملكه بهبة و نحوها لا بنفس هذا البيع، قلنا بصحته و وقوعه للمالك، و دخول الثمن في ملكه، و لو أراد تمليكه من زيد توقّف على مملّك آخر غير ذلك البيع.

(3) أي: لأنّ القصد المذكور- و هو الوقوع عن الغير- راجع إلى جعل فائدة البيع له.

(4) بالجر، معطوف على «إرادة».

(5) حتى تبطل من جهة إضافة المال إلى غير مالكه.

(6) كأنّه يتوهّم أنّ حكم العلّامة و غيره ببطلان البيع- في مثال الرهن و اشتراء الطعام- ينافي صحة البيع و لغويّة قصد الغير.

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 87، الدروس الشرعية، ج 3، ص 211.

ص: 129

عدم وقوعه للمخاطب (1)، لا أنّ المخاطب إذا قال: «بعته لنفسي (2) أو اشتريته لنفسي (3)» لم يقع لمالكه إذا أجازه.

و بالجملة (4): فحكمهم بصحة بيع الفضولي و شرائه لنفسه و وقوعه للمالك يدلّ (5) على عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك.

ثم إنّ ما ذكرنا كله (6) حكم وجوب تعيين كلّ من البائع و المشتري من يبيع له و يشتري له.

______________________________

و دفع هذا التوهّم بقوله: «فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب .. إلخ». و حاصله:

أنّ مرادهم بالبطلان عدم وقوعه للمخاطب، لا مطلقا و لو للمالك.

و لا يخفى أنه قد سبق في رابع تنبيهات المعاطاة توجيه مسألة شراء الطعام بمال الدافع، و كيفية تملك المشتري له، فراجع «1».

(1) فلا مانع من وقوعه للمالك، كالراهن و الدافع للمال في المثالين المزبورين.

(2) في مسألة بيع الرهن.

(3) في مسألة شراء الطعام.

(4) غرضه تأييد ما أفاده- من عدم تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك في البطلان- بحكمهم في الفضولي بصحة البيع، و شرائه لنفسه، و وقوعه للمالك.

(5) خبر قوله: فحكمهم.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل مما حقّقه صاحب المقابس، و ما ناقش فيه المصنّف، و هو اشتراط البيع بتعيين مالكي العوضين. بأن يقصد الموجب من ينتقل عنه المبيع، و أن يقصد القابل من ينتقل إليه المبيع، و يخرج الثمن من ملكه. و قد فصّل المصنف قدّس سرّه بين العوض الكلّي و الشخصي. و يأتي الكلام في المقام الثاني.

(6) من قوله: «و اعلم أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه» إلى هنا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 104- 105.

ص: 130

[هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري، و القابل للبائع أم لا؟]
اشارة

و أمّا تعيين الموجب لخصوص المشتري (1)

______________________________

هل يعتبر تعيين الموجب للمشتري، و القابل للبائع أم لا؟

(1) غرضه تعيين كلّ من البائع و المشتري للآخر في مقام الإثبات، بمعنى علم الموجب بأنّ القابل يقبل لنفسه أو لغيره. و كذا علم القابل بأنّ الموجب يوجب لنفسه، أو لغيره مع معرفة ذلك الغير في كلا الموردين.

و هذا المقام يتكفل موضعين من البحث.

الأوّل: علم كل من المتعاقدين بالآخر. مثلا: إذا قال زيد للمشتري: «بعتك هذا الكتاب بدينار» فهل يعتبر في صحة البيع معرفة مخاطبة، و أنّ المشتري هو عمرو لا بكر و خالد، لاحتمال أن يشتري عمرو لنفسه، أو لغيره وكالة أو فضولا؟

أم لا يعتبر ذلك.

و هل يعتبر معرفة المشتري بأنّ مالك الكتاب المريد لبيعه هو زيد المباشر للعقد، أم أنّ البائع الحقيقي هو موكّل زيد، أو من يبيع له زيد فضولا، لاحتمال أن يبيع مال نفسه و غيره، أم لا يعتبر ذلك؟ في المسألة احتمالان:

أحدهما: اعتبار تعيين كل من المتعاقدين للآخر مطلقا، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب، كما لعلّه حال غالب البيوع، حيث لا يهمّ البائع إلّا أصل المعاوضة، و أمّا كون المشتري خصوص المخاطب بقوله: «بعتك» أو موكّله أو من يلي أمره، فليس بمهمّ، فالمخاطب بنظر البائع الموجب هو الأعم من المشتري الحقيقي و الجعلي.

ثانيهما: عدم الاعتبار مطلقا إلّا في مثل عقد النكاح، حيث إنّ لكلّ من الزوجين عناية خاصة بالآخر، فلو قالت هند لزيد: «زوّجتك نفسي بكذا» لم تقصد موكّل زيد أو الصغير الذي لزيد ولاية عليه.

و ذهب صاحب المقابس إلى اعتبار التعيين في النكاح، و عدم اعتباره في البيع و نحوه، و سيأتي كلامه.

ص: 131

المخاطب و القابل لخصوص البائع، فيحتمل اعتباره (1)، إلّا في ما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكلّ من المتخاطبين، كما في غالب البيوع و الإجارات (2). فحينئذ (3) يراد من ضمير المخاطب في قوله: «ملكتك كذا أو منفعة كذا بكذا» هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا حقيقيّا أو جعليّا، كالمشتري الغاصب، أو من (4) هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية.

______________________________

الموضع الثاني: في أنّه بعد علم الموجب أنّ القابل يقبل عن غيره ولاية أو وكالة هل يجوز له مخاطبته له، بأن يقول: «بعتك هذا بكذا» أم يلزمه إضافة «كاف» الخطاب إلى الموكّل أو المولّى عليه، بأن يقول: «بعت هذا من موكّلك أو من زيد الذي تلي أمره»؟ و سيتضح الأمر في كلا الموضعين إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا أحد الاحتمالين، و قد تقدم آنفا.

(2) الأمر في غالب البيوع واضح كما أفاده قدّس سرّه. و كذا الحال في غالب الإجارات، لتعلّق غرض المؤجر- في إجارة الأعيان كالدور و الدكاكين و النواقل- بتمليك المنفعة بعوض، مهما كان المستأجر. كما أنّ همّ المستأجر استيفاء المنفعة سواء أ كانت العين لزيد أم لعمرو. و كذا الحال في إجارة الأعمال.

نعم قد يتعلق الغرض- نادرا- بإجارة العين من مستأجر خاص، أو استيجار العين من مالك خاص، و ذاك مقام آخر.

و على كلّ فالغلبة المزبورة قرينة نوعيّة مانعة عن انعقاد الظهور في إرادة شخص المخاطب بخصوصيته.

(3) أي: فحين عدم إرادة خصوص المخاطب.

(4) هذا و الوكيل و الولي مثال للمالك الجعلي. أمّا الغاصب الذي يشتري لنفسه بمال الغير فلانّه يعتبر نفسه مالكا حقيقيا. و أمّا الوكيل فأدلة الإذن تصحّح تنزيل نفسه منزلة الموكّل. و أمّا الولي فدليل ولايته على القاصر ينزّله منزلة المولّى عليه في ما يصلح له.

ص: 132

و يحتمل (1) عدم اعتباره إلّا في ما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين كما في النكاح و الوقف الخاص و الهبة و الوكالة و الوصية (2).

الأقوى هو الأوّل (3) عملا بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية، و تبعية العقود للقصود.

و على فرض القول الثاني (4) فلو صرّح بإرادة خصوص المخاطب اتّبع قصده،

______________________________

(1) معطوف على «فيحتمل» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(2) لما يقال من أنّ الموقوف عليه الخاص و المتهب و الوكيل و الوصي ركن في هذه العقود، بحيث يكون للواقف و الواهب و الموكّل و الموصى عناية خاصة بهم.

(3) و هو الاعتبار، إلّا مع العلم بعدم إرادة خصوص المخاطب، فإنّ العلم بذلك قرينة على عدم إرادة ظاهر كاف الخطاب في قوله: «بعتك» حيث إنّ ظاهره خصوص المخاطب، و هذا الظاهر حجة ما لم تقم قرينة على خلافه من إرادة الأعم منه و من وكيله مثلا.

و أمّا مع عدم العلم بإرادة الأعم من المخاطب و من وكيله مثلا فلا بدّ من رعاية ظاهر الخطاب المقتضي لوقوعه للمخاطب، فلو قبل لموكّله مثلا لم يحصل التطابق بين الإيجاب و القبول بالنسبة إلى بعض الخصوصيات، و تنثلم قاعدة «تبعية العقود للقصود» إذ كان قصد الموجب وقوع العقد لهذا المخاطب الحقيقي لا للأعم، فقبوله للأعم ليس مطاوعة لذلك الإيجاب و لا مطابقا له.

(4) و هو عدم الاعتبار إلّا مع العلم بدخل خصوصية الطرفين كما في النكاح و شبهه، و الأولى تبديل «القول الثاني» ب «الاحتمال الثاني» و إن كان القائل به موجودا أيضا، لعدم سبق ذكر القولين.

و كيف كان فبناء على اعتبار رعاية ظاهر الخطاب لا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره، لإباء «كاف» الخطاب عن الرجوع إلى الغير، و المفروض دخل خصوصية المخاطب في إيجاب العقد، فلو قصد القابل غيره لم يكن قبولا لذلك الإيجاب.

ص: 133

فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره (1).

قال في التذكرة: «لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر فإشكال (2)، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1».

و هذا الاشكال و إن كان ضعيفا مخالفا للإجماع (3) و السيرة،

______________________________

(1) غرضه من نقل كلام العلامة قدّس سرّه الاستشهاد به على عدم جواز القبول عن الغير لو كان مقصود الموجب وقوع العقد لخصوص القابل المخاطب بضمير الخطاب.

و وجه الشهادة: أنّ العلامة استشكل في صحة بيع الفضولي بإجازة المالك عند جهل الطرف الآخر بفضولية العقد، إذ يقصد الأصيل حينئذ بقوله: «بعتك بكذا» تمليك هذا المخاطب، لا المالك الواقعي للثمن، فإذا انكشف الحال انتفت المطابقة بين الإيجاب و القبول، لكون قصد الموجب تمليك المبيع لهذا القابل و تملّك الثمن منه، فقبول الفضول تملّك المبيع لغيره- و هو المجيز- غير مقصود للموجب، فلم يحصل التطابق بينهما في الخصوصيات.

و هذا الإشكال مبنيّ على اعتبار تعيين الموجب و القابل، و مراعاة ظاهر الكلام.

لكن ضعّفه المصنف قدّس سرّه بعدم لزوم مخالفة- في المقام- لكبرى وجوب التعيين.

و أنّ الإيجاب و القبول متواردان على شي ء واحد، و بيانه: أنّ البائع الأصيل الجاهل بفضولية القابل إنّما يخاطبه بقوله: «بعتك» زعما منه مالكيته للثمن، لا لخصوصية في شخص القابل، لما سبق آنفا من بناء العقود المعاوضية غالبا على مبادلة الأموال، و لا غرض في معرفة الأشخاص.

و عليه فلمّا كان قصد الموجب تمليك المبيع لمن يملك الثمن واقعا لم يكن توجيه الخطاب إلى الفضول منافيا لوقوع البيع للمالك المجيز.

(2) مبتدء، خبره «فيه» مقدّرا، و الجملة جواب «لو باع ..».

(3) القائم على صحة هذا البيع لو أجاز المالك. و تفصيله موكول إلى بحث بيع الفضول.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر 12.

ص: 134

إلّا أنّه (1) مبنيّ على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.

[التفصيل في اعتبار تعيين الموجب و القابل بين مثل البيع و النكاح]

و قد يقال في الفرق (2) بين البيع و شبهه و بين النكاح: «إنّ (3) الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر العقود، و يختلف الأغراض باختلافهما، فلا بدّ من التعيين، و توارد الإيجاب و القبول على أمر واحد. و لأنّ (4) معنى قوله: بعتك كذا

______________________________

(1) أي: إلّا أنّ الاشكال مبني على اعتبار مراعاة ظاهر الكلام من وقوع الشراء للمخاطب، لا للمالك المجيز.

التفصيل في اعتبار تعيين الموجب و القابل بين مثل البيع و النكاح

(2) أي: الفرق بين النكاح في اعتبار تعيين الزوجين، و بين البيع في عدم لزوم تعيين البائع و المشتري. و هذا الفارق وجهان أفادهما المحقق التستري قدّس سرّه.

الأوّل: أنّ الدليل على اعتبار تعيين الزوجين هو كونهما ركنا في العقد، كالعوضين في البيع و شبهه، فكما يقدح الجهل بخصوصية العوضين في الصحة، فكذا يقدح الجهل بخصوصية الزوجين، فيلزم على كل منهما تعيين الآخر ليتوارد الإيجاب و القبول على أمر واحد، و هو العلقة الخاصة بين شخصين، فلو قالت المرأة: «زوّجت نفسي من موكّلك زيد» و قال وكيل الزوج: «قبلت التزويج لنفسي» لم يتواردا على أمر وحداني، بل كانا كإيقاعين لم يرتبط أحدهما بالآخر. هذا في النكاح، بخلاف البيع الذي يقصد فيه تبديل المالين غالبا، بلا عناية بمالكيهما.

(3) نائب فاعل «يقال» و عبارة المقابس هكذا: «فإنه يشترط فيه- أي في النكاح- تعيين الزوجين، و معرفة كلّ من المتعاقدين بذلك، لأنّهما كالعوضين ..» «1».

(4) معطوف على «لأنّهما» و هذا ثاني وجهي الفرق بين البيع و شبهه، و بين النكاح، و حاصله: أنّ معنى قوله: «بعتك» هو رضا الموجب بكون المخاطب مشتريا، و المشتري يطلق على المالك و وكيله. بخلاف الزوج، فإنّه لا يطلق على وكيله، فمعنى قولها: «زوّجتك نفسي» رضاها بكون المخاطب زوجا، لها لا غيره، فلو قصد القابل

______________________________

(1) القائل هو المحقق التستري في المقابس، كتاب البيع، ص 13، س 6.

ص: 135

بكذا- رضاه بكونه مشتريا للمال المبيع، و المشتري (1) يطلق على المالك و وكيله. و معنى قولها:- زوّجتك نفسي- رضاها بكونه زوجا، و الزوج لا يطلق على الوكيل» انتهى.

و يرد على الوجه الأوّل من وجهي الفرق: أنّ (2) كون الزوجين كالعوضين

______________________________

غيره لم يكن قبولا للإيجاب.

و هذا الوجه ناظر إلى تفاوت لفظ المشتري و الزوج في مقام الإثبات، لصدق المشتري- عرفا- على كلّ من الأصيل و الوكيل، فيصح البيع. و أمّا الزوج فلا يطلق على الوكيل. و لا مانع من اختلاف مفاد الألفاظ بحسب الموارد، فالوكالة في الشراء و النكاح هي الإذن في القبول لا غير، و لكنّها في البيع توجب صدق المشتري على الوكيل، و لا توجبه في عقد النكاح. و من المعلوم أنّ المتّبع ظهور الألفاظ في المحاورات.

(1) ابتداء جملة مستأنفة، و ليست الواو بعاطفة.

(2) ناقش المصنّف في كلا دليلي الفرق. أمّا في الأوّل فبوجهين.

أحدهما: أنّه و إن كان صحيحا، لكنه مثبت لجزء المدّعى لا لتمامه، توضيحه:

أنّ المقصود إثبات لزوم التعيين في النكاح و شبهه، و عدم لزومه في البيع، و ما أفاده- من ركنية الزوجين في عقد النكاح كالعوضين في البيع- يصلح لإثبات وجوب التعيين في النكاح، و لا ينفي وجوبه في البيع، إذ لا يدلّ كلامه على عدم ركنية البائع و المشتري حتى لا يجب تعيينهما. و عليه فالدليل غير واف بتمام المدّعى.

ثانيهما: أنّه أخصّ من المدّعى، و هو لزوم التعيين في كلّ من النكاح و الوقف و الوصية و الوكالة. و المذكور في المتن مختصّ بالنكاح، فلا يعمّ جميع موارد لزوم التعيين، فلا بدّ من إقامة الدليل عليه في الهبة و الوصيّة و الوقف ممّا يكون من له العقد فيها مقوّما للعنوان، لعدم صدق المتّهب و الوصيّ و الموقوف عليه على الوكيل من قبلهم فلو أراد زيد هبة مال لعمرو، و ادّعى بكر وكالته عن عمرو في قبول الهبة لم يصح توجيه الخطاب إليه، و لا قصد قبول الهبة لنفسه، فيبطل لو قال: «وهبت هذا لموكّلك عمرو، فقبل لنفسه» زعما منه كون المتهب- كالمشتري- صادقا على الوكيل منه.

ص: 136

إنّما يصحّ وجها لوجوب التعيين في النكاح، لا (1) لعدم وجوبه في البيع.

مع (2) أن الظاهر أنّ ما ذكرنا من الوقف و إخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة (3) أو الفضولي (4)، فلا بدّ من وجه مطّرد في الكلّ.

و على (5) الوجه الثاني: أنّ معنى «بعتك» في لغة العرب- كما نصّ عليه

______________________________

(1) يعني: أنّ الدليل واف ببعض المدعى و هو عقده الإيجابي، و لا يفي بعقده السلبي أعني به عدم تعيين طرفي العقد في مثل البيع.

(2) هذا ثاني الإيرادين المتقدّمين، و هو الأخصية من المدّعي.

(3) يعني: أنّه لا يصحّ للقابل في الوقف- مثلا- القبول للموقوف عليه، لوكالته عنه، فلو قال الواقف: «وقفت هذا عليك» و قصد المخاطب قبوله عن موكّله حتى يتم الوقف له، لم يصح، لعدم صدق عنوان «الموقوف عليه» على وكيله في قبول الوقف.

و كذا الحال في المتهب و الوصي و نحوهما. بخلاف المشتري الصادق على كلّ من الموكّل و الوكيل، هذا.

(4) كما إذا قبل الوقف فضولا عن زيد، ليكون هو الموقوف عليه، فيبطل، لكون الموقوف عليه ركنا في باب الوقف، كالعوضين في البيع.

(5) معطوف على «يرد على الوجه الأوّل» و محصّله: منع ما أفاده صاحب المقابس من «الفرق بين البيع و النكاح، بأنّ معنى بعتك: رضيت بكونك مشتريا، فيصدق المشتري على مالك الثمن و على وكيله» وجه المنع: أنّ معنى «بعتك» ملّكتك، لما سبق في مباحث المعاطاة و غيرها من نقل كلام فخر المحققين «معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري».

و عليه فمفاد قوله: «بعتك» جعلتك مالكا، و من المعلوم عدم صدق «المالك» على الولي عليه، و الوكيل عنه، و الفضولي، لما عرفت من تقوم الملك بطرفين أحدهما المالك، و الآخر المملوك. و معه كيف يصدق «مالك المبيع» على الوكيل عن المشتري

ص: 137

فخر المحققين- و غيره هو «ملّكتك بعوض» و معناه جعل المخاطب مالكا. و من المعلوم أنّ المالك لا يصدق على الولي و الوكيل و الفضولي (1).

فالأولى في الفرق ما ذكرنا (2) من أنّ الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث هو، بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير.

______________________________

في قبول العقد؟ و بعد سقوط هذا الوجه تقتضي القاعدة تعيين القابل حتى في مثل البيع، هذا.

(1) كعدم صدق «الزوج و المتهب و الموقوف عليه و الوصي» على الولي عليهم أو الوكيل عنهم. هذا ما يتعلق بردّ مقالة صاحب المقابس.

(2) غرض المصنف إبداء فارق آخر بين البيع و شبهه و بين مثل النكاح، و قد سبق ذلك قبل نقل عبارة المقابس، و محصله: أنّ همّ البائع تبديل المبيع بثمن، و همّ المشتري بذل الثمن بإزاء اقتناء المبيع، فليس مقصود البائع من قوله: «بعتك بكذا» إلّا تمليك ماله بمال المخاطب، سواء أ كان أصيلا أم وكيلا أم وليّا. و هذا بخلاف مثل النكاح مما يكون لكلّ من المتعاقدين عناية بالطرف الآخر، فلا بد من تعيين شخصه.

فإن قلت: لا يصح ما أفيد في البيع من غلبة قصد المالك الواقعي، لا خصوص المخاطب في مقام الإنشاء، و ذلك لمنافاته لما تقرّر من عدم سماع دعوى المشتري- بعد تمام العقد- وكالته عن غيره، و أنّه اشترى لموكّله، حتى يطلب الثمن منه لا من المشتري. و وجه عدم السماع هو اتّباع ظاهر الكلام، لقول البائع: «بعتك» و قول المشتري «قبلت أو اشتريت منك أو تملكت منك» مما ظاهره الشراء لنفسه لا لموكّله.

و لو صحّ ما في المتن- من أن مقصود البائع هو المالك الحقيقي، أعم من شخص المخاطب و من وكيله- كان اعتذار المشتري بأنه اشتراه لغيره متّجها، لعدم مخالفته لمضمون العقد. و عليه فالبيع كالنكاح في اعتبار تعيين من يقع العقد له، هذا.

قلت: لا منافاة بين كون قصد البائع أعم من القابل و من موكّله و بين عدم سماع دعوى المشتري الشراء لموكّله، و ذلك لأنّ ردّ قول المشتري ينشأ من ظهور

ص: 138

و لا ينافي ذلك (1) عدم (2) سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل، فتأمّل (3).

بخلاف (4) النكاح و ما أشبهه، فإنّ الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنّه ركن للعقد.

بل (5) ربّما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب (6) من حيث (7) قيامه مقام الأصيل

______________________________

«التاء» في «قبلت و اشتريت» في الشراء للنفس لا للغير، و حيث كانت دعواه مخالفة لأصالة الظهور في القبول كانت مردودة، هذا.

(1) المشار إليه قوله: «إنّ الغالب في البيع و الإجارة هو قصد المخاطب بالاعتبار الأعم».

(2) فاعل «ينافي» و قد تقدم بيان المنافاة و عدمها بقولنا: «إن قلت .. قلت».

(3) الظاهر أنّه إشارة إلى الدقة في وجه عدم المنافاة.

(4) هذا عدل لقوله: «ان الغالب في البيع ..» و غرضه اقتضاء الغلبة تعيين الزوج و إرادة شخصه، لا الأعم منه و من وكيله أو وليّه.

(5) لمّا كان مفاد قوله: «فان الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد» صحة عقد النكاح نادرا لو قامت قرينة على ما لو قصدت المرأة بقولها:

«زوّجتك نفسي» التزويج من موكّل القابل، بدعوى أنّ وكالته صحّحت توجيه «كاف» الخطاب إلى الوكيل، مع كون الزوج هو الموكّل، فأراد المصنف الترقي بمنع هذا الفرد النادر، و أنّه لا يصح أن تقول المرأة «زوّجتك» قاصدة موكّل القابل.

و الوجه في المنع عدم تعارف صدق عنوان «الزوج» على الوكيل و لو مجازا و نادرا. و عليه فلا بدّ أن يراد بالمخاطب نفس الزوج.

(6) يعني: المخاطب العاقد عن الزوج، فإنّه وكيله في قبول النكاح.

(7) يعني: لا تريد المرأة تزويج نفسها من المخاطب حقيقة، و إنّما تخاطبه

ص: 139

كما لو قال (1): «زوّجتك» مريدا له باعتبار كونه (2) وكيلا عن الزوج. و كذا قوله:

«وقفت عليك و أوصيت لك و وكّلتك».

و لعل الوجه (3) عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها، فلا يقال للوكيل: «الزوج و لا الموقوف عليه و لا الموصى له و لا الموكل» (4) بخلاف البائع و المستأجر، فتأمّل حتّى لا يتوهّم رجوعه (5) إلى ما ذكرنا سابقا

______________________________

ب «زوّجتك» من حيث كونه وكيلا عن زوجها.

(1) تذكير الضمير و كذا تذكير «مريدا» باعتبار وكيل الزوجة في إيجاب العقد، كما هو الغالب من عدم مباشرة المرأة إنشاء النكاح.

(2) هذا الضمير و ضمير «له» راجعان إلى «المخاطب» المفروض وكالته عن الزوج.

(3) أي: وجه منع هذا الفرد النادر، و عدم صحة العقد حتى مع قيام القرينة على إرادة الموكّل من حرف الخطاب.

(4) يعني: لا يقال للوكيل: «الموكّل» للمقابلة بينهما، فلا يطلق أحدهما على الآخر، و إن كان الوكيل كالأصيل في نفوذ تصرفه في مورد وكالته، لكن هذا لا يصحّح تسمية الوكيل موكّلا.

(5) الضمير راجع إلى ما ذكره بقوله: «فالأولى في الفرق ما ذكرنا من أن الغالب» و المراد من الموصول في قوله: «إلى ما ذكرنا سابقا» هو الوجه الثاني من وجهي الفرق بين البيع و النكاح الذي ذكره سابقا بقوله: «و قد يقال في الفرق إلخ».

و المقصود بالوجه الثاني قوله: «و إنّ معنى قوله: بعتك كذا بكذا رضاه بكونه مشتريا .. إلخ».

و المراد من الاعتراض عليه ما ذكره بقوله: «و على الوجه الثاني ان معنى بعتك ..».

و وجه عدم الرجوع إليه أنّ المقصود من المخاطب فيما اعترضنا عليه كان هو بعنوان خاص أعني كونه مخاطبا في هذه المعاملة، و فيما ذكرنا بقولنا: «و الأولى في الفرق» هو بعنوانه العام، لكونه مالكا، و لكونه وكيلا أعني منه عنوان: المسلّط على المال في مقام المعاملة.

ص: 140

و اعترضنا عليه [1].

______________________________

[1] لا يخفى أنّ في هذه المسألة جهتان:

الأولى: أنّهم اعتبروا قصد مدلول العقد في صحته، و أرسلوه إرسال المسلّمات، بل عن التذكرة: الإجماع عليه.

لكن عدّه شرطا لا يخلو من مسامحة، لأنّ الشرط إنّما يطلق على الأمر الخارج عن حقيقة المشروط، و قصد مدلول العقد مقوم له و دخيل في حقيقته، و ليس أمرا خارجا عن حقيقته حتى يصح إطلاق الشرط عليه. فلو عبّر عنه بأنّه مقوم عرفي كان أولى.

و كيف كان فالبيع- سواء كان بمعنى إيجاد المعنى باللفظ كما هو المشهور عند الأصوليين و غيرهم، أم كان بمعنى إظهار أمر نفساني بمبرز أم كان بمعنى الاعتبار النفساني المظهر بمبرز خارجي، سواء أمضاه العرف و الشرع أم لا، و سواء كان، في العالم شرع و عرف أم لا- لا يتحقق في الخارج إلّا بالقصد الذي هو أمر نفساني مع إظهاره بمبرز خارجي، فبانتفاء أحدهما ينتفي الآخر، لانتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه.

و الحاصل: أنّ جعل القصد من شروط العقد أو المتعاقدين ثم الاستدلال عليه بالإجماع لا يخلو من المسامحة، إذ ليس القصد شرطا شرعيا حتى يستدل عليه بالإجماع الذي هو دليل على الحكم الشرعي.

الجهة الثانية: أنّ المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه قال: «إنّ في اعتبار تعيين المالكين اللذين يتحقّق النقل و الانتقال بالنسبة إليهما وجوها و أقوالا».

و ملخص الكلام فيه: أنّه هل يعتبر في صحة البيع تعيين المالك و من يقع عنه البيع، سواء أ كان عن نفسه أم غيره؟ ثم على فرض اعتباره هل يلزم تعريفه للمشتري، و كذا تعريف المشتري للبائع أم لا؟ فهنا مقامان:

الأوّل: في اعتبار تعيين من يقع عنه البيع.

و الثاني: في اعتبار تعريف كل من البائع و المشتري للآخر.

أما المقام الأوّل فتفصيل البحث فيه: أنّ الكلام تارة يكون في البيع الشخصي

ص: 141

______________________________

و اخرى في البيع الكلي.

أمّا البيع الشخصي فتعين المالك ثبوتا يغني عن تعيينه إثباتا بالقصد أو اللفظ أو كليهما، فتعيينه ليس مقوما و لا شرطا للبيع، إذ ليس البيع إلّا اعتبار المبادلة بين المالين في أفق النفس، و إبرازه بمبرز خارجي من اللفظ و غيره. و لا ريب في أنّ هذا المعنى يتحقق بدخول العوض في ملك من خرج عن ملكه المعوّض، و بالعكس، من دون حاجة إلى تعيين مالك الثمن أو المثمن، لعدم قيام دليل تعبدي على اعتبار التعيين، مع حصول المعنى العرفي للبيع بدون التعيين.

و لا فرق فيما ذكرناه بين صدور العقد من المالكين و من غيرهما كالوكيل و الولي و الفضولي، فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن قصد المالك و تعيينه.

نعم يعتبر في صحة البيع أن لا يقصد خلاف مقتضى العقد، كأن يشترط دخول الثمن في ملك غير البائع، أو المثمن في غير ملك المشتري، فإنّه يرجع في الحقيقة إلى عدم قصد البيع، لأنّ حقيقة البيع متقومة بمبادلة المالين، فإن لم يرجع قصد الخلاف إلى عدم قصد البيع، فهو يتصور على صور:

إحداها: أن يقصد رجوع نتيجة البيع و فائدته إلى شخص آخر، كما إذا قصد التمليك للغير بعد تحقق البيع، كأن يشتري شيئا لولده، أو خبزا من الخبّاز بقصد إعطائه إلى الفقير، أو اشتراط ذلك على الخبّاز، فإنّ المبيع في هذه الموارد ينتقل إلى المشتري، ثم منه بناقل شرعي إلى غيره. و لا إشكال في صحة البيع في هذه الموارد.

ثانيتها: أن يقصد الخلاف من باب الادّعاء و عقد القلب على كون غير المالك مالكا تنزيلا و تشريعا، كما في بيع اللصوص و الغاصبين ما يبيعونه من الأموال المسروقة و المغصوبة.

ثالثتها: أن يقصد الخلاف من باب الخطاء في التطبيق كالوكيل في بيع أموال غيره، بتخيّل كون العين الفلانية مملوكة للموكل، فباعها له، ثم ظهر كونها ملكا لشخص آخر.

ص: 142

______________________________

و في هاتين الصورتين يتحقق البيع للمالك، غاية الأمر أنّ نفوذه يتوقف على إجازته.

و الكليّ في المعيّن و الكلي الثابت في ذمة شخص خاص في حكم المبيع الشخصي في عدم لزوم تعيين المالك، لتعينه فيهما كتعينه في الشخصي.

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه- من عدم اعتبار تعيين من يقع له العقد في صحة البيع- إنّما يكون في العقود التي ليس قصد المالك ركنا فيها كالعقود المعاوضية التي يكون الركنان فيها العوضين كالبيع، فإنّ حقيقته المبادلة بين المالين.

و أمّا إذا لم يكن كذلك كعقد النكاح الذي يكون الركنان فيه الزوجين- اللذين هما بمنزلة العوضين في البيع- فلا بدّ من تعيينهما حال العقد، لعدم حصول الغرض بصيرورة الرجل زوجا لامرأة مبهمة، و بصيرورة المرأة زوجا لرجل مبهم.

و كذا الموقوف عليه و الموهوب له و الموصى له و الوكيل، فإنّ هؤلاء من أركان الوقف و الهبة و الوصية و الوكالة، فلا يتحقق شي ء منها بدون القصد إلى هؤلاء، و بدون تعيينهم هذا.

و أمّا البيع الكلي فلا بدّ فيه من تعيين البائع و قصده، لا من جهة اعتبار التعيين في المبيع، بل من جهة أنّ الطبيعي لا مالية له، كذا أفيد.

لكن الإنصاف أنّ له ماليّة، لأنّها من لوازم الطبيعة. فالوجه في اعتبار الإضافة أنّ الكلي غير المضاف إلى شخص يلغو اعتبار ملكيته لأحد، إذ حال من اعتبر له و من لم يعتبر له على حدّ سواء ما لم يضف إلى ذمة معيّنة. و المفروض أنّ البيع تبديل شي ء بشي ء في جهة الإضافة، و من المعلوم أنّ الكلي بما هو كلي غير مضاف إلى أحد حتى يكون تبديله بشي ء من قبيل تبديل شي ء بشي ء في جهة الإضافة، فلا يتحقق المبادلة بين المالين في الكلي غير المضاف إلى ذمّة معيّنة.

و الحاصل: أنّ الملكية المطلقة غير المتعلقة بشي ء لا يعقل أن توجد، فلا بدّ من تعلقها بشي ء و ما لا ثبوت له لا شيئية له، فلا يعقل أن يكون طرفا للملكية أو الزوجية

ص: 143

______________________________

أو غيرهما. فعدم تعلق الملكية بالمبهم ليس لأجل عدم الدليل على صحة العقد على المبهم، بل لأجل عدم وجود للمبهم و عدم شيئية له، فلا يعقل أن يكون طرفا للملكية أو الزوجية أو غيرهما.

و أمّا طلاق إحدى الزوجات أو عتاق مملوك من المماليك، فهما- مضافا إلى كونهما منصوصين- إنما يصحان فيما إذا تعلّق الإنشاء بالمتعين الواقعي في علمه تعالى و لو بعنوان ما يقع عليه سهم القرعة، أو ما يختاره فيما بعد، بحيث يكون المختار عنوانا مشيرا إلى ما هو المتعين واقعا المعلوم عنده تعالى.

و كذا بيع أحد الصيعان، فإنّ المبيع هو الصاع المتعين واقعا المعلوم عنده سبحانه و تعالى.

و أمّا الوصيّة بأحد الشيئين أو أحد الأشياء أو لأحد الأشخاص، فإن كانت عهدية فمرجعها إلى إيكال الأمر إلى الوصي، فيكون من قبيل الواجب التخييري. و إن كانت تمليكية فمع قصد التعيين- بنحو ما ذكرنا- صحّت الوصية، و إلّا كانت صرف لقلقة لسان.

و الحاصل: أنّ الإنشاء الذي لا تعيّن له إلّا بنفس هذا الإيجاد لا يعقل أن يتعلق بالمبهم، إذ لا معنى لإيجاد المبهم.

فتلخص: أنّ الكلّي ما لم يضف إلى ذمة معيّنة ليس قابلا للمعاوضة، هذا في مقام الثبوت.

و أمّا مقام الإثبات، فمقتضى الإطلاق كون الكلي مضافا إلى ذمة نفس العاقد، لانصراف الإطلاق إليه ما لم يصرّح بالخلاف، فيلزم به في مقام النزاع و الترافع.

و كذا الحال في الثمن إن كان كلّيا، فإنّ الإطلاق منصرف إلى قابل العقد، فيلزم به في مقام الترافع.

ص: 144

______________________________

و أمّا المقام الثاني:- و هو الذي أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: و أما تعيين الموجب لخصوص المشتري و بالعكس- فحاصله: أنّه هل يعتبر في صحة البيع أن يعرف المشتري مالك المبيع، بأن يعرف أنّ العاقد الموجب هل هو مالك المبيع أم وكيله؟

أم لا يعتبر إلّا تعيين البائع بحسب قصد الموجب للعقد، و تعيين المشتري بحسب قصد القابل للعقد.

و الحاصل: أنّ تعيين المالكين للعوضين ثبوتا عند الموجب و القابل هل هو كاف أم لا بدّ من معرفة كل من المالكين للآخر إثباتا؟

الظاهر الأوّل، لأنّ مقتضى إطلاق الأدلة «كأوفوا بالعقود، و أحل اللّه البيع، و تجارة عن تراض» و نحوها عدم اعتبار ذلك، بعد وضوح صدق العقد العرفي على العقد الذي لم يصرّح فيه بمالكي العوضين. و كذا في الهبة و النكاح و غيرهما، من دون فرق في ذلك بين العقود التي يكون الركنان فيها المتعاقدين كالنكاح و بين غيرها، فيصح أن تزوّج المرأة نفسها لمن قصده القابل من نفسه أو غيره المعيّن عنده.

و كذا يصح أن يقبل قابل عقد الهبة لنفسه، أو غيره من دون توقف صحة الهبة على معرفة الواهب بكون القابل هو المتهب أو غيره.

و الوجه في ذلك صدق حقائق هذه العقود بدون تعيين من له هذه العقود في مقام الإثبات بعد تعيينه ثبوتا، لأنّ حقيقة البيع هي اعتبار التبديل بين مالين، و حقيقة الهبة هي اعتبار ملكية العين الموهوبة لشخص، و حقيقة الزواج هي اعتبار عدلية أحد الزوجين للآخر. و لا ريب في تحقق هذه الحقائق بالصيغ المزبورة، مع عدم معرفة الموجب بمن قصده القابل، و لا معرفة القابل بمن قصده الموجب من نفسه أو غيره، فإنّ معرفة خصوصيات الأشخاص ليست دخيلة في ماهية العقد عرفا، و لا في صحتها شرعا.

فالمتحصل: أنّه لا دليل على معرفة الأشخاص إثباتا بعد تعيينهم ثبوتا، هذا.

ص: 145

______________________________

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها: الأوّل: إذا قصد الموجب الإيجاب لشخص المخاطب بنحو التقييد و قصد القابل القبول لغيره كموكله، فالظاهر فساده، لأنّ ما أنشأه الموجب لم يقع عليه القبول، فالتطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول مفقود. فإذا زوّجت المرأة نفسها من المخاطب، و قبل المخاطب لغيره، لم يصح هذا التزويج، لعدم ورود القبول على ما وقع عليه الإيجاب.

و كذا إذا باع متاعا بثمن في ذمّة شخص المخاطب، فقبل المخاطب لغيره لم يصح البيع، لعدم التطابق بين الإيجاب و القبول.

نعم إذا كان عدم التطابق بين الإيجاب و القبول لأجل الخطاء في التطبيق صحّ العقد. كما إذا قصد البائع البيع لشخص المشتري بثمن شخصي بزعم أنّه ملك المشتري، و لكن كان الثمن ملكا لموكّله- لا لنفس المشتري- صحّ البيع، لأنّهما قاصدان لحقيقة البيع. و قصد خصوص المشتري إنّما كان خطأ، فلا عبرة به. نعم إذا كان قصد خصوص المشتري من باب التقييد كان من قبيل تخلف الشرط، فللبائع الخيار، هذا.

الأمر الثاني: هل يجوز للموجب توجيه الإيجاب إلى المخاطب، و قبول المخاطب لغيره مع عدم علم الموجب بذلك؟ و هل يجوز أيضا للموجب أن يسند الإيجاب في ظاهر الكلام إلى نفسه، لكن قصد وقوعه عن غيره مع عدم علم القابل بذلك، بل زعم كون الإيجاب لنفس الموجب، أم لا يجوز؟

و الفرق بين هذه الصورة و سابقتها هو صحة المخاطبة مع القابل في فرض عدم علم الموجب بكونه هو المشتري أو غيره. و كذا القابل بالنسبة إلى الموجب. و عدم الصحة في الصورة الأولى لقصد الموجب خصوص المشتري.

و حاصل ما أفاد في المتن: أنّ هنا صورا.

إحداها: أن يعلم من الخارج عدم لحاظ خصوصية للمتعاقدين، كما في العقود

ص: 146

______________________________

المعاوضية، فإنّ الملحوظ في البيع غالبا هو العوضان من دون خصوصية لمالكيهما، فلا مانع حينئذ من رفع اليد عن ظهور «كاف» الخطاب في مثل قوله: «بعتك» في كون المشتري نفس المخاطب لا غيره، لأنّ الغلبة المزبورة قرينة نوعية على صرف كاف الخطاب عن ظاهره، و إرادة الأعم منه و من غيره، فهذه القرينة توجب انقلاب الظهور الأوّليّ بالثانوي. فمعنى قوله: «بعتك» إيجاب البيع للأعم من المخاطب و غيره. و كذا ظهور «تاء» المتكلم في «بعت» في كون إنشاء الإيجاب لنفسه، فإنّه يتبدل هذا الظهور- بالقرينة المزبورة- بظهور ثانوي في الأعم من نفسه و موكله مثلا. فلو قال: «بعتك الدار» مثلا، ثم انكشف أنّ المشتري كان وكيلا عن غيره لم يكن به بأس و لم يضر ذلك بالتطابق.

الصورة الثانية: أن يعلم من الخارج لحاظ خصوصية المخاطب كما في النكاح و الوقف و الوصية و نحوها، ففي مثلها يكون ظاهر الخطاب متبعا، لعدم ما يوجب رفع اليد عنه، ضرورة عدم قرينة على صرف ظهور الخطاب و إرادة الأعم من المخاطب و غيره. فلو قال: «زوجتك فلانة» و قبل المخاطب لغيره لم يقع النكاح، لعدم التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول.

الصورة الثالثة: إذا لم يظهر من الخارج أنّ الموجب قصد المخاطب بشخصه حين الإيجاب، أو قصد الأعم منه و من غيره- كأن يكون وكيلا عن شخص- لم يصحّ القبول من الموكل، بل لا بد من القبول لنفسه، لأنّ الشبهة مصداقية لا مفهومية، فلا يصح التمسك بالعمومات لصحته.

توضيحه: أنّ مفهوم البيع- و هو المبادلة بين المالين- من المفاهيم الواضحة، و الشّك إنّما يكون في مصداقية الإيجاب الخاص مع القبول عن الموكّل للبيع، إذ مع إرادة خصوص المخاطب لا يكون مصداقا للبيع، فلا يشمله ما دلّ على وجوب الوفاء

ص: 147

______________________________

بالبيع، لكونه من التشبث بالعام في الشبهة المصداقية.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا أحرز أنّ الموجب قصد خصوص المخاطب صحّ القبول للموكل.

و إذا أحرز أنّه قصد الأعم من كونه هو القابل أو موكله صحّ القبول حينئذ لنفسه أو عن موكّله.

و إذا لم يحرز قصده أصلا فلا يجوز القبول إلّا لنفسه دون موكّله، إلّا إذا كان الغالب عدم لحاظ خصوصيّة المتعاقدين في ذلك العقد كالبيع، فإنّ الغالب عدم لحاظ خصوصيتهما.

الأمر الثالث: إذا قصد الموجب الإيجاب لموكل المخاطب، فهل يجوز له الإنشاء بلفظ الخطاب، كأن يقول: «بعتك» قاصدا البيع لموكله؟ أو يقول: «زوجتك» قاصدا التزويج لموكله؟ الظاهر عدم صحة ذلك إلّا فيما إذا كان اللفظ ظاهرا عرفا في المنشأ، لأنّ المعتبر في العقد أمران:

الأوّل: الاعتبار النفساني، و الثاني إبرازه خارجا بما هو مبرز له عرفا، فإن لم يكن مبرزا له كذلك كإبراز المبادلة بين المالين بلفظ «ضربت و نصرت» لم يصح ذلك.

و على هذا فلا يصح إبراز علقة الزوجية بين المرأة و موكّل القابل بلفظ «زوّجتك» لأنّه ليس مبرزا لتلك العلقة بين المرأة و موكّل القابل، بل هو مبرز لتلك العلقة بين المرأة و نفس القابل. فالأمر الثاني و هو المبرز العرفي مفقود هنا، فلا يصح العقد. هذا في عقد النكاح.

و أمّا في عقد البيع فلا يبعد أن يكون «بعتك» مبرزا عرفا لإنشاء البيع للمخاطب الأعم من كونه بنفسه مشتريا أو وكيلا عن غيره، فلا يكون «بعتك» حينئذ ظاهرا في خلاف مقتضى المعاوضة الحقيقية أعني انتقال كل من العوضين إلى من انتقل عنه

ص: 148

______________________________

العوض، فإنّ مقصود الموجب نقل المبيع إلى موكل القابل، و نقل الثمن عنه إلى الموجب. لكن مقتضى قوله: «بعتك» نقل المبيع إلى نفس القابل، و نقل الثمن من القابل إلى البائع. فمقتضى ظاهر العقد مخالف لما قصده البائع.

نعم لو ثبت دعوى ظهور «بعتك» في الأعم من المخاطب و غيره صحّ، كما أنّ ثبوتها غير بعيد. فيفرّق حينئذ بين «بعتك» و بين «زوجتك» و «وهبتك» لثبوت الدعوى المزبورة في الأوّل دون الأخيرين، هذا.

فالمتحصل: أنّه مع العلم بمبرزية «بعتك» للأمر الاعتباري النفساني للأعم من المخاطب صحّ البيع مع قبول المشتري الإيجاب لموكّله. و إمّا مع العلم بعدم مبرزيّته للأعم أو الشك في مبرزيته لم يصح البيع، لأصالة عدم تحققه.

ص: 149

[الشرط الثالث: الاختيار، بطلان عقد المكره]
اشارة

مسألة (1):

و من شرائط المتعاقدين [1] الاختيار. و المراد به (2) القصد إلى وقوع

______________________________

الشرط الثالث: الاختيار، بطلان عقد المكره

(1) الفرق بين هذه المسألة و سابقتها أنّ القصد المعتبر في تلك المسألة كان للعقد، بحيث لا يتحقق إلّا بالقصد إلى اللفظ و المعنى، و القصد المعتبر في هذه المسألة هو كون القصد إلى اللفظ و المعنى ناشئا من طيب النفس و الرضا.

و بعبارة أخرى: هذه المسألة تتضمن اعتبار منشأ ذلك القصد المقوّم للعقد، و أنّه لا بدّ أن يكون منشؤه طيب النفس، فان لم ينشأ عن الطيب لم يصح العقد و إن لم يكن جبر و إلجاء.

(2) فسّر الاختيار «بقصد وقوع المنشأ عن طيب النفس» و مراده أنّ الاختيار يطلق تارة على الإرادة و القدرة على كلّ من الفعل و الترك، في قبال المضطرّ و المجبور

______________________________

[1] الظاهر أن التعبير بشرائط الإنشائيات أولى من التعبير بالمتعاقدين، لأنّ ذلك أشمل، لشموله للعقود المتقومة بطرفين و للإيقاعات القائمة بطرف واحد، كالطلاق و العتق و الجعالة- على قول- ضرورة أنّ الاختيار بالمعنى المزبور معتبر في جميعها.

و لعلّ التعبير بالمتعاقدين لأجل كون مورد البحث البيع المعدود من العقود.

ص: 150

..........

______________________________

المسلوب إرادته، كحركة يد المرتعش، و كالصائم المكتّف الذي يصبّ الماء في حلقه بحيث لا قصد له إلى الشرب أصلا، و هو مقهور في فعله بنحو لا يصحّ إسناد الفعل إليه، بل يسند إلى القاهر و الحامل له.

و اخرى على الرّضا الذي هو أمر نفساني مغاير للقدرة على كلّ من الفعل و الترك. و هو أمر زائد عليه، بمعنى أنّه بعد تحقق إرادة فعل في الخارج- و عدم إجبار عليه- تصل النوبة إلى كونه صادرا عن طيب النفس، أو عمّا يقابله من الإكراه الذي يتحقق بتحميل الغير و توعيده، كما في تهديد الصائم بإيراد ضرر على نفسه أو طرفه أو ماله لو لم يتناول المفطر بيده.

و الفرق بين المعنيين إسناد الفعل إلى المباشر المكره على ما يفعل، لصدور الفعل عن إرادته و إن لم يكن راضيا به، بخلافه في المجبور الفاقد للإرادة.

و المقصود بالبحث اشتراط العقد بالاختيار بمعناه الثاني المقابل للمكره، بعد الفراغ عن تحقق الإرادة و القصد إلى الفعل فيه.

و لعلّ تفسير الاختيار بطيب النفس ناظر إلى ردّ ما أفاده صاحب الجواهر في بعض كلامه من انتفاء كلا الأمرين- و هما ارادة معنى العقد و الرضا به- في المكره، فهو غير مريد للعقد، و لا راض به، حيث قال في بيان الدليل على بطلان بيع المكره:

«و إلى ما دلّ على اعتبار الرّضا و طيب النفس في صحة المعاملة و آثارها من الكتاب و السنة. و إلى: معلومية اعتبار إرادة معنى العقد من ذكر لفظه، ضرورة عدم كون التلفظ به سببا للعقد على كل حال حتى لو وقع ممّن لم يرد العقد به، إذ لا عمل إلّا بنيّة.

و من المعلوم انتفاء إرادة معنى العقد من المكره، لعدم تصور الإكراه عليه» «1».

و مقتضاه انتفاء الاختيار في عقد المكره- بكلا معنييه من الإرادة و طيب النفس- و حينئذ يشكل بما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّ القدرة المعتبرة في اختيار الفعل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 265 و 266.

ص: 151

مضمون العقد عن طيب نفس، في مقابل الكراهة و عدم (1) طيب النفس، لا الاختيار (2) في مقابل الجبر.

[الدليل على بطلان عقد المكره]

و يدل عليه (3) قبل الإجماع (4) قوله تعالى:

______________________________

و الترك متحققة في المكره، فتمشّي منه النية و القصد إلى المدلول، و إنّما المفقود فيه هو طيب النفس، و لذا فسّر قدّس سرّه الاختيار بالرضا دفعا لتوهم تفسيره بالأعم منه و من القدرة التكوينية التي تبقى فاعليّة النفس معها على حالها، هذا.

و كيف كان فقد تعرّض المصنف قدّس سرّه في هذه المسألة أوّلا لمعنى الإكراه إجمالا، ثم للدليل على عدم موضوعية عقد المكره للصحة الفعلية، ثم لمباحث اخرى أكثرها موارد تعيين تحقق الإكراه، و بعضها ناظر إلى تفصيل ما يعتبر في الإكراه من أمور ثلاثة، و بعضها إلى ما نسب إلى الشهيدين قدّس سرّهما من عدم كون المكره قاصدا للمدلول، و سيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(1) بالجرّ معطوف على «الكراهة» و مفسّر لها.

(2) بالرفع معطوف على «القصد» يعني: ليس المراد بالاختيار- في عقد المكره- ما يقابل الجبر، فالمختار هناك هو المتحرّك بإرادته، و في المقام هو المتحرّك بإرادته عن طيب النفس.

الدليل على بطلان عقد المكره

(3) أي: على اعتبار طيب النفس و الرضا بمضمون العقد، و غرضه إقامة الدليل عليه بعد الإشارة إلى معنى الإكراه.

(4) تكرّر كلّ من التعبير ب «قبل الإجماع، بعد الإجماع» في كلمات المصنف قدّس سرّه.

و لعلّ مراده بالقبل وفاء الأدلة بالحكم الشرعي، و احتمال استناد المجمعين إليها، فيكون اتفاقهم محتمل المدركية، و مثله غير كاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام أو عن حجة أخرى وراء ما استندوا إليه من الكتاب و السنة.

ص: 152

إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (1) «1». و قوله: «لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه (2)» «2» و قوله عليه السّلام في الخبر المتّفق عليه بين المسلمين (3): «رفع أو وضع عن أمّتي تسعة أشياء أو ستة» و منها «ما اكرهوا عليه».

______________________________

و مراده ب «بعد الإجماع» اعتماد المجمعين على قرائن أخرى غير ما بأيدينا من الأدلة، فيكون اتّفاقهم حجة- بناء على حجية الإجماع المنقول- لكشفه عن حجة معتبرة، هذا.

و لمّا كانت أدلّة المسألة واضحة و كان المحتمل قويّا استناد المجمعين إليها، فلذا أتى بلفظ «قبل الإجماع» لتكون هذه الأدلة هي المعوّل عليها.

و كيف كان فالإجماع هو الدليل الأوّل على بطلان عقد المكره في الجملة، ففي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل الضرورة من المذهب» «3».

(1) هذا ثاني الأدلة، و الآية صريحة في اعتبار الرّضا بالتجارة المجوّزة لأكل المال. و المكره فاقد للرضا، فيبطل عقده و تجارته.

(2) هذا ثالث الأدلة، و التقريب واضح.

(3) هذا رابع الأدلة، و قد جمع المصنف قدّس سرّه بين روايتين:

إحداهما: رفع الست، و هي بلفظ: «رفع عن هذه الأمة ستّ، الخطأ ..».

و ثانيتهما: رفع التسع، و هي رواية الصدوق في التوحيد و الخصال، و هي بلفظ «رفع عن أمّتي تسع خصال» و رواها الكافي بلفظ «وضع عن أمّتي».

و بعض أسناد الرواية و إن كان محلّ بحث، إلّا أنّ صدور المضمون عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم محرز، لقول المصنف: «المتفق عليه بين المسلمين». مضافا إلى ما ذكرناه في الأصول من

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

(2) عوالي اللئالي، ج 2، ص 113، ح 309.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 265.

ص: 153

و ظاهره و إن كان رفع المؤاخذة (1)، إلّا (2) أنّ استشهاد الامام عليه السّلام به في

______________________________

الاعتماد على طريق الصدوق التي فيها أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، فراجع «1». هذا من حيث السند.

و أمّا الدلالة فالمرفوع هو المؤاخذة على المجهول و الحسد و الخطأ و الإكراه، و هذا أجنبي عن بطلان عقد المكره، لأنّ نفي العقوبة على الإكراه- كما في المكره على فعل حرام- أمر، و بطلان إنشاء المكره أمر آخر.

و لكن يرفع اليد عن الظهور- في رفع خصوص المؤاخذة- بقرينة ما ورد في بعض الأخبار من نفي الحكم الوضعي المترتب على الفعل الإكراهي، كالبينونة المترتبة على الطلاق المكره عليه، و كالحرية المترتبة على العتق المنشأ لا عن طيب النفس.

و عليه فنفي هذه الآثار في مورد الإكراه كاشف عن عدم كون المرفوع عن الأمّة خصوص العقوبة الأخروية، بل المرفوع كل أثر يترتب على الفعل سواء أ كان في العاجل أم الآجل. و صحة العقد و الإيقاع الإكراهيين تقتضي ترتب الأثر المطلوب عليهما، فهي مرفوعة بحديث الرفع، هذا.

(1) في قبال رفع جميع الآثار، أو الأثر المناسب لكلّ من التسعة، كما أفاده في بحث البراءة، فراجع الرسائل.

(2) يعني: أنّ الاستدلال بحديث «رفع التسعة» على بطلان عقد المكره لا يتم إلّا بضميمة استشهاد الإمام في معتبرة البزنطي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «وضع عن أمّتي ما أكرهوا عليه» «2» على رفع أثر طلاق المكره و عتقه، و هو البينونة و الحرية. فكذا يقال بعدم تأثير بيع المكره في النقل و التمليك.

______________________________

(1) منتهى الدراية، ج 5، ص 182 و 183.

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، ح 1 و 2 و 3. و روى حديث رفع التسعة بلفظ «وضع» عن الصدوق أيضا في ج 5، ص 345، الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2، و حديث رفع الست عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، في ج 16، ص 144، الباب 16 من كتاب الايمان، ح 3.

ص: 154

رفع بعض الأحكام الوضعية يشهد بعموم المؤاخذة فيه (1) لمطلق الإلزام عليه (2) بشي ء.

ففي صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام:

لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمّتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا» «1».

______________________________

(1) أي: في الخبر.

(2) أي: على المكره بشي ء، فيرفع عنه كلّ إلزام شرعي، سواء أ كان تكليفيا كوجوب الكفارة على حنث الحلف، أم وضعيّا كالصحة في العقد و الإيقاع، أم غيرهما كالعقوبة الأخروية، فلو قال مكرها: و اللّه إن فعلت كذا فزوجتي طالق، أو: فعبدي حرّ، أو ما أملكه فهو صدقة في سبيله تعالى» لم ينفذ، و لم يترتب عليه حكم الحلف المنشأ عن طيب النفس.

فإن قلت: لا يتجه التمسك بصحيحة البزنطي لإثبات كون المرفوع بحديث رفع التسعة مطلق المجعول الشرعي، لا خصوص المؤاخذة الأخروية، و ذلك لأنّ الحلف على الطلاق و العتاق و الصدقة باطل عندنا مطلقا سواء أ كان الحالف مختارا أم مكرها عليه. و هذا يوجب وهن أصالة الجدّ في استدلال الإمام عليه السّلام بفقرة «ما أكرهوا عليه» على بطلان الحلف في حال الإكراه خاصة.

و بعبارة أخرى: استناد بطلان الحلف المزبور إلى وجود المانع- و هو الإكراه- متفرع على تمامية المقتضي يعني صحة أصل الحلف على الطلاق. و مع فرض تسالمهم على البطلان مطلقا لا مقتضي للصحة حتى يتشبث بحديث «رفع الإكراه» على بطلانه في هذه الحال. فلعلّه عليه السّلام اتّقى في تمسكه بحديث الرفع لإثبات فساد هذا الحلف الإكراهي، و لم يحكم ببطلانه حتى في حال الاختيار.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، ح 12.

ص: 155

و الحلف (1) بالطلاق و العتاق و إن لم يكن صحيحا عندنا من دون الإكراه أيضا، إلّا أنّ مجرّد استشهاد الامام عليه السّلام- في عدم وقوع آثار ما حلف به-

______________________________

و لمّا لم يحرز أصالة الجد في استشهاده بحديث الرفع يشكل إثبات عموم المرفوع للآثار الدنيوية كالبينونة في طلاق المكره. و يبقى حديث رفع التسعة على ظاهره من رفع خصوص المؤاخذة الأخروية، و لا وجه للتمسك به على بطلان إنشاء المكره، هذا.

قلت: إنّ الحلف على الطلاق و إن كان باطلا عندنا في حال الاختيار أيضا، لكنه لا يمنع قرينية صحيحة البزنطي على كون المرفوع مطلق المجعول الشرعي كالبينونة و الحرية و الملكية.

وجه عدم المنع: دوران الأمر بين كون التقية في أمر واحد و هو تطبيق الامام عليه السّلام «رفع ما اكرهوا عليه» على بطلان الحلف على الطلاق- حال الإكراه- بأن يكون رفع الإكراه رفعا لكل أثر مترتب على الفعل المكره عليه، سواء أ كان مؤاخذة أخروية أم أثرا وضعيّا دنيويّا. و بين كون التقية في أمرين، أحدهما التطبيق المزبور. و الآخر نفس الكبرى، بأن يكون تعميم الرفع تقيّة أيضا.

و قد تقرّر في محله: أنّه كلّما دار الأمر بين مخالفة أصالة الجد في مورد أو في موردين تعيّن الاقتصار على مورد واحد.

و عليه يحكم بأنّ نفس الكبرى صدرت لبيان الحكم الواقعي، و هو عموم المرفوع، فتكون الصحيحة قرينة على ما يراد من حديث رفع التسعة، و عدم كون المقدّر خصوص المؤاخذة. فطلاق المكره باطل، أي: أنّ البينونة المترتبة على طلاق المختار مرفوعة عنه واقعا أي غير مجعولة شرعا، هذا.

(1) مبتدأ، خبره جملة: «إلّا أن مجرّد ..» و هو دفع دخل تقدّم بيانهما بقولنا:

«فان قلت .. قلت».

ص: 156

بوضع «ما اكرهوا عليه» يدلّ (1) على أنّ المراد بالنبوي ليس خصوص المؤاخذة و العقاب الأخروي (2).

هذا كله مضافا إلى الأخبار الواردة (3) في طلاق المكره، بضميمة عدم الفرق (4).

[المراد من جملة «المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله»]

ثم إنّه (5) يظهر من جماعة منهم الشهيدان: أنّ المكره قاصد إلى اللفظ

______________________________

(1) خبر قوله: «إلّا أن مجرّد». و قوله: «أيضا» يعني: في حال الاختيار.

(2) فالآثار الدنيوية مرفوعة أيضا.

(3) هذا دليل خامس على بطلان عقد المكره، و هو عدّة من النصوص الواردة في بطلان طلاق المكره و عتقه، بضميمة وحدة المناط بين عقود المكره و إيقاعاته.

كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن طلاق المكره و عتقه؟ فقال:

ليس طلاقه بطلاق، و لا عتقه بعتق» «1».

و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا مسلما مرّ بقوم ليسوا بسلطان، فقهروه حتى يتخوّف على نفسه أن يعتق أو يطلّق ففعل، لم يكن عليه شي ء» «2».

(4) يعني: عدم الفرق بين الطلاق و العتق و بين بيع المكره، فإنّ الإجماع على عدم الفصل بينها يوجب بطلان بيع المكره.

هذا ما يتعلق بالدليل على بطلان المكره.

المراد من جملة «المكره قاصد إلى اللفظ دون مدلوله»

(5) غرضه دفع ما ربما يتوهم من عبارة جماعة من: «أن المكره غير قاصد إلى المدلول» و بيانه: أنّ المصنف قدّس سرّه فسّر الاختيار- المبحوث عنه في المقام- بالرضا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 1

(2) نفس المصدر، الحديث 2.

ص: 157

غير قاصد إلى مدلوله «1».

______________________________

بمضمون العقد و طيب النفس به، في قبال الإكراه، و ليس الاختيار هنا بمعنى إرادة مدلول العقد، فالمكره قاصد لكلّ من اللفظ و معناه، و الإنشاء و المنشأ. و هذا ربما ينافيه ما ذكره الشهيدان و غيرهما من انتفاء قصد المضمون في المكره، و إنّما يقصد الألفاظ المعرّاة عن المعاني، و يتلفظ بها تخلّصا من وعيد المكره. فقوله في مقام الإنشاء: «بعت» ليس معناه «ملّكتك كذا بكذا» بل هو مجرّد لفظ تلفّظ به دفعا للمفسدة المتوعد بها.

هذا ما لعلّه يظهر من كلامهما بالنظر البدوي، و يترتب عليه عدم قابلية عقد المكره للصحّة بالرضا اللاحق، إذ لا عقد حقيقة، لعدم كون المدلول مرادا بالإرادة الجدّية حتى يتعقبه الرضا. و هذا ينافي التزامهم بصحته به.

و لذا تصدّى المصنف لتوجيه عبارة الشهيدين بأنّ المتكلم إن كان جاهلا بمعنى كلامه- كالطفل الذي يلقّنه أبوه ألفاظا في مقام التعليم فينطق بها و كالكبير الذي يتعلّم لغة أخرى فيتمرّن بتكرار ألفاظ تقليدا لمعلّمه- فلا ريب في أنّ مثلهما قاصد لنفس الألفاظ بأدائها بوجه غير ملحون، و لا قصد للمعنى أصلا، لفرض الجهل به، فهو نظير التلفظ بلفظ مهمل فاقد للمعنى ك «ديز» مثلا.

و إن كان عالما بمعنى الكلام- كما هو شأن أهل كل لسان و لغة، و كان لفظه مستعملا لا مهملا- استحال عدم قصد مدلوله و عدم إرادته الاستعمالية، و ذلك لعدم انفكاك المدلول عن الدالّ. و لمّا كان محلّ الكلام هو المكره الملتفت إلى ما يقوله في مقام الإنشاء فلا بدّ من قصده للمدلول التصوّري.

و عليه فمراد الشهيدين عدم كون الداعي إلى الإنشاء حصول المضمون في وعاء الاعتبار- بحكم العرف و الشرع- ليترتّب عليه الأثر، بل غرض المنشئ

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 192، مسالك الافهام، ج 3، ص 196، الروضة البهية، ج 3، ص 226 و 227.

ص: 158

بل يظهر ذلك (1) من بعض كلمات العلّامة «1».

و ليس مرادهم أنّه لا قصد له إلّا إلى مجرّد التكلم كيف؟ (2) و الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريّا. و الخالي عن القصد إلى غير المتكلم هو من يتكلّم تقليدا أو تلقينا كالطفل الجاهل بالمعاني.

فالمراد (3) بعدم قصد المكره عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في

______________________________

الفرار من المفسدة المتوعد بها. بخلاف المختار، فإنّ إنشاءه، للملكية بقوله: «بعت» يكون بداعي الجدّ و تحقيقها خارجا، هذا محصّل ما أفاده الماتن في توجيه عبارة الشهيدين قدّس سرّهما، و استشهد عليه بوجوه سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: خلوّ المكره عن قصد المدلول. و لعلّ مراد المصنف عبارة التذكرة في بيع التلجئة التي هي في معنى الإكراه: «و هو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه، فيواطئ رجلا على إظهار شرائه منه، و لا يريد بيعا حقيقيا» لظهور الجملة الأخيرة في عدم قصد المضمون و هو التمليك، و إنما يريد اللفظ خاصة. و لعلّ المصنف قدّس سرّه أراد كلامه في التحرير، و سيأتي.

(2) يعني: أنه كيف يمكن توهم خلوّ المكره عن قصد المدلول؟ مع أنّ الهازل الذي هو دونه في القصد قاصد للمعنى قصدا صوريا. فالخالي عن القصد هو المتكلم تقليدا أو تلقينا كالجاهل بالمعاني. فلا بد من أن يراد بعدم قصد المكره عدم قصده لوقوع مضمون العقد في الخارج، كسائر العقود التي يقصد بها وقوع مضامينها في الخارج، لا أن يراد بعدم القصد خلوّ كلامه الإنشائي- كقوله: بعت- عن المدلول.

(3) لا يخفى اختلاف كلمات المصنف قدّس سرّه في ما هو المفقود في إنشاء المكره، فيظهر من قوله في أول المسألة في تفسير الاختيار: «القصد إلى وقوع مضمون العقد عن طيب النفس في مقابل الكراهة» وجود القصد الجدّي إلى المضمون، و المفقود هو الرّضا.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 426، س 32.

ص: 159

..........

______________________________

و يظهر من كلامه هنا: «من عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج» انتفاء القصد الجدّي، و لا تصل النوبة إلى البحث عن وجود الرضا و عدمه.

و يظهر من كلامه بعد أسطر انتفاء كلا الأمرين من القصد و الرضا، لقوله:

«ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و عدم طيب النفس به». و لذا أورد السيد عليه بالمناقضة «1».

و لكن يمكن الجمع بينهما بما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أنّ المراد «من عدم قصد المضمون خارجا و عدم طيب النفس به» شي ء واحد، و هذا لا ينافي قصد المنشأ جدّا. و بيانه: أنّ للبيع- بنظر المصنف كما تقدم في أوّل البيع- مراحل ثلاث:

الاولى: اعتبار الملكية بنظر المنشئ مع الغضّ عن كونه موضوعا لاعتبار العقلاء و الشرع.

الثانية: إمضاء العرف لما أنشأه البائع، لكونه واجدا لما يتقوّم به البيع العرفي من مالية العوضين و نحوها.

الثالثة: إمضاء الشارع، و معناه اعتبار المماثل للملكية العرفية.

و عليه ينتفي التهافت بين كلماته، إذ مراده في أوّل المسألة من إثبات القصد في المكره هو قصد البيع الإنشائي بنظر نفسه، لا قصد الملكية العرفية و الشرعية المنوطة بطيب النفس. و مراده من قوله هنا: «عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج» بقرينة كلمة «الخارج» هو عدم قصده لحصول الملكية الشرعية، فإنّها لتوقفها على الرضا ليست مقصودة للمكره أصلا. و مراده بالعبارة الثالثة الآتية من انتفاء القصد و الرّضا هو القصد إلى تحقق الملكية الشرعية و العرفية، فيكون عطف «و عدم طيب النفس» على «عدم القصد» من قبيل تعليل انتفاء القصد الجدّي بانتفاء الرّضا «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 121.

(2) نفس المصدر.

ص: 160

الخارج، و أنّ الداعي إلى الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج (1)، لا أنّ كلامه الإنشائي مجرّد عن المدلول، كيف؟ (2) و هو معلول الكلام الإنشائي إذا كان مستعملا غير مهمل.

و هذا (3) الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّل في معنى الإكراه لغة و عرفا، و أدنى تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه التي لا تستقيم مع ما توهمه من (4) خلوّ المكره عن قصد مفهوم اللفظ. و جعله (5) مقابلا للقصد.

______________________________

و بهذا البيان تندفع المناقضة الّتي استظهرها السيد قدّس سرّه من عبارة المتن.

(1) قد عرفت أن المراد بالخارج هو الملكية الاعتبارية التي يحكم بها العرف و الشرع بعد استجماع العقد لما يعتبر فيه.

(2) يعني: كيف يمكن خلوّ كلامه الإنشائي عن المدلول؟ مع أنّ المدلول معلول الكلام الإنشائي إذا لم يكن مهملا، و المعلول لا ينفك عن علّته.

(3) المشار إليه هو عدم كون كلام المكره خاليا عن المعنى، كمن يتكلّم تقليدا و أنّ مرادهم عدم القصد.

و هذا شروع في إثبات مدّعاه من قصد المكره للمدلول و إن لم يكن قاصدا لحصول المضمون في الخارج، و الوجوه المذكورة في المتن سبعة.

الأوّل: ملاحظة المعنى اللغوي و العرفي، و ذلك لأنّ معنى «الإكراه على الشي ء» وقوعه في الخارج على وجه الكره، و عليه فلا بدّ من قصد المدلول، و إلّا لم يقع الفعل القصدي في الخارج.

و الحاصل: أنّ الإكراه على البيع كالإكراه على الشرب، فكما لا يصدق إلّا مع الشرب في الخارج، فكذا في البيع.

(4) بيان للموصول في «ما توهمه».

(5) بالجرّ، معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه ثان، و حاصله: أنّ التتبع في ما ذكره الأصحاب قدّس سرّه من «جعل الإكراه مقابلا للقصد» يشهد ببطلان

ص: 161

و حكمهم (1) بعدم وجوب التورية في التفصّي عن الإكراه. و صحّة (2) بيعه بعد الرضا. و استدلالهم (3) له بالأخبار الواردة في طلاق المكره

______________________________

ما قد يتوهم من عبارة الشهيدين من عدم قصد مدلول العقد، لأنّهم اشترطوا القصد أوّلا، ثم اشترطوا الرّضا و عدم الإكراه. فلو لم يتمشّ القصد من المكره كان اشتراط القصد كافيا لإثبات بطلان إنشائه، و لم يحتج إلى اشتراط الاختيار حينئذ، لانتفاء العقد بانتفاء القصد، فلا متعلّق للرضا.

قال المحقق في شرائط الطلاق: «الثالث: الاختيار، فلا يصح طلاق المكره ..

الرابع: القصد .. فلو لم ينو الطلاق لم يقع كالساهي و النائم و الغالط» «1».

(1) بالجرّ معطوف أيضا على قوله: «معنى الإكراه» و هذا وجه ثالث، و حاصله:

أنّ التأمل في حكم الفقهاء بعدم وجوب التورية- لأجل التفصّي عن المكره عليه- يشهد بتحقق قصد المدلول، لتفرع التورية على القصد، فيقال بأنه يقصد معنى آخر من «بعت» غير «إنشاء تمليك عين بمال». فلو كان إنشاء المكره صوريّا خاليا عن قصد المضمون لم يكن موضوعا لوجوب التورية أو لعدم وجوبها، لفرض بطلانه من جهة قصور المقتضي بفقد الإرادة الجدية. فنفي وجوب التورية كاشف عن تحقق القصد المقوّم للإنشاء.

(2) بالجر أيضا معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه رابع، و حاصله: أنّ التأمل في حكمهم بصحة بيع المكره إذا لحقه الرضا كاشف عن حصول القصد المقوم لعقدية العقد، و إنّما المنتفي هو الشرط أعني به الرضا، فإذا لحقه صحّ، لتمامية سبب النقل حينئذ. و عليه فلا سبل للأخذ بما يتوهم من عبارة الشهيدين من عدم قصد المدلول أصلا.

(3) بالجرّ معطوف أيضا على «معنى الإكراه» و هذا وجه خامس على أنّ المكره قاصد لمدلول إنشائه، و حاصله: أنّه استدلّ الفقهاء على بطلان طلاق المكره بما ورد في جملة نصوص من «أنه لا طلاق إلّا مع إرادة الطلاق» بتقريب: أنّ مفهوم

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 12 و 13.

ص: 162

و أنّه (1) «لا طلاق إلّا مع إرادة الطلاق» (2).

______________________________

الطلاق- و هو البينونة- يتمشّى من المكره، فيقصده كالمختار، و إنّما المنفي بقوله عليه السّلام: «لا طلاق» هو صحّته شرعا، لوضوح أن وظيفته عليه السّلام بيان الحكم من الصحة و الفساد، لا بيان الموضوع وجودا و عدما حتى يتخيل عدم قدرة المكره على قصد الطلاق.

و عليه فاستدلال الأصحاب شاهد على إرادة المكره مفهوم اللفظ، و المفقود في إنشائه طيب النفس به، و لأجل فقدانه لا يقع البينونة خارجا، لإناطتها بالرّضا الباطني، و لا يتحقق موضوع إمضاء الشارع، هذا.

(1) بالجرّ محلّا معطوف على «طلاق المكره» و بيان للاستدلال، و قد عرفته آنفا.

(2) ظاهره الإشارة إلى جملة نصوص وردت بلفظ واحد، و هو «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق» أو «لا طلاق إلّا ما أريد به الطلاق» كما في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و مرسل ابن أبي عمير عنه أيضا، و خبر عبد الواحد بن المختار الأنصاري و اليسع عن أبي جعفر عليه السّلام «1». و بهذه النصوص استدلّ في المسالك و الجواهر «2» على اعتبار القصد.

و استدلّا على اعتبار الاختيار- في مقابل الإكراه- بطوائف اخرى.

منها: خبر يحيى بن عبد اللّه بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و إنّما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه» «3».

و كيف كان فالمضمون المذكور في المتن قابل للانطباق على كلتا الطائفتين، و لكن لمّا أسند المصنف الاستدلال بها إلى الأصحاب كان الغرض التنبيه على أنّ الموجود في الكتابين هو الطائفة الثانية لا الأولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 285 و 286، الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 2 إلى 5

(2) مسالك الافهام، ج 9، ص 24، جواهر الكلام، ج 32، ص 17.

(3) وسائل الشيعة، ج 15، ص 299، الباب 18 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 6.

ص: 163

حيث إنّ المنفي صحة الطلاق (1) لا تحقق مفهومه (2) لغة و عرفا (3).

و فيما (4) ورد في من طلّق مداراة بأهله، إلى غير ذلك (5).

______________________________

(1) كما هو المراد في نظائره مثل «لا طلاق إلّا ببيّنة» «1» و «لا طلاق إلّا بعد نكاح، و لا عتق إلّا بعد ملك» «2».

(2) إذ ليس بيان المفهوم وظيفة الإمام عليه السّلام و إن أمكن بيانه أحيانا.

(3) قيدان للمفهوم.

(4) معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه سادس، و محصله: أنّه عدّ من الطلاق المكره عليه المحكوم بالبطلان ما إذا طلّق الرجل زوجته- أو إحدى زوجاته- مداراة بأهله و ذويه، و حسما للنزاع و التشاجر بينهم، فإنّه يبطل، لعدم طيب نفسه به مع قصده لمدلول الإنشاء. و قد ورد ذلك في بعض النصوص، ففي موثق منصور بن يونس: «قال: سألت العبد الصالح عليه السّلام و هو بالعريض، فقلت له: جعلت فداك: إنّي تزوّجت امرأة و كانت تحبّني، فتزوّجت عليها ابنة خالي .. فأبوا عليّ إلّا تطليقها ثلاثا. و لا و .. جعلت فداك ما أردت .. و لا أردت إلّا أن أداريهم عن نفسي، و قد امتلأ قلبي من ذلك .. فقال: أمّا بينك و بين اللّه فليس بشي ء، و لكن إن قدّموك إلى السلطان أبانها منك» «3».

و الشاهد في أنّ الزوج قصد المدلول، لأجل المداراة، فصدق على إنشائه «الطلاق» لكن المنفي شرعا صحته واقعا.

________________________________________

(5) أي: غير ما ورد في من طلّق مداراة بأهله، و هذا الغير ورد في نصوص عديدة، من بطلان الطلاق الذي لم يحضره العدلان، أو يفقد شرطا آخر ككونها في طهر غير مواقع، فإنّ المفهوم مقصود في الجميع، و المنفي هو الصحة الشرعية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 285، الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق، ح 13.

(2) المصدر، ص 286، الباب 12، ح 1.

(3) المصدر، ص 332، الباب 38، ح 1.

ص: 164

و في (1) أنّ مخالفة بعض العامة في وقوع الطلاق إكراها لا ينبغي أن يحمل على الكلام (2) المجرّد عن قصد المفهوم الذي لا يسمّى خبرا و لا إنشاء.

و غير ذلك (3) مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم (4) طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

______________________________

(1) معطوف على «معنى الإكراه» و هذا وجه سابع، يعنى: أنّ التأمل في مخالفة بعض العامة في صحة الطلاق الإكراهي شاهد على تحقق قصد المدلول فيه، و أنّ بطلانه ليس لأجل خلوّ الصيغة عن المعنى، بل لأجل فقد طيب النفس و القصد الجدّي.

(2) الأولى تبديل «الكلام» ب «الألفاظ» ضرورة أنّ الكلام هو اللفظ المفيد المنقسم إلى الخبر و الإنشاء، فما ليس كذلك لا يسمّى كلاما.

(3) معطوف على «معنى الإكراه» يعني: و أدنى تأمّل في غير ذلك مما يوجب القطع .. إلخ. و غرضه إحالة وضوح المطلب إلى موارد متفرقة مذكورة في الكتب الفقهية، و هي توجب القطع بأنّ القصد المفقود في المكره هو قصد وقوع أثر إنشائه خارجا و عدم طيب نفسه به، و أمّا قصد المدلول فمتحقق فيه. فراجع أبواب غالب العقود و الإيقاعات تجد اشتراطها بكلّ من القصد و الاختيار، و أنّ بطلان إنشاء المكره ناش من فقد الاختيار، لا من عدم إرادة المعنى.

(4) بالرفع معطوف على «القصد» يعني: أنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو عدم طيب النفس بمضمون العقد، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.

و لا يخفى أن العطف يقتضي مغايرة المعطوف و المعطوف عليه، فالمفقود أمران قصد الوقوع خارجا و طيب النفس. لكن الظاهر اتحادهما، أو كون فقد الرّضا منشأ لانتفاء حصول الأثر خارجا أي بحكم العرف و الشرع، و قد سبق في (ص 160) بعض الكلام فيه.

ص: 165

و يكفي في ذلك (1) ما ذكره الشهيد الثاني من «أنّ المكره و الفضوليّ قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله».

______________________________

(1) أي: يكفي في أنّ المراد من نفي القصد في المكره ليس نفي قصد المعنى- و عدم استعمال الكلام فيه- ما ذكره الشهيد الثاني. وجه الكفاية: أنّه قدّس سرّه جعل المكره و الفضولي على حدّ سواء في قصد المدلول، و من المعلوم أنّ الفضوليّ قاصد للمدلول و مريد له من اللفظ- بمعنى استعماله فيه- فكذلك المكره.

و لا بأس بنقل بعض كلامه وقوفا على حقيقة الأمر. قال في شرح قول المحقق:

«فلا يصح بيع الصبي .. و كذا المجنون و المغمى عليه و السكران و المكره، و لو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره للوثوق بعبارته» ما لفظه: «الفرق بينهم و بين المكره واضح، إذ لا قصد لهم إلى العقد و لا أهلية لهم، لفقد شرطه و هو العقل.

بخلاف المكره، فإنّه بالغ عاقل، و ليس ثمّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه، و هو مجبور بلحوقه له بالإجازة، فيكون كعقد الفضولي، حيث انتفى القصد إليه من مالكه الذي يعتبر قصده حين العقد، فلمّا لحقه القصد بالإجازة صحّ .. و بهذا يظهر ضعف ما قيل هنا من انتفاء القصد أصلا و رأسا مع عدم الرضا» إلى أن قال:

«و يمكن أن يقال: إن القصد من المكره حاصل، دون من سبق- أي المجنون و المغمى عليه و السكران- لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ، و لا إلى مدلوله.

بخلاف المكره، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصد إلى ما يتلفظ به، و يفعله بشعوره، لكنه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله. و ذلك كاف في صلاحيته و قبوله للصحة .. و مثله القول في عقد الفضولي .. و لا يتحقق منه قصد مدلوله أعني نقل الملك و التسليط على التصرف و غيرهما من أحكام العقد ..» «1».

فالشهيد الثاني قدّس سرّه أبطل دعوى انتفاء القصد في المكره أصلا و رأسا كما هو الحال في النائم، و أثبت القصد إلى اللفظ، و نفاه عن المدلول.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 155- 156.

ص: 166

نعم (1) ذكر في التحرير و المسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك «1». قال في التحرير: «لو اكره على الطلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق

______________________________

إلّا أن تنظيره بالفضولي شاهد على أنّ مقصوده بالقصد إلى المدلول هو القصد الجدّي إلى حصول أثر العقد في الخارج. و أما قصد التمليك في اعتبار نفسه فمتحقق حال العقد، و هذا ما أصرّ عليه المصنف أيضا.

(1) استدراك على ما استظهره من عبارة المسالك. و غرضه أنّه قد توهم عبارة أخرى في المسالك- و كذا عبارة التحرير- بعدم قصد المكره مدلول إنشائه أصلا. أمّا العلّامة فلدلالة كلامه على أنّ المكره على الطلاق لو قصد الطلاق بانت منه زوجته، و مقتضاه أنّ منشأ بطلان إنشاء المكره فقد قصد المدلول فيه، فلو قصده صحّ، لخروجه عن حدّ الإكراه موضوعا.

و أمّا الشهيد الثاني فلموافقته للعلامة، حيث قال في فروع طلاق المكره:

«الرابع: لو قصد المكره إيقاع الطلاق ففي وقوعه وجهان، من أنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ، و مجرّد النية لا تعمل. و من حصول اللفظ و القصد و هذا هو الأصح».

و ترجيحه للصحة شاهد على تمشّي القصد من هذا المكره الناوي لوقوع الطلاق، و مفاده استناد بطلان طلاق المكره إلى فقد النيّة و القصد إلى المدلول.

و هذا بظاهره ينافي ما تقدّم منه و ما نسبه إليه المصنف من «وجود قصد المدلول في المكره، و إنّما المفقود قصد الوقوع خارجا و طيب النفس».

و لذا ناقش صاحب الجواهر قدّس سرّه في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه بمنع المبنى، و أنّ المكره قاصد للمعنى، حيث قال: «قلت: مرجع ذلك إلى أنّ الإكراه في الظاهر، دون الواقع، و قد تكرّر من العامة و الخاصة خصوصا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة في المقام و في البيع: أنّ المكره حال الكراهة لا قصد له للمدلول، و إنّما هو قاصد للفظ خاصة. و فيه منع واضح، ضرورة تحقق الإنشاء و القصد منه، و لذا ترتّب

______________________________

(1) راجع تحرير الأحكام، ح 2، ص 51، مسالك الأفهام، ج 9، ص 22.

ص: 167

إذ لا إكراه على القصد» (1) انتهى.

و بعض المعاصرين بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهّم كلامهم (2)، فردّ (3) عليهم بفساد المبنى، و عدم (4) وقوع الطلاق في الفرض المزبور.

و لكن المتأمّل يقطع بعدم إرادتهم لذلك (5)، و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع

______________________________

الأثر عليه مع الإكراه بحقّ من تعقب الإجازة بالعقد .. إلخ» «1».

و اعترض المصنف على الجواهر بأنّ حكم العلامة و الشهيد الثاني «لو طلّق ناويا صحّ» و إن أوهم خلوّ المكره عن قصد المنشأ. و لكن بعد تصريح المسالك بمساواة عقد المكره و الفضولي في الصحة بتعقب الإجازة- و كونهما قاصدين للمدلول- لا بدّ من رفع اليد عن ظاهر عبارته المنقولة و توجيهها، و لا سبيل للأخذ بظاهرها من إرادة مجرّد اللفظ دون المدلول.

(1) لأنّ القصد فعل النفس و تحققه منوط بمباديه، و لا يعقل الإكراه عليه، و إنّما يتعلق الإكراه بأفعال الجوارح.

(2) و هو قصد اللفظ المجرّد عن المعنى.

(3) يعني: أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه ردّ على الشهيد الثاني و العلّامة- في حكمهما بصحة الطلاق المزبور- بفساد المبنى، و وجه فساده كون المدلول مقصودا و مرادا للمكره، و إنّما المفقود طيب النفس به.

(4) بالجر معطوف على- بفساد- اى و بعدم وقوع الطلاق في ما لو اكره على الطلاق، فطلّق قاصدا للبينونة.

(5) أي: لعدم قصد المكره مدلول اللفظ، كما يوهمه عبارتا التحرير و المسالك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 32، ص 15.

ص: 168

المزبور به (1) [1].

______________________________

(1) يعني: في قوله: «بقي الكلام في ما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير ..» إلخ، فراجع (ص 253).

______________________________

[1] لا يخلو كلام الجواهر من وجه، بعد ملاحظة شتات كلمات الشهيد الثاني قدّس سرّه، فإنّه و إن ساوى بين المكره و الفضولي من جهة، و لكنه بعد نقل عبارة الدروس- و هي جملة: فلو اكره حتى ارتفع قصده لم يؤثر الرضا- قال: «لكن يبقى في هذا كله إشكال من وجه آخر. و هو: أنّ الهازل قد حكموا بفساد عقده، و لم يذكروا لزومه لو لحقه الرضا به. و ظاهر حاله أنّه قاصد إلى اللفظ دون مدلوله، لأنّه بالغ عاقل. فاللازم حينئذ إمّا إلحاقه بالمكره في لزوم عقده مع لحوق الرضا، أو إبداء الفرق بكونه غير قاصد للفظ. و فيه تأمّل» «1». و هذه الجملة ظاهرة بل صريحة في إنكار قصد المدلول الإنشائي في كلّ من الهازل و المكره، فهما سيّان من هذا الحيث.

فالإنصاف الحكم بتهافت كلام الشهيد الثاني، و ليس هناك ظهور في بعضه و إجمال في بعضه الآخر حتّى يتيسّر الجمع بينهما بحمل المجمل على الظاهر. فما نسبه إليه في الجواهر ليس متوهّم كلام الشهيد، بل هو ظاهره لو لم يكن صريحه.

ثمّ إنّه ينبغي تفصيل الكلام في مسألة عقد المكره، فنقول و به نستعين: من شرائط المتعاقدين الاختيار، بمعنى إيقاع مضمون العقد عن طيب النفس، بحيث يكون القصد المزبور ناشئا عن طيب نفسه، لا عن إكراه الغير عليه، فيكون طيب النفس غير أصل قصد إيقاع المضمون الذي هو مقوّم لمفهوم العقد، فهذا شرط شرعي زائد على ما يعتبر في حقيقة العقد عرفا، فالمفقود في بيع المكره هو طيب النفس بما أنشأه، لا الاختيار، فإنّه حاصل بقصد وقوع المنشأ، فإنّ هذا القصد الحاصل من ترجيح الوجود على العدم في نظر المختار الموجب لميل النفس إليه المتعقب بتعلق الإرادة و القصد به عين الاختيار لوقوع المنشأ، و هذا الميل هو المعبّر عنه بطيب النفس.

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 3، ص 157.

ص: 169

______________________________

و عليه فاعتبار القصد إلى المنشأ في حقيقة الإنشاء راجع إلى اعتبار عدم الإكراه، لا إلى اعتبار طيب النفس، لكفاية الشرط السابق في اعتباره، لأنّ الإنشاء متقوم بقصد وقوع المنشأ، فبدون القصد لا يتحقق الإنشاء.

و دعوى عدم القصد في عقد المكره أصلا غير مسموعة، إذ مع عدم العقد كيف يكون عقد المكره بالحق صحيحا، و المكره بغير الحق صحيحا بالرضا اللاحق؟ فالقصد المقوم للعقدية موجود في عقد المكره، و إلّا لم يكن عقدا قابلا للصحة بالرضا اللاحق.

فالمتحصل: أنّ المعتبر في صحة العقد عدم الإكراه. و أمّا الرضا بمضمون العقد و طيب النفس به المتوقف عليهما قصد الإنشاء فهو مما لا بدّ منه في تحقق عنوان العقد.

و منه يظهر أنّ الإكراه مانع شرعا، لا أنّ طيب النفس شرط كذلك، فإذا قصد اللفظ و المعنى و أنشأ المعنى باللفظ فقد تحقّق العقد، و هو نافذ، و يترتب عليه الأثر، إلّا إذا وقع عن إكراه. فلو شك في تحقق الإكراه ينفى بالأصل، و يحكم بصحته. و هذا بخلاف ما إذا كان طيب النفس شرطا، فلا يحكم بصحته إلّا إذا أحرز هذا الشرط.

نعم إذا شكّ بعد العقد في أنّه هل صدر عن إكراه أم عن طيب النفس فمقتضى أصالة الصحة صحّته في ظاهر الشرع، من غير فرق في ذلك بين شرطية الطيب و مانعية الكراهة.

ثمّ إن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على التعرض لجهات:

الاولى: أنّه قد حكي اتفاق كلمة الأصحاب على بطلان عقد المكره. و أمّا العامة فقد اختلفت كلماتهم في ذلك. فعن الحنابلة «يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهرا و باطنا، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فرارا من ظالم يريد اغتصابها، فإنّ هذا البيع يقع باطلا، و لا ينعقد، لأنّهما و إن تعاقدا باختيارهما ظاهرا، و لكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع، و يسمّى بيع التلجئة و الأمان. أمّا إذا باع شيئا فرارا من ظالم و نحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أنّ هذا بيع تلجئه و أمانة، فإنّ البيع يقع صحيحا، لأنّه صدر من غير إكراه في هذه الحالة».

و عن الحنفية «أنّ عقد المكره ينعقد فاسدا، و لكن يصح بالإجازة».

ص: 170

______________________________

و عن الشافعية «أنّ بيع المكره لا ينعقد رأسا إلّا إذا قصد إيقاع العقد و نواه حال الإكراه، فإنّه في هذه الحالة لا يكون مكرها».

و عن المالكية «أنّ الإكراه الذي يمنع نفاذ البيع هو الإكراه بغير حق» هذا.

ثمّ إنّ العلامة قدّس سرّه في التحرير قال: «لو اكره على الطلاق فطلق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق» و قد يستظهر من هذه العبارة ما أفاده جماعة، منهم الشهيد الثاني قدّس سرّه- في عبارته المتقدمة في التوضيح- من أنّ المكره غير قاصد للمدلول.

لكن الظاهر أنّ هذا الاستظهار في غير محله، لأنّ العلّامة يريد عدم تحقق الإكراه عند إمكان التورية، و لذا لو لم يورّ المطلق صحّ طلاقه، لأنّه ناو له. فالعلّامة قدّس سرّه يعتبر في الإكراه عدم إمكان التورية. و سيأتي تفصيل محتملات كلام العلّامة قدّس سرّه في (ص 253) فانتظر.

و أمّا عبارة الشهيد الثاني فقد احتمل فيها وجوه:

الأوّل: ما ربما يكون ظاهر عبارته من عدم القصد للمكره و الفضولي، نظير الهازل.

و فيه أوّلا: أنّه خلاف الوجدان، لكونهما قاصدين للمعنى قطعا. بشهادة أنّ الإكراه قد يقتضي الدهشة، فيضطرّ المكره إلى قصد إيقاع مضمون الإنشاء، فضلا عن قصد مدلول اللفظ.

و ثانيا: أنّ البناء على خلوّ المكره عن القصد يوجب ركاكة الاستدلال على بطلانه بما دلّ على اعتبار الرّضا و طيب النفس، أو حديث رفع الإكراه و نحو ذلك، لأنّ صحة التمسك بها منوطة بصدق العقد على عقد المكره حتى يكون وجه بطلانه فقدان شرطه.

و أما مع عدم صدق العقد عليه لا وجه للتمسك المزبور.

و ثالثا: أنّ لازمه عدم قابلية عقد الفضولي و المكره حينئذ للنفوذ بالإجازة، إذ لا عقد حقيقة حتى ينفذ بالإجازة.

كما أن لازمه عدم صدق العقد حتى لو كان الإكراه بحقّ أو لحقه الرضا.

و دعوى كون الصحة في هذين الفرضين تعبديا- لا بعنوان البيع مثلا- في غاية الضعف.

ص: 171

______________________________

الثاني: أن لا يكونا قاصدين لمضمون العقد، و هو الأثر الشرعي، لأنّهما حيث يعلمان بعدم ترتب الأثر على عقدهما شرعا و عرفا لم يتمشّ منهما قصد ترتب الأثر على عقدهما.

و فيه: أنّه إن أريد بالمضمون اعتبار المتعاقدين فهو موجود في أفق النفس بعد قصد اللفظ و المدلول كما هو المفروض.

و إن أريد به اعتبار العقلاء أو الشارع، ففيه أوّلا: أنّ عدم قصدهما لذلك مختص بما إذا كانا عالمين بفساد عقدهما. و أمّا إذا لم يكونا عالمين به فيتمشّى منهما هذا القصد.

خصوصا في الفضولي المعتقد لكون المال ملك نفسه، ثمّ تبيّن أنّه لغيره و أنّه أخطأ في التطبيق و باع مال غيره باعتقاد كونه مال نفسه.

و ثانيا: أنّه لا دليل على اعتبار قصد ذلك في صحة المعاملة، و لذا تصح المعاملة من غير المتدينين أيضا الّذين لا يعتقدون بالشرع فضلا عن قصدهما للإمضاء الشرعي.

فهذا الاحتمال ممنوع أيضا.

الثالث: أن يراد بالعبارة ما احتمله المحقق النائيني قدّس سرّه «من عدم كونهما قاصدين لما هو ظاهر كلامهما، فإنّ ظاهر قول الموجب- بعت- هو أنّه مالك للبيع، و أنّه بداعي طيب النفس لا بإكراه الغير. و المشتري يستظهر منه ذلك، و المفروض أنّ البائع لإكراهه ليس كما استظهره المشتري، من قول البائع: بعت» «1».

و فيه أوّلا: أنّه ليس دائما كذلك، إذ قد يكون هناك قرينة على الفضولية و على الإكراه، و مع هذه القرينة كيف يكون اللفظ ظاهرا في ذلك؟

و ثانيا: أنّ قصد خلاف هذا الظاهر لا دليل على كونه مفسدا للعقد.

و بالجملة: لم يظهر معنى صحيح لكلام الشهيد من أنّ المكره و الفضولي قاصدان

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 182.

ص: 172

______________________________

إلى اللفظ دون مدلوله، فيردّ علمه إليه قدّس سرّه.

و قد عرفت في (ص 169) أجنبية كلام العلامة في طلاق المكره عما أفاده الشهيد من عدم قصد المكره و الفضولي لمدلول العقد، فلا معنى لاستظهار رأي الشهيد من كلام العلّامة فراجع. فلا يمكن عدّ العلامة ممّن أنكر قصد المكره لمدلول العقد.

و قد ظهر مما بيّنا فساد ما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه من استناد بطلان البيع الإكراهي إلى عدم وجود ما يدلّ على قصد البيع، حيث إنّ إجراء الصيغة مع الإكراه لا يكشف عن القصد، فلا يكون من البيع العرفي، لعدم كاشف عن كونه مريدا لنقل الملك، بل الإكراه قرينة على عدم إرادة ظاهر اللفظ، «1» فتأمّل جيّدا.

الجهة الثانية: أنّ محل البحث في هذه المسألة هو العقد الجامع للشرائط غير الاختيار أي طيب النفس، فلا بد أن يكون عقد المكره جامعا للشرائط، إذ لو كان فاقدا للقصد كان بطلانه لعدم القصد، بل لا عقد حقيقة حتى يتصف بالصحة أو الفساد، فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع، و يكون عقد المكره من فروع المسألة السابقة و هي اعتبار قصد مدلول العقد. و لم يكن الاختيار بمعنى القصد عنوانا آخر، فلا بدّ أن يراد بشرطية الاختيار طيب النفس، لا قصد مدلول العقد الذي هو مقوم للعقد.

و الحاصل: أنّه يعتبر في عقد المكره جميع ما يعتبر في عقد غيره عدا طيب النفس، نظير الإكراه على شرب الخمر، فإنّ الالتفات إلى نفس الخمر و الشرب موجود، و المفقود هو الرضا و طيب النفس. فما عن جماعة منهم الشهيد في المسالك من «أنّ المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ لا إلى مدلوله» لا يستقيم بظاهره. و قد مرّ توجيهه بوجوه مع ما فيها من الإشكالات.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 267.

ص: 173

______________________________

الجهة الثالثة: في الدليل على اعتبار طيب النفس في صحة العقد، بحيث لو لم يكن دليل على اعتبار طيب النفس في المعاملة كان مقتضى القاعدة صحة بيع المكره، لأنّه عقد عرفي، فيشمله ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود.

لكن قد استدل على ذلك بوجوه:

الأوّل: الإجماع.

و فيه: أنّ البطلان و إن كان مسلّما، لكن يحتمل قريبا أن يكون وجهه الوجوه الآتية، فلا يحصل اطمئنان بإجماع تعبدي في المسألة.

الثاني: قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» بتقريب: أنّه سبحانه و تعالى نهى عن تملك الأموال بجميع الأسباب سوى التجارة عن تراض. و من المعلوم أنّ التراضي ليس هو الإرادة المقوّمة لعقدية العقد كما توهم، فإنّه مضافا الى كونه خلاف الظاهر يستلزم اللغوية، بداهة تقوم التجارة بالإرادة، فذكر التراضي بمعنى الإرادة بعد التجارة يكون لغوا. فالمراد بالرضا هو طيب النفس فالعقد الإكراهي مقرون بالإرادة و الاختيار، و إذا عرى عن القصد عدّ من الأفعال غير الاختيارية.

ثمّ إنّ الفائدة المترتبة على الفعل الاختياري الصادر من فاعله المختار على ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن يرى الخير المحض في فعله سواء أ كان ذلك الخير دنيويا، كما إذا رأى أن المشتري يشتري ماله بربح كثير. أم أخرويا كما إذا اعتقد بمثوبات جميلة مترتبة على التصدق بماله، فيختار التصدق به. و في هاتين الصورتين يختار الفعل بطيب نفسه.

الثاني: أن يرى الفعل خيرا لنفسه بعنوان ثانوي، كما إذا ابتلى بمرض يتوقف

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

ص: 174

______________________________

علاجه على بيع داره، و صرف قيمتها في المعالجة، فإنّ بيع الدار حينئذ و إن لم يكن خيرا له بعنوانه الأوّلي، إلّا أنّه خير له بالعنوان الثانوي، لأنّ بيعها مقدّمة لدفع ضرر متوجه إلى نفسه أو نفس ولده. و هذا الضرر أجنبي عن المعاملة، و ليس من ناحية ظالم و نحوه.

و في هذا القسم يقدم على بيع داره بطيب نفسه، و يشكر اللّه تعالى على ما أنعم به خالقه جلّ و علا من نعمة الدار و بيعها للمعالجة، أو للإنفاق على عياله أو لأداء الدّين الواجب، أو لدفع جرائم ثبتت عليه، أو طلب منه الظالم مالا لا يقدر على دفعه إليه إلّا ببيع داره أو أثاثه مثلا، من دون أن يجبره الظالم على بيع شي ء من أمواله، بل مورد الإجبار هو دفع المال.

الثالث: أن يرى الفعل خيرا له، لكونه موجبا لدفع ضرر الظالم الناشئ من ترك الفعل، لا من جهات خارجية، كما إذا حمل الجائر شخصا على بيع داره مثلا مع الإيعاد على تركه بقتل أو ضرب أو غيرهما، فإنّ البيع و إن صدر بمقدماته الاختيارية من التصور و التصديق بفائدته و الميل و الشوق المؤكّد المعبّر عنه غالبا بالإرادة التي هي تأثير النفس في حركة العضلات، لكن الفاعل غير راض به كما لا يخفى.

و الفرق بين هذا و سابقه- بعد اشتراكهما في كون صدور الفعل فيهما بالعنوان الثانوي- هو: أنّ الرضا في هذا القسم مفقود، لأنّ البيع صدر بإيعاد الظالم، فدفع ضرر الظالم دعاه إلى البيع، لا طيب نفسه. بخلاف القسم السابق، فإنّ الداعي إلى البيع ليس إيعاد الظالم على ترك البيع، بل الظالم أكرهه على إعطاء ألف دينار مثلا، و توقّف نجاته من هذه الغرامة على بيع داره، فيرضى بالبيع بداعي رفع الاضطرار.

نظير ما إذا ابتلى بمرض صعب العلاج كالسرطان و السّل، و توقف علاجه على مئونة كثيرة لا يقدر على بذلها إلّا بأن يبيع داره، فإنّه يرضى بهذا البيع لدفع هذه الضرورة، أو توقف العلاج على قطع عضو فاسد من أعضائه بحيث لو لم يقطعه سرى

ص: 175

______________________________

المرض إلى سائر أعضائه، فيرضى بقطع عضوه و يبتهج بذلك.

بخلاف بيع الدار إذا أوعده الظالم على ترك البيع، فإنّه لا يرضى بالبيع أبدا، لأنّ داعيه إلى البيع إيعاد الظالم على تركه.

و قد اتضح ممّا بيّنا: أنّ بيع المكره من قبيل القسم الثالث، لأنّ البيع الصادر عن إكراه فعل اختياري للمكره، لكنه فاقد للرضا و طيب النفس، فبيع المكره تجارة لكنها عن غير تراض، فيبطل، إذ المفروض انحصار السبب المملّك للأموال المحلّل شرعا بالتجارة المقرونة بطيب النفس.

الوجه الثالث: ما دلّ من الروايات على «حرمة التصرف في مال غيره إلّا بطيب نفسه» كموثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث «إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفس منه» «1».

و عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي عن أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه عن صاحب الزمان عجّل اللّه تعالى فرجه قال: «فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» «2» و غير ذلك من الروايات الدالة على حرمة التصرف في مال الغير.

و مقتضى إطلاقها حرمة جميع التصرفات من الخارجية و الاعتبارية، و بيع المكره لمّا لم يكن مقرونا بالرضا كان حراما.

الوجه الرابع: الروايات الدالة على بطلان طلاق المكره و عتاقه، كخبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن طلاق المكره و عتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق و لا عتقه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 3، ص 424، الباب 3 من أبواب مكان المصلى، ح 1

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 6.

ص: 176

______________________________

بعتق» الحديث «1». تقريبه: أنّه لإطلاق إلّا مع إرادته و قصده، فالمنفي هو الطلاق المسلوب فيه الرضا بسبب الإكراه. و بضميمة عدم القول بالفصل بينهما و بين غيرهما من العقود و الإيقاعات تدلّ على المطلوب.

الوجه الخامس: حديث رفع التسعة التي منها الإكراه، و هو ما رواه حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: رفع عن أمتي تسعة الخطاء و النسيان و ما اكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما لا يعلمون و ما اضطرّوا إليه و الحسد و الطيرة و التفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» «2».

تقريب الاستدلال به على بطلان عقد المكره هو: إن الرفع تشريعي، فكل حكم يؤخذ من الشارع مرفوع في حال الإكراه أي إذا صدر عن إكراه، من غير فرق بين كون الحكم تكليفيا و وضعيا، لأنّ الرفع التشريعي يشمل كل ما تناله يد التشريع. و من المعلوم أنّ الحكم الوضعي كذلك، فيرفع عند الإكراه، سواء أ كان فعل المكلف متعلقا للتكليف كحرمة شرب الخمر، أم موضوعا له كالإفطار الذي هو موضوع لوجوب القضاء و الكفارة. و كالبيع الذي صدر عن إكراه.

فالإكراه على إيجاد موضوع الحكم كالإكراه على إيجاد متعلّقه كالشرب، و هذا ما قرّر في الأصول من أن معنى حديث رفع التسعة رفع ما يكون وضعه و رفعه بيد الشارع من الحكم التكليفي و الوضعي.

فلا حاجة في الاستدلال به على ما نحن فيه من التشبث باستدلال الامام عليه السّلام بهذا النبوي على ما رواه أحمد بن أبي عبد اللّه في المحاسن عن أبيه عن صفوان بن يحيى و أحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعا عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يستكره

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 331، الباب 37 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 1.

(2) وسائل الشيعة، ج 4، ص 1284، الباب 37 من أبواب قواطع الصلاة، ح 2، و ج 5، ص 345، الباب 30 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، ح 2.

ص: 177

______________________________

على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمتي ما اكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا» «1».

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه أمران:

أحدهما: أنّ المعاملة الاضطرارية صحيحة. و التمسك لفسادها بآية التجارة عن تراض و النبوي غير سديد، إذ المفروض حصول طيب النفس في المعاملة الاضطرارية فالآية لا تشمل البيع المضطرّ إليه.

و أمّا وجه عدم شمول الحديث له فلأنّه وارد مورد الامتنان، و ليس رفع الآثار الوضعية لأجل الاضطرار امتنانا على الأمّة، بل هو مناف للامتنان.

نعم في رفع الحكم التكليفي كحرمة شرب الخمر إذا اضطرّ إليه منّة على العباد كما لا يخفى.

ثانيهما: أنّ الإكراه بحقّ لا يبطل المعاملة، و إلّا كان الإكراه لغوا. و يقتضيه أخصية ما دلّ على عدم بطلان المعاملة من حديث رفع الإكراه و ذلك في موارد.

منها: إكراه المحتكر على بيع الطعام، فإنّ المحكيّ عن المهذّب البارع الإجماع عليه، و عن التنقيح عدم الخلاف في ذلك. و قد وردت جملة من الروايات في ذمّ المحتكر و حرمة الاحتكار، و كونه من الجرائم الموبقة.

و منها: أنّ القاضي يحكم ببيع ملك المديون لإيفاء الغرماء حقوقهم، فإنّ البيع حينئذ صحيح، لولاية الفقيه على الممتنع.

و منها: إكراه شخص على بيع ماله للإنفاق على واجبي النفقة من الأب و الأم و الزوجة و غيرهم، فإنّ البيع لصرف الثمن في نفقات هؤلاء جائز و نافذ.

و منها: امتناع الراهن من أداء دينه، فإنّ الحاكم يجبره على بيع العين المرهونة و أداء دين المرتهن من ثمنها، فلا يؤثر الإكراه في فساد بيعه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136، الباب 12 من كتاب الأيمان، ح 12.

ص: 178

[حقيقة الإكراه، و ما يعتبر في صدقه]

ثمّ إنّ (1) حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير على ما يكرهه.

______________________________

حقيقة الإكراه، و ما يعتبر في صدقه

(1) هذا شروع في جهة أخرى من جهات البحث في عقد المكره، و هي تحديد الموضوع أعني به الإكراه ليترتب عليه حكمه، في قبال الاضطرار و الجبر و الإلجاء.

و محصله: أنّه لمّا لم يكن للإكراه حقيقة شرعية كان المرجع في معناه إلى العرف و لو باستكشافه من كلام اللغوي، و قد عرّفه الجوهري بما في المتن، حيث قال:

«و أكرهته على كذا حملته عليه كرها» «1».

و المستفاد من هذا التعريف توقف صدق الإكراه على اجتماع أمور ثلاثة:

الأوّل: تحميل المكره شيئا مقرونا بالتهديد بإيراد ضرر عليه لو خالفه.

الثاني: أن يكون ما توعّد به مضرّا لا يتحمّل عادة، سواء أ كان الضرر متوجها إلى شخص المكره أو إلى ذويه كالوالد و الولد و الزوجة. و سواء أ كان في النفس أو في الطرف أو في العرض، أو في المال. فلو أكرهه على البيع مثلا و هدّده بأخذ مال منه لو لم يبع، و لم يكن دفع ذلك المال مضرّا بحال المكره- ليساره و كثرة أمواله- لم يتحقق الإكراه.

الثالث: علم المكره أو ظنّه بترتب المتوعد به لو خالف، بأن يكون المكره قادرا على المؤاخذة، و المكره مقهورا عاجزا عن دفع الضرر.

فإن اجتمع هذه الأمور تحقق الإكراه، بمعنى عدم استقلال المكره في التصرف، أي عدم طيب نفسه بما يصدر منه من فعل، إذ في تركه مظنة الضرر. و هذا لا ينافي صدوره منه باختياره إمّا دفعا للضرر المتوعّد به من طرف المكره. و إمّا لترجيح أخفّ الضررين على الأشدّ، كما إذا تضرّر المكره من بيع دار سكناه، و لكنه يقدم على بيعها و يتحمّل الضرر المادّي، دفعا للضرر الأعظم المتوعد به كالقتل.

و الجامع بين الفرضين عدم رضاه بما يفعله، لأنّ علمه بتحقق الوعيد أو ظنّه به

______________________________

(1) صحاح اللغة، ج 6، ص 2247.

ص: 179

و يعتبر (1) في وقوع الفعل من ذلك الحمل اقترانه بوعيد منه (2) مظنون الترتب على ترك ذلك الفعل، مضرّ بحال الفاعل أو متعلقة نفسا أو عرضا أو مالا.

فظهر (3) من ذلك أنّ مجرّد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله (4) في المكره عليه. كيف (5)؟ و الأفعال الصادرة من العقلاء كلّها أو جلّها

______________________________

هو الباعث له نحو الفعل المكره عليه، لا طيب نفسه به.

و قد ظهر من هذا اعتبار كون نفس الفعل مكرها عليه كالبيع في المثال. و أما إذا أكرهه على دفع مال خطير، و توقّف تحصيله على بيع داره فباعها، لم يكن ذلك إكراها على البيع، لكون مطلوب المكره نفس المال لا مقدمته و هو البيع. نعم يضطرّ المكره إلى البيع لتسديد حاجته، و لكنه أمر آخر، و سيأتي توضيح الفرق بين الإكراه و الاضطرار.

(1) هذه الجملة إلى قوله: «أو مالا» جامعة للأمور المتقدمة، فقوله: «اقترانه بوعيد منه» إشارة إلى الأمر الأوّل، و قوله: «مظنون الترتب، إشارة إلى الأمر الثالث.

و قوله: «مضرّ بحال الفاعل» إشارة إلى الأمر الثاني.

(2) الإتيان بكلمة «منه» لأجل إخراج موارد عن حدّ الإكراه نذكر بعضها:

الأوّل: ما إذا طلب المكره شيئا من المكره، و أخافه من آفة سماوية لو خالف، بأن قال له: «بعني هذه الدار و إلّا نزلت بك صاعقة أو زلزال مثلا» فإنّ هذا الوعيد لمّا لم يكن من شأن المكره لم يصدق على هذا التهديد حدّ الإكراه.

الثاني: ما إذا كان الضرر المتوعد به فعل شخص آخر غير المكره، و لكن ذلك الغير لم يحمّل شيئا على المكره و لم يوعّده بضرر.

(3) هذا متفرع على اعتبار الأمور الثلاثة المتقدمة في تعريف الإكراه، بضميمة إتيانه بنفس ما أكرهه عليه لا بمقدمته.

(4) بل يدخله في المضطرّ إليه.

(5) يعني: كيف يدخله في المكره عليه؟ و الحال أنّ الأفعال العقلائية كلّها

ص: 180

ناشئة عن دفع الضرر. و ليس (1) دفع مطلق الضرر الحاصل من إيعاد شخص

______________________________

أو جلّها تصدر لدفع الضرر عن النفس أو عمّن يتعلّق بها، كبذل المال للطعام و الشراب دفعا لضرر الجوع و العطش، و شراء الأدوية لعلاج المرض، و كذا الحال في شراء الألبسة للاتّقاء من الحرّ و البرد، و شراء الدار للسكنى فيها، و من المعلوم خروج هذه الموارد أيضا عن حدّ الإكراه موضوعا.

(1) غرضه من هذه العبارة التنبيه على ما تقدم آنفا من اعتبار الإتيان بنفس ما اكره عليه، فلو أتى بمقدمته لم يتحقق الإكراه الموضوع للأحكام. كما إذا أكرهه الظالم على دفع مال إليه، و لم يقدر على دفعه إليه إلّا ببيع داره و دفع ثمنها إليه، فإنّ بيع الدار صحيح، لعدم ورود الإكراه عليه، بل الإكراه ورد على دفع المال. فهذا الإكراه لم يسقط المكره عن الاستقلال في التصرف، بل له التصرف البيعي و عدمه.

و الحاصل: أنّ الإكراه لا بد أن يتعلّق بنفس بيع الدار حتى يكون بيع المكره صادقا عليه. و حينئذ يختار الفعل من باب حكم العقل بوجوب دفع الضرر عن نفسه أو عرضه أو ماله، أو عن غيره المتعلق به، بحيث يعدّ ضرره ضررا عليه، ففعل المكره لا يخرج بالإكراه عن أفعاله الاختيارية. لكنه يصدر عنه بغير طيب نفسه، لأنّ النفس كارهة لفعل ما يحمّله غيره عليه، مع الإيعاد على تركه بضرر يشقّ عليه تحمله.

و هذا بخلاف ما يفعله لدفع الضرر، لكنه مع الاستقلال في فعله، كبيع ماله لدفع الجوع، أو لأداء دينه، أو لدفع ظلم الجائر الذي يريد أن يأخذ منه مالا بدون أن يجبره على بيع داره، فإنّه يختار البيع دفعا للضرر الجوعي مثلا، و يطيب نفسه بذلك.

بخلاف ما إذا أنشأ البيع عن إيعاد الظالم على تركه، فإنّه لا يطيب نفسه بحمل الغير إياه على البيع. و إن كان اختياره له لأجل دفع الضرر، لكنّه مقرون بإيعاد الغير.

و بالجملة: فالبيع مثلا إن كان لدفع الضرر الناشئ عن إيعاد الغير كان صحيحا، و هو المسمّى بالمضطرّ إليه. و إن كان لدفع ضرر المكره، لم يكن صحيحا، و هذا هو المسمّى بالمكره عليه. فاتّضح الفرق بين الإكراه و الاضطرار.

ص: 181

يوجب (1) صدق المكره عليه (2)، فإن (3) من اكره على دفع مال، و توقّف على بيع بعض أمواله، فالبيع الواقع منه لبعض أمواله (4) و إن كان لدفع الضرر المتوعد به على عدم دفع ذلك المال، و لذا (5) يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه (6) لحلف أو شبهه (7)، إلّا (8) أنّه ليس مكرها.

فالمعيار في وقوع الفعل مكرها عليه سقوط الفاعل- من أجل الإكراه المقترن بإيعاد الضرر- عن (9) الاستقلال في التصرف بحيث لا يطيب نفسه

______________________________

(1) خبر قوله: «و ليس دفع».

(2) حتى يكون بيع الدار- في الإكراه على دفع المال لا على البيع- مندرجا في بيع المكره.

(3) تعليل لقوله: «و ليس دفع» و قد تقدم توضيحه آنفا.

(4) كما إذا كان للمكره أموال متفرقة كالنقود و البستان و الدار، فباع داره لتسليم ثمنها إلى الظالم دفعا للضرر المتوعّد به.

(5) أي: و لأجل صحة بيع شي ء لدفع الضرر يرتفع التحريم عنه، و غرضه إقامة الشاهد على أن «البيع لدفع الضرر» ليس على إطلاقه إكراها، فقد يكون البيع للاضطرار، و هو رافع للحرمة التكليفية، و لا يوجب فساد المعاملة وضعا، فلو حلف على عدم بيع داره، ثم اضطرّ إلى بيعها لدفع الثمن إلى الظالم المكره حلّ بيعه و لم يحنث الحلف، و يصحّ وضعا، لعدم صدق «الإكراه من الغير» على هذا البيع.

(6) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى الموصول في «من اكره» و هو المكره على دفع المال لا على البيع. و ضمير «حرمته» راجع إلى البيع.

(7) كالنذر و العهد الموجبين لطروء عنوان ثانوي على المتعلّق.

(8) خبر قوله: «فالبيع».

(9) متعلق ب «سقوط».

ص: 182

بما يصدر منه، و لا يتعمّد إليه عن رضاه، و إن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر، أو ترجيحا لأقلّ الضررين.

إلّا أنّ هذا المقدار (1) لا يوجب طيب نفسه به، فإنّ النفس مجبولة على كراهة ما يحمّله غيره عليه مع الإيعاد عليه بما يشقّ تحمله.

و الحاصل (2): أنّ الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنّه مستقلّ في فعله و مخلّى و طبعه فيه (3) بحيث يطيب نفسه بفعله، و إن كان من باب علاج الضرر.

و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه. و هذا ممّا لا يطيب النفس به، و ذلك (4) معلوم بالوجدان.

[هل يتوقف الإكراه على العجز عن التخلص بالتورية أو بغيرها؟]

ثم إنّه هل يعتبر (5)

______________________________

(1) يعني: أنّ هذا المقدار من الاختيار- الناشئ من دفع الضرر أو تحمل أخفّ الضررين- لا يجدي في صحة المعاملة، إذ لا تطيب نفس المكره بما يحمّله المكره عليه.

(2) غرضه- كما تقدم التنبيه عليه- عدم التنافي بين كون تصرف المكره إراديا و بين عدم طيب نفسه بفعله الإرادي.

(3) أي: في فعله، إذ لا تحميل في موارد الاضطرار.

(4) يعني: وجود طيب النفس في المضطرّ المستقلّ في تصرّفه، و فقدان الطيب في المكره على البيع مثلا.

هذا كلّه في بيان حدّ الإكراه، من حيث ميزه عن الاضطرار. و سيأتي الكلام في أنّ العجز عن التورية دخيل فيه أم لا.

هل يتوقف الإكراه على العجز عن التخلص بالتورية أو بغيرها؟

(5) هذه إحدى جهات البحث في إنشاء المكره، و هي: أنّ الإكراه المتحقق بتحميل الغير و إيعاده الضرر بالمكره هل يتقوّم مفهومه بالعجز عن دفع الضرر المتوعد به، بحيث لو كان قادرا على التفصي عنه لم يصدق «المكره عليه» على فعله؟

ص: 183

..........

______________________________

أم لا دخل له في صدق الإكراه موضوعا.

و على الثاني فهل يعتبر في حكمه الشرعي- و هو سقوطه عن الأثر المترتب على فعل المختار- عجز المكره عن التفصّي و الفرار عن الضرر، أم لا يعتبر ذلك أصلا؟ أم يفصّل بين التفصّي عن الضرر بالتورية و بغيرها؟ في المسألة وجوه بل أقوال:

الأوّل: عدم دخل التمكّن من التخلّص عن إيعاد المكره، لا في مفهوم الإكراه و لا في حكمه الشرعي، فيصدق الإكراه و يرتفع أثره الشرعي بمجرّد تحميل الغير، و إيعاده الضرر على المكره، سواء تمكن من التخلص أم عجز عنه. بلا فرق بين الإكراه على إنشاء معاملة و بين غيره، كالإكراه على فعل محرّم أو ترك واجب، و هذا منسوب إلى جماعة، و اختاره المصنف في بادئ الأمر.

الثاني: التفصيل بين المعاملة و غيرها، بعدم اعتبار إمكان التفصي عن المكره عليه في المعاملة، فتبطل بمجرّد الإكراه و إن كان قادرا على التخلّص منها. و باعتباره في غير المعاملة، فلا يجوز ارتكاب المحرّم المكره عليه إلّا بالعجز عن التفصّي عنه.

الثالث: التفصيل بين كون المتفصّى به تورية و غيرها، فإن قدر على التورية لم يكن مكرها، سواء أ كان المكره عليه معاملة أم غيرها، و ان تمكّن من التفصّي من ضرر المكره بوسيلة أخرى لم يجب عليه ذلك، فهو مكره عليه، فلا يحرم فعله، و لا يصحّ إنشاؤه.

الرابع: التفصيل بين الموضوع و الحكم، بمعنى أنّ إمكان التخلص غير مأخوذ في مفهوم الإكراه، و لكنه ملحوظ في حكمه الشرعي، فالقادر على التفصّي مكره موضوعا و غيره مكره أثرا، فلا يكون إنشاؤه باطلا شرعا، و سيأتي تفصيل الكلام إن شاء اللّه تعالى.

و المراد بالتورية هو الستر و الإخفاء، بإلقاء كلام ظاهر في معنى و إرادة خلاف ظاهره، مع إخفاء القرينة على المراد، فكأنّ المتكلم وارى و ستر مراده عن المخاطب

ص: 184

في موضوع (1) الإكراه أو حكمه (2) عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما (3) لا يوجب ضررا آخر كما حكي عن جماعة، أم لا؟ الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم (4) اعتبار العجز عن التورية، لأنّ حمل

______________________________

بإظهار غيره، بحيث تخيّل المخاطب إرادة ظاهر كلامه، قال العلامة الطريحي:

«ورّيت الخبر- بالتشديد- تورية: إذا سترته و أظهرت غيره، حيث يكون للفظ معنيان، أحدهما أشيع من الآخر، و تنطق به و تريد الخفي». «1»

و يمكن التنظير له بما روي من قول عقيل: «أمرني معاوية أن ألعن عليا، ألا فالعنوه» لأنه أراد بمرجع الضمير معاوية الآمر باللعن، عليه أشد لعائن اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.

و كيف كان فاستدل المصنف قدّس سرّه على إطلاق الإكراه- و عدم دخل إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به- بوجوه سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(1) بأن يكون مفهومه العرفي متقوّما بعجز المكره عن التخلص عن الضرر المتوعد به.

(2) بأن يكون مفهوم الإكراه مطلقا شاملا للقدرة على التفصي و عدمها، إلّا أنّ سلب الحكم عن إنشاء المكره مخصوص تعبدا بعجز المكره عن الفرار. فلو قدر عليه لم يكن محكوما بحكم الإكراه، فلو أكرهه الجائر على طلاق زوجته، و تمكّن المكره من ترك الإنشاء رأسا، أو التورية بإرادة خلاص زوجته من الأعمال البيتية كالطبخ و الغسل و تربية الأطفال، فأنشأ الصيغة- غير قاصد للبينونة- لم يقع الطلاق، إذ لا إكراه مع إمكان التفصي عمّا أكره عليه.

(3) متعلق ب «التفصي» يعني: يتخلّص المكره من المكره عليه، و لم يستتبع فراره ضررا آخر عليه، فلو استتبعه كان مكرها.

(4) هذا ما استظهره المصنّف أوّلا، و هو تحقق الإكراه بمجرّد تحميل الغير، سواء

______________________________

(1) مجمع البحرين ج 1، ص 436.

ص: 185

..........

______________________________

أمكن التخلص منه أم لا، و كذا لا يعتبر في حكمه الشرعي إمكان العجز عن التفصي.

أمّا عدم اعتبار العجز عن التفصي بالتورية فلقضاء العرف بصدق موضوع الإكراه مع القدرة على التورية.

و أما عدم دخل إمكان التفصي في حكم الإكراه- بعد سعة مفهومه و شموله لصورتي العجز عن التورية و عدمه- فإطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في حكم الإكراه بين صورة العجز عن التورية و عدمه، و هذا الإطلاق يشمل كلتا الصورتين في عرض واحد، بعد وضوح عدم دخل العجز عن التورية في موضوع الإكراه.

و عليه فحمل الإطلاق المزبور على خصوص صورة العجز عن التورية- للجهل بالتورية، أو الدهشة الموجبة للغفلة عن التورية- يكون من حمل المطلق على الفرد النادر، لأنّ الغالب التمكن من التورية. فهذا الحمل بعيد جدا، لكونه في الاستهجان نظير تخصيص العام بأكثر أفراده، و من المعلوم إباء العام و المطلق عن ذلك، فيتقوّى الإطلاق و الشمول لصورة القدرة على التورية، و يشكل تقييده بالعجز عنها.

خصوصا مع ورود الإطلاق في كل ما يمكن أن يستدلّ به على سقوط إنشاء المكره عن الأثر لا في دليل واحد، قال في الجواهر: «و لا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكره عدم التمكن من التورية- بأن ينوي غير زوجته، أو طلاقها من الوثاق، أو يعلقه في نفسه بشرط، أو نحو ذلك- و إن كان يحسنها، و لم تحصل له الدهشة عنها، فضلا عن الجاهل بها، أو المدهوش عنها، لصدق الإكراه، خلافا لبعض العامة» «1».

و قريب منه ما في المسالك من دعوى الإجماع، و إن مال هو قدّس سرّه إلى اعتبار التورية للقادر عليها، فراجع «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام ج 32، ص 15.

(2) مسالك الافهام ج 9، ص 22.

ص: 186

لأنّ حمل عموم (1) رفع الأكرة، و خصوص (2) النصوص الواردة في طلاق المكره و عتقه، و معاقد الإجماعات (3) و الشهرات (4) المدّعاة في حكم المكره على (5) صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة بعيد (6) جدّا. بل غير صحيح في بعضها

______________________________

(1) هذا هو الدليل الأول الرافع لحكم الإكراه في المعاملات و غيرها، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أحاديث رفع التسعة أو الستة أو الثلاثة «رفع ما استكرهوا عليه» و حيث إنّ الغالب القدرة على التورية، فحمله على رفع حكم الإكراه عن العاجز عنها حمل للمطلق على الفرد النادر، و هو ممنوع.

(2) هذا هو الدليل الثاني، و قد تقدمت جملة من النصوص النافية للطلاق و العتق الإكراهيين، فراجع (ص 163 و 164).

(3) هذه الإجماعات المتضافر نقلها دليل ثالث. و الإجماع و إن كان دليلا لبيّا يقتصر فيه على المتيقن و هو العاجز عن التورية، إلّا أنّ استهجان حمل إطلاق المعقد على الفرد النادر يقتضي الأخذ بالإطلاق، كما هو واضح، فتأمل [1].

(4) بناء على كون الشهرة الفتوائية دليلا على الحكم الشرعي فإطلاقها حجة كالإجماع المنقول، و إلّا فهي مؤيدة لإطلاق الأدلة اللفظية.

(5) متعلق ب «حمل».

(6) خبر قوله: «لأنّ حمل» يعني: أنّ الفرد النادر- و هو العجز عن التورية- إمّا أن يكون لجهل المكره بأسلوبها، و إمّا أن يكون لدهشته و ذهوله عن التورية مع علمه بها.

و مثال الجهل ما إذا أكره على طلاق زوجته، و لم يعلم أن يقصد من الطلاق خلاص الزوجة من الوثاق و أعمال البيت و تربية الأطفال، بحيث لو كان عالما بهذه التورية لم يقصد جدّا بينونة زوجته.

و مثال الدهشة، كما إذا سلّ المكره سيفه عند أمره بالطلاق، فأثّر الخوف في المكره، و عرضت الدهشة عليه، و نسي تمكّنه من التورية، فطلّق قاصدا للبينونة.

______________________________

[1] إشارة إلى: أنّه لا إطلاق في معقد الإجماع حتى يكون حمله على الفرد النادر مستهجنا، إذ المفروض كونه لبيّا، و لا محيص عن الأخذ بالمتيقن منه.

ص: 187

من جهة المورد (1)، كما لا يخفى على من راجعها.

مع أنّ القدرة على التورية لا يخرج الكلام عن حيّز الإكراه عرفا (2)، هذا.

______________________________

ففي هذين المثالين حكموا ببطلان الطلاق، للعجز عن التورية، فهما المتيقن من رفع الإكراه شرعا.

(1) لعل مقصوده ما ورد في قصة عمار على ما رواها المفسرون في شأن نزول قوله تعالى مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ، إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» إنّ قريشا أكرهوه و أبويه ياسرا و سميّة على الارتداد، فأبى أبواه فقتلوهما، و هما أوّل شهيدين في الإسلام، و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها. فقيل يا رسول اللّه: إنّ عمارا كفر، فقال: كلّا إنّ عمارا ملي ء إيمانا من قرنه إلى قدمه، و اختلط الايمان بلحمه و دمه، فأتى عمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يبكي، فجعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يمسح عينيه، و قال: ما لك إن عادوا لك فعدهم بما قلت» «2».

تقريب عدم إمكان حمل قصة عمار على صورة العجز عن التورية هو: أنه مع العجز عن التورية لم يكن وجه لاضطراب عمار و بكائه، لأنّه بعد فرض عجزه عن التورية يكون مضطرّا إلى التكلم بكلمة الكفر، و الاضطرار رافع للحرمة. فاضطرابه كان لأجل التمكن من التورية و لم يورّ، و قرّره النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على ذلك، و نفى البأس عمّا قاله من كلمة الكفر، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ان عادوا فعد» و لم يأمره بالتورية بإرادة معنى آخر من كلمة الكفر غير ما هو ظاهره.

(2) هذا راجع إلى صدق الإكراه موضوعا مع القدرة على التورية، و حاصله: أنّ

______________________________

(1) سورة النحل، الآية: 109.

(2) راجع مجمع البيان، ج 3 ص 388، و روي كلام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعمّار في عدة نصوص، مثل ما رواه صاحب الوسائل عن أصول الكافي بسند معتبر و كذا في تفسير البرهان، و لكن لم تتعرّض لقصة ياسر و زوجته، فراجع وسائل الشيعة ج 11، ص 476 الباب 29 من أبواب الأمر و النهي، الحديث 2، و تفسير البرهان، ج 2، ص 385 و 386، الحديث: 2 و 3 و 4 و 9.

ص: 188

و ربما يستظهر (1) من بعض الأخبار عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه

______________________________

مفهوم «الإكراه» عرفا يعمّ كلتا صورتي القدرة على التورية و العجز عنها، لما عرفت من أنّه «التحميل المقترن بإيعاد ضرر على المكره، لا يتحمّل عادة». و من المعلوم عدم الفرق في هذا المفهوم العرفي بين التمكن من التورية و عدمه.

نعم قد يفرّق بينهما بالنظر الدقيق العقلي، بدعوى: أنّ الخوف من الضرر- الذي هو مناط الإكراه- غير متحقق عند القدرة على التورية، بأن يقصد من قوله: «زوجتي طالق» خلاصها من شؤون البيت، إذ به يتخلّص من وعيد المكره، و لا يتضرر بشي ء، كما أنّه لم يقع الطلاق الشرعي.

و هذا بخلاف العاجز عن التورية، لجهله بها أو لصيرورته مدهوشا مرعوبا بالإكراه بحيث لا تتمشى منه التورية، فيكون الداعي على قصد الطلاق هو تحميل الغير لا طيب نفسه به.

و لكن هذا الفرق مردود بما في المتن من قوله: «عرفا» يعني: أنّ لفظ «الإكراه» كسائر الألفاظ الموضوعة للأحكام الشرعية خوطب به العرف، فهو المتّبع في سعة دائرة المفهوم و ضيقها، و لا ريب في صدقه على مطلق التحميل سواء تمكّن المكره من التورية أم لا، هذا.

و لا يخفى أن المناسب تقديم هذا الكلام على قوله «الذي يظهر من النصوص» لأن الموضوع مقدّم طبعا على الحكم، فلا بد أوّلا من التعرض لعدم دخل العجز عن التورية في موضوع الإكراه، ثم في حكمه، ضرورة أنّ دعوى كون حمل إطلاق النصوص و الفتاوى على صورة العجز عن التورية حملا للإطلاق على الفرد النادر مبنيّة على عموم معنى الإكراه لكلتا صورتي القدرة على التورية و العجز عنها حتى تصح دعوى ندرة العجز عن التورية.

(1) يعني: أنّ الكلام كان في إثبات عدم دخل القدرة على التخلص- بالتورية- من المكره في موضوع الإكراه و حكمه، و غرضه تعميم مفهوم الإكراه لما إذا أمكن

ص: 189

آخر (1) غير التورية أيضا في صدق الإكراه، مثل رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا يمين في قطيعة رحم، و لا في جبر، و لا في إكراه. قلت:

أصلحك اللّه، و ما الفرق بين الجبر و الإكراه؟ قال: الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب، و ليس ذلك بشي ء» الخبر «1».

و يؤيده (2) أنّه لو خرج عن الإكراه عرفا بالقدرة على التفصي بغير التورية

______________________________

التفصي من الضرر بغير التورية، كالفرار أو تحمل سوء خلق الزوجة و نحوهما، على ما يستفاد من رواية ابن سنان، المفصّلة بين جبر السلطان و إكراه الوالدين و الزوجة.

تقريب الاستظهار: أنّ السلطان مثال لمن لا يمكن التفصي من مخالفته، و الزوجة و الأب و الأمّ أمثلة لمن يمكن التفصي من حمله على الفعل، لغلبة الإمكان في الثاني دون الأوّل، فكأنّه عليه السّلام قال: «الجبر يكون من حامل لا يمكن التفصي منه نوعا مثل السلطان. و الإكراه يكون من حامل يمكن التفصي منه نوعا كالزوجة و الأب و الأم» فأطلق الإكراه على التوعيد الذي يمكن التفصي فيه، لانتفاء كمال السلطنة مثلا أو غيره، إذ غاية ما يترتب على مخالفة الزوج لما تطلبه منه زوجته هو سوء خلقها و تهاونها في إدارة شؤون المنزل، و هذا ممّا يتحمل عادة، و يستبعد جدّا أن تورد ضررا على زوجها في نفسه أو ماله.

(1) كالفرار و الاستمداد من أصدقائه ليخلّصونه من شرّ المكره، فكما يصدق الإكراه بالقدرة عليه، كذلك مع القدرة على التورية. و عليه فلا فرق في تحقق الإكراه بتحميل الغير، سواء تمكّن من التخلص عنه بالتورية أو بغيرها، أم لم يتمكن من شي ء منهما.

(2) يعني: و يؤيّد الاستظهار المزبور، و حاصل التأييد: أنّه لو كانت القدرة على التفصي بغير التورية قادحة في صدق الإكراه لكانت القدرة على التفصي بالتورية قادحة أيضا في صدقه، إذ المناط في صدق الإكراه هو عدم إمكان التخلص عن الضرر- المتوعد به على ترك الفعل المكره عليه- إلّا بفعل المكره عليه. فمع إمكان

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب اليمين، ح 1.

ص: 190

خرج عنه بالقدرة عليها، لأنّ المناط حينئذ (1) انحصار التخلص عن الضرر المتوعّد في (2) فعل المكره عليه، فلا (3) فرق بين أن يتخلّص حينئذ بكلام آخر أو فعل آخر، و بهذا الكلام مع قصد معنى آخر.

و دعوى (4) أنّ جريان حكم الإكراه مع القدرة على التورية تعبديّ- لا من جهة صدق حقيقة الإكراه- كما (5) ترى.

لكنّ الإنصاف (6) أنّ وقوع الفعل عن الإكراه لا يتحقّق إلّا مع العجز عن

______________________________

التخلص بغيره- سواء أ كان التخلص بكلام آخر أم فعل آخر أم بنفس هذا الكلام مع قصد معنى آخر غير معناه الظاهر- لا يصدق الإكراه.

(1) أي: حين الخروج عن الإكراه بسبب القدرة على التفصي عن الضرر بغير التورية، فالمناط في صدق الإكراه عدم إمكان التخلص عن الضرر إلّا بفعل المكره عليه.

(2) متعلق بقوله: «انحصار» يعني: أنّ التخلص من الضرر الإيعادي منحصر في فعل المكره عليه.

(3) متفرع على قوله: «لأنّ المناط حينئذ» يعني: فلا فرق في عدم الانحصار .. إلخ.

(4) غرضه أنّ الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و بين إمكانه بغيرها هو: أنّ الإكراه و إن لم يكن صادقا في كلتا صورتي إمكان التورية و غيرها، لكن حكم الإكراه ثابت مع إمكان التفصي بالتورية تعبدا، دون إمكانه بغير التورية.

(5) خبر «و دعوى» و حاصله: منع هذه الدعوى، لعدم الدليل على إلحاق غير المكره عليه بالمكره عليه، بل المانعية تدور مدار عنوان الإكراه، فبدونه لا يحكم بمانعية غير الإكراه. فترتّب حكم الإكراه في صورة القدرة على التورية إنّما هو لأجل صدق الإكراه لا للتعبد.

(6) مرجع هذا إلى تسليم الدعوى المذكورة التي حكم بكونها «كما ترى» فغرضه قدّس سرّه العدول عمّا أسّسه من أنّ العجز عن التفصي- بالتورية أو بغيرها-

ص: 191

..........

______________________________

غير دخيل في الإكراه موضوعا و حكما. و مقتضى هذا العدول و إن كان اشتراط الإكراه بامتناع التفصي عنه مطلقا، لكنه قدّس سرّه فصّل بين التمكن من التخلص بالتورية و بين تمكنه بغيرها. فهنا مطلبان، أحدهما: توقف الإكراه على العجز عن التفصي.

و ثانيهما: التفصيل بين كون المتفصّى به تورية أو غيرها.

أما المطلب الأوّل فتوضيحه: أنّه قد تقدم تقوّم مفهوم الإكراه بأمور ثلاثة: منها علم المكره- أو ظنّه- بترتب الضرر على مخالفة ما أكره عليه، و يعبّر عن هذا الأمر بخوف الضرر. و على هذا يعتبر في تحقق الإكراه أن يكون الداعي إلى الإتيان بالفعل المكره عليه خصوص خوف ترتب الضرر المتوعد به على ترك ذاك الفعل المكره عليه، و من المعلوم أنّه مع القدرة على التفصي عنه بدون الإتيان بالفعل المكره عليه لا يترتب الضرر على مجرّد ترك المكره عليه، بل على تركه و ترك التفصي معا، فهو مختار في دفع الضرر بين فعل المكره عليه و بين التفصي عن الضرر بوجه آخر، فلا إكراه في البين.

و الشاهد على إناطة صدق الإكراه بالعجز عن التخلّص هو الفرق المرتكز عند أبناء المحاورة بين أن يقول المكره: «طلّق زوجتك أو بع دارك، و إلّا» و بين أن يأمره بالطلاق خاصة. حيث إنّ البيع عدل للطلاق في المثال الأوّل، و إنشاء كلّ منهما مستند إلى تحميل المكره، فهو مسلوب الأثر.

بخلاف المثال الثاني الذي طلب المكره الطلاق خاصة، و فرضنا تمكن المكره من التخلص إمّا بالخروج مدّة من بلده، و إما بمراجعة صديق ليشفع له عند المكره كي يتنازل عن إكراهه، فإنّه لا يخاف المكره ترتب الضرر المتوعد به، فلو طلّق لم يستند إلى خوف الضرر، لعدم صدق الإكراه في هذه المنفصلة: هذا مكره على أحد الأمرين إما طلاق زوجته و إمّا تركه بالفرار من البلد أو الاستشفاع بصديق.

و وجه عدم الصدق كون الفرار و نحوه دافعا للإكراه حقيقة، و لم يأمر به المكره

ص: 192

التفصي بغير التورية، لأنّه (1) يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك (2). و مع القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا على ترك المكره عليه، بل (3) على تركه و ترك التفصي معا. فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين من فعل المكره عليه و التفصي، فهو مختار في كل منهما، و لا يصدر كل منهما إلّا باختياره، فلا إكراه.

و ليس (4) التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب الإكراه عنهما، كما لو أكرهه على أحد الأمرين، حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها، لأنّ (5) الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه لا بدل له.

______________________________

لا تعيينا و لا تخييرا.

هذا في عدم دخل العجز عن التفصي بغير التورية، و هو و إن كان جاريا في القدرة على التفصي بالتورية أيضا، إلّا أنّه سيأتي عدم اعتبار التمكن منها.

(1) تعليل لعدم تحقق الفعل الإكراهي إلّا مع العجز عن التفصي بغير التورية.

(2) أي: ترك الفعل المكره عليه.

(3) يعني: بل يكون الضرر مترتبا على ترك كلا الأمرين، و هما: المكره عليه و التفصي.

(4) هذا إشارة إلى توهم و دفعه، حاصل التوهم: صدق الإكراه هنا أيضا، حيث إنّ التفصي أحد عدلي المكره عليه، فكأنّه مكره على الفعل أو على التفصي مخيّرا بينهما، فإمكان التفصي لا يخرجه عن صدق الإكراه.

(5) هذا دفع التوهم المزبور، و حاصله: أنّ الفعل المتفصّى به عن الضرر المتوعد به مسقط عن المكره عليه لا عدل له، و لذا لا يكون محكوما بأحكام المكره عليه إجماعا. ففرق بين الإكراه على أحد الأمرين من البيع أو الطلاق تخييرا، و بين إكراهه على البيع خاصة مع قدرته على الفرار.

ص: 193

و لذا (1) لا يجري عليه (2) أحكام المكره عليه إجماعا، فلا يفسد إذا كان عقدا.

و ما ذكرناه (3) و إن كان جاريا في التورية، إلّا أنّ الشارع رخّص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصي بوجه آخر (4)، لما ذكرنا (5) من ظهور النصوص و الفتاوى، و بعد حملها على صورة العجز عن التورية.

______________________________

(1) أي: و لأجل عدم كون الفعل المتفصى به بدلا عن الفعل المكره عليه لا يجري عليه أحكام المكره عليه، فلو كان الفعل المتفصى به عقدا لا يبطل، مع أنّ من الواضح بطلانه لو كان عدلا للفعل المكره عليه. كما لو أكرهه على بيع داره، فتفصّى منه ببيع بستانه، فإنه يقع صحيحا إجماعا، مع أنّه لو كان مكرها عليه- كبيع الدار- لم يصح قطعا، و هذا كاشف عن عدم كون الفعل المتفصّى به عدلا و بدلا لما أكره عليه.

(2) هذا الضمير و الضمير المستتر في «يفسد» راجعان إلى المتفصّى به.

(3) من إناطة صدق الإكراه بخوف الضرر، المتوقف على العجز عن التخلّص من إضرار المكره، و غرضه بيان الفارق بين كون المتفصّى به تورية و غيرها، فيقال:

باعتبار العجز عن التخلّص بغير التورية في صدق الإكراه، و عدم اعتبار العجز عن التخلص بالتورية في صدقه، مع أنّ التفصّي عن الضرر المتوعد به بكلّ منهما مشترك في ارتفاع موضوع الإكراه به.

و حاصل وجه الفرق أمران، أحدهما: التعبد، لأنّ الشارع رتّب أثر الإكراه في صورة إمكان التفصي بالتورية، دون التفصي بغير التورية، لما تقدم من ظهور النصوص و الفتاوى في ترخيصه في ترك التورية، لبعد حملها على صورة العجز عنها، لكونه من حمل المطلق على الفرد النادر.

(4) فلو أمكن التفصي بغير التورية- كالخروج من البلد و الاستشفاع بالصديق و نحوهما- لم يتحقق الإكراه، إذ لا خوف حينئذ.

(5) تقدم في قوله: «الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية .. إلخ» فراجع (ص 185).

ص: 194

مع (1) أنّ العجز عنها لو كان معتبرا لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوّزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه «1»، خصوصا (2) في قضيّة عمّار و أبويه، حيث أكرهوا على الكفر، فأبى أبواه فقتلا، و أظهر لهم عمّار ما أرادوا، فجاء باكيا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فنزلت الآية مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «إن عادوا عليك فعد» «2». و لم ينبّهه على التورية.

فإنّ التنبيه في المقام و إن لم يكن واجبا (3)، إلّا أنّه لا شك في رجحانه خصوصا من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باعتبار شفقته على عمّار، و علمه بكراهة تكلم عمّار بألفاظ الكفر من دون تورية كما لا يخفى، هذا.

و لكنّ الأولى (4) أن يفرّق بين إمكان التفصي بالتورية و إمكانه بغيرها،

______________________________

(1) هذا وجه ثان لعدم اعتبار العجز عن التورية في الإكراه، و حاصله: أنّه لو كان ذلك معتبرا فيه كان اللازم الإشارة إليه في الأخبار المجوّزة للحلف كاذبا عند الخوف و الإكراه، مع عدم التنبيه عليه، كما تقدم في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، لإطلاق الإكراه على ما يطلبه الوالدان و الزوجة، مع أنّه عليه السّلام نفى حكم اليمين فيه بقوله: «لا يمين في إكراه».

(2) وجه الخصوصية أهمية القضية، و كمال شفقة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على عمار.

(3) وجه عدم وجوب التنبيه على التورية في المقام هو: إناطة وجوب التورية بالالتفات إليها، فمع الجهل بها- و لو مع العلم بحكمها- لا يجب التنبيه، لأنّه من إعلام الجاهل بالموضوع، و من المعلوم عدم وجوبه.

(4) هذا عدول عن وجه الفرق المزبور، الذي كان مرجعه إلى عدم صدق الإكراه موضوعا على صورة التمكن من التورية مع إجراء حكم الإكراه عليه تعبّدا.

______________________________

(1) لاحظ وسائل الشيعة: ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب كتاب الأيمان.

(2) مجمع البيان، ج 3، ص 388.

ص: 195

..........

______________________________

و ملخص ما ذكره في قوله: «و لكن الأولى أن يفرق .. إلخ» أنّ الإكراه يصدق موضوعا على صورة التمكن من التورية، و لا ينافيه التمكن من التورية.

توضيح الفرق بين إمكان التفصي بالتورية و بين إمكانه بغير التورية- بصدق الإكراه موضوعا على الأوّل دون الثاني- هو وقوع المكره في الضرر على تقدير تركه للمكره عليه، و هو موجود في التورية، إذ مع التفات المكره إلى ترك المكره عليه يوقع المكره في الضرر و لو مع التورية.

و إن شئت فقل: إنّ المكره في موارد التمكن من التورية مقهور في إرادة أحد الأمرين، إمّا إيجاد نفس الفعل المكره عليه، و إمّا التورية، فأيّهما وقع يقع عن إرادة مقهورة لإرادة الغير. نظير الإكراه على أحد الأمرين كإلزامه ببيع داره أو إجارة حمّامه.

و هذا بخلاف موارد القدرة على غير التورية، لتمكّنه من مخالفة الآمر- مع اطّلاعه عليها- بدون الإضرار.

و بعبارة أخرى: الفرق بين التورية و غيرها من أنحاء التفصي هو: أنّ الضرر الذي يورده المكره على المكره لا يدور مدار مخالفة المكره واقعا لما أكره عليه، بل يدور مدار إحراز المكره مخالفة المكره، فيقال: «كل ما أحرز المكره مخالفة المكره لأضرّ به» و هذه القضية الشرطية غير متحققة عند تمكّن المكره من الفرار أو التخلص من شرّ المكره بوجه آخر كالاستشفاع، فلا يصدق الإكراه حقيقة للأمن من إضراره حينئذ.

و هذا بخلاف ما لو تفصّى المكره بالتورية بأن أكره على بيع داره، فقصد تمليك منفعتها لا رقبتها، فإنّه لو التفت المكره إلى ما تورّى به المكره، و علم بمخالفته لأمره لأورد الضرر عليه قطعا، إذ المفروض كون المكره في مكان تحت حيطة استيلاء المكره، فيقدر على الإضرار به و تنفيذ ما توعّده به. و على هذا فالتمكن من التورية لا ينافي الإكراه موضوعا، بخلاف التمكن من التفصّي بوجوه أخر.

ص: 196

بتحقّق (1) الموضوع (2) في الأوّل دون الثاني (3)، لأنّ الأصحاب وفاقا للشيخ في المبسوط ذكروا من شروط تحقق الإكراه «أن يعلم أو يظن المكره- بالفتح- أنّه لو امتنع مما أكره عليه وقع فيما توعد عليه» (4)، و معلوم أنّ المراد ليس امتناعه (5) عنه في الواقع و لو مع اعتقاد المكره- بالكسر- عدم الامتناع، بل المعيار (6) في وقوع الضرر اعتقاد المكره (7) لامتناع المكره.

و هذا المعنى (8) يصدق مع إمكان التورية، و لا يصدق مع التمكن من التفصّي بغيرها، لأنّ المفروض تمكنه من الامتناع مع اطّلاع (9) المكره عليه،

______________________________

(1) متعلق ب «يفرّق» و بيان له.

(2) و هو الإكراه المتقوم بخوف الضرر.

(3) و هو التفصّي بغير التورية.

(4) حيث قال فيه: «و أما بيان الإكراه فجملته: أنّ الإكراه يفتقر إلى ثلاث شرائط .. و الثاني: أن يغلب على ظنّ المكره أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به ما هو متوعّد به» «1». و نحوه كلام غيره. و الشاهد في أنّ امتناع المكره واقعا لا يترتب عليه الإضرار، و إنّما لترتب الضرر لو أحرز المكره امتناع المكره عمّا أكره عليه، فلو باع المكره و قصد الإجارة و علم المكره بتوريته لأضرّ به، و عليه فالتورية لا تدفع الإضرار لو علم بها المكره.

(5) أي: امتناع المكره عمّا أكره عليه.

(6) بالفتح معطوف على «المراد».

(7) فلو ورّى المكره و علم المكره به لأضرّ به، لأنّه يعتقد مخالفة المكره لما أكره عليه.

(8) أي: كون المعيار في وقوع الضرر اعتقاد المكره امتناع المكره عمّا اكره عليه.

(9) يعني: أنّ المكره يطّلع على امتناع المكره من تنفيذ ما أكره عليه، و لكنّه

______________________________

(1) المبسوط، ج 5، ص 51، و لاحظ أيضا شرائع الإسلام، ج 3، ص 13، تحرير الأحكام، ج 2، ص 51، مسالك الافهام، ج 9، ص 18، الروضة البهية، ج 6، ص 20، نهاية المرام، ج 2، ص 12، كفاية الأحكام، ص 198، رياض المسائل، ج 2، ص 169، الحدائق الناضرة، ج 25، ص 159.

ص: 197

و عدم وقوع الضرر عليه.

و الحاصل: أنّ التلازم بين امتناعه (1) و وقوع الضرر- الذي هو المعتبر في صدق الإكراه- موجود مع التمكن بالتورية، لا مع التمكن بغيرها (2)، فافهم (3).

______________________________

لا يمكنه الإضرار بالمكره، للفرار و نحوه.

(1) أي: امتناع المكره، فالضرر مترتب على امتناع المكره مع اطّلاع المكره على الامتناع، لترتب الإضرار على اعتقاده بامتناع المكره، لا على امتناعه واقعا. و هذا متحقق في خصوص القدرة على التورية، دون غيرها، إذ اطّلاع المكره على امتناع المكره يوقعه في الضرر و إن تشبّث بالتورية.

(2) أي: بغير التورية.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ المناط في صدق الإكراه عدم القدرة على التفصّي عن الضرر المتوعّد به، فلو تمكّن من التفصّي عنه- و لو بالتورية- لم يصدق الإكراه، فإذا علم باندفاع الضرر بالتورية- كما إذا علم بعدم اطّلاع المكره على التورية- لم يتحقق الإكراه. و عليه فلا فرق في عدم صدق الإكراه بين أنحاء التفصّي عن الضرر.

هذا تمام الكلام في دخل العجز عن التفصي- عن المكره عليه- في الإكراه موضوعا أو حكما، و قد عرفت اختلاف أنظار المصنف في المسألة، الكاشف عن إعضالها [1].

______________________________

[1] الجهة الرابعة: هل يعتبر في مفهوم الإكراه وجود مكره واقعا، أم يكفي فيه مجرّد الاعتقاد بوجوده، و إن كان اعتقاده مخالفا للواقع؟ فيه تفصيل. فإن قلنا بكون الوجه في البطلان حديث الرفع كما ذكره السيد قدّس سرّه «1» صحّ البيع، لتقوّم الإكراه بوجود المكره، و المفروض عدمه.

و إن قلنا بكون الوجه فيه عدم طيب النفس بطل البيع، لفقدان طيب النفس بعد اعتقاد وجود المكره و بيعه خوفا من الضرر المتوعد به بحسب اعتقاده.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 120.

ص: 198

______________________________

كما يصح البيع في صورة العكس، و هو ما إذا باع باعتقاد الإكراه، ثم تبيّن عدمه، فإنّ البيع فاسد، لعدم الرضا النفساني مع كونه معتقدا بوجود مكره.

فتظهر الثمرة بين شرطية طيب النفس و مانعية الإكراه في صورة اعتقاد وجود المكره له على بيع متاعه فباعه، مع فرض عدم وجود المكره واقعا.

و كيف كان فالمصنف اعتبر في الإكراه قيودا خمسة:

الأوّل: وجود شخص حامل على الفعل، فلولاه لا يتحقق الإكراه، فإنّ باب الإفعال يقتضي وجود حامل على إيجاد فعل مكروه لطبعه. و قد أشار الماتن إلى هذا الأمر بقوله:

«إنّ حقيقة الإكراه لغة و عرفا حمل الغير على ما يكرهه».

الثاني: أن يتوجّه الإكراه إلى نفس المعاملة، لا إلى غيرها ممّا يتوقف على المعاملة كما إذا أكرهه على دفع مال أو بناء قنطرة أو مسافرة أو غيرها مما يتوقف على بيع بعض أمواله، فإنّ الإكراه حينئذ يتوجه إلى المقدمة أي مقدمة البيع، لا الى نفس البيع.

و إن شئت فقل: إن الإكراه على البيع تارة نفسي، أي الإكراه يتعلق أوّلا و بالذات بنفس البيع، و أخرى غيري كالإكراه على بناء قنطرة يتوقف ذلك على بيع بعض أمواله.

و البيع في هذه الصورة صحيح ظاهرا بلا إشكال، لعدم جريان الأدلة الدالة على قدح الإكراه في الصحة فيه.

أمّا الإجماع فلأنّ المتيقن منه غير هذه الصورة.

و أمّا حديث الرفع فإطلاقه و إن كان شاملا للإكراه الغيري، لكن تطبيقه في المقام خلاف الامتنان، لأنّ بطلان البيع في هذا الفرض تضييق على المكلف، لا توسعة له.

كما يقال مثله في الإكراه بحق، حيث إنّ إجراءه خلاف الامتنان بالنسبة إلى صاحب الحق.

فلو اكره على بيع داره لوفاء دينه كان بيعه صحيحا، لأنّ إبطاله ضرر على الدائن فلا يشمله الحديث الشريف.

الثالث: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و يعتبر في وقوع الفعل من ذلك الحمل

ص: 199

______________________________

اقترانه بوعيد منه» و حاصله: أنّ الإكراه لا يتحقق إلّا باقترانه بوعيد من المكره، و لا يكفي في حصول الإكراه توجه الضرر على ترك الفعل المكره عليه و لو من ناحية غير الآمر.

قال السيد قدّس سرّه: «فعلى هذا لا يصدق على ما أشرنا إليه سابقا من طلب الغير منه فعلا إذا خاف من تركه الضرر السماوي، أو ضررا من جانب شخص آخر إذا اطّلع على ذلك مع عدم توعيده، بل و كذا إذا فعل الفعل لا بأمر الغير، لكن خاف منه الضرر. و حينئذ فالإقدام على الفعل قبل اطّلاع الجائر بتخيل أنّه إذا اطّلع على الترك أوصل إليه الضرر لا يعدّ من الإكراه» «1».

و تبعه المحقق النائيني رحمه اللّه في ذلك قال مقرّر بحثه رحمه اللّه: «يعتبر توعيد الطالب على الترك، ثم يعتبر الظن أو الاحتمال العقلائي على ترتب ذلك الوعيد على الترك، فمجرد أمر الغير مع عدم اقترانه بتوعيد منه لا يدخل في موضوع البحث و إن خاف من تركه ضررا سماويا، أو الضرر من شخص آخر غير الآمر» «2».

لكن الإنصاف أنّ المعتبر في الإكراه خوف ترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه و إن لم يكن توعيد على الترك، بحيث يكون الترك موجبا لخوف الضرر، سواء أ كان من نفس الآمر أم من غيره، و سواء أ كان مع توعيد المكره أم مع عدمه، و سواء أ كان الضرر دنيويا أم أخرويا.

نعم إذا كان الضرر أخرويّا حكم بصحّة المعاملة، لكون الإكراه بحقّ صحيحة.

فضابط الإكراه هو أن يكون الداعي إلى ارتكاب الفعل خوف الضرر من شخص و لو من ناحية غير الآمر، و من غير تصريح الآمر به، فتفسد المعاملة المنبعثة عن خوف الضرر المترتب على تركها بشرط كون الضرر واردا عليه من إكراه المكره و إن لم يوعّده بالضرر حين الإكراه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 122.

(2) منية الطالب، ج 1، ص 185.

ص: 200

______________________________

و لا فرق في بطلان العقد حينئذ بين كون الدليل على بطلان عقد المكره حديث الرفع و دليل اعتبار طيب النفس.

أمّا على الثاني فواضح، لفقدانه مع الخوف المزبور.

و أمّا على الأوّل فلما عرفته من أنّ حقيقة الإكراه هي انبعاث الفعل عن خوف الضرر المترتب على الإكراه و إن لم يوعد المكره بالضرر، لكن كان المكره خائفا بأن علم بالضرر أو احتمل احتمالا عقلائيا.

فعلى كل حال لا ينبغي الريب في فساد المعاملة الناشئة عن خوف الضرر الوارد عليه من جهة مخالفة أمر الآمر، و إن لم يكن نفس الآمر ملقيا له في الضرر.

الرابع: ما أشار قدّس سرّه إليه في المتن في مقام الفرق بين إمكان التفصي بالتورية، و بين إمكانه بغيرها من قوله: «ذكروا من شروط تحقق الإكراه أن يعلم أو يظن المكره أنّه لو امتنع مما اكره عليه وقع فيما توعد عليه» و ظاهره اعتبار العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه، و عدم كفاية احتماله.

لكن المحقق النائيني قدّس سرّه في عبارته المتقدمة اكتفى باحتمال ترتب الضرر على ترك المكره عليه، و هذا هو الصواب.

أما بناء على شرطية طيب النفس فواضح، لأنّ خوف الضرر الناشئ عن الاحتمال العقلائي مناف للرضا النفساني المعتبر في صحة المعاملة، فتبطل، لانتفاء طيب النفس.

و أمّا بناء على مانعية الإكراه فلما عرفت من أنّ ضابطه هو نشو الفعل عن خوف الضرر الوارد عليه من إنسان، بحيث لو لم يكن الخوف لما فعل ذلك. و من المعلوم أنّ هذا الضابط متحقق بمجرّد الاحتمال العقلائي من دون حاجة إلى العلم أو الظن بترتب الضرر على ترك الفعل المكره عليه. و لا دليل أيضا على اعتبار العلم أو الظن في الإكراه تعبدا، هذا.

ص: 201

______________________________

ثم إنّ السيد قدّس سرّه ذكر «أنّه لا بدّ في صدق الإكراه من كون الضرر المتوعد به مما لم يكن مستحقا عليه، فلو قال: افعل كذا و إلا قتلتك قصاصا، أو: و إلّا طالبتك بالدّين الذي لي عليك و نحو ذلك لا يصدق عليه الإكراه» «1».

و هذا هو الصحيح، لأن الإكراه إمّا منصرف عن هذه الصورة، فلا يشمله دليل مانعية الإكراه. و إمّا لا يشمله الحديث، لكونه خلاف الامتنان. و هو الحق، فموضوع الإكراه عرفا و إن كان صادقا، لكن حكمه هنا غير ثابت.

و دعوى بطلان المعاملة حينئذ، لفقدان طيب النفس مدفوعة أوّلا: بتحقق الطيب، لأنّ دفع الضرر المستحق عليه يوجب الرضا بالمعاملة المكره عليها.

و ثانيا: أن شرطية طيب النفس أو مانعية الإكراه مختصة بغير صورة الإكراه بحقّ، فإنّ الإكراه كذلك خارج حكومة أو تخصيصا عن عموم حديث الرفع، و إلّا كان الإكراه بحقّ لغوا.

الخامس: ما أشار إليه بقوله: «ثم إنه هل يعتبر في موضوع الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن ذلك الضرر المتوعد بما لا يوجب ضررا آخر».

و حاصله: أنّه هل يعتبر في مفهوم الإكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بتورية أو بغيرها، أم لا يعتبر ذلك في موضوعه، بل يعتبر في حكمه و هو بطلان المعاملة أو غيره؟ فيه أقوال.

ثالثها: التفصيل بين الإكراه على المعاملة، و الإكراه على غيرها من الأفعال كالشرب و نحوه، فيعتبر ذلك فيها دون المعاملات.

و رابعها: التفصيل بين إمكان التفصي بغير التورية، فينافي الإكراه، و بين إمكان التفصي بالتورية فقط، فلا يخلّ بصدق الإكراه.

خامسها: التفصيل بين الحكم و الموضوع، فيقال باعتبار عدم التمكن من التفصي

______________________________

(1) حاشية المكاسب ج 1، ص 122، سطر 18.

ص: 202

______________________________

في صدق الإكراه موضوعا، و عدم اعتباره فيه حكما، فإذا أكره أحد على بيع داره و أمكنه التفصي، فلم يفعل و باع الدار كان فاسدا و إن لم يصدق عليه عنوان الإكراه.

و قبل التعرض لتلك الوجوه ينبغي بيان حقيقة التورية، و هي كما عن اللغة بمعنى الستر و الإخفاء، و إلقاء كلام ظاهر في معنى و إرادة خلاف ظاهره مع إخفاء القرينة على المراد، فكأنّ المتكلم وارى مراده عن المخاطب بإظهار غيره و خيّل إليه أنّه أراد ظاهر كلامه، و تقدّم كلام مجمع البحرين في التوضيح.

و في القاموس: «ورّاه تورية أخفاه» «1».

ثم إنّ التورية كما تثبت في الأقوال، كذلك تثبت في الأفعال.

أما جريانها في الأقوال فكما إذا أراد أحد أن ينكر مقالته الصادرة منه فيقول:

«علم اللّه أنه ما قلته» حيث يظهر كلمة الموصول بصورة أداة النفي، و يخيّل إلى السامع أنّه ينكر كلامه الصادر منه.

و من هذا القبيل: ما عن سلطان العلماء في حاشيته على المعالم عند البحث عن المجمل من: أنه سئل أحد العلماء عن علي عليه السّلام و أبي بكر بأنّ أيّهما خليفة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقال: «من بنته في بيته».

و منه قول عقيل: «أمرني معاوية أن ألعن عليّا، ألا فالعنوه».

و منه أيضا ما سئل بعض الشيعة عن عدد الخلفاء، فقال: «أربعة أربعة أربعة» و قصد من ذلك الأئمة الاثني عشر، و زعم السائل أنّه أراد الخلفاء الأربع.

و منه أيضا ما عن بعض الأجلة من أن شخصا طلب مبلغا بعنوان المساعدة و الإعانة، و كان المسؤول لا يراه مستحقا، فألقى السبحة من يده على الأرض، و قال: و اللّه إنّ يدي خالية، و تخيّل السائل من هذا الكلام أنّه غير متمكن من إعطاء سؤله و قضاء حاجته.

______________________________

(1) القاموس المحيط، ج 4، ص 399.

ص: 203

______________________________

و أمّا جريان التورية في الأفعال فهو كما إذا أكرهه الجائر على شرب الخمر، فأخذها المكره و أهرقها في جيبه، فزعم الجائر أنّه شربها. و كما إذا أمر الظالم أحد عمّاله بضرب مظلوم في الليل المظلم، فيورّي المأمور في فعله بأن يضرب سوطه على الجدار، و يأمر المظلوم بالنياحة و البكاء ليعتقد الظالم بأنه ضربه. إلى غير ذلك من الأمثلة.

إذا عرفت حقيقة التورية و جريانها في الأقوال و الأفعال فاعلم أنّ المصنف قدّس سرّه فصّل بين المعاملات و غيرها حيث إنّه اعتبر العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه في الثاني دون الأوّل.

و ملخص ما أفاده هو: أنّ المناط في الإكراه الرافع لأثر المعاملات إنما هو عدم طيب النفس بمفاد المعاملة، و من المعلوم أنّ هذا يتحقق فيما إذا أكره على معاملة، و هو في مكان يكره الخروج منه، و لكن لو خرج كان له في الخارج أحبّاء يكفّون عنه شرّ الظالم المكره، فلو باع و الحال هذه في ذلك المكان كان البيع باطلا، لفقدان طيب النفس فيه، فالإكراه حينئذ موجود.

و لو فرض في هذا المثال إكراهه على محرّم كشرب الخمر و الكذب و الزنا و أمثالها لا يتحقق الإكراه الرافع للحرمة، و لا يعذر في ارتكاب الحرام. فالإكراه المسوّغ للحرمة بمعنى الجبر المذكور في خبر ابن سنان المتقدم الذي فرّق بين الجبر و الإكراه، بأن جعل الأوّل من السلطان، و الثاني من الزوجة و الأب و الأم الذي ليس بشي ء، و لا يترتب عليه أثر من ارتفاع الحرمة.

و بالجملة: فالإكراه في المعاملة بمعنى عدم طيب النفس و إن لم يتوجّه على ترك المكره عليه ضرر، كما في إكراه الأب و الأمّ و الزوجة. فالإكراه في المعاملات أعم من الإكراه المسوّغ للمحرّمات. فأكراه الأبوين و الزوجة رافع لأثر المعاملة، و ليس رافعا للحرمة التكليفية.

و الموجب للتفكيك بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات و الإكراه الرافع لصحة

ص: 204

______________________________

المعاملة هو رواية ابن سنان المذكورة في المتن، حيث إنّ إكراه الأبوين و الزوجة يمكن التفصي عن ضرره، بخلاف جبر السلطان، فإنّه لا يمكن التفصي عن ضرره غالبا.

فالمعاملة في صورة إكراه الأبوين و الزوجة مع إمكان التفصي باطلة، حيث إنه يمكن التفصي عن ضررهم. و هذا بخلاف إجبار السلطان، فإنّ الغالب عدم إمكان التفصي عن ضرره.

و الحاصل: أنّه يصدق الإكراه مع إمكان التفصي، فلا يعتبر العجز عن التفصي في حقيقته، هذا.

و فيه أوّلا: أنّ معنى الإكراه في جميع الموارد واحد لا تعدد فيه، و هو حمل الغير على ما يكرهه مع الإيعاد على تركه، و من المعلوم انطباق هذا المعنى على جميع موارد الإكراه بنهج واحد، من دون فرق بين المعاملات و المحرمات، فأكراه الزوجة لا يصدق إلّا إذا لم يتمكن الزوج من مخالفتها، و من رفع ضررها كإخلال نظامه الداخلي و تنغيص عيشه.

نعم يستفاد من الرواية كفاية الضرر الضعيف في رفع الأثر الوضعي كاليمين، لأنّ ضررهم غالبا راجع إلى الأمور الداخلية، دون الأثر التكليفي كالحرمة، فإنّ إكراههم له يرفع الحرمة، فإذا أكرهوه على شرب الخمر مثلا لا يسوغ له الشرب بهذا الإكراه.

فالصواب اعتبار العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه مطلقا من غير فرق بين الإكراه في المعاملات و المحرّمات.

فالمستفاد من الرواية أخصيّة الإكراه الرافع للحكم التكليفي من الإكراه الرافع للحكم الوضعي.

و بالجملة: فلا تدل الرواية على التفرقة، و اعتبار العجز عن التفصي عن الضرر في الإكراه المسوّغ للمحرمات، و عدم اعتباره في الإكراه المانع عن صحة المعاملة.

و ثانيا: أنّ الرواية ضعيفة السند، لأنّ الراوي عن عبد اللّه بن سنان عبد اللّه بن القاسم و هو ضعيف، سواء أ كان الحضرمي المعروف بالبطل، أم الحارثي، فإنّ كليهما

ص: 205

[الفرق بين الإكراه على ارتكاب الحرام و الإكراه على المعاملة]

ثمّ إنّ (1) ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصّي إنّما هو في الإكراه

______________________________

الفرق بين الإكراه على ارتكاب الحرام و الإكراه على المعاملة

(1) غرضه من هذا الكلام التفرقة بين الإكراه المسوّغ للمحرمات كشرب الخمر و إفطار الصوم و الولاية من قبل الجائر و نحوها، و بين الإكراه الموجب لفساد المعاملة.

و حاصل وجه الفرق هو: أنّه يعتبر في الأوّل العجز عن التفصي عن الضرر، من غير فرق بين أنحاء التفصّي من التورية و غيرها. بخلاف الثاني، فإنّه لا يعتبر فيه ذلك، لأنّ المناط في صحة المعاملة طيب النفس، فكلّ ما يوجب ارتفاعه يوجب فساد المعاملة، لانتفاء شرطها. و أمّا حدود اللّه تعالى شأنه فلا مسوّغ للتعدّي عنها إلّا الاضطرار.

و قد سبق المصنف إلى هذه التفرقة صاحب المقابس قدّس سرّهما و قد تبعهما الفقيه

______________________________

ضعيفان، لقول النجاشي في الأوّل: «كذاب غال يروي عن الغلاة، لا خير فيه و لا يعتد بروايته» «1». و لقوله في الثاني: «ضعيف غال كان صحب معاوية بن عمار، ثم خلط و فارقه» «2».

فتحصّل مما ذكرنا: أنّ رواية ابن سنان لا تدلّ على اختلاف في معنى الإكراه، و أنّ العجز عن التفصي عن الضرر لا يعتبر فيه- كما في إكراه الزوجة- حتى تكون حاكمة على حديث الرفع، و مبيّنة لعدم اعتبار العجز عن التفصي في الإكراه المانع عن صحة المعاملة. بل الإكراه في جميع الموارد بمعنى واحد، و هو حمل الغير على فعل مع الإيعاد بالضرر على تركه. غاية الأمر أنّ بعض مراتب الإكراه رافع لأثر المعاملة، لكونه رافعا لطيب النفس، بخلاف الإكراه الرافع للحرمة، فإنّ ضرر العباد أهم في نظر الشارع من مصالح الأحكام، و لذا أنيط ارتفاعها بالاضطرار، هذا.

______________________________

(1) رجال النجاشي، ص 157 (الطبعة الحجرية).

(2) المصدر، ص 156.

ص: 206

المسوّغ للمحرّمات (1)، و مناطه توقف دفع ضرر المكره (2) على ارتكاب المكره عليه.

______________________________

المامقاني قدّس سرّه «1».

خلافا لما يظهر من الشيخ قدّس سرّه في كتاب الطلاق، حيث قال: «و أمّا بيان الإكراه فجملته: أنّ الإكراه يفتقر إلى ثلاثة شرائط:

أحدها: أن يكون المكره قاهرا غالبا مقتدرا على المكره، مثل سلطان أو لصّ أو متغلّب.

و الثاني: أن يغلب على ظنّ المكره أنّه إن امتنع من المراد منه وقع به فيما هو متوعد به.

و الثالث: أن يكون الوعيد بما يستضرّ به في خاصّة نفسه» «2».

فإنّ ظاهر الشرط الأوّل كون المكره عاجزا عن التفصي، فيكون الطلاق باطلا مع الإكراه المانع عن صحته. فالمراد بالإكراه هو العجز عن التفصي. و لا فرق بين الطلاق و غيره من العقود و سائر الإيقاعات. فعليه يكون الإكراه المانع عن صحة العقد و الإيقاعات و المسوّغ لارتكاب المحرّمات واحدا.

أقول: لا ينبغي الإشكال في الاتحاد المزبور بناء على مانعيّة الإكراه لصحة العقود و الإيقاعات. نعم بناء على شرطية طيب النفس يكون ما أفاده صاحب المقابس و المصنف و الفاضل المامقاني قدّس سرّهم وجيها.

(1) كشرب الخمر و إفطار الصائم، فيعتبر العجز عن التفصّي عنه، و توقّف دفع الضرر المتوعّد به على فعل الحرام، فترتفع حرمته بالإكراه.

(2) بالكسر، من إضافة المصدر إلى الفاعل، و قوله: «على ارتكاب» متعلق ب «توقف».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 17، غاية الآمال، ص 334.

(2) المبسوط، ج 5، ص 51.

ص: 207

و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم (1) طيب النفس بالمعاملة، و قد يتحقق (2) [1] مع إمكان التفصّي.

مثلا من كان قاعدا في مكان خاصّ خال عن الغير متفرّغا لعبادة أو مطالعة، فجاءه من أكرهه على بيع شي ء ممّا عنده، و هو في هذه الحال غير قادر على دفع ضرره، و هو (3) كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفّونه (4) شرّ المكره، فالظاهر (5) [2] صدق الإكراه

______________________________

(1) لا الإلجاء و الاضطرار.

(2) أي: و قد يتحقق الإكراه في المعاملة عند إمكان تفصّي المكره، فلا يتوقف على العجز عن التخلّص، بل يكفي فيه عدم طيب النفس بالمعاملة، كما في مثال المتفرّغ في مكان لعبادة أو مطالعة.

(3) ضمير «و هو» في الجملتين يرجع إلى «من كان» و هو موصول اشرب معنى الشرط.

(4) أي: يمنعونه من شر المكره و يدفعون عنه إضراره.

(5) جواب الشرط المستفاد من قوله: «من كان قاعدا».

______________________________

[1] بل لا يتحقق، إذ المناط في وقوع الفعل عن إكراه هو دفع الضرر، و المفروض إمكان دفعه في المثال بالخدم، فلا يتوقف رفع الضرر على فعل المكره عليه، فلو فعله كان صحيحا.

و الحاصل: أنّ المناط في الإكراه هو صدور العمل للخوف عن الضرر المتوعد به، فمع تمكنه من دفع الضرر بدون إيجاد المعاملة لا يتحقق الإكراه، فالمعاملة صحيحة.

[2] بل الظاهر عدم صدق الإكراه حينئذ، لقدرته على ترك المكره عليه، من دون توجه ضرر إليه، فهو كصورة حضور الخدم عنده في قدرته على دفع ضرر المكره بدون فعل المكره عليه.

ص: 208

حينئذ (1) بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء.

بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، و توقّف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خدمه بدفعه و طرده (2)، فإنّ هذا (3) لا يتحقق في حقه الإكراه، و يكذّب (4) لو ادّعاه.

بخلاف الأوّل (5) إذا اعتذر بكراهة الخروج عن ذلك المنزل.

و لو فرض في ذلك المثال (6) إكراهه على محرّم

______________________________

(1) أي: حين عدم قدرته على دفع ضرره و كراهته الخروج إلى مكان حضور خدمه ليدفعوا عنه شرّ المكره.

(2) فلو لم يأمرهم بدفع ضرر المكره و طرده، و باع ما طلبه المكره منه كان صحيحا، لقدرته على دفع الضرر المتوعد به بغير البيع، فبيعه- مع أمن الضرر- كاشف عن طيب نفسه في هذه الحال. بخلاف من كان خدمة غائبين عن مجلس الإكراه، و لم يتمكن فعلا من إعلامهم، فيصدق عليه الإكراه و عدم طيب نفسه بالبيع.

نعم هو قادر على التفصي بالخروج و إعلام خدمه بما وقع، لكن الموضوع محقّق بالفعل.

(3) المشار إليه و مرجع الضميرين المستترين في «يكذّب و ادعاه» هو الموصول في قوله: «من كان خدمه حاضرين».

(4) الوجه في التكذيب عدم خوفه من إضرار المكره، لحضور خدمه عنده، فلم يتحقق الإكراه موضوعا.

(5) و هو الذي كان خدمه خارجين عن مجلس الإكراه مع كراهته الخروج عن ذلك المكان، لتفرّغه للعبادة فيه حسب الفرض، فالإكراه على المعاملة صادق. بخلاف ما لو أكرهه على ارتكاب محرّم، إذ يجب عليه الخروج و التوسل بخدمة لدفع شرّ المكره، فلو لم يخرج و ارتكب الحرام لم يكن معذورا، لكونه مختارا في إتيان المحرّم.

(6) غرضه بيان الفارق في صدق الإكراه بين المعاملة و فعل الحرام، كما عرفت.

ص: 209

لم يعذر (1) فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل (2).

و قد تقدم (3) الفرق بين الجبر و الإكراه في رواية ابن سنان (4) «1».

فالإكراه المعتبر في تسويغ المحظورات هو الإكراه بمعنى الجبر المذكور، و الرافع (5) لأثر المعاملات هو الإكراه الذي ذكر فيها (6) أنّه قد يكون من الأب و الولد و المرأة. و المعيار فيه (7) عدم طيب النفس فيها، لا الضرورة و الإلجاء (8) و إن كان هو (9) المتبادر من لفظ الإكراه، و لذا (10) يحمل الإكراه في حديث الرفع

______________________________

(1) جواب «و لو فرض».

(2) يعني: كراهة الخروج عن ذلك المنزل اختيارا، فإنّ الإكراه مع القدرة على الخروج عن ذلك المنزل لدفع الضرر غير متحقق، فإذا باع متاعه حينئذ كان البيع صحيحا، لعدم حصول المانع و هو الإكراه.

(3) غرضه أنّ المتبادر من الإكراه و إن كان هو العجز عن التفصي عن الضرر، فيكون مساوقا للجبر، إلّا أنّ رواية ابن سنان حاكمة على ما يتبادر من الإكراه من العجز عن التفصي. و مقتضى حكومته سعة دائرة الإكراه بحيث يشمل صورة القدرة على التفصي عن الضرر، كإكراه الأب و الأم و الزوجة، و صورة العجز عنه.

(4) عند قوله عليه السّلام «الجبر من السلطان، و يكون الإكراه من الزوجة و الأم و الأب» فراجع (ص 190).

(5) معطوف على «المعتبر» يعني: و الإكراه الرافع لأثر المعاملات .. إلخ.

(6) أي: في رواية ابن سنان، و ضمير «إنّه» راجع إلى الإكراه.

(7) أي: في الإكراه الرافع لأثر المعاملات.

(8) الذي هو المعيار في رفع الحرمة التكليفية، و الآتي من السلطان.

(9) أي: الإلجاء هو المتبادر من لفظ الإكراه.

(10) يعني: و لهذا التبادر من لفظ الإكراه يحمل الإكراه المذكور في حديث الرفع على الإلجاء و الضرورة المسمّاة بالجبر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 16، ص 143، الباب 16 من أبواب كتاب الايمان، الحديث 10.

ص: 210

عليه، فيكون الفرق بينه (1) و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض.

لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات (2) هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس (3)، حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى:

تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه و عموم (4)

______________________________

(1) كأنّه دفع لما يتوهم من أنّ الإكراه إذا كان بمعنى الإلجاء المنوط بالعجز عن التفصّي لم يبق فرق بين الإكراه و الاضطرار المذكورين في حديث الرفع، مع أنّ عطف «الاضطرار» على «الإكراه» يقتضي مغايرتهما و عدم اتحادهما.

فدفع قدّس سرّه هذا التوهم بأنّ الفارق بينهما هو اختصاص الاضطرار بما لا يحصل من فعل الغير كالجوع و العطش و المرض، و الإكراه يحصل بفعل الغير بحمله على الفعل، و توعيده على الترك كالسلطان.

(2) غرضه توجيه ما اختاره في المعاملات من جعل الإكراه بمعنى عدم طيب النفس، مع أنّه خلاف ما يتبادر من لفظ الإكراه و هو الإلجاء و الضرورة.

و حاصل ما أفاده من التوجيه: أنّ المعتبر في المعاملات طيب النفس، بقرينة استدلالهم على مانعية الإكراه بآية «التجارة عن تراض» و الروايات الدالة على اعتبار طيب النفس، و اعتبار الإرادة في صحّة الطلاق. و من المعلوم أنّ طيب النفس يرتفع بأدنى شي ء، فلا يعتبر أن يكون رافع الطيب خصوص إكراه السلطان الموجب للضرورة و الإلجاء، بل يكفي في مبطلية الإكراه للمعاملة- الرافع لطيب النفس- أن يكون من الأب و الأمّ و الزوجة، بخلاف الإكراه المسوّغ للمحرّمات، إذ لا بدّ فيه من ترتب الضرر على ترك المكره عليه، كما هو شأن الجبر من السلطان.

(3) فلا عبرة بالقصد الحاصل من تحميل الغير، الموجب للنفرة و الكراهة بدل الطيب و الرضا.

(4) معطوف على «قوله تعالى» و مثال هذا العموم قوله عليه الصلاة و السّلام

ص: 211

اعتبار الإرادة في صحة الطلاق، و خصوص ما ورد في فساد طلاق من طلّق للمداراة (1) مع عياله.

فقد تلخّص مما ذكرنا (2) أنّ الإكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخصّ من الرافع لأثر الحكم الوضعي.

______________________________

في صحيحة هشام بن سالم: «لا طلاق إلّا لمن أراد الطلاق» و التعبير بالعموم لأجل عدم اختصاص البطلان بالمكره، بل يشمل من لا قصد له كالسكران و المعتوه و الصبي و المبرسم و المجنون و المكره كما في خبر السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. «1».

(1) تقدم (في ص 164) نقل الرواية النافية لطلاق المداراة، فراجع.

و لا يخفى أنّ مورد خبر طلاق المداراة صورة تحقق الإكراه، فهو داخل في سائر الأخبار الواردة في الإكراه.

(2) أي: ما ذكره بقوله: «ثمّ إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الإكراه المسوّغ للمحرمات .. و أما الإكراه الرافع لأثر المعاملات فالظاهر أنّ المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة .. إلخ» «2».

و غرضه بيان النسبة تارة بين نفس الإكراه على المعاملة و الفعل الحرام، و أخرى بين ملاك الإكراه عليهما.

أمّا الأوّل فالإكراه على المحرّمات أخصّ من الإكراه على المعاملات، و ذلك لأنّ كل إكراه مسوّغ للمحرّمات مانع عن صحة المعاملة، لعدم طيب النفس فيها. و ليس كل إكراه رافع لطيب النفس و مانع عن صحة المعاملة رافعا للحرمة التكليفية، كإكراه الأب و الأم و الزوجة، فإنّه مانع عن صحة المعاملة، و ليس مسوّغا للحرمة التكليفية.

و كذلك في القدرة على التفصي، فإنّه يصدق الإكراه بمعنى عدم طيب النفس بالمعاملة، و لا يكفي هذا المقدار في الإكراه على المحرّمات، لأنّ الرافع للحرمة هو

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 286، الباب 11 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث: 4.

(2) وسائل الشيعة، ج 15 ص 327، الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث: 3.

ص: 212

و لو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما من دون ملاحظة عنوان الإكراه (1) كانت (2) النسبة بينهما العموم من وجه، لأنّ المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر، و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الإرادة و طيب (3) النفس.

______________________________

الاضطرار، و توقف دفع الضرر المتوعد به على الارتكاب.

و أمّا الثاني- و هو النسبة بين ملاك ارتكاب الحرام و بين ملاك فساد المعاملة- فالنسبة عموم من وجه. فمورد اجتماعهما هو الإكراه على الحرام و المعاملة مع العجز عن التفصي عنهما بتورية أو بغيرها، كما لو أكرهه على شرب المسكر أو أكرهه على بيع داره، و لم يتمكن المكره من التخلص منه، فيجوز له الشرب دفعا للضرر، و يبطل بيعه، لعدم طيب النفس به.

و مورد افتراقهما، أمّا من ناحية المعاملة فكما لو أكره على البيع أو الشرب مع إمكان التفصي عنهما، فيصدق الإكراه على المعاملة، لعدم طيب نفسه بها، كما في مثال المتفرّغ في مكان لشأنه من عبادة و مطالعة و نحوهما، و له خدم يكفونه شرّ المكره لو خرج من مكانه و استنصر بهم. لكنّه لم يخرج و أنشأ البيع، فيبطل، لعدم الرضا.

و لا يصدق الإكراه على ارتكاب المحرّم، لإمكان دفع الضرر بالخروج من مكانه.

و أمّا من ناحية تحقق مناط فعل الحرام دون المعاملة، فكما لو توقّف حفظ النفس على شرب المتنجّس لدفع العطش، فيحل له شربه دفعا للضرر، مع طيب نفسه بالشرب، و لو أمكنه دفع ضرر العطش ببيع شي ء من ماله لتحصيل الماء لطابت نفسه به، لكن المفروض انحصار العلاج في شرب المتنجس أو النجس.

(1) يعني: بل بملاحظة مناط الإكراه على فعل الحرام أو ترك الواجب، و هو توقّف دفع الضرر على إطاعة المكره، و مناط فساد المعاملة و هو عدم الرّضا.

(2) جواب «لو لوحظ».

(3) معطوف على «الإرادة» يعني: و عدم طيب النفس.

ص: 213

و من هنا (1) لم يتأمّل أحد في أنّه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرّمين لا بعينه، فكلّ منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم، لأنّ المعيار في رفع الحرمة رفع الضرر المتوقف على فعل أحدهما.

أمّا لو كانا (2) عقدين أو إيقاعين- كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه-

______________________________

(1) أي: و من كون المناط في رفع الحكم التكليفي هو رفع الضرر، و في رفع الحكم الوضعي هو عدم الطيب لم يتأمّل أحد في كون الإكراه على أحد المحرمين لا بعينه رافعا لحرمة أيّ واحد منهما وقع في الخارج، لأن مناط هذا الإكراه- و هو الضرر- موجود في تركهما، فيتوقف على هذا اندفاع الضرر المتوعد به على فعل أحدهما، فيصدق على ما يقع في الخارج أنّه مكره عليه.

كما لو أكرهه على شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير مخيّرا بينهما، و لم يتمكن من المخالفة، فيجوز اختيار واحد منهما لدفع الضرر، لأنّه المناط في حلية الارتكاب، لا عنوان الإكراه.

و هذا شاهد على افتراق ملاك الإكراه على أحد الفعلين- أو ترك أحد الواجبين- عن ملاك الإكراه على إحدى المعاملتين- بالمعنى الأعم- كالإكراه على بيع داره أو بستانه، أو على بيع داره أو تزويج بنته منه، أو على عتق أحد عبديه، أو على طلاق إحدى زوجتيه، أو على طلاق زوجته أو عتق عبده، و هكذا.

فيظهر من العلامة قدّس سرّه الحكم بصحة طلاق زوجته لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه. و الوجه في الصحة كونه مختارا في طلاق إحداهما معيّنة، إذ المكره عليه طلاق إحداهما مبهمة، فكان له أن يقول: «إحدى زوجتي طالق» فعدوله إلى التعيين كاشف عن طيب نفسه بطلاق هند مثلا، و رغبته في بقاء زوجته الأخرى على حبالته.

و هذه الفتوى- أمكن توجيهها أم لا- شاهدة بالفرق بين ملاك الإكراه الموجب لحليّة الفعل المحرّم، و بين ملاك الإكراه المفسد للمعاملة.

(2) يعني: لو كان الأمران المكره عليهما عقدين كبيع داره أو متاعه، أو إيقاعين كعتق عبده أو طلاق زوجته.

ص: 214

فقد استشكل غير واحد «1» في أنّ ما يختاره من الخصوصيّتين (1) بطيب نفسه، و يرجّحه على الآخر بدواعيه النفسانية الخارجة عن الإكراه مكره (2) عليه باعتبار جنسه (3) أم لا (4)؟ بل أفتى في القواعد بوقوع الطلاق و عدم الإكراه، و إن حمله (5) بعضهم على ما إذا قنع المكره- بالكسر- بطلاق إحداهما مبهمة،

______________________________

(1) أي: أحد الفردين، كما إذا اختار بيع داره في الإكراه على أحد العقدين، أو عتق عبده في الإكراه على أحد الإيقاعين.

(2) خبر قوله: «أنّ ما يختاره» و قوله: «أم لا» معطوف على «مكره عليه» و عدل له.

(3) و هو الجامع بين الفعلين المكره على أحدهما لا بعينه، فالإكراه على الجامع يوجب الإكراه على الفرد.

(4) إذ اختيار الخصوصية كان بدواعيه النفسانية، فلا يصدق الإكراه على الخصوصية، و لذا أفتى في القواعد بصحة الطلاق، لعدم الإكراه على الخصوصية، حيث قال فيه: «و لو ظهرت دلالة اختياره صحّ طلاقه، بأن يخالف المكره، مثل أن يأمره ..

أو بطلاق إحدى زوجتين لا بعينها فيطلّق معيّنة» «2».

(5) نسب في المقابس «3» هذا الحمل، إلى بعض الأجلّة، و لم أقف على الحامل.

و كيف كان فهذا الحمل هو ظاهر قول العلامة: «لا بعينها» فمورد حكمه بالصحة قناعة المكره بطلاق المبهمة، و لكن المكره زاد على هذا الإكراه و طلّق معيّنة، و الظاهر صحته عند الكل لا خصوص العلّامة، ففي المسالك: «نعم لو صرّح- أي المكره- له بالحمل على طلاق واحدة مبهمة بأن يقول: إحداكما طالق مثلا، فعدل عنه إلى طلاق معينة، فلا شبهة هنا في وقوع الطلاق على المعيّنة، لأنه غير المكره عليه جزما» «4» و نحوه في الجواهر.

______________________________

(1) المستشكل هو العلامة في التحرير، ج 2، ص 51، و يستفاد التردد أيضا من كلام المحدث البحراني، فراجع الحدائق الناضرة، ج 25، ص 162 و 163.

(2) قواعد الأحكام ص 169 (الطبعة الحجرية).

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 16.

(4) مسالك الافهام ج 9، ص 21 و 22، جواهر الكلام، ج 32، ص 14.

ص: 215

لكن المسألة عندهم غير صافية من الاشكال (1)، من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار الخصوصية.

و إن كان الأقوى- وفاقا لكل من تعرّض للمسألة- تحقق الإكراه لغة و عرفا (2). مع (3) أنّه لو لم يكن هذا مكرها عليه لم يتحقق الإكراه أصلا، إذ الموجود في الخارج دائما إحدى خصوصيات المكره عليه (4)، إذ لا يكاد يتفق

______________________________

و عليه ففرع القواعد أجنبي عمّا يكون المصنف بصدده من الإشكال في مبطلية الإكراه على أحد العقدين أو الإيقاعين. وجه الأجنبية عدم كون ما أنشأه المكره مصداقا للجامع المكره عليه، لما فيه من زيادة التعيين.

(1) يعني: الإشكال في كون الإكراه على الجامع بين العقدين أو الإيقاعين مبطلا للخصوصية. و وجه الاشكال استناد اختيار أحد العقدين- بالخصوص- إلى طيب نفسه، و لا يكون تمام الباعث على الإنشاء هو الإكراه على الجامع، فمقتضى القاعدة الحكم بالصحة، إذ لا إكراه على الخصوصية.

(2) يعني: فيكون العقد باطلا، لصدق الإكراه- لغة و عرفا- على الخصوصية، و إن كان باعتبار الإكراه على الجامع بين الخصوصيتين.

(3) هذا إشكال نقضي، و حاصله: أن عدم صدق الإكراه على الخصوصية الفردية- فيما إذا كان الإكراه متعلقا بالقدر المشترك- يوجب عدم تحقق الإكراه في شي ء من الموارد، لأنّ الإكراه دائما يتعلّق بالجامع، و الخصوصيات خارجة عن حيّز الإكراه، كما إذا أكره على بيع داره و اختار بيعها في مكان خاص و زمان كذلك، و غير ذلك من الخصوصيات، فاللازم صحة هذا البيع، لأن المكره لم يكره على الخصوصيات الفردية، هذا.

(4) فلو كان المكره عليه عقدا جزئيا كبيع الدار المعيّنة و لم تكن خصوصياته مكرها عليها- كبيعها من زيد بمبلغ كذا في يوم كذا- فهل يمكن القول حينئذ بصحّة بيعها من عمرو بمبلغ دون القيمة السوقية مثلا أو بأزيد منها، بدعوى كون المكره عليه أصل البيع مع الغض عن لوازم الوجود.

ص: 216

الإكراه بجزئي حقيقي من جميع الجهات (1).

نعم (2) هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، و إن كان مكرها عليه من حيث القدر المشترك، بمعنى: أنّ وجوده الخارجي ناش عن إكراه و اختيار (3)، و لذا (4) لا يستحق المدح أو الذم باعتبار أصل الفعل، و يستحقّه باعتبار الخصوصية.

و تظهر الثمرة (5) فيما لو رتّب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة،

______________________________

(1) إلّا بأن يلتفت المكره إلى جميع الخصوصيات حتى يأخذها في متعلّق أمره، بأن يقول: بع دارك بالمعاطاة من زيد، بمبلغ ألف دينار، نسية في ساعة كذا من اليوم الفلاني، في مكان كذا، و غيرها من عوارض وجود البيع خارجا.

(2) غرضه أن الإكراه على الجامع- كطلاق إحدى الزوجتين- يجتمع مع اختيار الخصوصية كطلاق هند، فطلاقها بالخصوص ذو حيثيتين:

إحداهما: كونه مكرها عليه بلحاظ الجامع، و بهذه الحيثية لا يستحق الزوج للمدح على طلاقه لو كان طلاقه حاسما لمادة الفساد و النزاع بين الزوجين، و لا للذم لو كانت معاشرته معها بالمعروف، و لا داعي في مثله للفرقة بينهما. و عدم استحقاق المدح و الذم كاشف عن عدم اختياره في الطلاق، لكونه بتحميل الغير.

ثانيتهما: كون طلاق هذه الزوجة بخصوصها اختياريا، و لذا يستحق المدح لو كانت بينهما منافرة، و يستحق الذم لو كانت المعاشرة بالمعروف.

(3) يعني: ينضمّ الإكراه على الكلي مع اختيار الخصوصيّة.

(4) أي: لأجل أنّ هذا الفرد من الطلاق ناش عن إكراه على الجامع، و اختيار للخصوصية لا يستحق .. إلخ. وجه عدم استحقاق المدح أو الذم على أصل الفعل دوران الاستحقاق مدار الاختيار، و حيث لا فلا.

________________________________________

(5) يعني: الثمرة بين كون الإكراه على الجامع إكراها على الخصوصية و عدمه، فإنّ الثمرة تظهر فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الخصوصية، دون القدر المشترك. فعلى

ص: 217

فإنّه (1) لا يرتفع بالإكراه على القدر المشترك. مثلا لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر لم يرتفع تحريم الخمر، لأنّه مختار فيه و إن كان مكرها في أصل الشرب (2).

و كذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد، فإنّه لا يرتفع أثر الصحيح، لأنّه مختار فيه و إن كان مكرها في جنس البيع، لكنه لا يترتب على الجنس أثر يرتفع بالإكراه (3).

و من هنا (4) يعلم أنّه لو أكره على بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها لأنّ القدر المشترك بين الحق و غيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا و إلّا لوقع

______________________________

القول بصيرورة الخصوصية مكرها عليها- لكونها من أفراد الجامع المكره عليه- ترتفع الحرمة عنها. و على القول بعدم كون الخصوصية مكرها عليها فالحرمة باقية.

كما لو أكرهه على أحد البيعين إمّا بيع داره و إما بيع أرض مزروعة لا يصح بيعها، لكونها أرضا مفتوحة عنوة، فباع المكره داره، كان صحيحا، لإمكان التخلص من إكراهه بإنشاء بيع فاسد على الأرض.

(1) أي: فإنّ أثر الخصوصية لا يرتفع بالإكراه على الجامع، و إنما يترتب إذا تساوت الأفراد في الأثر.

(2) و لكنّ أثر الفرد و هو حرمة شرب الخمر- لا يرتفع بالإكراه على أصل الشرب.

(3) يعني: فالمكره عليه ليس له أثر حتى يرفعه الإكراه، و ما له الأثر و هو الخصوصية ليس مكرها عليها.

(4) يعني: و من عدم ترتب الأثر على الجنس حتى يرفع بالإكراه- يعلم، و غرضه التنبيه على بعض ثمرات المسألة.

فمنها: ما إذا كان زيد مديونا لعمرو بدين مطالب، و لم يؤده مماطلة، فأكرهه عمرو على إيفاء حقّه من النقود الموجودة عند زيد، أو على بيع كتبه أو أثاث بيته

ص: 218

الإيفاء أيضا باطلا، فإذا اختار البيع صحّ، لأنّ الخصوصية (1) غير مكره عليها، و المكره عليه و هو القدر المشترك غير (2) مرتفع الأثر.

و لو أكرهه (3) على بيع مال أو أداء مال غير مستحقّ كان إكراها، لأنّه لا يفعل البيع إلّا فرارا من بدله (4)

______________________________

ليستوفي الدائن حقّة، فهذا إكراه على القدر المشترك بين فردين، أحدهما حقّ، و هو أداء الدين المطالب، و الآخر غير حق و هو بيع أمواله الأخرى مع كراهته بيعها.

فلو باع المكره صحّ و جاز أداء دينه من الثمن، لعدم صدق الإكراه على الجامع عند كون أحد الفردين حقّا، إذ لو صدق الإكراه لزم عدم تحقق وفاء الدين، لكونه أحد العدلين المكره عليهما، و لا ريب في أنّ وفاء الدين يحصل بما عنده من النقود.

و كما لا يسري الإكراه على الجامع إلى هذا الفرد، فكذا لا يسري إلى العدل الآخر و هو البيع.

(1) و هي خصوصية البيع، فمع عدم كونها مكرها عليها لا وجه لبطلانها.

(2) خبر قوله: «و المكره عليه» يعني: أن القدر المشترك المكره عليه لا أثر له حتى يرتفع بالإكراه، ضرورة أنّ القدر المشترك بين الحق كأداء دينه و غير الحق- كبيع بعض أمواله- لا أثر له حتى يرفع بالإكراه.

(3) هذه ثمرة أخرى، و هي من فروع صدق الإكراه على الجامع على كلّ من الفردين، كما لو أكرهه الجائر على أحد الأمرين: إمّا بيع مال و إما دفع مال إلى المكره، و هو لا يستحقه. فلو باع لم يصح لعدم طيب نفسه به، لأنّ كلّا من البيع و أداء المال ناش من خوف الضرر المتوعد به، فاختيار أحدهما لدفع الضرر لا يكشف عن طيب نفسه، لتساويهما في دفع الضرر.

(4) و هو أداء مال غير مستحق، كما لو قال المكره: «بع دارك أو أعطني ألف دينار» مع فرض عدم اشتغال ذمة المكره بشي ء للمكره، فكلّ من البيع و دفع المال تحميل من المكره.

ص: 219

أو وعيده المضرّين (1)، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر، فإنّ ارتكاب البيع للفرار عن الضرر الأخروي (2) ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده (3) [1].

______________________________

(1) يعني: فلا يقع البيع عن طيب نفسه، بل عن الكره لدفع الضرر الذي هو عدل بيع ماله، أعني به أداء مال غير مستحق، أو لدفع الضرر المتوعد عليه.

(2) و هو استحقاق المؤاخذة المترتب على شرب الخمر الذي هو أحد الأمرين المكره عليه.

(3) أي: وعيد المكره. و الحاصل: أنّ ارتكاب البيع إنّما هو لدفع أحد الضررين، و هما ضرر شرب الخمر، و الضرر الذي أوعد به المكره.

هذا كلّه في فروع إكراه شخص واحد على أحد الفعلين، و سيأتي إلحاق إكراه أحد شخصين على فعل واحد به، بحيث لو صدر من أحدهما كان محققا لغرض المكره و دافعا لشره.

______________________________

[1] الجهة الخامسة: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه .. إلخ» و حاصله: أن الإكراه تارة يقع على الخصوصية، كأن يقول: «طلق زوجتك هندا و إلّا قتلتك» و لا إشكال حينئذ في تحقق الإكراه الرافع للأثر. و أخرى على أحد الأمرين تخييرا، كأن يقول: «طلّق إحدى زوجتيك و إلّا قتلتك». و هذا قد يكون في الأفراد العرضية، و قد يكون في الأفراد الطولية.

فهنا مقامان، الأول في الإكراه على أحد الأمرين عرضيا.

و الثاني في الإكراه عليه طوليّا.

أمّا الأول فقد حكي فيه عن بعض الأصحاب كالعلامة في القواعد القول بصحة الفعل الذي اختاره المكره من الفعلين اللذين اكره على أحدهما تخييرا، نظرا إلى أن الإكراه لم يتعلق بالخصوصية، فاختيارها إنما يكون بطيب نفسه، فيقع صحيحا إن كان معاملة، و حراما إن كان من المحرمات.

ص: 220

______________________________

لكن المصنف قد ناقش فيه بما لفظه: «انه لو لم يكن هذا مكرها عليه ..» الى آخر ما في المتن. و حاصل الاشكال النقض بسائر موارد الإكراه، و قد أوضحناه في التعليقة التوضيحية.

و فيه: عدم ورود النقض، و ذلك لأنّ الخصوصيات على قسمين:

أحدهما: ما له دخل في موضوع الأثر، كما في الإكراه على الجامع بين طلاق إحدى الزوجتين أو عتاق أحد العبدين، فإنّ المكره عليه حينئذ و إن كان كلّيا، إلا أن خصوصية كل فرد من طلاق إحدى الزوجتين أو عتاق أحد العبدين موضوع للأثر و محط نظر المكره.

فالإكراه تعلّق بكلّ واحدة من الخصوصيتين بحيث يصدق على طلاق كل واحدة منهما أنّه مكره عليه.

و ثانيهما: ما لا يكون كذلك، كما في الإكراه على بيع الدار، فإن الخصوصيات الموجودة في بيع الدار- كإجراء عقده بالعربية أو الفارسية و في مكان خاص و زمان كذلك، و بيعها من زيد أو عمرو إلى غير ذلك من الخصوصيات- ليست دخيلة في الأثر، و لم يتعلّق بها الإكراه، و الأثر مترتب على طبيعيّ البيع، و المفروض تعلق الإكراه به.

فقياس بيع الدار على طلاق إحدى الزوجتين و عتق أحد العبدين و إن كان المكره عليه في جميعها كليا ليس بصحيح، لما عرفت من اختلاف الخصوصيات في تحقق الإكراه في بعضها، كطلاق إحدى الزوجتين و عتق أحد العبدين، دون بعضها الآخر كالإكراه على بيع الدار، فإن الخصوصيات فيه ليست دخيلة في الأثر، و إنّما الأثر مترتب على طبيعة البيع التي هي المكره عليها.

و لا بأس ببيان الصور المتصوّرة في تعلق الإكراه بالجامع و القدر المشترك، فنقول:

إنّ تلك الصور خمسة، لأنه تارة يتعلق الإكراه أو الاضطرار بالجامع بين فعلين محرمين، كالإكراه على شرب الخمر أو قتل النفس.

ص: 221

______________________________

و أخرى يتعلّق بالجامع بين الحرام و المباح، كإكراهه على شرب الخمر أو الماء.

و ثالثة: يتعلّق بالجامع بين المباح و المعاملة كالإكراه على سفر مباح أو بيع داره.

و رابعة: يتعلّق بإحدى المعاملتين بالمعنى الشامل للعقود و الإيقاعات، بأن يتعلّق الإكراه ببيع داره أو بيع كتبه، أو يتعلق ببيع داره أو عتق عبده، أو يتعلق بإيقاعين كطلاق زوجته أو عتق عبده.

و خامسة: يتعلّق بالجامع بين الحرام و المعاملة، أي بين ما تعلق به الحكم التكليفي و الوضعي.

أما الصورة الأولى و هي كون كلا الأمرين حراما تكليفيا فحكمها أنّه إذا كانا متساويين في ملاك التحريم في نظر الشارع كان المكره مخيّرا في اختيار أيّ واحد منهما، لأنّ نسبة المكره عليه- و هو الجامع- إلى كل منهما على حد سواء.

و حيث إنّ الجامع لا يمكن إيجاده إلّا في ضمن إحدى الخصوصيتين فمقدمة لارتكاب الجامع المكره عليه يضطرّ إلى ارتكاب إحدى الخصوصيتين، فثبت التخيير في إحداهما، فإذا أتى بالجامع في ضمن إحداهما لم يرتكب محرّما. نعم إذا أتى بالجامع في ضمن كلتا الخصوصيتين فقد ارتكب المحرّم، لعدم ثبوت الترخيص إلّا في إحداهما.

و إن كانا مختلفين في ملاك التحريم فلا بد حينئذ من اختيار أقلهما مبغوضا. مثاله الإكراه على شرب أحد الإنائين مع كون أحدهما نجسا و الآخر نجسا و مغصوبا. فإنّ الإكراه حينئذ يتعلّق بشرب النجس، فلا يجوز للمكره شرب ما هو نجس و مغصوب لإمكان دفع الضرر المتوعد عليه بما هو أخف محذورا منه.

و كذا لو أكره شخص على شرب أحد المائعين، و كان أحدهما خمرا و الآخر متنجسا، فإنه لا يجوز له أن يختار شرب الخمر، لعدم كونه بالخصوص موردا للإكراه، بل لا بدّ له من اختيار ما يكون ملاك المبغوضية أقل و أخف، فلا يتحقق هنا إكراه على الحرام

ص: 222

______________________________

الأهم مع التفصي بارتكاب الحرام المهمّ.

و أمّا الصورة الثانية- و هي الإكراه على الجامع بين الحرام و المباح- فملخص الكلام فيها أنّ هذا الإكراه لا يرفع حرمة الحرام و إن صدق الإكراه على الجامع بينه و بين المباح بحسب إكراه المكره. لكنه لا إكراه على الجامع حقيقة مع التفصي عن الحرام بغير التورية، و عدم اضطرار المكره إلى ارتكاب الخصوصية المحرّمة مقدّمة لارتكاب الجامع المكره عليه.

و عليه فلا بدّ من ارتكاب المباح، لاندفاع الضرر المتوعد عليه بارتكاب المباح، فلا مسوّغ لارتكاب الحرام أصلا.

و أمّا الصورة الثالثة- و هي الإكراه على الجامع بين المباح التكليفي و المعاملة، كالإكراه على شرب الماء أو بيع الدار- فالكلام فيها كسابقتها، فلا يرفع الإكراه أثر المعاملة إذا اختارها، لصدورها عن طيب النفس لا الخوف، إذ المفروض إمكان دفع الضرر المتوعد به بارتكاب المباح، فاختياره للمعاملة ليس ناشئا عن الخوف، بل عن طيب نفسه، فالمعاملة صحيحة.

و منه يظهر حكم الإكراه على الجامع بين المعاملة الصحيحة و الفاسدة، كما إذا قال:

«بع دارك أو أوقع معاملة ربوية» فإنّ ما تعلّق به الإكراه و هو الجامع لا أثر له، و ماله الأثر و هو المعاملة الصحيحة لا إكراه عليه حتى يرفع الإكراه أثره، فإنّ الاضطرار إلى ارتكاب إحدى الخصوصيتين مقدمة لوجود الجامع كما يندفع باختيار الفرد الصحيح، كذلك يندفع باختيار الفاسد، فإذا اختار الفرد الصحيح كان بطيب نفسه، فيحكم بصحته.

و يظهر أيضا حكم الإكراه على الجامع بين المعاملة الصحيحة- كبيع داره- و بين أداء دينه و نحوه من الحقوق، فإذا اختار البيع لا يحكم بفساده.

و يظهر أيضا حكم ما لو أكره على بيع داره أو بيع دار جاره فضولا، فباع دار نفسه،

ص: 223

______________________________

فإنّه لا يحكم بفساد بيعه، إذ يمكن أن يبيع فضولا دار جاره، لأنه مباح بعد وضوح عدم كونه تصرفا في مال الغير، فيكون من صغريات الإكراه على أحد الأمرين اللذين يكون أحدهما مباحا و الآخر حراما، فهو من قبيل الإكراه على بيع داره أو شرب الماء، فإذا اختار البيع كان صحيحا، لإمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بفعل المباح، فلم يصدر عنه البيع إلّا بطيب نفسه و رغبته فيه، و لم يصدر عنه لدفع الضرر.

و كذا لو أكره الراهن عند حلول أجل الدين على بيع العين المرهونة، أو بيع غيرها مما لا يستحقّه المرتهن، و اختار الراهن الثاني كان البيع صحيحا، فإنه من قبيل الإكراه على بيع شي ء من أمواله أو أداء دينه الواجب كما لا يخفى.

و أما الصورة الرابعة و هي ما إذا أكره على إحدى المعاملتين كطلاق زوجته أو بيع داره، فتفسد فيها المعاملة التي يختارها المكره، لأنّ الإكراه و إن لم يتعلق بكل من المعاملتين، و أنّما تعلّق بالجامع، إلّا أنّه مضطرّ الى ارتكاب إحدى الخصوصيتين مقدّمة لدفع الضرر المترتب على ترك الجامع، و الاضطرار إلى إحدى المعاملتين يرفع الأثر عما يختاره المكره خارجا.

و أمّا الصورة الخامسة- و هي الإكراه على الجامع بين الحكم التكليفي و الوضعي، كالإكراه على بيع داره أو شرب الخمر مثلا أو ترك واجب كالصلاة و نحوها- فالكلام فيها يقع في جهتين:

الأولى: في الحكم التكليفي، و الثانية في الحكم الوضعي.

أمّا الجهة الأولى فحاصل البحث فيها: أنّه لا ينبغي الارتياب في بقاء الحرمة و عدم ارتفاعها، لأنّ المعاملة ليست من المحرّمات حتى يكون من الإكراه على الجامع بين الحرامين، بل هي من المباحات. فالمقام من صغريات الإكراه على الجامع بين الحرام و المباح، و المفروض أنّ المكلف متمكن من التفصي عن ارتكاب الحرام باختيار المباح

ص: 224

______________________________

و هي المعاملة، فالحرمة باقية و لا ترتفع بالإكراه المزبور، لعدم كون الحرام بنفسه متعلقا للإكراه، و لا موردا للاضطرار بعد إمكان التفصي بفعل المباح كما تقدم.

و أما الجهة الثانية و هي الحكم الوضعي فملخص الكلام فيها: أنّ الظاهر بطلان البيع إذا اختاره، لصدوره عن كره لا عن طيب النفس، إذ هو- مع فرض بقاء الحرمة في الطرف الآخر كشرب الخمر- يكون خائفا من المكره، فيبيع داره خوفا لا طوعا.

و ببيان آخر: شرب الخمر ضرر في نفسه، فإذا ترك البيع ترتب على تركه أحد ضررين، إمّا شرب الخمر، و إمّا الضرر المتوعد به من طرف المكره، فيقع البيع خوفا من الضرر الجامع بين الإكراه و الاضطرار، فيشمله دليل رفع الإكراه. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المتعلق بالإكراه على الجامع بين الأفراد العرضية.

و أمّا المقام الثاني المتكفّل للإكراه على الجامع بين الأفراد الطولية كما إذا أكره على فعل محرّم تكليفا في اليوم أو في الغد مثلا، أو أكره على بيع داره في اليوم أو بعده، فهل يكون الإكراه رافعا للأثر عن أحدهما من غير فرق بين الفرد السابق و اللاحق في الأحكام التكليفية و الوضعية؟ أم لا يكون رافعا للأثر إلّا عن الفرد اللاحق مطلقا.

أم يفصل بين التكليفيات و الوضعيات، ففي التكليفيات لا يرتفع الأثر إلّا عن الفرد اللاحق، بخلاف الوضعيات فإنه يرتفع الأثر بالإكراه فيه و لو اختار الفرد السابق، لسراية الإكراه إليه، و لتساوي الفردين بالنسبة إلى الجامع المكره عليه، كما ذكره المحقق النائيني قدّس سرّه.

قال مقرر بحثه الشريف: «و الظاهر في هذه الصورة (أي في الإكراه على الأفراد الطولية) الفرق بين المحرّمات و المعاملات، فلو كان مكرها أو مضطرا إلى شرب الخمر موسّعا، فلا يجوز له المبادرة إليه في أوّل الوقت، سواء احتمل التخلص منه لو أخّره أم لم يحتمل، إذ لا بدّ في ارتكاب المحرّم من المسوّغ له حين الارتكاب، فإذا لم يكن حين الشرب ملزما، فاختياره فعلا لا مجوّز له .. و أمّا لو كان مكرها في بيع داره موسّعا،

ص: 225

______________________________

فلو كان مأيوسا من التخلص عنه فإقدامه على البيع في أوّل الوقت لا يخرجه عن الإكراه.

و أمّا لو احتمل التخلص، فلو باع أوّل الوقت فهو مختار. و الفرق واضح» «1».

فملخص ما أفاده: حرمة ارتكاب الحرام فيما إذا أكره على شرب الخمر مثلا في اليوم أو الغد، و أنّ الحرمة ترتفع في الغد، بخلاف الإكراه على بيع داره في اليوم أو الغد، فإنه إذا باعها في اليوم كان البيع عن إكراه، فيبطل.

و ذكر في باب التزاحم من علم الأصول تعيّن الفرد السابق في التكليفيات في صورة واحدة، و هي ما إذا كان الفرد اللاحق أهم في نظر الشارع، مع كون القدرة في كلّ من الواجبين شرطا عقليا، فحينئذ يقدّم الأهم على الآخر، فإذا أكره على شرب النجس في اليوم أو قتل مؤمن في الغد، فإنّه يتعيّن عليه رفع الإكراه بالفرد السابق و اختياره.

و السرّ في ذلك أنّ أهمية الفرد اللاحق تكون معجزة شرعا عنه، فيجب حفظ القدرة على الفرد اللاحق بارتكاب الفرد السابق، دون العكس، فتكون نسبة الأهم إلى غيره كنسبة الواجب إلى المستحب أو المباح، فكما لا يمكن أن يكون المستحب أو المباح مزاحما للواجب، كذلك لا يمكن أن يكون المهم مزاحما للأهم، و لا فرق في ذلك بين عرضية المتزاحمين و طوليتهما هذا.

أمّا ما أفاده قدّس سرّه من لزوم تقديم الأهم على المهم فهو قاعدة كلية ثابتة في باب التزاحم، و لا ينبغي الارتياب فيها.

و أمّا ما أفاده من التفصيل بين المعاملات و غيرها فلا محصل له، و ذلك لعدم انطباق عنوان المكره عليه و لا المضطر إليه على الفرد المتقدم مع سعة الوقت ليرتفع حكمه بسبب الإكراه أو الاضطرار، من دون فرق في ذلك بين المحرّمات و الوضعيات، فإنّ المكره عليه الذي يترتب عليه الضرر هو ترك المجموع، لا ترك خصوص الفرد الأوّل و عليه فلا ملزم له في فعله.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 190.

ص: 226

______________________________

نعم في صورة ترك الفرد الأوّل يلزم الإتيان بالفرد الأخير، لترتب الضرر على تركه.

و على هذا فلو أكره على بيع داره يوم الجمعة أو يوم السبت، فبادر إلى بيعها يوم الجمعة، فإنّه يحكم بصحة هذا البيع، لصدوره عن الرضا و طيب النفس، و لا يحكم ببطلانه كما أفاده قدّس سرّه نظرا إلى عدم خروجه عن الإكراه الموجب لبطلانه.

و كذا إذا أكره على فعل المحرّم إمّا يوم الجمعة و إمّا يوم السبت، فإنه لا يجوز المبادرة إلى فعله يوم الجمعة، لعدم ترتب ضرر على تركه في نفسه، بل الضرر يترتب على تركه المنضم إلى ترك الفرد اللاحق، فلا يجوز للمكلّف ارتكابه.

فالمتحصل: أنّ المضطر إليه و المكره عليه في الأفراد الطولية هو الفرد المتأخر فقط، من دون فرق في ذلك بين المحرمات و المعاملات. فالفرد الأول من الحرام كشرب الخمر حرام فلو فعله كان عاصيا هذا.

و لا يخفى أن ما ذكرناه في الأفراد الطولية و العرضية جار في التكاليف الوجوبية، فإذا أكره على ترك أحد واجبين طوليين كالإفطار في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو في اليوم الثاني منه، فإنه لا يجوز له المبادرة إلى الإفطار في اليوم الأوّل من الشهر، لعدم كونه بالخصوص موردا للإكراه حتى يشمله حديث الرفع و يرتفع به وجوب صومه، لعدم ترتب الضرر على تركه بالخصوص، بل الضرر مترتب على تركه المنضمّ إلى ترك الصوم في اليوم الثاني، فإنّ خوف الضرر ناش من ترك الواجب الثاني، فهو المكره عليه المشمول لحديث الرفع، فيرتفع وجوبه بالإكراه. هذا في الواجبات الاستقلالية كصوم كل يوم من شهر رمضان.

و أمّا إذا تعلق الإكراه بالواجبات الضمنية، فمقتضى القاعدة الأوليّة في الواجبات الارتباطية سقوط أوامرها بتعذر جزء أو قيد من أجزائها و قيودها، من غير فرق

ص: 227

______________________________

في ذلك بين كون الجزء المتعذر متعينا، و بين كونه مرددا بين أمرين أو أمور، فإذا أكره المكلّف على ترك جزء في الركعة الأولى أو الثانية كان مقتضى القاعدة سقوط وجوب أصل الصلاة، لعدم القدرة على الإتيان بجميع أجزائها المفروضة ارتباطيتها.

لكن في خصوص الصلاة قام الدليل من الإجماع أو الروايات أو غيرهما على «أن الصلاة لا تسقط بحال» «1»، و أنّ المقدار الميسور منها لا يسقط بالمعسور، فحينئذ يدور الأمر بين أن يكون الساقط هو الجزء الأوّل، و بين أن يكون هو الجزء الثاني كما إذا أكره على ترك التشهد من الركعة الثانية أو الركعة الرابعة.

فإن استفدنا من دليل الجزئية أنّ العبرة في جزئيته للواجب بالقدرة عليه في وعاء اعتباره، فيتعين حينئذ أن يكون الساقط هو الجزء المتأخر، إذ المفروض قدرته على الجزء الأوّل في ظرفه، فيجب صرفها فيه مع الاضطرار إلى ترك الجامع كالقيام، لما دل عليه صحيح جميل بن دراج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: ما حدّ المرض الذي يصلي صاحبه قاعدا؟ فقال: إنّ الرجل ليوعك و يحرج، و لكنه إذا قوي فليقم» «2»، و من المعلوم صدق القدرة على القيام في الركعة الأولى إذا لم يقدر عليه إلّا في إحدى الركعات.

و إن لم نستفد شيئا من الأدلة فينتهي الأمر الى الأصل العملي، و مقتضاه التخيير، لأن الشك في اعتبار خصوص الأوّل يدفع بالبراءة، فمقتضى العلم باعتبار أحدهما هو الإتيان به مخيرا بين السابق و اللاحق.

فحاصل الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية هو: أنّ الشك هناك في سقوط

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 2، ص 605، الباب 1 من أبواب الاستحاضة، الحديث 5. رواه زرارة في الصحيح عن الصادق عليه السّلام و الحديث طويل، و منه «فان انقطع عنها الدم، و الّا فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء، ثمّ تصلّي و لا تدع الصلاة على حال، فإن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: الصلاة عماد دينكم.

(2) وسائل الشيعة ج 4 ص 699، الباب 6 من أبواب القيام في الصلاة الحديث 3، رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب و ابن أبي عمير عن جميل، و الرواية صحيحة.

ص: 228

______________________________

التكليف عن الفرد الأوّل بالإكراه على الجامع، فلا بدّ أن يؤتى به، فيتعين الساقط في الفرد اللاحق.

و في المقام في حدوث التكليف بخصوص الفرد الأوّل، توضيحه: أنّ التكليف في الواجبات المستقلة بالنسبة إلى الفرد الأول معلوم، و سقوطه عنه بالإكراه على الجامع مشكوك فيه، فمقتضى الاستصحاب بقاؤه. بخلاف الواجبات الضمنية، فإنّ الأمر الجديد بالصلاة بعد تعذّر جزء منها كأحد التشهّدين لا يعلم أنّه تعلق بالصلاة الواجدة للتشهد في الركعة الثانية، أو تعلق بالصلاة الواجدة للتشهد في الركعة الأخيرة، أو بالصلاة مع التشهد في الجملة. فالشك يكون في حدوث التكليف بخصوص الفرد الأوّل تعيينا، و مقتضى أصل البراءة عدم التعيينيّة. هذا ما يستفاد من التقريرات «1».

أقول: فيما أفاده من الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية- بأنّ الإكراه على الجامع في الأولى لا يؤثر في الفرد الأوّل بل يؤثر في الفرد الثاني، فيرتفع الحكم عنه دون الأوّل، بخلاف الواجبات الضمنية، فإنّ حدوث التكليف فيها بالنسبة إلى الفرد الأوّل تعيينا مشكوك فيه، فيرفع بأصالة البراءة، فيتخير في تطبيق الإكراه على الجامع بين الفردين الطوليين على أي فرد منهما شاء- تأمّل و إشكال، لأنّ ما أفيد في الفرق المزبور مبني على حدوث أمر جديد بالنسبة إلى الواجب الفاقد لجزء بالتعذر، و سقوط الأمر الأوّل المتعلق بالكلّ، إذ يشكّ حينئذ في أن الأمر الجديد تعلق بالصلاة الواجدة للقيام في الركعة الأولى مثلا أو للقيام في الركعة الثانية، فيرجع حينئذ في تعلّقه بالقيام الأوّل بالخصوص إلى البراءة.

و هذا المبنى غير سديد، لأنّ الدليل على عدم سقوط الصلاة سواء أ كان قاعدة الميسور أم نصا خاصا لا يقتضي إلّا بقاء الأمر الصلاتي، و عدم سقوطه بالتعذر، لأنّ مقتضى حكومة قاعدة الميسور و «لا تعاد» و غيرهما من الأدلة الثانوية تضييق دائرة

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 317 و 318.

ص: 229

______________________________

الجزئية أو الشرطية المستلزم لسقوط أمر الجزء أو الشرط، مع بقاء الأمر بما عدا المعسور، فإنّ السقوط مترتب على الثبوت، فمعنى «الميسور لا يسقط بالمعسور» أنّ الأمر المتعلق بالكل لا يسقط إلّا ما تعلّق منه بالمعسور، فالأمر الساقط هو الأمر الضمني المتعلق بالمعسور، و أما الأمر بسائر الأجزاء فهو باق على حاله فحينئذ يقع الكلام في أنّ الساقط هو جزئية القيام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية، فيرجع الشك الى سقوط التكليف لا ثبوته، كالشك في الواجبات الاستقلالية. فلا يؤثر الإكراه على الجامع بين الجزئين الطوليين في ارتفاع جزئية الفرد الأوّل، بل هو باق على جزئيته، كالإكراه على الجامع بين الفردين الطوليين في الواجبات الاستقلالية.

و بالجملة: فالفرق المزبور بين الفردين الطوليين في الواجبات الاستقلالية و الضمنية في حيّز المنع، بل وزان الضمنية وزان الاستقلالية في أنّ الإكراه على الجامع يؤثر في الفرد الأخير دون الأوّل.

بل يمكن أن يقال- بعد تسليم تعلق الأمر الجديد و سقوط الأمر الأوّل- إنّ الفرق بين الواجبات الاستقلالية و الضمنية أيضا في حيّز المنع، إذ موضوع الأمر الجديد هو المكره على ترك أحد القيامين، و عنوان «أحدهما» قابل الانطباق على كل واحد من القيامين، لكن لا بد من تطبيق المكره عليه على القيام الثاني، لأن الخوف ناش من فعل القيام الثاني، و أمّا إذا تركه و أتى بالقيام الأوّل فلا خوف. فالواجب الارتباطي كالاستقلالي من دون فرق بينهما في لزوم تطبيق المكره عليه على الفرد اللاحق، فتدبر.

هذا إذا لم يقم دليل بالخصوص على تعيّن الأخذ بأحدهما المعيّن، و إلّا فيتعين الأخذ به، و يسقط الآخر، كما إذا دار الأمر بين الوقت و غيره كالسورة، فإنّه يتعيّن سقوط السورة و إتيان الصلاة بدونها في الوقت. و كما إذا دار الأمر بين الطهور و غيره، فإنّه لا إشكال في تقدم الطهور على غيره. و كما إذا دار الأمر بين الوقت و جامع الطهور، فإن الساقط حينئذ هو الوقت.

ص: 230

[إكراه أحد الشخصين على فعل واحد]

ثم إنّ إكراه أحد الشخصين على فعل واحد [1] بمعنى إلزامه عليهما كفاية (1) و إيعادهما على تركه كإكراه (2) شخص واحد على أحد الفعلين [2] في (3) كون كل منهما مكرها.

______________________________

إكراه أحد الشخصين على فعل واحد

(1) أي: على نحو الوجوب الكفائي، بأن يكون كلّ منهما في صورة ترك المكره عليه موردا للإيعاد، كترك الواجب الكفائي الموجب لاستحقاق الجميع للمؤاخذة، بأن يأمر المكره أحد شخصين بشرب الخمر أو طلاق الزوجة أو بيع الدار، فيقول لزيد و عمرو: «ليشرب أحدكما هذه الخمر، و إلّا أضرّ بكما بما لا يتحمل عادة» أو قال: «ليطلّق أحدكما زوجته، و إلّا» فإنّ إقدام كل منهما على الشرب أو الطلاق لمّا كان مستندا إلى خوف الضرر» و ناشئا من تحميل الغير كان مكرها عليه.

(2) خبر قوله: «إنّ إكراه» و ضمير «إلزامه» راجع إلى «فعل واحد».

(3) متعلق ب «إكراه» و هذا وجه المماثلة، يعني: أنّ إكراه شخصين على فعل واحد كإكراه شخص واحد- على أحد الفعلين- في كون كل من الشخصين مكرها.

______________________________

[1] بأن يكون واحدا حقيقة و إن كان متعددا فاعلا كبيع الوكيلين أو مالك و وكيله، فإنّ الملكية الحاصلة من إنشاءاتها واحدة و إن كان إنشاؤها من متعدد. و أما إن كان متعددا كبيع دار زيد أو بيع دار عمرو، فإن أكره أحدهما ببيع داره و باع زيد داره مع علمه أو احتماله عقلائيا ببيع عمرو داره لدفع ضرر المكره، فيكون بيع زيد داره عن الرضا و طيب النفس.

[2] لا بدّ من تقييد الفعلين بالعرضيّين لأن الطوليّين كما تقدم سابقا لا يتصف منهما بالإكراه إلّا الفرد اللاحق، إذ مع اختيار السابق و ترك اللاحق لا خوف فيه، بل خوف الضرر المتوعد به ليس إلّا في ترك كليهما.

ص: 231

______________________________

كما ينبغي تقييده بمساواة الشخصين في الخوف الناشئ من إيعاد المكره، فلو كان أحدهما أشدّ خوفا من الآخر بحيث يعلم الآخر إقدامه لم يجز له الارتكاب، و لو فعل لم يكن مكرها على الفعل.

و كيف كان، فهذه هي الجهة السادسة: و تفصيل البحث فيها: أنّ إكراه أحد الشخصين أو الأشخاص يكون نظير الواجب الكفائي الذي يتعلّق الوجوب فيه بالجامع بين الشخصين أو الأشخاص، فمتعلق الإكراه في إكراه الشخصين أيضا هو الجامع بينهما.

ثم اعلم أن إكراه أحد الشخصين قد يكون في مورد الأحكام التكليفية، و قد يكون في مورد الأحكام الوضعية.

و الأوّل كالإكراه على ارتكاب شرب الخمر أو ترك واجب كالصلاة أو الصوم.

و الثاني كإكراه أحدهما على بيع داره.

أمّا القسم الأوّل فحاصل الكلام فيه: أنّ الحكم التكليفي لا يرتفع عن فعل كلّ منهما إلّا إذا علم أو احتمل احتمالا عقلائيا عدم إتيان الآخر به، إمّا لتمكّنه من دفع الضرر المتوجه إليه، و إمّا لتوطين نفسه على الضرر، فإنّه يجوز له حينئذ ارتكاب المكره عليه فعلا أو تركا.

و بالجملة: جواز ارتكاب المكره عليه منوط بخوف الضرر المتوعد به، فإذا لم يخف الضرر بأن علم أو اطمأن بأنّ الآخر يرتكب المكره عليه خوفا من توجه الضرر إليه، أو لقلة مبالاته بالدين حرم عليه ارتكابه، و ذلك لأن الأحكام الشرعيّة من القضايا الحقيقية التي تنحلّ إلى أحكام عديدة، فلكل فرد من أفراد المكلّفين حكم مستقلّ غير مرتبط بحكم سائر المكلفين. فحينئذ يكون ارتفاع الحكم عن كل واحد منهم منوطا بخوفه من الضرر ليشمله حديث الرفع، و يحكم بإباحة الفعل أو الترك له. ففي صورة عدم الخوف من الضرر يحرم ارتكابه لدليل حرمته من دون ما يقتضي ارتفاعها.

و أمّا القسم الثاني- و هو ما إذا تعلق الإكراه بالجامع بين الشخصين في الوضعيات مع تعدّد المكره عليه في نفسه أو وحدته- فبيانه:

أمّا الأوّل فكما إذا أكره الجائر أحد الشخصين على بيع داره، لكون بيع كل من

ص: 232

______________________________

الدارين في نفسه مغايرا لبيع الدار الأخرى. و هذا القسم ملحق بالقسم الأوّل المتقدّم و هو إكراه أحد الشخصين على مورد الأحكام التكليفية كارتكاب شرب الخمر أو ترك واجب، فإن احتمل كل منهما- احتمالا عقلائيا رافعا للخوف- صدور البيع من الآخر، و مع ذلك أقدم على بيع داره يحكم بصحة بيعه، لعدم صدوره عن الخوف، بل لصدوره عن طيب نفسه فليتأمّل.

و إن لم يحتمل ذلك أو احتمل احتمالا لا يرفع الخوف و باع، لم يكن البيع صحيحا، لأنّه وقع عن الكراهة للخوف، لا عن طيب النفس.

و أمّا الثاني- و هو وحدة العقد المكره عليه حقيقة، و كون تعدده بلحاظ المعنى المصدري الناشئ عن تعدد العاقد، و إلّا فبلحاظ المعنى الاسم المصدري واحد- فكما إذا أكره أحد الوكيلين على بيع دار شخصيّة لموكله، فإنّ المكره عليه حينئذ موضوع شخصي و هو بيع دار الموكل، و التعدد إنما يكون في ناحية من يوجد العقد و ينشئه.

و كما إذا أكره أحد الوكيلين و الموكل على بيع دار شخصية.

و حكم هذا القسم هو فساد المعاملة مطلقا من غير تفصيل بين العلم بصدور البيع من الآخر و احتمال ذلك احتمالا عقلائيّا و عدمهما، لأنّها حقيقة واحدة، ضرورة أنّ مورد الإمضاء الشرعي- و هو العقد الصادر عن الجامع بين الوكيلين- مكره عليه، و ليس خصوص كل منهما مكرها عليه، إذ العقد الصادر عن الوكيلين هو الصادر على مال الموكّل، فهو المكره عليه، فالعقد من أي واحد منهما صدر فإنّما صدر عن كره، إذ المالك لا يرضى ببيع ماله.

فعلى هذا يقع البيع فاسدا، سواء علم العاقد بعدم إقدام الآخر عليه، أم احتمله، أم علم بخلافه، فمتعلق الإكراه أمر وحداني، و هو بيع مال الموكل، فشأن هذا شأن إكراه الشخص الواحد على ارتكاب فعل فارد.

و من هنا يتضح الفرق بين ما نحن فيه و هو إكراه أحد الوكيلين أو هما مع الموكّل على بيع عين شخصيّة، و بين إكراه شخص واحد على أحد العقدين مرددا، كأن يقول الجائر لزيد: «بع دارك أو طلّق زوجتك».

ص: 233

[تعلّق الإكراه بإنشاء المالك تارة، و العاقد اخرى]

و اعلم أنّ (1) الإكراه قد يتعلّق بالمالك و العاقد كما تقدم، و قد يتعلق

______________________________

تعلّق الإكراه بإنشاء المالك تارة، و العاقد اخرى

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في عقد المكره، و بيانه أنّ الإكراه على العقد يتصوّر على أنحاء ثلاثة:

الأوّل: كون المكره هو المالك، فيقال له: «بع دارك، و إلّا» فينشئ البيع خوفا من الضرر، و هذا هو الغالب، حيث يكون المالك عاقدا أيضا، و تقدّمت أقسامه و أحكامها في المباحث السابقة.

الثاني: كون المكره هو المالك و من بيده الأمر، لا العاقد، كما لو أكره الجائر زيدا على أن يوكّل عمرا في بيع داره، أو يوكّل ذلك الجائر فيه، مع كون الوكيل مختارا في الإنشاء و حيث كان التوكيل باطلا للإكراه توقّفت صحة بيع الوكيل على إمضاء زيد، لكونه فضوليا.

الثالث: عكس النحو الثاني، بأن يكون المكره هو العاقد لا المالك، كما لو أكره الجائر زيدا و قال له: «طلّق زوجتي وكالة، و إلّا قتلتك» فهل يصح هذا الطلاق أم لا؟

قد عقد المصنف هذه الجهة لتحقيق المسألة، و رجّح الصحة، لوجود المقتضي و هو القصد و الرضا، و فقد المانع، لفرض طيب نفس المالك أو الزوج بما طلبه من المكره، و سيأتي وجهه.

______________________________

وجه الفرق أن العقد فيما نحن فيه من أي شخص صدر يكون مكرها عليه، فلو باع الوكيلان أو هما مع الموكّل بطل البيعان أو البيوع، و لا يصح شي ء منها أو منهما، لوقوع الجميع عن إكراه، و لا وجه لصحته أصلا. بخلاف المثال، فإنّه إذا طلّق زوجته دفعا لضرر المكره ثم باع داره كان البيع صحيحا. فإطلاق كلام المصنف حيث قال: «ثم إنّ إكراه أحد الشخصين على فعل واحد .. كإكراه شخص واحد على أحد الفعلين في كون كل منهما مكرها» مشكل جدّا.

ص: 234

بالمالك دون العاقد، كما لو أكره (1) على التوكيل في بيع ماله، فان (2) العاقد قاصد مختار، و المالك مجبور، و هو داخل في عقد الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة (3) مع الإكراه.

و قد ينعكس (4) كما لو قال: «بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك» و الأقوى هنا الصحة، لأنّ العقد هنا (5) من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا. و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض. فهذا أولى (6) من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقا.

______________________________

(1) يعني: إكراه العاقد مالك المال على أن يوكّله في بيع ماله، فحينئذ يكون العاقد مكرها للمالك على التوكيل في بيع ماله.

(2) تعليل لصحة عقد الوكيل- بالوكالة الإكراهية- معلّقا على إجازة الموكل المفروض كونه مكرها.

(3) إذ المنشأ في الوكالة هو الإذن في التصرف، و المفروض انتفاء الإذن لمكان الإكراه و التحميل، فكأنّه لم ينشأ شي ء أصلا. و هذا بخلاف البيع الإكراهي، إذ المنشأ المقصود هو تمليك مال بمال، و المفقود هو الرضا.

(4) بأن يكره المالك غيره على أن يكون وكيلا عنه في عقد أو إيقاع، كأن يقول المالك له: «بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك».

(5) يعني: في صورة إكراه المالك غيره على إجراء عقد أو إيقاع عنه.

و حاصل ما أفاده في وجه الصحة: أن ما يعتبر في العقد العرفي من قصد مضمون العقد حاصل من المكره، و ما يعتبر في صحة العقد شرعا من رضا المالك موجود أيضا، فلا موجب لبطلان العقد هنا.

(6) وجه الأولوية واضح، لأنّ رضا المالك هنا موجود حال العقد، فلو فرض اعتبار مقارنة العقد لرضا المالك في الصحة فهي موجودة هنا. بخلاف الرضا اللاحق، فإنّه ليس مقارنا للعقد.

ص: 235

و احتمل في المسالك عدم الصحة (1)، نظرا إلى أنّ الإكراه يسقط حكم اللفظ، كما لو أمر المجنون بالطلاق فطلّقها، ثم قال: «و الفرق بينهما أنّ عبارة المجنون مسلوبة (2)، بخلاف المكره، فإنّ عبارته مسلوبة لعارض تخلّف القصد، فإذا كان الآمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور» انتهى. و هو حسن (3).

و قال (4) أيضا: «لو أكره الوكيل على الطلاق (5) دون الموكّل ففي صحته

______________________________

(1) بعد أن رجّح الشهيد الثاني قدّس سرّه الوقوع، فلاحظ قوله: «لو قال: طلّق زوجتي و إلّا قتلتك، أو غير ذلك ممّا يتحقق به الإكراه، فطلّق، ففي وقوع الطلاق وجهان، أصحّهما الوقوع، لأنه أبلغ في الإذن. و وجه المنع: أنّ الإكراه ..» إلى آخر ما نقله المصنف عنه.

و حاصل وجه عدم الصحة: أنّ الإكراه يسقط عبارة المكره عن التأثير كسقوط عبارة المجنون، ثم فرّق بين المكره و المجنون بقوله: «و الفرق بينهما» و مقتضاه صحة طلاق العاقد المكره.

(2) يعني: أنّ عبارة المجنون كصوت البهيمة فاقدة لكل شي ء حتى الإرادة الاستعمالية، بخلاف عبارة المكره، فإنها مستعملة، لكنه غير قاصد لوقوع معناها، فإذا تحقق القصد من الأمر المكره ترتب عليه الأثر، و لم يقدح إكراه المأمور المكره.

(3) لأنّ المراد بانتفاء القصد في عبارة المكره هو انتفاء الرضا و طيب النفس بمضمون العقد، و هو موجود في المالك الآمر، و إن كان مفقودا في المكره. هذا ما أفاده الشهيد الثاني في الأمر الخامس مما ذكره في طلاق المكره.

(4) يعني: و قال الشهيد الثاني في الأمر السادس من أمور طلاق المكره:

«لو أكره ..» إلخ.

(5) يعني: لو أكره زيد من هو وكيل شرعي عن عمرو- في طلاق زوجته- على أن يطلّقها الوكيل في زمان لا يريد الوكيل إيقاعه فيه، من دون أن يكره زيد نفس الزوج عليه.

ص: 236

وجهان أيضا (1)، من تحقق الاختيار في الموكّل المالك (2)، و من سلب عبارة المباشر» «1» انتهى.

و ربما يستدل على فساد العقد في هذين الفرعين (3) بما دلّ على رفع حكم الإكراه.

و فيه ما سيجي ء (4) من: أنّه إنّما يرفع حكما (5) ثابتا على المكره

______________________________

(1) يعني: كصورة إكراه نفس الزوج- أو المالك- غيره على الطلاق أو بيع ماله.

(2) عبارة المسالك هذه: «المالك للتصرف».

(3) و هما صورة كون المكره هو المالك، التي أشار إليها المصنّف بقوله: «و قد ينعكس كما لو قال: بع مالي أو طلّق زوجتي، و إلّا قتلتك» و صورة كون المكره الوكيل الشرعي في طلاق زوجة شخص، من دون أن يكره المكره نفس الزوج، بل أكره غيره.

و لعلّ المستدل على الفساد هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه فإنّه بعد نقل الفرعين عن المسالك و توجيههما ناقش فيهما، و قال: «و لقائل أن يقول: انّ صحة العقود توقيفية تتبع الدليل، فلما دلّ على صحة الفضولي و المكره بحقّ قلنا بها، و لم يدلّ فيما سوى ذلك فلا نقول به. و الاستناد إلى الاستحسانات لا يناسب مذهبنا، و في شمول العمومات إشكال ظاهر، فوجب القول بالمنع .. إلخ» «2».

و ظاهر قوله: «فلمّا دلّ الدليل على صحة الفضولي و المكره بحق» كون وجه المنع في الفرعين المزبورين إلغاء إنشاء المكره عن التأثير مطلقا بمقتضى حديث رفع الإكراه.

(4) يعني: في (ص 282) عند قوله: «و ثانيا: انه يدلّ على أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لو لا الإكراه يرتفع عنه .. إلخ».

(5) لأنّ الرفع في حديثه تشريعي، فلا بدّ أن يكون المرفوع حكما شرعيا.

______________________________

(1) مسالك الافهام ج 9 ص 23.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 18.

ص: 237

لو لا الإكراه (1).

و مما يؤيّد ما ذكرنا (2) حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، و من المعلوم أنّه إنّما يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر، و هو النقل و الانتقال. و أمّا التلفظ بالكلام الذي صدر مكرها فلا معنى (3) للحوق الرضا به، لأنّ (4) ما مضى و انقطع لا يتغيّر عمّا وقع عليه و لا ينقلب.

______________________________

(1) إذ المفروض أنّه عنوان ثانوي رافع للحكم بالعنوان، فلا محيص عن ثبوت الحكم لو لا الإكراه حتى يكون الإكراه رافعا له.

(2) يعني: من الصحة في الفرعين المذكورين. أمّا في أوّلهما- و هو كون المكره نفس المالك- فبتصريح المصنف بالصحة.

و أمّا في ثانيهما فلوجود علّة الصحة التي ذكرها في الفرع الأوّل بقوله: «لأنّ العقد هنا من حيث إنّه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره .. إلخ».

و حاصل وجه التأييد: أنّ مقتضى حكمهم بصحة بيع المكره بلحوق الرضا هو كون المناط في الصحة الرضا بمضمون العقد- و هو النقل و الانتقال في البيع- و إن كان صدور الصيغة عن كره، لأنّ الإجازة لا توجب انقلاب الكره في صدور الصيغة إلى الرضا به، و المفروض وجود الرضا بمضمون العقد في المقام، و هو كون المكره هو المالك، أو كون المكره الوكيل الشرعي للمالك. بل المقام أولى من الرضا اللاحق لسبق الرضا في ما نحن فيه و كون الرضا مقارنا للعقد، بخلافه في الإجازة.

(3) لكونه من السالبة بانتفاء الموضوع، مع أنّ الرضا صفة مقولية لا ما نحن فيه، يعقل عروضها على المعدوم، و هو اللفظ المفروض تصرّمه حال الرّضا.

(4) تعليل لقوله: «فلا معنى» و قد عرفت وجه استحالة تعلق الرضا باللفظ الصادر عن إكراه، فيتعيّن تعلّق طيب النفس بما له بقاء، و هو الأمر الموجود في موطن الاعتبار.

ص: 238

نعم (1) ربما يستشكل هنا (2) في الحكم المذكور بأنّ (3) القصد إلى المعنى- و لو على وجه الإكراه- شرط في الاعتناء بعبارة العقد، و لا يعرف (4) إلّا من قبل العاقد، فإذا كان مختارا أمكن إحرازه بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية دون المكره عليها.

______________________________

(1) هذا استدراك على حكمه وفاقا للمشهور بالصحة، و المستشكل هو المحقق الشوشتري، قال في المقابس- بعد عبارته المتقدّمة (في ص 237) ما لفظه: «و أيضا انّ إرادة مدلول اللفظ لا بدّ منها في صحة العقد، و إن تجرّد من الرضا به، و لذلك بطل عقد الهازل و قاصد التورية و نحوهما، و إذا صدر العقد من مختار بالغ عاقل حكمنا بما هو الظاهر من حصول ذلك، بخلاف ما إذا صدر من مكره، إذ لا ظهور لعبارته في قصد المعنى المطلوب، و لا عبرة بالدلالة المجرّدة عن الإرادة، فكيف يحكم بالصحة بمجرّد صدور العقد و الرضا ..؟» «1».

و حاصل الإشكال: أنّ الاعتناء بعبارة العقد مشروط بالقصد إلى المعنى و لو على وجه الكره، و لا يعرف هذا القصد إلّا من قبل العاقد، فإذا كان العاقد مختارا أمكن إحراز القصد بالأصل العقلائي، و هو كون الفاعل المختار قاصدا في أفعاله و أقواله، و أمّا إذا كان مكرها فلا سبيل إلى إحراز قصده.

(2) يعني: في الفرعين المذكورين، أحدهما: إكراه العاقد بدون إكراه المالك، و ثانيهما: إكراه الوكيل بدون إكراه الموكّل.

(3) متعلق ب «يستشكل» و بيان له، و قد تقدم آنفا نصّ كلام المقابس و محصّله.

(4) أي: و لا يعرف القصد إلى المعنى- و لو على وجه الإكراه- إلّا من قبل العاقد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع ص 18، و اعترض صاحب الجواهر أيضا على الحكم المذكور بوجه آخر، فراجع جواهر الكلام، ج 32 ص 16.

ص: 239

اللهم إلّا أن يقال: (1) إنّ الكلام بعد إحراز القصد، و عدم (2) تكلم العاقد لاغيا أو مورّيا و لو كان مكرها.

مع أنّه (3) يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضا (4)، فتأمّل (5).

______________________________

(1) غرضه الخدشة في إشكال المحقق الشوشتري، و الذبّ عن حكم المشهور بالصحة في الفرعين المزبورين، و محصل الخدشة وجهان:

الأوّل: منع ما أفاده من قوله: «دون المكره عليها» و بيانه: أنّ إحراز قصد العاقد معتبر قطعا في صحة العقد، و المفروض إحرازه في المقام أيضا، للعلم بأنّ العاقد المكره لم يتكلّم لاغيا و لا مورّيا، فلا بدّ أن يقصد مضمون الإنشاء، فيتعيّن الحكم بالصحة.

(2) معطوف على «إحراز» أي: و عدم تكلم العاقد لاغيا .. إلخ.

(3) هذا هو الوجه الثاني، و هو: أنّه لو شك في كون العاقد قاصدا جدّا أمكن إحرازه بإجراء أصالة القصد في صورة الإكراه، كإجرائها في صورة الاختيار، بأن يدّعى المناط في ظهور القصد هو كون الفعل اختياريا، في مقابل الاضطرار الذي هو كحركة المرتعش، و من المعلوم أنّ الإكراه على الفعل لا يكون من الاضطرار المزبور الرافع للقصد.

و عليه فإجراء أصالة القصد في عقد المكره- الملتفت المريد للتفهيم و التفهم- يقتضي إرادة المعنى من اللفظ إخبارا أو إنشاء، و أمّا كونه عن طيب النفس فلا يقتضيه الأصل المزبور.

و الحاصل: أنّ أصالة القصد تثبت القصد بالمقدار المحتاج إليه.

(4) يعني: كإجرائها في صورة الاختيار.

(5) لعلّه إشارة إلى: أنّ أصالة القصد التي هي من الأصول العقلائية إنما تجري فيما إذا كان منشأ الشك في قصد المدلول احتمال الغفلة، فمقتضى أصالة عدم الغفلة

ص: 240

..........

______________________________

حينئذ قصد المعنى. و أمّا إذا احتمل عدم القصد حتى مع عدم الغفلة فلا مسرح لأصالة القصد. و الأمر في المقام من هذا القبيل، فلا يجدي أصالة القصد [1].

______________________________

[1] الجهة السابعة ما أشار إليه بقوله: «و اعلم أنّ الإكراه قد يتعلق بالمالك» و توضيحه: أنّ الإكراه قد يتعلّق بالمالك العاقد، و لعلّه الغالب، و قد يتعلّق بالمالك دون العاقد، و قد يتعلق بالعاقد دون المالك، فللمسألة ثلاث صور:

أمّا الأولى فقد تقدّم الكلام فيها، و أنّ حكمها بطلان العقد الإكراهي لحديث الرفع.

و أمّا الثانية كالإكراه على التوكيل بطلاق زوجته، و طلّق الوكيل من غير إكراه، فلا إشكال في عدم وقوع الطلاق عن الزوج، لعدم استناده إليه بعد كون التوكيل كالعدم، لتحققه عن الإكراه و عدم رضا الموكل.

و عليه فصحته منوطة بإجازة الزوج بناء على صحة الإيقاعات الفضولية بالإجازة، و إلّا فلا.

و الحاصل: أنّ طيب نفس الوكيل بالطلاق مع كون توكيله إكراهيّا لا يكفي في صحة الطلاق.

و أما الثلاثة- و هي إكراه العاقد- فقد ذكر فيها المصنف قدّس سرّه: «انّ الأقوى هنا الصحة، لأنّ العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا، و الرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض، فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضي لاحقا».

لكن التحقيق أنّ هنا صورا:

الصورة الأولى: أن يكون الإكراه من المالك، و كان العاقد مكرها في إنشائه،

ص: 241

______________________________

و الظاهر عدم الإشكال في صحة العقد في هذه الصورة، لصدق التجارة عن تراض من المالكين عليه، و العاقد أجنبي عن مالكي العوضين، فلا أثر لرضاه، إذ المفروض كون العاقد غير المالك، فإكراهه لا يؤثر في فساد المعاملة.

و توهم دلالة حديث الرفع على بطلان هذا العقد لمكان الإكراه، فاسد، إذ لا أثر لفعل المكره بالنسبة إلى نفسه حتى يرفعه حديث الرفع، فإضافة العقد إليه إنما هي بلحاظ المعنى المصدري، و إلّا فلا إضافة للعقد إليه أصلا. فلا بدّ من إضافته إلى المالك، و المفروض عدم قصور في إضافته إليه، و اقتران العقد برضاه، فهذا العقد جامع لشرائط الصحة. هذا بالنسبة إلى العاقد.

و أمّا بالنسبة إلى المالك فجريان الحديث في حقه و رفع الأثر بالإضافة إليه خلاف الامتنان.

الصورة الثانية: أن يكون الإكراه من غير المالك لغير وكيله، كما إذا أكره زيد عمرا على بيع مال بكر، أو طلاق زوجته، فإنّ العقد حينئذ فضولي يتوقف صحته على إجازة مالكه، و هو بكر في المثال، و وجهه ظاهر.

الصورة الثالثة: أن يكون الإكراه من غير المالك لمن يكون وكيلا مفوّضا من قبل المالك، كما إذا كان زيد مالكا و عمرو وكيلا له، و أكره بكر عمرا على بيع مال زيد.

و صحة المعاملة في هذه الصورة منوطة برضا المالك، فإن أحرز ذلك فلا إشكال في الصحة، إذ المدار في الصحة طيب نفس المالك. و إن لم يحرز ذلك، فالظاهر بطلانها، لأنّ المفروض صدور العقد عن الوكيل بغير الرضا، فلا كاشف عن رضا المالك بالعقد حتى يستند إليه.

نعم إذا علم من الخارج رضا المالك بالعقد حكم بصحة العقد و إن أنشأه الوكيل عن كره و ذلك لأنّ رضا الوكيل قد اعتبر بما أنّه طريق إلى استكشاف رضا المالك من

ص: 242

[الإكراه على بيع عبد من عبدين مبهما]
اشارة

فرع (1) [فروع]:

لو أكرهه على بيع واحد غير معيّن من عبدين، فباعهما، أو باع نصف

______________________________

الإكراه على بيع عبد من عبدين مبهما

(1) كذا في بعض النسخ، و لكن في النسخة المصححة التي بأيدينا و غيرها «فروع» بصيغة الجمع، و لعلّ مراده الجمع المنطقي، أو الفروع الثلاثة، بجعل قوله: «أو باع نصف أحدهما» فرعا آخر منضما إلى قوله: «لو أكرهه على بيع واحد غير معيّن» و إلى قوله الذي ذكر فيه الفرع الثاني- و هو: «و لو أكرهه على بيع معيّن فضمّ إليه غيره و باعهما دفعة .. إلخ» و يمكن أن يشتبه الناسخ في كتابة لفظ الجمع، و اللّه العالم.

و الغرض من التعرض للفرعين المنقولين عن التذكرة هو بيان أنّ ما يقع في الخارج- بعد الإكراه- على أنحاء، فتارة يكون نفس ما أكره عليه، كما لو أكرهه على بيع داره فباعها، و أخرى مغايرا له، و هو إما مباين له تماما، كما إذا أكرهه على بيع داره فباع بستانه أو طلّق زوجته، و إمّا موافق له مع زيادة عليه، و إما مع نقيصة عما أكره عليه، و ستظهر أحكامها.

و لا يخفى أنّه تقدم بعض صور المسألتين فيما عنونه بقوله (في ص 214):

«أما لو كانا عقدين أو إيقاعين، كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه .. إلخ» فراجع، و لكنّه لم يستقص صور المسألة هناك.

و كيف كان فلو أكرهه الجائر على بيع واحد غير معين من عبدين، فإن باع كذلك، بأن قال: «بعت أحد عبديّ هذين» من دون قصد بيع أحدهما بالخصوص

______________________________

جهة توكيله، فلو علم برضا الموكل مع صدور العقد عن الوكيل كرها حكم بصحته.

و من هنا ظهر عدم صحة قياس ما نحن فيه بالمجنون، و ذلك لأنّ المجنون مسلوب العبارة، فلا أثر لعقده، بل عقده ليس بعقد حقيقة، بخلاف المكره فإنّه ليس بمسلوب العبارة.

ص: 243

أحدهما، ففي (1) التذكرة إشكال (2).

أقول: أمّا بيع العبدين، فإن كان تدريجا فالظاهر وقوع الأوّل مكرها (3)

______________________________

كان باطلا، لمطابقة ما أنشئ لما أكره عليه.

و إن خالف المكره ما أكره عليه، بأن باع كليهما، أو باع نصف أحدهما، ففصّل المصنف قدّس سرّه بين المسألتين، و سيأتي حكم بيع النصف، فالكلام فعلا في بيعهما، و له صورتان:

إحداهما: بيعهما تدريجا، بأن يبيع أحدهما المعيّن، ثم يبيع الآخر بعد ساعة مثلا.

و الأخرى: بيعهما دفعة، بأن يقول: «بعت هذين العبدين بكذا».

فإن باعهما تدريجا فالظاهر بطلان بيع السابق، لكونه مكرها عليه، و صحة بيع اللّاحق، لكونه مختارا في بيعه، لتحقق غرض المكره ببيع السابق.

و يحتمل الرجوع إلى المكره في تعيين أنّ أيّ البيعين كان بداعي دفع الضرر المتوعّد به، فيبطل و يصحّ الآخر. فلا يتعيّن السابق للبطلان.

و إن باعهما دفعة كان كل من صحة بيع كليهما و فساده محتملا، أمّا احتمال الصحة فلأنّ ما أنشئ- و هو بيع العبدين- مخالف لما أكره عليه و هو بيع أحدهما مبهما، فلم يتعلق الإكراه ببيعهما معا.

و أمّا احتمال الفساد، فلأنّ بيعهما معا و إن لم يكن مكرها عليه، إلّا أنّ بيع أحدهما ناش عن الإكراه، و لمّا لم يتعيّن ذاك المكره عليه من البيعين، فلا بدّ من الحكم ببطلانهما معا، إذ لا مرجّح لأحدهما حتّى يتعيّن كونه المكره عليه. كما لا مجال لصحتهما معا، بعد وجود المكره عليه بين البيعين.

هذا كله لو باعهما معا و أمّا لو باع نصف أحدهما فسيأتي الكلام فيه.

(1) جواب الشرط في قوله: «لو أكرهه» و الفاء في «فباعهما» عاطفة على «أكرهه» لا جوابية.

(2) قال العلّامة قدّس سرّه: «لو أكرهه على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه فإشكال» «1».

(3) لأنّه دافع للضرر المتوعد به، فالبيع الثاني يقع عن الرضا، فيصح.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر 37.

ص: 244

دون الثاني، مع احتمال الرجوع إليه في التعيين (1) سواء ادّعى العكس (2) أم لا.

و لو باعهما دفعة احتمل صحة الجميع، لأنّه (3) خلاف المكره عليه، و الظاهر (4) أنّه لم يقع شي ء منهما عن إكراه.

و بطلان (5) الجميع، لوقوع أحدهما مكرها عليه، و لا ترجيح.

و الأوّل (6) أقوى.

و لو أكره (7) على بيع معيّن، فضمّ إليه غيره و باعهما دفعة،

______________________________

(1) لأنّه أعرف بقصده، لاحتمال وقوع البيع الأوّل عن الرضا، و إيقاع الثاني لدفع ضرر المكره. و يحتمل العكس. و حيث إنّه لا يعرف أحدهما إلّا من قبله لزم الرجوع إليه في التعيين، فيتّبع قوله.

(2) أي: وقوع الثاني مكرها عليه، و وقوع الأوّل عن الرّضا.

(3) أي: لأنّ بيع الجميع خلاف المكره عليه، حيث إنّ المكره عليه بيع واحد منهما.

(4) كذا في نسخ الكتاب و الظاهر أولوية تبديل الواو بالفاء، لأنّه كالمتفرع على قوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» إذ بعد فرض عدم كون بيعهما معا مكرها عليه فالظاهر أنّه لم يقع شي ء منهما بداعي خوف الضرر المتوعد به من المكره حتى يبطل.

(5) بالرفع، معطوف على قوله: «صحة الجميع» و وجهه وقوع أحدهما مكرها عليه، لكن لمّا لم يكن لتعيينه مرجّح، و كان ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجّح فلا بدّ من القول ببطلان الجميع، هذا.

لكن فيه: أنه يمكن تعيينه بالقرعة، فلا يلزم الترجيح بلا مرجح، فتأمل.

(6) و هو صحّة بيعهما معا دفعة، لما مر آنفا من عدم كون بيعهما معا مكرها عليه.

(7) هذا هو الفرع الثاني من الفرعين المذكورين هنا، و لعلّهما أريدا من كلمة

ص: 245

فالأقوى (1) الصحة في غير ما أكره عليه (2).

و أمّا (3) مسألة النصف، فإن باع النصف بقصد بيع النصف الآخر امتثالا

______________________________

«الفروع». و مثاله الإكراه على بيع عبد معيّن، فضمّ إليه المكره عبدا آخر و باعهما معا دفعة، لا تدريجا، فيصح بيع الضميمة، و يبطل بيع المكره عليه، لأنّ ما وقع- و هو بيع العبدين- مخالف لما أكره عليه و هو بيع عبد معيّن.

و عنون الشهيد الثاني هذا الفرع في طلاق المكره فيما لو أكرهه على طلاق زوجة معيّنة كزينب، فطلّقها مع فاطمة، و فصّل قدّس سرّه بين طلاقهما بإنشاء واحد فيصح، لأنّ ما وقع مغاير لما أكره عليه، و بين طلاقهما مستقلّا، بأن يقول: زينب طالق و فاطمة طالق «طلّقت فاطمة و لم تطلّق زينب، لأنه مكره عليها بخلاف الأخرى» «1».

لكن المصنف حكم ببطلان بيع المكره عليه و صحة ما عداه، وفاقا لما في المقابس سواء أ كان الإنشاء واحدا أم متعددا «2».

(1) جواب قوله «و لو أكره» و لا يخفى أنّ وجه الصحة الذي أفاده بقوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» جار فيما إذا باعهما دفعة مع كون المكره عليه بيع أحدهما المعيّن.

(2) بل مقتضى الوجه المتقدم و هو قوله: «لأنّه خلاف المكره عليه» صحتهما معا، لأنّ بيعهما دفعة ليس مما أكره عليه، فلا وجه لبطلان المعيّن المكره عليه، بل كلاهما بمقتضى الوجه المزبور محكوم بالصحة.

(3) هذه تتمة للمسألة الأولى المتقدمة في كلام العلّامة، و الغرض منها بيان مخالفة ما أنشأه المكره لما أمر به المكره، بأن يأمره ببيع عبد فيبيع عبدين، أو يبيع نصف عبد. و تقدّم الكلام في بيع عبدين، و يقع في بيع النصف.

و حكم المصنف قدّس سرّه بفساده، سواء أ كان داعيه امتثال أمر المكره، فباع نصف

______________________________

(1) مسالك الافهام ج 9 ص 21.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 15، السطر 21.

ص: 246

للمكره- بناء على شمول الإكراه لبيع المجموع دفعتين (1)- فلا إشكال في وقوعه مكرها عليه (2). و إن كان (3) لرجاء أن يقنع المكره بالنصف كان أيضا إكراها.

لكن في سماع (4) دعوى البائع ذلك (5)

______________________________

العبد في هذا اليوم، و نصفه الآخر غدا، لصدق الإكراه على بيع العبد تدريجا في دفعتين. أم كان داعيه رجاء قناعة المكره ببيع نصف العبد، و تنازله عمّا أمر به من بيع عبد واحد من عبيده، و الوجه في البطلان استناد بيع النصف إلى تحميل الغير و توعيده. هذا بالنسبة إلى الحكم الواقعي و هو فساد البيع.

و أمّا بالنسبة إلى الحكم الظاهري لو ترافع المشتري للنصف إلى الحاكم الشرعي، فهل يحكم ببطلان بيع النصف للإكراه، أم بالصحة؟ وجهان، سيأتي بيانهما.

(1) بأن يقال: إنّ إطلاق كلام المكره يشمل بيع العبد دفعة و دفعتين.

(2) يعني: فيقع البيع باطلا، لكونه مكرها عليه، بناء على الإطلاق المزبور.

(3) هذا عدل قوله: «فان باع النصف» و سوق البيان يقتضي أن يقال: «و إن باعه برجاء .. إلخ» و حاصله: أنّه إن باع النصف لا بقصد أن يبيع النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، بل برجاء أن يكتفي الآمر المكره بما باعه من النصف كان البيع أيضا عن إكراه، فلا فرق في صدق الإكراه على بيع النصف بين الصورتين، و هما قصد بيع النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، و عدم قصد بيع النصف الآخر برجاء قناعة المكره ببيع النصف.

(4) خبر مقدم، و المبتدأ مؤخر و هو قوله: «نظر».

(5) منصوب محلّا على المفعولية «دعوى» و المشار إليه هو قصد بيع النصف لرجاء رضا المكره بذلك، مع عدم أمارة على هذه الدعوى.

ص: 247

مع عدم الأمارات نظر (1) [1].

______________________________

(1) ناش من كونه ممّا لا يعلم إلّا من قبله، فلا بدّ من سماع دعواه، و من كون الظاهر وقوع البيع بالاختيار فلا تسمع دعواه. و لعلّ الأظهر الأوّل، لأنّ الإكراه صالح للقرينية على صرف الظهور المذكور.

______________________________

[1] الجهة الثامنة ما تعرض له المصنف قدّس سرّه بقوله: فرع و لو أكرهه على بيع عبد من عبدين .. إلخ.

لا يخفى أن ما يقع في الخارج إن كان عين ما أكره عليه كما إذا أكرهه على بيع داره فباعها، أو على شرب الخمر فشربها، فلا إشكال في ارتفاع أثره تكليفيا كان أم وضعيّا، لأنّه وقع عن أمر المكره بداعي دفع ضرره كما تقدم سابقا.

و إن كان مغايرا للمكره عليه، ففيه صور، إحداها: أن يكون مباينا للمكره عليه.

ثانيتها: أن يكون أكثر منه.

ثالثتها: أن يكون أقل منه.

أمّا الصورة الأولى فلا ينبغي الإشكال في صحة العقد فيها، لعدم وقوعه عن أمر المكره حتى يصدق عليه أنّه مكره عليه كي يبطل، فإذا أكره على بيع كتابه فباع داره كان البيع صحيحا، لأنه غير المكره عليه، فلا يشمله حديث الرفع و غيره مما يدلّ على بطلان العقد الإكراهي.

نعم إذا باع داره لاحتمال أن يقنع المكره به، و يرفع اليد عن إكراهه كان باطلا، لفقدان طيب النفس، و وقوع البيع عن اضطرار، هذا.

و أمّا الصورة الثانية- و هي كون ما وقع في الخارج أكثر من المكره عليه- فهي تتصور على وجهين: أحدهما أن يقع تدريجيا، و الآخر أن يقع دفعيا.

أمّا الوجه الأوّل كما إذا أكره على بيع أحد عبديه، فباع أحدهما، ثم باع الآخر،

ص: 248

______________________________

فلا شبهة في بطلان البيع الأوّل فيه، لأنّ المكره عليه- و هو عنوان أحدهما- ينطبق عليه قهرا، فيشمله حديث الرفع و غيره ممّا يدل على بطلان البيع المكره عليه.

و أمّا البيع الثاني فيحكم بصحته قطعا، لسقوط الإكراه بالبيع الأوّل، فلا يبقى إكراه حتى يدعو إلى البيع الثاني و يبعث عليه، فلا وجه لفساده.

لكن المصنف قدّس سرّه احتمل أنّه يرجع إلى البائع في تعيين المكره عليه، و يتبع قوله، فإذا قال: «أريد تطبيق المكره عليه على العقد الثاني» حكم بفساده، و صحة البيع الأول.

لكن فيه: أن انطباق الإكراه على الأول دون الثاني واقعي قهري، لا أنّه باختياره، ضرورة ارتفاع الإكراه بالبيع الأوّل، فلا يبقى له موضوع حتى يطبّقه البائع عليه، فالبيع الثاني يقع لا محالة عن غيره كره. لا أنّه يحتمل وقوع الثاني حتى يرجع إلى البائع في التعيين.

و هذا نظير أمر الشارع بشي ء بنحو صرف الوجود، فإنه لانطباقه على أوّل الوجود يسقط الأمر، و لا يبقى أمر بالنسبة إلى سائر الوجودات.

إلّا أن يقال: إنّ الأمر هناك متعلق بالطبيعة المتحققة بصرف الوجود قهرا، و لذا يسقط بمجرد انطباق الطبيعة على أوّل الوجود. و هذا بخلاف عنوان «أحدهما» في الإكراه، لأن أمر تطبيق أحدهما هنا بيد المكره، حيث إنّ دفع الضرر المتوعد به بأيّ فرد من الفردين إنما هو بيد المكره، ضرورة أنّ له دفعه بكل فرد من الفردين شاء، فإنّ الطيب و الكراهة النفسانية ممّا لا يعلم إلّا من قبل البائع المكره، فاحتمال الرجوع إليه في التعيين كما في المتن قوي، و اللّه العالم.

و أمّا الوجه الثاني- و هو بيعهما دفعة، كما إذا باع العبدين بإنشاء واحد، فإن كان بيعهما كذلك لرغبته في بيعهما، فبإكراه الجائر على بيع أحدهما اغتنم الفرصة، فباعهما.

أو كان بيعهما لغرض آخر زائد على الإكراه، كسهولة بيعهما معا بالإضافة إلى بيع

ص: 249

______________________________

أحدهما منفردا أو لصعوبة التفرقة بينهما، لكونهما والدا و ولدا، أو لعدم وجود من يشتري أحدهما منفردا، أو غير ذلك من الأغراض الداعية إلى بيعهما، مع كون المكره عليه بيع أحدهما- فحينئذ و إن كان بيع كل منهما مكروها له، قد دعا إليه و حمله عليه أمر المكره.

لكن لمّا كان الشرط في تحقق الإكراه الرافع لأثر المعاملة ترتب الضرر على ترك المكره عليه، و هذا المعنى لا ينطبق على كل منهما في عرض انطباقه على الآخر، بل ينطبق على كلّ واحد على البدل، فيكون أحدهما مكرها عليه دون الآخر. و لأجل أن انطباقه على واحد لا بعينه بلا مرجح تعيّن البناء على بطلانهما معا.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه- من احتمال صحة الجميع، لوجهين: أحدهما أنّ بيعهما خلاف المكره عليه، و الآخر أنّ الظاهر عدم وقوع شي ء منهما عن إكراه- لا يخلو من الغموض.

إذ في الأوّل خلاف المكره عليه منوط بأن يكون الإكراه على بيع أحدهما بشرط لا، و هو خلاف الفرض.

و في الثاني: تحقق الإكراه لبيع كل منهما على البدل، فوقوعهما كان ناشئا عن أمر المكره بحيث لو لم يكن لما أقدم على بيعهما.

نعم لم يقع الإكراه بهما معا، بل بأحدهما لا بشرط الحاصل في ضمنهما، و هو كاف في بطلانهما، هذا ما أفاده سيدنا الأستاذ قدّس سرّه «1».

لكن يمكن أن يقال: بصحة بيع واحد منهما، لعدم الإكراه بالنسبة إليه، و بطلان الآخر لأجل الإكراه على أحدهما لا بعينه، و يتعين الصحيح بالقرعة. فهو نظير ما إذا أكره على بيع أحدهما المعيّن، فباع كليهما مرة واحدة، فإنّ البيع بالنسبة إلى المعيّن المكره عليه باطل، و بالإضافة إلى غيره صحيح.

و بالجملة: ففي بيعهما دفعة إذا كان عن إكراه وجوه: الصحة في الجميع، للوجهين المتقدمين عن المصنف.

و البطلان كذلك، لأن المكره عليه لا تعيّن له في الواقع، و أنّ نسبته إلى كل واحد من

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 199.

ص: 250

______________________________

الفردين على حد سواء.

و الحكم بفساد أحدهما معينا دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فيحكم بفساد الجميع.

و الصحة بالنسبة إلى الزائد على المقدار المكره عليه، و الفساد بالإضافة إلى ذلك المقدار، و يتعيّن الفاسد بالقرعة.

و دعوى: «اختصاص مورد القرعة بما إذا كان المطلوب متعينا واقعا و مجهولا ظاهرا كالحيوان المحرّم بالوطي أو غيره، المشتبه بين قطيعة غنم مثلا. و أمّا إذا لم يكن له تعين واقعي فلا مورد للقرعة فيه» غير مسموعة، لإطلاق أدلة القرعة الشامل لكل مشكل و مشتبه، و لذا اتفق الفقهاء على الرجوع إلى القرعة فيما إذا طلّق شخص إحدى زوجاته من غير تعيين، مع أنّ من المعلوم عدم تعين المطلقة واقعا، بل القرعة تعينها ظاهرا و واقعا.

و مقامنا من هذا القبيل، إذ لا تعيّن له لا ثبوتا و لا إثباتا.

و كذا الحكم في الإكراه على مورد الأحكام التكليفية، كما إذا أكره جائر شخصا على شرب الخمر أو البول، فشربهما، فإنّه لا يعاقب إلّا على شرب أحدهما، لارتكابه المحرّم بالإرادة و الاختيار، هذا.

و أمّا الصورة الرابعة:- و هي ما يكون أقل من المكره عليه، و قد أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و أمّا مسألة النصف فإن باع النصف إلى قوله لكن في سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر» كما إذا باع نصف أحد العبدين في المثال، أو كما إذا باع نصف داره فيما لو أكره على بيع تمام داره- فتتصور على وجوه:

أحدها: أن يكون عازما على بيع النصف الآخر، لزعم أن المكره عليه هو الجامع بين البيع الدفعي و التدريجي. و لا ينبغي الإشكال في فساد البيع حينئذ، لكونه مستندا إلى إكراه المكره، و معه لا مجال للصحّة و لا لقول المصنف: «لكن في سماع دعوى البائع ذلك أي: بيع النصف بأحد الوجهين، و هما بيع النصف مع العزم على بيع

ص: 251

______________________________

النصف الآخر امتثالا لأمر المكره، و بيع النصف برجاء قناعة الآمر المكره ببيع النصف مع عدم الأمارات- نظر».

و منشأ النظر: أنّ ما نحن فيه من قبيل ما لا يعلم إلّا من قبل المدّعي، فتسمع دعواه. و أنّ الظاهر وقوع هذا العقد باختياره، فلا تسمع دعواه الإكراه، و ذلك لأنّ الإكراه على المجموع إكراه على بعضه خارجا، و الإكراه بنفسه أمارة على عدم وقوع البيع عن الرضا و طيب النفس.

و نظير ذلك الإكراه في موارد الأحكام التكليفية، كما إذا أكره الجائر شخصا على شرب مقدار خاص من الخمر، فشرب نصفه برجاء أن يقنع المكره بذلك، و يرفع اليد عن إكراهه.

ثانيها: أن يكون بيع النصف لاحتمال اقتناع المكره بذلك، و رفع اليد عن بيع المجموع. و لا ينبغي الإشكال أيضا في بطلان البيع في هذه الصورة، لوضوح أن الإكراه على بيع المجموع شامل لبيع كل جزء من أجزاء الدار على نحو الاستغراق فالإكراه على بيع المجموع إكراه على بيع النصف، فيشمله حديث الرفع الموجب للبطلان. نظير ما لو أكره على بيع دارين فباع إحداهما، فإنّه لا شبهة في بطلانه، لوقوعه عن إكراه.

ثالثها: أن يكون المكره عليه بشرط شي ء، و يأتي المكره بالأقل بشرط لا، كما إذا أكره على بيع نصف عبده بشرط ضمّ النصف الآخر إليه، فباع نصفه بشرط عدم بيع النصف الآخر، فقد يتوهم صحة البيع حينئذ، لأنّ الواقع في الخارج مغاير للمكره عليه.

لكن فيه: أنه إن كان دليل رفع الإكراه حديث الرفع، فهو غير شامل للمقام، لعدم كون بيع النصف بشرط لا مكرها عليه، و إن كان قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فهو شامل له، لفقدان التراضي و طيب النفس، فيكون أكل المال بالباطل.

و هذا نظير ما إذا كان ما وقع في الخارج مباينا للمكره عليه، كما إذا أكره على بيع كتابه فباع رداءه لأهمية كتابه و شدة حاجته إلى الكتاب، فإنّ بيع الرداء فاسد، مع أنه لم يكن مكرها عليه، لكنه لفقدان طيب النفس لا بدّ من بطلانه.

ص: 252

[تحليل كلام العلامة في التحرير]

بقي الكلام (1) فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير قال في التحرير: «لو أكره على الطلاق فطلّق ناويا فالأقرب وقوع الطلاق» انتهى «1».

و نحوه في المسالك، بزيادة احتمال عدم الوقوع: «لأنّ الإكراه أسقط أثر اللفظ. و مجرّد النيّة (2) لا حكم لها» «2»

______________________________

تحليل كلام العلامة في التحرير

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في إنشاء المكره. و قد سبق التعرض الإجمالي لكلام العلّامة (في ص 167) من أنّ المفقود في باب الإكراه هل هو القصد الجدّي لمدلول الإنشاء أم هو الطيب و الرضا؟ و وعد المصنف ذكر توجيه عبارة التحرير بقوله: «و سيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به» و قد حان وقت الوفاء بالوعد. فنقل كلام العلامة و كلمات جمع ممّن تعرّض للمسألة كالشهيد الثاني و صاحب المدارك و الفاضل الهندي و صاحب الجواهر أعلى اللّه مقاماتهم. كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

و ظاهر كلام العلّامة صحة طلاق من أكره عليه، لو نوى الطلاق و قصده حين إنشاء الصيغة. و الوجه في الصحة تمكّنه من التلفّظ بالصيغة لا عن نيّة، لكفاية هذا التكلم في دفع الضرر المتوعد به، فقصده للطلاق جدّا كاشف عن اختياره له و إرادته إيّاه، فيخرج عن موضوع الإكراه.

(2) يعني: أنّ مجرّد النية لا يترتب عليها أثر، بل ترتب الأثر منوط بعدم الإكراه على اللفظ، فالإكراه عليه يسقط النيّة المجرّدة عن الأثر.

و بعبارة أخرى: أثر الطلاق- و هو البينونة- يتوقف على أمرين، أحدهما إرادة الطلاق، و ثانيهما التلفّظ بالصيغة عن اختيار.

و الأمر الأوّل و إن كان محققا حسب الفرض، لأنّه قاصد للطلاق. لكن الأمر

______________________________

(1) تحرير الاحكام ج 2 ص 51.

(2) مسالك الافهام ج 9 ص 22.

ص: 253

و حكي عن (1) سبطه في نهاية المرام أنه نقله قولا (2)، و استدلّ عليه (3) بعموم ما دلّ من النصّ و الإجماع على بطلان عقد المكره، و الإكراه يتحقق هنا (4) إذ المفروض أنّه لولاه لما فعله. ثم قال: «و المسألة محلّ إشكال» انتهى «1».

و عن بعض الأجلّة (5): «أنّه لو علم أنه لا يلزمه الّا اللفظ و له تجريده

______________________________

الثاني مفقود، لفرض كونه مكرها على إنشاء الطلاق بالصيغة، و نتيجته عدم تحقق الطلاق أصلا.

(1) يعني: و حكي البطلان عن سبط الشهيد الثاني و هو السيد الفقيه السيد محمد العاملي في كتابه نهاية المرام، حيث إنّه حكى كلّا من القول بالصحة و البطلان، قال قدّس سرّه: «و لو طلّق المكره ناويا، قيل: يقع، و هو اختيار العلّامة في التحرير، و جدّي في الروضة و المسالك، لحصول اللفظ و القصد، و لأنّ القصد لا إكراه عليه، فلو لا حصول الرضا بالعقد لما قصد إليه. و قيل: يبطل، إذ المفروض أنّه لو لا الإكراه لما فعله، و عقد المكره باطل بالنصّ و الإجماع، و المسألة محلّ إشكال».

(2) يعني: لا مجرّد الاحتمال، بل قال به بعض. و الضمير البارز في «نقله» راجع إلى عدم الوقوع.

(3) أي: على عدم الوقوع، فإنّ عموم ما دلّ من النص و الإجماع على بطلان عقد المكره يشمل الإكراه على الطلاق، فيكون فاسدا.

(4) يعني: لا ينبغي الارتياب في تحقق الإكراه في المقام، و هو الإكراه على الطلاق، لأنّه لو لا الإكراه لم يتحقق الطلاق، فالموجب لإيقاعه هو الإكراه بحيث ينبعث عنه الطلاق.

(5) و هو كاشف اللثام، قال في شرح عبارة التحرير ما لفظه: «يعني: و إن ظنّ أنّه يلزمه الطلاق- لا مجرد لفظه- بالإجبار و إن كان لا يريده. أمّا لو علم أنّه لا يلزمه إلّا اللفظ، و له تجريده عن القصد، فلا شبهة في عدم الإكراه».

______________________________

(1) نهاية المرام ج 2 ص 12، و الحاكي عنه صاحب المقابس، فراجع المقابس كتاب البيع ص 14.

ص: 254

عن القصد فلا شبهة في عدم الإكراه. و إنّما يحتمل الإكراه مع عدم العلم بذلك سواء ظن لزوم القصد و إن لم يرده المكره أم لا» انتهى «1».

ثم إن بعض (1) المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك، و بناه على أن المكره لا قصد له أصلا، فردّه بثبوت القصد للمكره، و جزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها عليه «2».

و فيه ما عرفت سابقا (2) من أنّه لم يقل أحد بخلوّ المكره عن قصد معنى

______________________________

و غرضه قدّس سرّه من هذا الشرح بيان مورد حكم العلّامة بكون وقوع الطلاق أقرب، يعني: أنّ صورة قصده للمعنى مع علمه بأنّه لا يلزمه إلّا اللفظ خارجة عن مورد كلام العلّامة، لعدم الشبهة فيها في عدم الإكراه و وقوع الطلاق، فلا يكون وجه للتعبير بالأقرب. كما أنّ صورة قصده للمعنى مع علمه بلزوم القصد، و أنّه ليس له تجريد اللفظ عن المعنى خارجة عنه أيضا، لعدم الشبهة فيها في الإكراه و عدم وقوع الطلاق، فلا يصح التعبير بما ذكر.

و الدليل على خروج الصورة الثانية عن مورد كلامه على ما فهمه كاشف اللثام تعبيره بالظن بدل العلم، بعد إن الوصلية التي فسّرها المصنّف بالتسوية في قوله:

«سواء ظنّ» وجه الدلالة أنّه لو لا خروجها لوجب أن يقول: «و إن علم بدلا» عن «و إن ظن» كما لا يخفى، فيعلم من ذلك أنّ المراد من قوله: «أم لا» خصوص صورة الشك.

(1) و هو صاحب الجواهر، و ضمير «بناه» راجع إلى الطلاق، يعني: و بنى عدم وقوع الطلاق على عدم القصد للمكره، ثم ردّه بثبوت القصد للمكره، لكنه قصد عن إكراه و لم يقصد عن اختيار و طيب نفس، و قد تقدم كلام الجواهر (في ص 167) فراجع.

(2) يعني: في أوائل المسألة (في ص 165)، حيث قال: .. ممّا يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام».

______________________________

(1) كشف اللثام، ج 1، القسم الثاني، ص 114، السطر 19، و الحاكي لكلامه صاحب المقابس.

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 15.

ص: 255

اللفظ، و ليس هذا (1) مرادا من قولهم: «إنّ المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ» و لذا (2) شرّك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في ذلك (3) كما عرفت سابقا (4)، فبناء هذا الحكم (5) في هذا الفرع (6) على ما ذكر (7) ضعيف جدّا.

و كذا ما تقدم عن بعض الأجلة (8) من «أنّه إن علم بكفاية مجرّد اللفظ

______________________________

و غرض المصنف قدّس سرّه المناقشة في كلامي الفاضل الأصفهاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، أمّا إشكال الجواهر على المسالك فيندفع بما تقدّم في (ص 168) و أعاده هنا، و محصّله:

عدم ابتناء كلام الشهيد الثاني على ما يوهمه من أن المكره قاصد للفظ دون المعنى.

و أما كلام كشف اللثام فمفاده اعتبار العجز عن التورية في بطلان إنشاء المكره، و حيث إن اعتبار هذا العجز يندفع بإطلاق الأدلة فلا مجال للالتزام به، و سيأتي توضيحه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: و ليس خلوّ المكره عن القصد مراد من يقول: إنّ المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ.

(2) أي: و لأجل عدم كون خلوّ المكره عن قصد مدلول اللفظ مراد القائلين- بأنّ المكره غير قاصد لمدلول اللفظ- شرّك الشهيد الثاني بين المكره و الفضولي في عدم قصد مدلول اللفظ.

(3) أي: في عدم قصد مدلول اللفظ.

(4) أي: في أوائل المسألة، حيث قال المصنف: «و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ المكره و الفضولي قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» فراجع (ص 166).

(5) أي: بطلان الطلاق.

(6) أي: فرع الطلاق الإكراهي.

(7) و هو الخلو عن قصد المدلول.

(8) و هو المولى الفقيه بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني الشهير بالفاضل

ص: 256

المجرّد عن النية (1) فنوى اختيارا صحّ، لأنّ مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها المتفطّن لها» إذ (2) لا فرق بين التخلص بالتورية و بين تجريد اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا، و قد (3) عرفت أن ظاهر الأدلة و الأخبار الواردة في طلاق المكره و عتقه عدم (4) اعتبار العجز عن التورية (5).

______________________________

الهندي قدّس سرّه صاحب كشف اللثام.

(1) أي: كفاية مجرّد اللفظ المعرّى عن النية في التفصي عن الضرر، فمع العلم بكفاية مجرّد اللفظ- في التخلص عن الضرر- لو نوى الطلاق وقع صحيحا، لأنّه قصد الطلاق حينئذ اختيارا، فلا وجه لبطلانه.

(2) تعليل لرجوعه إلى التورية، يعني: أنّ اعتبار العجز عن التجريد في تحقق الإكراه موضوعا أو حكما يدلّ بالملازمة على اعتبار العجز عن التورية، و وجوبها على العارف بها، مع أنّ ظاهر الأدلة الواردة في طلاق المكره عدم اعتبار العجز عن التورية.

(3) يعني: و الحال أنّ مقتضى الإطلاقات عدم اعتبار العجز عن التورية، و كذا مقتضاها عدم اعتبار العجز عن التجريد بالجهل و عدم وجوبه على العالم بكفاية اللفظ المجرّد. فحاصل الجواب عن بعض الأجلة هو نهوض الدليل على خلافه.

(4) خبر «أنّ» و جملة «أنّ ظاهر» في محلّ النصب مفعول به لقوله: «عرفت» أي: عرفت عدم اعتبار العجز من ظاهر الأدلة و الأخبار .. إلخ.

(5) تقدم تفصيله في (ص 185) حيث قال: «الذي يظهر من النصوص و الفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية ..» فراجع. هذا ما يتعلق بكلام الفاضل الأصفهاني و غيره ممّا تعرّض له المصنف مقدمة لبيان ما وعد ذكره من تحقيق الفرع المذكور في التحرير.

ص: 257

و توضيح الأقسام (1) المتصورة في الفرع المذكور: أن الإكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه راضيا به إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا، بأن يوقع الطلاق قصدا إليه عن طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الإكراه، لبنائه (2) على تحمل الضرر المتوعد به.

______________________________

(1) هذا هو الغرض من قوله قبل أسطر: «بقي الكلام في ما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير» و توضيحه: أن الفرع المزبور- أعني به قصد الطلاق في من أكره على الطلاق- يتصور على صور ست تختلف أحكامها، فيصحّ الطلاق في الأوليين، و يبطل في الأخيرتين، و يستشكل في الثالثة و الرابعة. و المهم في المسألة تحقيق هذه الجهة، و هي أنّ الداعي على الإنشاء هل هو الإكراه و إيعاد الغير أم لا؟ فنقول:

الصورة الأولى: أن يكره على طلاق زوجته، و لكنّه يتأمّل في جوانب المسألة، فيرجح تحمل الضرر المتوعد به، و مع ذلك يطلّق زوجته لما فيه من المصلحة، فيكون إقدامه على الطلاق ناشئا من طيب نفسه به، و لا يرى لذلك الإكراه تأثيرا في إنشائه أصلا. و لا ريب في صحة الطلاق في هذه الصورة، و ليست هي مقصود العلّامة قدّس سرّه و غيره ممّن رجّح وقوع الطلاق، إذ لا وجه للترجيح، لتعين الصحة.

الصورة الثانية: أن يكره على الطلاق، و يرضى به بعد التأمل كالصورة السابقة، إلّا أنّ الفارق بينهما كون تمام السبب- في الأولى- هو طيب نفسه به، بخلافه في هذه الصورة، فإنّ الداعي إلى الطلاق مؤلّف من إكراه المكره و من طيب نفس المكره، بحيث لو لم ينضم أحدهما إلى الآخر لم يكن كل منهما مستقلا في الداعوية. و لا ريب في صحة الطلاق في هذه الصورة أيضا، لتحقق الشرط و هو إرادة الطلاق، و قصده عن الرضا، و ليست هذه أيضا محطّ نظر العلّامة في ترجيحه صحة الطلاق، و سيأتي ذكر سائر الصور بتبع المتن إن شاء اللّه تعالى.

(2) أو لطيب نفسه الناشئ عن سوء خلق الزوجة بحيث لو لم يكرهه الجائر

ص: 258

و لا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا (1)، و عدم جواز حمل الفرع المذكور عليه، فلا معنى لجعله في التحرير أقرب (2)، و ذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، و جعله (3) قولا في نهاية المرام، و استشكاله (4) فيه لعموم النص و الإجماع.

و كذا (5) لا ينبغي التأمّل في وقوع الطلاق لو لم يكن الإكراه مستقلّا في داعي الوقوع، بل هو بضميمة شي ء اختياري (6) للفاعل.

و إن (7) كان الداعي هو الإكراه، فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعّد به، بل من جهة دفع الضرر اللّاحق للمكره- بالكسر-

______________________________

لطلّقها لذلك.

(1) أي: في صورة طيب النفس بالطلاق، لوقوعه عن الطيب لا عن الإكراه.

(2) يعني: بل لا ينبغي الارتياب في صحة الطلاق، لا أنّها أقرب.

(3) هذا و قوله: «و ذكر» معطوفان على «جعله» في قوله: «فلا معنى لجعله».

(4) معطوف أيضا على «جعله» في قوله: «فلا معنى لجعله» يعني:

و لا معنى لاستشكاله في وقوع الطلاق، لعموم النص و الإجماع على بطلان طلاق المكره.

(5) هذه هي الصورة الثانية، يعني: و كذا لا ينبغي التأمّل في صحة الطلاق فيما إذا كان الإكراه جزء السبب لوقوع الطلاق، و كان الجزء الآخر طيب النفس، للتخلص من ثقل النفقة مثلا. و لا يؤثر الإكراه في بطلان الطلاق مع وجود طيب النفس، و إن لم ينحصر الداعي في هذا الطيب، بل كان هو مع انضمام الإكراه تمام المؤثر. نظير ما ذكروه في نية الضمائم في العبادة، كقصد التبريد بالوضوء، المنضمّ إلى التقرب.

(6) كطيب نفسه الناشئ من إرادة التخلص من ثقل النفقة أو من سوء خلق حليلته.

(7) الظاهر أنّه معطوف على قوله: «إمّا أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا»

ص: 259

كمن قال له ولده: «طلّق زوجتك و إلّا قتلتك أو قتلت نفسي» فطلّق الوالد خوفا من قتل الولد نفسه، أو قتل الغير له إذا تعرّض لقتل والده.

أو كان الداعي (1) على الفعل شفقة دينية على المكره- بالكسر- أو على المطلقة أو على غيرهما ممّن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع الناس في محرّم.

و الحكم في الصورتين (2) لا يخلو عن إشكال.

______________________________

يعني: أنّ الإكراه إمّا أن لا يكون له دخل .. إلخ، و إمّا أن يكون له دخل.

و قد عبّر عن هذه الجملة المعطوفة بقوله: «و ان كان الداعي هو الإكراه».

و هي تشتمل على صورتين، هما الثالثة و الرابعة، و قد استشكل المصنف قدّس سرّه فيهما في صحة الطلاق.

فالصورة الثالثة: أن يكون الداعي إلى الفعل غير جهة التخلّص عن الضرر المتوجّه إلى المكره، بل يكون الداعي دفع الضرر الوارد على المكره، كما إذا هدّد شخص والده و قال له: «طلّق زوجتك و إلّا قتلت نفسي» فيقدم الوالد على طلاق زوجته كارها له، لكنه يتحرّز بهذا الطلاق عن أن يصاب بفقد ولده، يعني: أنّ طلاق الزوجة أهون عليه من تلك الفاجعة.

و الصورة الرابعة: أن يكون الداعي إلى الفعل شفقة دينية على المكره، لئلّا يقع في المعصية، كما إذا قال الجائر: «طلّق زوجتك لأتزوّجها، و إلّا زنيت بها» فطلّق زوجته عن الرّضا، لئلّا يقع المكره أو غيره في معصية الزنا.

(1) الأولى أن يقال: «أو من جهة شفقة دينية» بدل قوله: «أو كان الداعي على الفعل» إذ غرضه أنّه- في صورة كون الداعي هو الإكراه- قد يكون الفعل من جهة دفع الضرر الوارد على المكره كقتل الولد، و قد يكون لشفقة دينية على المكره، أو على المطلقة، أو على غيرهما لدفع معصية الزنا مثلا.

(2) و هما: صورة دفع الضرر عن المكره، و صورة الشفقة الدينية عليه.

ص: 260

و إن كان الفعل (1) لداعي التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد أنّ الحذر (2) لا يتحقق إلا بإيقاع الطلاق حقيقة (3)، لغفلته (4)

______________________________

(1) معطوف على قوله: «فإمّا أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به» فالأولى تبديل قوله: «و إن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر» بأن يقال: «و إمّا أن يكون الفعل من جهة التخلص عن الضرر المتوعد به» فصور داعوية الإكراه ثلاث:

إحداها: أن يكون الفعل لدفع الضرر الدنيوي الوارد على المكره.

ثانيها: أن يكون الفعل لدفع الشفقة الدينية على المكره أو على غيره.

ثالثها: أن يكون الفعل للتخلص عن الضرر الوارد على المكره، و هذا يتصور على وجهين:

الأوّل: أن يكون قصد الطلاق مثلا لأجل اعتقاد المكره بعدم إمكان التخلص عن الضرر المتوعد به الا بإيقاع الطلاق حقيقة، لغفلته عن عدم توقف التخلص على ذلك. و هذه صورة خامسة.

و الثاني: أن يوقع الطلاق حقيقة، لجهله بأنّ الشارع رفع حكم الطلاق و صحته إذا وقع عن إكراه، فزعم أنّ الطلاق الإكراهي صحيح، و لذا أوقع الطلاق حقيقة. و هذه صورة سادسة.

(2) يعني: أن التخلص من الضرر المتوعد به لا يتحقق .. إلخ.

(3) يعني: أن المكره يتخيّل انحصار تخلّصه من الضرر المتوعد به في إيقاع الطلاق بالإرادة الجدية، لا بمجرّد التلفظ بالصيغة.

(4) يعني: أنّ منشأ تخيّل المكره هو غفلته عن حقيقة الأمر، فيوطّن نفسه على البينونة عن زوجته و الإعراض عنها، فيوقع الطلاق قاصدا. و لو لا هذه الغفلة أمكن أن ينشئ اللفظ المجرّد عن النية، فكان يتخلّص من شر المكره بالصيغة العارية عن القصد، لأنّه طلاق صوري، و لم يقع حقيقة.

ص: 261

عن أنّ التخلص غير متوقف على القصد إلى وقوع أثر الطلاق و حصول البينونة، فيوطّن نفسه على رفع اليد عن الزوجة و الإعراض عنها، فيوقع الطلاق قاصدا. و هذا (1) كثيرا ما يتفق للعوام.

و قد (2) يكون هذا التوطين و الإعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي، أو كونه رأى (3) مذهب بعض العامة، فزعم أنّ الطلاق يقع مع الإكراه، فإذا أكره على الطلاق طلّق قاصدا لوقوعه، لأنّ (4) القصد إلى اللفظ المكره عليه- بعد اعتقاد كونه سببا مستقلا في وقوع البينونة- يستلزم القصد إلى وقوعها،

______________________________

(1) أي: إيقاع الطلاق الحقيقي، لزعم توقّف التخلّص عن الضرر على الإنشاء الجدّي.

(2) معطوف على قوله: «فقد يكون» و هذه هي الصورة السادسة، و كان الأولى أن يقول: «و قد يكون قصد الفعل».

(3) بصيغة الماضي لا المصدر، أي: أو كون المكره رأى و علم مذهب العامة من صحة طلاق المكره، فزعم أنّ مذهب الشيعة الإمامية أيضا هو الصحة، فطلّق قاصدا لوقوعه حقيقة، فتبين زوجته منه حينئذ.

(4) تعليل لصحة الطلاق، و هو مؤلّف من مقدّمتين، الأولى: كونه مكرها على التلفظ بصيغة الطلاق، الثانية: اعتقاده بسببية اللفظ لحصول البينونة، و امتناع التفكيك بين اللفظ و أثره، فيقصد الطلاق جدا و يوطّن نفسه عليه.

و عليه فيمكن حمل كلام العلّامة- من صحة الطلاق عن نيّة لو أكره عليه- على الصورة الخامسة و السادسة، لتحقق القصد الجدي و طيب النفس فيهما.

لكن الحكم بالصحة لا يخلو عن إشكال، و البطلان أقرب، لتحقق الإكراه على اللفظ، فيسقط عن التأثير. و القصد الجدّي غير كاف ما لم يتسبب إليه باللفظ عن اختيار.

ص: 262

فيرضي نفسه بذلك و يوطّنها عليه، و هذا (1) أيضا كثيرا ما يتّفق للعوام.

و الحكم (2) في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال، إلّا أنّ تحقق الإكراه أقرب [1].

______________________________

(1) أي: الصورة السادسة كالخامسة ممّا يتّفق للعوام غير الملتفتين إلى خصوصيات المسائل.

(2) أي: الحكم بالصحة- على ما استقر به العلّامة- لا يخلو عن إشكال، و الأقرب هو البطلان، لوجود الإكراه.

______________________________

[1] اعلم أنّه لا بدّ قبل التعرض لشرح كلام العلامة- في فرع الإكراه على الطلاق- و بيان صحته أو بطلانه من ذكر الصور المتصورة في المسألة:

الأولى: أن يكرهه الجائر على الطلاق، لكنه متمكّن من دفع ضرر المكره، و مع ذلك يوقع الطلاق. لا ينبغي الإشكال في صحة الطلاق حينئذ، لعدم استناده إلى خوف ضرر المكره بل يستند إلى الرضا، فلا وجه لبطلانه، و الظاهر خروجه عن مورد كلام العلامة قدّس سرّه.

الثانية: أن يقع الطلاق عن إكراه الجائر، بحيث يصدر عن خوف الضرر المتوعد به، ترجيحا لأقل الضررين من الطلاق و من الضرر المتوعد به.

لا ينبغي الإشكال في الفساد في هذه الصورة مطلقا، سواء أ كان المكره معتقدا بصحة العقد الواقع عن إكراه لجهله بالمسألة، أم معتقدا بعدم اندفاع الضرر إلّا بقصد حقيقة العقد أو الإيقاع كالطلاق فقصده، فإنّ الإكراه في جميع هذه الصور مبطل، لشمول أدلته لكل ما يقع عن إكراه. و مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق في البطلان بين الاعتقاد بالصحة و عدمه، فلا وجه للتردد في الحكم بالصحة و الفساد كما صدر من المصنف قدّس سرّه، و إن تعقبه بقوله: «إلّا أنّ تحقق الإكراه أقرب».

ص: 263

______________________________

و بالجملة: فالظاهر بطلان الطلاق فيما إذا صدر عن خوف الضرر المتوعد به من المكره مطلقا و إن اعتقد المكره صحة الطلاق، فإنّ الإكراه يرفع أثر العقد و الإيقاع بمقتضى إطلاق حديث رفع الإكراه.

فالتفصيل بين الاعتقاد بالصحة و عدمه- في الصحة في الأوّل، و الفساد في الثاني كما عن بعض العامة- لا وجه له، لصدق الإكراه و عدم طيب النفس في الجميع.

و يدل على ذلك- مضافا إلى حديث الرفع- صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام «في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه» «1».

الثالثة: أن يكون الإكراه بعض السبب المؤثر لا تمام السبب، كما إذا كان في الطلاق بعض الجهات الموجبة لمحبوبيته، و كان الإكراه متمما لسببية تلك الجهات، بحيث لو لم يكن الإكراه لم تؤثر تلك الجهات. و كذا لو لم تكن تلك الجهات لم يكن الإكراه مؤثّرا في وقوعه، و لا باعثا إليه، و لا حاملا عليه.

و بالجملة: يكون صدور الطلاق مستندا إلى أمرين، أحدهما الرضا، و الآخر الإكراه، و بانتفاء أحدهما ينتفي الطلاق و الظاهر بطلان الطلاق في هذه الصورة أيضا، لظهور أدلة اعتبار الرضا في العقود و الإيقاعات في اعتبار الرضا مستقلّا، بحيث يكون صدور الإنشاءات عن الرضا بالاستقلال.

و إن شئت فقل: إنّ مقتضي الصحة هو الرضا، فإذا انضمّ إليه الإكراه انتفى المقتضي للصحة قطعا أو احتمالا، و الشك في وجود مقتضي الصحة كاف في الحكم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 136 الباب 12 من أبواب كتاب الايمان الحديث: 12.

ص: 264

______________________________

بالفساد الذي يقتضيه أصالة الفساد، بعد عدم عموم دليل أو إطلاق يثبت دخل مطلق طيب النفس و لو ضمنيا، هذا.

الرابعة: أن يكون كل واحد من الرضا النفساني- الناشئ عن سوء خلقة الزوجة أو خلقها مثلا- و الإكراه علة تامّة و سببا مستقلّا في نفسه لوقوع الطلاق، بحيث لو لم يكن إكراه لوقع الطلاق أيضا، و بالعكس.

و الظاهر صحة الطلاق في هذه الصورة، لوجود المقتضي للصحة هنا و هو الرضا الاستقلالي، حيث إنّ ظاهر الأدلة اعتبار الاستقلال في سببية الرضا لصحة العقد أو الإيقاع، و هذا الاستقلال موجود في هذه الصورة. بخلاف الصورة السابقة، فإنّ الرضا كان فيها جزء السبب، فقياس هذه الصورة بسابقتها في غير محله، لتمامية المقتضي للصحة هنا دون تلك الصورة.

و المراد بكون كل منهما مستقلا في الداعوية هو الشأنية و الصلاحية، لا الاستقلال في الداعوية الفعلية، فإنّها من المحالات، لامتناع اجتماع علّتين مستقلّتين على معلول واحد كما قرّر في محله، فلا محالة يكون كل منهما جزءا للعلة المؤثرة فعلا، فهما علة واحدة مركّبة، لكن الأثر يكون للطيب فقط، و لا يترتب على الإكراه أثر، لأنّه ليس مقتضيا للفساد حتى يندرج المقام في تعارض المقتضيين، الإكراه المقتضي للفساد و الطيب المقتضي للصحة، بل يكون الفساد مع الإكراه لأجل عدم المقتضي للصحة، و هو الطيب، فالإكراه لا يقتضي الفساد، بل الفساد مع الإكراه مستند إلى عدم المقتضي و هو الطيب، فإجتماع الإكراه و الطيب يكون من قبيل تعارض المقتضي و اللّامقتضي، لا من قبيل تعارض المقتضيين. و من المعلوم انه لا أثر إلّا للمقتضي، و هو في المقام طيب النفس، و ضمّ اللامقتضي إلى المقتضي كضم الحجر في جنب الإنسان.

فالمتحصل: انّه لا بدّ من الحكم بصحة الطلاق في هذه الصورة، هذا.

و على فرض التسليم- و كون الإكراه مانعا عن الصحة و مقتضيا للفساد- لا يجري

ص: 265

______________________________

فيه أيضا حديث الرفع. لأنّ بطلان الطلاق مع الرضا و طيب النفس خلاف الامتنان.

و لعلّ مراد العلامة قدّس سرّه هذه الصورة بقرينة قوله: «ناويا» إذ ليس المراد قصد مدلول اللفظ بداهة، حيث إنّ المكره ليس غافلا و لا هازلا، بل هو قاصد لاستعمال الألفاظ في معانيها، فالمراد بالنية قصد إيجاد المعنى المقصود باللفظ، غاية الأمر مع اقتران هذا القصد الناشئ عن الطيب بالإكراه.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف ما عن المحقق النائيني قدّس سرّه من أنّه «حيث لا يمكن توارد علتين مستقلتين على معلول واحد، فيصير كل واحدة إذا اجتمعتا جزء السبب، و الفعل يستند إليهما معا. و كل علتين مستقلّتين إذا وردتا على معلول واحد و كان بينهما تدافع فلا يؤثر كل منهما» «1».

وجه الظهور عدم كون الإكراه مقتضيا للفساد ليكون المقام من قبيل توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد، بل الإكراه يعدم مقتضي الصحة، فمع وجود ما يقتضي الصحة و هو الرضا يصح العقد أو الإيقاع، هذا.

تنبيه: لا يخفى أنّه لا فرق في بطلان الطلاق عن إكراه بين رجوع الضرر المتوعد به إلى نفس المكره أو إلى عرضه و شرفه أو إلى ماله، و بين رجوع الضرر إلى غيره ممّن يهمّ أمره المكره كزوجته و ولده و خادمه و غيرهم ممّن يتعلق به، كأن يقول: «طلق زوجتك، و إلّا قتلتك أو قتلت ابنك أو أخاك».

كما لا فرق بين كون الضرر دنيويا كأن يقول: «طلّق زوجتك و إلّا أخذت مالك أو مال ولدك أو أخيك» و بين كونه دينيا كأن يقول: «طلّق زوجتك و إلّا منعتك أو ولدك أو أخاك عن الصلاة مثلا» فإنّ مفهوم الإكراه ينطبق على الجميع.

______________________________

(1) منية الطالب: ج 1 ص 196.

ص: 266

[صحة عقد المكره المتعقب بالرضا]

ثمّ (1) إنّ المشهور بين المتأخرين (2)

______________________________

صحة عقد المكره المتعقب بالرضا

(1) هذه جهة أخرى من جهات البحث في إنشاء المكره، و هي: أنّ عقد المكره هل يصحّ تأهّلا بأن يتم تأثيره بالرضا اللّاحق، أم أنّه ينعقد فاسدا غير قابل للتأثير بلحوق الرضا؟ فيه قولان:

أحدهما: و هو المشهور الصحّة التأهليّة، نظير عقد الفضول.

و ثانيهما: هو البطلان، لوجوه ثلاثة أشار إليها في المتن، و سيأتي بيانها.

(2) تقييد الشهرة بالمتأخرين ربما يظهر منه عدم شهرة الصحة بين من عداهم من المتقدمين، و لكن الظاهر شهرة الحكم بين غير المتأخرين أيضا، ففي حاشية الفقيه

______________________________

نعم لو كان الغير نفس المكره، فإن كان ممن يتعلق به بحيث يكون ضرره ضررا على المكره، كأن يقول ولده له: «طلّق زوجتك و إلّا قتلت نفسي» أو يقول له: «أعطني كمية خاصة من الفلوس لأسافر إلى الخارج لتحصيل العلم و إلّا قتلت نفسي أو أترك الصلاة أو أخرج عن الدين» أو «هاجر إلى البلد الفلاني للتوطن هناك و إلّا قتلت نفسي» و أشباه ذلك، فالظاهر تحقق الإكراه في ذلك، لأنّ قتل الولد نفسه ضرر على الوالد.

و إن كان ذلك الغير أجنبيا عن المكره، كما إذا قال: «طلق زوجتك لأتزوّجها و إلّا زنيت بها» فإنّ تطبيق أدلة الإكراه هنا يوجب فساد الطلاق المستلزم للوقوع في الضرر و هو الزنا، لأنّ فساد الطلاق للإكراه مستلزم لبطلان التزويج المترتب عليه، فيقع المكره في الزنا، و هو ضرر دينيّ مكروه للمكره، فيكون خلافه محبوبا له، و هو متوقف على الطلاق الصحيح، فيصير الطلاق الصحيح محبوبا غيريّا، هذا.

مضافا إلى الإشكال في صدق الإكراه، لكون الضرر المتوعد به واردا على المكره لا المكره كما هو المفروض.

ص: 267

أنّه لو رضي المكره (1) بما فعله صحّ العقد، بل (2) عن الرياض تبعا للحدائق «أنّ عليه اتفاقهم» «1» لأنّه (3) عقد حقيقي، فيؤثّر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع و هو طيب النفس (4).

و دعوى اعتبار (5) مقارنة طيب النفس للعقد،

______________________________

المامقاني قدّس سرّه: «بل المشهور ذلك مطلقا، في كثير من العبارات. بل ظاهر كثير من العبارات الاتفاق عليها» «2».

(1) المراد به هو المالك المباشر للعقد، كما تقدم أنّه الغالب، لقلّة موارد تعدّد المالك و العاقد.

(2) غرضه الإضراب عن مجرّد شهرة الحكم إلى كون الصحة معقد الإجماع.

(3) هذا دليل المشهور و هو يتم بعد ما تقدّم من أنّ المكره قاصد لمدلول العقد، و إلّا فهو مصادرة.

(4) الحاصل بعد العقد، و هو كاف في الصحة بعد عدم الدليل على اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد، بل مع وجود الدليل على عدمه، فإنّ الإطلاقات تنفي الشكّ في اعتبار المقارنة، و تثبت عدم اعتبارها.

(5) هذا أوّل الوجوه المستدل بها على عدم إجداء لحوق الرضا بعقد المكره، و محصّله: أنّ شرط صحة العقد ليس مطلق وجود الرّضا قارن العقد أو لحقه، بل هو خصوص الرضا المقارن للإنشاء، على ما يستفاد من مثل «التجارة عن تراض» فلو كان طيب النفس مفقودا حال الإنشاء وقع العقد باطلا، و لا سبيل لتصحيحه بالرضا اللاحق، لعدم صدق «التجارة الناشئة عن تراض» عليه.

و هذا الوجه يمكن أن يستفاد من كلام المحقق الثاني قال قدّس سرّه: «و اعلم أنّ هذه

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 373، رياض المسائل، ج 1، ص 511 و الحاكي عنهما صاحب الجواهر، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

(2) غاية الآمال ص 337.

ص: 268

خالية (1) عن الشاهد مدفوعة بالإطلاقات.

و أضعف منها (2) دعوى اعتبارها في مفهوم العقد، اللازم منه عدم كون عقد الفضولي عقدا حقيقة.

______________________________

المسألة- يعني صحة عقد المكره بلحوق الرضا- إن كانت إجماعية فلا بحث. و إلّا فللنظر فيها مجال، لانتفاء القصد أصلا و رأسا مع عدم الرّضا، و لا يتحقق العقد المشروط بالقصد إذا لم يتحقق الرضا، لأنّ الظاهر من كون العقود بالقصود اعتبار القصد المقارن لها دون المتأخر» «1».

فإن أريد من اعتبار القصد المقارن معناه الظاهر- أي إرادة المضمون جدّا- كان هو الوجه الآتي. و إن أريد منه ما وجّهه المصنف قدّس سرّه سابقا- من انتفاء الرضا و أنّ المكره قاصد للمدلول- كان هو الوجه الأوّل من وجود القصد و فقد الرضا المقارن.

و على كلّ منهما فقد نقل السيد العاملي و صاحب الجواهر و غيرهما إشكال جامع المقاصد على صحة عقد المكره بلحوق الرّضا.

و كيف كان فقد أجاب المصنف عن الوجه الأوّل: بعدم الدليل على اشتراط صحة العقد بالرضا المقارن، بل مطلق الرضا و لو بعد العقد كاف في تأثيره، و لو شك في اعتبار مقارنة هذا الشرط للإنشاء فمقتضى إطلاق حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود نفي اعتبار المقارنة له.

(1) خبر قوله: «و دعوى» و قوله: «مدفوعة» خبر بعد خبر.

(2) أي: من دعوى جماعة اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد و هذا ثاني الوجوه المستدلّ بها على عدم فائدة لحوق الرضا بعقد المكره، و هو ظاهر جماعة، منهم الشهيدان، و قد أشار إليه المصنف في صدر المسألة بقوله: «ثم إنّه يظهر من جماعة منهم الشهيدان أنّ المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله» فعدم طيب النفس

______________________________

(1) مفتاح الكرامة ج 4 ص 174، جواهر الكلام ج 22 ص 267، جامع المقاصد ج 4 ص 62.

ص: 269

و أضعف من الكل دعوى (1)

______________________________

يوجب انتفاء القصد الجدّي للمدلول، فينتفي مفهوم العقد بانتفاء القصد، و لا منشأ لانتفاء القصد إلّا الإكراه الرافع لطيب النفس.

و الفرق بين هذا الوجه و سابقه: أنّ المقصود في الوجه الأوّل التمسك بدليل اعتبار الرضا في العقود، و أنّ مقتضى الاشتراط شرعا- بعد الفراغ من صدق العقد عرفا على إنشاء المكره- هو خصوص المقارنة، لا مطلق وجود الرضا. بخلاف هذا الوجه الثاني، فإنّ الغرض منه سلب عنوان العقد عن عقد المكره حقيقة، لتقوّم العقد بالقصد المنفي بالإكراه كما هو المفروض.

و جعله المصنف أضعف من الوجه الأوّل، وجه الأضعفيّة: أنّ العقد العرفي غير منوط بالطيب، بل العقد العرفي ينشأ تارة عن طيب النفس، و أخرى عن الكراهة.

و الشاهد على صدق العقد على الإنشاء المجرّد عن رضا المالك التزامهم بكون عقد الفضوليّ عقدا حقيقة، و إنّما يتوقف تأثيره على إجازة المالك، و لو لم يكن عقدا عرفيا- بأن كان كإنشاء الهازل- امتنع تأثيره بعد لحوق رضا المالك.

و عليه فمقارنة الرضا للإنشاء غير مقوّمة للعقد عرفا، و لا شرطا له شرعا.

(1) هذا ثالث الوجوه، و محصّله: إسقاط عقد المكره عن الصحّة التأهّلية و جعله كالعدم، من جهة اعتبار مقارنة رضا العاقد للإنشاء شرعا، و حيث إنّ العاقد المكره فاقد له لم ينفعه لحوق الرضا. و لا فرق في البطلان بين كون المكره العاقد مالكا لأمر الإنشاء- كما هو الغالب- أم غير مالك له، و لكنّه أكره على بيع مال الغير أو طلاق زوجة الغير، على ما سبق تفصيله في (ص 234) و ردّه المصنف قدّس سرّه بالنقض بصحة عقد المكره بحق، ممّا يكشف عن عدم دخل رضا العاقد شرعا حين الإنشاء، كما إذا أمر الحاكم الشرعيّ الزوج ببيع شي ء من أمواله لينفق على زوجته، أو أمر المحتكر للطعام ببيعه، أو أمر المديون المماطل في أداء الدين ببيع شي ء لإيفاء ثمنه في

ص: 270

اعتبار طيب نفس العاقد (1) في تأثير عقده (2)، اللازم منه عدم صحة بيع المكره بحقّ، و كون (3) إكراهه على العقد تعبّديا لا لتأثير فيه.

و يؤيده (4) فحوى صحة عقد الفضولي، حيث إنّ المالك طيّب النفس

______________________________

الدين أو أمر السيد الكافر ببيع عبده الذي أسلم، فيصحّ البيع في هذه الموارد مع عدم طيب نفس العاقد.

فإمّا أن تكون الصحّة موافقة للقاعدة أي عدم اعتبار رضا العاقد في مقام تأثير الإنشاء، و إمّا أن تكون تعبدا محضا، بأن يحكم الشارع بالصحة مع فرض عدم تأثير العقد السابق الفاقد لطيب النفس، و من المعلوم بعد الالتزام بالتعبد، فلا بدّ من القول بعدم دخل رضا العاقد شرعا، هذا.

و الوجه في كون هذا الوجه أضعف من سابقيه هو: أنّ مقارنة الرضا للعقد- لو قيل بها- فإنّما يراد بها رضا المالك، لكونه مخاطبا بوجوب الوفاء، و أمّا العاقد- الأجنبي عن المالك- فلا دخل لرضاه في تأثير العقد، و إنّما يلزمه قصد المدلول، و المفروض تحققه. و سيأتي تأييد المطلب ببيع الفضولي.

(1) يعني: بما هو عاقد: مع الغض عن كونه مالكا.

(2) يعني: في صحة العقد شرعا، فالدعوى الأولى راجعة إلى دخل طيب النفس في مفهوم العقد عرفا، و هذه الدعوى ترجع إلى دخله في صحة العقد شرعا فقط، يعني: يعتبر رضا العاقد- لا المالك- في تأثير العقد.

(3) بالرفع معطوف على «عدم» يعني: أن اللازم من دخل اعتبار الطيب في تأثير العقد عدم صحة بيع المكره بحقّ، و أنّ إكراهه على العقد إنما هو لأجل التعبد لا لصحته، و هذا في غاية البعد.

(4) يعني: و يؤيّد عدم اعتبار مقارنة الطيب للعقد: أنّ طيب نفس المالك المستكشف من إمضائه لإنشاء الفضولي يوجب صحة عقده، فطيب نفس المالك

ص: 271

بوقوع أثر العقد و غير منشئ للنقل بكلامه (1). و إمضاء إنشاء الغير ليس إلّا طيب النفس بمضمونه، و ليس إنشاء مستأنفا.

مع (2) أنّه لو كان فهو موجود هنا، فلم (3) يصدر من المالك هناك إلّا طيب النفس بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد، و هذا (4) موجود فيما نحن فيه مع زائد،

______________________________

المكره بما أنشأه يؤثّر في صحة عقده الواقع حين الإكراه بالأولوية، لأنّه إذا أثر رضاه في إنشاء الفضولي الأجنبي كان تأثيره في إنشاء نفسه بطريق أولى.

و بعبارة أخرى: عقد الفضولي فاقد لأمرين، و عقد المكره فاقد لأمر واحد، فصحة عقد الفضولي تقتضي صحة عقد المكره بالأولوية القطعية.

فالأمران المفقودان في الفضولي أحدهما: إنشاء البيع من المالك بالمباشرة أو بالتسبيب بالاذن و الوكالة. و ثانيهما: طيب النفس حين العقد.

و المفقود في عقد المكره طيب النفس خاصة. فصحة عقد الفضولي بلحوق رضا المالك و إجازته تقتضي صحة عقد المكره بطيب نفسه بعد العقد بالأولوية.

(1) يعني: أنّ إجازة المالك الأصيل ليست إنشاء للنقل بقوله: «أجزت» حتى يتوهم مقارنته لطيب نفسه، و إنّما هو تنفيذ للعقد السابق الذي أنشأه الفضولي مع الطرف الآخر.

(2) يعني: مع أنّه لو كان إمضاء إنشاء الغير إنشاء مستأنفا فهو موجود هنا، إذ المفروض إمضاؤه للعقد المكره عليه.

(3) الفاء للتعليل، و حاصله: أنّ الموجود في العقد الفضولي- و هو طيب نفس المالك متأخرا عن العقد- موجود هنا أي في عقد المكره مع شي ء زائد، و هو إنشاء نفس المالك للنقل المدلول عليه بلفظ العقد، لما تقدّم من أنّ عقد المكره عقد حقيقي.

(4) أي: طيب النفس بالانتقال موجود في المكره و إن كان متأخرا عن العقد.

ص: 272

و هو إنشاؤه للنقل المدلول عليه بلفظ العقد، لما عرفت من أنّ عقده إنشاء حقيقي (1).

و توهّم أنّ عقد الفضولي واجد لما هو مفقود هنا (2) و هو طيب نفس العاقد بما ينشئه، مدفوع (3) بالقطع بأنّ طيب النفس لا أثر له لا في صدق العقدية، إذ يكفي فيه مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، و لا في النقل و الانتقال، لعدم مدخلية غير المالك فيه.

نعم (4) لو صحّ ما ذكر سابقا (5)

______________________________

(1) لكونه قاصدا للمضمون و إن كان عن إكراه لا عن اختيار.

(2) أي: في عقد المكره، و حاصل التوهم: أن طيب نفس العاقد حين العقد موجود في عقد الفضولي و مفقود في عقد المكره حين إنشائه، و هذا هو الفارق بين عقد الفضولي و عقد المكره.

(3) خبر «توهم» و توضيح الدفع: أنّ الفرق المزبور و إن كان مسلّما، لكنّه غير فارق بين المقامين، ضرورة أنّ هذا الطيب لا أثر له لا في توقف صدق مفهوم العقد العرفي عليه، لكفاية مجرّد قصد الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، و لا في أثره و هو النقل و الانتقال، إذ لا مدخلية لطيب غير المالك، فيه.

(4) غرضه توجيه بطلان عقد المكره رأسا، من جهة أن تحميل الغير ينفي القصد الجدّي إلى المدلول، فيكون إنشاؤه لفظا مجرّدا عن مضمونه و معناه، و لمّا كان قوام العقد بالقصد صحّ سلب العقد عن إنشاء المكره حقيقة، و لا يبقى موضوع لتأثيره بلحوق الرّضا، هذا.

و قد أبطله المصنف قدّس سرّه سابقا في تحقيق كلام الشهيدين من القطع بفساده، و أنّ المكره قاصد جدّا للمدلول و إن كان عن كره لا عن طيب نفس.

(5) يعني في (ص 157) حيث قال: «ثم إنه يظهر من جماعة منهم الشهيدان: أنّ المكره قاصد إلى اللفظ ..».

ص: 273

من توهم أنّ المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلا، و أنّه قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت كما صرّح به بعض (1) صحّ (2) أنّه لا يجدي تعقب الرضا، إذ لا عقد حينئذ (3). لكن عرفت (4) سابقا أنّه خلاف المقطوع من النصوص و الفتاوى، فراجع.

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل في المسألة كما عن الكفاية (5) و مجمع الفائدة (6) تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد،

______________________________

(1) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال: «و قصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجد، كما أنّه لا يجدي في الصحة تعقب إرادة العقد بذلك ..» «1».

(2) جواب الشرط في قوله: «لو صح».

(3) أي: حين عدم كون المكره قاصدا للمدلول- و إنما يقصد اللفظ خاصة- لا عقد حتى يتم تأثيره بالرضا اللاحق.

(4) يعني: في (ص 161) حيث قال: «و هذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمّل في معنى الإكراه لغة و عرفا .. إلخ».

(5) قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه فيها: «قالوا: و لو رضى كل منهم بما فعل بعد زوال عذره لم يصح، عدا المكره، استنادا إلى تعليلات اعتبارية من غير نص. فالمسألة محل إشكال» «2».

(6) قال في الاشكال على حكم العلامة قدّس سرّهما بصحة عقد المكره المتعقب بالرضا ما لفظه: «و بالجملة: لا إجماع فيه و لا نصّ، و الأصل و الاستصحاب و عدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض، و ما مرّ يدلّ على عدم الانعقاد، و هو ظاهر. إلّا أنّ المشهور الصحّة، و ما نعرف لها دليلا، و هم أعرف رحمهم اللّه، و لعلّ لهم نصّا

______________________________

(1) جواهر الكلام: ج 22 ص 267.

________________________________________

(2) كفاية الأحكام، ص 89، السطر 3.

ص: 274

و إن انتصر لهم بعض من تأخّر (1) عنهم بقوله تعالى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» الدال (2) على اعتبار كون العقد عن التراضي (3).

مضافا إلى النبوي المشهور الدال على رفع حكم الإكراه مؤيّدا بالنقض بالهازل، مع أنّهم لم يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا.

______________________________

ما نقل إلينا» «1». و هذه العبارة ظاهرة في ترجيح البطلان، لا مجرّد التأمل في الصحة كما نسبه الماتن إليه.

(1) لم أظفر بهذا المنتصر المستدل بالآية المباركة و بحديث رفع الإكراه و بالنقض بالهازل، نعم انتصر صاحب الجواهر قدّس سرّه للبطلان بحديث رفع الإكراه و بالنقض بالهازل، كما ذكر هذا النقض في مفتاح الكرامة «2». و أما الاستدلال بآية التجارة عن تراض فموجود في عبارة المحقق الأردبيلي المتقدمة.

و كيف كان فالدليل الأوّل هو ظهور الآية المباركة في اعتبار مقارنة الرضا للتجارة، و هي مفقودة في عقد المكره حسب الفرض.

و الدليل الثاني هو حديث رفع الإكراه، الظاهر في سقوط العقد الإكراهي عن التأثير، فلا يجديه الرضا اللاحق، لعدم انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه، و المفروض كون عقده بمنزلة العدم، و ليس مقتضيا للتأثير حتى يتم تأثيره بلحوق الرضا.

و المؤيّد هو النقض بالهازل و شبهه، حيث إنّه لا يقصد المدلول، فلا يصحّ إنشاؤه بتعقبه بالإرادة الجدية، إذ لا عقد حقيقة عند انتفاء القصد. و لو صحّ عقد المكره بتعقبه بالرضا لزم صحة عقد الهازل أيضا بتعقبه بالقصد الجدّي، مع أنّهم لم يلتزموا بصحته أصلا، فلا بدّ أن يقال بالبطلان في المكره أيضا، لوحدة المناط.

(2) بالجر صفة ل «قوله تعالى».

(3) و المفروض انتفاء «التجارة عن تراض» في عقد المكره، لوجود الإكراه

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 156.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 268، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 174.

ص: 275

و الكلّ كما (1) ترى، لأنّ (2) دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي إمّا بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف.

و لا حصر كما لا يخفى، لأنّ الاستثناء منقطع (3) غير مفرّغ.

______________________________

المانع عن تحقق الرضا و طيب النفس، و الرضا اللاحق لا يجعل العقد السابق من «التجارة عن تراض» لأنّ مقتضى كلمة المجاوزة هو كون الرضا موجودا حين العقد بحيث تكون التجارة ناشئة عنه.

(1) و هي الآية و النبوي و التأييد بالنقض بالهازل.

(2) حاصله: أنّ الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد المكره منوط بدلالتها على حصر السبب المشروع لتملك أموال الناس بالتجارة عن تراض، و دلالتها على الحصر لا بدّ أن تكون بأحد وجهين: إمّا مفهوم الحصر، و إمّا مفهوم الوصف، و كلاهما غير ثابت.

أمّا الأوّل فلتوقفه على أن يكون الاستثناء متصلا، بأن يكون المستثنى من أفراد المستثنى منه، إمّا بذكره في الكلام كقوله: «ما جاء القوم إلّا زيدا» فإنّه يدلّ على انحصار عدم المجي ء في غير زيد. و انحصاره في زيد و إمّا بكون الاستثناء مفرّغا حذف المستثنى منه من الكلام، و يقدّر ما يشمل المستثنى كقوله: «ما جاء إلّا زيد» فيقدّر مثلا «القوم» الشامل لزيد، فيدل الاستثناء على حصر الجائي في زيد.

و أما الثاني- و هو مفهوم الوصف- فتقريبه: أنّ وصف التراضي المأخوذ في الآية المباركة ظاهر في إناطة جواز الأكل بالتجارة الموصوفة برضا المتعاقدين بها، و حيث إنّ المكره غير راض حال العقد لم يحلّ أكل ماله المأخوذ بالتجارة عن كراهة، سواء رضي بعد العقد أم لم يرض أصلا. و سيأتي المناقشة في كلا المفهومين.

(3) هذا تقريب عدم دلالة الاستثناء على الحصر، و حاصله: أنّ الاستثناء منقطع لا متّصل، لأنّه استثناء من الباطل، و من المعلوم أنّه لا يصلح لأن يكون مستثنى منه للتجارة عن تراض إذ معناه حينئذ «لا تتملّكوا أموال الناس بالباطل

ص: 276

و مفهوم (1) الوصف- على القول به مقيّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب كما في رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

______________________________

إلّا أن يكون ذلك الباطل تجارة عن تراض» و هذا المعنى غير صحيح.

و ظاهر كلامه قدّس سرّه دخل كلّ من القيدين في منع الحصر، فلو كان الاستثناء متصلا أفاد الحصر، كما أنّ المنقطع لو كان مفرّغا أفاد الحصر، فهنا دعويان:

إحداهما: أنّ الاستثناء المنقطع غير المفرّغ لا يفيد الحصر كما في المقام، لأنّ المستثنى ليس من جنس المستثنى منه حتى يكون خروجه عنه مفيدا للحصر.

و الأخرى: أنّ الاستثناء المنقطع المفرّغ يفيد الحصر، لأنّ ترك المستثنى منه في الكلام إنّما يكون مع العلم به، و لشموله للمستثنى، فيصير المراد من قوله: «ما جاءني إلّا حمار» نفي المجي ء عن كل ما هو صالح للمجي ء، فإذا ثبت المجي ء للمستثنى و هو الحمار أفاد حصر المجي ء- من بين ما هو صالح للمجي ء- في الحمار.

لكن فيه: أنّ هذا التقريب يجعل الاستثناء متصلا، و يدرج المستثنى تحت المستثنى منه.

(1) منصوب بالعطف على «الاستثناء» و غرضه منع الحصر المستفاد من الوصف على القول بالمفهوم فيه.

و بيانه: أنّ الوصف المذكور في المنطوق يكون تارة غالبيا، كما في تحريم الربائب الموصوفة بكونها في حجور أزواج أمّهاتهن، إذ الغالب مصاحبة البنت لأمّها المتزوجة و عدم المفارقة بينهما. و أخرى لا يكون غالبيا، و إنّما يوصف به بعض أفراد الموصوف، كما إذا قال: «أكرم الشعراء العدول».

و قد تقرّر في الأصول أنّ انعقاد الظهور المفهومي في الوصف مخصوص بالثاني، و أمّا الوصف الغالبي فلا مفهوم له، و لذا حكموا بحرمة الربيبة مطلقا سواء أ كانت في حجر زوج الأمّ أم لم تكن.

ص: 277

و دعوى وقوعه (1) هنا مقام الاحتراز ممنوعة، و سيجي ء زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي (2).

و أمّا حديث الرفع، ففيه (3) أولا: أنّ المرفوع فيه

______________________________

و من المعلوم أنّ وصف التراضي في الآية المباركة ناظر إلى غالب التجارات المنشئة خارجا، حيث تكون مقترنة برضا المتعاقدين، و لا مفهوم لها حتى تدل على بطلان عقد المكره الفاقد للرضا حال التجارة، كما لا مفهوم في آية حرمة الربائب بالنسبة إلى من لم تكن منهن في الحجر. هذا توضيح مناقشة المصنف في الاستناد إلى الآية لإسقاط عقد المكره المتعقب بالرضا عن التأثير.

(1) أي: وقوع الوصف مقام الاحتراز، و الوجه في منع كون الوصف احترازيا ما أفاده في بيع الفضولي- و سيأتي توضيحه ثمة- من ورود الوصف مورد الغالب، و من احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر، و من أن الخطاب للمالك، و رضاه اللاحق يوجب اتصاف تجارته بالتراض، فهو موضوع للمنطوق لا للمفهوم.

(2) حيث قال هناك: «إنّ دلالته على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ .. إلخ» فراجع (ص 474).

(3) يعني: أنّ التمسك بحديث الرفع لبطلان عقد المكره حتى بعد لحوق الرضا مخدوش أيضا- كالاستدلال بالآية- بوجهين.

توضيح الوجه الأوّل: أنّ حديث رفع الإكراه يرفع المؤاخذة و الأحكام الإلزامية، كما إذا أكره على ارتكاب محرّم، فإنّ الحديث يرفع حرمته كشرب الخمر، و أمّا الحكم بوقوف عقده على رضاه فلا يرفعه الحديث، لأنّه راجع إلى أنّ له أن يرضى بالبيع الصادر عنه إكراها، و هذا حقّ له عليه حتى يرتفع بحديث الرفع الوارد في مقام الامتنان.

و بعبارة أخرى: الدليل أجنبي عن المدّعى، إذ المقصود نفي الأثر- كالنقل

ص: 278

..........

______________________________

و الانتقال المترتب على بيع المختار- عن بيع المكره المتعقب برضاه، و الحديث غير واف به، و ذلك لما تقرّر في الأصول من أمرين:

أحدهما: كون المرفوع المقدّر هو المؤاخذة على الإكراه، و نحوه ممّا ورد في حديث الرفع.

و ثانيهما: ورود الحديث مورد الامتنان على الأمّة و على آحاد المكلّفين.

فبناء على هذين الأمرين يقتضي «رفع الإكراه أو ما أكرهوا عليه» عدم مخاطبة المكره بترتيب الأثر على عقده، و عدم وجوب الوفاء به بتسليم المبيع مثلا إلى المشتري. و أمّا ثبوت حقّ للمكره بعد العقد بأن يقال له: «يجوز لك إنفاذ ذلك العقد ليترتب عليه الأثر كما يجوز لك عدم الرضا به كي لا يجب عليك الوفاء به» فهو ليس حكما إلزاميا على المكره حتى يرتفع بالحديث، بل هو حق له ينتفع به و من المعلوم اختصاص الحديث برفع ما فيه ثقل و مشقة، لا السلطنة على الردّ و الإمضاء.

فإن قلت: عقد المكره و إن لم يكن موضوعا لأثر إلزامي بالنسبة إلى نفسه، إلّا أنّه موضوع له بالنسبة إلى الطرف الآخر، مثلا لو أكره زيد على بيع داره، فباعها، فلو قلنا بقابلية عقد المكره للصحّة بلحوق الرضا لزم على المشتري الصبر إلى أن يختار المكره الردّ أو الإمضاء، و الوجه في وجوب الصبر عليه مخاطبته بوجوب الوفاء بعقده، لتمامية العقد بالنسبة إليه، فيحرم من التصرف في الثمن مدّة إلى أن يختار المكره أحد الأمرين من الفسخ و الإنفاذ، و من المعلوم أنّ وجوب الصبر على الطرف مؤاخذة عليه، فترتفع بالحديث، و معه لا يبقى موضوع لحق المكره من سلطنته على الإجازة و الردّ.

قلت: لا مجال للتمسّك بالحديث لرفع وجوب الانتظار عن الطرف، فالعقد لازم من جهته، و عليه الصبر، و ذلك لأنّ الحديث رافع للمؤاخذة عن المكره، لا عن

ص: 279

هي المؤاخذة (1)، و الأحكام (2) المتضمنة لمؤاخذة المكره (3) و إلزامه (4) بشي ء.

و الحكم (5) بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أنّ له أن يرضى بذلك (6)، و هذا (7) حقّ له لا عليه (8).

نعم (9) قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتى يرضى المكره أو يفسخ، و هذا (10) إلزام لغيره، و الحديث لا يرفع المؤاخذة و الإلزام عن غير المكره

______________________________

المختار، فوجوب الوفاء بالعقد جار في حقه و إن لم يجر في حق المكره ببركة حديث الرفع، و لا مانع من التفكيك في حكم عقد شخصي بين طرفيه، هذا محصّل ما أفاده المصنف في الوجه الأوّل، و إن بقي دفع توهم آخر سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: أنّ المقدّر هو المؤاخذة، كما تكرر ذلك في كلمات المصنف، و قد تقدم منه أيضا في حديث رفع القلم عن الصبي، فراجع.

(2) معطوف على «المؤاخذة» يعني: أن المرفوع هو الأحكام الإلزامية، فإنّها هي التي يترتب عليها استحقاق المؤاخذة الدنيوية أو الأخروية.

(3) كسببية العقد للنقل، فهي مرفوعة عن المكره.

(4) معطوف على «المؤاخذة» يعني: أنّ المرفوع في الحديث هو إلزامه بشي ء.

(5) يعني: و الحال أنّ الحكم بتوقف عقد المكره على رضاه المتعقب معناه إثبات سلطنة له، و هي ضد المؤاخذة، و الحديث رافع لما على المكلف، لا لما له.

(6) أي: بعقده الذي أنشأه حال الكراهة.

(7) أي: وقوف عقده على رضاه حق لنفع المكره لا على ضرره.

(8) يعني: فلا يرفعه الحديث، لأنّه بمقتضى كونه امتنانيا يرفع ما عليه لا ما له.

(9) هذا استدراك على ما أفاده من عدم جريان الحديث لنفي سلطنة المكره على الفسخ و الردّ، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «فان قلت».

(10) أي: و إلزام الطرف بالوفاء و الصبر إلزام لغير المكره، و هذا الغير ليس

ص: 280

كما تقدّم (1). و أمّا إلزامه (2) بعد طول المدة باختيار البيع أو فسخه فهو (3) من توابع الحق (4) الثابت له بالإكراه، لا من أحكام الفعل (5) المتحقق على وجه الإكراه.

ثم إنّ ما ذكرنا (6) واضح على القول بكون الرضا ناقلا. و كذلك على القول بالكشف بعد التأمّل.

______________________________

موضوعا للحديث حتى تنتفي صحة عقد المكره التأهليّة، و قد تقدم توضيح جواب هذا الاستدراك بقولنا: «قلت».

(1) لم يتقدم التصريح به، و لكنه يستفاد من قوله قبل سطرين: «أنّ المرفوع فيه هي المؤاخذة، الأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره ..».

(2) هذا دفع لما يتوهم من أنّه إذا كان المرفوع بالحديث المؤاخذة و الأحكام الإلزامية فاللازم ارتفاع إلزام المكره- بعد مدة مديدة- باختيار البيع أو فسخه، مع أنه ثابت غير مرفوع بالحديث.

(3) هذا دفع التوهم المزبور، و حاصله: أن هذا الإلزام إن كان من أحكام الفعل المكره عليه كان الأمر كما ذكره، لكنه ليس كذلك، لأنّه من أحكام وقوف العقد على الرضا الثابت له بسبب الإكراه، فيمتنع ارتفاعه بالإكراه كما ثبت في محله.

(4) و هو وقوف العقد على الرضا.

(5) يعني: لا من أحكام ذات العقد المتحقق على وجه الإكراه حتى يندرج تحت الحديث، فيرفع بالإكراه، كي يقع التعارض في هذا الحكم بين «رفع الإكراه» و «لا ضرر» الموجب- هذا التعارض- للتساقط و الرجوع إلى الأصل.

(6) يعني: ما ذكرناه من ارتفاع إلزام المكره بشي ء و مؤاخذته عنه- مع الحكم بوقوف عقده على رضاه- واضح على القول بكون الرضا ناقلا، إذ عليه لا ملكية قبل الرضا، فلا مؤاخذة و لا إلزام على المكره أصلا.

ص: 281

و ثانيا (1): أنّه يدلّ على أنّ الحكم الثابت للفعل المكره عليه- لو لا الإكراه-

______________________________

و كذلك على القول بالكشف بعد التأمّل، بداهة أنّه ما لم يتحقق منه الرضا بالعقد لا كاشف عن تحقق الملكية من حين العقد، و مع عدم الكاشف لا إلزام و لا مؤاخذة أيضا.

(1) هذا ثاني وجهي المناقشة في التمسك بحديث الرفع على عدم قابلية عقد المكره للصحة بلحوق الرضا، و هذا الوجه أيضا ناظر إلى أجنبية الحديث عن المقام، و بيانه ما تقرّر في بحث أصالة البراءة من الأصول من أنّ المرفوع بالإكراه و الخطأ و النسيان هو الحكم المجعول لذات الفعل مع الغضّ عن حالتين:

إحداهما تقيده بالقصد و العمد و الالتفات.

و ثانيتهما تقيده بالنسيان و الإكراه و الخطأ.

إذ تارة يثبت الأثر على الفعل المقيد بالعمد كالقصاص في قتل العمد، فلو كان القتل خطأ كان رفع القصاص بانتفاء موضوعه أعني به العمد، و لا ربط لهذا بحديث الرفع.

و أخرى يثبت الأثر على الفعل الموصوف بكونه خطأ أو نسيانا، كما في وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهد أو السجدة الواحدة في الصلاة، و هذا ظاهر في اقتضاء الفوات النسياني لجعل سجدتي السهو، و لا يعقل التمسك بإطلاق «رفع النسيان» لنفي وجوبهما، ضرورة استحالة كون مقتضي الشي ء رافعا له. و كذا الحال في الدّية الثابتة في الجناية الخطأيّة.

و ثالثة يثبت الأثر لذات الفعل مع الغضّ عن طروء العناوين الرافعة، فيرتفع بطروئها.

إذا اتضح هذا فنقول: إنّ الإكراه لا يرفع الحكم الثابت بعنوان الإكراه، لعدم كون المقتضي للشي ء رافعا له، فمعنى حديث الرفع رفع الحكم الثابت للفعل المكره عليه مع الغضّ عن عروض الإكراه عليه، حتى يرتفع بسبب طروء الإكراه عليه

ص: 282

يرتفع (1) عنه إذا وقع مكرها عليه، كما هو (2) معنى رفع الخطأ و النسيان أيضا.

و هذا المعنى (3) موجود فيما نحن فيه، لأنّ أثر العقد الصادر من المالك- مع قطع النظر عن [اعتبار] عدم الإكراه- السببية (4) المستقلّة لنقل المال، و من المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه. و هذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الإكراه حيث إنّه (5) جزء العلة التامة للملكية لم يكن (6) ثابتا للفعل (7) مع قطع النظر عن

______________________________

كما هو معنى رفع سائر الفقرات من رفع الخطأ و النسيان. و أثر العقد الصادر من المكره مع الغض عن الإكراه هو السببية المستقلة لنقل المال، و من البديهي انتفاء هذا الأثر بسبب الإكراه، و الأثر الناقص للعقد- و هو كونه جزء العلة التامة للملكية- قد ثبت بالإكراه، فلا يمكن ارتفاعه به، لما عرفت من أنّ الرفع يرد على الحكم الثابت للفعل مع قطع النظر عن الإكراه، لا الحكم الثابت له بعنوان الإكراه.

(1) خبر قوله: «أنّ الحكم».

(2) أي: رفع الحكم الثابت لذات الفعل المكره عليه- لو لا الإكراه- يجري في رفع الخطأ و النسيان أيضا.

(3) أي: كون المرفوع بحديث الرفع الحكم الثابت للفعل مع الغض عن الإكراه، و هو موجود في المقام، لأنّ السببية المستقلة الثابتة للعقد بدون الإكراه مرفوعة بالحديث، و الأثر الناقص و هو تأثير العقد في الملكية بعد انضمام رضا المالك المكره إليه ليس ثابتا لذات العقد بدون الإكراه حتى يرتفع بالحديث، بل هو ثابت للعقد منضما إلى الإكراه، فلا يعقل ارتفاعه بالإكراه.

(4) خبر قوله: «لأن أثر العقد».

(5) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى العقد.

(6) خبر قوله: «و هذا الأثر».

(7) أي: لذات العقد مع غض النظر عن طروء الإكراه عليه، فالسببية الناقصة

ص: 283

الإكراه ليرتفع به، إذ المفروض أنّ الجزئية ثابتة له بوصف الإكراه، فكيف يعقل ارتفاعه بالإكراه؟

و بعبارة أخرى (1): اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار [عدم] الإكراه هو اللزوم (2) المنفي بهذا الحديث، و المدّعى ثبوته للعقد بوصف الإكراه هو وقوفه (3) على رضا المالك، و هذا غير مرتفع (4) بالإكراه.

لكن يرد على هذا (5) أنّ مقتضى حكومة الحديث على الإطلاقات هو تقييدها بالمسبوقية بطيب النفس، فلا يجوز الاستناد إليها بصحة بيع المكره

______________________________

مترتبة على رفع السببية التامة بالإكراه، فلا معنى لرفع العليّة الناقصة للعقد.

(1) هذه العبارة الأخرى تكرار ما أفاده بقوله: «و ثانيا» و لا تتضمن مطلبا آخر.

(2) خبر قوله: «اللزوم الثابت» يعني: أنّ الملكية اللازمة في عقد البيع منفية في بيع المكره.

(3) خبر قوله: «و المدّعى ثبوته» و الضمير راجع إلى اللزوم.

(4) لما تقدم آنفا من أنّ الثابت بعنوان الإكراه لا يرتفع بالإكراه، لأنّ المقتضي للشي ء ليس رافعا له. هذا تمام ما أفاده في الوجه الثاني من المناقشة في الاستدلال بحديث الرفع.

(5) أي: عدم ارتفاع وقوف العقد على رضا المالك. و غرضه الانتصار لمن يستدل بحديث الرفع على بطلان عقد المكره، و عدم الجدوى في لحوق الرضا.

و حاصل الإيراد: أن مقتضى حكومة حديث الرفع على الإطلاقات الدالة على صحة العقود هو تقيدها بمسبوقية طيب النفس، و بعد هذا التقييد لا يصح الاستدلال بتلك الإطلاقات على صحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، إذ المفروض اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد، و هي مفقودة في عقد المكره الملحوق بالرضا، فلا دليل حينئذ

ص: 284

و وقوفه (1) على الرضا اللاحق، فلا يبقى دليل على صحة بيع المكره، فيرجع (2) إلى أصالة الفساد.

و بعبارة أخرى: أدلة صحة البيع تدل على سببيّة مستقلّة، فإذا قيّدت بغير المكره لم يبق لها دلالة على حكم المكره (3)، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الأعمّ من السببية المستقلة كان (4) دليل الإكراه حاكما عليه (5) مقيّدا له، فلا ينفع.

اللهم إلّا أن يقال (6):

______________________________

على صحته، فيحكم بفساده لأصالة الفساد التي هي المرجع في العقود.

(1) معطوف على «صحة» يعني: فلا يجوز الاستناد إلى الإطلاقات لصحة بيع المكره و لوقوفه على الرضا اللاحق، و ذلك لما عرفت من حكومة حديث الرفع على تلك الإطلاقات المقيّد لها بالرضا المقارن.

(2) أي: فيرجع في بيع المكره- و لو بعد لحوق الرضا- إلى أصالة الفساد، لخروجه عن حيز الإطلاقات المقيّدة بالرضا المقارن، لحكومة حديث الرفع عليها.

(3) يعني: فلا يدل على حكم بيع المكره دليل اجتهادي، لاختصاصها بالمختار، فلا محالة يرجع فيه إلى أصالة الفساد.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو كان».

(5) لأنّه متكفل للحكم بالعنوان الثانوي، و تلك الأدلة تتكفل الحكم بالعنوان الأوّلي، و من المعلوم تقدم الأوّل على الثاني حكومة أو توفيقا عرفيا.

(6) غرضه إثبات صحة عقد المكره الملحوق بالرضا بالدليل الاجتهادي.

توضيحه: أنّ الإطلاقات الدالة على السببية المستقلة للعقد تقيّد بالأدلة الأربعة المتضمنة لحرمة أكل مال الغير بدون رضاه و طيب نفسه. و نتيجة هذا التقييد أنّ السبب الموجب لتملك أموال الناس هو البيع المرضي به، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق

ص: 285

إنّ الإطلاقات المفيدة للسببية المستقلّة (1) مقيّدة بحكم الأدلة الأربعة (2)- المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل و مع (3) عدم طيب النفس- بالبيع (4) المرضي به، سبقه الرضا أو لحقه. و مع ذلك (5) فلا حكومة للحديث عليها، إذ البيع المرضي به سابقا لا يعقل عروض الإكراه له.

______________________________

في اعتبار الرضا بين كونه سابقا و لا حقا.

فإن كان الرضا سابقا انعقد البيع عن الرضا، فلا يعقل عروض الإكراه له.

و إن كان لاحقا، فالإكراه و إن كان عارضا له، إلّا أن المكره عليه- و هو ذات البيع- لا نقول بصحته، إذ المفروض بمقتضى الأدلة الأربعة القاضية بدخل الرضا في تأثير البيع عدم تأثيره إلّا بعد الرضا. و إطلاقات سببية العقد للنقل و الانتقال- بعد تقييدها بالرضا- توجب صيرورة عقد المكره جزء السبب، و جزئه الآخر هو الرضا، فالاطلاقات بعد التقييد بالرضا تكون مرجعا، لأنّ المتيقن من تقييدها هو صورة وجود الإكراه، و بعد ارتفاعه يرجع إليها.

(1) كالأمر بالوفاء بالعقود و حلّ البيع، الدالّين بمقتضى الإطلاق الأحوالي على كون العقد سببا مستقلا للتأثير، و هذه السببية التامة مقيدة بأدلة دخل الرضا في تأثير العقد.

(2) و هي: الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل.

(3) هذا معطوف على «بالباطل» يعني: أكل المال بالباطل و مع عدم طيب النفس.

(4) متعلق بقوله: «مقيدة».

(5) يعني: و مع التقييد بالرضا لا حكومة للحديث، لأنّ وقوف عقد المكره على الرضا- و صيرورته جزء السبب الناقل- مترتب على الإكراه، فلا معنى لرفعه بالإكراه.

ص: 286

و أما المرضيّ به بالرّضا اللّاحق فإنّما يعرضه الإكراه من حيث ذات الموصوف، و هو أصل البيع، و لا نقول بتأثيره (1). بل مقتضى الأدلّة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره و وجوب (2) الوفاء به.

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه و الرضا به لاحقا، و لازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام (3). و هذا (4) [أمر عقلي غير مجعول] لا يرتفع بالإكراه، لأنّ الإكراه مأخوذ فيه (5) بالفرض، كما ترفع (6) السببية المستقلة.

و هذا (7) لا يفرق فيه أيضا بين جعل الرضا ناقلا أو كاشفا، إذ على الأوّل

______________________________

(1) أي: تأثير أصل البيع المكره عليه.

(2) بالجر معطوف على «تأثيره».

(3) يعني: فلا تصل النوبة إلى أصالة الفساد، بل المرجع هو الدليل الاجتهادي أعني به الإطلاقات المقيّدة بالرضا.

(4) أي: كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام لا يرتفع بالإكراه، لأنه مترتب على عنوان «الإكراه» فلا يرتفع به.

(5) الضمير راجع إلى «كون» يعني: لأنّ الإكراه مأخوذ في كون العقد المكره عليه بعض المؤثّر التام.

(6) يعني: أنّ الإطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام، كما ترفع السببية المستقلة.

(7) أي: كون الرضا بعض المؤثّر لا يفرّق فيه بين ناقلية الرضا و كاشفيته، إذ على الأوّل يكون نفس الرضا جزء العلة التامة، و على الثاني يكون تمام المؤثّر الأمر المنتزع منه، و هو تعقب العقد بالرضا، فكأنه قيل: العقد المتعقب بالرضا مؤثر.

ص: 287

يكون تمام (1) المؤثر نفسه، و على الثاني يكون الأمر المنتزع منه (2) العارض (3) للعقد، و هو تعقبه للرضا.

و كيف (4) كان فذات العقد المكره عليه- مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له- لا يترتب عليه إلّا كونه جزء المؤثر التام. و هذا (5) أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام هو المجموع منه (6) و من الرضا، أو وصف (7) تعقبه له، فتأمّل (8) [1].

______________________________

(1) أي: الجزء الأخير للعلة التامة المؤثرة في النقل و الانتقال.

(2) أي: من الرضا العارض للعقد، و الأمر المنتزع منه هو تعقبه للرضا.

(3) بالنصب صفة «المنتزع» الذي هو صفة «الأمر» الذي هو خبر «يكون» يعني: يكون المؤثر الأمر المنتزع من الرضا، و هو كون العقد متعقبا به.

(4) يعني: سواء قلنا بأن الإجازة كاشفة أم ناقلة، فذات العقد .. إلخ، و الوجه في كون ذات العقد جزء السبب المؤثر واضح، أمّا بناء على النقل فلأنّ التأثير يكون من حين الإجازة لا من حين العقد. و أمّا على الكشف فلأنّ المؤثر ليس ذات العقد، بل هو بوصف تعقبه بالإجازة، فجزء المؤثر هو العقد الموصوف، و جزؤه الآخر وصف التعقب المنوط بتحقق الإجازة خارجا بعد العقد.

(5) أي: كونه جزء المؤثر التام.

(6) أي: من العقد و من الرضا.

(7) معطوف على الرضا، أي: من وصف تعقبه، و الأوّل راجع إلى دخل نفس الرضا في العقد، و الثاني راجع إلى دخل الوصف الانتزاعي، و هو عنوان التعقب فيه.

(8) لعلّه إشارة إلى: أنّه و إن كان أمرا عقليا غير مجعول بالأصالة، لكنه مجعول بتبع جعل الكل، و هو قابل للرفع.

______________________________

[1] الجهة التاسعة: فيما تعرض له المصنف قدّس سرّه بقوله: «ثم المشهور بين المتأخرين أنه لو رضى المكره بما فعله صح العقد، بل عن الرياض أن عليه اتفاقهم ..

إلخ».

ص: 288

______________________________

و حاصل ما استدل به للمشهور على صحة العقد المتعقب بالرضا هو: أنّ عقد المكره عقد عرفيّ جامع للشرائط سوى طيب النفس، فإذا حصل الطيب أثّر العقد أثره.

مضافا إلى الإجماع المدّعى في الرياض تبعا للحدائق و غيره.

لكن في مجمع البرهان استظهار البطلان، لوجوه:

أحدها: عدم حصول القصد، بل و عدم صدور العقد عن تراض على ما هو ظاهر الآية، فرضا المالك حين العقد دخيل في مفهوم العقد.

ثانيها: أنّه لا اعتبار بذلك الإيجاب في نظر الشارع، فهو بمنزلة العدم. و لا إجماع و لا نصّ على الصحة.

ثالثها: أنّ الأصل و الاستصحاب و عدم الأكل بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض و ما مرّ يدل على عدم الانعقاد «1».

و في الكفاية بعد نسبة الصحة إلى الأصحاب قال: «استنادا الى تعليلات اعتبارية من غير نص» «2».

و في الجواهر «إن لم تكن المسألة إجماعية فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية، و أنّ صدور اللفظ كصدوره من الهازل و المجنون و نحوهما «3».

و الأقوى ما ذهب إليه المشهور، لما في المتن من أنّ عقد المكره عقد حقيقة، و عدم تأثيره إنما هو لفقدان شرطه أعني به طيب النفس، فإذا حصل ذلك أثّر أثره، و عدم التأثير لا بدّ أن يكون لأجل اعتبار مقارنة الطيب للعقد شرعا و لكن لا دليل عليه إثباتا.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 156.

(2) كفاية الأحكام، ص 89، السطر 3.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 267.

ص: 289

______________________________

و أمّا دخل مقارنة الطيب للعقد في مفهومه بحيث لا يصدق العقد بدونها، ففيه: أنّ العقد ليس إلّا كبقية المفاهيم العرفية كالأكل و الشرب و نحوهما، فالأكل يصدق على الأكل الخارجي بأيّ داع حصل و لو من الإكراه، إذ لا دخل للدواعي في المفاهيم، فمفهوم العقد يصدق حتى مع صدوره عن الإكراه، و لو لا ذلك لم يصدق العقد على بيع الفضولي. مع كون كلّ من عقدي المكره و الفضولي عقدا بالحمل الشائع، لعدم دخل مقارنة الطيب في مفهوم العقد لا لغة و لا في العرف العام.

مضافا إلى: أن عقد المكره بحقّ عقد حقيقة، و لازم دخل مقارنة الطيب معه في مفهوم العقد عدم كونه عقدا، و أن يكون غير العقد كالعقد في الحكم تعبدا، و هذا مما لا يساعد عليه دليل.

و أمّا دخل المقارنة شرطا في صحة العقد لا في مفهومه بحيث يكون الإيجاب في نظر الشارع كالعدم، ففيه: أنّه أوّل الكلام، إذ لا دليل على اعتبار المقارنة في صحة العقد، بل الإطلاقات تدفع اعتبارها فيها.

و بالجملة: لم يثبت اعتبار مقارنة الطيب للعقد في مفهوم العقد و لا في صحته، بل الثابت عدمه.

و أمّا دعوى صدق الأكل بالباطل ففيها: أنّه لو سلّم صدق الباطل بمجرّد الإكراه مع وجود العوض لم نسلم صدقه بعد ارتفاع الإكراه، إذ العمدة في إثبات قدح الإكراه الإجماع و حديث الرفع. و دلالتهما على قدحه مختصة بحال وجود الكراهة الناشئة عن الإكراه، فإذا زالت الكراهة و تبدّلت بالرضا فلا يصلحان لإثبات البطلان و نفي الأثر.

أمّا الإجماع فظاهر، لما عرفت من شهرة القول بالصحة، بل دعوى الإجماع عليها.

و أما حديث الرفع فلأنّ إجراءه بعد ارتفاع الكراهة خلاف الامتنان في حق المكره.

ص: 290

______________________________

فالمرجع حينئذ إمّا عموم أدلة النفوذ، أو استصحاب الحكم السابق على حصول الرضا الذي هو من قبيل استصحاب حكم الخاص. و المحقق في محله الرجوع إلى عموم العام في مثل المقام، لأنّ مقتضى عموم أدلة النفوذ هو لزوم الوفاء بالعقد في كل زمان، فإذا خرج عنه بعض الأزمنة و شكّ في خروجه في زمان آخر يتمسك بعموم العام، لأنّ الشك حينئذ في التخصيص الزائد.

لا يقال: إنّ ظاهر الآية المباركة اعتبار مقارنة الرضا للعقد، بحيث يكون التجارة ناشئة عنه، و لا يكفي لحوق الرضا به، لأنّه إذا انعقد فاسدا لم ينقلب بعد ذلك عمّا وقع عليه.

و من هنا يظهر فساد قياس عقد المكره بعقد الفضولي المتعقب بالرضا و الإجازة من المالك، إذ العقد الفضولي لا يضاف إلى المالك إلّا حين إجازته، فهو حين انتسابه إلى المالك ينشأ من طيب نفسه و رضاه. و هذا بخلاف عقد المكره، فإنّه حين صدوره من المالك حكم عليه بالفساد، فلا ينقلب عما وقع عليه، فالرضا اللاحق لا يصححه.

فإنّه يقال: إنّ التجارة التي لا بدّ أن تكون عن تراض هي بمعنى اسم المصدر، لأنّه الباقي و المستمر القابل للرضا، دون معناها المصدري فإنّها فانية، و هي بمعناها الأوّل موضوعة لوجوب الوفاء، و الإجازة في عقد الفضولي و الرضا في عقد المكره إنّما يلحقان ذلك، لأنّ معنى اسم المصدر قابل لهما دون معناها المصدري لفنائه.

و عليه فبعد لحوق الرضا في بيع المكره يصدق عليه التجارة عن تراض، حيث إنّ الآية تدل على انحصار سبب أكل مال الغير في أمرين:

أحدهما: الأسباب الباطلة. و ثانيهما: التجارة عن تراض. و من الواضح أنّ الأكل في محل الكلام ليس من أكل المال بالباطل، فيصدق عليه التجارة عن تراض.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه التزم بعدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد بما حاصله: أنّ دلالة الآية على اعتبار المقارنة إما بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف، و كلاهما غير ثابت.

ص: 291

______________________________

و الأوّل: منفي في المقام، لأنّ دلالة الاستثناء على الحصر منوطة بكون الاستثناء متصلا، كقوله: «ما جاء القوم إلّا زيدا، فإنّ الاستثناء هنا يدل على حصر المجي ء في زيد، و من الواضح كون الاستثناء هنا منقطعا، لعدم كون التجارة عن تراض من الأسباب الباطلة للتجارة حتى كون خروجها عنها دالّا على الحصر، فلا يدلّ هذا الاستثناء على انحصار السبب المحلّل لأكل مال الغير في التجارة عن تراض، حتى يقال: إنّ التجارة عن تراض لا تصدق إلّا على العقد المقرون بالرضا.

و الثاني أيضا منفي، لأنّه على القول بمفهوم الوصف يختص بالوصف الذي لا يرد مورد الغالب، و من الواضح أنّه في المقام كذلك، لكون الغالب في التجارات هو كونها عن تراض، فلا يدل على بطلان التجارة لا عن تراض مقرون بالعقد، هذا.

و فيه: أنّ الآية الشريفة تدل على الحصر مطلقا و إن لم يكن الاستثناء متصلا.

توضيحه: أنّ باء السببية الداخلة على كلمة الباطل و مقابلتها مع التجارة عن تراض قرينتان على كون الآية الشريفة في مقام فصل الأسباب الباطلة للمعاملة عن الصحيحة لها. كما أنّ المراد بالأكل في الآية ليس هو الازدراد الذي هو معناه الحقيقي، بل هو كناية عن تملّك مال غيره من غير استحقاق.

و على هذا فإن كان الاستثناء متصلا كما هو الظاهر الموافق للقواعد العربية،- كما قيل- كان معناه المنع عن تملك أموال الناس بشي ء من الأسباب، الّا أن يكون ذلك السبب تجارة عن تراض، فتدلّ الآية على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض.

و إن كان الاستثناء منقطعا فالآية المباركة حينئذ و إن لم تكن ظاهرة في الحصر من حيث الصناعة العربية. إلّا أنّه تعالى لمّا كان في مقام بيان الأسباب المشروعة للمعاملات، و فصل صحيحها عن فاسدها، و كان الإهمال مخلّا بالمقصود، فلا محالة يستفاد الحصر من الآية المباركة بالقرينة المقامية.

ص: 292

______________________________

فعلى هذا تدل الآية الشريفة على حصر الأسباب الصحيحة للمعاملات بالتجارة عن تراض، من غير فرق بين اتصال الاستثناء و انقطاعه، و أمّا غير التجارة عن تراض من سائر أسباب المعاملات فهو باطل.

فقد ظهر مما ذكرناه عدم توقف الاستدلال بالآية الشريفة على اعتبار مقارنة الرضا للعقد على كون الاستثناء متصلا، و لا على الالتزام بمفهوم الوصف.

فالصحيح أنّه لا دلالة للآية إلّا على عدم جواز الأكل بدون التراضي، فإذا وجد الرضا من المكره انقلبت التجارة إلى التجارة عن تراض، فلا يكون الأكل بسببها أكلا بالباطل.

و الحاصل: أنّ الآية الشريفة تدل على حصر السبب المحلّل لتملك الأموال بالتجارة عن تراض، و إن لم نقل بكون الاستثناء متصلا، و لم نقل بمفهوم الوصف أيضا غاية الأمر أنّ المراد بالتجارة ليس معناها المصدريّ، بل معنى اسم المصدر، فمتى تحقق الرضا صدقت التجارة عن تراض، فيصح عقد المكره، و لا مجال حينئذ لحديث الرفع الموجب لعدم صحته حتى بعد الطيب، لأنه خلاف الامتنان.

نعم قبل حصول رضا من المكره كانت الصحة خلاف الامتنان، و كان الموافق للامتنان عدم الصحة. لكن بعد حصول الرضا يكون الصحة موافقة للامتنان، فلا يجري فيها حديث الرفع، فإنّ موافقة الحكم و مخالفته للامتنان إذا كانتا باعتبار حصصه و أفراده فلا محالة يكون الثابت ما هو الموافق للامتنان، و المرفوع بحديث الرفع ما هو المخالف له.

و المقام من هذا القبيل، حيث إنّ صحة عقد المكره ما دام الإكراه موجودا خلاف الامتنان، فترفع بالحديث، و بعد ارتفاع الإكراه تكون موافقة للامتنان، فيحكم بترتب الأثر على عقد المكره بعد ارتفاع الكراهة و تبدلها بالرضا.

فتلخّص مما ذكرنا: أنّ ما هو المشهور من صحة بيع المكره بلحوق الرضا هو الأقوى.

ص: 293

[الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟]

بقي الكلام (1) في أنّ الرضا المتأخر ناقل أو كاشف (2).

مقتضى الأصل (3) و عدم (4) حدوث حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه

______________________________

الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟

(1) هذه آخر جهات البحث في عقد المكره أعني بها كون الرضا اللّاحق كاشفا عن ترتب الأثر من حين العقد، أو ناقلا بأن يترتب الأثر من حين الرضا، لا من زمان إنشاء العقد.

و هذا البحث متفرع على الجهة المتقدّمة من تصحيح عقد المكره بتعقبه بالرضا كما هو المشهور، فلو قيل ببطلانه كما حكاه المصنف قدّس سرّه عن جمع لم يبق موضوع للبحث عن الكشف و النقل. و تفصيل الكلام موكول إلى عقد الفضولي، و اقتصر هنا على نقل الخلاف في أنّ القول بالكشف المستفاد من النصوص الخاصة هل يوافق القاعدة أم يخالفها؟ ذهب بعضهم إلى موافقته لها، و المصنف إلى مخالفته لها، لوجهين سيأتي بيانهما.

(2) لا يخفى أن نزاع الكشف، و النقل مبني على كون الرضا بوجوده الخارجي دخيلا في صحة العقد، إذ لو كان الشرط وصف التعقب كان المتعيّن الالتزام بالكشف.

(3) و هو أصالة الفساد المحكّمة في العقود، و المراد بها استصحاب عدم ترتب الأثر.

(4) معطوف على «الأصل» يعني: أنّ مقتضى ما دلّ على «عدم حلّ مال الغير إلّا عن طيب نفسه» هو حرمة التصرف. فهذان الوجهان يدلّان على عدم حصول الأثر قبل الرضا، و لازم ذلك كون الرضا ناقلا لا كاشفا، لأنّ طيب النفس- الذي هو شرط الحليّة- لم يحصل إلّا بعد العقد، فلا بدّ من حصول الحلّ حين تحقق الطيب لا قبله.

فان قلت: إنّ ما دلّ على إناطة حلّ مال الغير برضاه دليل اجتهادي، و معه لا موضوع للتمسك بالاستصحاب، فالمتعيّن استظهار ناقليّة الرضا من أحاديث الحل خاصة.

ص: 294

هو الأوّل (1)، إلّا أنّ الأقوى بحسب الأدلة النّقليّة هو الثاني (2) كما سيجي ء في مسألة الفضولي.

و ربّما يدّعى أنّ (3) مقتضى الأصل هنا (4) و في الفضولي هو الكشف،

______________________________

قلت: الأمر كما أفيد، و مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه هو تعدد الدليل على النقل. لكن يحتمل أن يكون قوله: «و عدم حدوث» عطفا تفسيريا يفسّر الأصل حتى لا يكون مغايرا له، ليلزم الجمع بين الأصل العملي و الدليل الاجتهادي، مع تأخر الأصل عن الدليل رتبة، و لئلّا يلزم إشكال التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، حيث إنّه لم يعلم كون الرضا اللاحق- بالنسبة إلى ما مضى- مصداقا للرضا المنوط به الحلّ.

(1) و هو كون الرضا ناقلا، لكن الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الكشف تعبدا، للتعدّي عن موردها- و هو الفضولي- إلى المقام كما سيجي ء في مسألة الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

(2) سيأتي استظهار الكشف من صحيحة أبي عبيدة الحذاء الواردة في نكاح الصغيرين اللذين زوّجهما غير وليّهما، و غير هذه الصحيحة، فراجع قوله:

«و أما الأخبار فظاهر بعضها كصحيحة محمد بن قيس الكشف ..».

(3) لعلّ المدّعي هو صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد ضمّ كلاميه، أحدهما: تصريحه في بيع الفضولي بكون الإجازة كاشفة، و المستفاد منه كون مقتضى القاعدة الأوّلية «1».

و ثانيهما: ما تكرّر منه في بيع المكره من كونه كالفضولي، كقوله: «فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور، و ليس له الفسخ قبل فسخ المجبور ..» «2».

(4) أي: في عقد المكره. و الوجه في ذلك أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 285.

(2) المصدر، ص 269.

ص: 295

لأنّ مقتضى الرضا بالعقد السابق هو الرضا بما أفاده (1) من نقل الملك حين صدوره، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى- و هو النقل من حين العقد و ترتب الآثار عليه- لا يكون (2) إلّا بالحكم بحصول الملك في زمان النقل (3).

و فيه (4): أنّ مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه، بل نفس النقل، إلّا أنّ إنشاءه لمّا كان في زمان التكلم، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان (5) التكلم حدث الأثر فيه. و إن كان مؤثّرا بعد حصول أمر حدث الأثر بعده، فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع

______________________________

في زمان العقد، و الرضا تنفيذ لذلك، و هذا يقتضي كاشفية الرضا لا ناقليته.

(1) يعني: بما أفاده العقد من نقل الملك حين صدور العقد، فإمضاء الشارع لرضا المكره بعقده يتعلق بالنقل من حين العقد.

(2) خبر قوله: «فإمضاء».

(3) و هو زمان العقد، لأنّه زمان النقل المتحقق بإنشاء المكره.

(4) حاصله: عدم تسليم كون مقتضى العقد النقل من حينه حتى يتعلق به الإمضاء، بل مقتضاه نفس النقل، غاية الأمر أنّ إنشاء النقل حيث إنّه زماني- لا بدّ من وقوعه في زمان- وقع في زمان. فإن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظر الشارع في زمان إجراء العقد تحقق الأثر في ذلك الزمان.

و إن كان ذلك الإنشاء مؤثّرا في نظره بعد حصول أمر فلا محالة لا يحدث الأثر في نظر الشارع إلّا بعد حصول ذلك الأمر و غيره مما يعتبر في ترتب الأثر على العقد.

و من جملة ما يعتبر فيه طيب نفس المالك المتحقق بعد العقد، فحكم الشارع يكون بعد حصول الطيب، و قضية ذلك كون الطيب ناقلا لا كاشفا.

(5) متعلق بقوله «مؤثرا» و اسم «و إن كان» هو قوله: «ذلك الإنشاء».

ص: 296

ما يعتبر في الحكم، و لذلك (1) كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف و السلم و الهبة، أو (2) بعد انقضاء زمان الخيار على مذهب الشيخ غير (3) مناف لمقتضى الإيجاب، و لم يكن تبعيضا في مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة.

فإن قلت (4): حكم الشارع بثبوت الملك و إن كان بعد الرضا، إلّا أنّ حكمه بذلك (5) لمّا كان من جهة إمضائه للرّضا بما وقع فكأنّه حكم بعد الرضا بثبوت

______________________________

(1) أي: و لكون تبعية حكم الشارع لاجتماع ما يعتبر في الحكم كان حكمه بتحقق الملك بعد القبول في جميع العقود- أو بعد القبض فيما يعتبر فيه القبض من بعض العقود كالصرف و السلم و الهبة، أو بعد انقضاء زمان الخيار المترتب عليه حكم الشارع بالملكية بناء على مذهب الشيخ قدّس سرّه من توقف الملكية على انقضاء زمان الخيار- غير مناف لمقتضى الإيجاب.

(2) هذا و كذا قوله: «أو بعد القبض» معطوفان على «بعد القبول» «1».

(3) خبر «كان» و حاصله: أنّ الحكم بتوقف الملكية على القبول أو القبض أو انقضاء زمان الخيار لا ينافي مقتضى الإيجاب. وجه عدم المنافاة: أنّ الإيجاب ليس هو الجزء الأخير لسبب النقل و الانتقال، بل هو بعض السبب، و حكم الشارع مترتب على تمام السبب، فتوقف حكم الشارع على تمامية السبب لا ينافي مقتضى الإيجاب.

(4) حاصل هذا الإشكال: أن توقف حكم الشارع بالنقل على الرضا لا ينافي الكشف، و ذلك لأنّ حكم الشارع و إن كان حدوثه بعد الرضا، إلّا أنّ حكمه لمّا كان من جهة إمضائه للرضا- و من المعلوم أنّ متعلق الرضا هو النقل الواقع حين العقد- لم يكن حدوث الحكم الشرعي منافيا لتحقق النقل حين العقد، و هذا هو الكشف الانقلابي.

(5) أي: أنّ حكم الشارع بثبوت الملك لمّا كان .. إلخ.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 22، كتاب البيوع، المسألة: 29.

ص: 297

الملك قبله (1).

قلت (2): المراد هو الملك شرعا، و لا معنى لتخلف زمانه (3) عن زمان الحكم الشرعي بالملك. و سيأتي (4) توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى.

و إن شئت توضيح ما ذكرنا (5) فلاحظ مقتضى فسخ العقد، فإنّه و إن كان حلّا للعقد السابق و جعله كأن لم يكن، إلّا أنّه لا يرتفع به الملكية السابقة على

______________________________

(1) أي: الرضا، و ضمير «فكأنّه» راجع إلى الشارع.

(2) هذا جواب الإشكال، و توضيحه: أنّ الجعل لا يتخلّف عن زمان المجعول فإنّ اعتبار الملكية يحدث في زمان، فلا بدّ من حدوث الملكية المعتبرة في ذلك الزمان، لئلّا يتخلف الجعل عن المجعول زمانا، و من المعلوم أنّ اعتبار الملكية شرعا إنّما هو في زمان الرضا، فلا بدّ من حصول الملكية في ذلك الزمان أيضا.

و هذا نظير فسخ العقد، فإنّه و إن كان حلّا للعقد السابق و جعله كالعدم، لكنه لا يرفع الملكية من زمان وقوع العقد، بل يرفعه من حين تحقق الفسخ.

و الحاصل: أنّ الفسخ كما يرفع الملكية من حينه، كذلك الرضا يثبت الملكية من حينه، و زمان الفسخ هو زمان ارتفاع الملكية، هذا.

(3) أي: زمان الملك الشرعي لا يتخلّف عن زمان اعتبار الشارع للملكية بعقد المكره و الفضول.

(4) في بحث الإجازة و الرد، حيث قال في رد ثاني أدلة كاشفية الإجازة: «ان الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ».

(5) أي: عدم تخلف زمان الملك الشرعي عن زمان حكمه بترتّب الملك على العقد.

ص: 298

الفسخ، لأنّ العبرة بزمان حدوثه (1) لا بزمان متعلقة [1].

______________________________

(1) أي: بزمان حدوث الفسخ، لا بزمان متعلقة و هو العقد المملّك.

______________________________

[1] وجه التنظير أنّه كما لا يزيل الفسخ الملكية من زمان حصولها بالعقد، بل يزيلها من زمان الفسخ، كذلك الرضا، فإنه لا يحدث إلا الملكية حين حصوله، دون الأزمنة السابقة على الرضا، و عليه فلا بدّ من الالتزام بالنقل دون الكشف.

لكن فيه: أنّه إن أريد بهذه المقايسة إثبات ناقلية الرضا من حيث إحداث الملكية من حينه كمعدمية الفسخ للملكية من حينه فهو من القياس المنهي عنه. و إن أريد بها مجرّد التنظير و إمكان أن يكون ثبوتا مثل الفسخ، ففيه: أنّه لا بأس به، لكنه لا يجدي في مقام الإثبات، لعدم الدليل عليه.

و أمّا ما أفاده بعض الأعلام في وجه الكشف من أن مقابل الرضا هو الردّ لا الفسخ الذي يقابله الإقرار و التثبيت، و الردّ حلّ للعقد من حين إنشائه، فالرضا يكون رضا بالعقد أيضا من حينه فالرضا كاشف لا ناقل، هذا» «1» فلم يظهر له وجه فإن كلا من الردّ و الرضا يتعلق بالعقد باعتبار ما فيه من اقتضاء التأثير و معرضيته له. و هذا ثبت للعقد من زمان حدوثه إلى زمان ردّه أو الرضا به، فالردّ من حين حصوله يردّ ذلك الاقتضاء، كما أنّ الرضا الذي يقابله ينفّذ العقد من زمان حصول الرضا، و ينقله من اقتضاء التأثير إلى الفعلية في ذلك الزمان. و نتيجة هذا هو النقل لا الكشف الذي رامه دامت بركاته، ضرورة أن قوة التأثير لا تصير فعليّة الّا بالرّضا، و لا تصير فعلية قبله، كما أنّها لا تزول إلّا بالردّ لا قبله.

و كذا ما أفاده في وجه الكشف من: أنّه مقتضى الجمع بين ما دلّ على نفوذ العقد من قبيل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بين ما دلّ على رافعية الإكراه لنفوذ المعاملة، ببيان: أنّه يعمل بمقتضى دليل الإكراه في الزمان المتخلّل بين العقد و الرضا، فيبني على

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 340.

ص: 299

ثم (1) على القول بالكشف هل للطرف غير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره أم لا؟ يأتي بيانه في الفضولي (2) إن شاء اللّه تعالى [1].

______________________________

(1) هذا متفرع على القول بالكشف، و هو عدم جواز فسخ العقد بالنسبة إلى من يعقد مع المكره، في الفترة المتخلّلة بين العقد و الرضا أو الرّد، فيجب عليه الصبر فيها، نظير الأصيل الذي يعقد مع الفضولي، و سيأتي تفصيله هناك إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا بناء على النقل فحيث إنّ العقد المملّك لم يتمّ بعد جاز للطرف الآخر فسخ عقده مع المكره.

(2) بقوله: «و امّا على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا .. فيجب على الأصيل الالتزام به و عدم نقضه ..» فراجع.

______________________________

عدم النفوذ فيه، و بمقتضى أدلة نفوذ المعاملة فيما بعد الرضا، فيبني على نفوذه بعد الرضا «1».

و ذلك لأنّه ليس ذلك مقتضى الجمع، حيث إنّه في الزمان المتخلل يلزم العمل بكل من حديث الرفع و أدلة النفوذ. و ليس ذلك إلّا التناقض، لأنّ لازم الكشف هو البناء على الوفاء بأدلة النفوذ في الزمان المتخلل، و المفروض أنّه ظرف العمل أيضا بحديث الرفع، فيلزم نفوذ البيع و عدمه في ذلك الزمان، و من المعلوم أن البناء على نفوذه في ذلك الزمان لأجل الكشف يوجب طرح حديث الرفع لا العمل به، فلا محيص عن الالتزام بناقلية الرضا التي هي مقتضى الجمع بين أدلة النفوذ بالعمل بها بعد الرضا، و حديث الرفع بالعمل به قبل الرضا.

[1] الجهة العاشرة: في كون الرضا ناقلا أو كاشفا.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 339.

ص: 300

______________________________

اعلم: أنّ نزاع كاشفية الرضا و ناقليّته متفرع على القول المشهور من صحة عقد المكره بلحوق الرضا، و إلّا فعلى القول ببطلانه من أصله و عدم قابليته للصحة بلحوق الرضا لا مجال لهذا النزاع. و حيث إنّ الأقوى قابليّته للصحة بما يلحقه من طيب النفس، فلهذا البحث مجال، فنقول و به نستعين: إنّ تنقيح البحث في ناقلية الرضا المتأخر عن العقد و كاشفيته يتم ببيان أمور:

الأول: في بيان ضابط الشروط المتأخرة التي تجري فيها نزاع النقل و الكشف، و تميزها عن الشروط التي لا تصلح لجريان هذا النزاع فيها، فنقول: إنّ كلّ ما يرجع إلى تنفيذ ما وقع و إمضائه فهو محل هذا النزاع، و كل ما يكون متمّما لمضمون العقد و معدودا من أجزائه فلا يجري فيه هذا النزاع، بل يكون جزء العقد و مقوّما لمضمونه، و يتعين فيه النقل.

و الأوّل كالإجازة في الفضولي، و الرضا في عقد المكره.

و الثاني كالقبول و القبض في الصرف و السلم و نحوهما.

و على هذا فلا ينبغي الارتياب في كون رضا المكره كإجازة المالك لعقد الفضولي من صغريات الشرط الذي يجري فيه نزاع النقل و الكشف.

و أما ما عن المحقق الثاني قدّس سرّه «من كون إجازة المرتهن ناقلة مع ذهابه إلى الكشف في إجازة الفضولي» فهو من النزاع في الصغرى، بمعنى: أن إجازة المرتهن ليست تنفيذا لما صدر من الراهن، بل مرجع الإجازة إلى الطلقية أي: خلوّ المبيع عن حق غير البائع. و الطلقية من أركان البيع كالقبول، فإذا سقط حق المرتهن بالإسقاط أو بأداء الدين تم جميع أركان العقد، فتمامية العقد إنّما هي بالإسقاط، فلا معنى لكون إجازة المرتهن كاشفة، بل لا محيص عن كونها ناقلة.

و هذا الكلام من المحقق المتقدم و إن لم يكن صحيحا، لكون الإسقاط كالإجازة

ص: 301

______________________________

ناظرا إلى تنفيذ العقد السابق و إمضائه، إلّا أنّ الكبرى صحيحة.

و على هذا فيجري النزاع في إجازة العمّة و الخالة العقد الواقع على بنت الأخ و الأخت. و إجازة الدّيان بيع الورثة، و إجازة المرتهن بيع الراهن و نحو ذلك.

الثاني: هل الأصل أن تكون الإجازة ناقلة أو كاشفة؟ لا ينبغي الارتياب في أنّ مقتضى الأصل كون الرضا في عقد المكره- كالإجازة في عقد الفضولي و غيره- هو النقل، بعد البناء على كون الشرط في نفوذ العقد وجود الإجازة خارجا كما هو ظاهر الأدلة، لا عنوان التعقب كما هو الشأن في شرطية الأجزاء اللاحقة في الصلاة للأجزاء السابقة، فيلتزم بالكشف.

و قد يقال: إنّ مقتضى الأصل هو الكشف، لأنّ إجازة العقد السابق عبارة عن الرضا بمضمون العقد، و هو نقل الملك حين تحققه.

لكن فيه: أنّ مضمون العقد ليس هو إيجاد المنشأ حين صدور الإنشاء. و فرق واضح بين تحقق الإنشاء في زمان من باب أنّه لا بدّ من وقوع كل زمانيّ في الزمان. و بين دلالة اللفظ على الإيجاد في زمان الإنشاء، فلو كان مفاد «بعت: أو جدت البيع الآن» كما هو ظاهر النحويين في مفاد الأمر و النهي من كونهما موضوعين للطلب في الحال لكان الأصل هو الكشف.

و أمّا لو كان مفاده أصل إيجاد البيع، و استفيد وقوع المنشأ في الحال من جهات أخرى كمقدمات الحكمة الجارية في الإجارة و النكاح و غيرهما التي هي كون المنشئ بصدد الإيجاد و عدم تقييد ما أنشأه بقيد، و كذا الحال في البيع، فإنّ تلك المقدمات تقتضي وقوع المنشأ في حال الإنشاء، لم يكن الرضا كاشفا، بعد وضوح مدخلية الرضا في النقل بحيث يكون من قبيل تقييد الملكية بقيد متأخر، فلا تحصل الملكية بدون ذلك القيد.

و العاقد و إن لم يقيّد إنشاءه بقيد، لكن تقييد الشارع بمنزلة تقييد نفس العاقد،

ص: 302

______________________________

فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه المتوقف على اجتماع جميع ما يعتبر في الحكم، و من المعلوم أن الإجازة مما يعتبر في ذلك، فما لم يتحقق الإجازة لا يحكم الشارع بالنقل.

و جواب بعض المحققين عن هذا «بأنّ ما أنشأه العاقد لا يتخلف بنظره عن زمان إنشائه، و التخلف إنّما يكون بنظر الشارع، و هو غير قادح في الكشف، إذ المجيز إنّما يجيز ما أوجده العاقد و عقده، و إن لم يدل لفظا على الإيجاد في زمان التلفظ. لكن مقتضى وقوع الإنشاء في ذلك الزمان و تحقق المنشأ بنظره- لتحقق كل اسم مصدر بإيجاد المصدر- هو حصول المنشأ في زمان الإنشاء، فإذا أمضى المجيز ما أوجده العاقد نفذ من ذلك الزمان» غير مفيد، لأنّ الأمور الاعتبارية لا تتحقّق إلّا باعتبار من بيده الاعتبار، و ليس العاقد ممّن بيده الاعتبار، بعد وضوح دخل الرضا في حصول الأمر الاعتباري. فنظر المنشئ لا أثر له، فتكون الإجازة كالقبول، و القبض في الصرف و السلم و الهبة.

فالمتحصل: أنّ الأوفق بالقواعد هو النقل لا الكشف.

الثالث: بعد أن ثبت كون النقل مقتضى القواعد الأولية يقع الكلام في أنّ الكشف الحكمي الثابت في الفضولي تعبدا هل يثبت في المقام أيضا أم لا؟ فيه وجهان بل قولان، من كون النص واردا في النكاح، و من عدم خصوصية لإجازة المالك عقد الفضولي، بل كل ذي حق له أن ينفّذ العقد الواقع على متعلّق حقه. فعلى هذا يكون حكم الرضا اللاحق في عقد المكره حكم الإجازة في عقد الفضولي من حيث الأصل الأوّلي و الثانوي.

و من جملة الروايات الواردة في عقد الفضولي معتبرة أبي عبيدة الحذاء، قال:

«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين؟ فقال:

ص: 303

______________________________

النكاح جائز، و أيّهما أدرك كان له الخيار .. قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح، ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك و تحلف باللّه: ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر» الحديث «1».

ثم إنّه ينبغي التنبيه على أمور:

الأوّل: أنّ الإكراه واقعي، و اعتقاد المكره به طريق إليه، فإذا اعتقد الإكراه، و باع داره بدون الطيب و الرضا، ثم تبيّن عدم الإكراه و أنه اشتبه في ذلك فالوجه البطلان، لوجود ملاك البطلان في الإكراه، و هو فقدان الرضا فيه.

الثاني: أنّه إذا زعم عدم الإكراه، فباع بطيب النفس بعض أمواله، ثم انكشف الإكراه صحّ بيعه، لوجود الرضا.

الثالث: إذا أكره على نفس البيع كبيع داره بدون قيد و شرط، و باعها كذلك، و بعد زوال الإكراه أجازه مقيّدا كأن يقول: «رضيت ببيع الدار بشرط أن يكتب لي صحيفة سجادية» فقد حكم الفقيه المامقاني قدّس سرّه بالبطلان «لأنّه ليس إجازة لما وقع، بل هو أمر مغاير له» «2».

لكن فيه: أنّ معيار الصحة هو الرضا، و العقد السابق ما دام لم يلحقه الرضا لا يترتب عليه أثر، فإذا رضي بتمامه و بعضه صحّ لأجل الرضا، فهو كبيع ما يملك و ما لا يملك في أنّ العقد ينحل إلى عقدين أو عقود، في صحته بالنسبة إلى بعض المبيع، و فساده بالإضافة إلى بعضه الآخر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1. و لا يخفى أن هذه الرواية من أدلة انتصاف المهر بالموت كالطلاق قبل الدخول.

(2) غاية الآمال، ص 340.

ص: 304

______________________________

إلّا أن يقال: إنّ الشرط لم يقع في ضمن العقد حتى يجب الوفاء به، فالشرط باطل و العقد صحيح.

إلّا أن يدّعى: أنّ العقد قبل صدور الرضا لم يتم حتى يقع الشرط خارج العقد، بل المتمم له هو الرضا، فالشرط يقع في ضمن العقد، فيصح كل من الشرط و العقد.

الرابع: عكس الثالث و هو ما إذا أكره على بيع مال مقيّدا، كما إذا أكره على بيع داره مشروطا بأن يقبل ولاية الجائر، و بعد زوال الإكراه رضي بالبيع بدون قبول الولاية، ففي حاشية المامقاني قدّس سرّه «عدم كون الرضا مفيدا للصحة، لمغايرة العقد الواقع لما تعلّق به الإجازة. و ليس هذا مثل العفو عن الشرط المقيّد به العقد و إسقاطه، لتحقق العقد و الشرط هناك، إلّا أنه أسقط حقه الثابت سابقا. و هنا أنشأ إجازة عقد لم يقع، ضرورة أن الواقع غيره. إلّا أن يقصد إمضاء العقد المقيّد، ثم يسقط حقّه، و هو خارج عن المفروض» «1».

و فيه: أنّ الشرط خارج عن ماهية العقد، و التزام مرتبط بالالتزام العقدي، و لذا نقول بعدم مفسدية الشرط الفاسد، و عليه فلا مانع من التفكيك بين الالتزامين بالصحة في العقدي، و الفساد في الالتزام الشرطي. و عليه فدفع الشرط بعدم الالتزام به أولى من رفعه بإسقاطه بعد الالتزام به، لأهونيّة الدفع من الرفع، و ما ذكره المامقاني رحمه اللّه مبني على وحدة المطلوب و كون الشرط قيدا.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 340.

ص: 305

[الشرط الرابع: إذن السيد لو كان العاقد عبدا]
اشارة

مسألة (1):

و من شروط المتعاقدين إذن السيد لو كان العاقد عبدا، فلا يجوز (2) للمملوك أن يوقع عقدا إلّا بإذن (3) سيّده، سواء كان

______________________________

الشرط الرابع: إذن السيد لو كان العاقد عبدا

(1) الغرض من عقد هذه المسألة بيان اعتبار شرط رابع في المتعاقدين، و هو استقلالهما بمعنى كونهما مالكين للعقد و مسلّطين عليه شرعا.

و بعبارة أخرى: يعتبر فيهما أن يكون لهما ولاية البيع و نفوذ التصرف شرعا من دون توقف عقدهما على مراجعة غيرهما، و من صغريات هذه الكبرى مسألة عقد المملوك، فلعلّ عنوان المسألة بهذا العنوان العام أولى.

(2) أي: فلا يمضي و لا ينفذ شي ء من إنشاءاته العقدية و الإيقاعية إلّا بإذن سيده، فالمراد بعدم الجواز عدم الحكم الوضعي، حيث إنّ المصنف قدّس سرّه جعل إذن السيد من شرائط المتعاقدين الراجعة إلى تنفيذ الإنشاء العقدي، و إن كان غير إنشاءاته من حيث الحكم التكليفي جوازا و منعا أيضا محل البحث و الكلام.

(3) الظاهر أنّ المراد به أعمّ من الإذن و الإجازة كما يظهر من الرواية الآتية و الغرض منه عدم استقلاله في التصرف، و عدم نفوذه إلّا برضا السيد.

و كيف كان فالمصنف قدّس سرّه على ما يستفاد من مجموع كلماته يذهب إلى عدم جواز تصرفاته، أي عدم نفوذ تصرفاته إلّا بإذن السيّد أو إجازته، فلا يستقل المملوك

ص: 306

لنفسه (1) في ذمته، أو بما (2) في يده، أم لغيره (3)، لعموم أدلّة عدم استقلاله في أموره (4)، قال اللّه تعالى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ «1».

و عن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام «قالا:

المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده، قلت: فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيّد، ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، أ فشي ء الطلاق» «2».

______________________________

في العقود و الإيقاعات و التوكّل عن الغير، فالمنفي هو الاستقلال لا مطلقا و لو مع الإذن.

(1) بأن يشتري شيئا لنفسه بمال خارجي أو في ذمته، أو باع شيئا كذلك أي مالا خارجيا أو في ذمته.

(2) معطوف على «في ذمته» يعني: أنّ كل معاملة يوقعها لنفسه مطلقا- من البيع و الشراء بالعين الخارجية أو في الذمة- موقوفة على إذن السيد و إجازته.

و قوله: «سواء كان لنفسه في ذمته .. إلخ» إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في التحرير بقوله: «لو باع العبد ما في يده باذن سيّده صحّ، و بغير إذنه يقف على الإجازة. و كذا لو اشترى في الذمة قال الشيخ رحمه اللّه: «الأقوى أنّه لا يصح شراؤه» «3».

(3) معطوف على «لنفسه» يعني: معاملته لغيره- سواء أ كانت بالعين أم في الذمة- لا تنفذ إلّا بإجازة السيد.

(4) هذا أحد الأدلة التي أقامها على المدّعى، و هو عدم نفوذ تصرفاته و توقفه على إذن السيد، فالمراد بعدم القدرة عدم استقلاله، و عدم القدرة صادق على عدم الاستقلال.

______________________________

(1) سورة النحل الآية 75.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 541، الباب 173 ح 4860، عنه في وسائل الشيعة، ج 15، ص 343، الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق ح 1 و إسناد الفقيه إلى زرارة صحيح، فالرواية صحيحة،

(3) تحرير الاحكام، ج 1، ص 164.

ص: 307

و الظاهر (1) من القدرة- خصوصا بقرينة الرواية (2)- هو الاستقلال،

______________________________

(1) توضيحه: أن الآية الشريفة نفت قدرة العبد على شي ء من الأشياء، و ظهورها البدوي في إسقاط كافة تصرفات العبد عن موضوعيّتها للآثار، و ذلك لأمرين:

أحدهما: ظهور نفي القدرة في كون المنفي مطلق القدرة، أي كون فعله كالعدم، فلا هو تمام الموضوع و لا جزؤه، لا كون المنفي خصوص الاستقلال الموجود في الحر.

ثانيهما: ظهور النكرة في سياق النفي- أعني به كلمة شي ء- في الشمول، فلا يترتب على قول العبد و فعله أثر أصلا.

لكن المانع عن الأخذ بهذا الظهور و الموجب لحمل عدم القدرة على نفي الاستقلال هو موضوعية بعض أفعاله للأحكام بالضرورة كإتلافه مال الغير و جنايته عليه، فيتعين أن يراد بالشي ء الأمور الاعتبارية المتقوّمة بالقصد و الإنشاء كالملكية و الزوجية و البينونة و نحوها، فيقال: إنّ الحر مستقل في هذه التصرفات، بخلاف العبد، لتوقف نفوذها على إذن السيد.

هذا مع الغض عن تطبيق «الشي ء» في معتبرة زرارة على النكاح و الطلاق، و أمّا بالنظر إلى التطبيق فلا يبقى شك في عدم إرادة نفي مطلق القدرة، و لا في عدم شمول «الشي ء» لمطلق أفعال العبد و تصرفاته، و لذا عبّر المصنف قدّس سرّه عنه بقوله:

«خصوصا».

(2) قرينيّتها إنّما هي بملاحظة تعليق جواز النكاح و الطلاق و نفوذهما على إذن السيد، و يعلم من ذلك عدم استقلاله و كون إذن السيد جزءا أخيرا لموضوع الصحة و النفوذ، لا أنّ إنشاءه كالعدم نظير صوت البهائم، و إلّا لم يجد مجرّد إذن السيد في الصحة، بل كان اللازم تجديد العقد.

فيظهر أن المراد بالقدرة- في الآية الشريفة- هو الاستقلال، فالمنفي هو القدرة

ص: 308

إذ (1) المحتاج إلى غيره في فعل غير قادر عليه، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنّه شي ء، فكل ما صدر عنه من دون مدخلية المولى، فهو (2) شرعا بمنزلة العدم لا يترتب عليه الأثر المقصود منه (3) لا (4) أنّه لا يترتب عليه حكم شرعي أصلا كيف (5)؟ و أفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار.

______________________________

الثابتة في الأحرار، و من المعلوم أنّها فيهم هو الاستقلال.

(1) تعليل لكون المراد بالقدرة المنفية في الآية الشريفة هو الاستقلال، لا القدرة المطلقة، و حاصل التعليل: أنّ عدم القدرة صادق على عدم الاستقلال كصدقه على عدم القدرة المطلقة. و القرينة على إرادة هذا الفرد- أي عدم الاستقلال- من الآية المباركة هي ما ذكرناه من تعليق الصحة في الرواية على إذن السيد، لا على تجديد إنشاء النكاح و الطلاق. و المراد عدم قدرة العبد بالاستقلال على المسبّبات التي هي معاني أسماء المصادر كالملكية في البيع، و الزوجية في النكاح، و غير ذلك من آثار العقود و الإيقاعات.

و أمّا القدرة على أسبابها- بمعانيها المصدرية كإجراء صيغ العقود و الإيقاعات فهي حاصلة في الأحرار و المماليك.

(2) شبه جواب الشرط لقوله: «فكلّ ما صدر».

(3) لأنّه مقتضى دخل إذن السيد، فإنّ ترتب كل أثر شرعي تكليفي أو وضعي منوط بتمامية موضوعه بما له من الأجزاء و الشرائط، فانتفاء جزء أو شرط من الموضوع يوجب انتفاء الأثر المقصود المترتب عليه، سواء أ كان عقدا أم إيقاعا، لعدم تمامية موضوعه.

(4) عاطفة، يعني: ليس المراد عدم ترتب أثر شرعي مطلقا، بل خصوص الأثر المقصود من ذلك الفعل كالملكية المقصودة من البيع.

(5) يعني: كيف يمكن الحكم بعدم ترتب الأثر أصلا على فعل العبد؟ مع أنّ

ص: 309

و كيف كان (1) فإنشاءات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون إذن المولى، أمّا مع الإذن السابق فلا إشكال (2). و أمّا مع الإجازة اللّاحقة فيحتمل

______________________________

أفعاله كأفعال الحرّ في موضوعيّتها لأحكام شرعية كإتلافاته و جناياته و غير ذلك.

و بالجملة: فيستفاد من هذه الصحيحة أنّهما عليهما الصلاة و السّلام استدلّا بالآية الشريفة على عدم نفوذ طلاق العبد و نكاحه بدون إذن السيد على نحو الشكل الثالث، بأن يقال: الطلاق شي ء، و العبد لا يقدر على شي ء، فالعبد غير قادر على الطلاق.

بل يمكن أن يكون على سبيل الشكل الأول، بأن يقال: «الطلاق شي ء، و كل شي ء لا يقدر عليه العبد، فالطلاق لا يقدر عليه العبد إلّا إذا انضمّ إليه إذن السيد» بخلاف طلاق الحرّ، فإنّ طلاقه نافذ، لاستقلاله و عدم الحاجة إلى انضمام إذن غيره، فيستفاد من هذه الصحيحة أمور:

الأوّل: أنّ العبد غير مستقل في التصرف، بل نفوذه منوط بإذن سيده.

الثاني: أنّ الإذن السابق على العقد يؤثر في الأثر المقصود منه.

الثالث: أنّه ليس تصرفه الإنشائي كإنشاء المجنون و الصبي غير المميّز في عدم نفوذ إنشائه و لو بإذن الولي أو إجازته كما عن المشهور، بل يترتب الأثر المقصود على إنشاء العبد المأذون.

(1) يعني: سواء لم يترتب على فعل العبد أثر أصلا- مقصودا كان أم غير مقصود- أم لم يترتب عليه خصوص الآثار المقصودة، فعلى كلّ من الاحتمالين لا يترتب على إنشاءاته آثارها لو صدرت منه بلا إذن مولاه.

(2) يعني: فلا إشكال في نفوذ إنشاءاته الصادرة منه مع الإذن السابق من المولى من غير فرق في ذلك بين إنشاءاته العقودية و الإيقاعية.

ص: 310

عدم الوقوع (1)، لأنّ (2) المنع فيه ليس من جهة العوضين اللّذين يتعلّق بهما حق المجيز، فله (3) أن يرضى بما وقع على ماله من التصرف في السابق و أن لا يرضى بل المنع من جهة راجعة إلى نفس الإنشاء الصادر، و ما صدر على وجه لا يتغيّر (4) منه بعده.

و بتقرير آخر (5): انّ الإجازة إنّما تتعلّق بمضمون العقد و حاصله أعني انتقال المال بعوض. و هذا (6) فيما نحن فيه ليس منوطا برضا المولى قطعا،

______________________________

(1) أي: عدم وقوع الآثار المقصودة من تلك الإنشاءات كالملكية في إنشاء البيع، و الزوجية في إنشاء النكاح، و هكذا.

(2) علّة لعدم إجداء الإجازة في وقوع إنشاءات العبد المتعقب برضا السيد.

و محصل التعليل: أنّ المانع عن الصحة ليس راجعا إلى العوضين حتى يكون السيد مختارا في الإجازة و عدمها، كي يقال: إنّ العوضين في المفروض ليسا ملكا له، بل هما ملك لغيره، فلا موجب لإجازته. بل المانع هو نفس الإنشاء الصادر الذي صدر بدون إذن السيد بنحو الاستقلال، و هو لا يتغيّر عما وقع عليه، و لا يخرج عن الكيفية الصادرة.

(3) هذا متفرع على المنفي، و هو كون المنع من جهة العوضين حتى يكون رضا المالك المتأخر مصحّحا للتصرف السابق.

(4) يعني: لا يتغيّر العقد من ذلك الوجه- و هو الاستقلال- بعد صدوره.

(5) توضيحه: أنّ الإجازة وظيفة من له تعلّق بمضمون العقد و نتيجته التي هي معنى اسم المصدر كالملكيّة في البيع مثلا، فالمجيز يجيز العقد و يرضى بانتقال ماله إلى الغير بإزاء ماله. و أمّا إذا لم يكن له تعلق بمضمون العقد- كالمفروض من كونه أجنبيا عن العوضين- فلا مورد للإجازة، لأنّها إنما تتعلق بنتيجة العقد لا بمعناه المصدري.

(6) أي: الانتقال- الذي هو معنى اسم المصدر- أجنبي عن المولى، فلا يناط برضاه.

ص: 311

إذ المفروض أنّه أجنبي عن العوضين (1)، و إنّما له (2) حقّ في كون إنشاء هذا المضمون قائما بعبده، فإذا وقع (3) على وجه يستقل به العبد فلحوق الإجازة لا يخرجه (4) عن الاستقلال الواقع عليه قطعا [1].

______________________________

(1) لعدم كونهما ملكا له، فلا معنى لإجازة من ليس له علاقة بالعوضين للعقد الواقع عليهما.

(2) يعني: و إنّما للمولى حق في قيام إنشاء هذا المضمون بعبده.

(3) يعني: فإذا وقع العقد على وجه و هو الاستقلال- كما هو المفروض- فلحوق الإجازة .. إلخ.

(4) يعني: لا يخرج لحوق الإجازة العقد الواقع على وجه الاستقلال عن الاستقلالية.

______________________________

[1] لا ريب في أنّ العبد ليس كالحر مستقلّا في تصرفاته، كما أنّه ليس كالمجانين حال جنونهم في عدم ترتب أثر على أفعاله من عباداته و معاملاته، بل هو برزخ بين الحر العاقل و المجنون.

إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ في تصرفات العبد ثلاثة أقوال:

أحدها: أنّه محجور عن كل تصرف إلّا ما يتوقف عليه ضروريّات معاشه التي جرت السيرة على عدم الاستيذان فيها من السيّد، و كذا واجباته البدنيّة مثل الصلاة و الصوم و الطهارة. فليس له الإتيان بالمباحات غير الضرورية إلّا بالاستيذان، فليس له حركة اليد و لا المشي إلى مكان مباح حتى وضع أقدامه على دار السيد إلّا بإذن السيد.

ثانيها: نفوذ جميع تصرفاته إلّا ما يكون تصرفا في سلطنة المولى فتنفذ جميع تصرفاته التي لا تنافي حقّ المولى، كأن يتوكّل عن غيره في إجراء عقد أو إيقاع أو قبض مال أو أداء دين أو نحوها.

ص: 312

______________________________

ثالثها: عدم جواز تصرفه في كل ما يعد عرفا شيئا معتدا به، سواء تعلّق بأموال سيّده من عقد أو إيقاع، أم تعلق بأموال نفسه بناء على مالكيته شرعا، أم تعلق بأموال سائر الناس من التصرف فيها بعقد أو إيقاع، فإنّ صحة جميع ذلك موقوفة على إذن السيد أو إجازته.

و بالجملة: كل تصرف- من دون تقيده بقيد و بقسم خاص- لغو، إلّا مع إذن السيد أو إجازته، فلا يجوز إجراء صيغة الوكالة لغيره إلّا بإذن السيد.

و المصنف اختار هذا الوجه الثالث، لذهابه إلى عدم جواز إيقاع المملوك عقدا إلّا بإذن سيده، من غير فرق بين كون العقد أو الإيقاع لنفسه أم لغيره. فمرجع هذا الكلام إلى نفي استقلال المملوك في التصرفات التي يتوقف عليها الحكم الوضعي.

هذه أقوال المسألة.

و لا بأس قبل بيان الحق بتقديم أمر، و هو: أنّ الأصل الأوّلي في أفعال المملوك عدم وجوب الاستيذان من السيد في شي ء من أفعاله و كونها كأفعال الحرّ في عدم توقف جوازها تكليفا و وضعا على إذن المولى، للعمومات و الإطلاقات الشاملة لكل من الأحرار و المماليك، إلّا فيما قيّد موضوعه بالحرية أو عدم الرقية، و هذا الأصل متّبع إلّا إذا قام دليل على خلافه، فنخرج به عن مقتضى الأصل بمقدار دلالة الدليل المخرج عليه.

فنقول و به نستعين: إنّ ما دلّ على توقف نفوذ أفعال المملوك على إذن السيّد روايتان:

الأولى: معتبرة زرارة عنهما عليهما السّلام المذكورة في المتن.

و لا يراد من عدم جواز نكاح العبد و طلاقه فيها حرمتهما تكليفا، إذ لو كانا

ص: 313

______________________________

محرّمين شرعا لم يكن وجه لجوازهما بإذن السيد كإذن مالك السلعة بيعها ربويا مثلا، فإنّ الإذن لا يسوّغه، لأنّ البيع الربوي معصية له تعالى و لا يصححه إذن مالك السلعة أو إجازته، حيث إنّ إذن السيد حق خلقي لا يترتب على تضييعه إلّا مخالفة حق الناس، و معصية السيد. و لا ربط له بحكم إلهي كحرمة الغصب، فإنّ ما دلّ على حرمة التصرف في مال الغير يدل على الحرمة التكليفيّة، و أنّ موضوع جواز التصرف في مال الغير هو إذن المالك، و طيب نفسه بالتصرف، و أنّ التصرف تجاوز على الغير و ظلم عليه، و هو قبيح عقلا و حرام شرعا.

و هذا بخلاف النكاح و الطلاق، فإنّهما في نفسهما جائزان تكليفا، غاية الأمر أنّ شرط صحتهما في المملوك إذن السيد أو إجازته.

الرواية الثانية: ما رواها الصدوق أيضا في الباب المشار إليه عن ابن بكير عن زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مملوك تزوّج بغير إذن سيده؟ فقال: ذلك إلى السيد إن شاء أجاز، و إن شاء فرق بينهما. فقلت: أصلحك اللّه إنّ الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، فلا يحلّ إجازة السيد له. فقال:

إنّما عصى سيده و لم يعص اللّه، فإذا أجاز له فهو جائز» «1».

و المراد بالمعصية هو التعدي عن أحكام اللّه و حدوده و مخالفة قوانينه، و لا فرق في عصيانه تعالى شأنه بين فعل المحرّمات و ترك الواجبات، و بين الإتيان بالعقود و الإيقاعات على النحو غير المقرّر فيها كإنشائها بدون شرائطها، أو مع وجود موانعها، فإنّ هذه المعصية لا ترتفع بإجازة المولى، لأنّه معصية الخالق، و لا ربط لها بمعصية السيد

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1 موثقة- بابن بكير- بطريق الصدوق، و صحيحة بسند الكليني لعدم وجود ابن بكير في طريق الكافي.

ص: 314

______________________________

حتى ترتفع بإجازته. فالعقد في نفسه لعدم جامعيته للحدود- التي حددها اللّه تعالى فيه كمجهولية العوضين أو ربوية المعاملة و نحو ذلك- غير نافذ.

و يستفاد من هذه الموثقة أنّ كل تصرف إنشائي فيه عصيان السيد و تفويت حق سيادته غير نافذ. فالخارج عن العمومات و إطلاقات العقود و الإيقاعات هو الإنشاء غير المقرون برضا السيد. و لو شكّ في خروج الإنشاء المتعقب بالرضا، فمقتضى أصالة العموم عدم خروجه عن العمومات، و كون العقد المتعقب بالإجازة كالعقد المسبوق بالإذن نافذا. فالمتيقّن خروجه عن عمومات العقود و الإيقاعات هو عقد العبد الخارج عن حيطة رضا السيد و غير المقرون بطيب نفسه.

هذا مضافا إلى دلالة موثقة زرارة المتقدمة التي فيها «ذاك الى السيد إن شاء أجاز و إن شاء فرّق بينهما» على كون الإجازة كالإذن سببا لنفوذ العقد.

ثمّ إنّ الحق كون المستفاد من الآية و الروايتين المذكورتين- بعد ملاحظة إرادة القدرة الشرعيّة من قوله تعالى «لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ» لوضوح قدرة المملوك تكوينا على الأفعال الخارجية التي منها الإنشاءات العقدية و الإيقاعية- هو نفي القدرة المستقلة الثابتة للأحرار على النتائج المترتبة عليها كالملكية و الزوجية و غيرهما، فترتبها على تلك الإنشاءات منوط بإذن السيد أو إجازته.

ثمّ إنّ الظاهر اختصاص التوقف على الإذن أو الإجازة بما يتعلّق بنفس العبد كالنكاح و الطلاق، و لو بني على التعدي عن مورد الروايتين يتعدّى إلى كل ما يتعلق بنفسه كبيعه و صلحه و جعالته، إذ المراد بالشي ء في الآية المباركة ليس كل شي ء بالضرورة، لقدرته على كل ما يقدر عليه الحر من الأكل و الشرب و سائر الأمور، بل المراد بقرينة الروايات هو الإنشاء الصادر من العبد لنفسه من نكاح و طلاق. و بإلغاء خصوصية المورد يتعدى إلى غيرهما من الإنشائيات.

ص: 315

إلّا (1) أنّ الأقوى هو لحوق إجازة المولى [1]،

______________________________

(1) غرضه أنّ الإجازة اللاحقة كالإذن السّابق توجب نفوذ إنشائه، و هذا عدول عما أفاده قبل أسطر بقوله: «فيحتمل عدم الوقوع، لأنّ المنع فيه ليس من جهة العوضين .. إلخ».

______________________________

فإذا باع لنفسه توقف نفوذه على إذن السيد أو إجازته، فتوكله عن الغير- فضلا عن إجراء عقد الوكالة للغير- لا مانع منه إلا إذا كان منافيا لحقّ سيّده، فحينئذ يتوقف على إذنه. و كذا إنشاءاته لغيره، فإنّها نافذة. و اعتبار عدم المنافاة لحق السيد إنما هو لأجل قوله عليه السّلام في الموثقة: «إنّما عصى سيده» فإن لم يكن تصرفه منافيا لحق المولى و معصية له جاز ذلك مع إذن ذلك الغير له في الإنشاء العقدي أو الإيقاعي. و أما بدون إذن و ذلك الغير فلا يجوز أي لا ينفذ تصرفه الإنشائي في مال السيد و غيره، لا لأجل المملوكية، بل لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه، فيندرج في الفضولي.

فالفرق بين هذا الاستظهار و بين قول الشيخ- و هو منع العبد عن كل تصرف يعدّ شيئا معتدا به عرفا كالإنشاءات، سواء تعلّق بنفسه أم بغيره سيّدا كان أم غيره حتى إجراء صيغة الوكالة لغيره، فإنّ نفوذ جميعها منوط بإذن سيده- هو أنّ إنشاءات نفس العبد لا تنفذ إلا بإذن السيد أو إجازته، و أمّا الإنشاءات المتعلقة بغيره فتنفذ بدون إذن السيد إلّا مع المنافاة لحقه.

[1] قد يورد عليه بأنّ الإثبات متفرع على الثبوت، فإن كان مقام الثبوت ممتنعا فلا يبقى مجال الإمكان لمقام الإثبات. بيانه: أن قول المصنف قدّس سرّه: «و ما صدر على وجه لا يتغير منه بعده» ظاهر في الامتناع، و مع امتناع مقام الثبوت و عدم إمكان تغيره عمّا وقع عليه كيف يمكن التمسك بالوجوه المذكورة في المتن

ص: 316

لعموم (1) أدلة الوفاء بالعقود [1]

______________________________

(1) هذا وجه لحوق الإجازة بالإذن، و محصّله: أنّ عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عموم أفرادي و أزماني، و مقتضاه لزوم الوفاء بكل فرد من أفراد العقود في كل زمان من الأزمنة، على كل شخص من الأشخاص الذين أنشأوا العقود سواء أ كان حرّا أم عبدا، و سواء صدر منه بالاستقلال أم برضا المالك.

______________________________

لإثبات لحوق الإجازة بالإذن في التأثير؟ مع وضوح تبعية الإثبات إمكانا و امتناعا لمقام الثبوت.

لكن يندفع هذا الإشكال بأنّ اتصاف العقد بالاستقلال مع تعلّق حقّ الغير به منوط بعدم رضا صاحب الحقّ به، فإذا لم يرض ذو الحق به اتّصف بالاستقلال، و إذا رضي به كشف رضاه عن عدم استقلاله، فالعقد يكون مراعى، لا أنّه يقع بالاستقلال و متّصفا به بمجرد صدوره حتى يستشكل عليه باستحالة تغيّره عمّا وقع عليه.

هذا كله مضافا إلى: لغوية الاستقلال و عدم موضوعيته لحكم شرعي، و المدار على نفس الإنشاء و هو مورد الإجازة، لا الإنشاء المتصف بالاستقلال حتى يقال بالاستحالة و امتناع انقلابه عمّا وقع عليه. نظير إجازة المالك لبيع الفضولي إذا باع الفضولي لنفسه، فإنّ المجاز هو نفس العقد، و قصد كون البيع لنفس الفضولي لغو ليس ملحوظا في الإجازة.

و إلى: أنّ المجاز حقيقة هي نتيجة العقد أعني بها معنى اسم المصدر كالملكية لا الألفاظ الصادرة من العبد الملحوظ فيها استقلال المتكلم بإيجادها.

[1] هذا مبني على كون الزمان مفرّدا، بأن يكون كل قطعة من قطعات الأزمنة فردا للعام، إذ بناء على كونه ظرفا لاستمرار الحكم يكون المرجع استصحاب عدم وجوب الوفاء.

ص: 317

و المخصّص (1) إنّما دلّ على عدم ترتب الأثر على عقد العبد، من دون مدخلية

______________________________

(1) غرضه دفع إشكال، و هو: أنّ العام بعد تخصيصه- بما دلّ على عدم نفوذ العقد الصادر من العبد على وجه الاستقلال- يعنون بنقيض الخاص، فكأنّه قيل:

«أوفوا بكل عقد إلّا الصادر من العبد بدون إذن مولاه».

و دفعه بأنّ المخصص لا يدلّ على بطلان عقده الصادر على وجه الاستقلال، و من المعلوم أنّه كما يرفع الإذن استقلال العبد، كذلك يرفعه الإجازة التي هي رضا بما أنشأه، و لا يدلّ على مدخلية خصوص الإذن السابق حتى لا يجدي الإجازة اللاحقة، فإنّ لحوق الرضا بالعقد بعد وقوعه كاف في رفع استقلال العبد، فيعمه دليل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و بعبارة أخرى: الخارج عن عموم «أَوْفُوا» هو العقد الصادر من العبد كالصادر من الحرّ من حيث الاستقلال، و يكفي في رفع الاستقلال رضا السيد و إجازته، و لا خصوصية للإذن.

______________________________

إلّا أن يقال: بالفرق بين التخصيص من الأوّل و بينه في الأثناء بالرجوع إلى العام في الأوّل، لأنه مبدء تشريعه و إلى استصحاب حكم الخاص في الثاني كما قرر في الأصول، و قد ذكرنا شطرا من الكلام في شرحنا على الكفاية، فراجع «1».

ثم إنّه يستفاد من التمسك بمثل «أَوْفُوا» منع انحصار المقتضي لتصحيح عقد العبد في خصوص الإذن، كما أنّ الروايات التي استدلّ بها المصنف قدّس سرّه لتصحيح عقد العبد بإجازة السيد كإذنه دليل على مصحّحيّة الإجازة كمصحّحية الإذن.

______________________________

(1) منتهى الدراية، ج 7، ص 706- 711.

ص: 318

المولى أصلا سابقا و لا حقا، لا مدخلية (1) إذنه السابق (2). و لو شكّ أيضا وجب (3) الأخذ بالعموم في مورد الشك.

و تؤيّد إرادة الأعم من الإجازة الصحيحة (4) السابقة

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «عدم» أي: و لا يدلّ المخصّص على مدخلية إذنه السابق.

(2) حتى يقال: إنّ الإجازة لا تجدي و لا تدرجه في عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

(3) لأنّ المرجع في المخصّص المنفصل المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر هو المتيقن منه أعني الأقل، و هو في المقام عقد العبد الصادر منه بدون إذن سابق، و لا إجازة لاحقة من السيد. فالخارج من عموم «أَوْفُوا» هو العقد المجرّد عن الإذن و الإجازة، و في غيره يتمسك بالعموم [1].

(4) بالرّفع فاعل «و تؤيّد» و هي صحيحة زرارة المروية عن الإمامين أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده» بتقريب: أنّ الإذن أعم من السابق و الإجازة اللاحقة.

و لم يظهر تقريب أعميّته، لأنّ الإذن هو الترخيص في إيقاع شي ء، و الإجازة هي الرّضا بما وقع، و لا جامع بينهما، إذ الإجازة في دليل لا يوجب إرادة الأعم منها و من الإذن الوارد في دليل آخر بعد كونهما مثبتين. و لعلّ هذا وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة.

______________________________

[1] و أورد عليه المحقق النائيني قدّس سرّه بعدم إجمال المخصص، لأنّ الإذن ظاهر في الترخيص في إيجاد شي ء، و الرّضا هي الرضا بوقوع شي ء، و كلّ منهما مغاير للآخر.

و مع عدم إجمال المخصّص لا وجه للأخذ بالقدر المتيقن حتى يتمسك بالعموم و يحكم بصحة تصرف العبد مع الإجازة اللّاحقة، بل يحكم بالبطلان، إذ المصحّح لعقد العبد هو الإذن، و ذلك مفقود في العقد المتعقب بالإجازة «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 208.

ص: 319

فإنّ (1) جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة [1]، فالمراد بالإذن (2) هو الأعم، إلّا (3)

______________________________

(1) هذا تقريب تأييد الصحيحة لإرادة الأعم من السابق و اللّاحق. و محصل وجه التأييد: أنّه ثبت بأخبار خاصة تصحيح الإجازة نكاح العبد الواقع بدون إذن السيد، فهذا يكشف عن كون المراد بالإذن في الصحيحة أعمّ من السابق و اللّاحق.

و من جملة تلك النصوص موثقة زرارة المتقدمة، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما» الحديث، فإنّه صريح في أنّ الإجازة تجدي في صحة العقد كالإذن. و عليه فيكفي في صحة إنشاء العبد رضا السيد المبرز، سواء أ كان سابقا على إنشاء العبد أم لا حقا له.

(2) أي: الإذن الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة.

(3) استثناء من كون المراد بالإذن في الصحيحة المذكورة هو الأعم من السابق و اللّاحق، و محصّله: أنّ الطلاق ليس كالنكاح في صحته بالإجازة إذا وقع بدون إذن السيد، إذ الطلاق خرج بدليل خاص، و لو لا التخصيص لحكمنا بكفاية رضا السيد بعد طلاق العبد.

______________________________

و الإشكال عليه بما في تقرير سيدنا الخويي قدّس سرّه «من توقف عدم إجمال المخصص على ظهور الإذن في الإذن السابق، و هو أول الكلام» «1» غير ظاهر، إذ لا ينبغي الارتياب في ظهوره في الترخيص في إيقاع شي ء، في قبال ظهور الإجازة في الرضا ببقاء ما وقع. و لا فرق في هذا الظهور بين موارد استعمال كلمة الإذن، فمقتضى القاعدة بطلان عقد العبد بدون الإذن و لو مع الإجازة اللّاحقة، لأنّ المصحح لعقده خصوص الاذن.

[1] جواز النكاح بالإجازة لنصوص خاصة لا يوجب إرادة الأعم من الإذن في الصحيحة، بل تكون الإجازة بتلك النصوص كالإذن في صحة النكاح.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 3، ص 346.

ص: 320

أنّه خرج الطلاق بالدليل. و لا يلزم (1) تأخير البيان، لأنّ (2) الكلام المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق، بحيث (3) لا يحتاج إلى رضا المولى أصلا، بل و مع كراهة المولى كما يرشد إليه (4) التعبير عن السؤال بقوله: «بيد من الطلاق؟».

______________________________

(1) هذا جواب عن إشكال، و هو: أنّه إذا كان الإذن في الصحيحة المتقدمة «المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه إلّا بإذن سيده» أعمّ من الإذن السابق و الإجازة اللّاحقة، و المفروض أنّ الإجازة لا تفيد في الطلاق كما اعترف به و صرّح بخروجه عن هذا الإطلاق بالدليل، فيلزم حينئذ تأخير البيان عن وقت الحاجة، حيث إنّ الإمام عليه السّلام لم يذكر في الصحيحة خروج الطلاق عن الإذن اللاحق عند قوله عليه السّلام:

«المملوك لا يجوز نكاحه و لا طلاقه» و من المعلوم امتناع تأخير البيان لا لمصلحة.

فلا وجه لإرادة الأعم من الإذن السابق.

و محصل الجواب عن الاشكال هو: أنّ الإذن و إن كان أعم من الإجازة اللاحقة بقرينة عقد النكاح، إلّا أنّ الكلام مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق، و أنّه باطل بدون إذن سيده، و ليس مسوقا لبيان جميع الخصوصيات المعتبرة في طلاق العبد حتى يلزم- من عدم بيان عدم تأثير الإجازة اللّاحقة فيه- تأخير البيان عن وقت الحاجة بترك عدم تأثير الإجازة في الطلاق الواقع عن العبد استقلالا.

(2) هذا جواب عن الاشكال المذكور، و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و محصل الجواب عن الإشكال .. إلخ».

(3) قيد للمنفي يعني: استقلال العبد و استبداده، بحيث لا يحتاج نفوذ طلاقه إلى رضا المولى، بل كان مستقلّا حتى مع كراهة المولى للطلاق.

(4) أي: يرشد إلى كون الكلام مسوقا لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق قول الإمام عليه السّلام في مقام السؤال عمّن بيده الطلاق: «بيد من الطلاق؟» فإنّ ظاهر هذا التعبير هو السؤال عمّن يكون مسلّطا على الطلاق بالاستقلال.

ص: 321

و يؤيّد المختار (1)- بل يدلّ عليه- ما ورد (2) في صحة نكاح العبد الواقع

______________________________

(1) و هو ما قوّاه من كون الإجازة اللاحقة كالإذن السابق مؤثرة في صحة عقد العبد.

(2) هذا وجه آخر يدلّ على كون إجازة السيد موجبة لصحة نكاح العبد الواقع بدون إذنه، و هذا يدل عليه بنحوين:

أحدهما: أنّ عقد العبد لنفسه تصحّحه الإجازة اللاحقة، فإنّ مقتضى العموم المستفاد من ترك الاستفصال هو عقده لنفسه. لا عقد الغير له، حتى يخرج بذلك عن عنوان عقد المملوك، و يندرج في عقد الفضولي الذي لا ربط لصحته بالإجازة اللّاحقة بصحة عقد العبد بإجازة المولى، و صحة عقد نكاح المملوك بالإجازة تستلزم صحة جميع العقود الصادرة منه الملحوقة بالإجازة بالأولوية.

ثانيهما: أنّ تعليل الحكم بصحة العقد بالإجازة ب «عدم عصيان اللّه تعالى» يدلّ على أنّ المعيار في بطلان العقد هو مخالفته تعالى شأنه، كالمعاملة على الخمر و الميتة و غيرهما مما حرّمه اللّه تعالى، دون مخالفة المولى، فإنّها ترتفع بالإجازة الكاشفة عن العفو عمّا تجاوز به العبد على مولاه.

و بالجملة: إذا لم يكن العقد خارجا عن موازين الشرع و حدوده- كنكاح المحارم و بيع الخمر و نظائرهما- كان مقتضي الصحة فيه موجودا، و المانع هو مخالفة السيد و عصيانه، و ذلك يرتفع بالإجازة اللاحقة، هذا.

و أمّا النصوص التي يستفاد منها هذا الوجهان. فمنها: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام «قال: سألته عن رجل تزوّج عبده [امرأة] بغير إذنه، فدخل بها، ثم اطّلع على ذلك مولاه؟ فقال: ذلك إلى مولاه إن شاء فرّق بينهما، و إن شاء أجاز نكاحهما، فإن فرّق بينهما فللمرأة ما أصدقها، إلّا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأوّل. فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا؟ فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّما أتى شيئا حلالا و ليس بعاص للّه،

ص: 322

بغير إذن المولى إذا أجازه معلّلا (1) «بأنّه لم يعص اللّه تعالى، و إنّما عصى سيّده،

______________________________

و إنّما عصى سيّده و لم يعص اللّه، إنّ ذلك ليس كإتيانه [كإتيان] ما حرّم اللّه تعالى عليه من نكاح في عدّة و أشباهه» «1».

و منها: غير ذلك من الروايات «2» التي يستفاد منها صحة عقد العبد بإجازة السيد.

و الحاصل: أنّ الوجوه الدالة على لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد بين ما يرجع إلى منع المقتضي، لاعتبار خصوص الإذن في صحة عقد العبد، و هو كون الخارج عن عمومات وجوب الوفاء بالعقود خصوص العقد الصادر من العبد بدون مراجعة مولاه بالإذن أو الإجازة، لأنّه المتيقن من المخصص المجمل المنفصل، فلا مقتضي لاعتبار خصوص الاذن السابق في صحة العبد. و بين ما يرجع إلى قيام الدليل على كفاية الإجازة المتأخرة، و هو النصوص الدالة على جواز عقد العبد بإجازة السيد، فإنّها تدلّ على كون الإجازة كالإذن مصحّحة لعقده، لعدم كون نفوذ عقد العبد عصيانا له سبحانه و تعالى حتى لا يصحّحه إجازة المولى، بل لكونه عصيانا للسيد و تضييعا لحقّه، و ذلك يجبر بإجازته التي هي عفو عن ذنبه و تجاوزه.

لكن طائفة من العامة زعموا أنّ معصية السيد معصية الرب جلّ و علا، فلا تجبر بإجازة السيد.

(1) باسم المفعول حال منصوب من فاعل «ورد» بأن يكون المعنى: أنّ ما ورد من النصوص قد علّل «بأنّ العبد لم يعص اللّه تعالى».

و يجوز أن يكون باسم الفاعل، بأن يقال: علّل الامام عليه السّلام الحكم بأنّ العبد لم يعص اللّه. لكنّ الأوّل أقرب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 2، باب: أن العبد إذا تزوج بغير اذن سيده كان العقد موقوفا على الإجازة منه، و الرواية ضعيفة بموسى بن بكر.

(2) المصدر، ح 1، و ص 522، الباب 23، ح 1.

ص: 323

فإذا أجاز جاز» (1) بتقريب (2): أنّ الرواية تشمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه.

و حمله (3) على ما إذا عقد الغير له

______________________________

أو يقال: النّص علّل الحكم، بأن يكون النص معلّلا.

(1) يعني: فإذا أجاز السيّد عقد العبد جاز أي: نفذ و رتّب عليه الأثر. و ما في المتن نقل بالمعنى، و إلّا فمتن الرواية المتقدمة في (ص 314) هكذا: «فإذا أجاز فهو له جائز».

(2) يعني: تقريب دلالة ما ورد من النصوص على مختاره من لحوق الإجازة بالإذن في تصحيح عقد العبد من حيث المملوكية. و محصّل التقريب: أنّ الرواية بلحاظ ترك الاستفصال تشمل ما إذا كان العبد نفسه عاقدا لنفسه، إذ حمل الحديث على عقد الغير للعبد- حتى يخرج عن عقد المملوك و يندرج في عقد الفضولي الذي لا ارتباط لصحته بالإجازة بصحة عقد العبد بالإجازة- غير سديد، لوجهين:

أحدهما: ترك الاستفصال مع كون المتكلم في مقام البيان، كما مرّت الإشارة إليه آنفا.

و التعبير بالتأييد أوّلا ثمّ بالدلالة ثانيا لعلّه لأجل كون الفحوى ظنية لا تصلح للاستدلال بها، أي إلحاق البيع بالنكاح. و أمّا الدلالة فلأنّ عموم العلة- و هو عصيان السيد لا الرّبّ- كاف في المقامين، هذا ما أفاده السيد قدّس سرّه «1».

ثانيهما: ما سيأتي عند شرح كلام المصنف قدّس سرّه إن شاء اللّه تعالى.

(3) مبتدء، و خبره «مناف» أي: و حمل الحديث الوارد في صحة عقد نكاح العبد بدون إذن مولاه- على عقد الغير للعبد- مناف لترك الاستفصال.

لكن قد عرفت أن هذا الحمل يدرج المقام في عقد الفضولي، و هو أجنبي عن عقد العبد الذي يكون البحث فيه من حيث المملوكية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 324

مناف لترك الاستفصال (1).

مع (2) أنّ تعليل الصحة [1] «بأنّه لم يعص اللّه تعالى» إلى آخره في قوة (3) أن يقال: إنّه إذا عصى اللّه بعقد (4) كعقد على ما حرّم اللّه تعالى- على ما مثّل به

______________________________

(1) إشارة إلى الجواب الأوّل عن حمل الحديث على عقد الغير للعبد، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «أحدهما ترك الاستفصال مع كون المتكلم .. إلخ».

(2) هذا ثاني الجوابين عن الحمل المزبور، و محصله: أنّ هذا التعليل يدلّ على أمرين:

أحدهما: أنّ مورد الحديث هو كون العاقد نفس العبد لا غيره له، ضرورة أنّه على هذا التقدير لم يصدر منه عقد حتى يكون معصية للّه تعالى أو للسيّد. فترك الاستفصال و هذا الحديث يدلّان على كون العاقد هو العبد لنفسه.

ثانيهما: أنّ تعليل الصحة بعدم عصيان اللّه تعالى يدلّ على أنّ موجب البطلان هو معصية اللّه تعالى بمخالفة قوانينه و حدوده، بحيث لا يمكن التصحيح بوجه كالعقد على المحرّمات، كذاتي البعل و العدة، و المطلقة تسعا. دون معصية السيد، فإنّها ترتفع برضاه عن عبده و إجازة ما أوقعه بدون الاستيذان منه، لأنّ حقّ السيد على العبد أن تكون أعماله بإذن سيّده، و لا يتجاوز عن رسوم العبودية، و إذا عفى السيد عن مخالفة عبده و أجاز العقد صحّ و نفذ.

(3) خبر قوله: «أنّ تعليل».

(4) يتصدّاه بنفسه، و هذا المعنى يستفاد من إضافة «معصيته» إلى السيد، إذ بدون تصدّيه للعقد و فرض تصدّي الغير له لا يكون العبد عاصيا للسيد.

______________________________

[1] يمكن تقريب هذا التعليل بوجوه ثلاثة:

الأوّل: ما في المتن من أنّ العامة كانوا يتوهّمون مساواة معصية السيد لمعصية اللّه عزّ و جلّ في عدم زوال حكمها بالإجازة. و الإمام عليه السّلام أبطل هذا القياس بالفرق بين

ص: 325

الامام عليه السّلام في روايات أخرى (1) واردة في هذه المسألة- كان (2) العقد باطلا، لعدم (3) تصوّر رضا اللّه تعالى بما سبق من معصيته (4). أمّا إذا لم يعص اللّه و عصى سيّده أمكن رضا سيده فيما بعد (5) بما لم يرض به سابقا، فإذا رضي به و أجاز صحّ.

______________________________

(1) جمعها صاحب الوسائل في باب «أنّ العبد إذا تزوّج بغير إذن سيده كان العقد موقوفا» «1».

(2) جواب «إذا» في قوله: «إذا عصى اللّه».

(3) تعليل لعدم الصحة، و حاصله: عدم تصوّر رضا اللّه عز و جل بما وقع من معصيته.

(4) حتى يعقل إجازته.

(5) يعني: بعد وقوع العقد، و قوله: «بما» متعلق ب «رضا».

______________________________

المعصيتين، حيث إنّ معصية اللّه لا تزول، لاستحالة تبدّل كراهته بالرضا، ضرورة أنّ الشي ء الواقع مكروها له عزّ و جلّ واقع على ما هو عليه، فلا ينقلب مرضيّا به. و هذا بخلاف كراهة السيد، فإنّها قابلة للتبدل بالرضا بسبب الإجازة.

و عليه فلا يعقل تحقق الإجازة منه تعالى، لا أنّها لا تؤثّر و إجازة السيد تؤثّر حتى يقال بعدم الفرق بين المعصيتين و بين الإجازتين.

و نتيجة هذا التقريب نفوذ كل عقد صدر من العبد و أجاز له المولى، و لم يكن معصية له تعالى شأنه، و إن كان معصية للسيد.

و بالجملة: فمناط هذا التقريب قياس معصية السيد بمعصية اللّه عز و جل من دون لزوم معصيته جلّ و علا هنا، و أبطل القياس ببيان الفارق بين المعصيتين بأنّ معصية اللّه لا تزول بالإجازة، بخلاف معصية السيّد فإنّها تزول بالإجازة.

الثاني: ما في حاشية السيد قدّس سرّه من: أنّ معصية السيد كمعصية اللّه تعالى لا تزول

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 524، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ص: 326

فيكون الحاصل (1) أنّ معيار الصحة في معاملة العبد- بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينه عنه الشارع- هو (2) رضا سيّده بوقوعه سابقا أو لاحقا

______________________________

(1) أي: حاصل الكلام في عقد العبد الواقع بدون إذن سيده: أنّ معيار الصحة في معاملات العبد هو كونها مع رضا السيد بوقوعها، سواء أ كان هذا الرضا سابقا أم لا حقا.

(2) خبر قوله: «أنّ معيار».

______________________________

بنفسها، لأنّه انقلاب، بل مرجع الإجازة إلى العفو عن المعصية. و غرض الإمام عليه السّلام من التعليل أنّ الإجازة منه تعالى شأنه مفروض العدم، لانتفاء موضوعها و هي معصية اللّه تعالى، و من السيد مفروض الثبوت، لوجود موضوعها و هو عصيان السيد «1».

فحاصل هذا الوجه: أنّ الإجازة منوطة بالمعصية التي هي مفقودة بالنسبة إليه تعالى، لانتفاء موضوعها. و موجودة بالنسبة إلى السيد، فيحتاج إلى الإجازة. و عليه يكون توهم العامة من حيث عدم الفرق بين الإجازتين لرفع أثر المعصيتين.

فمناط هذا التقريب توهم العامة عدم الفرق بين الإجازتين في عدم إجداء الإجازة لرفع المعصية مطلقا سواء أ كانت معصية السيد أم العبد. و جوابه بالفرق بينهما من حيث الوجود و العدم، للفرق بين موضوعيهما بالعدم بالنسبة إليه سبحانه و تعالى، و بالوجود بالنسبة إلى السيد.

الثالث: أنّ العامّة لمّا توهموا «أنّ إجازة السيد لا تحلّل ما وقع حراما- فإنّ الحرمة المتوهمة للعامة هي حرمة مخالفة السيد الموجبة لحرمة ما وقع من العبد من النكاح- و لا تنفّذ ما وقع فاسدا، و ذلك لأنّه عصى اللّه تعالى، فإجازة السيد لا ترفع عصيان العبد له تعالى» فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لم يعص اللّه تعالى، حتى لا يكون معنى لإجازة السيد، بل عصى سيده، فإذا أجاز جاز. و هذا الوجه الثالث هو أقرب الوجوه الثلاثة، لقرائن:

إحداها: قول السائل: «بأنّ أصل النكاح فاسد و لا تحل إجازة السيد له» كما في

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 327

و أنّه (1) إذا عصى سيّده بمعاملة ثم رضي السيد بها صحّ، و أنّ (2) ما قاله المخالف من (3) «أنّ معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده، و أنه (4) لا ينفع الرضا اللّاحق» كما نقله السائل (5) عن طائفة من العامة

______________________________

(1) معطوف على «أنّ معيار» و ضميره راجع إلى «العبد» يعني: فيكون الحاصل أنّ العبد إذا عصى سيده بمعاملة ثم رضي السيد بتلك المعاملة صحّ.

(2) معطوف على «و أنه» و المراد بالمخالف هو الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما المشار إليهم في موثقة زرارة المتقدمة.

(3) بيان ل «ما» الموصول، و ضمير «حكمها» راجع إلى «معصية» و ضمير «برضاه» إلى السيد، و ضمير «بعده» الى «العقد» و المراد بحكم المعصية بطلان المعاملة.

(4) معطوف على «انّ» و ضميره للشأن.

(5) و هو زرارة رضوان اللّه عليه الناقل عن طائفة من العامة، و هم الحكم بن عيينة و النخعي و أصحابهما.

______________________________

موثقة زرارة.

ثانيتها: قوله أيضا في خبر زرارة: «فإنه في أصل النكاح كان عاصيا».

ثالثتها: قوله أيضا في قوىّ منصور بن حازم: «أ عاص للّه تعالى» «1» رابعتها: قوله أيضا فيه: «قلت حرام هو؟» فإنّ هذه القرائن كلّها تشهد بأنّ مورد الكلام تأثير إجازة السيد في رفع الحرمة، و معصيته تبارك و تعالى. فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لم يعص اللّه تعالى حتى لا تؤثّر إجازة السيد في صحة العقد و رفع العصيان، بل أتى شيئا حلالا، و ليس ذلك كإتيان ما حرّم اللّه تعالى من نكاح في عدة و أشباهه، و أنّه «لا أزعم أنّه حرام» و نحو ذلك من التعبيرات.

فالتعليل يدلّ على قابلية كل عقد يصدر من العبد للإجازة إن لم يكن حراما بذاته و فاسدا من أصله، و لم يكن مسبوقا بإذن السيد، فإنّ إجازته حينئذ مصحّحة لعقد عبده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 522، الباب 23 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 2.

ص: 328

غير (1) صحيح، فافهم (2) و اغتنم.

و من ذلك (3) يعرف أن استشهاد بعض (4) بهذه الروايات (5) على صحة عقد العبد و إن لم يسبقه إذن و لم يلحقه إجازة، بل و مع سبق النهي أيضا، «لأنّ (6) غاية الأمر هو عصيان العبد و إثمه في إيقاع العقد و التصرف في لسانه

______________________________

(1) خبر «و أنّ ما قاله المخالف» و قد تقدم وجه عدم صحة ما قاله المخالف من تقريب التعليلات التي اشتملت عليه صحيحة زرارة و غيرها من الروايات المشار إليها.

(2) و تأمّل في الفرق بين معصية اللّه تعالى و معصية الخلق، فإنّ الاولى لا تقبل الإجازة، فإن نكاح المحارم معصية له تعالى، لخروجه عن الموازين و الحدود الشرعية، و لا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف الثانية، فإن انقلاب مكروه الخلق إلى المرضيّ به ممكن.

(3) أي: و من كون ملاك صحة عقد العبد إذا وقع بدون إذن مولاه هو رضا السيد و إجازته، و إلّا بطل العقد.

(4) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محلّ استشهاده قوله عليه السّلام: «لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» و تقريب الاستشهاد ما ذكره المصنف قدّس سرّه بقوله: «و دعوى».

(5) و هي روايات زرارة و غيرها، و لكنّ المصنف لم يذكر إلّا روايتي زرارة.

قال في الجواهر: «إنّ القول بالصحة و إن لم يأذن المولى- بل مع نهيه- لا يخلو عن قوة و إن أثم العبد بإيقاعها، لأنّها من المنافع المملوكة للسيد. إلّا أنّ الحرمة لا تنافي الصحة هنا، إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد بالنسبة إلى ذلك» «1».

(6) هذا تعليل صاحب الجواهر لصحة عقد العبد و لو مع منع المولى عن ذلك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 271، و أفاد نحوه في ج 25، ص 70، إلّا أنه تأمّل فيه، فراجع.

ص: 329

الذي هو ملك للمولى، لكن النهي مطلقا لا يوجب الفساد، خصوصا (1) النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومي إليه (2) هذه الأخبار الدالة على أنّ معصية السيد لا تقدح بصحة العقد» في غير (3) محله، بل [1] الروايات (4) ناطقة

______________________________

(1) لأنّ النهي في المقام لم يتعلّق بالمعاملة من حيث هي حتى يدلّ على الفساد، بل تعلّق بعنوان مخالفة السيد، فالنهي عن المعاملة تبعيّ و لا يوجب فسادها، نظير النهي عن البيع وقت النداء.

(2) يعني: يومي إلى عدم كون النهي الناشئ عن معصية السيد موجبا للفساد، و ذلك لأنّ صحة العقد بإجازة السيد تشير إلى أنّ مخالفة السيد توجب الإثم، و لا تمنع عن الحكم الوضعي أعني به صحة المعاملة بالإجازة.

(3) خبر «أنّ» في قوله: «يعرف أنّ استشهاد» و محصّل الجواب عن استشهاد صاحب الجواهر قدّس سرّه بالروايات المشار إليها هو: أنّ صحة عقد العبد منوطة برضا المولى، و بعدمه يبطل، فبطلانه حينئذ يستند إلى عدم رضاه، لا إلى النهي حتى يقال:

إنّ البطلان لا يستند إلى هذا النهي الناشئ عن عصيان السيد.

(4) يعني: بل الروايات تدلّ على خلاف ما أفاده، لدلالتها على أنّ الصحة من جهة تبدل الكراهة بالرضا، و كون المدار في الصحة على الرضا، فبدونه يبطل. فوجه البطلان هو عدم وجود الرضا، لا النهي المسبب عن عصيان السيد حتى يناقش في دلالته على الفساد.

______________________________

[1] لعل الأولى تبديل «بل» ب «إذ» لأنّ ما بعد «بل» تقريب لعدم صحة استشهاد بعض بهذه الروايات و توضيح له، لا إضراب عنه، و إن أمكن توجيه الإضراب أيضا، فتأمّل في أنّ أيّهما أنسب بالمقام.

ص: 330

كما عرفت (1) بأنّ الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولى و تبدّله بالرضا بما فعله العبد. و ليست (2) كراهة اللّه عزّ و جلّ بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه (3) السابق. فكأنّه قال (4): «لم يعص اللّه حتى يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا، و إنّما عصى سيّده، فإذا أجاز (5) جاز» فقد علّق (6) الجواز صريحا على الإجازة.

و دعوى (7) «أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة مضمون العقد، و هو

______________________________

(1) في تقريب دلالة تلك الأخبار على كون إجازة السيد لعقد العبد غير المسبوق بالإذن مصححة له، حيث إنّ الإجازة تدل على الرضا المعتبر في صحة عقد العبد، فلاحظ قوله (في ص 327): «فيكون الحاصل أن معيار الصحة في معاملة العبد .. هو رضا السيّد بوقوعه .. إلخ».

(2) يعني: و ليست كراهة المولى كراهة اللّه عزّ و جل- كما ربّما يتوهمها العامة- حتى يستحيل رضاه تعالى بعد وقوع العقد.

(3) متعلق ب «رضاه» و المشار إليه ب «ذلك» هو العقد.

(4) أي: قال الامام عليه السّلام في تلك الأخبار: لم يعص اللّه حتى يستحيل تعقبه للإجازة و الرضا، و إنّما عصى سيّده. و معصية السيد قابلة للتبدل بالرضا و الإجازة.

(5) أي: فإذا أجاز السيد العقد- الصادر من عبده بدون إذنه- جاز أي نفذ و صح.

(6) أي: علّق الامام عليه السّلام جواز العقد- أي صحته صريحا- على الإجازة كما في روايات زرارة و غيرها.

(7) محصل هذه الدعوى: أنّ قوله عليه السّلام: «فإذا أجاز جاز» الدال على تعليق صحة عقد العبد الواقع بدون إذن سيده على إجازة السيد ناظر إلى تعليق مضمون العقد المسمّى بمعنى اسم المصدر، كالزوجية التي هي نتيجة عقد النكاح، و ليس ناظرا إلى تعليق إنشاء كلّ عقد و إن لم يرتبط مضمونه بالسيد- كإنشاء العقد للغير من بيع

ص: 331

التزويج المحتاج إلى إجازة السيد إجماعا، لا نفس (1) إنشاء العقد حتى لو فرضناه (2) للغير يكون محتاجا إلى إجازة مولى العاقد» مدفوعة (3) بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية بأنّ رضا المولى بفعل العبد بعد وقوعه يكفي (4) في كلّ ما يتوقف على مراجعة السيد، و كان (5) فعله من دون مراجعته أو مع النهي عنه معصية له، و المفروض أنّ نفس العقد من هذا القبيل (6).

________________________________________

أو غيره مما لا يرتبط مضمونه بالمولى- حتى يقال: بتوقف صحة كل عقد على إجازة المولى بحيث يكون نفس الإنشاء و التلفظ بألفاظ العقد معصية.

(1) معطوف على «مضمون» يعني: أنّ تعليق الصحة على الإجازة من جهة المضمون، لا من جهة نفس إنشاء العقد، فلا يحتاج الإنشاء إلى الإجازة.

(2) يعني: لو فرضنا إنشاء العبد عقدا لغيره، كإنشائه بيع مال الغير.

(3) خبر «و دعوى» و دفع لها، و محصّله: أنّ الرواية المتقدمة التي رواها زرارة عن الصادقين عليهما السّلام سيقت لبيان قاعدة كلية، و هي أنّ كلّ ما يكون وقوعه من العبد بدون الإذن معصية لسيده يتوقف على إجازة السيد، و من المعلوم أنّ إنشاء العقد للغير من هذا القبيل، فلا يتوقف خصوص الإنشاء- الذي يكون مضمونه مرتبطا بالسيد- على إجازة السيد، بل كلّ إنشاء يتوقف على إجازة المولى.

(4) خبر قوله: «بأنّ رضا» و غرضه كفاية الرضا المتأخر عن الفعل في ترتب الأثر عليه، و عدم توقفه على خصوص الإذن السابق على كل فعل يصدر من العبد و يكون معصية للسيد، و لو كان إنشاء للغير و أجنبيا مضمونه عن المولى.

(5) معطوف على «يتوقف» و الأولى إبداله بالمضارع.

(6) أي: كون نفس العقد الصادر من العبد بدون إذن السيد معصية، فلا بدّ من كون نفس الإنشاء أيضا- مع الغض عن ارتباط مضمونه بالمولى- مقرونا بإجازته.

ص: 332

ثم (1) إنّ ما ذكره «من عصيان العبد بتصرفه في لسانه، و أنّه (2) لا يقتضي الفساد» يشعر (3) بزعم أنّ المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولى.

و فيه أوّلا (4): منع حرمة هذه التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة [1]

______________________________

فالمحتاج إلى الإجازة كلّ من الإنشاء و مضمونه، فإنشاء العبد عقد البيع أو النكاح لغيره أيضا يحتاج إلى إجازة المولى، لكون نفس الإنشاء الذي هو تصرف في لسانه معصية للسيد و إن لم يكن مضمونه مرتبطا به.

(1) أراد الشيخ الأعظم أن يناقش صاحب الجواهر فيما أفاده من: أنّ العبد و إن أثم بإيقاع العقد، لكونه تصرفا في لسانه الذي هو ملك لسيده، لكن هذا التصرف لا يوجب الفساد، لعدم اقتضاء النهي للفساد.

(2) معطوف على «عصيان» و ضميره راجع إلى «عصيان العبد».

(3) خبر «أنّ ما ذكره» و هذا مورد مناقشة المصنف مع صاحب الجواهر قدّس سرّهما و محصله: أنّه زعم أنّ منشأ بطلان عقد العبد لغيره عند القائل به هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد، لكون نفس التلفظ تصرفا في ملك المولى بدون إذنه، فيكون حراما، و حرمته توجب بطلانه، فبطلان عقد العبد لغيره مستند إلى التصرف المنهي عنه.

(4) أي: و فيما زعمه صاحب الجواهر- من كون مستند بطلان إنشاء العبد للغير هو حرمة التلفظ بألفاظ العقد من دون رضا السيد- إشكال، لمنع حرمة هذه

______________________________

[1] و لو نوقش في السيرة كفت أصالة البراءة في جوازها، لأنّها من الشبهات الحكمية التحريمية.

ص: 333

على مكالمة العبيد، و نحو ذلك من المشاغل الجزئية.

و ثانيا: بداهة (1) أنّ الحرمة في مثل هذه (2) لا توجب الفساد. فلا يظنّ استناد العلماء في الفساد إلى الحرمة.

و ثالثا (3): أنّ الاستشهاد بالرواية- لعدم كون معصية السيد بالتكلم

______________________________

التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة عليها من دون ردع الشارع عنها، هذا أوّلا.

(1) بالرفع مبتدء ل «فيه» المقدّر، أي: و فيه ثانيا بداهة. و هذا هو الإشكال الثاني على صاحب الجواهر، و محصله: أنّ الحرمة مطلقا لا توجب الفساد، بل فيما إذا تعلّق بأحد ركني المعاملة كالنهي عن بيع الخمر و آلات القمار و نحو ذلك، دون ما إذا تعلّق بأمر خارج عن المعاملة كالنهي عن مخالفة السيد، و عمّا يوجب ترك صلاة الجمعة، فإنّ مثل هذا النهي لا يوجب الفساد، لعدم تعلقه بالمعاملة من حيث هي، فاستناد العلماء في فساد المعاملة إلى هذا النهي في غاية البعد.

(2) ممّا كان متعلّق النهي عنوانا مغايرا لعنوان المعاملة مقارنا له في الوجود كمخالفة السيد، فإنّ الحرمة التكليفية لا توجب الفساد الذي هو حكم وضعي.

(3) هذا هو الإشكال الثالث على صاحب الجواهر، و حاصله: أنّ الاستشهاد بالروايات المذكور بعضها كصحيحة زرارة- على عدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحة في صحة العقد- غير صحيح، حيث إنّ مقتضى هذا الاستشهاد كون التكلم مفسدا للمعاملة إذا كان معصية للّه، مع أنّه لم يقل به أحد.

و محصل إشكال المصنف عليه هو: أنّ مجرد الحرمة التكليفية لا توجب الحرمة الوضعية كحرمة التلفظ بصيغة البيع وقت صلاة الجمعة، أو وقت صلاة الاستيجار، أو في ضيق وقت الفريضة، فإنّ حرمة التلفظ بألفاظ العقد في هذه الأوقات و إن كانت مسلّمة لكنّها لا توجب الفساد.

ص: 334

بألفاظ العقد و التصرف في لسانه قادحا في صحة العقد- غير صحيح، لأنّ مقتضاه (1) أنّ التكلم إن كان معصية للّه تعالى يكون مفسدا. مع أنّه لا يقول به (2) أحد، فإنّ حرمة العقد من حيث إنّه تحريك اللسان- كما في الصلاة و القراءة المضيّقة و نحوهما- لا يوجب (3) فساد العقد إجماعا.

فالتحقيق أنّ المستند في الفساد (4) هو الآية المتقدمة (5) و الروايات (6) الواردة في عدم جواز أمر العبد و مضيّه [1] مستقلّا،

______________________________

(1) أي: مقتضى الاستشهاد هو أنّ التكلم إن كان معصية له تعالى كان مفسدا للمعاملة، مع عدم قائل به، فإنّ ظاهر عدم قادحية عصيان السيد بصحة المعاملة هو قادحية عصيانه تعالى الحاصل بتحريك لسانه بصحة المعاملة، مع أنّه لم يقل أحد بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم.

(2) أي: بفساد المعاملة بسبب حرمة التكلم، فإنّ الحرمة التكليفية لا تستلزم الحرمة الوضعية.

(3) خبر قوله: «فإن حرمة».

(4) أي: فساد المعاملة الصادرة من المملوك من حيث كونه مملوكا.

(5) و هي قوله تعالى ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ، .. وَ هُوَ كَلٌّ عَلىٰ مَوْلٰاهُ «1».

(6) التي تقدم بعضها كصحيحة زرارة و موثقته «2».

______________________________

[1] لكن قد تقدم سابقا عدم دلالة الآية الشريفة مع الروايات المشار إليها إلّا على

______________________________

(1) سورة النمل، الآية 75.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و يستفاد الحكم من روايات أخرى أوردها صاحب وسائل الشيعة في باب 64 و 66 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ص 574 و 576، فراجع.

ص: 335

و أنّه (1) ليس له من الأمر شي ء.

[فرع لو أمر العبد أن يشتري نفسه من مولاه، فباعه مولاه]

فرع [1] لو أمر العبد أن يشتري (2) نفسه من مولاه، فباعه مولاه، صحّ و لزم بناء

______________________________

(1) أي: و أنّ العبد ليس له استقلال في شي ء.

(2) يعني: أن يشتري العبد نفسه من مولاه الآمر، فالأولى إضافة كلمة «له» بعد «يشتري».

______________________________

توقف خصوص الإنشاءات الراجعة إلى نفس العبد كالنكاح و الطلاق على إذن السيد أو إجازته. و لو بنى على التعدي عنهما فيتعدى إلى ما يشابههما، و هي الإنشائيات الراجعة إلى شخص العبد كالبيع و الصلح و غيرهما. لا إلى كل فعل و لو كان ذلك إنشاء لغير العبد، كما إذا صار وكيلا عن شخص في إجراء صيغة بيع أو نكاح له، إذ لا دليل على حرمته التكليفية، لجريان السيرة أو جريان أصالة البراءة فيه.

و على تقدير تسليم الحرمة فلا دليل على الحرمة الوضعيّة، و هي عدم ترتب الأثر على إنشائه حتى يحتاج إلى إجازة السيد، لعدم تعلق الحرمة بأحد ركني العبد، و هما العوضان كالمثمن و الثمن، فمقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لزوم الوفاء به.

[1] قد تعرض لهذا الفرع المحقق و غيره، و الغرض من تعرضه له إمّا التنبيه على التوسعة في إذن المولى، لأنّه المناسب للمقام، و أنّ الإذن يشمل الضمني كالصريح.

و إمّا التنبيه على ثبوت شرط آخر للبيع، و هو مغايرة المشتري للمال الذي اشتراه، و ذكروا هذا الفرع لعدم اعتبار مغايرة المشتري للمشترى.

و إمّا التنبيه على عدم اعتبار وجود شرائط المتعاقدين من أوّل العقد إلى آخره.

و إمّا التنبيه على عدم اعتبار تعدد الموجب و القابل، و عدم مانع من اتحادهما.

و هذا ممّا اختلف فيه القدماء، قال الشيخ قدّس سرّه: «المرأة البالغة الرشيدة تزوّج نفسها و تزوّج

ص: 336

______________________________

غيرها بنفسها مثل بنتها أو أختها، و يصح أن تكون وكيلة في إيجاب و قبول، و فيه خلاف» «1» خلافا للقاضي في هذه المسألة بخصوصها، لزعمه أنّها من باب اتحاد الموجب و القابل، كما صرّح هو بهذا.

و قال المحقق: «و لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه، قيل: لا يجوز، و الجواز أشبه» «2».

و قال الشهيد الثاني في شرحه: «وجه المنع اعتبار التغاير بين المتعاقدين، و عبارة العبد كعبارة سيده. أو اشتراط إذن المولى في تصرف العبد، و لم يسبق له منه إذن.

و يندفع الأوّل بأنّ المغايرة الاعتبارية كافية، و من ثمّ اجتزءنا بكون الواحد الحقيقي موجبا قابلا، فهنا أولى. و الثاني بأنّ مخاطبة السيد له بالبيع في معنى التوكيل له في تولّي القبول» «3».

و كيف كان فالحقّ صحة البيع. أمّا بناء على ما اخترناه من عدم توقف صحة إنشاءات العبد لغيره على إذن المولى و إجازته فواضح، لعدم اعتبار الإذن في إنشاءاته للغير، و لتعدد الموجب و القابل حقيقة.

و أمّا بناء على توقفها على ذلك فلأنّ مخاطبة المولى للعبد بقوله: «بعتك» في معنى توكيله في تولّي قبول الشراء لمن أمره بالاشتراء.

و أمّا اعتبار تعدد الموجب و القابل، ففيه أوّلا: عدم الدليل على اعتباره، و كفاية التعدد الاعتباري.

و ثانيا- بعد تسليمه- أنّ التعدد في المقام موجود، لكون الموجب هو السيد

______________________________

(1) المبسوط، ج 4، ص 193.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14.

(3) مسالك الافهام، ج 3، ص 157.

ص: 337

على كفاية رضا المولى الحاصل من تعريضه (1) للبيع من إذنه (2) الصريح، بل (3) يمكن جعل نفس الإيجاب موجبا للإذن الضمني [1]

______________________________

(1) متعلق ب «الحاصل» و ضميره راجع إلى «المولى» يعني: أنّ تعريض المولى العبد للبيع كاف عن إذنه الصريح في البيع.

(2) متعلق ب «كفاية» و حاصله: أنّ الرضا كاف، و لا يفتقر البيع إلى الإذن الصريح.

(3) إضراب عن البناء على كفاية الرضا، و التزام بالحاجة إلى الإذن، و حاصله:

أنّه يمكن إثبات الإذن في المقام، بأن يقال: إنّ نفس الإيجاب يوجب الإذن الضمني أو يكشف عنه، و إلّا لم يوجب البيع.

لكن يتوجه عليه: أنّ الكلام كان في اعتبار الإذن الصريح، لا مطلق الاذن و إن كان ضمنيا. و المستكشف من الإيجاب إذن ضمني للعبد في قبول الوكالة عن الغير في المباشرة للاشتراء لذلك الغير.

______________________________

و القابل هو العبد، و الاتحاد موقوف على وحدة عبارة السيد و العبد، و هو ممنوع جدّا، لعدم الوحدة لا شرعا و لا عقلا و لا عرفا.

[1] قد يتوهم أنّ الأولى إبداله بالإجازة الضمنية، لأنّ الإيجاب دالّ على إجازة قبول الوكالة الثابتة بسبب أمر الآمر العبد بالاشتراء، فالإيجاب دالّ على إجازة هذه الوكالة، لوقوعها بعد تحقق الوكالة، فينبغي عطف عنان البحث إلى توسعة الإجازة للإجازة الضمنية و عدمها، لا توسعة الاذن.

لكنّه كما ترى، ضرورة أنّ الإجازة عبارة عن إمضاء العمل الصادر من العبد كبيع و نحوه. و في المقام لم يصدر منه عمل. و إنّما الصادر هو توكيل الغير له، و إذن المولى يكون مسوّغا لقبول الوكالة، و المفروض أن العبد لم يقبل الوكالة قبل ذلك حتى تصدق الإجازة.

ص: 338

و لا يقدح (1) عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، لأنّ (2) هذا الشرط ليس على حدّ غيره من الشروط المعتبرة في كلّ من المتعاقدين من أوّل الإيجاب إلى آخر القبول [1]، بل هو (3) نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء، حيث يكفي تحقّقه بعد الإيجاب و قبل القبول الذي بنى المشتري على إنشائه (4) فضولا.

______________________________

(1) هذا إشارة إلى توهم و دفعه. أمّا التوهم فهو: أنّ المانع عن صحة البيع هنا انتفاء بعض الشرائط، و هو قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، لعدم كونه حرّا مستقلّا في تصرفاته التي منها القبول في زمان الإيجاب.

(2) هذا دفع التوهّم، و حاصله: أنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر شرائط المتعاقدين المعتبرة من أوّل زمان الإيجاب إلى آخر القبول، فتكفي قابلية المشتري للقبول بعد تمامية الإيجاب.

(3) أي: شرط قابلية المشتري للقبول في زمان الإيجاب، نظير قابلية من يريد أن يشتري مال الغير فضولا، فإذا أذن له مالك الثمن في الاشتراء بعد إيجاب البائع و قبل قبول المشتري- الذي بنى على إنشاء القبول فضولا- كفى في الخروج عن الفضولية، و صحّ البيع و لزم. و المقام نظير ذلك، فحدوث قابلية العبد للقبول بعد تحقق الإيجاب من السيد كاف في صحة البيع.

(4) أي: إنشاء القبول فضولا.

______________________________

[1] لكنه خلاف ما أطلقه سابقا من وجوب كون جميع الشروط من حين الإيجاب إلى تمام القبول، سواء لم يكن المشتري في حال الإيجاب قابلا للقبول، أم كان أهلا للقبول عرفا و لكن الشارع أسقط رضاه عن الاعتبار، فراجع «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 602- 605.

ص: 339

و عن القاضي: البطلان في المسألة (1) مستدلّا عليه (2) باتّحاد عبارته مع عبارة السيد، فيتّحد الموجب و القابل.

و فيه (3): مع اقتضائه المنع- لو أذن له السيد سابقا-

______________________________

(1) أي: في مسألة أمر الآمر العبد في شراء نفسه له من مولاه، و الحاكي لكلامه هو العلامة في وكالة المختلف، حيث قال: «مسألة: قال الشيخ في المبسوط: إذا وكّل رجل عبدا في شراء نفسه من سيده، قيل: فيه وجهان، أحدهما يصحّ .. و الثاني:

لا يصحّ، لانّ يد العبد كيد السيد، و إيجابه و قبول بإذنه بمنزلة إيجاب سيده و قبوله، فإذا كان أوجب له سيّده و قبله هو صار كأنّ السيد هو الموجب و القابل للبيع، و ذلك لا يصح، فكذلك هاهنا. قال- يعنى شيخ الطائفة- و الأوّل أقوى. و قال ابن البرّاج:

الأقوى عندي أنه لا يصحّ، إلّا أن يأذن له سيده في ذلك، فإن لم يأذن له فيه لم يصح.

و الحقّ ما قوّاه الشيخ، لأنّ بيع مولاه رضى منه بالتوكيل» «1».

و نسب صاحب الجواهر القول بالبطلان إلى القاضي، كما أن السيد العاملي نقل عبارة المختلف المتضمنة لكلام القاضي، فراجع «2».

(2) أي: على البطلان. و حاصل وجهه هو اتحاد الموجب و القابل الناشئ من كون عبارته عبارة السيد.

(3) أي: و في اتحاد الموجب و القابل- الذي جعله القاضي دليلا على البطلان- إشكالات:

أحدها: ما أشار إليه بقوله: «مع اقتضائه» و حاصله: أنّ إشكال الاتحاد يجري أيضا في صورة الإذن السابق في الوكالة عن الغير في الاشتراء له، مع عدم إشكال في صحة اشتراء العبد وكالة عن الغير.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 35.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 271، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 183.

ص: 340

منع (1) الاتحاد أوّلا. و منع قدحه (2) ثانيا.

هذا (3) إذا أمره الآمر بالاشتراء من مولاه. فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة منهم المحقق و الشهيد الثانيان: أنّه لا يصح، لعدم الإذن من المولى (4) [1].

______________________________

و ثانيها: ما تعرض له بقوله: «منع الاتحاد» لتعدد السيد و العبد حقيقة فتعدّد الموجب و القابل.

و ثالثها: ما أفاده بقوله: «و منع قدحه» لعدم دليل على لزوم تعدد الموجب و القابل حقيقة، فيكفي فيه التعدد الاعتباري.

(1) مبتدء مؤخر، و خبره قوله: «فيه».

(2) هذا الضمير و ضمير «اقتضائه» راجعان إلى اتحاد الموجب و القابل.

(3) المشار إليه هو القول بصحة شراء العبد نفسه من مولاه لو أمره آمر. و أمّا لو أمره ذلك الآمر بالاشتراء من وكيل المولى فعن جماعة عدم الصحة، لعدم الإذن من المولى.

(4) قال المحقق الثاني في شرح قول العلامة: «و ليس للملوك أن يبيع أو يشتري إلّا بإذن مولاه، فان وكّله غيره في شراء نفسه من مولاه صحّ على رأي» ما لفظه:

«لعلّ النكتة في قوله:- من مولاه- استلزام بيع المولى له نفسه إجازته لوكيل الغير إيّاه. بخلاف ما لو اشترى من وكيل مولاه. و الأصح الجواز، لأنّ التغاير بين العوضين و المتعاقدين يتحقق مع التغاير الاعتباري» «1». و نحوه كلام الشهيد الثاني.

______________________________

[1] قد عرفت سابقا عدم توقف الإنشاءات غير المتعلقة بنفس العبد على إذن المولى. و على تقدير التوقف يكفي الإذن الضمني الذي يدلّ عليه- التزاما- إيجاب المولى أو وكيله المفوّض معه، حيث إنّ إيجابه يدلّ على إجازته للعبد في قبول وكالته عن الآمر الذي أمره باشتراء نفسه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، مسالك الأفهام، ج 3، ص 157 و 158.

ص: 341

و ربما قيل (1) بالجواز حينئذ (2) أيضا بناء على ما سبق منه (3) من أنّ المنع لأجل النهي، و هو لا يستلزم الفساد.

و فيه (4) ما عرفت (5): من أنّ وجه المنع [1] هو أدلة عدم استقلال العبد

______________________________

و صريح كلامهما ترجيح الصحة، و إنّما ذكرا عدم الصحة وجها في المسألة.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه نقل وجه البطلان عنهما «1»، و لم ينقل قولهما: «و الأصحّ الجواز» و صار هذا منشأ لأن يقول المصنف: «فعن جماعة أنه لا يصح» فراجع الكلمات متأمّلا فيها.

(1) القائل هو صاحب الجواهر قدّس سرّه «2».

(2) أي: حين الاشتراء من وكيل المولى لا نفسه، كالاشتراء من نفس المولى في الصحة.

(3) أي: من صاحب الجواهر، و قوله: «بناء» قيد للجواز، يعني: أنّ الجواز مبنيّ على ما سبق منه من أنّ النهي عن معصية السيّد لا يقتضي الفساد .. إلخ.

(4) أي: و فيما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(5) عند إشكال المصنف عليه (في ص 333) بقوله: «و فيه أوّلا منع حرمة هذه ..

إلخ».

______________________________

[1] قد تقدم سابقا قصور أدلة عدم استقلال العبد عن شمولها للإنشاءات المتعلقة بغيره.

و كيف كان فالحق أن يقال: إن كان الوكيل مفوّضا فحكمه حكم السيد، و إلّا فالوجه البطلان، لخلوّ وكالة العبد عن الآمر بالشراء عن إذن السيد، و صحته منوطة بإجازة السيد، لكونه من صغريات عقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 272.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 272.

ص: 342

في شي ء، لا منعه عن التصرف في لسانه (1)، فراجع ما تقدّم (2). و اللّه أعلم [1].

______________________________

(1) كما أفاده في الجواهر بقوله: «إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد» إلى آخر ما تقدم في عبارته المنقولة في (ص 329).

(2) من إشكال المصنف عليه بقوله: «و فيه أوّلا .. و ثانيا .. إلخ».

______________________________

[1] ثمّ إنّ هنا فروعا كثيرة لا بأس بالتعرض لبعضها:

منها: أنّه إذا حاز العبد مباحا بإذن المولى مع القصد، فلا إشكال في صيرورته ملكا للمولى. و بدون القصد فالظاهر بقاؤه على الإباحة.

إلّا أن يقال: إن إذن المولى يتضمّن قصد التملك أيضا، و هو كاف في حصول شرط تملك المباحات أعني به قصد التملك.

و إن حازه بغير إذنه مع القصد، فعلى القول بملكيته يملكه محجورا عن التصرف فيه. و على القول بالعدم ففي بقائه على الإباحة أو صيرورته ملكا للمولى قهرا وجهان، أقواهما الثاني، لأنّه من منافع عبده. و لا يعتبر في تملك المباحات سوى الحيازة و القصد، و كلاهما موجود.

نعم إذا حاز المباح بدون القصد يشكل الحكم بملكيته للسيد أو العبد، بل هو باق على الإباحة، نظير حيازة حيوان لشي ء مباح، فإنّه باق على إباحته، إذ لا قصد للحيوان، فلا يملكه مالك الحيوان. و هذا القصد هو الفارق بين حيازة العبد و حيازة الحيوان، فالصور أربع ثنتان منها مع الإذن، و ثنتان منها بلا إذن.

و منها: أنّه لا مانع من أن يوكّله مولاه في بيع نفسه أو إعتاقه، إذ ما يتصوّر مانعا منه هو اتحاد الموجب و متعلق المعاملة، و ذلك ليس مانعا بعد ما تقدم من جواز اتحاد الموجب و القابل، و كفاية التغاير الاعتباري.

ص: 343

[الشرط الخامس من شروط المتعاقدين: ملك التصرف]
اشارة

مسألة:

و من شروط المتعاقدين (1): أن يكونا مالكين [1] أو مأذونين من المالك

______________________________

من شروط المتعاقدين: ملك التصرف

(1) اشترط الفقهاء قدّس سرّهم في المتعاقدين مالكيتهما للعوضين أو مأذونيتهما في البيع بالإذن الشرعي أو المالكي، و فرّعوا عليه انتفاء الصحة الفعلية عن بيع من ليس له ولاية التصرف في العوضين، سواء قيل ببطلانه رأسا أم بصحته التأهليّة.

و بيانه: أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمر العقد سواء أ كان مالكا، أم وليّا عليه، أم مأذونا منه، أم وكيلا عنه، و هذا لا إشكال في صحته. و إمّا يصدر من غير من له ولاية العقد بدون إذنه و إجازته، و هذا لا إشكال في فساده. و إمّا يصدر من غير من له ولاية العقد مع تعقبه بالإجازة. و هذا هو مورد البحث و الكلام في الصحة أو اللزوم كعقد نفس المالك أو المأذون منه أو من الشارع إلّا بالإجازة.

______________________________

[1] في هذا التعبير مسامحتان:

الأولى: في اعتبار مالكية العوضين في الخروج عن الفضولية، لانتقاضه بموارد.

منها: بيع العين المرهونة على المشهور- بل المدّعى عليه الإجماع- من حجرهما عن التصرف فيها، مع كونها ملكا للراهن، و هذا يكشف عن عدم كفاية مالكية العوضين في انتفاء الفضولية.

ص: 344

أو الشارع (1)

______________________________

(1) هذا العنوان بقول بعض الأعلام قدّس سرّه «1» من جوامع الكلم، لشموله لجميع أقسام من يصحّ منه البيع كالمالكين للعوضين و المأذونين منهم كوكلائهم، و المأذونين من الشارع، و هم الأولياء المنصوبون منه كالأب و الجدّ و الحاكم الشرعي و منصوبه،

______________________________

و منها: بيع السفيه و المفلّس، لعدم نفوذ بيعهما مع كونهما مالكين.

و منها: بيع المريض- في مرض موته- ما زاد على الثلث بناء على نفوذ تصرفه في الثلث خاصة، لتوقف صحة بيعه على إجازة الورثة، مع عدم زوال مالكيته عن أمواله بعد.

و منها: غير ذلك ممّا لا ينفذ بيع المالك.

و منه يظهر أنّ توجيه المتن «بأنّ المراد اشتراط نفوذ التصرف بمالكية المتعاقدين» غير وجيه، لأنّ نفوذ التصرف منوط بمالكية المتعاقدين لأمر العقد لا للعوضين.

نعم تندفع هذه المسامحة بما سيأتي نقله من كلام الشهيد قدّس سرّه في تعريف الفضولي من تصريحه بأن «الفضولي هو من لا يملك التصرف» و عليه فالعبارة الجامعة لملك العوضين و الاذن في البيع شرعا أو مالكا هو ملك أمر العقد.

الثانية: التعبير ب «لا يصح» و تفسيره بعدم ترتب اللزوم عليه كعقد الأصيل، إذ الكلام في نفوذ عقد الفضول و عدمه، لا في لزومه و جوازه. لأنّ الفضول قد ينشئ عقدا خياريا كما إذا باع حيوانا مملوكا للغير، فبيعه عقد جائز غير نافذ، لوقوفه على إجازة الملك.

و عليه فالحكم ببطلان عقد الفضول إنّما يتّجه لو اختلّ بعض شروط العقد. و مع فرض وقوعه باطلا امتنع تصحيحه بالإجازة المتأخرة، لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه. فلا بدّ أن يكون نفس العقد صحيحا حتّى يتوقّف تأثيره و نفوذه على الإجازة.

______________________________

(1) هو الفاضل المامقاني في غاية الآمال، ص 350.

ص: 345

فعقد الفضولي (1) لا يصحّ (2)، أي: لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره (3)

______________________________

و المأذون من قبله، و كذا المنصوب من الأب أو الجد قيّما على الصغير، و غير ذلك من الموارد التي تنتفي الفضولية فيها.

(1) الفضولي لغة الاشتغال بما لا يعنيه. قال الفيومي: «و فضل فضلا من باب قتل زاد، و هو الفضل أي الزيادة، و الجمع فضول، مثل فلس و فلوس. و قد استعمل الجمع استعمال المفرد أيضا: فيما لا خير فيه، و لهذا نسب إليه على لفظه، فقيل: فضولي لمن يشتغل بما لا يعنيه، لأنّه جعل علما على نوع من الكلام، فنزّل منزلة المفرد، و سمّي بالواحد» «1».

و عن أقرب الموارد: «الفضول جمع الفضل كما مرّ، و الفضول العمل الفضولي، و هو مفرد هنا، يقال: انّ ذلك فضول منه أي اشتغال بما لا يعنيه».

و لا يخفى أنّه لو لا علمية الفضول لنوع من الكلام لكان مقتضى القاعدة الأدبية- من ردّ الجمع الى المفرد في النسبة- أن يقال: «فضلي» لا «فضولي».

و اصطلاحا- كما عن الشهيد- «هو الكامل غير المالك للتصرف فيه، سواء كان غاصبا أم لا». و المناسبة بين المعنى اللغوي و الاصطلاحي هو الإطلاق و التقييد.

و كيف كان فالفضولي صفة للعاقد، و الفضول صفة للعقد، فجعل الفضولي صفة للعقد مجاز من قبيل الوصف بحال متعلّقه.

(2) يعني: أنّه يتفرّع على هذا الشرط عدم صحة عقد الفضولي، بمعنى عدم ترتب الأثر الذي يترتب على عقد غير الفضولي و هو اللزوم.

(3) أي: غير الفضولي من لزوم ترتيب الأثر من النقل و الانتقال أو غيرهما، فإنّ هذا الأثر لا يترتب على عقد الفضولي.

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 475.

ص: 346

من اللزوم (1) [1]. و هذا (2) مراد من جعل الملك و ما في حكمه (3) شرطا، ثمّ فرّع (4) عليه «بأنّ بيع الفضولي موقوف على الإجازة» كما في القواعد.

فاعتراض (5)

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول.

(2) أي: ما ذكرناه- من كون الشرط مالكية المتعاقدين أو مأذونيّتهما من المالك أو الشارع- هو مراد من جعل الملك و ما في حكمه أعني الإذن من المالك أو الشارع شرطا، توضيحه: أنّ مراد العلامة قدّس سرّه من جعل الشرط الملكية أو الإذن من المالك أو الشارع هو توقف لزوم العقد فعلا على إجازة وليّ البيع و مالكه، في قبال العقد الصادر من وليّ البيع، فإنّه بمجرد صدوره يكون لزومه فعليا.

(3) و هو الإذن من المالك أو الشارع.

(4) يعني: العلّامة قدّس سرّه فإنّه فرّع على هذا الشرط توقف بيع الفضولي على الإجازة حيث قال: «و يشترط كون البائع مالكا أو وليّا عنه كالأب و الجدّ له، و الحاكم و أمينه، و الوصي، أو وكيلا، فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي ..» «1».

(5) محصل اعتراض المحقق الثاني قدّس سرّه على ما في القواعد هو: أنّ هذا التفريع في

______________________________

[1] لعلّ الأولى ابداله ب «الأثر» لأنّ ظاهر اللزوم ترتب الملكية في البيع بدون اللزوم، و توقف اللزوم على الإجازة. مع أنه ليس كذلك، لأنّ شرطية طيب نفس المتعاقدين- الذي تكشف عنه الإجازة- تقضي بعدم ترتب أثر أصلا على عقد الفضولي إلّا بالإجازة، حيث إنّ طيب النفس المستكشف جزء العقد أو شرطه، و لا يترتب الحكم على الموضوع قبل تمامية جزئه و شرطه. فالحكم الوضعي من الملكية اللازمة كما في البيع و الجائزة كما في الهبة لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بالإجازة.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19.

ص: 347

جامع المقاصد عليه «بأن التفريع في غير محله» لعلّه (1) في غير محلّه [1].

[التعرض لمسألة عقد الفضولي]
اشارة

و كيف كان (2) فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهمّ المسائل (3)، فنقول: اختلف الأصحاب و غيرهم في بيع الفضولي، بل مطلق

______________________________

غير محله، إذ المتبادر من الشرط المذكور بطلان عقد الفضولي، لكونه فاقدا لذلك الشرط، إذ المفروض أنّه ليس مالكا و لا مأذونا منه و لا من الشارع. لا توقفه على الإجازة كما أفاده العلامة قدّس سرّه.

(1) خبر «فاعتراض» أي: لعلّ اعتراض المحقق الثاني على العلامة قدّس سرّهما في غير محله، و ذلك لأنّ مراد العلامة من الشرط المذكور شرطيّته في الصحة الفعلية، بمعنى أنّ عقد الفضولي لا يصير مؤثرا فعلا. و هذا لا ينافي صحته الشأنية، و توقف فعليتها على الإجازة.

(2) أي: سواء كان اعتراض المحقق الثاني- و من تبعه كالسيد العاملي قدّس سرّهما «1»- على تفريع العلّامة في محلّه أم في غير محلّه، فالمهمّ .. إلخ. و هذا شروع في الإشارة إلى أقوال الفقهاء في المسألة و تحرير محلّ النزاع، و أن بحث الفضولي مخصوص بالعقود، و لا يجري في الإيقاعات، لاتفاقهم على بطلانها.

(3) أي: المسائل المهمة الفقهية التي وقع فيها البحث قديما و حديثا بين علماء الفريقين.

______________________________

[1] نعم هو في غير محله، لكن لا لما ذكره المصنف، بل لفقدان شرطه و هو طيب النفس، و الإجازة كاشفة عنه، فإن حصلت ترتّب الأثر على العقد، و إلا فلا، و غرض العلّامة قدّس سرّه من التوقف على الإجازة هو عدم ترتّب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد تحقّق شرطه و هو الإجازة. و هذا كلام متين.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 184.

ص: 348

عقده (1)- بعد اتفاقهم على بطلان إيقاعه (2) كما في غاية المراد (3)- على أقوال (4).

______________________________

(1) أي: عقد الفضولي كالصلح و النكاح و الإجارة و الوكالة و المساقاة و المزارعة و غيرها، فلا يختص النزاع بالبيع.

(2) أي: إيقاع الفضولي. و الظاهر من عبارة الشهيد الآتية جميع الإيقاعات.

(3) قال في غاية المراد: «اختلف علماؤنا في كل عقد صدر عن الفضولي، و نعني به الكامل غير المالك للتصرف فيه، سواء كان غاصبا أم لا، بعد اتفاقهم على بطلان الإيقاع، و على عدم لزوم العقود على أقوال» «1».

و قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح قول العلامة قدّس سرّه في الإرشاد: «و الرّاهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» ما لفظه: «و الظاهر عدم القول به- يعني بالفضولي- في العتق، لقولهم عليهم السّلام: لا عتق إلّا في ملك. و يمكن الجواز و التأويل كما لا بيع إلّا فيما يملك» «2».

(4) متعلق ب «اختلف». ثم إنّ أقوال المسألة على ما عن الشهيد قدّس سرّه في نكاح غاية المراد خمسة:

الأوّل: بطلانه مطلقا أي في البيع و الشراء و النكاح و غيرها، سواء أجاز المالك العقد أم لا. حكاه رحمه اللّه عن الشيخ رحمه اللّه في المبسوط و البيع من الخلاف.

الثاني: وقوفه على الإجازة مطلقا، حكاه ره عن الحسن و المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية، و سلّار و القاضي و التقي و ابن حمزة و المحقق و العلّامة.

الثالث: أنّه يقف بالبيع و يبطل الشراء، حكاه ره عن الشيخ في كتاب النكاح من الخلاف. و المعنون في كثير من العبارات إنّما هو «ما لو باع الفضولي» من دون تعرض لشرائه، فيحتمل أن يكون ذكر البيع من باب المثال، كما يحتمل أن يكون من باب الاختصاص بالحكم.

______________________________

(1) غاية المراد، ص 177، و حكاه عنه في المقابس، ص 19 (كتاب البيع).

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 163.

ص: 349

و المراد بالفضولي كما ذكره الشهيد هو الكامل (1) غير المالك للتصرف (2) و لو (3) كان غاصبا، و في كلام بعض العامة «أنّه (4) العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه» [1]

______________________________

الرابع: بطلان البيع و صحّة النكاح قال رحمه اللّه: «و هو قول الفاضل ابن إدريس رحمه اللّه».

الخامس: بطلان النكاح في غير البكر الرشيدة مع حضور الولي، و عقد الأبوين على الصغير، و الجدّ مع عدم الأب، و عقد الأخ و العمّ و الامّ على صبيته، و العقد لعبد منه أو من أجنبي بلا إذن السيد، قال ره: «و هو قول ابن حمزة».

(1) أي: الكامل بالنسبة إلى الشرائط العامة كالبلوغ و العقل و الاختيار و الحرية.

(2) غرضه أنّ الفضولي ليس خصوص من لا يكون مالكا للعين، بل يعمّ كلّ من ليس له حق التصرف في عين المال و إن كان مالكا لها، كالراهن المالك للعين المرهونة، فإنّه- مع كونه مالكا لها- ليس له حق التصرف فيها إلّا بإذن المرتهن. و كذا القصّر كالصغار و المجانين و المفلّسين، فإنّهم مع كونهم مالكين ممنوعون من التصرف.

(3) كلمة «لو» غير مذكورة في كلام الشهيد، و المذكور فيه «سواء كان غاصبا أم لا» كما عرفت نصّ كلامه في (ص 349).

(4) أي: الفضولي، يعني: أنّ الفضولي يطلق في كلام بعض العامة على العاقد الذي يعقد بدون إذن من يعتبر إذنه من المالك أو الشارع.

______________________________

[1] الظاهر أنّ النسبة بينهما هي العموم المطلق، لأنّ كل كامل غير مالك للتصرف عاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. و لا عكس، كما إذا كان العاقد مجنونا أو صغيرا بحيث يمكن تمشّي القصد منهما، فإنّ هذا العاقد فضولي، لصدق العاقد بلا إذن من يعتبر إذنه عليه، و لا يصدق عليه الفضولي بمعناه الأوّل، لعدم كون العاقد كاملا.

و تعريف الشهيد أولى من تعريف بعض العامة، لأنّ عقد الفضولي- في مقابل عقد الأصيل- يقتضي أن يكون عقدا تاما من جميع الجهات الدخيلة في عقديته

ص: 350

و قد يوصف به (1) نفس العقد، و لعلّه (2) تسامح.

و كيف كان (3) فيشمل العقد الصادر من الباكرة [البكر] [1] الرشيدة بدون إذن الوليّ، و من المالك (4) إذا لم يملك التصرف،

______________________________

(1) أي: بالفضولي، يعني: أنّه قد يوصف نفس العقد بالفضولي، فيقال: «العقد الفضولي» كما يقال: «العاقد الفضولي» و قد وصف الشهيد العقد بالفضولي، لقوله في غاية المراد: «البيع الفضولي».

(2) يعني: و لعلّ توصيف نفس العقد بالفضولي مسامحة، وجه المسامحة: أنّ العقد ليس ملكا لأحد حتى يكون متصفا بالفضولي، و إنّما المتصف به هو العاقد غير المالك للتصرف.

(3) يعني: سواء أ كان الفضولي بالمعنى الذي ذكره الشهيد أو بعض العامة، فيشمل عقد الفضولي العقد الصادر من البكر الرشيدة بناء على ولاية الأب و الجدّ عليها، و عدم ولايتها على تزويج نفسها، لصدق مفهوم الفضولي بكلا تفسيريه على عقد البكر الرشيدة كما لا يخفى.

(4) معطوف على «من البكر» يعني: و يشمل عقد الفضولي العقد الصادر من المالك الممنوع عن التصرف في ماله كالراهن و المفلّس و غيرهما من المحجورين من

______________________________

إلّا صدوره ممّن له ولاية العقد، فجميع شروط العقد في عقد الفضولي موجودة، فلا يشمل عقدا لا يكون قابلا للإجازة كالصغير بناء على كونه مسلوب العبارة، بحيث لا يصح عقده حتى بإجازة وليّه.

[1] المذكور في نسخ المكاسب «الباكرة» غير النسخة المنسوبة إلى جامعة النجف الدينية. و الصحيح هو (البكر) فعن شرح القاموس «بأن التعبير عن هذا المعنى- أي العذراء- بلفظ الباكرة غلط».

ص: 351

لتعلق حق الغير بالمال (1) كما يومي إليه (2) استدلالهم لفساد الفضولي بما دلّ على المنع من نكاح الباكرة [البكر] الرشيدة بغير إذن وليّها. و حينئذ (3) فيشمل بيع الراهن و السفيه و نحوهما (4) و بيع (5) العبد بدون إذن السيد.

______________________________

التصرف في أموالهم.

(1) كتعلق حق المرتهن بالعين المرهونة، فإنّ مالكها- و هو الراهن- ممنوع من التصرف فيها.

(2) أي: يومي الى هذا الشمول استدلال الفقهاء- لفساد عقد الفضولي مطلقا بيعا كان أو غيره- بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها الموجود، كما في خبر أبى مريم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها. و قال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت متى شاءت» «1».

و على كلّ فالمستدل بهذه الروايات هو القائل بفساد عقد الفضول، و قد أشار إليه صاحب المقابس في عدّ حججهم بقوله: «و منها: ما ورد في النكاح، و هي أيضا كثيرة، تطلب مع الجواب عنها في محلّها» «2».

(3) أي: و حين شمول عقد الفضولي لعقدي البكر الرشيدة بدون إذن وليّها و المالك الذي لا يملك التصرف- بسبب استدلال الفقهاء بالأخبار الواردة في منع نكاح البكر الرشيدة بغير إذن وليّها- فيشمل عقد الفضولي بيع الراهن و السفيه.

(4) كالمفلّس و المحجور عليه لصغر أو جنون.

(5) معطوف على «بيع الراهن» و غرضه أنّ تعريف الشهيد للفضولي- بما ذكر- يشمل بيع العبد مال نفسه بدون إذن سيده، أو بيع العبد مال غيره بإذن مالكه و بدون

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 2. و نحوه ما ورد في الباب 9، ص 214 و 215، و ما ورد في بعض أخبار الباب 11 من أبواب المتعة، 457 إلى 460.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 31.

ص: 352

[حكم العقد المقرون برضا المالك]

و كيف كان (1) فالظاهر شموله (2) [1] لما إذا تحقّق رضا المالك للتصرف باطنا، و طيب (3) نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى (4)،

______________________________

إذن سيده في إجراء صيغة البيع. و هذا أولى من سابقه، لاندراجه في بيع المالك إذا لم يملك التصرف في ماله.

لكن قد عرفت سابقا منع توقف صحة إجراء الصيغة على إذن السيد.

حكم العقد المقرون برضا المالك

(1) يعني: سواء قلنا بشمول الفضولي لمثل بيع الراهن بلا إذن المرتهن، أم قلنا بعدمه.

(2) أي شمول عقد الفضولي لما إذا أحرز طيب نفس المالك مع عدم إذن منه، فإذا باع شخص مال غيره مع إحراز رضاه كان هذا البيع من أفراد عقد الفضولي، و مجرد رضا المالك به لا يخرجه عن الفضولية.

(3) معطوف على «رضا» أي: تحقق طيب نفس المالك بالعقد.

(4) أو بشاهد الحال، فإنّ جميع هذه الثلاثة إذن، غايته أنّ الأوّلين إذن بلسان القال، و الثالث إذن بلسان الحال. فغرض المصنف قدّس سرّه من هذا الكلام إدراج مورد العلم برضا المالك في الفضوليّ، و أنّ خروجه عن الفضولية منوط بإظهار الرضا و لو بالفحوى. و استدلّ عليه بما سيأتي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على شمول الفضولي لصورة رضا المالك باطنا يشكل التصرف الاعتباري كالبيع و نحوه في السهم المبارك لمن يأخذه و يصرفه في ضروريات معاشه، و يشتري به ما يحتاج إليه، لتوقف البيع و الشراء و غير ذلك من التصرفات المملّكة على الملكية، مع فرض عدم صيرورة السهم المبارك ملكا لأحد.

ص: 353

لأنّ (1) العاقد لا يصير مالكا للتصرف و مسلّطا عليه بمجرد علمه (2) برضا المالك.

______________________________

(1) تعليل لعدم خروجه عن الفضولية، و محصّله: أنّ مجرد العلم برضا المالك لا يجعل العاقد مالكا للتصرف حتى يخرج عن عنوان الفضولي، و خروجه عن هذا العنوان منوط بكونه مالكا للتصرف.

(2) أي: علم العاقد برضا المالك، و ضمير «عليه» راجع إلى التسلط.

______________________________

دون التصرف الخارجي كالأكل و الشرب و اللبس، لكفاية طيب النفس في جوازها، و عدم اشتراطها بالإذن.

و يمكن دفع الإشكال أوّلا: بأن يشتري آخذ السهم متاعا بثمن في ذمته، ليتملّك المتاع، ثم يدفع السهم إلى البائع لتفريغ ذمته عمّا اشتغلت به من الثمن تبرّعا من ناحيته عليه السّلام اعتمادا على إذنه عليه السّلام لقابض السهم المبارك في التصرف فيه، فإنّ التبرع بأداء دين الغير من المستحبات، و فراغ الذمة لا يتوقف على مالكية المديون للمال الذي يدفعه إلى الدائن، بل هو مال الامام عليه السّلام، و به تبرء ذمة المديون، و يملك المشتري المتاع بنفس الشراء، و التبرع المستحب بماله عليه السّلام داخل في التصرف المأذون فيه.

و الرضا بوفاء الدين بماله عليه السّلام مستلزم لمالكية الدائن لذلك المال، و إلّا لم يكن وفاء، فنفس الوفاء يوجب ملكية المال الذي يوفى به الدين للدائن.

و ثانيا: أنّ رضاه عليه السّلام بالتصرف في ماله مع القطع بوقوع التصرفات المتوقفة على الملك فيه بالضرورة أذن بشاهد الحال في جميع تلك التصرفات، فيخرج عقدها عن الفضولي، و يصير المتاع المشتري بماله ملكا له عليه السّلام مع الإذن لمشتريه بالتصرف فيه.

أو إذن منه عليه السّلام بتملك ماله عليه السّلام، كتملك المرتزقين من بيت المال، فإنّ من يرتزق منه كالقاضي يتملّك المال و يتصرف فيه تصرفا متوقفا على الملك. نظير من

ص: 354

______________________________

يأذن لغيره عموما أو خصوصا بتملك ماله بمعنى رفع المانع عن تملك الغير له كتملك مال أعرض عنه مالكه.

و الفرق بين هاتين الصورتين أنّه في هذه الصورة يصير السهم المبارك ملك الآخذ بالقبض مع قصد التملك، فيبيع و يشتري بمال نفسه. و في الصورة السابقة يكون مأذونا في البيع و الشراء بمال الامام عليه السّلام، لا بمال نفسه، لكن مع جواز التصرف فيه بإذنه عليه السّلام.

و يحتمل أن يعامل مع السهم المبارك معاملة المال المتعذر وصوله إلى مالكه، فيكون أخذه من باب التصدق الموجب لتملك الآخذ له. لكن يشكل حينئذ صرفه في غير ضروريات معاش الفقراء و المضطرّين، كبناء المدارس العلمية و المساجد و الحسينيّات و غيرها.

إلّا أن يضعف هذا الاحتمال بأنّه مع تعيّن المصرف من مالك السهم لا تصل النوبة إلى التصدق، هذا.

ثمّ إنّ لسيدنا المحقق الخويي كلاما في المقام مذكورا في بعض أجوبة استفتاءاته، و هو: أنه إذا وقعت المعاملة بعين السهم المبارك كان عوضها ملك الامام عليه السّلام.

و هذا يتوقف على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة، و الاستغناء عن الإجازة لخروجها عن الفضولية. مع أنّه دام بقاؤه لا يخرج هذه المعاملة المقرونة برضا المالك عن عقد الفضولي. فالالتزام بصحّتها و لزومها ينافي التزامه باندراج المعاملة المقرونة برضا المالك باطنا مع عدم إذنه في عقد الفضولي.

و يمكن دفع المنافاة بحصول الإذن منه عليه السّلام بشاهد الحال الذي هو كالإذن بلسان المقال، حيث إنّ بقاء الأحكام و شرائع الإسلام موقوف على إقامة الحوزات العلمية و تشييد أركانها، إذ بدونها تندرس الأحكام، و تنمحي آثار الإسلام. و هذا الوضع

ص: 355

و يؤيّده (1) اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا، و فرّعوا (2) عليه بيع الفضولي

______________________________

(1) يعني: و يؤيّد شمول عقد الفضولي للعقد الذي أحرز رضا مالك التصرف باطنا به- بدون إذنه صريحا أو فحوى بهذا العقد- اشتراط الفقهاء في لزوم العقد ..

إلخ.

وجه التأييد: أنّ إطلاق تفريع بيع الفضولي على اشتراط كون العاقد مالكا أو مأذونا أو وليّا يقتضي اندراج كلّ عقد فاقد للشرط المذكور تحت بيع الفضولي حتى مع اقترانه برضا المالك باطنا.

و التعبير بالتأييد دون الدلالة ظاهر الوجه، إذ ليس تفريع الفقهاء حجة شرعية حتى يستدلّ به على المدعى، نعم هو صالح للتأييد.

(2) أي: فرّعوا على الاشتراط المزبور بيع الفضولي، و التفريع يدلّ على شمول عقد الفضولي لصورة رضا مالك التصرف باطنا، لعدم كون العاقد- مع رضا المالك باطنا- مالكا و لا مأذونا و لا وليّا، و كل عاقد لم يكن كذلك كان فضوليا.

______________________________

يقتضي إذنه عليه الصلاة و السّلام بالبيع و الشراء بالسهم المبارك، فتندرج المعاملة في معاملة المأذون من ناحية المالك، و تخرج عن عقد الفضولي.

و قد حكي عن السيد المحقق المجدد الميرزا الكبير الشيرازي قدّس سرّه أنه قال:

«أنا قاطع برضا مولانا الحجة المنتظر عجّل اللّه فرجه بصرف سهمه المبارك في إقامة الحوزات العلمية الشيعية، و إدارة شؤونها».

فالمتحصل: أنّ جواز التصرف في السهم المبارك يمكن أن يكون بأحد الوجوه المتقدمة.

ص: 356

و يؤيّده (1) أيضا استدلالهم على صحة الفضولي بحديث عروة البارقي «1»، مع أنّ الظاهر علمه (2) برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله.

و إن (3) كان الذي يقوى في النفس- لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب (4)- عدم توقفه على الإجازة اللّاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد، سواء علم به (5) العاقد

______________________________

(1) معطوف على «و يؤيّده» يعني: و يؤيّد شمول عقد الفضولي لصورة رضا المالك باطنا و طيب نفسه بالعقد- من دون إذنه صريحا أو فحوى- استدلال الفقهاء على صحة عقد الفضولي بحديث عروة البارقي، مع علمه ظاهرا برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله. و هذا الاستدلال كاشف عن عدم خروج صورة رضا المالك باطنا عن عقد الفضولي. و سيأتي شرح حديث عروة البارقي إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: علم عروة. غرضه من قوله: «مع أن الظاهر» إدخال قضية عروة- المحرز لرضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم باطنا- في بيع الفضولي حتى يصح الاستدلال بها على أنّ إحراز الرضا باطنا لا يخرج المعاملة عن عقد الفضولي.

لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور، مضافا الى ضعف السند. و لعله لذا جعله مؤيدا لا دليلا.

(3) هذا شروع في بيان مختاره في صورة رضا المالك باطنا مع عدم إذنه.

و الأقوى عنده قدّس سرّه صحة البيع و عدم توقفه على الإجازة، و خروجه عن عقد الفضولي موضوعا.

(4) حيث إنّ كثيرا من فقهاء الإمامية ذهبوا إلى أنّ هذه الصورة أيضا تحتاج إلى الإجازة، فالعلم برضا المالك لا يخرجه عن الفضولي.

(5) أي: برضا المالك، فيجب على المالك ترتيب آثار الصحة عليه.

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 3، ص 205، ح 36، و رواه المحدّث النوري- عن ثاقب المناقب للشيخ الطوسي- في مستدرك الوسائل، ج 13، ص 245، الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1.

ص: 357

أو انكشف بعد العقد حصوله (1) حينه، أو لم ينكشف (2) أصلا، فيجب على المالك فيما بينه و بين اللّه تعالى إمضاء ما رضي به، و يرتب الآثار عليه، لعموم (3) وجوب الوفاء بالعقود «1» [1] و قوله تعالى شأنه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «2»

______________________________

(1) أي: حصول الرضا، و ضمير «حينه» راجع إلى «العقد».

(2) أي: لم ينكشف بعد العقد حصول الرضا حين العقد.

و الظاهر الاستغناء عن كلمة «أصلا» إذ ليس لعدم الانكشاف إلّا فرد واحد و هو عدم الانكشاف بعد العقد. إلّا أن يراد من كلمة «أصلا» عدم العلم بالرضا حين العقد و عدم الانكشاف بعده، فتأمّل.

(3) قد استدلّ المصنف قدّس سرّه على مختاره بوجوه:

الأوّل: عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بتقريب: أنّ هذا العقد جامع للشرائط المعتبرة في العقود سوى الإجازة الصريحة أو الفحوى من المالك، لكن رضاه القلبي موجود، فيصير هذا العقد من العقود الصحيحة التي تشملها الآية الكريمة، و كذا الحال في آية التجارة، لصدق التجارة عليه، فتشمله آية التجارة.

______________________________

[1] يتوجه عليه: أنّ وجوب الوفاء بكل فرد من أفراد العقود متوجه إلى من تحقّق له عقد بحيث يضاف إليه و يقال: إنّه عقده. و مجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعل عقد الفضولي عقده حتى يكلّف بالوفاء به. و كذا الحال في آية التجارة، حيث إنّ مجرّد الرضا الباطني للمالك لا يجعلها تجارة المالك، فلا ينسب إليه التجارة، و لا يقال: إنّه اتّجر بماله.

و بالجملة. فعقد الفضولي ليس عقدا للمالك و لا تجارة له، فلا يشمله أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لا آية التجارة عن تراض. فهاتان الآيتان الشريفتان نظير آية وجوب الوفاء

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية: 1.

(2) سورة النساء، الآية: 29.

ص: 358

و لا يحلّ (1) مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفسه «1» [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو: ما دلّ على حرمة مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه. و المفروض أنّه راض ببيع ماله، فيكون خارجا عن الفضولية، فيجوز التصرف فيه بلا حاجة إلى الإجازة.

______________________________

بالنذور في عدم كون جميع المكلّفين مخاطبين بهذه التكاليف، فلا يصح الاستدلال بهما على المقام.

[1] و فيه: أنّ الظاهر إرادة الحلية التكليفية في التصرفات الخارجية كالأكل و الشرب. فإن كان كذلك فهو أجنبي عن مورد البحث و هو الحكم الوضعي أعني به نفوذ البيع و نحوه.

و إن أريد بالحل أعمّ من التكليفي و الوضعي كما هو المحتمل- لكون الحل بمعنى الإرسال و الفتح في مقابل السّدّ- ففيه: أنّه لا يدل إلّا على دخل طيب النفس في الحلية، و لا دلالة فيه على انحصار سبب الحل في الرضا الباطني حتى ينافي اعتبار أمر آخر فيه كالإذن و الإجازة إذا نهض دليل عليه.

و الوجه في عدم إفادة الحصر ممّا دلّ على نفي الحل إلّا مع طيب النفس هو: أنّ نفي الماهية عند انتفاء شي ء لا يدلّ على الحصر، و إناطة وجود تلك الماهية بوجود ذلك الشي ء فقط، بل يدلّ على اعتباره في الماهية و أنّها تنتفي بانتفائه. و لا ينافي ذلك اعتبار شي ء آخر فيها فمثل «لا صلاة إلّا بطهور» و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» لا يدلّ على الحصر و عدم تحقق الصلاة إلّا بالطهور أو الفاتحة، بل يدل على اعتبار الطهور و الفاتحة

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 2، ص 113، الحديث: 309.

ص: 359

و ما (1) دلّ على أنّ علم المولى بنكاح العبد و سكوته (2) إقرار منه.

______________________________

(1) بالجرّ محلّا عطفا على «لعموم» و هذا إشارة إلى الوجه الثالث، و هو ما دلّ على علم المولى بنكاح العبد، و أنّ سكوته إقرار منه بذلك. تقريب الاستدلال به: أنّ ظاهره كفاية الرضا الباطني في خروج العقد عن الفضولية، لأنّ كفاية السكوت في نفوذ العقد و عدم الحاجة إلى إجازة جديدة تدلّ على كفاية الرضا الباطني، و هذا ممّا يدل عليه جملة من الروايات:

منها: رواية معاوية بن وهب قال: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين اعتقت؟ فقال عليه السّلام له: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم و سكتوا عنّي، و لم يغيّروا عليّ. قال فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل» «1» و قريب منه غيره.

(2) بالنصب عطفا على «علم» و ضميرا «سكوته»، منه راجعان الى «المولى».

______________________________

شطرا أو شرطا فيها، و لا ينافي ذلك اعتبار شي ء آخر فيها تنتفي الصلاة بانتفائه أيضا، فاستدلال أبي حنيفة على عدم دلالة الاستثناء على الحصر بمثل «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» غير سديد، لأنّ الاستثناء في موارد نفي الماهية ليس حقيقيا حتّى يدلّ على الحصر كما في «جاء القوم الّا زيدا» بل هو استثناء صوري لا يدلّ إلّا على اعتبار المستثنى شطرا أو شرطا في الماهية المنفية المستثنى منها.

و بالجملة: فما دلّ على دخل طيب النفس- بعد تسليم عموم الحلّ للتكليفي و الوضعي- لا يدلّ على انحصار الحلّ في الرضا الباطني. فلا ينافي اعتبار الإذن أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: و نحو الحديث 2 و 3 من الباب.

ص: 360

و رواية (1) عروة البارقي الآتية «1»، حيث أقبض المبيع و قبض الدينار، لعلمه برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و لو كان فضوليّا موقوفا على الإجازة لم يجز التصرف في المعوّض و العوض بالقبض و الإقباض. و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له على ما فعل دليل على جوازه، (2) هذا.

______________________________

(1) معطوف كما قبله على «لعموم وجوب الوفاء»

(2) محصّل استدلال المصنّف قدّس سرّه برواية عروة البارقي- الذي هو الوجه الرابع من أدلة خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف عن عقد الفضولي- هو: أنّ العروة لمّا كان عالما برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله باع إحدى الشاتين اللتين اشتراهما بالدينار الّذي أعطاه الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أقبضها للمشتري، و قبض منه ثمنها الذي كان دينارا، إذ لو لم يكن الرضا القلبي- الذي علمه عروة من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- كافيا في صحة العقد، بل كانت صحته متوقفة على الإجازة، لكونه فضوليا، لم يكن تصرفه بإقباض الشاة إلى المشتري و قبض ثمنها و هو الدينار منه جائزا، و كان حراما قبل الإجازة، لكونه تصرفا في مال الغير. و تقريره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دليل على تصرف عروة في المعوّض و هو الشاة التي باعها بإقباضها، و تصرفه في العوض و هو الدينار بقبضه من المشتري.

______________________________

الإجازة أيضا فيه إذا قام عليه دليل. فالاستدلال به على ما ادّعاه الشيخ قدّس سرّه غير وجيه.

و أمّا ما دلّ على نكاح العبد، و أن سكوت المولى إقرار منه، فهو على خلاف المطلوب أدلّ، لدلالته على كون السكوت إقرارا أي إجازة، فإنّ السكوت في مقام البيان

______________________________

(1) في ص 380.

ص: 361

مع (1) أنّ كلمات الأصحاب

______________________________

هذا لكن في خروج العقد بهذا، عن الفضولية تأمل، فراجع الجواهر «1».

(1) غرضه قدّس سرّه الخدشة في ما نسبه إلى الأصحاب آنفا بقوله: «لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب» حيث إنّه جعل ظاهر الأصحاب شمول عنوان «الفضوليّ» لما إذا علم العاقد رضا المالك. فقوله هنا: «مع أن ظاهر الأصحاب» استظهار لخروج العلم بالرضا عن الفضولي موضوعا، على ما يستفاد من بعض كلماتهم، و هو الذي يقوى في نفسه الشريفة.

______________________________

و عدم مانع للمتكلم من بيان تمام مراده بيان لعدم دخل شي ء آخر في مراده، فيستفاد من قوله عليه السّلام: «أ كانوا علموا» أنّ علمهم مقدمة لبيان كون السكوت إجازة، فلو لم تكن المعاملة المقرونة برضا المالك محتاجة إلى الإجازة لم تكن حاجة إلى قوله عليه السّلام:

«سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم» و كان قوله عليه السّلام: «أثبت على نكاحك الأوّل» كافيا.

و أمّا الاستدلال بحديث عروة بن الجعد البارقي- بالواو كما هو المشهور، لكن عن بعض الأعلام قدّس سرّه «انّ المذكور في الكتب الرجالية للخاصّة و العامّة عرفة الأزديّ الموصوف بأنّه دعا له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله: اللهم بارك في صفقة يمينه .. نعم في الاستيعاب من كتب العامة: «غرفة الأزدي بالغين المعجمة».

لكن عن شيخ الطائفة في رجاله و كذا العلّامة قدّس سرّهما في الخلاصة: عرفة الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دعا له، فقال: اللهم بارك له في صفقة يمينه».

و في مضاربة التذكرة «عروة بن لبيد البارقي» «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 277 آخر الصفحة.

(2) تذكرة الفقهاء ج 2 ص 250، السطر 10.

ص: 362

في بعض المقامات (1) يظهر منها خروج هذا الفرض (2) عن الفضولي، و عدم (3)

______________________________

(1) مثل ما نقله السيد العاملي قدّس سرّه عن المستدلّين على صحة بيع الفضولي، بقوله: «احتج الأوّلون بأنّ السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط، و كلّها كانت حاصلة إلّا رضا المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام عمله ..» «1» فراجع.

(2) و هو العقد المقرون برضا المالك باطنا، مع عدم إذن منه بذلك، لا صريحا و لا فحوى.

(3) معطوف على «خروج» أي: يظهر عدم وقوفه على الإجازة.

______________________________

و احتمال تعدّد الواقعة «2»- كما في كلام بعض الأعاظم- فلا يكون تردّد اسم صاحب القصة موهنا لا يخلو من بعد، مع وحدة المتن و خصوصيات الواقعة.

ففيه أوّلا: ضعف سنده، لما قيل من أنّه بنفسه غير موثق عندنا. و لعدم ذكره مسندا في أصول الشيعة المشهورة. و لذا قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «و معلوم عدم صحة الرواية و معارضتها بأقوى منها» «3».

و لكن دفعه في الجواهر «بأنّ خبر عروة البارقي قد أغنت شهرته عن النظر في سنده» «4».

و في الرياض «دعوى انجبار قصور سنده بالشهرة» «5».

أقول: الملاك في حجيّة الخبر هو الوثوق بالصدور المعبّر عنه بالوثوق الخبري، دون الوثوق المخبري كما أصرّ عليه بعض الأعلام دام بقاؤه. فمع حصول الوثوق

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189، أواخر الصفحة.

(2) معجم رجال الحديث، ج 11، ص 137.

(3) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 158.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 277.

(5) رياض المسائل، ج 1، ص 512، السطر قبل الأخير.

ص: 363

وقوفه على الإجازة، مثل قولهم في الاستدلال على الصحة (1): «إنّ الشرائط كلّها حاصلة إلّا رضا المالك» (2) و قولهم (3): «إنّ الإجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنّه أعمّ من الرضا» و نحو ذلك (4)

______________________________

(1) أي: صحة عقد الفضولي، في قبال بطلانه رأسا.

(2) فهذا الاستثناء- مع الجمود على ظاهر «رضا المالك» و هو الرضا الباطني غير المبرز- دليل على خروج العقد المقرون به و لو بدون مبرز له من الإذن الصريح أو الفحوى عن عقد الفضولي.

(3) بالجر معطوف على: «قولهم» توضيحه: أنّ أعميّة السكوت من الرضا تدلّ على أنّ الشرط في صحة العقد و تأثيره هو الرضا الباطني، و السكوت لا يكون مبرزا له، فإذا أحرز الرضا من الخارج كفى في صحة العقد.

(4) يعني: و نحو هذين القولين من كلماتهم الدالة على خروج هذا الفرض من الفضولي.

______________________________

بصدور الخبر تشمله أدلة حجية الخبر، و لا ينظر حينئذ إلى الراوي، كما هو كذلك في بعض النبويات. فمع عدم نقل الحديث في كتب الخاصة، و فرض استناد المشهور إليه في مقام الفتوى يصحّ الاعتماد عليه و الركون إليه.

نعم مجرّد شهرة حديث في الكتب الاستدلالية أو أصول الشيعة مع عدم إحراز الاستناد إليه في استنباط الحكم لا يوجب حجيته، لأن الشهرة الجابرة لضعف السند هي الشهرة الاستنادية، لا الروائية. و كذا مع إجمال معناه.

فهذا الحديث و إن كان مشهورا من حيث النقل في الكتب الروائية و الاستدلالية، لكن إجمال معناه يمنع حجيته كما سيظهر.

و ثانيا: انّ قضية عروة مشتبهة عندنا، لاحتمال كونه وكيلا عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما يرجع

ص: 364

ثم لو سلّم كونه (1) فضوليا لكن ليس كلّ فضوليّ يتوقف لزومه على الإجازة، لأنّه لا دليل على توقفه مطلقا على الإجازة اللاحقة، كما هو (2) أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم ملكه (3).

______________________________

(1) يعني: أنّه مع الغض عما ذكرنا من خروج العقد المقرون برضا مالك التصرف باطنا عن عقد الفضولي، و تسليم كونه من الفضولي- موضوعا- نمنع توقّف كلّ فضولي على الإجازة، إذ لا دليل على هذا التوقف في جميع الموارد. و عليه فالمنع حكمي لا موضوعي.

أقول: بعد تسليم كونه فضوليا يحتاج خروجه عنه حكما إلى الدليل، و إطلاق دليل توقف عقد الفضولي على إجازة مالك التصرف يشمل المقام.

(2) أي: كما أنّ عدم توقّف الفضولي على الإجازة مطلقا أحد الاحتمالات .. إلخ.

(3) بسبب اختياريّ كالبيع و الصلح و نحوهما، أو قهريّ كالإرث، فإنّه بعد التملك لا يحتاج إلى الإجازة. و حاصله: أنّ من باع مال غيره ثم تملكه يكون فضوليا حال البيع، لكن يحتمل عدم توقف صحة بيعه على الإجازة، للفرق بين أفراد الفضولي.

______________________________

إلى السّوق من المعاملات. بل في حاشية السيد «روي أنّه كان معدا لخدماته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «1».

و لا ينفي هذا الاحتمال أمره بالاشتراء، لعدم ظهور هذا الأمر في عدم كونه وكيلا، بل هو بيان لما يحتاج صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إليه من شراء الشاة للأضحية أو غيرها.

كما لا ظهور في الدعاء لعروة- بالبركة في صفقة يمينه- في كون عقد عروة فضوليا حتى يكون هذا الدعاء إجازة، لأنه أعمّ، و العامّ لا يدلّ على الخاص.

كما لا ظهور لهذه القضية في كون عروة عالما برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعله، حتى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 365

مع (1) أنّه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا ينفكّ عن ذلك (2) مع الالتفات.

ثمّ (3) إنّه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا مع العلم برضا السيد و لو لم يأذن له، لعدم تحقق المعصية

______________________________

(1) هذا ناظر إلى التوسعة في الإجازة بجعل الرضا الحاصل بعد البيع آنا ما إجازة، فلا تختص الإجازة بما إذا كان الرضا مفقودا ثم أنشأها المالك.

(2) أي: عن الإجازة آنا ما مع الالتفات إلى البيع، فمحصّل ما أفاده إلى هنا: أنّ العقد المقرون برضا المالك باطنا إمّا خارج عن الفضولي موضوعا، و إمّا خارج عنه حكما.

(3) غرضه أنّ الإشكال في عقد غير المالك مع رضا المالك باطنا حين العقد

______________________________

يصح الاستدلال بها على المطلوب، و هو عدم الحاجة إلى إجازة المالك للتصرف مع رضاه باطنا حين العقد. فتكون قضية عروة أجنبيّة عن عقد الفضولي و عن العقد المقرون برضا مالك التصرف من دون صدور إذن منه.

و لا ظهور في تبريكه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تمامية المعاملة بسبب الرضا حتى يصح الاستدلال به على كفاية الرضا الباطني في صحة المعاملة. و ذلك لاحتمال كون التبريك متمما للبيع، و إجازة له بلسان التبريك، فيكون من الفضولي المجاز. و الظهور المزبور منوط بكون التبريك متمحضا في الدعائية لا متمما للمعاملة، و كلّ منهما محتمل. و مع الاحتمال يبطل الاستدلال.

لا يقال: إنّه يمكن أن يدّعى علم عروة برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، حيث إنّه تصرف في العوض و المعوّض بالإقباض و القبض، إذ لو كان البيع فضوليا لم يجز له هذا التصرف إلّا بعد الإجازة.

ص: 366

______________________________

فإنّه يقال أوّلا: إنّه لم يعلم حال عروة من حيث علمه بالحكم الشرعي، و أنّه لا يجوز له التصرف إلّا بعد الإجازة، حتّى يدّعى علمه برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فلعلّه كان جاهلا بالحكم.

و ثانيا: أنّ علمه- بعد تسليمه- لا يجدي إلّا في التصرف الخارجي دون الاعتباري، لعدم استلزام الرضا بالتصرف الخارجي للتصرف الاعتباري، لإمكان الرضا بالقبض و الإقباض فقط، أو الرضا بإنشاء العقد دون القبض. فمجرّد الرضا بالتصرف الخارجي لا يلازم الرضا بإنشاء المعاملة. هذا بالنسبة إلى بيع الشاة.

و أمّا بالنسبة إلى شراء الشاتين بدينار فيحتمل أن يكون شراء كلتيهما فضوليا، لظهور الأمر بشراء شاة في شراء شاة واحدة، فكان وكيلا في شراء شاة واحدة لا شاتين.

و يحتمل أن يكون شراء إحداهما فضوليا دون الأخرى، لثبوت وكالته في شراء واحدة.

و يحتمل صحة شرائهما معا، بحمل الشاة الموكّل في شرائها على الجنس الشامل للواحد و المتعدد.

هذا إذا كان شراؤهما ببيع واحد. و إذا كانا ببيعين كان الشراء الأوّل صحيحا و الثاني فضوليا.

فصار المتحصل: أنّ قضية العروة لضعف سندها و إجمالها لا تصلح للاستدلال بها على خروج البيع الصادر من غير المالك للتصرف- مع رضا المالك باطنا و عدم إذنه و إجازته- عن بيع الفضولي حتى لا يحتاج إلى إجازة المالك.

قال بعض الأعاظم: الحقّ أن يقال: إنّ الرضا الباطني ممّن له حق في العين بدون مبرز له من الاذن و الإجازة كاف في عقد المالك الممنوع من تصرفه في ماله، لتعلق حق الغير به كحق الرهانة، فإذا باع الراهن المالك العين المرهونة مع رضا المرتهن بذلك البيع صحّ البيع و لزم، و لا يحتاج إلى الإجازة الموجبة لإضافة العقد إلى المالك، إذ المفروض

ص: 367

______________________________

صدور العقد من نفس المالك، و المانع تعلق حق الغير به، فإذا رضي بالبيع أسقط حقّه، بخلاف غير المالك، فإنّه لا يضاف إلى المالك و لا يصير عقدا له حتى يجب عليه الوفاء به. فإذا صار عقدا له عرفا وجب الوفاء به. و لا يمكن أن يكون كذلك إلّا بأن يضيفه هو إلى نفسه و لو مسامحة بوسيلة الإجازة، لتوقف إضافة العقد إلى شخص حقيقة على صدوره منه مباشرة أو تسبيبا عقديا كالتوكيل، أو خارجيا كبيع الرّعية إذا أمرهم السلطان به. و ليست الإجازة إلّا إظهار الرّضا بالعقد، و الإكتفاء بالإجازة في صحة العقد دليل على عدم لزوم انتسابه إلى المالك بنحو التسبيب.

و مجرّد علم الغير برضا المالك لا يوجب إضافة العقد إليه عرفا، فإنّ الرضا في مقابل عدم الميل، و مجرّد الميل النفساني إلى بيع ماله لا يوجب صحة إضافة البيع إليه، بل لا بدّ من إبرازه حتى يصدق الالتزام بنقل ماله.

و لو فرض شكّ في صيرورته عقدا له بمجرّد العلم برضاه لم يجز التمسك بمثل «أوفوا» لإثبات وجوب الوفاء عليه، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية هذا «1».

و لا يخفى أنّ كون إجازة المالك سببا لإضافة العقد إليه لا توجب كفاية الرضا الباطني لمن عليه حقّ في أحد العوضين إلّا إذا دلّ دليل على كفايته، فإنّ الإجازة تارة توجب إضافة العقد إلى المالك، و اخرى توجب ارتفاع المانع عن تأثير العقد، و لم ينهض دليل على انحصار فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك.

و عليه فمجرّد رضا المرتهن لا يكفي في صحة بيع العين المرهونة، بل لا بدّ من الإذن أو الإجازة. و كذا رضا الغرماء في بيع المفلّس، و كذا إذن الوارث في نفوذ وصية مورّثهم فيما زاد على الثلث، فإنّ التعبير بالإذن و الإجازة في أمثال هذه الموارد ظاهر في أنّ العبرة بهما، لا بمجرّد الرضا الباطني و لو لم يبرز بمبرز.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 12.

ص: 368

______________________________

و لو شك في كفاية مجرد الرضا النفساني و سقوط حقه به فمقتضى أصالة الفساد في العقود عدم كفايته، فإنّ الشك يكون في رافعيّة الموجود، حيث إنّه يشك في أنّ مجرد الرضا رافع للحق كحق الرهانة أولا، فيستصحب الحقّ.

و قد ظهر مما ذكرنا أمران:

أحدهما: أنّ الإجازة إمّا مقتضية للتأثير، كما في إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إليه، و إمّا شرط للتأثير، كما في إجازة كل ذي حق متعلّق بأحد العوضين.

فلا تنحصر فائدة الإجازة في إضافة العقد إلى المالك حتى يقال: إنّ العاقد إذا كان هو المالك لم تكن حاجة إلى إجازة من له حق في أحد العوضين، بل يكفي رضاه الباطني في تأثير العقد كما يظهر من تقريرات بعض الأعاظم دامت أيام إفاداته الشريفة، مع تصريحه في رسالته العملية بلزوم إجازة الوارث في تنفيذ الوصية بالنسبة إلى الزائد على الثلث، و عدم كفاية رضاه باطنا في نفوذ الوصية بالنسبة إلى الزائد.

و ما أفاده من التفصيل بين المالك و غيره- بكفاية الرضا الباطني في غير المالك، و عدم الحاجة إلى الإجازة، و عدم الكفاية في المالك، و توقف تأثير العقد على إجازته- من إفادات شيخه المحقق الأصفهاني على ما في شرحه للكتاب «1» و ردّ على المحقق النائيني قدّس سرّه، حيث قال مقرر بحثه العلّامة الشيخ موسى الخوانساري قدّس سرّه: «و الحق عدم خروج العقد الصادر من غير من بيده زمام أمر المعقود عليه بمجرد الرضا الباطني من المالك و من له الحق مرتهنا كان أو مولى. و ذلك لأنّه لو كان أمر العقد موقوفا و غير ماض إمّا لعدم كون العاقد مالكا أو لعدم كونه مستقلّا، فلا يخرج عن التوقيف إلّا باستناده إلى المالك أو ذي الحق و الاستناد و التنفيذ من الأمور الإنشائية، و يكونان كسائر الإيقاعات لا بدّ من إيجادها إمّا باللفظ أو بالفعل، فلا الكراهة الباطنية ردّ، و لا الرضا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 130.

ص: 369

______________________________

الباطني إجازة، بل كل منهما يحتاج إلى كاشف» «1».

ثم إنّه لا فرق في اعتبار إبراز الرضا و عدم كفاية الرضا النفساني في إذن غير المالك أو إجازته بين أن يكون معتبرا في صحة العقد أو في لزومه.

و بعبارة أخرى: اختلاف المشروط بالإذن أو الإجازة في كونه الصحة أو اللزوم لا يوجب تفاوتا في اعتبار الإنشاء في الإذن و الإجازة، فلا يكفي الرضا النفساني فيمن له حقّ في العين التي جرى عليها العقد، كعدم كفايته من نفس المالك.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا: أنّه لا فرق في عدم كفاية الرضا الباطني بين المالك و غيره ممّن له حقّ في متعلّق العقد، خصوصا بعد ملاحظة كون الرضا الباطني و الإذن و الإجازة من مقولتين، إذ الرضا انفعال النفس، و الإذن و الإجازة فعل النفس، و المقولات متباينات.

و مع الشك في شرطية أحدهما المعيّن بعد العلم بشرطية أحدهما في الجملة- و عدم ما يوجب تعيّنه- لا محيص عن الرضا المبرز بالإذن و الإجازة، إذ بدون المبرز يشك في ترتب الأثر على العقد. و مقتضى أصالة الفساد عدم ترتبه بعد وضوح قصور العمومات عن تعيين ما هو شرط، إذ هي مرجع لنفي الشك في أصل الشرطية دون كيفيتها، مع تباين الكيفيتين، لكونهما من مقولتين. إلّا إذا كان لدليل الشرط إطلاق يقتضي إطلاق الكيفية. كما إذا فرض لدليل اعتبار الرضا في العقد إطلاق ينفي احتمال اعتبار مقارنته للعقد، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبارها فيه تمسكا بالإطلاق المزبور.

و كيف كان فمقتضى استدلال المصنف قدّس سرّه لصحّة عقد الفضولي هنا و فيما يأتي بعموم أدلة البيع و العقود كون عقد الفضولي على طبق القاعدة، إذ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه. و احتمال اشتراط سبق الاذن في تأثيره- لا في عقديته- منفي بالإطلاقات.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 210.

ص: 370

______________________________

فالنتيجة: أنّ المصنف حيث إنّه لا يعتبر في عقدية العقد استناده إلى من بيده زمام البيع، و إنّما اعتبر فيه الرضا فقط، فقد استدلّ على كون عقد الفضولي مطابقا للقاعدة بالعمومات، إذ المتيقن من تخصيصها فقد الإذن و الإجازة معا. فعقد الفضولي غير الفاقد لهما داخل في العمومات، و يكون على طبق القاعدة.

و أمّا بناء على اعتبار استناد العقد إلى من بيده أمره فينبغي الاستدلال لصحته بالعمومات بوجه آخر، و هو: أنّ الرضا و الاستناد معا و إن كانا معتبرين في صيرورة العقد عقد المالك، إلّا أنّ المتيقّن اعتبارهما في ناحية المسبب، و هو حاصل المصدر كالنقل و الانتقال، لا في السبب و هو الإيجاب و القبول اللفظيّان، لأنّ من ينشئ العقد سواء أ كان هو المالك أم الوكيل أم الفضولي إنّما ينشئ المقابلة بين العوضين، فيقول: «بعت هذا بهذا» و لا يقول المالك: «بعت مالي بمال المشتري» و لا يقول الوكيل أيضا: «بعت مال الموكل» بحيث يضاف المالان إلى المالكين أو الموكلين. فلا فرق في إنشاء مبادلة مال بمال بين إنشاء المالك و الوكيل و الفضولي.

و عليه فالمعتبر استناد خصوص المسبب إلى المالك، و هو يحصل بإجازته.

بل لا معنى لاستناد نفس السبب و هو ألفاظ الإيجاب و القبول إلى المالك، لأنّها لا تتغير بالإجازة عمّا وقعت عليه، فلا يتعلّق شك باعتبار الاستناد إلى المالك في نفس السبب حتى يرجع في نفيه إلى الإطلاقات.

و الحاصل: أنّ جهة مطابقة الفضولي للقاعدة هي اعتبار الرضا و الاستناد في المسبب كالنقل و الانتقال، و هو يتوقف على إجازة المالك، و بحصولها يتحقق الاستناد إليه. هذا مختار المحقق النائيني قدّس سرّه.

و أمّا مختار الشيخ الذي هو عدم اعتبار الاستناد إلى من بيده أمر البيع و اعتبار رضاه فقط، فدليله العمومات، إذ الخارج منها تخصيصا هو العقد الفاقد للإذن و الإجازة معا. فالعقد المقرون بالرضا داخل في العقود التي يجب الوفاء بها.

ص: 371

______________________________

و لا يبعد كون ما أفاده الميرزا النائيني قدّس سرّه هو الحق، لأنّ المأمور بوجوب الوفاء بكل عقد هو العاقد تسبيبا أو مباشرة، أو من يضاف إليه العقد بالإذن أو الإجازة كما يظهر من النصوص و إن لم يساعده العرف.

ثم إن الإجازة تضيف نتيجة العقد- و الحاصل من المصدر- إلى المالك، لا ألفاظ العقد، فإنّها متصرمة الوجود بخلاف نتيجته، فإنّها موجودة في وعاء الاعتبار، فتجاز.

و بالجملة: فنفس ألفاظ العقد لتصرمها و انعدامها لا تصلح للإجازة و الاستناد إلى المالك، فإنّ ما وقع لا يتغير عما وقع عليه، و لا معنى لاتصاف المعدوم بأمر وجودي، فلا بدّ من كون المجاز نتيجة العقد التي هي موجودة اعتبارا، و هي المضافة إلى المالك، لا نفس الألفاظ المتصرّمة كما مرّ.

و قد يقال في تقريب عدم كون الفضولي مطابقا للقاعدة: إنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما صدر عن الغير، فنفس الإجازة يقتضي كون المجاز فعل غير المجيز، فكيف يصير عقد الفضولي عقد المجيز حتى يشمله عموم أوفوا؟

و الحاصل: أن الإجازة بنفسها تدفع انتساب العقد إلى المجيز. و عليه فلا يمكن أن يصير عقد الفضول عقد المالك حتى يكون مطابقا للقاعدة، هذا.

لكن فيه: أنّ موضوع «أَوْفُوا» هو العقد المضاف بنحو من الإضافة إلى المالك و إن لم يكن صادرا منه و لو تسبيبا، و لذا قال عزّ و جل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لم يقل: أوفوا بما عقدتم حتى يكون الموضوع خصوص العقد الصادر من المالك بحيث يعدّ من أفعاله.

فالعقد العرفي المقرون برضا المالك موضوع ل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ سواء أ كان مجري العقد نفس المالك أم أجنبيا، فإنّه لا دليل على اعتبار كون مجري الصيغة نفس المالك، بل الدليل قام على اعتبار رضا المالك في مبادلة ماله بمال آخر، إذ لا يعتبر إضافة العوضين إلى مالكيهما في نفس العقد، بأن يقول الموجب: «بعت مالي بمالك» بل يقول: بعتك هذا المال بذلك المال.

ص: 372

لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار [1] و عدم (1) منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف.

[الصور المتصورة في بيع الفضولي]
اشارة

ثم اعلم (2) أنّ الفضولي قد يبيع للمالك، و قد يبيع لنفسه. و على الأوّل (3) فقد لا يسبقه منع من المالك، و قد يسبقه المنع، فهنا مسائل ثلاث:

______________________________

- من حيث الاحتياج إلى إجازة المالك و عدمه- مختص بغير عقد العبد مع العلم برضا السيد. أمّا عقده مع العلم برضا سيده فلا إشكال في صحته و لو لم يأذن له السيد، و ذلك لأنّ مناط عدم صحته- و هو عصيان السيد- مفقود فيه، ضرورة أنّه مع علمه برضا مولاه ليس عاصيا و لا متجرّيا له.

(1) معطوف على «عدم تحقق المعصية» و ضمير «منافاته» راجع إلى «عدم الاذن» المستفاد من قوله: «و لو لم يأذن له» و محصّله: أنّ العلم برضا المولى يخرج العبد عن الاستقلالية في التصرف، و المنافي للاستقلالية هو إنشاء العقد من دون إذن السيد و لا العلم برضاه.

(2) هذا شروع فيما يقع في الخارج من أقسام الفضولي الثلاثة.

(3) و هو أن يبيع الفضولي للمالك لا لنفسه.

______________________________

[1] أقول: لكن تعليل المتن بعدم المعصية مختص بصورة العلم برضا السيد حين العقد، فلا يشمل ظهور الرضا بعد العقد مع جهل العبد برضا المولى حاله.

و لا يخفى أنّه ينبغي تعميم ما أفاده من عدم الحاجة إلى الإجازة لكلّ عقد كانت فضوليته لتعلق حق الغير به، سواء أ كان مولى أم وليّا أم صاحب حقّ كحق الرهانة، لأنّ عدم الاستيذان الذي هو مناط عدم صحة عقد العبد موجود فيهم أيضا. و المراد بعصيان السيد هو العقد بدون إذنه، و العصيان بهذا المعنى موجود في جميع العقود الفضولية.

ص: 373

[الصورة الاولى: أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك]
اشارة

الاولى: أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك. و هذا (1) هو المتيقّن من عقد الفضولي. و المشهور الصحة (2)، بل في التذكرة نسبها (3) إلى «علمائنا» تارة صريحا، و اخرى ظاهرا بقوله: «عندنا» إلّا أنّه (4) ذكر عقيب ذلك: «أنّ لنا فيه قولا بالبطلان».

______________________________

(1) أي: البيع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(2) أي: صحة بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(3) أي: نسبة الصحة إلى علمائنا صريحا تارة و ظاهرا اخرى. أمّا الصريح فقوله في فروع بيع الفضولي- في ما لو اشترى بمال في ذمة غيره، و أطلق اللفظ- ما لفظه قدّس سرّه: «قال علماؤنا: يقف على الإجازة، فإن أجاز صحّ و لزمه أداء الثمن» «1».

و أما الظاهر في الإجماع فقد تكرّر في التذكرة، كقوله: «بيع الفضولي جائز عندنا، لكن يكون موقوفا على إجازة المالك» و نحوه في بيع ما يملك و ما لا يملك، و في الوكالة، فراجع «2».

(4) أي: أنّ العلّامة ذكر- عقيب نسبة الصحة إلى الأصحاب- أنّ لنا قولا بالبطلان- و الذي ظفرت عليه قول العلّامة قبل دعوى الإجماع لا عقيبه، حيث إنه بعد حكمه بصحة الفضولي و توقفه على الإجازة نقل فيه البطلان عن بعض العامة فقال: «و قال أبو ثور و ابن المنذر و الشافعي في الجديد و أحمد في الرواية الأخرى:

يبطل البيع، و هو قول لنا ..» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر: 3.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486. السطر: 1، و ص 463، السطر 19 و ج 2، ص 127، السطر 11

(3) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر 41.

ص: 374

و في غاية المراد «1» حكى الصحة عن العمّاني و المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية و سلّار و الحلبي و القاضي و ابن حمزة «2»، و حكيت عن الإسكافي «3»، و استقرّ عليها رأي من تأخّر (1) عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخّرين كالأردبيلي «4» و السيد الداماد و بعض متأخري المحدثين (2).

______________________________

و كيف كان فقد حكي البطلان عن شيخ الطائفة في الخلاف و المبسوط مدعيا الإجماع عليه، و لكنه اختار الصحة في نهايته، و حكي البطلان عن ابن إدريس أيضا.

(1) كالمحقق و الفاضل الآبي و العلّامة في جملة كتبه، و الشهيد و غيرهم كما في مفتاح الكرامة «5».

(2) و هو صاحب الحدائق «6»، و السيد الجدّ السيد المحدث الجزائري قدّس سرّهما في

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

(2) لم أظفر بكلام العماني، و راجع المقنعة للشيخ المفيد، ص 606- الناصريات للسيد المرتضى (ضمن الجوامع الفقهية) ص 247، المسألة 154- النهاية للشيخ الطوسي، ص 385- الكافي لأبي الصلاح الحلبي، ص 292- الوسيلة لابن حمزة الطوسي، ص 249- المهذب للقاضي ابن البرّاج، ج 2، ص 194، 195، 216.

(3) حكاها عنه العلامة في المختلف، ج 5، ص 53.

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 417- مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 158.

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 185 و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ج 14 و 278- المختصر النافع، ص 118 و 173- كشف الرموز، ج 1، ص 446- مختلف الشيعة ج 5، ص 54- قواعد الأحكام، ج 2، ص 148- إرشاد الأذهان، ج 2، ص 8- تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486- التنقيح الرائع، ج 2، ص 25- الدروس الشرعية، ج 3، ص 192- اللمعة الدمشقية (ضمن الروضة البهية) ج 3، ص 229- جامع المقاصد، ج 4، ص 69 و ج 12، ص 150- مسالك الافهام ج 3، ص 158، ج 7، ص 159، الروضة البهية، ج 3، ص 229، و ج 5، ص 140

(6) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 378.

ص: 375

[المقام الأوّل: ما استدل به على صحة عقد الفضولي]
[الطائفة الأولى الأدلة العامة]
[أ: عموم الكتاب]

لعموم أدلّة البيع و العقود (1)

______________________________

شرح التهذيب على ما قيل.

و كيف كان فهنا مقامان، أحدهما في دليل الصحة، و ثانيهما في دليل البطلان.

المقام الأوّل: ما استدل به على صحة عقد الفضولي أ: عموم الكتاب

(1) هذا شروع في الوجوه التي أقامها الأعلام- المذكورون في المتن و غيرهم- على صحة البيع الفضولي، و اقتصر المصنف على ذكر وجوه عشرة، و قد رتّبها قدّس سرّه في طوائف ثلاث.

الاولى: ما يستدل به على المدّعى، و هو أربعة أوجه، العمومات، و حديث عروة البارقي، و صحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع جارية استولدها المشتري، و ما يدل بالأولوية على صحة البيع الفضولي من صحة نكاحه.

الطائفة الثانية: ما اختلف تعبير المصنف فيه، من الدلالة أو الاستيناس أو التأييد، و هو موثقة جميل، و أخبار التجارة بمال اليتيم.

الطائفة الثالثة: ما جعله مؤيّدا لصحة البيع الفضولي، و هو خبر موسى بن أشيم و ما بعده. و سيأتي تفصيل الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

و الكلام فعلا في الدليل الأوّل من الطائفة الاولى، و هو اندراج بيع الفضولي في إطلاق «حلّ البيع» و عموم الوفاء بالعقود، لاجتماع الشرائط في المتعاقدين- من الكمال و القصد إلى المدلول- عدا رضا المالك، و هو حاصل بالإجازة اللاحقة للعقد.

ص: 376

لأنّ خلوّه (1) عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه (2). و اشتراط ترتّب الأثر بالرضا و توقفه عليه أيضا (3) لا مجال (4) لإنكاره، فلم (5) يبق الكلام إلّا في اشتراط سبق الإذن، و حيث لا دليل عليه فمقتضى الإطلاقات عدمه (6).

و مرجع ذلك (7) كلّه إلى عموم حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقد، خرج

______________________________

(1) أي: لأنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد عنه، غاية الأمر أنّه عقد ناقص، لانتفاء شرطه و هو إذن المالك. فالعقد لا يناط صدقه- على عقد الفضولي- بشي ء غير الإيجاب و القبول، و إذن المالك شرط تأثيره، لا مقوّم عقديّته.

(2) أي: عن عقد الفضولي، لأنّ العقد هو الإيجاب و القبول، و كلاهما موجود فيه.

(3) يعني: و اشتراط ترتّب الأثر كالنقل و الانتقال على عقد الفضولي برضا المالك- كعقديّته- لا مجال لإنكاره، و هذا الاشتراط مسلّم، كتسلّم صدق العقد عليه.

(4) خبر قوله: «و اشتراط». و ضمير «لإنكاره» راجع إلى اشتراط.

(5) يعني: فلا نقص في عقد الفضولي من حيث التأثير إلّا فرض اعتبار سبق إذن المالك، و حيث إنّه لا دليل على اعتباره فيه مع صدق العقد العرفي عليه بدونه، فمقتضى الإطلاقات ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير العقد في معنى الاسم المصدري، و هو الملكيّة المترتبة على الإنشاء.

(6) أي: عدم اشتراط سبق الإذن و ضمير «عليه» راجع إلى «اشتراط».

(7) أي: مرجع عدم اشتراط سبق إذن المالك في تأثير عقد الفضولي إلى

ص: 377

منه (1) العاري عن الإذن و الإجازة، و لم يعلم خروج ما فقد (2) الإذن و لحقه الإجازة (3).

و إلى ما ذكرنا (4) يرجع استدلالهم «بأنّه (5) عقد صدر من أهله وقع في محله» «1».

______________________________

الإطلاقات، حيث إنّها تصلح لنفي اعتبار كلّ ما شكّ في دخله في تأثير عقد الفضولي بعد صدق العقد العرفي عليه، و عدم قدح خلوّه عن الإذن المقارن لصدوره في صدق العقد عليه عرفا.

(1) أي: خرج من عموم حلّ البيع و غيره العقد العاري عن كلّ من الإذن و الإجازة، لأنّه حينئذ لا يكون عقدا لأحد حتى يخاطب بوجوب الوفاء، ضرورة أنّه ليس عقدا للفضولي، لأجنبيته عن المال الذي وقع عليه العقد، و لا لمالك البيع، لعدم كونه عاقدا لا مباشرة و لا تسبيبا، فليس لهذا العقد مخاطب حتى يجب عليه الوفاء به.

(2) الأولى ان يقال: «فقده الإذن» أو «فقد الإذن منه» للزوم اشتمال الصلة على الضمير العائد إلى الموصول.

(3) هذا متمّم للاستدلال بالعمومات، و حاصله: أنّه بعد صدق العقد عرفا على عقد الفضولي غير المقارن لإذن المالك- و المتعقب بالإجازة الموجبة لإضافته إلى المالك و صيرورته عقدا له- لا وجه لخروجه عن العمومات.

(4) من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن الإذن السابق عليه لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه.

(5) أي: عقد الفضولي صدر من أهله وقع في محله.

______________________________

(1) كما في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 2، مختلف الشيعة، ج 5، ص 54، المهذّب البارع، ج 2، ص 356، مسالك الافهام، ج 7، ص 159، رياض المسائل، ج 1، ص 512، المناهل ص 287.

ص: 378

فما (1) ذكره في غاية المراد من «أنّه من باب المصادرات» «1» لم أتحقّق (2) وجهه، لأنّ (3) كون العاقد أهلا للعقد من حيث إنّه بالغ عاقل لا كلام (4) فيه.

و كذا كون المبيع قابلا للبيع، فليس محلّ الكلام إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك، و هو مدفوع بالأصل (5).

و لعلّ مراد الشهيد (6)

______________________________

(1) متفرّع على ما ذكره من أنّ خلوّ عقد الفضولي عن إذن المالك- قبل العقد- لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه. و محصل الكلام: أنّ الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد أورد على استدلال الفقهاء على كون عقد الفضولي صادرا من أهله في محله، و أنّ خلوّه عن سبق الإذن لا يوجب سلب اسم العقد عنه «بأنّه مصادرة على المطلوب، لأنّ صدوره من أهله أوّل الكلام، و لا بدّ من إثباته بدليل».

(2) خبر قوله: «فما ذكره» و لعل نظره في ذلك إلى الإشكال في صدق الإضافة إلى المالك بالإجازة، مع ذهابه إلى أنّ موضوع الحكم هو العقد المضاف إلى المالك، فيرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الفساد.

(3) تعليل لقوله: «لم أتحقق وجهه» و حاصله: أنّه لا قصور في عقد الفضولي لا من حيث العاقد، لأنّه بالغ عاقل، و لا من حيث المبيع، لكونه قابلا للبيع، فلا يبقى في البين إلّا خلوّ العقد عن مقارنة إذن المالك. و احتمال اعتبارها في صحة العقد مدفوع بأصالة الإطلاق في العقود النافي لاعتبار المقارنة المذكورة فيها.

(4) خبر قوله: «لأنّ كون».

(5) و هو أصالة الإطلاق في العقود، فثبت أنّ عقد الفضولي عقد كسائر العقود.

(6) من «أنّ عقد الفضولي عقد صدر من أهله وقع في محله من باب المصادرات» و وجه المصادرة عدم إحراز أهلية العاقد، لتقوّمها بالملك أو الولاية، و المفروض انتفاء كليهما، فليس الفضول أهلا حتى يصدر منه العقد و يقع في محله.

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

ص: 379

أنّ الكلام في (1) أهلية العاقد. و يكفي [و يكتفى] في إثباتها (2) العموم [بالعموم] المتقدّم (3).

[ب: حديث عروة البارقي]

و قد اشتهر الاستدلال عليه (4) بقضية عروة البارقي، حيث دفع إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دينارا، و قال له: «اشتر لنا به شاة للأضحيّة، فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما في الطريق بدينار، فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالشاة و الدينار، فقال له

______________________________

(1) خبر قوله: «ان الكلام».

(2) أي: إثبات الأهلية. و هذا ردّ من الشيخ على الشهيد قدّس سرّهما، و حاصل الردّ:

أنّه يكفي في إثبات أهلية العاقد عموم كلامه المتقدّم في تعريف الفضولي، حيث قال:

«و المراد من الفضولي هو الكامل غير المالك للتصرف .. إلخ» و الحاصل: أنّ أهلية العاقد من حيث كونه بالغا عاقلا حرّا مختارا مسلّمة، فعدم أهليته لم يظهر وجهه.

و بهذا البيان أورد الشهيد الثاني في نكاح المسالك على المصادرة التي ادعاها الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد، فراجع «1».

(3) في تعريف الفضولي في أوائل المسألة، و قد مرّ آنفا بقولنا: «و المراد من الفضولي هو الكامل».

ب: حديث عروة البارقي

(4) أي: على بيع العاقد الفضولي للمالك. و هذا شروع في الاستدلال على صحة عقد الفضولي بالروايات، بعد الفراغ من شمول آيات حلّ البيع و التجارة و عموم الوفاء بالعقود له.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 7، ص 159.

ص: 380

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: بارك اللّه لك في صفقة يمينك» «1» فإنّ بيعه وقع فضولا (1) و إن وجّهنا شراءه على وجه (2) يخرج عن الفضولي، هذا.

و لكن (3) لا يخفى أنّ الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع (4) الفضولي. توضيح ذلك (5): أنّ الظاهر علم عروة برضا

______________________________

(1) يعني: أنّ مورد الاستدلال هو بيع إحدى الشاتين، حيث إنّه لم يكن مأذونا في بيعها.

(2) بأن يقال: إنّ المراد بالشاة في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اشترلنا به شاة» هو الجنس، فيعم الثنتين أيضا.

لكنه خلاف الظّاهر، لأنّ ظهور تنوين النكرة في الوحدة.

أو يقال: إنّ القرينة الحالية و هي كون الشاة للأضحية توجب الاذن في شراء الشاة مطلقا و إن توقف على شراء شاة أخرى معها، كما إذا كان مالك الشياة لا يبيع إلّا شاتين أو أزيد، و هذا أيضا خلاف الظاهر، لندرة الفرض جدّا.

و لعل الأولى أن يقال: إنّ الإذن في شراء شاة واحدة بدينار إذن عرفا مطلقا في شراء شاتين به، أو فيما إذا كان الدينار مساويا لقيمة شاتين، فيخرج الشراء حينئذ عن الفضولية، فليتأمّل.

(3) غرضه: أنّ صحة الاستدلال بقضية عروة على صحة عقد الفضولي مبنية على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي، خلافا لما قوّاه سابقا من خروجها عنه.

(4) متعلّق ب «دخول».

(5) المشار إليه هو كون معاملة عروة مقرونة برضا المالك. لكن لم يظهر منشأ هذا الظهور، لعدم كونه ممّن يوثق به، و عدم ثبوت وكالته في الحوائج.

______________________________

(1) المستدرك ج 13 ص 245، الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 1. و كلمة «للأضحية» ليست في المصدر، و رواها في عوالي اللئالي، ج 3، ص 205، الحديث 36.

ص: 381

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما يفعل، و قد (1) أقبض المبيع و قبض الثمن (2). و لا ريب أنّ الإقباض و القبض في بيع الفضولي حرام، لكونه تصرفا في مال الغير.

فلا بدّ إمّا من التزام أنّ عروة فعل الحرام في القبض و الإقباض، و هو (3) مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و إمّا (4) من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة بناء على كون الإجازة كاشفة.

و سيجي ء ضعفه (5). فيدور (6) الأمر بين ثالث، و هو جعل هذا الفرد من البيع

______________________________

(1) غرضه إثبات رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما فعله عروة، و محصله: أنّه إن كان من بيع الفضولي فلا بدّ من الالتزام بارتكاب عروة للحرام، لحرمة القبض و الإقباض على الفضولي قبل الإجازة، لكونه تصرفا في مال الغير. و الالتزام بحرمتهما عليه مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و المراد بالإقباض إقباض الشاة التي باعها إلى المشتري، و بالقبض قبض ثمنها و هو الدينار من المشتري.

(2) و هو الدينار، و المراد بالمبيع هو الشاة.

(3) أي: الالتزام بأنّ عروة ارتكب الحرام- في القبض و الإقباض- مناف لتقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(4) معطوف على «إمّا» يعني: و إمّا لا بدّ من القول بأنّ البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة، بناء على كونها كاشفة، و إن كان هذا القول ضعيفا كما صرّح بذلك في كلامه: «و سيجي ء ضعفه».

(5) وجه ضعفه: أنّ البناء على كاشفية الإجازة يوجب كون الشرط وصف التعقب، مع أنّ ظاهر الأدلّة هو شرطية نفس الإجازة.

(6) يعني: بعد ضعف الالتزامين المذكورين يدور الأمر بين ثالث و رابع.

أمّا الثالث فهو خروج البيع المقرون برضا المالك عن الفضولي، و عدم كونه محكوما بحكمه.

ص: 382

- و هو المقرون برضا المالك- خارجا عن الفضولي كما قلناه (1)، و رابع (2) و هو علم عروة برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض ماله (3) للمشتري حتى يستأذن، و علم (4) المشتري بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة.

______________________________

(1) حيث قال: «و إن كان الذي يقوى في النفس لو لا خروجه عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة .. إلخ فراجع (ص 357)».

(2) بالجرّ معطوف على «ثالث» يعني: فيدور الأمر بين قول ثالث و قول رابع.

أمّا الثالث فقد تقدم بيانه. و أمّا الرابع فهو علم عروة برضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض ماله للمشتري حتى يستأذن منه، و علم المشتري بكون البيع فضوليا، فيكون الثمن عند البائع أمانة.

(3) و هي الشاة التي باعها أي بإقباض عروة مال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للمشتري.

(4) بالرفع معطوف على «علم عروة» و حاصل القول الرابع هو: أنّ عروة كان عالما برضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بإقباض الشاة للمشتري، و كان المشتري أيضا عالما بكون بيع الشاة فضوليا، و كان دفعه للثمن إلى عروة على وجه الأمانة. و هذا الوجه هو رابع الوجوه المحتملة في قضية عروة.

و الوجه الأوّل الالتزام بارتكاب عروة للحرام من القبض و الإقباض ببيع الشاة و قبض الدينار.

و الثاني كون البيع الذي يعلم تعقبه بالإجازة موجبا لجواز التصرف قبل الإجازة.

و الثالث خروج العقد المقرون برضا المالك عن بيع الفضولي.

و الرابع ما تقدم بقولنا: «و حاصل القول الرابع هو أن عروة كان عالما .. إلخ».

ص: 383

و إلّا (1) فالفضولي ليس مالكا و لا وكيلا، فلا يستحق قبض المال، فلو كان المشتري عالما (2) فله أن يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال [1]. بخلاف ما لو كان جاهلا (3).

______________________________

(1) يعني: و إن لم يكن دفع المشتري ثمن الشاة إلى عروة بعنوان الأمانة عنده، لم يكن وجه لقبض البائع الثمن، لعدم كونه مالكا و لا وكيلا حتى يحصل له مجوّز في القبض.

(2) أي: عالما بأنّ عروة قد باعه فضولا، فللمشتري أن يستأمن عروة على الثمن حتى ينكشف الحال.

(3) إذ مع كون المشتري جاهلا بأنّ البائع فضولي لا يكون دفع الثمن إلى المشتري على وجه الأمانة.

______________________________

[1] قد اعترض بوجوه على الاستدلال بالحديث لصحة الفضولي:

أحدها: ما عن المحقق الأردبيلي قدّس سرّه من احتمال كون عروة وكيلا مطلقا، فيكون كلّ من الشراء و البيع خارجا عن الفضولي، فلا يصحّ التمسك بقضية عروة لصحة عقد الفضولي «1».

و فيه: أنّ ظاهر الأمر بشرائه هو الوكالة في شراء شاة واحدة لا شاتين، لظهور النكرة في الفرد الواحد، فشراء شاتين أجنبي عن الموكّل فيه و خارج عن حدود الوكالة، فالشراء بالنسبة إلى كلتا الشاتين فضولي، إن لم ينحل إلى شرائين، أحدهما فضولي كما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه «2» و الآخر غير الفضولي.

و على تقدير وكالته في شرائهما يقع الكلام في بيع إحداهما، و إقباضها

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 158.

(2) غاية الآمال، ص 356.

ص: 384

______________________________

و قبض ثمنها، فإنّ وكالته في بيعها ممّا لا يدلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «اشترلنا شاة» فالتمسك بهذه الجملة لصحة بيع الفضولي لا بأس به.

ثانيها: أنّ عروة من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد دعا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له، و ذلك يدلّ على كونه رجلا جليلا لا ينبغي له مخالفة الشرع. و لا ريب في حرمة إقباض المبيع و قبض الثمن في الفضولي بدون إذن المالك. و احتمال عدم علمه بالحكم أو تعمد مخالفته مع العلم بالحكم موهوم. و هذا يوجب العلم بوكالته في التصرف في أمواله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو في خصوص هذه المعاملة.

و فيه: أنّ جلالة شأن عروة غير ثابتة لنا، بل قيل: إنّه غير موثق عندنا، و إن حكي عن العلّامة قدّس سرّه في الخلاصة: «أنّه لا يبعد أن يعتمد على روايته» و على كل حال لم تثبت جلالته و لا علمه بالأحكام.

ثالثها: أنّ الأمر بشي ء يتوقف على مقدمة أو مقدمات يستلزم الأمر بها، فالمأمور بإيجاد ذي المقدمة مأمور بإيجاد مقدماته و مأذون فيه. و ما نحن فيه من هذا القبيل، حيث إنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر عروة بشراء شاة، و لمّا كان شراؤها موقوفا على شراء شاتين، فكان مأذونا في شرائهما مقدّمة لتحصيل شاة أمر بشرائها. و عليه فيخرج شراء الشاة الأخرى و بيعها عن عنوان الفضولي، و يكونان من قبيل ما تعلّق به الإذن و الوكالة.

و فيه: أنّ تطبيق هذا على ما نحن فيه غير معلوم، لعدم إحراز توقف تحصيل شاة- أمر عروة بشرائها- على شراء شاتين، ثم بيع إحداهما حتى يكون الأمر بشراء شاة أمرا بشراء شاتين و بيع إحداهما. و هذا مجرد احتمال لم يقم عليه شاهد، بل بعيد جدّا، لندرة وقوع الفرض، حيث إنّه يفرض فيما إذا كان أمر بيع الشياة بيد شخص لا يبيع شاة واحدة، بل شاتين أو أكثر. و هذا في غاية البعد، فلا يحمل عليه قضية عروة.

ص: 385

و لكنّ الظاهر هو أوّل الوجهين (1) كما لا يخفى (2)، خصوصا بملاحظة أنّ الظاهر (3) وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة. و قد تقدم (4) أنّ المناط فيها

______________________________

و بالجملة: ففي صورة جهل المشتري بفضولية البائع لا يكون دفع الثمن إلى البائع على وجه الأمانة. و في صورة علمه بفضولية البائع يكون أمانة مالكية حتى ينكشف الحال. فإذا تلف بدون التعدّي لا يكون ضامنا، لأنّه مقتضى الأمانة. بخلاف التلف في صورة الجهل بكون البائع فضوليّا، فإنّه ضامن للثمن المقبوض.

________________________________________

(1) المراد بهما هو الاحتمال الثالث و الرابع المذكوران بقوله: «و هو جعل هذا الفرد من البيع و هو المقرون برضا المالك .. إلى قوله و رابع و هو علم عروة .. إلخ» و المراد بأوّل الوجهين هو الاحتمال الثالث أعني به خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولي «1».

(2) وجه ظهور أوّل الوجهين هو: أنّ الوجه الأخير يتضمن علم المشتري بكون البيع فضوليا. و علمه أيضا بأنّ الفضولي ليس له قبض الثمن، و كذا علمه بأنّه إن كان عالما بأنّ البيع فضولي فله أن يستأمن البائع. و من البعيد إحاطة المشتري بجميع ذلك.

(3) لعلّ وجه هذا الظهور هو: أنّ صفقة اليمين تطلق على البيع و البيعة، لحصولهما بضرب إحدى اليدين على الأخرى، فظاهر التبريك حينئذ هو تبريك البيع الحاصل من الأخذ و الإعطاء، لا من اللفظ الذي لا مساس له بصفقة اليمين.

(4) أي: في ثامن تنبيهات المعاطاة، حيث استقرب في آخر التنبيه ذلك و قال:

«فالمعيار في المعاطاة وصول المالين أو أحدهما مع الرضا بالتصرف» و هذا و إن كان مجديا في تحقق المعاطاة بمجرد المراضاة و وصول العوضين. لكنه قدّس سرّه بنى الاكتفاء بذلك على القول بالإباحة لا الملك، فقال في تتمة كلامه: «و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة» مع أنّ الغرض إثبات الاكتفاء بوصول العوضين في مملكية المعاطاة التي

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 2، ص 302.

ص: 386

مجرّد المراضاة و وصول (1) كل من العوضين إلى صاحب الآخر، و حصوله (2) عنده بإقباض المالك أو غيره و لو كان صبيا أو حيوانا (3)، فإذا حصل التقابض بين الفضوليين أو فضولي و غيره مقرونا برضا المالكين، ثمّ وصل كلّ من العوضين إلى صاحب الآخر و علم برضا صاحبه كفى (4) في صحة التصرف.

و ليس هذا (5) من معاملة الفضولي، لأنّ (6) الفضولي صار آلة في الإيصال، و العبرة برضا المالك المقرون به (7).

______________________________

أنشأها عروة بإقباض المثمن و قبض الثمن.

(1) هذا و «حصوله» بالرفع معطوفان على «مجرّد» و ضمير «فيها» راجع إلى المعاطاة.

(2) أي: حصول كلّ من العوضين عند صاحب الآخر.

(3) بأن حملت عليه سلعة أو علّقت على عنقه إلى دار مالك العوض الآخر.

(4) جواب الشرط في قوله «فإذا حصل».

(5) يعني: إذا كان المناط في المعاطاة مجرّد المراضاة و وصول كلّ من العوضين إلى صاحب العوض الآخر بإقباض كلّ من المالكين أو غيرهما- و لو كان صبيّا أو حيوانا- فليس وصول العوضين أو أحدهما إلى صاحب العوض الآخر من باب الفضولي، لأنّ الموصل لهما أو لأحدهما آلة الإيصال، لا طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(6) تعليل لعدم كون الفضولي طرف المعاملة حتى يندرج في معاملة الفضولي.

(7) أي: بالإيصال، يعني: أنّ الملاك في صحة التصرف هو رضا المالك المقرون بالإيصال.

ص: 387

[ج: صحيحة محمّد بن قيس]

و استدلّ له (1) أيضا تبعا للشهيد في الدروس بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة (2) باعها ابن سيّدها و أبوه غائب، فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه، فجاء سيّدها فخاصم سيّدها الآخر، فقال: (3) وليدتي باعها ابني بغير إذني. فقال عليه السّلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها، فناشده (4) الذي اشتراها، فقال (5) له: خذ ابنه الذي

______________________________

ج: صحيحة محمّد بن قيس

(1) أي: لعقد الفضولي في المسألة الاولى و هي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك، و المستدلّ جماعة منهم أصحاب الرياض و المقابس و الجواهر فراجع «1».

(2) عن ابن الأثير في النهاية بعد تفسير الوليد بالطفل: «و الأنثى الوليدة، و الجمع الولائد. و قد تطلق الوليدة على الجارية و الأمة و إن كانت كبيرة، و منه الحديث: تصدّقت على أمّي بوليدة: يعني جارية» و المراد في الحديث أيضا الأمة الكبيرة.

(3) يعني: فقال سيدها الأوّل، و هذا تفسير قوله: «فخاصم» و المراد بسيّدها الآخر هو المشتري، و فاعل «أن يأخذ» هو السيّد الأوّل.

(4) يعني: فناشد مشتري الوليدة الإمام عليه السّلام، و معنى كلمة «ناشد» أنّه سأله و أقسم عليه المشتري في أمره، كما عن النهاية. و حاصله: أنّ المشتري حلّف الإمام عليه السّلام.

(5) يعني: فقال الامام عليه السّلام للمشتري: «خذ البائع- و هو ابن سيّد الوليدة- حتى ينفّذ سيّدها لك بيع الوليدة.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 512 و 513، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 23، جواهر الكلام، ج 22، ص 278.

ص: 388

باعك الوليدة حتى ينفّذ (1) البيع لك. فلمّا رآه (2) أبوه قال له: أرسل ابني. قال:

لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني. فلمّا (3) رأى ذلك سيّد الوليدة الأوّل أجاز بيع ابنه» الحديث «1».

______________________________

(1) كذا في الكافي و التهذيب، و الإنفاذ هو إمضاء عقد الابن. و في الاستبصار:

«حتى ينقد لك ما باعك» «2».

يعني: حتى ينقد البائع- و هو ابن السيّد الأوّل- الثمن الذي أخذه من المشتري، أو حتى ينقد نفس المبيع و هو الوليدة. و على كل منهما فحبس البائع إنما يكون بداعي إلزام أبيه بإجازة بيعه.

(2) أي: فلمّا رأى أبو البائع أنّ المشتري أخذ ابنه الذي باع الوليدة- مكان الوليدة و ابنها- اضطرّ والد بائع الوليدة، و لذا قال للمشتري: أرسل أي أطلق ابني، قال المشتري: «لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني الذي ولدته الوليدة».

(3) هذا كلام الإمام أبي جعفر عليه السّلام يعني: فلمّا رأى ذلك- أي أخذ المشتري ولده بائع الوليدة- أجاز البيع حتى يطلق ابنه البائع من يد المشتري.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1 و ما في المتن تمام الحديث، فقوله: «الحديث» زائد. و هذه الرواية نقلها المشايخ الثلاثة. و سند شيخ الطائفة إلى الحسن بن على بن فضال لا يخلو من ضعف لأنّ فيه علي بن محمد بن الزبير، و لم تثبت وثاقة. فتوصيف هذا الطريق بالموثّق كما في المقابس و غيره مشكل. نعم لا بأس بما في المتن و غيره من التعبير بالصحيحة، اعتمادا على طريق الكليني قدّس سرّه، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران عن عاصم بن الحميد عن محمد بن قيس (الكافي، ج 5 ص 211، الحديث 12) و رجال هذا السند من الأجلّاء الثقات حتى إبراهيم بن هاشم على الأقوى و إن عبّر عنها صاحب المقابس بالحسن كالصحيح. و لا يخفى اختلاف الجوامع الروائية في ألفاظ الرواية، و المذكور في المتن قريب ممّا في الكافي و إن كان يغايره بسقوط بعض الكلمات.

(2) الاستبصار، ج 3، ص 205، الباب 1 من أبواب العقود على الإماء، ح 9.

ص: 389

قال في الدروس (1): «و فيها (2) دلالة على صحة الفضولي، و أنّ الإجازة

______________________________

(1) عبارة الدروس منقولة بالمعنى، و نصّ كلام الشهيد قدّس سرّه هذا: «و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف، و على أنّ الإجازة كاشفة» «1».

(2) أي: و في صحيحة محمد بن قيس دلالة واضحة على الفضولي موضوعا و حكما. أمّا الأوّل فلقوله: «وليدتي باعها ابني بغير إذني» مع عدم سبق منع منه عن بيعها.

و أمّا الثاني فلقوله عليه السّلام: «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّه يدلّ على صحة البيع تأهّلا و نفوذه بالإجازة، فتدلّ هذه الصحيحة بوضوح على صحة بيع الفضولي بالإجازة، لعدم وقوع بيع آخر بين السيد الأوّل و المشتري، فالعقد الناقل هو بيع الابن الذي أجازه أبوه.

و لو لم يكن عقد الفضولي قابلا للتأثير بالإجازة اللاحقة لما أرشد أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام المشتري بإمساك الابن حتى ينفّذ أبوه عقد الفضول، بل كان المناسب أن يأمره عليه الصلاة و السّلام بإنشاء بيع آخر بين السيّد الأوّل و المشتري، و إجراء حكم المغصوب على الجارية التي استولدها المشتري.

و يدلّ على قابلية عقد الفضولي للإنفاذ كلام الإمام أبي جعفر الباقر صلوات اللّه و سلامه عليه، الحاكي لهذه القضية: «فلمّا رأى سيّد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» لظهور هذه الجملة في أمرين، أحدهما: كون بيع الولد فضوليا، لعدم إذن المالك و هو أبوه.

و ثانيهما: صحة عقد الفضول بالإجازة، بعد أن علّم أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه المشتري طريق التخلص من المنازعة بما لا يذهب ثمن الجارية هدرا.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 49 إلى 233.

ص: 390

كاشفة» (1).

و لا يرد عليها (2) شي ء ممّا يوهن الاستدلال بها فضلا (3) عن أن يسقطها (4).

______________________________

(1) وجه كونها كاشفة كشفا حقيقيّا هو: أنّ الإجازة لو كانت ناقلة كانت الأمة حال تكوّن الولد فيها ملكا لسيّدها، و قد وطأها الثاني شبهة، و اللازم حينئذ على المشتري أن يردّ قيمة الولد على السيّد الأوّل، لأنّه نماء ملكه، و قد أتلفه المشتري، لانعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه. فقاعدة الإتلاف تقتضي ضمانه لقيمة الولد، كما تقدم تفصيله في مباحث المقبوض بالعقد الفاسد، فراجع «1». مع أنّ ظاهر ذيل الحديث وقوع الإجازة للبيع بغير أخذ عوض عن الولد. و لازم ذلك وقوع الوطي في ملك الواطي، فلا يحتاج إلى عوض، و لا يكون ذلك إلّا على تقدير صحة العقد من زمان وقوعه. و هذا مبنيّ على كون الإجازة كاشفة كشفا حقيقيا.

(2) أي: على صحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

(3) ظاهر هذه الكلمة أنّ الوهن في الاستدلال تضعيف للدلالة بقصور المقتضي، من دون أن يبلغ هذا الضعف حدّ السقوط بالكلّية، الذي هو شأن المانع و هو المسقط للدلالة بالمعارضة، فالمصنف قدّس سرّه يدّعي- خلافا لصاحب المستند- تمامية الرواية سندا و دلالة على صحة بيع الفضولي تأهّلا، و لا مزاحم لحجيتها بحيث يسقطها عن الاعتبار. نعم قد ذكر بعض ما يوهن الاستدلال بها، و لكنه قابل للدفع، حتى الموهن الذي ارتضاه المصنف قدّس سرّه من مخالفة الصحيحة لما أجمعوا عليه من عدم قابلية عقد الفضول للتنفيذ بالإجازة عند سبق الردّ. و الوجه في عدم موهنيّته ما سيأتي في المتن من قوله: «إلّا أنّ الإنصاف».

(4) أي: يسقط الشي ء الموهن صحة الاستدلال بالصحيحة. و اعلم أن الأمور

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 49 إلى 55.

ص: 391

..........

______________________________

الموهنة لهذه الصحيحة بعضها يوهن الاستدلال بها على كون بيع الفضولي موقوفا على الإجازة، و بعضها يوهن نفس الحديث، و هي أمور «1».

منها: قوله عليه السّلام: «الحكم أن يأخذ الوليدة و ابنها» فإنّ ظاهره أنّ حكم اللّه تعالى في أمثال هذه القضية هو أخذ المبيع ابتداء. و هذا إنّما يتمّ على القول ببطلان بيع الفضولي، لا على صحتها موقوفة على الإجازة.

و الجواب عنه: أنّ الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم مع الغضّ عن الإجازة.

و بعبارة اخرى: انّ بيع الفضولي لم يخرج المبيع عن ملك البائع، و أنّه باق على ملكه و إن كان له إخراجه عن ملكه بإجازة البيع و تنفيذه.

و منها: أنّ الإجازة في الصحيحة تكون بعد الردّ، إذ المفروض أخذ السيد الأوّل الوليدة و ابنها بأمر الإمام عليه السّلام، و الإجازة وقعت بعد الردّ، و هي غير مفيدة إجماعا، لكون الردّ مانعا عن نفوذ الإجازة.

و جوابه: أنّ الرّد- و هو حلّ العقد و إسقاطه عن صلاحيته للإجازة- لم يتحقق هنا، لعدم كون مجرّد ترك الإجازة ردّا. و الأمور المذكورة من أخذ الوليدة و ابنها و مناشدة المشتري للإمام عليه السّلام في فكاك ولده و غير ذلك ليست من اللوازم المساوية للرد، بل أعم منه، حيث إنّها مما يقتضيه الملكية السابقة، فلا تدلّ على الردّ بمعنى حلّ العقد، فإنّ وجه الفعل مجمل، فلا يدلّ أخذ الوليدة و ابنها على ردّ البيع، لإمكان أن يكون لاستنقاذ ماله من قيمة الوليدة و ابنها، حيث إنّ البائع الفضولي قبض الثمن من المشتري و أتلفه، كما لعلّه الغالب في تصرف الأولاد في أموال الآباء. و مجرّد الكراهة لا يكون ردّا، و لذا لو أجاز بعد الكراهة النفسانية كان نافذا كما تقدم في بيع المكره.

______________________________

(1) أورد الفاضل النراقي بجملة من هذه الوجوه على الاستدلال بالصحيحة، فراجع مستند الشيعة، ج 14، ص 276 و 277. كما أنه تعرض لجملة منها و لأجوبتها المحقق الشوشتري في المقابس، كتاب البيع، ص 23 و 24.

ص: 392

..........

______________________________

و منها: حكمه عليه السّلام بأخذ ابنها مع أنّه ولد الحرّ، لأنّ الظاهر أنّ الوطي كان بالشبهة أو بالملك على تقدير الإجازة بناء على كونها كاشفة. فعلى أيّ حال لا موجب لأخذ المولى الولد الذي ولدته الأمة.

و جوابه: أنّه يمكن أن يكون أخذ الولد لأجل أخذ قيمته من المشتري، و لذا قال:

الشيخ الطوسي قدّس سرّه: «الحكم أن يأخذ وليدته و قيمة ابنها. حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه» «1» أو لكون المشتري عالما بالحال، فيكون الولد حينئذ رقّا.

و منها: حكمه عليه السّلام للمشتري بأخذه البائع الفضولي، و هو ابن مولى الوليدة، مع عدم جواز ذلك، إذ غاية الأمر كون الولد غاصبا، و ليس للمشتري إلزام مالك الوليدة بإجازة البيع حتى يحبس ابنه لتحصيلها، بل هو مختار في الإجازة و الرد.

و جوابه: أنّه يمكن أن يكون حبس ابن مولى الوليدة لمطالبة الثمن الذي دفعه المشتري إليه عن الوليدة، فإنّه بحبسه يتمكن من أخذ الثمن منه، لقاعدة الغرور.

و منها: تعليم الإمام عليه السّلام للمشتري كيفية الحيلة، مع عدم جواز تعليم القاضي الاحتيال لأحد المتخاصمين أو كليهما.

و جوابه: أنّه تعليم للحكم، بأن يعلم المشتري أنّ له حقّ مطالبة الثمن الذي دفعه إلى البائع، لا أنّه احتيال، إذ الظاهر أنّ الولد البائع الفضولي أخذ قيمة الوليدة، و تلفت عنده في المدة الكثيرة التي كان سيّد الوليدة غائبا فيها. بل لا يبعد أنّ الحاجة إلى ثمنها ألجأته إلى بيعها.

و بالجملة: فلا ظهور معتدا به لشي ء من فقرات الرواية في ردّ سيّد الوليد بيعها حتى يكون إجازة بيع ولده لها فضولا بعد الرد، فيقال: إنّ الإجازة بعد الردّ لا تجدي

______________________________

(1) الإستبصار، ج 3، ص 85، ذيل الحديث الرابع.

ص: 393

و جميع ما ذكر فيها (1) من الموهنات موهونة، إلّا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، من جهة ظهور المخاصمة [1] في ذلك (2).

______________________________

في صحة بيع الفضولي إجماعا، بل قاعدة أيضا.

(1) أي: ما ذكر في صحيحة محمد بن قيس من الموهنات التي عرفتها آنفا.

(2) أي: في الردّ، إذ لو كان مولى الوليدة راضيا ببيعها و مجيزا له لم يكن في البين مخاصمة كما عرفت. و لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه ادّعى ظهور الصحيحة في الردّ بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّ مخاصمة كلّ من سيد الوليدة و مشتريها على الوليدة و ابنها- في دعوى سيّد الوليدة بيعها بدون إذنه، و دعوى مشتريها بأنّها بيعت بإذن سيّدها- ظاهرة في ردّ البيع، إذ مع إجازة البيع لا وجه للمخاصمة، فنفس المخاصمة ظاهرة في ردّ سيّد الوليدة بيع ولده لها.

______________________________

[1] ظهور المخاصمة في رد البيع غير ظاهر، حيث إنّ غاية ما يدلّ عليه المخاصمة هو كراهة البيع و عدم إذنه فيه كما قال: «باعها ابني بغير إذني» و من المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ، إذ ليس الردّ و الإجازة من الضدين اللّذين لا ثالث لهما. و لو كان مجرّد الكراهة و عدم الإجازة ردّا لم يكن لصحة عقد المكره بالرضا المتأخر وجه، لاستلزامه الرضا بالعقد المردود بالكراهة الحاصلة حين العقد.

و يمكن أن تكون المخاصمة و حبس الأمة و الولد لتحصيل ثمن الجارية، إذ الظاهر أنّ البائع أتلف ثمنها، فلا تكون المخاصمة و حبس الوليدة و ابنها من أمارات الرد، و ردّ البيع على فرض عدم تحصيل الثمن تقديري لا فعليّ، و لا يعتدّ بالتقديري.

ص: 394

و إطلاق (1) [1] حكم الامام عليه السّلام بتعيين أخذ الجارية و ابنها من المالك، بناء (2) على أنّه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرّد.

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور» و هذا ثاني الوجوه الأربعة، و محصله: أنّ إطلاق حكم الامام عليه السّلام بتعيين أخذ الجارية- و عدم تقييده بصورة الردّ- يدلّ على ردّ البيع.

(2) قيد للإطلاق و تعليل له، يعني: أنّ سيّد الأمة إذا لم يرد تنفيذ البيع بالإجازة فلا بدّ من تقييد جواز الأخذ بصورة الرد.

و بعبارة أخرى: لم يفصّل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في جواز أخذ الوليدة و ابنها بين الصورتين و هما ردّ بيع الولد و إمضائه، بأن يجوز الأخذ في صورة الرد، و لا يجوز في صورة الإمضاء و الإجازة إذ لو أجازه لم يجز الأخذ، لصيرورة الوليدة ملكا للمشتري. و لا معنى لجواز استردادها. فالحكم بجواز الأخذ مطلقا و عدم التفصيل بين صورتي الرد و الإجازة كاشف عن علمه عليه السّلام بتحقق الرّد و انتفاء موضوع الإجازة، لانهدام العقد السابق بردّ المالك.

______________________________

[1] هذا أيضا كسابقه لا يدلّ على الردّ، لأنّ جواز أخذ المبيع فضولا من المشتري لا يدور مدار الردّ، بل يدور مدار عدم الإجازة. و من المعلوم أنّ عدم الإجازة أعمّ من الردّ.

و بعبارة أخرى: جواز أخذ المبيع تكليفا من مقتضيات ملكيته لمالكه، لا من مقتضيات الرد، فتعيّن أخذ الوليدة إنّما هو لبقائها على ملك سيدها الأوّل، لا لأجل ردّ عقد الفضولي كما هو واضح جدّا.

و من هنا يظهر ما في كلام المصنف قدّس سرّه: «بناء على أنّه لو لم يرد .. إلخ» لما عرفت من عدم إناطة جواز أخذ المبيع بالردّ حتى يلزم التقييد بصورة اختيار الردّ، بل مع عدم كل

ص: 395

و مناشدة (1) [1] المشتري للإمام عليه السّلام و إلحاحه إليه في علاج فكاك ولده (2).

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور المخاصمة» و هذا ثالث الوجوه الأربعة، و محصّله: أنّه- بعد الحكم بأخذ المولى جاريته و ابنها- ألحّ المشتري على الامام عليه السّلام في علاج فكاك ولده المستولد من الجارية. و هذا دليل على ردّ البيع، إذ مع الإجازة- بناء على القول بكشفها الحقيقي- يكون الولد ولد المشتري، و ليس لسيّد الوليدة أخذه.

(2) أي: ولده الذي استولده من الوليدة.

______________________________

من الإجازة و الرد يجوز أخذه، لأنّه ماله و لم يخرج عن ملكه. و أخذ الجارية ليس تصرفا ناقلا حتى يكون منافيا للعقد و ردّا فعليا له.

[1] لا تدل المناشدة أيضا على ردّ البيع، بل لمّا لم يجز سيّد الوليدة البيع، و أخذ ابنها الذي هو نماؤها إلى أن ينفك الولد بأداء قيمته، فطلب المشتري من الامام عليه السّلام علاجا ليجيز البيع حتى يستردّ ولده بلا عوض بناء على كاشفية الإجازة كشفا حقيقيا، أو مع العوض بناء على ناقليتها. و على كل حال لا تكون المناشدة ظاهرة في ردّ البيع.

و منه يظهر أنّ قوله: «حتى ترسل ابني» ليس ظاهرا في ردّ البيع، بل هو ظاهر في عدم الإجازة، و لا مانع من تصرف المالك قبل الإجازة و لو على القول بالكشف.

غاية الأمر أنّ لحوق الإجازة يكشف عن بطلانه، لا أنّه لا يجوز له تكليفا قبل الإجازة.

نعم التصرف المنافي للعقد كنقل المبيع ببيع أو صلح أو غيرهما مصداق فعليّ للردّ، فيوجب انحلال العقد. و مجرد أخذ المبيع ليس مصداقا للرد، بل لكونه ملكا له.

ص: 396

و قوله: (1) [1] «حتى ترسل ابني» الظاهر في أنّه حبس الولد و لو على قيمته يوم الولادة.

و حمل (2) [2] إمساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها- كحبس ولدها

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «ظهور» و هذا رابع الوجوه، و محصّله: أنّ قول المشتري لمولى الجارية: «لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني» ظاهر في أنّ سيّد الجارية قد حبس ولد المشتري المتولّد من الوليدة ليأخذ منه قيمة الولد يوم الولادة، لأنّه زمان الإتلاف و هو حرّيته. و هذا دليل على رد البيع، إذ مع الإجازة يكون الولد للمشتري.

(2) مبتدأ، خبره قوله: «ينافيه» و هذا إشارة إلى توهم و دفعه، و هما يتعلقان بالوجه الرابع أعني به دلالة إمساك الوليدة على الرد.

أما التوهم فحاصله: أنّ حبس الوليدة لم يكن لأجل استيفاء ثمنها من المشتري

______________________________

[1] هذا أيضا لا يدلّ على الردّ، لكفاية عدم الإجازة في جواز الحبس، و عدم توقّفه على الرد، إذ للمالك قبل الإجازة حتى على القول بالكشف أن يتصرف في ماله.

فلعلّ حبس الولد كان لأجل تحصيل قيمة الولد بلا ردّ منه للبيع بناء على استحقاق البائع لقيمته حتى على تقدير الإجازة بناء على كونها ناقلة. أو لعلّ حبس الولد كان لأجل الفحص عمّا تقتضيه المصلحة من الإجازة أو الردّ، فإن تمكّن- لحبسه للولد- من تحصيل قيمة الولد أخذ قيمة الولد، و ردّ البيع، و أخذ الجارية أيضا. و إن لم يتمكن من ذلك أجاز بيع الجارية. فلمّا رأى عدم تمكنه من ذلك و غلبت حيلة المشتري على حيلته أجاز البيع من دون سبق رد منه لبيع الجارية.

[2] لا حاجة إلى هذا الحمل بعد فرض بقاء المال على ملك المالك إلى أن يجيز، فله استرداده المجتمع مع عدم الإجازة و عدم الرد.

ص: 397

على القيمة- ينافيه (1) [1] قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الوليدة».

______________________________

كحبس ولدها على القيمة حتى لا يكون شاهدا على الردّ، إذ يحتمل أن لا يكون هذا الحبس لأجل الرد، بل لأخذ الثمن و قيمة الولد. و مع هذا الاحتمال لا يشهد الحبس المزبور بردّ البيع، إذ شهادته به منوطة بتعيّن احتمال الرد و ابطال الاحتمال الأخر.

و أمّا الدفع فسيأتي.

(1) هذا هو الدفع، و غرضه تعيّن احتمال كون الحبس لأجل الردّ، لا لأخذ الثمن و قيمة الولد، و محصله: أنّ قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الولد» ينافي حمل حبس الجارية و ولدها على الحبس لأخذ ثمن الوليدة و قيمة الولد، لكون كلمة «أجاز» دليلا على ردّ البيع، فتقع الإجازة حينئذ بعد الرد.

و بعبارة اخرى: انّ إمساك الوليدة و ابنها إمّا أن يكون بقصد ردّ بيع الولد و إمّا بقصد أخذ الثمن، و لكن الثاني باطل، فيتعيّن الأوّل. و الوجه في البطلان: منافاة قول الراوي: «فلما رأى سيد الوليدة ذلك أجاز بيع الولد» لأن يكون حبس الولد بقصد أخذ الثمن، لظهور الإجازة اللاحقة في كون إمساك الوليدة ردّا فعليا لبيع الولد.

______________________________

[1] قد ظهر من الحاشية السابقة عدم المنافاة، و أنّ إجازة سيد الوليدة لم تكن بعد ردّه للبيع، بل كانت في مورد عدم الإجازة، فإنّ الإمساك أعمّ من الردّ، كما عرفت ما في الحبس من الاحتمال.

فصارت النتيجة: أنّ شيئا من الوجوه الأربعة المتقدمة لا يشهد بردّ البيع حتى تكون الإجازة بعد الرد.

و لعل استظهار الردّ من ثالث الوجوه الأربعة إنّما هو لأجل إناطة جواز تصرف المالك في المال الذي بيع فضولا بردّ البيع، و كون أخذه له لازما مساويا للرد حتى تصحّ

ص: 398

و الحاصل (1): أنّ ظهور الرواية في ردّ البيع أوّلا ممّا لا ينكره المنصف.

إلّا أنّ الانصاف أنّ ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي (2) مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية

______________________________

(1) أي: نتيجة ما ذكرناه في معنى الصحيحة- من دلالة الوجوه الأربعة على ظهور الصحيحة في ردّ البيع- هي: أنّ الصحيحة ظاهرة في ردّ البيع و وقوع الإجازة بعد الردّ. و هذا ممّا لا ينكره المنصف في هذه القضية الشخصية، إلّا أنّ ظهورها في أصل المدّعى و هي صحة الفضولي بالإجازة- مع الغض عن الإجازة الشخصية في مورد الصحيحة- غير قابل للإنكار.

(2) لقوله عليه السّلام في الصحيحة المتقدمة: «حتى ينفّذ البيع لك» فإنّ دلالته على

______________________________

دعوى كون الأخذ ظاهرا في الرد.

لكن فيه منع كبرى و صغرى. أمّا منع الكبرى فلما مرّ من عدم الإناطة المزبورة، بداهة أنّ جواز التصرف منوط ببقاء المبيع على ملكيته للمالك، و المفروض بقاؤه على الملكية ما لم يجز البيع. و أمّا منع الصغرى فلما مرّ أيضا من عدم دلالة الأخذ على الردّ، لكونه مما تقتضيه ملكية المبيع له و غيره.

و عليه فلا بأس بالاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي، لاندفاع شبهة كون الإجازة بعد الردّ حتى تسقط عن الاعتبار، لمخالفته للإجماع على عدم تأثير الإجازة بعد الردّ في صحة العقد.

أو يستدلّ بالفحوى، بأن يقال: إنّ تأثير الإجازة بعد الردّ في هذه القضية يستلزم تأثيرها قبله بالأولوية. لكن الاستدلال بالفحوى منوط بدفع إشكال مخالفة الإجماع و إحراز العمل به حتى يصح التمسك بالفحوى.

و بعبارة أخرى: التشبث بالفحوى منوط بحجية المنطوق، و المفروض عدمها، لمخالفته للإجماع.

ص: 399

في مورد الرواية (1) غير (2) قابل للإنكار. فلا بدّ (3) من تأويل ذلك الظاهر، لقيام (4) القرينة- و هي الإجماع- على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.

و الحاصل: أنّ مناط الاستدلال (5) لو كان (6) نفس القضية الشخصية (7) من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة- بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي-

______________________________

نفوذ البيع الواقع فضولا بالإجازة واضحة و ممّا لا يقبل الإنكار.

(1) و هي الصحيحة المتقدمة، و الإجازة الشخصية هي إجازة سيّد الجارية بيعها حتى يرسل المشتري ابنه الذي حبسه. و الوجه في الغضّ عن هذه الإجازة الشخصية هو ظهورها في سبق الردّ، فلا تصلح للاستدلال على صحة بيع الفضولي مع الإجازة. و أمّا مع الغضّ عن مورد الصحيحة فيصحّ الاستدلال بها، لقول الأمير عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع» و لقول الامام الباقر عليه السّلام في حكاية القصة: «أجاز بيع ابنه».

(2) خبر قوله: «أنّ ظهور».

(3) هذا متفرّع على ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا، و وقوع الإجازة بعده.

و المراد بقوله: «ذلك الظاهر» هو ظهور الصحيحة في ردّ البيع أوّلا، و إجازته ثانيا، فلا بدّ من علاج هذا الظاهر و تأويله.

(4) تعليل لقوله: «فلا بد» و غرضه أنّه لا محيص عن التصرف في ذلك الظاهر المستلزم لوقوع الإجازة بعد الرد، فإنّ الإجماع على اشتراط تأثير الإجازة بعدم سبق الرد قرينة على تأويل ذلك الظاهر.

(5) أي: الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(6) اسم كان ضمير راجع الى «مناط» المتقدّم، و «نفس» خبره.

(7) و هي إجازة سيّد الوليدة بيعها ليتمكّن من أخذ ولده- و هو البائع الفضولي- من المشتري.

ص: 400

كان (1) ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالردّ مانعا (2) عن الاستدلال بها، موجبا للاقتصار [1] على موردها

______________________________

(1) جواب «لو كان» و محصله: أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي إن كان بلحاظ نفس القضية الشخصية لاشتمالها على صحّة بيع الفضولي بالإجازة- حتى يبنى على عموم هذا الحكم أي صحة عقد الفضولي لسائر الموارد من العقود الفضولية المشتركة مع المورد في الحكم الشرعي- كان ظهورها في سبق الردّ على الإجازة مانعا عن الاستدلال بها على صحة عقد الفضولي، لمخالفة هذا الظاهر للإجماع المزبور، فيختص بموردها، و لا يتعدّى إلى غيره من سائر الموارد.

(2) خبر «كان ظهورها» و ضميرا «ظهورها، بها» راجعان إلى «القضية الشخصيّة» و قوله: «مسبوقة» خبر «كون».

______________________________

[1] الأولى أن يقال: «موجبا للخروج عن مورد البحث» لكون التوجيه المزبور موجبا لصيرورة البيع مأذونا فيه و أجنبيا عن بيع الفضولي، إذ ظاهر عبارة المصنف كون التوجيه المزبور مع فرض وقوع البيع في الصحيحة فضوليا. و ليس الأمر كذلك بالضرورة، فإنّ البيع المأذون فيه مباين لبيع الفضولي، و خارج عنه موضوعا، كخروج الجاهل عن موضوع «أكرم العلماء» فتقييد دليل صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة ممتنع.

ثم إنّ للسيد صاحب العروة قدّس سرّه كلاما و هو: أنّه لا مانع من العمل بالصحيحة بأن يقال: انّ الإجماع على عدم نفوذ الإجازة بعد الردّ يختص بالردّ القولي، لأنّه المتيقن من الإجماع الذي هو دليل لبّي، دون الرد الفعلي الذي يستفاد من هذه الصحيحة، فإنّ الإجازة بعد الرد الفعلي مصحّحة لعقد الفضولي بمقتضى هذه الصحيحة، هذا «1».

و فيه أولا: أنّ معقد الإجماع مطلق، و لا إجمال فيه حتى يؤخذ بالمتيقن.

و ثانيا: أنّه لا بدّ من تقييد إطلاق الرد الفعلي بأن لا يكون منافيا للإجازة، كالتصرف الناقل، و ليس في الصحيحة إطلاق قابل للتقييد، لكونه قضية خارجية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 401

لوجه (1) علمه الإمام عليه السّلام، مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن للولد، فاحتال عليه السّلام حيلة يصل بها الحقّ إلى صاحبه (2) [1].

______________________________

(1) أي: لجهة، و هذا تعليل للاقتصار على مورد الصحيحة، و حاصله: أنّ علّة الاختصاص بموردها و عدم التعدي إلى غيره هي خصوصية في القضية التي تضمّنتها صحيحة محمد بن قيس، و لعلّ تلك الخصوصية التي علمها الامام عليه السّلام هي كذب مالك الوليدة في دعوى عدم إذنه لولده في بيع الوليدة، كما احتمله العلامة المجلسي قدّس سرّه. «1»

و علمه عليه السّلام بهذه الخصوصية أوجب أن يعلّم المشتري حيلة يحتال بها ليتمكن من الوصول إلى حقّه، و هو أخذ ولده- المستولد من الأمة- من سيدها حيث إنّ هذا الولد حرّ، و ليس على المشتري دفع قيمته إلى مالك الوليدة، إذ المفروض كون بيعها مأذونا فيه، و تولّد ولدها في ملك المشتري لا في ملك سيدها الأوّل حتى يستحق قيمته.

(2) و هو المشتري، إذ المفروض صحة البيع و نفوذه حين وقوعه، فالولد أجنبي عن سيّد الوليدة، و لا حقّ له في ابنها أصلا حتى يستحق قيمته و يطالب بها المشتري.

و على هذا التوجيه يخرج بيع الوليدة عن بيع الفضولي، فلا يصحّ الاستدلال بالصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

______________________________

[1] و قد يحمل قوله عليه السّلام: «حتى ينفذ لك البيع» على تجديد البيع، و هو يوجب خروج مورد الرواية عن محل البحث، و لازم هذا الحمل لزوم أداء قيمة الولد على المشتري، لوقوع الاستيلاد في ملك سيّد الأمة، لا في ملك المشتري.

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 11، ص 44.

ص: 402

و أمّا (1) لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه السّلام في قوله:

«خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع» و قول الباقر عليه السّلام في مقام الحكاية: «فلمّا رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه» في (2) أنّ للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه

______________________________

(1) معطوف على «لو كان نفس القضية» و الأولى إسقاط «إمّا» بأن يقال:

«و لو كان» أي مناط الاستدلال.

و كيف كان فتوضيح هذا الاستدلال: أنّ ظاهر قوله عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع» قابلية البيع للتنفيذ بعد أن لم يكن نافذا. و هذه الغاية لم تقيّد بسبقها بالرّد، بأن يقول عليه السّلام: «حتى ينفّذ لك البيع المردود» حتى تكون الغاية منافية للإجماع على عدم نفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ، و إن كانت الإجازة في نفس الواقعة الشخصية مسبوقة بالرّد، فيعلم من كلامه عليه السّلام أنّ البيع إنفاذي، و أنّه من الأمور التي تنقلب عمّا وقعت عليه، و لا مانع من اعتبار ظهور الغاية غير المقيّدة بالرّد.

(2) متعلق ب «ظهور سياق كلام».

______________________________

و هذا مناف لظاهر الرواية من إجازة البيع فقط، من دون أخذ قيمة الولد. و لذا استفاد الشهيد في الدروس من هذه الصحيحة كاشفية الإجازة «1»، إذ لا منشأ لها إلّا عدم الحكم بأخذ قيمة الولد بعد الإجازة، فلا يكون تجديد البيع كإجازته حتى يكون الاستيلاد في ملك المشتري بناء على الكشف.

هذا كله مضافا إلى: بعد هذا التوجيه عن حكاية مولانا الامام الباقر عليه السّلام «أجاز بيع ابنه» فإنّ الإجازة شرط لتنفيذ ما وقع، و التجديد مقتض له، و إضافة البيع إلى «ابنه» أيضا آب عن هذا البيع الجديد، لأنّه بيعه، لا بيع ابنه.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 233.

ص: 403

و ينفّذه، لم يقدح (1) في ذلك (2) ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الردّ، فيأوّل ما يظهر منه الردّ بإرادة (3) عدم الجزم بالإجازة و الردّ [1]

______________________________

(1) جواب «و أمّا لو كان» وجه عدم القدح: أنّ ما دلّ على نفوذ العقد بإجازة المالك أظهر مما دلّ على وقوع الإجازة بعد الرّد، فيتصرف فيه بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرّد، و مع هذا التأويل يصح الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

و يمكن أن يكون نظر المصنف قده إلى إجمال الفعل و عدم ظهوره في الرّد حتى تكون الإجازة بعد الردّ، فأخذ الابن و وليدته فعل مجمل ليس فيه دلالة على الرد.

و قوله عليه السّلام: «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ لك البيع» و قول إمامنا الباقر عليه السّلام في مقام الحكاية: «لمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» ظاهر بل صريح في إجداء الإجازة و تصحيحها بيع الفضولي، فيؤخذ بهذا الظاهر، و يأوّل ما يوهم الردّ بإرادة عدم الجزم بالإجازة و الرد.

(2) أي: في ظهور سياق كلام الأمير عليه الصلاة و السّلام .. إلخ.

(3) متعلق ب «فيأوّل».

______________________________

[1] لكن هذا التأويل ينافي ما أفاده من شهادة الوجوه الأربعة المتقدمة على كون الإجازة بعد الرد.

و لا يخفى أنّ استدلال المصنف قدّس سرّه ليس بالحكم الشخصي و هو الإجازة بعد الردّ حتى يتعدّى منه إلى ما يشابهه في الخصوصيات و هو الإجازة المسبوقة بالردّ، و المفروض قيام الإجماع على عدم نفوذها. بل الاستدلال يكون بذيل الصحيحة، و هو قوله عليه السّلام: «فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع» لدلالته على صحة بيع الفضولي بالإجازة و إن لم ينطبق على المورد «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 214.

ص: 404

______________________________

و فيه: أنّ الصحيحة إن كانت مشتملة على عموم أو إطلاق يستفاد منه كبرى كلية و لم يمكن تطبيقها على المورد أمكن القول بأنّ الاستدلال ليس بالحكم الشخصي الثابت للمورد، فيصح الاستدلال بالكبرى الكلّية فيما ليس من قبيل المورد و إن لم يتضح انطباقها على المورد. نظير ما ورد في موثقة ابن بكير التي سأل فيها زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب «1» و غيره من الوبر. فأخرج كتابا زعم أنّه إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «انّ الصلاة في وبر كل شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كل شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحلّ اللّه أكله» الحديث «2». فإنّ الصلاة في السنجاب مع عدم كونه ممّا يؤكل لحمه جائزة قطعا، و لكنه يتمسّك بالكبرى- و هي البطلان فيما لا يؤكل لحمه- في غير السنجاب.

و أمّا المقام فليس فيه إطلاق أو عموم حتى يمكن استفادة كبرى كلية منه ليصح التمسك بها في سائر العقود الفضولية و إن لم تنطبق على نفس المورد، هذا.

أقول: الدلالة على تلك الكبرى ليست منوطة بدلالة اللفظ عليها صريحا، بل يكفي مطلق الدلالة عليها، و من المعلوم أنّ قوله عليه السّلام: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه» يدلّ على إناطة صحة عقد الفضولي- من حيث إنه فضولي- بالإجازة، لا من حيث كون المبيع وليدة، أو غيرها من الحيثيات.

______________________________

(1) السنجاب: حيوان على حد اليربوع، أكبر من الفارة، شعره في غاية النعومة، يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون، و هو شديد الختل، إن أبصر الإنسان صعد الشجرة العالية .. إلخ. مجمع البحرين، ج 2، ص 84.

(2) وسائل الشيعة ج 3، ص 250، الباب 2 من أبواب لباس المصلي، الحديث: 1.

ص: 405

أو كون (1) حبس الوليدة على الثمن، أو نحو ذلك (2).

و كأنّه قد اشتبه مناط الاستدلال على من لم يستدلّ بها في مسألة الفضولي (3).

أو يكون (4) الوجه في الإغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة، فإنّها لا تزيد على الإشعار، و لذا (5) لم يذكرها في الدروس في مسألة الفضولي،

______________________________

(1) بالجرّ معطوف على «بإرادة» يعني: يأوّل ما يظهر منه الردّ بكون حبس الوليدة .. إلخ.

(2) كحبس الوليدة، للتحرّي لما هو صلاحه من الرد و الإجازة.

(3) و تخيّل أنّ مناط الاستدلال نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي، و غفل عن كون مناط الاستدلال هو ظهور كلامي الأمير و الامام الباقر عليهما السّلام.

(4) الأولى- لمماثلة المعطوف و المعطوف عليه- أن يقال: «أو كان الوجه».

(5) أي: و لضعف دلالة الصحيحة على صحة عقد الفضولي- و أنّه مجرّد إشعار بها- لم يستدلّ الشهيد قدّس سرّه بهذه الصحيحة في مسألة البيع الفضولي مع التزامه بصحته في كتاب الدروس، و إنّما استدلّ بها في باب بيع الحيوان. و قد تقدم نصّ كلامه في (ص 389).

و لا يخفى ما في توجيه المصنف- لما صنعه الشهيد من عدم ذكر الصحيحة في عداد أدلة صحة البيع الفضولي و توقفه على الإجازة- من غموض، لأنّ الشهيد اعترف بقوله: «و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف» بظهور مدلولها في صحة البيع الفضولي، و ليس في دلالتها ضعف أصلا.

و لعلّ عدم تعرضه لها في بيع الفضولي لأجل بعض الموهنات المتقدمة، فتكون صحة الفضولي في مورد الصحيحة منصوصة، و يقتصر على موردها، و لا يتعدى منها إلى سائر البيوع الفضولية. لا الإشعار الذي أفاده الماتن، فلاحظ قول الشهيد بعد نقل

ص: 406

بل ذكرها في موضع آخر. لكن الفقيه في غنى عنه (1) بعد العمومات المتقدمة.

[د: فحوى ما دلّ على صحة النكاح الفضولي]

و ربما يستدلّ أيضا (2) بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحرّ و العبد الثابتة (3) بالنص و الإجماعات المحكية،

______________________________

مضمون الصحيحة: «و هي قضية عليّ عليه السّلام في واقعة، و لعلّ ذلك استصلاح منه عليه السّلام، و فيها دلالة على أنّ عقد الفضولي موقوف ..» و لو كان الوجه في إهمال هذه الصحيحة ضعف دلالتها و إشعارها بالصحة لم يصحّ الاستدلال بها أصلا حتى في موردها، مع صراحة كلام الشهيد قدّس سرّه بتمامية دلالتها في موردها.

(1) أي: عن الاستدلال بهذه الصحيحة على صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(2) أي: على صحة عقد الفضولي بعد العمومات المتقدمة، و هي الآيات كعموم الأمر بالوفاء بالعقود، و غيره.

د: فحوى ما دلّ على صحة النكاح الفضولي «1»

(3) بالجرّ صفة «صحة» أي: صحة عقد الفضولي الثابتة بالنص، و هذا رابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي بإجازة المالك بدون سبق نهي منه.

و النصوص في صحة النكاح الفضولي و توقفه على الإجازة كثيرة، فمنها ما ورد بالنسبة إلى الأحرار- رجالا و نساء- و منها ما ورد بالنسبة إلى المملوك.

أمّا ما ورد في الأحرار فكخبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه سأله عن رجل زوّجته امّه و هو غائب. قال: النكاح جائز، إن شاء المتزوّج قبل،

______________________________

(1) المستدل بالفحوى جماعة كأصحاب الرياض و المناهل و المقابس و الجواهر، فلاحظ:

رياض المسائل، ج 2، ص 81 و 82، و المناهل، ص 287، و مقابس الأنوار، ص 26 (كتاب البيع) جواهر الكلام، ج 22، ص 277.

ص: 407

..........

______________________________

و إن شاء ترك ..» الحديث «1». و هو كالصريح في قابلية النكاح الفضولي للصحة الفعلية بإجازة الزوج.

و قد ورد نحوه بالنسبة إلى المرأة التي زوّجت فضولا. «2»

و أمّا ما ورد في نكاح العبيد و الإماء فكثير، منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده، فقال: ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عتيبة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز». «3»

و منه ما هو قريب منه بزيادة: «انّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدة و أشباهه» «4».

و الأخبار الدالة على توقف عقد النكاح على الإجازة كثيرة، بل في السرائر:

«و الأخبار متواترة عن الأئمة الأطهار بوقوف عقود النكاح على الإجازة» «5».

و أمّا الإجماعات المحكية على وقوف عقد النكاح الفضولي على الإجازة فمذكورة في كثير من كتب الفقه الاستدلالية «6»، بل في الجواهر: «بل يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 3.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 2.

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و 2

(4) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و 2

(5) السرائر الحاوي، ج 2، ص 565.

(6) كما في الناصريات، ص 247 (ضمن الجوامع الفقهية) المسألة: 154، السرائر، ج 2، ص 565، رياض المسائل، ج 2، ص 81، و حكاه عن السيد و الحلّي في كشف اللثام ج 1، كتاب النكاح ص 17، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، 188، منبّها على أن معقد إجماع السيد صحة نكاح الحرّ و العبد فضولا، بخلاف إجماع الحلي فإن معقده الحر خاصة.

ص: 408

فإنّ (1) تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى بذلك (2).

مضافا [1] إلى ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح، لأنّه «يكون منه الولد»

______________________________

تحصيل الإجماع على خلافها- اي خلاف دعوى الصحة- فضلا عمّا سمعته من محكيّه» «1».

(1) هذا تقريب الاستدلال، توضيحه: أنّ الإجازة إن كانت مؤثرة في تمليك بضع الغير كان تأثيرها في تمليك ماله أولى، فالاستدلال يكون بالفحوى أي الأولوية القطعية.

و المحقق الشوشتري قرّب الاستدلال بهذه النصوص بوجوه خمسة، اثنان منها بالفحوى، و ثلاثة منها ناظرة إلى مساواة عقد البيع و النكاح في مناط الصحة، فراجع. «2»

(2) أي: بالإجازة مع شدة اهتمام الشارع في عقد النكاح معلّلا بأنه «يكون منه الولد». و طيب الولادة مما اهتمّ به الشارع و العقل، فلا بدّ من مراعاة الاحتياط فيه، فإذا أجاز الشارع العقد الفضولي في النكاح فقد أجازه في غير النكاح بالأولوية، لأنّه يتسامح في الماليات بما لا يتسامح به في الفروج.

______________________________

[1] لعل الأولى إبدال «مضافا» ب «لما» بأن يقال: «أولى بذلك لما علم من شدة» لأنّ المقام يقتضي بيان وجه الأولوية، و الغرض من قوله: «مضافا» بيان ذلك.

و كيف كان فقد أورد على هذه الأولوية بوجهين، الأوّل: إنكار الأولوية.

و الثاني تسليم الأولوية مع ابتلائها بالمعارض.

أمّا الوجه الأوّل فتقريبه: أنّ اهتمام الشارع بأمر النكاح و شدّة الاحتياط فيه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 201.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 409

كما في بعض الأخبار (1).

و قد أشار إلى هذه الفحوى (2) في غاية المراد. «1»، و استدلّ بها (3) في الرياض، بل قال: «إنّه لولاها أشكل الحكم (4) من جهة الإجماعات المحكية على المنع (5)». و هو (6) حسن.

______________________________

(1) كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما رواه العلاء بن سيابة: «ان النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه، و هو فرج، و منه يكون الولد». «2»

(2) و هي الأولوية المذكورة.

(3) أي: بالفحوى، و هي الأولوية، و ضمير «لولاها» راجع إلى «الفحوى».

(4) و هو صحّة عقد الفضولي بالإجازة.

(5) أي: منع صحة عقد الفضولي، حيث إنه قال: «و لعمري انّها من أقوى الأدلة، و لولاها لأشكل المصير إلى هذا القول، لحكاية الإجماعين الآتيين». «3»

(6) أي: إشكال صاحب الرياض حسن.

______________________________

لا يقتضي الاحتياط في سببه، بل يقتضي التسهيل في أسبابه، لأن لا يقع الناس في السفاح، مثلا إذا كان سبب النكاح خصوص العقد العربي المعتبر فيه لفظ بمادة و هيئة خاصتين كان ذلك سببا للوقوع في الحرام، لعدم تمكن أكثر الناس خصوصا سكّان القرى و البوادي من إيجاد النكاح بهذا السبب. فأهمية النكاح تقتضي التسهيل في أسبابه، لا التضييق فيها، كما نرى أنّ الشارع وسّع في أسباب النكاح بتشريع المتعة

______________________________

(1) غاية المراد، ص 178.

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 193، الباب 157، من أبواب مقدمات النكاح و آدابه، الحديث: 3، و نحوه الحديث: 1.

(3) رياض المسائل، ج 1، ص 512.

ص: 410

______________________________

و ملك اليمين و التحليل، و جواز الاقتصار في مقام الإذن على السكوت. فعدم احتياط الشارع و التوسعة في سبب النكاح لا يستلزم بالأولوية التوسعة في سبب البيع الذي ليس بتلك المرتبة من الأهمية.

فالأولوية ممنوعة، لتوقّفها على الاحتياط في سبب النكاح حتى يكون الحكم بصحة عقد الفضولي في غير عقد النكاح بالإجازة بالأولوية.

و بالجملة: الاهتمام في المسبّب لا يقتضي التشديد في السبب، بل يقتضي سهولته. و أثر الاهتمام لزوم الاحتياط في الشبهات الحكمية و الموضوعية في حصول الزوجية، كاحتمال كون المرأة معتدة، أو أخته من الرضاعة، أو أخت زوجته، أو احتمال جواز التزويج الدائم بالكتابية و عدمه، إلى غير ذلك من موارد الشبهة. فإنّ الاحتياط في هذه الموارد لا يقتضي الاحتياط في نفس العقد الذي هو سبب تحقق النكاح. فاهتمام الشارع أجنبي عن مرحلة السبب حتى يتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في غير النكاح، بل يعتبر في بعض العقود ما لا يعتبر في عقد النكاح كالتقابض في المجلس في بيع الصرف، و قبض الثمن في السلم. هذا محصّل ما أورد على الفحوى، و النتيجة إنكار الفحوى التي هي مدار الاستدلال.

لكن يمكن أن يقال: إنّ كلّ ما يعتبر في المسبب يعتبر في السبب، إذ العقد المؤثر في تحقق المسبب هو الجامع للشرائط مطلقا سواء أ كانت راجعة إلى المتعاقدين، أم العوضين، أم نفس العقد كالعربيّة و الماضوية و غيرهما.

و عليه فشرط كون المرأة أجنبية أو عدم كونها أخت زوجته أو أخته من الرضاعة أو غيرها من الشرائط الوجودية و العدمية شرط للعقد أيضا، فالاهتمام بالمسبّب اهتمام بالسبب.

فما في حاشية بعض الأجلة قدّس سرّه من قوله: «فالاهتمام المعلوم من الشارع أجنبي

ص: 411

إلّا أنّها (1) ربما توهن

______________________________

(1) أي: أنّ الفحوى المزبورة. فالمصنف قدّس سرّه التزم بالفحوى، لكنها موهونة بالنص الوارد في الرّد على العامة الّذين فرّقوا بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله

______________________________

عن هذا الوادي الذي نحن فيه ليتمسك بفحوى صحة الفضولي في النكاح على صحته في المقام» «1». غير ظاهر، فإنّ التقابض في المجلس في بيع الصرف شرط في صحة عقده و تأثيره.

و الحاصل: أنّ الحق وجود الأولوية، و عدم سبيل إلى إنكارها.

نعم لا بأس بالإشكال في حجّيّتها، لكونها ظنّية، و الظن لا يغني من الحق شيئا.

إلّا أن يقال: إنّ مفهوم الموافقة من المداليل الالتزامية التي تكون حجة عند أبناء المحاورة كالمداليل المطابقية.

إلّا أن يناقش فيه بعدم كون الأولوية في المقام من المداليل الالتزامية، حيث إنّ صحة بيع الفضولي ليست من المدلول الالتزامي لصحة نكاح الفضولي، لا عقلا و لا عرفا، خصوصا بعد الالتفات إلى تعبّدية الأحكام و عدم الإحاطة بملاكاتها، إذ المفروض أنّه لا بدّ أن تكون الأولوية ناشئة من أقوائية الملاك، و هي غير معلومة لنا. فلا وجه للأولوية هنا أصلا.

و على تقدير تحققها لا يكون الظن الحاصل منها بمعتبر قطعا، لكونه كالظن القياسي في عدم الحجية.

فالحق عدم صحة الاستدلال بهذه الأولوية أصلا، لعدم انطباق ضابط الدلالة الالتزامية عليها، و إلّا كانت حجة كسائر الدلالات الالتزامية.

هذا كله في الوجه الأوّل من الإيراد على الأولوية، و سيأتي الوجه الثاني قريبا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 119.

ص: 412

بالنص (1) الوارد في الرد على العامّة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول

______________________________

بالعزل و بين بيعه، بذهابهم إلى الصحة في الثاني، لأنّ المال له عوض، و البطلان في الأوّل، لأنّ البضع ليس له عوض.

(1) و هو خبر العلاء بن سيابة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة وكّلت رجلا بأن يزوّجها من رجل، فقبل الوكالة، فأشهدت له بذلك، فذهب الوكيل فزوّجها، ثم إنّها أنكرت ذلك الوكيل، و زعمت أنّها عزلته عن الوكالة، فأقامت شاهدين على أنّها عزلته.

فقال: ما يقول من قبلكم في ذلك؟ قال: قلت: يقولون ينظر في ذلك، فإن كانت عزلته قبل أن يزوّج. فالوكالة باطلة، و التزويج باطل. و إن عزلته و قد زوّجها فالتزويج ثابت على ما زوّج الوكيل، و على ما أنفق معها من الوكالة إذا لم يتعدّ شيئا مما أمرت به و اشترطت عليه في الوكالة.

قال: ثم قال: يعزلون الوكيل عن وكالتها و لم تعلمه بالعزل؟ قلت: نعم يزعمون أنّها لو وكّلت رجلا و أشهدت في الملإ، و قالت في الخلإ: اشهدوا أنّي قد عزلته أبطلت وكالته بلا أن تعلم في العزل، و ينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة. و في غيره لا يبطلون الوكالة إلّا أن يعلم الوكيل بالعزل، و يقولون: المال منه عوض لصاحبه، و الفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد.

فقال عليه السّلام: سبحان اللّه، ما أجور هذا الحكم و أفسده، إنّ النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه، و هو فرج، و منه يكون الولد، إنّ عليّا عليه السّلام أتته امرأة تستعديه على أخيها، فقالت: يا أمير المؤمنين، إنّي وكّلت أخي هذا بأن يزوّجني رجلا و أشهدت له، ثم عزلته من ساعته تلك، فذهب فزوّجني، ولي بيّنة أنّي قد عزلته قبل أن يزوّجني، فأقامت البيّنة، فقال الأخ: يا أمير المؤمنين إنّها وكّلتني و لم تعلمني أنّها عزلتني عن الوكالة حتى زوّجتها كما أمرتني.

فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين. فقال لها: أ لك بيّنة

ص: 413

..........

______________________________

بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون بأنّي قد عزلته.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: كيف تشهدون؟ قالوا: نشهد أنّها قالت: اشهدوا أنّي قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا، و أنّي مالكة لأمري قبل أن يزوّجني.

فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه و محضر؟ فقالوا: لا. فقال: تشهدون أنّها أعلمته بالعزل كما أعلمته بالوكالة؟ قالوا: لا. قال: أرى الوكالة ثابتة، و النكاح واقعا، أين الزوج؟ فجاء، فقال: خذ بيدها بارك اللّه لك فيها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أحلفه أنّي لم أعلمه العزل و لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال عليه السّلام: و تحلف؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فحلف، فأثبت وكالته، و أجاز النكاح» «1».

و محصّل الخبر: أنّ الراوي سأل الإمام أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام عن حكم توكيل امرأة رجلا ليزوّجها من رجل، فقبل الوكيل، و أقامت المرأة بيّنة على التوكيل، فزوّجها الوكيل. و لكن المرأة ادّعت عزله، و أقامت البيّنة على العزل، مع عدم إعلام الوكيل به.

و بعد عرض هذا السؤال استفسر الامام عليه السّلام عن رأي العامة في المسألة، فأخبره العلاء بن سيابة بأنّهم يفصّلون- في الوكيل المعزول الجاهل بعزله- بين البيع و النكاح، كما يفصّلون في النكاح بين وقوع التزويج قبل العزل فيصح، و وقوعه بعده فيبطل. بخلاف التوكيل في البيع، فيصح بيع الوكيل المعزول الجاهل بالحال، تشبثا بوجه استحسانيّ، و هو: أنّ البيع لو كان فاسدا في الواقع

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 13 ص 286 الباب 2 من أبواب الوكالة، الحديث 2. و توصيف الرواية بالصحة كما في المتن و حاشية السيد مما لم يظهر له وجه، في كل من طريقي الفقيه و التهذيب، لعدم توثيق العلاء و إن كان الطريق تامّا.

الّا أن يقال: إنّ رواية ابن أبي عمير عنه توثيق له، لما قيل من: أنّه لا يروي إلّا عن ثقة. و لكنه لا يخلو عن بحث تعرّضنا له في شرح الكفاية، فراجع: منتهى الدراية، ج 8، ص 149 إلى 168.

ص: 414

..........

______________________________

لم يتضرّر المتبايعان، لوصول عوض كلّ من المالين إلى الآخر. بخلاف النكاح، لعدم كون المهر عوضا عن البضع.

فلمّا سمع الامام عليه السّلام رأيهم، قال متعجبا و مستنكرا: سبحان اللّه ما أجور الحكم ببطلان نكاح الوكيل و صحة بيعه، مع أنّ الاحتياط في الأعراض يقتضي صحة النكاح تحرزا عن السفاح.

ثم استشهد عليه السّلام بقضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين في واقعة مماثلة لمورد السؤال، و أنّه عليه السّلام نفّذ تزويج الوكيل المعزول الجاهل بالعزل.

و لعلّ استشهاده بقضاء الأمير عليه السّلام لأجل الرّد على العامة، و إلزامهم بما يرونه حجة عندهم، من حجية قول الصحابي و قضائه خصوصا من رووا في شأنه عن النبي الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أقضاكم عليّ» فكيف غضّ العامة أبصارهم- كما غضّت بصائرهم- عن قضاء أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين بصحة نكاح الوكيل الذي يكون فضوليا بعد العزل؟ و حكموا ببطلان النكاح و صحة البيع الفضولي لوجه استحساني، مع عدم إحاطة البشر بمناطات الأحكام الشرعية.

و الغرض من ذكر هذا الخبر إبداء المانع- عن الاستدلال على صحة البيع الفضولي بالفحوى المتقدمة عن صاحب الرياض و غيره من الأعلام- بتوهين الأولوية.

توضيح الوهن: أنّ الامام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه أنكر على العامة حكمهم ببطلان نكاح الوكيل المعزول، لأنّ مقتضى الاحتياط في النكاح- لكونه منشأ لتكوّن الولد منه- هو أولوية النكاح بالصحة من البيع، إذا قيل بصحته في الفضولي مع الإجازة. فالمستفاد من الرواية أنّ صحة المعاملة المالية تستلزم صحة النكاح بطريق أولى، فتكون صحة البيع أصلا، و صحة النكاح فرعا. فصحة البيع تستلزم صحة النكاح دون العكس الذي كان الاستدلال مبنيّا عليه، و هو التمسك بفحوى صحة

ص: 415

مع جهله (1) بالعزل و بين بيعه (2)، بالصحة (3) في الثاني (4) لأنّ المال له عوض، و البطلان (5) في الأوّل (6)، لأنّ (7) البضع ليس له عوض [1]

______________________________

النكاح الفضولي على صحة الفضولي في غير النكاح.

هذا كله في تقريب منع الفحوى. و سيأتي توضيح جهتين في المتن.

إحداهما: حكمه عليه الصلاة و السّلام باقتضاء الاحتياط صحة عقد النكاح الذي أنشأه الوكيل المعزول، مع أنّها لو لم تكن زوجة واقعا حرمت معاشرتها مع الزوج.

ثانيتهما: وجه ربط هذا الخبر- المانع للفحوى- بباب الفضولي، مع أنّ موردها عقد الوكيل المعزول، فانتظر.

(1) يعني: جهل الوكيل المعزول بعزله. و محصل ما يستفاد من هذه الصحيحة:

أنّ العامّة فرّقوا بين عقدي النكاح و البيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله، بالحكم بصحة البيع و بطلان النكاح.

(2) يعني: بيع الوكيل المعزول مع جهله بالعزل.

(3) متعلق ب «الفارقين».

(4) و هو البيع، لأنّ للمال عوضا، فصحته لا توجب ضررا مع وجود العوض المالي، لأنّ كل واحد من المتبايعين يترك شيئا و يأخذ شيئا عوضا عنه.

(5) بالجر معطوف على «بالصحّة».

(6) و هو النكاح، و هذا الحكم من فقهاء السنة.

(7) هذا تعليل المخالفين لبطلان النكاح، و محصله: أنّ البضع لا عوض له، إذ ليس مالا حتى يبذل بإزائه المال و يقابل به.

______________________________

[1] فيه أوّلا: أنّ عدم العوض ليس مناطا للبطلان، بل مناطه هو كونه منشأ تكوّن الولد منه.

ص: 416

ليس له عوض، حيث (1) قال الامام عليه السّلام في مقام ردّهم و اشتباههم في وجه الفرق: «سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم (2) و أفسده،

______________________________

(1) هذا شروع في بيان وهن الأولوية المزبورة بالنص الوارد في ردّ العامة، الفارقين بين التزويج و البيع الصادرين من الوكيل المعزول مع جهله بالعزل، بحكمهم ببطلان التزويج و صحة البيع. و قد تقدم توضيحه بقولنا: «توضيح الوهن: أن الامام الصادق عليه السّلام أنكر على العامة .. إلخ».

(2) أي: التفريق بين البيع و النكاح في الحكم بصحة الأوّل و بطلان الثاني.

______________________________

و ثانيا: انّ للبضع عوضا و هو المهر، غاية الأمر أنّه ليس ركنا في صحة النكاح حتّى يلزم ذكره في متن العقد كالعقود المعاوضية، إذ الركنان في النكاح الزوجان، و في العقد المعاوضي العوضان.

و أمّا الوجه الثاني من الإيراد على الأولوية، و هو ما أفاده المصنف من قوله:

«إلّا أنّها ربّما توهن بالنص الوارد في الرد على العامة .. إلخ». الظاهر في الرد على العامة الفارقين بين النكاح و البيع الصادرين من الوكيل المعزول الجاهل بعزله، في الحكم بصحة البيع، لوجود العوض فيه، و بطلان النكاح، لعدم عوض للبضع- ببيان: أنّ النكاح أحرى بأن يحتاط فيه، لأنّ منه الولد، فإذا حكم بصحة البيع فلا بد من الحكم بصحة النكاح بطريق أولى، لكون الاحتياط فيه أحرى و أجدر، فيكون النكاح أولى من البيع بالصحة. و هذا عكس الأولوية المذكورة التي استدلّ بها على استلزام صحة النكاح لصحة البيع. فهذه الصحيحة توهن تلك الأولوية و تثبت عكسها، و هي كون البيع أصلا، و النكاح فرعا، و أنّ الأولوية تثبت صحة النكاح، لكونها فرع صحة البيع، فيبطل الاستدلال بفحوى صحة النكاح على صحة البيع.

ففيه أوّلا: أنّ المخالفين لم يستدلّوا على صحة البيع بالاحتياط حتى يردّهم الامام عليه السّلام بأنّ الاحتياط بصحة النكاح أحرى من الاحتياط بصحة البيع، بل استدلّوا

ص: 417

فإنّ (1) النكاح أولى و أجدر أن يحتاط فيه، لأنّه الفرج و منه يكون الولد» الخبر (2).

و حاصله (3): أنّ مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع (4) أولى بالصحة من (5) حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره.

______________________________

(1) هذا كلام الإمام عليه السّلام الذي هو علّة لكون حكم علماء السنة- بفساد النكاح- في غاية الجور و الفساد، و حاصله: أنّ النكاح أولى من أن يحتاط فيه، لكونه مبدء تكوّن الولد الذي يرجى منه الفوز بتحصيل السعادة الأبدية، و طيب الولادة دخيل في الوصول إلى الدرجات العالية من الإيمان و المعارف الإلهية. فالبضع أهم من المال من حيث لزوم الاحتياط فيه.

(2) أي: إلى آخر الخبر المذكور تمامه آنفا.

(3) أي: و حاصل ما يقصده الامام عليه السّلام من الاحتياط في النكاح هو أولويته بالصحة.

(4) أي: الذي أنشأه الوكيل المعزول الجاهل بعزله من ناحية موكّله.

(5) لأولوية صحة النكاح- الصادر من الوكيل المعزول- بالصحة من البيع الصادر منه. و حاصله: أنّ النكاح أولى بالاحتياط من غيره كالبيع، لأنّ النكاح منشأ تكوّن الأولاد، فلا بدّ من تحليل البضع. فالقول بصحته- إذا صدر فضولا ثم أجيز ممّن له أمر الإجازة- أولى ممّا يدّعيه العامة من صحة البيع و بطلان النكاح، مع أن البيع فاقد لملاك الصحة، و النكاح واجد له.

______________________________

عليها بوجه استحساني يقتضي صحة البيع و بطلان النكاح.

و ثانيا: أنّه ليس المراد بالاحتياط الذي يكون أحرى في النكاح ما أفاده الشيخ قدّس سرّه من الحكم بصحة النكاح حتى تكون صحته أولى من صحة البيع، بل الاحتياط في الفتوى يقتضي التوقف و عدم الفتوى بشي ء من الصحة و الفساد، لابتناء كلّ منها على

ص: 418

فدلّ (1) على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى. خلافا للعامة حيث عكسوا و حكموا بصحة البيع دون النكاح. فمقتضى حكم الامام عليه السّلام أنّ صحة المعاملة المالية الواقعة في كلّ مقام (2) تستلزم صحة النكاح الواقع (3) بطريق أولى.

______________________________

(1) أي: فدلّ كلام الامام الصادق عليه السّلام، و هذه نتيجة الاحتياط، فإنّ الاحتياط في النكاح يدلّ على أنّ صحة البيع تستلزم صحة النكاح بطريق أولى، لما عرفت من كون النكاح منشأ لتكوّن الولد.

(2) سواء صدرت من الوكيل المعزول الجاهل بعزله أم من الفضولي.

(3) أي: أنّ صحة النكاح الصادر من الوكيل المعزول- الجاهل بعزله من موكّله- أولى من القول بصحة البيع و بطلان النكاح، مع وجود ما فيه من الاحتياط، و عدمه في البيع، فلا موجب لصحته دون النكاح.

______________________________

وجه استحساني يكون الركون إليه تشريعا محرّما. كما أنّ الاحتياط في العمل يقتضي أحد أمور:

إمّا الطلاق، لأنّ المرأة على فرض صحة العقد و صيرورتها زوجة تبين من زوجها بالطلاق، و يصح حينئذ تزويجها منه أو من رجل آخر. و على فرض فساد العقد يكون الطلاق لغوا، لوقوعه على الأجنبية.

و إمّا إجراء العقد عليها ثانيا.

و إمّا إجازة المرأة عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله مع عدم ردّ المرأة العقد قبل الإجازة.

و الحاصل: أنّ أمر النكاح في المقام يكون- بحسب العمل- دائرا بين المحذورين، لأنّه على فرض صحة العقد واقعا تكون المرأة زوجته، و على فرض فساده تكون أجنبية عنه، فالاحتياط فيه لا يمكن إلّا بأحد الوجوه المتقدمة. و كذا البيع، فإنّ

ص: 419

و حينئذ (1) فلا يجوز التعدّي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلى (2) صحة البيع، لأنّ (3) الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية، و إلّا (4) لم يتحقق الأولوية كما لا يخفى.

______________________________

(1) أي: و حين القول باستلزام صحة البيع صحة النكاح- خلافا للعامة القائلين بصحة البيع و بطلان النكاح- لا يجوز التعدّي من صحة النكاح الفضولي- كما هو مقتضى ما دلّ على صحة نكاح العبد بدون إذن سيده- إلى البيع و غيره.

(2) متعلق ب «التعدي».

(3) تعليل لعدم جواز التعدي من صحة النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي، و محصله: أنّ الحكم بالصحة في الفرع- و هو النكاح الفضولي- لا يستلزم الحكم بالصحة في الأصل و هو البيع في باب الأولوية.

(4) يعني: و لو استلزم الحكم بصحة الفرع الحكم بصحة الأصل لما تحقّق مفهوم الأولوية، إذ مفهوم الأولوية هو استلزام الحكم الثابت في الأصل لحكم الفرع، كاستلزام حرمة التأفيف لحرمة الضرب، لا استلزام حكم الفرع لحكم الأصل، فإنّ حرمة الضرب لا تستلزم حرمة التأفيف.

______________________________

صحته و فساده لا يوافقان الاحتياط، لدوران أمر المال بين المحذورين.

فغرض الامام عليه السّلام- كما في حاشية المدقق الأصفهاني قدّس سرّه- إبطال استحسانهم، إلّا أنّ عدم تمكنه عليه السّلام من بيان ذلك صريحا لأجل التقية أوجب مراعاة جانب الاحتياط، و أجابهم بأنّ النكاح أحرى بالاحتياط ممّا يتعلّق بالماليات. فاللازم الاستناد فيه إلى ركن وثيق من آية أو رواية، لا إلى القياس و الاستحسان. و ليس كالماليّات التي لا اهتمام بها كالنكاح. و لذا عقبه عليه السّلام بقضاء أمير المؤمنين عليه الصلاة و السّلام الذي يتّبع قضاؤه لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أقضاكم علىّ عليه السّلام» «1» هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 134.

ص: 420

فالاستدلال (1) بصحة النكاح على صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولى بالبطلان، من جهة أنّ البضع غير قابل للتدارك بالعوض.

بقي الكلام في وجه جعل الامام عليه السّلام الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله، مستدلّا (2) بأنّه يكون منه الولد، مع أنّ الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين، و لا احتياط في البين.

______________________________

(1) هذه نتيجة البحث- بعد منع الفحوى بخبر العلاء بن سيابة- و هي: أنّ الاستدلال بصحة النكاح الفضولي- الذي هو الفرع- على صحة البيع و هو الأصل يكون مطابقا لحكم العامة. فالاستدلال المزبور في غير محله.

(2) هذا شروع في بيان ما أشرنا إليه في (ص 416) من معنى الاحتياط الوارد في كلام الامام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه، حيث إن الأحوط هو الأوثق،

______________________________

و يحتمل أن يراد بأجدريّة الاحتياط في النكاح أجدريّته من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه في موارد الاشتباه، لا أجدرية النكاح بالصحة من غير النكاح كما استظهره المصنف، حتى توهن بها الأولوية التي استدلّ بها على تعدّي الفضولية من النكاح إلى غيره.

و الحاصل: أنّ الحكم في موارد اشتباه النكاح هو أولوية الاحتياط الذي هو فعل المكلّف من الحكم بصحة النكاح أو بطلانه. فالمفضّل عليه هو الحكم، لا البيع حتى يصير ذلك أصلا و النكاح فرعا، و يعارض الأولوية السابقة التي استدلّ بها على جريان الفضولية في غير النكاح.

و على هذا فتلك الأولوية لا توهن برواية العلاء المتقدمة.

لكنه مع ذلك لا يتجه الاستدلال بها على جريان الفضولية في غير النكاح، لأنّها لا تفيد إلّا الظن، و هو لا يغني من الحقّ شيئا. بل مع الالتفات إلى قضية أبان لا تفيد الأولوية شيئا من مراتب الظن أيضا.

ص: 421

و يمكن أن يكون الوجه في ذلك (1) أنّ (2) إبطال النكاح في مقام الاشكال

______________________________

و الاحتياط هو إحراز الواقع عملا كالجمع بين القصر و الإتمام في الموارد المشتبهة، و كترك شرب الإنائين في موارد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما.

و قد يشكل تطبيق العمل بالاحتياط على حكمه صلوات اللّه و سلامه عليه بصحة النكاح. و ذلك لامتناع الاحتياط هنا من جهة دورانه بين المحذورين، فإنّ هذه المرأة الموكّلة في النكاح إن كانت قد عزلت الوكيل كان تزويجها فضوليا، و المفروض عدم إجازتها، و يحرم على الزوج معاشرتها، لكونه أجنبيا عنها. و إن لم تكن عازلة له كانت زوجة للرجل. و لو حكمنا بفساد النكاح و كونها خليّة ظاهرا جاز لها التزويج برجل آخر، و كان المباشرة معها زنا بذات بعل.

و مع دوران أمر هذه المرأة الموكّلة بين الزوجية و الأجنبية يمتنع إحراز الواقع بالاحتياط، فيكون التزويج نظير البيع، إذ لو صحّ بيع الوكيل كان الثمن ملكا للبائع، و إن لم يصح كان للمشتري، و حرم على البائع التصرف فيه. مع أنّه عليه السّلام جعل صحة النكاح أحرى بالاحتياط. و يتجه السؤال حينئذ بأنه كيف يحتاط في مورد الدوران بين المحذورين؟

(1) أي: في الاحتياط. هذا توجيه الاحتياط بنحو لا يكون من الاحتياط المصطلح الذي يحرز به الواقع عملا، إذ يراد به هنا الأخذ بأخفّ المحذورين.

توضيحه: أنّ إبطال النكاح يوجب الفراق بين الرجل و المرأة، فلو كان النكاح صحيحا واقعا لزم الزنا بذات البعل إذا تزوّجت بغيره. و هذا بخلاف إبقاء النكاح، فإنّه على تقدير بطلانه واقعا لا يلزم منه إلا وطء المرأة غير ذات البعل، و هو أهون من الزنا بذات البعل. فالمراد بالاحتياط مراعاة أقلّ المحذورين بفعله، و ترك ما يكون أشدّ محذورا.

(2) خبر قوله: «أن يكون» و قوله: «يستلزم» خبر «أن ابطال».

ص: 422

و الاشتباه (1) يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا، فتتزوّج (2) المرأة، و يحصل الزنا بذات البعل. بخلاف إبقائه (3)، فإنّه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلّا وطء المرأة الخالية عن المانع. و هذا (4) أهون من وطء ذات البعل.

فالمراد بالأحوط (5) هو الأشدّ احتياطا [1].

و كيف كان (6) فمقتضى

______________________________

(1) كالمقام، لعدم وضوح هذا النكاح من حيث الصحة و البطلان.

(2) هذه نتيجة بطلان النكاح، فإن تزوّجت برجل آخر كان التزويج بذات البعل، و الزنا بها أشدّ من الزنا بالخليّة.

(3) أي: إبقاء النكاح. و ضمير «منه» راجع إلى «إبقائه».

(4) أي: وطء المرأة الخالية عن الزوج أهون من وطء ذات البعل.

(5) المستفاد من كلمتي «أحرى و أحرى» الواقعتين في رواية علاء بن سيابة المتقدمة. فالمراد بالاحتياط هو الأشد احتياطا و احترازا، فإنّ في إبقاء النكاح رعاية الطرف الذي محذورة أقلّ من محذور الطرف الآخر، و هو إبطال النكاح، على التفصيل المتقدم آنفا.

(6) يعني: سواء أريد بالاحتياط ما ذكرناه أم غيره.

______________________________

[1] بل تقدم في التعليقة السابقة أنّ المراد بالاحتياط هو الاحتياط التام الحاصل بأحد الأمور المتقدمة من أنّه مع إرادة بقاء الزوجية لا بدّ إمّا من تجديد العقد عليها، أو إجازة المرأة ذلك العقد. و مع إرادة عدم بقاء الزوجية لا بدّ من تطليقها. و ليس المراد بالاحتياط الإضافي منه كما التزم به المصنف قدّس سرّه، فإنّه خلاف ظاهره، و لا قرينة على إرادته بعد إمكان إرادة ظاهره.

ص: 423

هذه الصحيحة (1) أنّه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي لم يوجب (2) ذلك التعدي (3) إلى الحكم بصحة بيع الفضولي.

نعم (4) لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح، لأنّ النكاح أولى بعدم الإبطال، كما هو نص [1] الرواية (5).

______________________________

(1) قد تقدم الإشكال في توصيف هذه الرواية بالصحيحة، فراجع (ص 414).

(2) لأنّ المفروض صيرورة المعاملة المالية أصلا و النكاح فرعا، و لذا جعل الحكم بصحته أحرى و أولى، فينعكس الأمر و يصير صحة النكاح ثابتة بالفحوى، دون العكس و هو صحة البيع بالفحوى.

(3) كما كان هو المقصود من الوجه الرابع أعني به التمسك بفحوى ما دلّ على صحة النكاح لإثبات صحة سائر العقود الفضولية، و وجه عدم التعدي هو عدم ثبوت حكم الفرع للأصل.

(4) يعني: و لكن العكس- و هو استلزام صحّة البيع لصحة النكاح- ثابت لأولوية النكاح من البيع بالصحة، لدلالة النص المزبور من حيث كون النكاح أحرى من البيع بالاحتياط.

(5) و هي رواية العلاء بن سيابة المتقدمة، و المراد بنصّ الرواية هو قوله عليه السّلام:

«إنّ النكاح أحرى و أحرى أن يحتاط فيه».

______________________________

[1] قد عرفت عدم ظهور الرواية- فضلا عن صراحتها- في صحة النكاح، فإنّ الاحتياط لا يقتضي صحته و لا بطلانه، لدورانه بين المحذورين و هما زوجية المرأة و اجنبيّتها، فلا بدّ من التوقف في الفتوى.

و لم يذكر الامام عليه السّلام اقتضاء الاحتياط للصحة حتى يدّعى أولوية النكاح بالصحة من البيع، و يقال: إنّ الفحوى بالعكس، و أنّ هذه الفحوى تعارض تلك الفحوى المستدل بها على التعدي من النكاح الفضولي إلى البيع الفضولي.

ص: 424

ثمّ (1) إنّ الرواية و إن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي (2)، إلّا أنّ المستفاد منها قاعدة [1]

______________________________

(1) هذا بيان ما أشرنا إليه (في ص 416) من الجهة الثانية المتعلقة برواية العلاء ابن سيابة، إذ قد يتوهم عدم مانعيتها للفحوى المستفادة من نصوص صحة نكاح العبيد و الأحرار بالإجازة.

و الوجه في التوهم: تعدد الموضوع، لكون موضوع تلك النصوص إنشاء عقد النكاح فضولا، فيصح بالإجازة، و يصح بيع الفضولي بالأولوية.

و لكن موضوع خبر العلاء أمر آخر، و هو بيع الوكيل المعزول، و من الممكن اختلاف حكم الفضولي عن الوكيل المعزول، فلا وجه لمنع الفحوى بخبر العلاء.

و قد دفع المصنف هذا التوهم بأنّ تعدد الموضوع غير قادح في منع الفحوى، لأنّ العبرة بكلامه عليه السّلام في بيان ضابطة كليّة، و هي: أنّ إمضاء العقد الواقع على المال- كالبيع- يستلزم إمضاء النكاح، و لا عكس. مع أنّ مبنى استدلالهم على صحة بيع الفضولي هو أولوية البيع بالصحة، و قد عرفت منعها.

(2) حيث إنّ رواية العلاء المتقدمة وردت في الوكالة، و الرّجل يدّعي الوكالة عن المرأة، و هي تنكرها و تدّعي عزله.

______________________________

[1] استفادة القاعدة الكلية منوطة بإلغاء خصوصية المورد، و هو عقد الوكيل المعزول الجاهل بعزله، فإنّه بعد وضوح بقاء الوكالة إلى وصول خبر العزل إلى الوكيل- و أنّ العزل بوجوده العلمي يوجب الانعزال لا بوجوده الواقعي- يكون فعل الوكيل قبل وصول خبر العزل إليه كفعل نفس الموكّل نافذا و غير محتاج إلى الإجازة، فإبطال عمله حينئذ كإبطال عمل الموكّل. و هل يمكن إلغاء خصوصية الوكالة و جعلها كالعدم في التأثير؟ حتى يستفاد هذه القاعدة الكلية.

ص: 425

كلّيّة (1) هي (2): أنّ إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح، من دون العكس (3) الذي هو مبنى الاستدلال (4) في مسألة الفضولي، هذا.

______________________________

(1) بحيث تنطبق على صغرياتها التي منها مورد البحث.

(2) الأحسن اقترانها بالواو الاستئنافية حتى تكون الجملة مفسّرة ل «قاعدة».

(3) و هو عدم استلزام إمضاء نكاح الفضولي إمضاء غيره من العقود.

(4) حيث إنّ مبنى الاستدلال هو فحوى صحة نكاح الفضولي. و قوله:

«الذي هو» صفة لكلمة «العكس» يعني: أنّ العكس المذكور هو مبنى الاستدلال بالأحاديث- الواردة في نكاح الفضولي الصادر من الحرّ و العبد- على جريان الفضولي في غيره.

هذا تمام الكلام في الطائفة الاولى، و هي الوجوه الأربعة التي عبّر عنها بالدلالة و سيأتي الكلام في الطائفة الثانية.

______________________________

و الحاصل: أنّ الرواية مسوقة لبيان عدم انعزال الوكيل إلّا بوصول عزله إليه. و عدم كون مجرّد العزل بدون العلم به موجبا لانعزاله.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ رواية العلاء بن سيابة المتقدمة لا تعارض الأولوية التي استدلّ بها على التعدي من نكاح الفضولي إلى غيره من العقود الفضولية، بل تؤيّد الفحوى المذكورة، حيث إنّ مقتضى أهمية النكاح هو التعدي عن سببه إلى غيره كالبيع، فإنّ التوسعة في أسباب الأهم تقتضي التوسعة في أسباب غيره كالبيع، إذ سببية عقد الفضولي لتحقق النكاح الأهم تقتضي سببية عقد الفضولي لحصول المهم كالبيع بالأولويّة.

نعم يشكل الاعتماد على تلك الأولوية لكونها ظنية، بل مع الالتفات إلى تعبدية الأحكام الشرعية و عدم إحاطتنا بملاكاتها لا يحصل الظن بالأولوية أيضا.

ص: 426

[الطائفة الثانية: النصوص الخاصة]
[أ: ما ورد في المضاربة]

ثمّ إنّه ربما يؤيّد صحة الفضولي- بل يستدل عليها (1)- بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصّة، مثل موثقة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فاشترى (2) غير الذي أمره. قال: هو (3) ضامن، و الربح بينهما على ما شرطه» (4). «1»

______________________________

الطائفة الثانية: النصوص الخاصة أ: ما ورد في المضاربة

(1) أي: على صحة الفضولي. و هذا خامس الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك.

(2) هذا الضمير المستتر و ضمير «ليشتري» راجعان إلى الرجل المدفوع إليه المال، و هو عامل المضاربة.

(3) أي: العامل ضامن للخسارة لأجل مخالفته لما أذن له المالك الدافع.

(4) هذه النصوص الخاصة قد استدلّ بعضهم بها على صحة بيع الفضولي كصاحب المقابس قدّس سرّه، و أيّدها بها بعضهم كصاحب الجواهر قدّس سرّه و إن لم يصرّح بخصوص ما ورد في باب المضاربة، حيث قال بعد الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس ما لفظه: «مؤيّدا ذلك كله بالنصوص الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتّجر به .. و غير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن و غيره مما يظهر الاتفاق منهم عليه، و هو فضولي أو شبه فضولي». «2»

و قال في كتاب المضاربة فيما إذا خالف العامل ما شرطه ربّ المال عليه:

«لم يمض إلّا مع إجازة المالك، لكونه تصرفا قد وقع بدون إذن المالك، و هو غير باطل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 182، الباب 1 من أبواب أحكام المضاربة، الحديث: 9، و نحوه أكثر أحاديث الباب. و الظاهر صحة السند كما يظهر لمن يراجع كتب الرجال.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 278 و 279.

ص: 427

..........

______________________________

عندنا، و إنّما هو فضولي، فإن أجاز نفذ». «1»

و قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه بعد نقل موثقة جميل: «و يعضدها أخبار أخر قد عمل بها الأصحاب، بلا خلاف يعرف بينهم. و وجه الاستدلال بها: أنّ العامل لم يكن وكيلا في تلك المعاملة، فلو بطل عقد الفضولي لبطل عقد العامل هنا أيضا، فوجب ردّ كلّ إلى صاحبه، و لم يجز تقسيم الرّبح بينهما، كما دلّت عليه- أي على تقسيم الربح بينهما- الرواية، فهي محمولة على تحقق الإجازة مع الرّبح كما هو الغالب، دون الخسران. و إنّما قسّم الربح بينهما بناء على إطلاق عقد المضاربة، و تعلقه بكل عقد صحيح وقع بذلك المال برضا المالك سابقا أو لاحقا. و في هذا كلام يبيّن في محلّه». «2»

هذا ما ورد في بعض الكلمات. و أمّا المصنف قدّس سرّه فقد عبّر تارة بالتأييد، و أخرى بالدلالة، و ثالثة بالاستيناس، و اقتصر في التقريب على الأوّل و الثالث، حيث احتمل في موثقة جميل وجهين، جعل أحدهما استيناسا، و الآخر مؤيّدا.

و ينبغي أوّلا ذكر مضمون الموثقة و غيرها من أخبار الباب، ثم النظر في أنّها تصلح للتأييد أو الاستيناس أو الدلالة، أم لا تصلح لشي ء منها، فنقول و به نستعين:

إنّه سئل الإمام الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه عن حكم ما إذا شرط ربّ المال- في عقد المضاربة- على العامل أن يتاجر سلعة معينة أو في بلد خاص. ثم خالفه العامل، و جاء بعد مدّة برأس المال و بالأرباح المكتسبة منه. فأجاب عليه الصلاة و السّلام بحكمين، أحدهما: أنّ العامل ضامن لرأس المال حينما خالف الشرط.

و ثانيهما: أنّ الأرباح تقسّم بين ربّ المال و العامل على ما اتّفقا عليه في عقد المضاربة من النصف أو الثلث مثلا. و هذا الحكم الثاني هو محطّ النظر من التعرض لهذه الأخبار هنا، فاستظهر صاحب المقابس قدّس سرّه منها أمرين:

الأوّل: صغروية تصرّف العامل لعقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 351.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 428

و نحوها غيرها الواردة في هذا الباب (1).

فإنّها (2) إن أبقيت على ظاهرها

______________________________

و الثاني: كبروية صحة عقد الفضول المتعقب بالإجازة.

فتكون الموثقة دليلا على المدّعى، بتقريب: أنّ مخالفة العامل لما أذن له ربّ المال- من شراء متاع معيّن- توجب كون الشراء فضوليّا. و جعل الربح بينهما على النحو المقرّر في عقد المضاربة كاشف عن صحّة الشراء بالإجازة و رضا المالك، و إلّا كان الشراء باطلا، و كان ربّ المال مالكا للثمن الذي دفعه العامل إلى البائع، إلّا إذا قلنا بصحة المعاملة بدون إجازة المالك لأجل هذا النّص كما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

و المتحصل: أنّ جعل هذه الموثقة دليلا منوط بأمرين، أحدهما: كون معاملة العامل متعقبة بإجازة المالك.

و الآخر: إلغاء خصوصية المورد. إذ بدون إلغائها يقتصر على موردها، و لا يكون دليلا على صحة الفضولي في سائر المقامات.

هذا كلّه في تقريب الاستدلال، الذي لم يبيّنه المصنف قدّس سرّه. و أما تقريب التأييد و الاستيناس فسيأتي قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: الباب الأوّل من أبواب المضاربة، فراجع.

(2) أي: فإنّ موثقة جميل بن درّاج إن أبقيت .. إلخ، و غرض المصنف قدّس سرّه من هنا بيان احتمالين في مفاد هذه الموثقة و ما بمضمونها، مع وجود القائل بكلّ منهما فيكون أحد الاحتمالين موجبا للاستئناس لصحة بيع الفضولي، و يكون الاحتمال الآخر موجبا للتأييد.

أمّا الاحتمال الأوّل فتقريبه: أنّ حكمه عليه الصلاة و السّلام بتقسيم الربح بين ربّ المال و العامل بالنسبة المعيّنة في عقد المضاربة- مع عدم تنبيهه عليه السّلام على أن معاملات العامل متوقفة على إجازة ربّ المال- ظاهر في اختصاص المضاربة بحكم تعبّدي، و هو صحة ما يأتي به العامل المخالف لما اشترط به عليه فعلا، بلا توقف على

ص: 429

من عدم توقف ملك الربح (1) على الإجازة- كما نسب إلى ظاهر الأصحاب، و عدّ (2) هذا خارجا (3) عن بيع الفضوليّ

______________________________

إجازة المالك. إذ لو لم تكن معاملاته نافذة لم يكن وجه لتملك ربّ المال للأرباح، بل كان اللازم ردّ الأرباح إلى من باع من العامل شيئا أو اشترى منه.

و على هذا فإبقاء الموثقة على ظاهرها- من عدم إناطة تملك الربح بإجازة تصرفات العامل- يوجب تخصيص ما دلّ على توقف الملكية على إجازة المالك.

فيلتزم في باب المضاربة بعدم اعتبار إمضاء ربّ المال لو خالف العامل الشرط.

فإن قلت: بناء على الأخذ بظاهر الموثّقة تصير أجنبية عن عقد الفضولي بالمرّة، فلا معنى لاستيناس صحة بيع الفضولي منها. و وجه أجنبيتها عنه واضح، ضرورة اعتبار إجازة المالك في جميع العقود الفضولية، حتى تنتهي الصحة التأهلية- بسبب الإجازة- إلى الفعلية. و المفروض في هذه الموثقة نفوذ تصرفات العامل بلا إجازة المالك. و مع تعدد الموضوع لا معنى لاستفادة حكم بيع الفضولي من أخبار المضاربة.

قلت: الموجب للاستئناس و عدم الاستيحاش من الحكم بصحة بيع الفضولي هو: أنّ الرواية تدلّ على عدم اعتبار سبق إذن المالك في صحة نقل ماله إلى غيره، إذ المفروض في الموثقة مخالفة العامل لربّ المال فضلا عن الاستيذان منه. و مع دلالتها على صحة تصرفات العامل في مورد المخالفة أمكن دلالتها على ما نحن فيه و هو صحة بيع الفضولي- غير المسبوق بمنع المالك- بالإجازة المتأخرة، و هذا هو الاستيناس.

و أما الاحتمال الثاني فسيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: ربح هذه المعاملة الصادرة من العامل على خلاف ما أذن له المالك.

(2) بالجرّ معطوف على «عدم» أي: من عدّ هذا خارجا .. إلخ.

(3) أي: حكما لا موضوعا، إذ المفروض وقوع المعاملة بدون إذن المالك، فخروجها يكون عن حكم الفضولي، و هو توقف صحته على إجازة المالك لا عن موضوعه.

ص: 430

بالنصّ كما في المسالك (1) و غيره- كان (2) فيها

______________________________

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه شارحا لعبارة المحقق قدّس سرّه: «و لو أمره بالسفر إلى جهة، فسافر إلى غيرها، أو أمر بابتياع شي ء معيّن، فابتاع غيره ضمن. و لو ربح و الحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط». ما لفظه: «المراد أنّ المضاربة لا تبطل بهذه المخالفة و إن وجب الضمان و الإثم في التصرف غير المأذون. و الربح بينهما على حسب الشروط، للنصوص الصحيحة الدالة عليه. و إلّا لتوجّه الإشكال إلى صحة الابتياع المخالف، لوقوعه بغير إذن، فينبغي أن يكون فضوليا. و كأنّ السبب في ذلك أنّ الغرض الذاتي في هذه المعاملة هو الربح، و باقي التخصيصات عرضية لا تؤثر في فساد المعاوضة المخالفة لحصول المقصود بالذات. و بالجملة فالمستند النص و عمل الأصحاب به» «1» و نحوه كلامه في الروضة.

و قوله في آخر كلامه: «و بالجملة فالمستند النص و عمل الأصحاب به» دليل على صحة فتوى المحقق قدّس سرّه من عدم بطلان المضاربة بمخالفة العامل، و من كون الربح بينهما. و لو لا هذا التعبد كانت تصرفات العامل فضولية متوقفة على إجازة ربّ المال، و لكن المفروض عدم إشعار في النصوص و لا في الفتاوى بتوقفها على إجازته.

و منه ظهر وجه تعبير المصنف قدّس سرّه «كما نسب إلى ظاهر الأصحاب» فالنسبة إلى الأصحاب موجودة في كثير من الكتب «2».

و المراد ب «ظاهر الأصحاب» لا صريحهم هو أن صحة تصرفات العامل و عدم توقفها على الإجازة إنما تستفاد من حكمهم بتقسيم الربح و عدم تنبيههم على اعتبار الإجازة.

(2) جواب الشرط في قوله: «إن أبقيت».

______________________________

(1) مسالك الافهام، ج 4، ص 352 و 353، الروضة البهيّة، ج 4، ص 213 و 214، و نحوه كلام المحقق الثاني في عدم إجراء حكم العقد الفضولي على تصرف العامل، فراجع جامع المقاصد، ج 8، ص 110.

(2) لاحظ جامع المقاصد ج 8، ص 110، ملاذ الأخيار للعلامة المجلسي قدّس سرّه، ج 11، ص 337، رياض المسائل، ج 1، ص 607، آخر الصفحة، المناهل، ص 207، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26، جواهر الكلام، ج 26، ص 354، آخر الصفحة.

ص: 431

استيناس (1) لحكم المسألة من (2) حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلى غيره.

و إن (3) حملناها على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح كما هو

______________________________

(1) الوجه في الاستيناس ما عرفت من صحة المعاملة الخارجة عمّا قرره المالك لعامل المضاربة بدون الإجازة، لاشتراك هذه المعاملة مع مطلق الفضولي في عدم اعتبار الإذن السابق، فيستأنس بالمعاملة الصحيحة بدون إجازة المالك لمطلق الفضولي.

(2) بيان لحكم مسألة الفضولي، و هو عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل ماله إلى غيره، و كفاية إجازته بعد وقوع العقد الناقل على ماله.

(3) معطوف على «إن أبقيت» و محصّله: أنّه إن حملنا رواية جميل و غيرها على رضا المالك- بعد انكشاف ظهور الربح في المعاملة المنهي عنها- اندرجت في الفضولي.

و تقريب هذا الاحتمال الثاني الذي هو مبنى التأييد: أنّ نصوص باب المضاربة و إن لم يرد فيها توقف مالكية الربح على الإجازة، إلّا أنه لا مناص من حملها على صورة رضا ربّ المال بما صنعه العامل، و ذلك لقرينتين:

إحداهما: ما نبّه عليه جمع كالمحقق و الشهيد الثانيين. «1» من أنّ الغرض الأصلي من عقد المضاربة هو الاسترباح و تنمية المال، و لو شرط المالك على العامل تجارة خاصة أو بلدا معيّنا فإنّما هو لزعمه حصول غرضه- من الاسترباح- في ما شرطه على العامل، فلو تبيّن للمالك خطاؤه في مقام التطبيق و كون العامل أبصر منه بالتجارات الرابحة رضي بتصرفات العامل عند مجيئه برأس المال و ربحه إليه.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 8، ص 85، مسالك الافهام، ج 4، ص 353.

ص: 432

..........

______________________________

و على هذا فتصرّف العامل بالبيع و الشراء يكون من صغريات العقد الفضولي الذي تعقّبه رضا المالك، و ليس خارجا عنه كما كان مبنى الاستيناس.

ثانيتهما: اقتضاء الجمع العرفي بين الضرورة الفقهية و بين إطلاق نصوص المضاربة حمل هذه النصوص على صورة إجازة المالك و رضاه بتصرف العامل.

بتقريب: أنّ حرمة أكل مال الغير و التصرف فيه قد ثبتت شرعا بمثل قوله تعالى:

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» و نحوهما. و مقتضاهما حرمة تصرف العامل في مال المضاربة، لمخالفته للشرط، إلّا بإحراز رضاه. و حيث إن نصوص المضاربة مطلقة، لدلالتها على تملك ربّ المال لحصّته من الرّبح- سواء أجاز تصرفات العامل أم لا- لزم تقييدها بصورة إجازته لها، لئلا يلزم مخالفة ما علم من الفقه ضرورة.

و المتحصل من هاتين القرينتين صغروية روايات المضاربة لعقد الفضولي، و عدم كون تملك الربح تعبدا محضا.

فإن قلت: بناء على هذا التقييد ينبغي جعل نصوص المضاربة دليلا على صحة عقد الفضولي مطلقا كما صنعه صاحب المقابس قدّس سرّه لوحدة المناط و هو لحوق الإجازة بالعقد، لا مؤيّدا لها كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

قلت: هذه النصوص بعد حملها على صورة إجازة المالك إنّما تدلّ على مشروعية المضاربة الفضولية، و لا تدل على صحة الفضولي في سائر العقود، لاحتمال دخل خصوصية عنوان المضاربة في الحكم، و من المعلوم أنه لا وجه لإلغاء خصوصية المورد إلا بالقطع بعدم دخلها. و لا سبيل لإحرازه، فلذا يقتصر على مورد النص.

ص: 433

الغالب (1)، و بمقتضى (2) الجمع

______________________________

نعم لا مانع من تأييد صحة الفضولي مطلقا بهذه الأخبار، و أما الدلالة فلا.

(1) هذه إشارة إلى القرينة الأولى المتقدمة آنفا، و هي أنّ الغالب رضا المالكين بالمعاملات الواقعة على أموالهم إن كانت رابحة و إن لم يأمروا بها، بل و إن نهوا عنها، إذ غرضهم الأصلي من التجارة بأموالهم هو تكثيرها و تحصيل الربح منها. و النهي عن بعض المعاملات بها إنّما هو للاجتناب عن الضرر، أو عدم النفع.

(2) هذه إشارة إلى القرينة الثانية على حمل روايات المضاربة على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح. و محصل هذه القرينة الثانية- كما عرفت- هو: أنّ الجمع العرفي يقتضي تقييد إطلاق موثقة جميل و غيرها- الدّالّين بالإطلاق على ملك العامل للربح و لو لم يجز المالك- بما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله. مثل ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث، قال: «سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل، و أهل الأرض يقولون: هي أرضهم، و أهل الأستان يقولون: هي من أرضنا؟ فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها» «1». و آية إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و نحوهما مما هو صريح في إناطة تملك مال الغير برضاه و طيب نفسه.

و حينئذ تنطبق الموثقة المتقدمة و نحوها من أخبار المضاربة على المقصود، و هي صحة عقد الفضولي مع لحوق الإجازة به، فإنّ الموثقة تدلّ على صحة عقد الفضولي مطلقا حتى مع عدم إجازة المالك، بل مع رده أيضا. و أدلة اعتبار الطيب و الرضا أخص منها، لدلالتها على اعتبار الرضا في نقل مال المالك الى غيره مطلقا سواء كانت المعاملة من عامل المضاربة أم غيره.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 248، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 30.

ص: 434

بين هذه الأخبار (1) [1] و بين ما دلّ على اعتبار رضا المالك في نقل ماله (2) و النهي (3) عن أكل المال بالباطل اندرجت (4) المعاملة (5) في الفضولي. و صحّتها (6) في خصوص المورد و إن احتمل (7) كونها للنصّ الخاصّ، إلّا أنّها لا تخلو عن تأييد للمطلب.

______________________________

(1) أي: أخبار المضاربة، كموثقة جميل المتقدمة في المتن.

(2) كآية التجارة عن تراض، و حديث «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بطيب نفسه» و رواية محمد بن مسلم المتقدمة آنفا.

(3) بالجرّ معطوف على «اعتبار» و النهي مدلول آية لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

(4) جواب «و إن حملناها» و قد تقدم وجه اندراج المعاملة- التي خالف العامل فيها أمر المالك، و اشترى غير المتاع الذي أمره المالك بشرائه- في معاملة الفضولي.

(5) و هي المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك.

(6) يعني: و صحة المعاملة التي خالف العامل فيها أمر المالك و إن احتمل أن تكون صحتها مستندة إلى النص الخاص و هو الموثقة. لكنها تؤيّد المطلب، و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع من المالك.

(7) الجملة خبر قوله: «و صحتها».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى أخصيّة الموثقة من الأدلّة الدالّة على اعتبار الرّضا في جميع المعاملات هو تخصيص تلك الأدلة بالموثقة، و عدم اعتبار رضا المالك في خصوص مورد الموثقة. و ليست النسبة بينهما عموما من وجه كما توهّم.

لكن التخصيص بعيد جدّا يأباه ذوق المتشرعة، و إن قال المحقق الايرواني قدّس سرّه:

«ينبغي عدّه خارجا عن مسألة اعتبار رضا المالك و طيب نفسه في

ص: 435

______________________________

انتقال ماله». «1»

و كيف كان فالظاهر أنّ الرواية المذكورة و نظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي بحيث لا يستدلّ و لا يؤيّد و لا يستأنس بها لمسألة الفضولي.

توضيحه: أنّ الغرض الأصلي لربّ المال هو الاسترباح بماله بالمعاملات التي يتصدّاها عامل المضاربة، فهو راض بكل معاملة رابحة، فإذا نهى العامل عن معاملة خاصة و عن شراء متاع معيّن كان ذلك لأجل اعتقاده بأنّ تلك المعاملة غير رابحة أو خاسرة، و بعد انكشاف كونها رابحة يظهر أنّها كانت مرضيّا بها من أوّل الأمر. فكل معاملة رابحة تصدر من العامل مقرونة برضا المالك حين صدورها.

و عليه فالمعاملة المنهيّ عنها إذا كانت رابحة ليست من معاملة الفضولي موضوعا.

فلعلّ الأولى جعل الغالب قرينة على رضا المالك مقارنا لصدور كل معاملة رابحة من العامل، لا جعل الغالب رضا المالك بالمعاملة بعد وقوعها حتى تنطبق على الفضولي.

و ببيان أوضح: التقييد بمعاملة خاصة إن كان بنحو وحدة المطلوب، فمع إجازة المالك يكون الربح كله له، و ليس للعامل شي ء حتى اجرة المثل. أمّا عدم استحقاقه لشي ء من الربح فلبطلان المضاربة بفقدان شرطها، إذ شرط المالك يضيق دائرة المضاربة و يقيّدها، فتبطل المضاربة بانتفاء شرطها.

و أمّا عدم استحقاقه لاجرة المثل فلسلب احترام عمله بسبب مخالفته للشرط.

و هذا مما ينافي الرواية الدالة على اشتراك الربح بينهما على النحو الذي شرط في عقد المضاربة، و على ضمان العامل للخسران، لأنّ اشتراك الربح بينهما يكشف عن صحة المضاربة، و صحتها تنافي الضمان، لأنّ العامل أمين، فالضمان

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 119.

ص: 436

______________________________

يكشف عن بطلان المضاربة.

و بالجملة: لا يمكن الجمع بين الضمان و بين اشتراكهما في الربح.

و إن كان التقييد بمعاملة خاصة بنحو تعدد المطلوب- بأن كان الشراء على وجه خاص مطلوبا أوّليّا، و نفس الشراء مطلوبا ثانويّا- فلازمه كون كل معاملة رابحة مرضيا بها و إن لم تكن تلك هي المعاملة التي عيّنها ربّ المال، إذ المفروض شمول عقد المضاربة لضمان لكل معاملة رابحة بحسب المطلوب الثانوي. نظير قضاء الفوائت، فإنّ أدلة وجوب قضائها تكشف عن كون مطلوبية أدائها بنحو تعدد المطلوب.

و إشكال منافاة صحة المضاربة لضمان العامل للخسران مع كونه أمينا، مندفع بأنّ الضمان نشأ من اشتراط المضاربة بالضمان على تقدير الخسران الوارد من شراء متاع خاص. و اشتراط الضمان لا ينافي مقتضى المضاربة و حقيقتها التي هي دفع إنسان مالا إلى غيره ليتّجر به، على أن يكون الربح بينهما بالنصف أو الثلث أو غيرهما من الكسور. و إنّما ينافي إطلاقها.

و عليه فالضمان يكون بمقتضى الشرط غير المنافي لحقيقة عقد المضاربة. كما أنّ اشتراك الربح بين المالك و العامل يكون مقتضى صحة المضاربة.

فتلخّص مما ذكرناه أمور.

الأوّل: أنّ صحيحة جميل المتقدمة و نظائرها أجنبية عن مسألة الفضولي، لاقتران جميع المعاملات الرابحة الصادرة من عامل المضاربة برضا المالك حين وقوعها، و خروجها عن العقود الفضولية موضوعا، فلا يصح أن يستدل أو يؤيّد أو يستأنس بتلك الروايات لصحة عقد الفضولي.

الثاني: أنّ عقد المضاربة يكون من باب تعدد المطلوب الموجب لاقتران كل معاملة رابحة يتصدّى لها عامل المضاربة برضا المالك و إن كانت مخالفة لما قرّره المالك.

ص: 437

[ب: أخبار الاتجار بمال اليتيم]

و من هذا القبيل (1) الأخبار الواردة في اتّجار غير الولي

______________________________

ب: أخبار الاتجار بمال اليتيم

(1) يعني: و من قبيل أخبار المضاربة- التي ليس فيها توقف ملكية الربح على إجازة المالك- الأخبار الواردة في الاتّجار بمال اليتيم لغير الولي.

ثم إن هذه الأخبار هي الوجه السادس من الوجوه المستدل بها على صحة عقد الفضولي، أو المؤيّد بها صحته. و لم أظفر بمن استدلّ بهذه الأخبار على صحة عقد الفضولي مطلقا، نعم جعلها صاحب الجواهر مؤيّدة لها كما تقدم كلامه في (ص 427).

و غرض المصنف قدّس سرّه من التعرض لنصوص الاتجار بمال اليتيم أمّا الاستيناس بها لصحة البيع الفضولي، و إمّا التأييد بها، لتطرق احتمالين فيها، على نحو ما تقدّم في أخبار المضاربة.

و في مسألة الاتجار بمال اليتيم صور عديدة أنهاها الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى أزيد من عشرين صورة، فراجع المسالك، و المذكور في المتن هو أن يتاجر الأجنبي بمال

______________________________

الثالث: أنّ مخالفة العامل للمالك توجب الضمان في صورة ورود الخسران.

الرابع: عدم المنافاة بين صحة المضاربة و بين صحة اشتراط الضمان على تقدير الوضيعة، لعدم كون هذا الشرط منافيا لمقتضى العقد، بل لإطلاقه.

الخامس: اندفاع إشكال المنافاة بين ضمان العامل للخسران و بين ملكية الربح للعامل و ربّ المال- على ما قرّر في عقد المضاربة- بما تقدم من تعدد المطلوب و الشرط الضمني للضمان الناشئ من النهي عن معاملة خاصة.

السادس: أنّ موثقة جميل على تقدير كون موردها عقد الفضولي لا تنطبق على الصورة الأولى، و هي بيع الفضولي للمالك مع عدم سبق منع من المالك، إذ المفروض هنا منع المالك عن البيع الخاص. و من المعلوم أنّ المصنف قدّس سرّه بصدد إقامة الدليل أو المؤيّد على صحة الفضولي في الصورة الأولى.

ص: 438

..........

______________________________

اليتيم، و قد حكمت النصوص بأنّ الربح لليتيم، و أنّ التاجر ضامن للخسارة. و القدر المتيقن هو التجارة بعين مال اليتيم، لا شراء شي ء في ذمة نفسه، ثم أداؤه بمال اليتيم.

و المقصود استفادة صحة البيع الفضولي من حكمهم عليهم الصلاة و السّلام بأنّ الربح لليتيم. و ظاهر إطلاقه عدم الفرق بين إجازة الولي لتصرفات الأجنبي، و عدمها.

و اختلف الفقهاء قدّس سرّهم في الاستظهار من هذه النصوص على قولين، فذهب جمع تبعا للشهيد قدّس سرّه إلى تقييد الإطلاق و حمله على صورة إجازة الولي، ضرورة حرمة التصرف في مال اليتيم على غير وليّه، فلو لا إجازته تبطل تلك التصرفات، و تكون الأرباح لأربابها، لا للأجنبي و لا لليتيم، فالحكم بأنّها لليتيم لا بدّ أن يكون في فرض صحة التصرف بإمضاء الولي. و بناء على هذا الحمل يندرج مورد هذه النصوص في كبرى تصرف الفضولي في مال غيره، و صحته بإجازة وليّ العقد و يتأيّد صحة البيع الفضولي بها.

و لعلّ الوجه في التأييد- دون الدلالة- لاحتمال دخل خصوصية التجارة بمال اليتيم- المتعقبة بالإجازة- في تملكه للرّبح، و لا يتعدّى عن مورده إلى غيره.

و ذهب جمع إلى إبقاء إطلاق النصوص على حاله، و الحكم بأنّ الربح لليتيم تعبّدا و إن لم يجز الولي. فالأجنبي المتصرف في مال اليتيم لا ينطبق عليه الفضولي، لاختصاصه بمن تتعقّب عقده إجازة المالك، و المفروض أنّ مقتضى أخبار الباب دخول الربح في ملك اليتيم مطلقا حتى لو لم يمض الولي.

و بناء على هذا الاحتمال لا تكون النصوص دليلا و لا مؤيّدا لصحة بيع الفضولي. إلّا أنه يمكن الاستيناس بها لها، لدلالتها على عدم اعتبار إذن الولي في تملك الربح، و هذا المقدار كاف في ما نحن فيه، و هو عدم اعتبار إذن المالك في مقام نقل ماله إلى غيره، فلو نقله الفضول غير المأذون، ثم أجاز المالك كفى في الصحة.

ص: 439

في مال اليتيم (1)، و أنّ الرّبح لليتيم. فإنّها (2) إن حملت على صورة إجازة الولي- كما هو صريح جماعة (3) تبعا للشهيد-

______________________________

(1) كرواية سعيد السّمان «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة، إلّا أن يتّجر به، فإن اتّجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتّجر به» «1».

فإنّ جعل الربح لليتيم يدلّ على تملكه للربح بدون احتياج إلى إذن الولي.

و رواية ربعي عن الصادق عليه السّلام: «في رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السّلام:

إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو، اتّجر به فالربح لليتيم، و هو ضامن».

و رواية أسباط بن سالم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام، فقلت: أخي أمرني أن أسألك عن مال اليتيم في حجره يتّجر به، فقال عليه السّلام: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي ء غرمه له، و إلّا فلا يتعرض لمال اليتيم». «2»

(2) أي: أخبار الاتجار بمال اليتيم لغير الولي، و غرضه قدّس سرّه من هذه العبارة بيان كيفية الاستدلال بتلك الأخبار على صحة عقد الفضولي، أو تأييدها بها، و محصّله كما عرفت آنفا: أنّ الاتجار بمال اليتيم لغير الولي- مع الإجازة- يكون من أفراد مسألة الفضولي.

(3) كالمحقق و الشهيد الثانيين و أصحاب المدارك و الحدائق و الجواهر، و هذا الحمل يستفاد من فتوى بعضهم كما في كلام الشهيدين و المحقق الثاني، و من تصريح بعضهم في مقام الجمع بين الأدلة كما في الأخيرين.

قال في الدروس: «و لو انتفت الولاية و اشترى في الذمة فهو له أيضا. و إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 6، ص 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث: 2، رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن سعيد السمان.

(2) وسائل الشيعة ج 12، ص 191، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 4.

ص: 440

كان (1) من أفراد المسألة. و إن عمل (2) بإطلاقها كما عن جماعة ممن تقدّمهم خرجت (3) عن مسألة الفضولي، لكن يستأنس بها للمسألة (4) بالتقريب المتقدم.

______________________________

اشترى بالعين و أجاز الولي فالربح لليتيم، و إلّا فالبيع باطل». «1»

و قال في الجواهر: «أمّا إذا كان- أي المتصرف- غير وليّ، و قد اشترى بعين مال الطفل بعنوان أنّه له، و كان فيه ربح، فالضوابط تقتضي أنّه فضولي لا يدخل في ملك الطفل حتى يجيز الولي ..».

(1) جواب «إن حملت» أي: كان اتجار غير الولي من أفراد مسألة الفضولي.

(2) معطوف على «إن حملت» و ضمير «بإطلاقها» راجع إلى أخبار الاتجار بمال اليتيم، و حاصله: أنّه إن عمل بإطلاق تلك الأخبار الشامل لإجازة الولي و عدمها- كما عن جماعة منهم الشيخ و ابن زهرة و الحلي و المحقق و فخر الإسلام قدّس سرّهم «2»- لم يتجه الاستدلال بها على مسألة الفضولي، لخروج الاتجار بمال اليتيم حينئذ موضوعا عنها، إذ الكلام في مسألة الفضولي إنّما هو بعد الإجازة لا مطلقا و إن لم تلحقه إجازة، قال المحقق: «أمّا لو لم يكن- أي المتاجر- مليّا أو لم يكن وليّا، كان ضامنا و لليتيم الربح».

(3) جواب «و إن عمل» أي: خرجت أخبار الاتجار بمال اليتيم عن موضوع مسألة الفضولي، و قد مرّ آنفا تقريب خروجها.

(4) يعني: لمسألة الفضولي بالتقريب المتقدم، و هو عدم اعتبار الاذن السابق من المالك في نقل ماله إلى الغير.

______________________________

(1) لاحظ: الدروس الشرعية، ج 1، ص 229، جامع المقاصد، ج 3، ص 5، مسالك الأفهام، ج 1، ص 357، مدارك الاحكام، ج 5، ص 30، الحدائق الناضرة، ج 12، ص 26، جواهر الكلام، ج 15، ص 23

________________________________________

(2) المبسوط، ج 1، ص 234، النهاية، ص 175، السرائر، ج 1، ص 441، شرائع الإسلام، ج 1، ص 140، تذكرة الفقهاء (الطبعة الحديثة) ج 5، ص 14، قواعد الأحكام، ج 1، ص 329، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 167.

ص: 441

و ربما احتمل دخولها (1) في المسألة (2) من حيث إنّ الحكم بالمضيّ إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة، فتأمّل (3) [1].

______________________________

(1) أي: دخول المعاملة بمال اليتيم- لغير الولي- في مسألة الفضولي.

(2) أي: مسألة صحة عقد الفضولي إذا باع للمالك بدون سبق منع منه، بعد البناء على أنّ الأخبار الواردة في المقام مطلقة لا تقييد فيها بصورة إجازة الولي و حاصله: أنّ حكم عقد الفضولي- و هو صحته بالإجازة- ثابت في التجارة بمال اليتيم، و ذلك لأنّ حكم الامام عليه السّلام بضمان المتجر بمال اليتيم و كون الربح لليتيم في تلك الروايات و إمضائه للمعاملة الواقعة بغير إذن الولي إجازة إلهيّة لاحقة للمعاملة، فلا تحتاج المعاملة بعد هذه الإجازة- من وليّ الكل- إلى إذن الولي. و حينئذ يصح الاستدلال بالأخبار المذكورة لمورد البحث، و هو صحة عقد الفضولي الواقع للمالك مع الإجازة، لدلالة حكم الامام عليه السّلام على حصول الإجازة.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ مورد الكلام هو إجازة مالك أمر العقد التي تكون جزء السبب المملّك، دون الشارع الذي تكون إجازته حكم العقد التام.

مضافا إلى: أنّ حكمه أجنبي عن الإجازة اللاحقة للعقد، لأنّه ثابت حين العقد، و ليس حادثا بعده حتى يكون من الإجازة المتأخرة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مورد بعض الإخبار اتجار الولي بمال اليتيم، كخبر منصور الصيقل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟ فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح، و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال». «1» لأنّ التصرف في مال اليتيم حرام إلّا بإذن الولي، و المفروض

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 58، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.

ص: 442

______________________________

أن الرواية أناطت جواز التصرف و صحة المعاملة باليسار. فلو كان المتجر بمال اليتيم غير الولي أناطت جواز التجارة بإذنه أيضا. فهذه الرواية تفصّل بين الملي و غيره بإبطال اقتراض غير الملي، و تصحيح المعاملة للملي ء.

و أخبار الاتجار بمال اليتيم ثمانية، و هي مذكورة في الوسائل فراجعها «1».

و المراد بقوله عليه السّلام: «و ضمنته» هو نقل مال اليتيم إلى نفسه بناقل شرعي كالقرض، فإنّ الاتجار حينئذ يكون بمال نفسه لا بمال اليتيم، فالربح له لا لليتيم. و المراد بقوله عليه السّلام: «و أنت ضامن للمال» ضمانه له بسبب اختياري أعني به القرض الذي هو التمليك بالضمان. و المراد بقوله عليه السّلام: «و ان كان لا مال لك .. إلخ» هو: أنّه إذا كان الاتجار بنفس مال اليتيم و عينه فالربح لليتيم، لأنّه نماء ماله، و يكون العامل به على تقدير التلف ضامنا، لعدم كونه مأذونا في التصرف فيه.

و الظاهر أن هذه الرواية و ما بمضمونها في مقام بيان أنّ التجارة بمال اليتيم تارة تكون له، و اخرى تكون لغيره، و تمييز التجارة الواقعة لنفس المتجر عن التجارة الواقعة لليتيم. و ليست الروايات في مقام بيان سائر الجهات حتى يتمسك بإطلاقها لنفي اعتبار الإجازة، أو تحمل على حصول الإجازة من الولي.

فتكون تلك الروايات نظير قوله تعالى فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ في مقام بيان حلية أكل ما اصطاده الكلب المعلّم فقط، دون بيان سائر الجهات، حتى يتمسك بإطلاق الآية الشريفة لإثبات طهارة موضع العضّ.

و الحاصل: أنّ المستفاد من مجموع روايات التصرف في مال اليتيم- المذكورة في زكاة وسائل الشيعة و تجارتها في أبواب ما يكتسب به- أمور:

الأوّل: التفصيل بين المليّ و غيره، بجواز أخذ مال اليتيم للأوّل، و عدمه للثاني.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 57 و 58، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

ص: 443

______________________________

الثاني: الحكم الوضعي و هو صحة البيع، و كون الربح لليتيم في صورة عدم الاقتراض من ماله، و للمتجر في صورة الاقتراض.

الثالث: ضمان المتجر في كلتا صورتي حرمة التصرف للمعسر، و جوازه للموسر غاية الأمر أنّ الضمان في الأوّل ضمان اليد، لأنّ يده على المال عادية، و في الثاني ضمان التعهد الاختياري الحاصل بالاقتراض، مع صحة البيع في كلتا الصورتين.

أمّا في صورة الاقتراض فلصيرورة مال اليتيم ملكا للمقترض، فيصح البيع، و يكون الربح له، لوقوع البيع في ماله، لا في مال اليتيم.

و أما في صورة عدم الاقتراض و حرمة التصرف، فلأنّ الحرمة التكليفية في المعاملة ليست موجبة للفساد مطلقا كما لا يخفى. فمع كون البيع واقعا مصلحة لليتيم يقع صحيحا و إن كان حراما تكليفا.

و الغرض من هذا التطويل أنّ الأخبار المشار إليها في مقام بيان الأحكام المذكورة، و لا إطلاق لها حتى يقال: إنّ إطلاقها يدلّ على صحة البيع مطلقا و إن لم يجز الولي.

أو يقال: إنّ صحته المستكشفة من كون الربح لليتيم تدلّ على لحوق الإجازة للبيع، فإنّها تتكفل أحكاما حيثية، و هي: أنّ أموال اليتيم من حيث الحكم التكليفي و الوضعي كذا و كذا. و أمّا إطلاق الأحكام المزبورة فليست تلك الأخبار في مقام بيانه حتى يقال: إنّ إطلاقها ينفي اعتبار الإجازة مثلا، فإنّ نفيه- كنفي اعتبار البلوغ أو عدم اعتبار عربية الصيغة أو ماضويّتها، و هكذا- ليس من شأن تلك الأخبار.

أو يقال: إنّ صحته تدل على تحقق الإجازة، إذ الروايات المشار إليها في مقام تصحيح بيع مال اليتيم من حيث كونه مال اليتيم، و أنّ إضافة المال إلى اليتيم ليست مانعة عن صحة البيع. و ليست في مقام تصحيحه من سائر الحيثيات حتى يستفاد منها عدم اعتبار إجازة الولي في صحته. أو يستفاد منها حصول الإجازة في هذا البيع حتى يكون دليلا على صحة عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع.

ص: 444

[الطائفة الثالثة: ما يؤيّد الصحة]
[أ: ما ورد في شراء العبد المأذون]

و ربّما يؤيّد المطلب (1) أيضا برواية (2) ابن أشيم الواردة في العبد المأذون

______________________________

الطائفة الثالثة: ما يؤيّد الصحة أ: ما ورد في شراء العبد المأذون

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع من المالك.

(2) هذا إشارة إلى سابع الوجوه التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي الواقع للمالك، أو أيّد بها صحته، و هو ما رواه ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة، دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عنّي، و حجّ عنّي بالباقي. ثم مات صاحب الألف، فانطلق العبد فاشترى أباه، فأعتقه عن الميت، و دفع إليه الباقي يحجّ عن الميت، فحجّ عنه، و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا، فاختصموا جميعا في الألف. فقال موالي العبد المعتق: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال الورثة: إنّما اشتريت أباك بمالنا. و قال موالي العبد: إنّما اشتريت أباك بمالنا. فقال أبو جعفر عليه السّلام: أمّا الحجة فقد مضت بما فيها، لا تردّ. و أمّا المعتق فهو ردّ في الرقّ لموالي أبيه. و أيّ الفريقين بعد أقاموا البينة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقّا». «1»

و مدلول الرواية: أنّه سئل الإمام الباقر صلوات اللّه و سلامه عليه عن عبد أذن له مولاه أن يتاجر له و لغيره، فجاء رجل إلى هذا العبد المأذون و دفع إليه ألف درهم و وكّله في أمور ثلاثة:

أوّلها: أن يشتري نسمة، ثانيها: أن يعتقها عن الرجل الموكّل. ثالثها: أن يحج هذا العبد المأذون- بما بقي من ألف درهم- نيابة عن الرّجل صاحب الدراهم. فقبل

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 13، ص 53، الباب 25 من أبواب بيع الحيوان، ح 1، رواه الشيخ بإسناده إلى الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن صالح بن رزين عن ابن أشيم- أو أشيم- عن أبي جعفر عليه السّلام، و الرواية ضعيفة بموسى بن أشيم المرمي بالغلو، فلم يوثق لذلك، أو لكونه مجهولا. إلّا أن يقال: إنّ في السند الحسن بن محبوب، و هو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. لكن فيه بحث.

ص: 445

..........

______________________________

العبد المأذون هذه الوكالة و الحجّ النّيابي، ثم مات الموكّل.

فانطلق العبد لينفّذ مورد الوكالة، و كان أبوه رقّا، فجاء إلى موالي أبيه، و اشتراه منهم و أعتقه عن موكّله. و لم يحجّ العبد مباشرة بباقي المال، و إنّما دفعه إلى أبيه ليحجّ نيابة عن صاحب الدراهم.

و بعد وقوع هذه الأمور- من الشراء و الإعتاق و الحج- اطّلع كلّ من موالي الأب و مولى العبد المأذون و ورثة صاحب الدراهم على القصّة، فتنازعوا جميعا، فادّعى مولى العبد المأذون أنّ شراء الأب كان بأمواله التي دفعها إلى عبده ليتاجر بها، و لم يأذن له في شراء أبيه و إعتاقه و إحجاجه. و ادّعى موالي الأب أن ثمنه كان من أموالهم التي دفعوها إلى العبد المأذون للتجارة بها، و يبطل البيع حينئذ، لكون مالك الثمن و المثمن واحدا. و ادّعى ورثة صاحب الدراهم أنّ شراء الأب كان بمالهم الذي انتقل إليهم بالإرث من مورّثهم، لكون المفروض موت الموكّل قبل عمل العبد المأذون بالوكالة. هذه صورة المسألة.

و قد أجاب الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام- على ما في الخبر-: بأنّ الحجّ النيابي ماض و صحيح. و يعود الأب رقّا لمواليه، إلّا أن يقيم مولى العبد المأذون أو ورثة صاحب الدراهم بيّنة على أنّ الأب اشتري بماله الذي كان عند العبد المأذون.

هذا محصّل مضمون الرواية، و قد استدلّ بها المحقق الشوشتري قدّس سرّه قائلا:

«بأنّه عليه السّلام اكتفى في الحكم بتملك العبد بثبوت كون الشراء وقع بماله، فلو لم تكن إجازة المالك للفضولي كافية في صحة العقد لم يكن كذلك، لعدم استلزام العام للخاص، فتدبّر». «1» و سيأتي تقريب الدلالة أو التأييد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 26.

ص: 446

الذي دفع إليه مال ليشتري به نسمة (1) و يعتقها و يحجّه عن أبيه (2)، فاشترى أباه، و أعتقه (3)، ثم تنازع مولى المأذون و مولى الأب و ورثة الدافع (4)، و ادّعى

______________________________

(1) و هو المملوك ذكرا كان أو أنثى.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن الموجود في متن الرواية: «و حجّ عنّي».

(3) ثم دفع العبد المأذون باقي المال إلى أبيه ليحجّ عن موكّله.

(4) أي: تنازع ورثة دافع المبلغ- و هو ألف درهم- و موالي العبد المأذون في التجارة، و مولى الأب، و ينبغي لتقريب التأييد بهذه الرواية لصحة عقد الفضولي الإشارة إلى أمور مسلّمة:

الأوّل: بطلان الوكالة بموت الموكّل و إن لم يعلم الوكيل بموته.

الثاني: انتقال كلّ مال لشخص بموته إلى وارثه.

الثالث: صحة نيابة المملوك في الحج.

و بعد وضوح هذه الأمور يتضح انطباق الرواية على الفضولي، حيث إنّ تلك الدراهم انتقلت بموت دافعها الى ورثته، و بطلت وكالة العبد المأذون في الشراء بنفس موت موكله و هو دافع الدراهم، فشراء العبد إنّما تحقق بمال الورثة بدون إذنهم، لقول الراوي: «و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت» الظاهر في عدم اطلاع الورثة على أفعال العبد المأذون في التجارة من الشراء و غيره، فوقع الشراء بمال الورثة فضوليا، و مطالبتهم للنّسمة المشتراة بمالهم إجازة لهذا الشراء الفضولي، و إلّا لطالبوا نفس الدراهم.

و أمّا الشراء بالنسبة إلى موالي العبد المأذون فلا يكون فضوليا، لكون ادّعائهم الشراء بمالهم دليلا على أنّهم أذنوا للعبد- المأذون- في الشراء بمالهم، و أنّهم دفعوا إليه مالا ليشتري لهم عبدا، فيخرج عن الفضولي.

و أمّا الشراء لموالي أب العبد المأذون فليس شراء حقيقة، لكون كلا العوضين ملكا لهم، و هو خلاف حقيقة المعاوضة.

ص: 447

كلّ منهم أنّه (1) اشتراه بماله. فقال أبو جعفر عليه السّلام: «يرد المملوك رقّا لمولاه، و أيّ الفريقين (2) أقاموا البيّنة بعد ذلك (3) على أنّه (4) اشتراه بماله كان رقّا له» الخبر (5).

بناء (6) على أنّه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملّك المبيع بعد مطالبتهم (7) المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرّد دعوى الشراء بالمال و لا إقامة البيّنة

______________________________

(1) أي: أنّ العبد المأذون اشترى أباه المعتق. و ضمير «بماله» راجع إلى «كلّ منهم».

(2) و هما مولى العبد المأذون، و ورثة الدافع. و لم يذكر عليه السّلام إقامة البينة من قبل موالي الأب. و الوجه فيه ما تقدّم آنفا من بطلان البيع لو كان الشراء بمالهم، لكون العوضين مملوكين لهم، و لا معنى للبيع حينئذ. فشراء الأب لو كان صحيحا في الواقع فإمّا أن يكون ثمنه من مولى العبد المأذون، و إمّا من ورثه الدافع.

(3) أي: بعد إعادة الأب رقّا لمواليه ظاهرا، و ليست كلمة «ذلك» في الرواية.

(4) أي: أنّ العبد المأذون اشترى المملوك، و ضميرا «بماله، له» راجعان إلى:

أيّ الفريقين.

(5) الظاهر الاستغناء عن هذه الكلمة، لأنّ المنقول تمام مضمون الحديث لا بعضه حتى يحتاج إلى التنبيه على بقاء جملة أخرى منه.

(6) هذا توجيه كون الرواية تأييدا لصحة عقد الفضولي، أو دليلا عليها، و قد مرّ بقولنا: «و مطالبة الورثة للنسمة المشتراة .. إلخ».

و هذا التقريب موافق لما تقدم من المقابس في تقريب الاستدلال، فإن أمكن إلغاء خصوصية المورد تمّت الدلالة، و إلّا فهذا الخبر كغيره ممّا ورد في موارد خاصّة مؤيّد للمطلب.

و لا يخفى أن المستفاد من قول المصنف: «بناء» وجود احتمال آخر في الخبر يصير أجنبيا عن عقد الفضولي، مثل إذن مولى العبد في مطلق التجارة بالمال، و رضى الورثة بتصرف العبد المأذون، و سيأتي بعض الكلام في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

(7) أي: مطالبة الورثة العبد المأذون في شراء النسمة بأخذ النسمة المشتراة

ص: 448

عليها كافية (1) في تملك المبيع [1].

______________________________

بمالهم الذي انتقل إليهم إرثا من أبيهم، و هي الدراهم المذكورة.

(1) لفرض بطلان شراء الأب بمال لم يأذن مالكه في ذلك.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا الخبر بوجوه:

الأوّل: أنّ صحة الحج من العبد بدون إذن مولاه خلاف القاعدة.

و الجواب عنه بعدم اشتراط الحرية في نائب الحج غير سديد، إذ الاشكال إنّما هو في عدم الإذن من موالي العبد، حيث إنّ أفعال الحج غير التلبية تصرف في ملك السيد، و هو بدون إذنه حرام، و النهي في العبادة مبطل لها. لا في مانعية الرقية حتى يجاب عنه بعدم قدح الرقية في صحة الحج.

فلعلّ الأولى في دفع الاشكال ما في كلام بعض الأجلة من قوله: «و يمكن أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام:- الحجة قد مضت بما فيها لا ترد- لا يكون بصدد بيان حكم الحج صحة و فسادا، بل بصدد التقابل بينه و بين العبد، بأنّ العبد باق قابل للردّ، دون الحج الذي مضى و تصرّم .. إلخ». «1»

و هذا الجواب في نفسه لا بأس به، إلّا أنّه بعيد عن بيان الحكم الشرعي، فإنّ المراد بردّ العبد إلى مواليه ليس هو الرّد الخارجي التكويني، بل المراد به الرّد التشريعي، و هو الحكم برقيّته. فالمقصود بعدم ردّ الحج- بقرينة المقابلة- هو عدم الردّ شرعا، أي الصحة، كما يقتضيها ظاهر قوله عليه السّلام: «فقد مضت» فلا يحكم بتكرير الحج.

فيحتمل أن تكون صحة الحج في مورد الرواية تعبّدا خاصّا.

و قد يحتمل صحة الحج بالإجازة، بناء على الكشف.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 129.

ص: 449

______________________________

لكنه ضعيف، و لو بناء على الكشف، لأنّ الإجازة لا تفيد إلّا الملكية من زمان وقوع العقد. و أمّا الإذن في الحج فلا تفيدها الإجازة، لأنها خارجة عن مورد الإجازة، و هو مضمون العقد. كما أنّ الإجازة لا تصحّح ما وقع على مورد العقد كالإجارة و الإعارة و غيرهما، فإذا أجاز شراء البستان الذي اشتراه الفضولي له و آجره بعد الشراء لا تكشف صحة بيعه بالإجازة عن صحة إجارته، لأنّ الإجازة تنفذ مضمون العقد، و هو انتقال البستان إلى مالك الثمن. و أمّا إجارة البستان فليست مضمون الشراء، و لا من لوازمه.

هذا كله مضافا إلى: أنّ الإذن المقارن شرط لصحة المناسك، و الإذن غير الإجازة المتأخرة. و ليست أفعال الحج كالبيع حتى يقال بكفاية الإجازة المتأخّرة في صحتها.

الثاني: أنّ مقتضى قواعد باب القضاء تقديم قول الورثة، لأنّهم منكرون، لموافقة قولهم للحجة، فإنّ قول الوكيل حجة، و كذا فعله، إذ الظاهر أنّ العبد اشترى أباه بالدراهم التي دفعها الميت إليه، فتقديم قول موالي العبد و إرجاعه رقّا لهم خلاف قواعد القضاء.

و فيه: أنّ ظاهر الرواية وقوع الشراء و العتق و الحج بعد موت الموكل، و هو مالك الدراهم، فانعزل العبد المأذون عن الوكالة بنفس موت الموكّل، و بعد انعزاله لا حجية في قوله، لعدم كونه وكيلا حينئذ، فلا يكون إنكار الورثة موافقا للحجة، فلا موضوع لهذا الإيراد، لابتنائه على حجية قول الوكيل و فعله، و المفروض بطلان وكالته بالموت، فلا عبرة بقوله و فعله بعد الموت.

الثالث: تقديم قول مدّعي الفساد على مدّعي الصحة فإن الحكم برجوع العبد رقّا إلى مولاه الأوّل و إن كان مما يقتضيه الاستصحاب، لكنه مخالف لأصالة الصحة الحاكمة على الاستصحاب، المقتضية لخروج العبد عن ملكه، و لقاعدة الإقرار، و هي «من ملك شيئا ملك الإقرار به» فإنّ العبد المأذون المالك لأمر العقد يعترف بالشراء بمال الميت،

ص: 450

______________________________

فكيف يقدّم الاستصحاب عليها؟

و فيه: عدم المجال لجريان أصالة الصحة هنا، و لا لجريان قاعدة «من ملك».

أمّا الأوّل فلأنّ مورد أصالة الصحة هو الشك في صحة العقد، و الشك في صحة شي ء إنّما هو بعد وجوده مع قابليته للصحة و الفساد. و هذا مفقود في المقام، لامتناع المبادلة بين المالين لمالك واحد، فيمتنع الشراء لو كان بمال مالك العبد المعتق، بل هو صورة المعاملة، لا معاملة حقيقية، فيدور الأمر حقيقة بين وقوع العقد و عدمه، و مع الشك في وقوعه لا معنى لجريان أصل الصحة فيه.

و أمّا الثاني فلأنّه لا دليل على اعتبار قاعدة «من ملك» إلّا تسالم الأصحاب عليها، فلا بد حينئذ من الأخذ بالمتيقن، و هو كونه مالكا حين الإقرار، و عدم كفاية مالكيته قبل الإقرار، فإذا باع زيد بستانه مثلا، ثم اعترف بأنّه كان مغصوبا من عمرو لم تسمع دعواه.

و كذا لو ادّعى ذو اليد نجاسة ما كان تحت يده سابقا و انتقل إلى غيره.

ففي المقام لو كان إقرار العبد المأذون في الشراء قبل موت دافع الدراهم لكان مسموعا، لكون إقراره حال سلطنته على الشراء. و أمّا بعد موته فلا عبرة بإقراره، لارتفاع سلطنته و انعزاله بالموت، فلا يكون إقراره في الشراء بعد الموت نافذا.

و عليه فلا بأس بالتشبث بالاستصحاب الموجب لبقاء الملكية و فساد المعاملة.

و الحاصل: أنّ قاعدة «من ملك» لا تجري إلّا في حال سلطنته على ما وقع الإقرار به.

و أمّا بعد انقضاء سلطنته عنه فلا عبرة بالإقرار. و لذا لو أقرّ بالرجوع في العدّة بعد انقضائها أو أقرّ الولي بعقد الصغيرة في حال صغرها بعد بلوغها و صيرورتها مالكة لأمرها لا ينفذ إقراره، و يكون وجود هذا الإقرار بعد انقضاء زمان تلبس المقرّ بالسلطنة على ذلك الفعل كالوكالة و الولاية كعدمه، و لا يترتّب عليه أثر أصلا. فلا يحكم بزوجية المطلقة بعد انقضاء العدّة للمطلّق، و بزوجية الصغيرة بعد بلوغها.

ص: 451

______________________________

و بالجملة: فالحكم برقيّة العبد المعتق لمولاه الأوّل لا يكون مخالفا لشي ء من قاعدتي الصحة، و «من ملك» هذا.

و قد يقال في وجه صحة الحج: انّ الظاهر من الرواية أنّ دفع الألف إلى العبد المأذون في التجارة كان بعنوان الوصية. و دعوى الورثة الشراء بالألف لأجل كون ولاء العتق لهم، فالورثة لا ينكرون الوصية حتى يكون شراء العبد المأذون أباه فضوليّا. و عليه فتكون الرواية أجنبية عن مسألة الفضولي. فظهور الرواية في مسألة الفضولي فضلا عن الصراحة ممنوع «1».

أقول: فيه أوّلا: أنّ الحمل على الوصية بعيد جدّا، إذ ليس منها في الرواية عين و لا أثر، مع عدم قرينة خارجية عليه أيضا.

و ثانيا: أنّ هذا الحمل لا يجدي في صحة الحج، لأنّ الوصية بمقتضى قوله:

«و حج عنّي بالباقي». قد تعلّقت بحجّ نفسه مباشرة لا غيره، فلا موجب لصحته عن غير العبد المأذون.

و ثالثا: أنّ هذا الحمل ينافي دعوى الورثة أنّ المأذون قد اشترى أباه بمالهم، حيث إنّ مقتضى هذه الدعوى هو كون أبي المأذون رقّا لا حرّا. و من المعلوم أنّ الفرض المزبور و هو ثبوت ولاء العتق لهم لا يترتب على دعوى الورثة الشراء بمالهم، لأنّ مقتضاها رقّية أبي المأذون لهم، لا حريّته حتى يترتب عليها ثبوت ولاء العتق لهم.

و رابعا: أنّ اعتراف الورثة بوصية أبيهم و عدم إنكارهم لها لا يوجب ثبوت ولاء العتق لهم، إذ الولاء مشروط بكون المعتق متبرعا في العتق، فلو كان العتق واجبا عليه كالكفارة و النذر لم يثبت له ولاء. و لمّا لم يكن حال العتق معلوما، فثبوت الولاء مشكوك فيه، و مقتضى الأصل عدمه.

ثم إنّ مقتضى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الولاء لمن أعتق» عدم ثبوت الولاء هنا لأحد، لعدم

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 219.

ص: 452

[ب: ما ورد في الإقالة بوضيعة]

و مما تؤيّد المطلب (1) أيضا صحيحة الحلبي «عن الرجل يشتري ثوبا

______________________________

ب: ما ورد في الإقالة بوضيعة

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك مع عدم سبق منع منه، و هذا ثامن الوجوه لصحة عقد الفضولي، دلالة أو تأييدا. و قد أيّد بها في الجواهر بقوله: «و فيمن باع ثم أقال بوضيعة، ثم باع بأكثر من الثمن: أن الربح للمالك الذي أشترى أوّلا» «1».

و محصّل مدلول الصحيحة الواردة في الإقالة هو: أنّه سئل الإمام أبو عبد اللّه الصادق صلوات اللّه و سلامه عليه عن رجل اشترى من آخر ثوبا، و لم يشترط لنفسه الخيار، فانعقد البيع لازما. و لكن المشتري ندم و كره الثوب، فجاء إلى البائع

______________________________

كون العبد المأذون المعتق بالكسر منعما و مولى له. و كذا الورثة، فإنّهم ليسوا أيضا بمعتقين حتى يثبت لهم الولاء.

و خامسا: أنّ الحمل المزبور لإثبات الولاء لهم ينافي قوله عليه السّلام: «أيّ الفريقين بعد أقاموا البيّنة على أنّه اشترى أباه من أموالهم كان لهم رقا» لظهوره في الرقية الفعلية.

وجه المنافاة: أنّ الولاء مترتب على العتق، و من المعلوم أنّ البيّنة القائمة على كونه ملكا لإحدى الفرق المتخاصمة أمارة على تلبسه فعلا بالرقية، لا أنّه كان رقّا و انقضت عنه.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ الرواية ضعيفة سندا و دلالة، إذ مع فرض دلالتها على الوصية تكون أجنبية عن مسألة الفضولي. و على تقدير دلالتها على الوكالة الباطلة بالموت تكون من مسألة الفضولي، لكن الاستدلال بها حينئذ على مطلق عقد الفضولي منوط بإلغاء خصوصية المورد. و ذلك مشكل جدّا، فتكون الرواية مؤيّدة لصحة عقد الفضولي لا دليلا عليها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 279.

ص: 453

و لم يشترط على صاحبه شيئا (1)، فكرهه، ثمّ ردّه على صاحبه، فأبى أن يقبله [يقيله] إلّا بوضيعة (2). قال: (3) لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة،

______________________________

يستقيله ليردّ المبيع إليه و يستردّ الثمن، فأبى البائع أن يقيله إلّا بوضعية بأن لا يردّ تمام الثمن إلى المشتري، مثلا لو كان المشتري قد اشترى الثوب بعشرة دراهم، و أبقى البائع درهما عنده، و ردّ تسع دراهم إلى المشتري.

فأجاب الإمام عليه السّلام بأنّه لا يصلح للبائع أن يشترط في الإقالة إبقاء شي ء من الثمن عند نفسه، بل مقتضى الإقالة ردّ تمام الثمن إلى المستقيل و هو المشتري.

فإن كان البائع عالما بالحكم الشرعي، و أنّه لم يجز له إمساك بعض الثمن حرم عليه التصرف فيه، و في الثوب، لبطلان هذه الإقالة.

و إن كان جاهلا بالحكم فلا إثم عليه، لكن الثوب باق على ملك المشتري.

فلو باعه من شخص آخر بأزيد من الدراهم التسعة التي دفعها إلى المستقيل لم يملك هذه الزيادة، لكونها ملكا للمشتري الأوّل، لأنّها عوض الثوب الذي لم يخرج عن ملكه بالإقالة الفاسدة.

هذا مفاد الصحيحة، و سيأتي تقريب تأييد صحة بيع الفضولي بها.

و لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه جعل هذه الصحيحة و ما بعدها مؤيّدات لا أدلة و لا مما يستأنس بها لصحته، مع ظهورها في صحة عقد الفضولي. و الوجه فيه ما تقدم من احتمال التعبد و دخل خصوصية مواردها.

(1) أي: شيئا يوجب الخيار.

(2) أي: بنقيصة من أصل الثمن الذي اشترى به الثوب.

(3) أي: قال الإمام الصادق عليه السّلام: لا يصلح للبائع أن يأخذ الثوب بنقيصة، لأنّه إقالة، و هي حلّ العقد السابق. و ليست معاملة جديدة، فلا يمكن أن تكون بنقيصة أو زيادة، بل كلّ من العوضين يردّ إلى صاحبه، بلا زيادة و نقيصة.

ص: 454

فإن جهل (1) فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يردّ (2) على صاحبه الأوّل ما زاد» «1».

فإنّ (3) الحكم بردّ ما زاد لا ينطبق [1] بظاهره إلّا على صحة بيع الفضولي لنفسه.

______________________________

(1) يعني: فإن جهل بائع الثوب الحكم فأخذ الثوب بوضيعة من المشتري، و باعه على غيره بأكثر من ذلك الثمن، فعليه ردّ الزائد الذي أخذه من المشتري الثاني إلى المشتري الأوّل.

(2) جواب الشرط في «فإن جهل» و الفاء في «فأخذه» عاطفة لا جوابية.

(3) هذا تقريب التأييد، توضيحه: أنّ حكم الامام عليه السّلام بردّ ما زاد على الثمن إلى المشتري الأوّل لا ينطبق إلّا على القول بصحة عقد الفضولي، و ذلك لأنّ البيع الثاني وقع فضولا، إذ الثوب كان باقيا على ملك المشتري الأوّل، لعدم صحة الإقالة بسبب الوضيعة.

فالحكم بردّ الزائد- على الثمن الأوّل- إلى المشتري الذي هو المالك الفعلي للثوب دليل على صحة عقد الفضولي الذي باعه لنفسه، بزعم أنّ الثوب صار ملكا له بعد أن ردّه المشتري إليه بالإقالة. و إلّا حكم عليه السّلام بصحة البيع الثاني لنفسه، و كون تمام الثمن في البيع الثاني له، لا ردّ ما زاد على المشتري الأوّل.

______________________________

[1] بل لا ينطبق على الفضولي، إذ فضولية البيع الثاني مترتبة على كون الثوب ملكا للمشتري الأوّل و ملكيّته له منوطة ببطلان الإقالة بالوضيعة، إذ مع صحّتها ترجع

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج، 12، ص 392، الباب 17، الحديث 1، رواه المشايخ الثلاثة بالطرق الصحيحة. و في وسائل الشيعة عنوان الباب «باب عدم جواز الإقالة بوضيعة من الثمن فان فعل رد الزيادة» و التعبير عنها بالحسنة بقول مطلق كما في بعض الكلمات غير ظاهر، إذ لا منشأ لحسنها إلّا وقوع إبراهيم بن هاشم في سند الكافي، مع أنه قد تحقّقت وثاقته عند المتأخرين. مضافا إلى أن الصدوق و الشيخ روياها بإسناد تام لم يقع إبراهيم فيه، فكان المناسب أن يقال: «حسنة بطريق الكليني».

ص: 455

______________________________

ملكية الثوب إلى بائعه، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل، لا بيع الفضولي، فلا وجه لردّ الزائد إلى المشتري.

و على تقدير فضولية البيع يكون الثمن كلّه ملكا للمشتري الأوّل، سواء أ كان مساويا للثمن الأوّل أم أقل أم أكثر منه، لا خصوص ما زاد على الثمن الذي اشترى به الثوب. كما أنّ للبائع استرداد ما دفعه إلى المشتري بالإقالة.

فإذا فرض أنّ الثمن في البيع الأوّل كان عشرة دراهم، و دفع البائع منها إلى المشتري بسبب الإقالة ثمانية دراهم، فعلى البائع دفع تمام الثمن في البيع الثاني إلى المشتري الأوّل، سواء أ كان مساويا لثمن البيع الأوّل و هو عشرة دراهم، أم أقل أم أكثر منها. كما أنّ له استرداد ما دفعه إلى المشتري الأوّل و هو ثمانية دراهم، إذ مقتضى بقاء الثوب على ملك المشتري الأوّل و كون البيع الثاني فضوليا هو ملكية تمام الثمن له بشرط إجازته للبيع. مع أنّه ليس من الإجازة في صحيحة الحلبي المتقدمة عين و لا أثر.

فعدم الحاجة إلى إجازة المشتري الأوّل في البيع الثاني و كذا عدم تملكه لتمام الثمن، و تملكه لخصوص الزائد على الثمن الذي اشترى به الثوب- دليل على عدم كون البيع الثاني فضوليا، و أنّ الإقالة بالوضيعة كانت صحيحة، و أنّ البائع الأوّل صار مالكا للوضعية بوجه مشروع كالهبة و الصلح، لا بنفس الإقالة حتى يرد عليه أنّها باطلة.

و بالجملة: فعلى كلا تقديري صحة الإقالة بالوضيعة و فسادها لا يكون البيع الثاني فضوليا، إذ على تقدير الصحة ترجع ملكية الثوب إلى بائعه، فيكون بيعه الثاني بيع الأصيل لا بيع الفضولي، و يكون تمام الثمن في هذا البيع ملكا له، و ليس للمشتري الأوّل المستقيل شي ء من هذا الثمن، لا بمقدار الوضيعة و لا غيره.

و على تقدير فساد الإقالة يكون البيع الثاني فضوليا، لوقوعه في ملك المشتري

ص: 456

______________________________

الأوّل، و لازمه كون الثمن كله ملكا له في صورة الإجازة، لا خصوص ما زاد، و المفروض أنّ الرواية خالية عن الإجازة. فصحة البيع بدون الإجازة و الحكم بردّ ما زاد، بضرس قاطع دليل على عدم فضوليته. و لذا حمل المحقق الأصفهاني قدّس سرّه ردّ ما زاد على الاستحباب، رعاية للمستقيل لئلّا يتضرر بإقالته، دون ما إذا ساواه أو نقص «1».

ثم إنّه نسب إلى ابن الجنيد قدّس سرّه أنّه استدلّ بهذه الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة، و حمل قوله عليه السّلام: «لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة» على الكراهة، إذ مع بطلان الإقالة يجب ردّ العين إلى المشتري، و ليس له بيعها بأقلّ من الثمن أو أكثر إلّا بإجازته، لا الحكم بصحة البيع بدون الإجازة من المشتري الأوّل.

لكن حمل الصحيحة على صحة الإقالة بوضيعة- كما عن ابن الجنيد- ينافيه الإجماع على بطلانها. قال في الجواهر: «و لو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد، و الأصحاب على خلافه، لأنّها فسخ لا بيع» «2».

و تكون الرواية على هذا المعنى معرضا عنها، فتسقط عن الحجية، فلا مجال للاستدلال بها على صحة الإقالة بوضيعة، هذا.

ثم إنّ المحقق النائيني قدّس سرّه احتمل «أنّ البائع قد اشترى الثوب من المشتري، ثم باعه على غيره بأكثر من ثمنه، فيكون ردّ الزائد على المشتري استحبابيا. و يشهد له قوله عليه السّلام: صاحبه الأوّل، فإنّ التعبير بصاحبه الأوّل لا يناسب مع كون الثوب ملكا للمشتري فعلا». «3»

و حاصله: أنّ صاحب الثوب فعلا هو البائع كزيد مثلا الذي صار مالكا له

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

(2) جواهر الكلام، ج 24، ص 353.

(3) منية الطالب، ج 1، ص 220.

ص: 457

______________________________

بالاشتراء من المشتري الأوّل و هو عمرو، فللثوب مالكان أوّلهما: عمرو، و هو المشتري الذي اشتراه أوّلا من هذا البائع. و ثانيهما: هذا البائع الذي اشترى الثوب من المشتري الأوّل أعني به عمرا. فالصاحب الأوّل هو عمرو، و الثاني هو زيد، فيستحبّ لزيد ردّ الزائد على عمرو.

و قيل: الظاهر انّ منشأ هذا الاحتمال هو إرجاع الضمير في «صاحبه» إلى «الثوب» فيكون معنى الرواية حينئذ أنّ من اشترى شيئا بثمن، ثم باعه بأزيد منه ردّ الزائد على المالك الأوّل استحبابا، هذا.

و لا يخفى أنّ محتملات الصحيحة كثيرة.

منها: بطلان الإقالة، و كون بيع الثوب فضوليا. و الصحيحة بهذا المعنى تصلح لتأييد صحة بيع الفضولي.

لكن فيه أوّلا: أنّ ظاهرها صحة البيع بلا إجازة. و هذا ممّا لم يقل به أحد.

و ثانيا: أنّ لازم الفضولية كون تمام الثمن ملكا للمشتري، لا خصوص الزائد.

و ثالثا: أنّه لا دخل للجهل في بطلان الإقالة بوضيعة، حيث إنّ نفس بطلان الإقالة يوجب استحقاق الثمن، أو زيادته، لا الجهل ببطلان الإقالة. إلّا أن يراد بالجهل العذر عن حرمة التصرف الاعتباري في مال الغير.

و منها: صحة الإقالة، بحمل «لا يصلح» على الكراهة، و حمل ردّ الزائد على المشتري على الاستحباب.

و فيه أوّلا: أنّ البيع حينئذ ليس فضوليا، لكون الثوب ملك البائع، فبيعه بيع الأصيل، لا بيع الفضولي، فلا يصح التمسك بالصحيحة لصحة بيع الفضولي.

و ثانيا: انّ حمل «لا يصلح» على الكراهة و البناء على صحة الإقالة بوضيعة خلاف الإجماع و التسالم كما مرّ أيضا، فيسقط هذا الحمل بإعراض الأصحاب مع عدم قرينة على هذا الحمل.

ص: 458

[ج: ما ورد في شراء السمسار]

و يمكن التأييد له (1) أيضا بموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه: «قال: سألت

______________________________

ج: ما ورد في شراء السمسار

(1) أي للقول بصحة عقد الفضولي الذي يقع للمالك. و هذا تاسع الوجوه على صحة عقد الفضولي مع إجازة من له أمر العقد. و سيأتي توضيح وجه الاستدلال أو التأييد بها.

و مضمون الموثقة هو السؤال عن معاملة خاصة مع الدلّال الذي يتوسّط بين بائع السلعة و مشتريها، فيراجعه شخص و يدفع إليه النقود ليشتري متاعا من آخر.

ليسلّمه إلى دافع النقود، و يأخذ منه أجرة عمله. و يشترط على الدلّال كونه مختارا

______________________________

و منها: كون ردّ الثوب معاملة جديدة توجب رجوع ملكية الثوب إلى بائعه.

و فيه أوّلا: منافاته لقوله عليه السّلام: «فإن أخذه و باعه بأكثر من ثمنه عليه» إذ لو كان الردّ معاملة جديدة لم يكن لهذا التفريع وجه، إذ الثمن كلّه حينئذ ملك البائع، و ليس منه شي ء للمشتري. و حمل ردّ الزائد إلى المشتري على الاستحباب محتاج إلى قرينة هي مفقودة.

و ثانيا: أنّه تخرج هذه المعاملة عن بيع الفضولي و تندرج في بيع الأصيل، فلا يصح جعل هذه الصحيحة دليلا أو مؤيّدة لصحة بيع الفضولي.

و منها: كون بيع الثاني غير فضولي مع وقوعه عن المشتري، لبطلان الإقالة و بقاء الثوب على ملك المشتري. توضيحه: أنّه و إن قلنا إنّ البيع المقرون بالرضا الباطني للمالك لا يخرج عن بيع الفضولي. لكن إذا برز ذلك بمبرز فعلي أو قولي خرج عن الفضولي، لاقترانه بالرضا الباطني المبرز. و كلّ معاملة كانت كذلك لا يصدق عليها الفضوليّة.

و في المقام لمّا أقدم المشتري على الإقالة بوضيعة دلّ ذلك بالالتزام على الرضا بالمبادلة بأكثر من ذلك قطعا. فالبيع وقع عن هذا الرضا المبرز الذي هو إذن، فلا يكون هذا البيع فضوليا. و هذا الاحتمال لا بأس به في نفسه و ليس بعيدا عن ظاهر الصحيحة، إذ لا يلزم من إرادته تصرف في «لا يصلح» بحمله على الكراهة.

ص: 459

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن السمسار (1) يشتري بالأجر (2)، فيدفع إليه الورق (3)، فيشترط عليه أنّك تأتي بما تشتري، فما شئت أخذته، و ما شئت تركته. فيذهب فيشتري، ثم يأتي بالمتاع، فيقول (4): خذ ما رضيت و دع ما كرهت؟ قال: لا بأس» «1»

______________________________

في قبول المتاع و ردّه. فيقبل الدلّال، و يذهب إلى مالك المتاع و يشتريه منه، و يأتي به إلى دافع الورق و يخيّره بين الأخذ و الترك.

و قد أجاب عليه السّلام بعدم البأس به ما دام دافع النقود مخيّرا غير ملزم بقبول ما هيّأه له الدلّال.

(1) بكسر السين و سكون الميم «المتوسط بين البائع و المشتري، و الجمع سماسرة. و منه: لا بأس بأجر السمسار. و: يا معشر السماسرة افعلوا كذا. و السمسار أيضا القائم بالأمر الحافظ له» «2». و يقال للسمسار: الدّلّال.

(2) و هو حقّ السعي لإجراء المعاملة بين البائع و المشتري.

(3) بفتح الواو و الكسر الراء- كفخذ- و هي الدراهم المضروبة من الفضة، جمعه: أوراق و وراق. و فاعل- فيشترط- و ضمير «شئت و أخذت و تركت» هو الدافع.

(4) أي: فيقول السمسار للمشتري الذي دافع الورق ايّها المشتري خذ .. إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 394، الباب 20 من أبواب العقود، ح 2، و لا يخفى أن الموجود في نسخ الكتاب «موثقة عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن السمسار ..» و الصحيح ما أثبتناه في المتن كما أن في الوسائل «أ يشتري» بدل «يشتري». رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان. و للرواية طريقان آخران، و هما طريقا الكليني و الصدوق قدّس سرّهما و في طريق الكليني الحسن بن محمّد بن سماعة، و بناء على صحة أبان لكونه من أصحاب الإجماع تصير الرواية صحيحة بطريق الصدوق و الشيخ، و توصيفها بالموثقة مخصوص بطريق الكليني.

(2) مجمع البحرين، ج 3، ص 337.

ص: 460

بناء (1) على أنّ الاشتراء من السمسار (2) يحتمل أن يكون لنفسه (3)

______________________________

(1) يعني: أنّ التأييد لصحة الفضولي بهذه الموثقة مبني على أن يكون حكم الامام عليه السّلام عامّا لجميع محتملات الرواية بسبب ترك الاستفصال.

توضيح ذلك: أنّ محتملات الرواية ثلاثة:

الأوّل: أن يكون اشتراء السمسار لنفسه ليكون الورق عليه قرضا، فيبيع ما اشتراه من الأمتعة على صاحب الورق، و يؤدّي بذلك دينه. و هذا المحتمل أجنبي عن الفضولي، و يكون قوله: «يشتري بالأجر» قيدا توضيحيا و مبيّنا لمعنى السمسار.

الثاني: أن يكون الاشتراء لمالك الورق بإذنه، مع جعل الخيار له على بائع الأمتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضي به، و يفسخه فيما كرهه. و هذا أيضا أجنبي عن الفضولي.

الثالث: أن يكون الاشتراء فضوليا عن مالك الورق أي بلا إذن منه للسمسار بالشراء، فيختار ما يرغب فيه، و يردّ ما يرغب عنه. و هذا الاحتمال ينطبق عليه الفضولي.

و ليست الرواية ظاهرة في أحد هذه المعاني. إلّا أنّ ترك استفصال الامام عليه السّلام عن هذه المحتملات و إطلاق الحكم بعدم البأس يدلّ على عموم الحكم لجميع المحتملات التي منها هذا المعنى الثالث.

(2) أي: الاشتراء الصادر من السمسار، فالعبارة صحيحة، و لا تحتاج إلى إسقاط كلمة «من» كما لا يخفى، و تكون «من» بمعنى النشوية، كما يحتمل في آية وَ خَلَقَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا.

(3) هذا هو الاحتمال الأوّل الذي مرّ آنفا بقولنا: «الأوّل أن يكون اشتراء السمسار .. إلخ».

ص: 461

ليكون (1) الورق عليه قرضا، فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة، و يوفيه (2) دينه.

و لا ينافي (3) هذا الاحتمال فرض السمسار في الرواية ممّن يشتري بالأجر، لأنّ (4) وصفه بذلك باعتبار أصل حرفته و شغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية.

و يحتمل (5) أن يكون لصاحب الورق بإذنه (6) مع جعل خيار له على بائع

______________________________

(1) يعني: حتى يكون الورق- الذي دفعه صاحبه إلى السمسار- قرضا عليه.

(2) يعني: يوفي السمسار لصاحب الورق دينه بجعل المتاع مبيعا و عوضا عن دينه و هو الورق.

(3) إشارة إلى وهم، و هو: أنّ اشتراء السّمسار لنفسه ينافي فرض اشترائه بالأجرة- كما هو صريح الرواية- و من المعلوم أنّ معنى الاشتراء بالأجرة هو الاشتراء للناس- بالأجرة- لا لنفسه. و هذا ينافي المعنى الأوّل، و هو كون الشراء لنفس السمسار.

(4) هذا دفع التوهم، و محصله: أنّ توصيف السمسار في الرواية بكونه ممّن يشتري بالأجر إنّما هو لأجل حرفته، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. فيمكن أن يشتري السمسار لنفسه متاعا، ثم يعرضه على صاحب الورق، فإن ارتضاه باعه السمسار منه بأزيد ممّا اشتراه هو من بائع المتاع، و تكون تلك الزيادة أجرة عمله، لكنها ليست اجرة بحسب الاصطلاح و إنّما هي جزء من ثمن المتاع.

(5) هذا هو الاحتمال الثاني الذي تقدم بقولنا: «الثاني أن يكون الاشتراء لمالك الورق .. إلخ».

(6) أي: بإذن صاحب الورق لا فضولا عنه، فيأذن للسمسار بأن يشتري له المتاع مع جعل الخيار لصاحب الورق الذي هو المشتري حقيقة، فضمير «له» راجع

ص: 462

الأمتعة، فيلتزم (1) بالبيع فيما رضي، و يفسخه (2) فيما كره.

و يحتمل (3) أن يكون (4) فضوليّا عن صاحب الورق، فيتخيّر ما يريد، و يردّ ما يكره.

و ليس (5) في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسّمسار على وجه (6) ينافي كونه فضوليا كما لا يخفى.

______________________________

إليه، لا إلى السمسار.

(1) يعني: فيلتزم صاحب الورق الذي وقع الشراء له مع الإذن- لا فضولا- بالبيع فيما رضي به، و يفسخه فيما كرهه، لأنّ مقتضى جعل الخيار له هو السلطنة على الفسخ و الإمضاء.

(2) يعني: فيفسخ صاحب الورق البيع فيما لا يريده من المتاع، و يختار ما يريده منه.

(3) هذا هو الاحتمال الثالث الذي تقدّم بقولنا: «الثالث ان يكون الاشتراء فضوليا ..».

(4) أي: يكون اشتراء السمسار فضوليا و ضمائر «فيتخيّر، يريد، يرد، يكره» راجعة إلى: صاحب الورق.

(5) غرضه من هذه العبارة نفي أجنبية هذه الرواية عن مسألة الفضولي، و إثبات احتمال كون موردها من الفضولي حتى تكون مؤيّدة لصحة عقد الفضولي مع الإجازة. و محصله: أنّ الاحتمالات الثلاثة المتقدمة متطرقة في الرواية، و ليست ظاهرة في أحد الاحتمالين الأوّلين حتى يصير الاحتمال الثالث- و هو الفضولية- موهوما و أجنبيا عن مورد الرواية بحيث لا تصلح الرواية للتأييد، بل الاحتمالات الثلاثة متكافئة، فيمكن أن تكون الرواية مؤيّدة لصحة بيع الفضولي مع الإجازة.

(6) المراد بهذا الوجه المنافي هو ما أشرنا إليه من ظهور الرواية في أحد الاحتمالين الأوّلين.

ص: 463

فإذا (1) احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه (2) و حكم الإمام عليه السّلام بعدم البأس، من دون استفصال عن المحتملات، أفاد (3) ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات (4) [1].

______________________________

(1) هذه نتيجة نفي الوجه المنافي، و هو ظهور الرواية في غير الاحتمال الثالث، و إثبات تكافؤ الاحتمالات الثلاثة، فإنّ حكم الامام عليه السّلام بعدم البأس- من دون التفصيل بين هذه الاحتمالات الثلاثة- يعمّ جميع هذه الاحتمالات التي منها مسألة الفضولي، فيكون عقد الفضولي صحيحا بالإجازة.

(2) و هي الاحتمالات الثلاثة المتقدمة.

(3) جواب «إذا» و المراد بالحكم هو الجواز الذي تضمّنه قوله عليه السّلام: «لا بأس».

(4) التي منها الاحتمال الثالث المنطبق على بيع الفضولي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ ترك الاستفصال إنّما يفيد العموم فيما إذا لم يكن الكلام ظاهرا في معنى و لو بمعونة قرينة، فلو كان له ظهور في أحد المحتملات معيّنا كان ذلك الظهور متّبعا عند أبناء المحاورة، و خرج اللفظ حينئذ عن موارد استفادة العموم من ترك الاستفصال.

و الحاصل: أنّ المانع من استفادة العموم بترك الاستفصال هنا هو ظهور الكلام في معنى معيّن، لا ما في تقريرات بعض أعاظم العصر دامت أيام إفاداته الشريفة من أنّه «إنّما يتمسك بترك الاستفصال فيما إذا كان المسؤول عنه مردّدا و منقسما إلى أقسام عديدة، بأن كان حكما كليا، و لا يجري ذلك فيما إذا كان المسؤول عنه قضية شخصية» «1».

و ذلك لأنّ الوجه في إفادة ترك الاستفصال للعموم- و هو لزوم الإغراء بالجهل

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 76.

ص: 464

[د- التعليل الوارد في نصوص نكاح العبد]

و ربما يؤيّد المطلب (1) بالأخبار (2) الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________

د- التعليل الوارد في نصوص نكاح العبد

(1) و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك بدون سبق منع منه، و هذا الوجه العاشر آخر المؤيّدات.

(2) و هذه الأخبار مذكورة في كتب الأحاديث، منها صحيح أو حسن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيد له. فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له

______________________________

و فوات الغرض- جار في جميع الموارد التي يلزم فيها هذا المحذور، سواء أ كان الحكم فيها كلّيا أم جزئيا كمورد الرواية، فإنّ ترك الاستفصال عن محتملاتها مع اختلافها حكما يفيد العموم، و إلّا لزم الإغراء بالجهل. و هذا المحذور يوجب إفادة ترك الاستفصال للعموم في كلّ مورد يلزم فيه هذا المحذور، من غير فرق في ذلك بين الحكم الكلي و الجزئي، و لا بين كون اللفظ مشتركا معنويا- كما نسب إلى الأصوليين إفادة ترك الاستفصال للعموم فيما إذا كان الواقع في السؤال من قبيل المشترك المعنوي- و بين كونه مشتركا لفظيا كما عن شريف العلماء قدّس سرّه.

و الحق عدم الاختصاص بهذه الموارد، فإنّ قبح الإغراء بالجهل و تفويت الغرض الذي هو مناط إفادة العموم يجري في المحتملات كما أفاده المصنف قدّس سرّه في هذه الرواية، كجريانه في المشترك اللفظي و المعنوي. فليكن ما ذكرناه من إفادة ترك الاستفصال للعموم ضابطا كلّيا في كل مورد يلزم الإغراء بالجهل من عدم إرادة العموم فيه.

ص: 465

..........

______________________________

جائز» «1». و قريب منها غيرها.

و لا بأس بذكر أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل: أنه تقدم ذكر هذا الخبر في (ص 408) حيث استدلّ به بفحوى جريان الفضولي في النكاح على صحته في البيع، و تقدمت مناقشة المصنف قدّس سرّه في الأولوية بما ورد في رواية العلاء بن سيابة. و المقصود فعلا تأييد صحة بيع الفضولي بالتعليل الوارد في نصوص نكاح العبد بدون إذن مولاه إذا أجازه. و هذا التقريب سليم عن المناقشة المتقدمة في الفحوى، لعدم كون مناط الاستشهاد بهذه النصوص أولوية البيع بالصحة من النكاح حتى تكون رواية العلاء مانعة عنها، بل مناط الاستشهاد بها قوله عليه السّلام: «انه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده». و سيأتي تقريب الدلالة.

الثاني: أن صاحب الجواهر قدّس سرّه عدّ هذه النصوص- الدالة على صحة النكاح الفضولي- مؤيدة لصحة بيع الفضولي، فقال: «بل يؤيّده ما ورد في إجازة السيد عقد العبد ..» «2».

و صاحب المقابس جعلها دليلا عليها، و قد أشرنا في (ص 409) إلى أنّه قدّس سرّه قرّب دلالتها بوجوه خمسة، خامسها دلالة التعليل، و هو ما أثبته المصنف قدّس سرّه في المتن، قال في المقابس: «الخامس فحوى التعليل المذكور في الخبرين، حيث فرّق بينهما بين ما يكون سبب اختلال العقد أمرا محرّما بالأصالة، و ما يكون لأجل حقّ المخلوق كالمالك، فالأوّل يبطل مطلقا، و الثاني يتدارك بإجازة ذي الحق و إسقاطه لحقّه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1، رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أذينة عن زرارة، و الرواية صحيحة أو حسنة.

(2) لاحظ جواهر الكلام، ج 22، ص 279.

ص: 466

معلّلا (1) «بأنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده».

و حاصله: أنّ المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجى زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، و هو (2) عصيان اللّه تعالى. و أمّا المانع الذي يرجى زواله

______________________________

و قد ذكر في مقام الاستدلال و التعجب من فتاوى المخالفين، فيكون عامّا لكل ما كان كذلك إلّا ما خرج بالدليل، فيندرج فيه البيع، و هو المطلوب، فلا وجه للعدول عن هذا القول أصلا» «1».

(1) هذا تقريب التأييد لصحة عقد الفضولي بالإجازة، و محصله: أنّ مقتضى عموم العلّة المنصوصة هو ثبوت الحكم لجميع مواردها، و عدم اختصاصها بالمورد، كما في ثبوت مثل الحرمة لغير الخمر من المسكرات، بتعليل حرمة الخمر بكونه مسكرا.

و المقام كذلك، فإنّ تعليل عدم فساد النكاح بعدم عصيان اللّه تعالى يدلّ على أنّ الموجب للفساد هو عصيانه سبحانه و تعالى، فإنّ هذا العصيان مانع عن الصحة، و لا يرجى زواله، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه و تعالى في المعصية. و أمّا معصية غيره عزّ و جل فهي مما يرجى زوالها برضاه و رفع كراهته، لأنّه حقّ آدمي، فله الردّ و الإمضاء، فإذا رضي بالعقد و أجازه فقد ارتفع مانع الصحة و نفذ العقد.

ثم إنّ هذا الاستدلال ناظر إلى العلة المنصوصة التي هي من الظواهر المعتبرة عند أبناء المحاورة. كما أنّ الاستدلال السابق بتلك الروايات الراجعة إلى النكاح كان بالفحوى، فلا يلزم إشكال تكرار الاستدلال بتلك الروايات.

(2) هذا الضمير و المستتر في «كان» راجعان إلى المانع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 27، و الأولى أن تكون العبارة في أوّلها: «حيث فرّق فيهما» أي: في الخبرين.

ص: 467

- كعصيان السيد- فبزواله يصحّ العقد. و رضا المالك من هذا القبيل (1)، فإنّه لا يرضى أوّلا و يرضى ثانيا. بخلاف سخط اللّه عزّ و جلّ بفعل، فإنّه يستحيل رضاه (2) [1].

هذا غاية ما يمكن أن يحتجّ و يستشهد به للقول بالصحة (3). و بعضها (4) و إن كان ممّا يمكن الخدشة فيه، إلّا أنّ في بعضها الآخر (5) غنى و كفاية (6).

______________________________

(1) خبر قوله: «و رضا المالك» يعني: و رضا المالك في عقد الفضولي يكون من قبيل المانع الذي يرجى زواله، فهو كعصيان السيّد في قابليته للزوال، حيث إنّ عدم رضاه أوّلا يتبدّل بالرضا ثانيا.

(2) لكونه رضا بما يستقلّ العقل بقبحه و هو عصيانه تعالى شأنه.

(3) أي: بصحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك.

(4) كرواية عروة و غيرها مما تقدّم.

(5) و عمدة ذلك البعض هي العلّة المنصوصة في صحيح زرارة المتقدمة.

(6) في إثبات المطلوب، و هو صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك و أجازه.

______________________________

[1] قد يستشكل في الاستدلال بعموم العلة المنصوصة: بأنّ مورد التعليل، هو نكاح العبد لنفسه، و من المعلوم أنّ العقد مضاف إلى صاحبه و من يعتبر إضافته إليه، فإجازة السيد هنا ليست لتحصيل هذه الإضافة.

و ببيان أوضح: يكون العاقد في مورد التعليل مشمولا لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غاية الأمر أنّ نفوذ العقد منوط بإجازة غيره، فلا يتعدّى عن مورد التعليل إلّا إلى الموارد التي تكون مثله، كبيع الراهن العين المرهونة من دون إذن المرتهن، فإنّ إضافة العقد إلى الراهن متحققة، و إجازة المرتهن دخيلة في نفوذ العقد، لا في إضافته إلى صاحب العقد.

و كنكاح بنت أخ الزوجة أو بنت أختها، فإنّ العقد مضاف إلى العاقد و هو الزوج، و إجازة

ص: 468

______________________________

الزوجة شرط لنفوذه، لا لحصول انتساب العقد إلى الزوج.

و أمّا إذا لم يكن العقد مضافا إلى من يعتبر إضافته إليه، فلا يتعدّى عموم العلّة إليه.

و عليه فلا يتعدّى من عموم العلة إلى عقد الفضولي الذي لا يكون العقد مضافا إليه كعقد العبد لغيره. و إنّما يتعدّى من عموم العلّة إلى العقد المضاف إلى مالك أمره دون غيره. فالاستدلال بعموم العلة لصحة مطلق عقد الفضولي ضعيف، هذا «1».

أقول: المستفاد من التعليل أنّ الاعتبار بعدم كون العقد معصية له تعالى، و أن السبب المنحصر للبطلان هو كون النكاح عصيانا له تعالى شأنه. لا عدم كونها معصية من العبد. و عموم هذا التعليل كما يقتضي عموم ما يصدر من العبد سواء كان نكاحا أم غيره، كذلك يقتضي العموم من جهة الصدور، بأن يكون صادرا من العبد أو غيره.

و ببيان آخر: مقتضى عموم العلّة عموم الحكم لكل عقد بيعا كان أو غيره، و لكلّ عاقد سواء أ كان مالكا أم غيره، فيشمل جميع موارد الفضولي.

و لو بني على عدم التعدّي عمّن له العقد إلى غيره كالفضولي فلا بدّ من عدم التعدّي عن نكاح العبد إلى بيعه مثلا أيضا، إذ لا فرق في الموردية للرواية بين النكاح و غيره، إذ المدار على عدم كون المعاملة معصية له تعالى، من غير فرق بين صدورها من العبد و غيره. و سواء كان الصادر بيعا أم غيره. و خصوصية المورد ليست مخصّصة للعموم ما لم تقم قرينة على مخصصيته لعموم العلة المنصوصة. خصوصا بملاحظة كون إضافة العقد إلى من له العقد- و هو العبد- في كلام الراوي دون الامام عليه السّلام.

و بالجملة: مناط ترتب الأثر على العقد بالإجازة هو كونه حلالا ذاتا و مشروعا في نفسه، و نافذا فعلا بسبب الإجازة. و من المعلوم أنّ جميع موارد الفضولي المبحوث عنها كذلك. و أمّا اعتبار صدور العقد من خصوص من له العقد فمما لا دليل عليه، إذ المناط كلّه بمقتضى ظاهر التعليل هو عدم كون العقد معصية له سبحانه و تعالى كنكاح

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 44 و 45.

ص: 469

______________________________

المحرمات.

و لا يقاس المقام بقاعدة التجاوز، بأن يقال: إنّها كما لا تجري إلّا في الأجزاء و فيما له عنوان كالقراءة و الركوع و السجود و نحوها، و لا تجري في مقدمات الأجزاء كالهويّ و النهوض مع كلية القاعدة، لصدق التجاوز عن المشكوك فيه بالدخول في المقدمات، فإذا شك في السجود مثلا في حال النهوض إلى القيام صدق عليه التجاوز عن المشكوك فيه مع عدم جريان القاعدة فيه. كذلك لا يجري عموم العلة المنصوصة في المقام إذا كان العقد صادرا ممّن له ولاية العقد كعقد الراهن على ماله المرهون، فإنّه مالك العقد، لكون المرهون ملكه.

توضيح وجه عدم صحة القياس هو: أنّ الامام عليه السّلام قبل بيان قاعدة التجاوز بقوله في صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» و في صحيح زرارة: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء» طبّق القاعدة على الأجزاء كالشك في القراءة و هو في الركوع، و الشك في السجود و هو في التشهد، و غير ذلك. و تطبيق القاعدة في كلام الامام عليه السّلام قرينة على كون موارد القاعدة خصوص ما يشابه تطبيقاته عليه السّلام. و من المعلوم أنّها خصوص الأجزاء دون مقدماتها.

و هذا بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التطبيق على- من له العقد- و هو تزويج العبد لنفسه- يكون في كلام السائل دون الامام عليه السّلام، و هو لا يصلح لتخصيص العموم.

فتحصّل من جميع ما تقدّم- خصوصا عمومات التجارة و الوفاء بالعقود و عموم تعليل الصحة بعدم عصيانه تعالى- صحة عقد الفضولي إذا وقع للمالك، بل مورد بعضها وقوع العقد لغير المالك، هذا.

ثم إنّ هنا وجوها أخر قد استدلّ بها على صحة عقد الفضولي.

ص: 470

[المقام الثاني: أدلة بطلان بيع الفضولي]
[أ: آية التجارة عن تراض]

و احتجّ للبطلان (1) بالأدلة الأربعة (2).

أمّا الكتاب فقوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ «1» دلّ بمفهوم الحصر (3)

______________________________

المقام الثاني: أدلة بطلان بيع الفضولي

(1) أي: بطلان عقد الفضولي إذا وقع للمالك و إن أجازه.

(2) و هي الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

أ: آية التجارة عن تراض

(3) هذا أحد تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي،

______________________________

منها: بيع المال المتعلق للخمس، ثم أجازه وليّ الخمس، و هو الحاكم الشرعي له، فإنّ بيعه بالنسبة إلى خمسة فضولي، فإذا أجاز المجتهد نفذ البيع بالإضافة إلى الخمس.

و منها التصدق بمجهول المالك كاللقطة و غيرها بناء على توقفه على إجازة المالك لو ظهر، إذ مع عدم الإجازة استرجع العين. و يمكن أن يستظهر منه صحة الفضولي في الإيقاعات.

و منها ما ورد من أنّ عقيلا باع دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بمكة و أقرّه عليه، قال في المقابس: «الرابع: ما نقل من حكاية بيع عقيل دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إقراره عليه بعد فتح مكة. و نقل في التذكرة أنّه لمّا قيل له: أين تنزل غدا؟ قال: و هل ترك لنا عقيل من رباع، قال: يعني أن عقيلا باع رباع أبي طالب، لأنّه ورثه دون إخوته. فإن كانت في الحكاية دلالة فهي من المؤيّدات» «2».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 29.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 22، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 465، السطر 24.

ص: 471

أو سياق التحديد (1) على أنّ غير التجارة عن تراض

______________________________

و محصّله: أنّ مفهوم الحصر الحاصل من عقد سلبيّ و هو عدم صحة التجارة بدون التراضي، و عقد إيجابي- و هو صحة التجارة عن تراض- يدلّ على انحصار التجارة الموجبة لجواز التصرف في الأموال في التجارة عن تراض، و أنّ انتفاءها يوجب عدم جواز أكل أموال الناس، و أنّ أكلها حينئذ أكل لها بالباطل. فيستفاد من الآية المباركة أنّه لا يجوز التصرف في أموال الناس بوجه من الوجوه إلّا بالتجارة المقرونة بالتراضي. و من المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض، فلا يوجب جواز أكل أموال الناس.

(1) أي: تحديد التجارة بتقييدها ب «عَنْ تَرٰاضٍ» و هذا ثاني تقريبي الاستدلال بالآية الشريفة على بطلان عقد الفضولي. و توضيحه: أنّ الآية المباركة في مقام تحديد السبب الموجب لحلّ أكل أموال الناس، و هذا التحديد يستفاد من تقييد التجارة بالتراضي، فإنّ القيود الواردة في مقام التحديد- الذي لازمه الجامعيّة و المانعيّة- لها مفهوم، و إن لم يكن لها مفهوم في سائر الموارد، كتحديد مفهوم الماء و الفرسخ و الكرّ، و غير ذلك من التحديدات الشرعية، فإنّ جميع القيود المذكورة فيها تدلّ على الحصر.

ثم إن تقريب الاستدلال بمفهوم الحصر و القيد مذكور في المقابس، حيث قرّب دلالتها بوجهين على البطلان، فقال في جملة كلامه: «فإنّها تدلّ أبلغ دلالة على بطلان غير التجارة الصادرة عن التراضي، و لذلك سمّى ما عداها باطلا. و المعنى: لا يتصرّف بعضكم في أموال بعض بوجه من الوجوه، فإنه باطل، إلّا بوجه التجارة المذكورة.

و لو لم يقصد ذلك لزم الاجمال و قلّة الارتباط بين المستثنى و المستثنى منه، فينبغي رفع ذلك بحسب الإمكان. و التجارة هي العقد لا التوكيل فيه، أو الإجازة له.

و التراضي عبارة عن تراضي المالكين، إذ لا عبرة برضا غيرهما. و معنى كون التجارة عن تراض أن تكون صادرة و ناشئة عنه بالمباشرة أو الوكالة و ما في حكمها،

ص: 472

..........

______________________________

أو كائنة بعده .. ففي الآية دلالة من وجهين على اشتراط تراضي المالكين مقارنا للعقد، و أنّه إذا لم يكن مقارنا كان التصرف في العوضين حراما، و هو يشمل عقد الفضولي بأقسامه، فيبطل مطلقا تعقبه الإجازة أم لا» «1».

ثم ناقش صاحب المقابس في كلا الوجهين كما صنعه المصنف أيضا، إلّا الإشكال الثاني على مفهوم القيد، و هو ورود القيد مورد الغالب، إذ لم يتعرّض له المحقق الشوشتري قدّس سرّه.

و كيف كان فقد أورد المصنف قدّس سرّه على كلا التقريبين، أمّا على مفهوم الاستثناء فبوجه واحد، و أمّا على مفهوم القيد فبوجوه أربعة.

أمّا على الأوّل- هو مفهوم الحصر- فبما حاصله: منع دلالة الاستثناء على الحصر، إذ دلالته عليه منوطة بكون الاستثناء متصلا حتى يدلّ نفي الحكم عن الطبيعة و إثباته لفرد واحد منها على الحصر، و قصر الحكم على ذلك الفرد المستثنى. فلو كان الاستثناء منقطعا و لم يكن المستثنى من جنس المستثنى منه حقيقة أو عناية لم يفد الحصر، لكون النفي و الإثبات واردين على موضوعين أجنبيين. كما إذا قال: «جاء الكوفيون إلّا البصريين» فإنّه لا يدلّ على حصر عدم المجي ء في البصريين. خصوصا بناء على ما قيل من أنّ «إلّا» في الاستثناء المنقطع بمعنى «لكن» حيث إنه حينئذ بمنزلة قضيتين لقبيّتين، و هما «جاء الكوفيون» و «لم يجئ البصريون» و كما إذا قال: «أكرم العلماء إلّا زيدا الجاهل».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 28 و 29.

ص: 473

أو التجارة لا عن تراض (1) غير مبيح لأكل مال الغير و إن لحقها الرضا (2)، و من المعلوم أنّ الفضولي غير داخل في المستثنى (3).

و فيه (4): أنّ دلالته (5) على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء كما هو (6) ظاهر اللفظ، و صريح (7) المحكيّ عن جماعة من المفسّرين (8)، ضرورة (9) عدم كون

______________________________

(1) هذا و ما قبله متعلقان ب «دلّ» بنحو اللّف و النشر المرتّب.

(2) يعني: كما هو المفروض في عقد الفضولي.

(3) و هو قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بل هو داخل في المستثنى منه و هو الباطل، لأنّه تجارة لحقها الرضا، لا تجارة ناشئة عن الرضا.

(4) أي: و في الاستدلال بمفهوم الحصر إشكال. و هذا إشارة إلى الإشكال على التقريب الأوّل المتقدم بقولنا: «أمّا على الأوّل و هو مفهوم الحصر فبما حاصله .. إلخ».

(5) أي: دلالة قوله تعالى على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء، و عدم كون المستثنى- و هو التجارة عن تراض- من سنخ المستثنى منه و هو الباطل.

(6) أي: كون الاستثناء منقطعا ظاهر اللفظ بحسب الصناعة، نظير قوله تعالى:

لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لٰا تَأْثِيماً، إِلّٰا قِيلًا سَلٰاماً سَلٰاماً «1».

(7) معطوف على «ظاهر».

(8) كشيخ الطائفة و أمين الإسلام و غيرهما «2».

(9) تعليل لانقطاع الاستثناء، فإنّ من الواضح عدم كون المستثنى- و هو التجارة عن تراض- من أفراد المستثنى منه و هو الباطل، و كلّ ما كان كذلك فهو استثناء منقطع.

______________________________

(1) سورة الواقعة، الآية 26.

(2) راجع تفسير التبيان، ج 3، ص 178، مجمع البيان، ج 2، ص 36، الكشاف للزمخشري، ج 1، ص 502.

ص: 474

التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه (1) [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى حقيقة الاستثناء، و أنّها إخراج حكمي و تخصيص أصولي، و أنّ المقام ليس من الاستثناء، لخروج «التجارة عن تراض» موضوعا عن الباطل، لا حكما مع بقاء فرديّته للمستثنى منه.

هذا تمام الكلام فيما يرجع الى ما أورده المصنف قدّس سرّه على التقريب الأوّل و هو الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الحصر المستفاد من الاستثناء.

______________________________

[1] قد يورد عليه أوّلا: أنّه لا معنى لانقطاع الاستثناء أصلا.

و ثانيا- بعد تسليمه- أنّه خلاف الأصل كما صرّح به في بعض الكلمات «1» فلا يصار إليه، و لا يحمل الكلام عليه إلّا بالدليل.

و عليه فالاستثناء هنا متصل، فكأنه قيل: «لا تتملّكوا أموالكم بشي ء من الأسباب، إلا أن تكون تلك الأسباب تجارة عن تراض، فإنّها توجب حلية التملك». فهذا الاستثناء يفيد الحصر، و يكون عقد الفضولي داخلا في المستثنى منه، لكونه تجارة لا عن تراض، إذ الرضا يلحقه، و لا يسبقه كما هو ظاهر «عَنْ تَرٰاضٍ» فهو باطل.

و توهم أنّ حمل الاستثناء على الاتصال خلاف الواقع، لعدم انحصار سبب حلية الأكل في التجارة، فإنّ رضا المالك بإباحة التصرف في ماله كاف في الحلية من دون توقفها على التجارة. و بالجملة يلزم من الاستثناء تخصيص الأكثر المستهجن، مندفع بأنّ المراد التصرفات المعاوضية و المعاملية الواقعة بينهم، لا تحريم التصرف في مال الغير، فإنّ المراد بالباطل كما روي عن مولانا الباقر عليه السّلام هو القمار و الربا و البخس و الظلم، فإنّ الظاهر أنّها من باب المثال. فالمراد كل معاملة ناقلة للأموال بعنوان المعاوضة، فكل معاملة معاوضية باطلة إلّا التجارة عن تراض، فإباحة التصرف في الأموال مجانا كالاضافات و التمليك المجاني كالهبات و الهدايا خارجة موضوعا عن مورد الآية،

______________________________

(1) راجع هامش قطر الندى و بلّ الصدى، ج 1، ص 245.

ص: 475

______________________________

فيكون الحصر المستفاد من الاستثناء المتصل صحيحا.

لكن لا يخفى أنّ الاستثناء المتصل و إن كان مقتضى القواعد العربية، لكونه إخراجا حكميا. لكنه لا سبيل للمصير إليه هنا بمقتضى ظاهر العبارة، لأنّ معناه حينئذ «لا تأكلوا أموالكم بينكم بسبب باطل، إلّا أن يكون ذلك السبب الباطل تجارة عن تراض» و هذا ضروري البطلان.

و لا يدور الأمر بين اتصال الاستثناء و انقطاعه حتى يقال: إنّ أصالة الاتصال تقتضي اتصاله. إذ مورد الدوران هو فرض إمكان الاتصال بمقتضى ظاهر الكلام. و قد عرفت امتناع الاتصال. و دلالة الاقتضاء لا تلجئنا إلى التقدير حتى نلتزم باتصال الاستثناء. و ذلك لأنّ مورد دلالة الاقتضاء هو توقف صحة الكلام على التقدير، كقوله تعالى وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ و من المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه، لعدم توقف صحة ظاهر الكلام على التقدير، حيث إنّ ظاهره المنطبق على انقطاع الاستثناء معنى صحيح، و لا يتوقف صحته على التقدير، إذ معناه: أنّ أكل أموال الناس حرام بالسبب الباطل، و حلال بالتجارة عن تراض.

و لا موجب للالتزام باتّصال الاستثناء الذي هو خلاف ظاهر الكلام حتى نحتاج إلى أصل التقدير فضلا عن تعدد المقدّر كما في تقرير بحث سيدنا الخويي قدّس سرّه من قوله:

«لا يجوز تملك أموال الناس بسبب من الأسباب، فإنه باطل، إلّا أن يكون ذلك السبب التجارة عن تراض».

و بالجملة: الاستثناء في الآية الشريفة ظاهر في الاستثناء المنقطع. و حمله على الاستثناء المتصل خلاف الظاهر، و بلا موجب. مع أنه يستلزم ارتكاب التقدير الذي هو خلاف الأصل، فلا محيص عن الذهاب إلى انقطاع الاستثناء الذي هو ظاهر الآية المباركة، كما قرّبناه في الجزء الأوّل من هذا الشرح، فراجع (ج 1 ص 390).

ص: 476

______________________________

و لو سلّمنا دلالتها على الحصر، لكونها مسوقة لبيان الأسباب الناقلة للأموال و تمييز صحيحها عن باطلها من غير نظر إلى انقطاع الاستثناء و اتصاله، فتدلّ حينئذ على الحصر، و أنّ كل سبب لنقل الأموال باطل، إلّا التجارة عن تراض، و عقد الفضولي ليس من التجارة عن تراض، فهو باطل. لقلنا: انه مع ذلك لا يصح الاستدلال المزبور به، لأنّ التجارة «هي انتقال شي ء مملوك من شخص الى آخر بعوض مقدر على جهة التراضي» «1» و من المعلوم أنّ مجرد الإنشاء بدون ما يعتبر في العقد المملّك من الشرائط لا يوجب الانتقال و تبادل اضافتي الملكية.

و عليه فالتجارة في الآية الكريمة لا تشمل عقد الفضولي، لأنّ مجرد الإنشاء كما مرّ آنفا ليس تجارة، فلا يندرج في المستثنى. كما لا يندرج أيضا في المستثنى منه، لعدم كون مجرد إنشاء الفضولي تصرفا عرفا في مال الغير، لعدم صدق التجارة بمال الغير على مجرد عقده حتى يشمله «لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ» فعقد الفضولي خارج تخصصا عن كلا عقدي المستثنى و المستثنى منه. و اندراجه في المستثنى منوط بالتراضي، و بعد التراضي يتصف بالتجارة عن تراض.

فصار المتحصل: أنّ الاستثناء على تقدير الاتصال، يدلّ على الحصر، إلّا أنّ الآية لا تشمل بشي ء من عقديها عقد الفضولي. فالاستدلال بها- سواء أ كان بمفهوم الحصر أم بمفهوم التحديد- على بطلان عقد الفضولي غير سديد، هذا.

و قد يستدلّ على بطلان عقد الفضولي بعقد المستثنى منه، بتقريب: أنّ عقد الفضولي تصرف في مال الغير، و هو منهي عنه، و النهي يقتضي الفساد.

لكن فيه أوّلا: أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير حتى يحرم و يفسد،

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 233.

ص: 477

و أمّا سياق التحديد (1) الموجب لثبوت مفهوم القيد فهو

______________________________

(1) أورد المصنف على التقريب الثاني- و هو الحصر المستفاد من التحديد- بما يرجع إلى وجوه أربعة.

الأوّل: أنّ هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف، و هو غير ثابت.

الثاني: أنّه بعد تسليم المفهوم له يختص ذلك بما إذا انحصرت فائدة الوصف في المفهوم، و لم تكن له فائدة أخرى كوروده مورد الغالب كما فيما نحن فيه. فلا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» قيدا احترازيا حتى يكون له مفهوم، و هو عدم كون عقد الفضولي تجارة عن تراض. بل يكون قيدا غالبيا.

فمرجع هذا الإيراد إلى تسليم نعتية «عَنْ تَرٰاضٍ» للتجارة، مع حمله على الغلبة، كما في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فإنّ قيد «فِي حُجُورِكُمْ» ورد مورد الغالب، لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن، و لذا ليس هو قيدا احترازيا حتى تختص الحرمة بالربائب اللّاتي في الحجور.

الثالث: أنّه يحتمل أن لا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» وصفا للتجارة و قيدا لها حتى يكون له مفهوم. بل يكون خبرا ثانيا ل «تكون» بناء على نصب «تجارة» كما هو قراءة الكوفيين على ما في تفسير التبيان «1»، نظير «زيد عالم شاعر» فيما إذا كان كل منهما

______________________________

لوضوح عدم صدق التجارة عرفا بمال الغير على مجرد عقد الفضولي، فإنّ التصرف إمّا خارجي كالأكل و الشرب و نحوهما، و إمّا اعتباري كالملكية. و كلاهما منتف كما لا يخفى.

و ثانيا: أنّه ليس كل نهي في المعاملة مقتضيا للفساد، و إنّما الفساد يختص بما إذا تعلق النهي بأحد ركني المعاملة.

______________________________

(1) التبيان، ج 3، ص 178.

ص: 478

..........

______________________________

مستقلا في المعنى. «و الرّمان حلو حامض» فيما إذا لم يكن كذلك، بأن كان لكليهما معنى واحد.

فالمعنى حينئذ: أنّ سبب حلّ الأكل و التصرف هو التجارة و تراضي الطرفين، سواء تقدّم التراضي على التجارة أم تأخّر عنها، فيكون عقد الفضولي حينئذ صحيحا، لتحقق كلّ من التجارة و التراضي فيه، و إن كان الرضا حاصلا بعد التجارة. فلا يتم الاستدلال على بطلان الفضولي بمفهوم القيد و هو «عَنْ تَرٰاضٍ» إذ المفروض رفض قيديته للتجارة، و جعله خبرا ثانيا ل «تكون» [1].

______________________________

[1] لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملك، إذ ليست العبارة هكذا: «إلّا أن يكون السبب تجارة و تراضيا» حتى لا يعتبر تقدم التراضي على التجارة. فجعل «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لا يجدي في دفع الاستدلال على بطلان عقد الفضولي بمفهوم الوصف.

نعم إن رجع ضمير «تكون» إلى «الأكل» المستفاد من «لٰا تَأْكُلُوا» و كان تأنيث «تأكلوا» لمطابقته لخبره و هو «تجارة» اتجه عدم اعتبار تأخر العقد عن الرضا، لكون الموضوع حينئذ مركّبا. و لا يعتبر في المركّب اجتماع الأجزاء في الوجود، دون السبق و اللحوق.

ثم لا يخفى أنّ الاشكال الثاني و الثالث راجع إلى عدم المفهوم ل «عَنْ تَرٰاضٍ» إمّا بحمله على الغلبة. و إمّا بمنع وصفه للتجارة بجعله خبرا ثانيا ل «تكون».

و في كليهما منع، إذ في الحمل على الغلبة الاعتراف باللغوية، لأنّ مجرّد غلبة الوصف ليست فائدة لذكر الوصف، و إلّا لكان «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في الآية الشريفة محمولا على الغالب، و هو كما ترى.

و في جعله خبرا ثانيا: أنّ كلمة المجاوزة تدل على اعتبار سبق التراضي على سبب الحل، و في الفضولي هذا السبق معدوم. إلّا أن يراد نفس الأكل.

ص: 479

مع تسليمه (1) مخصوص (2) بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخرى (3) ككونه واردا مورد

______________________________

الرابع: أنّه لو أغمضنا عن احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» لبعده في نفسه و سلّمنا قيديته للتجارة حتى يكون له مفهوم، و بنينا على حجيته- لم يجد ذلك أيضا في المقام، حيث إنّ المخاطب بقوله تعالى هو أرباب الأموال و ملّاكها، فكأنّه سبحانه و تعالى قال: «يا أرباب الأموال لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» و التجارة في الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة للمالك عن تراض، فحين صيرورتها تجارة المالك تكون عن الرضا.

ثم إنّ معنى التراضي- على ما في مجمع البيان- عند الإمامية و الشافعية و غيرهم هو التراضي بالتجارة بإمضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد، بأن يقول: «اخترت العقد».

و بالجملة: عقد الفضولي خارج عن المستثنى منه تخصصا، لعدم كون الفضولي مالكا حتى يشمله خطاب «لٰا تَأْكُلُوا» و يندرج في الباطل، فعقد الفضولي لا يصير تجارة للمالك- الذي هو المخاطب في الآية الكريمة- إلّا بعد الإجازة، فتجارته نشأت عن رضا المالك، فلا وجه حينئذ لبطلان عقد الفضولي.

(1) هذا إشارة إلى الإيراد الأوّل، و هو عدم تسليم مفهوم الوصف، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «الأوّل: ان هذا المفهوم مبني على مفهوم الوصف .. إلخ».

(2) هذا إشارة إلى الإيراد الثاني الذي تقدم بقولنا: «الثاني أنه بعد تسليم المفهوم له .. إلخ».

(3) يعني: غير فائدة المفهوم، كورود القيد مورد الغالب. و غرضه قدّس سرّه أنّ دلالة القيد على المفهوم إنّما هي لدلالة الاقتضاء حتى لا يلزم لغوية القيد، و ذلك مختص بما إذا لم يكن للقيد فائدة غير المفهوم، فلو كان له فائدة أخرى لم يلزم اللغوية من عدم الالتزام بثبوت المفهوم له.

ص: 480

الغالب كما فيما نحن فيه (1) و في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ «1» (2)

______________________________

(1) لكون أكثر التجارات الواقعة بين الناس مقرونة بتراضي المتعاملين، و وقوعها عن إكراه نادر جدّا. هذا بالنسبة إلى نوع المتعاملين.

و أمّا بالإضافة إلى خصوص المؤمنين العاملين بوظائفهم فمعاملاتهم بأسرها تقع جامعة للشرائط التي منها التراضي يقينا.

(2) لكون غالب الربائب في حجور أزواج أمّهاتهن، فليس قيد الحجور احترازيا حتى يكون مفهومه حلّية الربائب- اللّاتي لسن في حجورهم- لهم، هذا [1].

______________________________

[1] لكن فيه ما لا يخفى، فإنّ غلبة القيد ليست فائدة لبيانه، و إلّا كان قيد «دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ محمولا على الغالب، إذ لا ريب في كون الدخول وصفا غالبيا في النساء ذوات الأزواج، لأنّه الغرض الأصلي من الزواج غالبا، فلا بدّ- بناء على ما ذكر من حمله على الغلبة- من الالتزام بعدم دخله في الحكم و هو حرمة الربائب. مع أنّه من المسلّم توقف حرمة الربائب على الدخول بامّهاتهن.

فالغلبة لا ترفع ظهور القيد في الاحترازية، و لذا يقال: إنّ فائدة القيد في الربائب هي التنبيه على كون الربائب بمنزلة الأولاد، و ثبت وصف الأولاد و هو كونهم في الحجور لهن، نظير «أنشبت المنية أظفارها».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 23.

ص: 481

مع احتمال أن يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» (1) خبرا بعد خبر ل «تكون» على قراءة نصب التجارة (2) لا قيدا لها (3)، و إن كانت غلبة وصف النكرة (4) تؤيّد التقييد،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الإشكال الثالث الذي تقدم بقولنا: «الثالث أنّه يحتمل أن لا يكون عن تراض وصفا للتجارة و قيدا لها .. إلخ» و مع كون «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر ل «تَكُونَ» تخرج عن قيديّتها للتجارة، فينهدم أساس التقريب الثاني و هو الاستدلال بمفهوم الوصف في مقام التحديد.

و هذا الاحتمال أفاده في المقابس لإسقاط ظهور الآية في اعتبار مقارنة التراضي للتجارة، قال قدّس سرّه: «على أنه يمكن على تقديره- أي تقدير حجية مفهوم القيد- نصب تجارة، كما هو المنقول عن قراءة الكوفيّين أن يكون عن تراض خبرا ثانيا لتكون، فيلزم حينئذ وقوع الأكل و التصرف بعد التراضي، سواء تقدم على التجارة أو تأخر عنها» «1».

لكن مجرد الاحتمال لا يمنع حجية الظاهر.

(2) يعني: بناء على كون «تَكُونَ» ناقصة، إذ لو كانت تامة لم تحتج إلى الخبر حتى تكون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا لها.

و قد يقال: إنّ مقتضى نصب «التجارة» كون الإجازة ناقلة، مع أنّها عند المصنف كاشفة.

(3) أي: للتجارة، بأن لا يكون «عَنْ تَرٰاضٍ» قيدا للتجارة حتى يكون له مفهوم.

(4) أي: غلبة توصيف النكرة بالجار و المجرور- في المحاورات- تؤيّد نعتيّة «عَنْ تَرٰاضٍ» ل «تجارة» فمقتضى هذه الغلبة هو ظهور «عَنْ تَرٰاضٍ» في القيدية لا الخبرية. و عليه فقوله: «و إن كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» جملة معترضة و غرضه من بيانها تضعيف احتمال كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا ثانيا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29.

ص: 482

فيكون (1) المعنى: «إلّا أن يكون سبب الأكل تجارة، و يكون عن تراض» و من المعلوم أنّ السبب الموجب لحلّ الأكل في الفضولي إنّما نشأ عن التراضي (2).

مع أنّ (3) الخطاب لملّاك الأموال (4)، و التجارة (5) في الفضولي إنّما تصير تجارة للمالك بعد الإجازة، فتجارته (6) عن تراض.

______________________________

(1) هذا متفرع على قوله: «مع احتمال أن يكون» لا على قوله: «و ان كانت غلبة وصف النكرة تؤيد التقييد» يعني: بناء على كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا- لا قيدا للتجارة- يكون سبب الأكل مركّبا من أمرين، أحدهما التجارة، و الآخر التراضي مطلقا، من غير فرق بين تقدّمه و تأخّره و تقارنه.

لكنه مشكل، لما مرّ من قولنا: «لكنك خبير بأنّ كلمة المجاوزة تقضي بتقدم التراضي على السبب المملّك .. إلخ».

(2) يعني: فيندرج عقد الفضولي في السبب المحلّل للأكل، و هو عقد المستثنى.

(3) هذا إشارة إلى الإشكال الرابع الذي تقدّم بقولنا: «انّه لو أغمضنا عن احتمال كون- عن تراض- خبرا ثانيا .. إلخ». و هذا الاشكال مذكور أيضا في المقابس بقوله:

«ان الخطاب تعلّق بالمالكين، و التجارة الصادرة من الفضولي لا يطلق عليها أنّها تجارة المالك إلّا بعد إجازته، فكانت تجارته وقعت عن التراضي» «1».

(4) يعني: فلا يشمل «لٰا تَأْكُلُوا» الفضولي، لعدم كونه مالكا، فلا يندرج عقده في المستثنى منه.

(5) مبتدء خبره «انما تصير» يعني: فتجارة الفضولي بعد الإجازة تصير تجارة المالك.

(6) مبتدء خبره «عَنْ تَرٰاضٍ» يعني: فيكون تجارة الفضولي بعد الإجازة عن تراض، فيخرج عقد الفضولي عن الباطل و يندرج في التجارة عن تراض، فلا يتم الاستدلال بالآية على بطلانه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29.

ص: 483

و قد حكي (1) عن المجمع «أنّ مذهب الإمامية و الشافعية و غيرهم: أنّ معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتصرف (2) أو التخاير بعد العقد» (3).

و لعلّه (4) يناسب ما ذكرنا

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «أو يقال على القراءتين- أي كون عن تراض قيدا أو خبرا ثانيا- إنّ المراد أن تكون تجارة كاملة عن تراض أو ممضاة عن تراض، فيندرج عقد الفضولي، لأن كماله و إمضاءه بالإجازة. و هذا نظير ما حكى في المجمع عن مذهب الإمامية و الشافعية و عن غيرهم من أن معنى التراضي بالتجارة إمضاء البيع بالتفرق أو بالتخاير بعد العقد» «1».

(2) و هو الفعل، فإنّه يقع بعد وقوع العقد، و لا يكون التراضي قبله.

(3) بأن يقول بعد العقد: «اخترت العقد» و غرضه من بيان كلام مجمع البيان تعيين المراد من التجارة بالتراضي، و أنّ التراضي المتأخر عن العقد تراض بالتجارة، و ليس المراد بالتراضي المعتبر في التجارة خصوص التراضي المتقدم على التجارة حتى يترتب عليه بطلان عقد الفضولي كما هو ظاهر كلمة المجاوزة.

و بهذا الاحتمال تصير الآية دليلا على صحة عقد الفضولي لا على بطلانه، و ذلك لأنّ قيد «عَنْ تَرٰاضٍ» ناظر إلى إمضاء العقد بالتصرف في العوضين أو اختيار العقد، و ليس ناظرا إلى اعتبار مقارنة رضا المالك لنفس العقد حتى يتوهم دلالته على فساد عقد الفضولي الفاقد لرضا المالك حال الإنشاء.

(4) أي: و لعلّ المحكي عن مجمع البيان يناسب إنكار قيدية «عَنْ تَرٰاضٍ» ل «تِجٰارَةً» وجه المناسبة: أنّ كفاية الرضا بعد العقد في حصول التجارة تناسب كون «عَنْ تَرٰاضٍ» خبرا بعد خبر، إذ لو كان قيدا ل «تِجٰارَةً» اقتضى نشو التجارة عن

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29، مجمع البيان، ج 2، ص 37.

ص: 484

من كون الظرف (1) خبرا بعد خبر [1].

______________________________

تراض، و عدم كفاية التراضي المتأخر فيها. بخلاف كونه خبرا ثانيا ل «تَكُونَ» فإنّه يدلّ على كفاية الرضا المتأخر كما هو مقتضى المحكي عن مجمع البيان.

(1) و هو «عَنْ تَرٰاضٍ».

______________________________

[1] قد عرفت أنّ جعل الظرف خبرا بعد خبر لا يرفع ظهور كلمة المجاوزة في نشو التجارة عن الرضا و تقدم الرضا عليها.

و تأييد عدم اعتبار تقدم الرضا عليها و كفاية الرضا المتأخر في صحة التجارة بالمحكي عن مجمع البيان، غريب، ضرورة أنّ ما في المجمع راجع إلى إسقاط الخيار بالفعل و هو التصرف كالأكل و الخياطة و غيرهما من التصرفات، أو بالقول مثل «اخترت البيع» أو «أسقطت الخيار» و نظائرهما كما يظهر ذلك في مسقطات خيار المجلس من تذكرة العلامة قدّس سرّه. «1» و من المعلوم أنّ التراضي بلزوم العقد و بقائه غير التراضي بأصل العقد و حدوثه، و هذا التراضي هو مورد البحث، دون التراضي بلزوم العقد. فجعل هذا التراضي مؤيّدا للتراضي المبحوث عنه غير ظاهر الوجه.

و كيف كان فحقّ المقام أن يقال: إنّ الآية الشريفة لا تدلّ على بطلان عقد الفضولي لو لم تدل على صحته، و لو قلنا بدلالتها على الحصر من ناحيتي الاستثناء و القيد الوارد في مقام التحديد. و ذلك لأنّ التجارة على ما في مجمع البحرين كما تقدم في التعليقة (في ص 469) هو الانتقال الذي هو معنى اسم المصدر، و من المعلوم أنّ مجرد إنشاء العقد لا يوجب الانتقال، بل يتوقف على شرائطه التي منها رضا المالك. فالتجارة بمعنى الانتقال تقع عن الرضا.

فمعنى «إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً» إلّا أن تكون التجارة- أي انتقال المال- انتقالا عن تراض. فمعنى المجاوزة حقيقة محفوظ، إذ عقد الفضولي بنفسه ليس تجارة حتى

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 517.

ص: 485

[ب: السنّة، و هي أخبار]
[الأوّل: النهي عن بيع ما ليس عنده]

و أمّا السنة (1) فهي أخبار:

منها: النبوي المستفيض، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحكيم بن حزام (2): «لا تبع

______________________________

ب: السنّة، و هي أخبار الأوّل: النهي عن بيع ما ليس عنده

(1) هذا ثاني أدلة المبطلين لعقد الفضولي. و المراد بالسنّة مطلق الروايات المعصومية لا خصوص النبويات. و قد استدل بهذه الأخبار و غيرها صاحب الحدائق «1» على بطلان بيع الفضولي، و أوردها في المقابس و ناقش في كلّ منها، فراجع «2».

(2) الحكيم ك «أمير» و «حزام» ككتاب، هو و أبوه من الصحابة، و ابنه حزام كذلك، كما عن القاموس. و هذا المضمون مرويّ عن طرقنا أيضا مثل ما رواه شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عليه السّلام عن آبائه في مناهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

«و نهى عن بيع ما ليس عندك، و نهى عن بيع و سلف» «3».

قال في المقابس بعد نقل هذا المضمون: «قال الشيخ: و هذا نصّ أي في بطلان

______________________________

يستشكل فيه بأنّ الرضا متأخر عنه، فلا يصدق على عقد الفضولي «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» بل التجارة على الفرض هي الانتقال الذي لا يتحقق إلّا برضا المالك الحاصل بالإجازة.

فتلخص من جميع ما تقدم: أنّ الاستدلال بآية لٰا تَأْكُلُوا على بطلان عقد الفضولي غير سديد.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 386 الى 389.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 29 و 30.

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، ح 5، رواه الصدوق بإسناده الصحيح عن شعيب بن واقد، و قريب منه الحديث 2 من نفس الباب، و رواه صاحب الوسائل أيضا في ص 266، الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه، الحديث 12.

ص: 486

ما ليس عندك» «1» (1) فإنّ عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلّطه على تسليمه، لعدم تملّكه، فيكون (2) مساوقا للنبويّ الآخر

______________________________

بيع الفضولي» ثم تعجّب صاحب المقابس منه، فراجع «2».

(1) هذا النبويّ مرويّ في كتب الفريقين من جوامع الحديث و الكتب الاستدلالية «3» تقريب الاستدلال به- بعد البناء على الحجية من حيث الصدور- هو: أنّ المراد ليس هو الحضور المكاني قطعا، لعدم اعتباره في صحة العقد، لكفاية مجرّد إضافة الملكية في صحة العقد الوارد عليه، فلو كان بينه و بين ملكه مسافة بعيدة جاز بيعه بلا إشكال. فالمراد به عدم تملّكه للمبيع، فمرجعه إلى النهي عن بيع ما لا يملكه، و النهي يقتضي الفساد، فبيع الفضولي فاسد، سواء باعه لنفسه أم لمالكه.

فيكون مساق هذا النبوي مساق نبوي آخر، و هو «لا طلاق إلّا فيما يملك، و لا عتق إلّا فيما يملك، و لا بيع إلّا فيما يملك» بناء على قراءة «يملك» بصيغة المعلوم كما هو الظاهر من سياق الكلام، لعدم تعقل الطلاق قبل النكاح، حيث إنّه إزالة علقة النكاح، و لا يعقل إزالتها قبل حصولها.

و أمّا بناء على قراءة «يملك» بصيغة المجهول فالرواية أجنبية عن المقام، لدلالتها على عدم جواز بيع ما لا يقبل التملك كالطير في الهواء و السمك في الماء و نحوهما، و هذا المعنى أجنبي عن بيع مال الغير المملوك له.

(2) متفرع على قوله: «كناية عن عدم تسلطه .. إلخ» حيث إنّ محصّل «لا تبع

______________________________

(1) سنن الترمذي، ج 3، ص 534، الباب 19، ح 1332، و في مفتاح الكرامة: أنّه من الأخبار العامية، فراجع ج 4، ص 185.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30.

(3) كما في الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة: 275، و تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر قبل الأخير، و في ص 486، السطر 5.

ص: 487

«لا بيع إلّا فيما يملك» «1» بعد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا طلاق إلّا فيما يملك و لا عتق إلّا فيما يملك» (1)، و لما (2) ورد في توقيع العسكري عليه السّلام إلى الصفّار: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» «2».

______________________________

ما ليس عندك» هو: لا تبع ما ليس ملكا لك. و المفروض عدم مالكية البائع الفضولي.

و نتيجة هذا القياس- من الشكل الأوّل- بطلان بيع الفضولي.

(1) بناء على قراءة «يملك» بصيغة الفاعل، لما مرّ آنفا.

(2) معطوف على قوله: «للنبوي» يعني: فيكون النبوي المستفيض مساوقا لما ورد في توقيع العسكري عليه السّلام: «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام في رجل له قطاع أرضين [أرض] فيحضر الخروج إلى مكة، و القرية على مراحل من منزله، و لم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه، و عرّف حدود القرية الأربعة، فقال للشهود: اشهدوا أنّي قد بعت فلانا- يعني المشتري- جميع القرية التي حدّ منها كذا، و الثاني و الثالث و الرابع، و إنّما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك؟ و إنّما له بعض هذه القرية، و قد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه السّلام: لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك».

و غير ذلك من الروايات الواردة بهذا المضمون عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

فدعوى تواتره المعنوي غير بعيدة، و هي كافية في حجية هذا المضمون و صحة الاستدلال به.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 293 الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 5، و الموجود في المستدرك: «فيما لا تملك» بدل قوله: «إلّا فيما تملك».

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع، ح 1، رواه الصدوق و الشيخ قدّس سرّهما بإسنادهما الصحيح عن الصفار، فالرواية صحيحة.

ص: 488

[الثاني: التوقيع الناهي عن ابتياع الضيعة بغير رضا مالكها]

و ما (1) عن الحميري «انّ مولانا عجّل اللّه فرجه كتب في جواب بعض مسائله: إنّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها، أو بأمره، أو رضا منه» «1».

______________________________

الثاني: التوقيع الناهي عن ابتياع الضيعة بغير رضا مالكها

(1) يمكن أن يكون معطوفا على قوله: «للنبوي الآخر» و الظاهر أنّه معطوف على «النبوي المستفيض» يعني: و منها: أي و من الأخبار- ما عن الحميري- و هو «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام: أنّ بعض أصحابنا له ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان، فيها حصّة، و أكرته ربما زرعوا و تنازعوا في حدودها، و تؤذيهم عمّال السلطان، و تتعرض في الكلّ من غلّات ضيعة، و ليس لها قيمة لخرابها، و إنّما هي بائرة منذ عشرين سنة، و هو يتحرّج من شرائها، لأنّه يقال: إنّ هذه الحصة من هذه الضيعة كانت قبضت من الوقف قديما للسلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان ذلك صونا [صوابا] و صلاحا له و عمارة لضيعته، و أنّه يزرع هذه الحصة من القرية البائرة بفضل ماء ضيعته العامرة، و ينحسم عن طمع أولياء السلطان. و إن لم يجز ذلك عمل بما تأمره به إن شاء اللّه. فأجابه: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضى منه».

و محصّل المسألة: أنّ لبعض أصحابنا ضيعة عامرة بجنب ضيعة خراب للسلطان، و لخرابها لا قيمة لها، و صاحب الضيعة العامرة يتحرج من شرائها، لما يقال من أنّ هذه الحصة من الضيعة كانت وقفا قديما، و أخذها السلطان. فإن جاز شراؤها من السلطان كان صلاحا، و إن لم يجز عمل بما تأمره به.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 250، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 8، رواه محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري.

ص: 489

[الثالث: النهي عن شراء الأرض إلّا برضا أهلها]

و ما (1) في الصحيح عن محمّد بن مسلم الوارد «في أرض بفم النيل (2) اشتراها رجل، و أهل الأرض يقولون: هي أرضنا، و أهل الأستان (3) يقولون:

هي أرضنا. فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها» «1».

[الرابع: النهي عن شراء ما لا يملكه البائع]

و ما (4) في الصحيح عن محمّد بن القاسم بن الفضيل «في رجل اشترى من

______________________________

و حاصل الجواب: عدم جواز الشراء من السلطان، لأنّه لا مالك و لا مأذون من ناحيته. فتدلّ المكاتبة على عدم جواز الشراء من غير المالك و المأذون من قبله، و الفضولي لا مالك و لا وكيل عنه و لا وليّ عليه، فيبطل بيعه.

الثالث: النهي عن شراء الأرض إلّا برضا أهلها

(1) معطوف على «النبويّ المستفيض» أو على «للنبوي الآخر».

(2) عن القاموس: «النيل بالكسر قرية بالكوفة، و بلدة بين بغداد و واسط.

و قيل: إنّ النيل نهر يتشعّب من الفرات ينتهي إلى دجلة بمسافة مراحل». و على هذا فالمراد بفم النيل صدر ذلك النهر و مبدؤه. و تقدّم في صحيحة أبي ولّاد كلام الأزهري حول هذه البلدة، فراجع «2».

(3) بالضم- كما عن القاموس و المجمع- أربع كور ببغداد، عال و أعلى و أوسط و أسفل. و في المجمع «و الكورة المدينة و الناحية، و الجمع كور، مثل غرفة و غرف» «3».

الرابع: النهي عن شراء ما لا يملكه البائع

(4) معطوف على «النبويّ المستفيض».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 3.

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 482 و 483.

(3) مجمع البحرين، ج 3، ص 478.

ص: 490

امرأة من آل فلان (1) بعض قطائعهم (2)، و كتب (3) عليها كتابا بأنّه قد قبضت المال، و لم تقبضه، فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال: قل له يمنعها أشدّ المنع، فإنّها باعت ما لم تملكه» «1».

[المناقشة في دلالة السّنة على بطلان بيع الفضولي]

و الجواب عن النبويّ (4) أوّلا: أنّ الظاهر

______________________________

(1) أي: آل عبّاس كما عن الكافي، قال في محكي الوافي: «فلان كناية عن العباس. و في الكافي: من امرأة من العبّاسيين. و القطائع محالّ ببغداد كان أقطعها المنصور لأناس من أعيان دولته ليعمّروها و يسكنوها. و إنّما لم تملكها، لأنّها كانت مال الامام عليه السّلام».

و استفادة ملكية القطائع للإمام عليه السّلام لعلّها من التعليل ب «ليعمروها و يسكنوها» حيث إنّ الأرض الخربة ماله عليه السّلام.

(2) جمع قطيعة، و في المجمع «القطيعة محالّ ببغداد أقطعها المنصور .. إلخ» «2».

(3) يعني: و كتب ورقة مشتملة على أنّ المرأة البائعة قد قبضت الثمن، و الحال أنها لم تقبضه، كما لعلّه المرسوم فعلا، حيث إنّه يكتب في الورقة: أنّ البائع قبض الثمن، مع أنّه لم يقبضه.

المناقشة في دلالة السّنة على بطلان بيع الفضولي

(4) قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن الاستدلال بالنبوي الأوّل المروي عن حكيم بن حزام بوجهين:

الأوّل: الظاهر أنّ الظاهر المراد ب «ما» الموصول في «لا تبع ما ليس عندك»

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 2، و الموجود في كثير من النسخ «الفضل» و لعلّ الصحيح كما في وسائل الشيعة هو «الفضيل» كما أثبتناه و المنقول عن التهذيب، محمّد بن القاسم عن فضيل، فراجع.

(2) مجمع البحرين، ج 4، ص 380.

ص: 491

..........

______________________________

هو العين الشخصية، للإجماع و النصّ على جواز بيع الكلّي مع عدم وجود شي ء من أفراده حين إنشاء البيع عنده، سواء أ كان البيع حالّا أم سلفا.

كما أنّ الظاهر كون المراد بالبيع في «لا تبع» هو البيع لنفسه. وجه الظهور- كما في التذكرة «1» هو وروده في مقام الجواب عن سؤال الحكيم بن حزام عن أن يبيع الشي ء، فيمضي و يشتريه، و يسلّمه. فالمراد بالبيع في السؤال حينئذ هو البيع لنفسه، لا عن المالك. و اشتراؤه من المالك إنّما يكون مقدمة لتسليم المبيع إلى المشتري. و هذا لا ينطبق على المدّعى و هو البيع للمالك، إذ مورد البحث فعلا هو بيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه، بل ينطبق على المسألة الآتية، و هي: أن يبيع الفضولي لنفسه، و يكون دليلا عليها.

و بعد البناء على ظهور المبيع في العين الشخصية، و ظهور البيع لنفس الفضولي لا المالك نقول: إنّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع. فيكون دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه، فلا يقع البيع، بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود عليه، لا لنفسه، و لا للمالك بعد إجازته، لأنّ هذا النهي للإرشاد إلى الفساد. فهذا الإنشاء من حيث نفسه- سواء أضيف إلى المخاطب البائع أم إلى المالك- فاسد لا يترتب عليه الأثر و إن اجازه المالك. و النبوي بهذا البيان دليل على بطلان عقد الفضولي و عدم نفوذ إجازة المالك.

و بين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه، و النهي بهذا التقريب لا يدلّ على عدم وقوع البيع للمالك بعد إجازته. و هذا هو ظاهر النبويّ، فلا يدلّ على بطلان عقد الفضولي مطلقا كما هو مراد القائلين ببطلان الفضولي.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر الأخير، و قريب منه في ص 486، السطر 7.

ص: 492

من الموصول (1) هي العين الشخصية، للإجماع و النص (2) على جواز بيع الكلّي. و من (3) البيع: البيع لنفسه

______________________________

و الحاصل: أنّ النهي إن كان إرشادا إلى فساد العقد من حيث نفسه كان دليلا على بطلان عقد الفضولي مطلقا. و إن كان إرشادا إلى فساد العقد- من حيث إضافته إلى العاقد البائع الذي يريد اشتراءه من المالك- لم يدلّ على عدم وقوعه للمالك بإجازته. و هذا الشقّ الثاني هو مورد الرواية، لما عن التذكرة و سيجي ء نقله إن شاء اللّه تعالى. و هذا البيع غير جائز من دون خلاف ظاهر فيه، للنهي و للغرر.

(1) و هو «ما» في النبوي: «لا تبع ما ليس عندك».

(2) أمّا الإجماع على صحة بيع الكلي فيكفيه تسالمهم على صحة بيع السلم، و كذا بيع الكلّي حالّا. و أمّا النص فكصحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالا؟

قال: لا به بأس. قلت: إنّهم يفسدونه عندنا. قال: و أيّ شي ء يقولون في السّلم؟ قلت:

لا يرون به بأسا، يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل فليس عند صاحبه فلا يصلح. فقال: فإذا لم يكن إلى أجل كان أجود [أحق] ثم قال: لا بأس بأن يشتري الطعام- و ليس هو عند صاحبه- حالا و إلى أجل» «1» الحديث.

و لا يخفى صراحة جوابه عليه السّلام في جواز بيع الكلّي، سواء أ كان حالا بأن كان المتاع موجودا، أم كان سلفا كبيع الزرع قبل حصاده.

(3) معطوف على «من» يعني: أنّ الظاهر من البيع هو البيع لنفس الفضولي، لا عن المالك الذي هو محلّ الكلام في المسألة الاولى، و هي أن يبيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، ح 1.

ص: 493

لا عن مالك العين (1).

و حينئذ (2) فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد الإنشاء (3)، فيكون (4) دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه، فلا يقع له و لا للمالك بعد إجازته (5).

و إمّا (6) أن يراد ما عن التذكرة

______________________________

(1) كما هو المفروض، إذ مورد البحث هو المسألة الاولى من المسائل الثلاث أعني بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه.

(2) أي: و حين كون المراد من عدم جواز «بيع ما ليس عندك» هو البيع لنفسه لا للمالك، فإمّا .. إلخ.

(3) أي: بدون إضافة هذا الإنشاء إلى المالك أو العاقد، فهذا الإنشاء في نفسه منهيّ عنه، و النهي عن الإنشاء إرشاد إلى الفساد، لا إلى الحرمة، إذ لا مقتضي لحرمة التلفّظ بلفظ «بعت» مع عدم كونه تصرّفا خارجيّا و لا اعتباريّا في مال الغير حتى يشمله دليل حرمة التصرف في مال الغير.

(4) هذه نتيجة كون النهي متعلّقا بمجرّد الإنشاء من حيث نفسه بدون إضافته إلى شخص.

(5) إذ المفروض عدم صلاحية الإنشاء الفاسد لترتب البيع المملّك عليه، فلا يقع لأحد، من غير فرق فيه بين العاقد و المالك بعد إجازته. و قد تقدم توضيحه بقولنا: «انّه يدور أمر النهي بين أن يراد به مجرّد إنشاء البيع .. إلخ» فقوله: «فإمّا» إشارة إلى الشق الأوّل.

(6) معطوف على «فإمّا» و هذا إشارة إلى الشق الثاني الذي مرّ آنفا بقولنا:

«و بين أن يراد بالنهي الإرشاد إلى الفساد من حيث وقوعه للبائع المريد لاشتراء المبيع من مالكه» لا من حيث كونه إنشاء حتى لا يقع عن أحد حتى عن المالك بعد إجازته كي يكون دليلا على بطلان الفضوليّ.

ص: 494

من أن يبيع (1) عن نفسه، ثم يمضي ليشتريه من مالكه، قال (2): «لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكره جوابا لحكيم بن حزام، حيث سأله عن أن يبيع الشي ء فيمضي و يشتريه و يسلّمه، فإنّ هذا البيع (3) غير جائز، و لا نعلم فيه (4) خلافا، للنهي (5) المذكور و للغرر (6) لأنّ صاحبها قد لا يبيعها» انتهى.

و هذا المعنى (7) يرجع إلى المراد من روايتي خالد و يحيى الآتيتين في بيع

______________________________

(1) أي: يبيع الفضولي عن نفسه، ثم يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

(2) أي: العلّامة قدّس سرّه في التذكرة، قال: «لأنّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذكره جوابا له- أي لحكيم بن حزام- حين سأله أن يبيع الشي ء، ثم يمضي و يشتريه و يسلّمه، و القدرة على التسليم موجودة إن أجازه» «1». و قال بعد أسطر: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، و يمضي ليشتريها و يسلّمها .. و لا نعلم فيه خلافا، لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس عندك، و لاشتماله على الغرر، فإن صاحبها قد لا يبيعها، و هو غير مالك لها و لا قادر على تسليمها».

و لم أظفر بنصّ العبارة المنقولة في المتن عن مفتاح الكرامة، و لعلّه نقلها بالمعنى، أو ظفر بها في موضع آخر من التذكرة أو جمع بين العبارتين المتقدمتين.

(3) و هو البيع لنفس الفضوليّ، ثم اشتراؤه من المالك.

(4) أي: في هذا البيع الواقع عن نفس الفضولي بحيث يكون الشراء مقدمة للتسليم.

(5) و هو «لا تبع ما ليس عندك» هذا هو الدليل الأوّل على بطلان هذا البيع.

(6) هذا هو الدليل الثاني على بطلان البيع المذكور، و غرريته إنّما تكون لاحتمال أن لا يبيعها المالك، فيكون بيع الفضولي لنفسه غرريّا، و البيع الغرري منهي عنه.

و لو كان المشتري عالما بحقيقة الحال لم يقدم على هذا الشراء.

(7) و هو ما أفاده العلامة في التذكرة، و ذكره المصنف في المتن.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462، السطر الأخير، و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 186، و نقل مضمونه المحقق الشوشتري في المقابس، كتاب البيع، ص 30.

ص: 495

الفضولي لنفسه (1). و يكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرّد انتقاله إليه بالشراء، فلا ينافي أهليّته (2) لتعقب الإجازة من المالك.

و بعبارة أخرى: نهي المخاطب (3) عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقه (4)، فلا يدلّ (5) على الغاية بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له. و هذا المعنى (6) أظهر [1] من الأوّل (7)

______________________________

(1) يعني: مسألة «من باع شيئا، ثم ملكه و أجاز» التي تأتي في شروط المجيز، و قد استدلّ بهما صاحب المقابس على اعتبار مالكية البائع للمبيع، و بطلان بيع ما لا يملكه. و احتمل هذا المعنى أيضا عند مناقشته في بعض الأخبار المتقدمة، فقال في جملة كلامه: «و باحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد، بأن يبيع مال الغير عن نفسه، ثم يشتريه».

(2) يعني: فلا ينافي بطلان البيع- بمعنى عدم وقوعه للفضولي العاقد- أهليّته لتعقبه بإجازة المالك، و وقوع البيع له.

(3) و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حكيم بن حزام، المتقدم في النبوي المذكور.

(4) أي: في حقّ العاقد الفضولي، لأنّه المخاطب في النبوي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا تبع».

(5) أي: النهي المذكور في النبويّ المتقدم، و ضمير «الغائه، تنفعه» راجعان إلى البيع.

(6) أي: المعنى الثاني الذي ذكره العلّامة قدّس سرّه، و هو عدم وقوع العقد مؤثّرا في حقّه.

(7) و هو الذي أفاده الشيخ قدّس سرّه بقوله: «فإمّا أن يراد بالبيع مجرّد

______________________________

[1] بل هو المتعيّن، و لا وجه لإرادة المعنى الأوّل، إذ لازمه اعتبار وحدة العاقد و المالك بمعنى اعتبار صدور إنشاء التمليك من المالك دون غيره، و لو من الوكيل و الولي، إذ مقتضى التعليل بالذاتي- و هو كونه إنشاء تمليك مال الغير- عدم تأثير إنشاء

ص: 496

و نحن نقول به (1) كما سيجي ء.

و ثانيا (2): سلّمنا دلالة النبويّ على المنع، لكنّها بالعموم، فيجب

______________________________

الإنشاء .. إلخ». وجه الأظهريّة ظهور النهي المتوجّه إلى المخاطب في عدم ترتب الأثر على فعله من حيث إنّه فعله، لا من حيث صيرورته فعلا للغير و هو المالك أيضا، فلا يدلّ إلّا على عدم وقوعه عنه.

________________________________________

(1) أي: بما أفاده العلّامة من عدم صحة البيع بالنسبة إلى خصوص المخاطب الفضولي، لا مطلقا و لو بالإضافة إلى المالك بإجازته.

(2) معطوف على قوله: «أوّلا» و ضمير «لكنّها» راجع الى «دلالة» و محصّل

______________________________

غير المالك في الملكية. نظير تعليل عدم حجية خبر الواحد في بعض الموضوعات بكونه خبر واحد. و لا يصح حينئذ تعليل البطلان بأمر عرضي كالغرر و عدم القدرة على التسليم.

و عليه فلا يصار إلى الاحتمال الأوّل و هو عدم تأثير إنشاء الفضولي من حيث كونه إنشاء بيع مال الغير.

و منشأ هذا الاحتمال جعل مدخول النهي في النبوي طبيعة البيع و جنسه، و من المعلوم أنّ نفي الجنس يدلّ على نفي جميع أفراده.

و عليه فقوله: «لا تبع ما ليس عندك» ينفي كلا فردي البيع، و هما بيع الفضولي و المالك بعد الإجازة.

لكن هذا الوجه غير وجيه، لأنّ المقام ليس من موارد نفي الجنس، ضرورة أنّ مفاد «لا تبع» غير مفاد «لا بيع» فإنّ هذا التعبير لسان نفي الطبيعة، دون «لا تبع» فإنّه لا يدلّ إلّا على نفي خصوص الإنشاء الصادر من الفضولي. و نفي آثار هذا الإنشاء بالنسبة إلى شخص المخاطب و هو الفضولي دون غيره و هو المالك، فإذا أجاز المالك صحّ إنشاء الفضولي، و ترتّب عليه الأثر، للعمومات كأحلّ اللّه البيع و غيره، لصيرورة عقد الفضولي

ص: 497

تخصيصه [1] بما تقدّم من الأدلّة الدالّة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد

______________________________

هذا الجواب الثاني عن النبويّ المتقدم هو: أنّه لو سلّمنا دلالة النبوي على فساد الإنشاء من حيث إنّه إنشاء بالنسبة إلى كلّ من الفضولي العاقد و المالك- حتى يكون دليلا على بطلان الفضولي مطلقا و إن أجاز المالك، كما هو مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي مطلقا- قلنا: إنّ دلالته على بطلانه كذلك إنّما هي بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدّم من الأدلة الدالة على صحة بيع ما ليس عند العاقد بإجازة المالك.

و المراد بتلك الأدلة هي الأدلة الخاصّة، كالتعليل في نكاح العبد غير المأذون من سيّده بعدم عصيان اللّه تعالى، و عصيان غيره يرتفع بالرضا. و صحيحة محمّد بن قيس الواردة «في وليدة باعها ابن سيّدها و أبوها غائب» الحديث. و قد تقدّمت في أدلّة صحة الفضوليّ.

______________________________

بسبب الإجازة عقد المالك، فتشمله عمومات الصحة.

[1] لا يقال: إنّ النسبة بين أدلة صحة الفضولي و أدلة بطلانه عموم من وجه بناء على اختصاص الأخبار المانعة ببيع الفضولي لنفسه، لاختصاص المانعة ببيع الفضولي لنفسه، و أعميتها من أدلة الصحة، لشمولها للإجازة و عدمها. و أعمية أدلة الصحة لشمولها لبيع الفضولي لنفسه و للمالك. و أخصّيّتها من الأدلة المانعة، لاختصاصها بصورة الإجازة.

فمورد اجتماعهما هو بيع الفضولي لنفسه مع إجازة المالك، فدليل الصحة يقتضي صحته، و دليل البطلان يقتضي بطلانه. و تقديم دليل الصحة ليس بأولى من تقديم دليل البطلان. و الحكم ببطلان البيع لنفسه و إن أجاز المالك كما ذكروه في بيع غاصبي الأموال.

فإنه يقال أوّلا: بمنع اختصاص الأخبار المانعة بالبيع لنفسه، بأن يدّعى أنّ ظاهر مثل «لا تبع ما ليس عندك» هو النهي عن بيع مال الغير، و أنّ هذا البيع لا يقع لنفس

ص: 498

لمالكه إذا أجاز (1).

و بما ذكرناه من الجوابين (2) يظهر الجواب عن دلالة قوله (3): «لا بيع إلّا في ملك» فإنّ الظاهر منه (4) كون المنفي هو البيع لنفسه، و أنّ النفي راجع إلى نفي

______________________________

(1) أي: أجاز المالك الذي باع الفضولي له، لا لنفسه.

(2) و هما المذكوران في عبارة المصنف بعنوان «و الجواب عن النبويّ أوّلا ..

و ثانيا: سلّمنا دلالة النبويّ على المنع، لكنها بالعموم .. إلخ». و غرضه المناقشة في سائر الأخبار المستدل بها على فساد بيع الفضولي، فدلالة النبويّ الآخر «لا بيع إلّا فيما يملك» مخدوشة بالوجهين المتقدمين في نهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لحكيم بن حزام.

(3) و هو النبويّ المتقدم «لا بيع إلّا فيما يملك».

(4) أي: من هذا النبويّ، فإنّ ظاهره نفي البيع لنفس العاقد، حيث إنّه لا يملك البيع، لعدم كونه مالكا، يعني: أنّ فعله لا يفيده، و لا يترتب عليه الأثر الذي قصده من هذا الإنشاء. و أمّا نفي البيع عن غير العاقد الفضولي- و هو المالك- فليس مدلولا لهذا النبوي، فلا بأس بصحته للمالك مع الإجازة. و هذا أوّل وجهي المناقشة في دلالة

______________________________

الفضولي، و ذلك لا يقتضي كون مورد الأخبار المانعة هو البيع لنفسه و بقصد كونه له، حتى تصير الأخبار من هذه الجهة أخصّ من أدلة الصحة، و تكون النسبة بينهما عموما من وجه.

و على هذا ترجع النسبة بينهما إلى الأعم و الأخص المطلق، فتخصّص الأدلة المانعة بأدلة الصحة، و تكون النتيجة بعد التخصيص صحة عقد الفضولي مع إجازة المالك، فلا يثبت مدّعى القائلين ببطلان عقد الفضولي و هو بطلانه.

و ثانيا: انّ مقتضى القاعدة في تعارض العامّين من وجه هو التساقط، و الرجوع إلى عمومات الصحة.

ص: 499

الصحة في حقه (1) لا في حقّ المالك.

مع (2) أنّ العموم لو سلّم وجب تخصيصه بما دلّ على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

و أمّا الروايتان (3) فدلالتهما على ما حملنا عليه

______________________________

النبويّ الآخر على فساد بيع الفضولي.

(1) بمعنى الإرشاد إلى عدم ترتب التمليك الحقيقي على التمليك الإنشائي الصادر من الفضولي للعاقد الفضولي، لا مطلقا حتى للمالك مع الإجازة، و عدم وقوعه للعاقد الفضولي يستفاد من قوله: «الا فيما يملك» إذ معناه «لا بيع إلّا لمن يملك»، فالبيع يقع لمن يملك، و لا يقع لمن لا يملك كالفضولي، فإذا أجاز المالك وقع البيع له، لصدق وقوع البيع ممّن يملك عليه بعد الإجازة.

(2) هذا جواب ثان عن النبوي الثاني، و محصّله: أنّه- على فرض تسليم عمومه لبيع الفضولي لنفسه و للمالك- لا بدّ من تخصيصه بما دلّ من الروايات على وقوع البيع للمالك إذا أجاز. و المراد بتلك الروايات هو الروايات الخاصّة الدالة على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.

(3) و هما روايتا يحيى و خالد الآتيتان في بيع الفضولي لنفسه، لا التوقيعان كما قيل. و قد ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بهما بمنع الدلالة، و أنّهما في مقام النهي عن بيع ما ليس مملوكا للبائع بأن يقع البيع لنفسه، ثم يمضي و يشتري المتاع من مالكه.

و هذا النهي لا ينافي ما تقدم في الخدشة في النبوي من الحكم بصحة بيع الفضولي للمالك بإجازته.

بل ادّعى المصنف قدّس سرّه أنّ روايتي يحيى و خالد أوضح دلالة على النهي عن بيع الفضولي لنفسه ما ليس مملوكا له، و لا حاجة إلى حملهما على هذا المعنى كما حملنا النبويّين المتقدمين على النهي عن بيع ما ليس عنده.

ص: 500

السابقين (1) أوضح (2). و ليس فيهما (3) ما يدلّ- و لو بالعموم- على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز (4).

و أمّا الحصر (5) في صحيحة ابن مسلم و التوقيع (6)

______________________________

و لعلّ وجه أوضحية الروايتين دلالة من النبويين هو: أنّ المنفي في النبويّين ذات البيع و جنسه بمقتضى كلمة «لا» و المنفي في الروايتين هو وصف البيع من جوازه و مضيّه، و معلوم أنّ نفي الوصف أقرب إلى ملاحظته- بالنسبة إلى شخص دون آخر- من نفي الذات، لكونه أظهر في الإطلاق.

(1) و هما النبويّان المذكوران.

(2) تقدم وجه الأوضحيّة آنفا.

(3) يعني: و لا يدلّ شي ء من هاتين الروايتين السابقتين- و لو بلسان العموم- على مقصود القائلين ببطلان الفضولي من بطلانه و عدم وقوعه للمالك إذا أجاز، بل تدلّان على عدم وقوعه للفضولي، و لا دلالة فيهما بوجه على عدم وقوعهما مطلقا حتى للمالك مع إجازته.

(4) أي: إذا أجاز المالك، و ضمير «له» راجع الى المالك.

(5) سوق البيان يقتضي أن يقال: «و عن الحصر» ليكون معطوفا على «عن النبوي» في قوله: «و الجواب عن النبوي» فالمناسب للتعبير ب «و أما الحصر» أن يكون مسبوقا ب «أمّا الجواب عن النبوي» حتى يعطف «و أما الحصر» عليه.

و كيف كان فالمراد بالحصر «لا تشترها إلّا برضا أهلها» الوارد في صحيحة ابن مسلم، و كذا قوله عليه السّلام في مكاتبة الحميري: «انّ الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها، أو بأمره أو برضا منه».

و قد أجاب عن هذا الحصر بوجهين، سيأتي بيانهما.

(6) معطوف على «صحيحة» يعني: و أمّا الجواب عن الحصر الوارد في توقيع الإمام الحجة المنتظر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف، و جعلناه فداه .. فإنّما هو .. إلخ.

ص: 501

فإنّما (1) هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض و الضيعة رأسا (2) على ما يقتضيه السؤال فيهما (3). و توضيحه (4): أنّ النهي في مثل المقام و إن كان يقتضي الفساد،

______________________________

(1) جواب «و أمّا» و ضمير «هو» راجع إلى «الحصر» و هذا إشارة إلى الجواب الأوّل.

(2) يعني: أنّه في مقام اعتبار الرضا في الصحة، في مقابل انتفائه مطلقا من السابق و اللّاحق. توضيح جواب الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع هو: أنّ النهي عن الاشتراء منحصر في الاشتراء الفاقد لرضا المالك رأسا من المقارن و المتأخّر. و لازمه صحة عقد الفضولي، إذ المفروض كونه واجدا لرضا المالك بعد العقد بالإجازة، فيكون الحصر في الصحيحة و التوقيع دليلا على صحة الفضولي، لا على بطلانه كما هو مرام القائل ببطلان الفضولي.

نعم يكون دليلا على بطلانه بناء على كون الاشتراء المنهي عنه خصوص الاشتراء غير المقارن للرضا، و أنّ هذا الإنشاء لا يصلح للتأثير و لو بعد لحوق الإجازة من المالك. فينحصر الإنشاء الموجب للتمليك الفعلي في الإنشاء المقترن بالرضا حين صدوره. و هذا دليل على بطلان الفضولي.

و مع هذين الاحتمالين في الصحيحة و التوقيع لا يصح الاستدلال بهما على بطلان الفضولي، بمعنى عدم ترتب الأثر الفعلي عليه.

(3) أي: في صحيحة ابن مسلم و التوقيع، فإنّ السؤال- المتضمن لنزاع أهل الأرض و أهل الأستان في بيع الأرض الواقعة بفم النيل- يدلّ على عدم رضا المالكين رأسا بالبيع، بحيث لو استجيزوا لما أجازوا، إذ لو كانوا راضين لطالبوا الثمن و تنازعوا فيه.

(4) أي: توضيح أنّ المراد بالحصر هو عدم رضا أهل الضيعة و الأرض رأسا، لا خصوص الرضا المقارن، فلا يشمل عقد الفضولي المتعقّب بإجازة المالك. و استفادة

ص: 502

إلّا أنّه بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة عليه، و من المعلوم أنّ عقد

______________________________

كفاية الرضا المتأخر إنّما هي من إطلاق الرضا في قوله عليه السّلام في صحيحة محمّد بن مسلم: «لا تشترها إلّا برضا أهلها» و من قوله عجل اللّه تعالى فرجه الشريف:

«لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها» فإنّ إطلاق الرضا و الابتياع يدلّ على الرضا و الابتياع من المالك بأيّ نحو حصل، سواء كانا مقارنين مع العقد أم متأخرين عنه.

فعقد الفضولي الذي تلحقه الإجازة الكاشفة عن رضا المالك داخل في العقد الواقع عن رضا المالك و غير منهي عنه، إذ المفروض أنّ المراد بالمنهي عنه هو العقد الفاقد للرضا رأسا. و المراد ببطلان عقد الفضولي هو عدم ترتب الأثر كالملكية الفعلية عليه ما لم يرض المالك به، لا عدم صلاحيته لترتب الأثر عليه بإجازة المالك.

و بالجملة: فمجرّد النهي عن بيع الفضولي لا يدلّ على فساده مطلقا، بحيث لا يفيده الإجازة الكاشفة عن رضا المالك.

فمحصّل أوّل وجهي الجواب: أنّ النهي عن البيع إلّا برضا المالك إن كان دالّا على أنّ الإنشاء المملّك فعلا منحصر في الإنشاء المقارن لرضا المالك، فهو دليل على بطلان عقد الفضولي و إن أجاز المالك، إذ المفروض قصور الإنشاء في نفسه عن سببيّته للتمليك و لو بعد الإجازة. و إن كان دالّا على بطلان الإنشاء الخالي عن الرضا مطلقا و إن تأخّر عن العقد لم يدلّ على بطلان الفضولي، إذا لحقه الرضا.

و حيث إنّ الرضا مطلق و لم يقيّد بمقارنته للعقد فإطلاقه ناف لاعتبار خصوص الرضا المقارن. فالنهي حينئذ لا يدلّ إلّا على اعتبار الرضا في الجملة و لو بعد العقد، فقبل الرضا لا يتحقق النقل و الانتقال. فإطلاق «الباطل» على عقد الفضولي- كما في كثير من عبارات الأصحاب- صحيح باعتبار عدم ترتب الأثر الفعلي عليه، لكونه فاقدا لرضا المالك، فصحة عقد الفضولي قبل الإجازة تأهّليّة، و بعدها فعليّة.

ص: 503

الفضولي لا يترتب عليه بنفسه (1) الملك المقصود منه. و لذا (2) يطلق عليه «الباطل» في عباراتهم كثيرا، و لذا (3) عدّ في الشرائع و القواعد من شروط المتعاقدين- أعني شروط الصحة- كون العاقد مالكا أو قائما مقامه [1].

______________________________

(1) أي: بدون رضا المالك، و قوله «الملك» فاعل «يترتب».

(2) أي: و لأجل عدم ترتب الأثر الفعلي- على عقد الفضولي بنفسه- يطلق عليه الباطل.

(3) أي: و لأجل إطلاق «الباطل» على عقد الفضولي- في كثير من كلمات الأصحاب- عدّ في الشرائع .. إلخ.

قال المحقق قدّس سرّه: «و أن يكون البائع مالكا أو ممّن له أن يبيع عن المالك كالأب و الجدّ .. فلو باع ملك غيره وقف على إجازة المالك أو وليّه، على الأظهر» «1» و كلمة الباطل و إن لم ترد في الشرائع، إلّا أن اشتراط صحة البيع و ترتب الأثر عليه بكون البائع مالكا أو وليّا كاف في الاستشهاد بكلامه على أنّ المراد بالباطل ما لا يترتب عليه الأثر فعلا، سواء لم يترتب عليه أصلا حتى بالإجازة كما هو رأي القائلين ببطلان بيع الفضولي رأسا كالشيخ في الخلاف و المبسوط، و ابن إدريس قدّس سرّهما «2».

أم ترتب الأثر عليه بعد لحوق إجازة وليّ العقد كما هو رأي القائل بصحته.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ قوله عجل اللّه تعالى فرجه في مكاتبة الحميري «ان الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه» ظاهر في صحة الفضولي، و ذلك لأنّ العطف يقتضي المغايرة فإنّ عطف «الرّضا» يدلّ على مغايرته للمعطوف عليه، فإنّ الرضا

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، و نحوه كلام العلّامة في القواعد، ج 2، ص 18 و 19.

(2) الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة 275، السرائر، ج 2، ص 274.

ص: 504

و إن أبيت إلّا عن ظهور الروايتين (1) في لغويّة عقد الفضولي رأسا (2) وجب تخصيصهما [1]

______________________________

(1) و هما صحيح محمد بن مسلم و مكاتبة الحميري إلى وليّ الأمر و حجة العصر عجّل اللّه تعالى فرجه. و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الجواب عن الصحيحة و التوقيع الشريف. و محصل هذا الجواب هو: أنّه لو سلّمنا ظهور النهي فيهما في لغوية عقد الفضولي- بحيث لا يصلح الإنشاء ذاتا للتأثير في ترتب الأثر المقصود عليه حتى بعد إجازة المالك- نقول بلزوم تخصيصهما بما تقدم من أدلة صحة الفضولي.

و عليه فلا يدلّ الحصر في صحيحة ابن مسلم و التوقيع على لغوية عقد الفضولي، بحيث يكون كعقد الغافل و النائم و نحوهما ممّن لا يتمشّى منه القصد إلى المدلول، مع بداهة تبعية العقد للقصد بل تقوّمه به.

(2) بأن يكون إنشاء الفضولي في نفسه غير قابل للتأثير في الملكية مثلا و إن أجاز المالك.

______________________________

في الابتياع عن المالك مباشرة أو بأمره المنطبق على وكيله أو مأذونه مقارن للعقد كما هو واضح. بخلاف عقد غير المالك و مأذونه و هو الفضولي، فإنّ رضا المالك بعقده متأخر عنه، و ليس مقارنا له. و مع ذلك جعل في المكاتبة ممّا يوجب صحة عقد الفضولي كصحة عقد المالك أو مأذونه، فإنّ غير المالك و مأذونه ليس إلّا الفضولي. فالمكاتبة دليل على صحة عقد الفضولي، لا على بطلانه كما رامه القائل ببطلان عقد الفضولي.

[1] لا يخفى أنّه- بناء على لغوية الإنشاء و عدم قابليته للتصحيح كلغوية عقد الساهي و النائم- لا وجه لتخصيصه بأدلة الصحة، لعدم صدق العقد و العهد عليه حينئذ.

فلا بدّ أوّلا من إثبات عدم لغوية إنشاء الفضولي، و عدم كونه كعقد الغافل و النائم حتى تصل النوبة إلى دعوى التخصيص بأدلة الصحة كما لا يخفى، و عدم لغويته ثابت بأدلة صحة الفضولي، فالتخصيص في محلّه.

ص: 505

بما تقدّم من أدلّة الصحة (1).

و أمّا (2) رواية القاسم بن فضيل فلا دلالة فيها (3) إلّا على عدم جواز إعطاء الثمن للفضولي، لأنه باع ما لا يملك. و هذا (4) حقّ لا ينافي صحة الفضولي.

______________________________

(1) و هي الأدلة الخاصة المتقدمة في أدلة صحة عقد الفضولي، لكونها دالّة على الصحة مع إجازة المالك، فهي أخصّ من أدلة بطلان الفضولي الدالة على بطلانه مطلقا و إن أجاز المالك، فهي أعمّ من أدلة الصحة، فتخصص بأدلة الصحة.

(2) الكلام في عطفه هو الكلام في عطف قوله: «و أما الحصر» المتقدم في (ص 501).

(3) محصل هذا الجواب المذكور في المقابس «1» أيضا هو: أنّ هذه الرواية تنفي الصحة الفعلية دون الصحة التأهلية التي هي مورد البحث. توضيحه: أنّ جواز إعطاء الثمن من آثار الصحة الفعلية و لوازمها، و الرواية تنفيه، و انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، فالمنفي هو الصحة الفعلية. و لا ريب في أنّ القائلين بصحة الفضولي لا ينكرون عدم الصحة الفعلية، بل يعترفون بذلك، و إنّما هم يدّعون الصحة التأهلية.

فالمنفي في الرواية- و هو الصحة الفعلية- لا ينافي الصحة التأهلية التي يدّعيها القائلون بصحة عقد الفضولي، فالرواية المذكورة لا تنفي الصحة التأهلية الاقتضائية التي هي مورد البحث، حتى تكون دليلا على بطلان عقد الفضولي، بل تنفي غير ما يدّعيه القائلون بصحة عقد الفضولي. فالمثبت في كلام المثبتين- و هو الصحة التأهلية- غير المنفي، و هو الصحة الفعلية عند النافين.

(4) أي: و عدم جواز إعطاء الثمن لا ينافي صحة عقد الفضولي اقتضاء و تأهّلا، لما مرّ من أنّ جواز إعطاء الثمن من لوازم الصحة الفعلية، لا الاقتضائية التي هي مورد

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30.

ص: 506

و أمّا توقيع الصفّار (1) فالظاهر [1] منه نفي جواز البيع فيما لا يملك، بمعنى وقوعه للبائع على جهة الوجوب و اللزوم (2).

______________________________

البحث في الفضولي.

(1) و هو توقيع الإمام العسكري عليه السّلام إلى الصفّار «1» و هذه المناقشة مذكورة في المقابس و الجواهر أيضا، فراجع «2».

(2) يعني: لا يقع البيع للبائع الفضولي على وجه اللزوم كما يقع للمالك، فالمنفي هو البيع الواقع على وجه اللزوم المندرج في أفراد البيع في «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» فذلك البيع اللازم لا يقع للبائع الفضولي.

______________________________

[1] ظاهره كون عدم الجواز أعمّ من الفساد، إذ المفروض قابلية عقد الفضولي للصحة الفعلية بإجازة المالك، مع أنّ الفساد مساوق لعدم الجواز و النفوذ و الصحة، كما أنّ الجواز و النفوذ مساوقان للصحة.

فالأولى أن يقال: إنّ عدم الجواز إذا نسب الى نفس العقد من حيث هو- و بعبارة أخرى من حيث هو إنشاء- فهو فاسد، و لا يصحّحه شي ء. و الفساد بهذا المعنى مقصود القائلين ببطلان عقد الفضولي، نظير البيع الربوي، و بيع ما لا يملك كبيع الخمر.

و إذا نسب إلى من لا يملك كالفضولي، ثمّ تبدّلت هذه النسبة و أضيف العقد إلى المالك بإجازته، خرج العقد عن الموضوع المحكوم بعدم الجواز و عدم المضيّ. و عدم الجواز بهذا المعنى مراد في توقيع الصفّار: «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ عدم الجواز فيه أضيف إلى بائع ما لا يملك. كما أنّ وجوب الشراء أضيف إلى مالك

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن محمّد بن الحسن الصفار، و قد روى عنه محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد الذي روى عنه محمّد بن علي بن الحسين، فالسند صحيح.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 30، جواهر الكلام، ج 22، ص 284.

ص: 507

و يؤيّده (1) تصريحه عليه السّلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك،

______________________________

(1) يعني: و يؤيّد ما ذكرناه- من أنّ الظاهر من توقيع الصفّار هو عدم وقوع البيع على وجه اللزوم للفضوليّ- قوله عليه السّلام في التوقيع المذكور: «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّه يدلّ على أنّ المنفي هو البيع اللازم الوفاء، لأنّه بيع المالك، و الفضوليّ ليس بمالك، فالبيع اللازم منفيّ عنه، لا البيع الذي يصير بيعا للمالك بإجازته.

و بالجملة: فهذا التوقيع الشريف ينفي عن الفضوليّ البيع الذي يصحّ للمالك، و هو البيع الذي يترتب عليه النقل و الانتقال، و لزوم القبض و الإقباض. و من المعلوم أنّ القائلين بصحة الفضولي لا يدّعون الصحة بهذا المعنى المعبّر عنها بالصحة الفعلية، بل يدّعون الصحة التي لا يترتب عليها النقل و الانتقال فعلا، و لا وجوب القبض و الإقباض. و هذا المعنى من الصحة غير منفي في التوقيع، و المنفي فيه هو الصحة الفعلية، و إنّما يترتب الصحة الفعلية على عقد الفضولي بعد إجازة المالك، لصيرورته حينئذ عقدا للمالك بقاء و إن لم يكن عقده حدوثا، إذ المفروض صدوره عن الفضولي.

______________________________

المبيع. فالفساد في عقد الفضولي منسوب إلى العقد من حيث هو عقد لغير المالك، لا من حيث نفسه حتى لا يصلحه شي ء و لو أجازه المالك.

و يؤيّد إرادة عدم الجواز المنسوب إلى من لا يملك- لا إلى العقد نفسه- أنّ الأصحاب القائلين بصحة الفضولي مع إجازة المالك أطلقوا الباطل على عقد الفضولي، حيث إنّ مرادهم بالباطل هو عدم الاستقلال في التأثير، لا اللغوية كعقد الغافل و النائم.

فتلخّص: أنّ شيئا من الروايات لا يصلح لإثبات بطلان الفضولي مطلقا و لو بإجازة المالك، بمعنى كون عقد الفضولي لغوا بحيث لا يصلحه شي ء و لو كان إجازة المالك.

ص: 508

فلا دلالة (1) على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز.

و بالجملة: فالإنصاف أنّه لا دلالة في تلك الأخبار (2) بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز، و لا تعرّض فيها إلّا لنفي وقوعه للعاقد.

[ج: الإجماع]

الثالث (3): الإجماع على البطلان، ادّعاه الشيخ في الخلاف (4) معترفا (5) بأنّ الصّحّة مذهب قوم من أصحابنا، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم (6).

______________________________

(1) يعني: فلا دلالة في التوقيع على عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز، و هذه نتيجة ما أفاده بقوله: «فالظاهر منه نفي جواز البيع .. إلخ».

(2) و هي النبويّان و توقيع الإمام العسكري عليه السّلام و رواية الحميري و صحيحتا محمّد بن مسلم و محمّد بن القاسم.

ج: الإجماع

(3) هذا ثالث الأدلة الأربعة التي استدلّ بها القائلون ببطلان عقد الفضولي.

(4) قال في الخلاف: «مسألة: إذا باع إنسان ملك غيره بغير إذنه كان البيع باطلا، و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: ينعقد البيع، و يقف على إجازة صاحبه، و به قال قوم من أصحابنا. دليلنا: إجماع الفرقة، و من خالف منهم لا يعتد بقوله، و لأنّه لا خلاف أنّه ممنوع من التصرف في ملك غيره، و البيع تصرف .. إلخ» «1».

(5) حيث اعترف بقوله: «و به قال قوم من أصحابنا».

(6) بقوله: «و من خالف منهم لا يعتد بقوله».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 168، كتاب البيوع، المسألة 275.

ص: 509

و ادّعاه (1) ابن زهرة أيضا في الغنية.

و ادّعى (2) الحلّيّ في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب (3).

______________________________

(1) أي: و ادّعى الإجماع السيد ابن زهرة بقوله: «اشترطنا ثبوت الولاية احترازا من بيع من ليس بمالك للمبيع و لا في حكم المالك له .. فإنه لا ينعقد و إن أجازه المالك، بدليل الإجماع الماضي ذكره ..» «1».

(2) قال في مسألة ما إذا غصب مالا لرجل فاتّجر به فربح، أو كان في يده مال أمانة أو وديعة أو نحوهما، فتعدّى فيها، و اتّجر و ربح: «فلمن يكون الربح؟ قيل: فيه قولان .. و القول الثاني: انّ الربح كله للغاصب، لا حقّ لربّ المال فيه. لأنّه إن كان قد اشترى بعين المال فالشراء باطل بغير خلاف. و إن كان الشراء في الذمة ملك المشتري المبيع و كان الثمن في ذمته بغير خلاف .. و هذا القول هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة و أصول المذهب» «2».

و الشاهد في قوله: «فالشراء باطل بغير خلاف» لظهوره في الإجماع على فساد الشراء بعين مال الغير.

(3) الاستدلال على بطلان الفضولي في المسألة الأولى- و هي بيع الفضولي عن المالك بدون سبق منع منه- بعدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب منوط بتسليم أمرين:

أحدهما: عدم الفرق بين الشراء و البيع.

ثانيهما: عدم الفرق بين الغاصب و غيره.

______________________________

(1) غنية النزوع (ضمن الجوامع الفقهية) ص 523، السطر 13 إلى 15.

(2) السرائر، ج 2، ص 415.

ص: 510

و الجواب (1) عدم الظنّ بالإجماع، بل الظن بعدمه بعد ذهاب معظم القدماء كالقديمين و المفيد و المرتضى و الشيخ بنفسه في النهاية- التي هي آخر مصنفاته على ما قيل- و أتباعهم على (2) الصحة. و إطباق المتأخرين عليه (3) عدا فخر الدين و بعض متأخري المتأخرين (4) «1».

______________________________

و كلاهما محلّ التأمل، إذ من الأقوال التفصيل بين الشراء و البيع، بالبطلان في الأوّل و الصحة في الثاني. و من جملتها التفصيل بين البيع لنفسه، و منه الغاصب، و البيع للمالك، ببطلان الأوّل و صحة الثاني.

(1) محصّل الجواب: أنّ المفيد هو القطع بالإجماع، و ذلك ليس بحاصل مع ذهاب معظم القدماء و الشيخ بنفسه في النهاية إلى الصحة كما هو ظاهر. مع أنّ اللازم هو اتّفاق الكل على البطلان. و مع الغضّ عنه و تسليم الاتفاق المزبور يحتمل إرادة عدم الاستقلال من الباطل، كما ظهر ذلك من إطلاق الفقهاء «الباطل» على عدم الاستقلال بنفسه في التأثير.

و عليه فلا يدلّ الإجماع- على تقدير تحققه- على البطلان الذي أراده القائلون ببطلان الفضولي، إذ المحتمل أن يكون الإجماع ناظرا إلى منع الصغرى، و هي التصرف، لتوقّف صدقه على الإجازة التي هي بيد المالك فقط، إذ لم يصدر من المالك شي ء، و إنّما صدر عقد من الفضولي.

(2) متعلق ب «ذهاب» كذا في نسخ الكتاب، و الأولى أن يقال: «إلى الصحة» ليناسب الذهاب.

(3) الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الصحة، و قوله «إطباق» معطوف على «ذهاب».

(4) كالمحقق الأردبيلي قدّس سرّه.

______________________________

(1) تقدمت مصادر أرباب الأقوال في ص 374 و 375، فراجع.

ص: 511

[د: حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير بلا إذن منه]

الرابع (1): ما دلّ من العقل [1] و النقل [2] على عدم جواز التصرف في

______________________________

د: حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير بلا إذن منه

(1) هذا رابع الأدلة التي أقيمت على بطلان عقد الفضولي، و محصله: أنّ التصرف في مال الغير بدون إذنه ظلم في حقّ المالك، لتجاوز هذا التصرف عن حدود العدل و الإنصاف، و ذلك قبيح عقلا. و لا يرتفع هذا القبح بالرّضا اللاحق، لأنّ ما وقع لا يتغيّر عمّا وقع عليه، و القبيح لا يترتب عليه آثار الصحة إلّا مع تبدل الموضوع بصيرورة القبيح في مرحلة البقاء حسنا.

و بعبارة أخرى: هذا الدليل العقلي يثبت كبرى القياس، و هو قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه، و صغرى القياس هو صدق «التصرف» على مجرّد إنشاء الفضولي، كما صرّح به الشيخ في الخلاف.

و نتيجة القياس حكم العقل بقبح بيع الفضول عقلا، و حرمته شرعا.

______________________________

[1] الأولى أن يقال: ما دلّ من العقل على قبح التصرف في مال الغير إلّا بإذنه.

و بقاعدة الملازمة يستكشف الفساد شرعا، فلا حاجة إلى بيان رواية الاحتجاج.

[2] الأولى إسقاط «النقل» و إن كان هو مساعدا للعقل، إلّا أن الكلام في دليليّة كل من الأدلة الأربعة باستقلاله، و مع الغضّ عن الآخر.

بل يمكن أن يقال: بعدم الوجه للاستدلال بالدليل العقلي هنا.

أمّا أوّلا: فلأنّ العقل لا حكم له إلّا إدراك الحسن و القبح المترتبين على إدراك المصالح و المفاسد، و ليس له حكم وجوبي أو تحريمي حتى يستدلّ به على حكم تكليفي كالحرمة، أو وضعي كالبطلان في عقد الفضولي، فلا ينبغي التعبير بعدم الجواز كما في المتن، حيث قال: «على عدم جواز التصرف في مال الغير .. إلخ» بل المناسب التعبير بقبح التصرف. إلّا أن يراد بعدم الجواز عدم النفوذ، لا الحكم التكليفي.

ص: 512

مال الغير إلّا بإذنه، فإنّ الرضا اللاحق لا ينفع (1) في رفع القبح الثابت حال

______________________________

(1) لأنّ الفعل لا يتغيّر وصفه الذي كان ثابتا له حين وقوعه، فإذا وقع بعنوان الظلم مثلا لا يرتفع عنه هذا الوصف، و لا يقال: إنّ حدوثه لم يكن بصفة الظلم.

______________________________

و أمّا ثانيا: فلأنّه لا موضوع في عقد الفضولي لحكم العقل، ضرورة أنّ موضوعه التصرف، و هو إمّا خارجي أعني به المماسة مع الشي ء كالأكل و اللبس و الافتراش و نحوها، و إمّا اعتباري كالملكية.

و كلاهما مفقود في عقد الفضولي. أمّا الأوّل فواضح. و أمّا الثاني فلتوقفه على حصول إضافة الملكية القهرية بعقد الفضولي. و من الواضح عدم تحققها بمجرد العقد، و عدم حصول إجازة المالك. فالتصرف الذي هو موضوع حكم العقل- بكلا قسميه من الخارجي و الاعتباري- مفقود في عقد الفضولي. و مع فرض عدم صدق التصرف عليه لا يحكم العقل بقبحه حتى يحكم بقاعدة الملازمة بحرمته المقتضية لفساده. فالاستدلال على بطلان عقد الفضولي بحكم العقل الذي جعل رابع أدلة بطلانه غير واضح.

ثمّ إنّه- بعد الغضّ عن جميع ذلك، و تسليم حكم العقل بالقبح، و استكشاف حرمته بقاعدة الملازمة- لا نسلم دلالة هذه الحرمة على البطلان، بمعنى لغوية الإنشاء، و عدم صلاحيته للتأثير و لو بإجازة المالك. و ذلك لأن فساده ناش من عدم إضافة العقد إلى المالك، و ليس ناشئا من نفس العقد من حيث هو كبيع المصحف من الكافر، و البيع الربويّ، حيث لا يقبل الصحة أصلا.

و بالجملة: فلا يدلّ العقل على فساد عقد الفضولي كفساد البيع الربويّ، و لو دلّ لكانت دلالته على حدّ دلالة السنّة على الفساد. و قد عرفت أنّ المراد بالفساد عدم الصحة الفعلية، لا عدم الصحة التأهلية، فإنّ عدم الصحة الفعلية مسلّم عند الكل حتى عند القائلين بصحة الفضولي، حيث إنّهم لا يدّعون الصحة الفعلية، بل مصبّ النزاع بين المثبتين و النافين هو الصحة التأهليّة.

ص: 513

التصرف، ففي التوقيع المروي في الاحتجاج (1) «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه «1». و لا ريب أنّ بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.

و الجواب (2): أنّ العقد الواقع؟؟؟ على مال الغير متوقّعا لإجازته غير (3) قاصد لترتب الآثار عليها ليس تصرفا فيه (4) [1].

______________________________

(1) غرضه من ذكر التوقيع هو إثبات مساعدة النقل الذي أشار إليه بقوله:

«من العقل و النقل» لحكم العقل.

(2) محصّل الجواب منع الصغرى و هي التصرف، فإنّ موضوع عدم جواز التصرف و الحكم الوضعي- أعني به الفساد- هو التصرف، و صدقه على عقد الفضولي للمالك بتوقّع الإجازة من المالك ممنوع. و عليه فلا موضوع للفساد، و لا لعدم الجواز التكليفي حتى يقال باقتضائه للفساد.

و ببيان آخر: ليس عقد الفضولي عن المالك- بترقّب الإجازة منه- تصرّفا في ماله، لا خارجيّا و لا اعتباريّا كما مرّ مفصّلا. و حكم العقل بالقبح منوط بصدق الظلم على الغير، و هو موقوف على التصرّف الذي هو مفقود هنا «2».

(3) هذا و قوله: «متوقّعا» حالان من «العقد» أي: الإنشاء حال كون المنشئ متوقّعا لإجازة المالك، و حال كونه غير قاصد لترتيب الأثر على إنشائه.

(4) ظاهره أنّ العقد بدون توقع الإجازة يكون تصرفا في مال الغير، مع أنّه

______________________________

[1] في حاشية الفقيه السيد الطباطبائي قدّس سرّه نفي العبد عن صدق التصرّف على

______________________________

(1) الاحتجاج، ج 2، ص 299، طبع مطبعة النعمان عام 1386، لكن في المصدر «لا يحلّ»، رواه في وسائل الشيعة عن إكمال الدين، ج 6، ص 376 و 377، الباب 3 من أبواب الأنفال، ح 6

(2) هذا الجواب مذكور في جملة من الكتب كمفتاح الكرامة، ج 4، ص 186، السطر 4، مقابس الأنوار، ص 28، السطر 13، و جواهر الكلام، ج 22، ص 282.

ص: 514

نعم (1) لو فرض كون العقد علّة تامة- و لو عرفا (2) [1]- لحصول الآثار

______________________________

ليس كذلك، لأنّ صدق التصرف منوط بكون العقد سببا تامّا لحصول الملك قهرا للمشتري. و ليس الأمر كذلك، بل هو موقوف على إجازة المالك، إذ خروج المال عن ملك مالكه قهرا من أقبح أفراد الظلم، فعقد الفضوليّ مطلقا- سواء أ كان العاقد مترصّدا لإجازة المالك أم غير مترصّد له- ليس تصرّفا في مال الغير حتى يكون قبيحا عقلا و فاسدا شرعا.

(1) استدراك على قوله: «ليس تصرّفا» يعني: يمكن فرض كون عقد الفضوليّ تصرّفا فيما إذا كان العقد علّة تامّة لحصول الأثر المقصود كالملكيّة مثلا.

(2) يعني: لا بالدقة العقليّة، فلو صدق عرفا كون العقد علّة تامّة لترتّب الآثار عليه- كما إذا تصدّى المالك بنفسه لبيع ماله- قلنا بجواز هذا الإنشاء، تبعا لجواز التصرّف في مال نفسه.

______________________________

عقد الفضولي الصادر عن جدّ، لا عن هزل «1».

لكن فيه: أنّ صدق التصرف عليه منوط بتبدل إضافة الملكية بهذا العقد، و ذلك بدون إجازة المالك ممتنع، فإنّ الملكيّة تدور بين الوجود و العدم، و معلوم أنّها معدومة قبل إجازة المالك، فكيف يصدق التصرف على مجرّد العقد؟

[1] لكن فيه: أنّ الصدق العرفي يعتدّ به ما لم يخطّئه الشرع، و مع التخطئة لا يترتب عليه آثار التصرف. و بيع الغاصب المستقلّ مستلزم للتصرّف الخارجي، لا أنّ نفس عقده تصرف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 140.

ص: 515

كما في بيع المالك أو الغاصب (1) المستقلّ، كان (2) حكم العقد (3) جوازا و منعا حكم معلوله المترتب عليه [1].

ثم لو فرض (4) كونه تصرّفا فممّا استقلّ العقل بجوازه [2] مثل

______________________________

(1) يعني: أن إنشاء الغاصب المستقل الذي يبيع لنفسه قبيح و باطل، لكونه علّة تامّة عرفا لترتّب القبض و الإقباض عليه.

(2) جواب قوله: «لو فرض».

(3) فعقد المالك جائز، لجواز معلوله، و عقد الغاصب المستقل ممنوع، لحرمة التصرف في المبيع المغصوب، لكنّه لا يكون تابعا لمعلوله جوازا و منعا بناء على علية العقد له، لكنه ممنوع.

(4) غرضه مع التنزل و تسليم كون عقد الفضولي تصرفا، لكنّه ليس من التصرفات الممنوعة، بل من التصرّفات التي يستقلّ العقل بجوازها. و هذا من قبيل

______________________________

[1] هذا متجه بناء على كون العقد سببا تامّا لترتب التصرفات الخارجية في العين قهرا و بدون الاختيار. لكنه ليس كذلك، فلا يسري حكم المعلول إلى العلّة و هي العقد، و العقد إنّما يكون تصرفا في لسان العاقد، لا في أحد العوضين حتى يحرم.

[2] فيه: أنّ مثل الاستضاءة بسراج الغير ليس تصرفا، و إنّما هو انتفاع بمال الغير، و الموضوع هنا هو التصرف، و من المعلوم أنّ عقد الفضولي ليس تصرفا في مال الغير، لا خارجيا و لا اعتباريا.

أمّا الأوّل فواضح. و أمّا الثاني فلتوقفه على إجازة المالك، فإن الملكية معدومة قبل إجازة المالك، و لا توجد إلّا بإجازته، فإنّها بسيطة، إمّا موجودة، و إمّا معدومة، و لا واسطة بينهما. كما أنّ عقد الفضولي ليس انتفاعا بمال الغير أيضا حتى يكون كالاستظلال بشجر الغير.

ص: 516

الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره.

مع (1) [1] أنّه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال، بناء (2) على أنّ ذلك لا يخرجه عن الفضولي.

مع (3) أنّ تحريمه لا يدلّ على الفساد.

مع (4) أنّه

______________________________

الاستظلال بجدار الغير أو شجره، أو الاستضاءة بسراجه. فليست هذه التصرفات من التصرف القبيح بنظر العقل حتى يحكم بفساد عقد الفضولي، لكونه تصرّفا قبيحا عقلا.

(1) هذا جواب آخر عن قبح التصرّف، بأن يقال: إنّ فرض قبحيّة عقد الفضوليّ أخصّ من المدّعى، بمعنى عدم جريانه في جميع الموارد، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة أنّ المالك يأذن في هذا البيع الفضولي، و مع هذا العلم لا يكون عقد الفضوليّ تصرّفا قبيحا عقلا حتى يكون فاسدا.

(2) يعني: أنّ فرض العلم بالإذن مبنيّ على عدم كونه خارجا عن عنوان الفضوليّ، إذ مع خروجه عنه موضوعا يكون أجنبيّا عن بحث الفضوليّ.

(3) هذا جواب آخر أيضا عن الاستدلال على بطلان عقد الفضوليّ «بكونه تصرّفا قبيحا عقلا» و حاصله: أنّ قبح العقد عقلا و حرمته شرعا لا يدلّ على الفساد بمعنى لغويّة العقد كعقد الساهي.

(4) هذا جواب آخر أيضا، و هو: أنّه- على فرض دلالة النهي على الفساد-

______________________________

[1] فيه: أنّه- بعد فرض كون عقد الفضولي تصرّفا في مال الغير بدون إذنه- لا ينفكّ عن القبح و لو مع العلم بإذن المالك فيما بعد، لصدق التصرّف في مال الغير بدون إذنه على العقد غير المأذون فيه.

ص: 517

لو دلّ (1) لدلّ على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه، و عدم استقلاله في ذلك. و لا ينكره (2) القائل بالصحة، خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة.

و ممّا ذكرنا (3) ظهر الجواب عمّا لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري (4) بناء على أنّ العقد

______________________________

لا يراد بالفساد لغوية الإنشاء بحيث لا يترتب عليه الصحة الفعلية بإجازة المالك، بل المراد بالفساد هو عدم ترتب الأثر المقصود- و هو النقل و الانتقال- على عقد الفضولي بنفسه، بل ترتبه عليه منوط برضا المالك و إجازته، و القائلون بصحة عقد الفضولي لا ينكرون الفساد بهذا المعنى.

(1) يعني: لو دلّ التحريم التكليفي على بطلان البيع لكان المراد ببطلانه عدم استقلاله في التأثير.

(2) يعني: و لا ينكر البطلان بهذا المعنى- و هو عدم ترتب الأثر على العقد بالاستقلال- من يقول بصحة عقد الفضولي، خصوصا بناء على ناقلية الإجازة، إذ لا أثر للعقد أصلا قبل الإجازة.

(3) أي: من كون المراد بالبطلان- المترتب على النهي التكليفي هو- عدم ترتب الأثر على العقد باستقلاله، ظهر الجواب عن فرض قبح عقد الفضولي المستتبع للفساد فيما إذا قصد الفضولي ترتب الأثر على عقده بالاستقلال من دون مراجعة المالك، فإنّ قبح هذا العقد عقلا يوجب النهي عنه، و هو مستلزم للفساد.

و حاصل الجواب: أنّ المراد بالفساد ما ذكر من عدم ترتب الأثر على العقد بنفسه، لا عدم ترتبه عليه مطلقا و لو مع إجازة المالك.

(4) الصواب تبديله ب «المالك». و قد تحصل من جميع ما أفاده المصنف قدّس سرّه في الجواب عن الدليل العقلي المذكور و ردّه وجوه خمسة:

الأوّل: أنّ العقد على مال الغير بتوقّع الإجازة منه ليس تصرفا قبيحا و فاسدا، و هذا الجواب منع صغروي، و هو في غاية الجودة.

ص: 518

المقرون بهذا القصد (1) قبيح محرّم، لا نفس (2) القصد (3) المقرون بهذا العقد.

[الاستدلال على بطلان البيع الفضولي بوجوه اخرى]

و قد يستدل للمنع (4)

______________________________

الثاني: أنّ عقد الفضولي- بعد تسليم كونه تصرفا- ليس من التصرفات القبيحة عقلا، بل من التصرفات التي يستقل العقل بجوازها كالاستضاءة بسراج الغير.

لكن فيه ما عرفت من أنّ مثل الاستضاءة بنور الغير ليس تصرفا، بل هو انتفاع بمال الغير كما لا يخفى.

الثالث: أنّه أخص من المدّعي الذي هو كون عقد الفضولي تصرفا قبيحا، إذ يمكن عدم قبحه في بعض الموارد، كما إذا علم بقرينة حاليّة أو مقاليّة إذن المالك و رضاه بالعقد.

لكن هذا الجواب لا ينافي الاستدلال على الفساد بنحو الإيجاب الجزئي.

الرابع: أنّه- بعد تسليم القبح الموجب للنهي- لا يدلّ النهي على الفساد.

الخامس: أنّه- بعد تسليم دلالة النهي على الفساد- ليس المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر على عقد الفضوليّ مطلقا حتى بعد الإجازة، بل المراد بالفساد عدم ترتّب الأثر عليه بعنوان كونه عقد الفضوليّ، لا مطلقا، فإذا صار عقد المالك بالإجازة و خرج عن عنوان الفضوليّ ترتّب عليه الأثر.

(1) أي: قصد العاقد ترتب الأثر على عقده بالاستقلال بدون إجازة المالك.

(2) معطوف على «أنّ العقد».

(3) حيث إنّ مورد الحسن و القبح اللذين يحكم بهما العقلاء هو الفعل الخارجي الذي تكون مصلحته حافظة للنظام و مفسدته مخلّة بالنظام. و أمّا القصد النفساني الذي لا أثر له خارجا في النظام فلا يتصف بالحسن أو القبح أصلا.

الاستدلال على بطلان البيع الفضولي بوجوه أخرى

(4) أي: المنع عن صحة عقد الفضولي.

ص: 519

بوجوه أخر ضعيفة (1) أقواها: أنّ القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع، و الفضوليّ غير قادر (2). و أنّ (3) الفضولي غير قاصد حقيقة (4) إلى مدلول اللفظ كالمكره، كما صرّح به في المسالك «1».

______________________________

(1) قد ذكرت تلك الوجوه في المقابس بعد بيان تمسكهم بالإجماع، قال: «الثاني:

أنّ العقود الشرعية موقوفة على الدليل، و لا دليل على أنّ عقد الفضولي من العقود المقرّرة في الشرع، و أنّه يقف على الإجازة، فوجب الحكم بفسادها».

و فيه: أنّه قد ثبت مما تقدم من أدلة صحة الفضولي انّ عقد الفضولي صحيح تأهّلا، و تصير فعلية صحته بإجازة المالك.

و إن شئت الوقوف على سائر الوجوه فراجع المقابس، فإنّ المذكور فيها أزيد من عشرة أوجه «2».

(2) و لأجل اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع حكموا ببطلان بيع العبد الآبق، حيث إنّ شرط القدرة على التسليم مفقود فيه، فبيع الفضولي لا بدّ أن يكون أولى بالبطلان، لفقدان الملكية للعاقد، و عدم قدرته على تسليم المبيع فيه. و على هذا يقع البيع باطلا. و هذا تاسع الوجوه المانعة المذكورة في المقابس.

(3) معطوف على «أنّ القدرة» و هذا وجه آخر لمنع صحة عقد الفضولي، و هو عاشر الوجوه المانعة المذكورة في المقابس. و ينسب هذا الوجه إلى السيد بحر العلوم قدّس سرّه قال في المقابس: «العاشر: أنّه يشترط في صحة العقد مقارنته لقصد المدلول، فإنّ العقود تتبع القصود، و هو منتف في الفضولي، لأنّه لا يتعلق إلّا بالمقدور، و النقل غير مقدور له، فيمتنع قصده» «3» أي قصد مدلوله خارجا.

(4) يعني: غير قاصد إلى تحقق مدلول اللفظ في الخارج، كالعقد الصادر من

______________________________

(1) تقدّم كلامه في بيع المكره فراجع ص 166

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 27 و 28.

(3) المصدر، ص 28.

ص: 520

و يضعّف الأوّل (1)- مضافا (2) إلى أنّ الفضولي قد يكون قادرا على إرضاء المالك- بأنّ (3) هذا الشرط غير معتبر في العاقد قطعا، بل يكفي تحققه (4)

______________________________

المالك مع استجماع شرائط الصحة، فإنّه يقصد وقوع ما ينشؤه من الملكية مثلا في الخارج، فالفضولي فاقد لهذا القصد، دون القصد الاستعمالي، فإنّه حاصل في الفضولي قطعا، و إلّا كان هازلا.

و كذا بيع المكره، فإنّه قاصد لاستعمال الألفاظ في معانيها، لكنّه غير قاصد لوقوع مدلول العقد خارجا، إذ لو لم يكن قاصدا لاستعمال الألفاظ في معانيها لم يكن عقدا، و لم ينفع الرضا اللاحق في صحته. و قد تقدم تفصيل هذا المطلب في أوّل بحث بيع المكره، فراجع (ص 157) و ما بعده.

(1) و هو عدم قدرة الفضولي على التسليم و قد أجاب عنه المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا الدليل أخصّ من المدّعى، و هو بطلان عقد الفضولي مطلقا، و فرض إمكان إرضاء المالك يوجب اختصاص البطلان بصورة عدم إمكان الإرضاء.

و ثانيهما: أنّ شرطية القدرة على التسليم مختصة بالعاقد المالك، لا مطلق العاقد، و إلّا كان عقد الوكيل في إجراء الصيغة فقط باطلا، لعدم قدرته على التسليم، فلو كان المالك المجيز قادرا على التسليم كفى في صحة البيع.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو الأخصيّة.

(3) متعلق ب «و يضعّف» و هو إشارة إلى الوجه الثاني الذي أوضحناه بقولنا:

«و ثانيهما أنّ شرطيّة القدرة على التسليم .. إلخ».

(4) أي: تحقق الشرط، و هو القدرة على التسليم.

ص: 521

في المالك [1]. فحينئذ (1) يشترط في صحة العقد- مع الإجازة- قدرة المجيز على تسليمه، و قدرة المشتري على تسلمه، على ما سيجي ء (2).

و يضعّف الثاني (3) بأنّ المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي و المكره- لا أزيد منه- بدليل الإجماع على صحة نكاح الفضولي

______________________________

(1) أي: فحين الالتزام بكفاية قدرة المالك على التسليم يشترط في صحة العقد قدرة المجيز- الذي هو من له العقد- على تسليم المبيع إلى المشتري.

(2) في بيان شرطية القدرة على التسليم في صحة البيع، لقول المصنف هناك:

«الثالث من شروط العوضين: القدرة على التسليم».

(3) و هو كون الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ، و محصل ما أفاده في الجواب عنه: أنّ القصد المعتبر في العقد هو استعمال اللفظ في المعنى في مقابل الألفاظ التي تصدر من الغافل و الساهي، إذ قصد استعمال الألفاظ منهما مفقود. و هذا القصد موجود في عقدي الفضولي و المكره، و لو لم يكن هذا القصد موجودا لم يكن عقدا حتى يصح بالإجازة في عقد الفضولي و بالرّضا في عقد المكره، و قد تقدّم في عقد المكره التزامهم بصحته لو كان الإكراه بحقّ، فراجع (ص 178).

______________________________

[1] بل يمكن أن يقال: إنّ المعتبر هو القدرة في الجملة، فلو لم يكن المالك قادرا على التسليم و كان المشتري قادرا على التسلم- كما إذا كان المبيع في يد الغاصب، و لم يقدر البائع على استرداده، مع قدرة المشتري عليه- كفى في تحقق الشرط و صحة البيع.

ص: 522

و بيع المكره بحقّ (1)، فإنّ دعوى عدم اعتبار القصد في ذلك (2) للإجماع كما ترى (3).

______________________________

(1) كما إذا أكره الحاكم الشرعي من يمتنع عن أداء دينه- مع تمكّنه منه- على بيع بعض أمواله.

(2) أي: في كلّ من الفضوليّ و المكره.

(3) حاصله: أنّ مرجع هذه الدعوى إلى تخصيص قاعدة تبعيّة العقود للقصود في عقدي الفضوليّ و المكره بحقّ. و أنت خبير بأنّ هذا التخصيص لا مورد له، لتقوّم العقد بالقصد، و معلوم أنّ التخصيص إخراج حكميّ لا موضوعيّ، و عدم الحاجة إلى القصد إخراج موضوعيّ، إذ لا عقد حقيقة بدون القصد.

هذا تمام الكلام في المسألة الأولى.

ص: 523

[المسألة الثانية بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك]

المسألة الثانية (1) أن يسبقه منع من المالك. و المشهور أيضا (2) صحته (3).

و حكي عن فخر الدين: أنّ بعض المجوّزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك. و يلوح إليه (4) ما عن التذكرة في باب النكاح من حمل النبوي

______________________________

المسألة الثانية: بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك

(1) و هي عقد الفضولي للمالك مع سبق منع المالك، و هذه المسألة هي ثانية المسائل الثلاث التي ذكرها المصنف قدّس سرّه سابقا بقوله: «فهاهنا مسائل ثلاث».

(2) يعني: كالمسألة الأولى، فإنّ المشهور كما قالوا بصحة بيع الفضولي في المسألة الأولى، كذلك قالوا بصحته في هذه المسألة الثانية. خلافا لما نسب إلى بعض من الفساد في هذه المسألة، و نقل المصنف عن بعضهم وجهين له، ثم ناقش فيهما، و سيأتي.

(3) أي: صحة عقد الفضولي مع سبق منع من المالك. و عن ظاهر شرح القواعد اندارجه في الشهرات المدّعاة و معاقد الإجماع.

(4) أي: ما عن فخر المحققين من أنّ بعض المجوّزين لعقد الفضولي اعتبر في صحته عدم سبق نهي المالك. و اختاره في باب المضاربة بقوله: «لأنّه عقد نهاه المالك عنه، و النهي المتقدم كالفسخ المتجدد في الابطال .. و النهي هنا يدلّ على الفساد .. إلخ» «1».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 314.

ص: 524

«أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» «1» بعد تضعيف السند على (1) «أنّه إن نكح بعد منع مولاه و كراهته فإنّه يقع باطلا» «2».

و الظاهر (2) أنّه لا فرق بين

______________________________

(1) هذا و «بعد تضعيف» متعلقان ب «حمل النبوي» و ضمير «أنّه» راجع إلى «عبد» حيث قال بعد نقل استدلال جماعة من العامة بالنبوي المزبور: «و الحديث ممنوع، فإنّ أحمد بن حنبل قال: ذكرت هذا الحديث لأبي. فقال: هذا حديث منكر، و رووه أيضا عن ابن عمر موقوفا عليه. سلّمنا، لكنه محمول على أنه نكح بعد منع مولاه و كراهته له، فإنه يقع باطلا. و ملك الغير لا يستلزم الفساد من أصله، فجاز أن يكون موقوفا كالفضولي».

و تعبير المصنف قدّس سرّه ب «يلوح اليه» مع اختصاص مورد كلام العلّامة بنكاح العبد، مبنيّ على عدم التنبيه على خلافه في البيع، فيتحد حكم النكاح و غيره.

و حاصل الحمل المذكور: أنّه إذا نكح العبد- بعد منع المولى- فنكاحه باطل. و لعلّ الوجه في هذا الحمل هو جعل العبد عاهرا، و ذلك يناسب نهي السيّد عن النكاح.

لكن فيه: أنّ عاهريّته إنّما هي لأجل الاستمتاعات التي صدرت من العبد بدون إذن مولاه. و يكفي في حرمتها عدم الإذن، من دون إناطتها بنهي السيد، و بطلان عقد الفضولي. فالحمل المزبور غير ظاهر.

(2) لأنّ المناط في صحة العقد هو استقلال العاقد، و كونه وليّ أمر العقد، و ليس العبد مستقلّا في أموره.

و هذا الاستظهار نبّه عليه صاحب المقابس «3» أيضا. و لا ريب في أن التعدي

______________________________

(1) سنن الترمذي، ج 3، ص 419- 420، الباب 21، ح 1111- 1112

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 588، السطر 18 و الحاكي لكلاميهما هو صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 2

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 20.

ص: 525

النكاح و غيره. و يظهر (1) من المحقق الثاني، حيث جعل فساد بيع الغاصب نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا و هي الغصب.

______________________________

من مورد الخبر- و هو نكاح العبد- الى بيع الفضولي منوط بإلغاء خصوصية العبد و النكاح حتى يكون نهي المالك مقتضيا لفساد بيع الفضولي. و العلّامة قدّس سرّه صرّح في باب الوكالة بعدم جواز بيع الوكيل الذي نهاه الموكّل عن معاملة خاصة «1»، و لكنه لا يستلزم البطلان، لتصريحه بصيرورة الوكيل المخالف لما عيّنه عليه الموكّل فضوليا، و أنّ عقده موقوف على الإجازة، و لا يبطل رأسا «2». و لازمه اختصاص الحمل المزبور بنكاح العبد، و لا سبيل لاستظهار اتحاد حكمه مع الفضولي الممنوع عن العقد.

(1) يعني: و يظهر ما حكي عن فخر المحققين- من توقف صحة عقد الفضولي على عدم نهي المالك- من المحقق الثاني أيضا، فليس القائل منحصرا في العلّامة و فخر المحققين. قال في جامع المقاصد: «و الأصحّ أنّ الفضولي موقوف غير باطل ..

و كذا الغاصب، أي: حكم الغاصب كالفضوليّ، و هو أصحّ الوجهين، و إن احتمل الفساد، نظرا إلى القرينة الدالّة على عدم الرضا، و هي الغصب» «3». بناء على إرادة عموم الحكم لما إذا باع الغاصب لنفسه أو للمغصوب منه حتى ينطبق على ما نحن فيه، و هو البيع للمالك مع نهيه عنه.

لكنّك خبير بما في النسبة، فإنّ صريح كلام المحقق الكركي: «و هو أصحّ الوجهين» إلحاق الغاصب مطلقا بالفضولي، و عدم بطلانه، و إنّما احتمل عدم الصحة، و لعلّ مورد البطلان بيع الغاصب لنفسه، لكونه الغالب، لا للمالك.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 125، السطر 38.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، 125- 127، قواعد الأحكام، ج 2، ص 360، كقوله: «و لو خالفه في البيع وقف على الإجازة».

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 69.

ص: 526

و كيف (1) كان فهذا القول لا وجه له ظاهرا، عدا تخيّل أنّ المستند في عقد الفضوليّ هي رواية عروة المختصّة بغير المقام (2).

______________________________

(1) يعني: سواء تمّت نسبة البطلان إلى العلّامة و غيره أم لم تتمّ، فهذا القول- و هو بطلان عقد الفضولي بسبق منع المالك- لا وجه له ظاهرا .. إلخ.

و غرضه الإشارة إلى ما اعتمد عليه القائل ببطلان بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك، و هو ظاهر كلام الفاضل النراقي، فإنّه قدّس سرّه ألحق بيع الغاصب بالفضولي، سواء باع لنفسه أو للمالك «1»، ثم قال في فرع آخر: «فيعلم أنّ من يقتصر في دليل الخروج- أي عن أصالة بطلان بيع ما لا يملك- بخبر البارقي و نحوه يجب أن لا يصحّ عنده بيع الغاصب .. و يلزمه أيضا عدم إفادة الإجازة في صحة الفضولي إذا ردّه المالك أوّلا .. و فيما علم البائع الفضولي عدم رضا المالك حين العقد و إن جوّز الرضا بعد ذلك» «2».

و المقتصر على الاستدلال- بالأخبار- بخصوص خبر عروة هو مثل العلّامة «3».

و يكون حاصل إشكال صاحب المستند عليه هو: أنّ مورد خبر عروة- الدال على صحة عقد الفضولي- مختص بصورة عدم النهي، بل مع رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بما صنعه عروة، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له: «بارك اللّه في صفقة يمينك» فلا دليل على صحة الفضولي مع نهي المالك، فلا محيص حينئذ عن القول بالفساد، لأصالة الفساد الجارية في العقود.

و لا يخفى أنّ مقتضى التخيّل المزبور اختصاص صحّة الفضوليّ بصورة رضا المالك.

(2) المراد بالمقام هو سبق نهي المالك.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 278.

(2) المصدر، ص 279 و 280.

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 54، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 462 و 486 و ج 2، ص 127، التنقيح الرائع، ج 2، ص 25.

ص: 527

و أنّ (1) العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع (2) الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرّد، فلا ينفع الإجازة اللاحقة، بناء على (3) أنّه لا يعتبر في الردّ سوى عدم الرضا الباطني بالعقد، على ما يقتضيه (4) حكم بعضهم (5) بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي

______________________________

(1) معطوف على «أنّ المستند» و حاصله: أنّ البطلان في صورة نهي المالك- و عدم إمكان تصحيحه بالإجازة اللّاحقة- مبني على كفاية عدم الرضا الباطني في ردّ العقد، و عدم تصحيحه بإجازة المالك، و عدم حاجة الرد إلى الإنشاء.

(2) جواب الشرط في «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «ان العقد».

(3) هذا البناء يستفاد من عبارة الفاضل النراقي المتقدمة. مضافا إلى دلالة حكم جماعة- في فرع الوكالة- عليه كما سيأتي قريبا.

(4) أي: ما يقتضي عدم اعتبار شي ء في الردّ سوى كراهة العقد باطنا.

(5) كالمحقق و العلّامة و المحقق و الشهيد الثانيين، قال في القواعد: «فلو ادّعى المشتري النيابة، و أنكر الموكّل قضي على المشتري بالثمن .. إلّا أن يذكر في العقد الابتياع له، فيبطل» «1».

و قال المحقق الكركي في شرحه: «لو ادّعى المشتري لشي ء أنّه وكيل لزيد في ذلك الشراء، و أنكر زيد- المدّعى عليه- الوكالة، حلف، و اندفع الشراء عنه ظاهرا، سواء اشترى بعين من نقد و غيره، أو في الذمة. لكن يستثنى من ذلك ما إذا ذكر في العقد الابتياع لزيد، فإنّه يبطل ظاهرا .. إلخ» و حاصل هذا الفرع أنّ عقد البيع يبطل- و لا يقع للموكّل و لا للوكيل- فيما إذا صرّح الوكيل بأنّه قصد الشراء لموكّله لا لنفسه، و أنكر الموكّل و حلف على نفي الوكالة.

هذا ما ذكروه. و غرض المصنف قدّس سرّه من نقله الاستشهاد لمثل مقالة الفاضل النراقي قدّس سرّه من أنّ الردّ الموجود حال العقد كاف في بطلان بيع الغاصب، و لا حاجة

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 205، قواعد الأحكام، ج 2، ص 367، جامع المقاصد، ج 8، ص 293 مسالك الأفهام، ج 5، ص 300، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 632.

ص: 528

الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد، لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا (1)، هذا.

و لكنّ الأقوى عدم الفرق (2)، لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة (3)، و كفاية (4) العمومات. مضافا (5) إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمّد بن قيس «1».

______________________________

إلى إنشاء ردّ جديد بعد العقد الذي أنشأه الفضول، كما أنّ إنكار الوكالة كاف في بطلان العقد الذي أنشأه الوكيل، و لا حاجة إلى إنشاء ردّ جديد، كما لا تنفعه إجازته بعد الإنكار لو أجاز الموكّل عقد الوكيل.

(1) يعني: فمجرّد عدم الرضا كاف في الردّ و انحلال العقد، و لا يحتاج الرّدّ إلى الإنشاء.

هذا كلّه في توجيه القول بالبطلان، و سيأتي الخدشة فيه، و تقوية صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(2) بين هذه المسألة- و هي عقد الفضولي مع سبق منع المالك- و المسألة السابقة، و هي عدم منع المالك، فحكمهما واحد و هو الصحة مع إجازة المالك.

(3) حتى يقال: إنّ موردها رضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو عدم النهي، فلا تدلّ على الصحة مع نهي المالك، فيحكم بفساده لأصالة الفساد.

(4) معطوف على «عدم انحصار» يعني: و لكفاية العمومات في الصحة، و هي الأدلّة العامّة كأوفوا بالعقود و أحلّ اللّه البيع و نحوهما. و هذا أوّل الوجوه على صحة بيع الفضولي المسبوق بمنع المالك.

(5) هذا وجه آخر لصحة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك، و محصّله: أنّ عدم الاذن يشمل النهي و عدمه. حيث إنّ الامام عليه السّلام لم يستفصل من سيّد الوليدة أنّه نهى ولده عن بيع الوليدة قبل مسافرته أم لا، و ترك الاستفصال يفيد عموم الحكم بإجازة المالك في كلتا صورتي نهي المالك قبل البيع و عدمه.

______________________________

(1) المتقدمة في ص 388.

ص: 529

و جريان (1) فحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن مولاه، مع ظهور المنع فيها (2) و لو بشاهد الحال بين الموالي و العبيد.

مع (3) أنّ رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد حينئذ (4).

______________________________

لكن في استفادة العموم بترك الاستفصال هنا إشكال كما مرّ في التعليقة (في ص 395).

(1) بالجرّ معطوف على «ترك الاستفصال» و محصّله: أنّ صحة نكاح العبد بدون إذن مولاه- بعد إجازة السيّد له- تدلّ بالأولويّة على صحة عقد الفضولي في سائر الموارد، مع كون أمر النكاح ممّا أكّد فيه الاحتياط الشديد.

و الظاهر ابتناء هذا الوجه على تسليم أولويّة البيع بالصحة من النكاح، كما عليه بعض على ما تقدّم (في ص 410) و إلّا فبناء على مختار المصنف من الخدشة في الفحوى لا يبقى مجال للاستدلال بها على صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك.

(2) الظاهر رجوع الضمير إلى «أدلة» لكن الأولى تذكيره، لرجوعه إلى «نكاح» لأنّ الحال تشهد بمنع المولى عبده عن التزويج بدون إذنه. و هذا أمر عادي خارجي، و أدلة النكاح واردة على هذا الأمر العادي المتعارف بين الموالي و العبيد، و ليس داخلا في الأدلة حتى ينسب إليها.

(3) هذه هي العمدة في استفادة صحة الفضولي مع نهي المالك، فإنّ التعليل بقوله عليه السّلام: «بأنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيّده» يدلّ على كبرى كلّية، و هي: أنّ عصيان المخلوق يجبر برضاه، دون عصيان الخالق، فإنّه لا يجبر بشي ء، فلا محيص عن لغويّته و عدم ترتيب أثر الصحة عليه، فإنّ هذه العلة بمنزلة العلة المنصوصة المنطبقة على جميع العقود التي تجري فيها معصية المخلوق كالبيع و غيره، فنهي المالك عن بيع ماله أو عدم رضاه به معصية ترتفع برضاه الحاصل بعد العقد.

(4) أي: حين إجازة السيد. و ضمير «إجازته» راجع إلى نكاح العبد.

ص: 530

مع جريان المؤيّدات المتقدّمة له، من بيع مال اليتيم، و المغصوب (1)، و مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال، الصريح (2) في منعه عمّا عداه (3).

و أمّا (4) ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما، فلم (5) يدلّ دليل على

______________________________

(1) قد يناقش فيه بأنّه لم يتقدم من المصنف شي ء في المغصوب حتى يصحّ عطفه على مال اليتيم.

إلّا أن يكون مراده من المغصوب ما ورد في رواية مسمع أبي سيار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الودعي الذي جحد الوديعة و اتّجر بها مدّة مديدة، ثم جاء بعد سنين إلى المودع برأس المال و بالربح، فقال له عليه السّلام: «خذ نصف الربح منه، و أعطه النصف و حلّله، إن هذا رجل تائب و اللّه يحب التوابين» «1» بناء على أنّ قبول الربح إجازة للمعاملات الواقعة على المال في تلك المدة المديدة، فيكون من إجازة المغصوب.

و لا ريب في كون الوديعة غصبا بيد الودعي المنكر لها.

(2) صفة للموصول في «لما اشترط» و ضمير «منعه» راجع إلى العامل.

(3) قد تقدّم الكلام في هذه الأمور و غيرها في أدلة صحة عقد الفضولي، و أنّها خارجة عن عقد الفضولي، فراجع (ص 436 و 443 و غيرهما).

(4) هذا إشارة إلى ضعف ما استدلّ به القائل ببطلان عقد الفضولي للمالك- مع سبق منع منه- بقوله قبل أسطر: «و أنّ العقد إذا وقع منهيّا عنه فالمنع الموجود بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد .. إلخ» و محصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في رده و عدم صلاحيته للمانعية عمّا يقتضي صحة عقد الفضولي- مع سبق منع المالك- هو عدم الدليل على كفاية منع المالك الباقي بعد العقد و لو آنا ما في الرد حتى لا تنفعه إجازة المالك.

و بعبارة أخرى: مجرّد عدم الرضا الباطني المستكشف من منع المالك لا يكفي في الردّ.

(5) جواب «و أمّا ما ذكره» و ضمير «كونه» راجع إلى منع المالك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 235، الباب 10 من أبواب الوديعة، الحديث 1، و تقريب الاستدلال بهذه الرواية مذكور في المقابس، ص 24، فراجعه إن شئت الوقوف عليه.

ص: 531

كونه فسخا لا ينفع (1) بعده الإجازة.

و ما ذكره في حلف الموكّل غير مسلّم (2). و لو سلّم (3) فمن جهة ظهور الإقدام على الحلف على ما أنكره في (4) ردّ البيع و عدم تسليمه (5) له.

و ممّا ذكرنا (6) يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، و أنّ كراهة المالك حال العقد و بعد العقد لا تقدح في صحته إذا لحقه الإجازة [1].

______________________________

(1) للإجماع المدّعى على عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، لزوال العقد بالفسخ، فلا يبقى شي ء في وعاء الاعتبار حتى يتعلّق به الإجازة و الإمضاء.

(2) يعني: أنّ ظهور عدم الرضا في الردّ ممنوع، لإمكان أن يكون غرضه مجرّد نفي الوكالة عليه خاصّة و إن رضي به و أجازه.

(3) يعني: و لو سلّم ظهور عدم الرضا في الرّد، لكنّه ليس لأجل مجرّد الكراهة الباطنية، بل الكراهة الباطنية التي أظهرت بالإقدام على الحلف، و الكراهة الباطنية التي لا تجدي في الرد هي التي لم ينصب عليها مظهر.

(4) متعلّق ب «ظهور».

(5) المصدر مضاف إلى الفاعل، أي: عدم تسليم الموكّل لما أنكره من الوكالة في شراء شي ء.

(6) يعني: من عدم كون مجرّد الكراهة الباطنية ردّا يظهر وجه صحة عقد المكره بالرضا اللّاحق.

______________________________

[1] قد عرفت أنّ المسألة عند القائلين بصحة الفضولي ذات قولين، أحدهما:

الصحة مطلقا، و إن منع المالك عن البيع. و ثانيهما: صحته بشرط عدم المنع.

و تحقيق الحق يتوقّف على التكلم في مقامين: الأوّل فيما يقتضي صحة العقد، و الثاني فيما يمكن أن يكون مانعا عن الصحة.

أمّا المقام الأوّل فتفصيل الكلام فيه: أنّه تارة يستند صحة عقد الفضولي إلى العمومات، مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحوهما، إذ لا ريب في شمولها له بعد إجازة المالك الموجبة لإضافة العقد إلى المالك، و لا فرق في ذلك بين سبق منع المالك

ص: 532

______________________________

و عدمه، إلّا توهّم مانعية الكراهة المقارنة للعقد وجدانا أو استصحابا المستكشفة من المنع. و سيأتي إن شاء اللّه تعالى في المقام الثاني بيان عدم مانعيته.

و اخرى تستند إلى الأدلة الخاصة كرواية عروة البارقي المتقدمة، و صحيح محمد بن قيس المتقدم. لكن خبر عروة ظاهر في رضا النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فتختص صحة عقد الفضولي بصورة رضا المالك، فلا بدّ من الاقتصار في الحكم بصحة الفضولي على صورة رضا المالك، مع عدم اقتصارهم عليها، فلا يكون دليلا على صحته مطلقا حتى يدلّ على الصحة و لو مع نهي المالك. و لو فرض عدم رضاه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكنه لم ينه البارقي.

فعلى كلّ حال لا يكون خبر عروة دليلا على مسألة صحة عقد الفضولي مع سبق منع المالك. و صحيح محمّد بن قيس لا يدلّ أيضا على الصحة في مسألتنا، لأنّ ظاهر قول أبي البائع: «إنّ وليدتي باعها ابني بغير إذني» هو عدم سبق النهي عن بيع الوليدة، و إلّا كان الأنسب في مقام الاحتجاج ذكر النهي عن البيع، لأنّه أدخل في الإنكار و الاحتجاج على عدم الصحة.

فدعوى «دلالة- باعها بغير إذني- على الأعم من النهي و عدمه» غير مسموعة، فإنّ مفهوم عدم الإذن عدمي، و هو نفي الترخيص. و مفهوم المنع وجودي و هو الزجر عن الوجود، فلا يتحد المفهومان حتى يدلّ أحدهما على الآخر و إن اجتمعا موردا.

كما أنّ دعوى دلالته على العموم بسبب ترك الاستفصال «حيث إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بعد مخاصمة المالك الأوّل للمشتري لم يستفصل عن مالك الوليدة عند إرادة السفر أنّه نهى ابنه عن بيع الوليدة أم لا. و عدم الاستفصال يعمّ الحكم كلا القسمين، و هما صورتا نهي المالك و عدمه» غير ظاهرة، لأنّ ظهور قوله: «باعها بغير إذني» كما مرّ آنفا في عدم سبق النهي مانع عن التمسك بترك الاستفصال، لانصراف الجواب إلى ما هو ظاهر السؤال. و مع هذا الظهور لا مجال للتشبث بترك الاستفصال على العموم الذي هو كالأصل بالنسبة إلى الدليل.

ص: 533

______________________________

فترك الاستفصال يفيد العموم فيما يكون السؤال محتملا لمعنيين مختلفين حكما بحسب الاحتمال، كما إذا قال: «حكم المجتهد العادل نافذ» و كان الحكم محتملا للفتوى و الحكم في الوقائع الجزئية، و فرض عدم ظهور الحكم في خصوص باب القضاء، فإنّه يحكم بعموم الحكم لكلّ من الفتوى و الحكم.

ثمّ إنّ ظهور قوله: «باعه بغير إذني» في عدم نهي المالك مستند إلى نفس اللفظ عرفا، لا إلى أمر عادي حدسيّ، فلا يقال: إنّ ظهور قوله: «بغير إذني» حدسيّ، و لا يوجب ذلك انصراف الجواب إليه. و عليه فدعوى التمسك بترك الاستفصال للعموم في غير محلها.

و بالجملة: فلا تدلّ صحيحة ابن قيس على صحة عقد الفضوليّ مع سبق نهي المالك، بل تدلّ على صحّته مع عدم إذن المالك في البيع.

نعم لا بأس بالاستدلال على صحة عقد الفضولي للمالك- مع سبق منع منه- بالتعليل الوارد في نكاح العبد بدون إذن السيد، فإنّ المستفاد منه أنّ النكاح لمّا كان بذاته ممّا شرّعه الشارع و لم يكن غير مشروع في نفسه- كنكاح المحارم الذي هو معصية اللّه تعالى- بل كان معصية للسيد، لكونه وليّ أمر نكاح عبده، و من المعلوم أنّ عصيان السيّد ممّا يمكن رفعه بإجازته و رضائه بعد كراهته، فلا مانع من صحته بإجازة السيد، سواء أ كان مسبوقا بنهي السيد أم لا، لأنّ نهيه لا يجعل النكاح غير مشروع ذاتا، بل غايته إناطة نفوذه بإجازته، و لا يوجب نهيه شيئا زائدا على حقّ سيادته الموجب لتوقّف نفوذ النكاح على إجازته.

نعم بناء على كون النّهي و الرّضا الباطني ردّا للعقد- بحيث يكون مانعا عن لحوق الإجازة به و عن نفوذه بها- يسقط العقد عن قابليته للنفوذ بسبب الإجازة، و يصير لغوا.

لكن فيه كلام سيأتي في المقام الثاني إن شاء اللّه تعالى.

ص: 534

______________________________

فتلخّص من جميع ما ذكرنا وجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي مع سبق نهي المالك، فإنّ في العمومات و عموم التعليل في نكاح العبد كفاية في إثبات المقتضي للصحّة في كلّ عقد مشروع بذاته، و منوط نفوذه برضا المخلوق و إجازته، فإنّ هذا التعليل كالعلّة المنصوصة، فمقتضاها هو صحة كلّ عقد مشروع بذاته بإجازة من لإذنه أو إجازته دخل شرعا في نفوذه، سواء أ كان نكاحا أم بيعا أم صلحا أم غيرها من العقود.

و هذا التقريب غير الأولوية التي تقدّمت في أدلة صحة عقد الفضولي حتى يرد عليها: أنّ الأولوية تقتضي كون البيع أصلا و النكاح فرعا، و الحكم في الفرع- كالضرب- لا يستلزم ثبوته في الأصل و هو التأفيف. فيمكن أن يحرم الضرب دون التأفيف. و في المقام يمكن أن يصحّ بالإجازة النكاح الفضولي الذي هو الفرع، دون بيع الفضولي الذي هو الأصل. و قد مرّ سابقا الإشكال في هذه الأولوية.

لكن مع ذلك ليس المقام من هذا القبيل، بل من قبيل تعليل حرمة الخمر «بكونه مسكرا» في أنّ تعدية الحرمة إلى سائر المسكرات ليست للأولويّة، بل لأجل فرديّتها لعنوان كلّيّ وقع في حيّز الحرمة.

و الحاصل: أنّ تعليل النكاح بعصيان السيد من سنخ العلّة المنصوصة، و الحكم ثابت في جميع العقود من باب انطباق الكلّيّ- الذي هو موضوع الحكم- عليها عرضا، لا طولا حتى تصل النوبة إلى الأولويّة. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.

و أمّا المقام الثاني- و هو البحث عن وجود المانع عن مقتضي صحّة عقد الفضوليّ مع سبق منع المالك و عدمه- فمحصّل الكلام فيه: أنّه يمكن أن يستند المنع عن صحة هذا البيع تارة إلى أنّه إذا كان الردّ بعد العقد مانعا عن صحته بالإجازة كان النهي عنه أولى بالمانعية، لأنّ الدفع أهون من الرفع.

و اخرى إلى: أنّ العقد مع النهي لا يضاف إلى المجيز بالإجازة، فكان النهي السابق

ص: 535

______________________________

على العقد يمنع عن خصوص الارتباط عرفا بين المجيز و العقد كالرّد.

و ثالثة إلى: أنّ النهي يكشف عن الكراهة الباطنية المتخللة بين العقد و الإجازة، و هذه الكراهة مانعة عن تحقق المعاقدة، كالكراهة المتخللة من المشتري بين الإيجاب و القبول في كونها مانعة عن حصول المعاهدة و المعاقدة، هذا.

و في الجميع ما لا يخفى إذ في الأوّل أوّلا: منع الأولوية، لأنّ مانعية الرد ثبتت بالإجماع، و المتيقن منه- لكونه لبيّا- هو إنشاء الكراهة بأمر خارجي من قول أو فعل، و ليس دليلا لفظيا حتى يؤخذ بإطلاقه الحاكم بتحقق الردّ بالكراهة الباطنية المدلول عليها بالنهي السابق على العقد، الباقية إلى ما بعد العقد.

و ثانيا: كون الرّد عرفا كالفسخ في كون كلّ منهما حلّا للعقد، غاية الأمر أنّ الرد في عقد الفضولي حلّ لصحته التأهلية، و الفسخ حلّ لصحته الفعلية، إذ في موارد الخيار يفسخ ذو الخيار العقد الصحيح الفعلي، فلا يصدق الرّد إلّا على حلّ العقد الموجود، فقبل وجوده لا معنى لردّه أي حلّه.

و بالجملة: فالكراهة الباقية إلى زمان تحقق العقد لا تكون ردّا للعقد.

و في الثاني: أنّ النهي لا يقطع الارتباط بين العاقد و المجيز، لما يرى كثيرا من نهي التجار للدلّالين عن معاملة خاصة، و لكنهم يجيزونها بعد وقوعها لمصلحة، فلو لم يكن ارتباط بين المجيز و العقد لم يكن مورد للإجازة التي هي تنفيذ العقد الموجود.

و في الثالث: عدم منعه عن حصول المعاقدة عرفا، لما يرى كثيرا من نهي التجار الدلّالين عن معاملة خاصّة، و بعد وقوعها بمضمونها، لكونها مصلحة لهم.

و بالجملة: فالنهي لا يسقط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به.

و يمكن تقريب المطلب بوجه آخر، و هو: أنّ المانع المتوهم إمّا أن يكون نفس النهي، و إمّا أن يكون المنكشف به، و هو الكراهة الباطنية. و على التقديرين إمّا أن تكون

ص: 536

______________________________

المانعية لأجل صدق الردّ عليهما، و إمّا أن يكون لأجل عدم صدق العقد على هذا العقد المسبوق بنهي المالك. و الأوّل و هو الرّد مانع، و الثاني و هو عدم صدق العقد دافع.

و إمّا أن يكون لقطع الارتباط بين العقد و المجيز، فالأقسام ستة:

القسم الأوّل: أن يكون النهي مانعا، لكونه ردّا، و الحكم فيه عدم صدق الرّد عليه، لأنّ الرّد كالفسخ حلّ للعقد و هدم له، غايته أنّ الفسخ حلّ للعقد المؤثّر الفعلي، فإنّ الخيار ثابت له و رافع لأثره، و الرّد حلّ للعقد المؤثر التأهّلي، فلا بدّ أن يكون هناك عقد حتى يرد عليه فسخ أو ردّ. ففي المقام لا وجود للعقد حتى يكون النهي ردّا له.

و بقاء النهي وجدانا أو استصحابا إلى آن بعد العقد و إن كان ممّا لا إشكال فيه، إلّا أنّه لا دليل على كونه ردّا شرعا.

القسم الثاني: أنّ يكون النهي مانعا عن صدق المعاقدة و المعاهدة، فالنهي مانع عن تحقق الموضوع و هو العقد، و بدونه لا موضوع للإجازة، فالنهي في هذا القسم دافع، و في القسم الأوّل رافع. و الحكم في هذه الصورة كسابقتها، فإنّ العرف لا يساعد على دلالة النهي على كونه مانعا عن صدق العقد، فإنّ كثيرا من التجّار ينهون الدلّالين عن معاملات، و بعد وقوعها يمضونها لمصالح راجعة إليهم.

و كذا الحكم في القسم الثالث- و هو كون النهي قاطعا للارتباط بين العقد و المجيز- فإنّ العرف لا يساعده، بل العمل على خلافه.

القسم الرابع: أن يكون عدم الرضا الباطني مانعا، لكونه ردّا للعقد، و الحكم فيه عدم الردّ، إذ المتيقن من الدليل اللبّي للرّد- أعني به الإجماع- هو الكراهة المبرزة بمبرز خارجي من قول أو فعل، كما هو المسلّم في الفسخ، فإنّ الكراهة النفسانية بدون المظهر الخارجي لا تكون فسخا و لا ردّا، و إلّا لم يكن وجه لصحة عقد المكره برضاه بعد العقد.

و لو شكّ في كونها ردّا فلا مانع من استصحاب العقد.

ص: 537

______________________________

القسم الخامس: أن تكون الكراهة الباطنية مانعة عن تحقق العقد، و بدون تحققه لا موضوع للإجازة و الرد. و الحقّ فيه أيضا عدم كونها مانعة عن صدق العقد كما في عقد المكره و المكره بالحق.

و كذا الحكم في القسم السادس، و هو انقطاع الارتباط بسبب هذه الكراهة بين المجيز و العقد كما هو المشاهد من أعمال العرف في معاملاتهم.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ عقد الفضولي مع نهي المالك صحيح كالصورة الأولى، و نهي المالك و كراهته الباطنية لا يمنعان الصحة، و اللّه العالم.

ص: 538

[المسألة الثالثة: بيع الفضولي لنفسه]
اشارة

المسألة الثالثة (1) أن يبيع الفضولي لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب، و قد يتّفق من غيره بزعم ملكية المبيع، كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة «1» في الإقالة بوضيعة (2).

______________________________

المسألة الثالثة: بيع الفضولي لنفسه

(1) و هي ثالثة المسائل الثلاث التي ذكرها المصنّف قدّس سرّه بقوله: «فهاهنا مسائل ثلاث» و هذه المسألة هي: أن يبيع الفضولي لنفسه- لا للمالك- كما هو الغالب في بيع الغاصبين، و النادر في بيع غيرهم كمن يعتقد بكون المبيع ملكه. بل هو غير نادر أيضا كالبيوع الفاسدة المبنيّة على الأمارات كاليد و السوق، و الأصول كالاستصحاب و أصالة الصحة و غيرها، فإنّ البائعين في هذه الموارد يبيعون لأنفسهم باعتقاد ملكية المبيع لهم.

(2) تقدّم تأييد صحة بيع الفضولي بهذه الصحيحة، و موردها بيع الفضولي لنفسه باعتقاد كونه مالكا، مع عدم صدق الاعتداء و الغصب على بيعه، و ذلك لأنّ بائع الثوب يزعم جواز إقالة المشتري بوضيعة من الثمن فيقيله، ثم يبيع الثوب من

______________________________

(1) تقدمت في ص 453.

ص: 539

و الأقوى فيه (1) الصحة، وفاقا للمشهور (2)،

______________________________

شخص آخر بأزيد ممّا أقال به المشتري الأوّل، ففي هذا البيع الثاني تجتمع أمور:

أحدها: صدق «الفضولي» على البائع، لكون المبيع- و هو الثوب- باقيا على ملك المشتري الأوّل.

ثانيها: أنّ البائع الفضولي قصد وقوع البيع لنفسه حتى يتملّك الثمن الزائد على مورد الإقالة.

ثالثها: عدم صدق «الغاصب» على هذا البائع، لجهله ببطلان الإقالة، و زعمه تملكه للثوب مرّة أخرى بقبول الاستقالة بوضيعة، مع أن المفروض فسادها واقعا.

(1) أي: في بيع العاقد الفضولي لنفسه.

(2) كما في المقابس، حيث قال: «و قد أطلق كثير من الأصحاب أنه يقف على الإجازة كغيره. منهم العلامة في بيع المختلف و غصب التحرير و بيع التذكرة و القواعد و غصبهما، و الشهيد و السيوري و الصيمري و الكركي. و اختاره فخر الإسلام بناء على صحة الفضولي، و هو قضية إطلاق الباقين و اللّازم من فتاواهم في مسألة ترتيب مسلسلة العقود على أحد العوضين» «1».

و هنا قولان آخران:

أحدهما: عدم الصحة مطلقا.

و الثاني: التفصيل بين الغاصب و غيره كما عن ابن إدريس، فإنّ المحكي عنه نفي الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا كان بعين المغصوب.

بل هنا تفصيل آخر منسوب إلى العلّامة و ولده و الشهيد و قطب الدين، و هو التفصيل بين علم المشتري بالغصبية و جهله بها. فالأقوال في المسألة أربعة: الصحة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 31.

ص: 540

للعمومات المتقدمة (1) بالتقريب المتقدم. و فحوى (2) الصحة في النكاح، و أكثر ما تقدم من المؤيّدات (3)

______________________________

مطلقا، و البطلان كذلك، و هذا التفصيلان.

(1) و هي العمومات الأوّلية ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و آية تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و غيرهما.

(2) و هي الأولوية المستفادة من الروايات الواردة في نكاح الفضولي في الحرّ و العبد «1» إذ يستفاد منها قابلية البيع الفضولي للصحة الفعلية بالإجازة، و لا فرق فيها بين أن يقصد الفضولي وقوع العقد للمالك كما هو مفروض المسألة الاولى، و بين أن يقصد وقوعه لنفسه كما في هذه المسألة الثالثة.

(3) تقدمت هذه المؤيّدات في المسألة الأولى بقوله: «ثم إنّه ربما يؤيّد صحة الفضولي- بل يستدل عليها- بروايات كثيرة وردت في مقامات خاصة .. إلخ» فراجع (ص 427) و ما بعدها.

و التعبير «بالأكثر» هنا من جهة ظهور بعض تلك المؤيّدات في أنّ قصد الفضولي إنشاء البيع لنفسه، لا للمالك، كما في صحيحة الحلبي الواردة في مسألة بيع الثوب. و كذا ما ورد في الودعي الذي جحد الوديعة و اتّجر بها، ثم جاء بعد مدّة بالربح و برأس المال و استحلل من المودع، لظهوره في كونه قاصدا- في تلك المدة- لوقوع المعاملة لنفسه و تملّكه للثمن.

و أمّا غير هذين الموردين فمقتضى إطلاقها صحة بيع الفضولي بالإجازة، سواء قصد وقوع البيع لنفسه أو للمالك، كما في الاتجار بمال اليتيم، و مخالفة العامل لما عيّنه ربّ المال في عقد المضاربة و نحوهما.

______________________________

(1) تقدمت روايات المسألة في ص 407- 408، فراجع.

ص: 541

مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة (1).

و لا وجه للفرق بينه (2) و بين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك إلّا وجوه تظهر من كلمات جماعة، بعضها مختصّ ببيع الغاصب، و بعضها مشترك بين جميع صور المسألة (3) [1].

______________________________

(1) المتضمنة لبيع الوليدة بدون إذن سيّدها، لاحتمال انطباقها على المقام، و هي بيع الفضولي لنفسه لا للمالك، فإنّ إقدام الولد على بيع الوليدة في غيبة أبيه- و بدون إذنه- يكون قرينة على قصد تملكه للثمن و التصرف فيه.

كما يحتمل الإطلاق، يعني: سواء قصد الولد البيع لنفسه أم لأبيه.

و على كلّ من الاحتمالين يكون مناط الاستدلال بهذه الصحيحة ظهور كلامي الإمامين الأمير و الباقر عليهما السّلام في أنّ للمالك إجازة العقد الواقع على ماله، سواء أ كان قصد العاقد وقوعه للمالك كما كان في المسألة الأولى، أم لنفسه كما في المسألة الثالثة.

(2) أي: بين بيع الفضولي لنفسه- الذي هو مورد البحث- و بين ما تقدّم من بيع الفضولي للمالك. فكما تمّ المقتضي للصحة في المسألة الأولى، فكذا في المقام. نعم لا بدّ من دفع ما يحتمل كونه مانعا عن الصحة، و هو وجوه خمسة سيأتي بيانها.

(3) و هي الصور الثلاث التي ذكرها المصنّف قدّس سرّه في تصوير عقد الفضولي، من بيع الفضولي للمالك مع سبق نهي من المالك، و من بيعه للمالك بدون سبق نهي منه، و من البيع لنفسه.

______________________________

[1] ينبغي التكلم هنا في مقامين أيضا: الأوّل في وجود المقتضي للصحة و عدمه، و الثاني في وجود المانع و عدمه.

أمّا المقام الأوّل فمحصله: أنّه لا قصور في شمول العمومات المتقدمة مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و نحوهما لعقد الفضولي لنفسه.

مضافا إلى صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة (في ص 388) الدالة بترك

ص: 542

[الأدلة المانعة من صحة هذا النوع]
[منها: إطلاق ما تقدّم من النبويين]

منها (1): إطلاق ما تقدّم من النبويين «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك»

______________________________

و الوجوه المذكورة خمسة. و المختص منها ببيع الغاصب هو الثاني و الثالث و الرابع، و الوجه الأوّل إن قيل بإطلاق النهي فيه- سواء قصد الفضولي الإنشاء للمالك أم لنفسه- فهو من الوجوه العامة لبطلان بيع الفضولي في المسائل الثلاث. و إن قيل بتقييد الإطلاق و اختصاص مورد النهي بالبيع لنفسه كان مختصا بهذه المسألة الثالثة. و الوجه الخامس جار في المسائل الثلاث، و هو ما سيأتي نقله عن العلّامة قدّس سرّه في (ص 576): «لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر، فإشكال، ينشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1» بتقريب: أنّ المشتري الجاهل بفضولية العاقد- سواء باع للمالك أم لنفسه- قاصد لتمليك الثمن للفضولي، لا لمالك المثمن، فيحصل التخلف في القصد «2».

(1) أي: و من تلك الوجه التي ذكرت مانعة عن صحة بيع الفضولي لنفسه.

و حاصل هذا الوجه هو: أنّ إطلاق النبويين المذكورين يشمل بيع الفضولي لنفسه كما يشمل بيعه لغيره، فإنّ النهي عن بيع مال الغير- و كذا عدم صحة بيع مال الغير- مطلق يشمل كليهما.

______________________________

الاستفصال على بيع الفضولي لنفسه، فإنّ قول السيد: «وليدتي باعها ابني بغير إذني» يشمل بيع الابن الوليدة لنفسه أو لوالده الذي هو مالك الوليدة.

و هذه الصحيحة تدل على صحة الفضولي في هذه المسألة الثالثة و المسألة الاولى و هي بيع الفضولي للمالك بدون سبق منع منه، دون المسألة الثانية و هي بيع

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463

(2) تقدم مصدرهما في ص 486 و 487، فراجع.

ص: 543

..........

______________________________

و قول المصنف: «بناء على اختصاص مورد الجميع .. إلخ» يراد به وجه الفرق بين هذه الصورة- و هي بيع الفضولي لنفسه- و بيع الفضولي للمالك. و حاصل وجه الفرق هو: أنّ إطلاق النبويين و إن كان مقتضيا لبطلان البيع في كلتا الصورتين و عدم وقوعه، لا عن المالك و لا عن الفضولي. إلّا أنّ إخراج عدم وقوعه للمالك عن الإطلاق- و البناء على وقوعه له- بما دلّ على صحته له لا محذور فيه. بخلاف إخراج

______________________________

الفضولي للمالك مع سبق منع منه، لما مرّ من عدم شمول الصحيحة لها.

و إلى: عموم التعليل الوارد في نكاح العبد و الحرّ، و هو عدم عصيان اللّه تعالى، إذ المستفاد منه هو: أن المدار في الفساد على عصيانه سبحانه و تعالى، و كون العقد جاريا على خلاف القانون الإلهي. و ليس مناط فساد العقد ضياع حقّ الخلق و عدم رعايته، فإذا أجاز صاحب الحق نفذ العقد و صحّ.

و أما المقام الثاني- و هو وجود المانع عن صحة عقد الفضولي لنفسه و عدمه- فقد ذكر المصنّف قدّس سرّه فيه وجوها:

منها: النبويان المذكوران في المتن. و أوّل الإشكال عليهما هو ضعف السند، لأنّهما نبويّان عامّيان، و لم يظهر استناد الأصحاب إليهما.

و منها: كون منع المالك حين إنشاء الفضولي للعقد و بقائه بعد العقد آنا ما مانعا عن صحته و ردّا له.

و جوابه: أنّ هذا المنع لا يكون ردّا للعقد، لعدم دليل شرعا على كونه ردّا، و لا مانعا عن انعقاده، لعدم مساعدة العرف عليه، إذ لو أجازه المالك صحّ العقد و ترتّب عليه الأثر، و لو لم ينعقد العقد لم يكن مورد للإجازة. و لو شك في ردّه بعد انعقاده فلا مانع من استصحابه و صحته بإجازة المالك.

ص: 544

بناء (1) على اختصاص مورد الجميع

______________________________

بيع الفضولي عن الإطلاق المزبور، و البناء على صحته، لاستلزامه إخراج المورد عن الإطلاق، و هو غير صحيح. و هذا هو الفارق بين هاتين الصورتين.

و بعبارة اخرى: انّ مفاد «النهي عن بيع ما ليس عندك» بطلان بيع غير المالك، سواء باع هذا الغير للمالك أم لنفسه، فالبيع الفضولي فاسد مطلقا. إلّا أنّه لا سبيل للأخذ بهذا الإطلاق، لما تقدم في المسألة الاولى من وجود المقيّد، و هو أدلة صحة البيع الفضولي و وقوعه للمالك المجيز، و حينئذ لا بدّ من رفع اليد عن هذا النبوي بأحد وجهين: إمّا بالالتزام بالصحة مطلقا، و إما بالتفصيل بالالتزام بالصحة فيما لو باع للمالك، و بالفساد فيما لو باع لنفسه.

و المتعيّن هو الوجه الثاني، و ذلك لأنّ مورد النهي في رواية حكيم بن حزام هو بيع مال الغير لنفسه على ما مرّ في المسألة الاولى. فلو قلنا بصحة بيع الفضولي القاصد لوقوعه للمالك و بفساد فرد آخر من بيع الفضولي و هو المقصود وقوعه لنفسه لم يلزم محذور. و هذا بخلاف ما لو قلنا بصحة بيع الفضولي مطلقا حتى بقصد وقوعه لنفسه، فإنّه يستلزم خروج المورد- و هو البيع لنفسه- عن إطلاق النهي عن بيع ما ليس عندك. و قد تقرّر في الأصول امتناع إخراج المورد عن الدليل.

و وجه الاستلزام واضح، ضرورة اقتضاء أدلة الصحة ترتب الأثر على مطلق البيع الفضولي بإجازة المالك سواء باع لنفسه أم للمالك، و المفروض كون مورد النبوي النهي عن بيع شي ء لنفسه لم يملكه بعد.

و بهذا يتجه الاستدلال بالنبوي على فساد بيع الفضولي لنفسه، عملا بالنهي في مورده، و الاقتصار في الصحة على ما لو قصد وقوعه للمالك.

(1) ظاهر كلمة «بناء» توقف الاستدلال بالنبوي على اختصاص مدلوله ببيع الفضولي لنفسه، بحيث لو قيل بشمول إطلاق النهي للبيع للمالك لم يصح الاستدلال به

ص: 545

ببيع الفضولي لنفسه (1).

و الجواب عنه يعرف مما تقدم «1» من: أنّ مضمونهما (2) عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه غير المالك، بلا تعرّض فيهما لوقوعه و عدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز.

______________________________

على المقام و هو بطلان بيع الفضولي لنفسه. مع أنّ هذا الظاهر غير مراد قطعا، لكفاية إطلاق النهي في الحكم بالفساد سواء باع لنفسه أم للمالك.

فالصحيح- كما أفاده السيد قدّس سرّه «2»- عدم إرادة هذا التوقف، بل المراد اختصاص النبوي ببيع الفضولي لنفسه، لكونه مورده. و إطلاقه لما إذا باع للمالك أو لنفسه مقيّد بأدلة الصحة في ما لو باع للمالك.

و الحاصل: أن للنبوي تقديرا واحدا و هو الاختصاص بالبيع لنفسه، فليس له تقديران حتى يكون على تقدير إطلاقه أجنبيا عن المدّعى، و على تقدير اختصاصه دليلا عليه.

(1) كما في خبر حكيم بن حزام: «لا تبع ما ليس عندك» فإنّ مورد هذا النبوي- كما في التذكرة- هو: أن يبيع الفضولي عن نفسه، ثم يمضي ليشتريه من مالكه. و كذا النبوي الآخر: «لا بيع إلّا في ملك» لوقوعه في سياق تطليق منكوحة الغير عنه أو عتق مملوك الغير عنه، فيكون ظاهرا في البيع لنفسه.

(2) أي: مضمون النبويين. و حاصل الجواب: أنّ النبويين يدلّان على عدم وقوع بيع الفضولي لنفسه، و لا يدلّان على عدم وقوعه للمالك إذا أجاز. و هذا هو مورد البحث.

______________________________

(1) تقدم في ص 496.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 141.

ص: 546

[و منها: بناء المسألة على ما سبق]

و منها (1): بناء المسألة (2) على ما سبق (3) من اعتبار عدم سبق منع المالك.

و هذا (4) غالبا مفقود في المغصوب.

______________________________

و بعبارة أخرى: يحتمل في هذين النبويين وجهان، أحدهما: فساد بيع غير المالك، سواء قصد وقوعه للمالك أم لنفسه. و الاستدلال بهما على المقام منوط بظهورهما في هذا الاحتمال.

ثانيهما: عدم وقوع البيع لغير المالك، و أمّا وقوعه للمالك لو أجاز أو عدم وقوعه له فلا تعرض في النبويين له، و لا بدّ من التماس دليل آخر عليه. و هذا الاحتمال أقرب إلى مورد رواية حكيم بن حزام، على ما تقدم في المسألة الأولى، حيث قال:

«و بعبارة أخرى: نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له .. إلخ» فراجع (ص 496).

و عليه فالنبوي أجنبي عن بيع الفضولي بالمرّة، لعدم كونه موردا له.

(1) أي: و من الوجوه الدالة على عدم صحة بيع الفضولي لنفسه، و هذا ثاني وجوه البطلان، و قد ذكره في المقابس، و أحال جوابه على ما ذكره في المسألة الأولى، فراجع «1».

(2) أي: بناء فساد بيع الفضولي لنفسه على اشتراط عدم سبق منع المالك.

(3) في المسألة الثانية (ص 528) و حاصل ما ذكر هناك: أنّ سبق منع المالك الباقي- هذا المنع- بعد العقد و لو آنا ما كاف في الرد، فلا ينفع الإجازة اللاحقة.

و الظاهر أنّ هذا الوجه مشترك بين الصورة الثانية- و هي نهى المالك- و الثالثة، لإطلاق النهي الشامل لكلتيهما.

(4) أي: عدم سبق منع المالك غالبا- بل دائما- مفقود في الغاصب، لأنّ الغصب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32.

ص: 547

و قد تقدّم (1) عن المحقق الكركي أنّ الغصب قرينة عدم الرضا.

و فيه أوّلا: أنّ الكلام في الأعم من بيع الغاصب (2).

و ثانيا: أنّ الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب، لا مطلقا (3)، فقد يرضى المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة و تملك الثمن، فليس في الغصب دلالة على عدم الرضا بأصل البيع، بل الغاصب و غيره من هذه الجهة (4) سواء.

و ثالثا: قد عرفت (5) أنّ سبق منع المالك غير مؤثّر.

______________________________

ظلم على المغصوب منه. و مقتضى العادة عدم رضا المالك بل منعه عن تصرف الغاصب مطلقا من التصرف الخارجي و الاعتباري في ماله.

(1) عند نقل الشيخ عنه في (ص 526): «و يظهر من المحقق الثاني حيث احتمل فساد بيع الغاصب، نظرا إلى القرينة الدالة على عدم الرضا، و هي الغصب» و تقدّم هناك أيضا أن المحقق الكركي ذكره وجها للبطلان، و إلّا فقد اختار صحة بيع الغاصب كغيره من العاقد الفضولي. و كيف كان فقد ردّ المصنف هذا الوجه بوجوه ثلاثة ستأتي.

(2) محصل هذا الجواب: أنّ هذا الدليل أخص من المدّعى، و هو بيع الفضولي لنفسه سواء أ كان غاصبا أم لا. و هذا الدليل مختص بالغاصب و لا يشمل غيره.

(3) حاصل هذا الجواب: أنّ الغصب ليس أمارة على عدم الرضا بالبيع مطلقا حتى للمالك، بل أمارة على عدم الرضا بكون البيع للغاصب، لخصوصية فيه و هو الظلم. فليس الغصب أمارة على عدم الرضا بأصل البيع حتى يقع منهيّا عنه و باطلا.

و عليه فيمكن إجازة المالك للبيع الذي أنشأه الغاصب، لكونه راضيا بالبيع و إن كان كارها لتصدّي الغاصب له.

(4) أي: من جهة رضا المالك ببيعه و عدم رضاه به.

(5) عند قوله في (ص 523): «و أمّا ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد و لو آنا ما فلم يدلّ دليل على كونه فسخا لا ينفع بعده الإجازة». و محصل هذا الجواب هو:

أنّه لا دليل على كون المنع السابق على عقد الفضولي- الباقي آنا ما بعد العقد بالعلم

ص: 548

[و منها: أنّ الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة]

و منها (1): أنّ الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة

______________________________

أو الاستصحاب- ردّا للعقد و هدما له بحيث لا تنفع إجازة المالك بعد. و عليه فلا مانع من لحوق الإجازة به.

(1) أي: و من تلك الوجوه المانعة عن صحة عقد الفضولي لنفسه: ما نسب إلى العلامة قدّس سرّه و تابعيه من عدم انطباق مفهوم المعاوضة الحقيقية على بيع الفضولي لنفسه، فالفضولي غير قاصد للمعاوضة. و انتفاء قصدها المقوّم للعقد يوجب عدم تحقق المعاقدة و ما هو مقوّم عقدية العقد، فلا عقد حقيقة حتى يتكلم في صحته بلحوق الإجازة و عدمها.

و أمّا عدم تحقق المعاوضة الحقيقية هنا فلأنّ الفضولي يعطي المبيع الذي هو مال الغير، و يأخذ الثمن لنفسه، و هذا خلاف المعاوضة الحقيقية.

و بعبارة أخرى: قد تقدم في الشرط الثاني من شرائط المتعاقدين تقوّم الأمور الاعتبارية- التي منها البيع- بالقصد الجدّي لتحقق المدلول في وعاء الاعتبار. كما تقرّر هناك تقوم مفهوم المبادلة بين المالين بحلول كل منهما محلّ الآخر، فلو خرج المبيع من ملك زيد و تملّكه عمرو اعتبر خروج الثمن من ملك عمرو و تملك زيد له.

و المدّعى في المقام انتفاء حقيقة المعاوضة و عدم قصدها، و لا تصل النوبة إلى البحث عن صحة عقد الغاصب لنفسه، لتفرّع هذا البحث على تحقق العقد بإنشاء الغاصب، كي يقال بصحته بإجازة المالك، أو ببطلانه لفقد الرضا المقارن المعتبر في العقود.

و الوجه في انتفاء القصد الجدّي في الغاصب هو: أنّ معنى قصده لبيع مال الغير هو المبادلة بين المالين المضافين إلى مالكين- و هما مالك المثمن المغصوب و مالك الثمن- فلا بدّ أن يقصد دخول الثمن في ملك المغصوب منه تحقيقا لمعنى المعاوضة. و من المعلوم أنّ هذا القصد ينافي قصد تملكه للثمن و عدم تملك المغصوب منه له، فيلزم أن

ص: 549

المعاوضة (1)، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر (2)، فالمعاوضة الحقيقية غير متصوّرة، فحقيقته (3) ترجع إلى إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه. و هذا (4) ليس بيعا.

و الجواب (5) عن ذلك- مع اختصاصه ببيع الغاصب- أنّ (6) قصد

______________________________

يكون الغاصب قاصدا لأمرين متنافيين حين الإنشاء. و هذا معنى عدم تمشّي قصد المعاوضة منه، و كون إنشائه بيعا صوريا لا حقيقيا.

و لا يخفى أن هذا الوجه عمدة المحذور في صحة بيع الغاصب لنفسه، و هو ممّا يختص بهذه المسألة، و لا يجري في بيع الفضولي للمالك، لكونه هناك قاصدا لحقيقة المعاوضة.

(1) قد عرفت عدم قصد المعاوضة الحقيقية في بيع الفضولي لنفسه.

(2) تقدم في (ص 129) التنظير له بإعطاء مال لطالب الطعام لشرائه لنفسه، و كذا بإذن الراهن للمرتهن بأن يبيعها لنفسه، فراجع.

(3) أي: فحقيقة بيع مال الغير لنفسه ترجع إلى إعطاء المبيع و أخذ الثمن لنفسه.

(4) أي: و إعطاء المبيع من مال الغير و أخذ الثمن لنفسه ليس بيعا حقيقة.

(5) قد أجاب المصنّف قدّس سرّه عن عدم قصد الفضولي المعاوضة الحقيقية- الموجب لبطلان عقده- بوجهين:

الأوّل: ما أشار إليه بقوله «مع اختصاصه» و حاصله: أخصية الدليل من المدّعى- و هو بطلان عقد الفضولي لنفسه- لاختصاص دليله بما إذا كان الفضولي غاصبا حتى لا يتمشّى منه قصد المعاوضة الحقيقية. و أمّا إذا كان معتقدا بأنّ المبيع ملكه، فلا إشكال في تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية منه. فدليل الخصم لا يشمله، إذ المفروض إمكان قصد المعاوضة الحقيقية من غير الغاصب.

(6) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و حاصله: أنّه يمكن تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الفضولي الغاصب بعد ادّعاء نفسه مالكا حقيقيّا، كادّعاء كون زيد أسدا،

ص: 550

المعاوضة الحقيقية مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيّا، و إن كان هذا الجعل لا حقيقة له (1). لكن المعاوضة المبنية على هذا الأمر غير الحقيقي حقيقيّة (2).

نظير المجاز الادّعائي في الأصول.

نعم (3) لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن (4)

______________________________

و بعد هذا الادّعاء يقصد المعاوضة الحقيقية، فتقع المبادلة بين مالكين أحدهما حقيقي، و هو المشتري من الغاصب، و الآخر ادعائي، و هو الغاصب الذي نزّل نفسه منزلة المالك الحقيقي المغصوب منه، فقصد المبادلة بين مالكي العوضين موجود.

و على هذا فلا تستلزم صحة بيع الغاصب كونه قاصدا للمتنافيين، و هما قصد وقوع البيع للمغصوب منه و لنفسه. وجه عدم اللزوم: أنه يقصد إنشاء البيع للمالك الادّعائي، و هو منحصر في نفسه، و لم يتعدّد المقصود حتى يقصد المتنافيين.

(1) لوضوح كونه على خلاف الواقع و كذبا محضا.

(2) كيف يتصور ترتب أمر واقعي حقيقي على أمر لا واقع له و ليس إلّا ادّعاء كاذبا؟ و هذا غير ترتب الأثر الخارجي- و هو التصرف مطلقا من الخارجي و الاعتباري- على ملكية الأموال للأشخاص. و ذلك لأنّ الملكية من الموجودات الاعتبارية المترتبة عليها آثار خارجية. بخلاف ادّعاء الملكية، فإنّ الادّعاء الكاذب لا اعتبار له عند العقلاء أصلا، و ليس له وجود اعتباري كالملكية حتى يترتب عليه أمر واقعي.

(3) استدراك على صحة بيع الفضولي، و حاصله: أنّه لو لم يبن البائع الفضولي على ملكية المثمن أو لم يكن معتقدا لها حتى يتحقق قصد المعاوضة الحقيقية كانت المعاملة باطلة غير واقعة لا للفضولي و لا للمالك، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية الذي هو مقوّم العقد.

(4) كما في البائع الفضولي العالم بعدم ملكية المبيع له كالسارق و غيره من الغاصبين.

ص: 551

و لا اعتقاد له (1) كانت المعاملة باطلة غير واقعة له و لا للمالك، لعدم تحقق معنى المعاوضة (2)، و لذا (3) ذكروا أنّه لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل، و لم يقع له و لا لغيره. و المراد (4) ما لو قصد تملّك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه.

و قد تخيّل (5) بعض المحققين أنّ البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام، و هو

______________________________

(1) كما في المعتقدين لملكية المبيع لهم اعتمادا على أمارات الملكية كاليد أو الاستصحاب.

(2) التي مقتضاها دخول الثمن في ملك من خرج المبيع عن ملكه، و هذا تعليل للبطلان.

(3) يعني: و لعدم صدق معنى المعاوضة مع عدم بناء الفضولي على كونه مالكا- للمبيع حتى يتمشّى منه قصد المعاوضة- لو اشترى بمال نفسه لغيره متاعا من دون أن يبني على تنزيل الغير منزلة نفسه لم يقع الشراء له و لا لغيره، حتى مع لحوق الإجازة.

أمّا عدم وقوع البيع لمالك الثمن فلعدم بنائه على تملك المثمن لاعتقاده دخوله في ملك الغير. و أمّا عدم وقوعه للغير فلعدم مالكيته للثمن حتى تتصوّر المعاوضة بالنسبة إليه.

(4) يعني: و المراد من الاشتراء بمال نفسه لغيره هو: أن يقصد مالك الثمن تملك الغير للمبيع بعوض مال نفسه، و هذا خلاف معنى المعاوضة، إذ لم يدخل المبيع في ملك من خرج الثمن عن ملكه، بل دخل في ملك من لم يخرج بإزاء المبيع شي ء من ملكه. و لو قصد تملك نفسه للمبيع ثم هبته لذلك الغير صحّ، لتحقق معنى المعاوضة.

(5) الظاهر أن المتخيّل صاحب المقابس، فإنّه قدّس سرّه نقل عن التذكرة بطلان ما لو اشترى الفضولي لغيره شيئا بمال نفسه، و صرّح في العقد باسم ذلك الغير، سواء أذن ذلك الغير أم لم يأذن. قال العلّامة: «و الأقرب البطلان فيما لو أذن، إذ ليس

ص: 552

ما لو باع مال غيره لنفسه، لأنه (1) عكسه. و قد عرفت (2) أنّ عكسه هو ما إذا

______________________________

للإنسان أن يملك شيئا و الثمن على غيره» ثم أورد عليه المحقق الشوشتري بقوله:

«و يلزم من كلامه أنّه لو باع مال غيره لنفسه ثم أذن المالك- أي أجاز- على ما وقع عليه العقد كان أيضا باطلا، للعلّة المذكورة» «1» و ظاهر العبارة النقض على العلّامة بإلزامه بالبطلان- بمقتضى تعليله- في مسألتنا و هي بيع الغاصب مال غيره لنفسه مع ذهاب المشهور إلى صحته.

فمحصل هذا التخيل هو: أنّ مقتضى القول بالبطلان في الشراء بمال نفسه لغيره هو القول بالبطلان في مسألتنا، و هي بيع مال الغير لنفسه، حيث إنّ مسألتنا هذه عكس مسألة الشراء بمال نفسه لغيره، فإنّ البناء على تنزيل الغير منزلة نفسه ثابت في كلتا المسألتين من الأصل و العكس. يعني: في مسألة ما لو اشترى بمال نفسه لغيره شيئا.

(1) أي: لأنّ الشراء بماله لغيره عكس ما نحن فيه من بيع مال غيره لنفسه.

________________________________________

و مناط كليهما- و هو التنزيل المزبور- واحد، فالصحة في أحدهما يستلزم صحة الآخر، كما أن بطلان أحدهما يستلزم بطلان الآخر.

(2) بقوله: «نعم لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن و لا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة» و غرض المصنف منع النقض الذي أورده صاحب المقابس على العلّامة قدّس سرّهما.

و بيانه: أن مسألة الشراء بمال نفسه لغيره- التي أفتى العلامة فيها بالبطلان- يكون عكسها ما إذا أعطى مال الغير للمشتري بقصد تملك الثمن، من دون أن يبني على كونه مالك المبيع و لا اعتقاده بمالكيّته. و هذا باطل، و لا تنفعه إجازة مالك المبيع.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 13- 16، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32، السطر 18.

ص: 553

قصد تملك الثمن من دون بناء و لا اعتقاد (1) لتملك المثمن، لأنّ (2) مفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز [1].

______________________________

و الجهة المشتركة بين هذا الفرع و الفرع المنقول عن التذكرة هو عدم تنزيل كلّ منهما منزلة المالك الحقيقي، فلا المشتري- في كلام العلامة- يبني على كونه هو المشتري المتملك للمبيع، و لا البائع لمال غيره بقصد تملك الثمن بدون قصد تملكه للمبيع قبل العقد. و الحكم هو البطلان، و عدم إجداء الإجازة اللاحقة، لفقدان قصد المعاوضة الحقيقية.

و هذا بخلاف مسألتنا و هي بيع الغاصب مال غيره لنفسه، لكونه بانيا على تملكه للمبيع، فيقصد تملكه للثمن، و تتمشّى منه قصد المعاوضة، فلو أجاز المغصوب منه وقع البيع له لا للغاصب.

و بهذا ظهر عدم ورود النقض على حكم العلّامة قدّس سرّه ببطلان الشراء بمال نفسه لغيره معللا بأنه «ليس للإنسان أن يتملك شيئا و الثمن على غيره».

(1) الأوّل في الغاصب، و الثاني فيمن يعتقد ملكية المثمن استنادا إلى الأمارات.

(2) هذا تعليل لعدم كون بيع الغاصب عكسا لفرع الشراء بمال نفسه لغيره.

و محصله: وجود الفارق بين المسألتين و هو: أنه لو صحّ الشراء للغير و أجاز وقع الشراء له، بخلاف بيع الغاصب لنفسه، إذ لو أجاز المغصوب منه وقع له لا للغاصب.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الاشكال الثالث قد يعدّ عمدة المحذور في تصحيح بيع الغاصب لنفسه، و لذا تصدّى جمع لدفعه بوجوه، سيأتي التعرض لبعضها. و الاشكال هو عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الفضولي الذي يبيع لنفسه، ضرورة أنّه ليس مالكا للمبيع حتى يقصد خروجه عن ملكه بإزاء ما يتملّكه من الثمن، حيث إنّ المعاوضة الحقيقية- على ما عن العلّامة و من تبعه- هي: أن يدخل الثمن في ملك من خرج

ص: 554

______________________________

عنه المبيع، و هنا لم يدخل الثمن في ملك مالك المبيع، بل دخل في ملك الأجنبي، و هو البائع الفضولي الذي لم يخرج المثمن عن ملكه. فبيعه حينئذ نظير بيع الهازل و الساهي في عدم كونه بيعا حقيقة.

فهذا الوجه مانع عن تحقق العقد، لا رافع له، فلا موضوع حينئذ للبحث عن صحته بإجازة المالك و عدمها.

و جوابه بالنسبة إلى تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من البائع الغاصب- كما في المتن- بادعاء الغاصب مالكيته للمبيع، ثم قصده المعاوضة الحقيقية لا يخلو من النظر، لأنّ الفضولي مع علمه بعدم مالكيته للمبيع كيف يمكن أن يقصد المعاوضة الحقيقية بمجرّد ادّعاء المالكية كذبا، فإنّ ادّعاء كون زيد أسدا لا يجعله أسدا حقيقة، لكونه حقيقة ادعائية.

و الحاصل: أنّ تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية بمجرّد جعله مالكا ادّعاء مع العلم بكذب هذه الدعوى و كونها من الدّعاوي الصورية الكاذبة غير متصور. فإشكال عدم قصد المعاوضة الحقيقية من البائع العالم بعدم مالكيته لا يندفع بادّعاء مالكيته كذبا.

هذا مضافا الى ما أورد عليه تارة بما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه و غيره من أنّه أخص من المدّعى، لاختصاص تنزيل غير المالك نفسه منزلة المالك بالغاصب الملتفت حتى يتمشّى منه ادّعاء المالكية، مع أنّ موضوع البحث في هذه المسألة الثالثة أعم من الغاصب كمن يبيع معتقدا مالكيته للمثمن اعتمادا على الأمارات الشرعية، فإنه يرى نفسه مالكا حقيقة، و لا يتمشى منه الفرض و التنزيل، لاستغنائه عنه.

و كذا الحال في الغاصب الغافل عن غصبه لمرور زمان أو عروض نسيان، فيبيع ما سرقه قبل سنين بزعم كونه مالكا حقيقة لا ادّعاء، فلا موضوع للتنزيل «1».

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 46.

ص: 555

______________________________

و اخرى: أن تصحيح بيع الغاصب بالمالكية الادعائية منوط بإحراز التفات الغاصب الى توقف قصد المعاوضة الحقيقية على الادعاء المزبور، فلو شكّ في التنزيل لم يكن سبيل إلى إثبات إنشاء البيع الجدّي. و لا مجال في مثله للتمسك بأصالة الصحة لإحراز العنوان الصادر منه كما هو واضح. بل مقتضى كلام المصنف قدّس سرّه التفصيل في بيع الغاصب لنفسه بين تحقق هذا الادّعاء، و عدمه. مع أنّ المشهور حكموا بصحة عقد الغاصب بإجازة المالك مطلقا، حتى بدون المالكية الادّعائية. هذا و يمكن دفع محذور عدم تحقق قصد المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب، بأن يقال: انّ المعاوضة حقيقة هي التبديل بين المالين- اللّذين هما ركنان في العقود المعاوضية- في طرف الإضافة. و نفس قصد هذا التبديل مستلزم لدخول كل من العوضين في ملك مالك العوض الآخر المقصود تبعا لقصد نفس التبديل. و قصد تعيين المالك ليس شرطا في صحة المعاوضة و لا مقوّما لها. فتعيين المالك لا حقيقة و لا تنزيلا غير معتبر في المعاوضة أصلا.

و عليه فذكر المالك في العقد و عدمه سيّان، فإنّ البيع ليس إلّا تبديل عين بمال، لا تمليك عين بعوض، إذ لا يصدق هذا التعريف على كثير من البيوع، كما إذا باع أرباب مصالح البناء كالآجر و الجص و الحديد و نحوها على من يشتريها بأجور موقوفات المسجد مثلا لإصلاح ذلك المسجد أو غيره و تعميره، فإنّ البائع لا يملّك المصالح للمشتري، إذ ليس الثمن ملكا له حتى يتملك المصالح. و كذا الحال في المعاملات الواقعة على سائر الموقوفات و الجهات العامة.

و بالجملة: فقصد المعاوضة الحقيقية موجود في الفضولي العاقد لنفسه إمّا تبعا كما في الغاصب، لاستلزام قصد تبديل العين بعوض معلوم المعاوضة الحقيقية، بل قصد التبديل المزبور عين قصد المعاوضة، و ما يتقوم به مفهوم البيع هو إنشاء هذا التبديل من

ص: 556

______________________________

دون حاجة إلى تنزيل غير المالك منزلة المالك حتّى يتمشّى من الفضولي قصد المعاوضة الحقيقية بين المالكين، لعدم اعتبار تعيين المالك في صحة العقد.

و إمّا استقلالا كما في المالك، فإنّه يقصد من الأوّل المعاوضة بين مال نفسه و مال المشتري.

و إن شئت فقل: إنّ الفضولي الذي يقصد البيع لنفسه سواء أ كان غاصبا أم غيره- بمجرّد إنشائه تبديل المال الشخصي الذي يكون للغير بمال المشتري- تتحقق قهرا نيّة المعاوضة بين المالين، و في الرتبة الثانية المتأخرة عن الإنشاء يقصد البيع لنفسه ليأخذ الثمن غصبا كما أخذ المثمن كذلك.

و هذا القصد الثانوي لا يقدح في صحة المعاملة إذا أجاز المالك، لأنّ هذا القصد وقع لغوا، و لم يكن مقوّما للعقد، و لا شرطا له. سواء أ كان قصد مالكيته ادّعاء من قبيل الجهات التقييدية بأن يكون المالك موضوعا لهذا العقد، و الفضولي طبّق المالك على نفسه ادّعاء. أم من قبيل الجهات التعليلية، بأن يجعل نفسه مالكا لأخذ الثمن.

و لعل هذا مراد المصنف قدّس سرّه من دعوى الفضولي مالكيته للمبيع، فإن كان كذلك فلا بأس به.

فالمتحصل: أنّه في هذه الصورة الثالثة- و هي بيع الفضولي لنفسه- لا مانع من صحته بإجازة المالك. و الوجوه المتقدمة لا تصلح للمانعية بعد فرض صدق العقد عليه، و قصد المعاوضة التي هي تبديل مال بمال قبل العقد موجود. و لا يتوقف على مالكية الفضولي. فما أفاده المصنف قدّس سرّه من صيرورة المعاوضة حقيقية بعد ادّعاء الفضولي مالكيته للمبيع غير ظاهر، إذ لا يتوقف قصدها على الادّعاء المزبور. بل قصد التبديل قبل هذا الادّعاء موجود. فعقدية عقد الفضولي البائع لنفسه ثابتة، فتشمله أدلة الصحة كشمولها للصورتين السابقتين، و هما عقد الفضولي للمالك بدون سبق النهي و مع سبقه.

ص: 557

______________________________

و قد أجيب عن محذور عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية من الغاصب بوجوه اخرى:

منها: ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه و لم يستبعد كونه مراد شيخنا الأعظم قدّس سرّه و إن لم تكن عبارة الكتاب وافية به، و محصله: أن الملكية هي الإضافة الاعتبارية بين المالك و المملوك، و الغاصب لا يغصب المملوك بل يغصب هذه الإضافة و يجعل نفسه مالكا، و بعد هذا التجعّل يتمشى منه البيع العرفي، لكفاية اعتبار الملكية عدوانا أو جهلا في ترتب الأثر عليها و إن لم يمضه الشارع، فصدور المعاوضة الحقيقية مبني على هذا الجعل، و هو المصحّح لقصد البيعية، فينشئ تبديل طرف إضافة بطرف إضافة أخرى .. إلخ «1».

و قد يشكل بأنّ الغصب من المفاهيم العرفية، و المعهود منه هو الاستيلاء على ما للغير عدوانا، فالملحوظ فيه هو الاعتداء على مال الغير و التصرف فيه، و لا يطلق عنوان «الغصب» على مجرّد اعتبار شخص مالكا لأموال غيره ما لم يضع يده عليها.

و لم يعهد سرقة إضافة الملكية، فإنّها أمر اعتباري. و من المعلوم خروج هذا الوعاء عن حيطة تسلّط الغاصب عليه. بل ربّما ينافيه تصريح الميرزا قدّس سرّه في أوّل البيع بأنّ البيع العرفي ليس تبديل الإضافة و إنما هو تبديل طرفيها، لأنّ الملكية سواء أ كانت بمعنى السلطنة أم بمعنى الجدة الاعتبارية مما لا تقبل النقل إلى الغير «إذ ليس للمالك ملكية على الملكية» «2» فالبيع العرفي هو تبديل طرفي إضافتين. و هو الذي يتعلّق به الإمضاء الشرعي تارة، و الرّد اخرى.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 225- 226، المكاسب و البيع، ج 2، ص 46

(2) منية الطالب، ج 1، ص 35.

ص: 558

______________________________

و بامتناع انفكاك الملكية عن المالك عرفا كيف يجعل الغصب سرقة لهذه الإضافة مع كونه من الأمور المتعارفة عندهم؟ و عليه فيشكل تصحيح معاملات الغاصب بالوجه المزبور.

و ليس الإشكال في البيع الممضى شرعا حتى يقال: يتمشّى قصد المعاوضة عرفا من الغاصب. و ذلك لما تقدم من أن الغصب كالبيع من الأمور العقلائية، و المحذور كله في امتناع قصد الغاصب حقيقة المعاوضة.

و منها: ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه فإنه- بعد منع توقف المبادلة على قصد دخول أحد العوضين في ملك مالك الآخر- صحّح بيع الغاصب بوجهين:

أحدهما: أن بيع الغاصب مال الغير لنفسه لا هو هبة متعارفة و لا بيع متعارف، بل هو عقد متضمن لهما معا، حيث يتبدل المالكان فيه كما في الهبة، و المملوكان كما في البيع.

و لا تتوقف حقيقة المعاوضة على قصد دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

فإذا باع الغاصب انحلّ إنشاؤه إلى بيع و هبة من جانب واحد. أما أنه بيع فلأنّه من تبديل مملوك بآخر. و أما أنه هبة فلأنها تبديل مالك بآخر، لفرض تمليك المشتري الثمن للبائع. و هذه معاملة صحيحة لخصوص دليل حلّ البيع و لعموم الأمر بالوفاء بالعقود و التجارة عن تراض.

ثانيهما: أنه هبة معوّضة، قال قدّس سرّه: «و إن تعاسرت من هذا قلنا: لا أقل من أن يكون ما يصنعه الغاصب هبة معوّضة، فيهب مال الغير بإزاء أن يهبه الطرف المقابل مال نفسه ..

و يكون القبول من الطرف الآخر إنشاء للهبة الأخرى. و الوجه في تملك الغاصب للثمن هو: أنه يستوهبه من الطرف المقابل بإزاء رفع يده عن العين المغصوبة حتى يعصبها الطرف المقابل» «1» هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 123

ص: 559

[و منها: أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه]

و منها (1): أنّ الفضولي إذا قصد البيع لنفسه، فإن تعلّقت إجازة المالك بهذا

______________________________

(1) أي: و من الوجوه التي تمسّك بها لبطلان بيع الفضولي مال الغير لنفسه: أن الفضولي .. إلخ. و هذا الوجه الرابع ناظر إلى امتناع تأثير الإجازة فيما صدر من الفضولي و إن لم تتقوّم المعاوضة عقلا بالدخول في ملك المالك، بل كان ذلك شرطا لصحة البيع شرعا. و الوجه السابق كان ناظرا إلى امتناع قصد البيع الذي هو من المعاوضات الحقيقية.

______________________________

أقول: لا ريب في أن العقود أمور قصدية لا تترب عليها آثارها ما لم تقصد. كما لا ريب في اختلاف البيع و الهبة مفهوما، فالبيع يعتبر فيه المبادلة بين مالين سواء أ كان بمعنى التبديل أو التمليك أو غيرهما، و لا يصدق على إعطاء مال خال عن العوض، و لو كان هذا العوض إسقاط حقّ و نحوه. و الهبة هي التمليك المجّاني، و لذا تتوقف الهبة المعوضة على الشرط. و حينئذ كيف يكون الإنشاء الواحد جامعا للعنوانين المتقابلين؟

مضافا إلى: أنّ الكلام في تصحيح بيع الغاصب بما أنه بيع، لا بما أنه منحل إلى بيع و هبة، إذ الانحلال المزبور منوط بقصدهما حتى تصل النوبة إلى إمضاء الشارع.

و إلى: أن الوجهين أخصّ من المدّعى، لاختصاصهما بالمشتري العالم بغصبية المبيع حتى يكون قبوله بيعا و هبة، أو هبة معوّضة. مع أنّ الكلام في الأعم منه و من الجاهل، كما أنه أعمّ من الغاصب و ممّن يزعم مالكيته للمال اعتمادا على الأمارات الشرعية.

و بهذا يظهر غموض التمسك بأدلة الإمضاء، إذ لم يعهد تركّب عقد من بيع و هبة حتى يشمله عموم الأمر بالوفاء، كما أنّ مثله ليس بيعا بخصوصه حتى يصحّ بدليل حلّ البيع.

ص: 560

الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد، لأنّ معناها (1) هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته. و إن تعلّقت بغير المقصود كانت (2) بعقد مستأنف، لا إمضاء لنقل الفضولي، فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشأ.

______________________________

و كيف كان فمحصل هذا الوجه: أنّه إن تعلّقت إجازة المالك بما قصده البائع الفضولي من البيع لنفسه كانت الإجازة منافية للمعاوضة الحقيقية، و هي صيرورة الثمن لمالك المثمن، و المفروض دوران صحة البيع على هذه المعاوضة. فجعل الثمن للفضولي- بإجازة المالك- مناف للصحة، إذ لازم الإجازة صيرورة الثمن ملكا للفضولي من دون أن يخرج المثمن عن ملكه. و هو خلاف المعاوضة الحقيقية، فيكون هذا البيع باطلا.

و إن تعلّقت الإجازة بغير ما قصده الفضولي من البيع لنفسه بأن يكون أثر الإجازة مليكة الثمن للمجيز بإزاء المثمن الذي خرج عن ملكه- حتى يكون هذا البيع مصداقا للمعاوضة الحقيقية- كان متعلّق الإجازة حينئذ عقدا جديدا غير العقد الذي أنشأه الفضولي.

و بالجملة: فالمجاز غير عقد الفضولي، و عقد الفضولي غير المجاز. هذا تقريب الاشكال، و نقل المصنف قدّس سرّه جوابا عن المحقق الميرزا القمي قدّس سرّه و ناقش فيه، و اختار وجها آخر للجواب عنه، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: معنى الصحة- التي ينطبق عليها مفهوم المعاوضة- هو صيرورة الثمن ملكا لمالك المثمن، و إلّا لم يصح العقد المعاوضي و هذا مناف لما قصده الفضولي من تملك الثمن.

(2) أي: كانت الإجازة متعلقة بعقد مستأنف، لا بعقد أنشأه الفضولي، و لم تكن إمضاء و تنفيذا لنقل الفضولي، فلا يصير عقد الفضولي بإجازة المالك موضوعا لأدلة الإمضاء.

ص: 561

و قد أجاب عن هذا (1) المحقق القمي رحمه اللّه في بعض أجوبة مسائله: بأنّ

______________________________

(1) أي: عن هذا الإشكال الذي ذكره القائل ببطلان عقد الفضولي لنفسه.

و محصل هذا الجواب: أنّ معنى إجازة المالك في صورة بيع العاقد الفضولي لنفسه هو تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عن المالك و صرفه عن الفضولي و إضافته إلى نفسه. و ليس معنى الإجازة تنفيذ نفس العقد كما في بيع الفضولي المقصود وقوعه للمالك مع إجازته التي تلحق بنفس عقد الفضولي و تنفّذه.

ثمّ جعل المحقق المتقدم مقامنا- و هو بيع الفضولي مال الغير لنفسه- نظير بيع الفضولي عن المالك، ثم تملّكه من مالكه، فأجاز بيع الفضولي.

و بعبارة أخرى: يختلف مفاد الإجازة في صور بيع الفضولي، ففي الفضولي المصطلح- و هو بيع مال الغير بقصد وقوعه لمالكه- يكون معنى الإجازة الرضا بما أنشأه الفضول و تنفيذا له، من دون أن توجب تغييرا في ذلك المنشأ أصلا، فالفضولي قصد بإيجابه مع المشتري تمليك مال الغير بعوض، ليدخل في ملك ذلك الغير، و المالك ينفّذ هذا البيع و يرضى به.

و أمّا في مسألة بيع الغاصب لنفسه فليست الإجازة مجرّد الرضا بمضمون ذلك البيع الواقع على المال، بل توجب تغييرا في ذلك الإنشاء، لأنّ الغاصب قاصد لدخول الثمن في ملك نفسه، و إجازة المغصوب منه صارفة لذلك البيع إلى وقوعه لنفسه و إضافته إليه.

و هذا نظير الإجازة في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّها صارفة للبيع المزبور عن مالكه السابق إلى العاقد المالك بالفعل.

و ربّما ينحلّ كلام المحقق القمي قدّس سرّه إلى وجهين: أحدهما: كون إجازة المالك مصحّحة أي مبدّلة لعقد الغاصب الفضولي إلى عقد جديد.

و الآخر: أنّها عقد مستأنف بين المالك و المشتري، لا أنّها تغيّر عقد الغاصب لنفسه.

ص: 562

الإجازة في هذه الصورة (1) مصحّحة للبيع، لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود (2)، بل بمعنى تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عنه (3).

______________________________

لكن يمكن أن يستفاد من تفسيره للعقد الجديد وحدة الوجهين لبّا.

و لا بدّ من نقل جملة من كلامه للوقوف على حقيقة الأمر، و قد حمّل المشهور- القائلين بصحة بيع الغاصب و بأن الإجازة كاشفة- الالتزام بكون هذه الإجازة مبدّلة لمضمون عقد الغاصب، و ليست كاشفة محضا عن تأثير نفس عقد الغاصب في النقل و الانتقال من حين وقوعه.

(1) و هي بيع العاقد الفضولي مال الغير لنفسه.

(2) و هو بيع الفضولي للمالك، فإنّ إجازة المالك فيه تتعلّق بنفس العقد و تنفّذه.

(3) هذه العبارة هي التي ذكرها المحقق القمي في المقام الثامن الذي عقده للبحث عن اشتراط صحة بيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد- أي مسألة من باع شيئا ثم ملكه- لا في بيع الغاصب، حيث قال في دفع إشكال عدم كون إجازة المالك الفعلي إيثاقا للعقد الذي أوقعه الفضولي، ما لفظه: «و يمكن دفعه و جعله من باب إيثاق العهد لو جعلنا الإجازة عقدا جديدا كما هو أحد المحتملات في الفضولي المعهود كما نقل عن صاحب كتاب كشف الرموز وفاقا لشيخه المحقق. على أنّا نقول: إنّه لا مناص لهم أيضا عن ذلك أي التزام العقد الجديد في بعض الصور. و توجيه صدقها عليه بملاحظة ما يشبه نوعا من الاستخدام. فمعنى:- أجزت البيع- رضيت بالانتقال إليه من باب البيع. فاللّام في- البيع- أو الضمير في- أجزتها- راجع إلى الأثر المترتب على مطلق البيع، لا البيع الخاص الواقع في الخارج حتى يقال: انه ليس رضا به. و يكفي هذا في صدق معنى الإجازة. توضيحه: أن الإجازة في صورة كون البائع غاصبا و قاصدا لبيع الملك لنفسه مصححة للبيع على الأصح، كما ذهب إليه الأكثر، و هو ليس في معنى لحوق الإجازة بالعقد كما هو كذلك في الفضولي المعهود، بل بمعنى

ص: 563

و قال (1) نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه. و قد صرّح (2) في موضع آخر (3)

______________________________

تبديل رضا الغاصب و بيعه لنفسه و قصده لوقوع البيع لنفسه برضا المالك، و وقوع البيع عنه. و الفرق واضح بين لحوق رضا المالك بمقتضى العقد و وقوعه من قبله بالعقد، و بين تبديل الرضا و الإيقاع بتحقق لحوق الرضا من المالك عن المالك ..

و الحاصل: أن الإجازة في بيع الغاصب إنّما هو في معنى التزام ورود معاملة جديدة على مال المغصوب منه، لا إمضاء للعقد السابق .. إلخ» «1».

(1) أي: قال المحقق القمي قدّس سرّه، نظير ما ذكره- في بيع الغاصب- في مسألة من باع شيئا ثم ملكه. و قد عرفت أنّ العبارة المنقولة في المتن هي بعض كلام المحقق القمي في مسألة «من باع» لا في تصحيح بيع الغاصب.

و على كلّ فإنّ المالك هنا صيّر عقد الفضولي عقدا لنفسه بالإجازة، كصيرورة عقد الفضولي عن المالك- بعد تملّك العاقد الفضولي ذلك المبيع من مالكه- عقدا لنفس الفضولي و متعلّقا لإجازته. وجه التنظير تبدّل العقد بعقد آخر في النظير و مورد بحثنا.

(2) أي: صرّح المحقق المتقدم في موضع آخر من أجوبة مسائله، و حاصله:

جعل المالك العقد الصادر من الفضولي- لنفسه على مال الغير- عقدا لنفسه على ذلك المال. فمعنى الإجازة حينئذ تبديل عقد الغاصب الفضولي بعقد نفس المالك، و تبديل عقد الفضولي بعقد نفسه.

(3) ظاهر تعبير المصنف قدّس سرّه وجود عبارة ثالثة للمحقق القمي قدّس سرّه غير ما أفاده في بيع الغاصب و في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» حتى يكون استشهاد المصنف بعبارات ثلاث. مع أنّ المنقول في المتن هو كلام المحقق القمي في تصحيح بيع الغاصب، فلاحظ قوله: «و التحقيق و إن كان انتفاء الجنس بانتفاء الفصل- أي انتفاء

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 2، ص 320، الطبعة الحديثة، و ج 1، ص 164، س 18- 42 من الطبعة الحجرية.

ص: 564

بأنّ حاصل الإجازة يرجع إلى أنّ العقد الذي قصد كونه واقعا على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم قد (1) بدّلته بكونه على هذا الملك بعينه لنفسي، فيكون (2) عقدا جديدا كما هو (3) أحد الأقوال في الإجازة.

______________________________

جنس التمليك بانتفاء فصله و هو وقوعه للغاصب- و أنّه لا بقاء للجنس بعد انتفاء الفصل، و أنّ عقد الغاصب حرام و فاسد بالنسبة إلى نفسه، لكنه عقد البيع عرفا.

و فائدة ملاحظة الجنس هنا الإشارة إلى الصيغة، يعني: أنّ العقد الذي وقع بضمّ الصيغة إلى قصد كونها واقعة على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب و المشتري العالم:

قد بدّلته بجريانها على ذلك المال بعينه لنفسي، فيكون عقدا جديدا كما هو أحد الأقوال في الإجازة كما سنشير إليه .. فالمعيار هو وقوع الإيجاب و القبول على ملك معيّن .. و لا يذهب عليك أنّ ما اخترناه من كون ذلك عقدا جديدا لا ينافي القول بالكشف، إذ معناه: انّي جعلت هذا العقد في موضع ما أوقعه الفضولي، لا أنّي جعلته ناقلا من الحين كما هو الظاهر من لفظ العقد الجديد. فإنّ المراد بالجديد بيان المغايرة، يعني: أنّ هذا عقد مغاير لما أوقعه الفضولي و إن اعتبرنا حصوله في موقعه، لا أنّه لا أثر له قبل الإجازة، و يبطل الأثر بمجرّد ذلك، فافهم» «1». و لعلّ المصنف أراد بالموضع الآخر كلامه في الغنائم، فراجع «2».

(1) خبر قوله: «ان العقد» و ضميرا «بدّلته، بكونه» راجعان إلى العقد.

(2) أي: فتكون الإجازة عقدا مستأنفا.

(3) أي: كون الإجازة عقدا جديدا أحد الأقوال في الإجازة، و القولان الآخران هما الكشف و النقل.

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 2، ص 276 (الطبعة الحديثة) ج 1، ص 155، السطر 13 إلى 27، الطبعة الحجرية.

(2) غنائم الأيام، ص 541، 554، 555.

ص: 565

و فيه (1): أنّ الإجازة على هذا (2) تصير- كما اعترف- معاوضة جديدة من طرف المجيز و المشتري، لأنّ (3) المفروض عدم رضا المشتري ثانيا بالتبديل المذكور، لأنّ (4) [و لأنّ] قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في مغايرة

______________________________

(1) محصل إشكال المصنّف على المحقق القمي قدّس سرّهما: أنّه يلزم وجود معاوضة جديدة مع قيام الإجازة مقام شيئين أحدهما الإيجاب، و الآخر القبول.

أمّا الأوّل فلأنّ إيجاب العاقد الفضولي قد تبدّل بإيجاب المالك بسبب إجازته. و أمّا الثاني فلأنّ قبوله كان قبولا لإيجاب العاقد الفضولي مع علمه بكون العاقد فضوليا. و عدم رضاه بإنشاء قبول آخر ليتملك المبيع بإيجاب جديد من المالك. فلا بدّ حينئذ من الالتزام بقيام الإجازة مقام إيجاب المالك و قبول المشتري. و هذا خلاف الإجماع و العقل.

أمّا كونه خلاف الإجماع فلأنّه لم يقل أحد من الفقهاء بقيام الإجازة مقام الإيجاب و القبول. و أمّا كونه خلاف العقل فلأنّه لا يعقل أن يتغير الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّه وقع للفضولي، فكيف يقع للمالك؟

فالنتيجة: أنّ جواب المحقق القمي لا يدفع إشكال من استشكل في صحة عقد الفضولي لنفسه بإجازة المالك، بل جوابه قدّس سرّه بالالتزام بكون الإجازة عقدا جديدا تسليم لأحد طرفي الاشكال، و هو تبدل عقد الفضولي بعقد جديد للمالك.

(2) أي: على تقدير رجوع الإجازة إلى تبديل رضا الفضولي برضا المالك.

(3) تعليل لصيرورة الإجازة معاوضة جديدة بين المالك المجيز و بين المشتري من الفضولي.

(4) الغرض منه إثبات عدم رضا المشتري- من الغاصب- بوقوع العقد للمغصوب منه، فتصير إجازة المالك عارية عن القبول، و يمتنع تحقق عقد على المال.

و بيانه: أنّ إنشاء الغاصب يؤثّر في وقوع البيع لنفسه، و دخول الثمن في ملكه،

ص: 566

العقد الواقع (1) للعقد المجاز (2)، فالمشتري (3) إنّما رضي بذلك الإيجاب (4) المغاير لمؤدّي الإجازة (5). فإذا (6) التزم بكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد و بعدم (7) الحاجة إلى قبول المشتري ثانيا (8) فقد قامت (9) الإجازة من المالك مقام إيجابه و قبول المشتري.

______________________________

و قد تعلق قبول المشتري بهذا الإيجاب لا بما يجيزه المالك بعده. و من المعلوم أنّ هذا العقد مغاير لما أمضاه المالك المجيز، لأنّه أجاز بيعا يقع لنفسه لا للغاصب. و حينئذ فلو كانت الإجازة مبدّلة لعقد الغاصب بعقد المالك- و المفروض عدم إنشاء قبول آخر من المشتري- لزم قيام إجازة المالك مقام شيئين: أحدهما إيجاب المالك، و الآخر قبول المشتري، و هو غير معقول، فكيف يتحقق معاوضة جديدة بالإجازة؟

(1) و هو البيع المبني على دخول الثمن في ملك الغاصب.

(2) و هو البيع المضاف إلى المالك ليدخل الثمن في ملكه.

(3) جواب قوله: «إذا فرض» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «لان قصد» و العبارة لا تخلو من تعقيد، و لا داعي له.

(4) أي: الإيجاب من الغاصب.

(5) و هو دخول الثمن في ملك المغصوب منه.

(6) هذا متفرع على تحليل ما وقع من العقد و الإجازة، يعني: لو التزم المحقق القمي بكون الإجازة معاوضة جديدة قائمة بالمجيز و المشتري لزم قيام الإجازة مقام طرفي العقد و هما الإيجاب و القبول، و هذا القيام غير معقول.

(7) معطوف على «بكون» و هذا الالتزام ليس أمرا زائدا على كون الإجازة مبدّلة لعقد الغاصب بعقد المالك.

(8) في قبال قبوله الأوّل لإيجاب الغاصب.

(9) جواب الشرط في قوله: «فإذا التزم».

ص: 567

و هذا (1) خلاف الإجماع [1] و العقل (2).

و أمّا القول (3) بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم، و إنّما حكي (4) عن كاشف الرموز «1» عن شيخه: أنّ الإجازة من مالك

______________________________

(1) أي: قيام الإجازة مقام شيئين- و هما الإيجاب و القبول- خلاف الإجماع و العقل.

(2) حيث إنّ المالك مسلّط على ماله بأن يبدّل وقوعه لنفسه، فإنّ التبديل تصرف في ماله. و أمّا قبول المشتري و تمليك ماله ضمنا لخصوص الفضول فليس أمره بيد المالك الأصيل، فلا معنى لتبديل قبول المشتري.

هذا كله في ردّ ما أفاده المحقق القمي من الوجه الأوّل المبني على مبدّلية الإجازة لمضمون عقد الغاصب.

(3) هذا ردّ على بيان آخر للمحقق القمي الذي أفاده «بأنّ حاصل الإجازة يرجع الى أنّ العقد الذي قصد كونه .. إلخ» و حاصل الرد: أنّه لم يعهد من أحد من العلماء و غيرهم عدّ الإجازة عقدا مستأنفا، فتسقط هذه الدعوى بمخالفتها للإجماع.

(4) الحاكي عن الفاضل الآبي هو السيد العاملي، و المراد من نسبة كون الإجازة عقدا مستقلّا- إلى المحقق- ليس تصريحه به، و إنّما الغرض إلزامه بلازم كلامه، فالفاضل الآبي ينقل عن المحقق عدم توقف البيع على لفظ مخصوص، و لازمه كون

______________________________

[1] الظاهر أنّه مناف لما أفاده قبيل هذا من قوله: «كما هو أحد الأقوال في الإجازة» و إن كان من كلام المحقق قدّس سرّه، إلّا أنّه يكفي في المنع عن تحقق الإجماع.

______________________________

(1) ما ظفرنا عليه هو كشف الرموز في شرح النافع، لا كاشف الرموز، و مؤلّفه من تلامذة المحقق صاحب الشرائع، و اسمه الشيخ عزّ الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي. و لعلّ المصنف جرى في هذا التعبير مجرى قولهم: كاشف اللثام كما عبّر به في بحث الإجازة، و الأمر سهل.

ص: 568

المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع، فهو [بيع] قائم مقام إيجاب البائع، و ينضم إليه (1) القبول المقدّم [المتقدم] من المشتري. و هذا (2) لا يجري فيما نحن فيه،

______________________________

إجازة عقد الفضول بيعا مستقلّا. و من المعلوم حجية الألفاظ في مداليلها الالتزامية كحجيتها في المطابقية. و قد استفاد المحقق القمي و السيد العاملي قدّس سرّهما أيضا هذا الاستلزام، و جعلاه قولا ثالثا في الإجازة في قبال الكشف و النقل.

قال الفاضل الآبي في تصحيح بيع الفضولي: «اللهم الّا أن يقول- أي القائل بالبطلان- ان عقد البيع لا يستلزم لفظا مخصوصا أعني: بعت، بل كل ما يدلّ على الانتقال فهو عقد، فلو [فمن] يلتزم هذا القول يكون إجازة المالك عنده بمثابة عقد ثان .. و إذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا دام ظله، لأنّ النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد، و لا للبيع لفظ مخصوص .. و المختار عندنا اختيار شيخنا دام ظله» «1» و قال السيد العاملي في موضعين: «فكأنّه قول ثالث ..» «2».

أقول: لو لا أنّ الفاضل الآبي أدرى بمراد شيخه المحقق قدّس سرّهما من جملة «ليس للبيع لفظ مخصوص» أمكن أن يكون غرض المحقق نفي اللفظ المخصوص الذي اعتبره جماعة في البيع و غيره من العقود اللازمة من الصراحة في المنشأ، كما اقتصر بعضهم على صيغة «بعت، ملّكت». و أمّا كلمة «أجزت و أنفذت» و نحوهما مما يتعارف إنشاء الإجازة به فليس مرادفا للبيع و التمليك و الشراء و النقل حتى يصح إنشاء البيع به.

(1) هذا الضمير و ضمير «فهو» راجعان إلى إيجاب المالك، و بانضمام القبول المتقدم يتحقق العقد المستأنف. هذا ما يقتضيه كلام الفاضل الآبي.

(2) أي: ما نقله كاشف الرموز عن شيخه- من كون الإجازة بيعا مستقلّا

______________________________

(1) كشف الرموز، ج 1، ص 445 و 446.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 188 و 189.

ص: 569

لأنّه (1) إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك الثمن للبائع و تملّك المبيع منه، فإذا بني على كون وقوع البيع للمالك مغايرا لما وقع (2) فلا بدّ له (3) من قبول آخر، فالاكتفاء عنه (4) بمجرّد إجازة البائع- الراجعة إلى تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه- التزام (5) بكفاية رضا البائع و إنشائه عن رضا المشتري و إنشائه. و هذا (6) ما ذكرناه من أنّه خلاف الإجماع و العقل.

______________________________

لا يجري فيما نحن فيه و هو بيع الغاصب لنفسه، لأنّ ظاهر كلام المحقق و تلميذه هو الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك، لا من يبيع مال الغير بقصد تملك الثمن كما هو محلّ البحث.

(1) تعليل لعدم جريان كلام كاشف الرموز فيما نحن فيه و هو بيع الفضولي لنفسه، و محصله: أنّ المشتري هنا يقصد دخول الثمن في ملك الغاصب، فلو كانت إجازة المالك موجبة لوقوع البيع للمغصوب منه لم يكن قبول المشتري مطابقا للإجازة، و لا بدّ من إنشاء قبول آخر، و المفروض عدمه.

(2) أي: لما وقع من البائع الفضولي لنفسه.

(3) أي: فلا بدّ لوقوع البيع للمالك من إنشاء قبول آخر. و قوله: «فلا بدّ» جواب الشرط في قوله: «فإذا بنى».

(4) أي: عن قبول آخر، و هو قبول إيجاب المالك.

(5) خبر قوله: «فالاكتفاء» و قوله: «الراجعة» صفة للإجازة.

(6) أي: الاكتفاء برضا البائع و إنشائه- عن رضا المشتري و إنشائه ثانيا- مخالف للإجماع و العقل كما مرّ آنفا.

هذا ما أفاده المصنف في ردّ كلام المحقق القمي، و به يظهر أنّ محذور مخالفة المنشأ للمجاز باق بحاله. و لذا تصدّى الماتن للجواب عنه ببيان آخر، سيأتي تقريبه.

ص: 570

فالأولى في الجواب (1) منع مغايرة ما وقع (2) لما أجيز (3). و توضيحه (4): أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن. و أمّا كون الثمن مالا

______________________________

(1) أي: الجواب عن إشكال إجازة المالك- لبيع الفضولي لنفسه- بمغايرة المنشأ للمجاز.

(2) من بيع الفضولي لنفسه.

(3) و هو جعل المالك بيع الفضولي لنفسه بسبب الإجازة بيعا لنفسه، و صرفه عن الفضولي.

(4) أي: و توضيح عدم مغايرة ما وقع من الفضولي لما أجازه المالك هو: وجود قصد المعاوضة بين المالين في عقد الفضولي من فيما أجازه المالك، حيث إنّ الفضولي بإيجابه يقصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن، من دون دلالة الإيجاب على كون الثمن ملكا له أو لغيره، و حيث إنّ الفضولي يبني على مالكيته للمثمن عدوانا كما في الغاصب، أو اعتقادا كما في الاعتماد على أمارات الملكية من اليد أو غيرها، فلازمه تملك الثمن. و هذا معنى المعاوضة، و معنى قصد الفضولي بيعه لنفسه.

فقصد المعاوضة في عقد الفضولي موجود، لبناء الفضولي على كونه مالكا للمبيع. و مقتضى المعاوضة هو كون الثمن ملكا له بإزاء المثمن. لكن هذا البناء صوريّ، و إجازة هذا البناء الصوري- المبني عليه المعاوضة- توجب المعاوضة الحقيقية، لكون المثمن ملكا للمجيز واقعا، فيكون الثمن له بإزاء المثمن. فالمعاوضة في كلّ من عقد الفضولي و إجازة المالك ثابتة، غاية الأمر أنّها في العقد صوريّة، و في الإجازة واقعية.

و بعبارة اخرى: انّ الفضولي البائع لنفسه قاصد لأمرين، أحدهما: إنشاء البيع و هو تمليك مال المغصوب منه للمشتري بعوض. و مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه.

ص: 571

له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه، فيرجع (1) فيه إلى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من (2) دخول العوض في ملك مالك المعوّض تحقيقا (3) لمعنى المعاوضة و المبادلة.

و حيث (4) إنّ البائع يملّك المثمن بانيا على تملكه (5) له و تسلّطه عليه

______________________________

ثانيهما: دخول الثمن في ملك الفضولي، لبنائه على مالكيته للمبيع.

و لا منافاة بين الأمرين، لكونه مدّعيا ملكه للمثمن، فتتمشّى منه قصد المعاوضة. فلو أجاز المالك تعلّقت بالأمر الأوّل، و هو أصل البيع و المبادلة بين المالين، لا بالأمر الثاني الذي لا واقعيّة له.

و بهذا يندفع المحذور، و يكون المنشأ- أعني به أصل التمليك بالعوض- هو المجاز، و المجاز هو المنشأ. هذا فيما كان الفضولي بائعا. و أمّا لو كان مشتريا فلا يجدي هذا البيان لدفع المحذور، لكون المنشأ واحدا كما سيأتي تقريبه.

(1) أي: فيرجع في كون الثمن له أو لغيره إلى ما يقتضيه .. إلخ. و غرضه تطبيق مفهوم المعاوضة على عقد الفضولي، و حاصله: أنّ تمليك العاقد الفضولي المثمن للمشتري بإزاء الثمن بانيا على أنّه المالك للمثمن- عدوانا أو اعتقادا، و الموجب للبيع- لا يقتضي كون الثمن لنفسه أو لغيره. بل مفهوم المعاوضة يقتضي دخول الثمن في ملك مالك المثمن. فالمعاوضة الصورية موجودة في عقد الفضولي.

(2) بيان للموصول في «ما يقتضيه» أي: مقتضى المعاوضة هو المبادلة بين المالين.

(3) مفعول لأجله، و هو علّة لدخول العوض في ملك مالك المعوّض.

(4) غرضه أنّ بيع الفضولي لنفسه لا ينفكّ عن قصد المعاوضة، لأنّ بناءه على مالكيته للمثمن ملازم لبنائه على مالكية عوضه و هو الثمن.

(5) هذا الضمير و ضمير «تسلطه» راجعان إلى البائع، و ضميرا «له، عليه» إلى المثمن.

ص: 572

عدوانا أو اعتقادا (1) لزم من ذلك بناؤه على تملّك الثمن و التسلّط عليه. و هذا (2) معنى قصد بيعه لنفسه.

و حيث (3) إنّ المثمن ملك لمالكه واقعا. فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه.

فعلم من ذلك (4) أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتّى يتردّد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين (5)، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض، من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض

______________________________

(1) هذا و «عدوانا» بيان ل «بانيا» حيث إنّ بناء تملك المثمن إمّا أن يكون عدوانيا كما في الغاصب، و إمّا اعتقاديا، كمن يعتمد على حجة شرعية في تملكه للمال، مع كونه مال غيره في الواقع.

(2) أي: البناء على مالكية المثمن ملازم للبناء على مالكيته للثمن، و هذا معنى بيعه لنفسه.

(3) الغرض من قوله: «و حيث» إثبات معنى المعاوضة في إجازة المالك لبيع الفضولي مال غيره لنفسه، و حاصله: أنّ المال لمّا كان ملكا للمالك المجيز، فمجرد إجازته يدخل الثمن في ملكه، لخروج المثمن عن ملكه، فتحصل المعاوضة الحقيقية بين العوضين، بعد أن كانت صورة المعاوضة حاصلة بسبب بناء البائع الفضولي على ملكية المثمن له بينه و بين المشتري.

(4) أي: من انتقال العوض إلى المالك بإجازته يظهر أنّ قصد البيع لنفس البائع لا يكون مأخوذا في مفهوم الإيجاب حتّى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين، و هما ما ذكره المستشكل في صحة بيع الفضولي لنفسه بقوله في (ص 560): «فإن تعلّقت الإجازة بهذا الذي قصده البائع كان منافيا لصحة العقد .. إلخ».

(5) و هما هذان الأمران المشار إليهما بقولنا: «فان تعلقت الإجازة .. إلخ».

ص: 573

إلّا باقتضاء المعاوضة لذلك (1).

و لكن يشكل (2) فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير، فقال للبائع الأصيل: «تملّكت منك أو ملكت هذا الثوب بهذه الدراهم» فإنّ مفهوم هذا الإنشاء (3) هو تملّك الفضولي للثوب، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه، فلا بدّ (4) من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.

______________________________

(1) أي: لدخول العوض في ملك من خرج عنه المعوّض، فإنّ مفهوم المعاوضة هو هذا.

(2) يعني: يشكل جريان الجواب الذي ذكرناه بقولنا: «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز .. إلخ» فيما إذا كان الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير، و محصله:

أنّ ذلك الجواب واف بدفع المحذور بالنسبة إلى البائع الفضولي لنفسه. و لا يفي بدفعه بالنسبة إلى المشتري لنفسه بمال الغير. فإنّ ذلك الجواب- الذي كان مبنيّا على عدم اعتبار قصد البائع لنفسه في مفهوم الإيجاب- لا يجري هنا، لأنّ نفس مفهوم إنشاء المشتري الفضولي بقوله: «تملّكت» هو تملّك الفضولي للثوب، فلا مورد للإجازة لصاحب الدراهم حتى ينتقل الثوب إليه، بل إجازة هذا الإنشاء و تنفيذه تقتضي مالكية المشتري الفضولي للثوب، و هذا خلاف مقتضى المعاوضة.

و عليه فلا بد من التماس وجه آخر لدفع محذور «المنشأ غير مجاز، و المجاز غير منشأ» بالنسبة إلى المشتري الفضولي.

(3) أي: إنشاء المشتري الفضولي.

(4) يعني فلا بدّ في حلّ الاشكال من الالتزام بالتصرف في الإجازة و صرفها عن معناها- و هو التنفيذ- و جعلها ناقلة لغير ما أنشأه الفضولي الغاصب من تملّك المثمن لنفسه. و بهذا النقل المستأنف يصير الثوب المشتري ملكا لمالك الدراهم.

ص: 574

و بالجملة (1): فنسبة المتكلم الفضولي ملك [تملّك] المثمن إلى نفسه بقوله:

«ملكت أو تملّكت» كإيقاع (2) المتكلم الأصلي التمليك على المخاطب الفضولي (3) بقوله: «ملّكتك هذا بهذه الدراهم» مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك (4).

______________________________

(1) هذه الجملة تقرير آخر للإشكال الذي تقدم بقوله: «و لكن يشكل» و لا ربط لها بحلّ الاشكال بالالتزام بالنقل المستأنف.

و كيف كان فمحصل هذه الجملة: أنّ وزان نسبة الفضولي المشتري تملّك المثمن إلى نفسه بقوله: «تملّكت أو ملكت الثوب مثلا» وزان إيقاع مالك الثوب تمليكه على المخاطب الفضولي بقوله: «ملّكتك هذا الثوب بهذه الدراهم» في كون مفهوم الإنشاء مشتملا على التمليك، فإنّ إنشاء إيجاب مالك الثوب بقوله للمشتري الفضولي:

«ملّكتك» و إنشاء قبول الفضولي بقوله: «تملكت» مشتملان على التمليك.

(2) خبر لقوله: «فنسبة المتكلم».

(3) و هو المشتري الفضولي.

(4) أي: بكون الدراهم له أو لغيره، فإنّه مع اشتمال الصيغة على كاف الخطاب بقوله: «ملّكتك» لا يبقى مجال لإجازة المالك حتى ينتقل المال إليه، مثلا إذا قال مالك كتاب المكاسب للمشتري الفضولي الذي سرق درهمين من بكر: «ملّكتك هذا الكتاب بهذين الدرهمين» فهذا الإنشاء متكفل لمالكية المشتري الفضولي السارق للكتاب، فإذا أراد صاحب الدرهمين إجازة هذا الشراء كانت إجازة مضمون هذا الإنشاء مفيدة لملكية السارق للكتاب بدرهمين لبائع الكتاب، فلا ينتقل إلى مالك الدرهمين شي ء. و هو خلاف مقتضى المعاوضة.

و هذا بخلاف القبول في «قبلت» في صورة بيع الفضولي مال الغير لنفسه، لأنّ تملّك البائع الفضولي للثمن لم يؤخذ في إنشائه البيع لنفسه. فإجازة المالك الأصيل

ص: 575

و بهذا (1) استشكل العلّامة رحمه اللّه في التذكرة حيث قال: «لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال، من أنّ الآخر إنّما قصد تمليك العاقد» «1».

و لا ينتقض (2) بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته،

______________________________

تنقل الثمن إلى ملكه.

ففرق بين إجازة بيع البائع الفضولي و بين شراء المشتري الفضولي بقوله:

«تملّكت» أو بقول البائع الأصيل: ملّكتك الكتاب مثلا.

(1) يعني: بإشكال الإجازة في هذا المورد استشكل العلّامة قدّس سرّه أيضا في الفرع الذي ذكره، نظرا إلى أنّ الآخر مع جهله بفضولية العاقد يملّكه، و مع التمليك يشكل الإجازة.

و لا يخفى أنّ هذا الاشكال لا يختص ببيع الغاصب، بل يجري في مطلق الفضولي، لأنّ المشتري الجاهل يقصد ب «كاف» الخطاب تمليك هذا البائع، لا غيره، سواء باع لنفسه أم للمالك. و يشهد لهذا التعميم تقييد أشدية الإشكال في صورة علم المشتري بكون البائع غاصبا، فلاحظ قوله: «أمّا مع العلم فالأقوى ما تقدم- أي الوقوف على الإجازة- و في الغاصب مع علم المشتري أشكل» حيث إنّه رجّح الصحة في صورة علم المشتري بفضولية البائع، و خصّ شدة الاشكال بفرض علمه بكونه غاصبا.

(2) الناقض هو المحقق الشوشتري، فإنّه قدّس سرّه عدّ كلام العلّامة ثالث وجوه الاشكال على بيع الغاصب لنفسه، ثم ناقش فيه بقوله: «و يلزم عليه أنه لو باع الوكيل أو اشترى مع الآخر جرى الاشكال. و أنّه لو علم الآخر بكونه فضوليا و هو قد قصد البيع لنفسه كان أيضا موضع إشكال، لعدم مطابقة القصدين» «2» و غرض المصنف دفع هذا النقض عن كلام العلّامة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33، السطر 21.

ص: 576

لأنّه (1) حينئذ (2) إنّما يقصد به (3) المخاطب بعنوانه الأعمّ من كونه أصليّا أو نائبا، و لذا (4) يجوز مخاطبته و إسناد الملك إليه مع علمه (5) بكونه نائبا،

______________________________

أما النقض فهو: أنّه إذا كان جهل الآخر بالفضولية موجبا لإشكال الإجازة من المالك، حيث إنّ الآخر قصد تمليك العاقد، كان مقتضاه بطلان عقد الوكيل و نحوه مع جهل الآخر بوكالته، مع أن الفقهاء حكموا بصحة عقد الوكيل و الولي مع جهل العاقد الآخر بالوكالة و الولاية.

فالأصيل يملّك الوكيل و الوليّ مع عدم قابليتهما للتملك، لكون المال للموكّل أو للمولّى عليه. و حكمهم بالصحة كاشف عن إلغاء قصد الأصيل في مخاطبة الوكيل و الولي، فليكن المقام كذلك، و أنّه لا عبرة بقصد الأصيل و لا بخطابه للفضولي، فلا وجه لاستشكال العلّامة قدّس سرّه، بل لا بدّ من الحكم بالصحة.

و أمّا الدفع فهو: أنّ العاقد الجاهل بوكالة العاقد الآخر أو ولايته إنّما يقصد بخطابه له بمثل: «بعتك» مخاطبا عامّا يشمل الأصيل و الولي و الوكيل، لا مخاطبا شخصيا لا يعمّ غيره، بأن يقصد شخص المخاطب بما هو مخاطب.

و هذا بخلاف من يخاطب الفضولي، فإنّه قاصد لتمليك الثمن له بشخصه، لا بما يعمّ الغير و هو المالك. فظهر الفرق بين المقام و الوكالة.

(1) تعليل لقوله: «لا ينتقض» فهذا دفع النقض المتقدم. أي: لأنّ العاقد- الجاهل بوكالة العاقد الآخر أو ولايته- إنّما يقصد .. إلخ.

(2) أي: حين جهل أحد المتعاقدين بوكالة الآخر أو ولايته.

(3) أي: يقصد بتمليكه المخاطب، و ضميرا «بعنوانه، كونه» راجعان إلى المخاطب.

(4) يعني: و لأجل أنّ الجاهل بوكالة الآخر يقصد مخاطبا عامّا جاز له هذه المخاطبة، و إسناد الملك إليه.

(5) أي: علم العاقد، و ضميرا «مخاطبته، إليه» راجعان إلى النائب.

ص: 577

و ليس (1) إلّا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا، فإذا صحّ اعتباره نائبا صحّ اعتباره على الوجه الأعمّ من كون نائبا أو أصليّا. أمّا الفضولي فهو أجنبي عن المالك، لا يمكن فيه ذلك الاعتبار (2).

و قد تفطّن بعض المعاصرين (3) لهذا الإشكال (4) في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب لنفسه (5).

______________________________

(1) يعني: و ليس جواز المخاطبة و إسناد الملك إليه- مع علمه بكونه نائبا لا مالكا- إلّا بملاحظة أعمية المخاطب من الأصيل و النائب. و هذا بخلاف الفضولي، فإنّه لأجنبيته عن المالك لا يمكن فيه اعتبار أعمية المخاطب، فلا يجوز إسناد الملك إليه، و لا يصحّ مخاطبته بمثل: ملّكتك.

(2) أي: اعتبار التخاطب على الوجه الأعم من الأصلي و النائب.

(3) لعلّ المستشكل هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، فإنّه نقل وجوها خمسة لبطلان بيع الغاصب، و ارتضى ثانيها، و عمّم الإشكال لشراء الفضولي لنفسه، فقال: «إذا باع الفضولي أو اشترى لنفسه، و كان المبيع أو الثمن مال الغير، ثم أجاز المالك فالانتقال امّا من المالك و إليه، أو من الفضولي و إليه، أو من المالك و إلى الفضولي، أو عكس ذلك ..» ثم أبطل الجميع، و التزم ببطلان بيع الغاصب و شرائه لنفسه، فراجع «1».

(4) و هو ما أفاده المصنف قدّس سرّه بقوله في (ص 574): «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا».

(5) حيث قال- في ردّ من تصدّى لدفع الاشكال المتقدم آنفا- ما لفظه:

«و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين، فلا يكتفى بإجازة الفضولي إذا أوقعه عن نفسه .. بل يجدّد العقد» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 32 و 33.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 578

مع (1) أنّه لا يخفى مخالفته للفتاوى و أكثر النصوص (2) المتقدمة في المسألة كما اعترف به أخيرا (3).

______________________________

(1) هذا ردّ للالتزام ببطلان شراء الغاصب لنفسه، و كان الأنسب أن يقول:

«لكن فيه: أنّه مخالف للفتاوى» أو «لكنه مخالف للفتاوى .. إلخ». و تقدّم في (ص 540) نقل عبارة المقابس المتضمنة لفتاوى جماعة ممّن قال بصحة بيع الغاصب بإجازة المالك.

(2) الظاهر إرادة نصوص الاتجار بمال اليتيم المتقدمة في (ص 438) و النص الوارد في الودعي الذي تقدم مضمونه في (ص 531) و غيرهما.

و لا يخفى أن مخالفته للفتاوى تقدح إذا كانت المسألة إجماعية، و المفروض عدم إجماع في البين. فلا تقدح المخالفة المزبورة.

نعم هذا الجواب- أي: الالتزام ببطلان العقد- التزام بالإشكال، أعني به كون الإجازة موجبة لانتقال المبيع إلى مالك الثمن.

(3) لم أظفر في المقابس باعترافه بدلالة أكثر النصوص على صحة بيع الغاصب أو شرائه. نعم ورد هذا الاعتراف في كلامه «إن قلت» مما يقصد قائله تصحيح بيع الغاصب و وقوعه للمالك بإجازته، حيث قال: «يمكن دفع المحذورات الثلاثة بأسرها، أما الأوّل و هو المخالفة للقصد فبما سبق من عدم اعتباره فيما إذا كانت المعاملة جهة واحدة تقع عليها، فإنّ تعيّن الجهة مغن عن القصد .. و يشهد للحكم هنا تتبع كلمات الأصحاب في تضاعيف الأحكام، و حكاية بيع عقيل دار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و رواية مسمع السابقة، فإنّ الظاهر وقوع معاملات الودعي عن نفسه، و رواية ابن أشيم ..

و الروايات الواردة في النكاح. فإنّ ظاهرها عدم قصد وقوع النكاح عن المولى، أو الولي، أو الزوجين، بل قصد الاستقلال بالأمر» «1» لكن صاحب المقابس تنظّر في هذا الكلام و قال: «قلت: باب المناقشة فيما ذكر واسع».

و لعلّ مراد المصنّف قدّس سرّه من بعض المعاصرين الشيخ الأعسم صاحب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 579

و اخرى (1) بأنّ الإجازة إنّما تتعلّق بنفس مبادلة العوضين و إن كانت خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها (2).

و فيه (3): أنّ حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها في الاشكال- أعني قول المشتري الغاصب: تملّكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم-

______________________________

كشف الظلام، خصوصا مع تعارف التعبير عن المحقق الشوشتري ب «بعض المحققين» أو «ببعض من عاصرناه».

(1) غرضه من هذا الالتزام تصحيح الإجازة، بأن يقال: إنّ متعلّق الإجازة نفس مبادلة العوضين مع الغضّ عن خصوصية تملك المشتري الغاصب للمثمن، و إن كانت مأخوذة في المبادلة في مقام الإنشاء بقوله: «تملّكت المثمن».

(2) أي: في المبادلة، لدلالة «تملّكت أو ملكت» على خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن. ثم إنّ السيد الطباطبائي قدّس سرّه تعرّض لهذا الإشكال في حاشيته على المتن، فراجع «1».

(3) يعني: و في التزام المتفطن المعاصر بكون الإجازة متعلّقة بنفس مبادلة العوضين إشكال، و هو: أنّ حقيقة العقد- و هي قوله: تملكت- ليست في الخارج مركّبة من شيئين، و هما إنشاء المبادلة و إنشاء ملكية المثمن للمشتري، حتى تصح المبادلة بإجازة مالك الثمن أعني الدراهم، و يصير المثمن ملكا للمجيز، و هو صاحب الدراهم. بل حقيقة العقد بسيط، و هي إنشاء المشتري الفضولي تملكه للمبيع، و إجازة المالك الأصيل للدراهم لا تجدي في تملكه للمبيع، بل تملكه له محتاج إلى عقد جديد و ناقل مستأنف.

و الحاصل: أنّ إجازة مضمون هذا العقد تجدي في مالكية المشتري الفضولي للمبيع، و هو خلاف مقتضى المعاوضة، إذ يلزم خروج الثمن عن ملك مالكه من دون عوض، لأنّ المفروض اقتضاء الإجازة لصيرورة المبيع ملكا للمشتري الغاصب

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 143.

ص: 580

ليس (1) إلّا إنشاء تملّكه للمبيع، فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملّك المالك الأصلي (2) له، بل يتوقف على نقل مستأنف.

فالأنسب في التفصي (3) أن يقال: إنّ نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه في قوله: «تملّكت منك» قول غيره له: «ملّكتك» ليس من حيث هو، بل من حيث

______________________________

الفضولي من دون عوض يخرج من ملكه.

(1) خبر «انّ» و الأولى تأنيث «ليس».

(2) و هو صاحب الدراهم، و ضمير «له» راجع إلى «المبيع».

(3) أي: في التخلص عن الاشكال المتقدم- في شراء الغاصب لنفسه شيئا- بقوله: «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي ..». توضيح ما أفاده في دفع الاشكال:

أنّه لا بدّ في تحقيق المعاوضة المعتبرة في البيع من الالتزام بالبناء على مالكية المشتري للثمن و لو ادّعاء حتى لا نقع في إشكال عدم تحقق مفهوم البيع. و بعد البناء على مالكية الثمن يصير معنى «تملّكت» إلى: «أنّي صرت مالكا لهذا المبيع بما أنّي مالك للثمن» فحيثية مالكية المشتري للثمن ملحوظة جهة تقييدية. و الحكم الثابت للحيثية التقييدية ثابت لنفس الحيثية أوّلا و بالذات، من دون دخل شي ء في موضوعية تلك الحيثية، كما في قولك: «الخمر حرام لأنه مسكر» فإنّ مقتضاه كون المسكر موضوعا للحكم بحيث يدور الحكم مداره، و عدم دخل شي ء من اللون أو غيره في الحرمة.

فالملك يسند إلى المالك بما هو مالك، و ليس ذلك إلّا مالك الدراهم، فإجازته توجب انتقال المبيع إليه، لأنّه مالك الدراهم حقيقة، دون المشتري الفضولي الذي بنى على ملكية الثمن له عدوانا أو اعتقادا حتى يتملّك به المثمن.

و الحاصل: أنّ قصد المعاوضة يتمشّى من المالكين الحقيقيين أو الادّعائيّين.

و الحكم تابع للحيثية التقييدية الواقعية، لأنّها موضوع الحكم، فإجازة المالك الحقيقي للدراهم إجازة للعقد الواقع بين المالين لمالكيهما الواقعيين، فينتقل المبيع إلى من هو مالك واقعي للدراهم.

ص: 581

جعل نفسه مالكا للثمن (1) اعتقادا (2) أو عدوانا، و لذا (3) لو [1] عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته، ضرورة (4) عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال (5) بإزاء مال غيره. فالمبادلة الحقيقية (6) من العاقد

______________________________

(1) حتى يتملّك المبيع بهذا الجعل، و لذا لو عقد لنفسه بدون بنائه على مالكيته للثمن نلتزم بلغوية هذا العقد، لعدم تحقق المبادلة بين المالين بدون الإضافة إلى مالكيهما.

(2) الاعتقاد بالملكية فيما قامت حجة عليها كاليد و الاستصحاب، و العدوان في الغاصب.

(3) أي: و لأنّ إضافة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه ليس بلحاظ شخصه- بل بلحاظ بنائه على كونه مالكا- فلو عقد لنفسه بدون هذا البناء كان لغوا.

(4) تعليل للغوية العقد.

(5) أي: المثمن الذي يشتريه الفضولي بإزاء الثمن المغصوب الذي لم يبن على تملكه.

(6) هذه عبارة أخرى لقوله: «ان نسبة الملك إلى الفضولي .. ليس من حيث هو، بل من حيث جعل نفسه مالكا .. إلخ».

______________________________

[1] فيه: أنّ نفس مفهوم المبادلة لا تتوقف على جعل نفسه مالكا، و إنّما حيثية إضافة المبادلة إلى نفسه منوطة بقصد كونه مالكا للثمن حتى يتملّك المثمن، بل جعل نفسه مالكا مفقود في أكثر الغاصبين للأموال المتعاملين بها، بل لو سئل عنهم: «أنّكم بنيتم على مالكيتكم لها حين إجراء المعاملات عليها» لاعترفوا بأنّهم كيف يبنون على الملكية؟ مع علمهم بأنها أموال الناس، و سرقوها أو غصبوها بنحو آخر. فتحقق المبادلة لا يتوقف على جعلهم مالكين لتلك الأموال، بل نفس قصد التبديل بدون البناء على المالكية كاف في تحقق مفهوم البيع.

ص: 582

لنفسه لا يكون إلّا إذا كان مالكا حقيقيّا أو ادّعائيا، فلو لم يكن (1) أحدهما و عقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة و المبادلة حقيقة. فإذا قال الفضولي الغاصب المشتري لنفسه: «تملّكت منك كذا بكذا» (2) فالمنسوب إليه التملك إنّما هو المتكلم لا من حيث هو (3)، بل من حيث عدّ نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا.

و حيث إنّ الثابت للشي ء (4) من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند (5) إليه التملّك حقيقة هو المالك للثمن (6)، إلّا (7) أنّ الفضولي لمّا بنى على أنّه

______________________________

(1) أي: فلو لم يكن العاقد مالكا حقيقيا أو ادعائيا لم يتحقق المعاوضة .. إلخ.

(2) كقوله: «تملّكت منك هذا الثوب بهذه الدراهم من حيث إنّي مالكها».

(3) أي: لا من حيث هو زيد، أو عالم، أو غير ذلك ممّا له من علائم التشخص، بل من حيث صدق عنوان «المالك» عليه، حقيقة أو عدوانا.

(4) و هو تمليك الثوب الثابت لهذا المشتري من حيث تقيده بكونه مالكا، لا من حيث سائر الجهات.

(5) هذه نتيجة قياس، صغراه: أن تملك الثوب منسوب إلى المتكلم بما هو مالك، و كبراه: كلّما ثبت لشخص المالك بما أنه حيثية تقييدية فهو ثابت لعنوان المالك يدور الحكم مداره. و النتيجة: أن ملكية الثوب مقيدة واقعا بكونها لمالك الدراهم حقيقة.

و ليست مطلقة حتى تضاف و تنسب حقيقة إلى غير المالك كالفضولي. كما إذا قيل:

«صلّ خلف زيد العادل» فإنّ موضوع جواز الاقتداء هو وصف العادل، لا خصوصية زيد المعروض للعدالة و الموصوف بها.

(6) حتى يتحقق ما اعتبر في مفهوم البيع بنظر المصنف قدّس سرّه من دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض و بالعكس.

(7) بعد أن أثبت إسناد الملك إلى مالك الدراهم واقعا نبّه على أنّ إسناده إلى الغاصب غير قادح في وقوع الشراء للمغصوب منه، و ذلك لأنّ هذا الإسناد ظاهري

ص: 583

المالك المسلّط على الثمن أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن إلى نفسه.

فالإجازة (1) الحاصلة من المالك متعلّقة بإنشاء الفضولي، و هو التملك المسند إلى مالك الثمن، و هو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك (2) انتقال المثمن إليه (3)، هذا [1].

______________________________

ناش من تنزيل الغاصب نفسه منزلة المغصوب منه.

(1) هذه نتيجة تقييدية حيثية المالكية، إذ الإجازة حينئذ تتعلّق حقيقة بإنشاء التملك المسند إلى من هو مالك الثمن واقعا، و لازمه انتقال المثمن إليه تحقيقا لمفهوم المعاوضة، فالإجازة لا تغاير ما أنشأه الفضولي. و هذا من غير فرق بين الإيجاب الفضولي و الشراء الفضولي.

(2) أي فيلزم من كون مالك الثمن هو المجيز انتقال المثمن إليه. هذا تمام ما حققه المصنف في دفع إشكال شراء الفضولي لنفسه بمال الغير، كما دفع فيما سبق إشكال بيع الفضولي لنفسه.

و قد تحصّل أنّ المنشأ هو المجاز، فاندفع المحذور الرابع في بيع الغاصب من قوله:

«فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، و المجاز غير منشأ». و هناك وجه آخر لدفع المحذور- سواء في بيع الفضولي لنفسه و شرائه له- أفاده الفقيه كاشف الغطاء، و وافقه بعض أجلة تلامذته، و سيأتي بيانه.

(3) بمقتضى طبع المعاوضة، فإنّ المثمن ينتقل إلى مالك الثمن و بالعكس إن كان العوضان مملوكين.

______________________________

[1] فيه أوّلا: أنّ بناء الفضولي على المالكية أخص من المدّعى، إذ ليس بناء جميع الفضوليين- كالغاصبين- على مالكيّتهم حتى يقال: إنّهم طبّقوا طبيعي المالك الذي هو جهة تقييدية على أنفسهم.

ص: 584

______________________________

و ثانيا: أنّ هذا البناء- مع فرض اعتبار دخول أحد العوضين في ملك من خرج العوض الآخر عن ملكه في حقيقة البيع- لا يفيد شيئا، لأنّ مجرّد هذا البناء لا يوجب الدخول في الملك حقيقة، إذ ليس هذا البناء مملّكا، لا شرعا و لا عرفا.

فالحق إن يقال: انّ البيع ليس إلّا تبديل مال بعوض. و أمّا دخول كل من المالين في ملك من خرج المال الآخر عن ملكه فليس بمعتبر فيه، كما إذا كان العوضان أو أحدهما وقفا. فالبيع يتحقق حقيقة بقصد هذا التبديل و إن كانت عبارة القبول «تملّكت أو ملكت» فإنّ التملك من لوازم التبديل إن لم يكن العوضان أو أحدهما وقفا، و قصد اللازم يستلزم قصد الملزوم و هو التبديل، فإذا أجاز مالك الثمن هذا التبديل صحّ الشراء، لأنّه وليّ أمر هذا الشراء، فإن أطلق الإجازة كان المثمن له، لأنّه مقتضى إطلاق ولايته على الشراء بماله.

و إن قيّده، و قال: «أجزت هذا الشراء للمشتري الفضولي» كان المثمن للفضولي.

و لا يقدح هذا في صدق البيع الذي هو تبديل عين بعوض. إذ قد عرفت عدم اعتبار دخول كلّ من العوضين في ملك من خرج العوض الآخر عن ملكه في حقيقة البيع. بل حقيقة البيع في كلتا صورتي إطلاق الإجازة و تقييدها ثابتة.

و ثالثا: أنّ تقييدية جهة المالكية- بعد تسليمها- لا تقتضي وقوع العقد للمالك الأصلي بالإجازة، إذ الغاصب لا يقصد تملّك مطلق المالك، بل يقصد تملك مالك خاص، و هو نفسه، بحيث لا يقبل الانطباق على المالك الحقيقي حتى يقع له العقد بالإجازة.

و نزيد هنا توضيحا، فنقول و به نستعين: إنّ مجرّد الجهة التقييدية لا يوجب سراية حكم ثابت لفرد من أفراد تلك الجهة إلى سائر أفرادها مطلقا و في جميع الموارد، بل السراية إليها منوطة بقابلية ذلك الحكم للسراية. فإذا قال: «أعطيت أجرة زيدا البنّاء لبنائه داري» فإنّه لا يدلّ على إعطاء أجور سائر من بنى له من البنّائين. بخلاف ما إذا قال:

ص: 585

______________________________

«أكرم زيدا العالم، لكونه عالما» سرى الحكم- و هو وجوب الإكرام- إلى سائر أفراد العالم، لأنّه حكم كلي أنشئ على طبيعي العالم المستفاد من قوله: «لكونه عالما».

و بالجملة: البناء على سراية الحكم المعلّق على فرد من أفراد الجهة التقييدية إلى سائر الأفراد التي لم يعلّق عليها ذلك الحكم غير سديد. و بدون إثبات ذلك لا يتم المطلوب، و ذلك لاختصاص الحكم بتلك الحصة، و عدم صلاحيته للسراية إلى سائر الحصص.

و من هذا القبيل ما نحن فيه، فإذا قال المشتري الفضولي الغاصب لدينار من زيد مثلا: «تملّكت هذا الثوب بهذا الدينار» أو قال البائع: «ملّكتك هذا الثوب بهذا الدينار» فقد علّق المشتري الحكم الذي هو الاشتراء بالغاصب المدّعي للمالكية التي هي حيثية تقييدية لهذا الاشتراء كما يقول به الشيخ. إلّا أنّ هذا الحكم لا يثبت لجميع أفراد المالك حتى يثبت للمالك الحقيقي المجيز، بل لخصوص الحصة التي هي في ضمن فرد خاص، و هو الغاصب المشتري لنفسه، لكون المنشأ- و هو الاشتراء- واحدا خارجيا و جزئيا حقيقيّا مختصّا بالمشتري الغاصب و قائما به. و لا يتعدّى إلى غيره و إن كان مالكا حقيقيا.

و كذا قول البائع: «ملكتك» فإنّ التمليك و إن كان للمشتري الغاصب المدّعي لمالكية الثمن- و هو الدينار- في المثال. إلّا أنّ هذا الحكم الجزئي لا يقبل التعلق بغير المشتري الغاصب، لأنّه المخاطب في حال إنشاء البيع، و لا يشمل المالك الحقيقي، إذ المخاطب شخص خاص، و الحكم الثابت له لا يتعدّى إلى غيره، فإنّه مثل المثال المذكور، و هو قوله: «أعطيت أجرة زيد البنّاء» مع كون البنّاء هناك حيثية تقييدية أيضا.

فصارت النتيجة: أنّ ما تفصّى به المصنّف قدّس سرّه- من جعل المالكية حيثية تقييدية- عن الاشكال، و هو ما أفاده بقوله في (ص 574): «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا» لا يدفع الإشكال.

ص: 586

[أدلة صحة هذه الصورة]
اشارة

مع (1) أنّه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي موجبة

______________________________

(1) ظاهره تصحيح شراء الفضولي لنفسه بالإجازة بحيث يصير العوض ملكا للفضولي، كما صحّحته لمالك الثمن، بحيث يصير المثمن ملكا له. فالغرض من هذه العبارة تصحيح البيع بالإجازة حتى لنفس الفضولي الذي هو أبعد من صحته للمالك الذي قد وجّهنا صحّته له، بجعل المالكية من الجهات التقييدية، فإنّ الإجازة تطابق مضمون العقد، و هو شراء الفضولي لنفسه، و صيرورة الثمن له، و لا تغايره حتى نحتاج إلى جعل المالك جهة تقييدية، بل الإجازة تجعل المشتري الفضولي مالكا للمثمن. فالشراء صحيح مطلقا سواء أ كان لمالك الثمن بتقريب الجهة التقييدية

______________________________

و الفقيه المامقاني قدّس سرّه قال: «فالحق أنّ الحكم في هذا المقام غير مطابق للقواعد، فإن تمّ الإجماع أو دلالة النصوص فذاك، و إلّا كان اللازم هو الحكم بالبطلان».

لكن قد تقدّم آنفا إمكان تصحيح شراء الفضولي الغاصب لنفسه، بأن يقال: إنّ حقيقة البيع في جميع الموارد بمعنى واحد، و هو تبديل عين بعوض، سواء أ كان في الأوقاف أم في الأموال المملوكة. و ليس دخول كل من العوضين في ملك الآخر معتبرا في حقيقة البيع. و من المعلوم أن قصد التبديل في بيع الغاصب و شرائه موجود، لكونه ملزوما للتمليك و التملك، و المجيز يجيز التبديل الذي هو البيع الواقع فضولا.

فالمتحصل ممّا ذكرنا: قابلية عقد الفضولي- إيجابا و قبولا- لإجازة المالك، و صيرورة نتيجة العقد من ملكية الثمن أو المثمن له إن لم يكن مانع عن التملك، و إلّا كانت نتيجة العقد الوقفية، كما إذا باع مصالح البناء كالحديد و الجصّ و السمنت على متولي المسجد لتعميره، فإنّ هذه المصالح لا تصير ملكا للمتولي بعد إجازته شراء الفضولي لتلك المصالح بأجور أوقاف المسجد، أو بالأموال التي تبرّع بها المتبرعون لتعميراته أو لتأسيسه. و مع ذلك يكون البيع بمعناه العرفي المتقدم ثابتا فيها كثبوته في سائر الموارد على وزان واحد.

ص: 587

لصيرورة العوض ملكا للفضولي، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد (1)، و تبعه غير واحد من أجلّاء تلامذته.

و ذكر بعضهم (2)

______________________________

- التي دفع بها المصنف إشكال مغايرة ما وقع لما أجيز- أم للمشتري الفضولي كما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه.

فالظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من قوله: «مع انه ربما .. إلخ»، هو إثبات صحة العقد و إن لم يكن تصحيحه لمالك الثمن لأجل مغايرة الإجازة لما وقع، إذ يصح للفضولي بدون محذور مغايرة ما وقع للإجازة.

(1) قال في محكيّها: «و لو أجازه المالك على نحو ما قصده الغاصب به احتمل رجوعه إلى هبة و بيع معا، كقوله: اشتر بمالي لنفسك كذا. و أمّا مع قصد الغاصب تمليك نفسه ثم البيع فلا بحث في رجوعه إلى ذلك. و لو باع المالك عن غيره صحّ البيع عن المجيز» «1».

و الظاهر كفاية رجوع الإجازة إلى الهبة عن رجوعها إلى البيع، لأنّ وقوع البيع في مال الفضولي الذي صار مالكا بالهبة كاف في صحة البيع، من دون حاجة إلى رجوع الإجازة إلى البيع، إذ المفروض وقوع البيع في ملك الأصيل بعد حصول الهبة.

(2) لعلّ المراد به صاحبا المقابس و الجواهر «2»، حيث إنّهما صحّحا بهذين الوجهين بيع غير المالك، فصاحب الجواهر قدّس سرّه صحّح بهما جواز التصرفات المنوطة بالملك للمتعاطيين بناء على ترتب الإباحة عليها، و تقدم نقل بعض كلامه في (ج 2، ص 97) فراجع.

و صاحب المقابس قدّس سرّه و إن ذكر ما نقله المصنف في المتن، و لكنه ذكرهما

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، الورقة 60

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33، السطر 16، جواهر الكلام، ج 22، ص 218 و 225 و 232.

ص: 588

ذلك (1) وجهين:

[أحدهما كون صحة إجازة عقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي]

أحدهما (2): أنّ قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه

______________________________

بعنوان «ان قلت» ثم أجاب عن الاشكال بقوله: «قلت: باب المناقشة فيما ذكر واسع.

و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محل اليقين، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه .. إلخ».

فلعلّ المصنف قدّس سرّه وقف على عبارة أخرى لصاحب المقابس، أو كان مراده غيره من أجلّاء تلامذة الشيخ الكبير ممّن لم نطّلع عليه كصاحب كشف الظلام.

ثم إن تعبير المصنف ب «ربما يلتزم» دون التعبير ب «و يندفع الاشكال» لعلّه لأجل أنّ كلام شارح القواعد لا يدفع المحذور المتقدم من أن «المجاز غير المنشأ» و إنّما غرضه تصحيح وقوع العقد للغاصب و عدم محذور فيه، إذ المحذور كله في تصحيحه للمغصوب منه، فلو أمكن وقوعه للغاصب بفرض كون مآل الإجازة إلى هبة المال إليه قبل بيعه و شرائه حتى تقع المعاوضة في ملكه لم يبق موضوع لمحذور «أن المجاز غير المنشإ» لصيرورة المغصوب ملكا للغاصب، فهو كسائر الملّاك يبيع و يشتري بمال نفسه.

(1) أي: كون صحة إجازة عقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا للفضولي.

(2) توضيحه: أنّ بيع مال الغير عن نفسه- كبيع زيد ثوب عمرو عن نفسه لا عن عمرو، و كذا شراء متاع لنفسه بمال الغير- بعد البناء على صحتهما يتضمّن تملكه قبل انتقاله إلى الغير، حتى يكون الانتقال عن ملكه، فإنّ عتق عبد الغير عنه بقوله: «أعتق عبدك عنّي» تمليك ضمني يحصل بالبيع أو الشراء، فيدخل العبد في ملك من قال: «أعتق عبدك عنّي» ثم يعتق. و كذا الحال في المقام، فإنّ إجازة المالك تصحّح البيع و الشراء، و صحتهما تتضمن انتقال المال إلى الفضولي حين البيع أو الشراء، ثم

ص: 589

جعل (1) ذلك المال له (2) ضمنا، حتى أنّه على فرض صحة ذلك البيع و الشراء تملّكه قبل انتقاله (3) إلى غيره ليكون انتقاله (4) إليه عن ملكه. نظير ما إذا قال:

«أعتق عبدك عنّي» (5) أو قال: «بع مالي عنك أو اشتر لك بمالي كذا» (6) فهو (7) تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء.

و نقول في المقام أيضا (8): إذا أجاز المالك صحّ البيع و الشراء،

______________________________

منه إلى غيره.

(1) خبر قوله: «ان قضية».

(2) أي: للمخاطب الفضولي، و هو المراد بقوله: «عن نفسه» فمال زيد يصير أوّلا مال عمرو العاقد الفضولي، ثم ينتقل منه إلى بكر، فيصير المثمن ملكا لعمرو، لخروج الثمن عن ملكه، فينتقل إليه بدله و هو المثمن.

(3) أي: قبل انتقال المال إلى غير الفضولي.

(4) أي: ليكون انتقال المال إلى الغير عن ملك الفضولي.

(5) هذا مثال تضمن الأمر تملك العبد آنا قبل العتق حتى يقع في ملك الآمر.

(6) هذان مثالان لمالكية المأمور ضمنا حتى يقع البيع و الشراء في ملكه.

(7) أي: فهذا الجعل تمليك ضمني، و ضمير «ببيعه» راجع إلى «ذلك المال» و هو مال الغير. و حاصله: أنّ الجعل المذكور تمليك ضمني لمال الغير لنفسه، و تملك له يحصل ببيع ذلك المال و شرائه. و إجازة المالك في المقام تكون مثل قوله: «بع مالي عن نفسك» في الدلالة على تمليك المبيع للعاقد حتى يصير البيع عن نفسه، و يكون الثمن له تحقيقا للمعاوضة، فتكون الإجازة اللّاحقة للعقد كالإذن السابق في حصول الملكية أوّلا للفضولي، ثم انتقال المال منه إلى غيره ثانيا.

(8) يعني: أنّ ما ذكروه من الملك الضمني في الأمثلة المتقدمة مسلّم، فلتكن الإجازة مقتضية لمالكية الغاصب ضمنا.

ص: 590

و صحّته (1) يتضمّن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء. فكما أنّ الإجازة المذكورة تصحّح البيع أو الشراء، كذلك تقضي بحصول الانتقال الّذي يتضمّنه البيع الصحيح (2)، فتلك الإجازة اللّاحقة قائمة مقام الإذن السّابق قاضية (3) بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه، و لا مانع منه (4).

[الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد]

الثاني: أنّه (5) لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه، بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه أو الشراء به،

______________________________

(1) يعني: و صحة البيع تتضمّن انتقال مال المغصوب منه إلى الغاصب حين بيع المال للأصيل، أو الشراء منه.

(2) و هو البيع المجاز، فإنّه يتضمّن أوّلا انتقال المال من مالكه إلى الفضولي. و منه إلى غيره ثانيا. فالإجازة تملّك المبيع للعاقد، فيقع البيع في ملكه.

فحاصل الوجه الأوّل من وجهي صحة عقد الفضولي لنفسه- بحيث يصير العوض ملكا له- هو: تضمّن الإجازة كالإذن السابق تمليك المالك العوض للفضولي، حتى يخرج المال عن ملكه و يدخل بدله في ملكه.

(3) خبر ثان لقوله: «فتلك الإجازة».

(4) أي: و لا مانع من كون الإجازة اللاحقة قائمة مقام الاذن السابق و قاضية بتمليكه المبيع.

(5) هذا إشارة إلى ثاني وجهي صحة وقوع عقد الفضولي لنفسه لا للمالك و سوق البيان يقتضي أن يقول: «ثانيهما» بدل «الثاني».

و كيف كان فمحصله: أنّه لا دليل على اعتبار كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال بدله إليه، بل يكفي في ذلك إذن المالك له في بيعه لنفسه أو الشراء به. فلو قال لعمرو: «بع هذا الثوب لنفسك» أو «اشتر بهذا الدينار ثوبا لك» ملك الثمن في المثال الأوّل بانتقال المبيع عن مالكه الذي أذن للمخاطب في بيعه إلى المشتري، لا بانتقال

ص: 591

فلو قال: «بع هذا لنفسك» أو «اشتر لك بهذا» ملك الثمن في الصورة الأولى (1) بانتقال المبيع عن مالكه (2) إلى المشتري، و كذا ملك المثمن في الصورة الثانية (3) [1].

______________________________

المبيع عن المخاطب المأذون في بيعه.

و بهذا ظهر الفرق بين هذا الوجه و سابقه، لاقتضاء الوجه الأوّل مالكية المتصرف للمال آنا قبل البيع حتى يقع التصرف في ملكه، بخلاف الثاني، لكفاية إذن المالك في صحة تصرف غيره في المال بإطلاق السلطنة.

(1) و هي قوله: «بع هذا لنفسك».

(2) و هو الذي قال: «بع هذا لنفسك».

(3) و هي قوله: «اشتر لك بهذا» فإنّه بعد مالكيته للثمن يصير مالكا للمثمن، لأنّه مقتضى المعاوضة.

______________________________

[1] يمكن أن يوجّه كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه بوجه آخر أسهل من الوجهين المذكورين مع الغضّ عن قوله: «احتمل رجوعه إلى هبة و بيع معا» بأن يقال: إنّ إجازة مالك الثمن لشراء المشتري الفضولي لنفسه إعراض عن المال و إذن للمشتري في تملكه له. فالإجازة حاكية عن الإعراض الذي حقيقته رفع المنع عن تملك الغير للمال المعرض عنه، و ليس الإعراض بنفسه رافعا للملكية، بل هو رافع لمنع تملك الغير له.

و عليه فتملك المشتري الفضولي للثمن منوط بقصد التملك، و المفروض حصوله، لأنّه بنى على ملكية ذلك المال له. و لا يحتاج إلى توكيل و إيجاب و قبول، إذ الهبة المذكورة في كلام كاشف الغطاء تحتاج إلى توكيل في إيجاب الهبة و قبولها، فإنّ كلّا من التوكيل و الهبة عقد مركّب من إيجاب و قبول، و تكفّل الإجازة لهما محتاج إلى دليل.

ص: 592

و يتفرّع عليه (1) أنّه لو اتّفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع الملك إلى مالكه دون العاقد.

أقول: و في كلا الوجهين نظر.

أمّا الأوّل (2) فلأنّ صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما تقدم (3) في بعض فروع المعاطاة. مع أنّ قياس الإجازة على الإذن

______________________________

(1) أي: على الوجه الثاني المذكور بقوله: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط ..»

و محصله: أنّه لو اتّفق فسخ المعاوضة، فعلى هذا الوجه الثاني يرجع الملك إلى مالكه لا إلى العاقد، إذ المفروض أنّ المال لم ينتقل إلى العاقد، و لم يخرج من ملكه حتى يعود إلى ملكه، و إنّما خرج عن ملك مالكه. فبعد الفسخ يرجع إليه لا إلى العاقد.

و أمّا بناء على الوجه الأوّل، فعلى القول بانتقال المال إلى العاقد حقيقة و خروج المبيع عن ملكه بالبيع آنا فلا بدّ أن يرجع المبيع بعد الفسخ إليه، لا إلى المالك.

و على القول بالملك الضمني التقديري- أي حكم الملك- فيرجع إلى المالك دون العاقد، لعدم خروجه عن ملكه.

(2) و هو ما ذكره بقوله: «أحدهما: أنّ قضية بيع مال الغير عن نفسه و الشراء بمال الغير لنفسه» و محصّل وجه النظر فيه أمران:

أحدهما: أنّ الصحة في المقيس عليه ممنوعة فضلا عن المقيس، توضيحه: أنّه قد مرّ في المعاطاة: أنّ إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك غير جائزة إلّا في مقامين ليس المعاطاة منهما.

(3) تقدّم منه في رابع تنبيهات المعاطاة: انّ إباحة جميع التصرفات حتى ما يتوقف منها على الملك غير جائزة إلّا في مقامين ليس المعاطاة منهما. قال قدّس سرّه:

«أحدهما: أن يقصد المبيح بقوله: أبحت لك أن تبيع مالي لنفسك أن ينشأ توكيلا له في بيع ماله له، ثم نقل الثمن إلى نفسه بالهبة. أو في نقله أوّلا إلى نفسه ثم بيعه. أو تمليكا له بنفس هذه الإباحة، فيكون إنشاء تمليك له. و يكون بيع المخاطب بمنزلة قبوله» إلى أن

ص: 593

قياس مع (1) الفارق، لأنّ الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء (2) تقدير الملك آنا ما قبل البيع. بخلاف الإجازة، فإنّها لا تتعلّق إلّا

______________________________

قال: «و من المعلوم بحكم الفرض أنّ المقصود فيما نحن فيه ليس إلّا مجرّد الإباحة ..

الثاني: أن يدلّ دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرّد الإباحة، فيكون كاشفا عن ثبوت الملك له عند إرادة البيع آنا ما فيقع البيع في ملكه» «1».

(1) إشارة إلى ثاني الأمرين من النظر، و محصله: أنّ قياس الإجازة على الإذن قياس مع الفارق، لأنّ دلالة الاقتضاء يحتمل أن تكون مقتضية لتقدير الملك آنا ما قبل البيع حتى يقع البيع للمخاطب، لوقوعه في ملكه حينئذ. و هذا بخلاف الإجازة، فإنّها لا تتعلّق إلّا بما وقع سابقا، لأنّ الإجازة رضى بما وقع و تنفيذ له، و المفروض أنّ ما وقع لم يكن إلّا مبادلة مال المالك، لا مال العاقد الفضولي. و الإذن رضا بما يقع. و كم فرق بينهما.

فقياس الإجازة على الإذن في غير محله، لأنّه يصح أن يكون الإذن توكيلا للمخاطب بتمليك المال لنفسه هبة، ثم بيعه أو عتقه عن نفسه. بخلاف الإجازة، فإنّه لا يصح فيها ذلك، إذ لا معنى للتوكيل في أمر متقدم. بخلاف الإذن، فإنّه توكيل بالإضافة إلى أمر متأخر.

(2) و هي دلالة مقصودة للمتكلم، و يتوقف صدق الكلام أو صحته على تقدير، كتقدير الأهل في مثل السؤال من القرية، و تقدير «الكاملة» في مثل «لا صلاة لجار المسجد» و تقدير الحكم في مثل «لا ضرر و لا حرج» و هكذا.

و هذه الدلالة تقتضي مالكية الآمر في «أعتق عبدك عني». فينحل الأمر إلى «ملّكني عبدك بكذا ثم أعتقه عنّي». و الوجه في هذه الدلالة الجمع بين الأدلة.

و المفروض عدم وجود المقتضي لمالكية الفضولي الغاصب حتى يقال بدخول عوض المغصوب في ملكه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 95- 101.

ص: 594

بما وقع سابقا، و المفروض أنّه لم يقع إلّا مبادلة مال الغير (1) بمال آخر.

نعم لمّا بنى هو (2) على ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد (3) بالمعاوضة رجوع البدل إليه.

فالإجازة (4) من المالك إن رجعت إلى نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز. و إن رجعت إلى المبادلة منضمّة إلى بناء العاقد على تملك المال

______________________________

(1) أي: المالك لا العاقد، فإذا كان ما وقع مبادلة مال المالك فكيف يصير بالإجازة مبادلة مال العاقد بمال آخر؟

فالنتيجة: أنّ البيع لا يقع بسبب الإجازة عن العاقد، و لا يتغيّر عمّا وقع عليه.

(2) أي: الفضولي سواء أ كان بائعا مال الغير لنفسه أم مشتريا بمال الغير لنفسه، فإنّ بناءه عدوانا أو اعتقادا على ملكية ذلك أوجب قصده المعاوضة، بأن رجع البدل إليه، لا إلى المالك.

لكن فيه: أنّ قصد رجوع البدل إليه ليس مبنيّا على بنائه على الملكية، بل مع اعترافه بعدم ملكية ذلك المال له، يقصد رجوع البدل إليه أيضا.

(3) جواب الشرط في «لمّا بنى» و غرضه أنّ بناء الفضولي تملك العوض مصحّح لوقوع المعاوضة، إذ بدون هذا البناء يلغو الإنشاء. و أمّا دخول العوض في ملكه لو أجاز المالك فلا تقتضيه إجازة نفس العقد.

(4) غرضه أنّه- بعد انقسام عقد الفضولي إلى قسمين، أحدهما: قصد نفس المبادلة بدون بنائه على مالكيته للمال، و الآخر: بناؤه عليها- يمكن أن ترجع الإجازة تارة إلى نفس المبادلة مجرّدة عن انضمام بناء العاقد الفضولي على تملكه للمال، و اخرى إلى المبادلة منضمّة إلى بناء العاقد الفضولي على تملكه للمال.

فإن رجعت إلى القسم الأوّل أفادت دخول العوض في ملك المجيز و هو المالك، لوقوع البيع على ماله، فله الإجازة بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم.

ص: 595

فهي (1) و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد، إلّا أنّ مرجع هذا (2) إلى إجازة ما بنى عليه العاقد من التملك و إمضائه (3) له، إذ (4) بعد إمضائه يقع البيع في ملك العاقد، فيملك البدل.

إلّا (5) أنّ من المعلوم عدم الدليل على تأثير الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقة (6) شرعا،

______________________________

و إن رجعت إلى القسم الثاني، فهي بمقتضى إمضائها لمضمون العقد تفيد دخول البدل في ملك العاقد، حيث إنّه المنشأ بالعقد بعد بنائه على تملك المال الموجب لدخول بدله في ملكه. فالإجازة حينئذ ترجع إلى إمضاء ما بنى عليه العاقد الفضولي من التملك، و بعد هذا الإمضاء يقع البيع في ملكه، فلا محالة يملك العاقد بدل ماله. فمفهوم المعاوضة- من تملك كل من المتعاقدين لمال الآخر- ينطبق عليه.

لكن الإشكال في أنّه هل للإجازة تأثير ذلك البناء في تحقق ما بنى عليه العاقد من التملك أم لا؟ الظاهر أنّه لا دليل على ذلك. بل الظاهر دلالة الدليل على خلافه، إذ التمليك المعاملي لا يتحقق إلّا بالإنشاء القولي أو الفعلي و مجرّد البناء القلبي على الملكية ليس أمرا إنشائيا.

(1) يعني: فالإجازة و إن أفادت دخول البدل في ملك العاقد الفضولي، إلّا .. إلخ.

(2) أي: دخول البدل في ملك العاقد الفضولي.

(3) معطوف على «إجازة» يعني: و إمضاء المالك الأصلي هذا التملك للفضولي بسبب إجازته له البيع أو الشراء الصادر منه.

(4) تعليل لكون دخول البدل في ملك العاقد راجعا إلى إجازة بنائه على التملك.

(5) هذا إشكال على أنّ الإجازة- الموجبة لوقوع البيع في ملك العاقد- و إن كانت مصلحة لقاعدة المعاوضة، لكنه لا دليل على كون الإجازة مؤثرة في تأثير بناء الفضولي على التملك في تأثير ذلك البناء على تحقق متعلقة.

(6) أي: متعلق البناء، و هو دخول البدل في ملك العاقد الفضولي.

ص: 596

بل الدليل على عدمه (1)، لأنّ هذا (2) مما لا يؤثّر فيه الإذن، لأنّ الإذن في التملك لا يؤثّر التملّك فكيف إجازته؟ (3) [1].

______________________________

(1) أي: على عدم تأثير الإجازة في اقتضاء بناء الفضولي على التملك.

(2) أي: بناء العاقد على التملك لا يؤثّر فيه الإذن، بأن يجعله مالكا، لأنّ الإذن في التملك ليس من الأسباب الملكية، بل الإذن يوجب جواز التملك بأحد الأسباب الناقلة.

و بالجملة: الإذن في البناء على الملكية إذن في التمليك بغير سبب شرعي، و كذا الإجازة، فهما ليسا مملّكين، فإنّ الملكية تتوقف على إنشاء قولي أو فعلي. و ليس البناء القلبي على كل أمر اعتباري من الملكية و الزوجية و غيرهما أمرا إنشائيا. فمجرد بناء غير المالك كالعاقد الفضولي على الملكية- و لو مع الإذن أو إجازة المالك- لا يوجب الملكية.

نعم لو قيل بإطلاق قاعدة السلطنة و مشرّعيتها أثّرت الإجازة في تملك العاقد، لكنه ممنوع «1».

(3) أي: إجازة التملّك، لأنّ الإجازة لا تتعلّق إلّا بما وقع سابقا، و المفروض أنّه لما يقع إلّا مبادلة مال المالك- دون العاقد- بمال الغير.

______________________________

[1] يمكن تصحيح قياس الإجازة بالإذن إن أريد بالإذن إيجاب تمليك المخاطب، و كون إنشاء المخاطب لإيجاب البيع قبولا لهذا التمليك الضمني، و بحصول القبول له يكون بيعا في ماله. فإذن زيد مثلا- المالك لكتاب المكاسب- لعمرو في أن يبيعه عن نفسه بمنزلة الإيجاب لتمليك عمرو، و إيجاب عمرو لبيع الكتاب على بكر قبول لهذا التمليك الضمني، و بلحوق القبول من بكر يصير بيع الكتاب في مال عمرو.

و الكاشف عن كون الاذن تمليكا هو دلالة الاقتضاء. و لا بأس بأن يكون إيجاب عمرو للبيع عن نفسه قبولا لتمليك زيد، و إيجابا لبيع الكتاب عن نفسه.

______________________________

(1) راجع التنبيه الرابع من تنبيهات المعاطاة، هدى الطالب، ج 2، ص 110.

ص: 597

______________________________

و هذا التقريب الجاري في الاذن يجري في الإجازة أيضا، بأن يقال: إنّ دلالة الاقتضاء تدلّ على كون الإجازة إيجابا متأخرا من زيد في المثال، و إنشاء عمرو إيجاب البيع لنفسه قبولا متقدّما.

و إن أريد بالإذن ما هو مؤثّر في نفوذ ما بنى عليه البائع- و هو عمرو في المثال- من مالكيته للكتاب في مقام البيع لنفسه، فيجري هذا التقريب في الإجازة أيضا، بأن يقال: إنّ الإجازة تصحّح بناء البائع- و هو عمرو- على مالكيته للمبيع و هو كتاب المكاسب، فيقع البيع له، و يترتب عليه آثار الصحة، هذا.

و لكن الحق مع المصنف قدّس سرّه من عدم تأثير الإذن و الإجازة في تنفيذ البناء على الملكية، إذ لا وجه لهذا التنفيذ. و لو فرض تصريح زيد المالك للكتاب في المثال لعمرو «بأنّي أذنت لك في التمليك» لم يفد شيئا، لأنّه إذن في التمليك بغير سبب شرعي.

و كذا الحال في الإجازة، لأنّ التمليك المعاملي لا يحصل إلّا بإنشاء قولي أو فعلي.

فالحق أن يقال: إنّه في كلّ مورد قام الدليل على الصحة «كأعتق عبدك عنّي» بناء على تمامية دليله من الإجماع- إن لم يقدح فيه مخالفة ابن إدريس «1»- و من رواية بريد العجلي «2»، فلا بدّ من التشبث بدلالة الاقتضاء تطبيقا على القواعد.

و أمّا إن لم يقم دليل على الصحة فلا وجه للتكلف في إثبات صحته بدلالة الاقتضاء، بل لا بدّ من الحكم بالفساد، للشك في شمول العمومات له، بل القطع بعدم شمولها له، لانصرافها عن مثل هذه المعاملات الواقعة على الأموال التي ليست ملكا للمتعاملين، و أنشأها المتعاملون لأنفسهم.

نعم قد عرفت إمكان تصحيحها لملّاكها، لكون حقيقة البيع- و هي التبديل- موجودة فيها، و إلغاء حيثية وقوعها لغير أربابها، للغويتها.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 21.

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 45، الباب 40 كتاب العتق، الحديث 2.

ص: 598

و أمّا الثاني (1) فلما عرفت (2) من منافاته، لحقيقة البيع التي هي المبادلة [1] و لذا (3) صرّح العلّامة رحمه اللّه في غير موضع من كتبه تارة «بأنّه لا يتصور» و اخرى «بأنه لا يعقل أن يشتري الإنسان لنفسه بمال غيره شيئا» «1».

______________________________

(1) يعني: و أما النظر في الوجه الثاني الذي ذكره المصنّف قدّس سرّه في (ص 591) بقوله: «الثاني أنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد .. إلخ».

(2) في أوّل كتاب البيع، حيث قال: «و هو في الأصل كما عن المصباح المنير مبادلة مال بمال» فإنّ المبادلة بين المالين و عوضيّة كل منهما عن الآخر قد أخذت في مفهوم البيع و حقيقته، فلا بدّ من كون العوضين من المتعاقدين، لا أنّ أحد العوضين من أحدهما، و الآخر من أجنبي.

(3) يعني: و لكون ما ذكره البعض- من عدم اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد- منافيا لحقيقة المعاوضة صرّح العلّامة رحمه اللّه الى آخر ما ذكره.

و لم أظفر في القواعد و التذكرة بتصريحه بعدم المعقولية في مسألة الشراء لنفسه بمال الغير، و إنّما عبّر العلامة بالبطلان. نعم ورد التعبير بعدم التصور في مسألة إذن الراهن للمرتهن بيع العين المرهونة، فقال قدّس سرّه: «و لو قال: بعه لنفسك بطل الإذن، لأنّه لا يتصور أن يبيع ملك غيره لنفسه ..» «2» و نحوه ما في رهن التذكرة.

______________________________

[1] قد أشرنا سابقا إلى أنّ حقيقة البيع هي تبديل عين بعوض، في مقابل الهبة التي حقيقتها تمليك مجّاني، من غير أن يكون فيها تبديل مال بمال. و لا يقتضي مفهوم المبادلة خروج كل من العوضين عن ملك خصوص المتعاقدين. نعم إطلاق المبادلة يقتضي ذلك.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 87، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 473، السطر 7 و ج 2، ص 32، السطر 13

(2) قواعد الاحكام، ج 2، ص 127، و نحوه ما في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 32 السطر 13.

ص: 599

بل ادّعى بعضهم (1) في مسألة قبض المبيع «عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن اشتر لنفسك به طعاما» و قد صرّح به (2) الشيخ و المحقق «1» و غيرهما (3).

نعم (4) سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري

______________________________

(1) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه لقوله: «بلا خلاف أجده فيه، لامتناع الشراء بمال الغير لغيره ما دام على ملك الغير و لو بإذنه» «2».

(2) أي: ببطلان قول مالك الثمن: «اشتر به لنفسك طعاما».

(3) كالشهيد، و المحقق و الشهيد الثانيين و الصيمري، كما في مفتاح الكرامة «3».

(4) استدراك على قوله: «و أما الثاني فلما عرفت من منافاة .. إلخ» و بيانه: أنّ المشتري من الغاصب- لو علم بالغصب- كان تسليم الثمن للبائع تسليطا له عليه، فالثمن و إن لم يدخل في ملك الغاصب بهذه المعاوضة- لعدم كون المبيع ملكه- لكنه يجوز له التصرف في الثمن استنادا إلى تسليط المشتري له عليه كما ذهب إليه قطب الدين الرازي و الشهيد قدّس سرّهما، فلو اشترى الغاصب بهذا الثمن شيئا ملكه.

و هذا التملك شاهد على عدم اعتبار مالكية العوضين في باب البيع، و أنّ مجرد إذن المالك لغيره مصحّح لوقوع المعاملة لذلك الغير. و عليه فيشكل ما أفاده المصنف بقوله: «و أمّا الثاني فلما عرفت من منافاة .. إلخ» لدلالة كلام قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما على كفاية التسليط المالكي في صحة المعاملة لنفسه بمال الغير.

هذا لو أبقينا فتوى الأصحاب على ظاهرها من كفاية التسليط و إباحة التصرف. و أما لو حملناها على مالكية الغاصب للثمن فلا منافاة كما سيأتي.

______________________________

(1) راجع المبسوط، ج 2، ص 121، شرائع الإسلام، ج 2، ص 32.

(2) جواهر الكلام، ج 23، ص 174.

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 211، جامع المقاصد، ج 4، ص 400، مسالك الأفهام، ج 3، ص 252، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 515 و 516.

ص: 600

بالغصب أنّ ظاهر جماعة كقطب الدين و الشهيد و غيرهما (1) «أنّ الغاصب مسلّط على الثمن و إن لم يملكه، فإذا اشترى به شيئا ملكه» «1» و ظاهر هذا (2) إمكان أن لا يملك الثمن و يملك المثمن المشتري (3).

إلّا أن يحمل ذلك (4) منهم على التزام تملك البائع الغاصب للمثمن (5) مطلقا

______________________________

(1) لعلّ المراد بهذا الغير هو العلّامة على ما استظهره بعض من عبارة المختلف، و قد تقدّم في رابع تنبيهات المعاطاة، فراجع «2».

(2) أي: اشتراء الغاصب- أي غاصب المبيع- بالثمن الذي أخذه من المشتري العالم بكون البائع غاصبا للمبيع و مالكيته للمثمن ظاهر في عدم اعتبار كون أحد العوضين ملكا للعاقد، فيصح حينئذ ما أفاده البعض في الوجه الثاني المذكور بقول المصنف: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد».

(3) بصيغة المفعول صفة للمثمن، أي المثمن الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي تسلّمه من المشتري العالم بالغصب.

(4) أي: اشتراء الغاصب بالثمن المغصوب و مالكيته للمثمن.

(5) متعلق ب «تملك» و المراد بقوله: «الغاصب» غاصب المثمن.

و غرضه توجيه ما أفاده بقوله: «نعم» بحيث لا يكون حكم قطب الدين و الشهيد قدّس سرّهما منافيا لما تقدم من منع الوجه الثاني. و حاصله: أنّه يمكن توجيه مالكية الغاصب- لما اشتراه بالثمن الذي باع به العين المغصوبة- بأحد وجهين:

أحدهما: أن مالك العين المغصوبة- لو أجاز بيع الغاصب لنفسه- فقد ملّكه الثمن، فيجوز له التصرف فيه بما يتوقف على الملك، بأن يشتري به شيئا أو يهبه للغير.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192.

(2) هدى الطالب، ج 2، ص 122.

ص: 601

كما نسبه الفخر رحمه اللّه إلى الأصحاب، أو آنا ما (1) قبل أن يشتري به شيئا تصحيحا (2) للشراء.

و كيف كان (3) فالأولى في التفصي

______________________________

و هذا ما احتمله فخر المحققين قدّس سرّه بقوله: «فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له- أي بإجازته لبيع الغاصب- فإذا نقل الثمن عن ملكه لم يكن للمالك إبطاله و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن له، و ربحه له، و ليس للمالك أخذه، لأنّه ملك الغاصب» «1».

و على هذا فتملّك الغاصب للثمن يستند إلى إجازة المغصوب منه، سواء اشترى به شيئا أم لا.

ثانيهما: أنّ التسليط المالكي غير كاف في صحة البيع و الشراء بمال الغير، و لكن يلتزم بالملكية الآنية قبل أن يشتري الغاصب بالثمن شيئا، فيكون الشراء بالثمن المملوك له، لا لذلك المشتري المسلّط للغاصب على ماله.

و بناء على هذين الوجهين لا يكون حكم قطب الدين و الشهيد منافيا لما تقدم في منع الوجه الثاني من أنّ حقيقة المعاوضة تتوقف على دخول العوض في ملك مالك المعوّض. وجه عدم المنافاة صيرورة الغاصب مالكا إمّا مطلقا و إمّا آنا قبل الشراء، هذا.

(1) هذا في مقابل قوله: «مطلقا» فالمراد بالإطلاق يعني: كون الغاصب مالكا للثمن سواء اشترى به شيئا أم لا.

(2) قيد لقوله: «الا ان يحمل» و الدليل على هذا الحمل هو دلالة الاقتضاء.

فتأمّل.

(3) يعني: سواء تمّ الوجهان المتقدّمان عن بعض تلامذة كاشف الغطاء قدّس سرّه لحلّ الإشكال في شراء الفضولي الغاصب لنفسه شيئا أم لم يتمّا، فالأولى .. إلخ.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418.

ص: 602

عن الاشكال المذكور (1) في البيع لنفسه ما ذكرنا (2).

ثم (3) إنّ ممّا ذكرنا من أنّ نسبة ملك العوض حقيقة إنّما هو (4) إلى مالك المعوّض، لكنه (5) بحسب بناء الطرفين (6) على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه (7) يظهر (8) اندفاع إشكال آخر في صحة البيع لنفسه مختصّ (9) بصورة علم المشتري الأصيل، و هو (10): أنّ المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع

______________________________

(1) و هو قوله في (ص 574) «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه .. إلخ».

(2) في (ص 581) من قوله: «فالأنسب في التفصي أن يقال: انّ نسبة الملك ..

إلخ» هذا تمام الكلام في الوجوه الأربعة لبطلان بيع الفضولي لنفسه، مع أجوبتها، و أنّ الصحيح وفاقا للمشهور صحة بيع الغاصب لو أجاز المالك. و بقي هناك وجه خامس مختص بصورة علم المشتري بالغصب، و سيأتي.

(3) هذا تمهيد للتعرض لوجه آخر من وجوه الاشكال على صحة بيع الغاصب، و دفعه، و يختلف عمّا تقدّم باختصاصه بعلم المشتري بكون البائع غاصبا، و لا يجري في صورة الجهل، كما لا يجري في غير الغاصب. و الظاهر أنّ المستشكل هو العلّامة قدّس سرّه.

(4) الضمير راجع إلى «نسبة» فالأولى تأنيثه.

(5) أي: و لكن ملك العوض يكون بحسب .. إلخ.

(6) و هما البائع الغاصب و المشتري العالم بالغصبية.

(7) أي: إلى الغاصب، و «منسوب» خبر «لكنه».

(8) خبر «إنّ» في قوله: «ان ممّا ذكرنا».

(9) بالجر صفة ل «إشكال» يعني: أنّ في صحة بيع الغاصب لنفسه إشكالا يختصّ بصورة علم المشتري الأصيل بغاصبية البائع للمبيع مع دفع الثمن إلى الغاصب.

(10) أي: و ذلك الإشكال الآخر هو: أنّه يلزم- في صورة علم المشتري بكون البائع لنفسه غاصبا للمبيع- أن يكون البيع هنا بلا ثمن.

ص: 603

لنفسه غاصبا فقد حكم الأصحاب- على ما حكي عنهم (1)- بأنّ المالك لو ردّ فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

______________________________

توضيحه: أنّه مع علم المشتري بغصبية المبيع و عدم استحقاق البائع للثمن- الذي هو بدل المبيع في كلتا صورتي الرّد و الإجازة- لا يتحقق المعاوضة حينئذ، و يكون البيع بلا ثمن، إذ لا يتصور قصد المشتري للمعاوضة مع العلم بعدم استحقاق البائع للثمن، لكونه غاصبا للمبيع. فدفع الثمن إلى البائع تمليك مجاني و بلا عوض، أي: هبة. و من المعلوم أنّ إجازة المالك لا تجدي في تبديل التمليك المجّاني بالبيع.

و الحاصل: أنّ مناط هذا الاشكال المختص بعلم المشتري بغصبية المبيع هو عدم تمشّي قصد المعاوضة الحقيقية، و أنّ دفع الثمن إلى البائع تسليط مجّاني له على الثمن، و ليس عوضا عن المبيع، هذا.

و قد دفعه المصنف قدّس سرّه بأنّ بناء كلّ من البائع الغاصب و المشتري العالم بغصبية المبيع على مالكية البائع يوجب قصد المعاوضة، و صيرورة الثمن بدلا عن المبيع، فلا يكون بذل الثمن تسليطا مجّانيا حتى يصير البيع بلا ثمن.

(1) ظاهره حكاية إجماع الأصحاب على الحكم، و المدّعي له هو العلّامة و فخر المحققين و غيرهما. قال في المختلف: «إذا رجع- أي المالك- على المشتري، قال علماؤنا: لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع، لأنّه علم بالغصب، فيكون دافعا للمال بغير عوض، و أطلقوا القول في ذلك. و الوجه عندي التفصيل، و هو: أن الثمن إن كان موجودا. قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. و إن كان تالفا فالحقّ ما قاله علماؤنا» «1».

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 56، و نحوه في تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، نهاية الأحكام، ج 2، ص 478، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418، جامع المقاصد، ج 4، ص 71، و كذلك لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 193

ص: 604

و هذا (1) كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، و إلّا (2) لكان ردّها موجبا لرجوع كل عوض إلى مالكه.

و حينئذ (3) فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن، لسبق (4) اختصاص الغاصب به، فيكون (5) البيع بلا ثمن.

و لعلّ هذا (6) هو الوجه في إشكال العلّامة في التذكرة، حيث قال- بعد الإشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري (7)-: «إنّ الحكم في الغاصب

______________________________

(1) أي: حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري على البائع لأخذ الثمن- في صورة ردّ المالك لهذا البيع- كاشف عن عدم حصول المعاوضة الحقيقية، إذ مقتضاها دخول الثمن في ملك من خرج عنه المثمن.

(2) أي: و لو كان هذا البيع معاوضة حقيقية لكان للمشتري حقّ الرجوع على البائع بالثمن عند ردّ المالك للبيع، و أخذ الثمن من البائع الغاصب.

(3) أي: و حين عدم تحقق المعاوضة الحقيقية فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن، لكون سبب اختصاص البائع الغاصب بالثمن- أعني به: دفع المشتري العالم بغصبيّة المبيع له إلى الغاصب و تسليطه عليه- أسبق من السبب الثاني، و هو إجازة مالك المبيع.

(4) تعليل ل «لم يملك الثمن» و قد مرّ توضيحه آنفا.

(5) هذا هو الإشكال الذي أشار إليه في (ص 603) بقوله: «يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة البيع».

(6) أي: وقوع البيع بلا ثمن- الذي هو لازم حكم الأصحاب بعدم جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن في صورة ردّ المالك- هو الوجه في إشكال العلامة .. إلخ.

(7) لعدم تحقق المعاوضة مع عدم كون المبيع ملكا للبائع.

ص: 605

مع علم المشتري أشكل (1)» انتهى.

أقول: هذا الاشكال (2)- بناء (3) على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنّه ليس للمشتري استرداد الثمن مع ردّ المالك و بقائه (4). و بعد (5) تسليم أنّ الوجه

______________________________

(1) يعني: أشكل من صورة جهل المشتري بكون البائع غاصبا. وجه أشدّية الإشكال: أنّ المشتري- مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع- لا يكون قاصدا للبيع حقيقة، بل هو قاصد للتمليك المجاني الخارج عن حقيقة البيع.

(2) أي: إشكال عدم قصد البيع حقيقة، و غرضه من هذا الكلام هو: أنّ ورود هذا الاشكال منوط بأمور أربعة:

أحدها: تسليم ما عن الأصحاب من عدم جواز الرجوع في الثمن، إذ لو كان جائزا مع ردّ المالك مطلقا سواء أ كان الثمن باقيا أم تالفا- كما عن المحقق، و استوجهه في محكي جامع المقاصد «1»- لم يكن مجال لهذا الاشكال، لعدم لزوم البيع بلا ثمن كما هو واضح.

(3) هذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(4) يعني: و بقاء الثمن عند الغاصب.

(5) معطوف على «بناء على تسليم» و هذا هو الأمر الثاني الذي يتوقف عليه الاشكال، و محصله: كون التسليط مطلقا- لا مراعى بعدم الإجازة- سببا في حكم

______________________________

(1) ظاهر المحقق في الشرائع عدم الرجوع بما اغترمه خاصة، و أما الثمن فقال فيه: «و قيل: لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» و ظاهره عدم اختياره له. و لذا قال في الجواهر: «و من هنا حكي عن المصنف في بعض تحقيقاته القول بالرجوع به- أي بالثمن- مطلقا» يعني سواء تلف الثمن أم بقي بيد الغاصب فراجع، شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، جواهر الكلام، ج 22، ص 305.

و قال المحقق الكركي: «و في رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا، و هو المتجه» جامع المقاصد، ج 4، ص 77.

ص: 606

في حكمهم ذلك (1) هو مطلق التسليط (2) على تقديري الرد و الإجازة، لا التسليط (3) المراعى بعدم إجازة البيع- إنّما (4) يتوجه على القول بالنقل،

______________________________

الأصحاب بانقطاع سلطنة المشتري عن الثمن، و عدم جواز رجوعه على البائع الغاصب في كلتا صورتي الإجازة و الرد بناء على ناقلية الإجازة لا كاشفيتها، إذ بناء على الكاشفية تكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن إلى مالك المبيع قبل تسليط المشتري للبائع الغاصب على الثمن. كما تكشف عن سبق سبب انتقال الثمن إلى مالك المبيع على سبب اختصاص الثمن بالبائع الغاصب، و لا يلزم حينئذ أن يكون البيع بلا ثمن.

و إنّما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة سواء أجاز المالك أم ردّ، لأنّه على تقدير الإجازة يكون سبب انتقال الثمن إلى المالك متأخرا عن تسليط المشتري للبائع على الثمن، فيكون البيع بلا ثمن. و على الردّ لا يكون للمشتري انتزاع الثمن من البائع الغاصب، لصيرورته ملكا له بتسليط المشتري إيّاه عليه.

و بالجملة: فإشكال لزوم كون البيع بلا ثمن منوط بناقلية الإجازة دون كاشفيتها.

(1) أي: حكم الأصحاب بعدم رجوع المشتري- العالم بغصبية المبيع- بالثمن على البائع.

(2) و هو تسليط المشتري العالم البائع الفضولي على الثمن، من غير فرق في ذلك بين ردّ المالك البيع و عدمه.

(3) معطوف على «مطلق» إذ مع كون التسليط مراعى بعدم الإجازة، فإذا أجاز المالك كان الثمن له لا للبائع الغاصب. و لا وجه حينئذ لصيرورته ملكا للغاصب أصلا كون الإجازة ناقلة لا كاشفة.

(4) خبر لقوله: «هذا الإشكال» يعني: هذا الاشكال .. إنّما يتوجّه بعد الأمرين المتقدمين. و هذا إشارة الى الأمر الثالث مما يتوقف عليه الاشكال، و محصله: القول بأنّ الإجازة ناقلة، لا كاشفة.

ص: 607

حيث (1) إنّ تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (2) انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة (3)، فلا يبقى مورد للإجازة (4).

و أمّا (5) على القول بالكشف فلا يتوجه إشكال أصلا، لأنّ الرّد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له (6) على مال نفسه (7)، و الإجازة كاشفة عن كونه (8) تسليما له على ما يملكه غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل

______________________________

(1) هذا تقريب توجه الإشكال على فرض ناقلية الإجازة، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و انما يلزم هذا المحذور بناء على ناقلية الإجازة».

(2) خبر «إنّ» في قوله: «حيث إنّ تسليط» يعني: أن تسليط المشتري يكون قبل انتقاله .. إلخ.

(3) متعلق ب «انتقاله».

(4) إذ المفروض صيرورة الثمن قبل الإجازة ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري له على الثمن، و تقدّم التسليط يوجب صيرورة إجازة المالك من البيع بلا ثمن، و مثل هذا البيع غير قابل للإجازة.

(5) هذا في مقابل قوله: «إنّما يتوجه على القول بالنقل» توضيحه: أنّه- على القول بكون الإجازة كاشفة عن انتقال الثمن قبل التسليط المذكور إلى مالك المبيع- لا يتوجه هذا الاشكال، و هو كون المبيع بلا ثمن أصلا، إذ المفروض حصول ملكية الثمن بنفس العقد لمالك المثمن، و كون التسليط متأخرا عنه، فلا تكون الإجازة إجازة لبيع بلا ثمن. كما أنّ الرّد يكشف عن كون تسليط المشتري تسليطا للبائع الغاصب على مال نفسه، لا على مال غيره و هو المالك.

(6) أي: للبائع الفضولي.

(7) أي: نفس المشتري، إذ مع الرّد لا يتحقق بيع حتى يصير الثمن ملكا لمالك المبيع، بل الثمن ملك المشتري، فهو قد سلّط البائع الغاصب على مال نفسه، فلم يتحقق بيع حتى يكون بيعا بلا ثمن.

(8) أي: كون تسليم المشتري العالم تسليطا للبائع الغاصب على ما يملكه غير

ص: 608

بالإقباض، و لذا (1) لو لم يقبضه الثمن حتى أجاز المالك أو ردّ لم يكن للغاصب

______________________________

الغاصب- و هو مالك المبيع- بسبب العقد الذي هو سابق على التسليط الخارجي الحاصل بإقباض المشتري، فالثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع، فوقع التسليط متأخرا عن العقد و في ملك مالك المبيع، فلا يكون البيع بلا ثمن.

(1) هذا إشارة إلى الأمر الرابع ممّا يتوقف عليه الاشكال المتقدم، و محصله:

وقوع التسليط الخارجي الذي هو سبب ملكية الثمن للبائع الغاصب، إذ بدون وقوعه لا مورد لهذا الاشكال، لعدم انتقال الثمن إلى البائع بعد.

و عليه فالمراد بقوله: «و لذا» هو: أنه لأجل كشف الإجازة عن كون تسليط المشتري تسليطا للعاقد الفضولي على ما يملكه غير الغاصب- و هو مالك المبيع- فلو لم يدفع المشتري الثمن إلى البائع الغاصب حتى أجاز المالك أو ردّ البيع، لم يكن للغاصب انتزاع الثمن من يد المشتري إن كان في يده، لعدم تحقق التسليط الخارجي الموجب لملكية الثمن للغاصب. و كذا لو كان في يد المالك، لصيرورته ملكا له بالإجازة، و عدم تحقق التسليط قبل البيع حتى يصير الثمن ملكا للغاصب.

فالمتحصل: أنّ ورود إشكال البيع بلا ثمن منوط بتسليم أمور:

الأوّل: عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب بعد ردّ المالك للمعاملة.

الثاني: كون الوجه في عدم جواز الاسترداد سببيّة التسليط له.

الثالث: كون التسليط مطلقا- لا مراعى بعدم الإجازة- موجبا لتملك المسلّط للمسلّط عليه.

الرابع: كون الإجازة ناقلة لا كاشفة. فبإنتفاء أحد هذه الأمور ينتفي الإشكال رأسا.

و حاصل وجه اندفاع هذا الاشكال على ما أفاده المصنف- بعد تسليم الأمور المتقدمة التي بني الإشكال عليها- هو: أنّ البيع يقع حقيقة بين مالكي الثمن و المثمن،

ص: 609

انتزاعه (1) من يد المشتري أو المالك [1]. و سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك (2)، فانتظر.

______________________________

لكون المالكية جهة تقييدية، فالمسلّط الحقيقي على الثمن هو عنوان «المالك» المنطبق على البائع، لبنائه على أنّه مالك، لا من حيث كونه غاصبا حتى يتملّك الثمن، و يصير البيع بلا ثمن. فالمالك إذا ردّ البيع فللمشتري الرجوع على البائع بالثمن، لعدم حصول الملك للغاصب، إذ لم يتحقق موجبه، و هو تسليطه على الثمن بما هو غاصب، إذ المفروض تسليطه عليه بما أنّه مالك، و هو ليس بمالك. و هذا يرجع إلى عدم تسليم المقدمة الاولى، و هي عدم جواز استرداد الثمن من الغاصب.

(1) أي: انتزاع الثمن و الضمير المستتر في «يقبضه» راجع إلى المشتري، و البارز إلى البائع.

(2) أي: تتمة للبحث عن مالكية العاقد الفضولي إذا اشترى لنفسه بمال الغير.

________________________________________

و سيأتي في الأمر الثالث مما يتعلق بالعقد المجاز.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الإشكال إن كان بلحاظ علم المشتري بغصبية المبيع للبائع، إذ لا يمكنه حينئذ أنّ يملّكه الثمن ضمنا بإزاء المبيع الذي ليس ملكا للغاصب، فيصبح البيع بلا ثمن، فيندفع بما أفاده المصنف قدّس سرّه من البناء على المالكية، حيث إنّ كلّا من البائع و المشتري يبني على مالكية نفسه لما عنده من العوض، فيملّك و يتملّك.

لكن هذا الإشكال أجنبي عن جواز الرجوع على البائع بالثمن مطلقا أو مع بقائه، إذ جواز الرجوع و عدمه من أحكام التسليط الخارجي و غير مرتبط بالبيع، فلا وجه لأخذه في الاشكال. و تفريع الاشكال عليه كما صنعه المصنف قدّس سرّه.

كما لا وجه لإناطة هذه الاشكال بكون الإجازة ناقلة لا كاشفة، لما عرفت من أنّ مناطه المجانية و عدم صدق التمليك المعاوضي حين إنشاء البيع. و هذا المناط موجود مطلقا سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة، فلا يتوقف الاشكال عليه.

و إن كان الاشكال بلحاظ أنّ التسليط الخارجي- المترتب عليه عدم جواز الرجوع

ص: 610

______________________________

على البائع بالثمن- كاشف عن اختصاص البائع الغاصب بالثمن، فلا يكون موردا للإجازة، إذ لا يملكه المالك المجيز بعد اختصاصه بالبائع، فلا تتحقق المعاوضة التي هي انتقال كل من العوضين الى مالك الآخر، فالإشكال بناء على المقدمات المذكورة في المتن متجه. لكنه لا يندفع بالبناء الذي ذكره المصنف قدّس سرّه، لأنّه إنّما يجدي في الأمور الاعتبارية كالملكية، فيملّك أو يتملّك بعنوان كونه مالكا، فالتمليك و التملك راجعان إلى الحيثية التقييدية، لا إلى الذات المتحيثة بها.

و هذا بخلاف التسليط الخارجي المتعلق بالشخص لا بالعنوان حتى يكون تسليطه تسليطا لمالك بما هو مالك، إذ لو كان بعنوان كونه مالكا لجاز الرجوع إليه كما هو مقتضى المعاوضة، مع أنّهم يقولون بعدم الجواز.

و الظاهر أنّ نظر المصنف قدّس سرّه إلى أنّ مورد الإجازة هو العقد الذي صحّحه بالبناء، و هو لا يستلزم التسليط الخارجي المانع عن تأثير الإجازة، فالعقد قد يكون مع التسليط الخارجي، و قد لا يكون، و لكل من العقد و التسليط حكم، هذا.

و الحقّ في حلّ هذا الاشكال ما أسلفناه في دفع الاشكال السابق من: أن تبديل مال بمال- الذي هو حقيقة البيع- صادق في جميع العقود الفضولية حتى في مورد علم المشتري بغصبية المبيع، إذ لا ريب في أنّه بقصد الثمنية يسلّط البائع الغاصب على المال الذي يدفعه إليه برجاء إجازة مالك المبيع، فالتسليط المجاني الذي صار منشأ للإشكال- و هو كون البيع بلا ثمن- مفقود هنا.

و لو سلّم وجوده هنا لم يقدح في تحقق المبادلة، لأنّ التسليط المجاني متأخر عن إنشاء المبادلة، لكونه في رتبة الوفاء فلو أجاز مالك المبيع هذا البيع صحّ، و كان الثمن المدفوع إلى البائع الفضولي ملكا لمالك المبيع، و ليس ملكا للبائع الغاصب، إذ مالك المبيع ملك الثمن بنفس العقد، و التسليط وقع بعده و في رتبة الوفاء، فالمشتري سلّطه على مال غيره و هو مالك المبيع، لا على مال نفسه حتى يقال: إنّه سلطه على مال نفسه مجّانا، و وقع البيع بلا ثمن، فيبطل و لا يصحّ بالإجازة.

ص: 611

ثم اعلم (1) أنّ الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا

______________________________

(1) غرضه التمهيد لدفع كلام صاحب الرياض قدّس سرّه و غيره، و بيانه: أنّ ما تقدم من أوّل المسألة الثالثة إلى هنا ناظر إلى وقوع البيع للمالك لو قصد الفضولي وقوعه لنفسه، و قد تحقق أنّ الأقرب صحته، لوجود المقتضي، و اندفاع ما قيل من الموانع.

و هناك مسألة أخرى. و هي: أنّ البائع الفضولي لنفسه لو تملّك المبيع بعد العقد و أجازه فهل يصحّ أم لا؟ و هي موضوع البحث في المسألة المعروفة المعنونة ب «من باع شيئا ثم ملكه» فقد يقال بالصحة فيهما كما هو مختار المصنف، و قد يقال بالبطلان كذلك كما ربما يظهر من صاحب المقابس، و قد يفصّل بين المسألتين، لاختلافهما مناطا.

و بهذا يظهر غموض ما أفاده سيد الرياض قدّس سرّه من قوله: «و لو باع الفضولي- أي ملك الغير- من دون إذنه مطلقا لم يلزم إجماعا، بل لم يصح إذا كان البيع لنفسه لا للمالك، فيمشي إلى المالك فيشتريها منه. كما صرّح به جماعة كالفاضلين، العلّامة في جملة كتبه كالمختلف و التذكرة مدّعيا فيها عدم الخلاف فيه بين الطائفة ..

إلخ» «1».

و حاصل كلامه قدّس سرّه: أنّه جعل لبيع الفضولي صورتين:

إحداهما: أن يبيع للمالك، و حكم بالصحة فيها وفاقا للمشهور.

و ثانيتهما: أن يبيع لنفسه، و جعل قدّس سرّه هذه الصورة موردا لمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و حكم فيها بالفساد، بمعنى عدم وقوع البيع للعاقد الفضولي لو تملّك المبيع من مالكه الأصلي ثم أجاز بيع نفسه. و استدلّ على البطلان بالإجماع المدّعى في المختلف و غيره. و لم يفصّل السيد قدّس سرّه بين المسألتين، و هما مسألة «من باع

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 512.

ص: 612

كان أو غيره (1) إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز، و هو (2) الذي لم يفرّق المشهور بينه و بين الفضولي البائع للمالك لا لنفسه. و أمّا الكلام في صحة بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع

______________________________

شيئا ثم ملكه» و وقوعه للعاقد لو أجاز، و مسألة بيع الغاصب لنفسه و وقوعه للمالك لو أجاز.

فإذا باع الفضولي مال غيره لنفسه ثم اشتراه من مالكه فقد حكم العلّامة بعدم الصحة، لكونه موردا لرواية حكيم بن حزام الناهية عن بيع ما ليس عندك.

و لو اشترى الفضولي لنفسه- كالغاصب- و لم يتملّك ما باعه، و أجاز المالك، فظاهر كلام العلّامة الصحة و إن استشكل فيها في حال علم المشتري بالغصب. لكن الظاهر التزامه بالصحة، و لا أقلّ من عدم دعوى الإجماع على البطلان.

قال في خامس فروع بيع الفضولي: «الغاصب و إن كثرت تصرفاته فللمالك أن يجيزها، و يأخذ الحاصل في الحال، يتبع العقود و يعتمد مصلحته في فسخ أيها شاء، فينفسخ فرعه، و هو أضعف قولي الشافعي، و أصحّهما عنده بطلان الجميع» «1» فلو كان بيع الغاصب فاسدا عنده لم يكن وجه لجواز إمضاء المالك بعض العقود الواقعة على ماله.

(1) كما لو اعتقد بأنّه مالك، كما في صحيحة الحلبي الواردة في إقالة مشتري الثوب بوضيعة و بيعه من شخص آخر أغلى مما أقال به المشتري الأوّل.

(2) أي: بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره إنّما هو في وقوعه للمالك إذا أجاز، من دون أن يفرض تملك الغاصب له ببيع أو إرث أو هبة. فلو صار الفضولي مالكا و أجاز عقد نفسه كان خارجا عن البحث، لكونه من صغريات مسألة «من باع

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، و نحوه في ص 486، السطر 9.

ص: 613

و أجاز (1) سواء باع لنفسه أو المالك، فلا دخل له بما نحن فيه (2) لأنّ الكلام هنا (3) في وقوع البيع للمالك، و هناك (4) في وقوعه للعاقد إذا ملك.

و من هنا (5) يعلم أنّ ما ذكره في الرياض من «أنّ بيع الفضولي لنفسه باطل، و نسب إلى التذكرة نفي الخلاف فيه» في غير محله (6). إلّا أن يريد (7) ما ذكرناه، و هو (8) خلاف ظاهر كلامه.

______________________________

شيئا ثم ملكه».

(1) أي: أجاز البائع الفضولي الذي تملّك المبيع من مالكه بالهبة أو غيرها.

(2) و هو وقوع بيع الفضولي مال الغير لنفسه- أو وقوع الشراء لنفسه- للمالك.

(3) و هو كون بيع الفضولي مال الغير لنفسه ممّا يقع للمالك لو أجاز.

(4) و هو بيع الفضولي و وقوعه لنفسه إذا صار مالكا.

(5) أي: من ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه إذا أجاز المالك، فيصير ثمن المبيع ملكا للمالك الأصيل، يعلم أنّ .. إلخ.

(6) خبر قوله: «أنّ ما ذكره» لأنّ ذهاب المشهور إلى صحة بيع الفضولي لنفسه ينافي نفي الخلاف في بطلانه.

(7) أي: يريد صاحب الرياض قدّس سرّه من بيع الفضولي لنفسه ما ذكرناه، و هو وقوعه للعاقد الفضولي إذا ملك المبيع، ثم أجاز البيع، فإنّه معقد إجماع التذكرة و غيرها على البطلان.

(8) أي: كون مراد صاحب الرياض من بيع الفضولي ما ذكرناه خلاف ظاهر كلامه في عدم وقوع البيع للمالك إذا أجاز، لأنّه قدّس سرّه حكم بفساد بيع الفضولي لنفسه، و لم يفصّل بين المسألتين. فلا وجه لحمل كلامه على خصوص مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» حيث منع العلامة و غيره عن صحتها و عدم وقوعه للعاقد.

هذا تمام الكلام في المسألة الثالثة، و هي بيع الفضولي لنفسه.

ص: 614

[تتمة تتضمن أمرين:]
[الأوّل: عموم بحث بيع الفضولي للدين كالعين]

بقي هنا أمران:

الأوّل (1): أنّه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير

______________________________

تتمة تتضمن أمرين:

الأوّل: عموم بحث بيع الفضولي للدين كالعين

(1) الغرض من عقد هذا الأمر تعميم بيع الفضولي- على القول بصحته- للعين الخارجية التي كانت مورد الأبحاث السابقة، و للدّين و هو الكلّي الذّمّي. و قد عقد صاحب المقابس الموضع التاسع لتحقيق هذا الأمر، و بيان صور المسألة، فراجع «1».

كما سبق في شرطية القصد التعرّض لبعض فروع المطلب.

و كيف كان فالمصنف قدّس سرّه بحث عمّا إذا كان أحد العوضين أو كلاهما كلّيّا في مسألتين، لأنّ الفضولي تارة يضيف الثمن أو المثمن إلى ذمّة خاصة من دون أن يعقّبه بما ينافيه كإضافته إلى نفسه، و اخرى يجمع بين المتنافيين. و الكلام فعلا في المسألة الأولى، بأن اشترى شيئا بمال في ذمة غيره، أو باع كلّيا في ذمة الغير، و لهذه المسألة صور. لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون الكلي في ذمة غير الفضولي، و إمّا أن يكون في ذمة نفس الفضولي، و إمّا أن يجعل الكلي متعلقا بذمة المالك بنفس بيع الفضولي، فالصور ثلاث:

إحداها: أن يبيع الفضولي- كزيد مثلا- كرّا من طعام مملوكا لعمرو في ذمة بكر، بأن اشتغلت عهدة بكر بهذا الطعام بسلف أو بإتلاف حنطة مملوكة لعمرو، أو

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 40.

ص: 615

عينا أو دينا (1) في ذمة الغير [1].

______________________________

بغيرهما، فباع زيد فضولا هذا الطعام الذّمّي من بشر مثلا بكذا، فإن أجاز عمرو هذا العقد الفضولي صحّ، و دخل الثمن في ملكه، لعموم أدلة صحة البيع الفضولي. و إن ردّه بطل.

ثانيتها: أن يكون زيد- و هو البائع الفضولي- مديونا لعمرو كرّا من طعام، فباع هذه الحنطة الذميّة من بكر بكذا، فإن أجاز عمرو- و هو مالك ما في ذمة زيد- صحّ و تملّك الثمن. و إن ردّه بطل.

ثالثتها: أن لا تكون الذمة مشغولة للغير قبل البيع، كما إذا باع زيد الفضولي من بكر كرّا من طعام في ذمة عمرو، مع عدم اشتغال عهدة عمرو بهذا الطعام- قبل البيع- لا لبكر و لا لغيره، و إنّما يستقرّ في ذمته بنفس هذا البيع لو أجازه.

و على هذا فالمبيع الكلّي- و هو الكرّ من الطعام- قد يستقرّ قبل البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الاولى، و قد يستقرّ- كذلك- في ذمة نفس الفضولي. كما في الصورة الثانية. و قد يستقر بنفس البيع في ذمة غير الفضولي كما في الصورة الثالثة.

هذا إذا كان المبيع فضولا كلّيا في الذمة، و تجري هذه الصور الثلاث في الشراء بالثمن الكلي كما سيأتي في المتن.

(1) من هنا أشار إلى الصور الثلاث. فالمراد «بالغير» الأوّل هو من يبيع عنه الفضولي المعبّر عنه بالمالك و البائع الأصيل، و إن شئت فعبّر عنه بغير الفضولي.

و المراد بالغير الثاني غير البائع الأصيل، و هو إمّا نفس الفضولي الذي اشتغلت ذمته بكرّ من طعام لعمرو البائع الأصيل، و إمّا غير الفضولي المديون لعمرو بكرّ من

______________________________

[1] أو كلّيّا في معيّن، كأن يقول الفضولي: «بعتك صاعا من هذه الصبرة- التي هي مال زيد- بدينار» مثلا، فإنّ الظاهر- بناء على القول بصحة عقد الفضولي- هو الصحة إذا أجاز مالك الصبرة». و لعلّه لوضوحه لم يتعرّض له المصنف و لا غيره. و كذا الحال في الجزء المشاع، كما إذا باع فضولا ثلث دكّان غيره. فإن أجازه المالك صحّ البيع كسائر العقود الفضولية، و إن ردّه بطل.

ص: 616

و منه (1) جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير.

ثمّ (2) إنّ تشخيص ما في الذمة- الذي يعقد عليه (3) الفضولي- إمّا بإضافة (4) الذمة إلى الغير، بأن يقول: «بعت كرّا من طعام في ذمة فلان بكذا»

______________________________

طعام لسلف أو دين.

(1) أي: و من الفضولي جعل العوض ثمنا كان أو مثمنا في ذمة الغير بدون إذنه، كأن يشتري ثوبا بدرهم في ذمة زيد، أو يبيع ثوبا في ذمة زيد بدرهم. فقوله: «و منه» إشارة إلى الصورة الثالثة. كما أنّ قوله: «أو دينا في ذمة الغير» إشارة إلى الصورة الاولى و الثانية. و المراد بالغير الثالث هو البائع أو المشتري الذي بيده الإجازة المصحّحة للبيع أو الشراء.

(2) غرضه قدّس سرّه- بعد حكمه بجريان بحث الفضولي في الثمن و المثمن الكلّيّين الذميّين، و عدم اختصاصه بالأعيان الشخصية- بيان كيفية تعيين من يضاف الكلّي إليه حتى يجب عليه الوفاء بالعقد لو أجاز إنشاء الفضولي، و تقريبه: أن بيع العين الشخصية أو الشراء بالثمن الشخصي فضولا لا يتوقف إلّا على إجازة المالك المعيّن خارجا كزيد مثلا. و أمّا الكلّي الذّمّي فلمّا لم يكن موجودا خارجا توقّف تعيّنه على إضافته إلى عهده معيّنة ليكون أمر الإجازة و الرّد بيده. فلا بدّ من تعيينه بأحد نحوين، فإمّا أن يصرّح الفضولي به في العقد بأن يقول: «بعتك منّا من الحنطة في ذمة زيد بدينار» و إمّا أن ينوي وقوع البيع له من دون التصريح باسمه في العقد، فيقول: «بعتك منّا من الحنطة الذميّة بدينار» و يقصد اشتغال ذمة زيد به.

فإن أجاز زيد بيع الفضول صحّ و اشتغلت عهدته بما أضيف إليها من الثمن أو المثمن الكلّي، و إن ردّ بطل البيع إلّا في صورة واحدة يقع لنفس الفضول، و هو ما إذا باع بقصد وقوعه لزيد، فأنكر المشتري عليه، و سيأتي بيانه.

(3) الضمير راجع إلى الموصول في «ما في الذمة» و المراد به الثمن أو المثمن الكلي الذمي.

(4) المراد بهذه الإضافة- في قبال القصد- هو التصريح باسم صاحب الذمة في العقد.

ص: 617

أو «بعت هذا بكذا في ذمة فلان (1) و حكمه (2) أنّه لو أجاز فلان يقع العقد له، و إن ردّ (3) بطل رأسا.

و إمّا (4) بقصده العقد له، فإنّه إذا قصده في العقد تعيّن كونه صاحب الذمة، لما عرفت (5) [1] من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير (6) من خرج عنه

______________________________

(1) هذا في الثمن الكلي، و ما قبله في المبيع الكلي، فإنّ تشخّصهما منوط بالإضافة إلى ذمة شخص خاص.

(2) أي: و حكم تشخيص الكلي- بإضافة إلى شخص خاص- هو قابليته للصحة بالإجازة، و للبطلان بالرد.

(3) الضمير المستتر و ضمير «له» راجعان إلى «فلان».

(4) معطوف على قوله: «إمّا» و حاصله: أنّه قد يكون تشخيص الكلي بقصد الفضولي وقوع العقد للغير، كأن يقصد «بيع كرّ من طعام على زيد بدينار» فإنّ قصد كون البيع على زيد بدينار يعيّن كون زيد صاحب الذمة. و وجه تعيّنه هو: كونه مقتضى المعاوضة، فإنّ مقتضى قصد كون زيد بائعا هو خروج المبيع من كيسه و دخول الثمن في كيسه.

(5) تقدّم التنبيه عليه مكرّرا، كما في رابع تنبيهات المعاطاة، و كما في بيع الفضولي لنفسه، حيث قال في ردّ الوجه الثاني: «فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة ..» فلاحظ (ص 599).

(6) يعني: غير من قصد له العقد.

______________________________

[1] ما أفاده في حقيقة المعاوضة- من اعتبار دخول كلّ واحد من العوضين في ملك من خرج عنه العوض الآخر- هو مبنى الملازمة بين تعيّن كلّ من المعقود له و ذي الذمّة بتعيين الآخر بالإضافة أو بالقصد، لفرض وحدتهما. و أمّا بناء على عدم كون

ص: 618

الآخر، إلّا على احتمال ضعيف تقدّم (1) عن بعض. فكما أنّ تعيين العوض في الخارج (2) يغني عن قصد من وقع له العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني [1] عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلى شخص خاص.

______________________________

(1) تقدّم في (ص 591) بقوله: «الثاني: أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للآخر .. إلخ» و هذا هو الوجه الثاني من الوجهين اللّذين ذكرهما البعض في توجيه كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه.

(2) غرضه مقايسة قصد «من وقع له العقد» بتعيين العوض في الخارج، بأن يقال: كما أنّ تعيين أحد العوضين في الخارج كقوله: «بعتك هذا الكتاب» يغني عن تعيين البائع، لتعينه في الخارج بسبب قيام إضافة الملكية به، كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين العوض الكلي، كما إذا قصد أن يبيع عن زيد كرّا من حنطة، فإنّ قصد البيع عن زيد يوجب تعيّن المبيع، و يغني عن تعيينه لفظا، بأن يقول: «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمة زيد».

______________________________

حقيقة المعاوضة كذلك- كما هو الأوجه- فالملازمة ممنوعة.

[1] إغناؤه عنه بدون إضافة الكلي إلى شخص معين في غاية الإشكال، لاستلزامه التمليك و التملك بلا عقد، لتقوم العقد بالقصد، فصرف الكلّي أو البيع أو الشراء إلى شخص بلا قصد و لا إضافة إليه يوجب الملكية بدون العقد. و هو كما ترى، فلا بدّ من القصد و لو إجمالا.

و بالجملة: ففرق واضح بين العين الخارجية و الكلّي الذّمي، فإنّ إضافة العين الخارجية إلى من قصد له العقد غير معتبرة في صحة العقد، لأنّ كلّا من ماليتها و ملكيتها ثابت من دون حاجة إلى إضافة. بخلاف الكلي، فإنّ إضافته إلى شخص معيّن أو هيئة كذلك مقوّمة عرفا لماليته و ملكيته. و بدونها ليس في اعتبار العقلاء مالا و لا ملكا.

ص: 619

و حينئذ (1) فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد، و إن ردّ فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا (2)، لأنّ مقتضى ردّ العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه، إذ المال (3) مردّد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و بين من وقع له

______________________________

(1) يعني: و حين القول بأنّ تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد- و كذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلّي- يصحّ العقد إن أجاز من قصد له العقد بائعا كان أو مشتريا. و إن ردّ بطل العقد، لأنّه مالك أمر هذا العقد تصحيحا و إبطالا. ففي صورة الإبطال يبقى كلّ عوض على ملك صاحبه، لعدم تحقق ما يوجب انتقال المال عن صاحبه إلى غيره.

(2) إذ مع الرّد و حلّ العقد من وليّه لا يبقى ما يوجب صحة العقد و لو ظاهرا، فكل عوض باق على ملك صاحبه بمقتضى انحلال العقد.

ثم إن الحكم ببطلان العقد واقعا بالنسبة إلى من قصد وقوع العقد له لا ينافي صحته ظاهرا في حق الفضولي لو لم يصدّقه المشتري الأصيل.

(3) أي: مال المالك الأصيل. و هذا تعليل لبقاء كل من العوضين على ملك صاحبه و عدم التعدي عنه إلى غيره، و حاصله: أنّ مال الأصيل مردّد بين بقائه على ملك مالكه الأصلي إن لم يؤثّر العقد في النقل و الانتقال، و بين انتقاله إلى من وقع له العقد إن أثّر العقد كما في صورة الإجازة، فلا معنى لخروج المال عن ملك مالكه

______________________________

فلا يصلح لأن يقع عوضا في العقد المعاوضي. و مجرّد قصد من وقع له العقد لا يعيّن الكلي حتى يصح جعله عوضا في العقد المعاوضي، هذا.

مضافا إلى: ما عرفت من استلزامه خلوّ العقد عن القصد بالنسبة إلى جزئه و هو الكلي الذي وقع عليه عقد الفضولي، لانتفاء موضوع القصد و هو الكلي، فيمتنع تعلق القصد به.

ص: 620

العقد، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه و تردّده (1) بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ (2) لو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة، و وقع له. إلّا (3)

______________________________

و تردّده بين الفضولي و من وقع له العقد، إذ ليس الفضولي طرف المعاملة، فإنّ طرفيها هما المالكان للعوضين.

(1) هذا الضمير و ضميرا «لخروجه، ملكه» راجعة إلى المال.

(2) تعليل لعدم تردد المال بين الفضولي و من له العقد، و حاصله: أنّه لو بني على وقوع العقد للفضولي، فلا وجه لهذا التردد، بل يقع للفضولي من دون حاجة إلى إجازته، لمباشرته للعقد.

(3) استثناء ممّا ذكره من عدم وقوع العقد للفضولي، و محصله: وقوع العقد للفضولي فيما إذا أنكر الطرف الآخر في المعاوضة، سواء أ كان ذلك الطرف بائعا أم مشتريا، فمع حلفه على نفي علمه بفضولية مدّعي الفضولية حكم له على الفضولي بوقوع العقد.

و الوجه في توجّه الحلف إلى الأصيل مطابقة دعواه لظاهر الأمر من أن الفضولي عقد لنفسه، لا أنه قصد المعاملة للغير، لوضوح أنّ وقوعها للغير منوط بمئونة زائدة ثبوتا بالقصد، و إثباتا بإقامة دالّ على إسناد المعاملة إليه. و لا يكفي القصد الذي يدّعيه الفضولي، بعد خلوّ الإنشاء عن إسناد البيع إلى الغير، و مقتضى ظهور إطلاق الكلام انعقاده لنفس العاقد لا لذلك الغير.

و لمّا كانت دعوى الأصيل «قصدت البيع أو الشراء لك» موافقة لظاهر الإنشاء كفى يمينه في وقوع العقد للفضول، لا لذلك الغير الذي قصده الفضول، فيقول المشتري الأصيل «و اللّه لم أعلم بقصدك البيع للغير، فاشتريت الكلّي الذمي منك» و يحكم على الفضولي بالوفاء بعقده. و لا يبقى مجال لجريان أصالة الفساد المحكّمة في موارد الشك في صحة المعاملة و فسادها، بعد اقتضاء الظهور الإطلاقي صحتها كما تقدّم.

ص: 621

أنّ الطرف الآخر لو لم يصدّقه (1) على هذا القصد (2) و حلف على نفي (3) العلم حكم (4) له على الفضولي بوقوع [لوقوع] العقد له ظاهرا (5)، كما عن المحقق «1» و فخر الإسلام و المحقق و الكركي و السيوري و الشهيد الثاني [1].

______________________________

(1) أي: لو لم يصدّق الطرف الآخر الفضوليّ.

(2) أي: قصد الفضولي كون البيع أو الشراء لغيره.

(3) إنّما يحلف الأصيل على نفي علمه بما قصده الفضول، لا على عدم قصد الفضول، لوضوح أن قصد الفضول واقعا و عدمه لا يعلم إلّا من قبله، فلا يبقى للأصيل إلّا الحلف على عدم علمه بما قصده الفضول.

(4) أي: للطرف على الفضولي، و حاصله: وقوع العقد للطرف على الفضولي ظاهرا، فيجبر الفضولي على دفع الثمن و إن لم يجز له التصرف في المبيع، لدعواه الفضولية، إلّا بإذن البائع. كما لا يجوز للبائع أيضا التصرف في الثمن إلّا بإذن المشتري، فيبقى المال مردّدا بينهما. و مقتضى الاحتياط إنشاء عقد جديد عليه بالثمن الأوّل.

(5) التقييد بقوله: «ظاهرا» إنّما هو لأجل أنّ قصد الفضولي وقوع العقد لغيره يكون بمنزلة التصريح بكون العقد له، في أنّه مع إجازة ذلك الغير يصح العقد، و مع الرّد ينحلّ العقد واقعا. و هذا يدلّ على أجنبية الفضولي عن هذا العقد. فالحكم به

______________________________

[1] قد يشكل الحكم بالصحة بالحلف على نفي علمه بما قصده الفضولي بل المعاملة باطلة، و بيانه: أنّه قد يتوافق البائع و المشتري على وحدة القصد، و لكن يكذّب كلّ منهما الآخر فيما قصده بالخصوص، فالبائع يقول للمشتري: «بعتك المال

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 205، قواعد الأحكام، ج 2، ص 360 و 361، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 347، جامع المقاصد، ج 8، ص 205، مسالك الأفهام، ج 5، ص 300، و كذا نسبه صاحب المقابس الى الفاضل السيوري، فراجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 40.

ص: 622

و قد يظهر (1)

______________________________

للطرف الآخر على الفضولي لا بدّ أن يكون في مقام الظاهر لحلف الطرف الآخر على نفي العلم.

و قد حكي نظير هذا الفرع عن المحقق في كتاب الوكالة، و هو: «أنه إذا اشترى إنسان سلعة، و ادّعى أنّه وكيل لإنسان، فأنكر، كان القول قوله مع يمينه، و يقضى على المشتري بالثمن، سواء اشترى بعين أو في الذمة، إلّا أن يكون قد ذكر أنه يبتاع له في حالة العقد» و نحوه كلام العلّامة في وكالة القواعد، فراجع.

(1) هذا هو القول الثاني في المسألة، و هو وقوع العقد للفضولي ظاهرا و باطنا، و ربّما يظهر من العلّامة في مضاربة القواعد، كقوله: «و إن اشترى- يعني العامل- في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء و لم يجز المالك» «1» و كقوله: «و ليس له- أي للعامل- أن يشتري من ينعتق على المالك إلّا بإذنه، فإن فعل صحّ و عتق و بطلت المضاربة في ثمنه، فإن كان كلّ المال بطلت المضاربة. و لو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته، و الوجه الأجرة. و إن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة و ذكر المالك، و إلّا وقع للعامل مع علمه» حيث ان قوله: «و إلّا وقع للعامل» ظاهر في وقوع العقد للعامل واقعا، إذ لم يقل: «وقع للعامل ظاهرا» و من المعلوم أنّ العامل هنا فضولي، لأنّه اشترى من ينعتق على المالك بدون إذنه «2».

______________________________

و قبلت لنفسك» و يقول المشتري له: «بعت المال بثمن على عهدة زيد، و اشتريت له فضولا» فالبائع يدّعي أنّ المشتري اشترى لنفسه بثمن منه، و المشتري يدّعي الشراء للغير بثمن في ذمة ذلك الغير، و هذا مورد التداعي و التحالف.

و قد لا يتوافقان على قصد واحد بأن يقول البائع: «بعتك المال» و يدّعي

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 338.

(2) المصدر، ص 339.

ص: 623

..........

______________________________

و لا يخفى أن تعبير الماتن ب «و قد يظهر» يلوح منه عدم الجزم بظهور عبارة القواعد في وقوع البيع للعامل- الفضولي- واقعا، لبقاء احتمال وقوعه له ظاهرا، لا في

______________________________

المشتري أنه اشتراه للغير لا لنفسه. و هذا مورد الادّعاء و الإنكار، لمطابقة قول البائع لظهور قبول المشتري للبيع، لأنه لم يضفه إلى الغير، و مخالفة قول المشتري للظاهر.

و في هذه الصورة يحكم ببطلان البيع أيضا، لأنّ النية أمر قلبي يمتنع إقامة البيّنة عليها، فيردّ اليمين إلى البائع الذي يوافق كلامه ظاهر العقد و أصل الصحة، فلو حلف على نفي علمه بما قصده المشتري من كون الشراء للغير صح البيع. لكن لا جدوى في هذا الحلف، لعدم منافاته لدعوى المشتري. فلا بدّ من الحلف على نفي ما يدّعيه المشتري، و لمّا لم يكن له طريق إلى نفيه رجع الحلف إلى المدّعي، فيحلف على الفضولية، و يحكم ببطلان البيع، هذا «1».

لكن الظاهر صحة ما أفاده المصنّف من صحة البيع، بلا فرق بين الصورتين، لموافقة قول البائع لظاهر العقد، بناء على ان اعتبار تعيين الذّمة بالقصد أو باللفظ مختص بما إذا قصد جعل الثمن في ذمّة الغير. فاشتغال ذمة المشتري بالثمن لا يتوقف على التعيين، بل يكفي إطلاق العقد و تجرده عن الإضافة إلى الغير في انصرافه الى نفس المشتري.

و على هذا فدعوى المشتري الشراء بثمن كلّي في ذمة زيد منوطة بقرينة دالّة عليه. و حيث إنّ المفروض عدم إضافة الشراء إلى ذمة الغير كان قول البائع موافقا للظاهر، و لا يطالب باليمين ابتداء. نعم لو ادّعى المشتري علم البائع بمقصوده اتّجه الحلف على نفي علمه بما قصده المشتري. و على تقديري الحلف و عدمه يقدّم قول البائع الموافق للظاهر و لأصالة الصحة. و لم يظهر وجه للتفصيل بجعل المسألة موردا للتداعي تارة و للادعاء و الإنكار أخرى. إذ المفروض مخالفة قول المشتري لظاهر العقد، هذا.

______________________________

(1) المحاضرات، ج 2، ص 335.

ص: 624

من إطلاق (1) بعض الكلمات كالقواعد و المبسوط (2) وقوع (3) العقد له

______________________________

نفس الأمر. و عبارة القواعد لا تأبى هذا الاحتمال، كما يظهر بمراجعة كلمات الشرّاح، كقول فخر المحققين قدّس سرّه: «و إن كان- أي شراء من ينعتق على ربّ المال- في الذمة، و أطلق، أو لم يعلم المالك بأنّ العامل نواه، وقع في نفس الأمر عن العامل إن لم ينو المالك. و يقع عنه ظاهرا إن نواه» «1».

و قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و إن لم يكن الشراء بالعين- أي كان بالثمن الذمي- و لا ذكر المالك لفظا و لا نواه- بحيث يعلم به البائع- وقع الشراء للعامل و الزم به ظاهرا» «2» و كذا قوله: «في باب الوكالة لإمكان أن يريد بقوله: لا يقع له- إلزامه به ظاهرا، لأنه المبحوث عنه» «3».

و لعلّه لأجل تطرّق هذه الشبهة في عبارة القواعد قال المحقق صاحب المقابس:

«و الأوّل- أي ثبوت البيع واقعا للفضولي و لغوية نيته و قصده- قضية إطلاق القواعد. و يمكن تنزيله على الثاني، و هو وقوعه له في الظاهر» «4» فراجع.

(1) المراد بالإطلاق- كما نبهنا عليه- عدم تقييد وقوع البيع للفضولي- كالعامل و الوكيل- ب «ظاهرا» إذ من المعلوم اقتضاء هذا الإطلاق الوقوع له باطنا و ظاهرا.

(2) كقوله في الوكالة: «فإذا حلف ثبت البيع في حقّ الوكيل» «5». و كقوله في شراء العامل من ينعتق على ربّ المال: «و إن كان الشراء في الذمة وقع الملك للعامل، و صحّ الشراء .. إلخ» «6».

(3) فاعل «يظهر» و ضمير «له» راجع إلى الطرف الآخر، و هو الأصيل.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 314 و نحوه في ص 347.

(2) جامع المقاصد، ج 8، ص 99.

(3) المصدر، ص 253.

(4) مقابس الأنوار، ص 40.

(5) المبسوط، ج 2، ص 379 و 386.

(6) المبسوط، ج 3، ص 175.

ص: 625

واقعا [1]. و قد نسب ذلك (1) إلى جماعة في بعض فروع المضاربة.

و حيث عرفت (2) أنّ قصد البيع للغير

______________________________

(1) المشار إليه هو وقوع العقد للعامل واقعا و ظاهرا. و لكن لم أظفر في المسالك و الجواهر و جامع المقاصد و الحدائق على هذه النسبة. نعم ذكر السيد العاملي قدّس سرّه- في مسألة شراء شي ء في الذمة و إلزام العامل به- ما لفظه: «لأنّ البيع ظاهرا يقع، و به صرّح الشيخ و جماعة» «1».

و الظاهر أن مراده من كلمة «ظاهرا» هو صحة الشراء بما في الذمة، لا الظاهر في مقابل الواقع و نفس الأمر، لعدم فرض تنازع المالك و العامل حتى يحمل وقوعه للعامل على الحكم الظاهري. و بهذا فيكون الناسب إلى الجماعة هو صاحب مفتاح الكرامة، فراجع.

هذا ما أفاده في المسألة الاولى، و قد تحصّل منه صحة البيع الفضولي لو كان أحد العوضين كليّا في الذمة، و أنّه لو اختلفا في القصد قدّم قول من يوافق كلامه ظاهر العقد، و بالحلف على عدم علمه بما قصده الطرف الآخر يؤاخذ الفضولي بظاهر العقد.

(2) أي: في (ص 617) عند قوله: «ثم إنّ تشخيص ما في الذمة الذي يعقد عليه الفضولي» و هذا تمهيد لبيان المسألة الثانية، و هي الجمع بين المتنافيين في إنشاء الفضولي.

______________________________

[1] و تظهر الثمرة بين وقوع العقد للفضولي واقعا و بين وقوعه له ظاهرا في ترتب أحكام الملك واقعا على ما اشتراه الفضولي بناء على وقوعه له واقعا، و عدم ترتبها عليه بناء على وقوعه له ظاهرا، و لزوم الصلح في جواز التصرف في ملك الغير.

و تظهر الثمرة أيضا في شراء العامل من ينعتق عليه كأحد العمودين.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 462، السطر 10.

ص: 626

أو إضافته (1) إليه في اللفظ يوجب صرف الكلّي إلى ذمة ذلك الغير، كما أنّ إضافة الكلّي إليه (2) توجب صرف البيع أو الشراء إليه (3) و إن لم يقصده (4) أو لم يضفه إليه (5).

______________________________

(1) معطوف على «قصد» و ضمير «إضافته» راجع إلى البيع، و ضمير «إليه» إلى الغير. و إضافة البيع إلى الغير في اللفظ كأن يقول: «بعت لزيد منّا من الحنطة».

(2) أي: إلى الغير، فإنّ إضافة الكلي إليه- كأن يقول البائع الفضولي: «بعتك كرّا من طعام في ذمة زيد» أو يقول المشتري الفضولي: «اشتريت كرّا من طعام بدينار في ذمة زيد»- توجب صرف البيع أو الشراء إلى من أضيف إليه الكلّي.

(3) أي: إلى ذلك الغير.

(4) يعني: و إن لم يقصد الفضولي البيع أو الشراء لذلك الغير.

(5) يعني: و إن لم يضف الفضولي البيع أو الشراء إلى الغير. فالصور المستفادة من المتن أربع:

إحداها: قصد الفضولي البيع أو الشراء للغير من دون إبراز باللفظ.

ثانيتها: إضافة البيع أو الشراء إلى الغير باللفظ. و يدلّ على هاتين الصورتين قوله: «ان قصد البيع للغير أو إضافته» إلى قوله: «ذلك الغير».

ثالثتها: إضافة الفضولي الكلي إلى الغير و إن لم يقصد البيع أو الشراء لذلك الغير، كقوله: «بعت كرّا من طعام في ذمة زيد» أو «بعت هذا الكتاب بدينار في ذمة زيد» و تستفاد هذه الصورة من قوله: «كما أنّ إضافة الكلي إليه» إلى قوله: «و إن لم يقصده».

رابعتها: إضافة الفضولي الكلي إلى الغير و إن لم يقصد البيع أو الشراء للغير، كقوله: «بعتك كرّا من حنطة في ذمة زيد» و يشير إلى هذه الصورة قوله: «أو لم يضفه إليه».

ص: 627

ظهر (1) من ذلك (2) التنافي بين إضافة البيع إلى غيره و إضافة الكلّي إلى نفسه (3)، أو قصده (4) من غير إضافة. و كذا بين إضافة البيع إلى نفسه و إضافة الكلّي إلى غيره (5). فلو جمع بين المتنافيين، بأن قال: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي» أو «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» ففي (6) الأوّل يحتمل البطلان [1]

______________________________

(1) جواب «حيث» في قوله: «و حيث عرفت».

(2) أي: من وحدة المعقود له فضولا و المضاف إليه الكلّي الذمي- سواء ثبت اتحادهما بالقصد أم بالإضافة لفظا أم بالاختلاف- ظهر التنافي بين إضافة البيع إلى غيره و إضافة الكلّي إلى نفسه، كأن يقول: «بعت عن زيد كرّا من حنطة في ذمتي» حيث إنّ إضافة البيع إلى غيره تقتضي أن يكون الكلي في ذمة ذلك الغير، لا في ذمة نفسه، فإضافة الكلّي حينئذ إلى نفسه أو قصد الكلي من غير إضافة لفظا تنافي إضافة البيع إلى غيره. فهل يحكم بنفوذ البيع بالنسبة إلى نفسه و إلغاء تسمية زيد، أم يحكم بالبطلان رأسا؟ وجهان سيأتي بيانهما.

(3) كقوله: «بعت لزيد كرّا من حنطة في ذمتي».

(4) معطوف على «إضافة» يعني: سواء أ كان جعل الكلي في ذمته بالإضافة لفظا كأن يقول: «في ذمتي» أم بالقصد، كأن يقول: «بعت لزيد كرّا من طعام» قاصدا كون الكرّ من الطعام في ذمة نفسه، مع إضافة البيع إلى غيره و هو زيد.

(5) كقوله: «بعتك كرّا من حنطة بذمة زيد».

(6) جواب الشرط في قوله: «فلو جمع» و المراد بالأوّل: المثال الأوّل، و هو قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» و الاحتمالان مذكوران في المقابس أيضا، فراجع «1».

______________________________

[1] بل ينبغي القطع بالبطلان بناء على ما اختاره المصنف قدّس سرّه من معنى

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 628

لأنّه (1) في حكم شراء شي ء للغير بعين ماله. و يحتمل إلغاء أحد القيدين (2) و تصحيح المعاملة لنفسه (3) أو لغيره (4).

______________________________

(1) هذا التعليل مبني على ما قرّره من توقف معنى المعاوضة على دخول أحد العوضين في ملك من خرج عنه الآخر، فلا محيص حينئذ عن القول بالبطلان.

(2) و هما قيد «لفلان» و قيد «في ذمتي».

(3) إذا ألقى القيد الأوّل، و هو «لفلان».

(4) إذا ألقى القيد الثاني، و هو «في ذمّتي».

______________________________

المعاوضة، إذ يمتنع الجمع بين القيدين. و هذا محذور ثبوتي لا إثباتي حتى يقال:

بأظهرية أحدهما من الآخر، أو بأرجحية ما هو مقدّم في اللّفظ من الآخر. و من المعلوم أن ذكر كل واحد من القيدين لم يكن هزلا، بل كان جدّيا. فمقتضى قاعدة المعاوضة بطلان العقد في كلتا الصورتين اللّتين هما مثالان للجمع بين المتنافيين، و عدم التأمل في بطلانهما.

كما أنّه بناء على جواز الشراء للغير بمال نفسه و بالعكس ينبغي الجزم بالصحة في الصورة الاولى، و هي «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي» بلا إجازة. و في الصورة الثانية و هي: «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمّة فلان» مع إجازة ذلك الغير.

و أمّا ما أفاده من احتمال إلغاء أحد القيدين و تصحيح المعاملة لنفسه أو لغيره فلم يظهر له وجه وجيه، لأنّ الإلغاء إمّا اقتراحي، و إمّا للتأخر في الذكر. و كلاهما خلاف الميزان. و لا مجال للأخذ بالأظهرية، و لا بالتقدم الذكري بعد كون الكلام واحدا، و عدم استظهار معنى منه إلّا بعد تماميته.

و بالجملة: فتصحيح العقد بإلغاء أحد القيدين- مع كون كليهما مقصودا- كما هو مقتضى تبعية العقود للقصود في غاية الإشكال، إذ المفروض كون العاقد قاصدا لا هازلا.

ص: 629

و في الثاني (1) يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير بعد إجازته، لكن (2) بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك في ذمة الغير اعتقادا (3). و يحتمل (4) الصحة بإلغاء (5) قيد «ذمة الغير» [1].

______________________________

(1) أي: في المثال الثاني، و هو قوله: «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان» فإنّ فيه أيضا احتمالين، أحدهما: وقوعه للغير بعد إجازته، قياسا للكلي الذمي بالعين الخارجية في وقوع الشراء له إذا وقع على ما في ذمته، كوقوعه له إذا وقع على ماله الخارجي.

(2) يعني: أنّ وقوع المعاوضة للغير بعد الإجازة منوط بقصد المعاوضة، و هو موقوف على بناء مباشر العقد على تملّكه لذمة الغير اعتقادا حتى يتحقق مفهوم المعاوضة الحقيقية المتقوم بها مفهوم البيع.

(3) التقييد بالاعتقاد إنّما هو لأجل عدم إمكان الغصب في الكليّ حتى يتحقق البناء العدواني أيضا. و مع عدم البناء على التملك اعتقادا لا بدّ من الحكم بالبطلان، لعدم تحقق معنى المعاوضة.

(4) معطوف على «يحتمل» و هذا هو الاحتمال الثاني، و محصله: أنّه يحتمل الصحة لنفسه في المثال الثاني المذكور بقوله: «اشتريت لنفسي هذا بدرهم في ذمة فلان» بأن يلغى قيد «ذمة فلان» لأنّ تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه كما هو مدلول قوله «اشتريت لنفسي» يوجب إلغاء ما ينافيه من قوله: «في ذمة الغير» لأنّه كالإنكار بعد الإقرار، فلا يسمع.

(5) متعلق ب «يحتمل» و الباء للسببية.

______________________________

[1] الظاهر أنّ الوجه في الفرق بين الأوّل و الثاني- بإلغاء أحد القيدين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر في المثال الأوّل، و بإلغاء قيد ذمة الغير بخصوصه في المثال

ص: 630

لأنّ (1) تقييد الشراء أوّلا بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما ينافيه من (2) إضافة الذمة إلى الغير. و المسألة (3) تحتاج إلى التأمل [1].

______________________________

(1) تعليل لإلغاء قيد «ذمة الغير» يعني: أنّ قيد ذمة الغير يلغى لأجل كونه منافيا لتقييد الشراء أوّلا لنفسه.

(2) بيان للموصول في قوله: «ما ينافيه».

(3) و هي الجمع بين المتنافيين من قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي».

______________________________

الثاني- هو: «أنّ لفظ اشتريت» بدون التقييد منصرف إلى الشراء لنفسه، و تقييده بقوله:

«لنفسي» متّصلا به يوجب قوة ظهور دلالة «اشتريت» في وقوع الاشتراء للمتكلم، بحيث لا يصلح قوله: «في ذمّتي» في ذيل الكلام لمعارضته، فيحكم بمقتضى هذا الظهور القوي و هو الصحة لنفسه.

و هذا بخلاف ذكر «لفلان» بعد قوله: «اشتريت» فإنّه لكونه منافيا أسقط ظهور إطلاق «اشتريت» و انصرافه إلى الاشتراء لنفسه، و صار معارضا ب «في ذمتي» هذا.

لكن الحقّ- بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي ذكرناه- هو صحة المعاملة في كلا المثالين المذكورين بعد الإجازة. ففي المثال الأوّل يصح الشراء لفلان إذا أجاز، و على العاقد الفضولي دفع الثمن و هو الدرهم الذي جعله في ذمة نفسه. و في المثال الثاني يصح الشراء لنفس العاقد الفضولي إذا أجاز من جعل الدرهم في ذمته.

كما أنّه بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدّس سرّه لا محيص عن البطلان في كلا المثالين، و عدم الفرق بينهما، لتغاير من له العقد و من عليه الكلّي الذمي، و عدم الوجه في إلغاء أحد القيدين كما عرفت آنفا. و عليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل و هو قوله: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي.

[1] الظاهر عدم خفاء في حكم المتنافيين، و هو البطلان في كلا المثالين بناء

ص: 631

ثم إنّه قال (1) في التذكرة: «لو اشترى فضوليا، فإن كان بعين مال الغير، فالخلاف (2) في البطلان أو الوقف على الإجازة. إلّا (3) أنّ أبا حنيفة قال: يقع

______________________________

و «اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة فلان».

(1) قد تعرّض المصنف قدّس سرّه لكلام التذكرة هنا، لأنّه استظهر منه أنّ العلّامة في مقام بيان مورد من موارد الجمع بين المتنافيين، و نشير إلى مورد استظهاره إن شاء اللّه تعالى.

(2) و هو الخلاف المعهود في بيع مال الغير لنفسه من البطلان أو التوقف على إجازة الغير، فإنّه جار هنا، فإذا اشترى لنفسه متاعا بعين مال الغير جرى فيه ذلك الخلاف، و كان من الجمع بين المتنافيين.

(3) استدراك على ما في المسألة من القولين- و هما البطلان و الوقف على الإجازة- فإنّ أبا حنيفة خالف و ذهب إلى قول ثالث، و هو الصحة و وقوعه للمشتري على كل حال، سواء أجاز المالك أم ردّ.

______________________________

على مختار العلّامة و المصنف قدّس سرّهما في معنى المعاوضة.

و ما احتمله في المتن- من تصحيح الشراء في المثال الأوّل للمباشر بإلغاء قيد «لفلان» أو للغير بإلغاء قيد «في ذمّتي» على نحو التخيير. و كذا في المثال الثاني من احتمال الصحة للمباشر، لإلغاء قيد «في ذمة فلان» تعيينا، لتأكّد ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت» في كون الشراء لنفس العاقد بقوله: «لنفسي» و أقوائية ظهوره من ظهور «في ذمة فلان»- ضعيف.

أمّا الأوّل فلما فيه من: أنّ مقتضى القاعدة في القيود و الأمور المتنافية سقوط الجميع عن الاعتبار، كوقوع عقدين على امرأة لرجلين في زمان واحد، و غيره من أمثاله.

لا التخيير الذي يختص بباب تعارض الأخبار لدليل خاص، و هو الأخبار العلاجية.

ص: 632

للمشتري بكلّ حال «1» (1). و إن (2) كان في الذمة لغيره (3) و أطلق اللفظ، قال

______________________________

(1) يعني: سواء أجاز المالك أم ردّ.

(2) معطوف على «فإن كان» يعني: و إن كان الشراء الفضولي الذي هو للغير كزيد بثمن في ذمة نفس العاقد المباشر- بأن يتعلق «لغيره» ب «اشترى» المستفاد من السياق، يعني: اشترى للغير، و جعل العوض في ذمة نفسه بدون ذكره لفظا، كأن يقول: «اشتريت كرّا من الحنطة بدينار» و أطلق اللفظ بأن لم يقل: «بدينار في ذمتي»- قال علماؤنا: يقف على الإجازة، فإن أجازه المعقود له- و هو زيد في المثال- لزمه أداء الثمن قضية للمعاوضة، و اقتضاء دخول المثمن في ملكه خروج الثمن عن ملكه.

و إن ردّه صحّ عن العاقد المباشر، لما سيأتي من وجهه.

(3) هذا مورد استظهار المصنف، فإنّ المراد بقول العلامة: «و إن كان في الذمة لغيره» على ما فهمه المصنف هو «و إن كان الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفسه» فيكون حينئذ من جزئيات تنافي القصدين، و هما قصد الشراء للغير، و كون الثمن في ذمة نفسه.

و عليه يكون هذا المعنى الذي استظهره المصنف مساوقا للمثال الأوّل، و هو قوله: «اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمّتي».

______________________________

و أمّا الثاني فلما فيه من عدم الوجه في تقديم قيد «لنفسي» و إلغاء قيد «في ذمة فلان» و الحكم بصحة الشراء للمباشر، و ذلك لأنّ التقديم إن كان لأجل تقدم «لنفسي» لفظا على «في ذمة فلان» فهو يقتضي تقدم «لفلان» على «في ذمتي» و الحكم بصحة الشراء لذلك الغير تعيينا في المثال الأوّل أيضا، لا تخييرا.

و إن كان التقديم لأجل الأظهرية- ببيان: أنّ ظهور ضمير المتكلم في «اشتريت لنفسي» قد أكّد ب «لنفسي» فصار ظهور الشراء لنفس العاقد أقوى من ظهور الشراء للغير،

______________________________

(1) راجع المغني، لابن قدامة، ج 4، ص 227.

ص: 633

______________________________

فيلغى قيد «في ذمة فلان» لكونه منافيا لظهور «اشتريت لنفسي» بحيث يصير من قبيل الإنكار بعد الإقرار- ففيه: أنّ حديث تقديم الأظهر على الظاهر إنّما يكون فيما إذا كان الظاهر و الأظهر في كلامين. و أمّا إذا كانا في كلام واحد فلا يؤخذ بظاهر الكلام إلّا بعد تماميته، فربّما يصير الظاهر مقدّما على الأظهر، كما في تقديم «يرمي» الذي يكون ظهوره بالإطلاق على «أسد» الذي يكون ظهوره بالوضع. و في المقام يكون الظاهر و الأظهر في كلام واحد.

بل ما نحن فيه أجنبي عن بحث الظاهر و الأظهر، لكون «في ذمة فلان» أيضا في غاية الظهور. و عليه فالقيدان- و هما «لنفسي» و «في ذمة فلان»- متساويان في الظهور.

فتلخص ممّا ذكرنا أمور:

الأوّل: أنّ المثالين المذكورين من صغريات الجمع بين المتنافيين بناء على ما اختاره المصنف قدّس سرّه من معنى المعاوضة.

الثاني: أنّه لا وجه لإلغاء أحد القيدين تخييرا، و الحكم بصحة الشراء للعاقد المباشر أو للغير في المثال الأوّل. بل لا بدّ من إلغاء كليهما و الحكم بالبطلان.

الثالث: أنّه لا وجه لترجيح أحد القيدين و الأخذ بأحدهما تعيينا، و الحكم بصحة الشراء للمباشر في المثال الثاني.

الرابع: أنّ الحق هو البطلان في كلا المثالين، لكون كلا القيدين فيهما مقصودا جدّا لا هزلا، مع امتناع الجمع بينهما، فلا محيص عن بطلان العقد.

هذا كله بناء على كون المعاوضة بالمعنى الذي اختاره المصنف قدّس سرّه.

و أمّا بناء على كون المعاوضة في مقابل المجانية- على التفصيل الذي تقدم سابقا- فالحق صحة العقد في كلا المثالين، فيصح للغير في المثال الأوّل بعد إجازته، و للمباشر بعد إجازة الغير في المثال الثاني.

الخامس: أنّه بناء على المعنى الذي اخترناه في المعاوضة لا يتحقق التنافي الذي ذكره المصنف في شي ء من الموارد، و يكون الحكم في الجميع الصحة.

ص: 634

علماؤنا: يقف على الإجازة. فإن أجازه (1) صحّ، و لزمه أداء الثمن. و إن ردّ نفذ عن المباشر (2). و به (3) قال الشافعي في القديم (4)، و أحمد. و إنّما يصح الشراء (5) لأنّه تصرف في ذمته [1].

______________________________

(1) أي: المعقود له كزيد في المثال. و وجه صحته: شمول العمومات له، إذ المفروض أنّ الفضولي عقد الشراء لزيد، و هو بمقتضى المعاوضة يوجب كون ذمته مشغولة بالثمن، لا ذمة نفس الفضولي، لأنّه خلاف مقتضى المعاوضة. و مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» هو نفوذ إجازته لهذا الشراء، فيصير الشراء لمن قصده الفضولي.

(2) و هو العاقد الفضولي، و لزمه أداء الثمن من ماله، إذ لا مانع من وقوعه للفضولي إلّا مجرّد قصد كون الشراء لغيره، من دون تقييد الإنشاء بما يدلّ عليه صريحا، كقوله: «للغير» أو ظاهرا، كإضافة الثمن الكلي إلى ذمته. و ردّ المعقود له رافع للقصد المذكور و مزيل لفضوليته، فيشمله عموم ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقود.

و إن شئت فقل: إنّ قصد الشراء لنفسه ليس شرطا لوجوب الوفاء، بل قصد الغير مانع، و هو يرتفع بالرّد و لو حكما و تنزيلا، بشهادة الإجماع المدّعى في المتن.

(3) أي: و بنفوذ الشراء عن المباشر إن ردّ الشراء قال .. إلخ.

(4) هذا اسم لآرائه حين إقامته ببغداد، و الجديد اسم لآرائه الصادرة منه بعد انتقاله إلى مصر و إقامته فيه.

(5) أي: يصحّ الشراء لنفس الفضولي عند ردّ المعقود له، لأنّ الفضولي المباشر للعقد قصد تصرّف في ذمة نفسه بجعل الثمن الذي يدفعه إلى البائع في ذمته، لا في ذمة الغير.

______________________________

[1] استشهد المصنف قدّس سرّه بهذه العبارة على أنّ مراد العلّامة بقوله: «و إن كان في الذمة لغيره» جعل الثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي، لرجوع ضمير «ذمته» إلى المباشر. فكأنّه قال: «يصح الشراء للعاقد الفضولي، لأنّه إنّما تصرّف في ذمة نفسه، لا في

ص: 635

لا في (1) مال غيره (2).

______________________________

(1) كما في الفرض الذي ذكره بقوله: «فان كان بعين مال الغير».

(2) هذا الضمير و ضمائر «لأنّه، تصرّف، ذمته» راجعة إلى الفضولي.

______________________________

عين مال غيره- و هو منويّ الفضولي- حتى يكون منهيّا عنه، فيفسد من أجله الشراء» هذا.

أقول: يمكن أن يقال: إن ضمير «ذمته» راجع إلى «غيره» في قوله: «لغيره» و معناه:

أنّه يصحّ الشراء للمباشر، لأنّ المباشر تصرّف في ذمة الغير التي هي ليست مالا و لا ملكا حتى يصحّ جعله عوضا، إلّا إذا أجاز ذلك الغير، و لم يتصرف في ماله الخارجي حتى يفسد الشراء، و لا يقبل الصحة بالإجازة.

و بالجملة: فلا يشهد قوله: «لأنّه تصرف في ذمته» بما أفاده المصنف قدّس سرّه من جعل الثمن في ذمة المباشر.

و لا بأس ببيان ما يحتمل في قول العلّامة: «و إن كان في الذمة لغيره» فنقول: إنّه يحتمل أن يراد بقوله: «في الذمة» كون الثمن كلّيا في الذمة، من غير التفات إلى تعلقه بذمة نفس المباشر أو غيره، و عدم تعيين ذمة أحدهما. لكن مع قصد كون الشراء للغير، كأن يقول: «اشتريت هذا الكتاب لزيد بدينار» من دون بيان كونه في ذمة نفسه أو غيره، و من دون التفات إلى ذلك.

و على هذا الاحتمال يكون قوله: «للغير» خبرا بعد خبر، كأنّه قيل: «كان الشراء في الذمة» أي: ليس الثمن عينا خارجية، بل هو كلّي ذمّي، و كان الشراء لغيره. فإنّ كلّ واحد من خبرين أو أخبار متمّم للفائدة. كقوله: «زيد عالم عادل» فإنّ كلّ واحد من هذين الخبرين خبر مستقل لزيد.

و يحتمل أن يراد الاشتراء بثمن في ذمة الغير، فكأنّه قال: «و إن كان الاشتراء بثمن في ذمة الغير» كما هو مقتضى المقابلة و العطف على قوله: «فإن كان بعين مال الغير»

ص: 636

______________________________

فالفضولي يشتري متاعا لزيد بدينار في ذمة زيد. و هذا الاحتمال مبني على أن يكون «لغيره» ظرفا مستقرّا نعتا للذمة، فكأنّه قال: و إن كان الاشتراء في الذمة الكائنة لغير العاقد الفضولي.

و يحتمل أن يراد الاشتراء للغير بثمن في ذمة نفس العاقد الفضولي كما استظهره الشيخ قدّس سرّه، و لذا جعله من صغريات الجمع بين المتنافيين، بتقريب: أنّ معنى «و إن كان في الذمة لغيره» هو: و إن كان الاشتراء لغيره في ذمة نفس العاقد الفضولي، بقرينة التعليل بقول العلامة قدّس سرّه: «لأنّه تصرّف في ذمته» أي: لأنّ الفضولي تصرّف في ذمة نفسه.

و بالجملة: فالاحتمالات المتصورة ثبوتا في الثمن الكلّي الذمي أربعة.

أحدها: كون الذمة مطلقة.

ثانيها: كونها مضافة إلى ذمة الفضولي.

ثالثها: كونها مضافة إلى من اشترى له الفضولي.

رابعها: كونها مهملة.

هذه هي الوجوه المحتملة ثبوتا في الثمن الكلّي الذّمي المجعول عوضا في الشراء الفضولي.

و أمّا الظاهر من هذه الاحتمالات- بحيث يصح الركون إليه في مقام الإثبات عند أبناء المحاورة- فهو الاحتمال الثاني، لأنّ السياق يقتضي ذكر قسمي الثمن الذي يقع الشراء عليه.

أحدهما: كون الثمن عينا خارجية للغير، و هو منويّ الفضولي.

و ثانيهما: كون الثمن كلّيّا في ذمة ذلك الغير. فإنّ المناسب أن يكون عدل «فان كان بعين مال الغير» هو «و إن كان بما في ذمته» أي: ذمة ذلك الغير، حتى يستوفى حكم الشراء الفضولي بكلا قسمي الثمن المجعول على من اشترى الفضولي له من الثمن الشخصي و الكلي.

و أمّا جعل الثمن الكليّ على غير منويّ الفضولي فهو خلاف ظاهر السياق،

ص: 637

______________________________

و لا موجب للحمل على خلاف الظاهر.

و لا ينافي هذا الظهور تعليل صحة الشراء للفضولي بقوله: «لأنّه تصرف في ذمته لا في مال غيره» و ذلك لأنّ معناه: أنّ الفضولي لم يتصرف في مال الغير حتى يكون الشراء فاسدا للنهي، و غير قابل لإجازة الفضولي، و إنّما تصرّف في ذمته أي ذمة ذلك الغير. و ذلك ليس تصرفا في مال الغير، لأنّ الكلي الذمي لا يصير مالا عند العقلاء إلّا بعد أن يضيفه صاحب الذمة إلى نفسه. و إضافة غيره الى ذمته كالعدم، و لا تجعله مالا عرفا.

فإذا ردّ من قصد له الشراء فمقتضى القاعدة البطلان، و عدم إمكان تصحيحه بإجازة العاقد الفضولي، لعدم المقتضي و هو إنشاء الشراء له، إذ لم يكن الفضولي مقصودا في إنشاء الشراء لمن اشترى له. فالالتزام بوقوعه له مع الإجازة أو بدونها مخالف لقاعدة تبعية العقود للقصود، و لحقيقة المعاوضة بمعناها الذي اختاره العلّامة و الشيخ قدّس سرّهما.

فالقول بصحته مشكل.

إلّا أن يقال بما أسلفناه سابقا من: أنّ المعتبر في متعلق القصد هو نفس التبديل بين المالين، لتقوم البيع به، دون غيره من الخصوصيات كالبائع و المشتري، و من المعلوم تحقق القصد بهذا النحو هنا.

و عليه فلا قصور في شمول عمومات الصحة له إذا أجاز الفضولي بعد ردّ من اشترى له الفضولي، فإنّ المعاوضة بالمعنى الذي بيّناه سابقا متحققة في المقام.

و كيف كان ففي صورة إطلاق الذمة و الشراء لفظا و قصدا- و كذا في صورة إهمالهما كذلك- ينصرف الشراء إلى الفضولي، و يكون عليه أداء الثمن، لشمول العمومات لهما بلا مانع. و في صورة إطلاق اللفظ و قصد الشراء للغير يتعيّن الشراء لمن قصد.

و بالجملة: فمع قصد الغير يتعيّن الشراء له، فإن أجاز ألزم بأداء الثمن سواء أطلق اللفظ أم أهمل.

ص: 638

و إنّما (1) توقّف على الإجازة [1] لأنّه (2) عقد الشراء له، فإن أجازه (3) لزمه، و إن ردّه لزم لمن اشتراه. و لا فرق بين أن ينقد (4) من مال الغير أو لا. و قال أبو حنيفة: يقع (5) عن المباشر، و هو جديد للشافعي» انتهى (6).

______________________________

(1) إشارة إلى توهم، و هو: أنّه بناء على وقوع الشراء للفضولي المباشر للعقد- لكونه متصرّفا في ذمة نفسه، لا في ذمة غيره حتى لا يصح الشراء له كما في الفرض الذي نقله الشيخ بقوله: فان كان بعين مال الغير- فما وجه توقّف المعاملة على إجازة الغير الذي ردّ الشراء؟

(2) هذا دفع التوهم المزبور، و محصله: أنّ هذا التوقف إنّما هو لأجل أنّ الفضولي المباشر للعقد قد عقد الشراء ابتداء للغير و إن أضاف الثمن إلى ذمة نفسه قصدا لا لفظا.

(3) يعني: فإن أجاز الغير هذا الشراء لزمه، و صار الشراء له، و إن ردّه لزم للعاقد المباشر.

(4) بالقاف و الدال المهملة كما هو في التذكرة، و المراد به الإعطاء، يعني: لا فرق في لزوم المعاملة للمباشر بين إعطاء الثمن من مال الغير و من مال نفسه.

(5) أي: يقع الشراء عن المباشر للعقد مطلقا من دون توقفه على ردّ الغير للشراء.

(6) أي: انتهى كلام العلّامة قدّس سرّه في التذكرة «1».

______________________________

[1] الظاهر أنّ الأولى أن يقال: «و إنّما توقف نفوذه عن المباشر على عدم الإجازة أو الرد، لأنّه .. إلخ». إذ المفروض أنّ نفوذ الشراء للعاقد الفضولي مترتب على ردّ الغير للشراء، لا على إجازته، فتدبّر.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463.

ص: 639

و ظاهره (1) الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا، كما يشعر به (2) تعليله (3) بقوله: «لأنّه [1] تصرف في ذمته لا في مال الغير [2]».

______________________________

(1) أي: و ظاهر كلام العلّامة الاتّفاق على وقوع الشراء للعاقد الفضولي في صورة ردّ الغير له، و كونه عقدا للعاقد الفضولي واقعا. أمّا ظهور كلامه في الاتفاق فلقوله: «قال علماؤنا» فإنّه من الألفاظ الظاهرة في الإجماع. و أمّا ظهوره في وقوع العقد للفضولي واقعا فلمقابلته مع وقوع الشراء للمجيز، إذ لا ريب في وقوعه للمجيز واقعا، فإنّ هذه المقابلة قرينة على وقوع الشراء للفضولي واقعا أيضا.

(2) أي: بوقوع الشراء للمشتري. و قوله: «للمشتري» متعلق ب «وقوع الشراء».

(3) أي: تعليل العلّامة في التذكرة بأنّ المشتري تصرّف في ذمة نفسه لا في مال الغير.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا التعليل- بناء على المعاوضة بالمعنى الذي اختاره العلّامة و المصنف قدّس سرّهما، و بناء على رجوع ضمير «ذمته» إلى الفضولي- يناسب بطلان العقد رأسا، لعدم إنشاء مفهوم المعاوضة على مذهبهما، فلم يتحقق عقد حتى تصل النوبة إلى تنفيذه بإجازة الفضولي، أو منويّة.

و إن شئت فقل: إنّ إجازة عقد الفضولي شرط لتنفيذ العقد، فالشرط متأخر عن وجود المقتضي، لأنّه شرط لتأثيره، و مع عدم المقتضي لا موضوع للإجازة.

[2] يستفاد من هذا الكلام أمران:

أحدهما: تعيّن الذمة، لا إطلاقها و لا إهمالها كما في بعض الكلمات، غاية الأمر أنّها إمّا ذمّة الفضولي كما استظهره بعض كالمصنف، و إمّا ذمّة من اشترى له الفضولي.

ثانيهما: أنّ العقد لأيّ شخص وقع يقع واقعا لا ظاهرا، على ما هو مقتضى التعليل:

«بأنّه تصرف في ذمته لا في ذمة غيره» فإنّه يناسب وقوعه واقعا لا ظاهرا، كما بيّناه في التوضيح.

ص: 640

لكن (1) أشرنا سابقا (2) إجمالا إلى أنّ تطبيق هذا (3) على القواعد مشكل، لأنّه (4)

______________________________

(1) هذا إشكال المصنف على العلّامة قدّس سرّهما في وقوع الشراء للعاقد الفضولي إذا ردّه الغير.

(2) أشار إليه في (ص 574) بقوله: «و لكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير .. فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه» فراجع.

(3) يعني: هذا الشراء، بناء على ما استظهره المصنف قدّس سرّه من عبارة التذكرة من جعل الفضولي الثمن في ذمة نفسه، لا ذمّة من اشترى له، فإنّ إشكاله مبني على هذا الاستظهار، لقوله: «إذا جعل المال في ذمته .. إلخ».

(4) أي: لأنّ المشتري العاقد، و توضيح الاشكال على صحة هذا الشراء للفضولي العاقد هو: أنّ العاقد إمّا أن يجعل المال في ذمة نفسه بالأصالة أي بقصد إخراج المال من ملك نفسه واقعا و بدون قصد النيابة عن الغير، و إما أن يجعل المال في ذمة نفسه بانيا على كونه نائبا عن ذلك الغير بأن يأخذ بدله من غيره.

فعلى الأوّل إمّا أن يلتزم بالبطلان واقعا، و إمّا بوقوعه للمباشر ظاهرا لا واقعا.

بيانه: أنه مع جعل المال في ذمة نفسه بالأصالة لو رجّحنا قصده و نيّته من وقوع العقد لذلك الغير مع خروج العوض من ملك هذا العاقد كان باطلا واقعا، لما تكرّر من تقوم المعاوضة بالمبادلة بين المالين في إضافة الملكية، فلا يعقل وقوع البيع لذلك الغير المنوي و خروج الثمن من العاقد. و لو رجّحنا وقوع العقد لنفس العاقد لترجيح وقوعه في ذمة نفسه على وقوعه لذلك الغير حكمنا بصحته للمباشر، و لا وجه لوقوعه لذلك الغير.

و على الثاني- و هو قصد جعل الثمن في ذمة نفسه نيابة و وكالة عن الغير المنوي- يشكل وقوع العقد لذلك الغير من وجهين سيأتي بيانهما.

ص: 641

إذا جعل المال في ذمته بالأصالة، فيكون (1) ما في ذمته كعين ماله، فيكون كما لو باع عين ماله لغيره.

و الأوفق بالقواعد في مثل هذا (2) إمّا البطلان لو عمل بالنية (3) بناء (4) على أنّه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا. و إمّا (5)

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «إذا جعل» أي: كان ما في ذمته- في صورة الأصالة- كعين ماله الخارجي، فيكون وزان هذا الشراء- في عدم الصحة- وزان بيع عين ماله لغيره، فإنّ كليهما محكوم بالبطلان.

(2) أي: في مثل هذا الشراء الذي جعل الفضولي ثمن الشراء في ذمة نفسه، و محصل ما أفاده هو: أنّ الأوفق بالقواعد في هذا الشراء: إمّا البطلان مع رعاية العمل بنية الشراء للغير، بناء على ما اختاره المصنف في معنى المعاوضة من عدم تعقل دخول المبيع- الذي هو عوض الثمن الذي يدفعه الفضولي إلى البائع- في ملك من عقد له الشراء.

و إمّا الصحة للفضولي مع إلغاء نية الشراء للغير، لانصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا كما هو مقتضى المعاوضة و إن نوى خلافه.

(3) أي: نية الشراء للغير.

(4) تعليل للعمل بالنية، يعني: أنّ العمل بنية الشراء إنّما هو لأجل معنى المعاوضة الذي مرّ مرارا، فإنّه يقتضي انتقال المبيع إلى الفضولي المعطي للثمن، لا انتقاله إلى من وقع الشراء له فضولا.

(5) معطوف على قوله: «إمّا البطلان» و هذا هو الشق الثاني، و حاصله: أنّ صحة هذا الشراء و وقوعه لنفس العاقد الفضولي مبنيّة على إلغاء نيّة الشراء للغير، لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين- و هي الثمن- قهرا، بحيث يكون هذا الانصراف ملغيا لتلك النية التي هي على خلاف مقتضى الانصراف، و بعد إلغاء نية

ص: 642

صحته و وقوعه لنفسه (1) لو ألغيت النية (2)، بناء (3) على انصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا، و إن نوى خلافه.

و إن جعل (4) المال في ذمته لا من حيث الأصالة، بل من حيث جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا، ففيه (5) مع [فمع] الإشكال في صحة هذا (6)- لو لم يرجع (7) إلى الشراء في ذمة الغير-

______________________________

الشراء لهذا الانصراف يصحّ الشراء للفضولي.

(1) أي: لنفس الفضولي.

(2) أي: نية الشراء للغير. و قوله: «لو ألغيت» قيد ل «صحته».

(3) تعليل لإلغاء النية، و قد مرّ بيانه آنفا بقولنا: «لأجل انصراف المعاملة إلى مالك العين».

(4) معطوف على «إذا جعل المال في ذمته» توضيحه: أنّه إذا جعل الفضولي الثمن في ذمته- لا من جهة الأصالة، بل من جهة النيابة عن الغير فضولا- اتّجه عليه إشكالان، أحدهما: ابتناؤه على جريان الفضولي في الوكالة، و جريانه فيها مشكل، إذ الوكالة عبارة عن الاستنابة في التصرف، و الفضولي عبارة عن المباشرة في التصرف من عند نفسه. نعم لو جعل نفسه نائبا عن الغير و أجازه المنوب عنه قبل إيجاد العمل الذي يريد النيابة فيه حصلت الوكالة قبل مباشرة العمل بسبب الإجازة، حيث إنّ الوكالة من العقود الجائزة التي تتحقق بكل لفظ يؤدّي الاستنابة، و بتحقق الوكالة لا معنى للفضولية حينئذ.

(5) جواب الشرط في قوله «و إن جعل».

(6) أي: جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا.

(7) إذ مع رجوع جعل نفسه نائبا عن الغير إلى الشراء في ذمة الغير- بدون النيابة عنه- لا يرد عليه إشكال جريان الفضولي في الوكالة، و إن ورد عليه إشكال

ص: 643

أنّ (1) اللازم من هذا أنّ الغير إذا ردّ هذه المعاملة و هذه النيابة تقع فاسدة من أصلها، لا أنّها تقع للمباشر.

نعم (2) إذا عجز المباشر من إثبات ذلك (3) على البائع لزمه ذلك (4) في ظاهر الشريعة كما ذكرنا سابقا (5)، و نصّ عليه (6) جماعة (7) في باب التوكيل.

______________________________

الشراء في ذمة الغير، و هو خروجه عن حقيقة المعاوضة. فليس مراده بقوله: «لو لم يرجع .. إلخ» أنه مع رجوعه إليه يخلو عن الإشكال.

(1) هذا هو الإشكال الثاني على تقدير النيابة عن الغير، و محصل الاشكال: أنّه بناء على جعل المال في ذمة الفضولي نيابة عن الغير- لا أصالة عن نفسه- يلزم الالتزام بفساد هذه المعاملة إذا ردّها الغير أي المنوب عنه، لأنّ المفروض إنشاء الشراء له، فإذا ردّه بطل من أصله، لا أنّه يقع للمباشر.

(2) استدراك على قوله: «لا أنّها تقع للمباشر» يعني: أنّ المعاملة تقع للمباشر في صورة واحدة، و هي: ما إذا عجز العاقد المباشر عن إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير- لا أصالة عن نفسه- لزمه الشراء حينئذ، و حكم بكون الشراء له ظاهرا، لا عن ذلك الغير.

(3) أي: إثبات جعل المال في ذمته نيابة عن الغير، لا أصالة عن نفسه.

(4) أي: وقوع الشراء له ظاهرا لا واقعا، لعدم طريق إلى إثباته واقعا.

(5) حيث تقدم قوله في (ص 622): «ان الطرف الآخر لو لم يصدقه على هذا القصد و حلف على نفي العلم حكم له على الفضولي، لوقوع العقد له ظاهرا».

(6) أي: على وقوع الشراء للمباشر ظاهرا.

(7) كالمحقق و فخر المحققين و المحقق الكركي و السيوري و الشهيد الثاني قدّس سرّهم.

قال في الشرائع: «الرابعة: إذا اشترى إنسان سلعة و ادّعى أنه وكيل لإنسان، فأنكر، كان القول قوله مع يمينه، و يقضى على المشتري بالثمن سواء اشترى بعين أم في ذمة.

ص: 644

و كيف كان (1) فوقوع (2) المعاملة في الواقع مردّدة بين المباشر و المنوي دون التزامه خرط القتاد.

و يمكن تنزيل العبارة (3) على الوقوع للمباشر ظاهرا، لكنّه بعيد (4).

______________________________

إلّا أن يكون ذكر أنّه يبتاع له في حالة العقد» «1».

(1) يعني: سواء جعل الثمن في ذمة الفضولي أصالة أم نيابة تكون المعاملة باطلة رأسا، أو صحيحة للفضولي، و لا تكون مردّدة بين الفضولي المباشر للعقد و من عقد له الشراء، فلا وجه لقول العلّامة بوقوع العقد مردّدا بين المباشر و المنوي.

(2) مبتدء، و «مرددة» حال من المعاملة، و «خرط» مبتدء ثان، و «دون» خبره. و هذه الجملة خبر «وقوع» يعني: فوقوع المعاملة حال كونها مرددة بين المباشر و المنوي خرط القتاد يكون أخفّ من الالتزام بوقوعها كذلك، فإنّ هذا الالتزام أصعب و أشد إشكالا من خرط القتاد.

(3) أي: عبارة العلّامة في التذكرة، و هي «و إن ردّ نفذ عن المباشر».

(4) يعني: لكن حمل العبارة المذكورة على الوقوع للمباشر ظاهرا بعيد. وجه بعده هو: أنّ تعليل العلّامة قدّس سرّه وقوع العقد للمباشر الفضولي بقوله: «لأنه تصرّف في ذمته» يقتضي وقوعه له واقعا، إذ المناسب لوقوع العقد للمباشر ظاهرا تعليله بقوله:

«لأنّ العقد وقع له بمقتضى إطلاقه» فإن المناسب للوقوع الظاهري هو الإطلاق الدال على ثبوت شي ء ظاهرا.

هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل من الأمرين المذكورين في التتمة.

______________________________

(1) الشرائع، ج 2، ص 205، و قد تقدم تخريج أقوال الآخرين في ص 622، فراجع.

ص: 645

[الأمر الثاني: جريان بيع الفضولي في المعاطاة]

الثاني (1): الظاهر أنّه لا فرق فيما ذكرنا

______________________________

الأمر الثاني: جريان بيع الفضولي في المعاطاة

(1) هذا هو ثاني الأمرين اللّذين قال الشيخ قدّس سرّه في (ص 615): «بقي هنا أمران» و الغرض من عقده التنبيه على أمر آخر ممّا يتعلّق ببيع الفضولي، و هو: أنّ محلّ النزاع في صحة بيع الفضولي هل يختص بالعقد اللفظي، فلا تجدي إجازة المالك لو باع الفضولي بالمعاطاة، أم يعمّ كلا القسمين؟

يظهر من صاحب المقابس الاختصاص، و بطلان بيعه معاطاة، قال قدّس سرّه:

«تذنيب: فليعلم أنّ ما سبق كلّه فيما إذا باع أو اشترى الفضولي بالصيغة. فأمّا لو باع أو اشترى بطريق المعاطاة فإنّه يلغو و يفسد من أصله، و لا يقف على الإجازة على الأقرب، للأصل .. إلخ» «1». و يظهر من استدلاله الآتي في المتن عدم الفرق بين القول بالملك و الإباحة. و إن مال في آخر كلامه إلى جواز التصرف في مال المالك لو علم برضاه به.

و يظهر من السيد المجاهد قدّس سرّه العموم، لقوله في ثالث تنبيهات المسألة: «لا فرق في بيع الفضولي بين أن يكون معاطاة أو لا، فلا يشترط في صحة بيع الفضولي عدم المعاطاة» «2» و لعلّ هذا مبني على مختاره من ترتب الملك على المعاطاة، لا الإباحة.

و يظهر من المصنف قدّس سرّه التفصيل بين إفادة المعاطاة للملك فتجري الفضولية فيها، و للإباحة فلا تجري فيها. كما نبّه عليه في آخر التنبيه.

و محصّل ما أفاده قدّس سرّه- بناء على ما هو الحق من كون المعاطاة بيعا كالعقد مفيدة للملك- هو عدم الفرق فيما تقدّم من أقسام بيع الفضولي بيع البيع العقدي و المعاطاتي إذا وقعت على نحو الفضولي، فإنّ المعاطاة حينئذ تكون من مصاديق البيع العرفي، و يجري عليها ما يجري على البيع اللفظي من الأحكام، من دون فرق بينهما إلّا في الإنشاء، حيث إنّ الإنشاء في المعاطاة يكون بالفعل، و في البيع بالصيغة يكون

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41 و 42.

(2) المناهل، ص 289.

ص: 646

من أقسام بيع الفضولي (1) بيع البيع العقدي و المعاطاة [1] بناء (2) على إفادتها

______________________________

بالقول. و هذا ليس بفارق بينهما في الأحكام بعد صدق البيع العرفي على كليهما بوزان واحد.

نعم بناء على كون الفضولي على خلاف القاعدة، و اختصاص دليله بالبيع اللفظي- ظهورا أو تيقنا- لا يجري الفضولي في المعاطاة، للزوم الاقتصار على مورده، إذ مع الشك في شمول دليله للبيع المعاطاتي لا يجوز التمسك به.

(1) من البيع لنفسه أو للمالك مع النهي و عدمه.

(2) قيد لقوله: «لا فرق» يعني: أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على إفادتها الملك، لا إفادتها الإباحة، و لا إفادة التصرف أو التلف للملكية.

و الحاصل: أنّ الفضولي الجاري في البيع اللفظي يجري في المعاطاة إذا كانت بيعا حتى تفيد بنفسها الملكية كالبيع بالصيغة، إذ لو كانت الملكية مترتبة على التصرف أو التلف لخرجت المعاطاة عن السببية للملكية و عن حريم البيع، مع أنّ جريان الفضولي في المعاطاة مبني على كونها بيعا مفيدا للملكية.

______________________________

[1] ينبغي التكلم في مقامين، الأوّل: في جريان الفضولي في المعاطاة و عدمه، بناء على كونها بيعا مفيدا للملك.

الثاني: في جريان الفضولي و عدمه في المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة.

أمّا المقام الأوّل فمجمل الكلام فيه: أنّه ينبغي التكلم في جهتين: إحداهما: كون المعاطاة بيعا مفيدا للملكية حال حدوثها.

و ثانيتهما: إفادتها للملكية بقاء أي: حين التصرف أو تلف العينين أو إحداهما.

أمّا الجهة الأولى فهي: أنّه إذا كان كل من الفضولي و المعاطاة على طبق القاعدة فلا ينبغي الإشكال في جريان الفضولي في المعاطاة، إذ المفروض كونها بيعا كالبيع بالصيغة، فيشملها العمومات الدالة على صحة البيع بأقسامه، فيجري على البيع المعاطاتي من الأحكام ما يجري على البيع القولي.

ص: 647

للملك، إذ لا فارق بينها (1) و بين العقد، فإنّ (2) التقابض بين الفضوليين أو فضولي و أصيل إذا وقع بنيّة التمليك و التملك، فأجازه المالك، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه (3) أو من حين الإجازة. فعموم (4) مثل قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ شامل له.

______________________________

(1) أي: بين المعاطاة.

(2) هذا تصوير المعاطاة الجارية بين الفضوليين و هما البائع و المشتري، أو بين فضولي- كالبائع لمال الغير فضولا- و أصلي كالمشتري لنفسه، أو العكس، فإنّه إذا وقعت المعاطاة بنية التمليك و التملك كانت بيعا مملّكا كالبيع القولي، فإذا أجازها المالك فلا مانع من نفوذها.

(3) أي: من حين التقابض، و هذا الترديد إشارة إلى الخلاف في كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(4) هذا متفرع على كون المعاطاة الفضولية بيعا مجازا، ضرورة أنّه بعد فرض مصداقيتها للبيع الجامع للشرائط- التي منها رضا المالك و إجازته- يشملها عموم ما دلّ على صحة البيع مثل «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

______________________________

و إذا كان الفضولي على خلاف القاعدة، و أنّه مختص بالنكاح و البيع اللفظي فلا يجري إلّا في موارد دلّ الدليل على جريانه فيها، و لا يتعدّى إلى غيرها.

و كذا إذا كانت المعاطاة على خلاف القاعدة فضلا عما إذا كان كلاهما على خلافها. فجريان الفضولية في المعاطاة منحصر فيما إذا كان كلاهما على طبق القاعدة.

و المناقشة في جريانه في المعاطاة في هذه الصورة «بأنّ الإقباض الموجب لحصول الملك حرام، لكونه تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه الأثر و هو النقل و الانتقال» في غير محلها، لما في المتن من الوجوه الدافعة لها، و قد أوضحناها في التوضيح.

ص: 648

و يؤيّده (1) رواية عروة البارقي «1»، حيث إنّ الظاهر (2) وقوع المعاملة بالمعاطاة.

و توهم الاشكال (3) فيه من حيث (4) «إنّ الإقباض الذي يحصل به التمليك

______________________________

(1) لم يجعل الرواية دليلا و جعلها مؤيّدة، لأنّ ظهور وقوع المعاملة بالمعاطاة ناش عن الغلبة و السيرة الجارية بين الناس خصوصا في المحقّرات، و ليس من الظهور اللفظي الذي هو حجّة عند أبناء المحاورة و متّبع شرعا، لعدم الردع عنه.

(2) قد عرفت أنّ منشأ هذا الظهور هو الغلبة. و إنكار هذا الظهور خلاف الانصاف.

(3) هذا إشكال على عدم الفرق بين أقسام البيع الفضولي- في وقوعه بالصيغة أو بالمعاطاة- بأنّ عدم الفرق في غير محله. و محصل الاشكال: أنّ الإعطاء الذي يحصل به التمليك حرام، لكونه تصرفا في مال الغير بدون إذنه، فلا يترتب عليه الأثر و هو النقل و الانتقال، فلا يقع البيع الفضولي في المعاطاة.

(4) هذا بيان لوجه الاشكال و حيثيته.

______________________________

و إن كان الوجه الأخير منها و هو قوله: «مع أنّه لو دلّ لدل على عدم ترتب الأثر المقصود .. إلخ» غير ظاهر.

إذ فيه: أنّ النهي الدال على فساد متعلقة لا يرفع إلّا الأثر الذي كان ثابتا له لو لا النهي.

و من المعلوم أنّ الأثر المترتب على الإقباض لو لا النهي عنه هو كونه جزء السبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة المركّب منه و من رضا المالك، و لم يكن للإقباض قبل تعلق النهي به أثر آخر حتى يقال ببقائه و عدم منافاته للنهي.

و بالجملة: فقوله قدّس سرّه: «و هو استقلال الإقباض في السببية .. إلخ» لم يظهر له معنى،

______________________________

(1) تقدّم مصدرها في ص 381، فراجع.

ص: 649

محرّم، لكونه (1) تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه أثر» في غير محله (2)، إذ (3) قد لا يحتاج إلى إقباض مال الغير، كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمة.

______________________________

(1) تعليل لحرمته، إذ «لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال غيره إلّا بإذنه» و مع حرمته لا يصلح شرعا لأن يتسبب به إلى النقل و الانتقال.

(2) خبر «و توهم» و دفع له، و قد دفعه بوجوه أربعة سيأتي بيانها.

(3) هذا أوّل الوجوه الدافعة للإشكال، و مرجع هذا الوجه إلى الأخصية من المدّعى، و محصله: أنّه قد لا تحتاج المعاطاة إلى إقباض مال الغير حتى يقال بحرمته المانعة عن التأثير في الملكية، بناء على كفاية العطاء من طرف واحد في تحقق المعاطاة.

كما إذا اشترى الفضولي متاعا بثمن- كدينار- في ذمته لزيد مثلا، فإنّه لا يحتاج الفضولي في هذا الشراء إلى إقباض مال زيد حتى يقال: إنّه تصرف محرّم في مال الغير، فلا يؤثّر في الملكية. هذا ما قيل.

______________________________

إذ لم يكن الاستقلال ثابتا له قبل النهي حتى يقال بارتفاعه، و عدم منافاة النهي لبقاء جزئية الإقباض للسبب المؤثّر في الملكية أو الإباحة.

و الحاصل: أنّه لم يكن للإقباض أثر قبل النهي إلّا كونه جزء السبب للملكية أو الإباحة، و هو قد ارتفع، و لم يكن الثابت للإقباض قبل النهي الاستقلال في السببية حتى يقال: إنّ ارتفاعه بالنهي لا ينافي الجزئية.

مضافا إلى: أنّه لو كان الثابت للإقباض قبل النهي هو الاستقلال فأيّ دليل أثبت الجزئية بعد ارتفاع الاستقلال. فالوجه الرابع من الوجوه الدافعة للإشكال المذكورة في المتن مما لم يظهر له وجه وجيه.

و أمّا الجهة الثانية- و هي ترتب الملكية على المعاطاة بقاء لا حدوثا- فحاصل الكلام فيها: أنّه إن كان حصول الملك بالتصرف أو التلف لأجل اشتراط الملكية

ص: 650

مع (1) أنّه قد يقع الإقباض مقرونا برضا المالك بناء على ظاهر كلامهم من: أنّ العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي.

______________________________

لكن الظاهر أنّ المراد بقوله: «في الذمة» ذمة من اشترى له الفضولي في مقابل ماله الخارجي الذي يعطيه الفضولي إلى بائع المتاع. ففي هذه الصورة لا إقباض لمال الغير حتى يكون حراما غير قابل للتأثير في الملكية.

ثم إنّ هذا الوجه من الجواب و الوجه الآتي ذكرهما صاحب المقابس في «إن قلت» فلاحظ قوله: «و ربما يثق برضا المالك بذلك- أي بالقبض من الفضولي- فيكون إقباضه سائغا. و قد يكون أحد الطرفين مالكا فيجوز له إقباض ماله للفضولي و قابضا للعوض الآخر بإذن المالك، أو حقّا ثابتا في ذمته قبل المعاطاة، فيستغني عن إقباض الفضولي ..» «1» ثم أجاب عن هذين الوجهين في «قلت» فراجع.

(1) هذا ثاني الوجوه الدافعة للإشكال، و محصله: أنّه يمكن عدم حرمة الإقباض، كما إذا كان مقرونا بالرضا من المالك- بناء على عدم خروج المعاملة

______________________________

المعاطاتية شرعا بأحد هذين الأمرين، بمعنى كون المعاطاة مقتضية للملك بشرط التصرف أو التلف، كاشتراط تأثير بعض العقود بالقبض كالصرف و السلم و الهبة، فإنّها مقتضية للملكية بشرط القبض، جرت الفضولية في المعاطاة كجريانها في العقود المشروطة بالقبض كالصرف و نحوه، حيث إنّ الإجازة تتعلّق بما له اقتضاء التأثير في الملكية. و المعاطاة أيضا تقتضي الملكية مع حصول شرطها و هو التصرف أو التلف.

و إن كان حصول الملكية بنفس التصرف أو التلف- من دون اقتضاء المعاطاة للملكية- لا تجري فيه الفضولية، إذ ليس هنا سبب و مقتض يؤثّر في الملكية حتى تنفّذه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 651

مع (1) أنّ النهي لا يدلّ على الفساد.

______________________________

المقرونة بالعلم برضا المالك عن معاملة الفضولي، فلا يكون الإقباض حينئذ حراما حتى لا يؤثّر في النقل و الانتقال.

و مرجع هذا الوجه الثاني إلى الأخصية أيضا، إذ المدّعى هو حرمة الإقباض في جميع الموارد، و المفروض أنّه ليس كذلك، لعدم حرمته مع فرض رضا المالك في بعض الموارد. هذا.

و أمّا تخيل الإذن من المالك في التصرف أو تخيل أنّه ماله- كما في حاشية السيد قدّس سرّه «1»- فليس من موارد عدم حرمة الإقباض حتى لا يكون فاسدا، بل من موارد عدم تنجز الحرمة، و هو لا يرفع الفساد المترتب على الحرمة الواقعية.

(1) هذا ثالث الوجه الدافعة للإشكال، و حاصله: أنّه لو سلّمنا دلالة النهي عن الإقباض على الحرمة، لكن لا نسلّم دلالته على فساد البيع، إذ لم يتعلق النهي بالإقباض من حيث إنّه بيع، بل تعلّق به من حيث كونه تصرفا في مال الغير.

______________________________

الإجازة.

و بعبارة أخرى: ليس في البين إنشاء و تسبيب قولي أو فعلي يتوقف تأثيره على الإجازة حتى يكون موردا للإجازة، إذ المفروض عدم اقتضاء المعاطاة للتأثير في الملكية، و كون الملكية مترتبة على نفس التصرف و التلف اللّذين هما فعلان خارجيان لم ينشئ المالك ملكية المال بهما، بل حكم شرعا بملكيته بنفس التصرف أو التلف.

و أمّا المقام الثاني- و هو كون المعاطاة مفيدة للإباحة- فالظاهر عدم جريان الفضولية فيها مطلقا سواء أ كانت الإباحة شرعية أم مالكية، إذ لا يتصوّر شي ء منهما قبل

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 147.

ص: 652

مع (1) أنّه لو دلّ لدلّ على عدم ترتب الأثر المقصود، و هو استقلال

______________________________

(1) أي: مع أنّ النهي، و هذا رابع الوجوه الدافعة للإشكال، و محصله: أنّه بعد تسليم تعلق النهي بالإقباض من حيث كونه بيعا حتى يدل على الفساد- لا من حيث إنه تصرف في مال الغير- نقول: إنّه يراد من الفساد عدم ترتب الأثر المقصود من الإقباض و هو النقل و الانتقال الخارجي، بأن يكون الإقباض سببا مستقلّا لحصول ذلك الأثر في الخارج. فالمراد بالفساد عدم استقلال الإقباض في التأثير، و أنّه جزء السبب لتحقق الأثر في الخارج، و جزؤه الآخر هو الرضا و الإجازة.

______________________________

الإجازة حتى يصح النزاع في ناقلية الإجازة و كاشفيتها.

توضيحه: أنّ الإباحة الشرعية مترتبة على المعاطاة مع تراضي المالكين، فقبل التراضي لا يتمّ موضوع الإباحة الشرعية، فإذا تراضيا حدثت الإباحة، و لم يكن قبل التراضي إباحة، بل بنفس الإجازة حصلت الإباحة، لا أنّها كانت موجودة و الإجازة كشفت عنها.

و كذا الإباحة المالكية، فإنّها منوطة بالتراضي و التسليط الخارجي المالكي، و ليست هذه الإباحة ناشئة عن إنشاء الفضولي، بل موضوعها هو التسليط الخارجي المالكي عن الرضا.

إلّا أن يقال: إنّ التسليط قابل للنيابة و التصدي عن الغير، فإذا رضي المالك بإعطاء الفضولي و تسليطه كان ذلك إجازة موجبة لصحة معاطاة الفضولي.

إلّا أن يدفع ذلك بأنّ رضاه بالإعطاء ليس هو إمضاء لمعاطاة الفضولي و إجازة لها حتى يكون ذلك إجازة لعقد الفضولي، بل هو رضا بتصرف قابض المال في ماله.

و لو لم يكن أخذه للمال بعنوان المعاطاة بل بأيّ عنوان وصل إليه و لو غصبا، و ليس لعقد الفضولي المعاطاتي دخل في إباحة التصرف.

ص: 653

الإقباض في السببية، فلا ينافي كونه (1) جزء السبب.

و ربّما يستدلّ على ذلك (2)

______________________________

(1) يعني: فلا ينافي نفي استقلال الإقباض في السببية كون الإقباض جزء السبب المؤثر في النقل و الانتقال كما مرّ آنفا.

(2) أي: على بطلان الفضولي في المعاطاة، و المستدل هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه.

و قد استدل على مدّعاه بوجوه، منها الأصل، و منها: عدم اندراج المعاطاة المفيدة للإباحة في الأدلة المتكفلة لأحكام البيع، لعدم كونها بيعا عند المشهور.

و منها: الوجهان المذكوران في المتن، قال قدّس سرّه: «و يدلّ على ذلك أي- فساد

______________________________

فالمتحصل: أنّ المعاطاة بناء على إفادتها للإباحة لا تقبل الفضولية، لعدم تطرق الإجازة القابلة لنزاع الكشف و النقل فيها في المعاطاة المفيدة للإباحة.

نعم لا بأس بالإجازة الناقلة.

فتلخص ممّا ذكرناه و ما لم نذكره أمور:

الأوّل: جريان الفضولية في المعاطاة إذا كانت بيعا، سواء ترتبت الملكية عليها بنفسها أو بشرط التصرف أو التلف.

الثاني: عدم جريان الفضولية في المعاطاة إذا ترتبت الملكية على نفس التصرف أو التلف مع الغض عن المعاطاة.

الثالث: عدم جريان الفضولية في المعاطاة المترتبة عليها الإباحة شرعا مع قصد المتعاطيين التمليك، لكون الإباحة خلاف قاعدة تبعية العقود للقصود، فيقتصر على معاطاة خصوص المالكين.

الرابع: جريان الفضولية في المعاطاة المقصود بها الإباحة مع كون الإجازة ناقلة.

ص: 654

بأنّ (1) المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك، و هما من وظائف المالك، و لا يتصور صدورهما من غيره (2)، و لذا (3) ذكر الشهيد الثاني

______________________________

المعاطاة الفضولية- أيضا: أن المعاطاة منوطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك للمعيّن أو المقدّر في الذمة- بناء على جوازه- و هما من وظائف المالك، و لا يتصور صدورهما من غيره. و مشروطة أيضا بتحقق الإقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا للأمرين ..» «1».

توضيح الوجه الأوّل: أنّ ما يعتبر في المعاطاة من التراضي و قصد الإباحة و التمليك متقوّم بالمالك، و لا عبرة بهما إذا صدرا عن غير المالك كالفضولي. و عليه فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

و توضيح الوجه الثاني: إنّ المعاطاة مشروطة بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما، مع كونهما مقارنين للإباحة أو التمليك. و لا يؤثّر القبض و الإقباض إلّا إذا صدرا من المالك الأصيل أو باذنه، و من المعلوم أنّ الفضولي ليس بمالك و لا مأذون منه، فلا أثر للقبض و الإقباض الصادرين من الفضولي. هذا.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدم تقريبه بقولنا: «ان ما يعتبر في المعاطاة من ..» إلخ.

(2) أي: غير المالك. و ضميرا «هما، صدورهما» راجعان إلى التراضي و قصد الإباحة أو التمليك.

(3) أي: و لأجل كون التراضي و قصد الإباحة أو التمليك من وظائف المالك- و أنّه لا يتصور صدورهما من غير المالك و هو العاقد الفضولي- ذكر الشهيد الثاني .. إلخ.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 41.

ص: 655

«أنّ المكره و الفضولي قاصدان للّفظ دون المدلول» و ذكر (1) أنّ قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك. و مشروطة (2) [1] أيضا (3) بالقبض و الإقباض من

______________________________

(1) أي: و ذكر الشهيد الثاني قدّس سرّه في عقد الفضولي: «و لا يتحقق منه قصد مدلوله- أعني نقل الملك- لأنّ ذلك من وظائف المالك» «1».

و لا يخفى أنّ الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني و إن كان مذكورا في المقابس، لكنّه ليس في تقرير الوجهين المتقدمين، بل في جواب إشكال أورده على نفسه، فراجع.

(2) بالرفع معطوف على قوله: «منوطة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الاستدلال. و قد تقدم بقولنا «ان المعاطاة مشروطة بالقبض و الإقباض .. إلخ».

(3) يعني: كما أنّ المعاطاة مشروطة بالتراضي و قصد الإباحة أو التمليك، كذلك

______________________________

[1] لا يخفى أنّه جعل بعض كلام صاحب المقابس دليلين على بطلان الفضولي في المعاطاة كما قرّرناه في التوضيح.

و لكن الظاهر خلافه، و أنّه دليل واحد، إذ المستفاد من مجموع ما حكاه عنه المصنف: أنّ المعاطاة هي التراضي و قصد الإباحة و التمليك، و القبض المقرون بالرضا، و من المعلوم أنّه لا يتأتّى إلّا من المالك، فإن قوله: «منوطة .. و مشروطة» مبيّن للمعاطاة، فليست المعاطاة عند صاحب المقابس مجرّد التراضي.

فجوابه حينئذ منحصر في منع اعتبار مقارنة القبض و الإقباض للرضا، بل اعتبار الرضا في المعاطاة كاعتباره في البيع القولي، و من المعلوم عدم اعتبار مقارنة البيع القولي لرضا المالك. فجريان الفضولية في المعاطاة مما لا محذور فيه.

ثم لا يخفى أن الوجهين المزبورين دليلان على بطلان الفضولي مطلقا و في جميع الموارد. فلعلّ ذكرهما هنا غير مناسب، لأنّهما أجنبيان عن مورد البحث، إذ مفروض كلامنا هو جريان الفضولي و عدمه في المعاطاة بعد الفراغ عن جريانه في غير المعاطاة.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156.

ص: 656

الطرفين أو من أحدهما مقارنا (1) للأمرين، و لا أثر لهما (2) إلّا إذا صدرا من المالك أو بإذنه.

و فيه (3): أنّ [1] اعتبار الإقباض و القبض في المعاطاة عند من اعتبره

______________________________

مشروطة بالقبض و الإقباض من الطرفين أو من أحدهما، مع كونهما مقارنين للتراضي و قصد الإباحة أو التمليك.

(1) حال للقبض و الإقباض، أي: حال كونهما مقارنين للتراضي و قصد الإباحة أو التمليك. و الظاهر أنّ الأولى أن يقال: «مقارنين» بصيغة المثنى.

و الحاصل: أنّ مقارنة القبض و الإقباض للتراضي و للتمليك أو الإباحة معتبرة، و هذه المقارنة في المعاطاة الفضولية مفقودة، فلا تجري الفضولية في المعاطاة.

(2) أي: للقبض و الإقباض.

(3) محصله منع الصغرى، و هي: كون حقيقة المعاطاة مجرّد تراضي المالكين و قصد التمليك أو الإباحة، و ذلك لأنّ القبض و الإقباض آلة للإنشاء كالصيغة التي

______________________________

[1] لا يخفى متانة هذا الاستدلال بناء على كون حقيقة المعاطاة مجرّد التراضي من دون اعتبار الإقباض و القبض في تحققها، ضرورة أنّ التراضي من وظائف المالك.

و قد اعترف به المصنف قدّس سرّه أيضا بقوله الآتي: «نعم لو قلنا ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض و لو اتفق معها .. إلخ» إلّا أنّه رحمه اللّه منع كون المناط مجرّد التراضي، و التزم بأنّ المناط في المعاطاة هو الإقباض و القبض اللّذان ينشأ بهما التمليك أو الإباحة.

و عليه فالمعاطاة سبب فعليّ لإنشاء أحدهما كسببية الصيغة للإنشاء في البيع القولي. و وزان اعتبار الرضا في البيع القولي و المعاطاتي وزان واحد، لوحدة الدليل فيهما. فكما يصح البيع القولي بوقوع الصيغة من غير المالك مع حصول الرضا من المالك و إن لم يكن مقارنا له، فكذلك يصح البيع الفعلي من غير المالك مع

ص: 657

فيها (1) إنّما هو لحصول إنشاء التمليك أو الإباحة،

______________________________

هي سبب قولي للتمليك. و ليس الإقباض و القبض كاشفين عن التراضي، بل هما سبب فعلي للتمليك أو الإباحة. و التراضي المعتبر في المعاطاة يكون على حدّ اعتباره في البيع القولي كما سيأتي.

(1) أي: في المعاطاة، و ضمير «اعتبره» راجع الى الإقباض و القبض، فالأولى تثنيته. و غرض المصنف من هذه الجملة أن اعتبار التعاطي من الطرفين أو الإعطاء من طرف واحد ليس معتبرا عند كلّ من يقول بإفادة المعاطاة للملك أو الإباحة، لكفاية وصول العوضين إلى الطرفين عند بعض، كما تقدم تفصيله في ثاني تنبيهات المعاطاة، فراجع «1».

______________________________

وقوع الرضا من المالك و إن لم يكن مقارنا للإقباض و القبض. فلا تكون المعاطاة مختصة بالمالك حتى لا تقع من غيره.

فتحصل ممّا تقدم أمور:

الأوّل: أنّ ما أفاده صاحب المقابس وجه واحد لعدم جريان الفضولية في المعاطاة، لا وجهان كما زعمه غير واحد.

الثاني: أنّ المعاطاة سبب فعليّ للتمليك أو الإباحة. و الظاهر أنّ صاحب المقابس أيضا ملتزم بذلك، غاية الأمر أنّه يعتبر مقارنة الرضا للإقباض و القبض.

الثالث: أنّه لا إشكال في عدم اعتبار المقارنة للرضا التي اعتبرها صاحب المقابس، لعدم الدليل على اعتبارها كذلك. و لو دلّ دليل على اعتبار المقارنة لكان دالّا على اعتبارها في البيع القولي أيضا.

الرابع: جريان الفضولية في البيع المعاطاتي كجريانها في البيع القولي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 54.

ص: 658

فهو (1) عندهم من الأسباب الفعلية كما صرّح الشهيد قدّس سرّه في قواعده «1». و المعاطاة عندهم عقد فعليّ، و لذا (2) ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها «أنّ البيع ينعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي» «2» و حينئذ (3) فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله: «ملّكتك».

و اعتبار (4) مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي- مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس في حلّ مال الغير- لا يخلو (5) عن تحكّم

______________________________

(1) أي: فالإقباض و القبض، و الأولى هنا أيضا تثنية الضمير.

(2) أي: و لأجل أنّ المعاطاة عند الفقهاء عقد فعليّ يحصل به إنشاء الإباحة أو التمليك، ذكر بعض .. إلخ.

(3) أي: و حين القول بعدم دخل القبض و الإقباض في مفهوم المعاطاة خارجا حتى يقال بامتناع وقوعه من الفضولي- بل هما من أسباب إنشاء الإباحة أو التمليك- فلا مانع .. إلخ.

(4) هذا إشارة إلى دفع الوجه الثاني من وجهي استدلال صاحب المقابس قدّس سرّه و هو قوله: «و مشروطة أيضا بالقبض و الإقباض .. إلخ».

و حاصل الدفع: أنّ اعتبار مقارنة رضا المالك للإنشاء الفعلي دون القولي- مع وحدة أدلة اعتبار الرضا و طيب النفس فيهما- تحكّم، و خال عن الدليل، بل كلاهما بالنسبة إلى اعتبار مقارنة الرضا على نسق واحد.

(5) خبر «و اعتبار مقارنة» و ملخص كلام صاحب المقابس هو: أنه استدلّ أوّلا على عدم جريان الفضولية في المعاطاة بأنّ حقيقة المعاطاة هي التراضي من

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 50، القاعدة: 17 و ص 178، القاعدة: 47، و تقدّم نصّ كلامه في الجزء الأوّل من هذا الشرح، ص 344.

(2) راجع الفتاوى الهندية، ج 3، ص 2.

ص: 659

و ما ذكره [من] الشهيد الثاني (1) لا يجدي فيما نحن فيه (2)، لأنّا (3) لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد (4) من القصد الموجود في قوله، لعدم (5) الدليل.

و لو ثبت (6) لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي أيضا.

______________________________

المالكين، و قصد الإباحة أو التمليك من دون اعتبار قبض و إقباض فيها أصلا. و من المعلوم أنّهما من وظائف المالك، و لا يعقل صدورهما من الفضولي.

و ثانيا: بعد تسليم مدخلية الإقباض و القبض في المعاطاة، و كونها مشروطة بهما- بأنّا لا نسلّم اعتبارهما فيها على الإطلاق، بل نقول بدخلهما في المعاطاة بشرط المقارنة للتراضي و قصد التمليك أو الإباحة، فلا أثر للإقباض و القبض إلّا مع صدورهما من المالكين أو بإذنهما.

(1) من قوله: «ان المكره و الفضولي قاصدان للفظ دون المدلول».

(2) و هو وقوع الفضولي في المعاطاة.

(3) محصل هذا التعليل لعدم إجداء ما ذكره الشهيد قدّس سرّه فيما نحن فيه هو: أنّ ما ذكره أمر زائد على مجرّد القصد إلى مدلول اللفظ، و ذلك الأمر الزائد هو الرضا، فإنّه يعتبر الاقتران بالرضا في كلا المقامين، و نحن لا نعتبر الاقتران به في البيع اللفظي، فكيف نعتبره في البيع الفعلي؟ فمراد الشهيد هو نفي الرضا المقارن، لا نفي قصد المدلول، ضرورة أنّ المكره قاصد للمدلول و فاقد للرضا، و ليس فاقدا لقصد المدلول لغفلة أو ذهول. فمراده نفي مقارنة الرضا، و هذا مما لا دليل عليه. فلو دلّ دليل على اعتبار مقارنة الرضا في البيع القولي لثبت في البيع المعاطاتي أيضا، لوحدة الدليل.

(4) و المراد بالأزيد هو مقارنة الرضا، و ضمير: «قوله» راجع الى الفضولي.

(5) هذا تعليل لعدم اعتبار اقتران العقد بالرضا.

(6) يعني: و لو ثبت دليل على اعتبار الاقتران بالرّضا في العقد الفعلي لثبت منه اعتباره في العقد القولي أيضا من دون فرق بينهما، لصدق البيع عليهما بوزان واحد.

ص: 660

إلّا أن يقال: إنّ مقتضى الدليل (1) ذلك (2) خرج عنه (3) بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول.

لكنك قد عرفت (4) أنّ عقد الفضولي ليس على خلاف القاعدة (5).

نعم (6) لو قلنا [1]: إنّ المعاطاة لا يعتبر فيها قبض و لو اتّفق معها،

______________________________

(1) و هو وجود شي ء زائد على قصد المدلول أعني به الاقتران بالرضا.

(2) أي: ثبوته في العقد القولي أيضا، إلّا أنّه خرج عن مقتضى ذلك الدليل.

(3) أي: خرج عن مقتضى ذلك الدليل معاملة الفضولي إذا وقعت بالقول بدليل خاص.

(4) يعني: في أوّل بحث بيع الفضولي، حيث قال: «لعموم أدلة البيع و العقود، لأنّ خلوّه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد و البيع عنه .. إلخ» فراجع (ص 376 و 377).

(5) فإذا كان على طبق القاعدة، فكما يجري في العقد القولي فكذلك يجري في العقد المعاطاتي. فإذا دلّ دليل على اعتبار مقارنة رضا المالك في عقد الفضولي القولي- زائدا على القصد المعتبر فيه- كان دالّا على اعتبارها في عقد الفضولي الفعلي أيضا.

(6) بعد أن أثبت كون عقد الفضولي على طبق القاعدة- و جريانه في البيع المعاطاتي على حدّ جريانه في البيع القولي- استدرك عليه و اعترف بعدم جريانه في

______________________________

[1] هذا الاحتمال مبني على عدم توقف الملكية المعاملية على الإنشاء، و كفاية الرضا الباطني في تحققها، و ذلك أجنبي عن المعاطاة التي هي بيع إنشائي عرفي مفيد للملك كالبيع القولي. و هذا الاحتمال لا يظهر من عبارة صاحب المقابس.

بل مقتضى قوله: «و مشروطة» خلاف ذلك، و أنّ القبض و الإقباض دخيل- و لو شرطا- في المعاطاة.

ص: 661

بل السبب المستقلّ هو تراضي المالكين بملكية كلّ منهما لمال صاحبه مطلقا (1) أو مع وصولهما أو وصول أحدهما، لم يعقل (2) وقوعها من الفضولي.

نعم [1] الواقع منه إيصال المال، و المفروض أنّه لا مدخل له (3) في المعاملة. فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحقّقت المعاطاة من حين

______________________________

المعاطاة، بناء على ما أفاده المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه من كون المعاطاة نفس التراضي و قصد الإباحة أو التمليك مع وصول المالين أو أحدهما، ضرورة أنّه لا يعقل حينئذ وقوع المعاطاة من الفضولي، حيث إنّه لا يتحقق منه إلّا الإعطاء الذي هو بنفسه لا يكون معاطاة، إذ المفروض أنّ المعاطاة إمّا هي نفس تراضي المالكين مطلقا، أو مع وصول المالين أو أحدهما.

(1) يعني: سواء وصل كلّ من المالين- أو أحدهما- إلى الآخر، أم لا.

(2) جواب الشرط في قوله: «لو قلنا».

(3) أي: لا مدخل في سببيّته للنقل، بل هو كاشف عما هو السبب أعني به الرضا النفساني.

______________________________

و الظاهر أنّ وجه بطلان الفضولي في المعاطاة بنظره قدّس سرّه هو اعتبار مقارنة رضا المالك للقبض و الإقباض. فلو فرض علم الفضولي برضا المالك حين القبض و الإقباض كانت المعاطاة الفضولية صحيحة.

[1] الظاهر أنّ الأولى تبديل «نعم» ب «إذ» أو «لأنّ» حيث إنّ سوق البيان يقتضي أن يبيّن وجه عدم معقولية وقوع المعاطاة من الفضولي بناء على ما استدركه بقوله: «نعم لو قلنا ان المعاطاة» من كون المعاطاة تراضي المالكين بملكية كل منهما. فحينئذ يصير وجه عدم المعقولية أنّ غاية ما يقع من الفضولي هي إيصال المال. و المفروض أنّه ليس معاطاة حتى يكون معاطاة فضولية، إذ المفروض أنّ المعاطاة فعل نفساني و هو الرضا،

ص: 662

الرضا (1)، و لم يكن إجازة لمعاطاة سابقه.

لكن (2) الإنصاف أنّ هذا المعنى غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة، و إنّما قصدهم إلى العقد الفعلي. هذا (3) كلّه على القول بالملك.

و أمّا على القول بالإباحة فيمكن القول ببطلان الفضولي، لأنّ إفادة المعاملة المقصود بها الملك الإباحة (4) خلاف القاعدة (5)،

______________________________

(1) إذ المفروض أنّ الرضا هي المعاطاة، و لم تتحقق المعاطاة سابقا حتى يكون الرضا إجازة لها.

(2) استدراك على قوله: «نعم لو قلنا ان المعاطاة لا يعتبر فيها قبض» غرضه:

أنّ ما قاله صاحب المقابس من أنّ المعاطاة «نفس تراضي المالكين من دون اعتبار قبض فيها» غير مقصود للعلماء في باب المعاطاة، بل مقصودهم هو العقد الفعلي بمعنى كون الفعل- و هو الإقباض- سببا لإنشاء النقل و الانتقال، كسببية الصيغة له، فالإعطاء عندهم سبب للنقل و الانتقال، لا آلة لإيصال المال إلى الطرف الآخر.

(3) أي: ما تقدم من جريان الفضولي في المعاطاة و عدمه كان مبنيّا على إفادة المعاطاة للملك لا الإباحة. و أمّا على القول بالإباحة فسيأتي حكمه.

(4) مفعول لقوله: «إفادة».

(5) لأنّ قاعدة تبعية العقود للقصود تقتضي حصول الملكية دون الإباحة، فإنّها خلاف القاعدة، لأنّ ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فيقتصر على المتيقن من مورد الإجماع و هو معاطاة الأصليين.

______________________________

و ليس فعلا خارجيا جارحيا، فإذا رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال حدثت المعاطاة من حين الرضا. و ليس هذا الرضا إجازة لمعاطاة سابقه، لمّا مر آنفا من أنّ فعل الفضولي- و هو إيصال المال- لم يكن معاطاة حتى يكون هذا الرضا إجازة و تنفيذا لها.

ص: 663

فيقتصر فيها على صورة تعاطي المالكين (1) [1].

______________________________

هذا أحد وجهي بطلان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة. و محصله قصور المقتضي في مقام الإثبات، في قبال الوجه الآتي الذي هو محذور ثبوتي.

(1) دون تعاطي الفضوليين أو فضولي واحد.

______________________________

[1] لكن إذا كان الفضولي على طبق القاعدة كفى في جريانه في المعاملة المقصود بها الملك مع إفادتها الإباحة شرعا، فإنّ المالك يجيز ما أنشأه الفضولي من الملكية الذي هو موضوع حكم الشارع بالإباحة. فالعمدة في جريان الفضولي في المعاطاة المقصود بها الملك التي يترتب عليها الإباحة شرعا هي كون الفضولي على طبق القاعدة.

و الحاصل: أنّ وجه عدم جريان الفضولي عند المصنف قدّس سرّه هو عدم الدليل على جريانه. لكنه إذا كان نفس الفضولي على طبق القاعدة كفى في جريانه في المعاطاة المفيدة للإباحة.

هذا في المعاطاة المقصود بها الملك مع ترتب الإباحة الشرعية عليها و قد عرفت جريان الفضولي فيها إن كان هو على طبق القاعدة، فإنّ عموم دليل الفضولي يشمل كلّ مورد تصح فيه الوكالة إلّا ما خرج- كالطلاق- بالإجماع المدّعى على عدم جريان الفضولية فيه. فإنّ هذا العموم حاكم على السيرة التي يكون المتيقن من موردها خصوص تعاطي المالكين، فإنّ السيرة ليست نافية لجريان الفضولية في المعاطاة، بل غايتها عدم الدلالة على جريانها فيها، فلا تخصص عموم دليل جريان الفضولي بالمعاطاة.

________________________________________

و الحاصل: أنّ السيرة تشتمل على عقد إيجابي فقط، و هو صحة معاطاة مالكي العوضين بمباشرتهما، و لا تشتمل على عقد سلبي، و هو عدم صحة معاطاة الفضولي حتى تخصص أو تقيّد عموم أو إطلاق دليل صحة الفضولي.

و أمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة فالظاهر عدم الإشكال في جريان الفضولية

ص: 664

مع (1) [1] أنّ حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن [2].

______________________________

(1) هذا هو الوجه الآخر لبطلان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة.

و مرجع هذا الوجه إلى لغويّة إنشاء الفضولي، و ذلك لأنّه على القول بالكشف لا تحصل الإباحة الفعلية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، و ذلك لإناطة الإباحة بطيب النفس في حديث الطيب، و بالإذن في التوقيع. و هما فعلان قائمان بالمالك، و لم يتحققا قبل الإجازة، فلا معنى لكشف الإجازة عن الإباحة الثابتة حين العقد.

و على القول بالنقل يكون الرضا المنكشف بالإجازة تمام المناط في حصول الإباحة، و لا دخل للإنشاء السابق الصادر من الفضولي أصلا، فيكون إنشاء الفضولي لغوا. و أمّا الآثار الأخر غير الإباحة التكليفية كجواز البيع فسيأتي تفصيلها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

فيها، حيث إنّ الإباحة فيها مالكية، و ليست مخالفة لقاعدة تبعية العقود للقصود، فلا مانع من نفوذ إجازة المالك لما أنشأه الفضولي بإعطائه مال الغير من الإباحة، فإنّ المالك مسلّط بشؤون السلطنة على ماله، و من تلك الشؤون تنفيذ هذا الفعل الذي صدر من الفضولي؟؟؟ في ماله.

[1] الظاهر عدم الفرق بين الملكية و الإباحة في هذه الجهة. فكما لا يمكن الحكم بالإباحة قبل الإجازة فكذا الملكية.

مضافا إلى: أنّ هذا الاشكال إنّما يرد على الكشف فقط، و لا يرد على النقل كما لا يخفى.

[2] مطلقا، لا الإباحة الشرعية و لا المالكية. أمّا الإباحة الشرعية فلكون موضوعها المعاطاة الواقعة برضا المالكين المستكشف بالإجازة التي لم تتحقق بعد

ص: 665

و الآثار الأخر- مثل بيع المال على القول بجواز مثل هذا التصرف (1)- إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية (2) لم تؤثّر (3) أثرا (4)،

______________________________

(1) يعني: إذا باع- من أخذ المال بالمعاطاة الفضولية بناء على الإباحة- لم يوجب دخول المال المباح في ملكه، كما كان هذا التصرف الناقل موجبا لتملّك المتعاطي الأصيل كما تقدم في ملزمات المعاطاة. هذا بناء على جواز التصرف المتوقف على الملك بناء على الإباحة.

و أمّا بناء على عدم جوازه- كما تقدم عن الشهيد في حواشي القواعد من منع إخراج المأخوذ بالمعاطاة فيما يتوقف على الملك- لم يكن أصل هذا البيع جائزا حتى يترتب عليه التملّك.

و على كلّ حال لا يكون تصرف الآخذ- بالمعاطاة الفضولية- موضوعا لأثر قبل إجازة المالك. فموضوعية تصرفه للأثر مختص بالمعاطاة بين الأصيلين حتى يقال بجواز مطلق التصرف فيما أخذه، أو بخصوص ما لا يتوقف على الملك.

(2) المراد بها هي الإباحة الواقعة في زمان صدور الإجازة من المالك.

(3) خبر قوله: «و الآثار».

(4) لإناطة تأثيرها بالإباحة من المالك، و المفروض عدم حصول الإجازة بعد حتى تحرز الإباحة.

______________________________

و أمّا الإباحة المالكية فلعدم قصد المتعاطيين لها، إذ المفروض أنّهما قصدا التمليك لا الإباحة حتى تكون مالكية.

و الحاصل: أنّ المنفي قبل الإجازة هو مطلق الإباحة من الشرعية و المالكية، و بعد الإجازة تتحقق الإباحة الشرعية لا المالكية.

فالتفصيل بينهما بأنّ الإباحة المالكية منوطة بالإجازة دون الشرعية، بل هي

ص: 666

______________________________

غير متوقفة على الإجازة- كما في بعض الكلمات كتعليقتي المحققين الخراساني و الايرواني قدّس سرّهما «1»- غير ظاهر، لما مرّت الإشارة إليه من انتفاء قصد الإباحة المالكية عن المتعاطيين، فلا إباحة مالكية حينئذ، و لا إباحة شرعية أيضا، لانتفاء موضوعها قبل الإجازة، فإنّ موضوعها هي المعاطاة المتحققة خارجا المقصود بها الملك. و ما لم تتحقق الإجازة لا تستند و لا تضاف المعاطاة الفضولية إلى مالكي العوضين حتى يتحقق موضوع الإباحة الشرعية.

إلّا أن يقال: بعدم لزوم لغوية إنشاء الفضولي مطلقا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة، لأن وزان الإباحة المترتبة على المعاطاة الفضولية وزان الملكية المترتبة على البيع القولي المعاطاتي، فإنّ كلّا من الإباحة و الملكية مترتبة على ما أنشأه الفضولي مع رضا المالك و طيب نفسه.

و الاشكال الوارد على كاشفية الإجازة من الشرط المتأخر لا يختص بالمعاطاة المفيدة للإباحة، بل يعمّ المعاطاة المفيدة للملكية أيضا، فإنّ إجازة مالكي العوضين للمعاطاة الفضولية تنفيذ لما أنشأه الفضولي الذي هو موضوع حكم الشارع بالإباحة.

فهذه الإجازة كإجازة البيع القولي المعاطاتي، فكما أنّها تنفيذ لإنشاء البيع الفضولي، فكذلك الإجازة هنا تنفيذ لإنشاء معاطاة الفضولي، فإنّ قول المالكين: «أجرت و أنفذت و رضيت» و نظائرها ليس إحداثا لمعاطاة، لعدم صدور إعطاء منهما، المفروض كونه إنشاء للمعاطاة، بل مفادها هو الرضا بما تحقّق سابقا من إنشاء الفضولي المعاطاة.

و من المعلوم أنّ التعاطي مع رضا المالكين موضوع لحكم الشارع بالحكم الوضعي

______________________________

(1) حاشية المكاسب، للمحقق الخراساني، ص 58، حاشية المكاسب، للمحقق الايرواني، ج 1، ص 125.

ص: 667

______________________________

كالملكية أو التكليفي كالإباحة كسائر الموضوعات المتعلقة للأحكام التكليفية كالصلاة و الصوم و نظائرهما. أو الوضعية كالملكية و الزوجية و نحوهما المترتبة على العقود و الإيقاعات. فالعقود كالعبادات موضوعات لأحكام الشارع. و بمجرّد تحققها بجميع ما يعتبر فيها شطرا و شرطا تترتب عليها أحكامها. فإذا تحقق إنشاء عقد أو إيقاع كذلك يترتب عليه حكمه من أيّ شخص صدر.

و عليه فمعاطاة الفضولي مع إجازة المالك موضوع يترتب عليه حكمه من الملكية أو الإباحة. و تقييدها بمباشرة المالك قيد زائد ينفى بإطلاق دليل المعاطاة إن كان له إطلاق، و إلّا فبعموم أو إطلاق ما دلّ على صحة الفضولي.

و الحاصل: أنّ إيجاد كل موضوع لم يشترط فيه المباشرة يوجب ترتب حكمه عليه، فالإنشاءات العقدية و الإيقاعية إلّا ما خرج يترتب عليها أحكامها. و يستفاد من تعليل نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيده» أنّ كلّ عقد لم يكن على خلاف الموازين الشرعية و ضوابطها و كان مخالفا لحقّ آدمي و لكن أمضاه صحّ ذلك العقد و ترتّب عليه أثره. و المعاطاة الفضولية من جملة تلك الإنشاءات، فإذا أجازها المالكان صحّت و ترتب عليها أثرها.

فتلخص ممّا ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ كل موضوع وجد في الخارج يترتب عليه الحكم إن لم يعتبر فيه مباشرة شخص خاص.

الثاني: أنّ كل أمر إنشائي من بيع و غيره من العقود قابل للصدور من غير مالك الأمر، و صحيح بإجازته.

الثالث: أنّ الإجازة تنفيذ لما أنشأه الفضولي، و ليست عقدا جديدا.

فالنتيجة: صحة جريان الفضولي في جميع أنحاء المعاطاة.

ص: 668

فإذا أجاز حدث الإباحة [1] من حين الإجازة.

اللّهم (1) إلا أن يقال: بكفاية وقوعها (2) مع الإباحة الواقعية إذا كشف عنها الإجازة، فافهم (3).

______________________________

(1) استدراك على قوله: «و الآثار الأخر .. إلى قوله: لم تؤثر أثرا» و محصّل الاستدراك: أنّه بناء على وقوع تلك الآثار مع الإباحة الواقعية المستكشفة في زمن الإجازة تؤثّر تلك الآثار- كالبيع و الصلح و الهبة- أثرها.

(2) أي: وقوع الآثار.

(3) لعله إشارة إلى ضعف التفصيل بين الإباحة المالكية و الشرعية، من إمكان الإباحة الشرعية دون المالكية الناشئة من رضا المالك المفروض عدم تحققه. و قد عرفت ضعف هذا التفصيل في التعليقة السابقة.

______________________________

[1] أي: الإباحة الشرعية بناء على ما مرّ آنفا في التعليقة السابقة، و من المعلوم أنّ الإباحة الناشئة من الإجازة غير الإباحة الثابتة حين العقد المستكشفة بالإجازة القابلة للبحث عن كونها كاشفة أو ناقلة، لأنّ الإجازة موجبة لحدوث الإباحة، لا كاشفة عن وجودها سابقا.

نعم بناء على النقل لا مانع من جريان الفضولية في المعاطاة المفيدة للإباحة، حيث إنّه بالإجازة تحدث الإباحة كترتّبها على معاطاة نفس المالكين.

ص: 669

صورة

ص: 670

صورة

ص: 671

صورة

ص: 672

صورة

ص: 673

صورة

ص: 674

صورة

ص: 675

صورة

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شرائط المتعاقدين]

[تتمة الشرط الخامس]
[تتمة بيع الفضولي]
القول في الإجازة و الرّد (1)
اشارة

أمّا الكلام في الإجازة فيقع تارة في حكمها و شروطها، و أخرى في المجيز، و ثالثة في المجاز.

أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي- بعد اتفاقهم على توقفها

______________________________

القول في الإجازة و الرّد

(1) لا يخفى أنّ ما تقدم من مباحث البيع الفضولي، و القول بصحته، و توقفه على الإجازة ناظر إلى تمامية المقتضي لصحته، في قبال القائلين ببطلانه رأسا، و لغوية إنشائه.

و من المعلوم توقف صحته الفعلية على إجازة من بيده أمر العقد، و لذلك تصل النوبة إلى المباحث المتعلقة بالإجازة و الرّد. فعلى تقدير الإجازة تنتهي الصحة الاقتضائية إلى الفعلية، و على تقدير الرّد يصير العقد كالعدم.

و قدّم المصنف قدس سره الكلام في الإجازة، و عقد مواضع ثلاثة لاستقصاء جهات البحث فيها، ففي الموضع الأوّل تعرّض لكونها كاشفة أو ناقلة، و ما يترتب على كل منهما من ثمرات. و في الموضع الثاني تكلّم عمّا يتعلّق بالمجيز و ما يعتبر فيه، و في الموضع الثالث بحث عن المجاز عند ما تتعدّد العقود الفضولية على الثمن أو المثمن أو كليهما. و سيأتي الكلام في كلّ منها مفصّلا إن شاء اللّه تعالى.

و ما أفاده في الموضع الأوّل يتضمن مقامات ثلاثة، أوّلها في حكمها من حيث كونها كاشفة أو ناقلة، ثانيها في الثمرة بين أنحاء الكشف، و بين الكشف و النقل، ثالثها في تنبيهات الإجازة، و سيأتي البحث عنها بالترتيب إن شاء الله تعالى. و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

ص: 5

[الإجازة كاشفة أو ناقلة]
اشارة

على (1) الإجازة- في (2) كونها كاشفة (3) بمعنى (4) أنّه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتّى كأنّ الإجازة وقعت مقارنة للعقد،

______________________________

الإجازة كاشفة أو ناقلة

(1) هذا من قيود موضوع الإجازة، إذ لو لم تكن الإجازة مؤثّرة في صحة العقد- بأن كان عقد الفضولي باطلا، و غير قابل للإجازة- لم يبق موضوع لهذا البحث. و لذا قال المصنف قدس سره: «فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي».

ثمّ إنّ مرجع كاشفية الإجازة إلى اتصال الإجازة المتأخرة بالعقد كاتصال الاذن به، و إلى فرض تخلّل الزمان بينها و بين العقد كالعدم. و مرجع ناقلية الإجازة إلى اتصال العقد بها.

فالإجازة بناء على الكشف متصلة بالعقد حدوثا كاتصال الإذن به، فيقع العقد حال الإجازة كوقوعه حال الإذن. و على النقل متصلة به بقاء، فكأنّ الإجازة وقعت حال العقد.

(2) متعلق بقوله: «اختلف».

(3) و هو المشهور، على ما حكي، و سيظهر قريبا إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن المراد بالإجازة هنا ما يقابل الإذن الذي هو الترخيص في إيجاد فعل من الأفعال التي يترتب عليها أحكام و آثار، فالإجازة تنفيذ لما وقع سابقا، فهي متأخرة.

و إن كانت قد تستعمل بمعنى الإذن في بعض الموارد، كما في إجازات نقل الروايات مثل «أجزت له أن يروي عنّي» فإنّ معناه «أذنت له».

و كيف كان فالإجازة و الرّد يردان على ما يقبل كليهما، و هو العقد الصادر من الفضولي

(4) هذا هو الكشف الحقيقي المترتب على تنزيل الإجازة منزلة الإذن المقارن للعقد، فكأنّ الإجازة وقعت كالإذن مقارنة للعقد، فأثّر العقد من حين وقوعه. بخلاف النقل، حيث إنّ العقد كأنّه وقع حال الإجازة المتأخّرة زمانا، و لذا يؤثّر من حين حصول الإجازة.

و الثمرة بين الكشف و النقل تظهر في النماءات الحاصلة في الزمان المتخلل بين

ص: 6

أو ناقلة (1)- بمعنى ترتّب آثار العقد من حينها حتى كأنّ العقد وقع حال الإجازة- على (2) قولين. فالأكثر على الأوّل (3) [1].

______________________________

صدور العقد و الإجازة. فعلى القول بالكشف تكون نماءات كل من الثمن و المثمن لصاحبيهما، بمعنى كون نماءات المثمن للمشتري، و نماءات الثمن للبائع، لصيرورتهما ملكا لهما تبعا للعين حين صدور العقد. و على القول بالنقل يكون نماء المثمن للبائع، و نماء الثمن للمشتري، تبعا للعينين اللّتين هما باقيتان على ملك البائع و المشتري إلى زمان وقوع الإجازة.

(1) معطوف على «كاشفة». و القائلون بالنقل جماعة، منهم فخر المحققين و المحقق الأردبيلي و الفاضل النراقي قدس سرهم، فإنّهم التزموا بالنقل بعد التنزّل عن مختارهم من بطلان بيع الفضولي رأسا. قال فخر المحققين- بعد نقل دليل الكشف و النقل- ما لفظه: «و الأخير- أي النقل- هو الأجود إن قلنا بصحة بيع الفضولي، و منعه عندي أشبه» «1».

و كذلك اختاره الفاضل الأصفهاني في نكاح الفضولي بقوله: «بل هو- أي الإجازة- أحد جزئي علّة الإباحة» «2».

(2) متعلق بقوله: «اختلف و ضمير «حينها» راجع إلى الإجازة.

(3) و هو الكشف، بل هو المشهور على ما حكي. و هو «مذهب جماعة» كما حكي عن فخر المحققين «3»، أو «مذهب الأكثر» كما في المتن وفاقا للمحقق الأردبيلي و موضع من

______________________________

[1] ينبغي التكلم هنا في مقامين: أحدهما: ثبوتي، و الآخر: إثباتي.

أمّا المقام الأوّل فمحصله: أنّه قيل بامتناع كل من الكشف و النقل.

أمّا الأوّل فلاستلزامه كون الإجازة شرطا متأخرا، و هو محال، ضرورة كون الشرط من

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159، مستند الشيعة، ج 14، ص 284.

(2) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 17، السطر 27 (الطبعة الحجرية).

(3) نسبه إليه في المناهل، ص 290

ص: 7

..........

______________________________

جامع الشتات «1». أو «أنه الأشهر» كما في الرياض و موضع آخر من جامع الشتات «2».

قال السيد العاملي قدّس سرّه: «كما هو ظاهر جماعة و صريح الدروس و حواشي الكتاب و اللمعة و التنقيح و جامع المقاصد و إيضاح النافع و الميسية و المسالك و الروضة و الرياض ..» «3».

______________________________

أجزاء العلّة الّتي تقدّمها على المعلول من الواضحات، و إلّا يلزم تأخّر ماله دخل في وجود المعلول عن المعلول، و ليس هذا إلّا التناقض، لأنّه يلزم دخل الشرط في وجود المشروط، و عدم دخله فيه.

و بالجملة يلزم بناء على الكشف وجود المعلول- و هو النقل و الانتقال في بيع الفضولي- قبل شرطه، و هو الإجازة.

و أمّا الثاني فلاستلزامه تأثير المعدوم- و هو العقد- في الموجود أعني به الملكية أو النقل. أمّا انعدام العقد حال الإجازة فلكونه متصرم الوجود. و أما تأثيره في الوجود فلأنّ المفروض حصول الأثر و هو النقل و الانتقال حال الإجازة الواقعة بعد انعدام العقد. و لا يعقل تأثير العدم في الوجود، لعدم السنخيّة بينهما.

و هذا من غير فرق بين كون العقد تمام السبب المؤثر في النقل و الانتقال، و بين كونه جزء السبب، إذ لا بدّ في وجود الأثر من وجود المؤثر مطلقا، سواء أ كان تمام السبب أم جزئه.

و لازم امتناع كل من الكشف و النقل الالتزام ببطلان عقد الفضولي، و عدم إمكان تصحيحه بالإجازة، هذا.

و لكن ادّعي وقوع كليهما- و الوقوع أدلّ دليل على الإمكان- فيقع الكلام هنا تارة في الشرط المتأخر، و اخرى في تأثير المعدوم في الموجود.

أمّا الأوّل فحاصل البحث فيه: أنّه قد ادّعي وقوعه في موردين:

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159، جامع الشتات (الطبعة الحجرية)، ج 1، ص 164

(2) رياض المسائل، ج 1، ص 513، جامع الشتات، ج 1، ص 155

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

ص: 8

______________________________

أحدهما: الإجزاء، كأجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة، فإنّ كلّ واحد من أجزائها جزء في نفسه و شرط لغيره من الأجزاء المتقدمة عليه و المتأخرة عنه. فتكبيرة الإحرام مثلا جزء في نفسها و شرط لما يتعقّبه من الأجزاء. كما أنّ التشهد أيضا جزء في نفسه، و شرط لما سبقه و يلحقه من الأجزاء. ففي المركبات العبادية الارتباطية يكون كلّ من الشرط المتقدم و المتأخر و الوجوب المعلّق موجودا.

و ثانيهما: الشرائط، كشرطية غسل المستحاضة بعد الفجر للصوم، فإنّ جزءا من صوم النهار يقع قبل الغسل الذي هو شرط، فيتحقق الشرط بعد المشروط. بل كغسلها الليلي أيضا لصوم النهار الماضي كما عن بعض، و إن كان هذا القول شاذّا.

و كيف كان فيمكن أن تكون الإجازة في عقد الفضولي من هذا القبيل. و عليه فليست كاشفية الإجازة من المحالات.

أقول: منشأ الإشكال في الشرط المتأخر هو حصول المشروط قبل تحقق شرطه، بحيث يصح المشروط و يسقط أمره لتحقق المشروط قبل الشرط. و هذا الاشكال لا يندفع مع فرض كون الشرط من أجزاء العلة التي تقدمها رتبة بجميع أجزائها و شرائطها على المعلول من البديهيات. من دون فرق في ذلك بين كون المشروط أمرا خارجيا تكوينيا و أمرا اعتباريا تشريعيا، مع فرض كون الشرط مؤثّراً في وجود المشروط، إذ لا يعقل تأخر المؤثر عن المتأثر الضعيف الوجود الذي هو من رشحات فيض وجود المؤثّر. و اعتبارية المتأثر لا تسوّغ تأخر المؤثر، و إلّا يلزم الخلف و المناقضة.

فإذا أناط الشارع وجوب زكاة الأنعام بمضيّ عام عليها اقتضت هذه الإناطة عدم الوجوب قبل مضيّها، لأنّ تشريع الوجوب قبله يوجب الخلف أي خلاف فرض شرطية مرور العام، و المناقضة، و هي دخل الحول في الوجوب و عدم دخله فيه.

و الحاصل: أنّ امتناع الشرط المتأخر من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص. و لذا التجأ جماعة إلى جعل الشرط عنوان التعقب، فالتكبيرة التي يتعقبها القراءة و الركوع و غيرهما واجبة، فالشرط لحوقها بالتكبيرة لا أنفسها. و قالوا: إنّ اللحوق شرط مقارن لا متأخر.

ص: 9

______________________________

و لعلّ هذا أيضا مقصود صاحب الجواهر من قوله: «ان الشروط الشرعية ليست كالعقلية». لا أنّ الشروط الشرعية يمكن جعلها متأخرة عن المشروطات، فإنّ ذلك ممّا لا يليق صدوره من هذا العلّامة الكبير.

لكن فيه: أنّ شرطية عنوان اللحوق خلاف ظاهر الأدلة.

إلّا أن يقال: إنّ دلالة الاقتضاء ألجأتهم إلى الالتزام بذلك.

لكن جعل الشرط عنوان التعقب ليس دافعا للإشكال، بل هو اعتراف به، و التزام بامتناع تأخر الشرط عن المشروط. فليس الالتزام بجعل الشرط وصف التعقب دافعا لإشكال الشرط المتأخر، بل هو اعتراف به.

كما التجأ غير واحد أيضا إلى دفع إشكال الشرط المتأخر بجعل الشرط هو اللحاظ لا وجوده الخارجي، فلحاظ الإجازة شرط في صحة عقد الفضولي، و لحاظ الغسل الليلي شرط في صحة صوم المستحاضة، لا نفس الإجازة و الغسل بوجودهما العيني الخارجي.

و هذا أيضا كسابقه في الضعف، حيث إنّ الشرط وجوده العيني دون اللحاظي، ضرورة أن الإجازة بوجودها الخارجي شرط للحكم الوضعي و هو الملكية. و كذا شرائط الحكم التكليفي كالاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج. و كذا شرائط المأمور به، كغسل المستحاضة في الليل لصوم يومها الماضي، فإنّ الغسل بوجوده العيني شرط لصحة صومها لا بوجوده اللحاظي.

نعم لحاظ الشرائط و العلم بها شرط لتحقق الداعي إلى تشريع الحكم و إنشائه. و أمّا فعلية الحكم فهي منوطة بوجود موضوعه خارجا بجميع ما يعتبر فيه شطرا و شرطا. فشروط إنشاء الحكم المسمّى بالجعل هي اللحاظ و الوجود العلمي، و شرائط المجعول- أعني به فعلية الحكم من التكليفي و الوضعي- هي الأمور التي تكون بوجوداتها الخارجية دخيلة في الحكم، كالإجازة في عقد الفضولي، فإنّها بوجودها العيني شرط في تأثير عقده. و لا أثر لوجودها اللحاظي في تأثير العقد في النقل أصلا.

و كذا لا يندفع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده سيّدنا الأستاد الشاهرودي قدّس سرّه في مجلس الدرس من «أن امتناع تخلف المعلول عن العلة إنّما يكون في المؤثر و المتأثر

ص: 10

______________________________

الحقيقيين، دون الأحكام الشرعية التي هو أمور اعتبارية مجعولة لموضوعاتها، و ليست رشحات لها، لما ثبت في محله من امتناع جعل السببية. فكلّ من الدلوك و العقد و نحوهما موضوع للوجوب و الملكية و الزوجية، لا سبب و علّة لها، إذ لو كانت أسبابا لم تكن الأحكام أفعالا اختيارية للشارع، بل كانت من رشحات أسبابها، كالمعلولات التكوينية التي هي رشحات عللها التكوينية. فالشروط دخيلة في موضوع الحكم الشرعي، و لا تأخر لشي ء من الشروط عن الحكم حتى يقال بامتناعه، إذ لا يحكم الشارع بحكم فعلي إلّا بعد تمامية موضوعه مع فرض كون كلّ شرط موضوعا» «1».

وجه عدم اندفاع إشكال الشرط المتأخر بما أفاده قدّس سرّه: أن مرجع هذا الوجه إلى إنكار الشرط المتأخر، لا إلى دفع إشكاله مع تسليم وجوده. و لكنه متين في نفسه، لتوقف الحكم على موضوعه كتوقف المعلول على علّته. و لا محيص عن الالتزام بإناطة فعلية كل حكم بفعلية موضوعه.

و عليه فالنقل و الانتقال في عقد الفضولي لا يتحقّق إلّا بعد حصول جميع شرائطه الّتي منها إجازة المالك. و كذا الحال في أجزاء العبادات و الشروط كغسل المستحاضة، فإنّ الحكم بصحة كل جزء من أجزاء العبادات و سقوط أمره الضمني منوط بوجود غيره من الأجزاء. و محذور الشرط المتأخر لا يلزم إلّا على القول بصحة كلّ جزء، و امتثال أمره بمجرد وجوده مع البناء على شرطية ما يلحقه من الأجزاء.

و الحاصل: أنّ غائلة الشرط المتأخر لا تندفع بشي ء من الوجوه المذكورة في الكتب الأصولية. و قد تعرضنا لجلّها في الجزء الثاني من شرحنا على الكفاية مع بعض ما يتعلّق بها «2».

و قد تحصل من جميع ما ذكرناه في المقام الأوّل- المتكفل لامتناع الكاشفية و الناقلية و إمكانهما- استحالة كاشفية الإجازة، و عدم صحة ما استدلّ به على وقوع الشرط المتأخّر في أجزاء العبادات الارتباطية كالصلاة، و الشرائط كالأغسال الليلية للمستحاضة

______________________________

(1) نتائج الأفكار، و هو تقرير بحث الأصول للسيد الشاهرودي قدّس سرّه.

(2) راجع منتهى الدراية، ج 2، ص 137- 144

ص: 11

______________________________

الكثيرة لصحة صوم يومها الماضي، هذا.

و أما ناقلية الإجازة فلا وجه لاستحالتها عدا ما يتوهم من صغرويتها لكبرى تأثير المعدوم في الموجود، حيث إنّ المؤثّر في النقل و الانتقال- و هو العقد- معدوم حال الإجازة التي هي ظرف تأثير العقد، و تأثير العدم في الوجود محال.

لكنه مدفوع بأنّ المعدوم هو ألفاظ العقد التي هي من متصرمات الوجود، دون ما يوجد بها في وعاء الاعتبار، إذ العاقد الفضولي يوجد بالعقد النقل و الانتقال في عالم الاعتبار، و المالك يجيز ما أنشأه العاقد، و الإجازة و الرد كالفسخ ترد على الشي ء الموجود لا المعدوم، فإنّ حقيقة الإجازة تنفيذ ما وقع و وجد، فلا يلزم تأثير المعدوم في الموجود.

و عليه فلا ينبغي الارتياب في إمكان ناقلية الإجازة.

فتلخص ممّا ذكرناه في المقام الأوّل استحالة كاشفية الإجازة، و إمكان ناقليتها، هذا.

و أمّا المقام الثاني- و هو مرحلة الإثبات و الاستظهار من أدلة صحة عقد الفضولي- فمحصل البحث فيه: أنّه قد تقدم في المقام الأوّل امتناع كاشفية الإجازة، لابتنائها على الشرط المتأخر، و لذا التزم غير واحد كصاحب الفصول و أخيه و المحقق النائيني قدّس سرّهم بكون الشرط هو التعقب، لكونه مقارنا للعقد كما قيل، لا نفس الإجازة، حتى تندرج في الشرط المتأخر المحال.

و لكن فيه ما لا يخفى، إذ عنوان السبق و اللحوق و التقدم و التأخر- مضافا إلى كونها خلاف ظاهر الأدلة- من الأمور المتضايفة، فلا يتصف العقد فعلا بالملحوقية، إذ الاتصاف بها كذلك منوط بتحقق الإجازة خارجا، كما أنّ اتصاف الإجازة بالمسبوقية منوط بوجودها فعلا في زمان متأخر عن زمان العقد، فيعود إشكال الشرط المتأخر.

و لا يندفع بجعل الشرط اللحوق، حيث إنّ السبق و اللحوق متضايفان، فهما متكافئان في القوة و الفعلية، فقبل حصول الإجازة لا يعقل اتصاف العقد فعلا بالملحوقية، كما لا يتصف الإجازة قبل وجودها باللاحقية كذلك.

و عليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا للعقد حتى يندفع به محذور الشرط المتأخر.

و قيل: إنّ دلالة الاقتضاء دعت جماعة إلى رفع اليد عن ظاهر ما دلّ على شرطية نفس

ص: 12

______________________________

الإجازة المتأخرة عن العقد، و الالتزام بكون الشرط هو التعقب.

لكن لا حاجة إلى هذا التمحّل غير المفيد و ارتكاب خلاف الظاهر، مع إمكان الأخذ بظاهر الأدلة، و هو كون الشرط نفس الإجازة، لا عنوان التعقب. و لا جعل الإجازة كاشفة عن الرّضا التقديري، كما عن المحقق الرّشتي قدّس سرّه، لما فيه من المنع صغرى و كبرى.

أمّا الصغرى فلعدم كلّيتها، إذ قد لا يرضى المالك حين العقد لو التفت، لعدم المصلحة في ذلك الوقت. و أمّا الكبرى فلعدم دليل على اعتبار الرضا التقديري.

و ذلك لما مرّ آنفا من امتناع جعل السببية، و كون الشروط راجعة إلى الموضوع، و من المعلوم أنّ فعلية الحكم إنّما تكون بفعلية موضوعه. فالحكم لا يصير فعليا إلّا بوجود الموضوع و شرائطه التي منها الإجازة في عقد الفضولي، فلا يحكم بتأثير العقد في الملكية إلّا بعد الإجازة. و إشكال الشرط المتأخر أجنبي عن الإجازة، إذ مورده تأثير الشرط قبل وجوده في المشروط. و ليس المقام كذلك، إذ المفروض أنّ الأثر الشرعي و هو النقل لا يترتب على عقد الفضولي إلّا بعد حصول الإجازة.

فالصواب ما أفاده سيّدنا الأستاذ المتقدم قدّس سرّه من عدم كون الشروط الشرعية كالشروط الحقيقية مؤثّرة في وجود المشروط، بل هي دخيلة في موضوع الحكم الشرعي، لدخلها في الملاك الداعي إلى الجعل و التشريع.

و العجب من المحقق النائيني قدّس سرّه أنّه- مع التزامه برجوع كل شرط إلى الموضوع- ذهب إلى شرطية التعقب دون نفس الإجازة «1». مع أنّ مقتضى رجوع كل شرط الى الموضوع هو كون نفس الإجازة شرطا، و الالتزام بناقليتها.

و كيف يلتزم هو قدّس سرّه بشرطية التعقب دون نفس الإجازة؟ مع أنّه أولا: خلاف مبناه من رجوع كل شرط الى الموضوع.

و ثانيا: أنّ التعقب عنوان انتزاعي لا يقوم به الملاك الداعي إلى التشريع.

و ثالثا: أنّ التعقب كما مرّ آنفا من الأمور المتضايفة، فلا يتصف العقد بالملحوقية فعلا قبل تحقق الإجازة، لأنّ المتضايفين متكافئان فعلا و قوة.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 228

ص: 13

[ما استدل به على القول بالكشف]

و استدل عليه (1)- كما عن جامع المقاصد و الروضة-

______________________________

ما استدل به على القول بالكشف

(1) أي: و استدلّ على الكشف، و ينبغي تمهيد أمر قبل توضيح الدليل، و هو: أنه لا ريب في امتناع تخلف المسبب عن سببه التام من المقتضي و الشرط و عدم المانع، سواء أ كان تخلفه عنه بتقدمه عليه زمانا أم بتأخره عنه كذلك. و كذا يمتنع تخلف الحكم عن موضوعه التام. كما لا ريب في أنّ النقل البيعي منوط بوجود المقتضي، و هو العقد، و بوجود شرطه كرضا المالك، و انتفاء المانع كالحجر. فإن اجتمعت أجزاء العلة التامة امتنع انفكاك الأثر عنها.

و على هذا فإن كان العاقد هو المالك المختار ترتّب النقل على العقد، لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه، و إن كان العاقد هو الفضولي لم يترتب أثره عليه، لفقد الشرط أعني به رضا مالك أمر العقد.

و حينئذ فإن قيل بأن الإجازة ناقلة للملك من حينها لم يلزم إشكال، إذ بانضام الشرط إلى المقتضي يتمّ موضوع الأثر. و إن قيل بأنّ الإجازة كاشفة عن حصول الأثر

______________________________

و عليه فلا يكون التعقب شرطا مقارنا، بل يكون كنفس الإجازة متأخرا، لا مقارنا للعقد، حتى لا يرد عليه محذور الشرط المتأخر.

و كيف كان فالمظنون قوّيا أنّ مراد صاحب الجواهر بقوله: «إن الشروط الشرعية ليست كالعقلية» هو ما أفاده سيّدنا الأستاد، لا أنّ مراده جواز ترتيب الأمور الاعتبارية- و منها الأحكام الشرعية- قبل تحقق شروطها، و أنّ عدم جواز ترتيب الأثر قبل شرطه مختص بالشروط العقلية، فإنّ هذا المعنى ممّا لا يليق بعلوّ مقامه العلمي. فإنّ ملاك الإشكال في الشرط المتأخر هو تحقق المشروط قبل شرطه بناء على جعل السببية، أو فعلية الحكم قبل وجود موضوعه بناء على جعل الحكم عند تحقق موضوعه، فإنّ الشرط دخيل في موضوع الحكم، و قبل حصوله لا يتمّ الموضوع حتى يصير حكمه فعليا.

فالإجازة بنفسها شرط، و مقتضى شرطيتها عدم ترتب الأثر على عقد الفضولي إلّا بعد الإجازة، فلا محيص عن الذهاب إلى ناقلية الإجازة.

ص: 14

بأنّ (1) العقد سبب تامّ في الملك، لعموم [1] قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه (2) في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة،

______________________________

من حين العقد لزم ترتب المشروط على العقد قبل وجود شرطه. و هذا المحذور دعا القائلين بالكشف تقرير الدليل بنحو يسلم من الإشكال.

إذا اتضح هذا قلنا: إنّ المصنف قدّس سرّه نقل وجوها ثلاثة للقول بالكشف، ثم ناقش فيها كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

و الدليل الأوّل حكاه السيد المجاهد و غيره عن المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّهم «1»، و تقريبه: أنّ العقد بنفسه- بدون ضمّ ضميمة- سبب أي موضوع تامّ للملكية، لكونه تمام الموضوع لوجوب الوفاء بمقتضى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و ينكشف تماميته في عقد الفضولي بإجازة ولىّ أمر البيع، فإذا أجاز علم وجوب الوفاء به، و لزم ترتيب الآثار على صحته، إذ لو لم يترتب عليه الأثر لزم أن لا يكون موضوع وجوب الوفاء نفس العقد فقط، بل هو مع شي ء آخر، و ذلك خلاف الفرض.

(1) متعلق ب «استدل» و هذا أوّل وجهي الاستدلال، و قد أوضحناه بقولنا «ان العقد بنفسه .. إلخ».

(2) مبتدء، و خبره «إنّما يعلم» و ضميره راجع إلى العقد، و الأولى أن يقال:

«و تماميته» يعني: و تمامية العقد إنّما تعلم بالإجازة. و قوله: «يعلم» ظاهر في كون الإجازة أمارة كاشفة عن تمامية العقد، من دون أن تكون مؤثّرة في سببيّة العقد.

______________________________

[1] هذا لا يخلو من إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ تمامية العقد الموجبة لاندراج عقد الفضولي في العموم المزبور أوّل الكلام، لاحتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد في موضوعيته لوجوب الوفاء به كما هو ظاهر التجارة عن تراض.

______________________________

(1) المناهل، ص 290، جامع المقاصد، ج 4، ص 74 و 75، الروضة البهية، ج 3، ص 229 و حكاه السيّد العاملي عن القائلين بالكشف في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

ص: 15

فإذا أجاز تبيّن (1) كونه تامّا يوجب ترتّب الملك (2) عليه، و إلّا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصّة، بل به مع شي ء آخر.

و بأنّ (3) الإجازة متعلّقة بالعقد،

______________________________

(1) هذا كالصريح- بل نفسه- في تمامية العقد قبل الإجازة، و كون الإجازة كاشفة عنها، و إلّا كان اللازم أن يقول: «فإذا أجاز صار العقد تامّا» أو: «فإذا أجاز فقد تمّ العقد». و هذا ينطبق على الكشف الحقيقي.

(2) لعلّ الأولى إبدال «الملك» بالتبديل، لأنّه أشمل، بل هو نفس مفهوم البيع كما تقدم في تعريف البيع بأنه «مبادلة مال بمال».

نعم لا بأس به على مبنى المحقق الثاني قدّس سرّه في تعريف البيع ب «نقل الملك بالصيغة المخصوصة».

(3) معطوف على قوله: «بأن العقد» و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الاستدلال على كاشفية الإجازة، استدلّ به صاحب الرياض و المحقق القمي قدّس سرّهما «1». و هو مؤلّف من أمور ثلاثة:

أحدها: أنّ متعلق الإجازة كالرد و الفسخ هو العقد.

ثانيها: أنّ مضمون العقد المنشأ من الفضولي هو النقل من زمان وقوعه.

ثالثها: أنّ الإجازة رضا بمضمون العقد.

و مقتضى هذه الأمور نفوذ العقد من زمان وقوعه، و الحكم بتحقق مضمونه- أعني نقل العوضين- من حين إنشاء البيع، لأنّ متعلق إجازة المالك و إمضاء الشارع هو إنشاء الفضولي لا أمر آخر، فالإجازة تصحّح استناد البيع إلى المالك المجيز، و يضاف إليه بها، و يصير موضوعا لخطاب الشارع «أيّها الملاك أوفوا بعقودكم». و من المعلوم أنّ ما أنشأه الفضولي هو النقل حال العقد، لا النقل المتأخر عن العقد، فلا بدّ أن تكون إجازة المالك منفّذة لذلك النقل المقيد، و إمضاء الشارع ممضية له أيضا، و هذا هو الكشف المدّعى.

ثم إنّ هذا الدليل مبيّن لوجه كون عقد الفضولي سببا تامّا كما ادّعاه جامع المقاصد

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 1، ص 513، جامع الشتات، ج 1، ص 155 (الطبعة الحجرية).

ص: 16

فهي (1) رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه و عن فخر الدين في الإيضاح: الاحتجاج لهم (2) «بأنّها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في الموجود، لأنّ العقد حالها (3) عدم» انتهى.

______________________________

و الروضة في الدليل الأوّل. فالدليل الأوّل بمنزلة المدّعى، و الدليل الثاني بمنزلة برهانه، لأنّه يثبت تقيد النقل و الانتقال بزمان وقوع العقد.

(1) أي: فالإجازة متعلقة بالعقد، و نتيجة تعلقها بالعقد هي كونها رضا بمضمونه و تنفيذا له، و المفروض أنّ مضمونه ليس إلّا نقل العوضين من حين وقوع العقد.

(2) أي: للقائلين بالكشف، مضافا إلى الدليلين المتقدمين. و الحاكي هو السيّد المجاهد قدّس سرّه، قال: «و منها: ما حكى الاحتجاج به فخر الإسلام عن القائلين بأنّ الإجازة كاشفة من أنّها لو لم تكن كاشفة ..» «1» إلى آخر ما في المتن. و ظاهره: أن القائل بالكشف احتج بهذا الوجه الثالث، لا أنّ فخر المحققين احتجّ لهم به كما هو ظاهر المتن.

قال في الإيضاح: «احتج القائلون بكونها كاشفة بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود .. إلخ» «2». و عليه فكان الأحسن أن يقال: «و عن فخر الدين في الإيضاح حكاية احتجاجهم بأنّها ..».

و كيف كان فمحصّل هذا الوجه الثالث هو: أنّه لو لم تكن الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه، و كان تأثيره من زمان وقوع الإجازة، لزم تأثير المعدوم- و هو العقد الزماني المتصرم- في الموجود و هو النقل و الانتقال، ضرورة أنّ العقد حال تأثيره- و هو زمان الإجازة- معدوم، و من المعلوم أنّ العدم ليس، فكيف يترشح منه الأيس؟

(3) هذا الضمير و ضمير «بأنّها» راجعان إلى الإجازة.

هذا ما نقله المصنف عن القائلين بالكشف من وجوه ثلاثة، و ستأتي المناقشة فيها.

______________________________

(1) المناهل، ص 290، و نقله السيّد العاملي من دون إسناده إلى فخر المحققين، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190

(2) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419

ص: 17

[المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف]

و يرد على الوجه الأوّل (1): إنّه (2) إن أريد [1] بكون العقد سببا تامّا كونه (3) علّة تامّة للنقل إذا صدر عن رضا المالك،

______________________________

المناقشة في ما استدل به على القول بالكشف

(1) أي: أوّل وجوه الاستدلال على الكشف، و هو قول الثانيين قدّس سرّهما: «أنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ» و محصل إشكال المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّه إن كان المراد «بكون العقد سببا تاما» كونه علّة تامّة للنقل و الانتقال إذا صدر عن رضا المالك، فذاك مسلّم.

إلّا أنّ مجرد ذلك لا يجدي في المقام ما لم تدلّ الإجازة على تحقق ذلك السبب التام، و لا تدلّ عليه، إلّا إذا دلّت على حصول العقد مقارنا للرضا الفعلي، و لا تدلّ على ذلك أصلا، خصوصا مع عدم اطلاعه على هذا العقد، لغيبته أو سفره أو جنونه. الّا أنّ أدلّة صحة عقد الفضولي تنزّل عقده منزلة العقد المقارن للرضا، فللإجازة دخل في هذا التنزيل، فقبل حصول الإجازة لا يتحقق هذا التنزيل، فلا يترتب الأثر على العقد.

و الحاصل: أنّ أدلة صحة الفضولي تقيم الإجازة مقام شرط تأثير العقد، و هو مقارنة الرضا للعقد، فترتّب الأثر على عقد الفضولي مشروط بالإجازة، فلا وجه لترتب الأثر على العقد قبلها، فلا بدّ حينئذ من الالتزام بناقلية الإجازة.

و إن أريد بكون العقد سببا تامّا كونه علّة تامة للنقل- و لو لم يحرز رضا المالك- فهو ممنوع، لمنافاته لما يعترف به الكلّ من دخل رضا المالك في تأثير العقد في النقل و الانتقال.

و بهذا ظهر بطلان الوجه الأوّل المتقدم عن المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّهما.

(2) الضمير للشأن، و الجملة فاعل لقوله: «يرد».

(3) نائب فاعل «أريد».

______________________________

[1] لا يخفى: أنّ قول المصنف قدّس سرّه: «إن أريد بكون العقد سببا تامّا .. إلخ» يقتضي أن يكون له عدل، و لم يذكره في الكلام، و لا بدّ أن يكون عدله هذا: «و إن أريد كون العقد بمجرده علّة تامة للتبديل من دون رضا المالك، فهو مناف لشرطية الرضا المدلول عليها بقوله عليه السلام: لا يحل مال امرء مسلم إلّا عن طيب نفسه».

ص: 18

فهو (1) مسلّم، إلّا أنّ بالإجازة لا يعلم (2) تمام ذلك السبب، و لا يتبيّن كونه (3) تامّا، إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا. غاية الأمر أنّ لازم صحّة عقد الفضولي كونها قائمة مقام الرضا المقارن (4) [1]، فيكون لها دخل [مدخل] في تماميّة السبب كالرضا المقارن، فلا معنى لحصول الأثر قبلها (5).

______________________________

(1) أي: فكون الإجازة كاشفة مسلّم. و الجملة جواب الشرط في «إن أريد».

(2) في العبارة مسامحة، و الأولى أن يقال: «لا يعلم أنّه ..» حتى يكون اسما مؤخّرا ل «أنّ».

(3) أي: و لا يعلم كون العقد سببا تامّا.

(4) تقوم الإجازة مقام الرضا المقارن في كفايتها في صحة العقد و تأثيره بعد حصولها، لا في جعل العقد مؤثرا من حين وقوعه كما ادّعاه المحقق الكركي قدّس سرّه. فدليل صحة عقد الفضولي حاكم على دليل اعتبار مقارنة الرضا للعقد حكومة موسّعة، فالشرط مطلق الرضا و إن تأخّر عن العقد.

(5) هذا الضمير و ضميرا «كونها، لها» راجعة إلى الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه- بناء على اعتبار مقارنة الرضا في صحة العقد، و بناء على كون البيع بمعناه المصدري- يكون عقد الفضولي حينئذ على خلاف القاعدة. و أمّا بناء على معناه الاسم المصدري يكون الرضا مقارنا دائما، من غير فرق فيه بين عقد الأصيل و الفضولي.

فقوله: «ان لازم صحة عقد الفضولي .. إلخ» غير ظاهر بنحو الإطلاق، إذ لا يتمّ إلّا بناء على اعتبار مقارنة الرضا لنفس العقد، لا لأثره الذي لا ينفك عنه أصلا في شي ء من الموارد من الأصيل المكره و الفضولي و غيرهما، إذ الأثر- و هو النقل و الانتقال- يترتب دائما على الرضا، و لا يتأخر الرّضا عنه.

و لا يبعد حكومة دليلي صحة عقدي المكره و الفضولي بعد حصول الطيب و الإجازة حكومة شارحة لما دلّ بظاهره على اعتبار مقارنة الرضا، كآية التجارة عن تراض، بأن يقال: إنّهما يدلّان على تحقق المقارنة بين الرضا و بين نقل العوضين الذي هو المعنى الاسم المصدري، فلا يلزم تخصيص في أدلة اعتبار المقارنة، و لا تصرّف في معنى التجارة،

ص: 19

و منه (1) يظهر فساد

______________________________

(1) يعني: و ممّا أوردناه على أوّل وجهي استدلال المحقق و الشهيد الثانيين على الكشف يظهر فساد .. إلخ. و الظاهر أنّ مقصود المصنف ممّن قرّر دليل الكشف بما في المتن هو الشيخ الفقيه الشيخ محسن الأعسم قدّس سرّه في شرحه على الشرائع الموسوم بكشف الظلام، على ما حكاه العلّامة الشهيدي «1» قدّس سرّه عن بعض، و ليس المراد من هذا المقرّر الشهيد الثاني في الروضة و إن كان أصل الدليل مذكورا فيها، لأنّ الموجود في الروضة وجه واحد، و قد أشار إليه المصنف في أوّل الاستدلال بقوله: «و استدل عليه كما في جامع المقاصد و الروضة» فينبغي أن يراد تقرير الدليل بوجه آخر.

و كيف كان فالأولى نقل جملة من كلام الشيخ الأعسم وقوفا على حقيقة مرامه، فإنّه قدّس سرّه جمع وجوها سبعة للقول بالكشف، و قال: «احتج الكاشفون بأمور: الأوّل: أن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط، و كلّها حاصلة إلّا رضى المالك، فإذا حصل الشرط عمل السبب التام. و اشتراط المقارنة في تأثير العقد محتاج إلى الدليل بعد عموم الأمر بالوفاء بالعقود. فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن [لا] يكون الوفاء بالعقد خاصة، بل هو مع الأمر الآخر.

فإن قلت: إنما أمر بالوفاء بالعقود المرضية عند المتعاقدين لا مطلقا. و حينئذ فلا يتوجه الأمر بالوفاء به إلى المالك إلّا بعد الإجازة الواقعة بعد العقد. فالآية إنّما أمرت بالعقد المقيّد على أنه جزء من الملك أو شرط فيه و إن كان مستفادا من خارج الآية من آية أخرى و غيرها.

______________________________

فإنّ معناها عرفا هو النقل و التبديل، و القول و الفعل آلة الإنشاء لا نفس التجارة. فمقتضى هذه الحكومة اعتبار مقارنة الرضا للتجارة بمعناها العرفي أي الاسم المصدري، و هو انتقال العوضين. و المقارنة بهذا المعنى موجودة في جميع موارد انتقال الأموال، سواء أ كان المتعاملان أصيلين أم وليّين أم وكيلين أم فضوليين.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 286، و يستظهر هذا التقرير من الفاضل النراقي، فراجع: مستند الشيعة، ج 14، ص 283

ص: 20

تقرير الدليل (1): «بأنّ (2) العقد الواقع جامع لجميع الشروط، و كلّها (3) حاصلة إلّا رضا المالك،

______________________________

قلت: العقد لمّا وقع أفاد التمليك من حينه كما هو قضية إنشاء معناه، غاية ما هناك أنه معلق متزلزل إلى الإجازة، و الإجازة إنما أفادت الرضى بمقتضى العقد من التمليك و التملك من ذلك الوقت. و لو كانت مفيدة ملكا جديدا احتاجت إلى قبول كذلك، إذ رضى كل من المتعاقدين شرط في تأثير ما يصدر منه أو جزء كذلك.

و الحاصل: أنّ العقد المرضي سبب تام و إن تأخر الرضى فعلا، فيكون العقد مراعى غير معلوم صحته أو فساده إلى حين الإجازة، فإذا تحققت حصل العلم بأنّ العقد جامع للشرائط. و بهذا يجاب عما ذكره بعضهم في الرد على الدليل المذكور من أن العقد سبب تام .. و وجه دفعه بما ذكرناه واضح» «1».

و محصل هذا التقرير: أن العقد الواقع من الفضولي جامع لجميع الشروط المعتبرة في صحته إلّا رضا المالك، فإذا حصل رضاه بالإجازة عمل السبب التام- و هو العقد- عمله، و أثّر أثره من حين وقوع العقد.

و الفرق بين التقريرين: أن الإجازة المتأخرة في عبارة المحقق الثاني كاشفة عن وجود الرضا حال العقد الفضولي، لأنّه قدّس سرّه جعلها أمارة على تحقق الشرط أعني به طيب نفس المالك، و معناه كون الإجازة محرزة لكون عقد الفضولي تمام السبب الناقل، حيث قال في تقرير الدليل: «و تمامه في الفضولي إنّما يعلم بالإجازة».

و لكن الإجازة في التقرير الثاني ليست أمارة على وجود الرضا حال العقد، كما أنّها ليست جزء السبب المملّك، و إنّما تكون رضا بسببية العقد للملك شرعا. هذا.

(1) أي: الدليل الأوّل الذي نقله المصنف عن الثانيين قدّس سرّهما في (ص 15) بقوله: «بأنّ العقد سبب تام في الملك .. إلخ».

(2) متعلق ب «تقرير» و مبيّن له، و قد عرفته آنفا.

(3) أي: و كلّ شروط الإمضاء حاصلة إلّا رضا المالك.

______________________________

(1) كشف الظلام، مجلّد المتاجر، نقلا من نسخة مخطوطة في قسم المخطوطات من مكتبة آية الله السيد المرعشي قدّس سرّه بقم المقدسة.

ص: 21

فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله (1)» فإنّه (2) إذا اعترف أنّ رضا المالك من جملة الشروط فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط (3) قبله؟

و دعوى (4)، أنّ الشروط الشرعية ليست كالعقلية، بل هي بحسب

______________________________

(1) يعني: من حين وقوعه، لأنّه مقصود القائل بالكشف.

(2) هذا إشكال المصنف قدّس سرّه على هذا التقرير، و حاصله: أنّه إذا كان رضا المالك- باعتراف المستدل- من شرائط صحة العقد، كان له دخل موضوعي في صحته كسائر الشروط، نظير البلوغ و العقل و غيرهما، و لا يثبت الرضا المقارن بالإجازة، لتأخرها عن العقد. بل الحاصل بالإجازة- كما هو ظاهر قوله: «فإذا حصل بالإجازة» و إلّا كان اللازم أن يقول: «فإذا انكشف بالإجازة»- هو الرضا المتأخر وجوده عن العقد. و مقتضاه تأثير العقد من حين حصول الإجازة كما هو مقتضى ناقلية الإجازة، لا من حين إنشاء العقد، كما هو مقتضى كاشفيّتها التي أرادها المستدلّ.

و الحاصل: أنّ شرطية الرضا للعقد تقتضي إناطة وجود الأثر- و هو نقل العوضين- بوجود الرضا، و مع هذه الإناطة الموجبة لتأخر النقل عن الرضا كيف يكون الرضا كاشفا عن وجود المشروط أعني النقل قبل الرضا؟ و ليس هذا إلّا من تقدّم المشروط على الشرط، و المعلول على بعض أجزاء علّته.

(3) و هو نقل العوضين قبل الرضا الحاصل بالإجازة، بل لا بدّ أن يقال «موجبا» بدل «كاشفا» فيكون الرضا موجبا لوجود المشروط بعده.

هذا ما يتعلق بالدليل الأوّل على الكشف بذلك التقرير الآخر، و قد اتضح عدم تماميته.

(4) هذه الدعوى من صاحب الجواهر قدّس سرّه، و غرضه منها دفع محذور الشرط المتأخر، و تصحيح القول بالكشف، حيث قال- بعد الاستدلال على مختاره بأنّ الإجازة رضا بمقتضى العقد الذي هو النقل من حينه- ما لفظه: «مضافا إلى ظهور ما دلّ في تسبيب العقد مسبّبه، و أنّه لا يتأخّر عنه، السّالم عن معارضة ما دلّ على اشتراط رضا المالك، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام: المعنى الّذي لا ينافي السببية المزبورة، و هو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية.

ص: 22

..........

______________________________

إن لم يكن هناك مانع من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ..» إلى آخر ما نقله الماتن عنه.

ثم قال: «و قد عرفت الفرق بينها- أي بين العلل العقلية- و بين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة و لا معاملة، لكن على الوجه المزبور. بل يمكن كونه مثلها بناء على أنّ الشرط أن يحصل الرضا، لا حصوله فعلا» «1».

و محصّل ما أفاده يرجع إلى أحد وجهين.

الأوّل: أنّ الشروط الشرعية تابعة لكيفية جعلها شرعا، فيمكن جعل شي ء غير موجود شرطا، أي: يلاحظ إناطة وجود شي ء بما يوجد في المستقبل، حيث إنّ الأحكام الشرعية ليست من الأمور التكوينية التي يتوقف وجودها على عللها الموجودة قبلها رتبة، بل هي من الأمور الاعتبارية التي حقيقتها عين الاعتبار، فلا مانع من أن يعتبر الشارع شيئا شرطا متأخرا غير موجود لأمر متقدّم، و كيفية اعتبار الأمور الاعتبارية بيد معتبرها.

و كذا الحال في جعل السببية لشي ء. و عليه فلا مانع من اعتبار سببية إهلال شوّال لجواز إعطاء الفطرة قبله، و جعل الشرطية للأغسال الليلية لصوم اليوم الماضي للمستحاضة على القول به.

و بالجملة: فمرجع هذا الوجه إلى: أنّ الشروط الاعتبارية ليست كالشروط العقلية، فلا مانع من اعتبار الشرع السبب أو الشرط متأخرا عن المسبب أو المشروط، هذا.

الثاني: أن يكون الشرط عنوان التعقب و اللحوق، لا نفس الإجازة بوجودها الخارجي، و هذا العنوان شرط مقارن للعقد، لا متأخر عنه، فتخرج الإجازة على هذا الوجه عن الشرط المتأخر، و تندرج في الشرط المقارن.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 285- 287

ص: 23

ما يقتضيه جعل الشارع، فقد يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبّب (1) على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس (2)، و إعطاء الفطرة قبل وقتها (3)- فضلا (4) عن تقدّم المشروط على الشرط، كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة (5)، و كغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به» (6).

______________________________

(1) التعبير بالشبه لأجل عدم تسبّب الأحكام- تكليفية أم وضعية- عن موضوعاتها، و إنّما تترتّب عليها بجعل الشارع تأسيسا أو إمضاء. فوجه الشباهة امتناع فعلية الحكم قبل فعلية موضوعه.

(2) قال المحقق قدّس سرّه: «و يجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء» «1».

(3) بإعطائها زكاة قبل هلال شوّال، قال الشهيد الثاني: «فإنّ المشهور جواز تقديمها زكاة من أوّل شهر رمضان» «2»، و اختاره قدّس سرّه. و هذا هو مراد صاحب الجواهر، و أما إعطاؤها قرضا للمستحق بقصد الزكاة فهو الأحوط بلا ريب.

(4) التعبير ب «فضلا» لأجل أنّ تقديم ما كان من قبيل المسبب على سببه أشدّ إشكالا من تقديم المشروط على الشرط، لوجود بعض أجزاء العلة- و هو المقتضي- في باب الشرط، بخلاف السبب.

(5) يعني: أنّ المستحاضة التي يجب عليها الغسل- و هي المتوسطة و الكثيرة- يجوز لها تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر، فتكون في آن طلوعه صائمة و محدثة بالاستحاضة، قال في الجواهر: «كما أنّ الأقوى أيضا عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه، وفاقا لظاهر المعظم و صريح البعض، لتبعية حصوله للصوم لحصوله للصلاة» «3».

ثم حكى إيجاب تقديم الغسل على الفجر عن الذكرى و معالم الدين، لئلّا يلزم تقديم المشروط على شرطه.

(6) يعني: أن صحة صوم اليوم الماضي- من المستحاضة- مشروطة بأن تغتسل في

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 44

(2) مسالك الأفهام، ج 1، ص 452

(3) جواهر الكلام، ج 3، ص 366

ص: 24

مدفوعة (1) بأنّه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي و غيره، و تكثير الأمثلة لا يوجب (2) وقوع المحال العقلي، فهي (3) كدعوى أنّ التناقض الشرعي بين الشيئين (4) لا يمنع عن اجتماعهما (5)، لأنّ النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________

الليلة اللاحقة للعشائين. فكما أنّ صلاتها الليلية مشروطة بالغسل، فكذا صيام نهارها الماضي مشروط به، و هذا من أظهر موارد الشرط المتأخر. و المسألة و إن كانت خلافية، و لم يلتزم صاحب الجواهر بالاشتراط، لكن يكفي في الاستشهاد به التزام البعض به كالفاضل النراقي قدّس سرّه، حيث قال: «و يحتمل قويّا عدم الحكم بالبطلان إلّا مع ترك جميع الأغسال النهارية و الليلية الماضية و المستقبلة، و دعوى القطع بعدم مدخلية الليلة المستقبلة غير مسموعة» «1».

(1) خبر «و دعوى» و إنكار و ردّ لها، و محصله: أنّه لا فرق في استحالة تأخّر الشرط عن المشروط بين الشرط الشرعي و العقلي. و المراد بالشرط الشرعي ما جعله الشارع شرطا، و بعد اتصافه بالشرطية يكون كالشرط العقلي في امتناع تأخره عن المشروط، لأنّه من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص.

(2) خبر قوله: «و تكثير» يعني: أن تكثير الأمثلة لا يوجب إمكانه فضلا عن وقوعه، فلا بدّ من علاج تلك الأمثلة المذكورة في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(3) أي: فدعوى «أن الشروط الشرعية» تكون في المنع نظير دعوى إمكان التناقض في المجعولات الشرعية.

(4) كجعل الحدث شرعا مناقضا للطّهارة، فإنّه لا ريب في حكم العقل بعد ذلك باستحالة اجتماع الحدث و الطهارة. و لا يوجب كون التناقض شرعيا تصرف الشارع في حكم العقل بامتناع الاجتماع و تبديله بالجواز.

(5) تعليل لدعوى عدم منع التناقض الشرعي بين الشيئين عن الاجتماع، بتوهم أن النقيض الشرعي غير العقلي.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 3، ص 38 و 39.

ص: 25

فجميع (1) ما ورد ممّا يوهم ذلك (2) [أنّه] لا بدّ [فيه] من التزام أنّ المتأخّر ليس سببا أو شرطا، بل السبب و الشرط [هو] الأمر المنتزع (3) من ذلك (4).

لكن ذلك (5) لا يمكن فيما نحن فيه (6) بأن يقال: إنّ الشرط (7)، تعقّب الإجازة و لحوقها بالعقد. و هذا (8) أمر مقارن للعقد على تقدير (9) الإجازة،

______________________________

(1) هذا نتيجة وحدة حكم الشرط و السبب الشرعيين و التكوينيّين في امتناع تقدم المشروط و المسبب عليهما.

(2) أي: تأخر الشرط عن المشروط الذي هو محال عقلي.

(3) و هذا الأمر المنتزع قد التزم به صاحب الجواهر و غيره، و هو ثاني الوجهين المذكورين في كلامه، و تقدم نقله في (ص 23) بقولنا: «بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا، لا حصوله فعلا» و غرض المصنف قدّس سرّه إمكان الالتزام بهذا الأمر الانتزاعي في الأمثلة المذكورة، دون الإجازة.

و عليه فشي ء من الوجهين المذكورين في الجواهر لا ينهضان بإثبات الكشف.

(4) أي: من المتأخر الذي سمّي بالشرط المتأخر، لكنه ليس شرطا، بل الشرط هو الأمر المنتزع منه، و ذلك المنتزع في الأمثلة التي ذكرها صاحب الجواهر قدس سره و نظائرها هو التعقب و اللحوق. فالشرط في غسل يوم الخميس تعقّبه بيوم الجمعة، و في إعطاء الفطرة- قبل وقتها- تعقّبه بالإهلال، و في صوم المستحاضة تعقبه بالغسل بعد الفجر. و من المعلوم أنّ وصف التعقب أمر مقارن على ما قيل، لا متأخر عنه.

(5) أي: لكن الأمر المنتزع- و هو عنوان التعقب- لا يجري في الفضولي و إن جرى في تلك الأمثلة، لمخالفته لدليل شرطية الرضا و طيب النفس، الظاهر في شرطية نفس الرضا، لا الوصف الانتزاعي.

(6) و هو عقد الفضولي، بأن يقال: إنّ الشرط فيه هو تعقبه بالإجازة.

(7) أي: أن الشرط في عقد الفضولي هو لحوق الإجازة بالعقد.

(8) أي: تعقب الإجازة و لحوقها بالعقد مقارن للعقد على ما قيل، لا متأخر عنه.

(9) أي: على تقدير صدور الإجازة من المالك الأصيل، و أمّا على تقدير الرّد فلا منشأ لانتزاع وصف التعقب بالإجازة، بل ينتزع تعقب العقد بالرّد.

ص: 26

لمخالفته (1) الأدلّة [1].

______________________________

(1) تعليل لعدم إمكان كون لحوق الإجازة شرطا على تقدير صدورها من المالك.

و حاصل التعليل: أنّ جعل الشرط أمرا منتزعا- و هو التعقب- خلاف ظاهر أدلة الاعتبار، حيث إنّها تدل على شرطية التراضي و طيب النفس الظاهرين في موضوعيتهما، دون الأمر الانتزاعي و هو التعقب المطلوب في كاشفية الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أن جعل المؤثر في العقد هو وصف التعقب لا نفس الإجازة بوجودها الزماني المتأخر عن العقد لا يلتئم مع ما تقرّر عندهم من تكافؤ المتضايفين فعلا و قوة، و حيث إن المتعقّب- و هو الإجازة- معدوم في أفق الزمان، فالوصف الانتزاعي معدوم أيضا.

و الانصاف أنّ العويصة في المتضايفين المتدرجين وجودا- كالسابق و اللاحق- قد يشكل حلّها، لكون أحد الطرفين معدوما في ظرف وجود المضائف الآخر. و التعويل على أن المتفرقات في هذه النشأة مجتمعات في وعاء الدهر مشكل أيضا، لأنّ المتصف بالسابق و اللاحق هما الموجودان الزمانيان لا الخارجان عن أفق الزمان.

و قد تصدّى المحقق الأصفهاني لحلّ العويصة في كلّ من الزمان و الزماني.

أمّا في الزمان فبكفاية جمعية الوجود غير القارّ باتصاله، يعني أن الزمان موجود تدريجي متصل بعض أجزائه ببعض، و لا ينفك بعضها عن بعض. و بهذا اللحاظ يقال انه وجود واحد. و يكفي في معيّة أجزاء الزمان الموصوفة بالتقدم و التأخر اتصال بعضها ببعض.

و أمّا في الزماني- كالعقد المتقدم زمانا و الإجازة المتأخرة كذلك- فبأنّ اتصافهما بالمتقدم و المتأخر ليس بلحاظ نفسهما، بل هو بالعرض، فهما وصفان بحال المتعلّق، فالموصوف بهما هو الزمان السابق و اللاحق. و حيث كان الوصف بحال المتعلق صحّ تعنون العقد بالمتعقّب مع تأخر المتعقّب، لأنّ الوحدة الجامعة لهما هي الزمان، و هو واحد جمعي متصل «1»، هذا.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 146

ص: 27

اللهم (1) إلّا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقّف تأثير السبب المتقدّم في

______________________________

(1) هذا توجيه لما أفاده قدّس سرّه من مخالفة شرطية لحوق الإجازة لظواهر الأدلة بوجه لا يخالفها. و مرجع هذا التوجيه إلى جعل اتصاف الرضا بالشرطية من الوصف بحال المتعلق، بتقريب: أنّ الشرط نفس الرضا كما هو ظاهر الأدلّة، و غير مخالف له، لكنّه مخالف لظاهر الشرطية، حيث إنّها اصطلاحا عبارة عمّا يتوقف تأثير السبب على نفسه، لا على عنوان لحوقه و تعقبه كما هو المقصود من كاشفية الإجازة، حيث إنّ تأثير العقد- بناء على الكشف- إنّما هو بسبب لحوق الإجازة لا نفسها، إذ تأثيره بنفس الإجازة هو مقتضى ناقليتها.

و أمّا تأثيره من زمان وقوعه فهو لأجل ملحوقيته بالإجازة، و الملحوقية شرط مقارن للعقد على ما زعموا. فتوصيف الرضا حينئذ بالشرطية يكون بحال متعلقة. و عليه فيتصرف في معنى الشرطية.

و الحاصل: أنّ الشرط الحقيقي- و هو اللحوق- غير متأخر، بل مقارن، و المتأخر- و هو نفس الرضا- ليس بشرط. فإطلاق الشرط عليه مبني على المسامحة، و من قبيل المجاز في الكلمة، لأنّ معنى الشرط اصطلاحا هو ما يتوقف تأثير المقتضي على نفسه، لا على لحوقه كما هنا، إذ إرادة الشرط من كلمة «الرضا» ليست إرادة لمعناه المصطلح، فإن الشرط- و هو اللحوق- غير الرضا.

______________________________

أقول: بناء على تسليم ما قرّره قدّس سرّه لحلّ المعضلة في الزمان، فقد يشكل تسليمه في الزماني بإرجاعه إلى الزمان، و ذلك لأنّ جعل الوصف بحال المتعلق يقتضي صحة سلبه عن الزماني السابق و اللاحق، كصحة سلب الحركة عن جالس السفينة باعتبار ثبوتها بالذات للسفينة، مع أنّ اتصاف المتضايفين الزمانيين بالسابق و اللاحق حقيقة عقلا و عرفا، و بلحاظ نفسهما، كحملهما على الزمان المتقدم و المتأخر. و لو صحّ هذا الإرجاع لزم إنكار الموجودات التدريجية، لفرض أنّ الموصوف بالسابق و اللاحق هو الزمان الذي فرضناه موجودا واحدا جمعيّا، فلا بدّ أنّ تكون المتصرّمات مجتمعة الأجزاء في الوجود.

و الظاهر أن الاشكال لا يندفع إلّا بالتصرف فيما يراد بالفعلية في قولهم: «المتضايفان متكافئان فعلية و قوة» بأن يراد فعلية كل منهما في ظرفه، لا مطلقا حتى في ظرف وجود المضائف الآخر. لكنه ممّا يأباه أهل الفن أيضا. و اللّه العالم بحقائق الأمور.

ص: 28

زمانه على لحوقه (1).

و هذا (2)- مع أنّه (3) لا يستحقّ إطلاق الشرط عليه- غير (4) صادق على الرضا، لأنّ المستفاد من العقل و النقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، لأنّه لا يحلّ لغيره بدون طيب النفس، و أنّه (5) لا ينفع لحوقه في حلّ تصرّف الغير و انقطاع سلطنة المالك.

و ممّا ذكرنا (6) يظهر ضعف ما احتمله في المقام

______________________________

(1) أي: لحوق الشرط، و هو متعلق ب «يتوقف». و اللحوق مذهب الفصول و غيره.

(2) هذا إشكال على التوجيه المذكور، و هو يكون على وجهين:

أحدهما: أنّ هذا التوجيه لا يوجب استحقاق إطلاق الشرط على الرضا، إذ اللحوق المفروض كونه شرطا غير الرضا، فإطلاق الشرط على «الرضا» غير جدير.

ثانيهما: عدم صدق اللحوق على الرضا، لأنّ المستفاد من العقل و النقل هو اعتبار الرضا في الملكيّة بنحو الشرط المتقدم، لا اعتباره بنحو الشرط المتأخر.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل المتقدم بقولنا: «أحدهما: أن هذا التوجيه .. إلخ».

(4) هذا إشارة الوجه إلى الثاني الذي تعرّضنا له بقولنا: «ثانيهما عدم صدق اللحوق .. إلخ».

(5) معطوف على «لانه» و وجه عدم نفع لحوق الرضا في حل تصرف الغير هو ظاهر قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء لغيره الا بطيب نفسه» لظهوره في إناطة حدوث الطيب بالرضا، و هو دال على توقف حلية تصرف الغير على الطيب، فلا بد من اعتبار الطيب على نحو الشرط المتقدم. و لذا لم يجز التصرف إلّا بعد إجازة المالك. و لو كان الشرط هو اللحوق لجاز التصرف قبل الإجازة، هذا.

و لكن حكى في المتن عن بعض جواز ترتيب آثار الصحة على العقد قبل تحقق الإجازة مع العلم بحصولها فيما بعد كما سيصرح به المصنف قدّس سرّه.

(6) أي: و من عدم إمكان كون الوصف المنتزع- و هو التعقب- شرطا يظهر ضعف ما احتمله بعض الأعلام من: أنّ معنى شرطية الإجازة مع بنائهم على كاشفيتها شرطية وصف التعقب.

ص: 29

بعض الأعلام (1)، بل التزم به غير واحد من المعاصرين

______________________________

(1) المراد به ظاهرا صاحب الحاشية على المعالم، على ما نقله الفاضل المامقاني عن المصنف بقوله: «و سمعت منه شفاها في بعض أبحاثه حكايته عن شرح التبصرة للشيخ الجليل المحقق محمد تقي الأصبهاني» «1». و اختار شرطية التعقب صاحب المستند «2».

و لعلّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «غير واحد من المعاصرين» هو أصحاب الفصول و الجواهر و أنوار الفقاهة قدّس سرّهم. أما صاحب الفصول فلقوله: «و من هذا القبيل كل شي ء يكون وقوعه مراعى بحصول شي ء آخر كالصحة المراعاة بالإجازة في الفضولي، فإنّ شرط الصحة فيه كون العقد بحيث يتعقبه الإجازة، و ليست مشروطة بنفس الإجازة، و إلّا لامتنعت قبلها» «3».

و أمّا صاحب الجواهر فلأنّه جعل شرطية التعقب أحد الوجهين لتصحيح الكشف «4»، و سيأتي نقل كلامه في (ص 32 و 33).

و أمّا الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء فلأنه بيّن احتمالين للكشف و قوّى أوّلهما، حيث قال: «انّ الإجازة ناقلة من حينها .. أو كاشفة عن الصحة المتقدمة، بمعنى:

أنّ الصحة الثابتة من قبل انكشف بها، لأنها موقوفة على حصول الشرط، و هو الرضا في أحد الأزمنة و لو متأخرا، فبالإجازة بان حصوله. أو بمعنى أنّ الإجازة أثّرت في صحة العقد الماضي حين صدوره، فبها انكشف أنّ العقد الأوّل كان صحيحا من حينه؟ وجوه أقواها الواسط، و ربّما كان هو المشهور «5».

و نحوه كلامه في إجازة النكاح الفضولي.

و العبارة و إن لم تكن صريحة في شرطية الوصف المنتزع، لكن يمكن استفادته منها كما استفيد من تعبير صاحب الجواهر قدّس سرّه: «إذ الشرط الحصول فعلا و لو في

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 375

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 283.

(3) الفصول الغروية، ص 80.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 287

(5) أنوار الفقاهة (مخطوط) نقلا من نسخة موجودة في مكتبة آية اللّه السيد المرعشي قدّس سرّه بقم المقدسة.

ص: 30

من (1): أنّ معنى شرطية الإجازة- مع كونها (2) كاشفة- شرطية (3) الوصف المنتزع منها، و هو (4) كونها لاحقة للعقد في المستقبل، فالعلّة التامّة: العقد الملحق به الإجازة، و هذه (5) صفة مقارنة للعقد و إن كانت نفس الإجازة متأخّرة عنه (6).

و قد التزم بعضهم (7)

______________________________

المستقبل».

و لعلّ مقصود المصنف جماعة أخرى من معاصريه ممّن لم نقف على كلامهم.

(1) بيان ل «ما» الموصولة في قوله: «ما احتمله».

(2) يعني: مع بنائهم على كون الإجازة كاشفة، المقتضي لشرطية نفس الإجازة، لا الوصف، و هو «تعقب الإجازة للعقد».

(3) خبر قوله: «انّ معنى».

(4) الضمير راجع الى الوصف المنتزع، أي: أنّ الوصف المنتزع عبارة عن كون الإجازة لاحقة للعقد في الزمان المستقبل. و يسمى هذا الوصف في لسان جماعة بالتعقّب.

و عليه فيكون المؤثر التام هو العقد الملحق به الإجازة فيما بعد، و هذا الوصف من الأوصاف المقارنة للعقد، فلا مانع من كون الإجازة كاشفة بهذا المعنى، لعدم ترتب محذور الشرط المتأخر عليه.

(5) أي: و لحوق الإجازة بالعقد صفة مقارنة للعقد، لا متأخرة عنه حتى يرد عليه محذور الشرط المتأخر، و إن كانت نفس الإجازة متأخرة، لكنّها ليست شرطا، إذ الشرط على الفرض هو لحوق الإجازة لا نفسها.

(6) أي: عن العقد.

(7) أي: بعض الملتزمين بشرطية التعقب و اللحوق، و هذا البعض صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث التزم بما يتفرّع على جعل التعقب شرطا في تأثير العقد، من جواز ترتيب الأثر على بيع الفضولي لو علم بحصول رضا المالك- بهذا البيع- في المستقبل.

قال قدّس سرّه- بعد الاشكال على كون الرضا شرطا للعلم بالانتقال لا لنفس الانتقال- ما لفظه: «نعم لو أخبر المعصوم بأنّه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه، إذ الشرط

ص: 31

بما يتفرّع على هذا (1) [1] من (2) «أنّه إذا علم المشتري أنّه المالك للمبيع سيجيز العقد، حلّ له التصرّف فيه بمجرّد العقد».

و فيه (3) ما لا يخفى من المخالفة للأدلّة.

______________________________

الحصول فعلا و لو في المستقبل. و لا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالإخبار» «1».

و قال بعد أسطر في بيان مختاره من محتملات الكشف: «الثالث و هو التحقيق: أن يكون الشرط حصول الرضاء و لو في المستقبل، الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا، أو بإخبار المعصوم، أو نحو ذلك. و المراد شرطية الرضاء على هذا الوجه، و كان هذا هو المتعيّن ..» «2».

(1) أي: على كون الشرط هو الوصف الانتزاعي أعني به لحوق الإجازة بالعقد.

(2) بيان ل «ما» الموصولة في قوله: «بما يتفرّع» و حاصل هذا الفرع المتفرع على شرطية الوصف الانتزاعي هو: جواز تصرف المشتري بمجرد العقد في المبيع الذي باعه العاقد الفضولي، إذا كان المشتري عالما بأنّ عالما بأنّ مالك المبيع يجيز العقد في المستقبل، فإنّ لازم شرطية الأمر الانتزاعي- الذي هو مقارن للعقد- حليّة التصرف قبل تحقّق الإجازة.

(3) أي: و في التزام بعضهم بحلّية التصرف بمجرّد العقد فيما لو علم المشتري بأنّ المالك سيجيز العقد- مع البناء على شرطية وصف التعقب- ما لا يخفى من الاشكال.

و محصّل النظر و الاشكال في هذا الالتزام هو مخالفة حلية التصرفات- بمجرّد العقد- للأدلة الدالة على إناطة جواز التصرف في مال الغير بطيب نفسه الذي لا يحصل إلّا

______________________________

[1] ظاهر كلامه قدّس سرّه ترتب هذا الفرع على خصوص الكشف التعقبي، بأن يكون الشرط خصوص التعقب فقط. مع أنّه ليس كذلك، لتفرعه على الشرط المتأخر أيضا، ضرورة أنّه بناء عليه تكون الملكية حاصلة قبل تحقق الإجازة التي تجي ء في المستقبل. و لعلّه قدّس سرّه لاستحالة الشرط المتأخر فرّع هذا الفرع على خصوص شرطية التعقب.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 288

(2) المصدر، ص 289

ص: 32

و يرد (1) على الوجه الثاني أوّلا: أنّ (2) الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد، إلّا أنّ مضمون العقد

______________________________

بإجازة المالك. فقبل الإجازة الكاشفة عن الرضا و طيب النفس لا يحلّ التصرف، فعدم صحة الالتزام بهذا الفرع يكشف عن عدم صحة الالتزام بالأصل، و هو شرطية التعقب.

(1) معطوف على قوله في (ص 18): «و يرد على الوجه الأوّل» و هذا إشكال على ثاني الوجهين اللذين احتج بهما صاحب الرياض و غيره للقول بالكشف، و حكاه المصنف قدّس سرّه بقوله: «و بان الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا بمضمونه .. إلخ».

(2) قد أورد المصنف قدّس سرّه على ثاني وجهي الاستدلال بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أنّ الإجازة و إن كانت متعلّقة بالعقد و رضا بمضمونه، إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو نقل العوضين من حين وقوع العقد حتى يكون هذا المضمون موردا للإجازة و الرضا، و يلتزم لأجله بالكشف، بل مضمون العقد نفس النقل من دون تقيّده بزمان وقوعه، فالزمان ظرف لوقوعه، حيث إنّ العقد كغيره من الزمانيّات و المكانيّات- المحتاجتين في وجودهما إلى زمان و مكان- لا بدّ أن يقع في زمان و مكان، من دون أن يكون شي ء منهما قيدا له.

و بعبارة أخرى: ما تقدم في تقرير الدليل من «أن مضمون العقد ليس إلّا نقل العوضين من حين العقد» ممنوع، فإنّ المنشأ هو الملكية المرسلة، لا المقيّدة بحصولها من زمان العقد، و من المعلوم الفرق بين تمليك شي ء للمشتري مقيدا بزمان العقد، و بين تمليكه إيّاه و حصول الملكية له حين العقد.

و إن شئت فلاحظ نظيره في العلل التكوينية، فالحرارة مثلا معلولة للنار، لكنّها غير مقيّدة بها زمانا و مكانا، و إنما توجد في زمان و مكان من جهة أن الموجود المادّي لا يخلو منهما.

و عليه فوقوع الزماني في الزمان لا يستلزم كون الزمان قيدا له، بل قد يكون قيدا و قد يكون ظرفا محضا. و المدّعى هو أنّ الملكية الحاصلة بالإنشاء الفضولي معرّاة عن اعتبار الزمان قيدا، و غير مقيده بحصولها من زمان الإنشاء. و حينئذ تتعلق إجازة المالك بأصل التمليك، و هو الممضى شرعا، لا الملكية من زمان الإنشاء حتى يثبت القول بالكشف.

ص: 33

ليس هو النقل من حينه (1) حتّى يتعلّق الإجازة و الرضا بذلك النقل المقيّد بكونه في ذلك الحال (2)، بل هو (3) نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان، و إنّما الزمان من ضروريات إنشائه (4)، فإنّ قول العاقد: «بعت» ليس «نقلت من هذا [1] الحين (5)» و إن كان النقل المنشأ به واقعا في ذلك الحين، فالزمان ظرف

______________________________

و يشهد لكون المنشإ طبيعة الملكية- لا المقيدة- أمور:

أحدها: مورد الإيجاب و القبول، فإنّ تمليك الموجب بقوله: «بعت» لو كان مقيّدا بحصوله من حينه لزم تحقق الملكية للمشتري في وعاء الاعتبار قبل انضمام القبول اليه. مع أنه ليس كذلك قطعا، إذ لم يقل أحد بأنّ القبول كاشف عن حصول الملك حال الإيجاب.

فلا مناص من كون الملكية المقصودة للموجب هو الملكية المرسلة، أي غير مقيدة بزمان الإيجاب و لا بزمان القبول.

ثانيها: الفسخ، و ثالثها الإجازة، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

فتحصّل: أن الدليل الثاني على الكشف مبني على تأثير العقد في الملكية المقيدة، حتى تتعلّق بها إجازة المالك، ثم إمضاء الشارع. و قد اتّضح منع المبنى المزبور، فلا وجه للكشف، هذا.

(1) أي: من حين العقد، حتى يكون ذلك النقل المقيّد متعلّقا للإجازة و الرضا.

(2) أي: حال العقد.

(3) يعني: بل مضمون العقد نفس النقل بدون تقيّده بزمان وقوعه.

(4) لكون الإنشاء من الزمانيات التي لا بدّ من وقوعها في الزمان وقوعها في المكان، فكما أنّ المكان ليس قيدا للنقل، فكذلك الزمان.

(5) يعني: ليس مفهوم «بعت» النقل المقيّد بالزمان، بل مجرّد النقل بدون قيد الزمان.

______________________________

[1] نعم ليس الزمان مأخوذا في مفهوم «بعت» إلّا أنّ قرينة التعارف تخرجه عن الإهمال، و توجب ظهوره عرفا في النقل حال الإنشاء، بحيث لو أنكر منشئ العقد عدم إرادة النقل حين الإنشاء لا يسمع إنكاره. فللقائل بالكشف أن يدّعي هذا الظهور العرفي، بحيث يكون مضمون «بعت» نقلت في هذا الآن. و المفروض أنّ الإجازة تتعلّق بهذا

ص: 34

______________________________

المضمون.

و عليه فما أنشأه الفضولي هو نقل العوضين إنشائيّا في زمان تحقق العقد، و الإجازة تتعلق بهذا المضمون. فالنتيجة كاشفية الإجازة، هذا.

فالحق في الجواب عن هذا الوجه الثاني أن يقال: إنّ الفضولي أنشأ النقل، و هذا النقل الإنشائي جزء لموضوع حكم الشارع بالملكية الفعلية، و جزؤه الآخر إجازة المالك، فإذا أجاز صار موضوع حكم الشارع تامّا، فيحكم الشارع بالنقل الفعلي.

و ببيان آخر: يصير النقل الإنشائي الصادر من العاقد الفضولي فعليّا بإجازة المالك.

فإمضاء المالك للنقل الإنشائي موضوع لحكم الشارع بالنقل الفعلي، و هذا ينطبق على ناقلية الإجازة.

ثمّ إنّ المحقق الايرواني قدّس سرّه أورد على المتن- من كون الملكية المنشئة مهملة غير مقيّدة بوقوعها من زمان الإنشاء ليتجه القول بالكشف- تارة بأنّه إن كان غرض المصنف إهمال المنشئ في مقام القصد كما هو ظاهر العبارة فهو باطل بالضرورة، إذ لازمه بطلان المعاملة و عدم وقوعها في شي ء من الأزمنة، فإنّ إنشاء النقل في زمان مّا لا يوجب وقوعه فعلا بالإجازة، كما أنّها تبطل لو أنشأ وقوعها في زمان متأخر عن العقد، فيتعيّن أن يكون مقصود المنشئ حصول النقل فعلا.

و إن كان الغرض الإهمال في العبارة و عدم التصريح بحصول النقل من زمان الإنشاء، فهو و إن كان صحيحا، لكنه لا يضرّ القائل بالكشف، لكفاية إطلاق العقد حينئذ في تعيين النقل حال العقد، كتعيين كون المعاملة نقدا بهذا الإطلاق.

و اخرى بأنّ كلام المصنف في الجواب أخصّ من المدّعى، لإمكان تقييد النقل و التمليك بزمان الإنشاء، فيقول: «بعتك هذه الدار فعلا» فيلزم أن يلتزم المصنف بالكشف، لفرض تعلق الإجازة بهذا النقل المقيد، مع أن غرضه قدّس سرّه إبطال دليل الكشف أصلا و رأسا «1».

أقول: لا ريب في امتناع الإهمال من المنشئ، لكون الإنشاء فعلا اختياريا منوطا

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 127

ص: 35

للنقل لا قيد له (1).

فكما أنّ (2) إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد

______________________________

(1) أي: للنقل، حتى يدل على حدوث النقل حين تحقق إنشاء العقد من الفضولي، و يكون دليلا على كاشفية الإجازة.

(2) غرضه قدّس سرّه تضعيف القول بالكشف بتنظير الإجازة بنفس العقد الفضولي و بإمضاء الشارع من جهة كون الزمان ظرفا في الجميع، و ليس قيدا في شي ء منها.

و بيانه: أنّ العقد إمّا يصدر ممّن له ولاية أمره، و امّا من الأجنبي. فإن صدر من الأوّل اقتضى ترتب أثره- و هو النقل- في زمان وقوعه، لأنّه عقد صدر من أهله، و تقتضي أدلة الإمضاء حصول أثره فورا. لكن لا لأجل كون المنشأ هو النقل المقيّد بحال العقد-

______________________________

بالقصد و الالتفات، فلا يخلو إمّا أن يقصد النقل المقارن للإنشاء أو المتأخر عنه، و الثاني باطل بالضرورة، فيتعين كون النقل في حال العقد.

و هذا و إن كان صحيحا، لكنه لا يرد على المصنف شي ء من الإيرادين:

أمّا عدم ورود الأوّل فلأنّ المصنف لم يدّع كون المنشئ قاصدا للنقل في الجملة حتى يكون تقييده ببعض الأزمنة كزمان العقد بلا مرجّح، و إنّما غرضه إنشاء النقل المرسل المعرّى عن الزمان كلّية، فليس الزمان مأخوذا في الإنشاء أصلا لا في الجملة و لا بالجملة. و معه لا موضوع للإيراد عليه بأنّ النقل في زمان في الجملة لا يتعيّن وقوعه فعلا بالإجازة.

و عليه فالشق الأوّل من الإيراد ممنوع، لابتنائه على أخذ زمان مّا في الإنشاء حتى يمتنع وقوعه فعلا. و قد عرفت أنّه مخالف لتصريح المصنف، كقوله: «إلّا أنّ مضمون العقد ليس هو النقل من حينه .. بل هو نفس النقل مجرّدا عن ملاحظة وقوعه في زمان».

و أمّا الإشكال الثاني فهو و إن كان متجها على المصنف ظاهرا، لكن يمكن منعه بما سيأتي منه بأنّ قصد المنشئ الفضولي لا يترتب عليه أثر أصلا، لأنّ موضوع إمضاء الشارع للبيع الفضولي هو العقد المستند إلى المالك بإجازته. و لمّا كان المتّبع دلالة دليل الإمضاء، و كان ظاهره وقوع البيع من زمان الإجازة، لم يقدح تخلف قصد الفضولي من وقوع النقل حال العقد، هذا.

ص: 36

في زمان (1) يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان (2)، فكذلك (3) إجازة ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه (4) من المجيز في زمان الإجازة.

و كما أنّ (5) الشارع إذا أمضى نفس العقد (6) وقع النقل من زمانه، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة (7).

______________________________

بحيث يكون لوقوعه فيه دخل- بل لأجل أنّ هذا الإنشاء المؤثر أمر زماني وقع في زمان، فلا بدّ أن يحصل أثره في ذاك الزمان.

و إن صدر من الثاني و هو الفضولي لم يؤثر في النقل، لتوقفه على إجازة المالك و إمضاء الشارع، فإن أجاز لزم حصول الأثر من زمان الإجازة الذي هو ظرف الإمضاء الشرعي. و لكن لا بمعنى تقيّد النقل بزمان الإجازة، بل لأنّ النقل و التمليك أمر زماني يقع في ظرف وجود الإجازة. فتكون الإجازة مفيدة للنقل لا الكشف.

و الحاصل: أنّ الزمان كما لم يؤخذ قيدا في الإجازة و لا في إمضاء الشارع، فكذا لم يؤخذ في إنشاء العقد سواء من المالك لأمره، أم من الأجنبي و هو الفضولي، فلا وجه لجعل الإجازة كاشفة عن حصول النقل من حين إنشاء الفضولي، هذا.

(1) متعلق ب «إنشاء» حيث إنّ الإنشاء- الذي هو أمر زماني- يقتضي وقوع النقل في زمان الإنشاء، من جهة ظرفية الزمان، لا قيديته له.

(2) أي: زمان إنشاء النقل. و قوله: «يوجب» خبر قوله: «ان إنشاء».

(3) متعلق ب «فكما» و هذا يفيد النقل في زمان الإجازة، لا في زمان العقد.

(4) هذا الضمير و ضمير «وقوعه» المتقدّم راجعان إلى النقل، و المراد بالوقوع وقوع المظروف في الظرف، من دون تقييده به.

(5) ما أفاده بقوله: «فكما أنّ إنشاء» كان ناظرا إلى اختلاف نفس العقد و الإجازة في الأثر، مع كون الزمان ظرفا في كليهما. و ما أفاده بقوله: «و كما» ناظر إلى اختلاف مفاد الإمضاء، فإن كان العقد صادرا من أهله فمعنى صحته ترتب الأثر عليه من حينه. و إن كان صادرا من غير أهله كانت صحته من حين الإجازة، لا من زمان العقد.

(6) أي: العقد الصادر من أهله.

(7) كما في عقد الفضولي، فإنّ النقل يقع من حين إجازة المالك التي أمضاها الشارع.

ص: 37

و لأجل ما ذكرنا (1) لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الإيجاب، مع أنّه (2) ليس إلّا رضا بمضمون الإيجاب. فلو كان مضمون الإيجاب النقل من حينه (3) و كان القبول رضا بذلك، كان (4) معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب، لأنّ (5) الموجب ينقل من حينه، و القابل يتقبّل

______________________________

(1) من عدم أخذ الزمان قيدا للنقل الذي أنشأه الفضولي. و كذا من قوله: «فكما أنّ إنشاء مجرّد النقل الذي هو مضمون العقد إلخ» و من قوله: «فكذلك اجازة ذلك النقل» و من قوله: «و كما أنّ الشارع إذا أمضى نفس العقد .. إلخ» و قوله: «فكذلك إذا أمضى إجازة المالك».

يظهر من ذلك كله: أنّ مقتضى القبول و إن كان رضا بمضمون الإيجاب، لكنّه ليس قبولا للملك الواقع من زمان الإيجاب، إذ ليس مضمون الإيجاب النقل المقيّد من حينه حتى يكون القبول رضا بذلك، و يكون معنى إمضاء الشارع حينئذ للعقد الحكم بترتّب الأثر من حين الإيجاب، بأن يقال: إنّ الموجب ينقل المبيع إلى المشتري من حين الإيجاب، و المشتري يتقبل ذلك و يرضى به.

و عليه فحال الإجازة حال القبول الذي لا يقتضي حصول النقل من زمان الإيجاب، و لا يكون كاشفا عن ترتب الأثر حين إنشاء الموجب. بل النقل منوط بانضمام القبول فيما كان المتعاقدان أصيلين، و بلحوق الإجازة فيما كان أحدهما فضوليّا، أو كلاهما فضوليين، فكيف تقتضي الإجازة حصول النقل من حين العقد؟

و لا يخفى أن تنظير الإجازة بالقبول هو الشاهد الأوّل على بطلان الكشف، لاشتراكهما في الرضا بالإيجاب و العقد، و قد تقدم توضيحه في (ص 34).

(2) يعني: مع أنّ مقتضى القبول ليس إلّا الرضا بمضمون الإيجاب.

(3) أي: من حين الإيجاب، و كان القبول رضا بهذا المضمون، أي النقل من حين الإيجاب.

(4) جواب «فلو كان» و قوله: «الحكم» خبر «كان معنى».

(5) تعليل للحكم بترتب الأثر من حين الإيجاب، إذ الموجب ينقل متاعه إلى المشتري من حين الإيجاب.

ص: 38

ذلك (1) و يرضى به [1].

و دعوى (2) «أنّ العقد سبب للملك، فلا يتقدّم (3) عليه» مدفوعة (4)

______________________________

(1) أي: يتقبّل نقل المال إليه و يرضى به من حين نقل الموجب، و هو زمان إنشائه العقد. مع أنّ الأمر ليس كذلك، إذ لا يترتب الأثر الشرعي إلّا بعد تمامية العقد، لا خصوص الإيجاب. كما أنّ المال في البيع الفضولي ينتقل إلى المشتري حين صدور الإجازة من المالك، لا من حين صدور العقد من العاقد الفضولي.

(2) هذه الدعوى إشكال على استشهاد المصنف قدّس سرّه- بعدم حصول الملك من زمان الإيجاب- على عدم أخذ النقل من حين الإيجاب في مفهومه.

و حاصل الاشكال هو الفرق بين الإيجاب و العقد، حيث إنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك، بل السبب له هو الإيجابا المنضمّ معه القبول المعبّر عنه بالعقد، فبعد انضمام القبول إليه يتم العقد، و يترتّب عليه الأثر. و هذا بخلاف عقد الفضولي، فإنّه سبب للملك، و المجيز ينفّذ هذا المضمون، فتكون إجازته كاشفة.

و بعبارة أخرى: الفارق بين القبول و الإجازة هو: أنّ القبول و إن كان رضى بفعل الموجب المتكفل لإنشاء تمليك عين بمال، إلّا أنّ القبول جزء السبب المملّك، و يمتنع عقلا تقدم المسبب على سببه التام و هو العقد. فلم يتحقق شي ء- في وعاء الاعتبار- بمجرّد الإيجاب حتى يكون القبول كاشفا عنه، فلا معنى للالتزام بالنقل من حين الإيجاب. و هذا بخلاف الإجازة، لفرض تمامية السبب، و لم يحصل من المجيز إلّا الرضا بمضمون العقد، فيتجه كونها كاشفة عن تحقق النقل من حين العقد.

و الحاصل: أنّه لا يصح الاستشهاد بالقبول على منع كاشفية الإجازة، لكون القبول جزء السبب، و الإجازة تنفيذا للسبب.

(3) يعني: فلا يتقدم الملك- الذي هو المسبب- على سببه أعني به العقد.

(4) هذا دفع الإشكال المذكور، و محصل دفعه: أنّ الفرق المزبور بين الإيجاب

______________________________

[1] الأولى تنظير الإجازة بمقابلها و هو الفسخ، فكما أنّ الفسخ حلّ العقد من حينه لا من حين وقوع العقد، فكذلك الإجازة، فإنّها تنفيذ العقد من حين وقوعها، لا من حين وقوع العقد حتى تدل على الكشف.

ص: 39

بأنّ سببيته (1) للملك ليست إلّا بمعنى إمضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركّبا من نقل في زمان (2) و رضا بذلك (3) النقل، كان (4) مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب (5).

______________________________

و العقد غير سديد، إذ كما أنّ الإيجاب بنفسه ليس سببا للملك، كذلك عقد الفضولي، فإنّه لا يترتب عليه الأثر إلّا برضا المالك، فكلّ من القبول و الرضا جزء علّة الملك، غاية الأمر أنّ القبول جزء المقتضي، و الرضا شرط تأثير المقتضي.

و على هذا فلا فرق في كون العقد سببا تامّا بين الإجازة و القبول، إذ المراد بالسببية التامة هو إمضاء الشارع للعقد، و الحكم بتحقق مقتضاه في وعاء الاعتبار، و المفروض تركّب هذا السبب التام من إيجاب و قبول، و مقتضى الإيجاب هو النقل من زمانه، و مقتضى القبول هو الرضا بذلك النقل الخاص. و بتحقق هذا الإيجاب و القبول يتم موضوع إمضاء الشارع- الذي هو منشأ انتزاع سببية العقد- و وقوع مضمون العقد على حسب مقتضاه، و هو النقل في زمان الإيجاب، و يتعيّن كون القبول رضا بهذا النقل الخاص.

و يتجه الاستشهاد بالقبول على عدم كون الإجازة كاشفة، إذ لم يقل أحد بأنّ وجوب الوفاء بالعقود يقتضي ترتيب الأثر- كالنقل و الانتقال- على الإيجاب من زمان وقوعه، فلا بدّ أن يكون وجوب الوفاء بعقد الفضولي بعد الإجازة مقتضيا لترتب مقتضاه عليه من زمان لحوق الإجازة، لا من زمان العقد.

(1) أي: سببية العقد للملك، و ضمير «لمقتضاه» في الموضعين راجع الى «العقد».

(2) و هو زمان الإيجاب.

(3) أي: النقل الحاصل من زمان الإيجاب، و المراد بالرضا هو القبول.

(4) جواب الشرط في قوله: «فإذا فرض».

(5) و الحاصل: أنّ الزمان غير مأخوذ في الإيجاب إلّا ظرفا لا قيدا، إذ لو كان مدلول إنشاء الموجب «بعتك الكتاب بدينار» هو تمليكه من هذه الحال، و كان القبول رضا بهذا الإيجاب لزم كون إمضاء الشارع- سببية العقد للتمليك- من حين الإيجاب، إذ ليس الإمضاء إلّا تنفيذا للإيجاب و القبول. مع أنّه لا سبيل للالتزام بحصول الملك من

ص: 40

و لأجل ما ذكرنا (1) أيضا (2) لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمانه (3)، لا من زمان العقد، فإنّ الفسخ نظير الإجازة، و الرد (4) لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد، و هو النقل من حينه (5). فلو كان زمان وقوع النقل مأخوذا في العقد على

______________________________

زمان الإيجاب. فليكن الأمر في عقد الفضولي كذلك، أي: حصول الملك من حينها لا من زمان العقد.

هذا تمام الكلام في النقض بالقبول، و اتحاد حكمه مع الإجازة في عدم كاشفيتهما عن ترتب الأثر قبل تحققهما.

(1) أي: و لأجل ما ذكرنا- من فرض مقتضى العقد مركّبا من نقل في زمان و رضا بذلك النقل، و كون مقتضى العقد الملك بعد الإيجاب- لا يكون فسخ العقد إلّا انحلاله من زمان الفسخ.

و غرضه إقامة شاهد آخر على عدم سببية العقد للملكية المقيّدة بحصولها من حين العقد حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، و بيان هذا الشاهد: انّهم قالوا بكون الفسخ في العقد الخياري حلّا للعقد من زمان الفسخ، حيث إنّ الفسخ في مقابل الإجازة. فكما أنّ الإجازة تثبت العقد و توجب الملك من حين الإجازة، فكذلك الفسخ ينفي العقد و يزيله من حين تحقق الفسخ.

فلو كان الزمان دخيلا في مفهوم العقد لزم كون الفسخ مزيلا للملك الحاصل بالعقد، فكأنّه لم يوجد العقد أصلا، مع أنّهم جعلوا الفسخ انحلالا له من حينه، لا من حين العقد. و هذا كاشف عن عدم كون العقد مملّكا من حينه بنحو التقييد، و إنّما هو سبب للملكية المرسلة المعرّاة عن اعتبار الزمان، فكذلك لا تكون الإجازة كاشفة عن حصول الملك حال العقد.

(2) يعني: كما لا يكون القبول قبولا للملك من حين الإيجاب، فكذا الفسخ .. إلخ.

(3) أي: من زمان الفسخ.

(4) مبتدء، و «لا يتعلق» خبره، و «من حينه» متعلق «بمضمون». يعني: و الرّد لا يتعلق بشي ء إلّا بمضمون العقد من حين الرّد، لا من حين إنشاء العقد.

(5) يعني: بنحو القضية الحينية لا على وجه القيدية، إذ لو كان الزمان قيدا للنقل كان الفسخ موجبا لنفي الآثار و الأحكام من حين العقد. مع أنّه ليس كذلك، إذ المسلّم

ص: 41

وجه القيديّة لكان ردّه و حلّه موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد.

و السّرّ في جميع ذلك (1) ما ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلّا ظرفا، فجميع ما يتعلّق بالعقد من الإمضاء و الرّد و الفسخ إنّما يتعلّق بنفس المضمون (2)، دون المقيّد بذلك الزمان.

و الحاصل (3): أنّه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك: «رضيت بكون مالي لزيد بإزاء ماله» أو «رضيت بانتقال مالي إلى زيد»

______________________________

عند الأصحاب كون الفسخ حلّا للعقد و قاطعا لاستمراره من حين حصول الفسخ، لا حلّا لأصل العقد من حين وقوعه، فالمقابل للفسخ هو إبقاء العقد و الالتزام به.

(1) أي: من عدم تعلق الإجازة بمضمون العقد من زمان وقوع العقد، و من كون الفسخ انحلال العقد من زمان الفسخ، و من أنّ الرّد لا يتعلّق إلّا بمضمون العقد من حين الرد.

و محصل الوجه في جميع ذلك هو عدم تقيد مضمون العقد بالزمان بحيث لا يكون زمان إنشاء العقد قيدا له، بل ظرفا له، فلا محالة يتعلق الإمضاء و الرد و الفسخ بنفس مضمون العقد مجرّدا عن الزمان.

(2) أي: بدون ملاحظة تقيده بزمان وقوع العقد.

(3) أي: حاصل ما تقدم- من عدم قيدية الزمان للنقل، و من عدم قيدية الزمان لمفهوم الإيجاب- هو: أنّه لا إشكال .. إلخ. و هذا الحاصل يتضمن نقضا ثالثا على أخذ الزمان قيدا في العقد.

و بيانه: أنه سيأتي في ثاني تنبيهات الإجازة جواز إنشائها بكلّ ما يدلّ على الرضا بنفس العقد الفضولي أو بنتيجته، فيجوز تنفيذ العقد بمثل قوله: «أجزت أو رضيت بالعقد». و يجوز تنفيذ نتيجة العقد إمّا بالقول كأن يقول: «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» أو «رضيت بانتقال مالي لزيد». أو بالفعل الدال عليه، بأن يسلّم المبيع إلى المشتري، أو بتمكين المرأة- المزوّجة فضولا- نفسها من الزوج. فإنّ الفعل كاشف عن الرضا بأثر العقد، لا بنفسه حتى يدلّ على اجازة العقد المقيّد بالزمان.

و بناء على هذا نقول: لو كان الزمان ملحوظا قيدا في العقد لزم أحد أمرين

ص: 42

و غير (1) ذلك من الألفاظ (2) التي لا تعرّض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه (3).

كيف (4)؟ و قد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها.

______________________________

لا سبيل للالتزام بشي ء منهما:

الأوّل: إنشاء الإجازة بخصوص الألفاظ الدالة على تنفيذ العقد الفضولي مثل «أجزت أو أنفذت العقد» حتى يكون مفاده الرضا بالنقل المقيّد بزمان عقد البيع، فلا يجوز إنشاء الإجازة بما يدلّ على قبول نتيجة العقد.

الثاني: التفصيل في ألفاظ الإجازة، بأن يقال: بجواز إنشائها بكل ما يقتضي الرضا بالعقد و بأثره، لكنها إن تعلّقت بالعقد كقوله: «أجزت العقد» كانت كاشفة عن النقل المقيّد بزمان العقد. و إن تعلّقت بنتيجة العقد كقوله: «رضيت بكون مالي لزيد بكذا» لم تكشف عن النقل المقيّد، بل تكشف عن نفس النقل.

و كلا الأمرين ممنوع. أمّا الأوّل فلتصريحهم بجواز إنشاء الإجازة بالفعل كالتمكين ممّا لا يكشف إلّا عن الرضا بمضمون العقد.

و أمّا الثاني فلأنّ القائل بكاشفية الإجازة لم يفرّق بين ألفاظها من حيث ظهور اللفظ في إمضاء العقد أو أثره.

و ببطلان الأمرين يظهر عدم صحة المبنى، و هو كون العقد سببا للنقل المقيّد بزمانه.

(1) معطوف على «قول المالك» أي: و بغير «رضيت» من ألفاظ الإجازة التي لا تتعرّض لإنشاء الفضولي.

(2) مثل «قبلت نقل مالي إلى زيد بكذا» حيث إنه غير متعرض لتنفيذ إنشاء الفضولي حتى يدل على زمان حصول النقل.

(3) أي: زمان الإنشاء.

(4) يعني: كيف يمكن اعتبار دلالة ألفاظ الإجازة على زمان إنشاء العقد؟ مع أنّ الفقهاء جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها لعقد نكاحها، مع أنّ التمكين فعل

ص: 43

و نحو (1) ذلك. و من المعلوم أنّ الرضا يتعلّق بنفس نتيجة (2) العقد من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي.

______________________________

لا يدلّ على الرضا بالنكاح المقيّد بوقوعه في زمان كذا.

قال المحقق قدّس سرّه- فيما لو زوّج الأخوان أختهما من دون أن توكّلهما في ذلك- ما لفظه:

«و إن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيّهما شاءت. و بأيّهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له».

و قال الشهيد الثاني في شرح المسألة: «و يعلم من ذلك أنّ الإجازة تصحّ أن تكون فعلية. فلو تصرّف المالك في ثمن ما بيع من ماله فضولا بعد علمه بالحال، أو في المثمن المشتري له كذلك، كان إجازة بطريق أولى، لأنّ النكاح أولى بمراعاة جانب الاحتياط، و صيانة تصرف المسلم عن المحرّم مشترك بينهما» «1».

و المقصود أنّ الأخ لمّا لم يكن له ولاية على تزويج أخته كان العقد فضوليا، و المفروض أنّ كلّ واحد من الأخوين زوّج أخته من رجل، فلها إجازة أيّهما شاءت، أو ردّهما معا، فإن أجازت بقولها: «أجزت عقد الأخ الأكبر» مثلا فلا كلام.

و إن مكّنت نفسها من أحد الزوجين كان تمكينها إجازة فعليّة. و غرض المصنف من التعرض لهذا الفرع الاستشهاد به على كفاية إمضاء نتيجة العقد في الإجازة، و عدم اعتبار تنفيذ الزوجية المنشئة بالعقد من حينه.

(1) معطوف على «تمكين» أي: و نحو التمكين، كسكوتها إذا عقد عليها من دون إذنها السابق، فإنّه يكفي هذا السكوت في الإمضاء، و لا حاجة الى الإجازة القولية. قال المحقق قدّس سرّه: «و يقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها» «2».

(2) و هي معنى الاسم المصدري، كانتقال كلّ من العوضين عن صاحبه إلى الآخر.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 279- 280، مسالك الأفهام، ج 7، ص 194، و لا حظ أيضا جواهر الكلام، ج 29، ص 232، و نحوه كلامه في ص 237.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 278

ص: 44

و بتقرير آخر (1) [1]: أنّ الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي، أو مقام نفس إنشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلّا

______________________________

(1) محصل هذا التقرير- المغاير للتقرير الأوّل الذي مناطه عدم قيدية الزمان لمضمون العقد- هو: أنّ إجازة المالك قائمة مقام رضا المالك و إذنه المقرون بإنشاء الفضولي، و موجبة لصيرورة المالك منزلة العاقد. فالإجازة إمّا شرط للعقد، لكونها قائمة مقام الإذن الذي هو شرط للعقد. و إما جزء سبب الملك، لكونها قائمة مقام إنشاء نفس المالك بناء على كون الإجازة عقدا جديدا و لو من حيث الإيجاب على ما عن بعض.

فهذا التقريب ملزوم التقريب السابق، لأنّ بناء هذا التقريب على شرطية الإجازة للعقد، كشرطية الإذن و الرضا له، أو على جزئيتها للعقد.

و بناء التقريب السابق على ظرفية الزمان للنقل لا قيديته له، و مقتضاه وقوع النقل من زمان الإجازة. و وقوعه من حين الإجازة من لوازم دخل الإجازة جزءا أو شرطا في العقد، إذ لو لم يكن للإجازة دخل أصلا- لا جزءا و لا شرطا- كان وقوع النقل قبل الإجازة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ السيد قدّس سرّه أورد على هذا التقرير بأنّه وجه آخر، و ليس له، ربط بالتقرير الذي مناطه عدم دخل الزمان في مفهوم العقد، حيث إنّه يجتمع مع فرض دخل الزمان في مفهومه. فهذا التقرير وجه آخر و جواب مستقل عن دليل المحقق الثاني قدّس سرّه هذا «1» لكن الظاهر اتّحاد التقريرين، و رجوع الثاني إلى الأوّل، لكون الثاني ملزوما للأوّل، حيث إنّ دخل الإجازة في تأثير العقد- لكونها جزء السبب أو شرطا اصطلاحيا له- يوجب إناطة المشروط أو المسبب بها، و امتناع حصوله قبل الإجازة، و إلّا لزم الخلف، و لازم هذه الإناطة عدم أخذ الزمان دخيلا في مفهوم العقد، و إلّا كانت الإجازة كاشفة عن تحقق أثر العقد حين صدوره من الفضولي، لا مؤثرة فيه بسببيتها أو شرطيتها.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 151

ص: 45

بعد الإجازة، فهي (1) إمّا شرط أو جزء سبب للملك.

و بعبارة أخرى: المؤثّر هو العقد المرضيّ به، و المقيّد من حيث إنّه مقيّد لا يوجد إلّا بعد القيد (2)، و لا يكفي في التأثير وجود ذات المقيّد (3) المجرّدة عن القيد.

و ثانيا (4): أنّا [فلأنّا] لو سلّمنا عدم كون الإجازة

______________________________

(1) أي: الإجازة إمّا شرط أو جزء سبب الملك كما مرّ آنفا.

(2) و هو رضا المالك، و المراد بالمقيّد هو العقد المرضي به.

(3) و هي عقد الفضولي، فإنّه لا يؤثر بدون قيده و هو رضا المالك.

(4) معطوف على قوله: «أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد، إلّا أنّ مضمون العقد .. إلخ» و هذا ثاني الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني الأدلة على كاشفية الإجازة.

______________________________

و الحاصل: أنّ دخل الإجازة- التي هي كالإذن- في تأثير العقد يكشف عن كون مضمون العقد هو صرف النقل و نتيجته من دون تقيّده بزمان.

و بهذا البيان يرجع قوله قدّس سرّه: «و بتقرير آخر ان الإجازة من المالك» إلى الوجه الأوّل، و يصير بيانا آخر له، لا جوابا مستقلّا، فتدبّر.

و يمكن أن يكون التقرير الآخر بيانا ثانيا لما ذكره بقوله: «و الحاصل» لا تقريرا لأصل الإيراد المتقدم بقوله: «أوّلا». و بيانه- على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه-: أن الإجازة لمّا كانت جزء السبب المؤثر أو شرطه امتنع تعلّقها بنفس العقد الذي مدلوله النقل المقيّد بالزمان، بل لا بدّ من تعلّقها بنتيجة العقد، و هي الملكية الخالية عن اعتبار الزمان، لئلّا يلزم محذور تأخر العلّة عن معلولها، و ذلك لأنّ الإجازة إن أثّرت في حصول الملكية المقيدة لزم تأخر العلة عن معلولها. و إن أثّرت في حصول الملكية حال الإجازة لزم عدم كونها إجازة لمضمون العقد، الذي فرض تقيده بزمان العقد، بل كانت إجازة لبعض مضمونه و هو أصل الملكية، مع أنّه لا وجه لهذا التبعيض. فيتعيّن تعلق الإجازة دائما بنتيجة العقد، و هي معرّاة عن اعتبار زمان خاصّ «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 147

ص: 46

..........

______________________________

و هذا الوجه الثاني ناظر إلى منع الأمر الثاني من الأمور الثلاثة التي تألّف منها دليل المحقق القمي، و ذلك الأمر هو قوله قدّس سرّه (في ص 16 و 17): «فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» و لكنه ببيان آخر كما سيتّضح إن شاء اللّه تعالى.

و ينبغي قبل توضيح أصل الإيراد تقديم أمر يتضمن بيان كيفية دخل الإجازة في العقد، و أنّه بنحو الاشتراط أو الانقلاب ليمتاز مبنى هذا الإيراد عمّا كان عليه الإيراد الأوّل، فنقول و به نستعين: إنّ الإجازة تارة تكون بنفسها و بوجودها المتأخر- عن وجود العقد- دخيلة دخل الشرط في حصول المشروط. و قد تقدم في الإيراد الأوّل امتناعه، لاستحالة تأخر المشروط عن الشرط. و اخرى لا تكون الإجازة شرطا لحصول الملكية، لفرض كون السبب المؤثر فيه نفس العقد، و لكن الإجازة متمّمة للعقد الذي هو السبب المستقل في التأثير، فهي تجعله سببا تامّا.

و هذا يتصور على نحوين: فتارة تكون الإجازة علّة لتمامية العقد من حين صدوره، بحيث تستند تماميته في السببية إلى الإجازة المتأخرة، و هذا أيضا ممتنع بمناط استحالة تأخر العلة التامة عن معلولها و هو الملكية. و اخرى يكون العقد علّة ناقصة إلى زمان الإجازة، و لا يترتب الملكية عليه. و لكن بمجرد تحققها ينقلب العقد عمّا وقع عليه- من صفة عدم التأثير- و يترتب الملك عليه من حينه، لا من حين الإجازة.

و هذا النحو من الكشف الانقلابي جعله المصنف قدّس سرّه محورا للايرادين، فأورد عليه باستحالته ثبوتا كما سيأتي في قوله: «و ثالثا»، و بعدم وفاء مقام الإثبات به، كما أفاده في قوله: «و ثانيا .. لكن نقول ..»

و من هنا يظهر أنّ المناسب تقديم المحذور الثبوتي على الإثباتي، لتقدمه عليه طبعا، بأن يذكر في الإيراد الثاني امتناعه ثبوتا، فيبطل أساس القول بالكشف بعد استقصاء أنحاء دخل الإجازة. و أن يذكر في الإيراد الثالث قصور مقام الإثبات. و هذا غير مهم، إنّما اللازم تحقيق أصل المطلب.

إذا عرفت ما ذكرناه من مبنى هذا الإيراد الثاني فنقول: محصّل ما أفاده المصنف قدّس سرّه فيه: أنّا و إن سلّمنا كون مضمون العقد هو النقل المقيّد بالزمان، و سلّمنا أيضا تعلق الإجازة بهذا المضمون. إلّا أنّه لا يترتّب عليه الملكية الشرعية، لتوقفها على

ص: 47

اصطلاحيا (1)- ليؤخذ فيه تقدّمه على المشروط، و لا جزء (2) سبب، و إنّما (3) هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق، و جاعلة له سببا تامّا حتّى كأنّه وقع (4) مؤثّرا، فيتفرّع عليه (5) أنّ مجرّد رضا المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكيّة

______________________________

إمضاء الشارع، و من المعلوم أنّ هذا الإمضاء يتوقف على إجازة المالك حتى يصير عقد الفضولي عقده كي يشمله مثل عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فالملكية الشرعية تحدث في زمان الإمضاء، لا في زمان الإنشاء، فكيف تكون الإجازة كاشفة عن حصول النقل حال العقد؟

(1) حتى يتوقف وجود المشروط على تقدم وجود الشرط عليه عقلا. و هذا هو أوّل أنحاء دخل الإجازة في سببية العقد للملكية، و هو مبنى الإيراد الأوّل.

(2) معطوف على «شرطا» و ليس المراد بجزء السبب ما هو ظاهره من كون الإجازة ناقلة، لكونها بعض المؤثر، و بعضه الآخر هو العقد، بل المراد به ما يلتئم مع كاشفية الإجازة، و هو النحو الثاني المتقدم بيانه آنفا، أعني به كون سبب الملكية هو العقد فحسب، و لكن الإجازة المتأخرة متمّمة لسببيته من حين صدوره.

و قلنا باستحالته لامتناع تأخر العلّة التامة- أي العقد الذي تؤثر الإجازة في تمامية عليته للملكية- عن معلولها.

(3) أي: و إنّما الإجازة محدثة للتأثير و جاعلة له سببا تامّا من حين صدوره، بعد أن كان سببا ناقصا إلى زمان الإجازة فبالإجازة تتقلب العلة الناقصة إلى التامّة. و هذا ثالث أنحاء دخل الإجازة بنحو الكشف، و هو مبنى هذا الإيراد الثاني كما تقدّم آنفا.

(4) يعني: وقع العقد مؤثّرا من زمان وقوعه.

(5) أي: فيتفرّع على القول بأنّ الإجازة تكون محدثة للتأثير في العقد السابق: أنّ مجرّد الرضا .. إلخ. و غرض المصنف قدّس سرّه بيان لازم ثالث أنحاء دخل الإجازة في العقد.

و تقريبه: أنّ كون الإجازة موجبة لانقلاب العقد الناقص بالتام يتوقف على إجازة نفس العقد بأن يقول المجيز: «نفّذت عقد الفضولي» و نحوه. و لا يكفي إنشاء الرضا بأثر العقد بأن يقول: «رضيت بأن يكون مالي لزيد بكذا» وجه عدم الكفاية: أن المقصود من الإجازة تتميم السبب الناقص بالانقلاب، و السبب هو العقد لا نتيجته، فالرضا بالنتيجة لا ينفع القائل بكاشفية الإجازة.

ص: 48

من (1) غير التفات إلى وقوع عقد سابق، ليس (2) بإجازة، لأنّ (3) معنى إجازة العقد:

جعله جائزا نافذا ماضيا (4)- لكن (5) نقول: لم يدلّ دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه (6) [1].

______________________________

و لا يخفى أنه قد تقدم (في ص 44- 42) في ردّ ثاني وجهي الكشف فساد التفصيل بين تعلق الإجازة بالعقد و بين تعلقه بنتيجته، و هو كاف لبطلان ما نحن فيه أعني به كون الإجازة جاعلة للعقد سببا تامّا مؤثرا من حين وقوعه.

(1) متعلق برضا المالك بنتيجة العقد، بأن لا تكون الإجازة رضا بالعقد.

(2) خبر قوله: «انّ مجرّد».

(3) تعليل لعدم كون الرضا بالنتيجة إجازة مفيدة، فلا يترتب أثر الصحة على العقد الفضولي الذي تعلقت إجازة المالك بنتيجة العقد.

(4) مع أنّه لا وجه للالتزام به، لتصريحهم بكفاية إظهار الرضا بالعقد أو بأثره.

(5) استدراك على قوله: «فلأنّا لو سلّمنا» و هذا هو الإيراد الثاني، و محصله: أنه- بعد تسليم كون مضمون العقد مقيدا بالزمان، و أنّ الإجازة متمّمة لسببية العقد- أنه لا يمكن القول بترتب الملكية الشرعية من زمان العقد حتى يجب على المالك المجيز الوفاء بالعقد، و ذلك لأنّ الملكية الشرعية منوطة بإمضاء الشارع، و هو متوقف على إجازة المالك، حتى يصير العقد بسببها عقد المالك، لأنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المالك الذي أضيف إليه العقد، و من المعلوم إناطة هذه الإضافة بالإجازة، و بإجازته يتحقق موضوع إمضاء الشارع.

و لا دليل على كون إمضاء الشارع لإجازة المالك موجبا للملكية الشرعية من زمان العقد، بل هو موجب للملكية الشرعية بعد إجازة المالك.

و بالجملة: فتقيد مضمون العقد بالزمان و عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا لا يوجبان كاشفية الإجازة.

(6) أي: جعل العقد السابق ماضيا و نافذا من حين حدوثه.

______________________________

[1] يكفي في دلالة دليل الإمضاء على جعل العقد السابق نافذا من حين حدوثه كون إنشاء الملك من العاقد الفضولي في زمان، و تعلّق الإجازة بذلك الإنشاء دون غيره، إذ

ص: 49

لأنّ (1) وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجّه إلى العاقدين، كوجوب الوفاء بالعهد

______________________________

(1) تعليل لعدم إمضاء الشارع إجازة المالك على هذا الوجه، و محصله: أنّ فعلية كل حكم منوطة بوجود موضوعه، و من المعلوم أنّ وجوب الوفاء بالعقد حكم تكليفي منوط بوجود موضوعه و هو العاقد. و لا ريب في أنّ المالك الأصيل لا يصير عاقدا- حتى يشمله عموم وجوب الوفاء بالعقود- إلّا بعد أن يجيز عقد الفضولي، إذ الإجازة توجب إضافة العقد إليه، و صحة حمل «العاقد» عليه، و توجّه وجوب الوفاء بالعقد إليه، و انتزاع الملك الشرعي من هذا الحكم الشرعي و هو وجوب الوفاء.

و بالجملة: فالملكية الشرعية الفعلية مترتبة على الحكم التكليفي أعني به وجوب الوفاء الذي موضوعه العاقد الذي هو صفة المالك بالإجازة. و هذه السلسلة المترتبة تقضي بتوقف الملكية الفعلية الشرعية على الإجازة. و عليه فلا ملكية قبل الإجازة حتى تكون الإجازة كاشفة عن تحققها بالعقد حين صدوره من الفضولي.

______________________________

المفروض وجود المعلول بمجرد وجود علّته، و عدم إمكان إهمال المعلول و هو الملكية الإنشائية. و حيث إنّ هذه الملكية هي الملكية المرضية للمالك الممضاة شرعا فلا مانع من اعتبار الملكية الشرعية أيضا من حين حدوث العقد.

و لا غرو في كون الاعتبار متأخّرا و المعتبر متقدّما، فإنّ الأمر الاعتباري الذي لا وعاء له إلّا عالم الاعتبار يوجد في وعائه بنفس الاعتبار. فقد يكون زمان الاعتبار و المعتبر و متعلقة متّحدا كوجوب الصلاة عند الدلوك، فإنّ زمان الاعتبار و المعتبر- و هو الحكم- و زمان المتعلق و هو الصلاة واحد، لكون زمان جميعها- و هو الزمان المتخلل بين الزوال و الغروب- متحدا.

و قد يكون زمان الاعتبار متقدما و زمان المعتبر متأخرا، كالوصية، فإنّ الموصى يعتبر فعلا مالكية الموصى له للمال بعد موته، فالإعتبار قبل الموت فعلي، و المعتبر و هو الملكية تعليقي، و لا يصير فعليّا إلّا بعد الموت.

و الفرق بين الوصية و الواجب التعليقي هو: أن المعتبر- و هو الوجوب في الواجب التعليقي- فعليّ، و متعلّقه أمر متأخر استقبالي، و لذا يجب تحصيل مقدمات الواجب

ص: 50

و النذر، و من المعلوم أنّ المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلّا بعد الإجازة، فلا يجب الوفاء إلّا بعدها. و من المعلوم أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي، فما لم يجب الوفاء فلا ملك (1) [1].

و ممّا ذكرنا (2) يعلم عدم صحّة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء

______________________________

(1) إذ المفروض ترتبه على وجوب الوفاء المتوقف على الإجازة. فقبل الإجازة لا ملك حتى تكشف هي عنه، لعدم وجود منشأ لانتزاعه و هو الحكم التكليفي.

(2) أي: و من تبعية الملك الشرعي للحكم الشرعي- و هو وجوب الوفاء- يعلم عدم صحة الاستدلال- كما عن جماعة لكاشفية الإجازة- بدليل وجوب الوفاء بالعقود،

______________________________

المعلّق، بخلاف باب الوصيّة، فإنّ المعتبر- و هو ملكية المال للموصى له فيه- غير فعلي و متأخر عن الاعتبار، لإناطته بالموت.

و قد يكون الاعتبار متأخرا و المعتبر متقدما، فيعتبر في هذا الآن الملكية قبل شهر مثلا. و مع إمكان هذا الاعتبار لا مانع من الالتزام بذلك في عقد الفضولي، و القول بحصول اعتبار الملكية حين تحقق عقد الفضولي بعد صدور الإجازة من المالك.

أقول: هذا الذي أفاده سيدنا الخويي قدّس سرّه- على ما في تقرير بحثه الشريف «1»- متين في نفسه. لكن تطبيقه في المقام مشكل، إذ المفروض دخل رضا المالك في اعتبار الملكية جزءا أو شرطا، فإذا كان اعتبار الملكية منوطا برضاه، فكيف يصح اعتبارها في الأزمنة السابقة على رضاه؟ فإنّ لازم صحة اعتبار الملكية في الزمان المتقدم على الرضا هو إلغاء دخل الرضا في اعتبار الملكية. و هذا خلاف ما فرضناه من دخل الرضا في اعتبارها بنحو من أنحاء الدخل، فيلزم تقدم الحكم على الموضوع، و هو في الاستحالة كتقدم المعلول على علته التكوينية.

[1] إذ الملكية بناء على ما أفاده قدّس سرّه منتزعة من الحكم التكليفي. و فيه بحث مذكور في الأصول.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 141- 143.

ص: 51

بالعقود، بدعوى (1) «أنّ الوفاء بالعقد و العمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد».

و قس (2) على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فإنّ (3) الملك ملزوم [1] لحلّية التصرّف، فقبل الإجازة لا يحلّ التصرّف، خصوصا (4)

______________________________

و تقدّم الاستدلال بهذه الآية على الكشف في ما نقله عن جامع المقاصد و الروضة و غيرهما.

(1) متعلق ب «الاستدلال» و تقريب له، و حاصله: أنّ الوفاء بالعقد الواقع من الفضولي بعد حصول الإجازة من المالك يتحقق بالالتزام بالنقل من حين وقوع العقد لا من حين الإجازة.

(2) هذا الكلام من المصنف قدّس سرّه، يعني: و قس على الاستدلال بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ- على كاشفية الإجازة- ما لو كان دليل الملك عموم وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(3) هذا وجه عدم الاستدلال بآية أَوْفُوا و نظائرها، و حاصله: أنّ الملك يتبع التكليف و هو الحلّ الذي يتوقف على الإجازة، فقبل الإجازة لا ملكية حتى تكون الإجازة كاشفة عنها، خصوصا مع العلم بعدم رضا المالك، فإنّه لا إباحة أيضا للتصرف، لانتفائها مع العلم بعدم الرضا، أو مع التردد في الفسخ و الإمضاء، إذ لا بدّ في جواز التصرف من إحراز الرضا.

(4) الوجه في الخصوصية واضح، إذ المستفاد من مثل «لا يحل لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه» هو اعتبار إحراز الإذن بإظهاره بقول أو فعل. نعم لو علم رضا المالك بالتصرف فيما اشتراه من الفضولي أمكن القول بخروجه موضوعا عن عقد الفضولي، على ما تقدّم تفصيله في أوّل المسألة، أو القول بجواز التصرف للعلم برضاه. و أما إذا علم كراهته لما صنعه الفضولي أو علم تردّده بين فسخه و إمضائه لم تبق ذريعة للتصرف في ماله، لكفاية حديث الحلّ في إثبات حرمته.

______________________________

[1] الظاهر أن الأولى إبداله ب «لازم» بناء على ما تقدّم منه قدّس سرّه من أنّ الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي.

ص: 52

إذا علم عدم رضا المالك باطنا، أو تردّده في الفسخ و الإمضاء.

و ثالثا (1): سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها [1] اللغوي و العرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أوّلا: بأن الإجازة و إن كانت رضا بمضمون العقد .. إلخ» و هذا ثالث الوجوه الثلاثة التي أجاب بها عن ثاني أدلة الكشف المتقدم في (ص 16). و هذا الوجه الثالث ناظر إلى ردّ ثالث الأمور التي تألّف منها هذا الدليل.

و محصله: أنّه- بعد تسليم كون مورد إمضاء الشارع العقد المجاز، و أنّ مفهوم الإجازة جعل العقد السابق ماضيا و نافذا من حين وقوعه، كما هو مقتضى كلام المحقق القمي: «و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» و أنّ معنى الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضاه بمعنى ترتيب الأثر عليه من زمان صدوره من العاقد الفضولي- نقول: فيه أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق، لكنّها لا توجب نفوذه من حين وقوعه.

كما أنّ مفهوم القبول مع كونه رضا بمفهوم الإيجاب لا يوجب ترتب الأثر عليه من زمان الإيجاب.

و ثانيا: أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد من حين وقوعه، فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور، لكونه غير معقول، لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّ عقد الفضولي لم يقع حين حدوثه مؤثّرا، فكيف يصير مؤثرا بعد ذلك من زمان وقوعه؟

و بالجملة: فدلالة الاقتضاء تصرفه إلى ما يمكن الالتزام به من ترتيب آثار الملك على العقد المجاز كما سيتضح ذلك عند تعرض المصنف له.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المستدلّ لم يدّع دلالة إجازة المالك على تأثير العقد من حين وقوعه، حتى يدل دليل الإمضاء على إمضاء ما يدلّ عليه الإجازة. بل ادّعى أنّ مضمون نفس العقد هو تأثيره من حين وقوعه. لا أن مفهوم الإجازة ذلك، و وقع إمضاء الشارع على طبق مفهوم الإجازة. فجوابه حينئذ ما تقدّم سابقا من منع قيدية الزمان للعقد.

نعم قوله: «سلّمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك» وارد على الاستدلال على الكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود، بدعوى: أنّ الوفاء بالعقد هو الالتزام بالنقل من حين العقد.

ص: 53

بتقريب (1) أن يقال: إنّ معنى الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه و مؤدّاه العرفي (2)، فإذا صار العقد بالإجازة (3) كأنّه (4) وقع مؤثّرا ماضيا، كان (5) مقتضى العقد المجاز عرفا ترتّب (6) الآثار من حينه (7)، فيجب شرعا العمل به على هذا الوجه (8). لكن نقول:- بعد الإغماض (9) عن أنّ مجرّد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب (10) كون مقتضى العقد و مؤدّاه العرفي

______________________________

(1) هذا التقريب هو مدّعى القائل بالكشف، و قد تقدم آنفا بقوله: «بدعوى أن الوفاء بالعقد، و العمل بمقتضاه .. إلخ».

(2) و هو النقل المجرّد عن لحاظ زمان وقوعه.

(3) الباء للسببيّة، يعني: إذا صار العقد بسبب الإجازة كأنّه وقع مؤثرا ماضيا- بعد أن لم يكن في نفسه مؤثرا- كان مقتضى العقد المجاز ترتيب الآثار من حين وقوعه.

(4) جملة «كأنّه وقع مؤثرا ماضيا» خبر قوله: «صار العقد».

(5) جواب الشرط في قوله: «فإذا صار» غرضه أنّ مؤثرية العقد من حين حدوثه ناشئة من الإجازة العارضة له، لما مرّ آنفا من كون الزمان ظرفا للعقد، لا قيدا له، و تقيده بالزمان نشأ من ناحية الإجازة الموجبة لكون العقد مؤثّرا من زمان حدوثه.

(6) خبر قوله: «كان مقتضى».

(7) أي: من حين العقد، لأنّ الإجازة جعلته مؤثرا من حينه، على ما ادّعاه المستدلّ.

(8) أي: جعل العقد السابق المجاز ماضيا مؤثّرا من حين صدوره من الفضولي.

(9) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل الذي بيّناه بقولنا: «فيه أوّلا: أنّ الإجازة و إن كانت موجبة لنفوذ العقد السابق .. إلخ» و هو نقض الإجازة بالقبول، و قد تقدم تفصيله في (ص 34) عند مناقشة دليل الكشف، فراجع.

(10) خبر «أن مجرّد» و وجه عدم الإيجاب هو: أن معنى الإجازة لغة و عرفا ليس ترتب الأثر من حين العقد. كما أنّ العقد أيضا ليس الزمان قيدا له، و المفروض أنّ ترتب الأثر من حين وقوع العقد منوط بأحد الأمرين، و هما قيدية الزمان للعقد، و دخله في مفهوم الإجازة لغة أو عرفا.

ص: 54

ترتّب (1) الأثر من حين العقد، كما أنّ كون مفهوم القبول رضا بمفهوم الإيجاب و إمضاء له لا يوجب ذلك (2) حتّى يكون مقتضى الوفاء بالعقد ترتيب الآثار من حين الإيجاب، فتأمّل (3)- إنّ (4) هذا المعنى (5) على حقيقته (6) غير معقول، لأنّ (7) العقد الموجود على صفة عدم التأثير (8)

______________________________

(1) خبر قوله: «كون مقتضى».

(2) أي: لا يوجب ترتب آثار العقد من حين الإيجاب، بأن تكون الملكية مثلا حاصلة من الإيجاب.

(3) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الإيجاب الملحق به القبول، و بين العقد الملحق به الإجازة، حيث إنّ الإيجاب المجرّد عن القبول لا يحصل به الأثر كالملكية. بخلاف العقد، فإنّه صالح لذلك، غاية الأمر أنّه مشروط بإجازة المالك.

و إن شئت فقل: إنّ الإيجاب كالقبول جزء المقتضي، و العقد مقتض للتأثير، و الإجازة شرط له.

(4) مقول لقوله: «لكن نقول بعد الإغماض» و هذا إشارة إلى الجواب الثاني الذي تقدم بقولنا: «و ثانيا: أنّه لو كانت الإجازة موجبة لنفوذ العقد .. إلخ» و هذا الامتناع الثبوتي هو المقصود بيانه في الإيراد الثالث، كما أشرنا إليه (في ص 47) من استحالة الانقلاب.

(5) و هو ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه.

(6) و هي ترتب الأثر- كنفس الملكية- على العقد، و هو الكشف الحقيقي، لا ترتب أثر الملكية و حكمها و هو الكشف الحكمي على ما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

________________________________________

(7) تعليل لعدم معقولية ترتب أثر العقد عليه حقيقة حين صدوره من العاقد الفضولي، و محصل وجه عدم المعقولية هو: خروج الشي ء عمّا وقع عليه، فإنّ المفروض وقوع العقد غير مؤثر، فكيف ينقلب إلى المؤثرية من حين وقوعه؟ و ليس ذلك إلّا التناقض، إذ مقتضى ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه بعد تحقق إجازة المالك له كون العقد حين وقوعه مؤثّرا و غير مؤثر، و هذا تناقض مستحيل.

(8) خبر قوله: «لأن العقد» وجه الاستحالة عدم وجود شرط التأثير- و هو رضا المالك- حين وقوع العقد.

ص: 55

يستحيل لحوق صفة التأثير له (1)، لاستحالة خروج الشي ء عمّا وقع عليه (2). فإذا (3) دلّ الدليل الشرعي على إمضاء الإجازة على هذا الوجه غير المعقول، فلا بدّ (4) من صرفه بدلالة الاقتضاء (5) إلى (6) إرادة معاملة العقد [1] بعد الإجازة معاملة (7) العقد الواقع مؤثّرا من حيث ترتّب الآثار الممكنة،

______________________________

(1) أي: للعقد، بأن يتصف بالسببيّة التامة- من زمان وقوعه- بلحوق الإجازة.

(2) من عدم كونه مؤثرا، لفقدان شرط تأثيره و هو رضا المالك الأصيل.

(3) هذه نتيجة الاستحالة المزبورة، و حاصل ذلك: أنّه مع فرض دلالة دليل إمضاء إجازة المالك على هذا الوجه المستحيل، فلا بدّ- صونا لكلام الحكيم عن اللغوية- من صرف هذه الدلالة إلى ترتيب آثار صحة العقد- مثل أحكام الملك- بقدر الإمكان، لا البناء على ثبوت نفس الملك.

و مراد المصنف قدّس سرّه بالدليل هو الأدلة الخاصة مثل صحيحة محمّد بن قيس و أبي عبيدة الآتيتين في (ص 66 و 70) و ظاهرهما الكشف الحقيقي، و ترتب البيع و النكاح على العقدين الفضوليين. و يتعيّن صرفهما عن ظاهرهما إلى ترتيب خصوص ما يمكن ترتيبه على العقد، لا جعل نفس العقد سببا تامّا من حين وقوعه.

(4) جواب الشرط في قوله: «فإذا دلّ».

(5) و هي التي تلجئنا إلى صرف الدليل عن ظاهره المستحيل إلى معنى يمكن الالتزام به، و هو ما عرفته من ترتيب آثار الملك- لا نفسه- بمقدار الإمكان.

(6) متعلق ب «صرفه».

(7) مفعول به ل «إرادة».

______________________________

[1] بل لا بد من طرحه و الرجوع إلى القواعد، لأنّ الظاهر لا يصادم حكم العقل الضروري. لا حمله على معنى، فإنه حمل تبرعي خارج عن طريقه الاستدلال. فاستظهار الكشف الحكمي من عدم معقولية ترتب الأثر على العقد من زمان وقوعه مشكل جدا.

و لا يمكن أن يكون الحمل التبرعي الناشئ عن عدم معقولية ظاهر الدليل دليلا على الكشف الحكمي، هذا.

ص: 56

فإذا (1) أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري و إن كان أصل الملك قبل الإجازة للمالك (2)، و وقع (3) النماء في ملكه.

و الحاصل (4): أنّه يعامل بعد الإجازة معاملة (5) العقد الواقع مؤثّرا من حينه (6) بالنسبة إلى من أمكن من الآثار (7).

______________________________

(1) هذا بيان لترتيب الآثار الممكنة.

(2) لتوقف انتقال الملك عنه إلى غيره على إجازته التي لم تكن حاصلة حين العقد.

هذا تمام ما أفاده المصنف في الإيراد الثالث على ثاني دليلي الكشف، و غرضه فيما يأتي تقريب الكشف الحكمي الذي قال به أستاده شريف العلماء المازندراني قدّس سرّه.

(3) و لو قال: «و وقوع النماء» لكان أحسن، ليكون معطوفا على «أصل» من عطف المفرد على المفرد.

(4) يعني: و حاصل المعنى الذي تقتضيه دلالة الاقتضاء- التي هي قرينة عقلية على صرف دليل الإمضاء شرعا عن ظاهره المستحيل- هو تنزيل العقد الذي لم يكن مؤثرا حين وقوعه منزلة العقد المؤثر من زمان حدوثه في الآثار التي يمكن ترتيبها، كالحكم بأنّ النماءات الحاصلة- بين زماني حدوث العقد و صدور الإجازة من المالك الأصيل- إن كانت نماءات المبيع فهي للمشتري، و إن كانت نماءات الثمن فهي للبائع.

و إن كانت نفس المثمن و الثمن باقيتين على ملك البائع و المشتري إلى زمان صدور الإجازة.

و لذا لو تصرّف مالك المبيع في ماله ببيعه من شخص آخر أو هبته له أو وقفه، كان صحيحا و موجبا لردّ العقد الفضولي، و هذا دليل على بقاء رقبة المال على ملكه.

و لكنه لو لم يتصرف فيه بهذا النحو و التفت إلى وقوع عقد عليه فضولا و أجازه، أمكن الالتزام بالكشف الحكمي أي ترتيب بعض آثار صحة العقد دون بعض. و هذا المعنى من الكشف معقول ممكن في نفسه، و لكن الالتزام به منوط بمساعدة الدليل عليه.

(5) مفعول مطلق نوعي لقوله: «يعامل».

(6) أي: من حين العقد.

(7) كالنماءات التي توجد في المدة المتخللة بين زماني وقوع العقد و صدور الإجازة كما مرّ آنفا.

ص: 57

و هذا (1) نقل حقيقي (2) في حكم الكشف من بعض الجهات (3)، و ستأتي الثمرة بينه (4) و بين الكشف الحقيقي (5). و لم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف (6) إلّا الأستاد شريف العلماء قدّس سرّه فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته.

و إلّا فظاهر كلام القائلين بالكشف أنّ (7) الانتقال في زمان العقد، و لذا (8)

______________________________

(1) يعني: أنّ معاملة عقد الفضولي بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا و ماضيا- من حين وقوعه- نقل حقيقي، إذ المفروض حصول الملكية بالنسبة إلى كل من العوضين بالإجازة، و بقاء كل من المالين على ملك صاحبه حتى تصدر الإجازة.

(2) لما مرّ من توقف انتقال كل من المالين عن مالكه إلى الآخر على الإجازة، و هذا نقل حقيقي.

(3) للحكم بانتقال نماء المثمن إلى المشتري، و نماء الثمن إلى البائع قبل الإجازة، و نشأ هذا التفكيك بين العين و النماء من اقتضاء الأدلة الخاصة للقول بالكشف، و ليس هذا كشفا حقيقيا، و إنما هو حكمي.

(4) أي: بين هذا النقل الحقيقي الذي هو بحكم الكشف، و سيأتي بيان الثمرة في (ص 77).

(5) و هو الكشف عن وقوع الملك و آثاره للمشتري، و كذا للبائع من حين وقوع العقد، بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل.

(6) و هو الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي و كشف حكمي.

(7) خبر قوله: «فظاهر» أي: الانتقال مطلقا، من نفس العوضين و نماءاتهما، و هو الكشف الحقيقي، لا انتقال خصوص نماءاتهما المتخللة بين زماني صدور العقد و الإجازة، و انتقال العينين بعد الإجازة الذي هو الكشف الحكمي. و ظاهر كلمات القائلين بالكشف هو الكشف الحقيقي الذي تقدّم امتناعه ثبوتا و إثباتا.

(8) أي: و لأجل ظهور كلمات القائلين بالكشف في الانتقال من زمان صدور العقد، عنون العلّامة قدّس سرّه الخلاف بينهم في الكشف و النقل بقوله: «و في وقت الانتقال إشكال، و يترتب النماء» «1»، فإنّ هذا العنوان ظاهر في إرادة الكشف الحقيقي، لأنّ انتقال العين

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، طبعة مركز مؤسسة النشر الإسلامي بقم المقدسة.

ص: 58

عنوان العلّامة رحمه اللّه في القواعد مسألة الكشف و النقل بقوله: «و في زمان الانتقال إشكال» فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال (1).

[كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة]
اشارة

و قد تحصّل ممّا ذكرنا (2): أنّ كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة [1] قال بكلّ منها قائل:

______________________________

و نماءها إنّما يتّجه بناء على الكشف الحقيقي.

(1) غرضه: أنّ النزاع في زمان الانتقال يكشف عن كون مرادهم بالكشف هو الكشف الحقيقي، لأنّ انتقال ملك العينين و نمائهما في زمان صدور العقد لا ينطبق إلّا على الكشف الحقيقي، فمن قال به جعل زمان الانتقال زمان العقد، و من قال بالنقل جعله زمان الإجازة.

(2) أي: في حكم الإجازة بقوله: «أمّا حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة .. إلخ» إلى هنا. حيث إنّه تعرّض لنقل أدلة ثلاثة على الكشف، و ناقش في اثنين منها بالتفصيل، و في أثناء الإيراد على الدليل الأوّل تعرّض للكشف الحقيقي بمناط شرطيّة التعقب الذي التزم به جماعة. و في ذيل الإيراد الثالث على الدليل الثاني تعرّض لكلام أستاده الشريف من القول بالكشف الحكمي.

و يتحصّل من المجموع وجوه ثلاثة من القائلين بالكشف.

أحدها: المشهور، و هو الكشف الحقيقي.

و ثانيها: قول جماعة من معاصري المصنف و غيرهم، و هو الكشف التعقبي.

و ثالثها: الكشف الحكمي، و هو المعزيّ إلى المحقق شريف العلماء

______________________________

[1] بل خمسة:

أحدها: الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر. و هو المنسوب إلى المشهور كما في المتن.

ثانيها: الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية وصف التعقب، بزعم كونه شرطا مقارنا للعقد. و قد ذهب إليه جمع من المحققين كصاحب الفصول و أخيه و المحقق النائيني قدّس سرّهم.

ثالثها: الكشف الحقيقي المعتمد على كفاية الرضا التقديري، بمعنى: أنّ المالك

ص: 59

______________________________

لو التفت لكان راضيا، و الإجازة كاشفة عنه ككشف شاهد الحال عنه. و قد ذهب إليه المحقق الرشتي في كتاب الإجارة.

و هذه الوجوه الثلاثة مشتركة في دلالتها على انتقال المال عن مالك العوض حين تحقق العقد.

رابعها: الكشف الحقيقي الانقلابي المعتمد على كون الإجازة رضا بمضمون العقد، و تأثيره من حين صدوره بناء على دخل الزمان في مضمون العقد، و تقيد النقل به.

و لا محذور فيه إلّا محذور الانقلاب، فإنّ الشي ء الزماني لا يمرّ عليه الزمان مرّتين حتى يتصف تارة بصفة التأثير و اخرى بصفة عدم التأثير.

و لكن فيه ما سيجي ء إن شاء اللّه تعالى.

و هذا الوجه يفترق عن الوجوه الثلاثة المتقدمة في أنّها توجب الانتقال حين حدوث العقد قبل تحقق الإجازة. بخلاف هذا الوجه الرابع، فإنّ الانتقال فيه يكون بسبب الإجازة، فقبل الإجازة يكون كل واحد من العوضين باقيا على ملك مالكه الأصلي، و بسبب الإجازة تنقلب الملكية، و تنتقل ملكية العوض إلى من اشتراه من حين العقد. و بهذه المناسبة يسمّى بالكشف الانقلابي.

و قيل: إنّ هذا الكشف يستفاد من ثاني أدلة الكشف الذي نقله المصنف في (ص 16) بقوله: «و بأن الإجازة متعلقة بالعقد، فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه».

خامسها: الكشف الحقيقي الذي يظهر من عبارة الجواهر، و هو: أنّ الشرط نفس الإجازة و إن كانت متأخرة، لأنّ امتناع تأخر الشرط عن المشروط في العلل العقلية لا يقتضي امتناعه في العلل الشرعية.

و بعبارة أخرى: لا يراد بالشرط الشرعي معناه الاصطلاحي.

سادسها: الكشف الحقيقي، و جعل الإجازة طريقا و واسطة في العلم بحصول النقل، من دون دخل للإجازة في تأثير العقد في النقل.

و إن شئت فقل: إنّ الإجازة أمارة و علامة على حصول النقل. و قد نسب هذا القول

ص: 60

______________________________

إلى صاحب مفتاح الكرامة قدّس سرّه حيث جعل الإجازة شرطا للعلم بانتقال المال، لا شرطا لنفس الانتقال، قال قدّس سرّه: «إنّ العقد سبب تام مع الإجازة و إن تأخّرت عنه فعلا، فهو مراعى لا موقوف، فإن حصلت كشفت عن تأثيره من حين وقوعه .. و في جامع المقاصد ما يشير إلى هذا الجواب» «1».

و احتمله بعض معاصريه أيضا في شرحه على اللمعة من أن الإجازة تكون نظير التبادر علامة كاشفة عن وضع اللفظ للمعنى المتبادر منه، و كعلامات البلوغ «2».

و أشار إلى هذا القول في الجواهر أيضا، فراجع «3».

و الظاهر رجوع هذا الوجه السادس إلى الوجه الثالث، بل هو عينه.

و عليه فتكون الإجازة طريقا إلى العلم بتحقق النقل من دون دخل ثبوتي فيه.

و إن شئت فقل: إنّ الإجازة علّة للعلم بحصول النقل.

لكن الحق بطلان هذا القول، لأنّ مقتضى مثل قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه و غيرهما من الأدلة دخل الرضا في الحلّ، و عدم كونه مجرّد علامة.

سابعها: الكشف الحكمي، و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت.

و أمّا مقام الإثبات، فيبحث فيه تارة عما يقتضيه الأدلة العامة، و اخرى عمّا تقتضيه الأدلة الخاصة.

أمّا البحث الأوّل فمحصّله: أنّ العمومات «ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و لا يحل مال امرء إلا بطيبة نفسه» و نحوها- الظاهرة في شرطية الرضا في صحة المعاملة- تقتضي ناقلية الإجازة الكاشفة عن الرضا و طيب النفس، حيث إنّ العناوين المأخوذة في

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190.

(2) شرح اللمعة (مخطوط) للشيخ جواد ملّا كتاب. و هو من تلامذة الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدّس سرّهما.

لاحظ: الذريعة، ج 14، ص 47.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 288.

ص: 61

[أحدها:- و هو المشهور- الكشف الحقيقي و التزام كون الإجازة فيها شرطا متأخرا]

أحدها:- و هو المشهور- الكشف الحقيقي (1)، و التزام كون الإجازة فيها (2)

______________________________

(1) و هو- كما تقدم آنفا- كشف الإجازة عن تأثير العقد من حين وقوعه، و حصول الملك من زمان تحققه.

(2) أي: في كاشفيتها. و قوله: «و التزام» معطوف على «الكشف».

______________________________

الخطابات الشرعية ظاهرة عرفا في الفعلية، دون التقديرية التي هي معدومة حال إنشاء المعاملة، و دون الطريقية و الأمارية، لظهور العناوين في الموضوعية.

و عليه فصحة المعاملات الفضولية منوطة بطيب النفس فعلا، و مع هذه الإناطة لا محيص عن الالتزام بناقلية الإجازة.

و أمّا البحث الثاني- و هو مقتضى الأدلّة الخاصّة- فيرجع فيه إلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه، فلاحظ.

أقول: لا يبعد استفادة قاعدة كلية من عزل الإرث للجارية بعد بلوغها و حلفها كما في صحيح أبي عبيدة الذي سيشير إليه في المتن. و كذا من عزل الإرث للحمل.

و المراد بتلك القاعدة هو جعل الاحتياط في كلّ مورد وجد فيه مقتضي الحكم الشرعي التكليفي كوجوب الحج، و الوضعي كملكية المال في الإرث، أو في حيازة المباحات، كما إذا حجّر أرضا ميتة، فإنّ احتمال إحيائها الموجب لملكيتها أوجب له حقّ الاختصاص، بحيث يحرم على غيره مزاحمته في ذلك.

و كذا في الاستطاعة المالية إذا كان للمستطيع مانع عن الحج مباشرة، و لو كان غير المرض الذي لا يرجى زواله، فإنّه يجب عليه الاستنابة.

و الحاصل: أنّ وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه يوجب الاحتياط.

و هذا مقدّم على أصالة عدم المانع، و إن كانت قاعدة المقتضي و المانع حجة. كما أنّ هذا الاحتياط يقدّم على أصالة عدم الإجازة في باب عقد الفضولي. و لا غرو في تشريع الاحتياط في موارد وجود المقتضي للحكم مع احتمال حصول شرطه، كما شرّع في الموارد الثلاثة الدماء و الأعراض و الأموال.

ص: 62

شرطا متأخّرا (1). و لذا (2) اعتراضهم جمال المحقّقين في حاشيته على الروضة: «بأنّ الشرط لا يتأخّر» «1» (3).

[الثاني: الكشف الحقيقي، و التزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة]

الثاني: الكشف الحقيقي، و التزام كون الشرط تعقّب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة (4) فرارا [1] عن لزوم تأخّر الشرط عن المشروط،

______________________________

(1) إذ الالتزام بدخل الإجازة في الملكية- مع فرض تأثير العقد من حين وقوعه- يوجب لا محالة كون الإجازة شرطا متأخرا.

(2) أي: و لأجل كون الإجازة في الكشف الحقيقي شرطا متأخّرا اعترض عليهم المحقق الخوانساري قدّس سرّه.

(3) وجه عدم تأخر الشرط عن المشروط هو كون الشرط من أجزاء علته التي يكون تقدمها رتبة على المشروط من البديهيات.

ثم إن العبارة المذكورة في المتن نقل بالمعنى، إذ الموجود في حاشية الروضة معترضا على الشارح هو قوله: «لا يخفى أنه إذا اعترف بأنّ رضاء المالك من الشرائط، فإذا حصل عمل السبب التام أثره، فيلزم أن لا يتحقق أثره- و هو نقل الملك- إلّا عند حصوله. و هذا دليل على نقيض ما رامه. و كأنّه زعم أنّ الشرط ما يتوقف عليه التأثير، و لكن ليس جزء المؤثر، بل تحققه يوجب تحقق تأثير السبب في وقت و إن كان قبل تحقق الشرط بخلاف الجزء، فإنّه لا بدّ من مقارنته و مدخليّته في التأثير. و هذا كما ترى .. إلخ».

(4) هذا هو الفارق بين هذا الكشف و الكشف الحقيقي المتقدّم، بعد اشتراكهما في ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه. و حاصل الفرق بينهما هو: أنّ الشرط في الكشف الحقيقي الأوّل نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر، و في الكشف الحقيقي الثاني وصف التعقب الذي هو شرط مقارن لا متأخّر، على ما قيل.

______________________________

[1] قد عرفت في (ص 13 و 27) أنّ جعل الشرط وصف التعقب- فرارا عن محذور الشرط المتأخر- ليس بسديد، لأنّ وصف التعقب لا يعرض العقد إلّا بعد صدور الإجازة من

______________________________

(1) حاشية الروضة، ص 358 و هو موجود في هامش الروضة طبعة عبد الرحيم، ج 1، ص 312

ص: 63

و التزم (1) [1] بعضهم بجواز التصرّف قبل الإجازة لو علم تحقّقها فيما بعد.

[الثالث: الكشف الحكمي]

الثالث: الكشف الحكمي، و هو إجراء أحكام الكشف بقدر الإمكان (2)، مع عدم تحقّق الملك في الواقع إلّا بعد الإجازة.

و قد تبيّن من تضاعيف كلماتنا (3) أنّ الأنسب بالقواعد و العمومات هو النقل (4).

______________________________

(1) الملتزم به صاحب الجواهر، و تقدم نصّ كلامه في (ص 31). إذ مراده من قوله:

«كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه» هو مثل جواز تصرف الأصيل في ما اشتراه من الفضولي، بعد العلم بلحوق إجازة المالك.

(2) كانتقال النماء إلى المشتري حين العقد بعد صدور الإجازة، و إن كان أصل ملك العين قبل الإجازة للمالك، فانتقال النماء يكون من حين العقد، و انتقال العين بعد صدور الإجازة.

(3) أي: من ردّ دليل المحقق الثاني قدس سره في كاشفية الإجازة، و من ردّ من استدلّ على القول بالكشف بآية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و آية أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ.

(4) أي: النقل الحقيقي، و ذلك لأنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» و «التجارة عن تراض» و عموم «عدم حلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه» و نحوها من

______________________________

المالك، ضرورة أنّ التعقب من الأمور المتضايفة، و من المعلوم تكافؤ المتضايفين قوة و فعلا، فلا يتصف العقد فعلا بكونه متعقبا بالإجازة إلّا بعد صدورها من المالك. كما أنّ الإجازة لا تتصف بكونها متأخرة عن العقد إلّا بعد صدورها منه.

[1] هذا الالتزام وجيه بناء على كون وصف التعقب الذي جعل شرطا حاصلا للعقد حين تحققه بحيث يكون شرطا مقارنا له.

لكنه ليس كذلك، لما تقدّم في التعليقة السابقة و غيرها، فلاحظ. و مجرّد العلم بحصول الإجازة فيما بعد لا يوجب فعلية التعقب و كونه وصفا مقارنا للعقد، بل يوجب العلم باتصاف العقد فيما بعد بهذا الوصف. و هذا لا يكفي في جواز التصرف فعلا، لعدم تحقق الشرط و هو التعقب الذي أنيط به تأثير العقد في النقل و الانتقال.

ص: 64

ثمّ بعده الكشف الحكمي (1).

و أمّا الكشف الحقيقي- مع كون نفس الإجازة من الشروط (2)- فإتمامه بالقواعد في غاية الإشكال (3). و لذا (4) استشكل فيه العلّامة في القواعد، و لم يرجّحه (5) المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد، بل عن الإيضاح اختيار خلافه (6) تبعا للمحكيّ عن كاشف الرموز (7) «1».

______________________________

الأدلة هو دخل الرضا في الحلّ، فبدونه لا يحلّ التصرف في مال الغير. و مع دخل الرضا في صحة المعاملة كيف يحكم بكون الإجازة معرّفة لتمامية المعاملة؟ و المفروض أنّ تماميتها منوطة بالرضا.

(1) جمعا بين ما دلّ على ترتيب أحكام النقل و الانتقال قبل صدور الإجازة من المالك، و بين ما دلّ على شرطية الرضا في الانتقال، الموجبة لتوقفه على وجود الرضا، فيقال: بترتب أحكام النقل قبل الإجازة، و حصول النقل بعد الإجازة.

(2) أي: من شروط العقد على حدّ سائر الشروط.

(3) لأنّ الإجازة حينئذ من أجزاء العقد الذي هو علّة للنقل و الانتقال، و لا بدّ من تقدم أجزاء العلة على المعلول، فكيف يمكن حصول المشروط قبل وجود شرطه؟

فإشكاله إشكال الشرط المتأخر.

(4) أي: و لأجل أنّ إتمام الكشف الحقيقي بالقواعد مشكل استشكل العلّامة قدس سره في الكشف في القواعد «2»، لقوله فيها: «و في زمان الانتقال إشكال» و كذا لم يرجّح الكشف المحقق الثاني قدس سره في حاشية الإرشاد «3».

(5) و إن رجّحه في جامع المقاصد.

(6) أي: خلاف الكشف، و هو النقل، و تقدم كلامه في (ص 7) فراجع.

(7) حيث إن الفاضل الآبي جعل الإجازة عقدا مستقلّا و مستأنفا، بناء على إرادة

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، كشف الرموز، ج 1، ص 445- 446، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 189

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

(3) حاشية الإرشاد، مخطوط، الورقة 219.

ص: 65

و قوّاه (1) في مجمع البرهان «1»، و تبعهم كاشف اللّثام في النكاح «2».

هذا (2) بحسب القواعد و العمومات.

و أمّا الأخبار (3)، فالظاهر من صحيحة محمّد بن قيس (4) الكشف، كما صرّح به في الدروس «3»، و كذا (5) الأخبار التي بعدها.

______________________________

النقل من هذا التعبير، و إلّا فظاهره قول ثالث مقابل الكشف و النقل، و تقدم تفصيله في بيع الغاصب لنفسه، فراجع «4».

(1) أي: و قوّى مختار صاحب الإيضاح المحقق الأردبيلي قدّس سرّه في شرح الإرشاد.

(2) أي: عدم القول بالكشف الحقيقي إنّما هو بحسب القواعد و العمومات الدالة على اعتبار الرضا و طيب النفس في التجارة.

(3) يعني: و أمّا بحسب الأخبار، فظاهر بعضها- و هو صحيحة محمّد بن قيس- الكشف.

(4) وجه ظهور الصحيحة في الكشف هو: أنّ الحكم بأخذ المشتري للولد بدون دفع قيمته إلى مالك الجارية يلائم تكوّن الولد في ملكه، لا في ملك سيّدها. و هذا ينطبق على الكشف، إذ على القول بالنقل يكون الولد لمالك الجارية، لأنّه نماء ملكه. و على المشتري دفع قيمة الولد إليه لو وطأ الجارية شبهة.

(5) معطوفة على «فالظاهر من صحيحة» و ضمير «بعدها» راجع إلى «صحيحة».

و قد تقدم ذكر هذه الأخبار- استدلالا و تأييدا و استيناسا- في اولى مسائل البيع الفضولي فراجع «5».

فمنها: ما دلّ على صحة نكاح الفضولي في الحرّ و العبد بعد لحوق الإجازة، فإنّها

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 159.

(2) تقدم تخريجه في ص 7، فراجع.

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 233

(4) هدى الطالب، ج 4، ص 569

(5) هدى الطالب، ج 4، ص 407 الى ص 468.

ص: 66

لكن لا ظهور فيها (1) للكشف بالمعنى المشهور (2)، فتحتمل الكشف الحكمي (3) [1].

______________________________

ظاهرة في صحته من حين العقد، لا من حين الإجازة، كقوله عليه السلام في نكاح العبد: «فإذا أجاز جاز» أي: نفذ العقد.

و منها: ما دلّ على تقسيم الربح بين ربّ المال و بين العامل في باب المضاربة إذا خالف العامل ما اشترط عليه- بناء على كونه من موارد الفضولي، و توقف ملك ربّ المال للربح على إجازته، لا للتعبد على ما سبق تفصيله هناك- فإنّ ظاهره كون الإجازة كاشفة عن صحة معاملات العامل، و ترتب الأثر عليها من حين وقوعها، و أنّ حصّة كل واحد منهما من الربح كانت له من حين ظهوره، و هو زمان البيع و الشراء برأس المال، لا من حين الإجازة.

و منها: ما ورد في اتجار غير الولي بمال اليتيم، بناء على حملها على صورة إجازة الولي حتى يندرج موضوعا في باب الفضولي. و تقريب الكشف كما تقدم آنفا. و هكذا سائر الأخبار الخاصة المذكورة في المسألة الأولى، فراجع.

(1) أي: في الأخبار المذكورة بعد صحيحة محمّد بن قيس.

(2) و هو الكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر.

(3) لصلاحية ما ذكر فيها من الأحكام لكلّ من الكشف الحقيقي و الحكمي.

______________________________

[1] بل لا يبعد الكشف الانقلابي. و لا يخفى أنه لا مانع من طروء عنوان على شي ء وجد مجرّدا عن عنوان كعقد الفضولي، فإنّه وجد مجرّدا عن صفة المؤثرية، فيمكن حينئذ أن يطرء عليه عنوان كإجازة المالك الأصيل لهذا العقد، الموجبة لصيرورته مرتبطا بالمالك و عقدا له. و هذا العنوان يوجب كون العقد مؤثرا من حين وقوعه.

فالإشكال عليه تارة بعدم المعقولية «لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له» إلى آخر ما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 55). و اخرى بلزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد، و هو ما بين زماني تحقق العقد و صدور الإجازة.

مندفع في الأوّل بما مرّت الإشارة إليه من أنّ الاستحالة المزبورة إنّما هي في

ص: 67

______________________________

الأعراض الخارجية، لاستحالة انقلاب بياض الجسم الذي كان ملوّنا به من طلوع الفجر إلى الزوال مثلا إلى السّواد في ذلك الزمان المتخلل بين طلوع الفجر و الزوال. لا في الأمور الاعتبارية التي منها الملكية، فإنّ للملكية أثرا حاليا و استقباليا كما لا يخفى.

و في الثاني بعد لزوم اجتماع المالكين، بل المالك واحد، و هو المجيز إلى زمان الإجازة، و بسبب الإجازة ينقلب مالكيته الثابتة له فيما قبل الإجازة إلى مالكية شخص آخر، و هو المجاز له في ما قبل الإجازة، فإنّ اختلاف العناوين الطارئة على شي ء يوجب اختلاف الاعتبار، فإنّ طروء الإجازة على العقد أوجب اعتبار المؤثرية له من حين وقوعه. و لا غرو في اختلاف الاعتبار الناشئ من اختلاف الطوارئ. فإنّ أجزاء العبادات كذلك، ضرورة أنّ أجزاء الصلاة مثلا لا تتّصف حين وجودها بالجزئية، بل بعد وجود تمام الصلاة بشرائطها تتصف بها، لأنّ جزئية كل من الأجزاء مشروطة بوجود الجزء الآخر. فالتكبيرة مثلا لا تعنون بالجزئية إلّا بعد الإتيان بسائر الأجزاء. و كذا سائر المركبات التدريجية الارتباطية كالحج.

و نظير ذلك الصوم، فإنّ المكلف إذا أمسك بدون نية الصوم، ثم نوى الصوم قبل الزوال في الواجب غير المعيّن، أو قبل الغروب في الصوم المندوب، كفى و إن لم يكن الزمان السابق على النية معنونا بعنوان الصوم، لكنّه صار معنونا بعنوانه بسبب النيّة المتأخرة عنه.

و من هذا القبيل ثبوت طهارة ماء أو ثوب في الساعة الاولى من النهار، مثلا بقاعدة الطهارة، و قيام بينة بعد ذلك على نجاسته قبل الساعة الاولى من النهار، فإنّ الاستصحاب يقتضي نجاسته في الساعة الاولى، مع أنّه كان محكوما فيها بالطهارة لقاعدتها. و ليس اختلاف الحكم إلّا لأجل اختلاف الطواري.

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأوفق بالفهم العرفي هو الكشف الحقيقي الانقلابي، إذ الإجازة تتعلق بمضمون العقد- و هو الانتقال حين وقوعه- و إن لم يكن زمان إنشاء العقد قيدا له، بل كان ظرفا له، لكن العرف يحكم بأن مضمون العقد و المسبب عنه كالمسببات الحقيقية المترتبة على أسبابها في المقارنة و عدم الانفكاك زمانا عن أسبابها. و هذا الحكم الارتكازي العرفي قرينة على حمل العمومات على تنفيذ عقد الفضولي المجاز من حين وقوعه.

ص: 68

نعم (1) صحيحة أبي عبيدة (2)- الواردة في تزويج الصغيرين فضولا،

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده آنفا من عدم دلالة الأخبار- المستدل بها على صحة البيع الفضولي- على خصوص الكشف الحقيقي، لاحتمال الكشف الحكمي فيها.

و أمّا صحيحة أبي عبيدة فظاهرة في خصوص الكشف الحقيقي، كما سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

(2) و هي ما رواه أبو عبيدة، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية

______________________________

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ الأقرب من أقسام الكشف الحقيقي هو الانقلابي، لا الحكمي، إذ مع فرض عدم المعقولية يخرج عن العمومات خروج الفرد عن حيّز العموم، لا أنّه يحمل على النفوذ الحكمي، لأنّه تصرف غير عرفي في العام من دون قرينة عليه. هذا بالنسبة إلى العمومات.

و أمّا بالنسبة إلى الأخبار الخاصة، فرواية عروة- بعد فرض دلالتها على كون موردها عقد الفضولي- ظاهرة في الكشف الحقيقي، لا الانقلابي و لا الحكمي، لأنّه تصرف تصرفا خارجيا من قبض الدينار و إقباض الشاة، فهذا يناسب اعتبار الملكية قبل حصول الإجازة.

و هذا هو الكشف الحقيقي غير الانقلابي، كما لا يناسب الكشف الحكمي فضلا عن النقل.

و صحيحة محمّد بن قيس ظاهرة في الكشف من غير ظهور لها في أحد أقسامه، في مقابل النقل، لأنّه على تقدير النقل يلزم أخذ الولد الذي هو نماء ملك السيد الأوّل مجّانا، لعدم وقوع الوطي في ملكه حقيقة أو حكما. كما لا تصير الجارية أمّ ولد، و لا يلحق به الولد، لأنه زان.

و صحيحة أبي عبيدة الواردة في نكاح الصغيرين- إذا مات أحدهما قبل أن يجيز الآخر- ظاهرة بل صريحة في الكشف، إذ لا معنى لناقلية الإجازة مع موت أحد الزوجين.

لكن لا يظهر أنّه أيّ قسم من أقسام الكشف.

و بالجملة: فلو لم يثبت كون الإجازة كاشفة بأنحاء الكشف المتقدمة، أو ناقلة، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتيب آثار صحة العقد إلّا بعد الإجازة، و هذا ينطبق على ناقليتها، فإنّ استصحاب الملكية إلى زمان الإجازة جار بلا مانع، فمالكية المالك الأصيل باقية إلى زمان الإجازة.

ص: 69

..........

______________________________

زوّجهما وليّان لهما، و هما غير مدركين؟ قال: فقال: النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ما تا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا.

قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه، إن هو رضي.

قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي النكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية، أ ترثه؟ قال: نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك و تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر.

قلت: فإن ماتت الجارية و لم يكن إدراك، أ يرثها الزوج المدرك؟ قال: لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت.

قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية» «1».

و محصّل مدلول الصحيحة: أنّ أبا عبيدة الحذّاء سأل الإمام أبا جعفر الباقر عليه الصلاة و السلام عن حكم تزويج الصغيرين بأن يزوّج وليّ الصغيرة صغيرا، فيقبل وليّه.

و للسؤال موردان يختلف حكمهما، فتارة يكون الوليّ هو الأب، و لا يتوقف تزويجه على إجازة الصبي أو الصبية بعد البلوغ، و اخرى يكون المزوّج وليا شرعا كالوصي و الحاكم الشرعي ممّن ليس له ولاية على نكاح الصغير. و المراد بالولي في صدر الرواية هو هذا بقرينة ذيل الرواية من نفوذ تزويج الأب.

و عليه فإذا زوّج الحاكم الشرعي مثلا طفلة من طفل، توقّفت صحته على إجازة كل منهما بعد بلوغه، فإن أجازاه فهو، و إن لم يجزه أحدهما بطل.

و من فروع المسألة أن يدرك الزوج قبل أن تدرك الزوجة الصغيرة، فأجاز الرجل العقد و مات. فأجاب عليه الصلاة و السلام بأنّه يجب عزل نصف المهر و حصّة الزوجة من الإرث، و ينتظر بلوغها، فإن ردّت العقد بطل النكاح، و لم يكن لها شي ء من أموال الزوج و لا المهر. و إن رضيت بعقد النكاح الواقع حال صغرها طلب منها الحلف على أنّ الداعي إلى إظهار قبول النكاح هو الرضا بكونه زوجا لها لو كان حيّا لا الطمع في أمواله.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1

ص: 70

الآمرة (1) بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات- للزوجة (2) غير المدركة حتّى تدرك، و تحلف، ظاهرة (3) في قول الكشف (4).

______________________________

فإن حلفت كان لها نصف المهر و نصيبها من الإرث، هذا.

و الشاهد في ظهور حكمه عليه الصلاة و السلام بعزل نصيبها- إلى أن تدرك و تجيز العقد الفضولي- في كون الإجازة كاشفة حقيقة، و أنّ الزوجة صارت مالكة للمهر، و تحققت زوجيتها حال العقد. مع أنّ موت أحد المتعاقدين قبل القبول مبطل للعقد.

و لولا كاشفية الإجازة لم يتجه أمره عليه السّلام بالعزل مطلقا، بل كان اللازم تقييده بما إذا رضي ورثة الزوج بإفراز مقدار من أمواله حتى تبلغ زوجته الصغيرة، كي تجيز أو تردّ. فالأمر بالعزل بقول مطلق شاهد على أنّ الزوجة ورثت كسائر الورثة من زمان العقد، و هذا هو الكشف الحقيقي.

(1) هذا و «الواردة» نعتان للمبتدء و هو «صحيحة». و الأمر بالعزل يستفاد من الجملة الخبرية في مقام الإنشاء، و هي قوله عليه السلام: «نعم يعزل ميراثها».

(2) متعلق ب «عزل» و قوله: «حتى تدرك» قيد للعزل.

(3) خبر قوله: «صحيحة أبي عبيدة».

(4) أي: في الكشف الحقيقي المثبت للزوجية حين العقد، لأنّها هي التي توجب الإرث. و الاستدلال بهذه الصحيحة على الكشف الحقيقي منوط بمقدمتين:

الاولى: بقاء عموم قاعدة السلطنة على حالها، و عدم ورود تخصيص عليها، إذ لو قلنا بتخصيص هذا العموم لا يبقى مجال لاستظهار الكشف الحقيقي.

و بيانه: أنّ قاعدة الإرث المستفادة من قوله عليه السّلام: «ما تركه الميت فلوارثه» تقتضي انتقال جميع أموال الزوج إلى ورثته الموجودين حال الموت، و هم ما عدا هذه الزوجة الصغيرة التي لم يعلم كونها زوجته واقعا. و مقتضى قاعدة السلطنة استقلال الورثة بجميع ما تركه الزوج، و عدم جواز مزاحمتهم فيه.

إلّا أنّ صحيحة أبي عبيدة أمرت بعزل نصيب الزوجة من الميراث، إلى أن تدرك، فإن أجازت العقد كان لها نصيبها من الإرث، و إن ردّته كان المال المعزول

ص: 71

..........

______________________________

لسائر الورثة. و هذا الأمر بالعزل يحتمل فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون تخصيصا لعموم قاعدة السلطنة، بأن يقال: إنّ المال المعزول ملك للورثة، إلّا أنّهم محجورون عن التصرف فيه، نظير حجر الملّاك عن أموالهم كالصبي و المجنون و نحوهما ممّن لا سلطنة له على التصرف في ملكه. و بناء على هذا الاحتمال لا تصلح الصحيحة لإثبات الكشف، لفرض انتقال المال إلى الورثة بمجرّد الموت، و استحقاق الزوجة لنصيبها بالإجازة لا يدلّ على الكشف الحقيقي حينئذ، و إنّما يجب على الورثة تسليم حصّتها من الإرث، و هو يناسب الكشف الحكمي و النقل.

ثانيهما: أن يكون حرمة تصرف الورثة في حصة الزوجة- و هو المال المعزول- أجنبيّا عن تخصيص قاعدة السلطنة، لكونه من باب التخصّص، بأن تتلقّى الزوجة المهر- و حصّتها من الإرث- من الزوج بمجرّد موته، فلم ينتقل حصّتها إلى الورثة بالموت، حتى يكون المنع من التصرف فيه تخصيصا لقاعدة السلطنة. يعني: أنّ الزوجة الصغيرة استحقّت هذا المال المعزول من حين موت الزوج، فكأنّها كانت زوجة كبيرة ورثت زوجها بموته.

و بناء على هذا الاحتمال تدل الصحيحة على الكشف الحقيقي، لكشف الإجازة عن ثبوت الزوجية من زمان العقد، و ترتب آثارها من حينه.

فإن قلت: بعد تكافؤ احتمالي التخصيص و التخصّص في قاعدة السلطنة لا سبيل لاستظهار الكشف الحقيقي، لاحتمال الكشف الحكمي، بأن يكون الأمر بالعزل تخصيصا في قاعدة السلطنة، فالمال بتمامه ملك الورثة، و لكنّه يحرم عليهم التصرف في بعضه و هو حصة الزوجة، و لا معيّن لاحتمال التخصّص حتى يستفاد الكشف الحقيقي منه.

قلت: إنّ عموم قاعدة السلطنة و إن كان قابلا للتخصيص شرعا كما خصّص في موارد حجر الملّاك، إلّا أنّ المتعيّن في المقام هو الالتزام بأنّ منع الورثة عن المال المعزول خارج عن قاعدة السلطنة موضوعا، و ذلك لما قرّره المصنف قدس سرّه في الأصول من حجية أصالة العموم في إحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام، لو تردّد أمره بين الخروج موضوعا أو حكما، و أنّه يحكم على الفرد بخروجه تخصّصا عن العموم.

ص: 72

إذ (1) لو كان مال الميّت قبل إجازة الزوجة باقية (2) على ملك سائر الورثة، كان (3) العزل مخالفا لقاعدة تسلّط الناس على أموالهم. فإطلاق (4) الحكم بالعزل

______________________________

و مثّل له هناك بطهارة الغسالة، و دورانها بين تخصيص «كل نجس منجس» يعني أنّها نجس غير منجّس، و بين طهارتها واقعا و عدم مصداقيتها لخطاب «النجس منجّس».

و بناء على هذا الأصل المقرّر يقال في المقام: إنّ الورثة ممنوعون من التصرف في المال المعزول، و هذا المنع مردّد بين كون المال لهم و حجرهم عنه حتى تخصّص قاعدة السلطنة. و بين كون المال أجنبيّا عنهم و أنّه للزوجة، فحرمة تصرفهم فيه ليس للحجر، بل لعدم كونه مملوكا لهم. و يتعيّن الاحتمال الثاني، لحجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد، هذا.

المقدّمة الثانية: إلغاء احتمال خصوصيّة المورد، فإنّ الصحيحة و إن دلّت على الكشف الحقيقي، لكن يحتمل اختصاصه بموردها و هو نكاح الصغيرة، أو مطلق النكاح.

فالتعدّي منه إلى العقود المالية الفضولية منوط بإسقاط خصوصية المورد، إمّا لمساواتهما ملاكا، و إمّا لأهميّة الأعراض من الأموال.

و هذه المقدمة الثانية و إن لم يصرّح بها في المتن، لكنها تستفاد من نصوص نكاح العبد و غيره مما تقدّم في أدلّة صحّة البيع الفضوليّ، فراجع.

(1) هذا تقريب دلالة الصحيحة على كاشفية الإجازة، و حاصله: أنّه لو كان مال الميت باقيا على ملك سائر الورثة قبل الإجازة- كما هو مقتضى ناقلية الإجازة- كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، إذ للورثة المنع عن هذا العزل.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «باقيا»، لكونه خبر «مال».

(3) جواب الشرط في قوله: «لو كان».

(4) هذا منشأ الحكم بكاشفية الإجازة كشفا حقيقيا، و حاصله: أنّ إطلاق الحكم بالعزل و عدم تقييده برضا الورثة و إذنهم- مع حفظ عموم قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و عدم تخصيصه- يقتضي أن يكون العزل لاحتمال صحة النكاح و صيرورة الصغيرة زوجة من حين وقوع العقد، و وارثة في الواقع كما هو مقتضى الكشف الحقيقي.

ص: 73

منضمّا (1) إلى عموم الناس مسلّطون على أموالهم [1] يفيد (2) أنّ العزل لاحتمال كون الزوجة المدركة وارثة في الواقع، فكأنّه (3) احتياط في الأموال قد غلّبه الشارع على أصالة عدم الإجازة، كعزل نصيب الحمل (4) و جعله (5) أكثر ما يحتمل.

______________________________

فهذا الاحتمال أوجب الاحتياط في الأموال، و حكّمه على أصالة عدم الإجازة المقتضية لعدم تحقق الزوجية.

و هذا العزل نظير عزل نصيب الحمل في الزوجة الحامل التي مات زوجها، فإنّه يحتاط في الإرث، و يعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطا، على التفصيل المحرّر في كتاب الميراث.

(1) حال ل «إطلاق» يعني: مع التحفظ على عموم قاعدة السلطنة، و عدم تخصيصه بهذه الصحيحة. و الوجه في عدم التخصيص عند دوران الأمر بينه و بين التخصّص ما تقرّر في الأصول من حجية أصالة العموم لإحراز حال الفرد غير المحكوم بحكم العام.

(2) خبر قوله: «فإطلاق»، و قوله: «لاحتمال» خبر: «ان العزل».

(3) أي: فكأنّ العزل احتياط في الأموال.

(4) المماثلة تكون في مراعاة الاحتمال، فكما أنّ احتمال تولد الحمل حيّا أوجب الاحتياط بعزل نصيب ذكرين له من تركة الميت، فكذلك احتمال حصول الزوجية في المقام أوجب الاحتياط بعزل نصيب الزوجية حتى يتبين الحال.

(5) معطوف على «عزل» أي: و كجعل نصيب الحمل أكثر من نصيب ذكر، حيث

______________________________

[1] مخالفة قاعدة السلطنة منوطة بدخول المال المعزول في ملك الورثة، حتى يكون تلقّي الزوجة لنصيبها منهم مخالفا لقاعدة سلطنتهم على أموالهم. و أمّا بناء على عدم دخوله في ملكهم فلا يلزم إلّا مخالفة قاعدة «ما تركه الميت فلوارثه».

هذا مضافا إلى منافاة استظهار الكشف الحقيقي من هذه الصحيحة لما تقدّم منه في (ص 55) من كونه غير معقول، فلا بدّ من توجيه الصحيحة على الوجه المعقول، و هو الكشف الحكمي أو الانقلابي.

و إلى: أن مبنى الكشف الحقيقي هو التحفظ على عموم قاعدة السلطنة. مع أن المبنى ممنوع، كما قرر في الأصول.

ص: 74

[الثمرة بين أنحاء الكشف]
اشارة

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته (1) و النقل، فنقول:

[الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي]

أمّا الثمرة على الكشف الحقيقي (2) بين كون نفس الإجازة شرطا، و كون الشرط تعقّب العقد بها، و لحوقها له، فقد (3) يظهر في جواز تصرّف كلّ منهما (4) فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم (5) إجازة المالك

______________________________

إنّه يعزل له نصيب ذكرين كما مرّ آنفا.

و قد تحصّل ممّا أفاده المصنف في المقام الأوّل: دلالة صحيحة أبي عبيدة على الكشف الحقيقي، هذا.

الثمرة بين أنحاء الكشف

(1) الثلاثة المتقدمة في مقام الثبوت. و هذا شروع في المقام الثاني، و هو ثمرة القولين، و لكنّه بيّن أوّلا الثمرة بين أقسام الكشف، ثمّ بين الكشف و النقل. فتارة يبحث عن الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي، و اخرى بين الكشف الحقيقي و الحكمي، و ثالثة بين الكشف و النقل، فهنا جهات ثلاث.

الثمرة بين قسمي الكشف الحقيقي

(2) هذه هي الجهة الاولى، و هي الثمرة المختصة بكلا قسمي الكشف الحقيقي المذكورين في المتن، و هما: كون نفس الإجازة شرطا، و كون الشرط تعقب العقد بالإجازة. و تظهر الثمرة بينهما في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد بناء على شرطية التعقب، و عدم الجواز بناء على شرطية نفس الإجازة بوجودها الخارجي حتى مع العلم بصدور الإجازة من المالك فيما بعد.

(3) جواب «أمّا» و التعبير ب «قد»- الظاهر في التقليل- إنّما هو لاحتمال كون التعقب وصفا للعقد مطلقا، أو حين حصول الإجازة، أو العلم بتحققها فيما بعد. و إلّا فمع توقف وصف التعقب على وجود الإجازة خارجا تنتفي الثمرة بين شرطية نفس الإجازة و شرطية التعقب، لعدم حصول شرط الملكيّة- و هو الإجازة أو التعقّب- حتّى يجوز التصرف.

(4) أي من المتعاقدين.

(5) كما صرّح به صاحب الجواهر في عبارته المتقدمة في (ص 31).

ص: 75

فيما بعد [1] (1).

______________________________

(1) لا تخلو العبارة من قصور، فلا بدّ أن ينضمّ إلى المتن جملة «بناء على الثاني دون الأوّل».

أقول: إنّ ترتب هذه الثمرة على القسمين المذكورين منوط بكون وصف التعقب ثابتا للعقد بنحو الشرط المقارن. و هذا مشكل كما ذكرناه في التعليقة.

و عليه فالإجازة و التعقب بوزان واحد من حيث الشرطية. فالملكية التي هي موضوع جواز التصرف منوطة بوجود الإجازة خارجا، سواء أ كان الشرط نفس الإجازة أم التعقب، لحصول كليهما بصدور الإجازة.

فالمتحصل: عدم جواز التصرف قبل وجود الإجازة مطلقا، سواء أ كان الشرط

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: إنّ الكشف الحقيقي تارة يكون بشرطية التعقب بالإجازة، مع الالتزام بكون التعقب وصفا مقارنا للعقد. فالعلم بحصول الإجازة فيما بعد علم بتحقق الشرط فعلا، و هو التعقب، و العلم به علم بالمشروط فعلا و هو الملكية، فيجوز التصرف حينئذ أي قبل حصول الإجازة، لفعلية الشرط الموجبة لفعلية المشروط.

و اخرى يكون بشرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر المصطلح عليه. و وزان هذه الصورة وزان شرطية التعقب في فعلية الشرط و المشروط، إذ مع فرض جواز الشرط المتأخر يكون كل من الشرط و المشروط مع العلم بحصول الإجازة فعليّا، فلا مانع من التصرف.

و ثالثة يكون بشرطية الإجازة المتأخرة الموجبة للانقلاب. و من المعلوم أنّ العلم بحصول سبب الانقلاب- و هو الإجازة فيما بعد- لا يكون علما بالانقلاب فعلا حتى يترتب عليه الملك الذي هو سبب جواز التصرف.

و قد ظهر من هذا البيان ترتب الثمرة على هذه الأقسام من الكشف الحقيقي، لجواز التصرف قبل صدور الإجازة في القسمين الأوّلين، لفعلية الشرط و المشروط في كليهما على التفصيل المتقدم. بخلاف القسم الثالث، ضرورة أنّ الإجازة بوجودها الخارجي سبب للانقلاب، فالعلم بصدورها فيما بعد علم بحصول السبب فيما بعد، و ذلك ليس علما بفعلية سبب الانقلاب حتى يترتب عليه الملكية التي أنيط بها جواز التصرف.

ص: 76

[الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي]

و أمّا الثمرة بين الكشف الحقيقي (1) و الحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا، [فإنّه] (2) يظهر في مثل ما إذا وطأ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها، فأجاز

______________________________

نفس الإجازة أم التعقب. و الثمرة المذكورة ليست ثمرة للكشف الحقيقي المعتمد على شرطية نفس الإجازة أو التعقب.

الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي

(1) و هو كون الشرط نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو تعقب العقد بها، و هذا شروع في الجهة الثانية، و هي الثمرة المترتبة على كلّ من الكشف الحقيقي- بكلا قسميه- و الحكمي.

(2) محصّل الثمرة المستفادة من كلام المصنف قدّس سرّه هو: أنه إن اشترى شخص من البائع الفضولي جارية، و تصرّف فيها قبل المراجعة إلى المالك ليظهر أنه يجيز البيع أو يردّه، ثم أجاز المالك. فيقع الكلام في جواز استمتاعه بها، ثم فيما يتفرع عليه من فرعين:

أحدهما: صيرورة الجارية أمّ ولد.

و ثانيهما: فيما إذا نقل المالك هذه الجارية- التي استولدها المشتري- إلى الغير ببيع أو هبة مثلا قبل أن يجيز بيع الفضولي.

أمّا ظهور الثمرة في حكم الاستمتاع بها قبل إجازة المالك، فبيانه: أنّه بناء على كون الإجازة ناقلة لا يجوز التصرف قبل الإجازة واقعا و ظاهرا. و كذا بناء على الكشف الحكمي مع شرطية نفس الإجازة، سواء أ كان عالما بلحوق الإجازة أو بعدمه، أم كان شاكّا في لحوقها.

أمّا على الأوّل فلعدم تحقق سبب الجواز فعلا. و العلم بتحققه فيما بعد لا يوجب فعلية السبب. و أمّا على الثاني فلأصالة عدم الإجازة. و هذا حكم ظاهري، فيكون تصرفه تجريا، لحرمته ظاهرا و إن كان حلالا واقعا.

و أمّا بناء على الكشف الحقيقي- مع كون وصف التعقب شرطا- فمع العلم

ص: 77

فإنّ (1) الوطء على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا، لأصالة عدم الإجازة، و حلال

______________________________

بلحوق الإجازة يجوز التصرف [1]، لحصول انتزاع وصف التعقب بالعلم بحصول الإجازة.

و أمّا مع كون الشرط نفس الإجازة، فظاهر المصنف قدّس سرّه عدم الجواز ظاهرا كالنقل، سواء أ كان عالما بتحقق الإجازة أم شاكّا فيه.

إذ على الأوّل ليس السبب كاملا و إن علم باستكماله فيما بعد، لكنه لا يجدي في جواز التصرف قبل استكمال السبب كما في النقل.

و على الثاني يستند عدم الجواز إلى أصالة عدم تحقق الإجازة.

و أمّا الحكم الواقعي فهو الجواز مع فرض تحقق الإجازة.

و يترتب على الجواز الواقعي و المنع الظاهري ما يترتب عليهما من الأحكام.

فالمتصرف- بناء على عدم الجواز ظاهرا- فاسق، فيستحقّ التعزير و العقاب بناء على القول بثبوته على المتجري.

كما أنّ الولد حرّ و ملحق به، لأنّ الرقية- كوجوب الحد- من آثار عدم الجواز الظاهري و الواقعي معا. فلو جاز أحدهما كان كافيا في الحرية و الإلحاق و سقوط الحد، فالولد حرّ و ملحق به على احتمالات الكشف.

نعم على القول بالنقل يكون رقّا، لعدم جواز الوطي ظاهرا، و عدم صيرورته ملكا له قبل الإجازة. بل يجب عليه الحد أيضا. هذا حكم غير الاستيلاد. و أمّا الاستيلاد فسيأتي حكمه.

(1) تعليل لقوله: «يظهر» و بيان للفارق- بين الكشف الحقيقي و الحكمي- في شراء الجارية فضولا.

______________________________

[1] بل لا يجوز التصرف، لعدم كفاية العلم بحصول الإجازة في انتزاع وصف التعقب، لأنّ منشأ انتزاع هذا الوصف هو وجود الإجازة خارجا، دون العلم بوجودها فيما بعد، كما مرّ سابقا.

ص: 78

واقعا، لكشف الإجازة (1) عن وقوعه (2) في ملكه.

و لو أولدها (3) صارت أمّ ولد على الكشف الحقيقي و الحكمي،

______________________________

(1) أي: الإجازة الصادرة من المالك، فإنّها كاشفة عن وقوع الوطء في ملكه.

(2) يعني: عن وقوع الوطء في ملك المشتري، و هذا بخلاف الكشف الحكمي، حيث إنّ الوطي حرام، لوقوعه في غير ملكه.

فعلى القول بإجراء الأحكام الممكنة- كما مرّ في كلام المصنف قدّس سرّه- لا يمكن إجراؤها هنا، لعدم إمكان الحلّ في التصرف الواقع في ملك الغير [1].

(3) أي: و لو أولد المشتري الجارية صارت أمّ ولد، و لا يجوز بيعها حينئذ. و هذا شروع في أوّل الفرعين المترتبين على وطي الجارية- المشتراة فضولا- قبل إجازة المالك.

و ينبغي تقديم أمر قبل توضيح المتن، و هو: أنّهم حكموا في كتاب الاستيلاد بأنّ أمّ الولد مملوكة، و لكن لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّا، إلّا في بعض الموارد. فإن مات مولاها- و ولدها حيّ- جعلت في نصيب ولدها و عتقت عليه «1».

و اشترطوا في صيرورتها أمّ ولد أن تحمل من حرّ، و أن تكون مملوكة له حال الوطء، سواء أ كان الوطء مباحا، أم محرّما كالوطء في حال الحيض و شبهه. فلو حملت- و هي غير مملوكة له- لم تكن أمّ ولد، سواء حملت من مملوك بالزنا أم من حرّ غير مالك لها واقعا كالمغرور، و المشتري لجارية ظهرت مستحقّة للغير.

قال المحقق قدّس سرّه: «فلو أولد أمة غيره مملوكا، ثم ملكها لم تصر أمّ ولده و لو أولدها حرّا ثم ملكها، قال الشيخ: تصير أمّ ولده. و في رواية ابن مارد: لا تصير أمّ ولده» «2».

______________________________

[1] لكن الحق بناء على الكشف الحكمي حلّيّة الوطي، لأنّ مقتضى تنزيل غير الملك منزلة الملك هو حلية الوطي، فإنّ دليل التنزيل حاكم على ما دلّ على اعتبار الملك في حلية الوطي، أو كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد لواطئها، كسائر التنزيلات الشرعية كالاستطاعة البذلية و المسافة التلفيقية.

______________________________

(1) راجع: شرائع الإسلام، ج 3، ص 139.

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138، و لاحظ جواهر الكلام، ج 34، ص 372 و 373

ص: 79

لأنّ (1) مقتضى جعل الواقع ماضيا ترتّب (2) حكم وقوع الوطء في الملك.

و يحتمل (3) عدم تحقّق الاستيلاد على الحكمي، لعدم (4) تحقّق حدوث الولد

______________________________

و المستفاد منه أنّ ترتب أحكام أمّ الولد على الأمة منوط بكون ولدها حرّا، و حرّيّته تتوقف على الملك، سواء أ كان الوطء مباحا أم حراما لعارض، فلو لم تكن مملوكة للواطي كان ولدها مملوكا تابعا لامّه، و لا تصير محكومة بأحكام أمّ الولد.

و يقع الكلام في أنّ الملكية المستكشفة بإجازة المالك كافية في صدق «أمّ الولد» عليها، أم لا بدّ من الملكية الثابتة قبل المباشرة، فنقول: إنّ حاصل ما أفاده قدّس سرّه: انّه لا إشكال في تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحقيقي، لكشف الإجازة عن وقوع الوطء في ملك الواطئ، فتصير الأمة أمّ ولد له. كما لا ينبغي الإشكال في عدم صيرورتها أمّ ولد للمشتري بناء على ناقلية الإجازة، لوقوع الوطي في ملك الغير.

و أمّا على القول بالكشف الحكمي ففيه وجهان:

أحدهما: الاستيلاد، نظرا إلى لزوم ترتيب أحكام الملكية السابقة التي منها صيرورة الأمة أمّ ولد للمشتري.

ثانيهما: عدم الاستيلاد، لوقوع الوطي في ملك الغير الذي هو محكوم بالبقاء إلى أن تصدر الإجازة من مالك الأمة، فلا تصير حينئذ أمّ ولد للمشتري.

(1) تعليل لصيرورتها أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي، لأنّ قوله قدّس سرّه: «ترتب حكم وقوع الوطي في الملك» كالصريح في عدم وقوع الوطي في الملك حقيقة، بل نزّل منزلة وقوعه في الملك، فحكمه حكم الوطي الواقع في الملك حقيقة في كونه موجبا لصيرورة الأمة أمّ ولد.

(2) خبر قوله: «لأنّ» أي: مقتضى جعل العقد الفضولي نافذا هو ترتب .. إلخ.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي تعرضنا له بقولنا: «ثانيهما: عدم الاستيلاد ..

إلخ».

(4) تعليل لعدم تحقق الاستيلاد بناء على الكشف الحكمي، لظهور بعض النصوص في أنّ صيرورة الأمة أمّ ولد منوطة بحدوث الولد في الملك، أي كونها مملوكة للسيد حين تكوّن الولد، فلو لم تكن مملوكة لسيدها في تلك الحالة لم تصر أمّ ولد، و إن حكم الشارع

ص: 80

في الملك، و إن حكم بملكيّته (1) للمشتري بعد ذلك [1].

______________________________

بترتب آثار الملكية عليها في حال تكوّن الولد.

ففي معتبرة محمّد بن مارد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يتزوّج الأمة، فتلد منه أولادا، ثم يشتريها، فتمكث عنده ما شاء اللّه، لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها. قال: هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك، و إن شاء أعتق» «1». فإن قوله عليه السلام: «هي أمته ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك»- أي بعد ما ملكها- كالصريح في اشتراط صيرورتها أمّ ولد بحدوث الولد في ملكه. و هذا لا يصدق على من لم تكن ملكا للواطى حين الحمل، و إنّما صارت ملكه بعد تحقق الإجازة كما في مورد البحث.

(1) أي: بملكية الولد بعد صدور الإجازة من المالك الأصيل، لأنّه حينئذ نماء ملكه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على جميع وجوه الكشف تصير الأمة أمّ ولد، لأنّها و إن لم تكن ملكا للمشتري حال الوطء بناء على الكشف الانقلابي و الحكمي، لكنها لصيرورتها بعد إجازة عقد الفضولي ملكا حقيقة أو حكما للمشتري- الذي اشتراها من الفضولي- صارت أمّ ولد للمشتري.

و أمّا سائر وجوه الكشف الحقيقي الستة التي ذكرناها في مرحلة الثبوت، فتفصيله: أنّه مع العلم بحصول الإجازة من المالك يجوز التصرف لكل منهما قبل صدور الإجازة واقعا و ظاهرا على الوجه الأوّل و الثاني و الثالث و الخامس و السادس، لوجود الشرط فيها حين العقد.

أمّا على الوجه الأوّل و الخامس- و هما شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخر- فلوجود المشروط فعلا، إذ المفروض جواز تقدم المشروط على الشرط العقلي في الأوّل،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 589، الباب 85 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و الظاهر تمامية السند و إن كان يخدش فيه في بعض الكلمات من جهة ضعف إسناد الشيخ الى ابن محبوب بابن بطة. وجه الصحة شهادة الشيخ في الفهرست بأنّ له سندا صحيحا إلى جميع كتب ابن محبوب و رواياته.

و لا إشكال من جهة سائر الرواة كما لا يخفى على من راجع تراجمهم.

ص: 81

______________________________

و الشرعي في الخامس الذي ارتضاه صاحب الجواهر قدّس سرّه، فيجوز التصرف لكليهما قبل حصول الإجازة.

و كذا على الوجه الثاني الذي يكون الشرط فيه وصف التعقب بناء على كونه وصفا مقارنا للعقد. و الوجه الثالث الذي يكون الشرط فيه الرضا التقديري. و الوجه السادس الذي يكون الإجازة فيه مجرّد العلامة و الأمارة على حصول النقل و الانتقال بنفس العقد، إذ بناء على الوجوه الثلاثة يكون العقد من حين وقوعه تامّا مؤثرا.

و أمّا الكشف الانقلابي و الحكمي فقد عرفت صيرورة الأمة أمّ ولد فيهما بعد الإجازة. هذا كلّه بحسب الحكم الواقعي.

و أمّا الحكم الظاهري فهو عدم جواز التصرف في جميع أنحاء الكشف، لأصالة عدم الإجازة، إذ مع عدم العلم بلحوق الإجازة يكون مقتضى الأصل عدم جواز التصرف.

و أمّا مع العلم بلحوقها فلا إشكال في جواز التصرّف في صورتي شرطية التعقب و شرطية الإجازة بنحو الشرط المتأخّر، و في صورتي شرطية الرضا التقديري، و أمارية الإجازة على تأثير العقد، و حصول النقل و الانتقال من دون دخل للإجازة في تأثير العقد.

و أمّا الكشف الانقلابي و الحقيقي الذي تقدّم من صاحب الجواهر فلا يكفي العلم بوجود الإجازة فيما بعد، إذ المفروض دخل الإجازة بوجودها الخارجي في الملكية التي يترتّب عليها جواز التصرف، و العلم تعلّق بما يصير بعد ذلك سببا لجواز التصرف. و هذا لا يكفي في فعلية سبب جواز التصرف حتى يصير مسبّبه فعليا.

ثم إنّه قد يمنع ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من صيرورة الأمة أمّ ولد بناء على الكشف الحكمي- بما في تقرير السيد المحقق الخويي قدّس سرّه من: أنّ الشارع و إن حكم بعد إجازة المالك بكون الأمة ملكا للمشتري من الفضولي، و أنّ الولد تكوّن في ملكه، إلّا أنّ ظاهر الأدلة المتكفلة لأحكام أمّ الولد- كحرمة بيعها- هو حدوث الولد في ملك الواطى، و المفروض أنّ هذه الأمة لم تكن ملكه حين الوطي، و إنّما صارت ملكه بقاء أي بعد إجازة المالك، فلم يتحقق الاستيلاد في ملك المشتري، و مثلها غير مشمول لتلك الأدلة.

و هذا نظير أخبار مبطلية الزيادة، فإنّها مختصة بما إذا اتصف الفعل- كقراءة الآية أو

ص: 82

و لو نقل المالك الولد [أمّ (1) الولد] من ملكه

______________________________

(1) و هي التي بيعت فضولا. و هذا إشارة إلى ثمرة ثانية- بين الكشف الحقيقي و الحكمي- تظهر في بيع جارية الغير فضولا، التي أولدها المشتري. بأن باعها الفضولي في الساعة الاولى، ثم أخرجها السيد عن ملكه في الساعة الثانية، ثم أجاز بيعها فضولا في الساعة الثالثة.

______________________________

السورة- بأنّه زائد حين وقوعه، لا ما إذا اتصف به بعد وقوعه، لظهور الدليل في أحداث الزائد، لا جعل الحادث سابقا زائدا بعد حدوثه «1».

أقول: و لعلّ من هذا الباب حكمه قدّس سرّه باعتبار خروج البدن كلّا أو بعضا من الماء في الغسل الارتماسي، و عدم كفاية الارتماس لغرض آخر، ثم نية الغسل في هذه الحالة، فإنّ المراد من الاغتسال إحداثه و إيجاده، و لا يصدق عند كونه مرتمسا «2».

و كيف كان، فيمكن منع ما أفاده قدّس سرّه. أمّا في مبطلية الزيادة فلأنّ دعوى اختصاصها بقصد الزيادة من حين الشروع في الزائد محل تأمل، لإطلاق «من زاد» الدال على إخلال الزيادة العمدية في الصلاة. فلو شرع في سورة ثم عدل عنها إلى أخرى، صدق عنوان الزائد على الاولى، لكنها مغتفر فيها، للنص الدال على جواز العدول إلى سورة أخرى قبل بلوغ النصف، لا لعدم صدق الزائد على المأتيّ به أوّلا، فإنّ الزيادة المخلّة تتوقف على قصد الجزئية، و المفروض تحققه في مثل السورة. لكن لا بدّ من تقييد إطلاق «من زاد». و دعوى الانصراف الى خصوص الزيادة الحدوثية ممنوعة أيضا.

كما أنّه يمكن التأمل في وجوب إخراج معظم البدن من الماء في الغسل، بدعوى: أنّ المكث فيه بقصد الغسل فعل اختياري يتعلق به قصد امتثال الأمر. و لو شك في اعتبار أمر زائد عليه ينفى بالأصل. هذا في المقيس عليه.

و أمّا الأمة فالظاهر أنّها محكومة بكونها أمّ ولد بمقتضى الكشف الحكمي و الانقلابي كما تقدم. هذا كله بحسب القاعدة. و لكن يمكن استفادة اعتبار ملكيّتها في منع بيعها من معتبرة محمّد بن مارد المتقدمة في التوضيح.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 4، ص 157 و 158.

(2) منهاج الصالحين، ج 1، ص 56، المسألة: 153 من كتاب الطهارة.

ص: 83

..........

______________________________

و ينبغي التنبيه على أمر قبل توضيح الثمرة، و هو: أنّ الموجود في كثير من نسخ الكتاب- حتى النسخة المصححة التي نعتمد عليها- هو: «و لو نقل المالك الولد من ملكه» و كذا بتذكير الضمير فيما سيأتي من قوله: «و على المجيز قيمته» لكن كتب فوق كلمة «الولد» كلمة «أمّ» مع علامة «ظاهرا». و لم يتّضح أنّ الصادر من قلم شيخنا الأعظم قدّس سرّه هو «نقل الولد» أو «نقل أمّ الولد».

و اختلفت أنظار أعلام الشراح و المحشين في ما هو الأرجح في ضبط العبارة. فمنهم من اعتمد على نسخة «و لو نقل المالك أمّ الولد» فشرح العبارة أو اعترض عليها «1». و منهم من جعل الأنسب بما ذكره المصنف قدّس سرّه في ضابط الكشف الحكمي هو نسخة «و لو نقل المالك الولد» «2».

و كيف كان فينبغي توضيح المتن بناء على كلتا النسختين، ثم التعرض في التعليقة لما يظهر بالتأمل في كلمات المصنف، فنقول و به نستعين:

أمّا بناء على نسخة «أمّ الولد» فتظهر الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي، لو نقل السّيد أمّ الولد عن ملكه ببيع أو هبة قبل أن يجيز عقد الفضولي، ثم أجازه. فبناء على الكشف الحقيقي يحتمل كل من صحة هذا النقل و بطلانه، و بناء على الكشف الحكمي يصح نقلها كما يصح بيعها فضوليا بالإجازة.

و ليعلم- قبل تقريب الصحة و البطلان- أنّ محلّ الوجوه المزبورة هو جهل سيّد الأمة- حين نقل أمته- بأنّها بيعت فضولا، إذ لو كان عالما ببيعها فضولا كان نقلها إلى الغير بهبة أو ببيع ردّا لذلك البيع الفضولي.

و بعد وضوح محل النزاع نقول: بناء على الكشف الحقيقي يحتمل أمران بطلان النقل و صحته.

______________________________

(1) لاحظ: غاية الآمال، ص 380، حاشية السيد، ج 1، ص 154، منية الطالب، ج 2، ص 243، و احتمل الميرزا النسخة الأخرى، لكن المستفاد منه ترجيح كون المنقول هو الأم، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 129.

(2) حاشية السيد الاشكوري، ج 1، ص 86، حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 151

ص: 84

..........

______________________________

أمّا الاحتمال الأوّل و هو بطلان النقل، فلأنّ الإجازة المتأخرة كشفت عن دخول أمّ الولد في ملك من اشتراها من الفضولي من حين بيعها منه، فنقل السيد لها نقل لمال الغير، و هو غير نافذ إلّا بإجازته.

و أمّا الاحتمال الثاني- و هو صحة نقل السيد لامّ الولد، و بطلان الإجازة المتأخرة- فلأنّ الأمة تكون ملكا لسيّدها قبل إجازة بيعها فضولا، و لم يتعلّق بها بعد حقّ مانع من نفوذ نقله، فلا يبقى موضوع للإجازة، لما سيأتي في ثالث تنبيهات الإجازة (في ص 181) من توقف تأثير الإجازة على عدم تخلّل ردّ المالك بين العقد الفضولي و بين إجازته. كما سيأتي أيضا في أحكام الرّد إنشاء الرّد بكلّ من القول و الفعل. فراجع (ص 445- 446).

و بناء عليه يحتمل كون نقل أمّ الولد ردّا لذلك البيع الفضولي و مفوّتا لمحلّ الإجازة، و من المعلوم أنّ الرّد الفعلي كالقولي في عدم بقاء موضوع الإجازة. هذا بناء على الكشف الحقيقي.

و أمّا بناء على الكشف الحكمي فيصحّ نقل أمّ الولد. لبقائها على ملك سيّدها، فإذا أجاز بيعها فضولا فقد تملّك ثمنها بإجازته، فيتحقق عقدان صحيحان. و لمّا لم يتمكن السيد من الوفاء بكلا العقدين- لكون المنقول و المبيع واحدا شخصيا و هو الأمة- تعيّن تسليم العين للمشتري من الفضولي، و دفع قيمتها إلى من نقلها السيد اليه.

أمّا تسليم الأمة للمشتري من الفضولي فلأنّه مقتضى تنفيذ بيع الفضولي بإجازته، و صيرورة ذلك البيع مضافا إلى نفس السيد بالإجازة المتأخرة.

و أمّا تسليم القيمة إلى الثاني، فلكونه مقتضى صحة نقله الواقع قبل حكم الشارع بصيرورة الأمة ملكا للمشتري من الفضولي، و من المعلوم أنّه عند تعذر تسليم العين لصاحبها يلزم ردّ البدل و هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

و نظير هذه المسألة- من الحكم بصحة البيع الفضولي و نقل المالك، و تسليم العين لأحد المشتريين و البدل إلى الآخر- هو تصرّف من عليه الخيار في المبيع الخياري بناقل لازم إذا فسخ ذو الخيار بعد ذلك، حيث إنّهم حكموا بصحة ذلك التصرف الناقل كحكمهم بصحة الفسخ، و اشتغال ذمة من عليه الخيار بالبدل، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

هذا توضيح الثمرة بناء على كون المنقول هو الأمّ المبيعة فضولا.

ص: 85

قبل الإجازة (1)، فأجاز، بطل (2) النقل على الكشف الحقيقي، لانكشاف وقوعه (3) في ملك الغير. مع احتمال (4) كون النقل بمنزلة الرد. و بقي (5) صحيحا على الكشف

______________________________

و أمّا بناء على نسخة «و لو نقل الولد» فتوضيح الثمرة: أنّه بناء على الكشف الحقيقي يبطل نقل الولد، إذ الإجازة المتأخرة كشفت عن كون الأمة و ولدها ملكا للمشتري من الفضولي، لتبعية النماء للعين، فهو ملك الغير، و نقل مالك الأمة له- قبل الإجازة- تصرّف في ملك الغير.

و بناء على الكشف الحكمي يصحّ نقل الولد، لأنّه نماء ملكه، و لم يتعلق به حق أحد بعد. و لكن حيث أجاز البيع الأمة فضولا فقد أتلف على المشتري نماءها، فيضمن المالك بدله، فيجب دفع قيمة الولد إلى المشتري من الفضولي.

فإن قلت: لم لا يكون نقل الولد ردّا فعليا لبيع الأمة؟ حتى لا يبقى محل لإجازة البيع، و لا موضوع لدفع البدل إلى المشتري.

قلت: لا يكون نقل الولد منافيا لإجازة بيع الأمة، لأنّ مصبّ البيع الفضولي هو نفس الأمة لا نماؤها، فالإجازة و الردّ يتعلقان بمورد ذلك البيع، لا بما هو خارج عنه. و عليه فنقل الولد لا يزاحم إجازة بيع الامّ، و يتجه حينئذ وجوب دفع قيمته إلى المشتري، فيمكن الالتزام بصحتهما معا.

(1) أي: قبل أن يجيز المالك بيع أمته فضولا.

(2) جواب «و لو نقل» أي: بطل النقل الذي أنشأه مالك الأمة بناء على الكشف الحقيقي. و المراد بالبطلان كونه فضوليا موقوفا على إجازة المشتري من الفضولي، و ليس المراد بطلان النقل رأسا و خروجه عن قابلية الصحة حتى لو أجاز المشتري.

(3) أي: وقوع نقل السيد- للأمة- في ملك الغير، و هذا الغير هو المشتري من الفضولي.

(4) تقدم توضيح هذا الاحتمال بقولنا: «و يحتمل كون نقل الامّ ردّا لذلك البيع الفضولي ..».

(5) معطوف على «بطل» يعني: أنّ النقل الصادر من المالك باطل على الكشف الحقيقي و صحيح على الكشف الحكمي، لبقاء المال المبيع فضولا على ملكه، فوقع النقل في ملكه.

ص: 86

الحكمي، و على المجيز (1) قيمته (2) [قيمتها] لأنّه (3) مقتضى الجمع [1] بين جعل

______________________________

(1) و هو المالك الأصيل المجيز لبيع الفضولي بعد نقل أمّ الولد عن ملكه إلى الغير.

(2) اختلفت النسخ في ضبط هذه الكلمة أيضا- كما أشرنا إليه- ففي كثير منها «قيمته» و هو يناسب كون مصبّ الثمرة نقل الولد. لكنها صحّحت ب «قيمتها» ليناسب كون المنقول هو الامّ، لا الولد.

(3) أي: لأنّ ثبوت قيمة أمّ الولد على المالك هو مقتضى الجمع بين جعل عقد الفضولي ماضيا و نافذا من حين وقوعه، و بين صحة نقل المالك الأصيل أمّ الولد الذي وقع قبل حكم الشارع بنفوذ بيع الفضولي، فإنّ مقتضى الجمع بين صحة عقد الفضولي و بين صحة النقل المزبور هو تسليم أمّ الولد إلى المشتري الثاني الذي

______________________________

[1] هذا التعليل يناسب كون المنقول هو الأمّ، فإنّ الولد و إن كان تابعا لأمّه في الملكية- لتبعية النماء للعين- إلّا أنّ الجمع بين مقتضى الكشف الحكمي و صحة النقل يقتضي كون موضوع البيع الفضولي و نقل المالك واحدا حتى يجمع بينهما، إذ لو كان المنقول هو الولد، و المجاز بيع امّه، لم يكن تناف بينهما، بل المتعين دفع قيمة الولد، لكون نقله إتلافا له على مالكه.

و كذا ما تقدم من قوله: «مع احتمال كون النقل بمنزلة الردّ» يلتئم أيضا مع كون المنقول هو الامّ، لما سيأتي بعد أسطر من أنّ التصرف المنافي للبيع الفضولي المفوّت لمحلّ الإجازة يكون ردّا فعليا للعقد، و من المعلوم أنّ مورد الإجازة و الرد هو بيع الأمة، فلو كان المنقول هو الولد لم يكن منافيا لبيع الامّ، و إنّما يجب عليه البدل، لكون هذا النقل إتلافا لنماء العين التي تترتب عليها أحكام الملك من زمان العقد. و لو كان المنقول هو الامّ كان ردّا لبيع الفضول.

و لعلّ الأكثر لأجل هاتين الجملتين التزموا بأنّ المنقول هو الأمّ.

إلّا أن الظاهر من التعليل الآتي في قوله: «و ضابط الكشف الحكمي ..» كون المنقول هو الولد لا الام. قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «و هذا- أي كون المنقول الولد- هو الأنسب بما صرّح به على الكشف الحكمي من أنّه لا موقع للإجازة و ترتيب الأثر مع تفويت محلّ

ص: 87

العقد ماضيا من حين وقوعه (1)، و بين مقتضى صحّة النقل الواقع قبل

______________________________

اشترى أمّ الولد من مالكها الأصيل، و إعطاء قيمتها إلى المشتري الذي اشتراها من البائع الفضولي.

و ما نحن فيه نظير بيع من عليه الخيار- كمن يشتري دكّانا مثلا بثمن معيّن- مع جعل الخيار للبائع في مدة معينة، ثم يبيع المشتري- الذي عليه الخيار المجعول للبائع- ذلك الدّكان في زمان الخيار بيعا لازما، فإنّ على المشتري الذي عليه الخيار أن يدفع قيمة الدكان الذي باعه، إلى من له الخيار، لأنّ بيع من عليه الخيار المتعلق الخيار إتلاف له على من له الخيار، فعليه دفع قيمته إلى ذي الخيار.

هذا وجه صحة كلّ من البيع الفضولي بالإجازة، و نقل المالك للأمّ إلى شخص آخر، و وجوب دفع قيمتها إلى الأوّل.

و إن كان المنقول هو الولد فوجوب دفع قيمته أوضح وجها، و قد تقدم بيانه (في ص 86) بقولنا: «و بناء على الكشف الحكمي يصح نقل الولد، لأنه نماء ملكه .. إلخ».

(1) لا يخفى اقتضاء جميع أقسام الكشف جعل العقد ماضيا من حين وقوعه، في

______________________________

الإجازة شرعا أو عقلا، فإنّ الجارية محلّ الإجازة و مورد العقد، فلا ملك للمجيز حال إجازته حتى يجيز، و يجب ترتيب آثار العقد الصحيح من الأوّل. بخلاف نقل الولد أو مطلق نمائه، فإنّه ليس مصبّا للعقد و موردا للإجازة، فتصحّ الإجازة، و يرجع بالإضافة إلى منافعه و نمائه إلى البدل. و من المعلوم أنّ مورد الكشف الحقيقي و الحكمي أمر واحد، و ليس هو إلّا الولد ..» «1».

و ما أفاده قدّس سرّه- من اقتضاء كلام المصنف في ضابط الكشف الحكمي كون المنقول هو الولد- متين جدّا و لا غبار عليه. إلّا أنّه لا يلتئم مع الجملتين المتقدمتين الظاهرتين في كون المنقول هو الأمّ. فالإنصاف عدم خلوّ العبارة في بيان هذه الثمرة- من تشويش، و هو أعلم بما أفاد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 151

ص: 88

حكم الشارع (1) بهذا الجعل. كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلّقه بنقل لازم (2) [1].

______________________________

قبال النقل. و لمّا كان المقصود ترتيب الثمرة على الكشف الحكمي، فلا بدّ من أن يراد من قوله: «جعل العقد ماضيا من حين وقوعه» الحكم بترتيب آثار الملكية من حين العقد، في قبال الكشف الحقيقي الموجب لاعتبار نفس الملكية من زمان العقد.

(1) إذ لو وقع النقل بعد حكم الشارع بنفوذ عقد الفضولي فلا إشكال في بطلانه، لوقوعه في ملك الغير، حيث إنّ الإجازة- سواء أ كانت كاشفة بأنحاء الكشف، أم ناقلة- أوجبت ملكية المبيع فضولا لمن اشتراه من البائع الفضولي، فالمالك الأصيل صار أجنبيا عن المبيع، بحيث لا سلطنة له على نقله إلى الغير.

(2) إذ لو كان بنقل جائز جاز لذي الخيار فسخه، لأنّ النقل الجائز لا يسقط الخيار.

______________________________

[1] الظاهر صحة النقل حتى على الكشف بجميع أنحائه، إلّا بناء على كفاية الرضا التقديري و كون الإجازة كاشفة عنه.

توضيحه: أنّه بناء على النقل وقع نقل المالك الأصيل في ملكه، فلا مانع من صحته، إذ بيع الفضولي لا يترتب عليه أثر قبل إجازة المالك، و المفروض عدم حصولها قبل النقل، فيصحّ نقل المالك، لوقوعه في ملكه، و يكون رافعا لموضوع الإجازة.

و بناء على الكشف بأقسامه- سوى كفاية الرضا التقديري- يصح أيضا نقل المالك، و ذلك لأنّ صحة عقد الفضولي منوطة بإجازة المالك المنوط نفوذها ببقاء مالكيته حين الإجازة. و حيث إنّ النقل لم يكن نفوذه مشروطا بشي ء، فحين وقوعه أثّر و خرج المبيع عن ملكه، و لا يبقى معه موضوع للإجازة.

و إن شئت فقل: إنّ نفوذ عقد الفضولي مشروط بالإجازة من مالك أمر هذا العقد، و نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا إلى غير من اشتراه من البائع الفضولي أخرجه عن ملكه، و جعله أجنبيا عن المبيع، فلو أجاز بعد هذا النقل وقع هذه الإجازة في غير ملكه، فلا تنفذ، و تكون كالعدم.

و الحاصل: أنّ صحة عقد الفضولي معلّقة على تقدير، و نقل المالك يهدم ذلك

ص: 89

______________________________

التقدير، و هو إجازته حين كونه مالكا، فإنّ نقله- حيث إنّه مطلق غير معلّق على شي ء- أوجب خروج المبيع عن ملكه، و دخوله في ملك من اشتراه منه، و عدم صلاحيته لأن يصير ملكا لمن اشتراه من البائع الفضولي.

نعم بناء على كفاية الرضا التقديري- و جعل الإجازة طريقا محضا إلى ذلك الرضا- يشكل صحة نقل المالك الأصيل، إذ المفروض انتقال المبيع فضولا إلى من اشتراه من العاقد الفضولي، فيقع نقل المالك في غير محلّه، لوقوعه في غير ملكه.

لكن المبنى فاسد، لما مرّ سابقا، كفساد طريقية الإجازة و أماريتها على الرضا و طيب النفس من دون دخل لنفس الإجازة، إذ لازمه خروج صورة العلم برضا المالك عن عقد الفضولي، و هو خلاف مذهبهم من كونه من صغريات عقد الفضولي.

و قد ظهر ممّا ذكرنا- من رافعية نقل المالك الأصيل للمبيع فضولا لموضوع الإجازة- عدم اجتماع عقدين و تزاحمهما حتى نحتاج إلى الجمع بينهما بتسليم عين الأمة إلى من اشتراها من مالكها، و دفع قيمتها إلى من اشتراها من الفضولي.

و بالجملة: تصرف المالك الأصيل في ماله الذي بيع فضولا قبل إجازته رافع لموضوع الإجازة، حيث إنّ الإجازة منوطة بمالكية المجيز لأمر العقد ردّا و إجازة حين الإجازة، و تصرفه فيه قبل الإجازة رافع لموضوعها.

و قياس المقام بفسخ من له الخيار لمتعلّق العقد الخياري- بعد نقل من عليه الخيار- في غير محلّه، لأنّ لذي الخيار حقّا في متعلقة، فليس لمن عليه الخيار نقله، فإذا نقله فقد أتلف متعلق حق ذي الخيار، فيضمن بدله. و هذا بخلاف المقام، فإنّ المالك مسلّط على ماله، فتصرفه فيه نافذ بلا مانع.

هذا مضافا الى ما أفيد من «أن الفسخ متعلق بالعقد من حينه لا من حين العقد، و الإجازة متعلقة به من حينه على الكشف، لا من حينها» «1».

و حاصل الكلام: أنّ النقل إمّا يقع قبل الإجازة، و إمّا يقع بعدها. و على التقديرين إمّا تكون الإجازة كاشفة أو ناقلة.

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 237.

ص: 90

و ضابط (1) الكشف الحكمي الحكم بعد الإجازة بترتّب آثار ملكية المشتري من حين العقد، فإن ترتّب شي ء من آثار ملكية المالك قبل إجازته-

______________________________

(1) الظاهر أنّه قدّس سرّه أراد من بيان هذا الضابط- مع عدم كونه من الثمرات المترتبة على الكشف و النقل- تعليل ما ذكره من الحكم بصحة البيع الفضولي و النقل بناء على الكشف الحكمي. و بيانه: أنّ تصرف المالك قبل الإجازة يكون على صورتين:

إحداهما: أن لا يكون التصرف منافيا لإجازة البيع الفضولي. و مثّل له بإتلاف نماء

______________________________

فإن وقع النقل بعد الإجازة، فلا أثر له أصلا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة كما هو واضح.

و إن وقع النقل قبل الإجازة، فإن قلنا بناقليتها فلا ينبغي الإشكال في جواز النقل تكليفا و وضعا، لوقوعه في ملكه.

و إن قلنا بكاشفيتها، فالمصنف قدّس سرّه ذهب إلى الجمع بين نقل المالك و بين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل، فإنّ صحة النقل و الإجازة تقتضي الرجوع إلى بدل الأمة لمن اشتراها من الفضولي، لأنّ مالكها الأصيل جعلها بسبب نقلها كالتالف، فيضمن المالك قيمتها له، و يدفع الأمة إلى المشتري الذي اشتراها من نفسه. نظير بيع من عليه الخيار للمبيع في زمن الخيار، في لزوم دفع قيمة المبيع إلى ذي الخيار.

لكن قد عرفت في صدر التعليقة صحة النقل الواقع قبل الإجازة مطلقا.

أمّا بناء على النقل فواضح، لوقوع النقل في ملك مالكه لأذى له سلطنة تامة على ماله.

و أمّا على الكشف بأقسامه سوى كفاية الرضا التقديري- فلتوقف تأثير الإجازة في العقد و تنفيذها له على اعتبارها المنوط بعدم تصرف المالك في المال الذي وقع عليه عقد الفضولي. و مع تصرّفه فيه لا يبقى موضوع للإجازة، سواء التفت المالك إلى عقد الفضولي أم لا. غاية الأمر أنّ تصرفه فيه مع الالتفات ردّ لعقد الفضولي، و بدون الالتفات مفوّت لموضوع الإجازة و رافع له.

نعم في صورة كفاية الرضا التقديري في الكشف لا يصحّ النقل، لوقوعه في ملك الغير، و هو من اشتراه من العاقد الفضولي.

ص: 91

كإتلاف (1) النماء و نقله و لم يناف الإجازة- جمع (2) بينه (3) و بين مقتضى الإجازة

______________________________

المبيع، و بنقله إلى الغير، ثم تنفيذ البيع الفضولي. و في هذه الصورة يجمع بين صحة البيع و التصرف في النماء، فتترتب بالإجازة آثار ملكية المشتري من الفضولي من حين شراء الأمة، و يحكم بتبعية النماء للعين، و بصحة نقل النماء أيضا، و يضمن قيمته للمشتري من الفضولي، لكون نقله بحكم الإتلاف.

و ثانيتهما: أن يكون تصرف المالك منافيا لإجازة البيع الفضولي، كما إذا تصرّف في نفس المبيع، بأن أعتق الأمة أو باعها من شخص آخر، فإنّ هذا النحو من التصرف مزيل لموضوع الإجازة و مفوّت لمحلّها، فيبطل البيع الفضولي، و يصح تصرف المالك بالنقل أو بالعتق.

و هذا التفصيل بين الصورتين قد أفاده في مباحث الرد كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى في (ص 446) و هو يناسب كون المنقول هو الولد لا الامّ.

و الوجه في كون هذا التفصيل أنسب بنسخة «و لو نقل المالك الولد» هو: أنّه بناء على الكشف الحكمي لا منافاة بين تصرف المالك في نماء المبيع فضولا و بين إجازة البيع، فيصحّ بيع الامّ، و يصح نقل الولد أيضا، لكنه يوجب الانتقال إلى البدل. بخلاف التصرف في نفس المبيع، فإنّه مفوّت لمحل الإجازة و مبطل للعقد الفضولي رأسا.

و بناء على الكشف الحقيقي لا يصح نقل الولد، لأنّ الإجازة اللّاحقة كشفت عن كونه ملكا للمشتري الأوّل تبعا للأمة، فنقله إلى الثاني تصرف في مال الأوّل، فإن أجاز صحّ، و إلّا وقع باطلا. هذا توضيح ما أفاده في ضابط الكشف الحكمي.

(1) يعني: أنّ إتلاف نماء الملك و نقل النماء إلى الغير يكون جائزا لكلّ مالك بمقتضى سلطنته على شؤون ماله، و هذا المقدار غير مناف لإجازة بيع العين فضولا و لا مفوّت لمحلّها.

(2) جواب الشرط في قوله: «فإن ترتّب شي ء». و وجه تعيّن الجمع بين صحّة بيع العين و جواز تصرف المالك في النّماء هو: إعمال كلّ من دليل نفوذ البيع الفضولي بالإجازة، و دليل سلطنة المالك، و قاعدة الضمان بالإتلاف و شبهه.

(3) أي: بين الشي ء الذي هو من آثار ملكية المالك الأصيل- كإتلاف النماء و نقله ببيع و صلح و نحوهما- و بين مقتضى الإجازة.

ص: 92

بالرجوع (1) إلى البدل. و إن (2) نافى الإجازة- كإتلاف العين عقلا أو شرعا كالعتق- فات (3) محلّها [1].

______________________________

(1) متعلق ب «جمع» يعني: أنّ الرجوع ببدل المنقول هو مقتضى الجمع بين صحة النقل و الإجازة.

(2) معطوف على «لم يناف» يعني: و إن ترتّب شي ء من آثار ملكية المالك و نافى ذلك الترتب إجازة المالك لبيع الفضولي، فقد فات محلّ الإجازة، و يبطل البيع.

و مثال التصرّف المفوّت لمحلّ الإجازة إتلاف العين المبيعة فضولا، إمّا إتلافا حقيقيا بإعدامها عن صفحة الوجود. و إمّا إتلافا شرعيا، و مثّل له المصنف هنا بعتق المملوك، لامتناع ردّه إلى الرقية بعد تحرّره. و لكن لا خصوصية في العتق، بل المراد من التصرف المفوّت لمحلّ الإجازة- كما صرّح به في مباحث الردّ- هو كلّ فعل مخرج عن ملكه كالبيع و الهبة.

و كذا الفعل المنافي لتأثير الإجازة في صحة العقد من حينه، كما إذا بيعت أمته فضولا، ثمّ زوّجها المالك، ثمّ أجاز ذلك البيع، فإنّ التزويج و إن لم يكن إخراجا عن الملك لكنه ينافي انتقال الأمة إلى المشتري من حين العقد.

و لا بدّ أن يكون مراده هنا من الإتلاف الشرعي ما يعمّ مثل البيع و الهبة، إذ الكلام في صحة نقل المالك، و منافاته للإجازة.

و قد تحصل ممّا أفاده بقوله: «و ضابط الكشف الحكمي» أنّ تصرف المالك إن كان في نماء المبيع فضولا، لم يكن منافيا لإجازة بيع العين ذات النماء. و إن كان في نفس العين المبيعة فضولا كان ردّا فعليا للبيع، و رافعا لموضوع الإجازة.

(3) جواب الجملة الشرطية، و هي «و إن نافى».

______________________________

[1] أورد غير واحد على جعل إتلاف العين عقلا أو شرعا منافيا للإجازة: بأنّه ما الفرق بين إتلافها كذلك، و بين نقل المالك العين عن ملكه قبل الإجازة، حيث حكم هناك بصحة الإجازة و استحقاق المشتري للبدل، و حكم هنا ببطلان الإجازة، و جعل استحقاق البدل احتمالا «1».

______________________________

(1) حاشية السيد الطباطبائي، ج 1، ص 154، حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 129

ص: 93

مع احتمال (1) الرجوع إلى البدل،

______________________________

(1) يعني: كما تقدم من تعيّن الرجوع إلى بدل النماء، فكذلك يحتمل الرجوع إلى

______________________________

أقول: المناقشة بالتنافي بين كلامي المصنف قدّس سرّه قد أوردها الفقيه المامقاني قدّس سرّه على المتن أيضا، لكنه دفعها ببيان الفارق بين نقل الأمة إلى الغير و بين عتقها، بمنع كون البيع إتلافا شرعا، لإمكان إعادة المبيع إلى الملك بالفسخ و الإرث و النقل الجديد كالهبة و الشراء، و نحوها، فلا يكون نقلها إتلافا. بخلاف العتق، لعدم كونه مجرّد إخراج العين عن الملك حتى يتحد حكمه مع البيع، بل فيه زيادة عليه، و هي امتناع إعادة المعتق إلى الرّقيّة شرعا، فلذا يكون عتق الأمة إتلافا مفوّتا لمحلّ الإجازة. بخلاف نقلها، لإمكان الجمع بين تنفيذ البيع الفضولي و نقلها إلى الآخر بتسليم العين إلى المشتري من المالك، و تسليم البدل إلى المشتري من الفضولي، هذا «1».

لكن الظاهر عدم اندفاع التهافت بين كلامي المصنف بهذا البيان، و ذلك لأنّه- مضافا إلى تصريح المصنف قدّس سرّه في أحكام الردّ بأنّ وزان البيع و الهبة وزان العتق في تفويت محلّ الإجازة، و منافاة كل منها لصحة البيع الفضولي- ينافي تنظيره وجوب دفع القيمة بناء على الكشف الحكمي بالفسخ بالخيار مع انتقال متعلقة بعقد لازم، فإنّ هذا التنظير قرينة على أنّ مراده بالإتلاف الشرعي ليس خصوص العتق، بل كل ما يخرج المبيع فضولا عن الملك، و إلّا لم يكن وجه للانتقال إلى البدل، إذ لو أجاز المالك بيع أمته فضولا لم تصل النوبة إلى دفع بدلها إلى المشتري، بل أمكن تكليف المالك بفسخ النقل الثاني، بالإقالة أو الاتّهاب، أو شرائها منه ليسلّمها إلى المشتري من الفضولي.

فحكمه قدّس سرّه بصحّة النقل، و الانتقال إلى البدل، و عدم إلزامه بإعادتها في ملكه لا يتمشّى إلا بجعل الإتلاف أعمّ من العتق و من النقل اللازم.

و عليه فالظاهر عدم خلوّ كلمات المصنف قدّس سرّه من التهافت، و لذلك قلنا إنّ ما أفاده في دفع القيمة يناسب كون النسخة «نقل الامّ» و ما أفاده بقوله: «و ضابط الكشف الحكمي ..»

يناسب نقل الولد. و هو أعلم بما قال.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 94

و سيجي ء (1).

[ثمرات الكشف و النقل]
اشارة

ثم إنّهم ذكروا للثمرة بين الكشف و النقل مواضع (2):

______________________________

البدل في التصرف المنافي للإجازة. و عليه فيصح نقل المالك في كلتا الصورتين، و هما التصرف في العين و النماء، و لا يفوت محلّ الإجازة لو تصرف في العين، بل يرجع إلى البدل.

و لا يخفى أنّ هذا الاحتمال غير معتنى به، و لذا لم يذكره في مباحث الرد، و جزم هناك بانّ التصرف في العين ردّ فعليّ للبيع الفضولي.

(1) يعني: و سيجي ء في أحكام الرد تفصيل الكلام في التصرف المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة، حيث قال: «و كذا يحصل- يعني الردّ- بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما كالعتق و البيع و الهبة و التزويج و نحو ذلك .. و أمّا التصرف غير المخرج عن الملك كاستيلاد الجارية و إجارة الدار و تزويج الأمة فهو و إن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه، إلّا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد .. إلخ» فراجع (ص 446 و 447).

و كيف كان فلم يتعرّض المصنف هناك لاحتمال الرجوع إلى البدل، بل جزم بكون التصرف المنافي ردّا فعليا لعقد الفضولي.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية المتكفلة للثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي. و سيأتي الكلام في الثمرة بين الكشف و النقل.

ثمرات الكشف و النقل

(2) ذكرنا في (ص 75) أنّ المقام الثاني من مباحث الإجازة- يتكفل بيان ثمرات الكشف و النقل، و تقدم الكلام في جهتين، و هما ثمرة قسمي الكشف الحقيقي، و ثمرة الكشف الحقيقي و الحكمي. و يقع الكلام في الجهة الثالثة، و هي ثمرات الكشف- مطلقا- و النقل، و جملتها مذكورة في الجواهر و في شرح القواعد أيضا. و قدّم المصنف قدّس سرّه ثمرات ثلاث معروفة، ثم تعرض لثمرات اخرى ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه و تبعه في أنوار الفقاهة و كشف الظلام.

ص: 95

[الاولى: النماء]

منها (1): النماء، فإنّه على الكشف بقول مطلق (2) لمن انتقل إليه العين، و على النقل لمن انتقلت عنه (3).

و للشهيد الثاني في الروضة عبارة (4)،

______________________________

الاولى: النماء

(1) أي: من تلك المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف و النقل.

(2) أي: بأقسامه الثلاثة المذكورة سابقا في كلام المصنف قدّس سرّه من الكشف الحقيقي، مع كون الشرط فيه نفس الإجازة بناء على إمكان الشرط المتأخر. و من الكشف الحقيقي مع كون الشرط فيه الوصف المنتزع و هو التعقب. و من الكشف الحكمي الذي هو نقل حقيقي و كشف حكمي، أعني به القول بانتقال النماء إلى المشتري، مع القول ببقاء الملك على ملك مالكه إلى زمان الإجازة.

و محصل هذه الثمرة هو: أنّ النماء على القول بالكشف- مطلقا- يكون لمن انتقل إليه العين بالعقد الفضولي.

و على القول بالنقل يكون لمن انتقل عنه و هو المالك الأصلي، إذ لم يترتب أثر على العقد الفضولي حتى يكون النماء لمن انتقل إليه.

(3) لأنّه نماء ملكه.

(4) مبتدء مؤخر، و خبره «و للشهيد الثاني» و عبارة الرّوضة هي «و تظهر الفائدة في النماء. فإن جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل المتخلل بين العقد و الإجازة الحاصل من المبيع للمشتري، و نماء الثمن المعين للبائع. و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز» «1».

و لمّا كان قوله: «فهما للمالك المجيز» مخالفا لما تسالموا عليه- من أنّ نماء كل واحد من العوضين تابع لأصله، و هو لمالكه- فلذا أشار إليه المصنف قدّس سرّه، و أنّه لا بدّ من توجيهه بما يطابق القاعدة. و قد وجّهه المحقق الخوانساري قدّس سرّه بوجوه ثلاثة، حكم على الأوّل منها بالتكلف، على الثاني بالبعد، و على الثالث بالإشكال. و وجّهه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بوجه آخر.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 229- 230

ص: 96

..........

______________________________

و ينبغي نقل كلام الفقيهين، ثم النظر في أولوية أحدهما من الآخر، فنقول: قال المحقق الخوانساري- بعد شرح عبارة الروضة- ما لفظه: «فقوله:- فهما للمالك المجيز- كما ترى، إلّا أن يفرض كون العقد فضوليا من الطرفين، و يكون المراد بكونهما للمالك المجيز كون كل منهما لمالك أصله المجيز. و فيه تكلف.

أو يقال: إنّ المراد أن كلّا منهما للمالك المجيز و لو في صورتين. فنماء المبيع للبائع عند كونه فضوليا من قبله، و نماء الثمن للمشتري إذا كان فضوليا من قبله. و لم يتعرّض لنماء الطرف الآخر، لظهوره بالمقايسة. و لا يخفى بعده.

و يمكن أن يقال في صورة كون أحد الطرفين فضوليا: إنّ الطرف الآخر قد رضي و أجاز من حين العقد، فوقع الانتقال من طرفه، و إنّما يبقى التزلزل من الطرف الآخر، فلا ينتقل منه إلّا بعد الإجازة، و حينئذ فيكون نماء كل منهما قبل الإجازة للمالك المجيز. و فيه إشكال .. إلخ» «1».

و قال السيد العاملي بعد نقل عبارة الروضة: «و فيه خفاء. أمّا نماء المبيع فظاهر. و أمّا الثمن فلأنّه انتقل عن المشتري من حين العقد بقبوله. و تصرف المشتري في ملكه لا يتوقف على إجازة غيره» «2».

و هذا البيان قريب من الوجه الثالث المتقدم في عبارة المحقق الخوانساري.

و كيف كان فغرض المصنف قدّس سرّه ترجيح أوّل الوجوه الثلاثة التي أفادها المحقق الخوانساري، و هو: أنّ المراد بالمالك كلّي المجيز الذي له فردان، مع فرض الكلام في كون كلا الطرفين فضوليا. فالنتيجة حينئذ: أنّ نماء المبيع لمالكه الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه، و نماء الثمن للمالك الذي من شأنه الإجازة إذا كان الفضولي من طرفه.

و الحاصل: أنّ نماء المبيع المتكوّن بين زمان العقد و الإجازة- بناء على ناقلية الإجازة- يكون للبائع الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه. و نماء الثمن

______________________________

(1) حاشية الفقيه المحقق جمال الدين على الروضة، ص 358، و تجدها أيضا في هامش شرح اللمعة، طبعة عبد الرحيم 1309، ج 1، ص 312

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190

ص: 97

توجيه (1) المراد منها- كما فعله بعض- أولى من توجيه حكم ظاهرها، كما تكلّفه (2) آخر (3) [1].

______________________________

كذلك يكون للمشتري الذي هو المالك المجيز إذا كان الفضولي من طرفه، و هذا التوجيه على طبق القاعدة، إذ بناء على ناقلية الإجازة يكون كل من العوضين مع نمائهما باقيا على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة.

و أمّا كون هذا التوجيه خلاف ظاهر عبارة الروضة، فلأنّ ظاهرها كون النماءين كليهما- بناء على النقل- للمالك المجيز. و هذا الظاهر خلاف القاعدة المقتضية لبقاء كلّ من النماءين- تبعا لنفس العوضين- على ملك مالكه إلى صدور الإجازة.

(1) مبتدء و خبره «أولى» و الجملة صفة للعبارة.

(2) أي: تكلّف التوجيه بعض آخر و ضميرا «منها ظاهرها» راجعان إلى العبارة.

(3) و هو صاحب مفتاح الكرامة و من تبعه، و محصل ما أفاده في ذلك: أنّه فسّر المالك المجيز بالبائع، و قال في وجه كون نماء المبيع له «انّه ظاهر» حيث إنّه لم ينقل البائع قبل الإجازة المبيع إلى غيره، فهو و ما يتبعه من النماء باق على ملكه إلى أن يجيز. و أمّا وجه كون نماء الثمن له، فلأنّ المشتري الذي هو مالك الثمن قد سلّط البائع عليه و على ما يتبعه من النماء، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع، في أنّه هو المسلّط للغاصب على إتلاف الثمن بدون الضمان.

و هذا التوجيه و إن كان إبقاء لظاهر عبارة الشهيد «فهما للمالك المجيز» على حالها، لكن إرادة رضى المشتري بتصرف البائع في الثمن و نمائه مشكلة، فإنّ السبب الناقل لم يتم بعد بالنسبة إلى الثمن، فكيف بنمائه؟ لأنّ قبول المشتري لا يترتب عليه أثر ما لم تتحقق

______________________________

[1] و من الثمرات التي لم يتعرّض لها المصنف ما أفاده الفاضل المامقاني قدّس سرّه من:

لزوم المعاطاة، و لغوية رجوع أحد المتعاطيين فيها بناء على كاشفية الإجازة، و صحة رجوعه و عدم لغويته بناء على ناقليتها «1».

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 389

ص: 98

..........

______________________________

الإجازة المتأخرة، و المفروض أنّ الرضا الموجود حين العقد هو الرضا المعاملي، لا مطلق الرضا بالتصرف، فتسليم الثمن إلى البائع الفضولي يكون بعنوان الوفاء بالمعاملة.

مضافا إلى: ما أورده المحقق القمي قدّس سرّه «1» عليه بأنّه أخصّ من المدّعى من جهتين:

إحداهما: عدم جريانه فيما كان المشتري فضوليا أيضا، إذ لا أثر لرضاه بالتصرّف في الثمن و نمائه، ثم أجاز المالكان.

و ثانيتهما: اختصاص فرض رضا المشتري بعلمه بكون البائع فضوليا، إذ يقال بأنّه نقل الثمن إليه مجّانا. و لا يتم في المشتري الجاهل بفضولية البائع، فإنّه لا ينقل المال إليه إلّا

______________________________

توضيح ذلك: أنّه لو اشترى زيد في الساعة الاولى من عمرو بالبيع المعاطاتي، ثم باع بكر فضولا في الساعة الثانية ذلك الكتاب من بشر، ثم رجع عمرو في الساعة الثالثة إلى المبيع، و هو ذلك الكتاب، ثم أجاز زيد المشتري هذا البيع الفضولي في الساعة الرابعة.

فعلى القول بالكشف صار الكتاب ملكا لبشر في الساعة الثانية قبل رجوع عمرو، فيلغو رجوعه، لوقوعه بعد التصرف الملزم للمعاطاة، و هو بيع بكر فضولا في الساعة الثانية الذي أجازه زيد.

و على القول بالنقل يصح رجوع عمرو إلى المبيع، لوقوع رجوعه قبل التصرّف الملزم للمعاطاة، لوقوع الإجازة الناقلة للعين بعد رجوع عمرو، فينحل به البيع المعاطاتي، و لا أثر للإجازة.

و الحاصل: أنّ البيع المعاطاتي يلزم بناء على كاشفية الإجازة، لصيرورة بيع الفضولي- بسبب إجازة زيد المشتري للكتاب بالمعطاة له- بيعا لازما، و تصرفا ملزما موجبا للزوم المعاطاة، و لغوية رجوع عمرو، لوقوعه بعد التصرف الناقل الذي هو أحد ملزمات المعاطاة.

و بناء على ناقلية الإجازة يصح الرجوع، و تنحلّ به المعطاة، لوقوع إجازة عقد الفضولي بعد بطلان المعاطاة، و انفساخها برجوع عمرو الذي هو أحد المتعاطيين أي بائع الكتاب.

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 156 (الطبعة الحجرية) و ج 2، ص 281 الطبعة الحجرية.

ص: 99

[الثانية: جواز فسخ الأصيل، بناء على النقل]

و منها (1): أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل له (2) على القول بالنقل دون الكشف [1] بمعنى: أنّه (3) لو جعلناها ناقلة كان فسخ

______________________________

على وجه المعاوضة التي لم تتحقق بعد، فالثمن و نماؤه باقيان على ملك المشتري واقعا، و لا رضا إلّا بالمعاوضة المنتفية حسب الفرض.

فتحصّل مما ذكرناه: أنّه لا بدّ من التصرّف في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه ليخرج عن مخالفة المتسالم عليه بينهم من «أنّ نماء المبيع للبائع، و نماء الثمن للمشتري بناء على كون الإجازة ناقلة».

و الأولى حمل العبارة على خلاف ظاهرها بدعوى: أنّ المراد الجدّي هو كون كلا المتعاملين فضوليا. و لولاه يلزم التكلف في إبقاء العبارة على ظاهرها، مع عدم تمامية توجيه هذا الظاهر في نفسه. هذا تمام الكلام في الثمرة الاولى من ثمرات الكشف و النقل.

الثانية: جواز فسخ الأصيل، بناء على النقل

(1) أي: و من المواضع التي ذكروها للثمرة بين الكشف و النقل: أنّ فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر- فيما إذا كان أحد المتعاقدين فضوليّا- يوجب بطلان العقد بناء على النقل، دون الكشف، لأنّه بناء على النقل يكون فسخه مبطلا للعقد، لما حكي من الإجماع على جواز إبطال أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء الآخر، بل قبل تمامية شرائط صحة العقد كالقبض في المجلس فيما يعتبر فيه القبض.

و بناء على الكشف لا يكون فسخه مبطلا للعقد، لكون العقد تامّا من طرف الأصيل و إن كان الآخر مسلّطا على فسخه.

(2) أي: للعقد، و ضمير «جعلناها» راجع إلى الإجازة.

(3) الضمير للشأن، و غرضه من قوله: «بمعنى» تفسير النقل.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المسلّم من جواز الإبطال قبل إنشاء الآخر إنّما يكون في مورد عدم صدق العقد عليه، كإبطال الإيجاب قبل تحقق القبول. و أمّا مع صدق العقد فجواز إبطال إنشائه لفقدان شرط من شرائط الصحة غير معلوم، لأنّه خلاف إطلاق أدلة الصحة و اللزوم، حيث إنّ إطلاقها الأحوالي يقتضي عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل إجازة الآخر.

ص: 100

______________________________

إلّا أنّه قيل بأن الإجماع المنعقد على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب اقتضى جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر، بل و بعده قبل وجود شرط الصحة، كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة و بيع الصرف و السلم. فلو بني على جواز إبطال الإنشاء قبل حصول شرط الصحة جاز للأصيل إبطال إنشائه قبل الإجازة، حيث إنّها شرط صحة العقد بناء على النقل، لاقتضاء الإجماع المزبور ذلك. بخلاف الكشف الحقيقي، حيث إنّ الإجازة بناء عليه ليست شرطا لصحة العقد، فلا يشمله الإجماع، بل يرجع فيه إلى الإطلاقات المقتضية لعدم البطلان.

فالنتيجة: أنّ مقتضى الإجماع جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة بناء على النقل دون الكشف.

أقول: لا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة في الكشف الانقلابي و الحكمي، و الكشف على نحو الشرط المتأخر، لكون الإجازة في هذه الأقسام من شرائط صحة العقد، فلو أبطل الأصيل إنشاءه قبل الإجازة جاز ذلك، للإجماع المتقدم.

و عليه فلا يختصّ جواز إبطال الأصيل إنشاءه بالنقل، بل يجوز إبطاله أيضا بناء على الكشف، فهذه الثمرة ساقطة، هذا.

ثم إنّ الفقيه المامقاني قدّس سرّه نقل عن بعض الأفاضل «أنّ المصنف قدّس سرّه كان يعلّل جواز إبطال الإنشاء في مجلس البحث بأنّ العقد عبارة عن المعاهدة المعبّر عنها بالفارسية بقولهم:

پيمان، و من المعلوم أنّ الموجب إذا رجع عن مضمون الإيجاب قبل القبول أو قبل وجود ما هو من شرائط صحة العقد كالقبض و نحوه انتفى معنى المعاهدة التي ليس قوام العقد إلّا بها، فينتفي العقد، و هو معنى بطلانه» «1».

قلت: ما حكي عن المصنف متين جدّا بالنسبة إلى رجوع الموجب عن مضمون الإيجاب قبل القبول، لعدم صدق العقد عرفا عليه حتى تشمله أدلة الصحة و اللزوم، و يحكم بعدم جواز رجوع الموجب عن إنشائه قبل القبول. فخروج هذا عن أدلة الصحة و اللزوم موضوعيّ لا حكمي تخصيصي، إذ لا ينبغي الإشكال في عدم صدق العقد العرفي عليه.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 101

______________________________

فالفرق بين الإجماع و هذا الوجه: أنّ الإجماع إخراج حكميّ، و هذا الوجه إخراج موضوعيّ.

و أمّا بالنسبة إلى فقدان شرط الصحة، فجواز إبطال الإنشاء غير ظاهر بعد صدق العقد عرفا، لشمول أدلة الصحة له. و خروجه عن تلك الأدلة بالإجماع المذكور غير ثابت، إذ المتيقن من معقده هو صورة عدم صدق العقد عرفا.

إلّا أن يدّعى عدم صدقة أيضا مع فقدان شرط الصحة، أو الشك في صدق العقد الموجب للشك في اندراجه في تلك الأدلة.

لكن الظاهر صدق العقد عرفا على فاقد شرط الصحة كالقبض في بيع الصرف و السلم و غيرهما ممّا يعتبر القبض في صحته، إذ لا ينبغي الارتياب في صدق العقد عرفا عليها مع فقد شرط الصحة كالقبض فيها، حيث إنّ أسامي المعاملات موضوعة للأعمّ من الصحيحة.

نعم لا إشكال في عدم صدق العقد عرفا مع فسخ الموجب إنشاءه قبل إنشاء القبول، لكون إنشائه أحد ركني العقد عرفا.

و لا يخفى أنّ الفقيه المامقاني قدّس سرّه بعد نقل العبارة المتقدّمة عن الشيخ قدّس سرّه قال: «و لا يخفى عليك أنّ هذا وجه اعتباري غير مستلزم للمدّعى، إذ لا مانع من تجويز الشارع تعقيب الإيجاب المعدول عنه بالقبول، و جعله مثل ذلك الإيجاب و القبول من قبيل الأسباب الشرعية. فالعمدة هو الوجه الأوّل، و هو تسالمهم على ذلك» «1».

و فيه: أنّ مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ خطاب لأهل العرف، و موضوع حكمه العقد العرفي، و من المعلوم عدم صدقه عرفا على الإيجاب المعدول عنه المتعقب بالقبول.

و احتمال جعله من الأسباب التعبدية متوقف على العدول عن العقد العرفي. و لو بني على الاعتداد بهذا الاحتمال لانسدّ باب التمسك بتلك الإطلاقات، لعدم إحراز موضوعها مع هذا الاحتمال، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة. و من المعلوم تمسك الأصحاب قديما و حديثا بمثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في موارد الشك في دخل شي ء في صحة العقد العرفي، و هذا التمسّك مبني على إرادة العقد العرفي من الأدلة.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 380

ص: 102

الأصيل كفسخ (1) الموجب قبل قبول القابل في كونه ملغيا لإنشائه السابق. بخلاف ما لو جعلت (2) كاشفة [1]، فإنّ العقد تامّ من طرف الأصيل، غاية الأمر تسلّط الآخر على فسخه. و هذا (3) مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال

______________________________

(1) خبر قوله: «كان». و قوله: «في كونه ملغيا» متعلق ب «فسخ الموجب».

(2) أي: جعلت الإجازة كاشفة.

(3) أي: و كون فسخ الأصيل لإنشائه مبطلا للعقد مبنيّ على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء الآخر، بل فوق ذلك، و هو قبل تحقق شرط من شروط صحة العقد كالقبض في الهبة و الوقف و الصدقة و غيرها.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح قول المحقق في عقد النكاح: «إذا أوجب الولي ثمّ جنّ أو أغمي عليه، بطل حكم الإيجاب .. و كذا في البيع»- ما لفظه: «وجهه: أنّ العقد اللازم قبل تمامه يكون بمنزلة الجائز، يجوز لكلّ منهما فسخه، و يبطل بما يبطل به الجائز ..

و لا فرق بين النكاح و البيع و غيرهما من العقود اللازمة في ذلك» «1».

و قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم» «2».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ العقد على الكشف لو كان تامّا نافذا من طرف الأصيل كان كذلك على النقل أيضا، إذ التفاوت بين الكشف و النقل- في دخل الرضا في التأثير بنحو الشرط المتقدّم على النقل، و الشرط المتأخر على الكشف- لا يوجب تفاوتهما في تمامية العقد من ناحية الأصيل، و عدم تماميته.

________________________________________

بل لو قلنا بكون الإجازة أمارة محضة على تمامية العقد من دون أن تكون مؤثرة في صحته، كانت تمامية العقد بالنسبة إلى الأصيل و الفضولي أيضا، لاستواء نسبة العقد إليهما.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 274، مسالك الافهام، ج 7، ص 100

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 47 و لاحظ كلامه أيضا في جواز رجوع الموصى عن الوصيّة في ج 28، ص 265

ص: 103

أحد المتعاقدين لإنشائه قبل إنشاء صاحبه (1)، بل (2) قبل تحقّق شرط صحّة العقد كالقبض في الهبة (3) و الوقف و الصدقة.

فلا (4) يرد ما اعترضه

______________________________

(1) هذا من موارد عدم صدق العقد عرفا.

(2) معطوف على «قبل إنشاء» يعني: تسالموا على جواز إبطال أحد المتعاقدين إنشاءه قبل تحقق شرط صحة العقد.

و الوجه في الإتيان بكلمة «بل» هو الترقي من جواز الإبطال في أحد الفردين- ممّا يكون حكمه واضحا- إلى جوازه في الفرد الآخر الذي لا يكون الحكم فيه بتلك المثابة من الوضوح. و بيانه: أنّ المقتضي للملكية هو العقد المؤلّف من الإيجاب و القبول.

فتسالمهم على جواز إبطال الإيجاب قبل انضمام القبول معناه المنع عن وجود المقتضي للملكية، و لا محذور فيه.

و أمّا جواز إبطال العقد قبل انضمام الشرط إليه، فمعناه إبطال ذلك المقتضي للتأثير، و من المعلوم توقف إلغاء هذا المقتضي على دليل، و هو التسالم الذي أشار إليه بقوله:

«بل».

(3) بناء على كون القبض شرطا لصحتها كما هو المعروف من مذهب الأصحاب- كما في جامع المقاصد «1»- لا شرطا للزومها، كما حكي عن جماعة «2».

(4) هذا متفرع على ما أفاده من جواز إبطال الإنشاء بناء على النقل، للإجماع على جواز إبطاله مع فقد بعض شرائط صحة العقد، و رد على الاعتراض «بأنّ منع جواز إبطال الإنشاء لا يختص بالكشف، بل يطّرد في النقل أيضا، و يقال بعدم جواز إبطاله بناء عليه».

أمّا تقريب الاعتراض، فهو: أنّ ترتب الأثر على جزء السبب- و هو العقد، أو إنشاء الأصيل بعد انضمام الجزء الآخر و هو الإجازة- من الأحكام الوضعية،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 148

(2) لاحظ جواهر الكلام، ج 28، ص 164

ص: 104

بعض (1) من منع جواز الإبطال على القول بالنقل، معلّلا بأنّ ترتّب الأثر على

______________________________

و لا يعتبر فيه اختيار الأصيل لترتّبه و إرادته له و عدم رجوعه عن إنشائه.

و بعبارة اخرى: أنّ تأثير العقد في النقل و الانتقال يكون نظير تأثير العلة التكوينية في معلولها في عدم دخل الإرادة و الاختيار في وجود المعلول، و امتناع تخلفه عنه بمجرد اجتماع أجزاء العلّة من المقتضي و الشرط و عدم المانع، كاحتراق الثوب بالنار عند المماسة و فقد الرطوبة.

و كذا الحال في العقد و الإجازة، فالإيجاب و القبول جزء السبب المؤثر في باب الفضولي، و المفروض تحققه، فإذا انضمّ رضا المالك المجيز إلى العقد ترتّب عليه النقل قهرا، سواء رجع الأصيل عن إنشائه قبل إجازة المجيز أم لم يرجع، فإنّ اتصاف الإيجاب و القبول بعنوان «جزء السبب» قهري، كاتصاف النار بكونها مقتضية للإحراق.

و عليه فلمّا كان العقد بناء على النقل جزء المؤثّر لم ينفكّ عنه هذا الاقتضاء. فلا فرق في عدم تأثير فسخ الأصيل بين الكشف و النقل، هذا توضيح نظر المحقق القمي قدّس سرّه.

و أما تقريب ردّه، فهو ما أفاده المصنف قدّس سرّه من مخالفة هذا الكلام لما تسالموا عليه من اعتبار عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب، فانضمام الجزء الآخر- من دون تحقق هذا الشرط- لا يجدي في وجود المسبب، و هو النقل و الانتقال.

و ببيان آخر: أنّ تأثير العقد في حصول الملكية و إن كان حكما وضعيا كما أفاده المحقق القمي، إلّا أنّه لمّا لم يكن إهمال في التأثير دار أمر هذا الاقتضاء الناقص بين كونه مطلقا، أي سواء تحقق شرط التأثير أم لم يتحقق، و يتجه كلام الميرزا القمي قدّس سرّه حينئذ. و بين كونه مقيّدا بوجود الشرط المتسالم عليه، أعني به عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

و هذا هو المتعيّن.

و عليه فلو فسخ الأصيل لم يترتب أثر على انضمام إجازة المالك إلى العقد.

(1) و هو المحقق القمي قدّس سرّه «1».

و تلخّص ممّا تقدم أمور:

______________________________

(1) راجع جامع الشتات، ج 2، ص 281، الطبعة الحديثة، و ج 1، ص 156، السطر 20، الطبعة الحجرية، و غنائم الأيام، ص 543

ص: 105

جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر (1) من (2) أحكام الوضع، لا مدخل لاختيار المشتري فيه.

و فيه (3): أنّ الكلام في أنّ عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب شرط (4)، فانضمام الجزء الآخر من دون تحقّق الشرط غير مجد في وجود المسبّب.

فالأولى (5) في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلّل الفسخ

______________________________

الأوّل: جواز إبطال الأصيل إنشاءه قبل الإجازة على النقل دون الكشف.

الثاني: أنّ دليل جواز الإبطال هو الإجماع على اعتبار عدم تخلل فسخ أحد المتعاقدين إنشاءه قبل إنشاء صاحبه.

الثالث: اعتراض المحقق القمي قدّس سرّه بعدم اختصاص حرمة إبطال الإنشاء بالقول بالكشف، بل هو ثابت على القول بالنقل أيضا.

الرابع: ردّ هذا الاعتراض بالإجماع على شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب.

الخامس: بطلان هذه الثمرة كما ذكر في التعليقة.

(1) و هو الإجازة المنضمة إلى جزء السبب و هو العقد.

(2) خبر قوله: «بأنّ» يعني: أنّ ترتب الأثر على جزئي المؤثر يكون من الأحكام الوضعية التي لا مدخل لاختيار المشتري فيها.

(3) هذا ردّ الاعتراض المذكور، و الأنسب بملاحظة قوله: «فلا يرد ما اعترضه بعض .. إلخ» أبدال «و فيه» ب «إذ فيه» أو «و ذلك» أو «لأن الكلام» فإنّ هذا ما يقتضيه سوق البيان.

و محصل الرد هو: أنّ مقتضى أدلة الصحة و اللزوم و إن كان هو عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه قبل الإجازة، لكن الإجماع قام على أنّ فسخ الأصيل إنشاءه قبل إجازة الآخر مبطل للعقد و مقيّد لإطلاقات الصحة و اللزوم، و عليه فانضمام الجزء الآخر- و هو الإجازة- لا يجدي في ترتب المسبّب و هو الأثر المقصود من العقد.

(4) خبر قوله: «أن عدم» و وجه شرطيته كونه متسالما عليه.

(5) بعد أن ردّ المصنف قدّس سرّه استدلال المحقق القمي على عدم جواز إبطال الأصيل

ص: 106

بإطلاقات (1) صحّة العقود و لزومها.

و لا يخلو (2) من إشكال (3).

[الثالثة: تصرف الأصيل فيما انتقل عنه]

و منها (4): جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه (5) بناء على النقل، و إن (6) قلنا

______________________________

إنشاءه قبل إجازة الآخر، أراد أن يستدلّ على ذلك بوجه، يكون أولى من وجه استدلّ به المحقق المتقدم.

و محصل هذا الوجه هو الاستدلال بالإطلاقات الدالة على صحّة العقود و لزومها، بتقريب: دفع احتمال اعتبار عدم تخلّل الفسخ بين جزئي السبب- و هما إنشاء الأصيل و إجازة الآخر- بإطلاقات صحة العقود و لزومها، فيثبت بتلك الإطلاقات أنّ فسخ الأصيل لإنشائه لا يبطل العقد بناء على النقل، فلا فرق حينئذ في عدم بطلان العقد بفسخ الأصيل لإنشائه بين الكشف و النقل.

(1) متعلق ب «دفع» يعني: أنّ الإطلاقات دافعة للاحتمال المزبور.

(2) أي: و لا يخلو دفع احتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب بإطلاقات الصحة عن إشكال.

(3) كما سيأتي التصريح به في الثمرة الثالثة في (ص 109). وجه الاشكال هو المنع عن صدق العقد العرفي مع رجوع الأصيل عن إنشائه و فسخه له قبل الإجازة، و معه لا يمكن التمسك بالإطلاقات، لعدم كون هذا الإيجاب و القبول موضوعا لها.

الثالثة: تصرف الأصيل فيما انتقل عنه

(4) أي: و من تلك الثمرات المترتبة على القول بالكشف و النقل جواز تصرف العاقد الأصيل في ماله الذي انتقل عنه بناء على القول بالنقل، إذ لا ينتقل المال عنه إلّا في زمان صدور الإجازة، فتصرفه فيه تصرف في ملكه، و لا يخرج عن ملكه إلّا بالإجازة.

بخلاف القول بالكشف، فإنّ تصرفه باطل لو أجاز المالك، لكونه تصرفا في ملك غيره.

(5) المراد ب «ما انتقل عنه» هنا ليس خصوص المبيع أو الثمن، بل كل ما تعلّق به العقد، و ذلك بقرينة التنظير له بالنكاح الفضولي.

(6) وصلية، يعني: لا فرق في جواز تصرف الأصيل- بناء على النقل- بين القول بأنّ فسخ الأصيل مبطل لإنشائه، فلا يبقى موضوع للإجازة، و بين قول المحقق القمي قدّس سرّه

ص: 107

بأنّ فسخه (1) غير مبطل لإنشائه.

فلو (2) باع جارية من فضوليّ جاز له وطؤها، و إن استولدها صارت أمّ ولد، لأنّها ملكه. و كذا لو زوّجت نفسها من فضوليّ جاز لها التزويج من الغير.

فلو حصلت الإجازة في المثالين (3) لغت، لعدم بقاء المحلّ (4) قابلا.

و الحاصل (5): أنّ الفسخ القوليّ و إن قلنا إنّه غير مبطل لإنشاء

______________________________

من عدم بطلان إنشاء الأصيل بفسخه.

و عليه فجواز تصرف الأصيل- بناء على النقل- غير متفرع على ما تقدم في الثمرة الثانية، و ذلك لأنّه بناء على كون فسخه مبطلا لإنشائه- كما هو رأي ما عدا الميرزا القمي- يجوز له التصرف في ماله، لعدم خروجه عن ملكه، لأنّ المخرج له عن ملكه هو العقد غير المتحقق حسب الفرض. و بناء على كون فسخه غير مبطل لإنشائه- كما ذهب إليه المحقق القمي قدّس سرّه- فكذا يجوز للأصيل التصرف في ماله، لبقائه على ملكه إلى أن يجيز المالك، فيكون تصرفه في ملكه.

(1) أي: بأن فسخ الأصيل غير مبطل لإنشاء نفسه كما اختاره المحقق القمي قدّس سرّه.

(2) هذا متفرع على جواز تصرف الأصيل في متعلق العقد قبل الإجازة- بناء على النقل. و استشهد المصنف بفرعين، أحدهما بيع الأمة، و الآخر تزويج الحرّة. و في كليهما يكون الفضولي في جانب القابل كالمشتري في باب البيع، و الزوج في باب النكاح.

و الفرع الأوّل هو: أنّه لو باع الجارية مالكها الأصيل من فضوليّ، بمعنى كون المشتري فضوليا، جاز له وطؤها، لأنّها ملكه، و لم تخرج بعد عن ملكه، فلو استولدها صارت أمّ ولد له، و يفوت محلّ الإجازة حينئذ.

و الفرع الثاني هو: أنّ الحرّة لو زوّجت نفسها من زيد فقبل عمرو عنه فضولا، جاز لها تزويج نفسها من بكر قبل إجازة زيد، و تلغو إجازة زوجها الأوّل و هو زيد، لعدم بقاء المحلّ.

(3) و هما بيع الجارية من فضوليّ، و تزويج المرأة نفسها من فضولي.

(4) بعد الوطء في المثال الأوّل، و بعد التزويج من الغير في المثال الثاني.

(5) غرضه من هذا الحاصل بيان الفرق بين ما إذا فسخ الأصيل بقوله: «فسخت

ص: 108

الأصيل (1)، إلّا أنّ له (2) فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه (3) يفوت محلّ الإجازة (4)، فينفسخ العقد بنفسه (5) بذلك (6).

و ربما احتمل عدم جواز التصرّف على هذا القول (7) أيضا (8).

______________________________

العقد و رجعت عمّا أنشأته مع الفضولي»، و بنى تصرّفه- في ما انتقل عنه بذلك العقد- بما يتوقف على مالكيته له، و ينافي انتقاله عنه، فيفوت بذلك محل الإجازة.

و محصّل الفرق بين الفسخ القولي و التصرّف هو: أنّ الفسخ متعلق بالعقد، لأنّه حلّ العقد، فاحتمال شرطية عدم تخلل الفسخ بين إنشاء الأصيل و الإجازة يدفع بمثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا يبطل الفسخ إنشاء الأصيل قبل الإجازة و التصرف متعلق بالمال، فيعمّه عموم دليل السلطنة و خصوص أدلة نفوذ التصرفات الخاصة.

و عليه فالتصرف جائز تكليفا و وضعا، و حيث إنّ موضوع الأمر بالوفاء بالعقود مقيّد بتراضي الطرفين، فقبل الإجازة لا يتعلق بالأصيل وجوب الوفاء حتى يمنع عن نفوذ التصرفات. و بعد البناء على جواز التصرفات وضعا و تكليفا لا يبقى للحوق الإجازة أثر حتى يبطل التصرف، لأنّ صحة أحد المتنافيين تنافي وقوع المنافي الآخر صحيحا، فلا جرم ينفسخ العقد قهرا.

(1) وفاقا للمحقق القمي قدّس سرّه كما تقدم في الثمرة الثانية.

(2) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى الأصيل، و الجملة خبر قوله: «انّ الفسخ».

(3) متعلق ب «ينافي» أي: التصرف المنافي لانتقال المال عنه بالعقد الفضولي يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة. و على هذا فقوله: «على وجه» مبيّن للمنافاة و التفويت، و ليس للتنويع، بأن يكون المنافي مفوّتا تارة لمحل الإجازة، و غير مفوّت له اخرى.

(4) فلا تقع الإجازة مؤثّرة بعد وقوع التصرفات صحيحة.

(5) لانتفاء موضوعه بالتصرّف الجائز تكليفا و وضعا.

(6) أي: بسبب الفعل المنافي المفوّت لمحلّ الإجازة، كالوطء و التزويج من الغير.

(7) و هو كون الإجازة ناقلة. و قوله: «و ربما احتمل» في قبال قوله: «و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه .. إلخ».

(8) أي: كعدم جواز التصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالكشف.

ص: 109

و لعلّه (1) لجريان عموم وجوب الوفاء بالعقد في حقّ الأصيل و إن لم يجب (2) في الطرف الآخر، و هو (3) الذي يظهر من المحقّق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب، حيث قال: «لا يجوز للبائع و لا للغاصب التصرّف في العين (4)، لإمكان (5).

______________________________

(1) أي: و لعلّ وجه عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل هو كون عقد الفضولي جامعا لجميع الشرائط سوى الرضا، فيشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيجب على الأصيل الوفاء بالعقد، و مقتضاه عدم جواز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه.

(2) لإناطة وجوب الوفاء على الطرف الآخر بأن يجيز العقد.

(3) أي: و عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه على القول بالنقل لأجل جريان عموم وجوب الوفاء بالعقد هو الذي يظهر من المحقق الثاني. و العبارة منقولة بالمعنى، و إليك نصّها: «و ليس لكل من البائع و الغاصب التصرف في العين، لإمكان إجازة المالك، خصوصا على القول بأنّ الإجازة كاشفة».

(4) و هي عين المبيع المنتقلة عن البائع الأصيل، فإنّ الظاهر من حكم المحقق الثاني قدّس سرّه بعدم جواز تصرف البائع في العين المنتقلة عنه إنّما هو لأجل كونه أصيلا، و تمامية العقد مع إضافته إليه الموجبة لحرمة تصرفه فيما انتقل عنه. و أمّا عدم جواز تصرف المشتري الغاصب فلعدم انتقال المبيع إليه، و كونه أجنبيا عنه، لأنّ المبيع في صورة إجازة المغصوب منه يكون ملكا له، و في صورة عدم الإجازة يكون باقيا على ملك البائع، فتصرف المشتري الغاصب فيه عدواني على كلا التقديرين.

(5) تعليل لعدم جواز تصرف البائع في المبيع، و حاصله: أنّه مع احتمال لحوق الإجازة من المغصوب منه- و هو مالك الثمن- و صيرورته ملكا لمالك الثمن، لا يجوز للبائع التصرف فيه، رعاية لهذا الاحتمال، فكأنّ هذا الاحتمال يحجر المالك عن التصرف في ماله.

ص: 110

الإجازة [1] و لا سيّما على القول بالكشف» انتهى «1».

و فيه (1): أنّ الإجازة على القول بالنقل له (2) مدخل في العقد شرطا أو شطرا، فما لم يتحقّق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين، لأنّ المأمور به بالوفاء هو العقد المقيّد الذي لا يوجد إلّا بعد القيد. و هذا (3) كلّه على النقل.

______________________________

(1) أي: و في احتمال عدم جواز تصرف الأصيل. و الغرض من هذا الكلام دفع احتمال عدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل نظرا إلى عموم وجوب الوفاء بالعقد.

توضيح وجه الدفع هو: أنّ الإجازة على القول بالنقل لها دخل في العقد جزءا أو شرطا، فقبل حصول الإجازة لا يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين، لعدم تماميّة موضوع وجوب الوفاء و هو العقد المقيّد بالإجازة، و من المعلوم أنّ المقيد لا يوجد إلّا بعد قيده.

(2) خبر: «أنّ الإجازة».

(3) أي: البحث عن جواز تصرف الأصيل و عدمه فيما انتقل عنه بناء على النقل.

و قد تحصل: أنّ الحق جواز تصرف الأصيل على النقل، و سيأتي حكم تصرفه بناء على الكشف.

______________________________

[1] هذا التعليل عليل جدّا، إذ لا دليل عقلا و لا نقلا- بعد وضوح عدم خروج المال عن ملك الأصيل بناء على النقل- على مانعية العلم بلحوق الإجازة- فضلا عن احتماله- عن تصرف المالك في ماله. نعم بناء على بعض أنحاء الكشف يتجه ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه، و هو ما يكون الإجازة فيه كاشفة عن تمامية العقد من حين وقوعه، بأن تكون الإجازة واسطة في الإثبات فقط من دون دخل لها في مؤثرية العقد.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 6، ص 331

ص: 111

و أمّا على القول بالكشف (1) فلا يجوز التصرّف (2) فيه، على ما يستفاد من كلمات جماعة، كالعلّامة و السيّد العميدي و المحقّق الثاني، و ظاهر غيرهم «1».

______________________________

(1) بأقسامه الثلاثة، من قسمين للكشف الحقيقي، و قسم للكشف الحكمي. أمّا قسما الحقيقي فهما: كون الشرط نفس الإجازة بناء على الشرط المتأخر، و كون الشرط الوصف المنتزع، و هو تعقب الإجازة و لحوقها.

و أمّا الكشف الحكمي فهو: انتقال النّماء إلى المشتري مع بقاء أصل المال على ملك مالكه إلى زمان صدور الإجازة من المالك الأصيل.

و محصّل ما أفاده بناء على الكشف هو عدم جاز تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه على ما يظهر من جماعة.

(2) أي: تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه. و الظاهر أنّ المسألة معنونة في النكاح لا في البيع، و إن كانا متحدين مناطا. و سيأتي في (ص 128) نقل كلام العلامة في فروع النكاح الفضولي، و محصّله: أنّه إذا كان الزوج- مثلا- أصيلا، و زوّج المرأة فضوليّ، وجب على الزوج ترتيب أحكام العقد الصحيح، فتحرم عليه أخت المعقودة عليها و بنتها و أمّها في الزمان المتخلل بين العقد و الإجازة أو الفسخ.

و قال المحقق الثاني في شرحه: «و إنّما قلنا إنه يلزم في حق المباشر بناء على أنّ الإجازة كاشفة عن ثبوت العقد و لزومه من حين وقوعه، كما أنّ عدمها كاشف عن عدم ذلك. فلو فسخ المباشر ثم أجاز الآخر تبيّنا أنّ فسخه وقع بعد ثبوت العقد و لزومه فلم يؤثر شيئا ..».

و يظهر من فخر المحققين و الفاضل الأصفهاني قدّس سرّهما ابتناء حرمة الخامسة و الأخت- على الأصيل- على كون الإجازة كاشفة، فراجع «2». و إن كانت عندهما ناقلة كما ذكرناه في (ص 7).

فالمتحصل: أنّ حرمة تصرف الأصيل في متعلق العقد بما ينافيه مسلّمة عند جماعة بناء على الكشف.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 3، ص 16 (طبعة مركز النشر الإسلامي)، كنز الفوائد، ج 2، ص 322 و 357 جامع المقاصد، ج 12، ص 160 و 297 و 298

(2) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 28 و 30، كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 18 و 31

ص: 112

و ربما اعترض عليه (1) بعدم (2) المانع له من التصرّف، لأنّ مجرّد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا يقدح في السلطنة الثابتة له، و لذا (3) صرّح بعض المعاصرين بجواز التصرّف مطلقا (4).

نعم إذا حصلت الإجازة (5) كشفت عن بطلان

______________________________

(1) أي: على عدم جواز تصرف الأصيل- فيما انتقل عنه- على الكشف. و هذا الاعتراض يستفاد ممّا حكاه صاحب الجواهر في النكاح الفضولي بقوله: «لكنه قد يناقش- يعني في تحريم المصاهرة- باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك. و ليس، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر. و احتمال حصولها غير كاف في تحققها. بل الأصل يقتضي عدمها، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل، و إن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد و بينها. فمن باع ماله من فضوليّ لم يمتنع عليه الانتفاع به و لو المتلف» «1». لكن تأمّل فيه صاحب الجواهر بمثل ما سيأتي في المتن، فراجع.

(2) متعلق ب «اعترض» و تقريب للاعتراض. توضيحه: أنّه لا مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه قبل الإجازة، إذ المانع المتوهّم هو احتمال انتقال المال عن ملكه، و ذلك ليس بمانع عن السلطنة الثابتة له على ماله بمقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و لذا صرّح بعض بجواز التصرف للأصيل مطلقا من غير فرق بين الكشف بكلا قسميه و النقل.

(3) أي: و لأجل عدم قدح مجرّد احتمال انتقال المال عن الأصيل في السلطنة الثابتة له، صرّح بعض المعاصرين .. إلخ.

(4) أي: سواء أ كان التصرف و الانتفاع متلفين للعين أم لا، فإن لم يكن التصرف متلفا ردّ العين بعد الإجازة، و إلّا ردّ بدله كما سيصرّح به.

(5) بعد تصرف الأصيل فيما انتقل عنه، فالإجازة تكشف عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال مال الى المجيز، لأنّه تصرّف في مال غيره بدون إجازته.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 217 و 218

ص: 113

كلّ تصرّف مناف (1) لانتقال (2) المال إلى المجيز، فيأخذ (3) المال مع بقائه، و بدله مع تلفه، قال (4): «نعم لو علم (5) بإجازة المالك لم يجز له التصرّف» «1» انتهى.

أقول (6): مقتضى عموم وجوب الوفاء

______________________________

(1) صفة ل «تصرف».

(2) متعلق ب «مناف» يعني: يبطل كلّ تصرّف يكون منافيا لانتقال المال إلى المجيز و ملكية ذلك المال له، كعتق العبد المبيع، فإنّه ينافي ملكية هذا العبد للمجيز، فيبطل العتق.

(3) يعني: فيأخذ المجيز. و هذه نتيجة كشف الإجازة عن بطلان التصرف المنافي لملكية المال للمجيز.

(4) يعني: قال بعض المعاصرين.

(5) يعني: لو علم الأصيل بإجازة المالك لم يجز له التصرف. و هذا مبني على الكشف الحقيقي التعقبي، ضرورة كفاية العلم بحصول إجازة المجيز في ترتيب أحكام العقد من زمان وقوعه.

(6) هذا تأييد لعدم جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على الكشف، و ردّ للاعتراض بعدم مانع من جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه.

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو: أنّ مقتضى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وجوب وفاء الأصيل بعهده، و لزوم العقد من ناحيته، ضرورة انحلال هذا الخطاب إلى كلّ من له عقد و التزام. و الفضولي و إن لم يخاطب بالوفاء، لكونه أجنبيّا عن العوضين. إلّا أن طرفه الأصيل- لكونه وليّا على عقده- يجب عليه البقاء على التزامه بنقل ماله إلى المجيز، فلا وجه لجواز تصرفه فيما انتقل عنه، بل عليه التربص إلى تحقق الإجازة أو الرّد من المالك الذي عقد الفضولي على ماله.

______________________________

(1) لم أظفر بهذه العبارة في الجواهر و المستند و أنوار الفقاهة و كشف الظلام. لكن المنع من التصرف في صورة العلم بلحوق الإجازة قد التزم به صاحب الجواهر فيما سبق من كلامه في (ص 31) فراجع. فلعلّ ما في المتن نقل له بالمعنى، و إن كان ظاهره حكاية نصّ كلام القائل.

ص: 114

وجوبه (1) على الأصيل، و لزوم (2) العقد و حرمة (3) نقضه من جانبه. و وجوب الوفاء عليه (4) ليس مراعى بإجازة المالك، بل مقتضى العموم وجوبه (5) حتّى مع العلم بعدم إجازة المالك (6).

______________________________

(1) خبر «مقتضى». و هذا ظاهر في كون وجوب الوفاء تكليفيّا، كما يقتضيه ظاهر صيغة الأمر. خصوصا مع تفسير العقود بالعهود كما في صحيحة ابن سنان، و من المعلوم أعميّة العهد من العقد، لشموله للالتزام و التعهد من طرف واحد كما في النذر و العهد.

(2) لزوم العقد خطاب وضعي ينتزع من التكليف بناء على ما حققه المصنف في بحث الأحكام الوضعية من الاستصحاب. و ليس المراد جعل الأمر بالوفاء إرشادا إلى الحكم الوضعي من الصحة أو اللزوم.

(3) هذا يناسب وجوب الوفاء تكليفا، كما أنّ عدم نفوذ الفسخ يناسب اللزوم الوضعي.

(4) هذا دفع دخل، حاصله: أنّه لا وجه لتحريم تصرف الأصيل في ماله تمسكا بالأمر بالوفاء. و ذلك لعدم تنجز هذا الخطاب في حقه قبل الإجازة، فإن حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف، و إن لم تحصل صحّ التصرف، و حيث إنّه لم يعلم تحقق الإجازة لم يحرز توجه خطاب الوفاء إلى الأصيل، هذا.

و محصّل دفعه: أنّ الأصيل يجب عليه الوفاء بمجرّد عقده مع الفضولي، و ليس الوجوب في حقّه مراعى بإجازة المالك، لما عرفت من انحلال الأمر، و عدم كونه من قبيل الارتباطيين. فلو شك الأصيل في أنّ الآخر يجيز عقد الفضول أم يردّه، حرم عليه التصرف أيضا.

(5) أي: وجوب الوفاء. و الوجه في الترقي واضح، فإنّه مع العلم بعدم إجازة الطرف الآخر يعلم الأصيل بعدم انتقال ماله عن ملكه، فيتجه جواز تصرفه فيه. و لكن المصنف قدّس سرّه منع من التصرف في هذه الصورة أيضا، لأنّ تمام المناط هو تحقق العقد و وجوب الوفاء به، و المفروض حصول الإيجاب و القبول بين الأصيل و الفضولي عن قصد جدّي للبيع.

(6) يعني: لا ينحلّ العقد إلّا بردّ المالك، فما لم ينحل بردّه كانت المعاملة من

ص: 115

و من هنا (1) يظهر أنّه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة [1].

______________________________

طرف الأصيل تامّة واجبة الوفاء، و إن علم بأنّها لا تتم من الطرف الآخر أصلا، لعدم إجازة المالك للمعاملة. فوجوب الوفاء على الأصيل لا يرتفع إلّا بردّ المالك للمعاملة، و لا يرتفع بمجرد عدم إمضاء المالك لها. فالمعاملة تامة من ناحية الأصيل، فيجب عليه الوفاء بالعقد من حيث إنّه عقد، لا من حيث إنّه مؤثر في الملكية، و لا يرتفع وجوب الوفاء بالعقد إلّا بالردّ الذي متعلّقه العقد كالإجازة و الفسخ.

(1) أي: و من كون مقتضى العموم وجوب الوفاء على الأصيل- حتى مع العلم بعدم إجازة المالك- يظهر منع ما أفاده القائل بجواز تصرّف الأصيل على القول من التمسك بأصالة عدم الإجازة.

وجه المنع أنّه لا فائدة في إجراء أصالة عدم الإجازة في ظرف الشك فيها بعد عدم إجداء العلم بعدم تحققها في إثبات جواز التصرف، لعدم ترتب أثر شرعي على الإجازة حتى يصح جريان الأصل في عدمها كما لا يخفى.

______________________________

[1] قد يقال: بأنّ الإجازة ليست ممحّضة في انتساب عقد الفضول إلى المالك، بل هي محقّقة لحقيقة العقد أيضا، إذ العقد متقوم بقرارين معامليين، و القرار يتقوّم بمن يقوم به القرار. فإن كان المنشئ ممّن له ولاية التصرف في المال كان إنشاؤه محقّقا لعنوان العقد و العهد. و إن لم يكن له ولاية التصرف كان إنشاؤه محقّقا لاعتباره فقط، و لا عهد و لا عقد له عرفا و شرعا. و عليه فللأصيل التصرف في ما انتقل عنه، إذ لا قرار معاملي له حقيقة عند كون الطرف فضوليا. هذا.

لكن يمكن أن يقال: إنّ إناطة صدق العقد بلحوق الإجازة يوجب إنكار البيع الفضولي رأسا و بطلان مبنى الكشف، مع أنّهم جعلوا ولاية التصرف من شرائط المتعاقدين لا العقد.

مضافا إلى: لزوم ارتكاب خلاف الظاهر في الأدلة المتكفلة لتصحيح العقود الفضولية بالإجازة، كما في صحيحة محمّد بن قيس، لقوله عليه السّلام: «فلما رأي سيد الوليدة ذلك أجاز بيع ابنه» إذ لا بدّ من حمله على نوع من المجاز باعتبار أول إنشاء الابن الى البيع

ص: 116

لكن ما ذكره (1) البعض المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقّبه (2) بالإجازة، لعدم (3) إحراز الشرط مع الشك، فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين.

و أمّا على المشهور في معنى الكشف- من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا (4) لكون (5) العقد السابق بنفسه (6)

______________________________

(1) من جواز تصرف الأصيل في العين المنتقلة عنه مطلقا، من دون فرق بين الكشف و النقل.

(2) الذي هو وصف انتزاعي مقارن للعقد على ما قيل، كما تقدم سابقا.

(3) تعليل لقوله: «صحيح على مذهبه» و حاصل التعليل: أنّه مع الشك في الشرط- و هو التعقب- للشك في حصول الإجازة، لا يجب الوفاء بالعقد، لأنّ موضوع وجوب الوفاء خصوص العقد المقيّد بتعقبه بها، فالعقد المجرّد عن القيد لا يجب الوفاء به.

(4) أي: بنحو الشرط المتأخر الذي يكون مشروطه متقدّما على شرطه بناء على إمكانه.

(5) متعلق ب «شرطا»، و شرطية نفس الإجازة في مقابل شرطية الأمر الانتزاعي أعني به وصف التعقب الذي هو مختار جماعة.

(6) أي: من دون ضمّ ضميمة- و هي الإجازة- إليه، فلا شأن للإجازة إلّا جعل العقد نفسه سببا تامّا لحصول الملكية، حيث إنّ الإجازة لكونها إنفاذا و إمضاء تقتضي التأثير في الملكية. فموضوع وجوب الوفاء نفس العقد من حيث إنّ العقدية تقتضي ذلك،

______________________________

بإجازة الأب. و هو كما ترى. و كذا الحال في نصوص نكاح الفضولي من العبد و الصغير و غيرهما، و لا وجه لرفع اليد عن هذا الظهور. و عليه فلا يتوقّف القرار المعاملي على ولاية التصرف.

نعم ما أفاده المصنف من حرمة التصرف حتّى مع العلم بعدم لحوق الإجازة مشكل، إذ بناء على الكشف يعلم بعدم تأثير العقد أصلا، و مثله خارج موضوعا عن عموم الأمر بالوفاء

ص: 117

مؤثّرا [1] تامّا (1)- فالذي (2) يجب الوفاء به هو نفس العقد (3) من غير تقييد (4)،

______________________________

فليس وجوب الوفاء من مقتضيات الملك. فيمتاز مقام الموضوعية لوجوب الوفاء عن مقام السببية للملكية، فإنّ الإجازة على الكشف الانقلابي تؤثّر في انقلاب العقد و صيرورته مؤثّرا من حين وقوعه، فللإجازة دخل في سببية العقد للملكية، لا في وجوب الوفاء، هذا.

لكن لا يخفى أنّ التفكيك بين موضوع وجوب الوفاء و السببية للملك- بعد وضوح كون الوفاء بالعقد هو العمل على طبقه و مضمونه الذي هو المبادلة مثلا- في غاية الإشكال، فتدبّر.

(1) من حين وقوعه على ما هو مقتضى الشرط المتأخر، حيث إنّ لازم الشرط المتأخّر وجود المشروط قبل شرطه.

(2) جواب الشرط في قوله: «و أما على المشهور».

(3) يعني: من حيث إنّه عقد، لا من حيث إنّه سبب للملكيّة، كما مرّ آنفا.

(4) أي: موضوعية العقد لوجوب الوفاء ليست مقيّدة بالإجازة، و إنّما المقيّد بها هو سببيّة العقد للملك.

______________________________

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه من هذه العبارة، فإنّ شرطية نفس الإجازة تنافي استقلال العقد و كونه بنفسه مؤثّرا تامّا، حيث إنّ مقتضى سببيّته التامة في التأثير عدم دخل شي ء في تأثيره، و إلّا لم يكن تامّا، بل كان العقد ناقصا و منوطا تأثيره بذلك الشي ء و مشروطا به، و ليس هذا إلّا التناقض.

إلّا أن يقال: بما أفاده المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه: من عدم كون الإجازة قيدا للعقد، بل هي شرط لصيرورة العقد مقتضيا و سببا و علّة تامّة للتأثير، فالإجازة جهة تعليلية لحدوث المقتضي للتأثير في العقد، نظير علّيّة التغير و الملاقاة لصيرورة الماء مقتضيا للتنجس بهما «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 64

ص: 118

و قد تحقّق (1)، فيجب (2) على الأصيل الالتزام به، و عدم (3) نقضه إلى أن ينقض. فإنّ ردّ المالك فسخ للعقد [فسخ العقد] من طرف الأصيل (4)، كما أنّ إجازته (5) إمضاء له من طرف الفضولي.

و الحاصل: أنّه إذا تحقّق العقد فمقتضى العموم (6)- على القول بالكشف (7) المبني على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شي ء شرطا أو شطرا- حرمة (8) نقضه على الأصيل مطلقا (9)، فكلّ (10) تصرّف يعدّ نقضا لعقد المبادلة

______________________________

(1) يعني: و قد ثبت العقد الذي يجب الوفاء به بإنشاء العاقد الفضولي له.

(2) هذه نتيجة ثبوت العقد الذي يجب الوفاء به. و ضمير «به» راجع الى العقد.

(3) معطوف على «الالتزام» و مفسّر له.

(4) غرضه أنّ العقد لا يبطل من طرف الأصيل إلّا بردّ المالك، لأنّه يوجب بطلان العقد.

(5) أي: كما أنّ إجازة المالك إمضاء للعقد من طرف الفضولي، و حاصله: أنّ رد المالك فسخ للعقد، و إجازته إمضاء له من ناحية الفضولي.

(6) أي: عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(7) الظاهر أنّ المراد بالكشف ما عدا الحقيقي منه المبني على كون الإجازة شرطا متأخرا، و ذلك بقرينة قوله: «من دون ضم ضميمة شي ء شرطا أو شطرا» لوضوح كون الإجازة شطرا بناء على النقل، و شرطا متأخرا بناء على الكشف الحقيقي.

(8) خبر لقوله: «فمقتضى» و ضمير «نقضه» راجع إلى العقد.

(9) أي: سواء علم بصدور الإجازة من المالك، أم علم بعدم صدورها منه، أم شكّ في ذلك.

(10) هذه نتيجة وجوب الوفاء بالعقد من دون ضمّ شي ء شطرا أو شرطا إليه، و حاصله: أنّ عقد المبادلة و الالتزام بها يقتضي حرمة كل تصرف يعدّ نقضا لما التزم به العاقد الأصيل و رافعا له، بحيث لا يجتمع ذلك التصرف الناقض مع صحة العقد. فإذا اشترى الأصيل متاعا من البائع الفضولي اقتضى التزامه الشرائي أن لا يتصرف في الثمن، فإن تصرّف فيه تصرفا يتوقف على الملك- بل و غيره- ممّا ينافي التزامه بخروجه عن ملكه و سلطنته، كان ذلك التصرف نقضا لالتزامه الشرائي و إبطالا له.

ص: 119

- بمعنى عدم (1) اجتماعه مع صحّة العقد- فهو (2) غير جائز.

و من هنا (3) تبيّن فساد توهّم أنّ العمل بمقتضى العقد كما يوجب (4) حرمة تصرّف الأصيل فيما انتقل عنه، كذلك (5) يوجب جواز تصرّفه فيما انتقل إليه، لأنّ (6) مقتضى العقد مبادلة المالين، فحرمة التصرّف في ماله مع حرمة التصرّف في عوضه تنافي (7) مقتضى العقد أعني المبادلة (8).

______________________________

(1) أي: عدم اجتماع التصرف مع صحة العقد.

(2) خبر قوله: «فكلّ تصرف» و الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.

(3) أي: و من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد لزوم التزام الأصيل بالعقد و حرمة نقضه عليه، ظهر فساد توهم آخر، و هو: أنّ لوجوب العمل بالعقد و الوفاء به اقتضائين.

أحدهما: حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه كما ذكر.

و ثانيهما: جواز تصرّفه فيما انتقل إليه، لاقتضاء عقد المعاوضة ذلك، ضرورة أنّ التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه لم يكن التزاما به مجّانا، بل كان بعنوان العوضية و البدلية، و مقتضى هذا العنوان خروج ماله عن ملكه، و دخول مال غيره بدلا عنه في ملكه. و لازم ذلك جواز تصرفه فيما انتقل إليه، و حرمة تصرفه فيما انتقل عنه.

(4) هذا هو الاقتضاء الأوّل المذكور بقولنا: «أحدهما حرمة تصرف الأصيل ..».

(5) خبر «أنّ العمل» و هذا هو الاقتضاء الثاني المتقدّم بقولنا: «و ثانيهما جواز تصرفه».

(6) تعليل للتوهم و تثبيت له، و قد مرّ توضيح ذلك بقولنا: «لاقتضاء المعاوضة ذلك ضرورة .. إلخ».

(7) خبر قوله: «فحرمة التصرف».

(8) حيث إنّ حقيقة العقد المعاوضي- و هي المبادلة بين المالين، و عوضية كل واحد من المالين عن الآخر- تقتضي ما ذكره المتوهم من حرمة التصرف فيما انتقل عنه، و جوازه فيما انتقل إليه.

ص: 120

توضيح الفساد (1): أنّ الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم (2) على نفسه من المبادلة حرمة نقضه و التخطّي (3) عنه. و هذا (4) لا يدلّ إلّا على حرمة التصرّف في ماله، حيث (5) التزم بخروجه عن ملكه و لو بالبدل. و أمّا دخول البدل في ملكه فليس ممّا التزمه على نفسه (6)، بل ممّا جعله لنفسه. و مقتضى الوفاء بالعقد حرمة

______________________________

(1) محصله: أنّ التوهم المزبور مبنيّ على استفادة حكمين من وجوب وفاء العاقد الأصيل بما التزم به، و هما حرمة التصرف فيما انتقل عنه، و جوازه فيما انتقل إليه. و ليس الأمر كذلك، لأنّ ما يدلّ عليه وجوب الوفاء بما التزم به من المبادلة ليس إلّا حكما واحدا، و هو حرمة التصرف في ماله الذي انتقل عنه، لأنّ هذه الحرمة هي مقتضى التزامه بخروج ماله عن ملكه.

و لا يدلّ وجوب الوفاء على حكم عوض ماله، لأنّه خارج عن محيط التزامه، ضرورة أنّه جعل على نفسه الالتزام بخروج ماله عن ملكه. و أمّا دخول مال غيره في ملكه بدلا عن ماله فليس ذلك من الالتزام على نفسه، بل هو ممّا جعله لنفسه، فلا يشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد.

و الحاصل: أنّ نقض الالتزام بخروج ماله عن ملكه يتحقق بالتصرف فيه، فيحرم، و لا يتحقق بترك التصرف في بدله، لكونه خارجا عن حيّز التزامه.

(2) يعني: العاقد الأصيل. و قوله: «من المبادلة» مفسّر ل «ما» الموصول. و لعلّ الأولى إبدال العبارة، بأن يقال: «بما ألزمه على نفسه» أو «بما التزم به من المبادلة».

(3) معطوف على «نقضه»، و قوله: «حرمة نقضه» خبر قوله: «أن الثابت».

(4) أي: ما ثبت على الأصيل من وجوب الوفاء- و هو حرمة النقض و التخطّي- لا يدلّ .. إلخ.

(5) تعليل لعدم دلالة وجوب الوفاء إلّا على حرمة التصرف، و حاصله: أنّ الالتزام على نفسه الموجب للوفاء هو الالتزام بخروج المال عن ملكه و لو مع البدل، و ذلك الالتزام لا يقتضي إلّا حرمة التصرف في المال الذي انتقل عنه، إذ جواز تصرفه فيه ينافي التزامه بخروجه عن ملكه، و لا يقتضي جواز تصرفه في المال الذي انتقل إليه.

(6) حتى يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل إليه، و يحرم عليه نقضه بعدم جواز التصرف فيه كما زعمه المستشكل.

ص: 121

رفع اليد عمّا التزم على نفسه (1). و أمّا قيد كونه (2) بإزاء مال فهو (3) خارج عن الالتزام على نفسه و إن كان داخلا في مفهوم المبادلة. فلو لم يتصرّف في مال صاحبه لم يكن ذلك (4) نقضا للمبادلة، فالمرجع في هذا التصرّف (5) فعلا و تركا إلى (6) ما يقتضيه الأصل، و هي أصالة عدم الانتقال.

و دعوى (7):

______________________________

(1) لا ما جعله لنفسه من دخول البدل في ملكه، فإنّه خارج عن دائرة التزامه.

(2) أي: كون ما التزمه على نفسه بخروج المال عن ملكه. غرضه: أنّ تقيد خروج ماله عن ملكه بإزاء مال غيره لا يوجب أن يكون عدم تصرف الأصيل في مال صاحبه نقضا لالتزامه بخروج ماله عن ملكه، و ذلك لأجنبية دخول مال الغير في ملكه عن التزامه بخروج ماله عن ملكه، و هو موظّف بعدم نقض ما ألزمه على نفسه فقط، و هو التزامه بخروج ماله عن ملكه.

(3) جواب «أمّا» و الضمير راجع إلى «قيد» و جملة «و إن كان» وصليّة.

(4) أي: لم يكن عدم تصرف الأصيل في المال المنتقل إليه نقضا للمبادلة، للخروج عن دائرة التزامه.

(5) أي: تصرف الأصيل في مال صاحبه. بعد أن أثبت المصنف قدّس سرّه بدليل وجوب الوفاء بالعقد الذي هو دليل اجتهادي حرمة نقض التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه بالتصرف فيه- و لم يثبت به حكم تصرّف الأصيل في مال صاحبه- أراد أن يبيّن حكمه على ما يقتضيه الأصل العملي، و حكم بأنّ استصحاب عدم انتقاله إلى الأصيل يثبت بقاءه على ملك مالكه، المستلزم لحرمة تصرف الأصيل فيه.

(6) خبر قوله: «فالمرجع»، و الظاهر عدم الحاجة إلى كلمة «إلى» لأنّ المرجع هو الدليل على الحكم كالخبر، لا نفس الحكم، و من المعلوم أنّ ما يقتضيه الأصل هو نفس الحكم لا دليله، و هي أصالة عدم الانتقال. و عليه فلعلّ الأولى أن يقال: «فالمرجع في حكم هذا التصرف .. هو الأصل، و هي أصالة .. إلخ» و هي تقتضي حرمة التصرف.

(7) الغرض من هذه الدعوى إثبات جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه و عدم حرمته، بتقريب: أنّ التزامه بخروج ماله عن ملكه لم يكن مطلقا حتى يحرم تصرّفه فيه

ص: 122

«أنّ الالتزام المذكور (1) إنّما هو على تقدير الإجازة و دخول (2) البدل في ملكه.

فالالتزام (3) معلّق على تقدير لم يعلم تحقّقه، فهو كالنذر المعلّق على شرط، حيث حكم جماعة بجواز التصرّف في المال المنذور قبل تحقّق الشرط إذا لم يعلم بتحقّقه (4).

______________________________

بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود، بل كان معلّقا على تقدير الإجازة و دخول مال الغير في ملكه. و هذا الالتزام نظير النذر المعلّق على شرط لم يحصل بعد، حيث إنّ جماعة حكموا بجواز تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرطه، من دون لزوم حنث.

(1) و هو التزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه.

(2) معطوف على «الإجازة» و ضمير «ملكه» راجع إلى الأصيل.

(3) يعني: فالتزام الأصيل بخروج ماله عن ملكه ليس مطلقا، بل هو معلّق على تقدير حصول الإجازة التي لا يعلمها الأصيل، فيكون التزام الأصيل المعلّق على الإجازة كالنذر المعلّق على شرط لم يعلم بتحققه في جواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط مع الجهل بحصوله. فكما لا يعدّ التصرّف في المال المنذور حينئذ عند جماعة حنثا، فكذلك لا يعد تصرف الأصيل في ماله المنتقل عنه قبل العلم بتحقق الإجازة أو قبل تحقق نفسها نقضا لالتزامه.

(4) مقتضى هذه الجملة الشرطية عدم جواز تصرف الناذر في المال المنذور بما ينافي النذر لو علم بتحقق الشرط، فمورد جواز التصرف المنافي هو الشك في حصول الشرط أو العلم بعدمه. كما أن المراد بالتصرف الجائز أعم من الانتفاع و من الإخراج عن الملك.

و لا يخفى أن هذه المسألة تعرّض لها صاحب المقابس قدّس سرّه في السبب السادس من أسباب نقض الملك، و فصّل بين كون الشرط المعلّق عليه معلوم الوقوع و بين محتمله، فقال بعد نقل خلاف العلامة و الفخر قدّس سرّهما: «و عندي أنّه إن كان النذر مشروطا صريحا أو ضمنا- بما إذا وجد الشرط، و المنذور باق في ملكه- فإخراجه من الملك قبله جائز قطعا، لأنّ الالتزام بالنذر حينئذ بالنسبة إلى بقاء المنذور في الملك كالواجب المشروط، و لا يجب تحصيل مقدمته إجماعا.

و يدلّ عليه أيضا ما رواه الشيخ و الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن

ص: 123

..........

______________________________

أحدهما عليهم السّلام قال: سألته عن الرجل تكون له الأمة، فيقول: يوم يأتيها فهي حرّة، ثم يبيعها من رجل، ثم يشتريها بعد ذلك، قال: لا بأس بأن يأتيها، قد خرجت من ملكه «1».

و قد حمله الأصحاب على صورة النذر، كما ذكره في الدروس و التنقيح و المسالك.

و زاد في المسالك: أنّه ما وقف على رادّ لها إلّا ما يظهر من ابن إدريس. و فيه دلالة على جواز البيع، و على سقوط النذر به و إن عادت إلى ملكه ..» «2».

و قال المحقق قدّس سرّه: «لو نذر عتق أمته إن وطأها صحّ. فإن أخرجها من ملكه انحلّت اليمين. و لو أعادها بملك مستأنف لم تعد اليمين» «3».

و استدلّ عليه كما في المسالك و الجواهر و غيرهما «4» بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدمة.

و كيف كان فالاستدلال بها على ما نسبه المصنف إلى جماعة- من جواز التصرف في المنذور المشروط بمحتمل الوقوع- منوط بأمرين.

أحدهما: دلالتها على حكم النذر، مع عدم تصريح في السؤال بأنّ السيد نذر عتق أمته لو أتاها. و الظاهر ثبوته بشهادة حمل الأصحاب لها على النذر حتى من توقّف عن الفتوى بمضمونها كابن إدريس و العلّامة في بعض كتبه «5».

ثانيهما: التعدّي من مورد الصحيحة- و هو وطأ الأمة المنذور عتقها- إلى غيره كما إذا نذر التصدّق بمال معيّن معلّقا على شفاء مريض أو قدوم مسافر، و نحوهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 60، الباب 59 من كتاب العتق، الحديث 1

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 111 و 112

(3) شرائع الإسلام، ج 3، ص 108، و نحوه في المختصر النافع، ص 237، و قال به جمع أيضا، كالمقنع، ص 157، النهاية و نكتها، ج 3، ص 14- 15، الجامع للشرائع، ص 403، إرشاد الأذهان، ج 2، ص 67، الدروس الشرعية، ج 2، ص 205، المهذب، ج 2، ص 360، الروضة البهية، ج 6، ص 96، نهاية المرام، ج 2، ص 267.

(4) مسالك الافهام، ج 10، ص 306 و 307، جواهر الكلام، ج 34، ص 131 و ج 35، ص 412

(5) السرائر، ج 3، ص 12 و 13، مختلف الشيعة، ج 8، ص 31 و 32، قواعد الاحكام، ج 3، ص 203

ص: 124

فكما أنّ التصرّف حينئذ (1) لا يعدّ حنثا، فكذا التصرّف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقّق الإجازة لا يعدّ نقضا لما (2) التزمه، إذ (3) لم يلتزمه (4) في الحقيقة إلّا معلّقا» مدفوعة (5)

______________________________

و الظاهر ثبوته أيضا، لما يستفاد من قوله عليه السّلام: «قد خرجت عن ملكه» الذي هو كتعليل الحكم بجواز المباشرة. قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و المتجه التعدّي، نظرا إلى العلّة. و يتفرّع على ذلك أيضا جواز التصرف في المنذور المعلّق على شرط لم يوجد. و هي مسألة إشكالية. و العلّامة اختار في التحرير عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حرّ، فباعه قبل الفعل، ثم اشتراه، ثم فعل. و ولده استقرب عدم جواز التصرف في المنذور المعلّق على الشرط قبل حصوله. و هذا الخبر حجة عليهما» «1».

فالمتحصل: أنه يجوز للأصيل التصرف في ما انتقل عنه- بالبيع الفضولي- تنظيرا له بجواز تصرف الناذر في متعلق نذره المشروط قبل تحقق الشرط.

(1) أي: فكما أنّ تصرّف الناذر في المال المنذور- حين عدم علمه بتحقق الشرط الذي علّق عليه النذر- لا يعدّ حنثا، فكذا التصرف في المقام.

(2) أي: لا يعدّ تصرّف الأصيل- قبل تحقّق الإجازة- فيما انتقل عنه نقضا لما التزم به من المبادلة، كما لا يعدّ تصرّف الناذر في المال المنذور قبل تحقق شرط النذر حنثا موجبا للكفارة.

(3) تعليل لقول المدّعي: «لا يعدّ نقضا لما التزمه» و حاصل التعليل: أنّ التزامه بالمبادلة لم يكن مطلقا حتى يكون تصرفه في ماله المنتقل عنه نقضا لما التزم به، بل كان معلّقا على أمر غير معلوم التحقق. و مثل هذا الالتزام المعلّق لا يوجب حرمة التصرف في المال قبل حصول المعلّق عليه.

(4) الضمير الفاعل المستتر فيه راجع إلى الأصيل، و الضمير المفعول البارز راجع إلى الموصول في قوله: «لما التزمه».

(5) خبر «و دعوى» و ردّ لها، و محصل الرّد وجهان، أحدهما: ناظر إلى التأمل في

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 6، ص 296

ص: 125

..........

______________________________

المقيس عليه، و هو جواز التصرف في المنذور قبل حصول الشرط، و ثانيهما: إلى منعه في المقيس، لوجود الفارق بين المسألتين.

أمّا الأوّل فتوضيحه: أنّ جواز التصرف في المال المنذور المشروط- قبل حصول شرطه- لا يخلو من الاشكال، و لم يتسالم الأصحاب عليه، فقد صرّح العلّامة و الشهيد الثاني قدّس سرّهما بأنّ المسألة مشكلة، بل التزم في التحرير بعتق العبد المنذور عتقه لو عاد إلى ملكه، كما تقدم آنفا في عبارة الروضة.

بل في الجواهر: «و لو علّق نذر العتق على برء المريض مثلا، ففي جواز بيعه قبل حصول الشرط قولان ذكرهما الصيمري في شرحه .. و ربما يشهد للعدم ما سمعته في اليمين من أنّه لو حلف ليأكلنّ هذا الطعام غدا، فأتلفه قبل الغد، أثم به، و تعلّق به الكفارة.

و نسبه الصيمري إلى علمائنا. و ليس إلّا لأنّ النذر قبل حصول الشرط له صلاحيّة التأثير، و إخراجه عن ملكه يزيل صلاحية التأثير» «1».

و الوجه في الاشكال- كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه- أنّ التصرف في المال المنذور قبل تحقق شرطه نقض للالتزام في ضمن النذر، فيكون ممنوعا منه بحكم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر. و مورد صحيح محمّد بن مسلم ليس التصرف المنافي لمقتضى النذر، بل هو رفع الموضوع برفع الشرط، أو التسبب لعدم حصوله من أوّل الأمر، فراجع «2».

و أمّا الوجه الثاني فهو: أنّ قياس المقام بباب النذر مع الفارق. توضيحه: أنّ الشرط في باب النذر شرط لنفس الالتزام النذري، نظير الشرط في الواجبات المشروطة الذي هو شرط لنفس الوجوب. بخلاف الالتزام هنا، فإنّه أحد طرفي العقد المركب من الالتزامين الصادرين من المتعاقدين من دون أن يكون أحدهما شرطا للآخر و متقدّما عليه. فمع تحقق كلا الالتزامين يثبت العقد الذي يجب على كلّ منهما الوفاء به، و يحرم عليه نقضه، فلا يجوز للأصيل التصرّف في ما انتقل عنه مع بقائه على ملكه، إذ خروجه عن

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 35، ص 412

(2) غاية الآمال، ص 387

ص: 126

- بعد (1) تسليم جواز التصرّف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال- بأنّ (2) الفرق بينهما أنّ الالتزام هنا (3) غير معلّق على الإجازة، و إنّما التزم بالمبادلة متوقّعا للإجازة، فيجب عليه الوفاء به (4)، و يحرم عليه نقضه (5) إلى أن يحصل ما يتوقّعه من الإجازة، أو ينتقض التزامه بردّ (6) المالك.

و لأجل ما ذكرنا- من اختصاص حرمة النقض بما يعدّ من التصرّفات منافيا لما التزمه الأصيل على نفسه دون غيرها (7)-

______________________________

ملكه موقوف على الإجازة. و منع الأصيل عن التصرف في ماله المنتقل عنه لا يستلزم جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لأنّه ليس له ولاية الالتزام بجعل مال الغير ملكا لنفسه، بل ولايته تختص بمالكه.

فالنتيجة: أنّ الأصيل بمقتضى التزامه بكون ماله ملكا لغيره يحرم عليه التصرف في ماله الذي هو باق على ملكه، لتوقف خروجه عن ملكه على الإجازة التي أنيط بها تأثير العقد في الملكية.

(1) هذا إشارة إلى الجواب الأوّل المتقدم بقولنا: «أما الأوّل فتوضيحه: أن جواز التصرف .. إلخ».

(2) متعلق ب «مدفوعة» و هذا هو الجواب الأصلي عن الدعوى المذكورة، و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا «توضيحه: أن الشرط في باب النذر شرط .. إلخ».

(3) أي: التزام الأصيل بنقل ماله إلى الغير غير موقوف على إجازة المالك، و إنّما هو مراعى، بحيث تكشف الإجازة المتأخرة عن تحقق النقل و الانتقال من زمان العقد.

(4) أي: بالالتزام، و الضمير المستتر في «التزم» و البارز في «عليه» راجع إلى الأصيل.

(5) يعني: مع بقاء المال على ملك الأصيل، فليس حرمة التصرف فيه لأجل كونه مال الغير، بل لأجل التزامه بصيرورته ملكا للغير، فيحرم على الأصيل التصرف في ماله، للالتزام المزبور.

(6) متعلق ب «ينتقض». و ضمير «التزامه» راجع إلى الأصيل.

(7) أي: دون التصرفات غير المنافية لما ألزمه الأصيل على نفسه.

ص: 127

قال (1) في القواعد في باب النكاح: «و لو تولّى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة (2). فإن كان (3) زوجا حرمت عليه الخامسة و الأخت و الأمّ و البنت (4) إلّا إذا فسخت [1] (5)

______________________________

(1) أي: قال العلامة قدّس سرّه. و الغرض من نقل هذا الكلام الاستشهاد به على حرمة نقض ما التزمه الأصيل على نفسه.

(2) لأنّ تحريمها مترتّب على النكاح الصحيح، و المفروض تحققه بالنسبة إلى المباشر.

(3) أي: فإن كان المباشر الأصيل زوجا- كما إذا فرضنا أنّ زيدا تزوّج بهند مثلا، و قد زوّجها به عمرو فضولا- ثبت في حق زيد الذي هو العاقد الأصيل تحريم المصاهرة.

فإن كانت المعقود عليها- و هي هند- زوجة رابعة لزيد حرمت عليه الخامسة، إذ يتم بالمعقود عليها العدد المحلّل و هو الأربع. و كذلك حرمت عليه أخت المعقود عليها، لكونه جمعا بين الأختين. و أمّها، لكونها أمّ الزوجة. و بنتها، لكونها ربيبة له. فإنّ تحريمهن على الأصيل إنّما هو لأجل حرمة نقض ما التزمه بسبب العقد على نفسه.

(4) هذه الثلاثة راجعة إلى المعقود عليها، أي: تحرم أخت المعقود عليها و أمّها و بنتها، لمّا مرّ آنفا.

(5) أي: فسخت المعقود عليها فضولا عقد الفضولي، فإنّ ردّها لعقدها يرفع ما يقتضي التحريم و هو النكاح، فبعد ردّ المعقود عليها عقد النكاح لا يكون تزويج زيد بغيرها تزويجا بالخامسة حتى تحرم. و كذا يجوز التزويج بأخت المعقود عليها، إذ ليس حينئذ من الجمع بين الأختين، فيجوز نكاح أختها. و كذا نكاح بنت المعقود

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الفسخ حلّ العقد و رفعه، و لذا يكون من حينه لا من أصله، كما أنّ الإمضاء إبقاء للعقد في مقابل الفسخ الذي هو إعدامه. و الردّ دفع للعقد و منع عن تحققه، و الإجازة إحداث للعقد.

و على هذا فلعلّ الأنسب إبدال قوله قدّس سرّه: «فسخت» ب «ردّت» فإنّ الفسخ رفع و الردّ دفع، و الفرق بينهما واضح، فالفسخ في مقابل الإمضاء، و الردّ في مقابل الإجازة.

ص: 128

على إشكال في الأمّ (1). و في الطلاق (2) نظر، لترتّبه على عقد لازم (3)، فلا يبيح (4)

______________________________

عليها، لأنّ حرمتها منوطة بالدخول بأمّها، و المفروض عدم تحققه، فيجوز للمباشر الأصيل نكاحها. و أمّا حرمة أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها ففيها كلام سيأتي.

(1) يعني: في تحريم أمّ المعقود عليها بعد ردّ بنتها لعقد الفضولي إشكال. وجه الاشكال: أنّ مقتضى نكاح البنت- و لو آنا ما- حرمة أمّها أبدا، و مقتضى ردّ النكاح الموجب لعدم تحققه حدوثا عدم تحريمها، لأنّ مناط تحريمها هو العقد الصحيح، و ردّ المعقود عليها ردّ لأصل النكاح و دفع له، و لازمه عدم ترتب أحكامه عليه التي منها حرمة نكاح الام.

و هذا الوجه هو الصحيح، لأنّ الحرمات مترتبة على صحة عقد النكاح المؤلف من الالتزامين الإيجابي و القبولي، و التزام الأصيل لا يكفي في ترتب أحكام العقد و إن لزم عليه عدم نقض ما التزم به حتى يتبيّن الحال من الرّد و الإجازة، و هذا اللزوم لو قيل به حكم ظاهري.

(2) أي: و في كون طلاق الأصيل للمعقود عليها فضولا رافعا لحرمة أمّها و أختها و بنتها، و نكاح الخامسة، و إباحة تزويجهن، نظر. وجه النظر هو: أنّ الطلاق إن كان رافعا لعلقة النكاح صحّ نكاحهن و أبيحت المصاهرة، لأنّ الرد رافع لتلك العلقة. و إن كان رافعا لعلقة الزوجية فلا مورد للطلاق، إذ لا زوجية حقيقة قبل الإجازة حتى ترتفع بالطلاق، فالحرمة باقية، و لا تباح المصاهرة إلّا بعد ردّ المعقود عليها أو إجازتها، ثم الطلاق.

و الأقوى هو الثاني، إذ الطلاق لا يقع إلّا بالزوجة، و لا تحصل علقة الزوجية إلّا بعد إجازة المعقود عليها فضولا للعقد، فلا يملك الأصيل طلاقها قبل إجازتها، لأنّه لا يملك أمرها إلّا إذا صارت زوجته، و لا تصير زوجته إلّا بالإجازة.

(3) أي: لازم من الطرفين حتى تتحقق الزوجية التي تتوقف صحة الطلاق عليها.

(4) يعني: فلا تباح المصاهرة بالطلاق مع عدم لزوم عقد النكاح.

ص: 129

المصاهرة «1». و إن كان (1) زوجة لم يحلّ لها نكاح غيره، إلّا إذا فسخ (2)، و الطلاق هنا معتبر» (3) انتهى «2».

و عن كشف اللثام نفي الإشكال (4).

______________________________

(1) معطوف على «فإن كان» يعني: و إن كان المباشر زوجة لم يحلّ لها نكاح غير الزوج الذي اختير لها فضولا، لكون العقد لازما من طرفها.

(2) يعني: إلّا إذا فسخ الزوج المختار لها فضولا، فيجوز لها حينئذ نكاح غيره.

(3) لأنّ الطلاق المتوقف على الزوجية يكشف عن إجازة الزوج الفضولي عقد النكاح و صيرورته مالكا لأمر الطلاق، فيصح الطلاق و يعتبر، لوقوعه على الزوجة.

و بالجملة: فكاشفية الطلاق هنا ككاشفيته عن الزوجية في أمر السيد عبده الذي نكح بدون إذن مولاه، فإنّه ورد في رواية ابن وهب «لأنّك حين قلت له:- طلّق- أقررت له بالنكاح».

(4) قال شارحا لعبارة القواعد المذكورة في المتن: «و لو تولّى الفضوليّ أحد طرفي العقد و باشر الآخر بنفسه- أو وليّه أو وكيله- ثبت في حقّ المباشر تحريم المصاهرة إلى أن يتبيّن عدم إجازة الآخر، لتمامية العقد بالنسبة إليه. فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة و الأخت بلا إشكال، لصدق الجمع بين الأختين و نكاح أربع بالنسبة إليه، و لا يجدي التزلزل. و- أي: و كذا يحرم- كلّ من الامّ و البنت المعقود عليها فضوليا. إلّا أنه قبل تبيّن حالها من الإجازة أو الفسخ لا إشكال في الحرمة، لحرمة الجمع قطعا. و كذا إذا أجازت و أمّا إذا فسخت فلا حرمة بلا إشكال في البنت، و على إشكال في الأمّ، من أنّ الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه. و الأوّل أصحّ، فإنّ الأصحّ أنّ الإجازة إما جزء أو شرط» «3».

______________________________

(1) كذا في النسخة المصححة و القواعد المطبوعة بمركز النشر الإسلامي، و في بعض نسخ المكاسب «فلا يقع المصاهرة» و الأولى ما أثبتناه.

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 16

(3) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 18 (الطبعة الحجرية).

ص: 130

و قد صرّح أيضا (1) جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل، و فرّعوا عليه تحريم المصاهرة «1».

و أمّا مثل النظر (2) إلى المزوّجة فضولا و إلى أمّها مثلا و غيره ممّا لا يعدّ تركه

______________________________

و قد وافق قدّس سرّه العلّامة في حكمه بحرمة البنت و الامّ و الأخت في مدة التربص.

و كذا الخامسة لو كانت المعقود عليها فضولا زوجة رابعة للزوج الأصيل. و خالفه في جزمه بحلّيّة الأمّ لو فسخت بنتها المعقود عليها النكاح الفضولي.

و على هذا فإن كان مراد المصنف من قوله: «نفى الاشكال» ما أفاده الفاضل الأصفهاني من الحكم بحرمة البنت و الأمّ و الأخت و الخامسة في مدّة التربّص وفاقا للعلّامة فهو متين. و إن كان مراده أنّ الفاضل نفى الاشكال المذكور في عبارة القواعد بالنسبة إلى حرمة الأمّ و حلّيّتها بعد فسخ العقد- و لعلّه المتعيّن، إذ لم يستشكل العلامة في المحرّمات بالمصاهرة إلّا في الأمّ- فهو و إن كان صحيحا، لكنه لم يجد المصنف الذي استشهد بكلام العلّامة على وجوب التزام الأصيل بالتزامه و عهده قبل الإجازة. و أمّا بعد الفسخ فلا شبهة في جوازه.

و لعلّ المصنف اعتمد في نقل كلام الفاضل الأصفهاني على مطلع كلام صاحب الجواهر من قوله: «بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه» «2» و لم يلاحظه بتمامه.

و كيف كان فالمستفاد من عبارة كشف اللثام عدم الإشكال في حرمة نقض ما التزم به الأصيل، و لازمه تحريم المصاهرة على المباشر، فتحرم عليه الخامسة و غيرها ممّا ذكر.

(1) يعني: كصاحبي القواعد و كشف اللثام، و هذا التصريح لازم ما التزم به الأصيل من النكاح.

(2) من الآثار التي تكون للمباشر الأصيل لا عليه، كالنظر إلى المرأة المزوّجة

______________________________

(1) لاحظ جامع المقاصد، ج 12، ص 159، الحدائق الناضرة، ج 23، ص 288 و 289 و لاحظ كنز الفوائد أيضا، ج 2، ص 324

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 217

ص: 131

نقضا لما التزم العاقد على نفسه، فهو (1) باق تحت الأصول (2)، لأنّ ذلك (3) من لوازم علاقة الزوجيّة غير الثابتة، بل المنفيّة بالأصل [1]. فحرمة (4) نقض العاقد لما عقد على نفسه لا تتوقّف على ثبوت نتيجة العقد أعني علاقة الملك أو الزوجية، بل ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين (5).

______________________________

فضولا، و إلى أمّها و جدّتها، و غير النظر مما لا يعدّ تركه نقضا لما التزم به العاقد الأصيل.

و لمّا كان النظر و نظائره من آثار الزوجيّة- التي لم تثبت، لكونها متقومة بكلا الالتزامين- فلا وجه لجوازها، بل الحكم فيها عدم الجواز باستصحاب عدم الزوجية.

(1) جواب الشرط في قوله: «و أما مثل».

(2) و المراد بالأصل هنا هو الاستصحاب كما أشير إليه آنفا.

(3) أي: مثل جواز النظر، و هذا تعليل لبقاء النظر و نظائره تحت الأصول.

و حاصل التعليل: أنّ جوازها منوط بوجود موضوعها أعني الزوجيّة التي لم توجد، لترتبها على كلا التزامي الطرفين، كما إذا كان المتعاقدان أصيلين.

(4) هذه نتيجة ما أفاده من التفكيك بين الآثار التي تثبت على العاقد المباشر كحرمة الخامسة و غيرها ممّا ذكر، و بين الآثار التي تكون للمباشر، فإنّ نقض تلك الآثار حرام، لكون موضوعها نفس الالتزام الذي التزم به الأصيل، و جعله على نفسه. و أمّا الآثار الثابتة للمباشر فلمّا كان موضوعها نتيجة العقد المركّب من الالتزامين- كالملكية و الزوجية- فلا تثبت له إلّا بعد تحقق نتيجة العقد، و لذا لا يكون تركها نقضا لما ألزمه على نفسه.

فصار المتحصل: أنّ مثل النظر إلى المرأة المعقودة مترتّب على زوجيّتها، لا مجرّد كونها معقودة.

(5) كما إذا كان المتعاقدان كلاهما أصيلين. و هذا مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض

______________________________

[1] لا يخفى أنّ أصل عدم الإجازة إنّما يجري على الكشف الذي تكون الإجازة فيه شرطا متأخرا اصطلاحيا بمعنى تقدم المشروط على الشرط، إذ القطع بوجود الإجازة فيما بعد يوجب لزوم ترتيب آثار الزوجية فعلا، فالشك في وجودها يوجب جريان

ص: 132

ثمّ إنّ بعض متأخّري المتأخّرين (1) ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبّه بها، و بما يمكن أن يقال عليها (2).

[الثمرة الرابعة: سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك]

منها (3): ما لو انسلخت قابليّة التملك عن أحد المتبايعين

______________________________

اختصاص حرمة النقض بالمباشر الأصيل، لكون أحد المتعاقدين فضوليا. هذا تمام الكلام في الثمرة الثالثة.

(1) و هو الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرحه على القواعد، حيث عدّ أمورا أربعة ثمرة للكشف و النقل، و هي: انسلاخ أهلية المالك أو المملوك، و تجددهما، و فقد شرط العقد. و ناقش صاحب الجواهر قدّس سرّه فيها. و وافقه المصنف في الأخيرين دون الأوّلين.

فهنا أمور ثلاثة لا بدّ من بيانها، أوّلها: تقرير الثمرة، ثانيها: اعتراض صاحب الجواهر، ثالثها: منع الاعتراض في بعضها، و تسليمه في بعضها. و سيأتي بيان الكل بالترتيب إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني: و بما يمكن أن يستشكل به في تلك الثمرات من وجوه.

الثمرة الرابعة: سقوط أحد المتبايعين عن أهلية التملك

(3) أي: من تلك الثمرات خروج أحد المتعاقدين عن قابلية التملك، و هذا الخروج عرفي تارة كالموت الموجب لخروج المال عن ملكه و دخوله في ملك الورثة، و شرعي أخرى أي بتعبّد من الشارع. و هو إمّا مطلق بالنسبة إلى جميع أمواله، كالمرتد الفطري الذي هو كالميّت، و إما مقيّد ببعض الأموال كالمرتد الملّي الذي تنسلخ عنه أهلية تملك المصحف الشريف و العبد المسلم.

______________________________

الاستصحاب في عدمها و ترتب آثار عدم الزوجية.

و أمّا على الكشف الانقلابي فلا وجه لجريان الاستصحاب في عدم الإجازة، إذ العلم بوجودها فيما بعد لا يجدي فضلا عن الشك فيه، لعدم ترتب آثار الزوجية فعلا إلّا بعد وجودها، فمع الشك في حصول الإجازة بعد ذلك نقطع بعدم ترتب آثار الزوجية فعلا، و مع القطع لا أثر للاستصحاب حتى يجري في نفي الإجازة أو الزوجية.

ص: 133

بموته (1) قبل إجازة الآخر، أو بعروض (2) كفر بارتداد فطريّ أو غيره (3) مع (4) كون المبيع عبدا مسلما، أو مصحفا، فيصحّ حينئذ (5) على الكشف دون النقل [1].

______________________________

و حيث كان الخروج عن قابلية التملك بأحد الأمور الثلاثة فربّما يقال بظهور الثمرة بين الكشف و النقل، و تقريبه: أن العاقد الأصيل سواء أ كان بائعا أم مشتريا إذا أنشأ البيع أو الشراء، و انسلخت عنه قابلية التملك قبل إجازة الطرف الآخر المالك لأحد العوضين- مع كون المبيع مصحفا أو عبدا مسلما- صحّت المعاملة بناء على الكشف، لكون الإجازة حينئذ كاشفة عن سبق الملك على الانسلاخ المذكور، لكونه حيّا حين العقد، أو مسلما مالكا لأمواله. بخلاف القول بالنقل، فإنّ المعاملة بناء على باطلة، إذ المفروض ترتب النقل و الانتقال على الإجازة المتأخرة عن الانسلاخ المزبور، فلا تجدي في الصحة.

(1) متعلق ب «انسلخت» و ضميره راجع الى أحد المتبايعين و «قبل» متعلق ب «موته».

(2) معطوف على «بموته» و كلّ من الموت و الارتداد سبب للانسلاخ.

(3) و هو الارتداد الملّي المقابل للارتداد الفطري.

(4) هذا القيد راجع إلى المرتد الملّي، حيث إنّه يملك كل شي ء إلّا المصحف الشريف و العبد المسلم. فإن كان المبيع أحدهما لا يملكه المرتد الملّي، فإنّ ارتداده يخرجه عن قابلية التملك للمصحف و العبد المسلم، دون غيرهما من الأموال.

(5) يعني: فيصح البيع أو الشراء حين انسلاخ قابلية التملك عن أحد المتعاقدين بناء على الكشف، لما مرّ آنفا، دون النقل، لما تقدّم أيضا.

______________________________

[1] قد يقال: إن عدم مالكية الكافر للعبد المسلم إن استند إلى آية نفي السبيل فهي بمقتضى ظهور حرف الاستعلاء تنفي الغلبة على المسلم و الضرر عليه، و مجرد مالكيته له بدون السلطنة عليه ليس سبيلا، لكونه محجورا عن التصرف فيه. و إن استند إلى النبوي النافي للعلو على السلام، فإن كان مدلوله الحرمة التكليفية أي عدم جواز الاستعلاء على

ص: 134

[الثمرة الخامسة: سقوط أحد العوضين عن المالية]

و كذا (1) لو انسلخت قابليّة المنقول

______________________________

الثمرة الخامسة: سقوط أحد العوضين عن المالية

(1) هذه ثمرة ثانية من الثمرات التي ذكرها الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه و محصلها:

أنّه تظهر الثمرة بين القولين لو انسلخت قابلية المال المنقول- عوضا أو معوّضا- للملكية من طرف الأصيل إمّا بسبب تلف ذلك المال، أو عروض النجاسة عليه بحيث لا يقبل التطهير، كما إذا كان دهنا مائعا غير قابل للتطهير، و لا الانتفاع به بشي ء من وجوه الحلال.

فإذا اشترى زيد دهنا من بائع فضولي، و قبل إجازة مالك الدّهن خرج الدهن عن الملكية بالتلف أو عروض النجاسة عليه مع ميعانه المانع عن تطهيره، فعلى القول بالكشف يصح الشراء، لأنّ المشتري صار مالكا للدهن قبل تلفه أو تنجّسه، فيكون الضرر عليه لا على البائع.

و على القول بالنقل يكون الضرر على البائع، لعدم انتقال المبيع قبل الإجازة إلى المشتري، فوقع التلف و نحوه في ملك البائع، بناء على بطلان بيع المتنجس مطلقا، أو مع عدم المنفعة المحلّلة المقصودة للعقلاء.

______________________________

المسلم كان دليلا على ملكية الكافر، إذ لولا إمكان تملكه له لم يتجه النهي عنه، غايته أنه تملك محرّم، فلا بدّ من إعدامه بإجبار المالك على البيع.

و إن كان مدلوله عدم حدوث العلو لا عدم جوازه، اتّجه القول بعدم قابلية الكافر للمسلم. هذا.

و لكن يمكن أن يقال: بدلالة الآية المباركة على عدم أهلية الكافر لتملك العبد المسلم، ضرورة كون مملوكية المسلم له منقصة في شرفه و عزّته، و هو سبيل منفي حتى لو كان محجورا عن استخدامه. و قد تقرر في حديث نفي الضرر عدم اختصاص المنفي بالمال خصوصا بملاحظة مورده و شموله للمهانة في الشرف و العرض. و عليه فلا فرق في عدم مالكية المرتد الملّي للعبد المسلم بين الآية و النبوي.

ص: 135

بتلف [1] أو عروض نجاسة له مع ميعانه (1)، إلى غير ذلك.

[الثمرة السادسة: تجدد القابلية]

و في مقابله (2) ما لو تجدّدت القابليّة قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد، كما (3) لو تجدّدت الثمرة و بدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة.

______________________________

(1) المانع عن قابليته للتطهير و الموجب لسقوطه عن المالية و الملحق له بالتلف.

الثمرة السادسة: تجدد القابلية

(2) يعني: و في مقابل انسلاخ القابلية عن المال تجدّد القابليّة فيه قبل الإجازة بعد انعدام القابليّة حال العقد. فضمير «انعدامها» راجع الى القابليّة.

(3) هذا مثال لتجدد القابلية في المال المنقول بعد أن كانت معدومة، بأن باع الفضولي ثمرة الشجرة قبل بدوّ صلاحها، فأجاز المالك بعد مدّة ظهرت الثمرة فيها. فعلى القول بالكشف يصح البيع. فلو كان الزرع زكويّا كانت زكاته على المشتري، لأنّ بدوّ الصلاح كان في ملكه. و على القول بالنقل كانت زكاته على البائع، لكون ظهور الثمرة و بدوّ الصلاح في ملكه.

______________________________

[1] إن كان نظره إلى البيوع المتعارفة ممّا يكون الثمن بيد المشتري و المثمن بيد البائع قبل البيع اتجه عليه ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه من انتفاء الثمرة، لفساد المعاملة لو تلف المثمن بيد البائع قبل إجازته، لكونه من تلف المبيع قبل قبضه، فمجرّد وجوده حين العقد لا يصحّح البيع بناء على الكشف «1».

و إن كان نظره إلى ترتب الثمرة بين الكشف و النقل في بعض الموارد، كما إذا كان المبيع بيد المشتري أمانة كالعارية و الوديعة و الرهن، فبيع فضولا و تلف بيده، اتّجه ما أفاده من ترتب الثمرة عليه، لصحته بالإجازة بناء على الكشف، و فساده على النقل.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 250

ص: 136

[الثمرة السابعة: فقد شرط العقد]

و فيما (1) [1] قارن العقد فقد الشروط [الشرط]،

______________________________

الثمرة السابعة: فقد شرط العقد

(1) هذه ثمرة أخرى، و عطف قوله: «و فيما» على ما قبله يكون من عطف العام على الخاصّ، إذ المراد بقوله: «قارن العقد فقد الشرط» أعم من شروط المتعاقدين و شروط العوضين، و من المعلوم أنّ الثمرات الثلاث المتقدمة من أفراد هذا العام، و ليست خارجة عنه.

فكل شرط من شروط تأثير العقد إن كان مفقودا حين العقد و صار موجودا بعد العقد، أو كان موجودا حين العقد، و فقد بعده قبل الإجازة، يكون العقد في الصورة الاولى- و هي فقدان الشرط حين العقد و وجدانه بعده- باطلا بناء على الكشف، لوقوع العقد فاقدا للشرط. و بناء على النقل صحيحا، لوقوع العقد واجدا للشرط.

و في الصورة الثانية- و هي وجود الشرط عند العقد و فقدانه بعده قبل الإجازة-

______________________________

[1] لعل الأولى إبدال العبارة هكذا «و منها: ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ.

و منها: ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة .. إلخ. و منها: ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها .. و منها: ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

و الحاصل: أنّ السياق يقتضي تبديل العبارة بما ذكر، لأنّ كل واحد من الأمور المذكورة ثمرة من الثمرات التي ذكرها في شرح القواعد. فالمناسب تكرير «منها» عطفا على «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ». أو إبدالها هكذا: «و ما لو انسلخت قابلية المنقول ..

و ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة .. إلخ. و ما لو تجددت الثمرة .. إلخ. و ما لو قارن العقد فقد الشرط .. إلخ».

و الوجه في هذا الإبدال الثاني هو: أنّ الثمرات الثلاث المذكورة بعد الثمرة الاولى- و هي: «منها ما لو انسلخت قابلية التملك .. إلخ»- معطوفة على «ما» الموصول في «منها ما لو انسلخت قابلية التملك» و هذا العطف يقتضي سقوط «في» في قوله: «و في مقابله» و في قوله: «و فيما قارن العقد».

ص: 137

ثمّ حصل، و بالعكس (1). «1».

و ربما يعترض (2) على الأوّل بإمكان دعوى ظهور الأدلّة في اعتبار استمرار القابليّة إلى حين الإجازة على الكشف، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرّا إلى حين الإجازة.

______________________________

يكون العقد بناء على الكشف صحيحا، لوقوع العقد جامعا للشرائط، و على النقل باطلا، لوقوع العقد فاقدا لشرط الصحة.

(1) و هو وجود الشرط حين العقد، و عدمه بعده قبل الإجازة.

(2) المعترض صاحب الجواهر قدّس سرّه، و المراد بالأوّل هو الثمرة الاولى، و هي قوله:

«ما لو انسلخت قابلية التملك عن أحد المتبايعين» و محصل الاعتراض على الثمرة الاولى هو: أنّ ظاهر أدلة صحة البيع و الشراء اعتبار استمرار قابلية التملك من زمان صدور العقد إلى حين تحقق الإجازة على القول بالكشف كالنقل.

و عليه فإذا انسلخت قابلية التملك عن أحد المتعاقدين قبل الإجازة يبطل العقد بناء على الكشف و النقل معا، فلا يصحّ جعل الثمرة الأولى ثمرة لكاشفية الإجازة و ناقليّتها «2».

و بعبارة اخرى: أنّ أدلة صحة البيع الفضولي ظاهرة في اعتبار اتصال قابلية التملك بين زماني العقد و الإجازة، حتى يستند خروج المال عن ملك كل واحد من المتبايعين إلى إجازة المجيز، بحيث لولاها استمرّت الملكية، و لم تنقطع الإضافة إلّا بالإجازة الموجبة لانتقال البدل إلى الطرف الآخر.

و الشاهد على اعتبار بقاء صلاحية الأصيل للتملك بعض النصوص المستدل بها على صحة الفضولي، كصحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن سيّدها، و موثقة جميل الواردة في مخالفة العامل لما اشترط عليه ربّ المال، و الأخبار الواردة في اتجار غير الولي بمال اليتيم «3»، إذ ظاهرها- بل صريح بعضها- بقاء الأصيل على

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة 62

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 290- 291

(3) تقدمت هذه النصوص في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 388 و 427 و 440

ص: 138

و فيه (1): أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابليّة، و لا استمرار التملّك

______________________________

أهلية التملك إلى ظرف الإجازة.

و من المعلوم أنّ هذا الضابط مفقود في ما لو سقط الأصيل عن أهلية التملك قبل الإجازة، لعدم استناد خروج المال عن ملكه إليها، بل يستند إلى المانع عن اعتبار الملكية له عرفا كما في الموت، أو شرعا كالارتداد عن فطرة.

و عليه فالفرض الذي أفاده كاشف الغطاء قدّس سرّه خارج موضوعا عمّا تقتضيه أدلة صحة البيع الفضولي، و لا تصل النوبة إلى ملاحظة مبنى الكشف و النقل، لأنّ الإجازة- بناء على النقل أيضا- مرتبطة بالعقد و منفذّة له، و ليست إنشاء مستأنفا.

و نتيجة هذا البيان اعتبار اتصال مالكية كلّ منهما لماله إلى زمان الإجازة، و عدم سقوطه عن أهلية التملك في المدة المتخللة بينها و بين العقد.

فإن قلت: تقدّم في صحيحة الحذّاء- الواردة في تزويج الصغيرين فضولا- تملّك الزوجة للإرث إذا أجازت العقد بعد بلوغها، و بعد أن بلغ الزوج و أجاز و مات «1».

و هذا شاهد على عدم اشتراط صحة العقد الفضولي باستمرار الأهلية إلى زمان الإجازة، و إلّا لزم عدم استحقاق الزوجة الصغيرة لحصّتها من الإرث.

قلت: نعم هذه الصحيحة و إن دلّت على عدم اعتبار بقاء أهلية التملك إلى حين الإجازة، لكنها مختصة بموردها، و لا يتعدّى منها إلى البيع الفضولي. قال في الجواهر:

«و فيه: أنّ الأوّل و إن كان قد يشهد له خبر الصغيرين اللذين مات أحدهما. لكن يمكن الجمود عليه. و دعوى عدم الجواز في غيره بناء على الكشف أيضا، ضرورة أنّه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله كالنقل أيضا. و أنّه لولا الرضا لكان مالكا، بل لا بدّ من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة .. إلخ» «2».

ثم إنه قدّس سرّه منع من ترتب الثمرة الثانية، و هي تلف العين عقلا أو شرعا، و كذا الثمرة الثالثة و هي فقد بعض شرائط العقد، و سيأتي بيانه.

(1) هذا ردّ اعتراض الجواهر قدّس سرّه، و مرجع هذا الرّد إلى وجهين، أحدهما نقضي

______________________________

(1) تقدمت في ص 69، فراجع.

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 291

ص: 139

المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها (1)، كما (2) لو وقعت بيوع متعدّدة على مال، فإنّهم صرّحوا «1» «بأنّ إجازة الأوّل (3) توجب صحّة الجميع» مع عدم بقاء مالكية الأوّل (4) مستمرّا (5).

______________________________

بالنظر الى الفتاوى، و ثانيهما حلّي بالنظر إلى مفاد الأدلة.

أمّا النقضي فهو: أنّ القائلين بصحة البيع الفضولي بالإجازة تسالموا عليها في مسألة ما لو تسلسلت العقود على مال المجيز- كما سيأتي تفصيله في (ص 409)- مع أنّ المجيز على القول بالكشف ليس مالكا حين إجازة العقد الأوّل، لزوال ملكيته بها، و لا تبقى حتى تصح العقود المتأخرة. و هذا شاهد على عدم اعتبار بقاء الملكية.

و قد التزم صاحب الجواهر قدّس سرّه به، فقال في جملة كلامه: «و أمّا ما بعده- أي: بعد العقد المجاز- من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف، لوقوع التصرف حينئذ في الملك. و أمّا على النقل فيحتمل البطلان، لتعذر الإجازة حينئذ من المالك. و الصحة بلا إجازة ..» «2».

و امّا الحلّي، فهو: ظهور بعض الأخبار و صراحة الآخر في عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة، و سيأتي توضيحه إن شاء اللّه تعالى.

(1) متعلّق ب «استمرار» أي: استمرار القابليّة إلى حين الإجازة.

(2) هذا إشارة إلى الجواب النقضي المتقدم بيانه بقولنا: «أمّا النقضي فهو .. إلخ».

(3) أي: البيع الأوّل، فإنّ إجازته تصحّح جميع البيوع المترتبة عليه، مع عدم بقاء مالكيته مستمرا حال تلك البيوع.

(4) أي: البائع الأوّل، فإنّه بعد البيع خرج المبيع عن ملكه، و لم يبق على ملكه حين الإجازة، مع أنّ الفقهاء صرّحوا بصحة جميع البيوع الواقعة عليه. و هذا التصريح لا يلائم اعتبار استمرار قابلية التملك إلى زمان صدور الإجازة.

(5) يعني: مستمرا إلى زمان الإجازة.

______________________________

(1) و لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 70، مسالك الافهام، ج 3، ص 158 مفتاح الكرامة، ج 4، ص 191

(2) المصدر، ص 292.

ص: 140

و كما يشعر به (1) بعض أخبار المسألة المتقدّمة، حيث إنّ ظاهر بعضها و صريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة.

مضافا (2) إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين،

______________________________

(1) أي: بعدم اعتبار استمرار قابلية التملّك إلى زمان صدور الإجازة. و هذا إشارة إلى الجواب الحلّيّ، و محصّله: أنّه يستفاد ظهورا و صراحة من أخبار مسألة الفضولي عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة، فما ذهب إليه صاحب الجواهر- من اعتبار اتّصال الملكية من زمان العقد إلى حين الإجازة- ممنوع، لشهادة طائفتين من الأخبار بخلافه.

فالطائفة الأولى: ما تكون ظاهرة- بمقتضى إطلاقها- في نفي شرطية الاتصال، و ذلك كموثقة جميل الواردة في المضاربة التي خالف العامل للشرط، حيث حكم الامام عليه السّلام «بأنّ الربح ينقسم بين ربّ المال و العامل» بناء على استفادة حكم الفضولي منها، و أنّ توزيع الربح بينهما يكون بعد إجازة ربّ المال للمعاملات التي أتى بها العامل، فإنّ حكمه عليه السّلام مطلق شامل لما إذا بقي الأصيل- الذي باع و اشترى من عامل المضاربة- على أهلية التملك، و لما إذا سقط عنها.

و كأخبار الاتجار بمال اليتيم، فإنّ حكمه عليه السّلام «بأنّ الربح لليتيم»- بناء على حملها على صورة إجازة الولي لتكون من أدلة صحة الفضولي- يعمّ صورتي استمرار ملكية الأصيل و زوالها.

و الطائفة الثانية هي رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه من مواليه و أعتقه، فإنّها صريحة في نفي شرطية اتصال الملكية، إذ المفروض فيها موت دافع المال إلى العبد، مع أنّه عليه السّلام حكم برقيّة أب العبد المأذون لورثة دافع المال لو أقاموا البينة على أنّ العبد المأذون اشترى أباه بمال مورّثهم.

و الحاصل: أنّ سقوط الأصيل عن قابلية التملك بالموت غير مانع عن تنفيذ البيع الفضولي بالإجازة المتأخرة المستفادة من مطالبة كلّ من الورثة، أو مولى العبد المأذون.

(2) غرض المصنف المناقشة مع صاحب الجواهر بالنسبة إلى ترتب الثمرة الثانية على نزاع الكشف و النقل، و توضيحه: أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه اعترض على شيخه كاشف الغطاء في ما لو انسلخت قابلية المنقول بتلف، أو ما يسقطه عن المالية عرفا أو شرعا.

ص: 141

..........

______________________________

و حاصل الاعتراض: أنّ هذه الثمرة أولى بالمنع من الاولى، و هي سقوط المالك عن أهلية التملك. و ذلك لأنّ المعتبر في باب الفضولي اجازة المالك و رضاه بالعقد، فلو انتفت قابلية العين للتملك كما إذا انقلب الخلّ خمرا بعد إنشاء الفضولي و خرجت عن ملك المجيز، لم يصدق عليه «أنّه مالك» حتى تؤثّر إجازته في صحة بيع الفضولي. و لا فرق في هذا بين الكشف و النقل.

و وجه أولوية انتفاء هذه الثمرة: أنّ المالك مفروض الوجود في الثمرة الأولى، غايته أنّه يتبدل من الأصيل إلى غيره. بخلاف هذه الثمرة، لكون سقوط المال عن الملكية موجبا لانتفاء عنوان المالك رأسا، لأنّ الملكية نسبة بين المالك و المملوك أو إضافة بينهما.

هذا ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بتثبيت الثمرة، و ذلك لوجهين.

أحدهما: فحوى صحيحة الحذاء الواردة في تزويج الصغيرين، فإنّ موردها و إن كان النكاح الفضولي، إلّا أنّه لا يمنع من استفادة حكم البيع الفضولي منها، و ذلك لأنّ الزوجين ركنان في عقد النكاح كالعوضين في البيع و شبهه. و المفروض في الصحيحة موت الزوج الذي هو أحد الركنين، و قد حكم عليه السّلام بصحة العقد لو رضيت الزوجة بعد إدراكها و حلفها. و ليكن البيع الفضولي صحيحا بإجازة المالك لو سقط المبيع عن المالية و الملكية بعد العقد إمّا بالتلف الحقيقي بانعدام صورته النوعية، و إمّا بما يسقطه عن المالية كتنجس الدهن بإصابة القذر به.

فيقال: إنّه بناء على كاشفية الإجازة يصح البيع، لكون المال مملوكا حين العقد، و قد عرض عليه التلف بعده، فيتلف على المشتري. و بناء على النقل يتلف على البائع.

و يمكن أن يستفاد من هذه الصحيحة في الرد على صاحب الجواهر بالنسبة إلى الثمرة الاولى، و ذلك بالفحوى، لأنّ تلف الركن لو لم يقدح في صحة العقد كان تلف غير الركن- و هما المتبايعان في باب البيع- أولى بعدم القدح. فلا يكون الموت و الكفر مبطلين للمعاملة.

ثانيهما: الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال في قضية عروة البارقي التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي. توضيح دلالتها على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة هو: أنّه لمّا أخبر عروة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما صنع، قال صلّى اللّه عليه و آله و سلم:

ص: 142

الذي (1) يصلح ردّا لما ذكر في الثمرة الثانية، أعني خروج المنقول عن قابليّة تعلّق إنشاء عقد أو إجازة به لتلف و شبهه، فإنّ (2) موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد.

مضافا (3) إلى إطلاق رواية عروة، حيث لم يستفصل [1] النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن موت الشاة أو ذبحه (4) [2] و إتلافه.

______________________________

«بارك اللّه لك في صفقة يمينك» و لم يستفصل عن موت الشاة أو ذبحها. و ترك الاستفصال دليل على عدم اعتبار استمرار القابلية إلى زمان صدور الإجازة.

(1) صفة للخبر، لا للفحوى.

(2) هذا تقريب الفحوى، و قد تقدم توضيحه آنفا، و قوله: «كتلف» خبر «فإنّ».

(3) هذا هو الوجه الثاني، و قد تقدم آنفا بقولنا: «ثانيهما: الظهور الإطلاقي الناشئ من ترك الاستفصال .. إلخ».

(4) معطوف على «موت». و الأولى تأنيث الضمير في «ذبحه و إتلافه» لرجوعه إلى الشاة.

______________________________

[1] أمارية ترك الاستفصال على الإطلاق أو العموم تختص بأمور جرت العادة على وقوعها، و الاعتداد بها، فإذا قال المولى: «إذا سافرت فقصّر» و لم يعيّن وسيلة قطع المسافة من الطائرة أو السيّارة أو غيرهما مع جريان العادة على السفر بجميع تلك الوسائل النقّالة، كان عدم التعيين دليلا على أنّ المسافرة بكل وسيلة من تلك الوسائل توجب القصر. و من المعلوم أنّ موت الشاة في ذلك الزمان اليسير غير عادي حتى يكون ترك الاستفصال دليلا على عدم اعتبار بقاء القابلية إلى زمان صدور الإجازة كما هو مرام المصنف قدّس سرّه في مقام الرّد على صاحب الجواهر قدّس سرّه القائل باعتبار استمرار القابليّة إلى زمان الإجازة، هذا.

[2] لا يخفى ما في عطف الذبح على الموت من المسامحة، لعدم خروج الشاة بالذبح عن المالية و القابلية عرفا و شرعا، لوضوح أنّ الموت يعدم الشاة، و الذبح يبدّل صفتها بصفة أخرى. و تبدل الوصف يغاير انعدام الموصوف، بل الإتلاف الموجب للضمان أيضا. و عليه فالأولى الاقتصار في الانسلاخ عن المالية على الموت.

ص: 143

نعم ما ذكره أخيرا (1) من تجدّد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح (2) ثمرة للمسألة (3)، لبطلان (4)

______________________________

(1) يعني: ما ذكره كاشف الغطاء قدّس سرّه ممنوع. و غرض المصنف قدّس سرّه موافقة صاحب الجواهر في منع الثمرة الثالثة و الرابعة المتقدمتين في (ص 136) بقوله: «و في مقابله ما لو تجدّدت القابلية قبل الإجازة .. و فيما قارن العقد فقد الشرط ..». فقد منعهما في الجواهر بما لفظه: «و أوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك، ثم وجدت قبل الإجازة، فإنّه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح. و على النقل أيضا، لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل، فلا تنفعه الإجازة بعد أن كان في غير محله» «1».

و حاصله: أنّ العقد الفاقد لشرط من شروط الصحة باطل من أصله، و لا يمكن تصحيحه بالإجازة، لاعتبار اجتماع شرائط الصحة- إلّا الولاية على العقد- في عقد الفضولي، حتّى يؤثّر بالإجازة المتأخرة. و لا فرق في ذلك بين كاشفية الإجازة و ناقليّتها.

و بعبارة أخرى: العقد الفضولي يكون مقتضيا للتأثير، و تتوقف فعلية التأثير على إجازة ولىّ أمر العقد، و هذا الاقتضاء منوط باجتماع الشرائط حال الإنشاء. و الفرق بين العقد الفضولي و عقد المالك أنّ الأوّل مقتض للتأثير، و الثاني سبب تامّ، إلّا في مثل الصرف و السلم ممّا يكون القبض دخيلا فيه.

و العقد الفضولي لا يكون مقتضيا إلّا باستجماع شرائط الصحة، فلو اختلّت بعضها لم يتحقق ذلك الاقتضاء حتى ينتهي إلى الفعلية بانضمام الإجازة.

و هذا البيان كما يمنع الثمرة الثالثة و هي تجدد القابلية، كذلك يمنع الثمرة الرابعة، و هي فقد شرط الصحة.

(2) خبر قوله: «ما ذكره أخيرا».

(3) و هي مسألة الكشف و النقل.

(4) تعليل لقوله: «لا يصلح» و قد عرفت آنفا وجه عدم الصلاحية.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 291

ص: 144

العقد ظاهرا على القولين (1). و كذا (2) فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

و بالجملة (3): فباب المناقشة و إن كان واسعا

______________________________

(1) و هما القول بالكشف و القول بالنقل.

(2) أي: و كذا لا يصلح ثمرة للمسألة فيما لو قارن العقد فقد الشرط.

(3) قد اتضح أنّ الأقوال في الثمرة الاولى- و هي خروج أحد المتبايعين عن أهلية التملك قبل الإجازة- ثلاثة:

فالأوّل ما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء من التفصيل بين الكشف و النقل، و لذا جعله ثمرة للقولين في الإجازة.

و الثاني: ما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه من اعتبار استمرار تملك المتبايعين إلى لحوق الإجازة بالبيع الفضولي مطلقا. فتنتفي الثمرة بين الكشف و النقل.

و الثالث: ما استظهره المصنّف قدّس سرّه من الأدلة من عدم الاعتبار.

و الغرض- بعد بيان هذه الكبرى- المناقشة في كلام كاشف الغطاء من تنظيره للخروج عن القابلية بالموت و الرّدة.

أمّا المناقشة في مثال الموت فلأنّه يتوقف على شراء الأصيل شيئا بثمن كلّي في ذمته، و موته قبل إقباض الثمن، فيقال بصحته بناء على الكشف، دون النقل.

فلو اشترى بعين خارجية، فمات، صحّ حتى بناء على الكشف، و ذلك لأنّ الثمن الشخصي ينتقل بموته إلى ورثته، و لهم إجازة عقد المورّث، فإن أجازوا وقعت المعاملة للمورّث، ثم ينتقل إليهم المبيع بالإرث، بناء على الكشف. و بناء على النقل تقع للورثة.

و عليه فلا يصح جعل الموت مطلقا صغرى للخروج عن قابلية التملك.

و أمّا المناقشة في مثال الارتداد الفطري، فأمران:

أحدهما: ما تقدم آنفا من الشراء في ذمة نفسه، فلو اشترى أو باع بعين خارجية لم تبطل المعاملة، و إنّما تكون فضولية، لانتقال أمواله إلى ورثته، فبيدهم الرّد و الإجازة و لا مانع من صحة البيع الفضولي إذا كان كلا الطرفين فضوليا.

و ثانيهما: القول بانتقال جميع أمواله- حتى ما يتجدد له بعد الكفر باكتساب أو حيازة مباح- إلى ورثته بمجرد الارتداد، فلو قيل بظهور الدليل- على تقسيم أمواله- في

ص: 145

إلّا أنّ الأرجح (1) في النظر ما ذكرناه (2).

[ثمرات اخرى للقول بالكشف و النقل]

و ربما يقال: بظهور الثمرة في تعلّق الخيارات (3)

______________________________

خصوص ما يملكه حال الرّدة، لم تترتب الثمرة بين الكشف و النقل لو باع أو اشترى بما اكتسبه بعدها، لشمول إطلاقات أدلة المعاملات له، و عدم مانع من صحتها و نفوذها.

و أما المناقشة في التمثيل بالمرتد الملّي- بالنسبة إلى شراء المصحف الشريف و العبد المسلم، أو بيعهما- فهي: أنّ ترتب الثمرة يتوقف على القول بخروجهما عن ملكه بمجرد الارتداد. فلو قيل بعدمه، و إنما يجبر على نقلهما إلى مسلم، لم تترتب الثمرة بين الكشف و النقل، لفرض كونه مالكا لهما بعد الكفر.

هذا ما يرد على صغريات الثمرة الاولى، و أنّها خارجة موضوعا عن الثمرة بناء على بعض التقادير، و لكنّ الكبرى- و هي عدم اعتبار استمرار القابلية- تامّة.

(1) خبر قوله: «فباب المناقشة».

(2) من عدم اعتبار استمرار القابليّة من حين العقد إلى زمان الإجازة، و كذا عدم اعتبار استمرار التملّك إلى زمان الإجازة.

ثمرات اخرى للقول بالكشف و النقل

(3) توضيح هذه الثمرة- التي ذكرها كاشف الغطاء قدّس سرّه أيضا- أنّه إذا اختلف حال المبيع صحة و عيبا بأن كان صحيحا حين العقد المفروض وقوعه يوم الجمعة، و صار معيبا حال الإجازة الصادرة يوم السبت مثلا. فعلى القول بالكشف يكون البيع لازما، لحدوث العيب في ملك المشتري، فلا خيار له. و على القول بالنقل يكون البيع جائزا، لوقوع العيب في ملك البائع، فيثبت الخيار للمشتري.

و لو انعكس الأمر، بأن كان المبيع حين وقوع العقد معيبا، و صار صحيحا عند صدور الإجازة، فعلى القول بالكشف يثبت الخيار للمشتري، لوقوع البيع على المعيب، و العيب يوجب الخيار. و على القول بالنقل يكون العقد لازما، لكون المبيع صحيحا عند صدور الإجازة المتممة للبيع، هذا.

و كذا تظهر الثمرة في خيار الغبن، كما إذا بيع المال فضولا بأكثر من قيمته السوقية،

ص: 146

و حقّ الشفعة (1)

______________________________

فصار المشتري مغبونا، و ترقّت قيمته حال الإجازة. فبناء على الكشف يثبت خيار الغبن للمشتري، دون النقل.

و لو انعكس الأمر، بأن بيع المال بأقلّ من قيمته الواقعية، ثم انخفضت حال الإجازة. فعلى الكشف يثبت الخيار للبائع، دون النقل.

و أمّا خيار المجلس، فالظاهر عدم تعلّقه بعقد الفضولي، لعدم انطباق ما في دليله من أنّه «إذا افترقا وجب البيع» عليه، إذ لا عبرة بافتراق غير المتبايعين عن مجلس العقد، و إن كان مجلس عقد الفضولي مجلس العقد. و عليه فيختص خيار المجلس بما يكون افتراق المتعاقدين عنه سببا للزوم البيع.

و دعوى «ظهور الثمرة فيما لو استمرّ مجلس البيع الفضولي إلى زمان حضور المجيز، و أجاز، فيثبت خيار المجلس، لكونه مجلس البيع» غير ظاهرة، إذ الكلام في حسبان مبدأ خيار المجلس، و أنّه العقد أو الإمضاء، و المفروض في المثال وحدة المجلسين، و لا ريب في كون مبدأ الخيار تفرقهما عنه بعد الإجازة سواء على الكشف و النقل.

و سيأتي تفصيل الكلام- في اختصاص خيار المجلس بالأصيل، دون الفضولي و كذا الوكيل في الإنشاء- في أوائل الخيارات إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: في مورد تبدل الشريك، كما إذا كانت الدار ملكا مشاعا لزيد و عمرو، فباع الفضولي يوم السبت حصّة زيد، و باع عمرو حصّته يوم الأحد، و أجاز زيد يوم الاثنين. فبناء على الكشف يثبت حقّ الشفعة لعمرو، لأنّ حصّة زيد انتقلت إلى من اشترى من الفضول من يوم السبت، فلعمرو الأخذ بالشفعة و فسخ البيع الواقع يوم السبت، و ضمّ حصّة زيد- المبيعة فضولا- إلى حصته.

فإن أخذ بالشفعة فهو، و إلّا يثبت حقّ الشفعة للمشتري من الفضولي، و له الأخذ به و فسخ البيع الواقع يوم الأحد بين عمرو و المشتري منه، لوقوع هذا البيع الثاني بعد تماميّة البيع الأوّل المجاز من يوم السبت و إن صدرت الإجازة يوم الاثنين، و صيرورة المشتري من الفضولي شريكا للأصيل حينما باع حصته يوم الأحد.

و بناء على النقل ينعكس الأمر، فيثبت حق الشفعة من يوم الأحد لزيد،

ص: 147

و احتساب (1) [1] مبدأ الخيارات، و معرفة (2) مجلس الصرف و السّلم، و الأيمان (3)

______________________________

لصيرورته شريكا مع المشتري من الأصيل و هو عمرو، فله إعمال حقّه، و تملك حصة عمرو، ثم إجازة البيع الواقع على حصته. و حيث إنّ المفروض عدم أخذ زيد بحقّ الشفعة- و إنّما أجاز يوم الاثنين عقد الفضول- فقد سقط حقه، و يثبت للمشتري من عمرو حقّ الشفعة على المشتري من الفضولي.

(1) كما إذا بيع حيوان فضولا، فإن مبدأ الثلاثة من حين العقد بناء على الكشف، و من حين الإجازة بناء على النقل، لتوقف تمامية البيع عليها.

و كذا الحال لو بيع دار فضولا، و اشترط المشتري لنفسه الخيار شهرا مثلا، و أجاز المالك بعد أيام، فبناء على الكشف يكون مبدأ الخيار حين العقد، و بناء على النقل حين الإجازة.

(2) فعلى القول بالكشف يكون المراد بالقبض في المجلس المعتبر في الصرف و السلم القبض في مجلس العقد، و على القول بالنقل يكون المراد القبض في مجلس الإجازة.

(3) كما إذا حلف زيد على أن يتصدّق بجميع أمواله في يوم الغدير مثلا، و كان من جملة أمواله كتاب المكاسب الذي اشتراه من فضوليّ، و لم يجز مالكه إلّا يوما بعد يوم الغدير. فعلى القول بالكشف يجب عليه التصدق بكتاب المكاسب، لأنّه صار من أمواله حين الحلف. و على القول بالنقل لا يجب عليه التصدّق بالمكاسب، لعدم صيرورته ملكا له يوم الغدير.

و لو انعكس الأمر، بأن بيع شي ء من أمواله قبل الغدير فضولا، و أجازه بعده.

فعلى الكشف لا يجب عليه التصدق، لخروجه عن ملكه قبل الغدير. و بناء على النقل

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ مبدء الخيار من حين الإجازة مطلقا و لو على الكشف، لأنّ الفسخ و إن كان هو حلّ العقد الذي أنشأه الفضولي قبل الإجازة بيوم أو أكثر. إلّا أنّ حلّ العقد وظيفة من كان العقد منسوبا إليه، و من المعلوم أنّ العقد لا ينسب، إلى من له حلّه إلّا بالإجازة، فمبدء الخيار من زمان الإجازة مطلقا.

ص: 148

و النذور (1) المتعلّقة بمال البائع أو المشتري.

[ظهور الثمرة في العقود المترتبة]

و تظهر الثمرة أيضا (2) في العقود المترتّبة على الثمن أو المثمن، و سيأتي (3) إن شاء اللّه.

______________________________

يجب عليه التصدق.

(1) كما إذا نذر أن يعطي كتاب المكاسب مثلا لزيد المشتغل بتحصيل العلم، و قد اشترى ذلك من فضوليّ يوم الخميس، لكن لم يجزه مالكه إلّا يوم السبت. فعلى القول بالكشف يجب الوفاء بالنذر، لكونه مالكا لكتاب يوم الجمعة. و على القول بالنقل لا يجب، لعدم كونه مالكا للكتاب حال النذر.

ظهور الثمرة في العقود المترتبة

(2) يعني: كالثمرات المتقدمة المترتبة على الكشف و النقل، و حاصل هذه الثمرة: أنّه إذا باع من اشترى فضولا متاعا، و كان بيعه له قبل إجازة مالك المتاع، ثم أجازه مالكه.

فعلى القول بالكشف يصحّ البيع الثاني للمشتري، لوقوعه في ملكه، بداهة أنّ الإجازة أوجبت صحة شرائه، و صيرورة المتاع ملكا له، و وقوع البيع الثاني للمشتري في ملكه.

و على النقل يدخل البيع الثاني- الصادر من المشتري- في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه.

(3) في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بالمجاز إن شاء اللّه تعالى شأنه، حيث قال في جملة كلامه: «و ملخّص ما ذكرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعددة على مال المجيز، فإن وقعت من أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما قبله، و إجازة لما بعده على الكشف، و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر» فلاحظ (ص 414).

و بهذا يتمّ البحث في المقام الثاني المتكفّل لبيان الثمرات، و سيأتي الكلام في المقام الثالث، و هو تنبيهات الإجازة.

ص: 149

[تنبيهات الإجازة]
اشارة

و ينبغي التنبيه على أمور (1):

[الأوّل: الخلاف في الكشف و النقل حكمي لا مفهوميّ]

الأوّل (2):

______________________________

تنبيهات الإجازة

(1) و هي أمور تتعلق بنفس الإجازة سواء قيل بالكشف أو النقل، مثل اعتبار قصد خصوص ما يعتقده، و اعتبار إظهارها بالألفاظ الدالّة عليها عرفا، أو كفاية الكناية و الفعل، و اعتبار عدم سبق الردّ عليها، و غير ذلك ممّا سيبحث عنه في التنبيهات الآتية إن شاء اللّه تعالى.

الخلاف في الكشف و النقل حكمي لا مفهوميّ

(2) الغرض من عقد هذا الأمر بيان منشأ الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، ثم النظر فيما يترتب على ما لو خالف المجيز معتقده، كما لو اعتقد- اجتهادا أو تقليدا- كونها كاشفة، فقصد كونها ناقلة، أو بالعكس.

و قد تعرّض لهذا البحث الفقيه الأكبر كاشف الغطاء قدّس سرّه و تبعه صاحب الجواهر، و محصله: أنّ منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو الاستظهار من الأدلّة. و وافقهما المصنف في المبنى، و خالفهما في ما يترتب عليه من بطلان الإجازة و لغويّتها لو قصد المجيز خلاف معتقده.

قال في شرح القواعد: «و هل بناء القولين على مقتضى الظاهر، فيجوز الانصراف

ص: 150

..........

______________________________

عن كلّ منهما بعد وجود الصارف من قبل العاقد، أو من خارج [1]. أو على اللزوم، فإذا تعذّر أحدهما، أو صرّح بخلافه بطلت؟ وجهان، أقواهما الثاني» «1».

و توضيح المطلب: أنّ منشأ الشبهة في الكشف و النقل يمكن أن يكون أحد أمور ثلاثة:

الأوّل: الشك في المفهوم، بأن لا يكون معنى الإجازة واضحا، فيدّعي القائل بالكشف أنّها بمعنى الكشف عن ترتب الأثر على العقد من حين وقوعه، لأنّها تنفيذ مضمون العقد لا غير. و يدّعي القائل بالنقل أنّها الرضا بمضمون العقد، و مقتضى هذا المفهوم اللغوي حصول الأثر من زمان تحقق الإجازة.

الثاني: أن لا يكون النزاع في المعنى اللغويّ، بل يكون في منصرف الإطلاق، بأن يقال: إنّ مفهوم الإجازة هو طبيعي الرضا بالعقد، و هو لا يقتضي بنفسه الكشف و النقل، لصلاحيته لكلّ منهما. و لكن يزعم القائل بالكشف انصراف هذا الإطلاق إلى ترتب أحكام المعاملة من حين العقد، كما يدّعي القائل بالنقل الانصراف إلى حصة أخرى، و هي تحقق الآثار من حين الإجازة. و هذا نظير انصراف إطلاق العقد إلى كون الثمن نقد بلد المعاملة.

______________________________

[1] الظاهر أنّ مراده من الخارج ما إذا امتنع كون الإجازة كاشفة، فإنّه خارج عن موضوع هذا البحث، كما إذا باع شيئا ثم ملكه، فإنّ إجازة بيع نفسه لا توجب انتقال المال إليه من زمان بيعه فضولا. و كذا لو لم يتمشّى نزاع الكشف و النقل، كما مثّل له كاشف الغطاء ببيع الصرف و السلم فضولا، ثم إجازته قبل القبض، قال قدّس سرّه في محكي شرح القواعد: «إنّ من إجازة الفضولي ما هو صحيح، و لكنه غير متصف بكونه كاشفا و لا بكونه ناقلا. مثلا الإجازة اللاحقة لبيع الصرف أو السلم الواقع فضولا قبل القبض، فإنّها صحيحة مؤثرة، و ليست بكاشفة و لا ناقلة ..» «2».

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، و العبارة منقولة في حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي، ج 1، ص 158، و في غاية الآمال، ص 389

(2) غاية الآمال، ص 390

________________________________________

ص: 151

..........

______________________________

و بناء على هذا الاحتمال يصحّ صرف الإطلاق بقرينة إلى أحد الفردين، كما لو أقام القائل بالكشف قرينة على إرادة كونها ناقلة في هذا البيع الفضولي، أو امتنع كونها كاشفة كما في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه.

الثالث: أن لا يكون منشأ الشبهة الوضع اللغوي و لا انصراف الإطلاق، بل يستند اختلاف الفقهاء في الكشف و النقل إلى الأدلة الشرعية، فالقائل بالكشف يدّعي أنّ الشارع حكم- بنحو الإلزام- بكونها كاشفة، و ألزم المتعاقدين بترتيب آثار الصحة من حين العقد، لكون الرضا معتبرا بنحو الشرط المتأخر مثلا، أو بأخذ وصف التعقب في العقد، كما أنّ القائل بالنقل يزعم دلالة الأدلة الشرعية على ترتب أثر العقد من حين صدور الإجازة، لكون الرضا شرطا مقارنا. و من المعلوم أنّ كيفية الاستظهار مما دلّ على اعتبار الرضا في المعاملة أجنبية عن المفهوم اللغوي، لعدم أخذ خصوصية الكشف و النقل فيه.

و بعبارة أخرى: ليس معنى الإجازة إلّا إمضاء ما وقع بلا اشكال فيه، إنّما الكلام في أنّ مقتضى الإطلاقات و العمومات و أدلّة الطيب هل هو كشف الرضا المتأخر عن تمامية السبب أعني به العقد- كما هو مقتضى القول بالكشف- أم هو كون الرضا المكشوف عنه بالإجازة جزء السبب كما هو مقتضى القول بالنقل؟

إذا اتضحت هذه الاحتمالات الثلاث ظهر الفرق بينها في الثمرة، و هي: أنّه لا ريب في كون الإجازة من الأمور الاعتبارية المنوطة بالقصد، لكونها من الإيقاعات. فالقائل بالكشف يقصد ترتب الأثر على العقد، كما أنّ القائل بالنقل يريد ترتب الأثر من حين صدور الإجازة.

و حينئذ لو خالف كل منهما ما يعتقده، بأن أراد الكشفي حصول الأثر من زمان الإجازة، و أراد النّقلي تحققه من حين العقد، فهل يلغو هذا القصد، و تؤثر الإجازة بناء على الكشف أثرها من زمان العقد، و من حينها بناء على النقل، أم يكون تأثيرها تابعا لقصد المجيز، أمّ أنّها تبطل رأسا، و يبقى العقد الفضولي متوقفا على إجازة أخرى؟ وجوه تتفرّع على أنّ منشأ نزاع الكشف و النقل هو المفهوم أو الشرع.

ص: 152

أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي و معنى الإجازة وضعا (1) أو انصرافا (2)، بل في حكمها الشرعي (3) [1] بحسب ملاحظة

______________________________

فإن كان النزاع في مفهوم الإجازة لغة كان العقد فاسدا بقصد الخلاف، لأنّ القائل بالكشف يزعم أنّ معناها الحقيقي إنفاذ العقد، و مقتضاه نفوذه من حين وقوعه، و لا بدّ أن يقصد هذا المعنى حتى تؤثّر في العقد، فلو أراد المجيز حصول الأثر من زمان إجازته لم يكن قاصدا لمعنى الإجازة حقيقة، لأنّ قصد النقل أجنبي عن معناها الحقيقي، فلم يكن العقد مجازا بحقيقة الإجازة.

و كذا يجري هذا التعليل لو قصد القائل بالنقل حصول مضمون العقد من حينه.

و إن كان النزاع في ما ينصرف إليه إطلاق اللفظ بمعنى أنّ طبيعي معنى الإجازة لا يقتضي شيئا من خصوصيتي الكشف و النقل، و كان انسباق أحدهما للإرسال و الانصراف، لزم صحة العقد على النحو الذي قصده، لأنّ الانصراف إلى الشي ء لا ينافي تقييده بما ينافي مقتضي الانصراف.

و إن كان النزاع في الاستظهار من الأدلة، فقد جزم الفقيهان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما ببطلان هذه الإجازة و لغويتها، و اقتصر المصنف على إبداء احتمالي الصحة و البطلان من دون ترجيح بينهما.

(1) هذا و «انصرافا» تمييزان، أي: من جهة الوضع أو الانصراف، و قوله: «وضعا» إشارة إلى الاحتمال الأوّل، أي: كون منشأ النزاع الشبهة المفهومية، و الجهل بالموضوع له لغة.

(2) هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني، و هو كون الموضوع له طبيعي الإمضاء و الإنفاذ، و إنّما ينصرف إلى أحد المعنيين.

(3) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث، يعني: أنّ منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو جعل الشارع.

______________________________

[1] بل منشأ الخلاف في الكشف و النقل هو الخلاف في مضمون العقد، و أنّه طبيعة النقل، أم النقل المقيد بزمان وقوعه؟ و الإجازة إجازة لمفهوم العقد بلا إشكال. فاختلاف مفهوم العقد يسري قهرا إلى الإجازة، فينبغي إجراء النزاع في مفهوم العقد، لا في الحكم

ص: 153

اعتبار رضا المالك (1)، و أدلّة (2) وجوب الوفاء بالعقود، و غيرهما (3) من الأدلّة الخارجيّة. فلو (4) قصد المجيز الإمضاء من حين الإجازة على القول بالكشف، أو الإمضاء من حين العقد على القول بالنقل، ففي صحّتها وجهان (5).

______________________________

(1) يستفاد اعتبار رضا المالك من آية «التجارة عن تراض» و من حديث «لا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

(2) معطوف على «اعتبار».

(3) كصحيحتي محمّد بن قيس و الحذّاء المستدلّ بهما على الكشف. و عليه فالمراد بالدليل الخارجي ما يقابل إطلاق حلّ البيع و الوفاء بالعقود.

(4) هذا تفريع على كون منشأ النزاع الاستظهار من الأدلة، و قد تقدّم توضيحه آنفا.

(5) وجه الصحة: أنّ متعلق الإجازة مضمون العقد لا حكمه، و المفروض حصول العقد و إجازته، فالسبب تام، و به يحصل المسبب قهرا. و قصد ترتب حكم غير الحكم الشرعي على العقد لغو، لا أثر له، لعدم تقيد مضمون العقد و لا حكمه بما يكون الواقع مغايرا للعقد المجاز.

و وجه البطلان في كل من الكشف و النقل عدم كون المجاز هو الواقع، و عدم كون الواقع هو المجاز، إذ في الأوّل يكون المنشأ النقل حين العقد، و الإجازة تعلقت به من حين الإجازة. و في الثاني يكون المنشأ النقل المطلق، و قد أجيز مقيّدا بحين العقد، فالمجاز غير الواقع، و الواقع غير المجاز.

و هذا الاحتمال قوّاه الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدّس سرّه «1».

______________________________

الشرعي للإجازة إذ مقتضى أدلة طيب النفس و وجوب الوفاء بالعقود ليس إلّا تنفيذ مضمون العقد، فاللازم تشخيص مضمونه، لأنّه متعلّق الإجازة.

______________________________

(1) أنوار الفقاهة، كتاب البيع، ص 106 (مخطوط).

ص: 154

[الثاني: هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟]

- الثاني (1):

أنّه [1] يشترط (2) في الإجازة أن تكون باللفظ الدالّ عليها على

______________________________

هل يشترط في الإجازة التلفظ بها؟

(1) هذا ثاني الأمور التي نبّه عليها المصنف قدّس سرّه. و الغرض من عقده تحقيق جهة أخرى مما يتعلق بالإجازة، و هي أنّها مجرّد الرضا الباطني بالعقد الواقع فضولا على ما له ولاية عليه، أم أنها لمّا كانت من الأمور الإنشائية توقّف حصول أثرها على إنشائها.

و على الثاني فهل يكفي مجرّد الفعل الدال على الرضا، أم يعتبر إبرازه باللفظ. و على الثاني فهل يكفي اللفظ الكنائي، أم لا بد من الصراحة العرفية؟ في المسألة وجوه أربعة سيأتي التعرّض لها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا الاشتراط إنّما يكون بعد الفراغ عن عدم كفاية الرضا الباطني في صحة عقد الفضولي و تأثيره. و الحاجة إلى الإجازة لإسناد العقد إلى المجيز، إذ لا يكفي مجرّد الرضا الباطني في الإضافة إليه. و بعد إثبات الافتقار إلى الإجازة و الحاجة إلى إنشائها يقع الكلام في أنّ الدال عليها لا بدّ أن يكون هو اللفظ أو يقع بالفعل أيضا. و اعتبار اللفظ الظاهر هو القول الأوّل في المسألة، و سيأتي وجهه.

______________________________

[1] في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه ما محصله: أنّ الحاجة إلى الإجازة إن كانت لمجرّد حصول الرضا و طيب النفس بالعقد، فنفس لحوق الرضا ممّن اعتبر رضاه في نفوذ العقد- كما في نكاح العبد بدون إذن سيده، و بيع الراهن للعين المرهونة بدون إذن المرتهن- كاف في تأثير العقد كما في بيع المكره، للاكتفاء في تأثيره بمجرّد لحوق رضاه.

و إن كانت لتصحيح إسناد العقد الى المجيز علاوة على ذلك- كما إذا عقد على ماله فضولا- فالظاهر عدم كفاية مجرّد لحوق الرضا في ذلك، بل لا بدّ في صحة العقد من إنشاء إمضاء العقد و إجازته، و لذا بنوا على عدم خروج عقد غير المالك على ماله بدون إذنه- و لو مع العلم برضاه- عن الفضولية، و إن كان هذا البناء بنحو الإجماع لم يثبت، فتدبّر «1»، هذا.

أقول: لم يظهر وجه لعدم كفاية لحوق الرضا في إسناد العقد إلى المجيز، مع كون

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 65

ص: 155

وجه الصراحة العرفية (1) [1] كقوله: «أمضيت، و أجزت، و أنفذت، و رضيت»

______________________________

(1) التي هي أعم من النص و الظاهر الذي يكون حجة عند أبناء المحاورة.

______________________________

رضاه رضا بالمعنى الاسم المصدري القائم بماله، فرضاه رضا المالك بما أنّه مالك. فإن لم يكن هذا الرضا موجبا لإضافة العقد إليه، فهل يصلح مجرد لفظ «أجزت» أن يكون محصّلا لهذه الإضافة؟

و الحاصل: أنّ الرضا بانتقال ماله الى الغير بسبب عقد الفضولي لا معنى له عرفا إلّا كون سبب الانتقال و هو عقد الفضولي مضافا إليه و عقدا له. نعم انتسابه و إضافته إلى المجيز يكون بقاء، و إضافة عقد المكره إلى المكره تكون حدوثا و ذاتا، لأنّه منشؤه. بخلاف عقد الفضولي، فإنّ إضافته إلى المالك عرضيّة، فتدبر.

و ما أفاده أخيرا من نفي البعد عن كفاية الإنشاء القلبي فيما يتوقف على الإمضاء و الإجازة غير متضح المراد، فإنّ الإنشاء عنده من أنحاء استعمال الألفاظ في معانيها، و أنّه بقصد الحكاية إخبار، و بقصد إيجاد المعنى في نفس الأمر إنشاء، كاستعمال «ملّكتك» فيهما بداعيين، و عرّفه في الفوائد بأنّه «القول الذي يقصد به إيجاد المعنى في نفس الأمر» «1» و من المعلوم أنّ الاستعمال الذي هو إفناء اللفظ في المعنى من الكيف المسموع و لا ربط له بفعل القلب.

مضافا إلى: أنّ القابل للإنشاء هو الأمر الاعتباري كالملكية و الزوجية، لا الصفة النفسانية. نعم يمكن إظهارها و إبرازها باللفظ و الفعل. و أمّا الإنشاء المفروض كونه إيجادا فلا. و هو قدّس سرّه أعلم بما أفاده من الإنشاء القلبي.

[1] تقدّم أنّ محتملات الإجازة أربعة، و لعل الأولى أن يقال في عنوان المسألة:

إنّ الكلام يقع في مقامين، الأوّل في مقام الثبوت، و الثاني في مقام الإثبات.

أما المقام الأوّل فحاصله: أنه يحتمل اعتبار الإنشاء في الإجازة قولا صريحا، أو كفاية الكناية، أو كفاية الفعل. و يحتمل عدم اعتبار الإنشاء فيها، و كفاية الرضا الباطني و لو بدون دالّ عليه.

و ببيان أوضح: هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ و على الأوّل: هل يعتبر أن

______________________________

(1) الفوائد المطبوعة مع حاشية الرسائل، ص 285 (الطبعة الحجرية).

ص: 156

و شبه ذلك (1). و ظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية (2)، و ليس (3) ببعيد إذا أتّكل

______________________________

(1) كقوله: «قبلت أو صححت هذا العقد» و نظائرهما في الدلالة على المقصود.

(2) لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك» كناية عرفا عن الإجازة المستفادة من «أجزت و أنفذت».

(3) يعني: و ليس وقوع الإجازة بالكناية ببعيد إذا أتّكل العرف على الكناية في الدلالة على الإجازة، و هذا إشارة إلى الاحتمال الثاني في المسألة.

______________________________

يكون الإنشاء بالقول، أم يكتفي فيه بالفعل؟ و على تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

و ببيان أوضح: هل يشترط الإنشاء في الإجازة أم لا؟ و على الأوّل: هل يعتبر أن يكون الإنشاء بالقول، أم يكتفى فيه بالفعل؟ و على تقدير اعتبار القول هل يشترط فيه الصراحة أم يكفي الكناية؟

و أما المقام الثاني فنخبة الكلام فيه: أنّه قد يستدلّ على كفاية الإنشاء الكنائي بظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعروة البارقي: «بارك اللّه لك في صفقة يمينك» فإنّه عرفا كناية عن الإجازة لو لم يكن في نظر العرف من عبارات الإجازة كقوله: «أحسنت» فتأمّل.

و على كفاية الفعل الكاشف عن الرضا كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن، فإنّ هذا التصرف كاشف عرفا عن إمضاء البيع. و كتمكين المرأة- المزوّجة فضولا- من الدخول بها كما صرّح به العلامة قدّس سرّه.

كما أنّه قد استدلّ على اعتبار اللفظ في الإجازة- مضافا إلى شبهة الإجماع على اعتباره فيها- بأنّ الإجازة كالبيع في استقرار الملك، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك، كما سيأتي ذلك في شرح قول المصنف: «و استدل عليه بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك .. إلخ».

و فيه ما سيأتي في التوضيح بقولنا: «إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي و لو على النقل هو العقد، و الإجازة شرط تأثيره .. إلخ».

و لعلّ نظر هذا المستدل إلى: أنّ الإجازة من الأمور التسبيبية المتوقفة على الإنشاء.

و فيه: أنّ الإجازة ليست من الأمور التسبيبية، و إنّما الأمور التسبيبية- و هي البيع و الصلح و الهبة و غيرها المتوقفة على الإنشاء- حاصلة في عقد الفضولي كعقد الأصيل

ص: 157

عليه (1) عرفا.

و الظاهر (2) أنّ الفعل الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف (3)،

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الكناية.

(2) هذا إشارة إلى الاحتمال الثالث، و هو جواز الاقتصار في الإجازة على الفعل الدال عليها، و استشهد المصنف قدّس سرّه له بما ذكروه في مقامين:

أحدهما: إمضاء بعض العقود المتعددة على عوض المبيع فضولا.

و ثانيهما: تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا، فإنّ الإمضاء و التمكين فعلان صالحان لإظهار الرضا النفساني بالعقد الصادر من الفضولي.

(3) خبر «أنّ» أي: كاف في وقوع الإجازة بدون لفظ.

______________________________

بلا تفاوت بينهما أصلا.

و قد يستدل أيضا على اعتبار الإنشاء في الإجازة تارة بعدم صدق العناوين كالبيع و الصلح و غيرهما إلّا بإنشاء الإجازة، حيث إنّ الإجازة في الفضولي كالقبول في غيره، فكما يكون العقد مركبا من الإيجاب و القبول، و هما ركنان في العقد، فكذلك الإجازة في الفضولي كالقبول.

و بالجملة: فصدق العناوين منوط بإنشاء الإجازة كإنشاء القبول.

و اخرى بأنّ المعتبر في عقد الفضولي صيرورته عقدا للأصيل، لأنّ معنى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أوفوا بعقودكم، فلا يشمل عموم «أَوْفُوا»- و كذا سائر الأدلة- عقد الفضولي إلّا أن يصير عقد الأصيل، و لا يصير عقدا له إلّا بإنشاء الإجازة، لكون الانتساب إلى الأصيل كالبيع أمرا تسبيبيا لا يحصل إلّا بالإنشاء، و لا يتحقق بالرضا أو إبرازه.

و أنت خبير بما في كلا الوجهين من الإشكال. إذ في أوّلهما: عدم توقف صدق عنوان البيع مثلا، على إجازة الأصيل، إذ لا شبهة في صدق عنوانه على عقد الفضولي مطلقا سواء إجازة الأصيل أم ردّه، لصدق مفهوم البيع- و هو المبادلة- على عقد الفضولي، و لا دخل لترتب الأثر في صدقه، و إلّا لم تكن البيوع الفاسدة كالبيع الربوي و الغرري و نحوهما بيعا.

و قياس الإجازة على القبول في غير محله، لأن القبول ركن العقد، و بدونه لا يتحقق العقد المعنون بعنوان البيع.

و في ثانيهما: أنّ الإنشاء الصادر من الفضولي فعل الفضولي حقيقة، و لذا يحمل

ص: 158

______________________________

«العاقد» عليه، و لا يحمل على الأصيل، فلا يقال: الأصيل عاقد- سواء أجازه أم ردّه- إلّا مجازا.

نعم يقال: «عقد الفضولي مرضيّ للأصيل» فلو كان موضوع وجوب الوفاء عقد المالك الأصيل لم يصر عقد الفضولي بسبب الإجازة عقد المالك، و لا يشمله عموم وجوب الوفاء.

و بالجملة: فالإجازة لا توجد المضاف أي عنوان البيع و نحوه، و لا الإضافة أي صيرورة العقد عقد المالك، فإنّ الإجازة ليست إلّا إمضاء فعل الغير و إنفاذه، و لا دليل على اعتبار الإنشاء في الإجازة. و لو شكّ في اعتباره فيها، فمقتضى إطلاق أدلة اعتبار الرضا عدم اعتباره. كاقتضاء إطلاقها عدم اعتبار مقارنة الرضا للعقد.

فالمتحصل: عدم دلالة شي ء من الوجوه المذكورة على اعتبار الإنشاء باللفظ الصريح في الإجازة.

هذا كله بملاحظة الأدلة العامة. و قد عرفت عدم دلالتها على اعتبار الإنشاء في إجازة عقد الفضولي باللفظ الدالّ عليه صراحة أو كناية، لو لم نقل بدلالتها بمقتضى الإطلاق على عدم اعتبار الإنشاء مطلقا في الإجازة، لأنّ التراضي و طيب النفس اللّذين هما من شرائط التجارة صفتان قائمتان بالنفس، كالكراهة، و ليستا من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء، كنفس عناوين العقود و الإيقاعات كالبيع و الصلح و الطلاق و العتق و نحوها، فإنّها تنشأ بإنشاء الفضوليّ كما هو المفروض.

و أمّا بملاحظة الأدلة الخاصة كقول أبي جعفر عليه السّلام في صحيحة أبي عبيدة الحذاء في غلام و جارية غير مدركين زوّجهما وليّان لهما: «النكاح جائز أيّهما أدرك كان له الخيار، فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا. قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي» الحديث «1».

و غيره من النصوص التي تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى عند شرح كلام المصنف قدّس سرّه. فلا يستفاد منها إلّا اعتبار نفس الرضا.

غاية الأمر أنّه لا بدّ في ترتيب آثار الصحة ظاهرا على العقد من إحراز الرضا بمحرز

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1

ص: 159

______________________________

من قول أو فعل دالّ عليه، و إن كان كتحريك رأسه أو يده و نحوه ممّا يبرز الرضا النفساني الذي هو الشرط حقيقة، و يكون الفعل كاشفا عنه.

لا أن يكون الشرط هو الفعل تعبّدا، إذ يلزم منه حرمة تلك الأفعال كتمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها. و كتصرف مالك المبيع فضولا في الثمن، سواء أ كان التصرف خارجيا أم اعتباريا، ضرورة أنّ نفس التصرف إن كان إنشاء الإجازة لم تحصل الملكية و الزوجية إلّا بعد تمامية العمل الذي يتحقق به الإنشاء، فلا محالة يقع العمل قبل تحقق الملكية و الزوجية، و هو حرام، إذ المفروض توقف الملكية و الزوجية على تحقق العمل الذي يحصل به الإنشاء، و لا يحلّ التصرف إلّا إذا كان كاشفا عن الرضا النفساني الذي هو شرط حقيقة.

فصار المتحصل من جميع ما ذكرنا في مقام الإثبات: أنّ ظاهر الأدلة عمومها و خصوصها- و كذا كثير من الفتاوى- عدم اعتبار الإنشاء في الإجازة، و أنّ الشرط هو الرضا النفساني: غاية الأمر أنّه لا بدّ من إحرازه في ترتيب آثار صحة العقد، سواء أ كان المبرز لفظا أم فعلا، إذ أصالة عدم تحقق الرضا تقتضي عدم جواز ترتيب آثار الصحة ظاهرا، فجواز التصرف ظاهرا منوط بإحراز الرضا الذي هو الشرط. فيسقط البحث عن اعتبار الإنشاء في الإجازة، و عن اعتبار كون الإنشاء باللفظ الصريح أو الكنائي، لما مرّ من أنّ الشرط هو الرضا، و ليس ذلك من الأمور الاعتبارية المحتاجة إلى الإنشاء.

بقي في المقام- و هو كون الشرط مجرّد الرضا، و أنّ الأفعال كالتصرف في ثمن المبيع، فضولا و تمكين المزوّجة فضولا من الدخول بها و غير ذلك من التصرفات محرزات للرضا، و ليس لها موضوعية أصلا- إشكال، و هو: أنّ شرطية نفس الرضا و عدم اعتبار الإنشاء فيه تقتضي كفاية الرضا المقارن لعقد الفضولي في خروجه عن حكم الفضولية، فإذا علم زيد برضاء عمرو ببيع بضاعته، فباعها بدون إذنه لم يكن البيع فضوليا، و كان لازما، لأنّ ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولى، لانحفاظ احتمال اعتبار مقارنة الرضا للعقد مع السبق و المقارنة، دون الرضا اللاحق، لانتفاء هذا الاحتمال في الرضا اللاحق. مع أنّ الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك، لبنائهم على عدم خروج ذلك عن عقد الفضولي موضوعا و حكما.

و لعلّ نظر الأصحاب إلى دخل ما يحرز الرضا في الشرطية و لو بنحو دخل الجزئية

ص: 160

______________________________

في الموضوع.

أو إلى: أنّه لا بدّ في لزوم العقد من إضافته إلى المجيز، و لا يضاف إليه بمجرّد الرضا.

ثمّ أيد المصنف قدّس سرّه هذا الإشكال بأنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا للعقد. فاللازم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك الكاشف عن كراهته و لو آنا ما حين العقد.

و الحاصل: أن هذا التأييد مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا و فاسخية الكراهة، هذا.

و يمكن دفع إشكال كون الرضا المقارن موجبا للزوم عقد الفضولي- و خروجه عن الفضولية- بعدم الدليل على ذلك، إذ دليل شرطية الرضا في لزوم عقد الفضولي مختص بالرضا اللاحق، و تسريته إلى الرضا المقارن قياس لا نقول به. مع وضوح صدق تعريف الفضولي عليه. مضافا إلى شبهة التسالم على عدم كون الرضا المقارن كاللاحق.

فالنتيجة: عدم خروج العقد المقرون بالرضا عن الفضولية حكما. و هذه الشبهة لا أقل من أنّها توجب التوقف في خروجه عن الفضولية حكما. و مقتضى الأصل بقاء كلّ من المالين على ملك مالكه.

و أمّا الالتزام بلزومه و خروجه عن الفضولية حكما بمجرّد مقارنته لرضا المالك الأصيل مع بقائه فيه موضوعا قطعا- كما في كلام بعض الأجلّة «1»- فلم يظهر له وجه، بعد ما مرّ من اختصاص دليل شرطية الرضا في عقد الفضولي بالرضا اللاحق دون المقارن.

فما عن جماعة بل المشهور- من عدم خروج عقد الفضولي المقرون بالرضا المقارن عن الفضولية حكما لا موضوعا- هو الأقوى.

و أمّا التأييد بأنّه لو كان مجرد الرضا كافيا في لزوم العقد لزم منه كون الكراهة فسخا، و عدم صحة عقد المكره بالرضا اللاحق، لعدم تحقق العقد مع اقترانه بالكراهة. ففيه: أنّه فرق بين الكراهة و الرضا.

و محصل الفرق هو: أنّ الفسخ أمر تسبيبي إنشائي كنفس العقد، لأنّ الفسخ حلّ للعقد، فلا يحصل إلّا بإنشائه، و لا يتحقق بمجرّد الكراهة. و هذا بخلاف الرضا، فإنّه شرط

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 208

ص: 161

______________________________

تأثير الأمر التسبيبي الحاصل في الخارج بإنشاء الفضولي. و المفروض تحقق الرضا، فلا وجه لعدم اللزوم.

و الحاصل: أنّه لا يلزم من مجرّد كون الرضا ملزما أن يكون مجرّد الكراهة فسخا، كما أفاده المصنف قدّس سرّه.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أمور:

الأوّل: أنّ شرط تأثير عقد الفضولي ليس إلّا مجرد الرضا الذي هو موجود حقيقي لا اعتباري إنشائي كالأمور الاعتبارية الإنشائية- نظير الإجازة- حتى يبحث في أنّها لا تنشأ إلّا باللفظ الصريح، أو يكفي في إنشائها اللفظ الكنائي.

الثاني: أنّه لا بدّ من إحراز الرضا في ترتيب آثار الصحة على عقد الفضولي، من غير فرق في المحرز بين كونه قولا و فعلا، بعد فرض ظهوره عرفا في الكشف عن الرضا.

الثالث: أنّ وجه الحاجة إلى إحراز الرضا- مع كون الشرط نفس الرضا- هو: أنّ الحكم الظاهري بمقتضى أصالة عدم الرضا عدم ترتب آثار الصحة على عقد الفضولي حتى يحرز شرط صحته و هو الرضا. فما يدلّ على الرضا من قول أو فعل طريق محض، و ليس له موضوعية أصلا.

الرابع: عدم كفاية العلم برضا المالك مقارنا لعقد الفضولي في لزوم العقد و خروجه عن حكم عقد الفضولي.

الخامس: عدم التلازم بين ملزمية الرضا لعقد الفضولي و فاسخية الكراهة له.

السادس: أنّه لا فرق في كفاية الرضا في نفوذ عقد الفضولي بين كون قصور العقد لأجل عدم المقتضي كبيع مال الغير فضولا، و بين كون قصوره لوجود المانع كبيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و كبيع المفلّس أمواله بدون إذن الغرماء، فإنّه إذا كان طيب النفس من المالك كافيا في نفوذ الفضولي مع كون قصوره لأجل عدم المقتضي فكفايته فيما إذا كان قصوره لأجل وجود المانع- و هو تعلق حقّ الغير بالمال- تكون أولى، فإنّ حقّ المالك أقوى من حقّ غيره كالمرتهن و الغرماء، و إذن العمة و الخالة في عقد بنت الأخ و الأخت، و لا غرو في سقوط الحق برضا صاحبه. و على تقدير حاجة سقوطه إلى الإنشاء يكفي في إنشائه كل ما يدلّ عليه من قول أو فعل.

ص: 162

كالتصرّف في الثمن (1). و منه (2) إجازة البيع الواقع عليه كما سيجي ء (3). و كتمكين (4) الزوجة من الدخول بها إذا زوّجت فضولا، كما صرّح به العلّامة رحمه اللّه.

و ربما يحكى (5) عن بعض اعتبار اللفظ،

______________________________

(1) كما إذا باع فضولا متاع زيد بدينار، فأخذ زيد ذلك الدينار من البائع الفضولي و تصرّف فيه، كما إذا اشترى به كتابا، فإنّ مثل هذا التصرّف من المالك كاف عن الإجازة اللفظية.

(2) أي: و من التصرف إجازة البيع الواقع على ثمن المتاع الذي بيع فضولا، كما إذا باع الفضولي مكاسب زيد بكتاب الفرائد، ثمّ باع فضوليّ آخر كتاب الفرائد بكتاب نهاية الشيخ، فأجاز زيد بيع كتاب الفرائد الذي هو ثمن كتاب المكاسب.

(3) يعني: في الأمر الثالث ممّا يتعلق بالمجاز، حيث قال في ما لو أجاز المالك بعض العقود الواقعة على عوض ماله: «و أمّا إجازة العقد الواقع على العوض- أعني بيع الدرهم بالرغيف- فهي ملزمة للعقود السابقة عليه .. إلخ» فراجع (ص 412).

(4) معطوف على قوله: «كالتصرف» فإنّ تمكينها من الدخول بها أقوى إجازة فعلية للنكاح الفضولي. و هذه الفتوى صرّح بها العلّامة قدّس سرّه في فرعين من النكاح الفضولي، فقال فيما لو زوّج أخوان أختهما فضولا: «استحب لها إجازة عقد الأكبر. و لها أن تجيز عقد الآخر. و لو دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده» «1».

و قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و متى حصل الدخول بأحدهما تعيّن نكاحه، فإنّ الدخول يجب صيانته عن التحريم مهما أمكن، فيكون محسوبا إجازة» «2».

و قال العلامة في مسألة أخرى: «و لو ادّعى إذنها- أي: ادّعى الزوج إذن المرأة للعاقد- فأنكرت قبل الدخول قدّم قولها مع اليمين .. و بعده فالأقرب تقديم قوله، لدلالة التمكين عليه» «3».

(5) الحاكي هو السيد العاملي، و المحكي عنه هو الفاضل المقداد، قال في التنقيح- بعد نفي كفاية السكوت في مقام الإجازة: «بل لا بدّ من لفظ يدل عليها، لأنّها كالبيع

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 3، ص 17

(2) جامع المقاصد، ج 12، ص 166 و 169

(3) قواعد الأحكام، ج 3، ص 17

ص: 163

بل نسب (1) إلى صريح جماعة و ظاهر آخرين. و في النسبة نظر (2).

و استدلّ عليه (3) بعضهم بأنّها كالبيع في استقرار الملك. و هو (4) يشبه

______________________________

في استقرار الملك» «1».

(1) الناسب هو السيد العاملي و الشيخ الأعسم، قال في مفتاح الكرامة: «و الأصح أنّه لا بدّ من اللفظ كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين» و الظاهر أنّ مقصوده من «ظاهر آخرين» استفادة اعتبار اللفظ من حكمهم بعدم كفاية السكوت «2».

(2) لعلّ وجه النظر أنّ المصرّح باعتبار اللفظ هو بعض الأصحاب كالفاضل و المقداد و الشهيد الثاني و المحقق القمي «3». و هذا المقدار لا يجدي في تحقق الإجماع ما لم ينضمّ اليه ظواهر كلمات الآخرين، و المفروض منع ظهورها في اعتبار اللفظ، و ذلك لإمكان حمل عدم كفاية السكوت على صورة عدم العلم بالرضا، كما احتمله السيد العاملي بقوله: «و كلامهم قد ينزّل على عدم العلم بالرضا» «4».

و عليه فليس نفي السكوت مثبتا لاعتبار خصوص اللفظ الدال على الإجازة. قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «و يعلم ممّا تقدم أنّه لو علم الرضا يكفي ذلك لصحة البيع، و لا يحتاج إلى التصريح و التوكيل سابقا» «5» و يشهد له ما تقدم من حكمهم بكفاية التصرف في الثمن و بتمكين الزوجة المعقود عليها فضولا.

(3) أي: على اعتبار اللفظ في الإجازة، و المستدل هو الفاضل المقداد كما عرفت آنفا. و تقريب الاستدلال هو: أنّ الإجازة كالبيع، فكما أنّ البيع يوجب استقرار الملك، فكذلك الإجازة، حيث إنّ استقرار الملك يكون بعد صدورها، إذ لا يحصل الاستقرار بإنشاء الفضولي، فما يعتبر في البيع من اللفظ يعتبر في الإجازة أيضا، لاشتراكهما في إيجاد استقرار الملك.

(4) أي: و الاستدلال المزبور يشبه المصادرة، لما قيل في تقريب المصادرة من: أنّ

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198، التنقيح الرائع، ج 2، ص 27.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198، كشف الظلام (مخطوط).

(3) جامع الشتات، ج 1، ص 154 (الطبعة الحجرية)، الروضة البهية، ج 3، ص 234.

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 198

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 160

ص: 164

المصادرة [1].

و يمكن أن يوجّه (1) بأنّ الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة- كالبيع و شبهه- يقتضي اعتبار اللفظ، و من المعلوم (2) أنّ النقل الحقيقيّ العرفيّ من المالك يحصل بتأثير الإجازة (3).

و فيه (4) نظر، بل لولا شبهة الإجماع الحاصلة من عبارة

______________________________

كون الإجازة مثل البيع في اعتبار اللفظ فيه أوّل الكلام، لما مرّ سابقا من وقوع البيع بالمعاطاة.

(1) أي: يوجّه الاستدلال المزبور بوجه يخرجه عن المصادرة، و يدرجه في الاستدلال بالكلي على جزئيّ من جزئياته. و محصّل التوجيه: أنّه ثبت بالاستقراء اعتبار اللفظ في جميع النواقل الاختياريّة اللّازمة كالبيع و الصلح و الإجارة و نحوها، و من المعلوم أنّ بيع الفضولي لا يوجب النقل الحقيقي العرفي من المالك إلّا بإجازته، فهو من أفراد النواقل اللّازمة المتوقفة على إجازته الصادرة باللفظ، لأنّ تأثير عقد الفضولي منوط بها.

(2) هذا تقريب صغرويّة الإجازة لكليّ النقل اللازم المعتبر فيه اللفظ على حسب الاستقراء المدّعى.

(3) كتأثير البيع في النقل اللازم، فلا بدّ أن تكون الإجازة حينئذ كالبيع باللفظ.

(4) أي: و في هذا التوجيه نظر. و لعل وجه النظر هو: منع اعتبار اللفظ في الإجازة و إن سلّمنا اعتباره في النواقل الاختيارية اللازمة، و ذلك لاحتمال كون الإجازة شرطا للناقل، لا نفس الناقل، إذ سبب النقل مطلقا حتى في عقد الفضولي- و لو على النقل- هو العقد، و الإجازة شرط تأثيره.

و دعوى «اعتبار اللفظ في الناقل بجميع أجزائه و شرائطه» خالية عن البيّنة، بل

______________________________

[1] لعل الأولى تبديل العبارة هكذا و فيه أوّلا: أنّه قياس. و ثانيا: أنّ الحكم في المقيس عليه غير ثابت، بل خلافه ثابت، لما مرّ في المعاطاة من صحة البيع بالمعاطاة، بل تجري المعاطاة في سائر العقود اللازمة أيضا. فالاستقراء المدّعى غير تامّ. فالنتيجة عدم وجاهة التوجيه.

ص: 165

جماعة من المعاصرين (1) تعيّن (2) القول بكفاية نفس الرضا (3) إذا علم حصوله من أيّ طريق، كما يستظهر (4) من كثير من الفتاوى و النصوص، فقد (5) علّل جماعة

______________________________

البرهان على خلافها، لكفاية سكوت البكر في إجازة عقد النكاح. مع ما في النكاح من لزوم مراعاة الاحتياط.

و يحتمل قويّا أن يكون وجه النظر ما ذكرناه في التعليقة من عدم ثبوت الحكم في المقيس عليه، لجريان المعاطاة في البيع و غيره من العقود اللازمة عند كثير، بل الأكثر.

(1) ظاهر العبارة أن كلمات جماعة من المعاصرين و إن لم تكن صريحة و لا ظاهرة في الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة، إلّا أنّه يتحصّل من مجموعها شبهة انعقاد اتفاقهم عليه، كقول الشيخ الفقيه الأعسم قدّس سرّه- بعد نفي دلالة عبارة الشرائع و كتب العلّامة على اعتبار اللفظ-: «خلافا لصريح جماعة و ظاهر آخرين في لا بدية ذلك».

و كقول صاحب الجواهر قدّس سرّه: «بل إن لم يقم الإجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق الرضا» «1».

و لم أقف على كلمات غيرهما من معاصري المصنف قدّس سرّهم ممّن يستفاد الإجماع منه، نعم قال صاحب أنوار الفقاهة: «ان الاقتصار على اللفظ هو الأحوط».

(2) جواب «لولا» يعني: لو لم تكن شبهة الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة لقلنا بكفاية الرضا الباطني، و عدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي، كما هو أحد الأقوال في المسألة.

(3) الذي هو فعل نفساني، و لا حاجة في شرطيّته للعقد إلى الإنشاء اللفظي، فالشرط نفس الرضا، و القول أو الفعل محرز للشرط، لا أنّه شرط.

(4) أي: يستظهر كفاية الرضا القلبي من النصوص و الفتاوى. و استشهد المصنف قدّس سرّه بموارد ستة من الفتاوى- ثم بالنصوص- على أنّ الشرط هو الرضا المحرز، لا الإجازة المتلفظ بها.

(5) هذا هو المورد الأوّل، و هو الاستشهاد بما ورد في كلام جماعة من القائلين باعتبار التلفظ بالإجازة، حيث إنّهم علّلوا هذا الاشتراط بمثل «لأنّ السكوت كما يحتمل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 294، كشف الظلام، و أنوار الفقاهة مخطوطان.

ص: 166

عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه (1) أعمّ من الرضا، فلا يدلّ عليه (2).

فالعدول (3) عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا (4).

و حكي (5) عن آخرين أنّه إذا أنكر الموكّل الإذن فيما أوقعه الوكيل من

______________________________

الرضا يحتمل غيره» كما في تعبير العلّامة «1»، و «لأنّ السكوت أعمّ من الرضا، فلا يدلّ عليه» كما في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه «2».

و تقريبه: أنّ تعليل عدم كفاية السكوت بكونه أعمّ من الرضا- و مع أعميته لا يكشف عنه- يدلّ على أنّ الشرط هو الرضا، لا أنّ الشرط هو اللفظ، و إلّا كان حق التعبير التعليل بعدم اللفظ الذي هو الشرط، لا بعدم الدلالة التي هي جهة إحراز الشرط.

(1) متعلق ب «علّل» و ضميره و كذا ضمير «يدل» راجعان إلى السكوت.

(2) أي: على الرضا.

(3) مبتدء، و خبره «كالصريح» و هذا وجه استظهار كفاية الرضا من كلام من علّل بأعمية السكوت من الرضا، و عدل عن التعليل بعدم اللفظ، و قد اتضح هذا من البيانات المتقدمة آنفا.

(4) من كفاية الرضا القلبي، و عدم الحاجة إلى الإنشاء اللفظي.

(5) هذا هو المورد الثاني، و هو نقل فتوى جمع آخر في كفاية الرضا القلبي في الإجازة، و هي حكمهم في مخالفة الوكيل لما وكّل فيه.

قال في الجواهر: «بل قيل: إنّهم قالوا في باب الوكالة: لو قال الوكيل: وكّلتني على شراء الجارية بألفين، فقال الموكّل: بل بألف، و كان الشراء بعين ماله، إنّه يحلف على نفي ما ادّعاه الوكيل و ينفسخ العقد، و لا يكون فضوليا، لأنّ حلفه يدل على عدم رضاه» «3».

______________________________

(1) نهاية الاحكام، ج 2، ص 475 و 476

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 234

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 295، و حكاه السيد المجاهد في المناهل عن الغنية و الشرائع و النافع و التبصرة و الإرشاد و القواعد و التحرير و المسالك و مجمع الفائدة و الكفاية و الرياض، فلاحظ المناهل، ص 466، و كذا نقله السيد العاملي عنهم- عدا السيد ابن زهرة- و عن اللمعة، فراجع مفتاح الكرامة، ج 7، ص 631

ص: 167

المعاملة، فحلف، انفسخت (1)، لأنّ الحلف يدلّ على كراهتها.

و ذكر بعض (2) أنّه يكفي في إجازة

______________________________

و محصله: أنّه إذا أوقع الوكيل معاملة، و أنكر الموكل الإذن فيها، فحلف، انفسخت المعاملة، و ذلك لأنّ الحلف يدلّ على كراهة الموكّل للمعاملة، إذ لو كان راضيا بها لما حلف. و الكراهة التي هي ضدّ الرضا إذا كانت موجبة لفساد المعاملة، فالتقابل بين الكراهة و الرضا يقتضي صحة المعاملة بالرضا لا باللفظ، لأنّه ليس مقابل الكراهة التي هي من الصفات النفسانية إلّا الرضا الذي هو أيضا صفة نفسانية، دون لفظ «أجزت و أمضيت» و نظائرهما. فكلام هؤلاء يدلّ أيضا على كفاية الرضا.

(1) جواب «إذا أنكر» و مورد انفساخ المعاملة بالحلف و عدم وقوعوها لأحدهما ظاهرا و باطنا هو تسمية الموكّل في العقد، أو الشراء بعين ماله فلو اشترى في الذمة و لم يسمّ الموكّل وقعت للوكيل ظاهرا و باطنا، أو ظاهرا خاصة، و التفصيل في محله.

(2) هذا ثالث موارد الاستشهاد بالفتاوى على كفاية الرضا بالعقد و لو بإحرازه بالسكوت، قال المحقق في ما لو عقد على الصبيّة- صغيرة أو كبيرة- غير أبيها و جدّها:

«لم يمض إلّا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد، و لو كان أخا أو عما، و يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، و تكلّف الثيب النطق». و في الجواهر: «عند المشهور بين الأصحاب» «1».

و ليكن هذا هو المراد من البعض، لا النادر، لأن غرضه الاستشهاد على كفاية الرضا، و من المعلوم أن المناسب الاستناد إلى فتوى المشهور أو جماعة معتدّ بها، لا فتوى مخالفة للمشهور تفرّد بها بعض.

و كيف كان فتوضيح هذا المورد الثالث: أنه قال غير واحد بكفاية سكوت البكر المعقود عليها فضولا. و لا يتوهّم من ذلك أنّ هذا البعض القائل بكفاية السكوت قال بعدم احتياج عقد البكر فضولا إلى الإجازة أصلا، فإنّ هذا التوهم ممّا لا يمكن التفوّه به، لما ثبت من دخل الإجازة في تأثير عقد الفضولي شطرا أو شرطا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 278، جواهر الكلام، ج 29، ص 203

ص: 168

البكر (1)- للعقد الواقع عليها فضولا- سكوتها، و من المعلوم (2) أن ليس المراد من ذلك (3) أنّه لا يحتاج إلى إجازتها، بل (4) المراد كفاية السكوت الظاهر (5) في الرضا و إن لم يفد القطع (6)، دفعا (7) للحرج عليها و علينا.

ثمّ (8) إنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كأكل

______________________________

بل مراده أنّ سكوت البكر- مع علمها بالعقد عليها- يدلّ عرفا على رضاها بذلك. فالسكوت الظاهر عرفا هنا في الرضا هو الإجازة.

و بالجملة: فلو كان اللفظ معتبرا في الإجازة لم يكن وجه للاكتفاء بسكوتها، فالشرط هو الرضا، و السكوت في هذه الحالة محرز عرفي للرضا.

(1) التقييد بالبكر لأجل أنّ الثيب تكلّف النطق كما صرّح به المحقق قدّس سرّه.

(2) هذا إشارة إلى التوهم المزبور.

(3) أي: من كفاية سكوت البكر عن إجازة العقد الواقع عليها فضولا.

(4) هذا دفع التوهم المذكور، و اتضح بقولنا: «إذ المراد أنّ سكوت البكر مع علمها .. إلخ».

(5) ظهوره في الرضا عرفيّ لقرائن مقامية، لا وضعيّ حتى يناقش فيه.

(6) لما مرّ من أعمّيّة السكوت من الرضا فلا يفيد القطع به، بل يفيد الظهور في الرضا.

(7) مفعول لأجله، و تعليل لكفاية سكوتها في الإجازة، و حاصل التعليل: أنّ لزوم الحرج عليها و علينا من تكليفها بالتلفظ بألفاظ الإجازة اقتضى الإكتفاء بالسكوت الظاهر في الرضا القلبي بالنكاح. أمّا لزوم الحرج عليها من التلفظ فلاستحيائها من التصريح بالتزويج، فالتلفظ بالتزويج حرج عليها، فلا بدّ من الالتزام بكفاية السكوت عن الإجازة، و أمّا لزوم الحرج علينا فلصعوبة استنطاقها علينا بعد حرجيّة تكلّمها للاستحياء.

(8) هذا إشارة إلى المورد الرّابع، و غرضه من هذه العبارة إثبات شرطيّة نفس الرضا، و أنّه موضوع الشرطيّة، من دون دخل الإنشاء القولي أو الفعلي فيه، و أنّ كلّ من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا كان مقصوده شرطية الرضا المدلول عليه بذلك

ص: 169

الثمن (1) و تمكين الزوجة، اكتفى (2) به من جهة الرضا المدلول عليه به، لا من (3) جهة سببيّة الفعل تعبّدا (4).

و قد صرّح (5) غير واحد بأنّه لو رضي المكره بما فعله صحّ، و لم يعبّروا بالإجازة.

______________________________

الفعل، و أنّ الفعل كالقول طريق و محرز للرضا الذي هو الشرط حقيقة.

(1) أي: ثمن المتاع الّذي بيع فضولا، فإنّ تصرف مالك المبيع في الثمن كاشف عن رضاه بما باعه الفضولي له. و كذا تمكين الزوجة المعقود عليها فضولا من الدخول بها، بل هو أقوى بمراتب من الإنشاء القولي من حيث الكشف عن الرضا.

(2) خبر «انّ» في قوله: «أنّ كل من قال» أي: اكتفى بالفعل الكاشف عن الرضا.

(3) معطوف على «من جهة الرضا» و ضمير «به» راجع الى «الفعل الكاشف».

(4) حتى ينافي ما ادّعيناه من شرطية نفس الرضا و طريقيّة الفعل الكاشف له، فالاكتفاء بالفعل الكاشف إنّما هو لدلالته على الرضا، لا لكونه سببا تعبديّا، إذ لازم سببيته و حصول إنشاء الإجازة به حرمة التصرف و تمكين المرأة المزوجة فضولا، و غيرهما من الأفعال، و ذلك لأنّ حصول الملكية و الزواج منوط بتحقق العمل الذي يحصل به إنشاء الإجازة، فقبل تحقق العمل خارجا يقع التصرف- في الثمن- في مال الغير بدون إذنه، و هو حرام. و كذا يحرم التمكين على المرأة و إن وقع به الزواج. و الالتزام بهذا اللازم كما ترى.

(5) هذا إشارة إلى المورد الخامس، و هو الاستشهاد بظاهر عبارات غير واحد في شرطية نفس الرضا من دون حاجة إلى إنشاء قولي، و حاصله: أنّه صرّح غير واحد من الأصحاب «بأنّ المكره على البيع إذا رضي بما اكره عليه صحّ ذلك» و لم يعبّروا بالإجازة، و عدم التعبير بالإجازة كاشف عن كون الشرط نفس الرضا. قال المحقق في شرائط المتعاقدين: فلا يصح بيع الصبي .. و المكره و لو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره، عدا المكره للوثوق بعبارته» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14

ص: 170

و قد ورد (1) فيمن زوّجت نفسها في حال السّكر: «أنّها (2) إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فذلك رضا منها» [1].

______________________________

(1) هذا إشارة إلى بعض النصوص التي أشار إليها في (ص 166) بقوله: «كما يستظهر من كثير من الفتاوى و النصوص» فإنّه قد ورد في حديث: كون موضوع الشرطية هو نفس الرضا، و أنّ الفعل دالّ عليه و كاشف عنه. و كان المناسب ذكر هذا النص عند التعرض للروايات بعد الفراغ من كلمات الأصحاب.

و كيف كان فهذا نص الحديث: روى محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ، فسكرت، فزوّجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت، فأنكرت ذلك، ثم ظنّت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، إحلال هو لها، أم التزويج فاسد لمكان السكر، و لا سبيل للزوج عليها؟ فقال:

إذا أقامت معه بعد أن أفاقت فهو رضا منها. قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟ فقال:

نعم» «1» فإنّ حمل الرضا على الإقامة في قوله: عليه السّلام: «فهو رضا منها» مع مباينة الفعل الخارجي- و هو الإقامة- للفعل النفساني و هو الرضا إنما هو باعتبار كشف الإقامة عنه، فالمدار في الشرطية على المنكشف لا على الكاشف.

(2) الجملة فاعل «ورد». و قوله: «فذلك» جواب: «إذا أقامت».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذه الصحيحة قد يشكل الأخذ بها من جهة تضمنها إمضاء عقد السكرى بالإجازة بعد الإفاقة، مع أنّ السكرى مسلوبة العبارة، لفقد القصد المقوّم للعقد، و لو تمشّى منها لم يحتج إلى إجازة، خصوصا مع وقوعها بعد إنكارها الذي هو ردّ له، و لذا لم يعمل بها المشهور كما قيل.

و لا بأس بالإشارة إلى بعض المحامل و إن كان التفصيل موكولا إلى محله، فنقول:

الأوّل: ما أفاده العلّامة قدّس سرّه من حملها على عدم بلوغ السّكر إلى حدّ عدم التحصيل.

فقال: «و إن لم يبلغ السّكر إلى ذلك الحدّ صحّ العقد مع تقريرها إيّاه. و عليه تحمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 221، الباب 14 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1. رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن بزيع، و السند صحيح. و رواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن محمّد بن إسماعيل، و في العيون أيضا.

ص: 171

______________________________

الرواية» «1».

و ناقش فيه الشهيد الثاني قدّس سرّه بما حاصله: أنّ الحمل المزبور خلاف ظاهر الرواية، و مخالف للقواعد العامة المقتضية لصحة العقد مع قصد العاقد، من دون حاجة إلى الإجازة بعده. و لمّا كانت السكرى حسب الفرض قاصدة للمدلول كان توقف نفوذ عقدها على الإجازة تخصيصا للقواعد بلا موجب. فهذا الحمل يستلزم ارتكاب محذورين:

أحدهما خلاف ظاهر الرواية.

و الآخر تخصيص القواعد. و إذا دار الأمر بين ارتكابهما و بين طرح الرواية كان الثاني أولى «2».

و يمكن الذب عن كلام العلّامة قدّس سرّه بعدم كونه خلاف الظاهر، إذ ليس في الرواية إطلاق يشمل جميع مراتب السّكر حتى يكون إرادة خصوص السكر غير الرافع للمشاعر حملا للرواية على خلاف ظاهرها، بداهة أنّ منشأ الإطلاق هو ترك الاستفصال من السائل عن حدّ السّكر، و لكن قوله: «فزوّجت نفسها» ظاهر في خصوص السّكر غير السالب للالتفات.

نعم الحكم بتوقف عقدها على الإجازة مخالف للقواعد مع فرض كونها قاصدة للمدلول، لكنه أخفّ مئونة من حمل السّكر على الإطلاق، لاستلزامه صحة عقد السّكرى في حال عدم الالتفات و عدم تمشّي قصد الإنشاء، و كون صحته تعبدا محضا و لو لم يصدق عليه العقد عرفا، و هي مخالفة مستبشعة للقواعد جدّا.

الثاني: ما أفاده الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه من حملها على مقام الإثبات، و الحكم الظاهري في مقام التداعي و التنازع، لا الحكم الواقعي، فلو تنازعا في وقوع العقد حال الالتفات و القصد فادّعى عليها الزوج ذلك، و أنكرت المرأة و قالت: «إنّي لم أزوج نفسي في حال العقل» كان الحكم الظاهري القيام معه. قال قدّس سرّه: «و يمكن العمل بالخبر- مع القول بقضية الأصل التي هي فساد العقد- بأن يكون الزوج جاهلا بسكرها، فإنّه حينئذ و إن لم يقع نكاح في الواقع، لكنه لا يسمع في حقه قول المرأة خصوصا بعد التمكين من

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 7، ص 115.

(2) مسالك الأفهام، ج 7، ص 99

ص: 172

و عرفت (1) أيضا استدلالهم على كون الإجازة كاشفة: بأنّ العقد مستجمع

______________________________

(1) عند نقل كلام جامع المقاصد في (ص 15) في الاستدلال على القول بالكشف، و هذا سادس موارد الاستشهاد بالكلمات، و هو قول المحقق الكركي قدّس سرّه: «بأنّ العقد الواقع جامع لجميع الشروط، و كلها حاصلة إلّا رضا المالك ..» فإنّ هذا الكلام أيضا ظاهر في كون الشرط هو الرضا من دون حاجة إلى اللفظ.

______________________________

الدخول ..» «1».

لكن هذا الحمل لا يخلو من بعد، لظهور الرواية في بيان الحكم الواقعي، لا الظاهري، لعدم ظهور قوله: «فأنكرت» في نفي التزويج حتى يكون من باب الدعوى و الخصومة، بل ظاهره الاستيحاش من هذا التزويج، لعدم التكافؤ بينها و بين زوجها، أو لجهة أخرى توجب عدم المصلحة في هذا التزويج.

الثالث: ما أفاده السيد قدّس سرّه في الحاشية: من حملها على أنّها وكّلت غيرها في التزويج و هي سكرى، و حيث إنّ التوكيل باطل لفقد القصد، فلذا كان تزويجها فضوليا موقوفا على الإجازة، و الإقامة مع الزوج إجازة فعلية، إلّا أنّها مسبوقة بالرد، لقول الراوي «فأنكرت ذلك» و المراد بالإنكار و إن كان هو الكراهة و الوحشة ممّا صدر منها، لكنه كاف في الرد، فلا عبرة بالإجازة بعده.

و لكنه قدّس سرّه عمل بها في العروة، فقال: «و أمّا عقد السكرى إذا أجازت بعد الإفاقة، ففيه قولان، فالمشهور أنه كذلك. و ذهب جماعة إلى الصحة مستندين إلى صحيحة ابن بزيع.

و لا بأس بالعمل بها و إن كان الأحوط خلافه، لإمكان حملها على ما إذا لم يكن سكرها بحيث لا التفات لها إلى ما تقول ..» «2».

و وافقه سيّدنا الأستاد قدّس سرّه في الشرح، مع أنّه ذهب في حاشية المكاسب إلى عدم إمكان العمل بظاهرها، فراجع «3».

______________________________

(1) كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 9 (الطبعة الحجرية).

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 158 و 159، العروة الوثقى، كتاب النكاح، المسألة 13 من فصل العقد و أحكامه.

(3) مستمسك العروة الوثقى، ج 14، ص 388، نهج الفقاهة، ص 245

ص: 173

للشرائط عدا رضا المالك، فإذا حصل عمل السبب (1) التامّ عمله (2).

و بالجملة (3): فدعوى الإجماع في المسألة (4) دونها خرط القتاد.

و حينئذ (5) فالعمومات المتمسّك بها لصحّة الفضولي السالمة (6) عن ورود مخصّص عليها- عدا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله و انتقاله إلى الغير و رفع (7) سلطنته عنه- أقوى (8) حجّة في المقام (9).

مضافا (10) إلى ما ورد في عدّة أخبار من «أنّ سكوت المولى بعد علمه بتزويج

______________________________

(1) و هو العقد التام برضا المالك.

(2) و هو الأثر المرغوب منه كالنقل و الانتقال في العقد المعاوضي.

(3) يعني: و حاصل الكلام: أنّ دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة و عدم كفاية الرضا الباطني فيها- مع ما عرفت من الفتاوى و النصوص الظاهرة في عدم اعتبار اللفظ في الإجازة- في غاية الإشكال.

(4) أي: في مسألة توقف عقد الفضولي على إنشاء الإجازة باللفظ.

(5) أي: و حين عدم ثبوت الإجماع على اعتبار اللفظ في الإجازة- إذا شكّ في اعتبار اللفظ فيها- فلا مانع من التمسك بالعمومات التي استدلّ بها على صحة عقد الفضولي، إذ هي سالمة عن كل مخصّص، إلّا ما دلّ على اعتبار رضا المالك في حلّ ماله للغير و الانتقال إليه، و ليس اللفظ مقوّما للرضا الذي هو من أفعال النفس. و عليه فلا دليل على اعتبار اللفظ في الإجازة، بل يكفي الرضا الباطني.

(6) نعت ل «فالعمومات».

(7) هذا و «انتقاله» معطوفان على «حلّ»، و ضمير «سلطنته» راجع الى «المالك».

(8) خبر «فالعمومات».

(9) و هو عدم اعتبار اللفظ في الإجازة.

(10) بعد التمسك بالأدلة العامة يريد التشبث بالأدلة الخاصة، و هي النصوص

______________________________

و لا يبعد القول بما أفاده العلّامة قدّس سرّه، و حمل إنكارها بعد الإفاقة على الدهشة ممّا أنشأتها في حال سكرها. و ليس هذا الإنكار ظاهرا في الرد حتى يكون إقامتها مع الزوج بعده من الإجازة بعد الردّ التي لا تجدي في صحة العقد، و المسألة محتاجة إلى مزيد التأمل.

ص: 174

عبده إقرار منه له عليه» (1).

و ما (2) دلّ على أنّ قول المولى لعبده المتزوّج بغير إذنه: «طلّق» يدلّ (3) على الرضا بالنكاح، فيصير إجازة.

و على (4) أنّ المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه

______________________________

المتفرقة التي جعلها- كالفتاوى- شاهدة على شرطية نفس الرضا، و عدم اعتبار اللفظ.

و كيف كان فالنصوص المذكورة في المتن طوائف.

أوّلها: ما ورد في عدة أخبار من كون سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده إقرارا منه للعبد على تزويجه. مثل ما رواه معاوية بن وهب، قال: «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السّلام، قال: إنّي كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ، ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدّد نكاحي إيّاها حين أعتقت؟ فقال له: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، و سكتوا عنّي و لم يغيّروا عليّ. قال، فقال:

سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، اثبت على نكاحك الأوّل» «1».

(1) أي: إقرار من المولى للعبد على تزويجه.

(2) معطوف على قوله: «ما ورد» و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية من النصوص، و هو ما روي صحيحا عن ابن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن علي صلوات اللّه و سلامه عليه «أنّه أتاه رجل بعبده، فقال: إنّ عبدي تزوّج بغير إذني فقال عليّ عليه السّلام لسيّده: فرّق بينهما، فقال السيد لعبده: يا عدوّ اللّه طلّق، فقال علي عليه السّلام: أمّا الآن فإن شئت فطلّق و إن شئت فأمسك. فقال السيد: يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال: ذلك لأنّك حين قلت: طلّق أقررت له بالنكاح» «2».

(3) خبر قوله: «أنّ قول المولى».

(4) معطوف على «انّ» يعني: و ما دلّ على أنّ المانع .. إلخ، و هذا إشارة إلى الطائفة الثالثة الدالة على عدم اعتبار اللفظ في إجازة عقد الفضولي، و محصله: أنّه قد دلّ بعض النصوص على كون الرضا النفساني- من دون اعتبار القول معه- رافع لمانع لزوم نكاح

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، و نحوه الحديث 2 و 3

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 526، الباب 27 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 175

معصية (1) المولى التي ترتفع بالرضا.

و ما (2) دلّ على أنّ التصرّف من ذي الخيار رضا منه، و غير (3) ذلك [1].

______________________________

العبد بدون إذن مولاه، و أنّ معصية المولى ترتفع برضاه.

و ذلك النص قول زرارة: «فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإنّه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال أبو جعفر عليه السّلام: إنّما أتى شيئا حلالا، و ليس بعاص للّه، إنّما عصى سيّده و لم يعص اللّه عزّ و جل، إنّ ذلك ليس كإتيانه ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة و أشباه ذلك» «1».

(1) خبر «أنّ المانع».

(2) معطوف على «ما دلّ على» و هذا إشارة إلى الطائفة الرابعة، و محصّله: أنّه دلّ بعض النصوص على كون تصرف ذي الخيار رضا منه ببقاء العقد الذي تعلّق به الخيار، فيسقط الخيار به.

و ذلك النصّ هو ما رواه علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيّام فذلك رضا منه، فلا شرط. قيل له: و ما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبّل أو نظر منها ما كان يحرم عليه قبل الشراء» «2».

(3) معطوف على الموصول في قوله: «إلى ما دلّ». و لعلّ مراده بهذا الغير ما أشار إليه في الجواهر بقوله: «و لفحوى بعض نصوح النكاح الفضولي: أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما بينه و بين اللّه تعالى» «3».

______________________________

[1] قد يورد عليه بأنّ هذه النصوص أجنبية عن المدعى و هو كفاية الرضا، و ذلك أمّا ما ورد في خيار الحيوان و في تزويج السكرى فلتحقق الكاشف عن الرضا كلمس الجارية و إقامة المرأة مع الزوج، فهما شاهدان على كفاية الفعل و نفي اعتبار اللفظ مطلقا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، باب تزويج العبد بغير اذن سيده، الحديث: 2

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث: 1

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 294

ص: 176

بقي (1) في المقام أنّه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ،

______________________________

و الظاهر أنّه قدّس سرّه أشار إلى ما ورد في صحيحة أبي عبيدة الحذّاء من قوله عليه الصلاة و السلام: «فتحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا الرّضا بالتزويج» «1»، فإنّ الموضوع لجواز أخذ الإرث هو رضاها بالتزويج المحرز بالحلف. هذا بناء على عدم خصوصية في النكاح الفضولي، فيجري في البيع ما ثبت في النكاح من ترتيب آثار العقد بالرضا المتأخر.

هذا تمام الكلام في ما استند إليه المصنف قدّس سرّه من الفتاوى و النصوص على عدم اعتبار التلفظ بالإجازة. و سيأتي العدول عنه.

(1) غرضه من هذا الكلام اعتبار إنشاء الإجازة و عدم كفاية مطلق الرّضا في تحققها، و استدلّ عليه بوجه، و أيده بوجه.

أمّا الدليل فهو: أنه لو قلنا بكفاية مطلق الرضا في صحة البيع الفضولي كان لازمه كفاية تحقق الرضا السابق على العقد أو المقارن له، و عدم توقفه على خصوص الرضا اللاحق، فلو أحرز رضا المالك بقول أو فعل قبل إنشاء العقد الفضولي لزم القول بصحته و استغنائه عن الإجازة المتأخرة، إذ المفروض شرطية مطلق الرضا، و قد أحرز وجوده.

بل يلزم أولوية هذا العقد بالصحة من الفضولي المعهود و هو ما إذا لم يعلم طيب نفس المالك حال الإنشاء، و علم به بعده بالإجازة.

______________________________

الإجازة. و أمّا ما ورد في رضا السيد بنكاح العبد فلأنّ موضوع النفوذ ليس مجرّد رضاه به، لقوله عليه السّلام: «فإذا أجاز جاز» فالمناط هو الإجازة، و مقتضى الجملة الشرطية فساد نكاحه بدونها. و صدقها على الرضا النفساني أوّل الكلام، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إن قوله عليه السّلام: «فذاك رضا منه» ظاهر في كون تمام الموضوع لسقوط خيار المشتري هو الرضا، و تنزيل إحداث الحدث منزلته. و اللمس و التقبيل و إن كانا فعلين مظهرين للرضا، إلّا أن ظاهر كلامه عليه السّلام دوران سقوط الخيار مدار نفس الرضا بلا ضمّ شي ء آخر معه. و كذلك الحال في صحيحة ابن بزيع، من جعل المناط رضاها بالعقد، و إن كانت أظهرته بالإقامة معه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث: 1

ص: 177

و كفاية (1) مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه، فينبغي (2) أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك (3) مقارنا للعقد أو سابقا. فإذا (4) فرضنا أنّه علم رضا المالك بقول أو فعل (5) يدلّ على رضاه ببيع ماله، كفى (6) في اللزوم، فأنّ ما يؤثّر بلحوقه يؤثّر بمقارنته بطريق أولى (7).

______________________________

مع أنّه لا سبيل للالتزام بكفاية مطلق الرضا في صحة العقد، لمخالفته لمذهب الأصحاب من اعتبار الإذن السابق في الخروج عن الفضولية، سواء أ كان المالك راضيا حال العقد أم لا. و أنّ مورد إحراز رضا المالك- بلا إذن منه- مشمول لعنوان الفضولي، و يتوقف نفوذه على الإجازة اللاحقة. فلزوم العقد إمّا بالإذن المقارن له، و إمّا بالإجازة المتأخرة عنه.

و عليه فلا وجه للاقتصار على مطلق الرضا في الصحة. هذا تقرير الدليل. و أمّا المؤيّد للمطلب فسيأتي.

(1) معطوف على «عدم اعتبار» يعني: إذا قلنا بكفاية مطلق الرضا .. إلخ.

(2) جواب «إذا» و حاصله: أنّ كفاية مطلق الرضا تقتضي خروج عقد الفضولي- المقارن لرضا المالك- عن حكم الفضولي. لكن الظاهر عدم التزام الأصحاب بذلك، لحكمهم بعدم خروجه عن حكم الفضولي.

(3) أي: مثل مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه مقارنا للعقد أو سابقا على العقد.

(4) هذه نتيجة كفاية مطلق الرضا أو الفعل الدالّ عليه، و حاصله: أنّ لازم ذلك كفاية العلم برضا المالك بقول دالّ عليه كأن يقول: «أرجو أن يباع متاعي عاجلا» أو فعل يدلّ على ذلك، كأن يجعل داره بيد الدلّال للبيع.

كذا قيل، لكن فيه: أنّه من المأذون من قبل المالك، و ليس من الفضولي أصلا.

(5) قد عرفت آنفا كلّا من القول و الفعل الدالين على الرضا بالبيع.

(6) جواب «فإذا فرضنا» وجه الكفاية: تماميّة العقد بتحقق شرطه و هو الرضا.

(7) وجه الأولوية: أنه لو كان اللحوق مؤثّرا- مع احتمال اعتبار المقارنة في مؤثّريته- فلا بدّ أن تكون مؤثريته في حال الاقتران بالعقد أولى، لوجود المقارنة التي تحتمل شرطيتها و فقدانها في فرض اللحوق.

ص: 178

و الظاهر (1) أنّ الأصحاب لا يلتزمون بذلك (2)، فمقتضى ذلك (3) أن لا يصحّ الإجازة إلّا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضوليّ.

و يؤيّد ذلك (4) أنّه لو كان مجرّد الرضا ملزما

______________________________

(1) هذا وجه عدم الالتزام بكفاية الرضا المقارن للعقد في الخروج عن الفضولية، و لازم ذلك عدم كفاية مطلق الرضا في صحة العقد الفضولي، بل لا بدّ من دالّ عليه.

(2) أي: بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك سواء أ كان مقارنا أم لاحقا، بل يلتزمون بكون المعاملة المقرونة بالعلم برضا المالك فضولية ما لم يأذن فيها. و قد سبق التنبيه على رأي الأصحاب في أوّل بحث الفضولي بقوله: «و كيف كان فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا، و طيب نفسه بالعقد من دون حصول إذن منه صريحا أو فحوى ..» فراجع «1».

(3) أي: عدم التزام الفقهاء بلزوم المعاملة بمجرّد رضا المالك- سابقا على العقد أو مقارنا له- يقتضي أن لا يصحّ الإجازة إلّا بشي ء لو وقع قبل العقد كان إذنا من المالك، بحيث يخرج البيع عن بيع الفضولي. و عليه فلا فرق بين الإجازة و الإذن إلّا بالسبق و اللحوق، و من المعلوم أنّ مجرد الرضا قبل العقد لا يكون إذنا مخرجا للعقد عن عقد الفضوليّ، فلا بدّ أن لا يكون ذلك إجازة أيضا إذا وقع بعد العقد.

(4) أي: و يؤيّد عدم كفاية مطلق الرضا. و توضيح هذا المؤيّد: أنّه لو كان مجرّد الرضا كافيا في لزوم البيع و مخرجا له عن الفضولية فلازمه كون مجرد الكراهة المقابلة للرضا فسخا للعقد و مزيلا له، مع أنّه يمتنع الالتزام بهذا اللازم، لما تقرّر في موردين:

أحدهما: صحة البيع الفضولي المسبوق بنهي المالك، كما تقدم تفصيله في المسألة الثانية «2». مع أنّ كفاية عدم الرضا في تحقق فسخ العقد تقتضي البطلان، لأنّ المالك أظهر كراهته بنهيه عن البيع، و من المعلوم تأثير هذه الكراهة المقارنة للعقد في فساده. فذهاب المشهور إلى صحة هذا القسم من بيع الفضولي شاهد على عدم العبرة بالكراهة الموجودة حال العقد. و بما أنّ الكراهة مقابلة للرضا، فلا بدّ من عدم تأثير هذا الرضا المقارن في الصحة أيضا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 353.

(2) المصدر، ص 524

ص: 179

كان مجرّد الكراهة فسخا [1]، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي مع نهي المالك (1)، لأنّ الكراهة الحاصلة حينه و بعده- و لو (2) آنا ما- تكفي في الفسخ،

______________________________

ثانيهما: صحة بيع المكره الملحوق بالرضا، كما تقدم في بيع المكره. مع كونه كارها للبيع و غير راض به أصلا، و إنّما يأتي به خوفا من الضرر المتوعّد به. فلو كان الرضا المقارن مصحّحا لبيع الفضولي لزم فساد عقد المكره، و عدم تأثير الرضا المتأخر في صحته. و حيث إنّهم بنوا على صحته بهذا الرضا استكشف منه عدم ترتب أثر على الرضا و الكراهة المقارنين للعقد، بل لا بدّ من الإجازة الدالة على الرضا «1».

و الوجه في التعبير بالتأييد- دون الدلالة- إمكان منع الملازمة بين الرضا و الكراهة في الآثار المتقابلة المترتبة عليهما، و سيأتي بيانه.

(1) لما مر آنفا من كشف النهي عن الكراهة المانعة عن وقوع العقد، فإنّ بقاء الكراهة آنا ما بعد العقد كاف في ردّه و المنع عن تأثيره. و قد تقدم توضيح هذا اللازم بقولنا: «أحدهما: صحة بيع الفضولي المسبوق بنهي المالك ..».

(2) هذا راجع إلى قوله «و بعده» يعني: أنّ الكراهة الباقية بعد العقد آنا ما تكفي في ردّ عقد الفضولي، الذي عبّر عنه في المتن بالفسخ.

______________________________

[1] لعل الأولى إبداله ب «ردّا» لأنّ الفسخ كما تقدّمت الإشارة إليه هو رفع العقد الموجود، و الردّ هو الدفع و المنع عن تحقق الوجود له. و عليه فكراهة المالك قبل العقد دافعة للعقد، و بعده رافعة له.

ثم إنّ التأييد المزبور مبني على الملازمة بين ملزمية الرضا و فاسخية الكراهة. لكن الملازمة ممنوعة، لأنّ الفسخ حلّ العقد. فكما أنّ العقد أمر تسبيبي منوط بالإنشاء، فكذلك حلّه بالفسخ، فإنّه أمر تسبيبي أيضا محتاج إلى الإنشاء. بخلاف الرضا، فإنّه موجود حقيقي يحصل في النفس بمقدماته التكوينية، و ليس متوقّفا على الإنشاء، لعدم كونه من الاعتباريات المتوقّفة عليه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 267

ص: 180

بل (1) يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا. إلّا (2) أن يلتزم بعدم كون مجرّد الكراهة فسخا و إن كان مجرّد الرضا إجازة.

[الثالث: اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد]

الثالث (3):

من شروط الإجازة [1] أن لا يسبقها الرد، إذ مع الرد ينفسخ العقد، فلا يبقى

______________________________

(1) هذا ثاني الموردين مما يستكشف منه عدم كون مجرّد الرضا ملزما، و حاصل هذا الوجه- كما تقدم آنفا- أنّه لو كان صرف الرضا كافيا في تأثير عقد الفضولي لزم من ذلك كون ضدّه و هو الكراهة النفسانية كافيا في ردّ عقد الفضولي و إبطاله. و لازم هذا عدم وقوع عقد المكره أصلا، لوجود الكراهة حين عقده، فلا يجدي الرضا اللاحق في صحته و نفوذه، إذ المفروض عدم وقوع عقد في الخارج مع الكراهة حتى يصحّ و ينفذ بالرضا اللّاحق، هذا.

(2) هذا استدراك على قوله: «لو كان مجرد الرضا ملزما كان مجرّد الكراهة فسخا» و محصّله: إنكار الملازمة بين ملزمية مجرّد الرضا لعقد الفضولي و بين مبطلية مجرّد الكراهة و مانعيتها عن تأثير العقد و نفوذه.

و وجه الإنكار هو عدم الدليل على مانعيّة مجرّد الكراهة النفسانية، لأنّ ما دلّ على ملزمية الرضا للعقد لا مفهوم له حتى يدلّ على مانعية الكراهة لصحة العقد و نفوذه، لأنّه من اللّقب الذي لا مفهوم له.

اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد

(3) الغرض من عقد هذا التنبيه بيان شرط آخر ممّا يعتبر في تأثير الإجازة، و هو:

أن لا يسبقها الردّ، لكون الردّ مسقطا للعقد عرفا عن قابليته للتأثير بالإجازة، فمع سقوطه و انتفائه لا يبقى موضوع للإجازة، فإنّ الرد إعدام لقابلية العقد للتأثير، كما أنّ الإجازة إيجاد لمؤثريته.

______________________________

[1] فإنّ الإجازة لا بدّ أن تكون موجبة لإضافة العقد إلى المجيز حتى يصير عقد الفضولي عقدا له على ما قيل. و يشمله عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإن لم تكن مسبوقة بالرد كانت صالحة لإضافة العقد إليه، و إلّا لم تكن صالحة لذلك. و لو شكّ في صلاحيته لذلك مع مسبوقيّتها بالردّ لم يصح التمسك بعموم «أَوْفُوا» لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 181

ما تلحقه الإجازة.

و الدليل [1] عليه (1) بعد ظهور الإجماع- بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا- أنّ (2) الإجازة إنّما تجعل المجيز أحد طرفي العقد، و إلّا لم يكن مكلّفا

______________________________

(1) أي: و الدليل على اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ وجوه:

الأوّل: ظهور الإجماع- بل التصريح به- على أن لا تكون الإجازة مسبوقة بالرد، و إلّا لم تؤثّر الإجازة و كانت لغوا.

قال السيد المجاهد قدّس سرّه: «فلو أجاز بعد الرّد لم ينفع، و يبقى العقد على بطلانه.

و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه بين القائلين بصحة بيع الفضولي، كما أشار إليه في الرياض» «1».

و كذلك حكى في الجواهر الإجماع عمّن اعترض على الاستدلال بصحيحة محمّد بن قيس على صحة الفضولي. و لم يناقش صاحب الجواهر في الإجماع، و ظاهره تسليم اتفاق الأصحاب عليه، فراجع.

(2) خبر «و الدليل» و هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّ الإجازة تجعل المجيز أحد طرفي العقد، فإن كان البيع فضوليّا تجعله بائعا. و إن كان الشراء فضوليا تجعله مشتريا، إذ لو لم يجعل المجيز أحد طرفي العقد لم يكلّف بوجوب الوفاء بالعقد، لأنّ هذا الوجوب متوجّه إلى المتعاقدين دون غيرهما. فالإجازة تجعل المجيز أحد المتعاقدين.

______________________________

[1] قال المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه ما محصله: إنّ الظاهر أنّ اعتبار ذلك إنّما هو لأجل أن الإجازة مع سبقه بالرد لا توجب صحة إسناد العقد عرفا إلى المجيز، و الموجب لإسناده إلى المجيز هو الإجازة غير المسبوقة بالرد، و لا أقلّ من الشك في إسناده إليه مع سبق الإجازة به، فلا دليل حينئذ على نفوذ هذا العقد على المجيز، لأنّ التمسك بالعمومات مع هذا الشك تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، هذا «2».

______________________________

(1) المناهل، ص 289، جواهر الكلام، ج 22، ص 278. و لعلّ مراد المصنف ب «بعض مشايخنا» هو السيّد المجاهد، كما عبّر به في سادس تنبيهات المعاطاة أيضا، و إن عبّر عنه في بيع أم الولد ب «بعض سادة مشايخنا» و في خيار الشرط ب «سيد مشايخنا». كما أن الغالب التعبير عن صاحب الجواهر ب «بعض المعاصرين» و إن أطلق عليه «بعض مشايخنا المعاصرين» كما في مسألة حرمة القمار، أو «شيخنا المعاصر» كما في بحث حرمة الاكتساب بالأعيان النجسة، و على كلّ فالجزم بمراده قدّس سرّه منوط بالتتبع التام في مصطلحاته.

(2) حاشية المكاسب، ص 66

ص: 182

بالوفاء بالعقد، لما عرفت (1) من أنّ وجوب الوفاء إنّما هو في حقّ العاقدين، أو من قام مقامهما. و قد [1] تقرّر (2) أنّ من شروط الصيغة أن لا يحصل (3) بين طرفي

______________________________

(1) يعني: في المناقشة الثانية في ثاني وجوه الكشف، حيث قال: «لأنّ وجوب الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين ..» فراجع (ص 50). و مراده بالعاقدين هنا هو المالكان بقرينة قوله: «أو من قام مقامهما» كالولي و الوكيل.

(2) غرضه- بعد إثبات صيرورة المجيز بسبب الإجازة أحد المتعاقدين- أن يثبت بعض أحكام العقد و شروطه لعقد الفضولي، و هو: أنّ من شروط العقد أن لا يتخلّل بين الإيجاب و القبول ما يسقطه عن صدق العقد كالفصل بالسكوت أو بالكلام الأجنبي، فإن تخلّل ذلك سقط عنوان عقديته، فلا يشمله مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. و لا ريب في أنّ الرّد قبل الإجازة مانع عن ارتباط أحد الالتزامين بالآخر.

(3) الجملة في محلّ نصب على أنّها اسم «أنّ».

______________________________

أقول: إنّ الإجازة لا تجعل عقد الفضولي عقد المجيز، ضرورة أنّ إنشاء العقد فعل مباشري للفضولي، و ليس فعلا مباشريا للمجيز كما هو بديهيّ، و لا تسبيبيا له، لعدم انطباق ضابط التسبيبي عليه، إذ ليس عقد الفضولي أثرا قهريا للمجيز، بل هو فعل إرادي اختياري للفضولي. و ليست الإجازة إلّا إنفاذ العقد الفضولي. و صيرورة عقده مضافا إلى المجيز و مسندا إليه ممّا لا يدلّ عليه الإجازة لا مفهوما و لا حكما، فتدبّر.

نعم ولاية أمر العقد من حيث الإجازة و الرّد للمجيز، فلو شك في بقاء هذه الولاية له بعد الرّد أمكن الحكم ببقائها بالاستصحاب. فتأمّل.

و الحاصل: أنّه لا دليل على اعتبار إضافة عقد الفضولي إلى المجيز حتى يقال: إنّ الرّد يسقطه عن قابلية إضافته إلى المجيز بالإجازة المسبوقة بالرد. و أمّا الإضافة بمعنى ارتباط مّا للعقد بمالك الأصيل فهي حاصلة بتعلق إنشاء الفضولي بمال المالك. و هذه الإضافة القهرية كافية في ارتباط العقد بالمالك.

[1] الظاهر أجنبية قوله: «و قد تقرر أنّ من شروط الصيغة .. إلخ» عن المقام، و ذلك لأنّ اعتبار عدم تخلل ما يسقط العقد عن صدق العقد إنّما هو لأجل دخله في صدقه عرفا، إذ مع وجوده لا يصدق العقد، مثلا إذا رفع الموجب يده عن إيجابه لم يجد إنشاء القبول بعده.

و هذا بخلاف المقام، لأنّ العقد قد تحقق، و الإجازة دخيلة في صحته و ترتب الآثار الشرعيّة

ص: 183

العقد ما يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة (1)، هذا.

مع (2) أنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم، تأثير الردّ في قطع [1] علاقة

______________________________

(1) يعني: و تخلّل ذلك المانع يمنع تحقق المعاهدة التي هي حقيقة العقد.

(2) هذا ثالث الوجوه الدالة على أنّ من شروط الإجازة أن لا يسبقها الردّ، و محصّله: أنّ مقتضى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» تأثير ردّ من عقد على ماله فضولا- لعقد الفضولي- في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه، فإذا باع الفضولي مال زيد على عمرو، فإنّ مقتضى سلطنة زيد على ماله كون ردّه لعقد الفضولي قاطعا لعلقة المشتري عن مال زيد، فلا يبقى حينئذ عقد تلحقه الإجازة، لزواله بالردّ.

______________________________

عليه، لا في أصل صدق العقد، إذ لا ريب في حصوله بإنشاء الفضولي.

فقوله قدّس سرّه: «و قد تقرر .. إلخ» لا يناسب المقام الذي تمّ إنشاء العقد من الفضولي، و تحققت به المعاهدة و المعاقدة العرفية، و ليست إجازة المجيز إلّا شرطا لتأثيره.

لكن هذا الاشكال مندفع بأنّ قوله قدّس سرّه مبني على كون المجيز بسبب الإجازة أحد طرفي العقد، فإذا صار أحد طرفي العقد كان قوله قدّس سرّه: «و قد تقرر .. إلخ» في محله.

فالإشكال عليه كما في بعض الحواشي «بأنّه لا دخل لذلك في المقام، ضرورة أنّ اعتبار ذلك لتحقق العقد هناك، و قد كان العقد محققا هاهنا، و الإجازة إنّما تكون لتصحيح إضافته، لا لأصل تحققه» غير ظاهر لأنّ مقتضى كون المجيز أحد طرفي العقد تحقق العقد بالإجازة، فيشترط فيه ما يشترط في غيره من العقود، فردّ مالك أمر العقد ردّ بين الإيجاب و القبول، و مانع عن تحقق العقد.

[1] الأولى إبداله هكذا: «تأثير الرد في سقوط عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به» إذ لا يتحقق علاقة لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا حتى تنقطع بالرد، لجريان قاعدة السلطنة فيه.

ثم انّ المحقق النائيني قدّس سرّه نبّه على أمر في المقام، لا بأس ببيانه، و هو: أنّ قاعدة السلطنة تقتضي سلطنة المالك على إمضاء العقد، و عدم إمضائه، لوضوح أن السلطنة على الشي ء لا تصدق إلّا بالقدرة على طرفيه. إنّما الكلام في أنّ طرف الإجازة هو الرد أو عدم

ص: 184

الطرف الآخر عن ملكه (1)،

______________________________

(1) أي: عن ملك من عقد على ماله فضولا، كزيد في المثال المزبور.

______________________________

الإجازة؟

و بعبارة أخرى: هل تكون الإجازة و عديلها متقابلين بتقابل التضاد، فهما أمران وجوديّان، أم أنّهما متقابلان بتقابل السلب و الإيجاب؟

و يتفرّع على هذين الاحتمالين أنّه بناء على التقابل بنحو التناقض لا يسقط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به بعد ردّ المالك له، و ذلك لأنّ عدم الإجازة أمر عدمي حاصل من زمان إنشاء الفضول، و لا خصوصية للرّد، و المالك مخيّر بين الإجازة و عدم الإجازة، و الردّ لا يسقط حقّ الإجازة، لاستواء حال المالك- ما بعد الردّ و ما قبله- بالنسبة الى عدم تحقق الإجازة، فكما أن عدم الإجازة قبل الردّ لا يمنع عن الإجازة، فكذلك بعد الرد. و المهم أنّ الردّ أجنبي عن متعلق سلطنة المالك، فوجوده كعدمه.

و بناء على احتمال كون التقابل بنحو التضاد يسقط الرد العقد عن قابلية تأثير الإجازة فيه، لأنّه بمجرد الردّ قد أعمل حقّه و استوفاه، و لا تبقى له سلطنة على العقد حتى يجيزه.

و الصحيح من هذين الاحتمالين هو كون عديل الإجازة و بديلها هو الرّد، لا عدم الإجازة، و ذلك لأنّه لو كان طرفا السلطنة الإجازة و عدمها لزم قصر سلطنة المالك بخصوص الإجازة، فإنه و إن كان مخيّرا بين أن يجيز و أن لا يجيز، إلّا أنّ رفع تلك الإضافة الاقتضائية ليست بيده، لما تقدم من أنّ عدم الإجازة حاصل من حين العقد، و لا يؤثر إنشاء الرد فيه أصلا. فإن أجاز لزم العقد، و إن لم يجز بقيت قابلية لحوق الإجازة على حالها.

و هذا بخلاف كون طرفي السلطنة الإجازة و الرد، فإنّ قاعدة السلطنة كما تقتضي كونه سلطانا على إنفاذ إنشاء الفضول ليستند العقد إلى نفسه، كذلك تقتضي سلطنته على هدمه و إعدامه و جعله كأن لم يكن. و من المعلوم أنّ تحديد سلطنة المالك بخصوص طرف الإمضاء تقييد للإطلاق بلا مقيّد. و حيث كان عديل الإجازة هو الردّ قلنا بعدم تأثير الإجازة بعده، لسقوط حقه بالرّد «1».

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 131

ص: 185

فلا يبقى ما تلحقه الإجازة، فتأمّل (1) [1].

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى ما قيل من معارضة قاعدة السلطنة بمثلها، بتقريب: أنّ مقتضاها تأثير الإجازة بعد الرد، هذا.

أقول: لم يظهر وجه للمعارضة بعد البناء على جريان قاعدة السلطنة في الرد، إذ مقتضاها زوال العقد و انحلاله بالرد. كما أنّ مقتضاها بقاء العقد و نفوذه بالإجازة. و معه لا يبقى مورد للإجازة حتى تجري فيها قاعدة السلطنة نعم للمعارضة مجال فيما إذا حصل الردّ و الإجازة في زمان واحد، كما إذا كان لمالك المال المعقود عليه فضولا وكيلان أجاز أحدهما عقد الفضولي و ردّه الآخر في آن واحد.

و يمكن أن يكون إشارة إلى عدم جريان قاعدة السلطنة في الرّد، حيث إنّ موردها هي التصرفات النافذة في الأموال، و ليست في مقام بيان أنحاء السلطنة و تشريعها.

و المقام ليس من تلك التصرفات، بل من تشريع سببيّة الرد لانحلال العقد، و هذا من الأحكام، و ليس الناس مسلّطين على الأحكام، فقاعدة السلطنة لا تجري في الرد.

______________________________

[1] قد أورد على الاستدلال بقاعدة السلطنة تارة: بأنّه لم يثبت علاقة للطرف الآخر حتى يكون الردّ بمقتضى قاعدة سلطنة المالك على ماله قاطعا لتلك العلاقة، و مع انقطاعها لا يبقى مورد للإجازة، فلو أجاز بعد الرد كانت الإجازة غير مؤثرة، لعدم موضوع لها.

و أخرى: بأنّ إسقاط عقد الفضولي بسبب الرد راجع إلى حكم شرعي وضعي، و هو سببية الردّ لسقوط العقد عن قابلية لحوق الإجازة به، و هذا الحكم الشرعي ليس سلطنة على المال حتى تشمله قاعدة السلطنة، بل سلطنة على الحكم، و هي أجنبية عن مفاد القاعدة، إذ مفادها عدم محجورية الناس عن التصرفات الجائزة في أموالهم، و سببية الرّد ليست من أنحاء السلطنة على المال، فلا تجري القاعدة في الردّ، لعدم كونه موضوعا لها.

و ثالثة بأنّه على فرض كون الردّ من أنحاء السلطنة على المال لا تشمله قاعدة السلطنة أيضا، لأنّها لا تشرّع السلطنة التي شكّ في مشروعيتها، لما ثبت من أنّ القاعدة لا تشرّع أنحاء السلطنة، بل تدل على عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة في ماله.

و رابعة بأنّ قاعدة السلطنة- بناء على شمولها للردّ- تشمل الإجازة أيضا، فإنّ كلّا من

ص: 186

______________________________

الردّ و الإجازة مشمول لقاعدة السلطنة، فيصير الردّ بالتعارض كالعدم، فلو أجاز المالك بعد ذلك كانت الإجازة حينئذ مؤثرة.

هذا ما قيل أو يقال في الاشكال على جريان قاعدة السلطنة لإثبات كون الرد مانعا عن تأثير الإجازة في نفوذ عقد الفضولي. و لعلّ المصنف قدّس سرّه أراد هذه الإشكالات أو بعضها بقوله: «فتأمّل».

أقول: أمّا الإشكال الأوّل فلا موضوع له، لعدم تحقق علاقة شرعا لطرف الفضولي بالمال المعقود عليه فضولا، بل المال بعد عقد الفضولي باق على ما كان عليه قبل عقد الفضولي من حيث عدم تعلق علاقة أحد به، فلا وجه لإجراء قاعدة السلطنة لقطع علاقة الطرف عنه حتى لا يبقى مورد للإجازة.

و أمّا الإشكال الثاني و الثالث ففيهما: أنّه لا إشكال في كون الردّ كالإجازة من التصرفات المالية دون الأحكام، و يكفي في مشروعيتهما العمومات الدالة على جواز التصرف خارجيا و اعتباريا لكل مالك في ماله. بل و كذا أدلّة نفوذ بيع الفضولي بإجازة المالك، فإنّ جواز البيع بإجازته يستلزم جواز إبطاله بردّه، فيكون المالك مسلّطا على بيع ماله بالمباشرة، و بإجازة العقد الواقع على ماله و رده.

و بالجملة: فلا ينبغي الارتياب في جريان قاعدة السلطنة في الردّ و انحلال العقد به.

و أمّا الإشكال الرابع ففيه: أنّ مقتضى قاعدة السلطنة في الردّ هو بطلان العقد و عدم صلاحيته للحوق الإجازة به، فلا يبقى مورد للإجازة. و ليس المراد بالسلطنة السلطنة على الجمع بين الرد و الإجازة، لأنّه جمع بين الضدين، فإذا اختار أحدهما لا يبقى مورد للآخر.

كاختيار ذي الخيار الفسخ أو إقرار العقد، فلا معنى لمعارضة قاعدة السلطنة في الردّ و الإجازة.

و أمّا ما أفاده بعض الأجلّة من «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله، فوجود الردّ كعدمه. فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحّت الإجازة و ترتبت آثار الصحة على العقد» «1». ففيه: أنّ الإنشاء و إن كان فعل الفضولي، إلّا أنّ نفوذه بإجازة المالك، فإذا ردّ المالك سقط الإنشاء عن التأثير، و بعد سقوطه لا معنى لعوده، فتأمّل.

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 211

ص: 187

______________________________

اللّهم إلّا أن يقال: إنّ وزان الإجازة في عقد الفضولي وزان شرائط العلل التكوينية، و الرّد رافع للشرط و هو الإجازة، و ليس رافعا لاقتضاء المقتضي، بل المقتضي باق على اقتضائه، فإذا وجد الشرط بعد انعدامه أثّر المقتضي أثره. مثلا تكون النار مقتضية للإحراق بشرط يبوسة الجسم، فمع رطوبته لا يحترق، و إذا ارتفعت الرطوبة احترق الجسم بلا ريب، لتمامية المقتضي بارتفاع المانع و هي الرطوبة و حصول الشرط و هو اليبوسة. و الظاهر أنّ الرّد فيما نحن فيه كالرطوبة مانع عن تأثير المقتضي و هو العقد، فإذا ارتفع الرد و تبدّل بالإجازة أثّر العقد أثره.

و قياس الرد بفسخ ذي الخيار الموجب لزوال العقد رأسا- بحيث لا يبقى موضوع لإمضائه- في غير محله، لأنّ الخيار هو ملك إزالة العقد و إقراره، فإذا فسخ ذو الخيار كان فسخه رافعا لأصل المقتضي، و مع ارتفاعه لا عقد حتى يصحّ إقراره بالإمضاء. بخلاف الإجازة و الردّ، فإنّهما في رتبة الشرط و المانع مع بقاء المقتضي في حال وجودهما.

أمّا كون الإجازة و الردّ في رتبة الشرط و المانع فهو ظاهر مثل قوله تعالى تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ حيث إنّ ظاهره كون التراضي شرطا للتجارة التي هي مقتضية لتبادل الأموال، و الردّ الحاكي عن الكراهة في رتبة الإجازة الكاشفة عن التراضي.

فالنتيجة: نفوذ الإجازة في عقد الفضولي بعد الردّ.

إلّا أن يقال: إنّه فرق بين المقام و العلل التكوينية، و حاصل الفرق: أنّه في العلل التكوينية- كالنار في المثال المذكور- و إن كان حدوث الشرط فيها كاليبوسة بعد ارتفاع المانع و هو الرطوبة موجبا لتأثير المقتضي أعني به النار في احتراق الجسم، لكنه في العلل التشريعية لا بدّ من متابعة الدليل في كيفية شرطية الشرط و مانعية المانع، كجعل مانعية «ما لا يؤكل» في خصوص حال العلم بكون الحيوان ممّا لا يؤكل، فإنّ الشرطية و المانعية من الأمور الاعتبارية الشرعية التابعة لكيفية اعتبارها شرعا سعة و ضيقا.

و عليه فلا محيص عن الالتزام بأنّ الردّ بمقتضى إطلاق قاعدة السلطنة مانع عن تأثير الإجازة، لاقتضاء إطلاقها الأحوالي تأثير الردّ مطلقا سواء لحقته الإجازة أم لا. كما أنّ اقتضاءها بالنسبة إلى الإجازة أيضا كذلك، فإذا أجاز الأصيل عقد الفضولي فليس له بعد الإجازة ردّه.

فصار المتحصل: أنّ الرّدّ مانع مطلقا، و ليست مانعيّته كمانعية الموانع التكوينية

ص: 188

______________________________

المرتفعة بوجود الشرائط، و قد ثبت إطلاق مانعية الردّ بالإطلاق الأحوالي الثابت لقاعدة السلطنة. و عليه فلا أثر للإجازة بعد الرد.

اللهم إلّا أن يقال: إنّ قاعدة السلطنة لا إطلاق لها، لأنّها في مقام بيان إثبات عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعية في ماله على النحو الذي شرّعت، فلا بدّ من مراجعة أدلة مشروعيتها، و أنّه هل لها إطلاق أم لا؟ فإن ثبت لها إطلاق فلا إشكال.

و إلّا فالوجه في عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالرد إمّا عدم إضافة عقد الفضولي إلى المالك عرفا، فلا يشمله مثل عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» كما أفاده صاحب الكفاية «1». و إمّا استصحاب عدم نفوذ العقد حين الرد، إذ الشك إنّما هو في صيرورة العقد نافذا بالإجازة، فلا مانع من استصحاب عدم نفوذه.

فالمتحصل: أنّه لا دليل على نفوذ عقد الفضولي بالإجازة المسبوقة بالرد.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنه لا أثر للإجازة المسبوقة بالرد، و أنّها كالعدم، لا لكون الوجه في ذلك إطلاق قاعدة السلطنة أحواليّا، و لا لقياس مانعيّة الردّ بمانعية الموانع التكوينية، لما عرفت فيهما من الإشكال. بل لعدم إضافة عقد الفضولي عرفا بعد الردّ إلى المالك الأصيل حتى يشمله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و لا أقل من الشك في الشمول، فيندرج الاستدلال به في التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه على المتن «2».

و لو لم يتمّ هذا الوجه أيضا فلا مانع من التشبث بالاستصحاب كما أشرنا إليه آنفا، ضرورة أنّه كان العقد حين الردّ غير نافذ قطعا، و بعد صدور إجازة المجيز يشكّ في ارتفاع عدم النفوذ و انتقاضه بالنفوذ، فيستصحب عدمه. و هذا الاستصحاب حجة، لكونه من الشك في رافعية الموجود، كالشك في رافعية المذي مثلا للطهارة الحديثة.

بقي الكلام فيما يستأنس به أو يستظهر منه نافذية الإجازة المسبوقة بالرد، و هو أمران:

أحدهما: ما أفاده بعض الأجلّة، و هو ما أشرنا إليه آنفا من أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتى يؤثر ردّه في زواله، فمع بقائه تؤثّر الإجازة في نفوذ عقد الفضولي.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 66

(2) حاشية المكاسب، ص 66

ص: 189

______________________________

و فيه: ما عرفته من أنّ المراد بالردّ زوال قابلية الإنشاء للنفوذ بسبب الإجازة، لا زوال نفس الإنشاء المتحقق بألفاظ خاصة، إذ لا ريب في عدم كونه فعلا مباشريا و لا تسبيبيا للمالك الأصيل، فإنّ إنشاء الوكيل أو الولي مع كمال ارتباطه بالمالك لا يكون فعلا له، بل يقال: إنّه فعل العاقد مع طيب نفس المالك به.

و ثانيهما: روايات.

منها: صحيحة محمّد بن قيس «1» المتقدمة في أدلة صحة البيع الفضولي، فإنّه قد ادّعي ظهورها في نفوذ الإجازة بعد الرد، بتقريب: أنّ أخذ السيّد جاريته و ابنها بأمر الإمام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من المشتري الذي اشترى الجارية فضولا من ابن سيدها ردّ فعليّ لعقد ابن السيد فضولا، و مع هذا الردّ الفعلي جعل إجازة السيد لعقد ابنه البائع للوليدة فضولا نافذة، حيث إنّ الامام عليه السّلام جعل فكاك البائع الفضولي عن حبس المشتري منوطا بإجازة السيّد عقد ابنه، و هذه الإجازة تكون بعد تحقق الردّ.

و بالجملة: هذه الصحيحة تدلّ على صحة عقد الفضولي و نفوذه بالإجازة المسبوقة بالرد، كدلالتها على أصل صحة عقد الفضولي، و دلالتها على كون الإجازة كاشفة. و هذه الدلالة تنافي ما تقدم من عدم تأثير الإجازة المسبوقة بالردّ في صحة عقد الفضولي. و قد تقدم تقريب هذه الدلالات الثلاث عند الاستدلال بهذه الصحيحة «2».

و العمدة فعلا هي البحث عن عدم تحقق الرد في هذه الصحيحة حتى تدلّ على نفوذ الإجازة بعد الردّ. و ليعلم أنّ هذا البحث منوط بمقدمتين.

إحداهما: كون الردّ أعمّ من القولي و الفعلي.

ثانيتهما: كون الأخذ في الصحيحة ظاهرا في الردّ. و الاولى ثابتة، و الثانية غير ثابتة.

و منها: معتبرة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدم في (ص 171) بتقريب: أنّ قوله:

«فأنكرت ذلك» و قوله: «ففزعت منه» ظاهران في إظهار المخالفة و التنفر للنكاح. و هذا كاف في الردّ، إذ لا يعتبر في الردّ أن يقول: «رددت». و لا يراد بقوله: «أنكرت» إنكار أصل العقد

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1، و تقدّمت في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 388

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 391- 399

ص: 190

______________________________

حتى يخرج عن مورد البحث، و هو ردّ العقد المسلّم وجوده، فالمراد بالإنكار هو الكراهة في مقابل الرضا، فالفزع هو إبراز عدم الرضا، و هذا ردّ فعليّ.

لا يقال: ان قوله: «فزوّجت نفسها» ظاهر في تزويج نفسها مباشرة لا توكيلا في تزويجها، و هذا غير الفضولي الذي هو مورد البحث.

فإنّه يقال:- مضافا إلى شيوع التوكيل في التزويجات في العصور، بحيث ينصرف الذهن إلى التزويج التوكيلي، فترك الاستفصال حينئذ يدلّ على عدم الفرق في الحكم بين المباشرة و التوكيل- إنّ جهة السؤال في هذه الرواية هي: أنّ الردّ هل يؤثر في انهدام العقد أم لا؟ و هذه الحيثية لا فرق فيها بين الإنشاء المباشري و غيره كإنشاء الفضولي.

كما لا يرد على الاستدلال بهذه الرواية بطلان العقد في نفسه لأجل السّكر المزيل للعقد، و الموجب لعدم فهم معاني الألفاظ، فالإنشاء حينئذ لا يصلح للحوق الإجازة به و لنفوذه بها.

وجه عدم الورود هو: أنّ للسّكر مراتب، و ليس بجميع مراتبه رافعا للعقل بحيث، يرفع التمييز و الالتفات إلى معاني الألفاظ، إذ لو كان كذلك لم يتحقق العقد رأسا، لعدم حصول المعاهدة مع فقد التمييز و عدم الالتفات إلى معاني الألفاظ. فقول الامام عليه السّلام: «نعم» جوابا لقول السائل: «قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟» يدل على عدم زوال عقلها بحيث لا تميّز الألفاظ و معانيها.

أقول: قد عرفت سابقا: أنّ النزاع صغروي، بمعنى أنّ النزاع في صغروية الأفعال- من أخذ الوليدة و ابنها كما في صحيحة محمّد بن قيس المتقدمة، و إنكار المرأة و فزعها كما في هذه الرواية- للردّ الفعلي، فإن ثبتت صغرويتها له و وقعت الإجازة بعد الردّ الفعلي صارت الروايتان مخالفتين للإجماع أو الشهرة، و لا بدّ من طرحهما، للإعراض الرافع لحجيتهما، فلا سبيل إلى القول بنفوذ الإجازة المسبوقة بالردّ، هذا.

و لكن قد تقدّم الإشكال في استفادة صغروية تلك الأفعال للرّد الفعلي من الروايتين، فلا تدلّان على نفوذ الإجازة بعد الرّد، كما هو مقصود من استدلّ بهما.

و أمّا ما أفاده بعض الأجلّة من قوله: «ثم لو شككنا في أنّ الرد موجب للفسخ، فاستصحاب بقاء العقد لا مانع منه، لكونه عقدا مرضيّا به حينئذ، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالتعبد، و الآخر بالوجدان، فيترتب عليه الأثر» «1» فهو مناف لما

______________________________

(1) كتاب البيع، ج 2، ص 218

ص: 191

نعم (1) الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحّة الإجازة بعد الرّدّ.

اللهم (2) إلّا أن يقال: إنّ الردّ الفعليّ- كأخذ المبيع مثلا- غير كاف، بل لا بدّ من إنشاء الفسخ.

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده من اعتبار عدم كون الإجازة مسبوقة بالردّ، و أنّه لا مورد للإجازة بعد الرد. و حاصل الاستدراك: أنّ صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرّد، حيث إنّ المولى أخذ الجارية و ابنها كما أمره الإمام عليه الصلاة و السلام، و أخذهما ردّ فعليّ، و مع ذلك أجاز المولى بيع ابنه الذي باع وليدته فضولا، على ما حكاه أبو جعفر عليه السّلام بقوله: «فلمّا رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه».

(2) غرضه: أنّ الرد الفعلي كأخذ المبيع- و هو الوليدة في صحيحة ابن قيس المتقدمة- لا يكفي في الردّ المانع عن تأثير الإجازة. فالكبرى- و هي مانعية الردّ عن

______________________________

أفاده قبيل ذلك من: «أنّ إنشاء الفضولي ليس فعل المجيز حتّى يؤثر ردّه في زواله، فوجود الردّ كعدمه، فإذا أجاز المالك الأصيل بعد ردّه صحت الإجازة».

وجه المنافاة: أنّ الردّ لمّا لم يكن متعلّقا بنفس العقد و كان أجنبيّا عنه، لكون العقد فعل الغير، لم يزل بردّ الأصيل، فلا وجه للشك في بقاء العقد بسبب الردّ حتى يستصحب.

فالشكّ لا بدّ أن يتعلق بقابلية العقد للنفوذ بإجازة المجيز.

و حينئذ فإذا ارتفعت به القابلية فهو المطلوب، أي: لا يؤثر الإجازة، لعدم ورودها في محل قابل للإجازة. و إلّا يلزم عدم ارتفاع القابلية بالرد أصلا، لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز و ما لا يجوز. و يلزم عدم كون ردّ قابلية العقد تحت قدرة المالك في شي ء من الأزمنة، و هو كما ترى.

فالمتحصل: أنّ الرد يرفع قابلية العقد للنفوذ بالإجازة المتأخرة عن الرد، فالإجازة المسبوقة بالردّ كعدمها في عدم تأثيرها في عقد الفضولي. و هذا من غير فرق بين كاشفية الإجازة بأنحاء الكشف و ناقليتها، إذ بعد البناء على ارتفاع قابلية العقد للنفوذ بسبب الرد لا يبقى محل قابل للإجازة.

ص: 192

و دعوى (1) «أنّ الفسخ هنا (2) ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة، و قد صرّحوا بحصوله (3) فيها بالفعل» يدفعها (4) أنّ الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء و العتق و نحوهما، لا مثل (5) أخذ المبيع.

و بالجملة (6): فالظاهر [من الأصحاب] هنا (7) و في جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ،

______________________________

الإجازة- مسلّمة، لكن الكلام في صغرويّة الردّ الفعلي لها، حيث إنّه لا بدّ في تحقق الردّ من إنشاء الفسخ، و الفعل من حيث هو ليس ردّا، بل لا بد من إنشاء الردّ به.

(1) الغرض من هذه الدعوى إثبات كون الفعل كالقول ردّا، حيث إنّ الرد الفعلي الموجب لانحلال عقد الفضولي ليس بأولى من انحلال العقود اللازمة بالرد الفعلي، فإنّهم صرّحوا بحصول الفسخ فيها بالفعل. و لا فرق بين العقود اللازمة و بين عقد الفضولي، بل هذا أولى من العقود اللازمة من انحلاله بالرّد الفعليّ.

(2) أي: عقد الفضولي.

(3) أي: بحصول الفسخ في العقود اللازمة بالفعل، فحصول الفسخ بالفعل في عقد الفضوليّ يكون بطريق أولى، من دون حاجة الفسخ فيه إلى اللفظ.

(4) خبر قوله: «و دعوى» أي: يدفع الدعوى المزبورة، و محصل دفعها: أنّ كل فعل لا يصلح لأن يكون ردا للعقد، بل لا بدّ أن يكون ذلك الفعل من لوازم ملك المال المعقود عليه فضولا. فإذا زوّج الفضولي من زيد امرأة، فرتّب زيد آثار الزوجية- من الوطء و غيره- على العقد بعد اطّلاعه عليه. أو اشترى الفضولي له بعدا، فلمّا علم بذلك أعتقه، إلى غير ذلك من التصرفات و الأفعال التي تدل على الرضا بما عقد له الفضولي.

و عليه فلا يكفي مجرّد أخذ المال العقود عليه فضولا من دون دلالة له على تملكه لذلك المال.

(5) معطوف على «فعل لوازم».

(6) يعني: و حاصل الكلام: أنّ الظاهر في جميع الالتزامات العقدية عدم تأثير الإجازة الواقعة بعد الفسخ، و أنّ المعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيّتها بالردّ.

(7) يعني: في عقد الفضولي، و قوله: «عدم الاعتبار» خبر قوله: «فالظاهر».

ص: 193

فإن سلّم [1] ظهور الرواية (1) في خلافه (2) فلتطرح (3) أو تأوّل (4).

______________________________

(1) و هي صحيحة محمّد بن قيس المذكورة في أدلّة بيع الفضولي «1».

(2) و هو صحّة الإجازة بعد الردّ، بأن يقال: إنّ إجازة بيع الوليدة من سيّدها صدرت بعد الردّ الحاصل بأخذ السيد الوليدة و ابنها بحكم المولى أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه، و لمّا أخذ مشتري الوليدة البائع الفضوليّ- و هو ابن سيد الوليدة- اضطرّ السيد إلى أن يجيز بيع الوليدة ليستردّ ابنه البائع الفضولي من المشتري، فأجاز السيد بيع الوليدة. فهذه الإجازة صدرت بعد الردّ الناشئ من أخذ الوليدة و ابنها.

و الحاصل: أنّ هذه الصحيحة تخالف ما دلّ على أنّه يعتبر في تأثير الإجازة عدم مسبوقيتها بالردّ.

(3) غرضه: أنّ صحيحة ابن قيس المشار إليها- بعد تسليم ظهورها في صحة الإجازة بعد الردّ- لا تصلح لرفع اليد عمّا بنى عليه الأصحاب من اشتراط تأثير الإجازة بأن لا يسبقها الردّ، و ذلك لمخالفتها لعمل الأصحاب، فلا بدّ من طرحها للإعراض، أو تأويلها.

(4) أي: تأويلها بما هو خلاف ظاهرها، كحملها على كون سيّد الوليدة كاذبا في دعواه عدم الإذن لابنه في بيع الوليدة، فراجع ما ذكره المصنف في توجيه هذه الصحيحة.

و اقتصر هناك على لزوم تأويلها دون طرحها، لأنّه قدّس سرّه جعلها من أدلّة صحة بيع

______________________________

[1] و لا يسلّم ظهور الرواية في الردّ حتى تكون الإجازة بعد الردّ، و ذلك لعدم صدور قول و لا فعل يدلّ على الردّ. و أخذ السيّد الوليدة و ابنها لا يدلّ عليه، و إنّما غاية ما يدلّ عليه هي الكراهة، و هي غير الردّ. و حبس ابن الوليدة مع كونه حرّا- لحرية أبيه المشتري، لتولده شبهة أو من نكاح صحيح- إنّما هو لأخذ قيمة الولد، و ثمن الجارية الذي أخذه البائع الفضولي، حيث إنّ غالب الأولاد يتصرّفون في أموال آبائهم تصرّف الملّاك في أموالهم، و لذا أخذ السيد الوليدة و ابنها حتى يستوفي ثمن الوليدة و قيمة ابنها من المشتري.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 388

ص: 194

[الرابع: الإجازة لا تورث]

الرابع (1):

الإجازة أثر من آثار سلطنة [1] المالك [2] على ماله، فموضوعها

______________________________

الفضولي، فلاحظ قوله: «و الحاصل: أن ظهور الرواية في ردّ البيع ممّا لا ينكره المصنف، إلّا أن الانصاف أن ظهور الرواية في أنّ أصل الإجازة مجدية في الفضولي .. فلا بدّ من تأويل ذلك الظاهر» «1».

الإجازة لا تورث

(1) هذا رابع التنبيهات المتعلقة بالإجازة، و الغرض من عقده- على ما قيل- دفع ما يتوهم من بعض العبارات من كون الإجازة و الردّ من الحقوق الموروثة.

و محصل ما أفاده هو: كون الإجازة حكما لا حقّا، حيث إنّها من آثار سلطنة المالك على ماله، فموضوع الإجازة هو المالك، فيصح أن يقال: «للمالك أن يجيز»

______________________________

[1] من آثار الملك، لا من آثار السلطنة على الملك، إذ المراد بالسلطنة هو القدرة الشرعية على كلّ تصرف تسبيبي و مباشري جائز شرعا بالجواز التكليفي و الوضعي، و عدم الحجر عنه، سواء أ كان التصرف خارجيا أم اعتباريا. فجواز التصرف مطلقا موضوع للسلطنة.

فمعنى القاعدة هو القدرة على جميع التصرفات المشروعة في المال، و منها إجازة البيع كنفس البيع، فالإجازة كإنشاء نفس البيع و الصلح و غيرهما من آثار الملك. و ليست القاعدة مشرّعة لأنحاء السلطنة حتى تكون الإجازة من آثارها.

و هذا مراد المصنف أيضا بقرينة قوله: «مثل قولنا: له أن يبيع» فإن جواز البيع حكم الملك. فينبغي إبدال «من آثار السلطنة» ب «من آثار الملك و أحكامه» فالسلطنة من لوازم جواز التصرف في الملك. فجواز التصرف فيه من الإجازة و غيرها ملزوم لقاعدة السلطنة.

[2] لعلّ الأولى إبدال «المالك» بمن له ولاية العقد، ليكون أشمل، فإنّ المرتهن ولىّ أمر عقد الراهن على العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و لذا لا ينفذ إلّا بإجازة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 399

ص: 195

..........

______________________________

كما يصح أن يقال: «له أن يبيع» و مرجع الكلّ إلى السلطنة على التصرف المشروع في ماله.

و مقتضى كون الإجازة حكما لا حقّا عدم انتقالها الى الوارث، إذ موضوع الإرث هو المال و الحقّ، كحقّ الخيار و التحجير و غيرهما، و الإجازة ليست مالا و لا حقّا.

و الحكم الشرعي لا ينتقل إلى الوارث، و المنتقل إليه نفس المال الذي هو موضوع الإجازة التي هي حكم لا حقّ.

______________________________

المرتهن، مع أنّه ليس مالكا للمبيع. و احتمال إرادة المصنف قدّس سرّه من «المالك» مالك أمر البيع في غاية البعد، إذ ينافيه قوله: «على ماله» و الظاهر إرادة المصنف ما هو الغالب من عقد الفضولي في الخارج و هو بيع مال الغير، و بيع الراهن بدون إذن المرتهن بيع لمال نفسه.

ثم إنّه لا يكفي في منع إرث الإجازة و الرد مجرّد عدم كونهما من الحقوق، إذ يمكن أن يكونا من الحقوق، و مع ذلك لا ينتقلان إلى الورثة، لكونهما من الحقوق غير القابلة للانتقال إلى الغير، كحقّ الأبوّة و حقّ ولاية الحاكم و نحوهما ممّا لا ينتقل إلى الغير لا اختيارا و لا قهرا. و يمكن أن يكون الإجازة و الردّ من الحقوق القابلة للانتقال الاختياري و القهري كحقي الخيار و التحجير.

و عليه فلا بدّ في التزام عدم انتقال الإجازة و الردّ إلى الوارث من إثبات كونهما من الأحكام لا الحقوق، أو من الحقوق غير القابلة للانتقال، فتصح حينئذ دعوى عدم انتقالهما إلى الوارث مطلقا و إن كانا من الحقوق، فلا يندرجان فيما تركه الميّت.

لا يقال: إنّه يمكن التمسك بالاستصحاب لإثبات كونهما من الحقوق القابلة للانتقال، و اندراجهما فيما تركه الميت، كاستصحاب عالمية من كان عالما و شكّ في بقاء علمه لإحراز صغرويته لكبرى وجوب «إكرام العلماء» حتى لا يكون إثبات وجوب إكرامه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. ففي المقام يستصحب بقاء الإجازة بعد موت المالك الأصيل، فتندرج الإجازة فيما تركه الميت، و تنتقل إلى الوارث.

و هذا من القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، نظير الحيوان المردد بين

ص: 196

المالك (1)، فقولنا: «له أن يجيز» مثل قولنا: «له أن يبيع» (2)، و الكلّ (3) راجع إلى أنّ له أن يتصرّف، فلو (4) مات المالك لم يورّث الإجازة، و إنّما يورّث المال الذي عقد

______________________________

(1) دون غيره كالوارث، نعم الوارث يرث المال و يملكه، و إجازته حينئذ ليست من جهة إرث الإجازة، بل لأجل صيرورته مالكا بسبب إرث موضوعها و هو نفس المال.

(2) غرضه من المثلية المماثلة بين البيع و الإجازة في السلطنة التي هي حكم شرعيّ، فكما أنّ جواز البيع حكم لمالك المبيع، فكذلك جواز الإجازة حكم له و لوليّ أمر العقد، و ليس حقّا حتى ينتقل إلى الوارث كالحقوق و الأموال التي تنتقل إلى الورثة.

(3) يعني: قولنا: «للمالك أن يجيز و أن يبيع» عبارة أخرى عن جواز التصرف الذي هو حكم لا حقّ.

(4) هذا متفرع على كون الإجازة حكما لا حقّا، فلا تنتقل الإجازة إلى الوارث،

______________________________

ما يعيش ثلاثة أيّام و ما يعيش سنة، فبعد مضي الثلاثة لا مانع من استصحاب كلي الحيوان. و نظير استصحاب كلّي الطهارة فيما إذا شك في أنّ طهارته كانت هي الوضوء أو الغسل، فإن كانت هي الوضوء فقد انتقضت يقينا، و إن كانت هي الغسل فهي باقية، فيستصحب كلّي الطهارة.

فإنّه يقال: فرق بين المقام و بين هذين المثالين. توضيحه: أنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من استصحاب الكلّي مشروط بكون الأثر مترتبا على الكلي كالطهارة، فإنّ الأثر الشرعي و هو جواز الدخول في المشروط بالطهارة يترتب على كلّي الطهارة الحدثية سواء حصلت من الغسل أم الوضوء. و في مثال تردد الحيوان بين طويل العمر و قصيره لا يجري الاستصحاب إلّا إذا كان الأثر مترتبا على كلّي الحيوان. و من المعلوم أنّ نفوذ إجازة الوارث مشروط بكون الإجازة حقّا قابلا للانتقال. و هذا لا يثبت باستصحاب مطلق مجعول الشارع إلّا على القول بحجية الأصل المثبت، لأنّ بقاء المجعول إلى زمان موت المالك لينتقل إلى الوارث من لوازم كون المجعول من الحقوق القابلة للانتقال، و من المعلوم أن استصحاب اللازم قاصر عن إثبات الملزوم، و كالعكس، لعدم حجية الأصول المثبتة.

ص: 197

عليه الفضولي، فله (1) الإجازة بناء على ما سيجي ء (2) من جواز مغايرة المجيز و المالك حال العقد فيمن باع مال أبيه فبان ميّتا (3).

و الفرق (4) بين إرث الإجازة و إرث المال يظهر بالتأمّل (5).

______________________________

لعدم كونها مالا و لا حقّا حتى يصدق عليها «ما تركه الميّت». و عليه فالمنتقل إلى الوارث هو المال المعقود عليه فضولا، فإجازته حينئذ كبيعه من أحكام ماله، و الناس مسلطون على أخوالهم، لا أحكام أموالهم كجواز بيعها و صلحها و هبتها و غير ذلك من التصرفات الجائزة في المال.

(1) أي: فللفضولي الذي ورث من المورّث المال- المعقود عليه فضولا- أن يجيز العقد الصادر منه فضولا، لصيرورته مالكا للمال، لا لكونه وارثا للإجازة.

(2) في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من مباحث المجيز و ما يعتبر فيه فلاحظ (ص 354). و كلمة «من» الجارة بيان ل «ما» الموصول.

(3) هذا الفرع مثال لاتّحادهما لا مغايرتهما، إذ المفروض كون والد الفضولي ميّتا حين العقد كما هو ظاهر «فبان ميّتا» إذ معناه: فظهر كونه ميّتا في زمان الإنشاء. فالفضولي حينئذ هو المالك حال العقد، لانتقال المبيع فضولا إليه حينه بالإرث، فالمجيز و المالك حين العقد واحد، و هو العاقد الذي تخيّل حال الإنشاء أنّه فضولي، و لكنه كان مالكا واقعا للمبيع وقت العقد.

فالأولى إبدال «فبان» ب «فصار ميّتا» أو «فمات بعده» حتى يكون مثالا لمغايرة المجيز و المالك حين العقد، كما إذا باع مال غيره ثم اشتراه.

(4) كان الأنسب بيان هذا الفرق بعد قوله: «و انما يورّث المال الذي عقد عليه الفضولي» لأنّ هذا الكلام بمنزلة التعليل لقوله: «و انّما يورّث المال .. إلخ».

(5) الفرق بينهما هو: أنّه إذا كانت الإجازة من الحقوق- كالخيار- انتقلت إلى جميع الورثة حتى إلى من لا يرث من المبيع الذي هو مورد الإجازة، كالزوجة التي لا ترث من العقار، لكنها ترث الإجازة كإرث الخيار و غيره من الحقوق المنتقلة إلى جميع الورثة، فلها إجازة بيع العقار و إن لم يكن لها فيها نصيب، فإنّ مقتضى كون الإجازة من الحقوق كالخيار هو انتقالها إلى جميع الورثة.

ص: 198

[الخامس: إجازة البيع ليست إجازة للقبض]

الخامس (1):

إجازة البيع ليست إجازة

______________________________

و إذا كانت الإجازة من الأحكام فهي لا تنتقل إلى الوارث. و إنّما المنتقل إليه هو المال، فلكل وارث- يرث منه- أن يجيز البيع في خصوص نصيبه ممّا ورثه، فليس للزوجة أن تجيز البيع أو ترده، لعدم إرثها من المبيع.

و بناء على كون الإجازة حقّا موروثا، فهل ينتقل الى مجموع الوارث من حيث المجموع، أم أنه يتعدد هذا الحق بعدد الورثة، فلكل منهم حق يخصه. أم يكون لطبيعي الوارث الصادق على كل فرد منهم، و لازمه كفاية صرف الوجود من الفسخ و الإمضاء، أم غير ذلك؟ وجوه، و تحقيق المطلب موكول إلى أحكام الخيار.

إجازة البيع ليست إجازة للقبض

(1) الغرض من عقده البحث عن وجود الملازمة بين إجازة البيع و إجازة قبض الثمن و المثمن، و عدمها، فإذا قال مالك المبيع فضولا: «أجزت البيع» كانت هذه الإجازة إجازة لقبض الثمن و إقباض المبيع، أو لا. مع أنّ البيع أمر اعتباري، و القبض فعل خارجي. و لا ريب في أنّ الإجازة تتعلق بالأمور الاعتبارية كالملكية و الزوجية و تنفّذها، و لكنّها هل تؤثّر في الفعل الخارجي و هو تسليم الثمن مثلا أم لا؟

و قد اختلفت كلمات الأصحاب فيها، فمنهم من جعل إجازة بيع الفضولي القابض للثمن إجازة لكلّ من بيعه و قبضه، كما يظهر من شيخ الطائفة قدّس سرّه في عبارته الآتية في المتن.

و منهم من نفى ذلك، و قال بتوقف القبض على إجازة مستقلة، و لا يكفي إمضاء البيع عنها، كعلّامة في كلامه الآتي قريبا. و هو مختار صاحب الجواهر و شيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما القائلين بجريان الفضولية في نفس القبض و توقفه على إجازة مستقلة، سواء أ كان الثمن عينا أم دينا، فراجع «1».

و منهم من فصّل بين الثمن الشخصي و الكلّي الذمي، بتوقف الثاني على إجازة بحيالها، و كفاية إجازة البيع عن إجازة القبض في الثمن الشخصي، كما ذهب إليه الفاضل المقداد و الشهيد قدّس سرّهما. قال في الدروس بعد حكاية مختار الشيخ: «و اشترط الفاضل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 280 و 300

ص: 199

لقبض (1) الثمن، و لا (2) لإقباض المبيع [1].

______________________________

إجازة القبض. و هو حسن إن كان الثمن في الذمة» «1».

و ذهب المصنف قدّس سرّه إلى تفصيل آخر في المسألة، و هو الفرق بين موارد ثلاثة، و محصله: أن القبض تارة يكون جزء السبب المملّك كما في بيع الصرف و السلم، و اخرى يكون بعنوان الوفاء بالعقد من دون دخله في ترتب الأثر على العقد. و على الثاني فتارة يكون العوض شخصيا، و اخرى كلّيا في الذمة.

ففي القسم الأوّل قال بالملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض، للغوية إجازته مجرّدا عن القبض الذي هو جزء السبب.

و في القسم الثاني نفى الملازمة، و حكم بتوقف تحقق الوفاء بالعقد على إجازة القبض بخصوصها، و لو بقرينة تدل عليها.

و في القسم الثالث استشكل في وفاء أدلة صحة البيع الفضولي بإمضاء قبض الفضول، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(1) غرضه قدّس سرّه نفي استلزام إجازة البيع لإجازة القبض كلّية كما يستفاد من كلام شيخ الطائفة قدّس سرّه. و محصّل ما أفاده المصنف في ذلك: أنّه لا ملازمة بينهما، لإمكان التفكيك بينهما بأن يجيز البيع و لا يجيز القبض و الإقباض، فنفس إجازة البيع لا تلازمهما. نعم لو أجازهما صريحا أو قامت قرينة مقاليّة أو مقامية على التلازم المزبور صحّت الإجازة و ترتّب عليها أثرها، و هو سقوط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، إذ بدون إجازة المالك لقبض الفضولي و إقباضه لا يسقط الضمان، و كان الثمن باقيا في ذمّة المشتري، إذ قبض الفضولي له بدون إجازة مالك المبيع لا أثر له، لأنّ قبضه بدون الإجازة كلا قبض، لعدم انتسابه إلى المالك.

(2) أي: و لا إجازة لإقباض المبيع، لما مرّ آنفا من عدم التلازم.

______________________________

[1] في هذا التنبيه جهات من البحث:

الأولى: مرحلة الثبوت، و هو إمكان تعلق الإجازة و عدمه بالقبض و الإقباض.

قد يقال: بعدم إمكانه، لعدم تغير الفعل الخارجي التكويني عمّا وقع عليه.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 194، التنقيح الرائع، ج 2، ص 26، و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 200

______________________________

لكن الحق إمكانه، لأنّه و إن لم يتغير الفعل عمّا وقع عليه، إلا أنّه إذا كان على وجوده بقاء أثر شرعيّ فلا مانع من ترتب ذلك الأثر إذا تحقق غير ذلك الفعل ممّا له دخل في ترتّب الحكم الشرعي عليه.

________________________________________

فإذا كان ممّا له الدخل في الأثر رضا المالك مثلا بما وقع عن الفضولي من العنوان كالبيع، فإذا رضي المالك بذلك أثّر العقد أثره. فالقبض بوجوده الحدوثي و إن لم يكن له أثر و هو سقوط الضمان عن مالك المبيع فضولا، لكن له أثر بعد الإجازة و هي الرضا بقبض الفضولي، فيسقط الضمان عن البائع بعد رضاه.

الجهة الثانية: في مرحلة الإثبات، و حاصلها: أنّه في العقود المتوقفة صحتها على القبض تكون الملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض و الإقباض ثابتة بدلالة الاقتضاء، لأنّ إجازة العقد بدون إجازتهما لغو، إذ المفروض عدم صحة العقد بدون القبض و الإقباض، لما قيل من أنّهما كالإيجاب و القبول من حيث الدخل في الصحة.

و هذا من غير فرق بين كليّة الثمن و شخصيته، ضرورة أنّ إجازة الثمن الكلي- أو المثمن كذلك- تقتضي رضا المالك بتطبيق الكلي على أحد أفراده.

و هذا بخلاف العقود غير المتوقفة صحتها على القبض، فإنّ إجازة نفس العقد لا تلازم إجازة الإقباض و القبض، إذ المفروض صحتها و لو بدون القبض، فدليل الاقتضاء لا تقتضي الملازمة بين إجازة العقد و إجازة الإقباض و القبض، من غير فرق في هذه العقود الصحيحة بدون القبض بين كون العوضين أو أحدهما كليّا أو شخصيّا.

الجهة الثالثة: في أنّه هل يعتبر في جريان دلالة الاقتضاء علم المجيز بتوقّف صحة العقد على القبض أم لا؟ الظاهر جريانها فيما تعلّقت الإجازة بعقد جامع لكافّة شرائط صحته و إن لم يعلمها تفصيلا، نظير نية الصوم مع العزم على ترك جميع المفطرات مع عدم علمه بها تفصيلا، كجريان دلالة الاقتضاء في صورة العلم بدخل القبض في صحة العقد.

الجهة الرابعة: في أنّه بعد البناء على جريان الفضولية في الإقباض و القبض يقع الكلام في أنّه هل يجري نزاع الكشف و النقل فيهما أم لا؟

ينبغي أن يقال: إنّ الموجود إن كان من الأمور الاعتباريّة التي لها بقاء في وعاء الاعتبار جرى فيه نزاع الكشف و النقل، لصحة اعتبار كلّ من الكشف و النقل فيه. و إن كان من الأمور الخراجية التكوينية كالقبض و الإقباض و نحوهما ممّا ليس له وجود اعتباري بقاء

ص: 201

و لو أجازهما صريحا (1) أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت (2) الإجازة (3)، لأنّ (4) مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، و مرجع

______________________________

(1) كما إذا قال: أجزت البيع و قبض الثمن و إقباض المبيع.

(2) جواب الشرط في «و لو أجازهما».

(3) أي: صحّت الإجازة، لوقوعها في محلّها من دون مانع عن شمول الإجازة للقبض و الإقباض.

(4) الظاهر أنّه علّة لصحة الإجازة و مضيّها، لكنّه غير مناسب للعليّة، لأنّ سقوط الضمان من آثار صحة الإجازة و أحكامها، لا أنّه علّة لصحّتها، بل علة صحتها هو الدليل الدالّ على صحتها، و أنّ قبض الثمن و إقباض المبيع كإنشاء البيع من الأفعال القابلة لجريان الفضولية فيها.

و كيف كان فمراد المصنف قدّس سرّه أنّ إجازة قبض الثمن توجب سقوط الضمان عن المشتري، كسقوطه عنه بمباشرة نفس مالك المبيع لقبض الثمن. فليس عليه بعد ذلك دفع الثمن ثانيا إلى البائع الأصيل، كما أنّ إجازة إقباض المبيع تسقط ضمان البائع، لارتفاع موجب الضمان، و هو تلف المبيع قبل قبضه.

و بالجملة: فإجازة القبض و الإقباض ترفع الضمان عن البائع و المشتري معا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه علّل مضي الإجازة في القبض و الإقباض بأنّ مرجع اجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري، و مرجع إجازة إقباض المبيع إلى رضا المالك بكون المبيع في يد المشتري، و ينبغي توضيح وجه الإتيان بكلمة «المرجع» هنا، و وجه اختلاف التعبير في إجازة القبض و الإقباض.

______________________________

فلا يجري فيه نزاع الكشف و النقل.

نعم إذا حصل القبض و استمرّ إلى زمان الإجازة و أجاز المجيز كانت الإجازة ناقلة أو كاشفة. و أمّا إذا تلف المقبوض أو خرج عن تحت يده، فلا بقاء له اعتبارا حتى يتعلق به الإجازة، كتعلقها بالعقد الذي له وجود اعتباري بقاء. فإذا أجاز المجيز حينئذ كانت الإجازة كاشفة لا محالة، و لا يمكن أن تكون ناقلة، لعدم وجود له لا عينا و لا اعتبارا.

ص: 202

إجازة الإقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البائع،

______________________________

أمّا التعبير بالمرجع فلأنّ المفروض عدم تأثير إجازة نفس البيع في صحة القبض الواقع بين الأصيل و الفضولي، لعدم كون القبض من لوازم العقد حتى يستتبع إمضاء الملزوم إمضاء لازمه، فإنّ أدلة صحة العقد الفضولي تفيد استناده إلى المالك بإجازته.

و لا يستفاد منها استناد القبض إليه بالإجازة، فالمعتبر في الوفاء بالعقد أن يقع القبض بمباشرة المالك أو بتسبيبه كالمأذون من قبله كالوكيل.

فمجرّد رضا المالك بالقبض- بإجازة نفس العقد أو بإجازة القبض- لا يوجب حصول القبض المحقّق لعدم ضمان المبيع و الثمن. نعم يكون رضا المالك بقبض الفضول رضا بأثره، و هو في المقام إسقاط الضمان.

و أمّا التعبير في قبض الثمن بإسقاط الضمان، فوجهه: أنّ المالك المجيز لبيع الفضولي يجب عليه الوفاء به بمجرد إجازته، و كذا يجب على المشتري الأصيل تسليم الثمن للمجيز، و يتسلّم المثمن منه، و بما أنّ المشتري لم يسلّم الثمن إلى المجيز حتى يصدق عليه «أنّه قبضه» و إنّما سلّمه إلى الفضولي، فلذا كان رضاه بقبض الفضولي إسقاطا لما في ذمة المشتري من الثمن.

و أمّا التعبير في إقباض المثمن بأن إجازة المالك رضاه بحصول المبيع في يد المشتري- دون التعبير بإسقاط الضمان- فوجهه: أنّ المشتري صار مالكا لما تسلّمه من الفضولي، لأنّ الإجازة المتأخرة أوجبت اتصاف المجيز بكونه بائعا مالكا للثمن. و المشتري بكونه مالكا للمثمن، فيتصف قبض المشتري بأنّه «قبض المالك» و يترتب عليه عدم انفساخ المعاملة لو تلف المبيع عنده، لكونه من تلف المبيع بعد القبض لا قبله. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه بتوضيح منّا [1] «1».

______________________________

[1] ثم أورد على المصنف بمنافاة التزامه بكون مرجع إجازة قبض الثمن إلى إسقاط ضمان المشتري به لما سيأتي في أحكام القبض من كون الضمان المعاوضي من أحكام العقد، و ليس كضمان الغرامة حقا ماليا قابلا للإسقاط. و عليه لا فرق في ضمان المشتري للثمن بين كونه تالفا حين الإجازة أو باقيا، فراجع.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 160 و 161

ص: 203

فيترتّب (1) عليه جميع الآثار المترتّبة على قبض المبيع. لكن (2) ما ذكرنا إنّما يصحّ في قبض الثمن المعيّن.

و أمّا قبض الكلّي و تشخّصه به (3) فوقوعه من الفضولي على وجه تصحّحه الإجازة يحتاج (4) إلى دليل معمّم لحكم عقد الفضوليّ لمثل القبض و الإقباض، و إتمام

______________________________

(1) هذا متفرع على كون مرجع الإجازة إلى إسقاط الضمان، و حاصله: أنّه بعد البناء على صحة جريان الفضولي في القبض و الإقباض- كجريانه في نفس العقد- يترتب على إجازة المالك الأصيل لقبض الفضولي للثمن أو المثمن جميع الآثار المترتبة على قبض نفس المالك الأصيل، كسقوط ضمان المبيع عن البائع إذا تلف عند المشتري، لكون تلفه بعد القبض الحاصل من الفضولي برضا المالك الأصيل.

و كسقوط ضمان المشتري للثمن بعد قبض الفضولي، و إجازة مالك المبيع لهذا القبض، فإذا تلف بعد هذا القبض فلا ضمان للمشتري حينئذ، لأنّه تلف بعد القبض.

و ككون نماء الثمن لصاحبه، و كذا نماء المثمن لمالكه. فالقبض الصادر من الفضولي بعد إجازة المالك كقبض المالك في الآثار.

(2) هذا استدراك على قوله: «و لو أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما .. إلخ» و غرضه بيان حكم ما إذا كان الثمن ذمّيّا كما أشرنا إليه في أوّل التنبيه. و محصله: أنّ صحة إجازة المالك الأصيل للقبض و الإقباض الصادرين من العاقد الفضولي تختصّ بالثمن الشخصي لا الكلي، إذ تشخيص الكلّي من الفضولي و تطبيقه على عين خارجيّة- و تأثير إجازة المالك الأصيل فيه كتأثيرها في قبض الثمن الشخصي فضولا- محتاج إلى الدليل.

نعم الفرق بين الثمن الشخصي و الكلي أنّ إجازة قبض الفضول للثمن الشخصي مآله إلى إسقاط ضمان المشتري كما تقدم. و لكن في الثمن الكلّي حيث إنّه لم يقم دليل على تنزيل قبض الفضول منزلة قبض المالك فلذا يبقى الثمن الكلي في ذمة المشتري حتى يتعين بقبض المجيز.

(3) أي: تشخص الكلّي و تعيّنه بالقبض.

(4) خبر «فوقوعه» و الجملة جواب الشرط في «و أمّا قبض الكلي».

ص: 204

الدليل على ذلك (1) لا يخلو [1] عن صعوبة (2).

______________________________

(1) أي: على عموم حكم عقد الفضولي للقبض و الإقباض الصادرين من الفضولي مع كون المال المعقود عليه كليّا ذميّا، لا معيّنا خارجيا.

(2) لكون مورد دليل الصحة نفس عقد الفضولي الذي هو من الإنشائيات، دون القبض الذي هو فعل خارجي، فدليل الفضولي لا يشمل الإنشاء و القبض معا، فإنّ إجازة المالك لعقد الفضولي لا تقتضي إلّا استناد العقد إليه، و انتقال المال عن نفسه إلى صاحبه. و أمّا تشخيص الكلّي في فرد من أفراده فهو خارج عن مقتضى الإجازة.

و عليه فالمانع عن صحة قبض الكلي بتعيين فرده إثباتي، لعدم الدليل على صحته، لا ثبوتي، لعدم امتناعه.

______________________________

[1] قد يقال: إنّ المانع عن صحة القبض ثبوتي لا إثباتي، لأنّ قبض الفضولي ليس قبضا للمالك لا مباشرة و لا تسبيبا، فالإجازة و إن تعلّقت صريحا بالقبض لا تصحّحه، لأنّ الإجازة لا توجب انتساب القبض إلى المالك، و لا تجعله قبض المالك، إذ ليس كلّ فعل صالحا لأن يصح انتسابه إلى غير مباشرة بالإجازة، كالأكل و الشرب و نحوهما من الأفعال الخارجية الّتي تختصّ آثارها و فوائدها بفاعليها. و الشك في صحة الانتساب كاف في عدم ترتب آثار فعل نفسه، فلا تترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي مع الإجازة، لكفاية الشك في صحة الانتساب في عدم ترتب الآثار، هذا.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الضابط في صحة الانتساب هو صحة الإذن و الوكالة للغير في فعل من الأفعال و عدم صحتهما، فإن صحّ الإذن و الوكالة في فعل صحّت إجازة الفضولي فيه أيضا. و من المعلوم أنّ قبض كل من المعيّن الخارجي و الكلّي الذّميّ من الأفعال التي تجري فيها الوكالة و الإذن، فتجري فيها الإجازة أيضا، لارتضاع الاذن و الإجازة من ثدي واحد، فإنّ الإذن رضا بما يقع، و الإجازة رضا بما وقع، و كل منهما يصحح الانتساب الى غير المباشر.

نعم يبقى الكلام في الدليل الذي هو مقام الإثبات. و الظاهر أنّ دليل صحة عقد الفضولي بنفسه قاصر عن شموله للقبض بكلا قسميه. و الملازمة- مطلقا من الشرعية

ص: 205

و عن المختلف (1) أنّه حكى عن الشيخ «أنّه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب (2) المشتري بالثمن»، ثمّ ضعّفه (3) بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض.

______________________________

(1) الغرض من هذا النقل التنبيه على كون استلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبض المال- المعقود عليه فضولا- محلّ الخلاف بين الأصحاب، فالعلّامة حكى في المختلف عن الشيخ قدّس سرّهما: أنّ الغاصب إذا باع مال الغير فضولا، ثم أجاز المالك الأصيل بيع الفضولي، كانت إجازة البيع إجازة قبض الثمن أيضا، و ليس لمالك المبيع مطالبة المشتري بالثمن، لأنّ إجازة البيع إجازة قبض الثمن بالملازمة.

قال العلّامة قدّس سرّه: «قال في النهاية: لو أمضى المغصوب منه البيع، لم يكن له بعد ذلك درك على المبتاع، و كان له الرجوع على الغاصب بما قبضه من الثمن. و فيه نظر، فإنّ إمضاء البيع لا يوجب الإجازة في قبض الثمن» «1». و ظاهر كلاميهما الإطلاق، يعني سواء أ كان الثمن كلّيا أم شخصيا.

(2) أي: لا يجوز للمالك المغصوب منه مطالبة الثمن من المشتري، بل له مطالبته من الغاصب، لأنّ إجازته للبيع إمضاء للقبض أيضا. و لمّا كان بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي صحّت دعوى الملازمة بين إجازة البيع و إجازة قبض الثمن في جميع أقسام الفضولي.

(3) يعني: أنّ العلامة ضعّف ما حكاه عن شيخ الطائفة بإنكار الملازمة بين إجازة العقد و إجازة القبض. و الوجه في إنكارها عدم اللزوم الشرعي و العرفي، لما مرّ من إمكان التفكيك بينهما، فلا وجه حينئذ لدعوى الملازمة.

______________________________

و العرفية- بين إجازة نفس عقد الفضولي و بين القبض أيضا غير ثابتة كما مر آنفا، فلا يكون قبض الفضولي قبض المالك بمجرّد إجازة عقده.

و أمّا مع تحقق الإجازة بالنسبة إلى القبض بالصراحة أو بالقرينة فلا ينبغي الإشكال في نفوذ الإجازة، و ترتب آثار قبض المالك على قبض الفضولي بعد انطباق الضابط المذكور آنفا على إجازة القبض.

______________________________

(1) النهاية، ص 406، مختلف الشيعة، ج 5، ص 57

ص: 206

و على أيّ حال (1) فلو كانت إجازة العقد- دون القبض- لغوا كما في الصرف و السلم بعد قبض الفضولي و التفرّق كانت (2) إجازة العقد إجازة القبض [1] صونا للإجازة عن اللغوية (3).

______________________________

(1) أي: سواء التزم الفقهاء بالملازمة المزبورة أم لا فلو كانت .. إلخ. و هذا إشارة إلى تفصيل آخر أشرنا إليه في أول التنبيه، و هو إثبات استلزام إجازة البيع لإجازة القبض، و توضيحه: أنّ إجازة المالك الأصيل للعقد إن كانت بدون إجازة القبض لغوا كما في بيع الصرف و السّلم، حيث إنّ القبض في المجلس شرط صحتهما، فإن لم تستلزم إجازة البيع إجازة الفضولي للقبض في المجلس بعد التفرق عن المجلس كانت إجازة البيع لغوا، لفقدان شرطه و هو القبض في المجلس، و عدم إمكان تداركه، لتفرق المتعاقدين. فلا بدّ حينئذ بمقتضى دلالة الاقتضاء من الالتزام باستلزام إجازة عقد الفضولي لإجازة قبضه الحاصل في المجلس. و إن لم تكن إجازة المالك مستلزمة لإجازة قبض الفضولي كما في غير العقد المشروط بالقبض في المجلس، فلا وجه لدعوى الملازمة المزبورة.

(2) جواب الشرط في قوله: «فلو كانت».

(3) هذا إشارة إلى دلالة الاقتضاء الحاكم بها العقل كما أشرنا إليها آنفا.

______________________________

[1] هذا الاستلزام منوط أوّلا بقابلية القبض لجريان الفضولية فيه ثبوتا، و قد مرّ في التعليقة السابقة صحة جريانها فيه بمقتضى الضابط المذكور فيها.

و ثانيا: باستلزام إجازة العقد لإجازة القبض إثباتا. و هذا بمقتضى تبعية العقود للقصود منوط بقصد ما يعتبر في العقد شطرا و شرطا، و بدون قصده لا يترتب على إجازة المالك الأصيل، فإجازة العقد لا تكون إجازة للقبض المعتبر فيه إلّا إذا قصد القبض، و هذا القصد موقوف على علم المالك تفصيلا بشرطية القبض في العقد، أو علمه إجمالا بأن يقول:

أجزت هذا العقد مع جميع ما يعتبر فيه شرعا. و لا يكفي أن يقول: أجزته مع جميع ما يعتبر فيه عرفا، لأنّ القبض في المجلس في بيع الصرف شرط شرعي لا عرفي. فإجازة العقد بشرطه العرفي لا تدلّ على إجازته بشرطه الشرعي.

و بالجملة: فاستلزام إجازة العقد لإجازة شرائطه الشرعية مشروط بقصد تلك الشرائط تفصيلا أو إجمالا.

ص: 207

و لو قال (1): «أجزت العقد دون القبض» ففي بطلان العقد (2)، أو بطلان (3) ردّ القبض، وجهان (4).

[السادس: لا تشترط الإجازة بالفور]

السادس (5):

______________________________

(1) هذا إشارة لما يتفرع على الملازمة بين إجازة البيع و القبض، و أنّه لو صرّح المالك بإجازة بيع الصرف دون القبض، فهل يبطل العقد رأسا أم يصح و يلغو ردّ القبض؟

(2) رأسا، لتقوّمه بالقبض في مثل بيع الصرف، و المفروض أنّه لم يجز القبض، فيبطل العقد، و لا مصحّح له بعد انقضاء المجلس.

(3) بطلان ردّ القبض عبارة أخرى عن صحة القبض المستلزمة لصحة العقد، فكأنّه قال: ففي بطلان العقد و صحته وجهان.

(4) ناشئان من لغوية الإجازة مع كون القبض ركنا في بيع الصرف، فيبطل كل من العقد و القبض، إذ لا معنى لإجازة بيع الصرف المجرّد عن القبض الصحيح، فالمعاملة فاسدة حينئذ.

و من أنّ إجازة العقد مصحّحة له. و لا أثر لردّ القبض بعدها، لأنّ إمضاء العقد إمضاء للقبض الملازم له، فيلغو ردّه بعد إمضائه، فيصح العقد.

لكن الحق بطلانهما معا، لأنّ مقتضى بناء أبناء المحاورة على الأخذ بظواهر الألفاظ- بعد فراغ المتكلمين عن كلامهم- هو بطلان العقد في المقام، لقرينية ردّ القبض على عدم الأخذ بظهور قوله: «أجزت العقد».

و هذا الفرض لا يزيد على ما إذا باشر المالك بيع الصرف بدون القبض حتى انقضى المجلس، إذ لا شبهة في بطلان البيع حينئذ و عدم وجه لصحته. فمعنى قوله:

«أجزت البيع دون القبض» أجزت بيعا باطلا.

نعم يصح ذلك في البيع الذي لا يشترط في صحته القبض في المجلس، إذ لا مانع من صحة البيع فقط بالإجازة دون القبض.

لا تشترط الإجازة بالفور

(5) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على عدم اشتراط إجازة البيع الفضولي بوقوعها فورا بعد العلم به، و قد صرّح جمع من الأصحاب بذلك كالشهيد و الفاضل

ص: 208

الإجازة ليست على الفور (1)،

______________________________

المقداد و أصحاب الحدائق و الرياض- كما في مفتاح الكرامة «1»- و المناهل، ففي الأخير:

«لا يشترط في الإجازة الفورية كما صرّح به في الدروس، اللّهم إلّا أن يترتب الضرر على من لا إجازة له، بحيث لا يتحمّل عادة، فيحتمل حينئذ إجبار من له الإجازة على اختيار أحد الأمرين الفسخ أو الإمضاء إن أمكن، و إلّا فيجوز الفسخ مطلقا» «2».

و قد تعرّض المصنف قدّس سرّه أيضا لما يتفرع على عدم اعتبار الفور في الإجازة، و هو:

أنّه لو تضرّر الأصيل بعدم جواز تصرفه في شي ء من العوضين في مدة التربص، فهل يجبر المالك على الإجازة أو الردّ أم لا؟ و سيأتي بيانه.

(1) كما إذا علم ببيع ماله فضولا، و لم يجزه إلّا بعد أسبوع، فإنّه يصحّ، و ينفذ العقد، و ليست إجازة عقد الفضولي إلّا كنفس البيع في عدم الفورية، و ليست كخيار الغبن في سقوطه لو لم يأخذ به المغبون بعد علمه بالغبن.

و استند المصنف قدّس سرّه في نفي دخل الفور في الإجازة إلى أكثر ما تقدم من الأدلة و المؤيّدات المذكورة في أوّل بحث البيع الفضولي.

فمن الأدلة إطلاق آية التجارة عن تراض، و عدم تقييدها بلحوق الرضا بالتجارة فورا.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس الواردة في بيع الوليدة، لوضوح أنّ مالكها الأصلي نفّذ البيع بعد وقوعه بمدة طويلة، لكونه في السفر، و بعد رجوعه منه و اطّلاعه على إقدام ولده ببيع الجارية لم يجز البيع فورا، بل أخذها من المشتري، و انتهى الأمر إلى الترافع إلى أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه، ثم أجاز بيع ابنه. و لو كانت الفورية معتبرة في الإجازة لحكم عليه الصلاة و السلام بفساد البيع من جهة الفصل الكثير الموجب لفوات شرط تأثير الإجازة لو أجاز المالك، مع أنّه عليه السّلام علّم المشتري طريق الوصول إلى حقّه، فقال له: «خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ البيع لك» و هذا التعليم شاهد على بقاء بيع الوليدة فضولا على أهلية لحوق الإجازة به.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 190، الدروس الشرعية، ج 3، ص 194، التنقيح الرائع، ج 2، ص 26 رياض المسائل، ج 1، ص 512

(2) المناهل، ص 289

ص: 209

للعمومات، و لصحيحة محمّد بن قيس «1» و أكثر المؤيّدات المذكورة (1) بعدها.

و لو لم يجز (2) المالك و لم يردّ حتى لزم تضرّر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه على القول بالكشف (3)

______________________________

و عليه فيجوز للمجيز التواني في الإجازة، و لا يقدح في الإمضاء، هذا.

(1) كأخبار الاتّجار بمال اليتيم، و تخلّف عامل المضاربة عن الشرط، و تصرّف الودعي عدوانا في الوديعة «2»، فإنّ إجازة المالك و الولي في هذه الموارد لم تصدر بعد العلم- بوقوع المعاملة الفضولية- مباشرة، بل مع الفصل. و لا أقل من الإطلاق، و أنّ تلك المعاملة قابلة للتنفيذ و الإمضاء سواء وقعا فورا أم تراخيا.

و لعلّ التعبير بالأكثر- دون جميع المؤيّدات- لأجل ظهور بعضها في تحقق كلّ من الإجازة أو الردّ بعد العلم بالفضولية، كما في حكاية فعل السمسار في موثقة عبد اللّه «فيذهب فيشتري، ثم يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت، و دع ما كرهت. قال:

لا بأس» «3» فإنّه- بناء على حمله على الفضولية- ظاهر في صدور الإجازة بعد العلم بشرائه فضولا من دون تراخ في البين.

(2) هذا متفرع على عدم كون الإجازة على الفور، و حاصله: أنّه لو أهمل مالك المال المعقود عليه فضولا، فلم يجز العقد و لم يردّه حتى تضرّر الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه- بناء على الكشف- فالأقوى تدارك ذلك الضرر بالخيار، أو بإجبار المالك الأصيل على الإجازة أو الرد.

(3) قيد للزوم الضرر على الأصيل، لأنّه على الكشف ينتقل بدل ماله إليه حين العقد الذي أنشأه الفضولي، فتأخير الإجازة يوجب الضرر عليه من ناحية عدم تصرفه فيما انتقل عنه و ما انتقل إليه. بناء على لزوم العقد من طرفه، و عدم جواز تصرفه فيما انتقل عنه و إليه. بخلاف القول بالنقل، لبقاء المالين على ملك مالكيهما، فيجوز للأصيل أن يتصرف فيما انتقل عنه. و قد تقدم في ثمرات الكشف و النقل حكم تصرف الأصيل، فراجع (ص 107).

______________________________

(1) تقدمت في ج 4، ص 388

(2) المصدر، ص 438 و 427 و 531

(3) المصدر، ص 460- 464

ص: 210

فالأقوى (1) تداركه بالخيار، أو إجبار المالك [1] على أحد الأمرين (2).

______________________________

(1) جواب قوله: «و لو لم يجز».

(2) و هما الإجازة و الرّد.

______________________________

[1] وجه هذا التخيير هو مبنى المصنف قدّس سرّه في قاعدة نفي الضرر من أنّ المنفي بها هو نفس الحكم الضرري، فكل حكم ضرري مرفوع بها. ففي المقام يكون كلّ من لزوم عقد الفضولي على الأصيل، و من عدم جواز إجبار المالك على أحد الأمرين ضررا، فهما مرفوعان. و لازم ذلك هو الخيار، أو إجبار المالك.

بخلاف البناء على ما أفاده صاحب الكفاية قدّس سرّه من أنّ المنفي بقاعدة نفي الضرر هو الحكم بلسان نفي الموضوع، فإنّ حكم الموضوع الضرري- أعني به العقد- و هو لزومه على الأصيل منفي. فالمتعيّن هو الخيار. و أمّا عدم جواز الإجبار فليس من أحكام العقد حتى يكون منفيّا بقاعدة نفي الضرر.

أقول: الظاهر تعيّن الخيار على كلا المسلكين، و عدم الوجه للتخيير بينه و بين إجبار المالك. إذ مورد الإجبار هو الامتناع عن الحقّ حتى يندرج في الممتنع الذي يكون الحاكم وليّه، فيجبره على أداء الحق إلى صاحبه، أو الامتناع عن أداء التكليف الإلزامي الشرعي ليجبره الحاكم على امتثاله من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و ليس المقام كذلك، لعدم إيجاب عقد الفضول حقّا للأصيل على المالك، و لا وجوبا شرعا للإجازة و الردّ عليه.

و ببيان أوضح: انّ حرمة إجبار المالك ليست كاللزوم من أحكام العقد حتى تنفى بقاعدة الضرر، و يخيّر الأصيل بين الفسخ و بين إجبار المالك، ضرورة أنّ حرمة الإجبار من آثار الملك، لا من آثار العقد حتى ترتفع بالقاعدة، فالقاعدة بكلا مسلكي المصنف و صاحب الكفاية قدّس سرّهما لا تشمل عدم جواز الإجبار، لعدم كونه حكما للعقد حتى يندرج في الموضوع الضرري أو في نفس الحكم الضرري أي في النفي البسيط في قاعدة نفي الضرر كما هو مبنى المصنف، أو في النفي المركّب كما هو مسلك صاحب الكفاية. فالنزاع صغروي و هو عدم كون حرمة الإجبار من أحكام العقد حتى تندرج في قاعدة الضرر و ترتفع بها، إذ لو كانت من أحكام العقد لم يكن إشكال في ارتفاعها بها.

فتحصل ممّا ذكرنا: أنّ المتعيّن في المقام هو الخيار فقط، لعدم موجب لجواز إجبار المالك أصلا.

ص: 211

[السابع: هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟]

السابع (1):

هل يعتبر في صحّة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو خصوصا (2)،

______________________________

هل تعتبر مطابقة الإجازة للمجاز؟

(1) هذا سابع الأمور التي ينبغي التنبيه عليها، و هو: أنّه هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها من حيث العموم و الخصوص لما وقع عليه عقد الفضولي أم لا؟ فإذا وقع العقد على شيئين- فرش و كتاب مثلا- و أجاز مالكهما بيع الفرش فقط، فهل يصحّ ذلك؟ أم لا بدّ من إجازتهما معا ليحصل التطابق بين الإجازة و بين ما وقع عليه العقد، كصورة كون المعقود عليه شيئا واحدا معيّنا في مطابقة الإجازة لما وقع عليه العقد بالخصوص.

ظاهر المتن أنّ في المسألة احتمالات:

الأول: صحة الإجازة فيما خالفت العقد بالعموم و الخصوص، كما في مثال بيع كتاب و فرس فضولا، و إجازة بيع أحدهما. و الوجه فيه أنّ للمالك سلطنة على بيع ماله كلّا أو بعضا، و مطلقا أو مقيدا، مباشرة أو تسبيبا، فتصح مخالفة الإجازة للعقد.

الثاني: بطلان الإجازة، لكون المجاز هو ما وقع من العقد، فلا بدّ في صحة الإجازة من مطابقتها له.

الثالث: التفصيل بين كون المخالفة بنحو الكل و الجزء، فيصح العقد، و يثبت للأصيل خيار تبعض الصفقة، و بين كونها بنحو الإطلاق و الاشتراط، بأن كان العقد مشروطا بشي ء، فأجازه مجردا عن الشرط فيبطل.

و لو انعكس بأن كان البيع مطلقا و أجاز مشروطا بشي ء، ففيه احتمالات:

أحدها: الصحة بشرط قبول الأصيل.

ثانيها: الصحة مطلقا حتى لو رفض الأصيل الشرط.

ثالثها: البطلان، و هو مختار المصنف قدّس سرّه. و سيأتي الكلام في هذه الصور و أحكامها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا و «عموما» تمييزان ل «مطابقتها» يعني: مطابقتها من حيث العموم و الخصوص.

ص: 212

أم لا؟ وجهان (1). الأقوى التفصيل (2)، فلو أوقع العقد على صفقة، فأجاز المالك بيع بعضها، فالأقوى (3) الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين، فأجاز أحدهما، و ضرر التبعّض على المشتري يجبر بالخيار (4).

و لو أوقع العقد (5) على شرط، فأجاز المالك مجرّدا عن الشرط،

______________________________

(1) يعني: الصحة مطلقا، و البطلان كذلك، في قبال التفصيل الآتي، و قد تقدم آنفا وجه الصحة و الفساد.

(2) الأولى أن يقال: «التفصيل بين الجزء و الشرط، فلو أوقع .. إلخ» إذ لم يذكر شيئا قبله حتى يفرّع عليه قوله: «فلو أوقع».

و كيف كان فمحصل هذا التفصيل هو: أنّه إذا وقع العقد على جملة من أشياء، فأجاز المالك بيع بعضها، فالأقوى الجواز، لانحلال العقد إلى عقود عديدة. نظير ما إذا كانت الصفقة بين مالكين، فأجاز أحدهما، فإنّه لا إشكال في صحة البيع فيما أجازه أحد المالكين، كما لو كانت الدار ملكا مشاعا لزيد و عمرو، فباعها الفضولي، فأجازه زيد و لم يجزه عمرو، إذ يصحّ البيع بالنسبة إلى حصة زيد، فينتقل النصف المشاع إلى المشتري، و يثبت له الخيار، فإن شاء فسخ العقد، و إن شاء اقتنع بالنصف.

و الوجه في الصحة ما تقرّر في محلّه من انحلال العقد الواقع على متعدد إلى عقود عديدة، كما لو باع ما يملك كالشاة و ما لا يملك كالخنزير بإنشاء واحد، فيصحّ في الشاة، و يبطل في الخنزير.

و إذا وقع للعقد على شي ء مقيّدا، فأجازه المالك مطلقا فسيأتي.

(3) جواب الشرط في «فلو أوقع» و وجه الجواز ما عرفت من انحلال العقد الواقع على شيئين أو أشياء إلى عقود عديدة.

(4) و هو خيار تبعض الصفقة للمشتري.

و لا يخفى أنّ مقتضى ما أفاده في الأمر السابق من تدارك ضرر الأصيل بالخيار أو بإجبار المالك هو جبران ضرر تبعض الصفقة بالخيار أو بإجبار المالك أيضا، لا بالخيار فقط، على ما هو ظاهر قوله قدّس سرّه: «يجبر بالخيار».

(5) هذا شروع في حكم مخالفة الإجازة للعقد المجاز مخالفة الإطلاق و التقييد، كما إذا كان عقد الفضولي مشروطا بشرط الخياطة مثلا، و أجازه المالك مجرّدا عن ذلك الشرط. و المصنف قدّس سرّه حكم فيه بالبطلان بناء على اختصاص انحلال العقود بالأجزاء،

ص: 213

فالأقوى (1) عدم الجواز بناء على عدم قابليّة العقد للتبعيض من حيث الشرط، و إن كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء، و لذا (2) لا يؤثّر بطلان الجزء، بخلاف بطلان الشرط (3).

و لو انعكس الأمر، بأن عقد الفضوليّ مجرّدا عن الشرط (4) و أجاز المالك مشروطا، ففي (5) صحّة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل، فيكون نظير

______________________________

و عدم تطرّقه في الشرائط، إذ مع تطرّقه فيها كتطرّقه في الأجزاء يكون المتعيّن الحكم بالصحة لأجل انحلال العقد من حيث الشرط كانحلاله من حيث الجزء.

فمبنى بطلان العقد في المخالفة بالإطلاق و التقييد هو عدم انحلال العقد في الشروط، إذا المفروض وحدة العقد و بساطته، و عدم تعدده بالانحلال. و حيث إنّه قيّد بقيد قد نفاه مالك العقد فلا سبيل حينئذ إلى تصحيحه.

(1) جواب «و لو أوقع». و قوله: «مجرّدا عن الشرط» قيد ل «عدم الجواز».

(2) أي: و لأجل قابلية العقد للتبعّض من ناحية الجزء- و عدم قابليته للتبعض من حيث الشرط- لا يؤثّر بطلان الجزء في بطلان العقد، كما إذا ظهر كون ذلك الجزء مستحقّا للغير.

(3) فإنّ بطلانه يؤثّر في بطلان العقد، لأنّه واحد غير متعدد حتى يصح في عقد مجاز، و يبطل في غيره. و الوجه في عدم انحلاله من حيث الشرط ما قيل من عدم وقوع شي ء من الثمن بإزائه.

(4) كما إذا باع دار زيد فضولا بلا شرط، و أجازه المالك بشرط أن يصلّي المشتري الصلوات اليومية أوّل أوقاتها مثلا، ففي حكمه وجوه ثلاثة:

أحدها: صحة الإجازة مع الشرط الذي اشترطه المالك إذا رضي الأصيل بذلك الشرط، قياسا على الشرط الواقع في ضمن القبول، كما إذا قال البائع: «بعتك هذا الكتاب» و لم يشترط شيئا، و لكن المشتري اشترط و قال: «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن تجعل لي منه درسا» و رضي الموجب بهذا الشرط.

و بالجملة: فعقد الفضوليّ مع شرط المالك المجيز- و رضا الطرف الأصيل به- صحيح و يجب الوفاء به.

(5) جواب الشرط في قوله: «و لو انعكس».

ص: 214

الشرط الواقع في ضمن القبول إذا رضي به الموجب، أو بدون (1) الشرط، لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلّا إذا وقع في حيّز العقد، فلا يجدي وقوعه في حيّز القبول إلّا إذا تقدّم (2) على الإيجاب ليرد الإيجاب عليه أيضا (3). أو بطلانها (4)، لأنّه إذا لغا الشرط لغا المشروط، لكون المجموع التزاما واحدا، وجوه (5)، أقوالها الأخير (6) [1].

______________________________

(1) معطوف على «مع الشرط» و هذا هو الوجه الثاني، و حاصله: أنّ العقد صحيح دون الشرط، لأنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو خصوص الشرط الواقع في حيّز العقد و في ضمنه، و حيث إنّ شرط المالك لم يقع في ضمن عقد الفضولي، إذ المفروض وقوعه مجرّدا عن الشرط، فلم يرد الإيجاب عليه حتى يندرج في الشرط الواقع في ضمن العقد و يشمله دليل وجوب الوفاء بالشروط.

(2) أي: إذا تقدّم القبول الحاوي للشرط، كأن يقول المشتري: «اشتريت هذا الكتاب بشرط أن يجعل لي البائع منه درسا» و يقول البائع: «بعتك هذا الكتاب مع الشرط المزبور».

فالنتيجة: صحة العقد المجاز مجرّدا عن الشرط، و عدم بطلان العقد به.

(3) يعني: كورود القبول على الشرط كما مرّ، و ضمير «عليه» راجع إلى الشرط.

(4) معطوف على «صحة الإجازة» و هذا هو الوجه الثالث، و محصله: بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد، و ذلك لسراية بطلان الشرط إلى المشروط و هو العقد، لما قيل: من انتفاء المشروط بانتفاء شرطه. بدعوى: أنّ مجموع العقد و الشرط التزام واحد بسيط، لا متعدد حتى لا يلتزم من انتفاء البعض انتفاء الكلّ.

(5) مبتدء مؤخر، و جملة «ففي صحة الإجازة» خبره.

(6) و هو بطلان الإجازة الموجب لبطلان العقد و الشرط معا، و هذا مبني على مفسدية الشرط الفاسد للعقد، و هو خلاف مختاره في باب الشروط من عدم مفسديته له.

و الظاهر أنّ مفسدية الشرط للعقد و عدمها مبنيّة على وحدة المطلوب و تعدده.

فعلى الأوّل يفسد العقد دون الثاني.

______________________________

[1] تفصيل الكلام في المقام هو: أنّ الإجازة قد تطابق العقد، كما إذا باع الفضولي

ص: 215

______________________________

دكّان زيد، و لمّا علم زيد بذلك أجاز البيع كما وقع من دون تفاوت أصلا. و هذا لا إشكال في صحته.

و قد تخالف العقد، إمّا مخالفة تباينية، كما إذا وقع العقد على الدكان مثلا، و أجاز المالك بيع الدار. و لا إشكال في بطلانه.

و إمّا مخالفة بالجزئية و الكلية، كما إذا باع الفضولي تمام الدكان، و أجاز المالك نصفه.

و الظاهر صحته، لما ثبت في محله من انحلال البيع بحسب أجزاء المبيع، فالمجاز بعض العقود التي انحلّ إليها عقد الفضولي، لا جميعها. و هذا نظير بيع ما يملك و ما لا يملك، و بيع المال المشترك بين شخصين إذا أجاز أحدهما بيع ماله دون الآخر. غاية الأمر أنّ الطرف الآخر يثبت له خيار تبعض الصفقة.

و إمّا مخالفة بالإطلاق و التقييد، كما إذا باع الفضولي دكّان زيد بلا شرط، و أجاز المالك ذلك البيع بشرط أن يتصدّق على فقير بدينار، أو العكس، كما إذا باع الدكان بشرط أن يصوم يوم الجمعة، و أجاز المالك هذا البيع بدون ذلك الشرط.

و المصنف قدّس سرّه حكم بعدم الجواز في هذه الصورة، لعدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط و إن كان قابلا له من حيث الأجزاء، و حكم في الصورة السابقة بكون أقوى الوجوه بطلان الشرط و المشروط، لما أفاده في المتن.

أقول: ينبغي البحث عن جهات:

الأولى: أنّ البحث عن اعتبار مطابقة الإجازة للعقد صغروي لا كبروي، لأنّ مفهوم الإجازة- و هو إنفاذ العقد- متقوم بمطابقة الإجازة له، و إلّا لم تكن إنفاذا له. و هذه المطابقة كمطابقة القبول للإيجاب التي قال المصنف فيها: إنّها من القضايا التي قياساتها معها.

فالبحث عن وجود المطابقة في الاجزاء دون الشرائط مثلا صغروي.

الثانية: أنّ الضابط في صحة إجازة بعض العقد و عدمها- و مطابقتها له في جميع الصور من العموم و الخصوص و الشرط و المشروط- هو تعدد الالتزام العقدي و وحدته، دون الجزء و الشرط كما عليه المصنف قدّس سرّه، حيث إنّه جعل مورد صحة إجازة بعض العقد خصوص المبيع ذي الأجزاء، دون العقد المشروط، فإنّه أبطل إجازة المشروط بدون الشرط،

ص: 216

______________________________

لأنّ الشرط إن كان قيدا للبيع دون المبيع أوجب ذلك تعدد الالتزام، كما إذا قال: «بعتك كتاب المكاسب بشرط أن تقرأ منه كل يوم ورقه» فإنّ هنا التزامين أحدهما الالتزام ببيع الكتاب، و الآخر بالقراءة منه. فلا مانع حينئذ من إجازة المالك التزام بيعه دون شرطه.

نعم إن كان الشرط قيدا للمبيع كأن يقول: «بعتك حقة حنطة كرديّة» حيث إنّ المبيع حصة خاصة من طبيعة الحنطة الكردية، و التبديل أو التمليك تعلّق بخصوص تلك الحصة، كان الالتزام واحدا، و ليس للمالك إجازة حصة من طبيعة الحنطة سواء أ كانت كردية أم غيرها.

فتلخص ممّا ذكرنا: أنّ صحة إجازة بعض العقد منوطة بتعدد الالتزام، من دون تفاوت بين الجزء و الشرط.

الثالثة: أنّه لا فرق في اعتبار مطابقة الإجازة للعقد بين الكشف و النقل، لأنّ مقتضى مفهومها- و هو إنفاذ العقد- عدم الفرق بين إنفاذه من حين وقوع العقد و بين إنفاذه من حين الإجازة، فإنّ متعلق الإجازة هو نفس العقد سواء أثّرت فيه من زمان وقوعه أم من حين الإجازة، غاية الأمر أنّها على الكشف شرط متأخر، و على النقل شرط متقدّم.

ص: 217

[الكلام في ما يعتبر في المجيز]
اشارة

و أمّا (1) القول في المجيز، فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور (2):

[الأوّل: اعتبار الكمال حين الإجازة]

الأوّل (3): يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرّف بالبلوغ و العقل و الرشد [1].

______________________________

الكلام في ما يعتبر في المجيز

(1) معطوف على ما ذكره في (ص 5) بقوله: «أمّا حكمها».

(2) هذه الأمور متعلقة بشرائط المجيز، و تذكر في طيّ مسائل.

اعتبار الكمال حين الإجازة

(3) هذا أوّل تلك الأمور، و ينبغي أن تعدّ الشرائط الأربعة المذكورة في هذا الأمر من القضايا التي قياساتها معها، لما مرّت الإشارة إليه في رابع تنبيهات الإجازة من أنّ الإجازة من أحكام الملك كجواز البيع، فكلّ ما يشترط في البيع الابتدائي يشترط في الإجازة، لكونها تصرفا ماليّا. فالمجيز لعقد الفضولي يكون كالبائع ابتداء في اعتبار البلوغ و العقل و الرشد فيه، فكما لا يكفي في صحة البيع مالكية البائع للمبيع، بل يعتبر سلطنته على التصرف و عدم حجره عنه، فكذا تعتبر أهلية التصرف حال الإجازة.

______________________________

[1] اعتبارهما يكون في حال الإجازة، فلو فقدهما بعد الإجازة لم يقدح في صحّة العقد، كما أنّهما لو لم يكونا قبل الإجازة و وجدا حال الإجازة كفى في صحة العقود، كالجنون الأدواري إذا وقعت الإجازة في دور إفاقته.

ص: 218

و لو (1) أجاز المريض بني نفوذها (2) على نفوذ منجّزات المريض.

و لا فرق فيما ذكر (3) بين القول بالكشف و النقل.

______________________________

و عليه فلو أجاز الراهن أو المفلّس بيع ماله المتعلق به حق المرتهن أو الغرماء لم تؤثّر إجازته، لعدم جواز تصرفه في ماله من جهة تعلّق حقّ المرتهن أو الغرماء به، فإنّ إجازة البيع تصرّف ماليّ، و ليس للراهن أو المفلّس التصرف فيه قبل فكّه عن الحق المتعلق به.

(1) الأولى ابدال الواو بالفاء، لأنّه متفرّع على قوله: «جائز التصرّف».

(2) أي: نفوذ الإجازة، و هذا مبني على تعميم عدم نفوذ منجزات المريض- زائدا على الثلث- للعقود المعاوضيّة، و عدم اختصاصها بالمجّانيّات و التبرعيّات كالعتق و الهبة و الصدقة و الوقف و الصلح و الإجارة المحاباتيتين، أو بعوض أقلّ، و إبراء الدين، و شراء من ينعتق عليه و نحو ذلك. دون التسبيبيات كإتلاف مال الغير و الجناية على الغير بما يوجب الأرش أو الدية، أو ما يوجب الكفارة، فإنّ جميع ذلك دين يخرج من صلب المال، لا من الثلث.

و هذا التعميم غير ثابت كما يظهر بالمراجعة إلى تلك المسألة. و عليه فليس المريض محجورا عن التصرف المعاوضي في ماله، فلا بأس بإجازته لما وقع على ماله من عقد الفضولي.

(3) أي: لا فرق فيما ذكر- من اشتراط اجتماع هذه الأمور في المجيز- بين كون الإجازة كاشفة و ناقلة، و ذلك لكون الإجازة تصرّفا اعتباريّا في المال، إذ بدونها لا يؤثّر العقد في النقل و الانتقال، و جواز التصرف المالي مشروط بهذه الشروط، غاية الأمر أنّ الإجازة بناء على الكشف شرط متأخّر، و على النقل شرط متقدم.

نعم بناء على الكشف المحض، و كون العقد سببا تامّا، و عدم دخل للإجازة في تأثيره كما قيل- أو بناء على شرطية الرضا التقديري المقارن للعقد، و كون الإجازة كاشفة عنه- لا يعتبر جواز تصرف المجيز حين الإجازة، لعدم كون الإجازة حينئذ

ص: 219

[الثاني: اشتراط وجود مجيز حال العقد]

الثاني (1): هل يشترط في صحة عقد الفضوليّ

______________________________

تصرّفا ماليّا، فلا بأس بأن يجيز مثل المحجور عليه لسفه أو غيره، لعدم حجره عن إتيان ما يكشف عن أمر سابق عليه.

اشتراط وجود مجيز حال العقد

(1) هذا ثاني الأمور المبحوث عنها في المجيز، و غرضه من عقد هذا الأمر تحقيق جهة أخرى في من يجيز البيع الفضولي، و هي: أنّه هل يشترط في صحة عقده أن يكون له مجيز حال العقد أم لا يشترط؟ بأن يكفي وجود المجيز حال إجازته.

و المراد بالمجيز وجود من هو أهل للإجازة، بأن لا يمنعه مانع عنها، بحيث لو أجاز لنفذ البيع، كما إذا بيع مال الصغير فضولا بأقل من ثمن المثل، و امتنع وليّه عن إجازة البيع من جهة مخالفته لصلاح الطفل و غبطته، و لكن المتاع انخفض سعره السوقي بعد أيّام بحيث صار أقل قيمة ممّا باعه الفضول به، فلو لم يجز الولي ذلك البيع تضرّر الصبي أكثر من بقاء المتاع في ملكه، فيقال: إنّ إمضاء بيع الفضولي مشروط بعدم مانع عن إجازة العقد، أم لا؟ فبناء على مسلك العلّامة لم يكن البيع حال وقوعه بصلاح الصغير، فلا يقبل الإجازة بعده، و بناء على مسلك المشهور يكون المدار على المصلحة حال الإجازة، لا حال العقد، و لا عبرة بالمانع الموجود حاله.

ثم إنّ المناسب تقديم هذا الأمر الثاني على الأمر الأوّل،- كما أشار إليه السيد قدّس سرّه- لأنّ وجود المحل مقدّم على وجود عرضه رتبة، فالبحث عن أصل وجود المجيز حين العقد مقدم على البحث عن أوصافه من بلوغه و عقله و رشده كما لا يخفى.

قال السيد قدّس سرّه: «الكلام في أمور، أحدها: يشترط في المجيز أن يكون جائز التصرف حال الإجازة.

الثاني: هل يشترط وجود مجيز جائز الإجازة حال العقد أو لا؟

الثالث: هل يشترط كون المجيز جائز التصرف حال العقد بناء على اشتراط وجود مجيز جائز الإجازة أولا؟ و أمّا بناء على عدم اشتراطه فمن المعلوم أنّه لا يشترط ذلك.

ص: 220

وجود [1] مجيز (1) حين العقد،

______________________________

فالمسألة الثالثة مبنية على اشتراط وجود المجيز، فيكون الكلام في أنّه هل يجب أن يكون هو الذي كان حال العقد جائز الإجازة، أو يجوز أن يكون غيره.

الرابع: هل يشترط أن يكون مالكا حال العقد أو لا؟ كما إذا باع شيئا ثمّ ملك» «1».

و كيف كان فكلام المصنف في هذا الأمر يقع في مقامين أحدهما: تحقيق حكم المسألة من حيث الاشتراط و عدمه، و ثانيهما: النظر فيما قيل حول عبارة العلّامة.

و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

(1) متمكّن عادة من الإجازة، و ليس المراد ذات المجيز، لأنّه موجود دائما، كالإمام عليه السّلام و نائبه الفقيه المأمون و عدول المؤمنين، بل المراد هو الصالح للإجازة فعلا.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بعد وضوح عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز حين العقد، لأنّه حاصل في جميع الموارد، و لا يتصوّر خلوّ عقد في زمان عن ذات المجيز، فلا محيص عن إرادة اشتراط وجود مجيز يتمكّن عادة من إجازته و الاطّلاع عليه. فبيع الولي مال الطفل بدون مصلحته مع تجدّدها حال الإجازة من البيوع التي ليس لها مجيز قابل للإجازة حال العقد، إذ لا ولاية للولي على مثل هذا التصرّف، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد، لفقدان شرط صحته و هو مصلحة الطفل، و لكن المجيز و هو الطفل بعد البلوغ و سائر الشرائط قابل للإجازة.

هذا ما يمكن أن يراد من العنوان المذكور في هذا الأمر الثاني. و لا بدّ أن يراد بقوله:

«الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرّف حال العقد .. إلخ» المجيز الفعلي، و هو المجيز حين الإجازة، يعني: لا يعتبر أن يكون المجيز حين الإجازة جائز التصرف حال العقد، سواء قلنا باعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد أم لم نقل به.

فإن لم يكن حين العقد جائز التصرف كانت إجازته نافذة، فلا يلزم التكرار و وحدة العنوانين.

فيمكن أن يكون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حين العقد كبيع مال اليتيم مع

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 162

ص: 221

فلا يجوز (1) بيع مال اليتيم لغير (2) مصلحة، و لا تنفعه إجازته (3) إذا بلغ [1] أو إجازة وليّه إذا حدثت المصلحة (4) بعد البيع، أم لا يشترط (5)؟ قولان:

أوّلهما (6) للعلّامة في

______________________________

(1) هذا متفرع على اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد، إذ لازم هذا الاشتراط عدم صحة بيع مال اليتيم- بدون المصلحة- بإجازته بعد بلوغه، أو بإجازة وليّه قبل البلوغ بعد طروء المصلحة.

وجه عدم الصحة: أنّ مثل هذا التصرف ليس له مجيز قابل للإجازة حال العقد و إن كان قابلا لها حين الإجازة، فإنّ مقتضى اعتبار وجود مجيز قابل للإجازة حين العقد عدم فائدة في إجازة الولي أو اليتيم بعد بلوغه، و بعد طروء المصلحة. و لا فرق في عدم القابلية بين أن يكون لعدم المقتضي، و بين أن يكون لوجود المانع كجهل الولي بالمعاملة.

(2) التقييد بعدم المصلحة ظاهر الوجه، إذ لو كانت المصلحة في بيع ماله خوفا من الضرر كان المجيز حال بيعه فضولا موجودا، فكان الوليّ يمضيه و يصح، و يخرج عن محلّ الكلام. فمحلّ البحث هو وجود المانع عن إجازته، بأن يترتب مفسدة على إمضاء بيع مال اليتيم فضولا. مع وضوح اشتراط التصرف في ماله بكونه خيرا له، أو بعدم المفسدة.

(3) أي: و لا ينفع البيع إجازته، و ضميرا «إجازته، وليّه» راجعان إلى اليتيم.

(4) يعني: و لو صار العقد من حيث طروء المصلحة و تبدل المفسدة بها صحيحا، و لكنه لأجل عدم وجود مجيز صالح للإجازة- حين العقد- فاسد من أصله.

(5) معطوف على «هل يشترط»، و قوله: «قولان» مبتدء، و خبره محذوف.

(6) و هو اشتراط وجود مجيز صالح للإجازة حين العقد.

______________________________

المصلحة، فإنّ وليّه حين العقد و الإجازة جائز التصرف. و يمكن أن لا يكون كذلك، كما إذا بيع مال اليتيم فضولا بدون المصلحة، فأجاز اليتيم بعد البلوغ، فإنّ اليتيم حين العقد لم يكن جائز التصرف، و صار جائز التصرف بعد البلوغ و حين الإجازة.

[1] هذا مبني على كون المصلحة شرطا للصحة كشرطية معلومية العوضين حين البيع.

ص: 222

ظاهر القواعد (1). و استدلّ له (2)

______________________________

(1) قال في القواعد: «و الأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال، فلو باع مال الطفل، فبلغ و أجاز، لم ينفذ على إشكال» «1»، فإنّ قوله: «في الحال» ظاهر في حال العقد، لا حال الإجازة.

و تعبيره ب «في ظاهر القواعد» لعلّه لأجل عدم الجزم بأنّ مراد العلّامة قدّس سرّه اعتبار وجود مجيز حال العقد، و الوجه في عدم الجزم بالمطلب استشكاله في فرع المسألة بقوله:

«لم ينفذ على إشكال» إذ لو كان هذا الشرط مسلّما كان المناسب ترجيح عدم نفوذ بيع مال الطفل و عدم الإشكال فيه.

هذا إذا كان الإشكال راجعا إلى عدم نفوذ بيع مال الطفل.

و احتمل السيد العاملي «2» قدّس سرّه رجوع الإشكال إلى أصل اشتراط أن يكون للعقد مجيز في الحال، فكأنّه قال: «و الأقرب على إشكال اشتراط ..» فيكون العلّامة متردّدا- في القواعد- في هذا الشرط، كما استشكل فيه في نهاية الأحكام.

و يظهر من صاحب المقابس قدّس سرّه تطرّق احتمالين في عبارة القواعد، و لذا قال بعد نقل كلمات جمع كفخر المحققين و المحقق الكركي و الفاضلين السيوري و الصيمري و الشهيد: «فمراده- أي العلّامة- اشتراط وجود من يجيز العقد حال صدوره، أو كونه على الأوصاف المعتبرة في الإجازة من الكمال و الملك» «3». فيظهر منه الترديد في أنّ المراد اعتبار وجود مجيز حال العقد، أو اعتبار اجتماع شروط الإجازة حالها.

و كيف كان فالمصنف استظهر اشتراط صحة بيع الفضولي بأن يكون للمجيز قابلية الإجازة حين العقد، كما نقله صاحب الجواهر عن بعض بقوله: «قيل» «4».

(2) أي: للقول الأوّل و هو الاشتراط، و المصنف قدّس سرّه نقل وجهين لكلام العلّامة مذكورين في جامع المقاصد، و الأوّل منهما لفخر المحققين، و بناه على مقدمات ثلاث

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 19. نهاية الاحكام، ج 2، ص 476

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 34.

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 297.

ص: 223

بأنّ (1) صحّة العقد و الحال هذه ممتنعة،

______________________________

سيأتي توضيحها، فلخّصه المحقق الثاني، ثم ناقش فيه بما ذكره الفخر وجها لعدم الاشتراط و قوّاه. و الوجه الثاني للسيد العميد قدّس سرّه.

و العبارة المنقولة في المتن للمحقق الثاني قدّس سرّه، قال: «وجه القرب: انه مع عدم من له أهلية الإجازة تكون صحة العقد ممتنعة في الحال، و إذا امتنعت في زمان امتنعت دائما، لأنّ بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه دائما. و لما فيه من الضرر على المشتري .. إلخ» «1».

(1) هذا أوّل الوجهين المستدل بهما على الاشتراط، و محصّله- على ما في الإيضاح- بتوضيح بعض المحققين قدّس سرّه هو: «أنّ عقد الفضولي مع اشتراكه مع العقود الفاسدة- في عدم التأثير فعلا- يمتاز عنها في أنه قابل للتأثير بالإجازة دون غيره، فلا بدّ أن يكون عقد الفضولي واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، بحيث لا يستند عدم فعلية التأثير إلّا إلى عدم فعلية الإجازة.

و أمّا مع عدم إمكان الإجازة حال العقد فلا يكون العقد حينئذ واجدا لجميع مراتب الإمكان الاستعدادي، إذ منها الإمكان من ناحية إمكان الإجازة فعلا، فإذا امتنعت الإجازة فعلا امتنعت الصحّة التأهلية فعلا زيادة على الصحة الفعلية المقرونة بفعليّة الإجازة لا بإمكانها. و لا نعني بالصحة التأهّليّة إلّا إمكان نفوذ العقد فعلا بالإجازة. مع أنّه لا يمكن، لامتناع الإجازة. و إذا امتنعت الصحة التأهّلية في زمان امتنعت دائما، لأنّ ما يتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هي الصحة الفعليّة التابعة لوجود شرط الصحة الفعلية و عدمه، لا الصحة التأهلية. «2».

و ملخص هذا التقريب أمور.

أحدها: اقتران الصحة التأهلية بالعقد و عدم انفكاكها عنه.

ثانيها: توقف هذه الصحة على إمكان الإجازة فعلا أي من حين وقوع العقد، و مع امتناعها لا يثبت الصحة التأهلية فعلا للعقد، فهذه الصحة منوطة باجتماع جميع مراتب

______________________________

(1) و لا حظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 72، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418 و 419، كنز الفوائد، ج 1، ص 385

(2) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قده، ج 1، ص 164.

ص: 224

فإذا امتنع (1) في زمان امتنع دائما. و بلزوم (2) الضرر على المشتري، لامتناع (3) تصرّفه في العين، لإمكان (4) عدم الإجازة، و لعدم (5)

______________________________

الإمكان التي منها إمكان فعلية الإجازة، و مع امتناعها لعدم وجود مجيز حين العقد لا يثبت له الصحة التأهلية أيضا. و قد عرفت عدم انفكاك الصحة التأهلية عن العقد، فإمكان فعلية الإجازة دخيل في الصحة التأهلية.

ثالثها: أنّ المائز بين عقد الفضولي و العقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلية فيه دونها، هذا.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى كما في جامع المقاصد «امتنعت».

(2) معطوف على «بأنّ» و هذا ثاني الوجهين على اعتبار وجود مجيز حال العقد و هو للسيد العميد.

و حاصل هذا الوجه الثاني: لزوم الضرر على المشتري- الذي يجب عليه الوفاء بالعقد، لكونه أصيلا- من جهة امتناع تصرفه في كل من المثمن و الثمن.

أمّا في المثمن فلإمكان عدم إجازة مالكه الكاشف عن بقائه على ملك مالكه، و كون تصرف المشتري فيه تصرّفا عدوانيّا، إذ بناء على شرطية الإجازة- و لو بنحو الشرط المتأخّر- لسببية العقد للملكية و ترتب الأثر لا يخرج المثمن عن ملك مالكه قبل الإجازة.

و أمّا في الثمن فلإمكان حصول الإجازة الكاشف عن خروجه عن ملكه، و دخوله في ملك البائع، فيكون تصرّف المشتري فيه تصرّفا في ملك غيره. و من المعلوم أنّ منعه عن التصرّف في كلّ من المبيع و الثمن ضرر على المشتري الأصيل.

(3) تعليل للزوم الضرر، فإنّ منع تصرّفه- في العين التي اشتراها من الفضولي- ضرر عليه.

(4) هذا تعليل لامتناع تصرف المشتري في المبيع، و ناظر إلى شرطية الإجازة للعقد و لو بنحو الشرط المتأخر. و حاصل التعليل: احتمال عدم إجازة المالك الأصيل، فيكون تصرّف المشتري في ملك الغير، و هو حرام.

(5) معطوف على «لإمكان» و هذا ناظر إلى جزئية الإجازة للعقد، فكأنه قيل:

ص: 225

تحقّق المقتضي [1]. و في الثمن (1)، لإمكان (2) تحقّق الإجازة، فيكون قد خرج عن ملكه.

و يضعّف الأوّل (3)

______________________________

«امتناع تصرف المشتري الأصيل في العين المنتقلة إليه إمّا لفقد شرط تأثير العقد و هو الإجازة، و إمّا لعدم تحقق المقتضي و هو العقد، باعتبار عدم حصول جزئه أعني الإجازة». و على هذا المعنى ينبغي تبديل و أو العطف ب «أو» بأن يقال: «أو لعدم» لكن المذكور في جامع المقاصد هو العطف بالواو.

(1) معطوف على «في العين» يعني: و لامتناع تصرّف المشتري في الثمن أيضا.

(2) تعليل لعدم جواز تصرّف المشتري في الثمن أيضا، و حاصل التعليل: احتمال صدور الإجازة من مالك المثمن، و خروج الثمن عن ملك المشتري و دخوله في ملك البائع، فيكون تصرف المشتري الأصيل حينئذ في الثمن تصرفا في ملك الغير.

(3) أي: الدليل الأوّل للمحقق الثاني قدّس سرّه و هو «أنّ لازم امتناع العقد في زمان امتناعه دائما» و قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن هذا الدليل بوجهين، أحدهما نقضيّ، و الآخر حلّي.

أمّا النقضي فحاصله: أنّ عدم المجيز حين العقد منقوض بما إذا كان المجيز موجودا

______________________________

[1] و يحتمل أن يراد ب «لإمكان عدم الإجازة» شرطية عنوان التعقب، حيث إنّ احتمال عدم تحقق الإجازة يوجب الشك، في اتصاف العقد فعلا بعنوان التعقب الذي هو شرط نفوذ العقد. و أن يراد ب «و لعدم تحقق المقتضي» عدم تحقق الإجازة بناء على شرطيّة الإجازة بوجودها الخارجي.

و بهذا الاحتمال يدفع التهافت بين احتمال عدم الإجازة، و عدم تحقق المقتضي الذي يراد به الإجازة أيضا.

إلّا أن يقال: إنّ إرادة الكشف التعقبي من كلام المحقق الكركي منافية لمبناه من القول بالكشف الحقيقي، و أنّ شرطية الوصف الانتزاعي حدثت من عصر المحققين صاحبي الحاشية و الفصول.

ص: 226

- مضافا (1) إلى ما قيل: من انتفاضة بما إذا كان المجيز بعيدا (2) امتنع الوصول إليه

______________________________

حال العقد، و لكن كان بعيدا عن المكان الواقع فيه عقد الفضولي بحيث يمتنع الوصول إليه عادة، فإنّه لا يمكن الالتزام ببطلان هذا النقض، مع جريان ما استدلّ به العلّامة في هذه الصورة- أي صورة النقض- أيضا، إذ يصدق فيها «عدم وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد» فإنّ هذا العقد صحيح، و يجبر ضرر المشتري بالخيار.

و هذا النقض- كما أشرنا إليه- مذكور في كلام فخر المحققين وجها لعدم الاشتراط، و جعله المحقق الكركي نقضا على العلّامة، قال: «و يضعّف بانتقاضه ممّن كان بعيدا، يمتنع الوصول إليه عادة إلّا في زمان طويل». «1»

و أمّا الحلّي، فهو منع استلزام بطلان العقد في زمان لبطلانه دائما، لعدم توقف الصحة التأهلية على وجود مجيز حال العقد، و أنّ صحته تأهّلا تكون من حين وقوعه، من دون انفكاكها عنه في آن.

و بيانه: أنّ المدار في الصحة التأهلية- التي يمتاز بها عقد الفضولي عن العقود الفاسدة- يكون على ما يستفاد من الأدلّة الشرعية، و من المعلوم أنّ المستفاد منها هو مجرّد صحة العقد بلحوق الإجازة له فيما بعد، و لا يستفاد منها بوجه اعتبار وجود مجيز حين العقد في الصحة التأهلية، لأنّ هذه الاستفادة منوطة بكون المراد بالصحة التأهلية ما يساوق الإمكان الاستعدادي من جميع الوجوه حتى يعتبر وجود مجيز قابل فعلا للإجازة حين العقد. بل إطلاق الأدلة- كتجارة عن تراض- يدفع اعتباره.

و الحاصل: أنّ الصحة التأهلية لعقد الفضولي لا تتوقّف على وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حال العقد.

(1) هذا إشارة إلى الجواب النقضي الذي تقدم بقولنا: «اما النقضي فحاصله:

أن .. إلخ».

(2) أي: بعيدا عن محلّ العقد الذي أنشأه الفضولي، بحيث يمتنع الوصول إليه عادة لأن يجيز.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 72.

ص: 227

عادة- بمنع (1) ما ذكره [1] من أنّ امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه (2) دائما، سواء قلنا بالنقل أم بالكشف (3).

و أمّا الضرر (4) [2] فيتدارك

______________________________

(1) متعلق ب «يضعّف» و هذا هو الجواب الحلّي المتقدم بقولنا: «و أمّا الحلّي .. إلخ».

(2) الأولى أن يقال: «لامتناعها» رعاية لمرجع الضمير، و هو الصّحة.

(3) يعني: أنّه لا فرق في منع الملازمة- بين بطلان العقد في زمان و بين بطلانه دائما- بين كاشفية الإجازة و ناقليتها، و ذلك لأنّ وجود المجيز حين العقد بناء على اعتباره دخيل في الصحة التأهلية، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة. ففي فرض عدم وجود المجيز حين العقد يكون العقد في نفسه باطلا، كبطلانه بفقدان سائر شرائط صحة العقد. فلا تصحّ الإجازة مطلقا كاشفة كانت أم ناقلة.

(4) هذا ردّ الوجه الثاني المذكور في كلام المحقق الكركي في تقريب ما اشترطه

______________________________

[1] ظاهره منع اقتضاء بطلان العقد حدوثا لبطلانه بقاء، بل يمكن التفكيك ببطلانه حدوثا و صحته بقاء. و هذا غير مراد قطعا، لوضوح أنّ فقد شرط صحة العقد يقتضي البطلان حدوثا و بقاء، بل المراد نفي البطلان حدوثا حتى يدّعى بطلانه بقاء.

و الحاصل: أنّ النزاع صغروي، و هو عدم بطلان العقد حدوثا لأجل عدم مجيز حين العقد، لا أنّه باطل حدوثا و صحيح بقاء، فإنّ الكبرى- و هي الملازمة بين بطلان العقد حدوثا و بقاء- مسلّمة، و ليست قابلة للخدشة، فإنّ البيع الربوي و بيع المجهول و غيرهما من البيوع الباطلة باطلة حدوثا و بقاء، و لا يمكن تصحيحها بقاء.

فغرض المصنف منع الملازمة صغرويّا لا كبرويّا، بمعنى: أنّ الملازمة بين فساد العقد حدوثا و بقاء و إن كانت مسلّمة، و لكن المقام ليس من صغرياتها، لعدم كون وجود المجيز حين العقد شرطا في صحة العقد.

[2] لا يخفى أنّ الضرر يتدارك بالخيار في ظرف الجهل. و أمّا في حال العلم فلا موجب لرفعه لمكان الإقدام عليه.

لكن بعض محققي المحشين قدّس سرّه قال: «و التحقيق أنّ صحة هذا العقد واقعا و كذا لزومه الناشئ من صحّته لا توجب ضررا، و لذا لا يترتّب ضرر مع القطع بصحّته و لزومه، و الضرر ينشأ من الجهل بالصحة و الفساد، و دوران كلّ من العوضين بين أن يكون ماله أو

ص: 228

..........

______________________________

العلامة، و كان المناسب سوق العبارة هكذا: «و يضعّف الثاني و هو قاعدة نفي الضرر بمنعه، لتداركه بما يتدارك .. إلخ».

و كيف كان فقد ردّه المصنف بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة، و أنّ الأدلة العامة تقتضي صحته. فمحصّل الردّ حينئذ: أنّ ضرر المشتري الأصيل الناشئ من منع تصرفه في كلّ من الثمن و المثمن يجبر بالخيار، كما يجبر به ضرر عدم إمكان الوصول إلى المالك الأصيل في صورة النقض المذكورة في المتن.

______________________________

مال غيره. و ليس للجهل حكم شرعي ضرري حتى يرتفع، بل وجوب الاحتياط حكم عقلي، و قد بيّنّا في محله أنّ المرفوع بقاعدة الضرر و الحرج هو الحكم الشرعي الضرري أو الحرجي، لا ما ليس من مجعولات الشارع» «1».

أقول: لا ينبغي الارتياب في كون منشأ الضرر هو لزوم العقد و صحته، من غير فرق فيه بين العلم باللزوم و الجهل به، غاية الأمر أنّ الحكم الضرري لمّا كان رفعه امتنانيّا كان رفعه في حال وجود الامتنان و هو حال الجهل. و أمّا مع العلم بالضرر و الإقدام عليه فلا امتنان في البين حتى تجري فيه قاعدة الضرر. فالضرر ناش من لزوم العقد في كلتا حالتي العلم و الجهل. غاية الأمر أنّ إقدامه على الضرر مع العلم به يدفع الامتنان و يمنع عن قاعدة الضرر.

و الحاصل: أنّ الموجب للضرر على كل حال هو لزوم العقد، لكن قاعدة الإقدام تمنع عن جريان قاعدة الضرر.

و ما نحن فيه نظير سائر موارد الضرر كالبيع الغبني، فإنّ الإقدام على الغبن مع العلم به لا يرفع لزوم البيع الذي نشأ منه الضرر.

و بالجملة: فقاعدة الضرر تجري في حال الجهل، لوجود المقتضي و عدم المانع، و لا تجري في حال العلم، لوجود المانع و هو قاعدة الإقدام.

نعم هذا الدليل أخص من المدعى، و هو اعتبار وجود مجيز حين العقد، لاختصاصه بصورة الضرر مع الجهل به.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 165.

ص: 229

بما يتدارك به (1) صورة (2) النقض المذكورة.

هذا كلّه مضافا (3) إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار

______________________________

(1) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «بما» المراد به الخيار. و لم يبيّنه هنا اعتمادا على ما ذكره في سادس الأمور المتعلقة بالإجازة من قوله: «و لو لم يجز المالك و لم يرد حتى لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه و إليه على القول بالكشف، فالأقوى تداركه بالخيار» فلاحظ (ص 210).

(2) و هي صورة كون المجيز بعيدا عن محلّ عقد الفضولي، بحيث يمتنع الوصول إليه في مدة قصيرة حتى يجيز العقد.

(3) غرضه منع أصل الاشتراط المذكور في كلام العلّامة قدّس سرّه، و محصله: الاستدلال بفحوى النصوص الواردة في نكاح الصغيرين فضولا، كما استدل بها جماعة على نفي أن يكون للعقد مجيز في الحال. قال صاحب المقابس: «لو كان شي ء مما ذكر في المنع صالحا لذلك لعمّ جميع العقود و ثبت في النكاح أيضا، بل بالطريق الأولى. لكن نكاح الفضولي للصغير و الصغيرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز اتفاقا نصّا و فتوى، فكذلك سائر العقود» «1».

و في الجواهر: «مضافا إلى خبر الصغيرين» «2».

و توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ يستفاد من النصوص الواردة في تزويج الصغار صحة العقد مطلقا سواء أ كان لهم وليّ، و أهمل الإجازة إلى بلوغهم، أم لم يكن لهم وليّ.

فمن تلك النصوص ما رواه عبّاد بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل زوّج ابنا له مدركا من يتيمة في حجره. قال: ترثه إن مات، و لا يرثها، لأنّ لها الخيار، و لا خيار عليها» «3». و قريب منه غيره «4».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 297، جامع الشتات، ج 1، ص 163 (الطبعة الحجرية) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

(3) وسائل الشيعة ج 17، ص 528، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 2

(4) المصدر، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث 2

ص: 230

فضولا الشاملة (1) لصورة وجود وليّ النكاح و إهماله (2) الإجازة إلى بلوغهم، و صورة (3) عدم وجود الوليّ، بناء (4) على عدم ولاية الحاكم على الصغير في النكاح، و انحصار (5) الوليّ في الأب و الجدّ و الوصيّ، على خلاف فيه (6).

و كيف كان (7) فالأقوى عدم الاشتراط وفاقا للمحكي «1» عن ابن المتوّج

______________________________

فإنّ الأخبار الواردة في تزويج البنات اليتامى فضولا لو لم تكن منصرفة إلى خصوص موارد عدم وجود مجيز حال العقد، فلا أقلّ من إطلاقها الشامل لصورة عدم المجيز حينه، فإنّ ثبوت الإرث لليتيمة- و كذا الخيار لها- يدلّان على صحة التزويج مع عدم وليّ حين التزويج يمكنه فعلا إجازة العقد.

(1) صفة للأخبار.

(2) الظاهر أنه مفعول معه و قوله: «إلى بلوغهم» متعلق بالإهمال.

(3) معطوف على «صورة وجود وليّ النكاح».

(4) قيد لعدم وجود الولي، يعني: أنّ فرض عدم وجود الولي مبني على عدم ولاية الحاكم الشرعي على الصغير في النكاح، و إلّا فالوليّ موجود دائما، لأنّه إمّا الحاكم و إمّا عدول المؤمنين.

(5) معطوف على «عدم ولاية» يعني: و بناء على انحصار الولي في الأب و الجد بلا إشكال.

(6) أي: في الوصي، فإنّ في ولايته على نكاح الصغير خلافا بين الفقهاء. فقوله قدّس سرّه:

«على خلاف فيه» قيد لخصوص الوصي، دون من تقدّمه من الأب و الجدّ.

(7) يعني: سواء أ كان ما ذكرناه- من النقض و الحلّ- في رد ما استدلّ به لقول العلامة صحيحا بتمامه، أم كان بعضه صحيحا، فالأقوى عدم اشتراط صحة عقد الفضولي بوجود مجيز حين العقد. و هذا وجيه بناء على كون الفضولي على طبق القاعدة، لشمول

______________________________

(1) الحاكي عنهم هو السيد العاملي، لكن ظاهر عبارة السيد عدم الظفر بكلام ابن المتوّج، و إنّما نقل عنه بواسطة، فقال: «على ما نقل عنه» فلاحظ مفتاح الكرامة ج 4، ص 195. و هو كما في أمل الآمل و رياض العلماء «الشيخ ناصر بن أحمد بن عبد اللّه بن المتوج البحراني، صاحب الذهن الوقّاد، فاضل محقق فقيه حافظ ..» لاحظ أمل الآمل، ج 2، ص 333، رياض العلماء، ج 6، ص 34

ص: 231

البحراني و الشهيد «1» و المحقّق الثاني «2» و غيرهم «3»، بل لم يرجّحه (1) غير العلّامة رحمه اللّه.

ثمّ اعلم أنّ العلّامة (2) في القواعد مثّل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.

______________________________

العمومات و الإطلاقات له.

و أمّا بناء على كونه على خلاف القاعدة، و استناد صحته إلى الأخبار الخاصة- كصحيحة محمد بن قيس و ما ورد في الاتجار بمال اليتيم و نحوهما- فيشكل القول بصحته، لاختصاص مواردها بصورة وجود المجيز حال العقد.

(1) يعني: لم يرجّح اشتراط وجود مجيز حال العقد غير العلّامة، فيكون قوله مخالفا للمشهور. بل لم يظهر موافق للعلّامة. و بهذا ظهر وجه الإتيان بكلمة «بل» و أنّ المخالف في المسألة أي النافي للاشتراط غير منحصر في المذكورين، بل المعظم أو الكل ذهبوا إلى عدم الاعتبار. هذا ما أفاده المصنف في المقام الأوّل. و سيأتي الكلام في المقام الثاني الناظر إلى ما قيل حول عبارة القواعد.

(2) قد تعرض المصنف قدّس سرّه حول كلام العلامة- من اشتراط وجود المجيز في حال العقد- لمطالب:

الأوّل: تمثيل العلّامة لعدم المجيز حال العقد ببيع مال اليتيم.

الثاني: إيراد بعض العامّة عليه: بأنّ عدم المجيز حين العقد فرض غير واقع على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه الصلاة و السلام، و عدم خلوّ زمان عنه عليه السّلام، و هو وليّ من لا وليّ له، و عليه فوليّ بيع مال اليتيم موجود حين البيع.

الثالث: ردّ العلّامة قدّس سرّه لهذا الإيراد، و محصل ردّه هو: عدم التمكن من الوصول إليه عليه السّلام، فيصدق حينئذ عدم وجود مجيز لبيع مال اليتيم حين البيع.

الرابع: انتصار بعض الفقهاء- للمورد العامي المتقدّم- بما حاصله: أنّ الإمام عليه السّلام و إن كان غائبا لا يمكن الوصول إليه، لكن يمكن الوصول إلى نائبه، و هو المجتهد

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 73

(3) كالفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 26، و حكاه عنه في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 34

ص: 232

و حكي عن بعض العامّة (1)- و هو البيضاوي على ما قيل «1»- الإيراد عليه (2):

بأنّه (3) لا يتمّ على مذهب الإمامية القائلين بوجود الإمام عليه السّلام في كلّ عصر.

و عن المصنّف (4) قدّس سرّه أنّه أجاب: بأنّ الإمام غير متمكّن من الوصول إليه.

______________________________

الجامع للشرائط، بل لو فرض عدمه أيضا فعدول المؤمنين موجودون، بل مع فرض عدمهم أيضا تكون الولاية على مصالح اليتيم لفسّاق المؤمنين.

الخامس: ردّ المصنف لهذا الانتصار الدافع عن البيضاوي، و محصل الردّ: أنّه لا بدّ من تحليل كلام العلامة و تشخيص مرامه حتى يظهر ورود الإشكال عليه و عدمه، فنقول: إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد ذات المجيز سواء أ كان متمكنا فعلا من الإجازة أم لا فإيراد البيضاوي وارد عليه، و لا يندفع بما ذكره العلّامة في ردّه من أنّ الامام قدّس سرّه لغيبته لا يتمكّن من الوصول إليه.

و إن كان مراد العلّامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكّن فعلا من الإجازة، فيندفع به إيراد البيضاوي، لإمكان عدم الوصول إلى المجتهد العادل و العدول أيضا، لعدم حضورهم، أو عدم إمكان إعلامهم بالعقد حتى يجيزوا، فيصدق في هذه الصورة عدم وجود مجيز حين العقد.

(1) قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و قال الشهيد في حواشيه- يعني حواشيه على قواعد العلّامة- انّ بعض الجمهور اعترض على المصنف في هذه المسألة بسقوطها على مذهبه، لأنّه يعتقد وجود الامام عليه السّلام في كل زمان، و هو وليّ من لا وليّ له. فأجاب- يعني المصنف و هو العلّامة- بأنّه أراد مجيزا في الحال يمكن الاطّلاع على إجازته، و تتعذّر إجازة الإمام عليه السّلام، لاستتاره عن الناس» «2».

(2) أي: على العلّامة، و هذا إشارة إلى المطلب الثاني الذي تقدّم بقولنا: «الثاني: إيراد بعض العامة عليه .. إلخ».

(3) متعلّق بالإيراد و بيان له.

(4) هذا التعبير من الشهيد في حواشي القواعد، و كان المناسب أن يقول الماتن:

______________________________

(1) لم نعثر على القائل و لا على كلام البيضاوي في فتاواه.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 233

و انتصر للمورد (1) بأنّ نائب الإمام- و هو المجتهد الجامع للشرائط- موجود، بل لو فرض عدم المجتهد فالعدول موجودون، بل للفسّاق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول (2).

لكنّ الانتصار (3) في غير محلّه، إذ كما يمكن فرض عدم التمكّن من الإمام يمكن عدم اطّلاع نائبه من المجتهد و العدول أيضا.

فإن أريد (4) وجود ذات المجيز، فالأولى (5) منع تسليم دفع الاعتراض بعدم (6) التمكّن من الإمام عليه السّلام.

______________________________

«و عن العلامة». و هو إشارة إلى المطلب الثالث المذكور بقولنا: «الثالث ردّ العلامة قدّس سرّه لهذا الإيراد، و محصّل ردّه هو عدم التمكن .. إلخ».

(1) و هو البيضاوي، و هذا إشارة إلى المطلب الرابع المتقدم بقولنا: «الرابع: انتصار» و المنتصر هو المحقق القمي قدّس سرّه «1».

(2) فعلى ما ذكره المنتصر لا يتصوّر فرض لا يكون المجيز فيه موجودا حال العقد.

و بهذا تمّ انتصار المحقق القمي لبعض الجمهور.

(3) هذا إشارة إلى المطلب الخامس المذكور بقولنا: «الخامس ردّ المصنف لهذا الانتصار».

(4) هذا إشارة إلى أوّل شقّي الترديد الذي مرّ بقولنا: «إن كان مراد العلامة من اشتراط مجيز حين العقد ذات المجيز .. إلخ».

(5) جواب «إن» الشرطية في قوله: «فإن أريد». و المراد بالاعتراض إيراد البيضاوي، و المراد بدفعه ما أفاده العلّامة من عدم الوصول إلى الامام الذي هو وليّ من لا وليّ له. و المراد بمنع هذا الدفع ما أفاده المصنف.

و وجه الأولوية: مغايرة المثبت و المنفي، إذ المثبت المفروض هو ذات المجيز، و المنفي هو التمكن من الامام عليه السّلام.

(6) متعلق ب «دفع».

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 163 (الطبعة الحجرية) ج 2، ص 318، الطبعة الحديثة.

ص: 234

و إن أريد (1) وجوده مع تمكّنه من الإجازة، فيمكن فرض عدمه في المجتهد و العدول إذا (2) لم يطّلعوا على العقد.

فالأولى (3) ما فعله فخر الدين (4) و المحقّق الثاني «1» من تقييد بيع مال اليتيم بما (5) إذا كان على خلاف المصلحة، فيرجع (6) الكلام أيضا إلى اشتراط إمكان

______________________________

(1) هذا إشارة إلى ثاني شقّي الترديد الذي قد تقدّم بقولنا: «و إن كان مراد العلامة من اشتراط وجود مجيز حين العقد من يتمكن فعلا .. إلخ».

(2) متعلق ب «فيمكن» يعني: أنّ إمكان عدم وجود المجيز الفعلي جار في المجتهد و العدول في فرض عدم اطّلاعهم على وقوع عقد على مال الطفل حتى يجيزوه.

(3) يعني: بعد الخدشة في تفصّي العلّامة عن اعتراض بعض العامة يكون الأولى- في التمثيل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم، و حكمه ببطلان هذا البيع- ما فعله فخر الدين قدّس سرّه من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة، إذ لو كان مع المصلحة فالبيع صحيح، و الإجازة تقع في محلها. و لو كان بدون المصلحة فوليّ الطفل ما دام وليّا- و هو زمان صغر الطفل- ليس له الإجازة لا في حال العقد و لا بعده، مع أنّ ذات المجيز موجود. فمن ليس له الإجازة فعلا و يصير مجيزا بعد ذلك هو اليتيم. فالمنفي حينئذ هو فعلية الإجازة من اليتيم الذي من شأنه الإجازة بعد البلوغ، فمرجع بطلان بيع الفضولي حينئذ إلى اشتراط فعلية إمكان الإجازة، لا ما هو ظاهر كلام العلامة قدّس سرّه: «عدم وجود المجيز» لظهوره في عدم ذات المجيز.

(4) قال في الإيضاح: «و اعلم أنّ هذا الفرع إنّما يتأتى على مذهب الأشاعرة. و أمّا على قولنا ففي صورة واحدة، و هي بيع مال الطفل على خلاف المصلحة، أو الشراء له» و نحوه عبارة جامع المقاصد.

(5) متعلّق ب «تقييد».

(6) يعني: فيرجع الكلام الذي صدّر به هذا التنبيه- و هو قول المصنف قدّس سرّه:

الثاني هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز حين العقد- إلى عنوان الأمر

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 72

ص: 235

فعليّة الإجازة من المجيز، لا وجود (1) ذات من شأنه الإجازة (2)، فإنّه فرض غير واقع في الأموال (3).

______________________________

الثالث، بناء على تقييد المثال بكون بيع مال اليتيم على خلاف المصلحة.

ثم إنّ قوله: «فيرجع ..» تفريع على تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان على خلاف المصلحة على ما نقله المصنف قدّس سرّه عن الفخر و المحقق الثاني قدّس سرّهما. و محصّل التفريع: أنّ مرجع هذا التقييد إلى اشتراط إمكان فعلية الإجازة من المجيز حين العقد، لا إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة، إذ لو كان كذلك تلغو الشرطية المذكورة، لعدم خلوّ زمان عقد الفضولي عن ذات مجيز، من المالك الأصيل أو وليّه.

ففي زمان صدور العقد يكون ذات المجيز موجودا دائما، فيرجع عنوان اعتبار وجود مجيز حين العقد إلى العنوان الآتي في الأمر الثالث، و هو: اشتراط كون المجيز جائز التصرف حين العقد، إذ الوليّ ليس له الإجازة في العقد الذي لا مصلحة فيه، كبيع مال اليتيم، و يتوقف جواز إجازته على انقلاب المفسدة مصلحة.

فبناء على رجوع عنوان «اعتبار وجود مجيز حين العقد» إلى عنوان «اعتبار كون المجيز جائز التصرف حين العقد» لم يكن داع إلى عقد أمرين لهما. و هذا الشّق قد صرّح به العلّامة في التذكرة، حيث إنّه- بعد نقل كلام بعض العامة في اعتبار وجود مجيز في الحال- قال: «و المعتبر إجازة من يملك التصرف عند العقد، حتى لو باع مال الطفل، فبلغ و أجاز لم ينعقد» «1».

(1) يعني: و لا يرجع الكلام إلى اشتراط وجود ذات من شأنه الإجازة.

(2) يعني: كما هو ظاهر عبارة القواعد من اشتراط وجود مجيز حين العقد.

(3) التقييد بالأموال لإمكان عدم وجود ذات المجيز في غيرهما، كما في نكاح الصغير، بناء على ما قيل: من اختصاص الولاية في النكاح بالأب و الجدّ و الوصي.

لكن فيه: أنّ ذات المجيز- و هو نفس الصغير- موجود، و المفقود هو المجيز الذي

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 486، السطر 18، الطبعة الحديثة، ج 10، ص 219

ص: 236

[الثالث: هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟]
اشارة

الثالث: لا يشترط في المجيز (1) كونه جائز التصرّف حال العقد، سواء كان عدم التصرّف لأجل عدم المقتضي (2)

______________________________

تنفذ إجازته فعلا أي حين العقد كما في حاشية السيّد قدّس سرّه «1». و عليه فذات المجيز حين العقد موجود في جميع المقامات، و لا معنى لاشتراطه تعبّدا.

هل يشترط في المجيز جواز التصرف حال العقد؟

(1) الظاهر أنّ المراد به عدم اشتراط كون المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد، فلو لم يكن المجيز الفعلي جائز التصرف حين العقد، و صار كذلك حين الإجازة، لنفذت إجازته أيضا، كما إذا بيع مال الصغير مع مصلحته، و أهمل الوليّ و لم يجز البيع حتى بلغ الطفل، و أجاز، فإنّ المجيز الفعلي- و هو الطفل- لم يكن جائز التصرف حين العقد، بل كان الولي جائز التصرف حينه.

فجهة البحث في الأمر الثاني- بعد البناء على عدم إمكان إرادة وجود ذات المجيز منه- هي اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة حين العقد. و في هذا الأمر الثالث هي عدم اشتراط كون المجيز حين الإجازة هو الذي كان حين العقد متمكنا من الإجازة، و جائز التصرف، و أهمل و لم يجز العقد، فلا يشترط اتحاد هما، بل يمكن تغايرهما. و من المعلوم أنّ اشتراط وجود مجيز متمكّن من الإجازة غير اشتراط كونه نفس المجيز الفعلي، كما مرّ في بيع مال الصغير مع مصلحته، و إهمال وليّه إجازة البيع حتى بلغ الطفل و أجاز.

و عليه فلا وجه لإرجاع عنوان الأمر الثاني- و هو اعتبار وجود مجيز يتمكّن من الإجازة- إلى عنوان الأمر الثالث، و هو كون المجيز حال الإجازة جائز التصرف حال العقد.

و بالجملة: فجهة البحث في الأمرين مختلفة، إذ هي في الأمر الثاني اعتبار وجود مجيز متمكّن من الإجازة حين العقد، و في الأمر الثالث عدم اشتراط كون المجيز الفعلي نفس من كان متمكنا من الإجازة حين العقد، و جواز تعددهما.

(2) المراد بالمقتضي هنا- لجواز التصرف و سلطنة الشخص على المال- هو الملكية

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 161

ص: 237

أم للمانع (1). و عدم (2) المقتضي قد يكون لأجل عدم كونه مالكا و لا مأذونا حال العقد، و قد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو جنون أو غيرهما (3). و المانع (4) كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن، ثم فكّ الرهن، فالكلام يقع في مسائل:

[المسألة الأولى: لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف]

الاولى (5) [1]: أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز

______________________________

مع كمال المالك بالبلوغ و العقل و الرشد، فكمال المالك كنفس الملكية من أجزاء المقتضي لجواز التصرف، و عدم الكمال الموجب لعدم جواز التصرف إنّما هو لعدم تمامية أجزاء المقتضي، لا لأجل وجود المانع، و إنّما المانع تعلّق حقّ الغير بالعين كحقّ الغرماء، و حقّ المرتهن، و حقّ أمّ الولد في عدم بيعها.

و بالجملة: فالمقتضي لسلطنة الشخص و جواز تصرّفه هو الملك المطلق، لا مطلق الملك و لو كان المالك قاصرا، أو الإذن من المالك.

(1) و هو تعلق حق الغير بالعين كما عرفت آنفا.

(2) مبتدء، خبره «قد يكون» و الواو استينافيّة لا عاطفة، و غرضه بيان منشأ عدم المقتضي كما عرفت توضيحه.

(3) كالصغر و نحوه ممّا يرفع كمال المالك الذي هو جزء المقتضي لجواز التصرّف.

(4) مبتدء، خبره قوله: «كما لو باع» و هذا تفسير للمانع الذي هو مقابل قوله:

«المقتضي»، و المراد بالمانع- كما مرّ آنفا- هو تعلّق حقّ الغير بالعين. مثاله بيع الراهن العين المرهونة بدون إذن المرتهن.

المسألة الأولى: لو كان المالك المجيز محجورا عن التصرف

(5) توضيح هذه المسألة: أنّ المالك حال إنشاء العقد إذا كان هو المالك حال الإجازة، و لكن لم يكن المجيز حين العقد جائز التصرف- لتعلّق حقّ الغير كحق الرهانة، و باع العين المرهونة بدون إذن المرتهن، و بعد البيع فكّ الرهن- فالأقوى صحة الإجازة، لاجتماع شرائط الصحة فيه، كسائر العقود الصحيحة القابلة للإجازة.

______________________________

[1] يقع البحث هنا في جهات.

الأولى: في صحة بيع المالك ماله الذي تعلّق به حقّ الغير، و عدمها.

ص: 238

لم يكن حال العقد جائز التصرّف لحجر، فالأقوى صحة الإجازة، بل عدم الحاجة

______________________________

و الثانية: في احتياجه إلى الإجازة بعد سقوط حق الغير، و عدمه.

و الثالثة: في جريان نزاع الكشف و النقل فيه و عدمه.

أمّا الجهة الأولى فمحصّلها: أنّ الظاهر صحة البيع، لعموم دليل وجوب الوفاء بالعقود، و عمومه يشمل جميع أفراد العقود التي منها هذا البيع المبحوث عنه، و الخارج عن الإطلاق الأحوالي الشامل لجميع حالات الأفراد خصوص بعض حالات الفرد، كتعلّق حق الغير به.

توضيحه: أنّ عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود كما أنّ له عموما أفراديا، كذلك له إطلاق أحوالي ناش من مقدمات الحكمة. و مقتضى هذا الإطلاق موضوعية كل فرد في جميع حالاته لوجوب الوفاء، فإذا خرج بعض حالات فرد عن الإطلاق الأحوالي كان الخارج خصوص ذلك الحال من الفرد، لا نفس الفرد، و لا غير ذلك الحال من حالاته.

فالفرد باق تحت العموم الأفرادي، و لم ينثلم إلّا الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى بعض حالاته.

فإذا زال ذلك الحال صار جميع حالاته تحت الإطلاق.

و هذا نظير الربح المصروف في المئونة بناء على كون خروجها عن أدلة وجوب الخمس في الفوائد بنحو التقييد لا التخصيص، إذ لو كان خروجها عنها من باب التخصيص- أي إخراج الفرد- كان خروج المئونة في جميع الحالات، إذ المفروض خروج الفرد بما له من الحالات، و إن خرجت عن عنوان المئونة، كخروج «زيد العالم» عن عموم دليل وجوب «إكرام العلماء» فإنّ الخارج هو زيد مع حالاته.

و نظير المقام أيضا باب الخيارات، فإنّ المحكم فيها بعد انقضائها عموم أدلة اللزوم، لكون خروج الخيار عنه من باب التقييد لا التخصيص.

و بالجملة: فمقتضى العموم الأفرادي و الإطلاق الأحوالي صحة بيع المالك المال المتعلق لحق الغير كالرّهن. و بعد الفك يترتب الأثر على البيع من دون حاجة إلى إجازة المالك، لما مر آنفا من كون العقد عقدا للمالك.

و أمّا الجهة الثانية فقد ظهر حكمها مما ذكرناه في الجهة الأولى، حيث إنّ مقتضى إطلاق مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» أحواليّا هو لزوم الوفاء بالعقد، و عدم الحاجة إلى الإجازة بعد فكّ

ص: 239

إليها إذا كان عدم جواز التصرّف لتعلّق حقّ الغير، كما لو باع الراهن، ففكّ الرّهن

______________________________

الرهن الذي كان مانعا عن الإطلاق الأحوالي، و مقيّدا له ما دام موجودا. و بعد ارتفاعه يتشبث به.

بل يمكن أن يقال: بصحة البيع و انتقال المبيع بوصف المرهونية و الاستيثاق للدين إلى المشتري. نظير بيع العين المستأجرة، فإنّ بيعها بهذا الوصف صحيح. غاية الأمر أنّها تنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة في مدة الإجازة. نعم يحكم بثبوت الخيار للمشتري مع الجهل في بيع العين المرهونة و المستأجرة. هذا فيما كان المانع تعلق حق الغير الموجب للتزاحم مع سلطنة المالك في ماله، فلا حاجة إلى الإجازة بعد ارتفاع المزاحم و هو حقّ الغير.

و أمّا إذا كان المانع ما يرجع إلى قصور المالك، فالظاهر الحاجة إلى الإجازة حتى يسند العقد إلى السلطان، و لا يسند إليه إلّا بالإجازة الواقعة بعد ارتفاع قصور المالك كالسفه.

ففرق بين تعلق حق الغير كالرهن، و بين قصور المالك كالسفه، فإنّ الرهن يزاحم سلطنة المالك، و السفه يرفع سلطنته. و حقّ الغرماء نظير حق الرهانة في إيجاد المزاحمة مع سلطنة المالك، و عدم الحاجة إلى الإجازة بعد سقوط حقّ الغرماء مع رضاه بالبيع، فلا مورد للإجازة الموجبة لإسناد العقد إلى المالك، و لإضافة العقد إليه.

نعم إذا كان العاقد غير الراهن و المفلّس المالكين فلا بدّ بعد فكّ الرهن و بعد سقوط حق الغرماء- و ارتفاع الحجر عنه- من إجازة المالك الراهن و المفلّس حتى يسند العقد إليهما، و يحصل رضاهما به.

و أمّا الجهة الثالثة فيقع الكلام فيها تارة في جريان نزاع الكشف و النقل في الإجازة.

و اخرى في جريانه في فكّ الحق كالرهانة.

أمّا في الإجازة فقد يقال: بعدم الجريان فيها، إذ لازم الكشف النقل من حين العقد، و هو زمان تعلق حق الرهن بالمبيع، فيلزم تأثير العقد مع حفظ الرهن. و هو غير معقول.

لكن فيه أوّلا: عدم المنافاة بين حفظ الرهن و صحة البيع، إذ المبيع حينئذ هو العين

ص: 240

قبل مراجعة المرتهن، فإنّه لا حاجة (1) إلى الإجازة كما صرّح به في التذكرة «1» (2).

______________________________

(1) إذ الاحتياج إلى الإجازة إنّما هو لإسناد العقد إلى المالك، و إضافته إليه، أو لتحقيق رضاه بالعقد. و كلاهما مفروض الوجود، لصدور العقد من المالك برضاه، و لا مانع من صحته إلّا تعلق حق الغير، فإذا زال المانع بزوال سببه بأداء الدين أو الإبراء أثّر المقتضي أثره، لعموم أدلة السببية.

(2) قال في كتاب البيع منها: «و لو باع و لم يعلم المرتهن، ففكّ لزم البيع، لانتفاء المعارض. و من أبطل بيع الفضولي لزم الابطال هنا».

______________________________

المرهونة بوصف المرهونية، كبيع العين المستأجرة.

و ثانيا: أنّ المنافاة- بعد تسليمها- تختص بالكشف الحقيقي دون الحكمي، فلا مانع من كشف الإجازة عن صحة البيع بعد الفك.

و بالجملة: فيمكن جريان نزاع الكشف في الإجازة بناء على الاحتياج إليها في بيع المالك ماله الذي تعلّق به حق الغير.

و أمّا جريان نزاع الكشف و النقل في فكّ الحقّ بناء على صحة البيع بمجرّد الفك، و عدم الحاجة بعده إلى الإجازة، ففيه خلاف. و الظاهر جريانه فيه أيضا بناء على كون مضمون العقد حصول النقل من حين صدوره، و مانعه و هو الرهن إذا ارتفع حصل الانتقال من حين العقد، و هو لا ينافي حقّ الرهانة كما أشرنا إليه آنفا.

و نظير حق الرهانة حق الغرماء، فيجري فيه ما تقدم في حرق الرهانة.

و أمّا إذا كان المانع السفه فيجري فيه نزاع الكشف، إذ لا يصحّ العقد إلّا بصدوره ممّن له السلطنة على العقد، و يتوقف صدوره من السلطان على الإجازة، فيصح النزاع في أنّ الإجازة كاشفة عن حصول النقل من زمان العقد أو من حين الإجازة.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 465، السطر 34، (الطبعة الحديثة، ج 10، ص 42) و نحوه ج 2، ص 50، السطر 16.

ص: 241

[المسألة الثانية: عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك]

الثانية (1):

أن يتجدّد الملك بعد العقد، فيجيز المالك الجديد، سواء أ كان هو البائع (2) أم غيره.

لكنّ عنوان المسألة (3) في كلمات القوم هو الأوّل، و هو ما لو باع شيئا ثمّ ملكه.

______________________________

المسألة الثانية: عدم جواز تصرف المجيز لعدم الملك

(1) أي: المسألة الثانية من المسائل الثلاث المتعلقة بالمجيز، و هي ما لو كان عدم جواز تصرف العاقد لأجل عدم المقتضي، و هو عدم الملكية، و تجدّد الملك بعد العقد الفضولي، و العقد إما بقصد وقوعه لنفس العاقد، و إمّا لغيره.

(2) أي: سواء أ كان المالك الجديد هو البائع الفضولي أم غيره. فمثال الأوّل أن يبيع زيد فضولا مال عمرو، ثم صار مالكا له قبل أن يجيز زيد. و تملكه له إمّا بسبب قهري كالإرث، أو اختياريّ كالشراء، فهل يصح البيع لو أجاز زيد بعد التملك أم لا؟ ففرض المسألة هنا كون المجيز- و هو المالك الجديد- نفس البائع الفضولي.

و مثال الثاني- و هو مغايرة البائع للمجيز- أن يبيع زيد مال عمرو، فينتقل المال إلى ابنه بالإرث أو بالشراء، فهل تمضي إجازة الابن للبيع الواقع فضولا على مال أبيه، أم لا؟ و المسألة ذات أقوال ثلاثة كما يظهر من المتن و المقابس «1» أيضا، و سيأتي نقلها.

(3) كقول المحقق في عبارته الآتية في المتن: «كما لو باع مال غيره ثم اشتراه»، و كقول العلّامة: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها» «2»، و كقول الشهيد قدّس سرّه: «و كذا- يعنى يصح البيع- لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز .. إلخ» «3».

و الحاصل: أنّ محلّ الكلام في هذه المسألة صيرورة البائع الفضولي مالكا للمبيع بعد البيع، فلو لم يملكه كان خارجا عن حريم البحث.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35 و 36

(2) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463، السطر 5 و 486، السطر 18 (الطبعة الحديثة ج 10، ص 616، و نحوه في ص 219)، قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، مختلف الشيعة، ج 5، ص 55

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

ص: 242

و هذه (1) تتصوّر على صور (2)، لأنّ غير المالك إمّا أن يبيع لنفسه أو للمالك (3)، و الملك إمّا أن ينتقل إليه باختياره كالشراء، أو بغير اختياره كالإرث (4). ثمّ البائع (5) الذي يشتري الملك إمّا أن يجيز العقد الأوّل (6)، و إمّا أن لا يجيزه، فيقع

______________________________

(1) أي: المسألة الثانية، و هي: ما لو باع شيئا ثمّ ملكه بسبب اختياري كالشراء و نحوه من النواقل الاختيارية، أو بسبب قهريّ كالإرث أو الارتداد.

(2) و هي ثمانية حاصلة من ضرب اثنتين- و هما بيع غير المالك لنفسه و للمالك- في صورتين، و هما: انتقال الملك إلى البائع قهرا و اختيارا، ثم ضرب هذه الصور الأربع في اثنتين، و هما إجازة البائع الفضولي الذي ملك المبيع بالشراء، و عدم إجازته. فهذه صور ثمان، و إليك تفصيلها.

الأولى: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثم يملك المبيع بالشراء، فأجاز البيع.

الثانية: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثم يملك المبيع بالإرث، فأجاز البيع.

الثالثة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالشراء، فأجاز البيع.

الرابعة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثمّ يملك المبيع بالإرث، فأجاز البيع.

الخامسة: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثمّ يملك المبيع بالشراء و لم يجز البيع.

السادسة: أن يبيع الفضولي لنفسه، ثمّ يملك المبيع بالإرث و لم يجز البيع.

السابعة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالشراء و لم يجز البيع.

الثامنة: أن يبيع الفضولي للمالك، ثم يملك المبيع بالإرث و لم يجز البيع.

(3) هذا الكلام إشارة إلى الصورتين الأوليين.

(4) هاتان هما اللتان ضربت فيهما الصورتان الأوليان.

(5) هذا إشارة إلى صورتين ضربت فيهما الصور الأربع المتقدمة. و هذا الضرب أنتج الصور الثمان المذكورة فيما عنونه القوم، و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه. و أمّا ما عداها من الصور التي ذكرها الشيخ العلّامة الشهيدي رحمه اللّه «1» فهو خارج عن عنوان القوم كما لا يخفى.

(6) و هو العقد الذي أنشأه الفضولي، و صار المبيع بعده ملكا له.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 297.

ص: 243

الكلام في وقوعه للمشتري الأوّل (1) بمجرّد شراء البائع له.

و المهمّ هنا التعرّض لبيان ما لو باع لنفسه (2)، ثمّ اشتراه من المالك و أجاز، و ما (3) لو باع و اشترى و لم يجز (4)، إذ (5) يعلم حكم غيرهما منهما.

[حكم المسألة الاولى]
اشارة

أمّا المسألة الأولى (6): فقد اختلفوا فيها،

______________________________

(1) و هو الذي اشترى المبيع من البائع الفضولي، كما إذا فرضنا أنّ زيدا باع فضولا كتاب أبيه من بكر، ثم انتقل الكتاب إليه من أبيه بسبب الشراء، فيقع الكلام في أنّ مجرّد انتقال الكتاب إلى زيد بالشراء من أبيه هل يوجب وقوع البيع الفضولي لبكر أم لا؟

و المهمّ هنا التعرض لحكم صورتين: إحداهما ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من مالكه و أجاز.

ثانيتهما: ما لو باع لنفسه ثمّ اشتراه من مالكه، و لم يجز بيعه الفضوليّ.

(2) هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة بقولنا: «إحداهما ما لو باع .. إلخ».

(3) معطوف على «ما لو باع» و هذا إشارة إلى الصورة الثانية التي تقدمت بقولنا:

«ثانيتهما: ما لو باع لنفسه ثم اشتراه .. إلخ».

(4) ضمائر الفاعل المستترة في «باع، اشترى، يجز» راجعة إلى البائع الفضولي.

(5) تعليل لقوله: «و المهمّ» و علّيّة أهمّيته هي كون هاتين الصورتين كالأصل لسائر الصور، لسببيتهما لمعرفة أحكام سائر الصور، حيث إنّ صحة البيع لنفسه تستلزم صحة البيع للمالك بالأولوية.

حكم ما لو باع الفضولي ثم اشتراه فأجاز

(6) و هي «ما لو باع لنفسه، ثم اشتراه من المالك و أجاز» و قد اختلف الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم في حكمها، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى. و المنقول في المتن أقوال ثلاثة:

أحدها: الصحة من دون توقّفها على إجازة البائع بعد تجدد الملك له، و هو المستفاد من كلام شيخ الطائفة في بيع المال الزكوي قبل إخراج الزكاة منه إذا غرم حصة الفقراء بعد البيع.

و ثانيها: للمحقق و الشهيد من صحته و توقفه على الإجازة.

و ثالثها: البطلان، و هو لجماعة كالعلّامة و المحقق الثاني، و صاحبي الجواهر و المقابس.

ص: 244

[القول الأول الصحة]

فظاهر المحقّق (1) في باب الزكاة من المعتبر- فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة، أو رهنه (2)- «أنّه (3) صحّ البيع و الرّهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم (4) حصّة الفقراء، قال الشيخ: صحّ البيع و الرهن (5)،

______________________________

(1) الأولى نقل نص عبارة المحقق، و هي: «مسألة: لو باع النصاب قبل إخراج الزكاة، أو رهنه، صحّ في ما عدا الزكاة، فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشيخ رحمه اللّه صحّ الرهن في الجميع، و كذا البيع. و فيه إشكال، لأنّ العين غير مملوكة له. و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا، و افتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة، كمن باع مال غيره ثم اشتراه» «1».

(2) معطوف على «باع»، و تقريب هذا الفرع الذي هو مثال لما نحن فيه- من: أنّ الفضولي يبيع مال غيره لنفسه، ثم يشتريه من المالك- هو: أنّ مالك النصاب ليس مالكا للزكاة، و مع ذلك يبيعها لنفسه مع ماله. قال المحقق قدّس سرّه: إنّ البيع و الرهن صحيحان في ماله، و لا يصحّان في الزكاة و لو أدّى الزكاة من مال آخر.

و قال الشيخ قدّس سرّه: إنّ كلا البيع و الرهن صحيح بلا إجازة. و لكن استشكل فيه المحقق بما حاصله: أنّ الزكاة مملوكة للفقراء، فإذا أدّاها المالك من مال آخر فقد ملكها ملكا جديدا، و احتاج انتقالها إلى المشتري إلى إجازة المالك البائع للنصاب، لأنّ بيع النصاب كان بالنسبة إلى الزكاة فضوليّا.

(3) «إنّ» مع اسمها و خبرها خبر لقوله: «فظاهر المحقق» يعني: فظاهر المحقق صحة البيع و الرهن فيما عدا الزكاة، و لا موجب لتقدير الخبر كما في بعض الحواشي «2»، فهذا نظير قولك: «صاحب هذه الدار أنّه صديقي» فهي جملة مستقلّة اسميّة من دون تقدير خبر أصلا.

(4) يعني: فإن أدّى البائع المالك للنصاب حصة الفقراء إليهم فقد ملكها.

(5) يعني: صحّ البيع و الرّهن في تمام النصاب. فمجرّد انتقال حصة الفقراء- بدفع بدلها إليهم- إلى بائع النصاب يوجب صحة بيعها و رهنها، و يكون من صغريات «من باع شيئا ثمّ ملكه» حيث إنّ مالك النصاب باع جميع النصاب- و منه حصة الفقراء-

______________________________

(1) المعتبر، ص 276 (الطبقة الحجرية) ج 2، ص 563 (الطبعة الحديثة).

(2) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي قدّس سرّه، ج 1، ص 162.

ص: 245

و فيه (1) إشكال، لأنّ العين (2) مملوكة، و إذا أدّى العوض ملكها ملكا مستأنفا، فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة (3) كما لو باع مال غيره ثمّ اشتراه (4)»

______________________________

لنفسه، و بعد دفع حصّتهم إليهم من سائر أمواله صارت ملكا له، و اندرج مالك النصاب بالنسبة إلى الزكاة في «من باع شيئا ثمّ ملكه».

و الأولى نقل كلام الشيخ الطائفة، قال قدّس سرّه: «إذا وجبت الزكاة في ماله، فرهن المال قبل إخراج الزكاة منه، لم يصحّ الرهن في قدر الزكاة، و يصحّ فيما عداه. و كذلك الحكم لو باعه صحّ فيما عدا مال المساكين، و لا يصحّ فيما لهم. ثمّ ينظر، فإن كان الرهن «1» مال غيره و أخرج حق المساكين منه سلم الرهن جميعه، و كذلك البيع» «2».

(1) هذا كلام المحقق يعني: و فيما قاله الشيخ- من صحة البيع و الرهن- إشكال، و هذا الإشكال هو الذي مرّ آنفا بقولنا: «إنّ الزكاة مملوكة للفقراء .. إلخ».

(2) أي: الزكاة مملوكة للفقراء، و ليست ملكا للبائع حتى لا يحتاج بيعها أو هبتها إلى إجازة، و يكون بيع تمام النصاب كافيا في صحة بيعها.

هذا بناء على ما نقله المصنف من مضمون كلام المحقق، و إلّا فعبارته المتقدمة هي:

«لأن العين غير مملوكة له». و المعنى: أن العين- بناء على الإشاعة أو الكلّي في المعيّن- غير مملوكة للبائع بتمامها حتى ينفذ بيع جميع المال، و لا يحتاج إلى إجازة جديدة.

(3) لفظ «المستأنف» في كلا الموردين لا يخلو من المسامحة، لأنّ كلمة الاستيناف تستعمل- كسائر موارد استعمالها- في دخول مال في ملك إنسان بعد خروجه عن ملكه.

و من المعلوم عدم كون الزكاة كذلك، لأنّها لم تكن سابقا ملكا للمالك حتى يتجدد ملكه لها. فلعلّ الأولى أن يقال: «و إذا أدّى العوض من ماله الآخر صارت الزكاة ملكا له، فافتقر بيعها إلى إجازة».

(4) غرضه تنظير بيع الزكاة ببيع مال آخر من الأموال المملوكة لأشخاص، كما إذا باع مال زيد فضولا، فكما يتوقف صحة بيعه على إجازة زيد، فكذلك يتوقف صحة بيع

______________________________

(1) كذا في النسخة المطبوعة، و الظاهر أن الصحيح: «فإن كان للراهن مال غيره».

(2) المبسوط، ج 1، ص 208.

ص: 246

انتهى (1).

[الثاني الصحة مع الإجازة]

بل يظهر (2) ممّا حكاه عن الشيخ: عدم الحاجة إلى الإجازة، إلّا (3) أن يقول

______________________________

حصة الفقراء على الإجازة من وليّ أمرها أو ممّن يشتريها.

(1) يعني انتهى كلام المحقق قدّس سرّه في المعتبر.

(2) يستفاد هذا الظهور من إطلاق قوله: «صح البيع و الرهن» مع كونه في مقام البيان. و لعل الوجه في الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على خصوصية في نظر شيخ الطائفة، و هي: أنّه و إن وافق المحقق قدّس سرّهما في صحة بيع حصة الفقراء إذا دفع إليهم حصتهم من سائر أمواله، و لكنه زاد عليه باستغناء بيعه عن إجازته بعد تملك الزكاة.

و هذه الفتوى- بناء على عدم تعلق الخمس و الزكاة بالعين كما هو بعض المباني في كيفية تعلقهما بالمال- صحيحة، و لا يرد عليها إشكال المحقق. نعم يرد عليها بناء على تعلقهما بالعين بأحد النحوين- من الإشاعة و الكلي في المعين- كما أشار إليه المحقق قدّس سرّه بقوله: «لأنّ العين مملوكة».

________________________________________

و بالجملة: فالمحقق يقول بصحة البيع مع الإجازة، و الشيخ- بناء على استظهار المحقق- يقول بالصحة بدون الإجازة.

(3) هذا استدراك على قول المحقق: «و فيه إشكال» و حاصل الاستدراك: أنّ إشكال المحقق على شيخ الطائفة قدّس سرّهما مبني على تعلق الزكاة بالعين إمّا بنحو الإشاعة، و إمّا بنحو الكلّي في المعيّن. دون المبنى الآخر و هو تعلّقها بذمته، إذ على هذا المبنى يندرج بيع المال الزكوي في المسألة السابقة، و هي كون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، مع عدم كونه جائز التصرف حال العقد.

و الوجه في كون هذا البيع من صغريات تلك المسألة: أنّ عين المال الزكوي خالصة للمالك، لفرض استقرار حصة الفقراء على عهدته، فليس المال مشاعا بينه و بين الأصناف، و لا لهم سهم فيه على نحو الكلّي في المعيّن، بل يجب على المالك أداء الزكاة، كوجوب أداء سائر الديون لتفريغ ذمته منها.

و بناء على هذا تكون الزكاة نظير الرهن، فكما يجوز للمرتهن استيفاء الدين ببيع العين المرهونة لو امتنع الراهن عن أداء ما في ذمّته. فكذا يجوز للمستحقين استيفاء الزكاة

ص: 247

الشيخ بتعلّق الزكاة بالعين، كتعلّق الدين بالرّهن (1)، فإنّ الراهن إذا باع ففكّ الرهن قبل مراجعة المرتهن (2) لزم، و لم يحتج إلى إجازة مستأنفة [1].

______________________________

و استنقاذها من أموال المالك الممتنع عن أداء الحقّ. و عليه فبيع المال الزكوي، ثم دفع حصة الفقراء صحيح، و لا يتوقف على الإجازة. كما يصح للراهن بيع الرهن ثم فكّه بأداء الدين بلا حاجة إلى إجازة جديدة. هذا بناء على تعلّقها بالدين.

و لكن القول المشهور تعلق الزكاة بالعين، إمّا بنحو الإشاعة، و إما بنحو الكلّي في المعيّن. و تظهر الثمرة بينهما في تلف مقدار من المال، إذ التالف يحسب على المالك و الفقراء- بالنسبة- بناء على الإشاعة، و على المالك خاصة بناء على الكلي في المعيّن لو بقي من المال مقدار الزكاة.

و يحتمل كون الزكاة بأحد وجهين آخرين، و هما: كونها بنحو تعلّق حق الرهانة بالعين المرهونة، و بنحو تعلق حقّ الجناية برقبة العبد الجاني. و التفصيل موكول إلى محلّه.

(1) فإنّ الدين يكون في ذمة المديون مع كون العين المرهونة وثيقة للدين، بمعنى: أنّ للمرتهن استيفاء دينه منها، كما أنّ الزكاة تتعلّق بالذمة، و للفقير استيفاء الزكاة من النصاب، فليست الزكاة جزءا من النصاب حتى يكون النصاب مشتركا بين المالك و الفقير، و يحتاج بيع الزكاة إلى الإجازة.

(2) إذ لا يترتب أثر على الفكّ بعد المراجعة إلى المرتهن و الاستيذان منه لبيع العين المرهونة.

______________________________

[1] لكن يعارضه ما نقله صاحب المقابس عنه من حكمه ببطلان بيع ما لا يملك، فلاحظ قوله في المبسوط: «لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها، ثم يشتريها و يسلّمها إلى المشتري» و احتمل صاحب المقابس استناد حكمه بالبطلان على مختاره من فساد البيع الفضولي، حيث إنّ الخلاف في مسألة «من باع ثم ملك» يكون بعد تسلّم صحته. «1»

و لعلّ ما ذهب إليه شيخ الطائفة في مسألة بيع الزكاة و استغنائه عن الإجازة بعد دفع حصة الفقراء تعبّد مستند إلى النص، و هو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: «قلت

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36.

ص: 248

و بهذا القول (1) صرّح الشهيد رحمه اللّه في الدروس (2)، و هو (3) ظاهر المحكي عن الصيمري.

[القول الثالث البطلان]

و المحكيّ (4) عن المحقّق الثاني في تعليق الإرشاد: هو البطلان، و مال

______________________________

(1) و هو قول المحقق بصحة بيع «من باع ثم ملك» و هذا بخلاف قول الشيخ قدّس سرّه، فإنّه قائل بالصحة بدون الإجازة من الفضولي الذي صار مالكا بالفعل.

(2) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لا يشترط الإجازة في الحال، و لا كون المجيز حاصلا حين العقد، فتصح إجازة الصبي و المجنون بعد الكمال. و كذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز» «1».

(3) أي: القول بالصحة مع الإجازة ظاهر ما حكاه صاحب المقابس عن الشيخ مفلح الصيمري قدّس سرّهما «2».

(4) مبتدأ، خبره «البطلان» قال في محكي تعليق الإرشاد: «هل يصحّ البيع بمعنى عدم اشتراط الإجازة فيه أم لا؟ وجهان، و عدم الاشتراط أبعد. بل البطلان يتجه إذا قلنا إنّ الإجازة كاشفة، لأنّ انتقال الملك إلى المشتري الأوّل إذا كان في وقت العقد استلزم بطلان البيع الثاني، فينتفي الملك. و صحة البيع الأوّل فرع له» «3».

______________________________

لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل لم يزكّ إبله أو شاته عامين، فباعها، على من اشتراها أن يزكّيها لما مضى؟ قال: نعم تؤخذ زكاتها، و يتبع بها البائع، أو يؤدّي زكاتها البائع» «4»، لظهور الجملة الأخيرة في كفاية أداء الزكاة من مال آخر في صحة البيع السابق، و لزومه بالنسبة إلى تمام المبيع، مع عدم كون بعضه مملوكا له حين البيع.

و على هذا الاحتمال لا وجه لتخريج كلام الشيخ على مسألة «من باع» و التكلّف في توجيهه بابتنائه على قول شاذ عندنا، و هو تعلقه بالدين، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193.

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36

(3) الحاكي لكلامه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 196 و 197

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 86، الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1

ص: 249

إليه (1) بعض المعاصرين، تبعا لبعض معاصريه (2).

[أدلة البطلان و الجواب عنها]
اشارة

و الأقوى هو الأوّل (3)

______________________________

(1) أي: إلى البطلان، و المراد ببعض المعاصرين صاحب الجواهر قدّس سرّه، فإنّه- بعد نفي اشتراط أن يكون للعقد مجيز في حال العقد- قال: «نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني، لأنّ الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني، الذي قد فرض انتقال الملك إليه، و كل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق ..» «1» و سيأتي توضيحه في بيان الوجوه المذكورة في المقابس.

و قال في كتاب الزكاة- بعد ترجيح تعلقها بالعين على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب- ما لفظه: «و حينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان، و وقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه السّلام، أو وكيله، فيأخذ من الثمن بالنسبة. و لو أدّى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة، ضرورة عدم الملك حال البيع .. إلخ» «2». و هذه الجملة الأخيرة ظاهرة بل صريحة في بطلان بيع مالا يملكه ثم تملكه بعد البيع، فراجع.

(2) و هو المحقق الشيخ أسد اللّه الشوشتري صاحب المقابس قدّس سرّه، فالأقوال في مسألة من باع مال غيره لنفسه ثم ملكه ثلاثة.

أحدها: الصحة و لو بدون الإجازة، و هو ظاهر الشيخ قدّس سرّه.

ثانيها: البطلان و لو مع الإجازة، و هو المنسوب إلى المحقق الثاني و صاحب المقابس و صاحب الجواهر قدّس سرهم.

ثالثها: الصحة مع الإجازة، و البطلان بدونها، و هو المنسوب إلى المحقق و الشهيد و الصيمري.

(3) و هو الصحة مع الإجازة. و لمّا كانت الصحة منوطة بوجود المقتضي لها و عدم المانع عنها، فلذا ادعى المصنف وجود المقتضي لأمرين، و هما الأصل و العموم، كما نفى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 298.

(2) جواهر الكلام، ج 15، ص 142.

ص: 250

للأصل (1)

______________________________

المانع، و هو الوجوه المذكورة في المقابس،

(1) الظاهر أنّ مراده به هو الأصل العملي مع الغضّ عن الدليل الاجتهادي، و إلّا فلا مجال للأصل مع الدليل.

ثم إنّ الأصل المحكّم في المعاملات هو أصالة الفساد، فلعل المراد به أصل البراءة عن اشتراط مالكيّة المجيز حال العقد، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعيّة كالأحكام التكليفية كما هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة البراءة مثل حديث الحجب و إن لم يكن مرضيّا عند المصنف قدّس سرّه [1].

______________________________

[1] و لو جرت أصالة البراءة عن شرطية كون المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد، أو عن مانعية تبدله حالها بمالك آخر حاله، كانت مقدّمة على أصالة الفساد، لتسبب الشك في الفساد عن الشك في شرطية الخصوصية المحتملة أو مانعيتها، كما ذهب إليه بعض أجلّة المحشين «1».

لكن يشكل إرادة أصالة البراءة هنا بكونها مثبتة، لأنّ ترتب الملكية على العقد الفاقد للخصوصية المشكوكة عقلي. و كذا الكلام لو أريد بالأصل استصحاب عدم المجعول.

و أفاد السيد الطباطبائي قدّس سرّه: أن الأصل هنا ليس دليلا مستقلا في قبال العمومات، إذ المراد به إمّا القاعدة الاجتهادية المستفادة من العمومات من صحة كل عقد شك في صحته شرعا. و إمّا الأصل العملي و هو أصالة عدم شرطية مالكيّة المجيز حين العقد، و هي لا تجدي إلّا بضميمة العمومات، إذ بدونها يكون الأصل المحكّم هو أصالة الفساد «2»، هذا.

و قد ذكرنا في المقدمة الباحثة عن ألفاظ العقود شطرا من الكلام حول جريان أصالة البراءة في الشك في الشرطية في المعاملات، فراجع «3».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايروانى، ج 1، ص 134- 135.

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 163

(3) هدى الطالب، ج 2، ص 316- 326.

ص: 251

و العمومات (1) السليمة عمّا يرد عليه، ما عدا أمور لفّقها بعض (2) من قارب عصرنا ممّا يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح و جامع المقاصد:

[الأوّل: أنّه قد باع مال الغير لنفسه]

الأوّل (3): أنّه قد باع مال الغير لنفسه،

______________________________

(1) و هي قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فإنّ هذه العمومات تشمل ما نحن فيه أعني به بيع الفضولي مال الغير لنفسه، و وقوعه للمالك، سواء تملّكه البائع بعد البيع أم لم يتملكه.

و الوجه في شمول العمومات للمقام هو: أنّ العقد الواقع بين الفضولي و طرفه واجد للشرائط حسب الفرض ما عدا أمرين: أحدهما: استناد العقد إلى المالك أو من هو بمنزلته.

ثانيهما: الرضا بالبيع. و المفروض حصولهما بالإجازة المتأخرة.

و احتمال اعتبار اتّحاد المالك حال العقد و الإجازة يندفع بأصالة العموم بعد إحراز صدق «العقد و التجارة و البيع» على ما أنشأه الفضول، هذا.

(2) لا يخفى أن الأنسب التعبير عن الوجوه المذكورة في المقابس ب «ما حقّقها أو أفادها» دون التلفيق، خصوصا مع تعبير المصنف عنه في غالب الموارد ب «بعض المحققين» ممّا ينبئ عن الاعتراف بمكانته في الفقه و دقة نظره.

ثم لا يخفى أنّ الأمور التي نقلها المصنف عنه سبعة، و لكن الموجود في المقابس وجوه ستة من الخلل مانعة عن تصحيح مسألة «من باع» و الوجه السابع طائفة من الأخبار استدلّ بها على البطلان.

(3) أي: الأمر الأوّل من الأمور التي أوردها المحقق المتقدم على صحة بيع الفضولي مال الغير لنفسه ثم اشتراه فأجازه.

و توضيحه: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه عقد الموضع الثاني- من مواضع البحث في بيع الفضولي- لأجل تحقيق حكم بيع الفضولي مال الغير لنفسه لا لمالكه، و ذكر وجوها خمسة لبطلانه، و عدم وقوعه للمالك لو أجاز، و قوّى هو الفساد، فقال في بعض كلامه: «و حيث كان الحكم على خلاف الأصل ناسب الاقتصار على محلّ اليقين، فلا يكتفى بإجازة بيع الفضولي إذا أوقعه عن نفسه- خصوصا إذا سمّى نفسه في العقد- بل يجدد العقد ثانيا».

ص: 252

و قد مرّ الإشكال فيه (1)، و ربّما لا يجري فيه (2)

______________________________

و قد مرّ نقل هذه الوجوه و تحقيقها في المسألة الثالثة من مسائل البيع الفضولي التي عنونها المصنف بقوله: «أن يبيع الفضولي لنفسه، و هذا غالبا يكون في بيع الغاصب ..

إلخ» «1» فكان من وجوه الاشكال أنّ إطلاق النبويّين: «لا تبع ما ليس عندك، «لا بيع إلّا في ملك» يشمل بيع الفضولي لنفسه و لمالكه، فكلّ منهما منهي عنه، فيقع فاسدا. و يجري فيه أيضا سائر الإشكالات المذكورة هناك مثل قوله: «و منها: أن الفضولي إذا قصد بيع مال الغير لنفسه فلم يقصد حقيقة المعاوضة، إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة .. إلخ».

و حيث كانت العقود تابعة للقصود، و لم يتمشّ قصد المبادلة ممّن يبيع مال الغير لنفسه، تعيّن الحكم ببطلانه، و كان هذا المحذور بنظر صاحب المقابس غير قابل للتفصّي عنه بوجه.

و بهذا يظهر أنّ هذا الوجه الأوّل لو تمّ كان معناه عدم وجود المقتضي لشمول عموم مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لبيع الفضولي لنفسه، لأنّ شمول العموم منوط بتحقق الموضوع، و هو العقد و البيع المتقوّمان بالقصد الجدّي إلى المدلول، فالإنشاء المجرّد عن القصد ليس عقدا و لا بيعا و لا تجارة حتى يمكن تصحيحه بالعموم و الإطلاق. و ليس الكلام في المانع- بعد إحراز المقتضي- ليتمسك بالعموم لدفعه.

(1) هذا كلام صاحب المقابس، و مقصوده من «و قد مرّ» ما ذكرناه آنفا، و هو الموضع الثاني الذي عقده للبحث عن حكم بيع مال الغير لنفسه. و عبارة المتن منقولة بالمعنى، إذ عبارة المقابس: «و قد مرّ الكلام فيه».

(2) أي: لا يجري في ما نحن فيه- و هو مسألة «من باع شيئا ثم ملكه»- بعض وجوه الإشكال المتقدمة في بيع الفضولي مال الغير لنفسه.

و مراده من بعض الوجوه المختصّ ببيع الغاصب لنفسه و لا يجري في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو الوجه الأوّل و الرابع في ما ذكره صاحب المقابس في بيع الغاصب، حيث إنّه نقل عن المحقق الكركي قدّس سرّه «أن الغصب أمارة عدم رضا المالك». فهذا الوجه

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 539، و ما بعدها.

ص: 253

بعض ما ذكر هناك (1).

و فيه (2): أنّه قد سبق أنّ الأقوى صحّته، و ربما يسلم هنا (3) عن بعض الإشكالات الجارية هناك (4)، مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان.

______________________________

لا مورد له في مسألة «من باع» لأنّ الفضولي لم يتصرف في المال، و إنما ينشئ بيعه بقصد أن يشتريه من مالكه ليسلّمه إلى المشتري.

و كذا الوجه الرابع المختص بعلم المشتري بأنّ البائع غاصب. فلا مورد لهذا الوجه في مسألة «من باع» لما فيه أوّلا: من اختصاصه بعلم المشتري بعدم مالكيته للمبيع.

و ثانيا: بما أجاب به صاحب المقابس هناك من انفكاك أمر العقد عن القبض، فراجع «1».

(1) أي: في مسألة بيع الفضولي لنفسه، و هو غالبا يكون في بيع الغاصب.

(2) أي: و فيما أفاده صاحب المقابس- من الأمر الأوّل- نظر، وجهه ما تقدم في المسألة الثالثة من منع الكبرى- و هي فساد بيع الفضولي لنفسه- لما عرفت من اندفاع وجوه الخلل و الاشكال فيه، و أنّ الأقوى صحته. و حيث كانت مسألة «من باع» من صغريات «بيع الفضولي لنفسه» فلذا نقول بصحتها للأصل و العمومات.

بل نقول: انّ مسألة «من باع» أقرب إلى الصحة من مسألة «بيع الفضولي لنفسه» لأن الإشكال الرابع المتقدم هناك- و هو «أن المنشأ غير مجاز، و المجاز غير منشأ»- لا موضوع له في المقام كما سيظهر.

(3) أي: في «من باع شيئا ثم ملكه» فإنّه يسلم عن إشكال مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان في بيع الغاصب، حيث إنّ الإجازة تقتضي نفوذ عقد الفضولي للمالك المجيز، لاقتضاء المعاوضة خروج المثمن عن ملكه و دخول الثمن في ملكه، مع أنّه خلاف ما قصده الغاصب من بيع المال المغصوب لنفسه، فالمنشأ غير المجاز، و المجاز غير المنشأ.

و هذا المحذور مفقود في بيع ما لا يملكه ثم تملكه، لأنّه باع لنفسه، و الإجازة وقعت على ما قصده. فإشكال مخالفة الإجازة لما قصده العاقد الغاصب لا يجري في مسألة: «من باع ثم ملك».

(4) أي: المسألة الثالثة المتقدمة في (ج 4، ص 539).

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33.

ص: 254

[الثاني: أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة]

الثاني (1): أنّا حيث جوّزنا بيع غير المملوك (2) مع انتفاء الملك و رضا المالك و القدرة (3) على التسليم، فقد اكتفينا بحصول ذلك (4) للمالك المجيز (5)، لأنّه البائع

______________________________

(1) أي: الأمر الثاني من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه. و محصّل هذا الاشكال- على صحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه»- هو: أنّ بيع الفضول لا بدّ أن يكون واجدا لجميع الشرائط المعتبرة في صحته التأهلية حتى تتوقّف صحته الفعلية على فعلية الإجازة فقط. و هذا في بيع الفضول للمالك ثابت، لأنّ من يراد البيع له- و هو مالك المال المعقود عليه فضولا- واجد للقدرة على التسليم، و إمكان الرضا المنوط به النقل و الانتقال، و إن كانت هذه الأمور منتفية في العاقد، لعدم اعتبارها فيه.

فهذا العقد الصادر من الفضول واجد لجميع ما يعتبر في الصحة التأهّلية بقول مطلق.

و هذا بخلاف العقد الصادر من الفضول هنا، إذ المفروض أنّ من يراد وقوع البيع له هو نفس العاقد الفضول. و من المعلوم أنّه ليس واجدا للقدرة المؤثرة في نفوذ هذا العقد، لأنّ قدرة الأجنبي على تقدير وجودها كالعدم. و كذا الحال في رضاه، فإنّ فعليّته لا تجدي فضلا عن إمكانه. فمن له الصحة التأهلية للعقد- و هو مالك المال- غير مراد، إذ لم يقع العقد له. و المراد هو الذي وقع البيع له أعني به العاقد الفضول. إلّا أنّ العقد ليس بالإضافة إليه واجدا للصحة التأهلية. فهذا العقد الفاقد للصحة التأهلية بالإضافة إلى المالك ليس قابلا للصحة الفعلية، لعدم تعقل الصحة الفعلية بدون الصحة التأهّلية، فإنّ العقد في نفسه ليس قابلا للصحة التأهلية.

(2) يعني: غير المملوك للفضولي، كحصة الفقراء- في مثال بيع المال الزكوي- التي لا تكون مملوكة للعاقد الفضول.

(3) هذا و ما قبله معطوفان على «الملك» يعني: مع انتفاء الملك و الرضا و القدرة على التسليم عن العاقد الفضول.

(4) أي: ما ذكر من الملك و رضا المالك و القدرة على التسليم.

(5) يعني: في الفضولي المعهود الذي يبيع للمالك، فإنّ المالك المجيز هو البائع حقيقة، لانتساب العقد إليه بإجازته.

ص: 255

حقيقة، و الفرض هنا (1) عدم إجازته (2)، و عدم وقوع البيع عنه.

و فيه (3): أنّ الثابت هو اعتبار رضا من هو المالك حال الرضا (4)، سواء ملك حال العقد أم لا (5)، لأنّ الداعي على اعتبار الرضا سلطنة الناس على أموالهم،

______________________________

(1) هذا هو وجه الإشكال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يعني: أنّ المفروض في هذه المسألة الخلل من ناحيتين.

إحداهما: أنّ المالك حال العقد لم يجز هذا البيع الفضولي، فلم يستند العقد إليه.

و ثانيتهما: عدم وقوع البيع عن المالك، إذ المفروض قصد وقوعه لنفسه.

(2) هذا الضمير و ضمير «عنه» راجعان إلى المالك المجيز.

(3) أي: و في هذا الأمر الثاني الذي أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه أن الثابت .. إلخ.

و توضيحه: أنّ كلام المقابس دلّ على فقد أمرين في مسألة «من باع ثم ملك» أحدهما رضا المالك، و الآخر قدرته على التسليم. و المصنف قدّس سرّه أجاب عن كل منهما مستقلا.

أمّا رضا المالك فمحصّل ما أفاده فيه: أنّ أدلة اعتبار الرضا- و هي سلطنة الناس على أموالهم، و عدم حلّ الأموال لغير أربابها بغير طيب أنفسهم، و قبح التصرف فيها بغير رضاهم عقلا- لا تقتضي إلّا اعتبار الرضا فيمن هو مالك حال الرضا، لأنّ المالك حين الإجازة و هو المتصف بكونه بائعا لا بدّ أن يكون راضيا، سواء أ كان مالكا حين العقد أم لم يكن.

هذا بالنسبة إلى طيب نفس المالك. و أما القدرة على التسليم فسيأتي الكلام فيه.

(4) لأنّ الرضا يوجب النفوذ، فلا بدّ من وجود الرضا و غيره من الشرائط حين نفوذ العقد، سواء أ كان المالك حين الإجازة و الرضا هو المالك حين العقد أم لا، و المفروض في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» كون المالك حال الإجازة- و هو العاقد الفضول الذي صار مالكا فعليا للمبيع- غير مالكها حين العقد، فشرائط صحة العقد تأهّلا موجودة للمالك الفعلي المجيز و هو الفضول. فلا يلزم ما ذكره المحقق صاحب المقابس من انتفاء رضا المالك، لأن شرط صحة العقد رضا المالك حال استناد العقد إليه، و هو حال الإجازة.

(5) لأنّ اعتبار كون المجيز المالك حال الإجازة هو المالك حين العقد قيد زائد لا دليل عليه، و هو منفي بإطلاق الأدلة.

ص: 256

و عدم حلّها لغير ملّاكها بغير طيب أنفسهم، و قبح (1) التصرّف فيها بغير رضاهم.

و هذا (2) المعنى لا يقتضي أزيد ممّا ذكرنا (3).

و أمّا القدرة (4) على التسليم فلا نضايق (5) من اعتبارها في المالك حين العقد، و لا يكتفى بحصولها (6) فيمن هو مالك حين الإجازة. و هذا (7) كلام آخر لا يقدح

______________________________

(1) هذا و «عدم» معطوفان على «سلطنة».

(2) و هو كون الداعي إلى اعتبار رضا المالك هي الأدلة الثلاثة المتقدمة.

(3) و هو أنّ الثابت من تلك الأدلة اعتبار رضا من هو مالك حين الإجازة، لأنّ المالك الفعلي للزكاة- في مثال بيعها قبل إخراجها- بعد دفع بدلها من أمواله الأخر إلى الفقراء هو مالك النصاب، فيعتبر رضاه ببيعها فضولا مع بيع النصاب بمقتضى سلطنته على ماله، و غيرها.

(4) هذا تمهيد لدفع إيراد صاحب المقابس على صحة بيع المالك مالا يملكه حال العقد بانتفاء القدرة على التسليم في هذا البيع، حيث إنّ البائع ليس مالكا للمبيع حين العقد حتى يكون قادرا على تسليمه، مع وضوح شرطية القدرة في صحة البيع.

(5) أي: فلا نضايق من اعتبار القدرة في المالك حين العقد.

و قوله: «فلا نضايق» دفع لإشكال القدرة على التسليم، و محصّله: أنّا لا ننكر اعتبار القدرة في المالك حين العقد و إن لم يكن مجيزا، فإنّ القدرة على التسليم حاصلة للمالك حين الإجازة، كحصولها للمالك حال العقد فلا يبقى مجال لدعوى انتفاء القدرة على التسليم.

(6) هذا الضمير و ضمير «اعتبارها» راجعان إلى القدرة.

(7) يعني: و اعتبار القدرة في المالك حين العقد كلام آخر غير مرتبط بما نحن فيه، و هو مسألة «من باع مال الغير لنفسه فضولا ثم ملكه بالشراء أو الإرث، فأجاز البيع».

وجه عدم ارتباطه بما نحن فيه هو: أنّ البحث في مسألة «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثمّ ملكه فأجاز البيع» إنّما يكون بعد الفراغ عن واجديّة ذلك البيع الفضولي لشرائط الصحة، إذ محطّ البحث في هذه المسألة إنّما هو في كفاية الإجازة في صحة بيع الفضولي مع صيرورته مالكا فعليّا لما باعه فضولا، بعد فرض جامعية ذلك البيع الفضولي

ص: 257

التزامه في صحّة البيع المذكور (1)، لأنّ (2) الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها.

[الثالث: أنّ الإجازة حيث صحت كاشفة]

الثالث (3): أنّ الإجازة

______________________________

لجميع الشرائط.

و بعبارة اخرى: انّا نلتزم باشتراط صحة البيع بقدرة من هو مالك حين العقد على تسليم المبيع للمشتري. فإن كان «من باع شيئا ثم ملكه» مطمئنا برضا المالك بإقباض المبيع فقد صحّ بيعه، كسائر البيوع الفضولية. و إن لم يكن مطمئنا به فسد بيعه، لفقد شرط الصحة.

و عليه فلا خصوصية في مسألة «من باع شيئا» من جهة القدرة على التسليم، لأنّها من الشرائط العامّة لبيع الأصيل و الفضول. مع أنّ المقصود بالبحث فعلا ملاحظة المحاذير المختصة بمسألة «من باع» فلا وجه لدعوى فقد التمكن من التسليم هنا.

(1) و هو: من باع شيئا ثم ملكه.

(2) تعليل لعدم قدح التزام اعتبار القدرة في المالك حين العقد في صحة بيع مالا يملكه ثم تملكه. و حاصله: أنّ الكلام في صحّة بيع الفضول- الذي صار مالكا فعليا و أجاز- يكون بعد فرض جامعيته للشروط التي ثبتت شرطيتها في البيع.

(3) هذا ثالث الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه معترضا بها على صحة البيع بالإجازة في مسألتنا، و هي «من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز».

و محصل هذا الأمر الثالث: أنّه- بعد البناء على عموم دليل صحة الإجازة و كاشفيّتها في جميع الموارد حتى في مسألتنا هذه- يلزم أمر غير معقول، و هو اجتماع النقيضين. توضيحه: أنّه إذا باع زيد مثلا مال أبيه لنفسه فضولا يوم الجمعة على عمرو، ثمّ ملك ذلك المال بالشراء أو الإرث يوم السبت، فأجاز ذلك البيع الفضولي يوم الأحد، لزم بناء على كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك زيد يوم الجمعة. مع أنّه لم يدخل في ملكه إلّا يوم السبت، و لا يعقل خروج المال عن ملك شخص قبل دخوله في ملكه، فيلزم أن يكون زيد مالكا لذلك المال يوم الجمعة و غير مالك له في يومها، و ليس هذا إلّا التناقض.

ص: 258

- حيث صحّت (1)- كاشفة (2) على الأصحّ مطلقا (3)، لعموم (4) الدليل الدالّ عليه (5)،

______________________________

و يلزم أيضا اجتماع المالكين على مال في زمان واحد، فإنّ المبيع فضولا يكون في يوم الجمعة مملوكا لمالكين، أحدهما: المالك الأوّل أعني به والد زيد، و الآخر: عمرو الذي هو المشتري من زيد العاقد الفضولي.

و كلا هذين اللازمين محال عقلا. و لا فرق في استحالة اجتماع النقيضين و الضدين بين الأعراض الخارجية و الأمور الاعتبارية. و هذا المحذور العقلي يمنع جواز التمسك بالعمومات لصحة البيع الفضولي، فلا محيص حينئذ عن الرجوع إلى الأصل العملي، و هو في المقام أصالة الفساد أي استصحابه، إذ نشكّ بعد صدور الإجازة في البيع الفضولي في ترتب الأثر على العقد، فيستصحب عدمه.

فالمتحصل: عدم الدليل على صحة عقد الفضولي، فلا بدّ من القول ببطلانه.

(1) في قبال بطلانها و عدم تأثيرها في نفوذ بيع الفضولي، كما يذهب إلى لغوية الإجازة من يقول بفساد العقد الفضولي رأسا.

(2) خبر قوله: «ان الإجازة» و قوله: «على الأصح» إشارة إلى كونها ناقلة، كما هو مختار بعض. و ظاهر العبارة أنّ المحقق صاحب المقابس أورد هذا الأمر الثالث بناء على الكشف الحقيقي أي حصول النقل من زمان العقد، لا من حين الإجازة، لا الكشف الحكمي الذي نقله المصنف عن شيخه شريف العلماء.

و كيف كان فهذا المحذور الثالث قد جعله فخر المحققين وجها لرأي العلّامة من بطلان بيع ما لا يملكه ثم تملّكه، قال في الإيضاح: «و يحتمل البطلان، لتضاد ملكي شخصين لشي ء واحد بعينه، و قد تحقّق أحد الضدين، فينتفي الآخر»، و نحوه كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، فراجع «1».

(3) يعني: حتى في ما إذا باع الفضولي لنفسه، ثم ملك و أجاز.

(4) تعليل لكاشفية الإجازة في جميع أفراد عقد الفضولي.

(5) أي: على كون الإجازة كاشفة.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 73.

ص: 259

و يلزم حينئذ (1) خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه (2).

و فيه (3): منع كون الإجازة كاشفة

______________________________

(1) أي: حين القول بكاشفية الإجازة مطلقا.

(2) أي: في ملك البائع، و هذا نقل عبارة المقابس بالمعنى، و إلّا فنصّ كلامه هو:

«قبل دخوله في ملكه، و هو محال» فلاحظ.

(3) أي: و في هذا المحذور العقلي الذي أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه إشكال.

توضيح ذلك: أنّ عقد الفضولي إذا كان في نفسه جامعا لشرائط الصحة، و لم يكن مانع عن تأثيره و نفوذه إلّا عدم رضا المالك، فإن أجاز المالك صحّ العقد من حين وقوعه.

و إن لم يجز و انتقل المال الذي عقد عليه فضولا إلى العاقد الفضول بالشراء أو الإرث، و أجاز هو عقده الفضولي، وقع البيع له، و نفذ من زمان الإجازة لا من زمان العقد، إذ شرط صحة الإجازة و قابليتها لتأثير العقد و تنفيذه أن تكون صادرة ممّن له أهليّة الإجازة، و من المعلوم إناطة أهليتها بصدورها عن المالك التام المالكية، بأن لا يكون محجورا عن التصرف في ماله.

و بالجملة: فدليل اعتبار الإجازة يدلّ على اعتبارها في محلّ قابل، و قابلية المحل منوطة بمالكية المجيز، فبدونها ليست الإجازة قابلة لتصحيح العقد و تنفيذه.

و على هذا فإجازة العاقد الفضول- الذي صار مالكا فعلا للمال المعقود عليه فضولا- كاشفة عن صحة العقد الفضولي من زمان تملكه لما باعه فضولا، لا من زمان وقوع العقد، لأنّ قابلية الإجازة للتأثير إنّما تكون من زمان تملك المجيز لا من زمان العقد لعدم كونه مالكا للمال حين العقد حتى تصلح إجازته للتأثير من زمان صدوره.

فلا يلزم حينئذ من صحة الفضولي تناقض و لا تضاد حتى نضطرّ إلى رفع اليد عن العمومات الدالة على صحة عقد الفضولي، و نرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الفساد، و نلتزم ببطلان عقد الفضولي كصاحب المقابس.

و بعبارة أخرى: كلام صاحب المقابس قدّس سرّه مبني على أنّ الإجازة في جميع البيوع الفضولية كاشفة عن ترتب النقل و الانتقال عليها من حين إنشائها، فلذا يتوجه المحذور المتقدم من اجتماع مالكين على مال واحد و غيره.

ص: 260

مطلقا (1) عن (2) خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد حتى (3) فيما لو كان المجيز غير مالك حين العقد (4)، فإنّ (5) مقدار كشف الإجازة تابع لصحّة البيع.

______________________________

و هذا المبنى ممنوع، لأنّ الإجازة و إن كانت كاشفة، لكن المتّبع هو دليل الاعتبار، و المستفاد منه إمكان الكشف، فإن أمكن ترتّب النقل من زمان العقد كشفت الإجازة عنه، كما في بيع الفضول للمالك، ثم إجازته له.

و إن امتنع ترتب الأثر من حين العقد و أمكن ترتبه عليه من زمان لاحق، كشفت الإجازة عن حصول الأثر في الزمان المتأخر، و لا يحكم بلغوية الإجازة لمجرّد امتناع تأثيرها من زمان العقد.

و حينئذ فلمّا ثبت قابلية بيع الفضول مال الغير لنفسه للصحة- كما تقدم في المسألة الثالثة التي عقدها المصنف قدّس سرّه- قلنا: إنّ هذا البائع لم يكن أهلا للإجازة حين بيع مال الغير، و لكنه بعد تملكه للمال صار أهلا لأن يجيز، فلا مانع من وقوع البيع له و استناده إليه بإجازته. و هذه الإجازة كاشفة عن دخول المال في ملك الأصيل- المشتري- من زمان تملك المجيز له، لا من زمان العقد. و لا محذور شرعا و لا عقلا في الالتزام بالكشف بهذا المعنى.

و يمكن التنظير له بالهبة الفضولية، فإنّ المتّهب لا يتملّك العين من زمان العقد لو أجاز المالك، بل يتملّكها من حين القبض، و هذا شاهد على أنّ القول بالكشف لا يستلزم تحقق النقل و الانتقال من زمان العقد في جميع الموارد، لأنّ الإجازة تابعة للعقد المجاز.

هذا.

(1) أي: سواء أ كان المجيز مالكا حين العقد أم لا.

(2) متعلق ب «كاشفة» و قوله: «عن ملك، من حين العقد» متعلّقان ب «خروج».

(3) هذا بيان المراد من قوله: «مطلقا».

(4) كمسألتنا، و هي: من باع شيئا ثم ملكه.

(5) تعليل لمنع كون الإجازة كاشفة- في جميع الموارد- عن ترتّب الأثر من زمان العقد، بل تتبع صحّة العقد المجاز. فإن كان جامعا لشرائط التأثير عدا رضا المالك كشفت الإجازة عن ترتب الأثر من زمان العقد. و إن لم يكن جامعا لها- كما في مسألة من باع

ص: 261

فإذا (1) ثبت بمقتضى العمومات أنّ العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد صدر من أهل العقد (2) في المحلّ القابل للعقد عليه (3)، و لا مانع (4) من وقوعه إلّا عدم رضا مالكه، فكما (5) أنّ مالكه الأوّل إذا رضي يقع البيع له، فكذلك مالكه الثاني (6) إذا رضي يقع البيع له. و لا دليل (7) على اعتبار كون الرضا المتأخّر (8)

______________________________

شيئا ثم ملكه- كشفت عن ترتب الأثر من أوّل أزمنة الإمكان، و هو زمان دخول المال في ملك المجيز.

(1) هذا بيان لوجود المقتضي لصحّة عقد الفضولي لنفسه، و حاصله شمول العمومات له، كما تقدّم في المسألة الثالثة.

(2) لكون الفضوليّ قاصدا جدّا للمعاملة، و لم يكن داعيه الهزل و المزاح.

(3) لكون المبيع ممّا يصحّ بيعه، لخلوّه عن الموانع.

(4) أي: من وقوع العقد. و هذا إشارة إلى مانع الصحة، و هو عدم رضا مالك المال.

فإذا حصل رضا المالك أثّر العقد أثره، لوقوع الإجازة في محلّها، سواء أ كان هو المالك الأوّل كما هو الحال في بيع الفضولي للمالك، فيجيزه، أم هو الثاني أي العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعلا.

(5) الجملة جواب الشرط في قوله: «فإذا ثبت».

(6) و هو العاقد الفضولي الذي تملّك المال- الذي باعه فضولا- بالشراء أو بالإرث.

(7) هذا إشارة إلى منشأ إشكال صاحب المقابس قدّس سرّه «من خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه» حيث إنّ منشأه اعتبار كون الرضا و الإجازة ممن هو مالك حال العقد، و المفروض أنّه لا دليل على هذا التقييد. بل مقتضى الدليل هو صدور الرضا و الإجازة ممّن يصلح رضاه لتنفيذ العقد، و هو ليس إلّا المالك حين الإجازة، سواء أ كان هو المالك الأوّل أم المالك الثاني، و هو العاقد الفضولي، أو غيره ممّن ملك المال الذي بيع فضولا.

و بالجملة: فلا دليل على اعتبار كون المجيز هو المالك حال العقد.

(8) كما في العقود الفضولية، فإنّ رضا المالكين فيها متأخر عن نفس العقود، بخلاف العقود غير الفضولية، لمقارنة رضا المالكين فيها للعقود.

ص: 262

ممّن (1) هو مالك حال العقد.

و حينئذ (2) فإذا (3) ثبتت صحّته بالدليل، فلا محيص عن القول بأنّ الإجازة كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته (4)، إذ لا يمكن الكشف فيه (5) على وجه آخر (6)، فلا يلزم من التزام هذا المعنى (7) على الكشف (8) محال عقليّ (9) و لا شرعيّ (10) حتّى يرفع اليد من أجله (11) عن العمومات المقتضية للصحّة.

______________________________

(1) خبر قوله: «كون».

(2) أي: و حين عدم الدليل على اعتبار كون الرضا المتأخر ممّن هو مالك حال العقد.

(3) هذه نتيجة ما أثبته من صحّة العقد بالدليل، و عدم دليل على اعتبار كون الرضا المتأخّر ممّن هو مالك حين العقد.

(4) أي: قابليّة الإجازة، و الأولى تأنيث الضمير. و يمكن رجوع الضمير إلى «خروج المال». و وقت قابلية الإجازة للكشف زمان تملّك العاقد الفضوليّ بالشراء أو الإرث المال الذي باعه فضولا كما مرّ آنفا.

(5) أي: فيما نحن فيه، و هو: ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من مالكه و أجاز.

(6) و هو الكشف مطلقا و إن لم يكن المجيز مالكا حين العقد، كما يقول بهذا الإطلاق صاحب المقابس، و يورد عليه بلزوم خروج المال عن ملكه قبل دخوله فيه.

(7) و هو خروج المال عن ملك المجيز في أوّل أزمنة قابليّته، و هو زمان تملّكه بالشراء أو الإرث.

(8) متعلق ب «يلزم» يعني: فلا يلزم محال على الكشف بهذا المعنى.

(9) كاجتماع النقيضين و اجتماع الضدين، على التقريب المتقدم آنفا.

(10) كمخالفة دليل شرعي يدلّ على لزوم كشف الإجازة عن صحة العقد من زمان وقوعه مطلقا و إن لم يكن المجيز مالكا حين العقد حتى يكون الالتزام بكون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من زمان تملّك المجيز مخالفا لذلك الدليل، و محالا شرعيّا.

لكن ليس من ذلك الدليل عين و لا أثر.

(11) أي: من أجل المحال العقلي و الشرعي كما يدّعيه صاحب المقابس، و يرفع

ص: 263

فإن كان لا بدّ من الكلام (1) فينبغي في المقتضي (2) للصحّة، أو في القول بأنّ الواجب في الكشف- عقلا أو شرعا- أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد (3).

و قد عرفت (4) أن لا كلام في مقتضي الصحّة، و لذا (5) لم يصدر (6) من المستدلّ على البطلان، و أنّه (7) لا مانع عقلا و لا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان

______________________________

اليد عن العمومات المقتضية للصحة، و يقول ببطلان عقد الفضولي في مسألة: من باع شيئا ثم ملكه فأجاز.

(1) أي: فإن كان لا بدّ من الاشكال و المناقشة- في صحة بيع من باع لنفسه، ثم ملكه بالشراء أو الإرث و أجاز- فينبغي أن يكون الإشكال في ناحية المقتضي للصحة، بأن يقال: إنّه لا مقتضي لصحة هذا البيع، لعدم شمول العمومات له.

أو يقال: إنّ اللازم في كاشفية الإجازة خروج المال عن ملك المجيز حال العقد، دون غيره ممّن ملك المال بعد زمان العقد كما في من باع شيئا ثم ملك، فإنّ المجيز- و هو العاقد الفضولي- ملك المال بعد زمان العقد.

(2) و هي العمومات المتقدمة في (ص 252).

(3) بأن يكون المجيز هو المالك حال العقد، دون المالك في غير زمان العقد، كمن باع مال غيره لنفسه ثمّ ملكه و أجاز، فإنّ المجيز حينئذ غير المالك حين العقد.

فقوله: «وقت العقد» قيد ل «ملك المجيز» يعني: خروج المال المملوك له حال العقد عن ملكه.

(4) أي عرفت عدم الكلام و الإشكال في وجود مقتضي الصحة، حين قال في (ص 262): «فإذا ثبت بمقتضى العمومات .. إلخ».

(5) أي: و لأجل تماميّة مقتضي الصحة، و هي العمومات المتقدّمة الدالة على صحة بيع «من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز» لم يصدر من صاحب المقابس- المستدل على بطلانه بالأمور التي أفادها- كلام يشعر ببطلان البيع المذكور من ناحية المقتضي.

(6) أي: لم يصدر كلام من المستدل.

(7) معطوف على «أن لا كلام» يعني: و قد عرفت أنّه لا مانع .. إلخ.

ص: 264

قابليّة تأثيرها (1).

و لا يتوهّم (2) أنّ هذا (3) نظير ما لو خصّص المالك الإجازة بزمان متأخّر عن العقد، إذ (4) التخصيص إنّما يقدح مع القابليّة (5). كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك

______________________________

و غرضه من هذا الكلام ردّ الوجه الثاني المذكور بقوله: «أو في القول بأن الواجب .. إلخ». كما أنّ قوله: «و قد عرفت أن لا كلام في مقتضي الصحة .. إلخ» ردّ للوجه الأوّل المذكور بقوله: «فان كان لا بدّ من الكلام فينبغي في المقتضي للصحة» و قد تقدّم آنفا تقريب كلا الردّين.

(1) و هو زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا.

(2) هذا الكلام يتضمّن و هما و دفعا. أمّا الوهم فهو: أنّ تخصيص كاشفية الإجازة بزمان قابليتها للتأثير- و هو زمان تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا و عدم تأثيرها من زمان صدور العقد في مسألتنا، و هي «من باع ثم ملك و أجاز»- يكون نظير تخصيص المالك إجازة بيع ماله الذي بيع فضولا بزمان متأخر عن العقد، كما إذا باعه الفضولي يوم الجمعة، و خصّص المالك إجازته بيوم السبت، بحيث يكون مبدء زمان تأثيرها و كاشفيّتها يوم السبت. فكما لا يجوز التخصيص هناك، فكذلك في مسألة: من باع ثم ملك و أجاز.

و أمّا دفع الوهم المزبور فملخّصه: أنّ القياس مع الفارق. توضيحه: أنّ قابلية الإجازة للكشف عن صحة العقد من حين وقوعه موجودة في المقيس عليه، فتخصيص تأثيرها بزمان متأخر خلاف الجعل الشرعي، فلا يجوز. و هذا بخلاف المقيس، فإنّ قابلية الإجازة للتأثير تحدث عند صيرورة المال ملكا للفضولي بالشراء أو الإرث، فلا يعقل تأثيرها قبل حدوث القابلية لها. فتعميم تأثير الإجازة لما قبل مالكية الفضولي للمال لغو.

(3) أي: بيع الفضولي مال الغير لنفسه، و إجازته بعد تملّكه لذلك المال.

(4) هذا تقريب دفع الوهم المذكور، و قد مرّ آنفا بقولنا: «و أمّا دفع الوهم المزبور».

(5) غرضه لغويّة التخصيص بزمان متأخّر عن العقد مع قابلية تأثير الإجازة من زمان وقوع العقد، لكون التخصيص خلاف الحكم الشرعي، و هو نفوذ الإجازة من حين العقد.

ص: 265

المجيز- بناء (1) على ما سبق (2) في دليل الكشف: من أنّ معنى الإجازة إمضاء العقد من حين الوقوع، أو إمضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع- غير (3) قادح مع عدم قابليّة تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع [1].

______________________________

(1) الظاهر أنّه قيد لقوله: «انما يقدح مع القابلية» يعني: أنّ قدح التخصيص بزمان متأخر عن العقد مبني على كون معنى الإجازة إمضاء العقد من حين وقوعه بمقتضى إطلاق العقد، و عدم تقيده بزمان دون زمان. أو كون معنى الإجازة إمضاء العقد الذي يقتضي مفهومه النقل من حين العقد.

و على التقديرين تكون الإجازة منفّذة للعقد من حين وقوعه. فتخصيص نفوذ الإجازة بزمان متأخّر عن العقد خلاف الجعل الشرعي، فلا عبرة به.

و على ما ذكرنا من قيدية قوله: «بناء على ما سبق» لقوله: «إنّما يقدح» ينبغي تقديم: «بناء على ما سبق» على قوله: «كما أنّ تعميم الإجازة .. إلخ» بأن يقال: «إنّما يقدح مع القابلية بناء على ما سبق» إلى قوله «من حين الوقوع». ثم يقال: «كما أنّ تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز- ممّن باع ثم ملك و اجازه- لما قبل ملكه غير قادح، مع عدم قابلية تأثيرها إلّا من زمان ملك المجيز للمبيع».

و الوجه في عدم قدح التعميم و التخصيص: أنّ المدار على الحكم الواقعي المجعول شرعا، و ليس شي ء من التعميم و التخصيص بيد المجيز، بل هما تابعان لما هو الواقع من الحكم الشرعي، فكلّ من التعميم و التخصيص غير المطابق للواقع لغو و لا عبرة به.

(2) حيث استدل القائل بالكشف «بأنّ الإجازة متعلقة بالعقد، فهي رضا بمضمونه، و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» فراجع (ص 16).

(3) خبر قوله: «انّ تعميم».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ للمحقق الايرواني قدّس سرّه إشكالا على ما أفاده المصنف قدّس سرّه في هذا الأمر الثالث، و محصله: أنّ العمومات- التي استدلّ بها على كلّ من صحة عقد الفضولي في مسألتنا، و هي «من باع شيئا و ملكه و أجاز» و من كاشفية الإجازة من زمان تملك البائع الفضولي لذلك المال الذي باعه فضولا، بتقريب: أنّها بعمومها تقتضي صحة بيع الفضولي،

ص: 266

______________________________

و بإطلاق مادة الوفاء في خطاب «أَوْفُوا» تقتضي لزوم الوفاء بالعقد من أوّل زمان تحققه.

و هذا هو معنى الكشف- يلزم تركها مع عدم إمكان الأخذ بالكشف لمحذور عقلي أو شرعي، و ترك تصحيح بيع الفضولي بها و الرجوع الى الأصل، و هو يقتضي الفساد كما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه.

فجواب المصنف قدّس سرّه عن ذلك- بأنّ الجمع بين العمومات و بين دليل كاشفية الإجازة يقتضي صحة بيع «من باع ثم ملك و أجاز» و كشف الإجازة من حيث يمكن، و هو زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا- لا يدفع الإشكال، إذ ليس هنا دليلان حتى تكون نتيجة الجمع بينهما الصحة و كشف الإجازة من حيث يمكن، بل الدليل واحد، و هي العمومات المشار إليها. و المحذور العقلي أو الشرعي يوجب سقوطها، و لا دليل بعد سقوطها على صحته، و تحديد كاشفية الإجازة من زمان مالكية الفضولي لما باعه فضولا فلا محيص عن الالتزام بفساد بيع من باع فضولا ثم ملك و أجاز كما عن صاحب المقابس «1».

أقول: المحذور العقلي يمنع الأخذ بإطلاق مادة الوفاء زمانا و يقيده، و لا يرفع الإطلاق رأسا، فإنّه إطلاق أزماني يقبل التقييد بزمان. كما إذا وجب إكرام عالم في جميع الأزمنة بمقتضى الإطلاق الزماني. لكن عرض مانع عن إكرامه في بعض الأزمنة، فهل يصحّ أن يقال بعدم وجوب إكرامه بعد ارتفاع ذلك المانع استنادا إلى سقوط إطلاق دليل وجوب إكرامه؟ فإنّ وزان التقييد العقلي و زان التقييد اللفظي، فإنّ من الواضح صحة أن يقال بوجوب الوفاء بالعقد من حين وقوعه، إلّا إذا لم يكن المجيز مالكا لما باعه حين العقد، فإنّ وجوب الوفاء حينئذ يكون من زمان مالكيته لما باعه فضولا.

و عليه فما أفاده المصنف قدّس سرّه وجيه.

نعم بناء على الكشف الانقلابي- كما في حاشية المحقق الايروانى قدّس سرّه- تصح دعوى تأثير الإجازة من زمان عقد الفضولي، لا من زمان مالكية الفضولي لما بيع فضولا. و لا يلزم حينئذ أمر غير معقول من اجتماع النقيضين و الضدين، و ذلك لأنّ لزومه منوط باجتماع ملكية المال الواحد للمالكين في آن واحد. و لا يلزم ذلك على الكشف الانقلابي، حيث إنّ

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 135.

ص: 267

[الرابع: أنّ العقد الأول إنما صح و ترتب أثره بإجازة الفضولي ..]

الرابع (1): أنّ العقد

______________________________

(1) هذا رابع الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه معترضا بها على القائلين بصحة بيع «من باع فضولا لنفسه ثم ملكه و أجازه». و محصل هذا الأمر الرابع: أنّه لو باع زيد فضولا مال أبيه على عمرو يوم الجمعة، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت، ثم أجاز

______________________________

ملكيته لهما يكون على التناوب، لا على الاجتماع و المعيّة.

توضيحه: أنّ الإجازة توجب انقلاب ما كان مملوكا للمالك الأوّل و دخوله بوجوده السابق من هذا الزمان- بسبب الإجازة- في ملك المالك، فيكون المال مملوكا لمالكين على سبيل التناوب، لا على الاجتماع و المعيّة. فالملكية و اعتبار الملكية لا حق، و المملوك سابق.

عكس الملكية الحالية و المملوك اللاحق كملك المنافع الآتية فعلا، و كملك البطون اللاحقة فعلا للعين الموقوفة بقطعتها اللاحقة.

و على هذا المعنى من الكشف لا يلزم في المقام شي ء من المحذورين، و هما:

خروج العين عن ملك المجيز قبل دخولها في ملكه، و اجتماع المالكين على مملوك واحد.

أقول: ما افاده قدّس سرّه- لو سلّم إمكانه في نفسه- بعيد عن أذهان العرف و أبناء المحاورة، و لا يمكن إثباته بالدليل، إذ الاقتضاء العقلي لا يتمشّى إلّا بعد عدم الحكم العرفي في المورد.

و أما معه فلا سبيل للتمسك به. و قد تقدم آنفا أنّه لا يلزم من الالتزام بكشف الإجازة عن نفوذ العقد من زمان مالكية المجيز لما باعه فضولا إلّا تقييد الإطلاق الزماني الثابت لدليل وجوب الوفاء بالعقد، و تقييد الإطلاقات أمر عرفي معمول به بين أبناء المحاورة. و معه لا يحكم العقل بما ذكره.

فتلخّص: أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من «أن الإجازة لا تؤثر إلّا في محل قابل، و هو بعد صيرورة العاقد الفضولي مالكا للمال، فيكون بيع من باع فضولا مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز صحيحا كسائر البيوع الفضولية، حتى لو كان وقوع مضمون العقد من زمان حصوله دخيلا في مفهوم العقد، و كانت الإجازة إنفاذا له» متين جدّا، و ذلك لما مرّ من أنّ المحذور العقلي كالمقيّد اللفظي يقيّد الإطلاق الأزماني، و يكون قرينة على إرادة خلاف مفهوم العقد أو إطلاقه.

ص: 268

الأوّل (1) إنّما صحّ و ترتّب عليه أثره بإجازة الفضولي، و هي (2) متوقّفة على صحّة العقد الثاني (3) المتوقّفة (4) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي، فتكون صحّة الأوّل (5) مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك (6) و ملكا للمشتري معا في زمان

______________________________

زيد ذلك العقد الفضولي يوم الأحد، فالعقد الأوّل هو بيع زيد فضولا، و العقد الثاني هو بيع الأب على ولده زيد. فصحة العقد الأوّل بمعنى انتقال المال إلى عمرو منوطة بإجازة البائع الفضولي و هو زيد، و صحة إجازته منوطة بالعقد الثاني و هو بيع الأب ذلك المال على زيد، إذ بدون انتقاله إليه من الأب لا يصير مالكا حتى تصحّ إجازته. و صحة العقد الثاني- و هو بيع الأب على زيد، متوقفة على بقاء المال على ملك الأب الذي هو المالك الأصلي، إذ لا بيع إلّا في ملك.

فصحة العقد الأوّل تستلزم كون المال ملكا للأب و لعمرو في زمان واحد و هو يوم الجمعة، أمّا الأب فلأنّ المال لم ينتقل منه إلى ولده زيد إلّا يوم السبت، فالمال باق على ملكه يوم الجمعة. و مقتضى الإجازة صيرورة المال يوم الجمعة ملكا لعمرو، فاجتمع مالكان- أحدهما: المالك الأصلي، و هو الأب، و الآخر عمرو الذي اشترى المال بالبيع الفضولي من زيد- على مال واحد في يوم الجمعة.

و مبنى الاشكال في هذا الأمر الرابع هو اجتماع مالكين على مال واحد، و مبنى الاشكال السابق هو حيثية خروج المال عن ملك البائع الفضولي قبل دخوله فيه.

(1) و هو بيع زيد فضولا.

(2) أي: و الإجازة متوقفة .. إلخ.

(3) و هو بيع الأب على زيد. و وجه توقّف صحة إجازة الفضولي على صحة العقد الثاني واضح، لأنّ مالكية المجيز للمال متوقفة على صحة العقد الثاني.

(4) صفة ل «صحة»، و المراد ب «مالكه الأصلي» هو الأب في المثال المذكور.

(5) أي: العقد الأوّل، و هو بيع زيد فضولا مال أبيه لنفسه على عمرو يوم الجمعة.

(6) الأصلي و هو الأب في المثال. وجه الاستلزام: أنّ الإجازة الواقعة في يوم الأحد الكاشفة عن صحة عقد الابن فضولا يوم الجمعة تستلزم حدوث الملك لعمرو من يوم

ص: 269

واحد، و هو محال، لتضادّهما (1). فوجود الثاني (2) يقتضي عدم الأوّل (3)، و هو موجب لعدم الثاني (4) أيضا، فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد، و هو محال.

فإن قلت (5).

______________________________

الجمعة، و المفروض أنّ هذا المال كان في يوم الجمعة ملكا للأب، إذ لم يخرج عن ملكه بناقل إلّا يوم السبت. ففي يوم الجمعة كان المال ملكا لشخصين: أحدهما الأب، و الآخر عمرو، و هو الذي اشتراه من زيد الذي باعه فضولا يوم الجمعة.

(1) حيث إنّ الملكيتين المستقلتين ضدّان يمتنع اجتماعهما، و المفروض كون كلّ من الأب و عمرو مالكا عرضا لهذا المال بالاستقلال. و لا فرق في امتناع الضدّين بين كونهما من الأعراض الخارجية كالسواد و البياض، و الأمور الاعتبارية كالملكية و الزوجية.

(2) أي: الملك الثاني- و هو ملك زيد للمال يوم الجمعة بمقتضى كشف الإجازة عنه- يقتضي عدم ملكيته لأبيه يوم الجمعة. كما أنّ ملكيّته لأبيه تقتضي أيضا عدم ملكيته لزيد يوم الجمعة. فيلزم وجود الملكية و عدمها لكلّ من هذين المالكين في آن واحد، و هو محال، للتناقض.

(3) أي: الملك الأوّل الثابت للمالك الأصلي، و هو والد زيد.

(4) أي: الملك الثاني الثابت لزيد.

و بالجملة: الملك الثاني ينفي الملك الأوّل، و بالعكس، و هو محال، لكونه من اجتماع النقيضين.

(5) هذا إشكال من صاحب المقابس على نفسه، و محصّله: أنّ إشكال لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد لا يختصّ بهذه المسألة، و هي «من باع مال غيره لنفسه فضولا ثمّ ملكه و أجاز» بل يعمّ سائر البيوع الفضولية أيضا.

توضيحه: أنّه إذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة، و أجاز عمرو هذا البيع يوم السبت، فإنّ مقتضى كاشفية الإجازة ملكية الكتاب لبكر من يوم الجمعة، لكون الإجازة كاشفة عن تأثير العقد من زمان وقوعه و هو يوم الجمعة. و حيث إنّ صحة الإجازة منوطة بملكية المبيع للمجيز و كونه ملكا له إلى زمان صدور الإجازة منه، فيكون المال في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة ملكا لعمرو و لبكر. و ليس هذا

ص: 270

مثل هذا (1) لازم في كلّ عقد فضوليّ، لأنّ (2) صحّته موقوفة على الإجازة المتأخّرة المتوقّفة على بقاء ملك المالك، و مستلزمة لملك المشتري كذلك (3)، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم (4) إمّا بطلان عقد الفضوليّ مطلقا، أو بطلان القول بالكشف، فلا اختصاص لهذا الإيراد (5) بما نحن فيه (6).

قلنا (7):

______________________________

إلّا اجتماع الضدين المستلزم لاجتماع النقيضين بالتقريب المتقدّم آنفا، فلا بدّ من الالتزام ببطلان الفضولي مطلقا.

(1) أي: لزوم ملك المالكين على مال واحد في زمان واحد.

(2) تعليل للزوم ملك المالكين على مال واحد، و قد مرّ تقريبه آنفا.

(3) أي: في حال بقاء المبيع على ملك المالك الأصلي المجيز، و هو عمرو في المثال المزبور.

(4) يعني: فلازم صيرورة مال واحد في آن واحد ملكا للشخصين- و هما المالك الأصلي المجيز، و المشتري- أحد أمرين، إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا، أي سواء باع الفضولي مال الغير لنفسه أم لمالكه، و إمّا بطلان القول بكاشفية الإجازة، و الالتزام بناقليتها.

(5) و هو لزوم كون مال واحد ملكا للمالك المجيز و المشتري في زمان واحد.

(6) و هو بيع الفضوليّ مال الغير لنفسه، و إجازته لهذا البيع بعد أن ملكه.

(7) هذا جواب قوله: «فان قلت» و محصّله: أنّه فرق بين ما نحن فيه و سائر العقود الفضوليّة. توضيحه: أنّه يكفي في سائر العقود الفضوليّة كون المجيز حين الإجازة مالكا ملكيّة ظاهرية استصحابية، فإذا باع زيد كتاب عمرو فضولا على بكر، فأجاز عمرو هذا البيع، فإنّ مالكية عمرو ظاهرا تكفي في صحة إجازته، فيكون المبيع ملكا واقعا للمشتري و هو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة، و ظاهرا لمالكه و هو عمرو.

و هذا بخلاف ما نحن فيه، و هو «من باع شيئا فضولا لنفسه ثم ملكه و أجاز» فإنّ المبيع فيه يكون ملكا واقعا لشخصين، أحدهما المشتري، و هو بكر بمقتضى كاشفية الإجازة، و الآخر عمرو و هو المالك الأصلي، و ذلك لأنّ المفروض أنّ زيدا بعد أن باع فضولا مال أبيه اشتراه من أبيه. و لا بدّ في صحة هذا الشراء من كون الأب البائع مالكا

ص: 271

يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا [1]، و هو الحاصل من استصحاب ملكه السابق، لأنّها (1) في الحقيقة رفع اليد و إسقاط للحقّ، و لا يكفي الملك الصوري (2) في العقد الثاني (3).

______________________________

واقعا لهذا المال، إذ لا بيع إلّا في ملك. فإذا كان زمان عقد الفضولي يوم الجمعة و زمان الإجازة يوم الأحد، لزم أن يكون المال في يوم الجمعة ملكا للأب و بكر واقعا، و هذا محال.

(1) هذا تعليل لكفاية الملكية الظاهرية في الإجازة، و حاصله: أنّ حقيقة الإجازة رفع اليد و إسقاط الحق، و يكفي فيه الملك الظاهري. بخلاف البيع، فإنّه لا يكفي فيه الملك الصوري، بل لا بدّ فيه من الملك الواقعي.

(2) أي: الملك الظاهري، نظير الملك الظاهري المستند إلى اليد، فإنّه كاف في نفوذ إقرار ذي اليد على ما في يده بأنّه مال الغير، و إن كان بالإقرار يخرج عن ملكه.

(3) و هو بيع الأب في المثال المزبور ذلك المال المبيع فضولا على ولده، فإنّ المال لو لم يكن ملكا واقعا للأب فكيف يجوز أن يبيعه على ولده؟ مع وضوح أنّه «لا بيع إلّا في ملك».

______________________________

[1] لعلّ وجه الكفاية ما في بعض الكلمات من: أنّ مقتضى ما دلّ عموما أو خصوصا على كون صحة عقد الفضولي بنحو الكشف الحقيقي، و على: أن للإجازة دخلا و لو بنحو الشرط المتأخر- و من البديهي امتناع اجتماع المالكين في آن واحد على ملك واحد- هو الالتزام بكفاية الملكية الظاهرية و قيامها شرعا مقام الملكية الواقعية، كقيام الطهارة الظاهرية الخبثية مقام الطهارة الواقعية التي تكون أدلة اعتبارها ظاهرة في أنفسها في الطهارة الواقعيّة.

إلّا أنّ دليل استصحاب الطهارة أو قاعدتها حاكم على تلك الأدلة.

ففي عقد الفضولي الذي لا يملك بعد العقد ما عقد عليه فضولا إذا لحقته الإجازة يكون ذلك المبيع ملكا واقعيا للمشتري الأصيل، و ظاهريا للمالك الأصلي المجيز.

و لا منافاة بين كون مال واحد ملكا واقعيا لشخص و ظاهريا لآخر.

و هذا بخلاف المقام و هو تملك العاقد الفضولي المبيع بعد ما باعه فضولا لغيره، فإنّ الملك الظاهري الاستصحابي للمالك الأصلي المجيز لا يكفي في حصول الملك الواقعي

ص: 272

______________________________

للفضولي المشتري، بل لا بدّ من كون الملك واقعيّا، و لازمه حينئذ كون مال واحد ملكا واقعيا لمالكين في زمان واحد، و هو محال عقلا.

و يمكن أن يكون وجه الكفاية كون مقتضى الجمع بين دليل صحة عقد الفضولي كشفا- و امتناع الجمع بين المالكين عقلا- هو حمل ملك المالك المجيز على الملك اللولائي، يعني: لولا الإجازة كان المال ملكا له. و يسمّى هذا الملك بالملك التقديري، و بالإجازة يخرج عن ملك المجيز. و الملكية التقديرية كافية فيما عدا المقام- أعني به من باع ثم ملك- من سائر العقود الفضولية، لكفاية الملكية التقديرية في صحة إجازة المجيز فيها، و عدم كفايتها في بيع المالك الأصلي، إذ لا بيع إلّا في ملك، و هو الملك الواقعي إجماعا.

و هذه الملكيّة اللولائية نظير الصحة اللولائية في باب النذر، كما إذا نذر ترك الصلاة في الحمام، فإنّ الناذر لا يقدر على الصلاة الصحيحة إلّا بإرادة الصحة لولا النذر «1».

و يمكن أن يكون وجه صحة الإجازة في سائر العقود الفضولية ما قيل من: «أنّه لا يستفاد من أدلة اعتبار طيب نفس المالك في حلّ ماله إلّا عدم ارتفاع ملك أحد إلّا بطيب نفسه. أمّا كون ذلك الارتفاع بعد طيب النفس ليلزم أن يكون في رتبة سابقه على طيب النفس مالكا فلا، فيمكن أن يكون المال بطيب نفس متأخر منتقلا عنه في زمان سابق، و هو زمان تعلق رضا المالك بتحقق الانتقال فيه كما هو مبنى القول بالكشف .. إلخ» «2».

أقول: لا يخفى أنّ الظهور العرفي في دليل شرطية شي ء هو تقدّمه على المشروط، لأنّ الشرط كالجزء دخيل في الموضوع الذي هو بجميع أجزائه و شرائطه مقدّم على الحكم، و أيّ فرق بين أن يقال: «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان بالغا عاقلا» و بين أن يقال: «لا يحلّ مال امرء إلّا إذا كان راضيا» فهل يمكن أن يقال بدخل البلوغ و العقل بأيّ نحو اتفق و لو بعد التصرّف.

فإذا كان طيب النفس شرطا للحلية فلا محالة لا تحصل الملكية و الانتقال إلّا بعد الرضا المنكشف بالإجازة، لا أن يكون الرضا سببا لحدوث الملكية بالنسبة إلى الأزمنة الماضية.

نعم إن ثبت الكشف الانقلابي كان ما أفيد صحيحا، لكنه غير ثابت، بل أحاله بعض.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للسيد الطباطبائي، ج 1، ص 164.

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 2، ص 136.

ص: 273

أقول: قد عرفت (1) أنّ القائل بالصحّة ملتزم بكون الأثر المترتّب على العقد الأوّل (2) بعد إجازة العاقد (3) له هو تملّك المشتري (4) له من حين ملك العاقد (5) لا من حين العقد (6).

و حينئذ (7) فتوقّف إجازة العقد الأوّل

______________________________

(1) في دفع الاشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس بقوله: «و فيه منع كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك» إلى قوله: «فلا يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف محال» فراجع (ص 263- 260).

(2) و هو بيع الولد فضولا مال أبيه على بكر.

(3) يعني: العاقد الفضولي، و هو الولد. و ضمير «له» راجع إلى العقد الأوّل.

(4) و هو بكر، فإنّه مشتري المال من العاقد الفضولي، و هو ولد المالك الأصليّ، و جملة «هو تملّك .. إلخ» خبر «بكون الأثر».

(5) أي: العاقد الفضولي و هو الولد، و زمان ملك العاقد لما باعه فضولا هو زمان بيع أبيه ذلك المال على ولده العاقد الفضولي.

(6) و هو بيع الولد مال أبيه فضولا على بكر يوم الجمعة في المثال المذكور.

(7) أي: و حين كون الإجازة كاشفة عن تملّك المشتري للمبيع من حين ملك العاقد- لا من حين وقوع العقد- يتّضح وجه توقف إجازة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- على صحّة العقد الثاني، و هو شراء ما باعه الفضولي من مالكه، ضرورة اعتبار مالكية المجيز حين الإجازة، و لا يصير العاقد الفضولي مالكا إلّا بالعقد الثاني، و هو شراؤه المبيع

______________________________

و بالجملة: فالالتزام بخروج المال عن ملك مالكه قبل الإجازة و هي الطّيب- بحيث تصدر الإجازة بعد انتقال المال إلى المشتري- مشكل، لكونه خلاف ظاهر دليل شرطية الطّيب في حصول الملكية لغير المالك، حيث إنّ ظاهره صدور الطيب عن المالك، فلا بدّ أن يكون مالكا في رتبة سابقه على الطيب حتى يصدر الطّيب عنه، فإنه لا ينكر ظهور دليل الشرطية في تقدم الشرط على المشروط.

فالشرط المتأخر- بعد فرض تعقله ثبوتا- لا دليل عليه إثباتا، بل الدليل و- هو الظهور اللفظي- قائم على خلافه. فما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه لا يمكن المساعدة عليه.

ص: 274

على صحّة العقد الثاني (1) مسلّم، و توقّف صحّة العقد الثاني (2) على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلّم (3) أيضا (4). فقوله (5): «صحّة الأوّل تستلزم كون المال ملكا للمالك و المشتري في زمان واحد» ممنوع (6)،

______________________________

الفضولي من مالكه.

(1) و هو العقد الذي يوجب ملكية المال الذي بيع فضولا للعاقد الفضولي، و المراد بالعقد الأوّل هو عقد الفضولي.

(2) و هو العقد الموجب لتملك الفضولي للمبيع من مالكه، و توقّف هذا العقد الثاني على بقاء المال على ملك مالكه الأصلي إلى زمان شراء الفضولي لذلك المال واضح.

(3) خبر قوله: «و توقف».

(4) يعني: كتسلّم توقف إجازة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- على صحة العقد الثاني.

(5) يعني: فقول صاحب المقابس قدّس سرّه، و هذا نقل عبارته بالمعنى، إذ عبارته هذه «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن .. إلخ» كما في (ص 269) و قد تقدم هناك تقريب استلزام صحة العقد الأوّل لكون المال المعيّن ملكا للمالك الأصلي و للمشتري الأصيل.

و مجملة: أنّ صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي الواقع يوم الجمعة- تستلزم اجتماع المالكين على المال الذي بيع فضولا، حيث إنّ المشتري يملك ذلك المال من يوم الجمعة بإجازة العاقد الفضولي في يوم الأحد، و المالك الأصلي و هو أبو العاقد الفضولي أيضا مالك له، و إلّا لم يصح شراء ابنه العاقد الفضولي ذلك المال منه يوم السبت. فصار المال المعيّن في يوم الجمعة مملوكا للمالك الأصلي أعني به والد العاقد الفضولي، و للمشتري الذي اشتراه من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(6) خبر: «فقوله» وجه منعه هو ما أفاده قبيل ذلك من أنّ القائلين بصحة بيع «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه و أجاز» لم يقولوا بصحته من زمان وقوع العقد، بل يقولون بصحته من زمان ملكيته للعاقد الفضولي. و حينئذ لا يجتمع مالكان على ملك واحد، إذ المشتري من الفضولي لا يملك ما اشتراه منه إلّا من يوم السبت، لأنّه يوم اشترى فيه الفضولي ذلك المال من أبيه كان المال يوم الجمعة ملكا لأبيه فقط، و لم يكن للمشتري فيه

ص: 275

بل صحّته (1) تستلزم (2) خروج العين عن ملكية المالك الأصلي (3).

نعم (4) إنّما يلزم ما ذكره من المحال إذا ادّعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد. و لكن هذا (5) أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث (6)، و قد تقدّم منعه (7)، فلا وجه لإعادته (8) بتقرير آخر، كما لا يخفى.

______________________________

علاقة الملكية حتى يجتمع مالكان على مال واحد يوم الجمعة.

(1) يعني: بل صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي و هو الأب في المثال المذكور، إذ لا وجه لصحته مع بقاء العين على ملكية المالك الأصلي، لوضوح اعتبار كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(2) الأولى إبداله ب «تتوقف» ضرورة أنّ صحة بيع الفضولي متوقفة على خروج المال عن ملك المالك الأصلي، و من لوازمه و آثاره، و ليست صحة بيع الفضولي ملزومة لخروج المال عن ملك المالك الأصلي كما لا يخفى.

(3) فإذا خرج عن ملك مالكه الأصلي يوم الجمعة لم يلزم اجتماع المالكين على ملك واحد في يومها.

فمراده بقوله: «بل صحته» هو: أنّ صحة العقد الأوّل- و هو عقد الفضولي- تنتج ضدّ اجتماع المالكين على مال واحد، لا أنّ صحّتها تستلزم اجتماع المالكين، كما زعمه المستشكل، حيث صرّح به في أوّل الإشكال الرابع بقوله: «فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك و ملكا للمشتري معا في زمان واحد».

(4) استدراك على قوله: «ممنوع» يعني: نعم يلزم المحال- و هو اجتماع المالكين على مال واحد- بناء على كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد، لا من حين تملك العاقد الفضولي لما باعه فضولا.

(5) أي: كون الإجازة كاشفة عن الملك من زمان صدور العقد.

(6) أي: الإشكال الثالث من إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال في (ص 258) «إنّ الإجازة حيث صحت كاشفة على الأصح مطلقا».

(7) قد تقدم ذلك في (ص 260) بقوله: «و فيه: منع كون الإجازة كاشفة مطلقا».

(8) يعني: فلا وجه لإعادة أمر تقدّم دعواه في الوجه الثالث، مع تقدم منعه بقوله: «و فيه منع كون الإجازة كاشفة .. إلخ».

ص: 276

نعم (1) يبقى في المقام الإشكال الوارد في مطلق الفضولي على القول بالكشف، و هو (2) كون الملك حال الإجازة للمجيز و المشتري معا (3). و هذا (4) إشكال آخر

______________________________

يعني: أنّ ما تقدم في الاشكال الثالث يغني عن ذكر الإشكال الرابع، فلا وجه لإعادته بتقرير آخر، و هو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد.

لكن فيه: أنّ حيثية الإشكال متعدّدة، إذ هي في الوجه الثالث خروج المال عن ملك المجيز قبل دخوله في ملكه. و في الوجه الرابع اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد. و حيثية كلّ من الإشكالين ملحوظة مع الغضّ عن الأخرى.

نعم مبني كلا الإشكالين واحد، و هو كون الإجازة كاشفة. لكن وحدة المبنى لا توجب وحدة الإشكالين.

(1) يعني: بعد دفع الاشكال الخاصّ- و هو اجتماع المالكين على ملك واحد في زمان واحد- قال: يبقى في المقام- و هو بيع الفضولي مال الغير لنفسه و تملكه له بعد العقد ثم إجازته له- إشكال عامّ وارد في جميع العقود الفضولية بناء على كون الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه، لا من حين صدور الإجازة.

(2) أي: الإشكال الوارد في مطلق الفضولي. تقريب هذا الاشكال العام هو: أنّه يلزم اجتماع مالكين- و هو المشتري و المالك الأصلي- على ملك واحد في زمان واحد.

توضيحه: أنّه إذا باع زيد كتاب مكاسب عمرو فضولا على بكر يوم الجمعة، ثم أجاز عمرو يوم السبت هذا البيع الفضولي، فهذا الكتاب يكون بين زماني وقوع العقد و صدور الإجازة ملكا للمجيز و المشتري معا.

أمّا كونه ملكا للمجيز فلأنّه لو لم يكن ملكا له حين الإجازة لم يكن أثر لإجازته، ضرورة أنّ المدار في نفوذ الإجازة على مالكية المجيز حين الإجازة، و إجازة غير المالك و من هو بمنزلته كالعدم.

و أمّا كونه ملكا للمشتري فلأنّه مقتضى الكشف عن صحة العقد من حين وقوعه.

فالمبيع في الزمان المتخلل بين وقوع العقد و صدور الإجازة مملوك للمجيز و المشتري معا. و هذا إشكال عامّ في جميع العقود الفضوليّة.

(3) بالتقريب الذي مرّ آنفا.

(4) أي: الإشكال العامّ الوارد في مطلق عقد الفضولي، و هو كون الملك حال

ص: 277

تعرّض لاندفاعه أخيرا (1) غير (2) الإشكال الذي استنتجه من المقدّمات المذكورة (3) و هو (4) لزوم كون الملك للمالك الأصلي و للمشتري.

نعم يلزم من ضمّ هذا الإشكال العامّ (5) إلى (6) ما يلزم في المسألة (7) على القول بالكشف (8) من حين العقد اجتماع (9) ملّاك ثلاثة (10) على ملك واحد قبل العقد الثاني (11)،

______________________________

الإجازة للمجيز و المشتري معا.

(1) يعني: تعرّض له صاحب المقابس قدّس سرّه في (ص 271) بقوله: «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا، و هو الحاصل من استصحاب .. إلخ».

(2) نعت ل «إشكال آخر».

(3) في الأمر الرابع بقوله: «لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة المتوقفة على بقاء ملك المالك» إلى قوله: «فيلزم كونه بعد العقد .. إلخ» فراجع (ص 271).

(4) أي: الإشكال العامّ الذي استنتجه من المقدمات المذكورة.

(5) الوارد في جميع العقود الفضولية، و هو كون المبيع للمالك الأصلي و للمشتري، لأنّ المبيع الفضولي بعد إجازة المالك الأصلي العقد الفضولي يكون في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة مملوكا للمالك الأصلي و المشتري.

(6) متعلق ب «ضمّ».

(7) و هي مسألة: «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز».

(8) إذ على القول بالنقل يكون المبيع الفضولي باقيا على ملك المالك الأصلي إلى زمان الإجازة، و لا ينتقل إلى المشتري إلّا بالإجازة، فلا يلزم تعدد المالك على مال واحد بين العقد و الإجازة.

(9) فاعل: «يلزم» في قوله: «يلزم من ضمّ ..».

(10) أوّلهم المالك الأصلي، و هو الأب في مثالنا المتكرّر، و الثاني ولده، و هو البائع الفضولي، و ثالثهم عمرو، و هو المشتري الأوّل الذي اشترى المال من البائع الفضولي.

(11) و هو بيع الأب ذلك المبيع على ابنه العاقد الفضولي. و التقييد بالثاني لأجل بقاء مالكية الأب. إذ بعد العقد الثاني يخرج عن المالكية، و لا يعدّ حينئذ من الملّاك الثلاثة.

ص: 278

لوجوب (1) التزام مالكيّة المالك الأصلي حتّى يصحّ العقد الثاني (2)، و مالكيّة (3) المشتري (4) له، لأنّ (5) الإجازة تكشف عن ذلك (6)، و مالكيّة (7) العاقد له، لأنّ (8) ملك المشتري لا بدّ أن يكون عن ملكه (9)، و إلّا (10) لم تنفع إجازته في ملكه (11) من حين العقد، لأنّ (12) إجازة غير المالك

______________________________

(1) تعليل لمالكية المالك الأوّل و هو الأب قبل العقد الثاني، إذ لو لم يكن مالكا لم يصحّ العقد الثاني، فإنّ المشتري- و هو عمرو- يتلقّى الملك من العاقد الفضولي الذي ملك المبيع فضولا من أبيه بالعقد الثاني.

(2) و هو بيع الأب ذلك المال على ولده العاقد الفضولي، إذ لو لم يكن الأب مالكا لم يصحّ بيعه على ولده الفضولي.

(3) «معطوف على «مالكية» و ضمير «له» راجع إلى «ملك».

(4) و هو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي.

(5) تعليل لمالكية المالك الثاني- و هو عمرو في المثال- فإنّ مالكيته ناشئة عن إجازة العاقد الفضولي الذي باعه فضولا، ثم أجاز ذلك بعد ما اشتراه من أبيه بالعقد الثاني.

(6) أي: عن مالكية عمرو، لأنّ الإجازة من المالك تكشف عن تأثير العقد في مالكية المشتري.

(7) معطوف على «مالكية»، و العاقد الفضولي هو المالك الثالث.

(8) تعليل لمالكية العاقد الفضولي و هو الابن، و حاصل التعليل: أنّ مالكية المشتري- و هو عمرو- ناشئة من إجازة الابن، و نفوذ الإجازة موقوف على مالكية المجيز، إذ ليست إجازة غير المالك و من هو بمنزلته نافذة.

(9) أي عن ملك العاقد، و ضمير «له» راجع إلى «ملك».

(10) يعني: و إن لم يكن العاقد مالكا للمال لم تنفع إجازته في مالكية المشتري له من حين العقد.

(11) أي: في ملك المشتري، و ضمير «إجازته» راجع إلى العاقد.

(12) تعليل لقوله: «لم تنفع إجازته» حاصله: أنّ إجازة المالك تنفع في خروج المال

ص: 279

لا يخرج ملك الغير إلى غيره (1).

ثم (2) إنّ ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن و لا يغني، لأنّ (3) الإجازة إذا وقعت، فإن كشفت (4) عن ملك المشتري قبلها (5) كشفت عمّا يبطلها، لأنّ (6) الإجازة لا تكون إلّا من المالك الواقعي.

______________________________

إلى غيره، و إجازة غير المالك لا تنفع في انتقال المال إلى الغير.

(1) أي: غير المالك، و الأولى بسلاسة العبارة أن يقال: «لأن إجازة الفضولي لا تخرج ملك المالك إلى غيره».

(2) هذا إشكال ثان من المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما. أمّا إشكاله الأوّل فهو الذي قد تقدم في (ص 274) بقوله: «أقول: قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر». و أمّا إشكاله الثاني على جواب صاحب المقابس عن الاشكال العامّ الوارد على جميع العقود الفضولية- بما أفاده بقوله في (ص 271): «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا»- فهو: أنّه يلزم من كاشفية الإجازة عدم مالكية المجيز حين الإجازة.

توضيحه: أنّه إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة، و أجاز زيد هذا البيع يوم السبت، فلمّا كانت الإجازة كاشفة عن ملكيّة المال لعمرو من يوم الجمعة، فقد كشفت عن بطلان الإجازة، لأنّها لا تنفذ إلّا إذا صدرت عن المالك الواقعي حين الإجازة، و المفروض أنّ المال من يوم الجمعة صار ملكا لعمرو، فلا أثر لإجازة زيد، لعدم كونه مالكا حين الإجازة.

(3) دليل على عدم كون جواب صاحب المقابس مغنيا، و قد مرّ آنفا تقريبه.

(4) لم يذكر عدلا لهذه الشرطية، فالأولى أن يقال: «إنّ اجازة المالك لمّا كشفت .. إلخ».

(5) أي: قبل إجازة زيد في المثال المذكور. و المراد بقوله: «عما يبطلها» هو صيرورة المال ملكا لعمرو من يوم الجمعة، و خارجا عن ملك زيد، فليس المال في يوم السبت ملكا لزيد حتى تنفذ إجازته. و من المعلوم أنّه لا أثر لإجازة غير المالك. و المراد بالمالك هو المالك الواقعي دون الظاهري، و لذا لو أجاز شخص باعتقاد كونه مالكا- و لو استنادا إلى حجة شرعية كاليد و الاستصحاب- ثم تبيّن خلافه و أنّ المالك شخص آخر، فلا أثر لإجازته، و لا بدّ من إجازة المالك الواقعي في صحة العقد و نفوذه.

(6) تعليل لبطلان الإجازة، و قد مرّ بيانه آنفا بقولنا: «و من المعلوم أنّه لا أثر لإجازة».

ص: 280

و المالك (1) الظاهريّ إنّما يجدي إجازته إذا لم ينكشف (2) كون غيره مالكا حين الإجازة، و لذا (3) لو تبيّن في مقام آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته، لأنّ (4) المالكية من الشرائط الواقعية دون العلمية.

ثمّ (5) إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة

______________________________

(1) مبتدأ و خبره قوله: «إنّما يجدي» و الواو مستأنفة.

(2) لتقوّم الحكم الظاهري بالشك و عدم انكشاف الواقع، و مع انكشافه لا يبقى موضوع للحكم الظاهري، و المفروض انكشافه هنا.

(3) أي: و لأجل إناطة إجداء إجازة المالك الظاهري بعدم انكشاف الخلاف لو تبيّن .. إلخ.

(4) تعليل لقوله: «لم تنفع إجازته» و حاصله: أنّ المالكية شرط واقعي لنفوذ الإجازة كالطهارة الحدثية للصلاة، فإنّ الشرط بوجوده الواقعي شرط، لا بالأعمّ منه و من الظاهري حتى يؤثّر بمطلق وجوده في المشروط. و أمّا كون المالكية من الشرائط الواقعيّة فبالضرورة و الإجماع، و بظهور الأدلة في ذلك.

(5) هذا إشارة إلى إشكال ثالث على ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه في هذا الأمر الرابع في دفع إشكال لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد في سائر العقود الفضولية بقوله في (ص 271): «قلنا يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا» إلى قوله:

«و لا يكفي الملك الصوري في العقد الثاني .. إلخ».

و محصل هذا الاشكال الثالث الذي أورده المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما هو:

أنّ الفرق بين إجازة المالك في العقد الذي لا يملك العاقد الفضولي ما باعه فضولا بكفاية الملك الصوري في المالك إلى زمان إجازته، كما إذا باع الفضولي مال زيد على عمرو يوم الجمعة، و أجاز زيد المالك هذا البيع يوم السبت، و بين العقد الثاني فيمن باع شيئا فضولا ثم ملكه و أجاز، و هو بيع المالك كالأب في المثال السابق على ولده العاقد الفضولي، بعدم كفاية الملك الصوري في الأب، تحكم صرف، و تفرقة بين العقدين بلا دليل و وجه وجيه.

و المراد بالعقدين عقد الفضولي و إمضاء المالك في سائر العقود الفضولية، و عقد الأب و بيعه على ولده ذلك المال الذي بيع فضولا في مسألة من باع ثم ملك. فإنّه لا بدّ من الملكية الواقعية للمالكين في كلا العقدين.

ص: 281

و العقد الثاني (1)- من كفاية الملك الصوريّ في الأوّل (2) دون الثاني- تحكّم (3) صرف، خصوصا (4) مع تعليله (5) بأنّ الإجازة رفع لليد و إسقاط للحقّ، فليت شعري أنّ إسقاط الحقّ كيف يجدي و ينفع مع عدم الحقّ واقعا؟ مع (6) أنّ الإجازة رفع لليد من الملك أيضا (7) بالبديهة.

و التحقيق (8) أنّ الإشكال (9) إنّما نشأ من الإشكال الذي ذكرناه سابقا (10)

______________________________

(1) و هو بيع المالك- و هو الأب في فرضنا- على ولده ذلك المال الذي باعه ولده فضولا على عمرو.

(2) و هو إجازة المالك في غير مسألة «من باع ثم ملك» من سائر العقود الفضوليّة.

(3) خبر قوله: «أن ما ذكره».

(4) غرضه أنّ تعليله بكون الإجازة رفعا لليد و إسقاطا للحق آب عن الإكتفاء بالملك الصوري، لأنّ الإسقاط فرع الثبوت، إذ لو لم يكن حقّ واقعا لا يصدق الإسقاط.

(5) أي: تعليل المستشكل و هو صاحب المقابس، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(6) هذا إشكال آخر على صاحب المقابس، و حاصله: أنّ الإجازة كنفس العقد في كونها سببا للنقل و رفع اليد عن الملك، فلا بدّ في الإجازة أيضا من الملك الواقعي.

(7) يعني: كالعقد في الدخل شطرا أو شرطا فيما هو سبب النقل و الانتقال، فكما أنّ العقد الثاني رفع اليد عن الملك، فكذلك الإجازة رفع اليد عن الملك أيضا.

(8) غرضه قدّس سرّه بيان منشأ إشكال لزوم اجتماع المالكين- و هما المالك الأصلي و المشتري- في زمان واحد في كل عقد فضولي. و منشأ هذا الإشكال هو البناء على كاشفية الإجازة من حين العقد كما هو المنسوب إلى المشهور، إذ بناء عليه يلزم أن يكون المبيع بين زماني العقد الفضولي و الإجازة ملكا لمالكه المجيز و للمشتري.

أمّا المالك فللزوم مالكيته حين الإجازة. و أمّا المشتري فلكشف الإجازة عن انتقال المبيع إليه من زمان عقد الفضول.

(9) أي: إشكال اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد ملكية عرضيّة.

(10) حيث اعترض المصنف قدّس سرّه على الكشف الحقيقي المنسوب إلى المشهور بوجوه، و قال في ثالثها: «ان هذا المعنى على حقيقته غير معقول، لأنّ العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة التأثير له، لاستحالة خروج الشي ء عمّا وقع عليه ..

إلخ» و لأجله التزم بمقالة شيخه شريف العلماء قدّس سرّه من الكشف الحكمي، فراجع (ص 55).

ص: 282

في كاشفيّة الإجازة على الوجه المشهور (1) من كونها شرطا متأخّرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدّم من زمانه (2).

______________________________

(1) و هو شرطية نفس الإجازة، بأن توجد في العقد صفة المؤثرية من حين وقوعها بعد أن لم يكن واجدا لها حين وقوعه.

(2) متعلق ب «تأثير» يعني: من زمان تحقق السبب المتقدم و هو عقد الفضول، و الأولى تأنيث ضمير «حدوثه» لرجوعه إلى الإجازة. أو إرجاع الضمير الى «شرطا».

و بالجملة: فعلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه لا يلزم تعدّد المالكين على مال واحد في زمان واحد، لأنّ المالك الأصلي- و هو الأب في المثال المذكور- مالك إلى زمان العقد الثاني الواقع بين الأب و الابن، و المال ملك للأب فقط إلى زمان العقد الثاني. و بعد العقد الثاني ملك للابن فقط إلى زمان إجازته لعقده الفضولي، و من زمان إجازته ينتقل إلى المشتري من زمان مالكيته الحاصلة بالعقد الثاني الواقع بينه و بين أبيه. فلم يجتمع مالكان عرضيان على مال واحد في شي ء من هذه المراحل، بل المالك في جميعها واحد [1].

______________________________

[1] و لا يخفى أنّ إشكال لزوم اجتماع المالكين- بناء على الكشف- لا يندفع إلّا بالكشف الانقلابي، ضرورة أنّ تحديد كاشفية الإجازة بالمحلّ القابل لا يكفي في دفع محذور اجتماع المالكين، فإنّ إجازة العاقد الفضولي- و إن كان تأثيرها من زمان مالكيته لما باعه فضولا- توجب اجتماع المالكين، و هما نفس العاقد الفضولي و مشتريه من زمان مالكيته إلى زمان إجازته.

و بالجملة: فجواب الشيخ قدّس سرّه- بكون الإجازة لا تؤثّر إلّا في محل قابل- لا يدفع إشكال اجتماع المالكين في زمان واحد، لأنّ إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا على عمرو إذا وقعت يوم الأحد كشفت عن مالكية عمرو لهذا المال من يوم السبت. فهذا المال صار من يوم السبت إلى زمان الإجازة مملوكا للعاقد الفضولي و لعمرو، فلا محيص عن التزام صاحب المقابس ببطلان الفضولي في جميع الموارد، و عدم الوجه في التفصيل بين مسألتنا و هي من باع ثم ملك و أجاز، و بين سائر العقود الفضولية.

و الحاصل: أنّ الجمع بين الكشف الحقيقي و بين مالكية المجيز حين الإجازة

ص: 283

..........

______________________________

فتلخص من جميع ما تقدم أمور:

الأوّل: أنّ إشكال المقابس في الأمر الرابع هو لزوم اجتماع مالكين على مال واحد في زمان واحد.

الثاني: أنّ هذا الإشكال ناش عن الكشف المشهوري، و هو دخل نفس الإجازة في صحة العقد الفضولي، لا وصف التعقب و اللحوق.

الثالث: دفع المقابس الإشكال العام بالملكية الصورية في المجيز.

الرابع: إشكالات المصنف قدّس سرّه عليه:

أحدها: ما أفاده في (ص 274) بقوله: «قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر» و حاصله: أنّ القائل بصحة بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» إنّما يقول بصحته من زمان تملّك العاقد الفضولي له، و هو يوم السبت، لا من زمان وقوع العقد الفضولي و هو يوم الجمعة، حتى يلزم المحذور الذي ذكره صاحب المقابس قدّس سرّه و هو اجتماع المالكين، و هما المالك الأصلي كالأب في المثال، و المشتري و هو عمرو الذي اشترى المال من العاقد الفضولي يوم الجمعة.

ثانيها: ما أفاده بقوله: (ص 280): «ثم أن ما أجاب به عن الإشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن».

و حاصل إشكاله على صاحب المقابس هو: أنّه يلزم من الإجازة بطلانها، لكون الإجازة من غير المالك، و هي لا تجدي، و لذا لو أجاز باعتقاد كونه مالكا، ثم تبيّن عدم مالكيته، لم تنفع إجازته، لكون المالكية من الشرائط الواقعيّة.

ثالثها: ما أفاده بقوله في (ص 281): «ثمّ إنّ ما ذكره في الفرق بين الإجازة و العقد الثاني .. إلخ». و حاصل إشكال المصنف على صاحب المقابس قدّس سرّهما هو: أنّ دعوى كفاية الملك الصوري في إجازة المالك في العقود الفضولية و عدم كفايته في العقد الثاني- و هو الجاري بين المالك الأصلي و هو الأب في الفرض و ولده- تحكّم صرف.

______________________________

لا يحصل إلّا بالكشف الانقلابي المراد به انقلاب العقد عن عدم مؤثريته حين وجوده إلى مؤثريته من زمان وقوعه، و إلّا فلا بدّ من ناقلية الإجازة.

ص: 284

[الخامس: أنّ الإجازة المتأخّرة لمّا كشفت عن صحّة العقد الأول ..]

الخامس (1): أنّ الإجازة المتأخّرة (2) لمّا كشفت عن صحّة

______________________________

رابعها: ما أفاده في (ص 282) بقوله: «مع أن الإجازة رفع اليد» و محصل إشكاله على صاحب المقابس: أنّ الإجازة كالعقد في رفع اليد عن الملك، و قد مرّ تفصيله آنفا.

و قد ظهر أنّ صاحب المقابس قائل بصحة عقد الفضولي فيما عدا مسألة من باع شيئا ثم ملكه، و ببطلانه فيها.

(1) هذا خامس الأمور من وجوه الخلل في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مما اعترض بها صاحب المقابس قدّس سرّه على القول بصحة بيع من باع ثم ملك و أجاز. و مبنى هذا الوجه الخامس كسابقه هو القول بالكشف الحقيقي. و هو يتضمن إشكالات و لوازم فاسدة.

أوّلها: لزوم الدور في إجازة كل واحد من البيعين.

ثانيها: لزومه في صحة كلّ منهما.

ثالثها: توقف صحة كلّ من البيعين على إجازة المشتري من الفضولي، و هو مستلزم لتوال فاسدة كما سيظهر.

و الكلام فعلا في المحذور الأوّل، و توضيحه: أنّه إذا باع زيد مثلا متاع أبيه فضولا على عمرو يوم الجمعة، ثم اشترى زيد ذلك المتاع من أبيه يوم السبت، ثم أجاز زيد يوم الأحد ذلك العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة، فإجازة زيد عقده الفضولي لمّا كانت كاشفة عن صحته و ملكية المال لعمرو من يوم الجمعة، كشفت عن وقوع العقد الثاني الواقع بين زيد و أبيه على ملك عمرو، فلا بدّ من أن يجيز عمرو ذلك العقد الثاني حتى يصحّ، لوقوعه على ملكه.

كما أنّ لازمه أيضا توقف صحة العقد الأوّل- الصادر من الفضولي- على إجازة المالك الأصلي و هو والد زيد، حتى يتملك المشتري و هو عمرو. فصحة كلّ من العقد الأوّل الصادر من الفضولي و العقد الثاني الصادر من المالك الأصلي منوطة بإجازة الآخر، و هذا دور محال.

(2) و هي الصادرة يوم الأحد من المشتري الثاني، و هو العاقد الفضولي الذي اشترى من أبيه يوم السبت ما باعه فضولا يوم الجمعة على عمرو.

ص: 285

العقد الأوّل (1)، و عن كون المال ملك المشتري الأوّل (2)، فقد (3) وقع العقد الثاني (4) على ماله (5)، فلا بدّ (6) من إجازته (7). كما لو بيع المبيع من شخص آخر، فأجاز المالك (8) البيع الأوّل، فلا بدّ (9) من إجازة المشتري البيع الثاني حتّى يصحّ و يلزم.

______________________________

(1) و هو بيع الفضولي مال أبيه على عمرو يوم الجمعة.

(2) و هو عمرو في المثال المذكور.

(3) جواب «لمّا» التوقيفيّة، و المجموع- على وجه- خبر «أنّ الإجازة».

(4) و هو العقد الواقع بين العاقد الفضولي و أبيه على المال الذي بيع فضولا على عمرو.

(5) أي: مال المشتري الأوّل، و هو عمرو.

(6) هذه نتيجة كاشفية الإجازة المتأخرة عن صحة العقد الأوّل، و وقوع العقد الثاني على ماله.

(7) أي: إجازة المشتري الأوّل، و هو عمرو الذي اشترى المال من زيد العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(8) أي: المالك الأصلي إذا أجاز البيع الفضولي الأوّل، فلا بدّ أن يجيز المشتري البيع الثاني، و هو البيع الفضولي الثاني، لوقوع البيع الثاني في ملكه.

كما إذا باع زيد مال عمرو فضولا من بكر، و قبل إجازة عمرو له بيع نفس المال من شخص آخر، فللمالك- و هو عمرو- إجازة أيّهما شاء. و لو أجاز البيع الثاني لم يبق موضوع لأن يجيز البيع الأوّل، بل كانت إجازته للثاني ردّا للأوّل، و لا كلام فيه.

و لكن لو أجاز البيع الأوّل، فقد دخل المال في ملك بكر، و له أن يجيز البيع الثاني، لأنّ إجازة عمرو كشفت عن دخول المال في ملك بكر من زمان بيعه منه أوّلا، فوقع البيع الفضولي الثاني في ملكه، فله أن يجيز و أن يردّ.

و الغرض من تنظير مسألة «من باع ثم ملك» ببيع مال واحد مرّتين فضولا- متعاقبا- هو مجرّد اشتراكهما في توقف صحة البيع الثاني على إجازة المشتري في البيع الأوّل.

(9) المراد باللابدية هو أنّ المشتري في البيع إن شاء تصحيح البيع الثاني فعليه

ص: 286

فعلى هذا (1) يلزم توقّف إجازة كلّ من الشخصين على إجازة الآخر.

و توقّف (2) صحّة كل من العقدين و الإجازة (3) على إجازة المشتري غير الفضولي (4).

و هو (5) من الأعاجيب، بل من المستحيل، لاستلزام ذلك (6) عدم تملّك المالك الأصيل

______________________________

إجازته، لا أنّ المراد إلزامه بالإجازة على كل حال حتّى إذا لم يرغب في إجازته.

(1) هذا تتمة كلام صاحب المقابس في تقرير الإشكال الخامس. يعني: فعلى ما تقدم- من لزوم إجازة المشتري الأوّل العقد الثاني- يلزم توقف إجازة كل من الشخصين- و هما المالك الأصلي، و المشتري الأوّل الأصيل الذي اشترى المال من العاقد الفضولي- على الآخر بالتقريب المتقدم آنفا.

(2) معطوف على «توقف» يعني: و يلزم توقف صحة كل من العقدين على الآخر، حاصله: توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي و هو عمرو، و ذلك لأنّ صحة العقد الأوّل- و هو بيع الولد مال أبيه فضولا على عمرو- موقوفة على إجازة الولد الذي هو المشتري في العقد الثاني، لأنّه صار مالكا للمال بالعقد الثاني الذي جرى بينه و بين أبيه يوم السبت، فلا بدّ من إجازته حتى يصحّ البيع الأوّل.

و صحة العقد الثاني متوقّفة على إجازة المشتري الأوّل و هو عمرو، لأنّه بعد إجازة الولد للعقد الأوّل يصير عمرو مالكا للمال من يوم الجمعة الذي هو زمان صدور العقد من الولد فضولا، و توقف صحة كل واحد من العقدين على صحة الآخر دور محال، فلا يمكن الالتزام بصحة بيع من باع شيئا ثم ملكه و أجاز.

(3) هذه الكلمة غير موجودة في المقابس، إذ تقدم الكلام في تقريب الدور من ناحية الإجازة، و غرضه بيان الدور من ناحية صحة كل واحد من العقدين. و لعلّ المصنف أضاف هذه الكلمة توضيحا.

(4) و هو عمرو، و المشتري الفضولي هو الولد، حيث إنّه كان في العقد الأوّل فضولا، و صار مشتريا أصيلا في العقد الثاني.

(5) يعني: و توقف صحة كل من العقدين- على إجازة المشتري غير الفضولي- يكون من الأعاجيب.

(6) أي: توقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي يستلزم

ص: 287

شيئا من الثمن و المثمن، و تملّك (1) المشتري الأوّل المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان، و دون (2) تمامه إن زاد الأوّل،

______________________________

عدم .. إلخ. و هذا تعليل لكون التوقف المذكور من العجائب، و حاصله: أنّ التوقف المزبور مستلزم للوازم فاسدة.

أحدها: عدم تملك المالك الأصلي- و هو الأب في المثال- شيئا من الثمن و المثمن.

أمّا عدم تملكه الثمن الذي دفعه المشتري الأوّل- و هو عمرو- إلى الولد الذي هو العاقد الفضولي، فلأنّ المفروض أنّ الولد باع المال يوم الجمعة على عمرو، فقبل أن يبيع الأب الذي هو المالك الأصلي ذلك المال على ولده يوم السبت صار عمرو مالكا للمال يوم الجمعة، لما يلحقه من الإجازة يوم الأحد، الكاشفة عن مالكية عمرو من حين العقد الفضولي أعني يوم الجمعة. فالأب باع يوم السبت مال عمرو الذي هو المشتري الأوّل، فيدخل الثمن في ملك عمرو أيضا.

و أمّا عدم تملكه للمثمن فلأنّ إجازة الولد يوم الأحد تكشف عن خروج المثمن عن ملكيّته للأب من يوم الجمعة و دخوله في ملك عمرو، فلم يكن الأب يوم السبت مالكا للمثمن حتى يدخل الثمن في ملكه، فلا يملك المالك الأصلي شيئا من الثمن و المثمن.

(1) معطوف على «عدم» هذا ثاني اللوازم الفاسدة، و حاصله: تملّك المشتري الأوّل- و هو عمرو- المبيع بلا عوض إن اتّحد الثمنان في المقدار، كما إذا كان ثمن العقد الفضولي الواقع في يوم الجمعة عشرة دنانير، و ثمن العقد الواقع في يوم السبت أيضا عشرة دنانير.

فعمرو دفع العشرة إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة، و أخذها منه يوم السبت.

(2) معطوف على «بلا عوض» و ضمير «تمامه» راجع إلى الثمن، يعني: أنّ المشتري الأوّل و هو عمرو تملّك المبيع بأقلّ من الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة. كما إذا كان ذاك الثمن عشرة دنانير، و كان الثمن الثاني الواقع في عقد يوم السبت ثمانية دنانير، فالمشتري- و هو عمرو- تملّك المبيع بدينارين.

فالمراد بقوله: «إن زاد الأوّل» هو زيادة الثمن الأوّل على الثمن الثاني كدينارين في هذا المثال.

كما أنّ المراد بقوله: «و مع زيادة» هو تملّك المشتري الأوّل المبيع مع الزيادة، كأن

ص: 288

و مع (1) زيادة إن نقص (2)، لانكشاف (3) وقوعه (4) في ملكه (5)، فالثمن له (6)، و قد كان المبيع له أيضا بما بذله من الثمن، و هو (7) ظاهر.

و الجواب عن ذلك (8) ما تقدّم في سابقه (9)

______________________________

يكون الثمن الأوّل ثمانية دنانير، و الثمن الثاني عشرة دنانير، فيلزم حينئذ أن يتملك المشتري الأوّل المبيع مع دينارين، لزيادة الثمن الثاني بدينارين على الثمن الأوّل.

(1) معطوف على «بلا عوض» يعني: و تملّك المشتري الأوّل المبيع مع زيادة على الثمن الأوّل المفروض نقصانه عن الثمن الثاني بدينارين.

(2) يعني: إن نقص الثمن الأوّل عن الثمن الثاني.

(3) تعليل لعدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن، و تملك المشتري الأوّل المبيع بلا عوض، أو مع زيادة، أو بدون تمام الثمن الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(4) أي: وقوع البيع الثاني الواقع يوم السبت بين العاقد الفضول و المالك الأصلي.

(5) أي: في ملك المشتري الأوّل الذي هو عمرو في المثال المذكور، و الحال أنّ المبيع كان له أيضا بسبب بذل الثمن الأوّل الذي دفعه إلى العاقد الفضولي يوم الجمعة.

(6) أي: للمشتري الأوّل.

(7) أي: و استلزام توقف كلّ من العقدين على إجازة المشتري غير الفضولي- و هو عمرو في المثال المفروض- عدم تملك المالك الأصيل شيئا من الثمن و المثمن .. إلخ ظاهر كما عرفت تقريبه.

(8) هذا جواب خامس الإشكالات التي أوردها صاحب المقابس قدّس سرّه على صحّة بيع «من باع مال الغير، ثمّ ملكه و أجاز».

و محصّل هذا الجواب هو: أنّ الإشكال المذكور مبني على كون الإجازة كاشفة عن حصول الملك من حين العقد أعني يوم الجمعة. و هو ممنوع، لما تقدّم من أنّ الإجازة لا بدّ أن تقع في محلّ قابل حتى تؤثّر و تنفّذ العقد، و المحلّ القابل لها هو زمان تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا، فإنّ زمان تملكه له هو يوم السبت، دون يوم الجمعة الذي وقع فيه البيع الفضولي لذلك المال على عمرو في المثال المفروض.

(9) و هو الإشكال الرابع من إشكالات صاحب المقابس المذكور في (ص 268).

ص: 289

من ابتنائه (1) على وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين العقد، و هو (2) ممنوع.

و الحاصل: أنّ منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة (3) شي ء واحد (4)، و المحال على تقديره (5) مسلّم بتقريرات مختلفة (6) قد نبّه عليه (7) في الإيضاح و جامع المقاصد.

[السادس: أنّ من المعلوم أنّه يكفي في إجازة المالك و فسخه فعل ما هو من لوازمهما]

السادس (8): أنّ من المعلوم

______________________________

(1) أي: من ابتناء ما تقدم، و المراد بما تقدم ذلك الجواب المذكور في الأمر الرابع، و هو منع مبنى الإشكال أعني به كاشفية الإجازة عن صحة العقد من حين وقوعه، حيث قال: «قد عرفت أنّ القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب على العقد الأوّل هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد، لا من حين العقد» فراجع (ص 274).

(2) أي: وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك من حين وقوع العقد ممنوع.

(3) و هي الأمر الثالث و الرابع و الخامس من الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه.

(4) و هي كاشفية الإجازة عن النقل و الانتقال من حين وقوع العقد.

(5) هذا الضمير راجع إلى «شي ء واحد».

(6) من لزوم خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله في ملكه، و من لزوم اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد، و من استلزام وجود الشي ء عدمه، و من محذور الدور.

و لا يخفى ظهور المتن في أنّ فخر المحققين و المحقق الثاني قدّس سرّهما نبّها على منشأ هذه المحاذير. و لكن الموجود في الإيضاح محذور اجتماع مالكين على ملك واحد، فلاحظ قوله قدّس سرّه: «و يحتمل البطلان، لتضاد ملكي شخصين لشي ء واحد بعينه، و قد تحقّق أحد الضدين، فينتفي الآخر». و كلام المحقق الثاني و إن كان أبسط، لكن لم يصرّح فيه بجميع اللوازم الفاسدة التي نبّه عليها في المقابس، فراجع. «1».

(7) أي: على منشأ الوجوه الثلاثة الأخيرة.

(8) هذا سادس الأمور التي أفادها صاحب المقابس قدّس سرّه، و مرجع هذا الإشكال

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 419، جامع المقاصد، ج 4، ص 73 و 74.

ص: 290

أنّه يكفي (1) في إجازة المالك و فسخه فعل ما هو من لوازمهما (2). و لو (3) باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني فقد نقل المال عن نفسه و تملّك الثمن. و هو (4) لا يجامع صحّة العقد الأوّل، فإنّها (5) تقتضي تملّك المالك

______________________________

السادس إلى انتفاء موضوع الإجازة، و هو عقد الفضولي في مسألة «من باع ثم ملك» توضيحه: أنّه قد ثبت في محله أنّ الإجازة و الفسخ- من المالك- يتحقّقان بفعل ما يكون من لوازمهما، كما إذا زوّج زيد امرأة لعمرو فضولا، فباشروها عمرو، فإنّ المباشرة إجازة منه لهذا التزويج الفضولي. كما أنه إذا تزوّج عمرو بأخت تلك المرأة كان تزويج الأخت فسخا له.

و في المقام إذا باع المالك الأصلي و هو الأب- في المثال المفروض- من ابنه بالعقد الثاني ماله الذي باعه ابنه على عمرو مثلا، كان هذا البيع الموجب لخروج المال عن ملكه و دخول الثمن في ملكه فسخا للعقد الفضولي الصادر من ابنه، فلا يبقى حتى يجيزه ابنه الفضولي الذي ملك المال من أبيه بالشراء مثلا. فلا وجه لصحة بيع من باع مال الغير، ثم ملكه و أجاز.

(1) أمّا أنّه يكفي في إجازة المالك فعل ما هو من لوازم صحة العقد فقد سبق الكلام فيه في ثاني تنبيهات الإجازة، فراجع (ص 170).

و أما كفاية فعل ما هو من لوازم الرد، فلما سيأتي في أحكام الرد من أنّه يحصل الرد «بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما ..» فراجع (ص 446).

(2) أي: من لوازم الفسخ و الإجازة، و من المعلوم أنّ الصحة و الفسخ ضدّان لا يجتمعان.

(3) عبارة المقابس هكذا: «و لمّا باع ماله على الفضولي ..» و كلمة «لمّا» هنا أنسب من «لو» لأنّه بيان مورد البحث.

(4) أي: بيع المالك ماله بالعقد الثاني من ابنه العاقد الفضولي.

(5) هذا وجه عدم اجتماع نقل المالك المال عن نفسه و تملك الثمن، و محصله: أنّ الجمع بينهما جمع بين النقيضين، حيث إنّ الفسخ يوجب عدم تملك الثمن الأوّل، و صحة العقد الأوّل توجب تملك الثمن الأوّل. و الجمع بين العقد و فسخه جمع بين الوجود و العدم، و هو محال، لكونه جمعا بين النقيضين.

ص: 291

للثمن الأوّل (1). و حيث وقع الثاني (2) يكون فسخا له (3)، و إن (4) لم يعلم بوقوعه، فلا (5) تجدي الإجازة المتأخّرة (6).

______________________________

(1) و هو الثمن المجعول في عقد الفضولي، لأنّ صحة العقد الأوّل تقتضي خروج المبيع عن ملك المالك الأصلي و دخول الثمن في ملكه.

(2) أي: العقد الثاني، و هو بيع الأب من ابنه المال الذي باعه ابنه فضولا من عمرو، فإنّ هذا العقد الثاني يكون فسخا لعقد الفضولي، فلا يبقى مورد للإجازة.

ثم إنّ هذه الجملة وردت في المقابس هكذا: «حيث وقع العقد الأوّل لزم أن يكون فسخا له ..» و الظاهر أنّه سهو من الناسخ، و الصحيح ما أثبته المصنف، إذ لم يجز المالك الأصلي البيع الأوّل حتى يكون فسخا للثاني، بل الأمر بالعكس، فإنّه باع ماله للفضولي، و هذا البيع فسخ عملي للبيع الأوّل الفضولي.

(3) أي: للعقد الأوّل، و حيث إنّه لا يمكن الجمع بين مقتضى العقدين- لأنّ العقد الأوّل يقتضي خروج المال عن ملك المالك الأصلي و ارتفاع ملكيته، و العقد الثاني يقتضي بقاء مالكيّته، و هما لا يجتمعان- لزم فسخ العقد السابق.

(4) وصليّة، يعني: و إن لم يعلم المالك الأصلي بوقوع عقد الفضولي على ماله حتى يتوهّم أنّه مع جهله بعقد الفضولي لا يقصد فسخه ببيع المال من العاقد الفضولي، فلا يكون هذا البيع فسخا لعقد الفضولي، بل هو باق على حاله و قابل للإجازة.

و دفع هذا التوهم بأنّ الردّ كما يحصل بالإنشاء و حلّ العقد، كذلك يتحقق بفعل يفوّت محلّ الإجازة، فينحلّ العقد قهرا، كما في بيع المالك الأصلي ماله، أو عتق عبده الذي بيع فضولا، فإنّ هذا البيع- أو العتق- يفوّت محل الإجازة، كخروج المال عن ملكه.

فالنتيجة: عدم صحة بيع «من باع ثمّ ملك و أجاز» لانعدام عقد الفضولي بالتصرّف المنافي، كالبيع و العتق الصادرين من المالك الأصلي.

(5) الفاء عاطفة لا جوابية، لأن جواب الشرط قوله: «يكون فسخا له».

(6) لعدم وقوع الإجازة في محلّ قابل بعد خروج المال عن ملك مالكه، فلا تجدي الإجازة المتأخرة، و هي إجازة العاقد الفضولي الذي اشترى المال الذي باعه فضولا من مالكه.

ص: 292

و بالجملة: حكم عقد الفضولي قبل الإجازة كسائر العقود الجائزة (1)، بل أولى (2) منها (3). فكما أنّ التصرّف المنافي مبطل لها (4)، كذلك عقد الفضوليّ.

و الجواب (5): أنّ فسخ عقد الفضولي هو إنشاء ردّه. و أمّا الفعل المنافي

______________________________

(1) يعني: أنّ عقد الفضولي يكون كالعقود الجائزة في بطلانه بالتصرف المنافي، كما إذا وهب مالا لزيد مثلا، ثم باعه من عمرو، فإنّ هذا البيع يبطل الهبة و يفسخها.

(2) وجه الأولوية: أنّه لا يترتب شي ء على عقد الفضولي قبل الإجازة، بخلاف العقود الجائزة، فإنّها تقع صحيحة و مؤثرة، فإنّ الهبة مثلا تؤثّر في ملكيّة الموهوب للموهوب له، غاية الأمر أنه يجوز للواهب حلّ العقد و فسخه. فإذا بطلت بمجرّد التصرّف المنافي مع وقوعها صحيحة، كان بطلان عقد الفضولي- الذي لإثبات له- بالتصرف المنافي أولى.

________________________________________

و بعبارة اخرى: ان تصرف المالك في العقود الجائرة يكون رفعا للعقد، و تصرّف المالك في البيع الفضولي يكون دفعا له، و لا ريب في كون الدفع أهون من الرّفع.

هذا بناء على ما نقله المصنف من قوله: «بل أولى منها». و أمّا بناء على ما في المقابس من قوله: «بل أدنى منها» فالمراد واضح أيضا، يعني: أنّ العقد الفضولي قبل الإجازة يكون أقرب إلى البطلان من العقود الجائزة، لكون صحته و تأثيره اقتضائيا لا فعليا، بخلاف العقد الجائز، فإنّه صحيح فعلا و مؤثر في حصول مضمونه.

(3) أي: من العقود الجائزة.

(4) أي: مبطل للعقود الجائزة، كذلك التصرف المنافي مبطل لعقد الفضولي.

(5) هذا جواب الشيخ الأعظم قدّس سرّه عن سادس إشكالات صاحب المقابس.

تقريبه: أنّ فسخ العقد عبارة عن إنشاء ردّ العقد، و مع تحققه ينعدم العقد، و لا يبقى موضوع للإجازة. و لا محيص حينئذ عن الالتزام بما أفاده صاحب المقابس من بطلان بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» حيث إنّ بيع المالك الأصلي ماله المبيع فضولا فاسخ للعقد الفضولي و معدم له، فلا يبقى عقد حتى يجيزه من انتقل إليه المال من مالكه.

لكن الفسخ هنا غير معلوم، لعدم العلم بقصد المالك إنشاء الفسخ بالفعل المنافي، خصوصا مع جهله بوقوع عقد الفضول على ماله، و مع عدم إحراز الفسخ لا وجه للحكم بإنعدام العقد حتى يقال بعدم محلّ قابل للإجازة.

نعم غاية ما في الباب أنّ الفعل المنافي يفوّت محلّ الإجازة، إمّا مطلقا و بالنسبة إلى

ص: 293

لمضيّه (1)- كتزويج المعقودة فضولا نفسها من آخر (2)، و بيع (3) المالك ماله المبيع فضولا من آخر (4)- فليس (5) فسخا له، خصوصا مع عدم التفاته إلى وقوع عقد الفضوليّ. غاية (6) ما في الباب أنّ الفعل المنافي لمضيّ العقد مفوّت لمحلّ الإجازة، فإذا فرض وقوعه (7) صحيحا فات محلّ الإجازة، و يخرج العقد عن قابليّة الإجازة، إمّا مطلقا كما في مثال التزويج (8)، أو بالنسبة (9) إلى من فات محلّ الإجازة بالنسبة إليه كما في مثال البيع، فإنّ محلّ الإجازة إنّما فات بالنسبة إلى الأوّل (10)،

______________________________

كل أحد كما في مثال التزويج، فإنّ محلّ الإجازة فيه هي المرأة غير المزوّجة، فإذا زوّجت نفسها بغير من زوّجها الفضولي، فقد فات محلّ الإجازة مطلقا، لصيرورتها مزوّجة.

و إمّا بالنسبة إلى شخص خاصّ، لا كلّ أحد كالمقام، فإنّ محلّ الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك الأصلي الذي نقل المال عن ملكه، فإنّه لا مال له حتى يجيز. و أمّا بالنسبة إلى غيره- و هو المالك الجديد- فلم يفت محلّ إجازته.

(1) هذا الضمير و ضمير «رده» راجعان إلى «عقد الفضولي».

(2) أي: من غير من زوّجت له فضولا.

(3) معطوف على «تزويج المعقودة».

(4) أي: من غير الشخص الذي باع الفضولي ذلك المال منه.

(5) هذا جواب «و أمّا» و ضمير «له» راجع إلى «عقد الفضولي».

(6) بعد أن نفى تحقق الفسخ بالفعل المنافي للعقد أراد إثبات فائدة الفعل المنافي و عدم لغويته، و قال: إنّ فائدته تفويت محل الإجازة مطلقا كمثال التزويج المذكور، أو بالنسبة إلى شخص خاص كالمالك الأصلي على ما تقدم آنفا.

(7) أي: وقوع الفعل المنافي صحيحا لا فاسدا، إذ مع فساده لا يفوت محل الإجازة.

(8) لما مرّ آنفا من أنّ محلّ الإجازة في النكاح هي المرأة غير المزوّجة، و كعتق العبد المبيع فضولا، فإنّه مفوّت لمحلّ إجازة بيع الفضول بالنسبة إلى كل أحد، لا المالك المعتق للعبد، و لا للعاقد الفضولي، لأنّ الحرّ لا يعود رقّا، فيزول عقد الفضول رأسا و ينعدم عقلا.

(9) معطوف على «إمّا مطلقا»، فتختلف الأفعال المنافية للعقد من إسقاطها لقابلية الإجازة مطلقا، أو بالنسبة إلى بعض دون بعض.

(10) أي: المالك الأوّل، فإنّ محلّ الإجازة- و هو المال- فات بالنسبة إلى مالكه

ص: 294

فللمالك الثاني (1) أن يجيز.

نعم (2) لو فسخ المالك الأوّل نفس العقد (3) بإنشاء الفسخ بطل العقد من حينه (4) إجماعا (5)، و لعموم (6) «تسلّط الناس على أموالهم» بقطع (7) علاقة الغير عنها.

فالحاصل (8): أنّه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا إنّه إبطال لأثر العقد في

______________________________

الأصلي، فإذا باع الفضولي كتاب زيد من عمرو، ثم باع زيد ذلك الكتاب من بكر، فإنّ محلّ الإجازة- و هو ذلك الكتاب- فات بالنسبة إلى زيد الذي هو المالك الأوّل، لخروج الكتاب عن ملكه، و لم يفت بالنسبة إلى بكر الذي هو المالك الثاني، لدخول الكتاب في ملكه، فله السلطنة عليه ببيعه و إجازة عقد الفضولي الواقع عليه.

و إن شئت فقل: إنّ الكتاب بوصف كونه مبيعا فضولا انتقل إلى بكر، فله الإجازة و الردّ، فإذا أجاز نفذ العقد.

(1) و هو بكر الذي ملك الكتاب المبيع فضولا بالشراء من مالكه، و هو زيد.

(2) استدراك على ما أفاده من بقاء محلّ الإجازة للمالك الثاني و هو بكر في المثال.

و حاصل الاستدراك: أنّه قد يفوت محلّ الإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني أيضا، كما إذا فسخ المالك الأوّل- و هو زيد- نفس عقد الفضولي بإنشاء الفسخ، بأن يقول: «فسخت عقد الفضول الواقع على كتابي» فإنّ العقد إذا انفسخ و انعدم لا يبقى محلّ لإجازة أحد من المالكين الأوّل و الثاني.

(3) يعني: من دون الإكتفاء بالفعل المنافي المعرّى عن قصد إنشاء الفسخ.

(4) أي: من حين الفسخ، لا من حين وقوع العقد.

(5) هذا من أدلّة بطلان عقد الفضولي على تقدير فسخ المالك له.

(6) هذا دليل آخر على بطلان عقد الفضولي بفسخ المالك له، حيث إنّ مقتضى قاعدة سلطنة الناس على أموالهم جواز قطع علاقة الغير عن أموالهم.

(7) متعلق ب «تسلّط».

(8) يعني: فالحاصل من جواب المصنف قدّس سرّه عن سادس إشكالات صاحب المقابس قدّس سرّه هو: أنّه إن أريد بكون البيع الثاني- أي بيع المالك ماله الذي بيع فضولا- فسخا للبيع الأوّل إبطال أثر العقد الأوّل الفضولي في الجملة، فهو مسلّم، حيث إنّ المالك الأوّل باع ماله الذي بيع فضولا، فلا مال له حتى يجيز عقد الفضولي الواقع عليه سابقا.

ص: 295

الجملة (1) فهو (2) مسلّم، و لا يمنع ذلك (3) من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلى المالك الثاني، فيكون له الإجازة. و إن (4) أريد أنّه إبطال للعقد رأسا (5) فهو ممنوع، إذ لا دليل على كونه كذلك (6). و تسمية (7) مثل ذلك الفعل ردّا في بعض الأحيان من (8) حيث إنّه (9) مسقط للعقد عن التأثير بالنسبة

______________________________

لكنه لا يمنع من بقاء عقد الفضولي متزلزلا و قابلا للإجازة بالنسبة إلى المالك الثاني، و هو الذي اشترى ذلك المال من المالك الأوّل، فله الإجازة، لقاعدة السلطنة.

و إن أريد بكون البيع الثاني فسخا إبطال العقد الفضولي و حلّه رأسا و إعدامه عن صفحة الوجود- بحيث يسقط عن التأثير و إن أجاز مالكه الفعلي، و هو الذي اشترى المال المبيع فضولا من المالك الأوّل- فهو ممنوع، إذ لا دليل على كون البيع الثاني كذلك.

و توهّم أنّ تعبير الفقهاء عن بيع المالك الأوّل بكونه ردّا لعقد الفضولي ظاهر في بطلان عقد الفضولي رأسا، مدفوع بأنّ المراد بالردّ هو إسقاط العقد عن التأثير بالنسبة إلى فاعل الفعل الثاني- و هو المالك الأوّل- بحيث تكون الإجازة منه بعد بيعه لغوا، لأنّه ليس مالكا للمال حتى تكون له الإجازة.

(1) يعني: بالنسبة إلى المالك الأوّل.

(2) جواب الشرط في قوله: «إن أريد».

(3) أي: كون الفسخ إبطالا لأثر العقد في الجملة.

(4) معطوف على «إن أريد» و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و إن أريد بكون البيع الثاني فسخا .. إلخ».

(5) بحيث لا يقبل الإجازة من أحد أصلا، لا من المالك الأوّل، و لا من المالك الثاني،

(6) يعني: لا دليل على كون البيع الثاني إبطالا للعقد الأوّل الصادر من الفضول رأسا.

(7) هذا إشارة إلى وهم اتضح آنفا بقولنا: «و توهّم أن تعبير الفقهاء عن بيع .. إلخ».

(8) خبر «و تسمية» و دفع للتوهم المزبور، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «مدفوع بأنّ .. إلخ».

(9) أي: ذلك الفعل، و هو البيع الصادر من المالك الأوّل، فإنّه مسقط لعقد الفضول و هو العقد الأوّل. و وجه الإسقاط: أنّ المالك بسبب بيعه يصير أجنبيّا عن المال،

ص: 296

إلى فاعله (1) بحيث تكون الإجازة منه بعده (2) لغوا.

نعم (3) لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل (4) فسخ العقد بحيث يعدّ فسخا فعليّا، لم يبعد (5) كونه كالإنشاء بالقول. لكنّ الالتزام بذلك (6) لا يقدح في المطلب (7)، إذ (8) المقصود أنّ مجرّد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد (9)، و لذا (10) لو فرضنا انكشاف فساد هذا البيع بقي (11) العقد على حاله من قابليّة لحوق الإجازة.

______________________________

فلا يكون مالكا له حتى تنفذ إجازته، فلو أجاز كانت إجازته لغوا.

(1) أي: فاعل ذلك الفعل البيعي الصادر من المالك الأوّل.

(2) أي: بعد الفعل، و ضمير «منه» راجع إلى «فاعله».

(3) استدراك على لغويّة إجازة المالك الأوّل عقد الفضول، و حاصل الاستدراك:

أنّه يمكن أن لا تكون إجازته لغوا فيما إذا قصد المالك الأوّل ببيعه فسخ عقد الفضول بحيث يندرج فعله في الفسخ الفعلي كالإنشاء بالقول.

(4) و هو بيع المالك الأوّل.

(5) جواب الشرط في «لو فرضنا» و قوله: «فسخ» مفعول ل «قصد المالك».

(6) أي: بقصد المالك فسخ عقد الفضول من بيعه.

(7) و هو بقاء العقد الأوّل- أعني به عقد الفضولي- بالنسبة إلى المالك الثاني الذي اشترى المال المبيع فضولا من مالكه الأوّل.

(8) تعليل لعدم القدح، و حاصله: أنّ مجرّد بيع المالك من حيث إنّه بيع- ما لم يكن مصداقا لعنوان فسخ العقد- لا يوجب بطلان العقد الفضولي.

(9) أي: العقد الذي أوقعه الفضول يوم الجمعة مثلا، و اشترى العاقد الفضول ذلك المال من مالكه يوم السبت.

(10) يعني: و لأجل عدم كون بيع المالك بنفسه بعد بيع الفضول مبطلا لعقد الفضولي، لو فرض انكشاف فساد بيع المالك الواقع يوم السبت كان عقد الفضول الواقع يوم الجمعة باقيا على حاله، و قابلا للإجازة، فيجوز لمالكه الأوّل إجازته.

(11) جواب «لو فرضنا» أي: بقي بيع المالك الواقع في يوم السبت- الذي هو الزمان المتأخر عن زمان وقوع عقد الفضولي، و هو يوم الجمعة- على حاله.

ص: 297

و أمّا الالتزام (1) في مثل الهبة و البيع في زمان الخيار بانفساخ (2) العقد من ذي الخيار بمجرّد الفعل المنافي (3)، فلأنّ (4) صحّة التصرّف المنافي تتوقّف على فسخ العقد (5)، و إلّا (6) وقع في ملك الغير. بخلاف ما نحن فيه (7)، فإنّ (8) تصرّف المالك في

______________________________

(1) إشارة إلى إشكال على عدم كون بيع المالك موجبا لبطلان عقد الفضولي.

تقريبه: أنّه إذا لم يكن هذا التصرف البيعي مبطلا و منافيا لعقد الفضولي فلم لم يلتزم الفقهاء ببطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي له من بيع أو هبة أو صلح أو غيرهما. كما إذا باع زيد مثلا داره من عمرو بخيار في مدة شهر، ثم باعها في أثناء مدّة الخيار من بكر، أو وهبها أو صالحها، فإنّهم يلتزمون بصحة هذه العقود الجارية في مدة الخيار، و بطلان البيع الخياري بهذه العقود. و كذا إذا وهبها ثم باعها قبل لزوم الهبة، فإنّ صحة البيع منوطة ببطلان الهبة، و إلّا لا يقع البيع صحيحا، لوقوعه في ملك الغير.

(2) متعلق ب «الالتزام»، و «في زمان» ظرف مستقر.

(3) كالبيع و الهبة و الصلح الواقعة في زمن الخيار على المبيع الخياري.

(4) جواب «و أما» و هذا دفع الاشكال المزبور، و حاصله: فساد قياس بيع المالك ماله- المبيع فضولا- بالتصرّف المنافي الصادر من ذي الخيار، أو من العاقد في العقود الجائزة كالهبة قبل عروض ما يوجب لزومها، و ذلك لأنّ صحة التصرف المنافي موقوفة على بطلان العقد الخياري أو العقد الجائز، ضرورة أنّ صحة هبة المبيع الخياري أو بيعه أو صلحه منوطة ببطلان البيع ليقع التصرف المنافي في ملكه، و إلّا يقع في ملك الغير، فينعقد باطلا.

(5) أي: العقد الجائز ذاتا كالهبة، أو عرضا كالبيع المجعول فيه الخيار.

(6) أي: و إن لم ينفسخ العقد الجائز ذاتا أو عرضا، وقع التصرف المنافي في ملك الغير.

(7) و هو بيع المالك المبيع الفضولي، للفرق بينه و بين صدور التصرف المنافي من ذي الخيار.

(8) إشارة إلى وجه الفرق بين ما نحن فيه و بين التصرف المنافي الصادر من ذي

ص: 298

ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، لوقوعه في ملكه، فلا يتوقّف على فسخه، غاية الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة.

و من ذلك (1) يظهر ما في قوله رحمه اللّه أخيرا: «و بالجملة: حكم عقد الفضولي

______________________________

الخيار، و كون القياس مع الفارق.

و حاصل وجه الفرق هو: أنّ بيع المالك ماله المبيع فضولا صحيح في نفسه، و لا تتوقف صحته على شي ء، لوقوعه في ملكه الذي هو موضوع قاعدة السلطنة. و بيع ماله كغيره من التصرفات الخارجية و الاعتبارية من آثار سلطنته على ماله، فلا شبهة في صحته في نفسه، من دون توقف صحته على بطلان عقد الفضولي.

بخلاف التصرف المنافي من ذي الخيار، فإنّ صحته موقوفة على بطلان ذلك العقد الجائز ذاتا أو عرضا، فلا محيص عن الالتزام ببطلان العقد الجائز، و إلّا يلزم اجتماع الضدين- و هما المالكان- على مال واحد. و هذا المحذور لا يلزم من صحة كلّ من العقد الفضولي و التصرف المنافي.

نعم هذا التصرف البيعي يوجب- بالنسبة إلى المالك- فوات محلّ إجازة البيع الفضولي الصادر من الفضول قبل صدور البيع من المالك، إذ المفروض خروج المال عن ملكه، فليس له إجازة البيع الفضولي، للزوم كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(1) أي: و من وجه الفرق- بين الالتزام بانفساخ العقد من ذي الخيار بمجرّد التصرف المنافي، و بين عدم الالتزام بانفساخ عقد الفضولي، و بطلانه ببيع المالك ماله المبيع فضولا من العاقد الفضولي- يظهر الإشكال فيما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه أخيرا من: أنّ حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة، بل أولى.

وجه الإشكال: أنّ عقد الفضولي متزلزل حدوثا، إذ لا يترتب عليه أثر إلّا بعد الإجازة، فحدوثه متزلزل. بخلاف العقود الجائزة، فإنّها صحيحة حدوثا، لترتب الأثر عليها، و متزلزلة بقاء.

ص: 299

حكم سائر العقود الجائزة، بل أولى (1)» فإنّ (2) قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث على (3) المتزلزل من حيث البقاء قياس مع الفارق [1]، فضلا عن دعوى الأولويّة، و سيجي ء مزيد بيان لذلك (4) في بيان ما يتحقق به الردّ.

______________________________

و الفرق بين التزلزل الحدوثي و البقائي واضح. فقياس المتزلزل الحدوثي على البقائي قياس مع الفارق، إذ الأوّل لا يمنع عن بيع المالك، فالبيع صحيح، مع بقاء عقد الفضولي متزلزلا. بخلاف الثاني، فإنّه مانع عن تصرّف ذي الخيار، فيبطل العقد الجائز بقاء بالتصرف المنافي له.

و بالجملة: فلا جامع بينهما حتى يقاس العقد الفضولي بالعقود الجائزة.

(1) قد تقدم وجه الأولوية في (ص 293).

(2) هذا وجه الظهور، و قد مرّ آنفا توضيحه بقولنا: «و الفرق بين التزلزل الحدوثي و البقائي واضح .. إلخ».

(3) متعلق ب «قياس».

(4) أي: لبطلان قياس العقد المتزلزل الحدوثي على العقد المتزلزل البقائي، و الظاهر أنّ مقصوده ما سيذكره في أحكام الردّ في ما إذا تصرّف المالك بما لا ينافي صحة بيع ماله

______________________________

[1] قد يقال بعدم الفارق، بتقريب: أنّه إذا قلنا بأنّ التصرف من ذي الخيار بنفسه يوجب انفساخ العقد و لو لم ينشأ به الفسخ كان القياس في محله، و الأولوية صحيحة، إذ التصرف ممّن له الحق إذا كان موجبا للانفساخ قهرا، فالتصرف ممّن له الملك بالأولوية.

أقول: الوجه في بطلان العقد الجائز بالتصرف المنافي هو: استحالة اجتماع الضدين، حيث إنّه يستحيل بقاء العقد الجائز الموجب للملكية مع صحة التصرف المنافي الموجب للملكية أيضا، لاقتضاء كليهما مالكية شخصين لمال واحد في زمان واحد، و هو محال، من غير فرق بين كون منشأ جواز التصرف ثبوت الملك أو الحقّ. و عليه فلا وجه للقياس و الأولوية كما ذهب إليه المصنف قدّس سرّه.

ص: 300

[السابع: الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس عندك]

السابع (1): الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع ما ليس

______________________________

فضولا، حيث إنّه فصّل بين وقوع هذا التصرف حال التفاته إلى بيع ماله فضولا، و بين وقوعه حال الغفلة عنه، فقال في حكم القسم الثاني: «فالظاهر عدم تحقق الفسخ به، لعدم دلالته على إنشاء الرّد، و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللّاحقة.

و لا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الردّ» فلاحظ (ص 459).

و هذا ردّ لما أفاده صاحب المقابس بقوله: «يكون فسخا له و إن لم يعلم بوقوعه» حيث إنّه حكم بعدم تأثير الإجازة حتى في صورة عدم علم المالك بما أنشأه الفضولي.

فيكون حاصل إيراد المصنف عليه أنّه لا وجه لكون هذا التصرّف ردّا في صورة جهل المالك، لأنّ الردّ كالإجازة أمر إنشائي منوط بالقصد المتوقف على العلم بالعقد حتى يفرده أو يجيره.

هذا مضافا إلى التأمل هناك في تحقق فسخ العقد الجائز كالهبة بالتصرف غير المنافي لو وقع في حال عدم الالتفات، فراجع (ص 467).

(1) هذا سابع الإشكالات التي أوردها المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه على صحة بيع «من باع فضولا مال غيره لنفسه ثم ملكه فأجازه» فإنّه لا يقع بالنسبة إلى المخاطب خاصة.

و الفارق بين هذا الوجه السابع و الستة المتقدمة أنّها محاذير عقلية مترتبة على ما اشتهر بينهم من كون الإجازة كاشفة حقيقة عن ترتب الأثر على البيع الفضولي من حين إنشائه، بخلاف هذا الوجه السابع، فإنه دليل نقلي على البطلان.

و لا يخفى أن ظاهر المتن جعل هذا الوجه في عداد الأمور التي ذكرها صاحب المقابس في الحكم ببطلان «من باع شيئا ثم ملكه». مع أنّه ليس كذلك. لأنّ المحقق الشوشتري قدّس سرّه حكم بالفساد، لاشتماله على وجوه من الخلل، و هي الأمور السّتة المتقدمة، ثم قال: «و يدل على ما اخترناه: الأخبار المعتبرة المستفيضة، منها: جملة من

ص: 301

عندك، فإنّ النهي فيها إمّا لفساد البيع المذكور مطلقا بالنسبة إلى المخاطب و إلى

______________________________

الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» «1» و مراده بالموضع الأوّل بيع الفضولي عينا بقصد وقوعه للمالك، مع وجود مجيز في حال العقد.

و مراده بجملة من الأخبار هي الأخبار التي ارتضى دلالتها على فساد بيع الفضولي، و لكنه قدّس سرّه حملها على ما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيما رواه يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السّلام: «لا بيع إلّا في ملك» حيث إنه ناقش فيها صاحب المقابس بضعف السند، و بأنّها محمولة على «من باع شيئا لنفسه ثم ملكه» حيث قال: «و باحتمال أن يكون المراد بطلان بيع ما يملكه بعد العقد، بأن يبيع مال الغير عن نفسه، ثم يشتريه .. و قد وقع النصّ على هذا المعنى في الروايات الكثيرة، كما يأتي بعضها في المسائل الآتية» «2».

و كذلك حمل صاحب المقابس النبوي «الناهي عن بيع ما ليس عندك» على البيع لنفسه لا للمالك، ثم يمضي و يشتريه من مالكه، فراجع «3».

و الغرض أن مقصوده من قوله في المقام: «الأخبار المتقدمة في الموضع الأوّل» هو ما ورد بلسان «لا بيع إلّا في ملك» أو «لا تبع ما ليس عندك» مما سلّم دلالته على بطلان الفضولي، و حمله على البيع لنفسه.

و كيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الأخبار على فساد بيع «من باع مال الغير ثم ملكه و أجاز» يتوقّف على تسلّم أمور.

أحدها: دلالة النهي على فساد المعاملة، إمّا لكونه دالّا في المعاملات على الفساد كدلالته في العبادات على الفساد، و إمّا للإرشاد إلى الفساد في خصوص المقام.

______________________________

(1) المقابس، كتاب البيع، ص 37.

(2) المصدر، ص 19

(3) المصدر، ص 30

ص: 302

المالك، فيكون دليلا على فساد العقد الفضوليّ (1). و إمّا لبيان فساده بالنسبة إلى المخاطب خاصّة (2) كما استظهرناه سابقا (3)، فيكون دالّا على عدم وقوع بيع مال

______________________________

ثانيها: إرادة عدم الملك ب «ما ليس عندك» حتى ينطبق على المقام، لا إرادة عدم القدرة على التسليم، كبيع العبد الآبق و الدابّة الشاردة.

ثالثها: إرادة العين الخارجية من الموصول في قوله: «ما ليس عندك» إذ لا إشكال في صحة بيع الكلي الذمي و إن لم يكن من مصاديقه شي ء عند البائع.

فلو كان المراد بيع الكلي فلا بدّ من كون النهي تنزيهيّا. و حينئذ لا يصحّ الاستدلال بالأخبار الناهية، للزوم حملها على التنزيه أو التقية، للإجماع على جواز بيع الكلي في الذمة.

رابعها: أن يكون النهي فيها إرشادا إلى الفساد في حقّ المخاطب مطلقا و إن ملكه بالشراء أو غيره و أجاز، حتى يكون دليلا على فساد بيع «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» بدعوى الإطلاق من ناحية الآثار، و هي الصحة الفعلية و التأهلية، و من ناحية الأحوال، و هو كون النهي إرشادا إلى عدم نفوذ عقد الفضولي بالنسبة إلى العاقد في جميع الأحوال قبل تملكه للمبيع الفضولي و بعده. و بعد الإجازة.

و أما إذا كان إرشادا إلى فساد العقد مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك، فهو دليل على فساد الفضولي مطلقا، و مفروض البحث هو صحة الفضولي في غير ما نحن فيه.

خامسها: أن يكون النهي دالّا على الفساد بقول مطلق- لا على نحو خاص- حتى يدلّ على بطلان عقد الفضولي و إن صار مالكا، إذ لو دلّ النهي على نفي الاستقلال لم يكن دليلا على ما نحن فيه.

(1) مطلقا و إن صار مالكا لما باعه فضولا، و أجاز مالكه.

(2) و هو البائع الفضولي.

(3) بقوله: «و يكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع .. إلخ» «1».

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 303

الغير لبائعه مطلقا و لو (1) ملكه فأجاز. بل (2) الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملّكه بعد البيع (3)، و إلّا فعدم وقوعه له قبل تملّكه ممّا لا يحتاج إلى البيان.

و خصوص (4) رواية يحيى بن الحجّاج المصحّحة إليه (5)، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب، و هذه الدابّة و بعنيها،

______________________________

(1) هذا بيان الإطلاق، فبيع الفضولي لا يقع له مطلقا سواء ملكه بعد بيعه و أجاز أم لا. و هذا غير مدّعى صاحب المقابس، لأنّه قائل بصحة عقد الفضولي في غير «من باع فضولا مال الغير ثم ملكه و أجاز». و هذا الدليل يدلّ على بطلان الفضولي في جميع الموارد.

(2) هذا إضراب عن الإطلاق المزبور، و حاصله: أنّ مورد عدم وقوع بيع مال الغير لبائعه خصوص صورة تملك البائع الفضولي للمبيع فضولا، إذ عدم وقوعه له قبل تملكه لا يحتاج إلى البيان، لوضوح عدم كونه مالكا للمبيع الفضولي حتى يجوز له التصرف.

(3) أي: بعد البيع الفضولي الذي أوقعه يوم الجمعة في المثال المتقدم.

(4) معطوف على «الأخبار المستفيضة».

(5) أي: إلى يحيى بن الحجاج. هذه عبارة الشيخ قدّس سرّه، و عبارة المقابس هكذا «و منها ما رواه الشيخ قدّس سرّه و الكليني قدّس سرّه في الصحيح عن يحيى بن الحجاج .. إلخ» و ليس بين يحيى و الامام عليه السّلام واسطة أصلا حتى يصح التعبير بقوله قدّس سرّه: «المصححة إليه».

و بالجملة: إنّما يصحّ هذا التعبير فيما إذا كان هناك واسطة مجهولة، و لا يعرف كونها ثقة، و المفروض أنّه ليس بين يحيى و أبي عبد اللّه عليه الصلاة و السلام واسطة. و لم يظهر وجه عدول المصنف عن عبارة المقابيس.

قال السيد قدّس سرّه في توجيه العدول المزبور ما لفظه: «لعلّ وجه هذا التعبير من المصنف .. تأمّله في الصحّة بالنسبة إلى من تقدّم على يحيى من الرواة، لا من جهة التأمل في وثاقته، و لا في من قبله، إذ هو يروي عن الامام عليه السّلام بلا واسطة. مع أنّه أيضا ثقة على ما في الخلاصة و النجاشي. فلا وجه لما أورد عليه من: أنه لا وجه لهذا التعبير بعد عدم الواسطة بينه و بين الامام عليه السّلام، فإنّ التعبير المذكور قد يكون في مقام يكون متأمّلا فيمن

ص: 304

أربحك كذا و كذا. قال عليه السّلام: «لا بأس بذلك اشترها، و لا تواجبه (1) البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها» «1».

و رواية (2) خالد بن الحجّاج (3)، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني و يقول: اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا. قال: أ ليس إن شاء أخذ و إن شاء

______________________________

تقدّمه من الرواة إمّا واقعا، أو من جهة عدم المراجعة إلى تراجمهم، فتدبّر» «2».

و لم يظهر مراد السيد قدّس سرّه من عبارته التي نقلناها، فلاحظها متدبّرا فيها.

(1) أي: و لا تنشئ إيجاب البيع قبل أن تستوجبها أي قبل أن تقول لمالكه: «بعني» أو قبل أن تشتريها: بأن تقول: «اشتريت» بعد قول المالك: «بعتكها».

(2) معطوف على «رواية يحيى» قال في المقابس: «و ما رواه الشيخ و الكليني عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج، قال .. إلخ».

(3) كما في بعض نسخ الكافي، و في بعضها الآخر: «خالد بن نجيح» و هذا مختلف فيه: فقد يقال: إنّه ممّن يعتبر روايته، و قد يقال: إنّه من الغلاة. و أمّا خالد بن الحجاج فهو ثقة، و قد تقدم في البحث عن لزوم المعاطاة صحة هذه الرواية بطريق الشيخ، لكون الراوي عن الامام عليه السّلام هو خالد بن الحجاج، و لا تردد فيه بينه و بين ابن نجيح، فراجع. «3»

قال صاحب المقابس قدّس سرّه في تقريب الاستدلال بهذه الرواية: «و المراد بالكلام عقد البيع، فإنّه يحل نفيا و يحرّم إثباتا، أو يحلّ ثانيا و يحرّم أوّلا. و المراد أنّ الكلام الذي جرى بينهما قد يحلّل و قد يحرّم بحسب اختلافه. فإن كان بطريق الإلزام حرمت المعاملة بذلك.

و إن كان بطريق المراضاة من دون إلزام- و إنّما يحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف- كانت حلالا» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، ح 13

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 165

(3) هدى الطالب، ج 1، ص 582 و 583.

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37.

ص: 305

ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به، إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام» «1»، بناء (1) على أنّ المراد بالكلام عقد البيع، فيحلّل نفيا (2) و يحرّم إثباتا، كما فهمه في الوافي «2».

______________________________

فالرواية تدلّ على وجود البأس و المنع في ما لو باع السمسار الثوب قبل أن يشتريه من مالكه. و ينطبق التعليل بجملة «إنما يحلل» عليه، بأنّ الكلام قبل الشراء من مالكه إن كان بعنوان المقاولة و المراضاة لم يكن به بأس، فلكل واحد منهما العدول عنه.

و إن كان بعنوان إنشاء البيع كان منهيّا عنه، فيدلّ على بطلان بيع الفضولي في مسألتنا، و هي «من باع شيئا ثم ملكه».

(1) هذا التعبير غير موجود في العبارة المتقدمة آنفا عن المقابس، لأنّه قدّس سرّه استظهر من جملة «إنّما يحلّل» وجها واحدا، و هو أنّ محاورة السمسار مع الرجل المريد للثوب إن كانت مواعدة لم تمنع من صحة البيع بعد الشراء من مالكه. و إن كانت إنشاء للبيع جدّا كانت باطلة.

و لكن المصنف قدّس سرّه حيث احتمل في هذا التعليل وجوها أربعة «3» أراد التنبيه على توقف دلالة رواية ابن الحجاج- على بطلان بيع من باع ثم ملك- على الاحتمالين الأخيرين المذكورين هناك، و هما في الواقع وجوه ثلاثة، و هي التي ذكرها المصنف في المتن. فلو قيل بالاحتمال الأوّل- الذي استظهره القائلون بعدم إفادة المعاطاة للملك مطلقا أو خصوص الملك اللازم- أو بالاحتمال الثاني كانت الرواية أجنبية عن مسألتنا، هذا.

و لعلّ الأنسب الاقتصار على نقل كلام المقابس، لكونه بصدد بيان أدلته على فساد البيع في «من باع شيئا ثم ملكه» و عدم بناء الاستدلال على ما احتمله المصنف في التعليل، فإنّ هذا الابتناء و إن كان صحيحا، لكن المفروض أنّ صاحب المقابس استظهر معنى واحدا و جعله مبنى استدلاله.

(2) يعني: أنّ عقد البيع إن لم يجر قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه حلّ ترتيب آثار البيع من الأخذ و الترك عليه. و إن جرى عقد البيع قبله حرم ترتيب آثار البيع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 12، ص 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 4

(2) الوافي، ج 18، ص 700، ذيل الحديث 18144- 7 «الطبعة الحديثة».

(3) راجع هدى الطالب، ج 1، ص 587- 594

ص: 306

أو يحلّل إذا وقع بعد الاشتراء، و يحرّم إذا وقع قبله (1). أو أنّ (2) الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرّم إذا كان بعنوان العقد الملزم، و يحلّل إذا كان على وجه المساومة و المراضاة.

و صحيحة (3) ابن مسلم، قال: «سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة، فابتاعه الرجل من أجله (4). قال: ليس به بأس، إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» «1».

______________________________

و عليه فالتحليل و التحريم يضافان إلى وجود الكلام البيعي، و عدمه. و هذا الاحتمال قد نبّه عليه المصنف في باب المعاطاة بقوله: «أن يراد بالكلام في الفقرتين الكلام الواحد، و يكون تحريمه و تحليله باعتبار وجوده و عدمه، فيكون وجوده محلّلا و عدمه محرّما، أو بالعكس» «2».

(1) أي: قبل الاشتراء، فالتحليل و التحريم على هذا الاحتمال يضافان إلى وجود الكلام، و هو خصوص إنشاء العقد، لا المقاولة و المراضاة، و المدار في التحليل و التحريم على التقدم و التأخر، فإذا وقع بيع الثوب بعد اشترائه من مالكه كان محلّلا، و إذا وقع قبل الاشتراء كان محرّما. و هذا الاحتمال نبّه عليه المصنف في المعاطاة بقوله: «أو باعتبار محلّه و غير محلّه، فيحلّ في محلّه، و يحرم في غيره».

(2) هذا الاحتمال هو الذي استظهره صاحب المقابس كما تقدم في عبارته، و جعله المصنف رابع الوجوه في باب المعاطاة، و هو يتوقف على التفكيك في الكلام المحرّم و المحلّل، بجعل المحرّم إنشاء البيع، و المحلّل المراضاة و المواعدة.

(3) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج.

(4) أي: من أجل ذلك الرجل، و بعبارة أخرى: طلب ذلك الرجل صار داعيا إلى أن يشتري الرجل الآخر- كالسمسار- المتاع، لا أنّه صار وكيلا عنه في الابتياع كما قيل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 377، الباب 8 من أبواب العقود، الحديث 8.

(2) هدى الطالب، ج 1، ص 593

ص: 307

و صحيحة (1) منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا، فيشتريه منه. قال: لا بأس بذلك، إنّما البيع بعد ما يشتريه» (2) «1».

و صحيحة (3) معاوية بن عمّار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب منّي بيع الحرير، و ليس عندي منه شي ء، فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتّى يجتمع عليّ شي ء، ثم أذهب لأشتري الحرير، فأدعوه إليه (4)، فقال:

أ رأيت إن وجد هو مبيعا أحبّ إليه ممّا عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه عنه و يدعك؟ أو: وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف عنه؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام:

لا بأس» «2».

و غيرها من الروايات (5).

______________________________

(1) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج.

(2) يعني: لا يبيع المتاع من ذلك الرجل الأمر إلّا بعد أن يصير مالكا لذلك المتاع بالاشتراء، إذ لا بيع إلّا في ملك.

(3) معطوف على: رواية يحيى بن الحجاج. و بست هذه الصحيحة مذكورة في المقابس «3»، و آخر النصوص المذكورة فيه المتعلقة بهذه المسألة هي صحيحة منصور بن حازم.

(4) يعني: فادعوا الرجل إلى اشتراء الحرير منّي.

(5) التي جمعها صاحب الوسائل قدّس سرّه في الباب الثامن من أحكام العقود، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك، تساومه، ثم تشتري له على النحو الذي طلب، ثم توجبه على نفسك، ثم تبيعه منه

______________________________

(1) الوسائل، ج 12، ص 376، الحديث 6

(2) المصدر، ص 377، الحديث 7.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37.

ص: 308

و لا يخفى (1) ظهور هذه الأخبار- من حيث المورد

______________________________

بعد» «1». و قد ذكرها المصنف قدّس سرّه في باب المعاطاة معترفا بورودها في حكم بيع مالا يملكه السمسار.

و كمعتبرة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يجيئني، يطلب المتاع، فأقاوله على الربح ثم أشتريه، فأبيعه منه. فقال: أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك؟ قلت: بلى. قال: لا بأس به» «2» الحديث.

و كمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، «قال: إن شاء اشترى، و إن شاء لم يشتر؟ قلت: نعم. قال: لا بأس به» «3».

و قريب منها معتبرته الأخرى. فراجع.

(1) هذا من مطالب المقابس، لكنه نقل بالمعنى، و عين عبارته هكذا: «و هذه الروايات ظاهرة الدلالة على عدم جواز البيع قبل الشراء و التملك».

و محصل تقريب الاستدلال بهذه الروايات على عدم صحة بيع الفضولي مال الغير قبل تملّكه لذلك المال: أنّها تدلّ من حيث المورد على ذلك، كرواية يحيى بن الحجاج المذكورة في (ص 308- 304). فإنّ موردها العين الشخصية التي ليست ملكا للفضولي.

و قوله عليه السّلام: «إن شاء أخذ و إن شاء ترك» كناية عن عدم البيع الملزم، فليس للفضولي أن يبيع مال الغير قبل تملّكه له. و إطلاقه يدل على عدم البيع لنفسه.

و صحيح معاوية يدل على عدم بيع مال الغير قبل تملكه له، و إطلاقه يشمل العين الشخصية.

و بعضها يدلّ من حيث التعليل على عدم جواز بيع مال الغير لنفسه قبل تملكه له، كصحيحتي ابن مسلم و منصور بن حازم، و رواية خالد بن الحجاج، فإنّ كلمة «إنّما» في هذه الروايات ظاهرة في عدم جواز البيع قبل الشراء و التملك، سواء باعه لنفسه أم للمالك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 375، الباب 8، من أبواب أحكام العقود، الحديث 1

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 3

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 378، الباب 8 من أبواب أحكام العقود، الحديث 12 و 11

ص: 309

في بعضها (1)، و من حيث التعليل في بعضها الآخر (2)- في (3) عدم صحّة البيع قبل الاشتراء، و أنّه (4) يشترط في البيع الثاني (5) تملّك (6) البائع له، و استقلاله (7) فيه، و لا يكون قد سبق منه و من المشتري إلزام و التزام سابق بذلك المال.

و الجواب عن العمومات (8)، أنّها إنّما تدلّ على عدم ترتّب الأثر المقصود من

______________________________

(1) كصحيح معاوية بن عمار و رواية يحيى بن الحجاج كما مرّ آنفا.

(2) كصحيحي ابن مسلم و منصور، و رواية خالد ابن الحجاج كما تقدم آنفا.

(3) متعلّق ب «ظهور هذه الأخبار».

(4) معطوف على «عدم» يعني: و ظهور الأخبار في أنّه يشترط في البيع .. إلخ».

(5) و هو بيع الرجل المأمور المتاع الذي طلب منه الآمر. فالمراد بالبائع في قوله:

«تملك البائع له» هو الرجل المأمور باشتراء المتاع للرجل الآمر.

(6) نائب فاعل لقوله: «يشترط».

(7) معطوف على «تملك» و ضميرا «له، فيه» راجعان إلى «المال» المذكور سابقا.

(8) هذا جواب المصنف قدّس سرّه عن استدلال صاحب المقابس بالروايات على بطلان بيع من باع مال الغير لنفسه ثم ملكه و أجاز. و قد أجاب أوّلا عن الاستدلال بالعمومات، و ثانيا عن الاستدلال بالأخبار الخاصة.

أمّا الجواب الأوّل فحاصله: أنّ النهي عن بيع مال الغير ليس نهيا تكليفيا عن السبب، و هو التلفظ بألفاظ العقد، لوضوح أنّ التلفظ بلفظ «بعت» ليس من المحرّمات التكليفية كالغناء و الغيبة، بل النهي عن بيع مال الغير إرشاد إلى حكم وضعي، و هو فساد المعاملة، و عدم ترتّب الأثر المقصود- أعني به الانتقال و تبادل المالين- عليها.

و بعبارة أخرى: المراد بالبيع المنهيّ عنه هنا هو البيع بمعناه الاسم المصدري، يعني:

أنّ بيع ما ليس ملكا للبائع لا يترتب عليه أثر بالنسبة إلى كلا المتعاقدين، فليس للبائع التصرّف في الثمن، و لا للمشتري التصرف في المثمن. و أمّا إذا زال عنوان «ما ليس عنده» و تبدّل بعنوان «ما عنده» بسبب الشراء أو الإرث فيزول الحكم و هو الفساد، لتبعيّة الحكم لموضوعه، و يخرج عن الموضوع أعني به «ما ليس عنده» خروجا تخصّصيّا.

فلا مانع حينئذ من صحة بيع الفضولي مال الغير بعد أن صار العاقد الفضولي

ص: 310

البيع- و هو النقل و الانتقال (1) المنجّز- على (2) بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتّب (3) الأثر على هذا البيع (4)، لا من طرف البائع بأن يتصرّف في الثمن، و لا من طرف المشتري بأن يطالب البائع بتسليم المبيع [1].

______________________________

مالكا له، لأنّ صحته مما تقتضيها عمومات صحة بيع المالكين لأموالهم، فلا تحتاج صحته- بمجرد انتقال المال إلى الفضولي أو مع الإجازة- إلى دليل.

و أمّا الجواب الثاني فحاصله أنّ الأخبار الخاصة لا تدلّ إلّا على عدم ترتب الأثر على بيع ما ليس عنده، فإنّ المثبت في بيع ما عنده- أعني به ترتب الأثر المقصود- هو المنفيّ في بيع ما ليس عنده.

(1) الذي هو البيع بمعنى الاسم المصدري.

(2) متعلق ب «ترتّب الأثر».

(3) الأولى إبداله ب «ترتيب الأثر».

(4) أي: بيع مال الغير فضولا.

______________________________

[1] و قد نوقش في هذا الجواب بما حاصله: أنّ إطلاق النهي عن ترتيب الأثر المقصود يشمل كلتا صورتي إجازة العاقد الفضولي الذي صار مالكا فعليا لما باعه فضولا و عدم إجازته. و لا يكفي في صحة هذا العقد الفضولي العمومات الدالة على صحة العقود، و ذلك لأنّ المفروض خروج المورد من حين وقوعه عن حيّزها، فلا معنى لشمولها له بعد ذلك. نظير بطلان العقد لفقد بعض الشرائط الأخر، كعدم القدرة على التسليم، فإذا باع متاعا لا يقدر على تسليمه فهل يصح ذلك البيع بعد أن صار قادرا على تسليمه؟ أو باع شيئا مجهولا، و بعد مدّة صار معلوما.

و الحاصل: أنّه إذا فرض شرطية مالكية المبيع لصحة البيع فلا محالة يكون فقدانها موجبا لوقوع البيع باطلا، فلا تشمله عمومات الصحة، فصحته بعد وجود الشرط تحتاج الى دليل. و أيّ فرق بين شرطية الملكية و بين سائر الشرائط، كمعلوميّة العوضين و القدرة على التسليم، و عدم الغرر، فإنّ فقدانها حين العقد يوجب بطلانه دائما، و لا يصحّ العقد بعد وجودها.

و بالجملة: فعقد الفضولي الواقع لنفسه لا للمالك لا يصح، و إن اشتراه الفضولي بعد ذلك و أجاز.

ص: 311

______________________________

و يظهر من هذا البيان حال الأخبار الخاصّة، فإنّ مقتضى إطلاقها أيضا بطلان البيع قبل الشراء و لو مع الإجازة. هذا بالنسبة إلى فرض المسألة.

و أمّا بالنسبة إلى مطلق الفضولي فعدم التزامنا ببطلانه إنّما هو لدعوى عدم شمول النهي له، حيث إنّ ظاهر النهي عن بيع ما ليس عنده أو ليس ملكا له هو النهي عن بيعه لنفسه لا لمالكه، فيكون مشمولا لعمومات الصحة كما يظهر من المصنف قدّس سرّه أيضا. هذا ما أفيد «1».

و يمكن أن يقال: إنّ شرطية مالكية البائع للمبيع تكون في حال إضافة البيع بمعناه الاسم المصدري إليه و لو حصلت هذه الإضافة بعد إيجاب البيع، و من المعلوم أنّ عقد الفضول لا يضاف إلى العاقد الفضولي إلّا بعد الإجازة، فلا يصير بائعا إلّا بعدها، و المفروض أنّه في حال اتصافه بالبائعية يكون مالكا، فتشمله عمومات صحة العقود.

و بعبارة أخرى: معنى «لا تبع ما ليس ملكا لك» هو اعتبار ملكية المبيع للبائع حين اتصافه بالبائعية، و لا يحصل هذا الوصف له إلّا بالإجازة، و المفروض كونه مالكا حينئذ، فيتصف العاقد الفضولي بالبائعية بعد أن صار مالكا، كما إذا باع زيد فضولا مال أبيه من عمرو يوم الجمعة، ثم اشتراه من أبيه يوم السبت، ثم أجاز في يوم الأحد بيعه الفضولي الواقع يوم الجمعة. فهذا العاقد الفضولي صار بائعا يوم الأحد، بعد أن ملك المبيع يوم السبت، فلا يصدق على هذا الفضول «أنّه باع مال الغير» حتى يندرج في عموم: لا تبع ما ليس عندك.

و الحاصل: أنّه تفترق شرطية مالكية البائع للمبيع عن سائر الشرائط في أنّ سائر الشرائط شروط للصيغة، ففقدانها حين العقد قادح في صحته، و لا يجدي في صحته حدوثها بعد تحقق الصيغة.

فالنتيجة: أنّ بيع الفضولي الذي ملك المبيع فضولا ثم أجاز صحيح.

و توهّم «كون العاقد الفضول بائعا حين العقد، حيث إنّه باع لنفسه لا للمالك، و المفروض أنّه في ذلك الزمان لم يكن مالكا، فيشمله عموم: لا تبع ما ليس عندك، إذ الاتصاف بالبائعية إنّما يكون حين العقد لا حين الإجازة، فالبيع فاسد لا محالة» فاسد، لمّا مرّ مرارا من أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين، و ليس قصد كون البيع لزيد أو لعمرو مقوّما

______________________________

(1) حاشية السيد الطباطبائي على المكاسب، ج 1، ص 166

ص: 312

و منه (1) يظهر الجواب عن الأخبار، فإنّها لا تدلّ- خصوصا (2) بملاحظة قوله عليه السّلام: «و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها» (3)- إلّا على (4) أنّ الممنوع منه هو الإلزام و الالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء (5)، فكذا بعده (6)، من دون حاجة إلى إجازة، و هي المسألة الآتية، أعني لزوم البيع بنفس الاشتراء (7) من دون حاجة إلى الإجازة (8)، و سيأتي أنّ الأقوى فيها (9) البطلان.

______________________________

(1) أي: و من الجواب عن العمومات يظهر الجواب عن الأخبار الخاصة، كصحيح منصور بن حازم و رواية يحيى بن الحجاج و غيرهما، و قد تقدم آنفا بقولنا: «و أما الجواب الثاني فحاصله .. إلخ».

(2) وجه الخصوصية: أنّ إيجاب البيع يوجب التزام المتبايعين بآثار البيع، فالمنهى عنه هو البيع الذي يترتّب عليه الأثر من دون حاجة إلى إجازة مالك جديد.

(3) كما في رواية يحيى بن الحجاج المتقدمة.

(4) متعلق ب «لا تدل» و المستثنى منه محذوف، أي: لا تدلّ الأخبار على شي ء إلّا على .. إلخ.

(5) يعني: قبل اشتراء العاقد الفضولي المتاع- الذي باعه فضولا- من مالكه.

(6) أي: بعد الاشتراء. و الحاصل: أنّ المنهي عنه هو بيع الفضولي، بمعنى التزام المتبايعين بآثار البيع- قبل الشراء من مالكه و بعد الشراء منه- من دون حاجة إلى إجازة، بحيث يكون مجرّد تملّك العاقد الفضولي للمتاع كافيا في لزوم البيع.

(7) أي: من دون اشتراء الفضولي لذلك المتاع.

(8) أي: إجازة الفضولي الذي هو المالك الجديد.

(9) أي: في المسألة الآتية، و هي: ما لو باع الفضوليّ المتاع ثم اشتراه من مالكه، فهل العقد الفضوليّ السابق كاف في الصحة؟ أم يحتاج إلى إجازة الفضولي الذي هو

______________________________

لمفهوم البيع، فقصد كون البيع لفلان لغو، فإضافة البيع إلى شخص معيّن منوط بصيرورته مالكا، كما أنّ العقد لا يكون عقدا للعاقد الفضول إلّا بعد الإجازة.

و منه يظهر وجه الحاجة إلى إجازة العاقد الفضول إذا صار مالكا للمبيع الفضولي، و عدم كفاية مجرّد صيرورته مالكا في صحة عقده الفضولي.

ص: 313

و ما قيل (1): «من أنّ تسليم البائع للمبيع بعد اشترائه إلى المشتري الأوّل (2) مفروض في مورد الروايات (3)، و هي إجازة فعليّة» مدفوع (4) بأنّ التسليم إذا وقع

______________________________

المالك الجديد، فلو لم يجز ذلك العقد الفضولي الأوّل لبطل، لدخوله في مسألة «بيع مال الغير» الذي منع عنه بقوله عليه السّلام: «لا تبع ما ليس عندك» و «لا بيع إلّا في ملك».

(1) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه أفاده في ردّ مناقشة الشهيد قدّس سرّه في دلالة الأخبار المتقدمة على فساد بيع «من باع ثم ملك» قال المحقق الشوشتري: «و ما يظهر من الشهيد من حمل نحو هذه الأخبار على ما إذا أراد اللزوم بمجرّد الانتقال- لا بالإجازة بعده- فبعده ظاهر، فإنّه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك، و لم يؤمر بفعله بعده. مع أنّ التسليم كان يحصل بعده، و هو في حكم الإجازة، لأنّها تحصل بالفعل كما تحصل بالقول» «1».

و تقريب ما نقله المصنف قدّس سرّه عنه هو: أنّ الروايات الخاصة مع تضمنها للإجازة الفعلية- و هي تسليم البائع الفضولي المبيع إلى المشتري- منعت عن بيع الفضول مال الغير قبل تملكه له، فيستفاد من الأخبار الخاصّة النهي عن بيع مال الغير و إن ملكه البائع بعد ذلك، و أجاز البيع الفضولي.

(2) و هو الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي يوم الجمعة.

(3) كما في مورد رواية عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتيني يريد منّي طعاما أو بيعا نسيئا، و ليس عندي، أ يصلح أن أبيعه إيّاه و أقطع له سعره، ثم أشتريه من مكان آخر، فأدفعه إليه؟ قال: لا بأس به» «2». و كذا غيرها.

(4) خبر «و ما قيل» و دفع له، توضيحه: أنّ الفعل و إن كان أحيانا إجازة كالقول، لكن اتصافه بالإجازة منوط بكونه عن سلطنة و استقلال، لأنّها من شؤون سلطنة الناس على أموالهم، فلا بدّ أن تكون الإجازة مطلقا- فعلا أو قولا- صادرة عن إرادة و اختيار، لا عن الإكراه و الإجبار.

و عليه فالتسليم إلى المشتري الأوّل إذا نشأ عن اعتقاد لزوم البيع السابق الواقع

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 376، الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث: 2

ص: 314

باعتقاد لزوم البيع السابق، و كونه من مقتضيات لزوم العقد، و أنّه (1) ممّا لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه إذا امتنع، فهذا (2) لا يعدّ إجازة، و لا يترتّب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي، لأنّ (3) المعتبر في باب الإجازة قولا و فعلا ما (4) يكون عن سلطنة و استقلال، لأنّ (5) ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في صيرورة مال الغير حلالا لغيره يدلّ (6) على عدم كفاية ذلك (7).

نعم (8) يمكن أن يقال: إنّ مقتضى تعليل نفي البأس في رواية خالد

______________________________

يوم الجمعة في المثال المفروض- و صيرورته مجبورا على التسليم إذا امتنع- لم يكن هذا التسليم أجازه في باب الفضولي، إذا مع اعتقاد لزوم البيع- و كون لزوم التسليم من مقتضياته- لا يبقى له سلطنة و استقلال.

(1) هذا و «كونه» معطوفان على «لزوم» و مفسّران له.

(2) جواب قوله: «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «ان التسليم».

(3) تعليل لقوله: «لا يعدّ اجازة» و قد مرّ توضيحه آنفا.

(4) خبر «أن المعتبر»، و «قولا أو فعلا» تمييزان للإجازة.

(5) تعليل لقوله: «لأنّ المعتبر» و محصّله: أنّ وجه اعتبار السلطنة و الاستقلال في الإجازة هو دلالة دليل الإجازة على ذلك، حيث إنّ ما يدلّ على اعتبار طيب النفس في حلية مال شخص لغيره كالصريح في ذلك، فإن طيب النفس لا يحصل إلّا في ظرف عدم ملزم لمالك المال بالإجازة، إذ مع وجوده لا يحصل طيب النفس، بل قد تحصل الكراهة التي هي ضدّه.

(6) خبر لقوله: «لأن ما يدل».

(7) و هو تسليم البائع الفضولي المبيع- بعد اشترائه من مالكه الأصلي- إلى المشتري باعتقاد لزوم البيع السابق، و كون التسليم واجبا عليه، لأنّه من مقتضياته.

(8) استدراك على ما أفاده في الجواب عن استدلال صاحب المقابس بالأخبار، و حاصل الاستدراك: أنّ الامام عليه الصلاة و السلام علّل نفي البأس في رواية خالد بن الحجاج بقوله: «أ ليس إن شاء أخذ، و أشاء ترك» و هذا التعليل ظاهر في ثبوت البأس و المنع في البيع المتحقق بين السمسار و المشتري منه، بحيث لو كان المشتري ملزما بأخذ

ص: 315

المتقدّمة (1) «بأنّ (2) المشتري إن شاء أخذ و إن شاء ترك» ثبوت (3) البأس في البيع السابق بمجرّد لزومه على الأصيل. و هذا (4) محقّق فيما نحن فيه (5)، بناء (6) على ما تقدّم (7) من أنّه ليس للأصيل في عقد الفضوليّ فسخ المعاملة [1] قبل إجازة المالك أو ردّه.

______________________________

الثوب- و لم يكن له الخيار بين الأخذ و الترك- لكان فاسدا.

و هذا المطلب محقّق في مسألة «من باع ثم ملك» فيكون باطلا، و ذلك لما تقرّر في ثمرات الكشف و النقل من أنّ الأصيل لا يجوز له رفع اليد عمّا أنشأه مع الفضول، بل عليه التربص إلى أن يجيز المالك أو يرد. و حيث إنّ المشتري من الفضولي في مسألة «من باع» ملزم شرعا بالبقاء على مضمون العقد و مقتضاه، كان مفهوم قوله عليه السّلام: «إن شاء أخذ و إن شاء ترك» دالّا على وجود البأس فيه، فيبطل بيعه.

و الحاصل: أنّ إلزام الأصيل بالوفاء- في الفترة بين العقد و الإجازة- يوجب بطلان البيع، لانتفاء مشيئة الأخذ و الترك، هذا.

(1) و هي رواية خالد بن الحجاج المتقدمة في (ص 305).

(2) متعلّق ب «تعليل».

(3) خبر «إن مقتضي» أي: ثبوت البأس في البيع السابق الفضولي بمجرّد لزومه على المشتري الأصيل.

(4) أي: و ثبوت البأس محقّق في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه».

(5) و هو بيع الفضول مال الغير و تملّكه له، و إجازته لما باعه فضولا.

(6) علّة لثبوت البأس فيما نحن فيه.

(7) تقدّم ذلك في (ص 119) بقوله: «و الحاصل أنّه إذا تحقق العقد فمقتضى العموم ..

إلخ».

______________________________

[1] لكن ينافيه قوله: «أ ليس إن شاء أخذ، و إن شاء ترك» حيث إنّه نصّ على عدم اللزوم من طرف الأصيل، و عدم نفوذ المعاملة إذا لم يتمكن المشتري من ردها و قبولها.

ص: 316

لكنّ (1) الظاهر- بقرينة النهي (2) عن مواجبة البيع في الخبر المتقدّم- إرادة اللزوم من الطرفين.

و الحاصل (3): أنّ دلالة الروايات عموما و خصوصا على النهي عن البيع قبل الملك ممّا (4) لا مساغ لإنكاره، و دلالة (5) النهي على الفساد أيضا ممّا لم يقع فيها المناقشة في هذه المسألة (6). إلّا (7) أنّا نقول: إنّ المراد بفساد البيع هو عدم ترتّب

______________________________

(1) استدراك على قوله: «نعم» و ردّ له، و حاصله: أنّ جملة «إن شاء ترك و إن شاء أخذ» و إن كانت ظاهرة في إناطة صحة البيع بعدم لزوم البيع على الأصيل، بحيث لو كان لازما عليه كان فيه البأس، فيشكل الأمر حينئذ في مسألة «من باع ثم ملك». إلّا أنّ السؤال عن شراء الثوب ورد في رواية يحيى بن الحجاج أيضا، و قد نهى عليه السّلام فيها عن المواجبة، لقوله: «و لا تواجبه البيع».

و من المعلوم ظهور باب المفاعلة في أنّ المنهي عنه هو إنشاء البيع اللازم من الطرفين، لا من طرف واحد، و هو المشتري الأصيل الذي اشترى المتاع من البائع الفضولي كما في المقام، لكون اللزوم من طرف الأصيل فقط. و أمّا من طرف الفضولي فلا لزوم فيه، فليس مشمولا للرواية حتى تدلّ على فساد البيع.

(2) قرينيته إنّما هي لكون المواجبة- الواقعة في رواية يحيى المتقدمة- من باب المفاعلة الدالّة على اعتبار الالتزام من الطرفين.

(3) يعني: و حاصل الكلام في مسألة «من باع مال الغير فضولا ثم ملكه و أجاز» هو: أنّ دلالة الروايات العامة- كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تبع ما ليس عندك» و الروايات الخاصة، و هي رواية يحيى بن الحجاج و غيرها المذكورة في (ص 308- 304) على النهي عن بيع شي ء قبل تملكه ممّا لا ينبغي إنكاره، كما أنه لا مجال لإنكار دلالة النهي على الفساد أيضا. و عليه فيكون بيع الفضولي في المقام فاسدا غير قابل للتصحيح.

(4) خبر «أن دلالة»، و قوله: «على النهي» متعلق ب «دلالة».

(5) معطوف على «دلالة» و المراد بالنهي هو النهي الوارد في الأخبار العامة و الخاصة.

(6) و هي مسألة بيع الفضول الذي ملك ما باعه فضولا بالشراء أو غيره، و أجاز.

(7) غرضه أنّ تعلق النهي بيع الفضول مال الغير، و دلالة النهي على الفساد و إن كان كلاهما ممّا لا يقبل الإنكار، إلّا أنّ معنى الفساد ليس هو كون البيع كالعدم بحيث

ص: 317

ما يقصد منه عرفا من الآثار، في مقابل الصحّة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من إنشاء البيع. مثلا (1) لو فرض حكم الشارع بصحّة بيع الشي ء قبل تملّكه على الوجه (2) الذي يقصده أهل المعاملة- كأن (3) يترتّب عليه (4) بعد البيع النقل (5) و الانتقال، و جواز تصرّف البائع في الثمن، و جواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل

______________________________

لا يترتب عليه أثر أصلا و إن لحقته الإجازة من مالكه، بل معناه عدم ترتب الأثر المقصود كالنقل و الانتقال في البيع، في مقابل الصحة التي هي إمضاء الشارع لما يقصد عرفا من الآثار.

فالصحة و الفساد يعرضان البيع الموجود، نظير صحة الثمر و فساده، فإنّ الثمر مثلا يتصف بالصحة و الفساد. بخلاف الصلاة بناء على وضعها للصحيح، فإنّ فسادها عبارة عن عدمها. لكنّ اتّصاف المعاملة بالصحة و الفساد لا بدّ أن يكون باعتبار السبب دون المسبب، لدورانه بين الوجود و العدم، فإنّ الملكية مثلا إمّا موجودة و إمّا معدومة.

إلّا أن يقال بتصور الصحة و الفساد في المعنى الاسمي المسببي أيضا باختلاف الأنظار كما تقدم في أوّل البيع، فراجع «1».

(1) غرضه من هذا التمثيل بيان معنى الفساد الذي يقتضيه النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» و تقريبه: أنّ الفساد مقابل الصحة، و المراد بصحة بيع الفضولي ما لا يملكه هو ترتيب أحكام البيع عليه من النقل و الانتقال في الملكية، و تسليم المثمن إلى المشتري بعد تحصيله، و هكذا. و المراد بالفساد عدم ترتب الأثر عليه فعلا، لعدم كون البائع مالكا بالفعل. و هذا لا ينافي صحته التأهلية و قابلية العقد للصحة الفعلية بلحوق الإجازة.

و ليس المراد بالفساد ما استفاده صاحب المقابس قدّس سرّه من عدم قابليته للتأثير بوجه أصلا حتى لو لحقته الإجازة.

(2) متعلق ب «بصحة» و المراد بالصحة على الوجه المقصود للمتبايعين هو الإمضاء.

(3) الظاهر أنّه بيان لإمضاء الشارع مقصود المتعاملين.

و يحتمل أن يكون «كان» بصيغة الماضي ليكون جوابا للشّرط في قوله: «لو فرض».

(4) أي: على البيع، و قوله: «النقل» فاعل «يترتب».

(5) هذا و ما بعده هو الوجه الذي يقصده أهل المعاملة من البيع.

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 1، ص 309- 310

ص: 318

المبيع من (1) مالكه و تسليمه (2)، و عدم (3) جواز امتناع البائع بعد تحصيله عن تسليمه (4)- ففساد (5) البيع بمعنى عدم ترتّب جميع ذلك (6) عليه، و هو (7) لا ينافي قابليّة العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد.

و لا يجب (8) على القول بدلالة النهي على الفساد وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثّر أصلا (9)،

______________________________

(1) متعلق ب «بتحصيل» و هو متعلق ب «مطالبة». و ضميرا «مالكه، تسليمه» راجعان إلى «المبيع».

(2) معطوف على «تحصيل».

(3) معطوف على «جواز» و ضميرا «تحصيله، تسليمه» راجعان الى «المبيع».

(4) هذا و «بعد تحصيله» متعلقان ب «امتناع».

(5) هذا إمّا جواب «لو فرض» و اقترانه بالفاء لكون الجواب جملة اسميّة، و إمّا متفرع على ما أفاده من الصحة التي هي حكم وضعي، و معناها ترتب الآثار الشرعية- من النقل و الانتقال، و جواز تصرف البائع في الثمن، و المشتري في المبيع- على العقد.

فمعنى الفساد الذي هو مقابل الصحة عبارة عن عدم ترتب تلك الآثار على البيع.

(6) أي: عدم ترتب جميع تلك الآثار- من النقل و الانتقال و جواز تصرف البائع في الثمن، و غير ذلك- على البيع.

(7) أي: و الفساد بهذا المعنى- و هو عدم ترتب الآثار من النقل و الانتقال و غير ذلك على البيع- لا ينافي قابلية العقد للحوق الإجازة من مالكه حين العقد أو ممّن يملكه بعد العقد كالفضولي الذي يبيع مال الغير ثم يتملكه بالشراء أو غيره، و يجيز ذلك البيع الفضولي.

(8) لعلّ الأولى تبديل الواو بالفاء، كما في قوله: «ففساد»، حيث إنّ «و لا يجب» بعد بيان المراد بالفساد كالنتيجة، و حاصله: أنّ الفساد بالمعنى المزبور لا يستلزم أن يراد بالفساد المدلول عليه بالنهي لغوية البيع المنهي عنه في مثل «لا تبع ما ليس عندك» و وقوعه غير مؤثر أصلا حتى مع لحوق إجازة من له الإجازة به.

(9) يعني: حتى مع إجازة من له ولاية الإجازة كمالكه حين العقد، أو مالكه بعد العقد.

ص: 319

كما يستفاد (1) من وجه دلالة النهي على الفساد، فإنّ حاصله دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب، و بيان أنّ مقصوده من الفعل المنهيّ عنه- و هو (2) الملك و السلطنة من الطرفين- لا يترتّب عليه، فهو غير مؤثّر في مقصود المتبايعين، لا (3) أنّه لغو من جميع الجهات، فافهم (4).

اللهم (5) إلّا أن يقال: إنّ عدم ترتّب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرّد إنشائه مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع مقيّدا بانضمام بعض الأمور

______________________________

(1) يعني: كما يستفاد عدم المنافاة بين فساد البيع بالمعنى المذكور و بين قابلية العقد للحوق الإجازة من وجه دلالة النهي على الفساد، و ذلك الوجه هو ما أفاده بقوله: «فإنّ حاصله» من دعوى دلالة النهي في مثل «لا تبع ما ليس عندك» على إرشاد المخاطب إلى أنّ مقصوده من البيع المنهي عنه- و هو النقل و الانتقال- لا يترتب عليه، و لا يؤثر هذا البيع في مقصود المتبايعين. لا أنّ هذا البيع المنهي عنه لغو من جميع الجهات حتى لا يكون قابلا لإجازة من له ولاية الإجازة.

(2) أي: مقصود المخاطب، و ضمير «حاصله» راجع إلى «وجه».

(3) معطوف على «أن مقصوده». و الضمائر في «أنه، عليه، فهو» راجعة إلى الفعل المنهي عنه.

(4) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في دلالة النهي بين ما نحن فيه و سائر المقامات، و من المعلوم أنّه في سائر الموارد- كبيع المجهول و البيع الربويّ- يدلّ على الفساد المطلق، و عدم الصحة الفعلية و التأهلية، فلا بدّ أن يكون كذلك فيما نحن فيه أيضا.

(5) هذا عدول عمّا أفاده- من عدم دلالة النهي في الأخبار العامة و الخاصة على فساد بيع الفضوليّ مال غيره لنفسه، و تملكه بعد البيع لذلك المال، و إجازته للبيع- إلى دلالة النهي في تلك الأخبار على الفساد، كدلالته على الفساد في سائر الموارد.

تقريب وجه العدول: أنّ النهي المطلق الظاهر في البطلان المطلق لا يلائم صحة الفعل المنهي عنه مقيّدا بشرط كالإجازة فيما نحن فيه، بل المناسب أن يكون النهي مقيّدا، بأن يقال: «لا تبع مال الغير إلّا مع إجازته» أو «لا تبع مال الغير إذا لم يجز مالكه».

فإطلاق النهي و عدم تقييده يدلّ على بطلان هذا البيع مطلقا بحيث لا يقبل الإجازة،

ص: 320

اللاحقة- كالقبض في الهبة و نحوها (1)، و الإجازة في الفضوليّ- لا يقتضي (2) النهي عنها بقول مطلق، إذ (3) معنى صحّة المعاملة شرعا أن يترتّب عليها شرعا المدلول المقصود من إنشائه و لو مع شرط لاحق. و عدم (4) بناء المتعاملين على مراعاة ذلك

______________________________

للزوم الإخلال بالغرض من إطلاق النهي مع إرادة النهي المقيّد منه، كبيع الفضولي بلا إجازة، و الهبة بلا قبض، و بيع الصرف بلا قبض، إلى غير ذلك من النواهي المقيّدة.

و بالجملة: فالنهي في «لا تبع ما ليس عندك» يدلّ على الفساد مطلقا و لو مع الإجازة.

ثم إن ما أفاده المصنف بقوله: «اللهم إلّا أن يقال» يستفاد من صاحب المقابس في رد كلام الشهيد قدّس سرّه بقوله: «فإنه لو كانت الإجازة كافية لما نهي عن البيع قبل ذلك، و لم يؤمر بفعله بعده، مع أن التسليم كان يحصل بعده، و هو في حكم الإجازة منه» «1».

(1) كبيعي الصّرف و السّلم.

(2) خبر «أن» في قوله «أن عدم ترتب» و ضمير «عنها» راجع إلى المعاملة، المستفادة من العبارة.

و الحاصل: أنّ العقد إذا كان صحيحا على تقدير لم يصحّ النهي عنه بقول مطلق، إذ إطلاق النهي ظاهر في بطلان العقد بقول مطلق.

(3) تعليل لعدم صحة النهي بقول مطلق، مع فرض صحة العقد على تقدير كصحة عقد الفضولي على تقدير الإجازة، بل لا بدّ من تقييد النهي بتجرّده عن لحوق شرط صحته، كإجازة المالك، فإنّه مع فرض الصحة على تقدير وجود الشرط الفلاني كيف يصحّ النهي بقول مطلق؟ إذ إطلاق النهي يدلّ على بطلان العقد مطلقا. و عليه فيكون عقد الفضول باطلا حتّى مع الإجازة.

(4) إشارة إلى وهم و دفع. أمّا الوهم فهو: أنّه يمكن أن يكون سبب النهي المطلق بناء المتعاقدين على عدم مراعاة الشرط و هو الإجازة في عقد الفضولي التي تصدر من المالك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب المبيع، ص 37

ص: 321

الشرط لا يوجب (1) النهي عنه إلّا مقيّدا بتجرّده عن لحوق ذلك الشرط، فقصدهم ترتّب الملك المنجّز على البيع قبل التملّك- بحيث يسلّمون الثمن و يطالبون المبيع- لا يوجب (2) الحكم عليه بالفساد (3).

فالإنصاف (4) [1] أنّ ظاهر النهي في تلك الروايات هو عدم وقوع البيع قبل

______________________________

(1) هذا خبر «عدم» و دفع التوهم، و محصّله: أنّ هذا البناء لا يسوّغ النهي المطلق، بل اللازم النهي مقيّدا بعدم صدور الإجازة من المالك، إذ مع صدورها تصح المعاملة، فالنهي المطلق دليل على فساد المعاملة مطلقا و إن لحقته الإجازة.

(2) خبر قوله: «فقصدهم»، و «على البيع» متعلّق ب «ترتّب».

(3) يعني: الفساد مطلقا حتى مع الإجازة، فلا وجه للنهي عن هذه المعاملة بنحو الإطلاق.

(4) الفاء للتفريع. غرضه أنّ نتيجة ما ذكرناه من أنّ «لا تبع» في الروايات العامة و ما بمضمونه من الروايات الخاصة- الدالّة على نهي المخاطب عن بيع ما ليس عنده مع البناء على دلالة النهي على الفساد- هي فساد البيع، و عدم وقوعه للمخاطب و هو البائع الفضولي الذي باع مال غيره لنفسه مطلقا و لو مع الإجازة.

و لا دلالة لهذا النهي على عدم وقوعه لغير المخاطب و هو المالك إذا أجاز، لأنّ النهي متوجه إلى المخاطب الذي هو البائع الفضولي، فلا نهي بالنسبة إلى غير المخاطب، بل يراعى فيه حكم الفضولي، فإذا أجاز صحّ، و إلّا فلا. و لو انتقل المال إلى نفس المخاطب الفضولي انتقلت سلطنة الإجازة إليه، فإن أجاز صحّ، و إلّا بطل رأسا.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ شروط العقد على قسمين.

أحدهما: الأمور المقوّمة للعقد العرفي كالقصد و الموالاة، و فقدانها يوجب انعدام العقد العرفي، و يصير وجوده كالعدم. و هذا هو الفساد المطلق، أي: لا يترتب عليه شي ء من الصحة التأهلية و الفعلية.

ثانيهما: الأمور التي جعلها الشارع قيودا للعقد العرفي كبلوغ المتعاقدين، و هذه الشروط قد تكون من قبيل الحقّ الآدمي، و تكون شرطيتها رعاية لحقه، و تصير فعلية آثار

ص: 322

التملّك للبائع (1)، و عدم ترتّب أثر الإنشاء المقصود منه عليه (2) مطلقا (3) حتّى مع الإجازة. و أمّا صحّته (4) بالنسبة إلى المالك إذا أجاز، فلأنّ النهي راجع إلى وقوع

______________________________

و بالجملة: فما ذكره في «الإنصاف» موافق لما في المقابس من بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(1) أي: البائع الذي هو المخاطب بالنهي عن بيع ما ليس عنده المذكور صريحا و تلويحا في الروايات.

(2) متعلق ب «ترتب أثر»، و ضميره و ضمير «منه» راجعان إلى الإنشاء.

(3) يعني: أنّ العقد باطل في حق المخاطب و لو أجازه بعد أن ملكه، فهذا العقد فاقد لكل من الصحة التأهلية و الفعلية. و هذا مطابق لما أفاده المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه من دلالة الأخبار المتقدمة على بطلان بيع الفضولي لنفسه.

(4) بعد أن نفى المصنف قدّس سرّه صحة العقد بالنسبة إلى الفضولي الذي باع مال الغير

______________________________

العقد منوطة بإسقاط الحق، كالملكيّة، فإنّها من الشرائط التي تقتضيها سلطنة المالكين على أموالهم، و لذا عبّر عن مخالفتها في نصوص نكاح العبد بدون إذن سيده «بأنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيده» و معصية السيد ليست إلّا من جهة مخالفته لقاعدة سلطنة المالك على ماله.

فمتى كان الشرط من قبيل الملكية كان العقد صحيحا تأهّلا، و توقفت صحته الفعلية على إمضاء المالك. فالنهي عن بيع مال الغير يوجب وقوف العقد عن التأثير الفعلي، لا عن التأثير الإعدادي، فإذا لحقه رضا المالك و إمضاؤه لترتّب عليه الآثار الفعلية من لزوم التسليم و القبض و غيرهما.

و من هنا يظهر وجه حمل المصنف قدّس سرّه الفساد على عدم ترتب الآثار الفعلية على البيع المنهي عنه في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا تبع ما ليس عندك».

و قد لا تكون من قبيل الحق الآدمي كالعربية و الماضوية بناء على اعتبارهما، و مقتضى إطلاق شرطيتهما هو بطلان العقد بقول مطلق بحيث لا يترتب عليه أيّ أثر وجوديّ، فيقع العقد باطلا، و لا يمكن تصحيحه بشي ء من الوجوه.

و إذا شك في كون الشرط من أيّ قسم من أقسام الشروط، و لم يكن إطلاق لفظي يؤخذ به، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فالمرجع أصالة الفساد.

ص: 323

البيع المذكور للبائع، فلا تعرّض فيه لحال المالك إذا أجاز، فيرجع فيه إلى مسألة الفضوليّ.

نعم (1) قد يخدش فيها (2): أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدّمة و رودها في بيع الكلّي، و أنّه لا يجوز بيع الكلّي في الذمّة، ثمّ اشتراء بعض أفراده، و تسليمه إلى المشتري، و المذهب جواز ذلك (3)

______________________________

لنفسه تعرّض لحكم هذا العقد بالنسبة إلى المالك، و قال: إنّ هذا البيع بالنسبة إلى المالك من صغريات البيع الفضولي، فإن قلنا بصحته مطلقا قلنا بها هنا أيضا.

(1) استدراك على قوله: «فالإنصاف أنّ ظاهر النهي» و الغرض منه الخدشة فيما أفاده من ظهور النهي في تلك الروايات- عدا روايتي يحيى بن الحجاج و خالد بن الحجاج اللتين موردهما البيع الشخصي- في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

و محصل الخدشة: أنّ ظاهر كثير من الأخبار المتقدمة هو بيع الكلي، و أنّه لا يجوز بيع الكلي في الذمة، ثم اشتراء بعض أفراده و تسليمه إلى المشتري. و هذا خلاف المذهب، لجواز بيع الكلّي في الذمة عند الإمامية.

و عليه فلا يصح الاستدلال بتلك الأخبار على المدّعى، و هو فساد بيع الفضولي مال الغير لنفسه، لسقوطها عن الحجية و الاعتبار، فلا محيص عن حمل النهي الوارد فيها إمّا على الكراهة، أو على التقية، لموافقته لمذهب جماعة من علماء العامة.

و هذه الخدشة ذكرها صاحب المقابس قدّس سرّه ثم أجاب عنها بأن حمل الروايات الناهية عن بيع الكلّي على التقيّة لا يقتضي حمل النهي الوارد عن بيع الثوب الشخصي في رواية يحيى عليها، مع فرض خلوّها عن المعارض، قال قدّس سرّه: «و التحقيق أنّ حمل ما ورد في غير المعيّن على ما ذكر- مع عدم ظهورها في المنع و وجود المعارض- لا يقتضي حمل ما ورد في المعيّن، مع دلالتها على المنع و خلوّها عن المعارض، و صحة أكثرها ..» «1»

(2) أي: في دلالة الروايات المتقدمة على المنع عن بيع من باع ثم ملك.

(3) أي: جواز بيع الكلي في الذمة.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 37

ص: 324

و إن نسب الخلاف فيه (1) إلى بعض العبائر (2). فيقوى في النفس أنّها (3) و ما ورد (4) في سياقها في بيع الشخصي أيضا، كروايتي يحيى و خالد المتقدّمتين، أريد (5) بها الكراهة، أو وردت (6) في مقام التقيّة، لأنّ (7) المنع عن بيع الكلّيّ حالّا- مع عدم وجوده عند البائع حال البيع- مذهب (8) جماعة من العامّة، كما صرّح به (9) في بعض الأخبار (10)، مستندين (11) في ذلك إلى النهي النبويّ عن بيع ما ليس عندك.

______________________________

(1) أي: في جواز بيع الكلي الذمي.

(2) حكى العلّامة الخلاف عن العمّاني و ابن إدريس قدّس سرّهم، و حكاه صاحب المقابس عن العلّامة.

(3) أي: أنّ الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم جواز بيع الكلي في الذمة- الذي هو مخالف لمذهب الإماميّة، و كذا غير تلك الأخبار من الروايات الواردة في سياقها المانعة عن بيع الكلي في الذمة، كروايتي يحيى و خالد ابني الحجاج المتقدمتين في (ص 305- 304)- أريد بها الكراهة. أو وردت في مقام التقية، حيث إنّ المنع عن بيع الكلي حالّا مع عدم وجود شي ء من مصاديقه عند البائع حال البيع مذهب جماعة من علماء العامة، كما صرّح به في صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج «1». فإنّ قول عبد الرحمن للإمام عليه السّلام في الصحيحة الأولى: «قلت: إنهم يفسدونه عندنا» و قوله في الصحيحة الثانية:

«قلت: فإنّ من عندنا يفسده» «2» دليل على أن علماء السنة لا يجوّزون بيع الكلّي في الذمّة.

(4) معطوف على ضمير «أنّها»، و ضمير «سياقها» راجع إلى «الأخبار المتقدمة».

(5) خبر قوله: «أنها و ما ورد» و الجملة فاعل «يقوى».

(6) معطوف على «أريد».

(7) تعليل لقوله: «أو وردت».

(8) خبر قوله: «لأن المنع».

(9) أي: بالمنع عن بيع الكلي الذي هو مذهب جماعة من العامة.

(10) كصحيحتي عبد الرحمن المشار إليهما آنفا.

(11) أي: حال كون هؤلاء العامة مستندين في إفتائهم- بالمنع عن بيع الكلّي حالّا-

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 130- 132، و لا حظ السرائر، ج 2، ص 290

(2) وسائل الشيعة ج 12 ص 374 و 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 1 و 3

ص: 325

لكنّ (1) الاعتماد على هذا التوهين (2) في رفع اليد عن الروايتين (3) المتقدّمتين الواردتين في بيع الشخصي، و عموم (4) مفهوم التعليل في الأخبار الواردة في بيع الكلّي، خلاف (5) الإنصاف،

______________________________

إلى النبوي الناهي عن بيع ما ليس عندك.

(1) استدراك على ما أفاده من الخدشة المذكورة في الأخبار المتقدّمة، و عدول عنه، و محصل تقريب العدول: أنّ الروايات المتقدمة و إن كانت موهونة، لمخالفتها لمذهب الإمامية القائلين بجواز بيع الكلي في الذمة. و لكن هذه الخدشة لا توجب رفع اليد عن الروايتين الواردتين في منع بيع الشخصي المشار إليهما في (ص 304 و 305).

و كذلك لا توجب رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل في قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم: «إنّما يشتريه منه بعد ما يملكه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز الشراء منه قبل تملّكه للمبيع، لأنّ عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه و إن ملكه بعد ذلك بشراء أو غيره و أجاز.

و كذا عموم مفهوم قوله عليه السّلام في صحيحة منصور بن حازم: «إنّما البيع بعد ما يشتريه» حيث إنّه يدلّ مفهوما على عدم جواز البيع قبل شراء المبيع. و عمومه يشمل بيع الفضولي مال الغير لنفسه و إن ملكه بعد البيع و أجاز.

و بالجملة: فالمعتمد هو عموم مفهوم التعليل في الصحيحتين المشار إليهما، و عدم الاعتناء بالخدشة المذكورة، و الالتزام بما أفاده في «الانصاف» من ظهور الروايات في عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع.

(2) و هي الخدشة المذكورة بقوله: «نعم قد يخدش فيها».

(3) و هما روايتا يحيى و خالد المتقدمتان في (ص 304 و 305).

(4) معطوف على «الروايتين».

(5) خبر «لكن» فمحصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه: أنّ الاعتماد على هذا التوهين- أعني به الخدشة المذكورة- في رفع اليد عن ظهور روايتي يحيى و خالد في الفساد في بيع المتاع

ص: 326

إذ (1) غاية الأمر حمل الحكم (2) في مورد تلك الأخبار- و هو بيع الكلّي قبل التملّك- على التقيّة، و هو (3) لا يوجب طرح مفهوم التعليل رأسا، فتدبّر (4).

______________________________

الشخصي قبل تملك البائع له، و رفع اليد عن عموم مفهوم التعليل الشامل لبيع الكلّي و الشخصي خلاف الإنصاف، إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة، فلا بد من الأخذ بظاهر النهي و الحكم بفساد بيع الشخصي قبل تملك البائع، غاية الأمر أنّه يحمل عدم جواز بيع الكلي في مورد تلك الأخبار على التقية.

(1) تعليل لكون الاعتماد على الخدشة المذكورة- و رفع اليد بسببها عن الروايتين و عن عموم مفهوم التعليل- خلاف الانصاف. و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «إذ لا وجه لرفع اليد عن الظواهر بلا قرينة .. إلخ».

(2) و هو عدم جواز البيع، و قوله: «على التقية» متعلّق ب «حمل».

(3) يعني: و الحمل على التقية لا يوجب طرح مفهوم التعليل العام الشامل لبيع الكلي و الشخصي رأسا، إذ غايته خروج بيع الكلّي عن حيّزه. و أمّا بيع الشخصي فلا وجه لخروجه عن عموم مفهوم التعليل، بل هو باق تحت العموم، و مقتضاه عدم جواز بيع الشخصي قبل التملك.

فالمتحصل: أنّ الحمل على التقيّة لا يسوّغ طرح مفهوم التعليل في صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم، و طرح روايتي يحيى بن الحجاج و خالد بن الحجاج.

(4) لعلّه إشارة إلى: أنّ الحمل على التقية إنّما هو في فرض التعارض، و عدم الجمع العرفي، و المفروض وجوده، و هو حمل الأخبار المانعة عن بيع الكلّي عن الكراهة، الذي هو جمع عرفي حكمي بينها و بين ما دلّ على جوازه، من الإجماع و غيره.

أو إشارة إلى: أنّه من البعيد إمكان التبعيض في التعليل، بحمل بعضه- و هو الكلّي- على التقية أو الكراهة، و بإبقاء بعض موارده و هو الشخصي على حاله من عدم الجواز، إذ يلزم إلغاؤه في مورده و هو الكلّي، و إبقاؤه في غيره و هو بيع الشخصي. فيقوى حمل النهي على الكراهة مطلقا حتى لا يقع في كلفة ما لعلّه لا يتمكّن من تحصيله مقدمة للوفاء في الكلي، و تتميما للبيع في الشخصي.

ص: 327

فالأقوى (1) العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور (2).

و ممّا يؤيّد المنع (3)- مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة و المختلف من دعوى الاتّفاق- رواية الحسن بن زياد الطّائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّي كنت رجلا مملوكا، فتزوّجت بغير إذن مولاي، ثمّ أعتقني اللّه بعد، فأجدّد النكاح؟ قال: فقال: علموا أنّك تزوّجت؟ قلت: نعم قد علموا، فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا. قال: ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك» «1» الخبر (4)، فإنّها (5) ظاهرة- بل صريحة- في أنّ علّة البقاء (6)

______________________________

(1) هذه نتيجة النقض و الإبرام، فوافق المصنف صاحب المقابس قدّس سرّهما في الحكم بفساد بيع من باع مال الغير لنفسه قبل أن يملكه، و أجازه بعد تملكه له.

(2) و هو بيع المتاع الشخصي قبل التملك و الإجازة له بعد التملك، دون بيع المتاع الكليّ، لأنّه كما تقدم آنفا جائز عندنا.

(3) أي: منع جواز بيع مال الغير فضولا، و إجازته له بعد تملكه للمبيع.

(4) أي: إلى آخر الخبر، لكن هذا آخر الخبر، و ليس له بقية، فلم يظهر وجه هذا التعبير. و قريب منها روايتا معاوية بن وهب «2».

(5) أي: فإنّ رواية الحسن بن زياد. تقريب دلالته على عدم كفاية مالكية العاقد الفضولي- و هو العبد في مورد الرواية- لنفسه في البقاء على ما فعله بغير إذن سيّده هو:

جعل علّة البقاء إقرار المولى المستفاد من سكوته، إذ لو كانت العلّة مالكيته لنفسه الحاصلة بالعتق- مع إجازته أو بدونها- لم يحتج إلى استفصال الامام عليه الصلاة و السلام عن سكوت المولى و عدمه، لكون العقد لازما على تقدير كفاية صيرورته مالكا لنفسه على كلا تقديري الحاجة إلى الإجازة و عدمها، إذ المفروض حصول الإمضاء و الرضا بما فعله بغير إذن سيّده على فرض الحاجة إلى الإجازة.

(6) أي: بقاء العبد على نكاحه الأوّل الذي أنشأه بدون إذن سيّده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة ج 14، ص 526، الباب 26، من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 3

(2) المصدر، ص 525، الحديث 1- 2

ص: 328

بعد العتق (1) على ما فعله بغير إذن مولاه، هو (2) إقراره المستفاد من سكوته، فلو كانت صيرورته حرّا مالكا لنفسه مسوّغة للبقاء- مع إجازته أو بدونها- لم يحتج (3) إلى الاستفصال [1] عن أنّ المولى سكت أم لا، للزوم (4) العقد حينئذ (5) على كلّ تقدير (6).

ثم إنّ الواجب (7)

______________________________

(1) الموجب لمالكية لنفسه.

(2) خبر «أنّ علّة» و تذكيره باعتبار خبره، و «مسوّغة» خبر «فلو كانت».

(3) جواب «لو» في «فلو كانت». وجه عدم الحاجة إلى الاستفصال هو عدم دخل إقرار المولى في البقاء على النكاح، إذ المفروض كون تمام العلّة في بقائه هو مالكية العبد لنفسه بالعتق، مع الإجازة أو بدونها.

(4) تعليل لعدم الحاجة إلى الاستفصال. فمحصّل وجه التأييد لما نحن فيه هو فساد النكاح بدون رضا المالك- و هو السيد- لكونه مالكا، فبيع مال الغير لنفسه أيضا فاسد بدون إذن المالك.

(5) أي: حين صيرورة العبد حرّا مالكا لنفسه.

(6) أي: تقديري الحاجة إلى الإجازة و عدم الحاجة إليها، و الجار متعلق ب «للزوم».

(7) الغرض من هذه العبارة أنّ بيع الفضول مال الغير قبل الاشتراء لمّا كان تارة منجزا، من دون أن يكون موقوفا على ملكه و إجازته، فقد يملك و يجيز، و قد يملك و لا يجيز. و اخرى موقوفا على ملكه و إجازته معا، أو موقوفا على ملكه دون إجازته، فوجب الاقتصار على مورد الروايات المستدلّ بها على المنع، و عدم التعدي عن موردها إلى غيره.

______________________________

[1] يمكن أن يكون الاستفصال لاستعلام أنّ المولى ان علم بالنكاح رده أو سكت.

و على هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن المقصود، فلا تكون مؤيّدة.

و لعلّ تعبير المصنف قدّس سرّه ب «يؤيد» دون يدلّ لتطرق هذا الاحتمال، فتدبّر.

ص: 329

على كلّ تقدير (1) هو الاقتصار على مورد الروايات، و هو ما لو باع البائع لنفسه و اشترى المشتري غير مترقّب لإجازة المالك، و لا لإجازة البائع إذا صار مالكا (2).

و هذا (3) هو الذي ذكره العلّامة رحمه اللّه في التذكرة نافيا للخلاف في فساده، قال:

«و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها و يمضي ليشتريها و يسلّمها، و به قال الشافعي و أحمد، و لا نعلم فيه خلافا، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: لا تبع ما ليس عندك. و لاشتمالها (4) على الغرر، فإنّ (5) صاحبها قد لا يبيعها،

______________________________

و المصنف استظهر أنّ موردها خصوص البيع المنجّز، دون البيع الموقوف على الملك و الإجازة، و دون الموقوف على الملك دون الإجازة، فهما خارجان عن مورد الروايات و إن كان الأوّل داخلا في عنوان هذه المسألة، و الثاني داخلا في عنوان المسألة الثانية الآتية في كلام المصنف.

و وجه استظهار المصنف كون مورد الروايات خصوص البيع المنجّز هو: أنّ المنهيّ عنه مواجبة البيع المساوقة لتنجزه، و مقتضى عموم الملاك المستفاد من قوله عليه السّلام:

«إن شاء أخذ و إن شاء ترك» جواز المعاملة إن كان زمامها بيد المتعاملين. بخلاف المنجّز الذي ليس لهما فيه زمامها.

و بالجملة: فمورد الروايات الناهية عن بيع ما ليس عنده خصوص البيع المنجّز الذي هو بيع بالحمل الشائع.

(1) أي: سواء قلنا بالصحة أم بالفساد في المسألة الثالثة، و هي: ما لو باع الفضولي مال الغير لنفسه ثم ملكه فأجاز.

(2) و هذا معنى البيع المنجّز الذي هو مورد روايات المنع عن بيع ما ليس عنده.

(3) أي: و كون مورد الروايات خصوص بيع الفضولي مال الغير منجّزا غير موقوف على الملك و الإجازة- و أنّ موردها هي المسألة الثالثة- هو الذي ذكره العلامة قدّس سرّه في التذكرة نافيا للخلاف في فساده. و قال الشافعي و أحمد أيضا بعدم جواز بيع ما ليس عنده.

(4) معطوف على «لقوله» و هذا دليله الثاني على فساد البيع، كما أنّ النبوي دليله الأوّل عليه.

(5) هذا تقريب الغرر، و حاصله: أنّ صاحب العين يمكن أن لا يبيع العين، فيتضرر

ص: 330

و هو (1) غير مالك لها و لا قادر على تسليمها. أمّا (3) لو اشترى موصوفا في الذمّة- سواء أ كان حالّا أم مؤجّلا- فإنّه جائز إجماعا» انتهى (3).

و حكي عن المختلف الإجماع على المنع (4) أيضا.

و استدلاله (5) بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر- بل صريح- في وقوع

______________________________

المشتري حينئذ بتأخير وصول الثمن إليه أو تلفه.

(1) يعني: و الحال أنّ البائع الفضولي غير مالك للعين و لا قادر على تسليمها.

(2) هذا في بيع الكلّي مقابل بيع الشخصي الذي ذكره العلّامة قدّس سرّه بقوله: «و لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها».

(3) يعني: انتهى عبارة التذكرة، و قد سقط قبل قول العلامة: «إجماعا» قوله: «و كذا لو اشترى عينا شخصية غائبة مملوكة للبائع، موصوفة بما ترفع الجهالة، فإنّه جائز إجماعا» «1». و لعلّه لأجل كون الجواز إجماعيّا في كلتا المسألتين اقتصر المصنف على حكاية الإجماع على الجواز في مورد البحث، و هو شراء العين الكليّة في الذمة، و لم ينقل تمام العبارة.

(4) أي: على منع بيع العين التي لا يملكها و يمضي ليشتريها، كما استفيد الإجماع من قوله في التذكرة: «لا نعلم فيه خلافا». و كان المناسب أن يذكر المصنف قدّس سرّه كلام المختلف قبل نقل هذه الجملة: «أمّا لو اشترى موصوفا في الذمة» عن التذكرة، كما لا يخفى.

و كيف كان فالموجود في موضعين من المختلف هو الحكم بالجواز، قبال ابن إدريس و العماني، و لم أطفر بدعوى الإجماع فيه، كما أنّ صاحب المقابس نقل عنه الجواز دون الإجماع، و لا بد من مزيد التتبع للوقوف على منشإ حكاية الإجماع عن المختلف «2».

(5) هذا كلام المصنف قدّس سرّه، و بيان وجه استظهاره من عبارة التذكرة كون مورد النهي «عن بيع ما ليس عنده» هو بيع الفضول مال الغير لنفسه منجّزا غير موقوف على إجازة مجيز.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 463، ج 1، ص 16 (الطبعة الحديثة).

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 130- 132

ص: 331

الاشتراء غير مترقّب لإجازة مجيز، بل وقع على وجه (1) يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع و تسليمه.

فحينئذ (2) لو تبايعا (3) على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة، فإتّفقت الإجازة من المالك، أو من البائع بعد تملّكه، لم يدخل (4) في مورد الأخبار، و لا في معقد الاتّفاق.

______________________________

توضيح وجه الاستظهار هو: أنّ استدلال العلّامة قدّس سرّه على فساد البيع بالغرر و عدم القدرة على التسليم ظاهر- بل صريح- في وقوع البيع منجّزا، إذ لا غرر مع توقف البيع على الملك، لعلم المشتري بعدم انتقال ماله عن ملكه إلّا بدخول بدله في ملكه. كما أنّ البائع بعد تملكه للمبيع يصير شرعا قادرا على تسليمه. بخلاف ما إذا كان البيع منجّزا، لعدم علم المشتري بدخول بدل ما خرج عن ملكه في ملكه. كما أنّ البائع ليس قادرا على تسليم المبيع فعلا، لعدم كونه ملكا له، و يمكن أن لا يبيعه مالكه.

(1) و هو التنجز و اللزوم، فإنّ تنجّز البيع يلزم البائع بعد البيع بتحصيل المبيع و تسليمه إلى المشتري.

(2) يعني: فحين البناء على كون البيع المنهي عنه في الروايات العامّة و الخاصّة الناهية عن بيع ما ليس عنده هو بيع الفضول مال الغير منجّزا- لا موقوفا على إجازة المالك، أو البائع إذا صار مالكا- يقع الكلام في حكم بعض الفروع، و شمول أخبار البيع له، و عدم شمولها له. و المذكور في المتن فروع أربعة.

(3) هذا أحد تلك الفروع، و محصّله: أنّه لو تبايعا- قبل أن يتملك البائع المبيع- على أن يكون البيع موقوفا على الإجازة، فاتّفقت من المالك أو البائع الفضولي بعد انتقال المبيع إليه بالناقل الاختياري أو القهري، لم يدخل في مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده، و لا في معقد إجماع التذكرة.

وجه عدم الدخول ما تقدم من اختصاص مورد الأخبار و معقد الإجماع بإنشاء البيع منجّزا غير مترقب لإجازة المالك، و المفروض في هذا الفرع ترقب الإجازة.

(4) جواب «لو تبايعا»، و فاعله «البيع» أي: لم يدخل البيع في مورد الأخبار.

ص: 332

و لو (1) تبايعا على أن يكون اللزوم موقوفا على تملّك البائع دون إجازته، فظاهر عبارة الدروس أنّه من البيع المنهيّ عنه في الأخبار المذكورة، حيث قال (2):

«و كذا لو باع ملك غيره ثمّ انتقل إليه فأجاز. و لو أراد (3) لزوم البيع بالانتقال فهو (4) بيع ما ليس عنده، و قد نهي عنه» انتهى «1».

لكنّ الإنصاف ظهورها (5) في الصورة الاولى (6)، و هي: ما لو تبايعا قاصدين

______________________________

(1) هذا فرع ثان من تلك الفروع، و هو: أنّه لو تبايع المتبايعان على أن يكون اللزوم منوطا بتملك البائع- دون إجازته- فظاهر كلام الشهيد أنّه من البيع المنهي عنه.

(2) أي: قال الشهيد قدّس سرّه: «و كذا- أي و كذا يصح البيع- ما لو باع مال غيره ثم انتقل إليه، فأجاز».

(3) هذا هو الفرع المذكور أعني به كون البيع موقوفا على مجرّد انتقال المبيع إلى الفضولي من دون توقفه على إجازته. و أمّا قبله- و هو قوله: «و كذا لو باع ملك غيره، ثم انتقل إليه فأجاز»- فهو محكوم بالصحة، و لا يندرج في الأخبار الناهية.

(4) يعني: فالبيع المفروض لزومه بانتقال المبيع إلى البائع الفضولي يكون من مصاديق «بيع ما ليس عنده» و هو منهيّ عنه.

(5) أي: ظهور تلك الأخبار الناهية عن «بيع ما ليس عندك» في عدم كون زمام البيع بيد المتعاملين، بمعنى كون المنهي عنه هو البيع الذي لم يكن لهما فيه اختيار أصلا كسائر البيوع، فإن لم يكن البيع منجّزا مطلقا و كان زمام أمره بيدهما، فلا بأس به.

و عليه فلو توقّف لزوم البيع على انتقال المبيع إلى البائع الفضولي، لم يندرج في الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده.

و بالجملة: فمورد تلك الأخبار الناهية خصوص البيع المنجّز من جميع الجهات.

فالبيع الموقوف على مجرّد تملك البائع الفضولي للمبيع أو الإجازة أو كليهما خارج عن مورد الروايات، و محكوم بالصحة.

(6) و هو البيع المنجّز المطلق، أي غير موقوف على شي ء من إجازة المالك الأصلي، و إجازة البائع الفضولي بعد تملكه، و مجرد تملّكه للمبيع الفضوليّ. فإن كان البيع منجّزا من

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193

ص: 333

لتنجّز النقل و الانتقال، و عدم الوقوف على شي ء (1).

و ما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك (2)، حيث (3) علّل المنع بالغرر و عدم القدرة على التسليم، و أصرح منه (4) كلامه المحكي عن المختلف في فصل النقد و النسيئة.

و لو باع (5) عن المالك فاتّفق انتقاله إلى البائع، فأجازه، فالظاهر أيضا الصحّة، لخروجه (6) عن مورد الأخبار.

______________________________

جميع هذه الجهات الثلاث كان موردا لتلك الأخبار الناهية.

(1) أي: من تلك الجهات الثلاث المذكورة، و هي: إجازة المالك الأصلي، و البائع الفضولي، و تملكه للمبيع فضولا.

(2) أي: في كون مورد الأخبار الناهية هي الصورة الاولى، و هي وقوع البيع منجّزا.

(3) تعليل لكون كلام العلّامة في التذكرة صريحا في أنّ بيع الفضولي المنجز مورد الأخبار النهاية عن بيع ما ليس عندك، و قد تقدم في (ص 331- 330) تقريب دلالة الغرر و عدم القدرة على التسليم على كون الصورة الأولى مورد الأخبار الناهية.

(4) أي: و أصرح من كلامه في التذكرة كلامه في المختلف، حيث قال فيه: «و النهي الوارد عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم للكراهة، أو ورد (أورد) عن الشي ء المشخص الذي في ملك الغير فإنّه لا يصلح بيعه، لا داية إلى التنازع، إذ ربما يمتنع مالكه من بيعه، و المشتري يطالب البائع به. و أما الغرر الذي ادّعاه- يعني ابن إدريس- فليس في هذا الباب من شي ء» «1».

وجه أصرحيّته هو: أنّه صرّح في المختلف بخروجه عن مورد الأخبار، بخلاف كلامه في التذكرة، فإنّ دلالته على الخروج إنّما هي باعتبار اقتران الاستدلال بالأخبار بنفي الغرر و نحوه، فيظهر أنّ مورد الأخبار و نفي الغرر واحد.

(5) هذا فرع ثالث، يعني: و لو باع الفضولي عن المالك لا عن نفسه، ثم انتقل ذلك المبيع إلى الفضولي بالإرث أو الشراء فأجازه، صحّ، لما سيأتي. و لا يخفى أنّ هذا الفرع من المصنف لا من العلّامة.

(6) أي: لخروج هذا البيع الفضولي عن مورد تلك الأخبار الناهية عن «بيع

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 132، و الحاكي لكلامه صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 36

ص: 334

نعم (1) قد يشكل فيه (2) من حيث إنّ الإجازة لا متعلّق لها [لا يتعلق بها] لأنّ العقد السابق كان إنشاء للبيع عن المالك الأصليّ، و لا معنى لإجازة هذا (3) بعد خروجه عن ملكه.

و يمكن (4) دفعه بما اندفع به سابقا الإشكال في عكس المسألة، و هي

______________________________

ما ليس عندك». وجه خروجه عن موردها عدم وقوعه منجّزا من جميع الجهات، إذ مع تبانيهما على عدم توقف البيع على الإجازة لم يكن محتاجا إلى الإجازة.

(1) هذا استدراك على صحّة البيع المذكور، و هو بيع الفضولي عن المالك ثم انتقال المبيع الفضولي إليه و إجازته له. و هذا الاستدراك إشكال على صحته، و محصّله: أنّه ليس هنا متعلّق للإجازة، لأنّ عقد الفضول كان إنشاء متعلّقا بملك زيد، و المفروض انتفاؤه، لانتقال المال عنه، فلا موضوع لأن يجيز.

و لو قيل بأنّ المالك الجديد يجيز العقد من قبل نفسه، قلنا بعدم تحقق عقد على ماله حتى يكون له الإجازة و الرد. و بعبارة أخرى: المجاز غير منشأ، و المنشأ غير مجاز.

(2) أي: فيما ذكر من صحة هذا البيع.

(3) أي: العقد السابق، و ضمير «خروجه» راجع الى المتاع المستفاد من العبارة، و ضمير «ملكه» راجع إلى المالك.

(4) هذا دفع الإشكال، و محصّله: أنّه يمكن دفعه بما اندفع به الاشكال الوارد في عكس هذه المسألة- و هو ما لو باعه الفضوليّ لنفسه، فأجازه المالك لنفسه- فإنّ الإجازة لم تتعلّق بالعقد الذي أنشأه الفضولي، و قد تقدم عنه دفع الإشكال هناك بما لفظه:

«فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز. و توضيحه: أنّ البائع الفضولي إنّما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن .. إلخ» «1».

و محصّله: وجود قصد المعاوضة فيما إذا باع الفضولي مال الغير لنفسه بانيا على كونه مالكا عدوانا كما في الغاصب، أو اعتقادا كما إذا استند في مالكيته للمال إلى اليد أو البيّنة مثلا. و لمّا كان إيجاب البيع ساكتا عن كون الثمن ملكا للموجب أو غيره، فيرجع فيه إلى مقتضى مفهوم المعاوضة، و هو دخول العوض في ملك مالك المعوّض.

و الحاصل: أنّ قصد المعاوضة في عقد الفضولي لنفسه موجود، فلا يلزم مغايرة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 571

ص: 335

ما لو باعه لنفسه، فأجازه المالك لنفسه، فتأمّل (1).

و لو باع لثالث (2) معتقدا لتملّكه، أو بانيا عليه عدوانا، فإنّ أجاز المالك فلا كلام في الصحّة، بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك. و إن ملكه (3) الثالث و أجازه، أو ملكه البائع فأجازه، فالظاهر أنّه داخل في المسألة

______________________________

ما وقع لم أجيز.

(1) لعلّه إشارة إلى الفرق بين المسألتين، و هو: أنّ البائع الفضولي في تلك المسألة لمّا بني اعتقادا أو عدوانا على كونه مالك، فقد قصد المعاوضة، و الملكية الثابتة للعاقد الفضولي ثابتة له بتلك الحيثية، أعني بها حيثية البناء على مالكيته. و هذه الملكية ثابتة للمالك الأصلي بنفس تلك الحيثية أي البناء على المالكية، فتتعلق الإجازة من المالك بنفس الإنشاء الصادر من العاقد الفضولي، فلا يلزم مغايرة المجاز لما وقع.

و هذا بخلاف هذه المسألة، لأنّ الفضولي باع للمالك الحقيقي، و لم يدّع المالكية لنفسه لا عدوانا و لا اعتقادا، فلم يحصل له الوصف العنواني «و هو كونه مالكا» فلو أجاز هذا العقد الذي أنشأه للمالك الأصلي كان المجاز مغايرا لما وقع.

(2) هذا فرع رابع، و هو: أن يبيع الفضولي مال الغير لا لمالكه و لا لنفسه، بل لثالث، بأن يرجع نفعه إلى ذلك الشخص الثالث، كما إذا باع زيد مال عمرو، لا عن نفسه و لا عن عمرو، بل باعه عن بكر، إمّا باعتقاد تملكه للمبيع، و إمّا بالبناء عليه عدوانا. فإن أجاز المالك- و هو عمرو- فلا كلام في صحته بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك في مفهوم البيع.

و إن لم يجزه المالك- و هو عمرو- و لكن خرج المبيع عن ملكه و دخل في ملك زيد أو في ملك بكر، فأجاز ذلك البيع الفضولي، اندرج في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و يحكم بصحته.

(3) أي: و إن ملك المبيع ذلك الشخص الثالث و أجاز، فالظاهر أنّه داخل في المسألة السابقة، و هي قوله في (ص 334): «و لو باع عن المالك فأنفق انتقاله إلى البائع فأجازه .. إلخ» فيحكم بصحته، كما يحكم بصحة ذلك البيع، لخروج كليهما عن مورد الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عندك.

ص: 336

السابقة (1).

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرناه في المسألة المذكورة (2) حال المسألة الأخرى، و هي (3):

ما لو لم يجز البائع (4) بعد تملّكه، فإنّ (5) الظاهر بطلان البيع الأوّل (6)، لدخوله (7) تحت

______________________________

و عليه فقوله: «و إن ملكه» عدل قوله: «فإن أجاز» و هذا العدل يتضمّن شقّين، أحدهما تملك ذلك الثالث، و الآخر تملك العاقد، كما ذكرنا في المثال آنفا.

(1) وجه دخوله في المسألة السابقة: أنّه باع لغير المالك، ثم صار غير المالك مالكا و أجاز، و لا خصوصية للفضولي في عدم كونه مالكا أوّلا، و صيرورته مالكا ثانيا حتى يجيز في حال مالكيته.

لو باع لنفسه، ثم تملّكه و لم يجز

(2) و هي: مسألة «من باع شيئا ثم ملكه و أجاز» المذكورة في (ص 244) بقوله:

«و المهم هنا التعرض لبيان ما لو باع لنفسه ثم اشتراه من المالك و أجاز. و ما لو باع و اشترى، و لم يجز» إلى قوله: «أمّا المسألة الأولى فقد اختلفوا فيها، فظاهر المحقق في باب الزكاة .. إلخ».

و غرضه التنبيه على مسألة أخرى ممّا يتعلّق بتجدد الملك بعد العقد، و هي قوله:

«و ما لو باع و اشترى، و لم يجز».

ثم إنّ مناسبة السياق تقتضي ان يقال: «و أما المسألة الثانية» ليكون عدلا لقوله هناك: «أمّا المسألة الأولى».

(3) أي: المسألة الأخرى: ما لو لم يجز البائع بعد تملّكه، و الحكم في المسألة الأخرى هو بطلان البيع الفضولي، لوجوه ثلاثة سيأتي بيانها.

(4) في بعض نسخ الكتاب «المالك» بدل ما أثبتناه من قوله: «البائع» و هو الظاهر.

و إن كان توجيه «المالك» ممكنا أيضا بإرادة المالك الفعلي، و الأمر سهل.

(5) بيان لقوله: «قد ظهر».

(6) و هو بيع الفضول- الذي صار مالكا فيما بعد- مال الغير.

________________________________________

(7) أي: لدخول هذا البيع تحت الأخبار الناهية، و هذا تعليل لبطلانه، و محصله: أنّ هذا البيع من صغريات «بيع ما ليس عنده» يقينا، فتشمله الأخبار الناهية عن بيع ما ليس عنده، و حيث إنّ النهي ظاهر في البطلان فيصح أن يقال: إن الظاهر بطلان البيع، لاستناد البطلان إلى ظاهر النهي.

ص: 337

الأخبار المذكورة يقينا (1). مضافا (2) إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، و عدم (3) صيرورتها حلالا من دون طيب النفس، فإنّ المفروض أنّ البائع (4) بعد ما صار مالكا لم تطب نفسه بكون ماله للمشتري الأوّل (5). و التزامه (6) قبل تملّكه بكون

______________________________

و لا ينافيه اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية، لأنّه يقين بالموضوع، فيلتئم الظهور المكتنف باحتمال الخلاف مع اليقين المزبور.

و بالجملة: البطلان ظاهر النهي، و اليقين متعلّق بصغروية هذا البيع لما تعلّق به النهي في تلك الأخبار، فلا تنافي بين اليقين بدخول البيع المزبور تحت الأخبار الناهية، و بين كون الظاهر بطلان البيع.

(1) قيد لقوله: «لدخوله».

(2) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضول مال الغير لنفسه. و هذا الدليل قاعدة السلطنة على الأموال، فإنّ القول بصحة هذا البيع مع عدم إجازة المالك- كما هو المفروض- مناف لقاعدة السلطنة.

(3) معطوف على «قاعدة» و هذا دليل ثالث على بطلان بيع الفضولي مال الغير و تملكه بعده له مع عدم إجازته لذلك البيع الفضولي، و محصله: أنّ الحكم بصحة هذا البيع الفضولي مناف لما دلّ على توقف حليّة المال على طيب نفس مالكه، و المفروض أنّ البائع الفضولي الذي صار مالكا لما باعه فضولا لا تطيب نفسه بكونه ملكا للمشتري الذي اشترى منه بالبيع الفضولي.

و قوله: «فان المفروض» بيان لتطبيق هذا الدليل على المدّعى، و قد تبين هذا بقولنا: «و المفروض ان البائع الذي صار مالكا .. إلخ».

(4) و هو الذي باع فضولا، و صار مالكا فعليا لما باعه في حال كونه فضولا.

(5) و هو الذي اشترى المتاع من الفضولي المفروض صيرورته مالكا فعلا. و أمارة عدم طيب نفسه هي عدم إجازته، مع عدم الحاجة إلى قيام أمارة على عدم الطيب، إذ العبرة بإحراز الطيب الذي هو شرط حليّة التصرف كما لا يخفى.

(6) مبتدء خبره «ليس التزاما»، و هذا إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّ البائع الفضولي قبل تملكه للمبيع التزم بكون المبيع ملكا للمشتري، و هذا الالتزام أمارة

ص: 338

هذا المال المعيّن للمشتري ليس (1) التزاما إلّا بكون مال غيره له.

اللهم (2) إلّا أن يقال: إنّ مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط على كلّ عاقد و شارط هو اللزوم (3) على البائع بمجرّد انتقال المال إليه (4) و إن كان قبل ذلك أجنبيّا لا حكم لوفائه و نقضه (5).

______________________________

على وجود طيب نفسه بذلك بعد تملكه له.

و ببيان آخر: بيع الفضولي لذلك المال كاشف عن طيب نفسه بكون ذلك المال ملكا للمشتري مطلقا سواء انتقل عنه- أو عن غيره- إلى المشتري.

و أمّا الدفع فهو: أنّ الالتزام المزبور كان متعلقا بمال غيره، لا بمال نفسه حتى يجب عليه الوفاء به، أو يؤثّر نقضه في بطلان العقد، فإنّه أجنبي، و ليس سلطانا على جعل مال الغير للمشتري.

(1) هذا دفع الوهم المزبور، و ضمير «له» راجع إلى المشتري.

(2) غرض هذا القائل إبطال الدفع المزبور و إثبات صحة العقد بمجرّد انتقال المبيع إلى البائع الفضولي، بتقريب: أنّ مقتضى عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و وجوب وفاء المؤمنين بشروطهم وجوب الوفاء على كل عاقد و شارط، و البائع الفضولي بعد تملكه للمبيع يندرج تحت عموم هذين الدليلين العامّين بعد أن كان قبل تملكه أجنبيّا عن أفراد هذين الدليلين، و غير مشمول لحكمهما من وجوب الوفاء و حرمة النقض. نظير وجوب الحج على غير المستطيع الذي لم يكن مشمولا لعموم دليل وجوب الحج، و بالاستطاعة صار مشمولا له، إذ الحكم يتبع الموضوع، فبمجرد تحققه يترتب عليه حكمه.

(3) خبر «إنّ مقتضى» و ضمير «إليه» راجع إلى البائع.

(4) كصيرورة غير المستطيع بمجرّد الاستطاعة من أفراد دليل وجوب الحج على المستطيع.

(5) لعدم كونه من أفراد موضوع هذين الدليلين.

فالنتيجة: صحة عقد الفضولي بمجرّد تملّكه للمبيع، و عدم احتياجه إلى الإجازة.

ص: 339

و لعلّه (1) لأجل ما ذكرنا رجّح فخر الدين في الإيضاح- بناء (2) على صحّة الفضولي- صحة العقد المذكور (3) بمجرّد الانتقال من دون توقّف على الإجازة.

قيل (4): و يلوح هذا (5) من الشهيد الثاني في هبة المسالك (6). و قد سبق

______________________________

(1) الضمير للشأن، يعني: و لعله لأجل ما ذكرناه- من كون مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود و الشروط على كل عاقد و شارط هو اللزوم على البائع بمجرّد انتقال المال إليه- رجّح فخر المحققين في كتاب الإيضاح- بناء على صحة عقد الفضولي- صحة العقد المزبور بمجرّد الانتقال من دون توقفه على الإجازة.

(2) الوجه في الإتيان بكلمة «بناء» أنّه لا مجال لهذه الأبحاث بناء على مختار فخر المحققين من بطلان عقد الفضولي رأسا بلا فرق بين صور المسألة.

(3) و هو بيع الفضولي مال الغير و تملكه بعد ذلك و عدم إجازته لعقده الفضولي.

(4) القائل هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، ذكره في عداد الأقوال في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» بقوله: «الثالث: ما اختاره فخر الإسلام تخريجا على صحة الفضولي، و هو: أنّه إذا ملكه صحّ البيع من غير توقف على الإجازة، و هو الذي يلوح من الشهيد الثاني .. إلخ» «1».

(5) أي: صحة العقد المذكور و لزومه بمجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي.

(6) أفاده قدّس سرّه في شرح كلام المحقق قدّس سرّه- من أنّه لو وهب المالك ماله لأجنبي هبة غير معوّضة و أقبضه، ثم باعه الواهب من شخص آخر، فهل يبطل البيع لأنّه باع ما لا يملك، أم يصح، لجواز رجوع الواهب؟- فقال الشهيد الثاني في توجيه صحة البيع و استغنائها عن الإجازة ما لفظه: «أو نقول: إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب، و كان العقد بمنزلة الفضولي، و قد ملكها من إليه الإجازة، فلزم من قبله. كما لو باع ملك غيره ثم ملكه، أو باع ما رهنه ثم فكّه، و نحو ذلك. و أولى بالجواز هذا ..» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36

(2) مسالك الأفهام، ج 6، ص 49

ص: 340

استظهاره (1) من عبارة الشيخ المحكيّة في المعتبر (2).

لكن (3) يضعّفه أنّ البائع غير مأمور بالوفاء قبل الملك، فيستصحب.

و المقام (4) مقام استصحاب حكم الخاصّ، لا مقام الرجوع إلى حكم العامّ (5)،

______________________________

و الغرض من الاستشهاد بكلامه دلالة قوله: «فلزم من قبله» على صحة بيع الواهب و إن لم تكن العين ملكه حين البيع، و لا حاجة إلى إجازته بعد التملك بالفسخ بنفس البيع، لا بإرادته قبله.

(1) عند قوله: «فظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر فيما إذا باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه ..» فراجع (ص 245).

(2) حيث قال المحقق في عبارته المتقدمة: «فإن اغترم حصة الفقراء قال الشيخ:

صحّ البيع و الرهن».

(3) غرضه تضعيف ما أفاده بقوله: «اللهم إلّا أن يقال: إنّ مقتضى عموم وجوب» من صحة العقد المذكور بمجرّد انتقال المال المبيع فضولا إلى البائع، و إثبات فساده.

توضيح وجه التضعيف هو: أنّ البائع الفضول قبل تملكه للمبيع لم يكن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد، لعدم شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له، فيستصحب عدم الوجوب بعد تملكه.

فالنتيجة: عدم لزوم الوفاء بالعقد على البائع الفضول بمجرّد انتقال المبيع إليه.

(4) هذا بمنزلة التعليل لجريان الاستصحاب، و محصّله: أنّ المورد من موارد جريان استصحاب الخاص، و هو عدم صحة عقد الفضولي، لا من موارد التمسك بعموم العام، و هو عموم دليل وجوب الوفاء بالعقود. و ذلك لأنّ هذا العقد لم يكن قبل الانتقال إلى البائع الفضولي واجب الوفاء، لعدم شمول العام له، و بعد الانتقال إليه يشكّ في بقائه، فيستصحب.

فالنتيجة: أنّ مجرّد الانتقال إلى العاقد الفضولي لا يوجب صحة العقد و لزومه عليه.

(5) و هو صحة العقد و وجوب الوفاء به الذي هو مقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلا يمكن تصحيح هذا العقد بعموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و الوفاء بالشروط.

ص: 341

فتأمّل (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّه إشارة إلى: أنّ المقام من موارد التمسّك بالعام المقتضي للحكم بصحة العقد المزبور، لا من موارد التشبث بالخاصّ الموجب لفساده، و ذلك لأنّ الزمان تارة يكون مفرّدا للعامّ و مكثّرا لأفراده، كأن يقال: «أكرم الفقراء في كلّ يوم» فكل فقير في كلّ يوم فرد من أفراد الفقراء، فإذا خرج «زيد الفقير» عن عموم «أكرم الفقراء» يوم السبت، و شكّ في وجوب إكرامه بعد يوم السبت، يتمسك بعموم «أكرم الفقراء» لأنّه شك في تخصيص زائد، و المرجع فيه كالشك في أصل التخصيص هو عموم العام، دون استصحاب حكم الخاص، لأنّه مع وجود الدليل لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

و أخرى يكون ظرفا لاستمرار الحكم، كأن يقول: «أكرم الفقراء دائما أو مستمرّا» فإذا خرج فرد منه في زمان، و شكّ بعد انقضاء ذلك الزمان في حكمه، يستصحب عدم وجوب إكرامه، و هو حكم الخاص، لأنّ ذلك الفقير الخارج فرد واحد قبل خروجه عن حكم العام، و بعد خروجه عنه، و ليس بعد خروجه فردا آخر حتى يتمسك في حكمه بالعموم القاضي بوجوب إكرامه.

و في المقام نقول: إنّ بيع الفضولي مال الغير لنفسه- و تملّكه له بعد البيع و عدم إجازته لبيعه الفضولي- خرج عن استمرار حكم العام، و هو لزوم الوفاء بالعقد، و يشكّ بعد تملكه للمبيع فضولا في حكمه، فيستصحب حكم الخاص، و هو عدم لزوم الوفاء و بطلان العقد، هذا.

و لكن أمره قدّس سرّه بالتأمّل لا يبعد أن يكون إشارة إلى كون المقام من التمسك بالعام المقتضي لصحة البيع و لزوم الوفاء به، و ذلك لأنه المقام من قبيل ارتفاع المانع من التمسك بالدليل، نظير «أكرم الفقراء إلّا فساقهم» و كان أحدهم فاسقا، و تاب و زال فسقه.

فحينئذ لا مانع لإثبات وجوب إكرامه من التمسك بعموم «أكرم الفقراء إلّا فسّاقهم».

و في ما نحن فيه خرج العاقد الفضولي عن عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لعدم كونه مالكا، فإذا صار مالكا اندرج تحت عموم «أَوْفُوا» فيصح عقده، و يلزم الوفاء به.

و يحتمل أن يكون إشارة إلى عدم جريان الاستصحاب، للشّك في الموضوع، لأنّ عدم وجوب الوفاء كان ثابتا للعاقد غير المالك، و بعد انقلابه إلى المالك يشك في بقاء الموضوع، لاحتمال دخل عدم المالكية في الموضوع.

ص: 342

..........

______________________________

أو إشارة إلى: أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يجري إلّا بعد الإجازة الموجبة لإضافة العقد إليه، إذ جريانه يتوقّف على أمرين:

أحدهما: كون الوفاء بالعقد و نقضه معقولا بالنسبة إلى شخص، إذ لا معنى لوجوب الوفاء بالعقد على شخص لا يقدر على الوفاء و النقض.

ثانيهما: كون العقد عقدا له.

و الأمر الأوّل يحصل بالتملك، للتمكن من الوفاء به حينئذ.

لكن الأمر الثاني- و هو إضافة العقد إليه- لا يحصل إلّا بالإجازة، إذ ليس المراد بالإضافة مجرّد قيام إنشاء العقد به، و إلّا كان عقد الوكيل عقدا له لا للموكّل. فبناء على هذا لا يكفي مجرّد تملك البائع الفضولي في إضافة العقد إليه، بل لا بدّ في تحقق هذه الإضافة من الإجازة.

فالنتيجة: أنّ عموم «أَوْفُوا» لا يشمل عقد الفضول لنفسه ثم تملكه لما باعه فضولا إلّا بالإجازة. و من المعلوم أنّه بعد الإجازة لا معارضة بين عموم «أَوْفُوا» و قاعدة السلطنة، و قاعدة إناطة حلّ الأموال بطيب نفوس أربابها، و غيرهما، لعدم التنافي بين عموم «أَوْفُوا» و بين قاعدة السلطنة و نحوها، بل بينهما كمال الملاءمة.

كما أنّه يسقط البحث عن كون المقام من استصحاب حكم الخاصّ لا التمسك بالعام، لما عرفت من أنّ العاقد الفضولي قبل الإجازة ليس عاقدا، فهو أجنبي عن موضوع «أَوْفُوا» و خارج عنه تخصّصا لا تخصيصا، فلا يصح أن يقال: إنّه عاقد، و بعد تملّكه للمبيع الفضولي يصير عاقدا مالكا، فيندرج تحت عموم «أَوْفُوا»، نظير اندراج الفقير الفاسق بعد التوبة و صيرورته عادلا في حيّز «أكرم الفقراء غير الفساق أو الفقراء العدول».

فتلخص من جميع ما ذكرناه عدم كفاية تملك العاقد الفضولي- المال الذي باعه لنفسه- في صحة عقده الفضولي، بل صحته منوطة بالإجازة، إذ لا يصير العقد عقدا له إلّا بالإجازة.

و لو شكّ في صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولي، و لم ينهض دليل على صحته و فساده، فيرجع فيه إلى أصالة الفساد.

ص: 343

مضافا (1) إلى معارضة العموم المذكور بعموم سلطنة الناس على أموالهم، و عدم (2) حلّها لغيرهم إلّا عن طيب النفس، و فحوى (3) الحكم المذكور (4) في رواية

______________________________

و من هنا يظهر الفرق بين التمسك بدليل وجوب الحج على من لم يكن مستطيعا في زمان، و صار كذلك في زمان بعده، و بدليل وجوب «إكرام الفقراء العدول» لوجوب إكرام الفقير الذي لم يكن عادلا، ثم تاب و صار عادلا. و بين التشبث بدليل وجوب الوفاء بالعقود لإثبات صحة عقد الفضول بمجرد تملكه لما باعه فضولا، و عدم إجازته.

وجه الظهور: أنّ الإجازة توجب صيرورة الفضول عاقدا، بخلاف دليلي وجوب الحج و وجوب إكرام الفقير العادل، فإنّ موضوعيتهما للحكم لا تتوقف إلّا على وجود العدالة و الاستطاعة، بخلاف عقد الفضول، فإنّ إضافة العقد إليه تتوقف على الإجازة، و لا تحصل بمجرد تملكه للمبيع فضولا.

(1) هذا دليل ثان على بطلان عقد الفضولي إذا باع لنفسه، ثم ملكه و لم يجز. و هذا الدليل هو قاعدة السلطنة، فإنّ لزوم العقد عليه بدون إجازته خلاف قاعدة السلطنة.

(2) معطوف على «عموم سلطنة» و هو دليل ثالث على البطلان، و هو قاعدة عدم حلّ مال أحد لغيره إلّا بطيب نفسه، يعني: و مضافا إلى معارضة العموم المذكور بعدم حلّها .. إلخ.

(3) معطوف على «عموم سلطنة» و هذا دليل رابع على البطلان، يعني: و مضافا إلى معارضة العموم المذكور بفحوى الحكم بعدم كفاية مجرّد ملكية المال للعاقد الفضولي في صحة عقده.

و ملخص هذا الدليل الموافق لفساد عقده الذي يقتضيه استصحاب حكم الخاص- على ما أفاده المصنف قدّس سرّه- هو: أنّ عتق العبد الموجب لمالكية نفسه إن لم يكن مؤثرا في صحة العقد بدون الإجازة كما هو المفروض في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في (ص 328)، حيث إنّ سكوت المولى عن نكاح العبد الذي هو إجازة يوجب نفوذ العقد لا عتقه الموجب لمالكيته لنفسه، كان تملّك المال أولى بعدم التأثير، إذ تملك النفس أقوى من تملك المال في تأثيره في صحة العقد.

(4) و هو عدم صحة عقد النكاح بمجرّد عتقه الموجب لصيرورته مالكا لنفسه،

ص: 344

الحسن بن زياد المتقدّمة (1) في نكاح العبد بدون إذن مولاه، و أنّ عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لو لا سكوت المولى الذي هو بمنزلة الإجازة.

ثمّ (2) لو سلّم عدم التوقّف على الإجازة، فإنّما هو فيما إذا باع الفضوليّ لنفسه.

أمّا لو باع فضولا للمالك أو لثالث (3)، ثمّ ملك هو (4)، فجريان عموم الوفاء بالعقود و الشروط بالنسبة إلى البائع أشكل (5).

و لو باع (6) وكالة عن المالك فبان انعزاله بموت الموكّل، فلا إشكال في عدم

______________________________

و توقف صحته على إجازة المولى المتحققة بسكوته.

(1) لكن قد تقدّم هناك ضعف دلالتها على المقصود.

(2) غرضه أنّه لو سلّم كفاية مجرد تملك العاقد الفضولي للمال الذي باعه فضولا في صحة العقد- و عدم توقفها على الإجازة- يرد عليه: أنّه أخصّ من المدّعي الذي هو كون مجرد تملك العاقد الفضولي كافيا في صحة العقد و مغنيا عن الإجازة، لاختصاصه بما إذا باع الفضولي لنفسه، إذ العاقد الفضولي هو العاقد المالك، فيشمله عموم «أَوْفُوا».

و أمّا إذا باع لغيره من المالك أو الثالث، ثم ملك هذا البائع، فشمول عموم الوفاء بالعقود و الشروط لهذا العقد الذي يكون للمالك أو للثالث مشكل، إذ لا يصدق عليه العاقد و الشارط حتى يشمله عموم دليلي الوفاء بالعقود و الشروط، لأنّ المفروض عدم قصد العاقد الفضولي البيع لنفسه حتى يضاف العقد إليه.

(3) و هو غير المالك و العاقد الفضولي.

(4) أي: البائع الفضولي الذي لم يبع لنفسه، بل باع لغيره، ثم ملك المبيع الذي باعه لغيره.

(5) خبر «فجريان» و وجه أشديّة إشكاله- من صورة بيع الفضولي لنفسه- هو:

أنّه فيما إذا قصد البيع لنفسه يصير العاقد مالكا، فيشمله عموم دليلي عموم الوفاء بالعقود و الشروط. بخلاف ما إذا قصد الفضول البيع لغيره، فإنّه لا يصدق «العاقد و الشارط» على البائع الفضولي، فلا يشمله عموم دليلي وجوب الوفاء بالعقود و الشروط.

(6) لم يظهر وجه ارتباط هذا الفرع بالمقام- كما نبّه عليه غير واحد من أجلّة

ص: 345

وقوع البيع له (1) بدون الإجازة، و لا معها. نعم يقع للوارث مع إجازته.

[المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف، فبان جوازه]
اشارة

المسألة الثالثة (2):

ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرّف، فبان كونه جائز التصرّف.

______________________________

المحشين «1»- و لذا احتمل بعض كونه من أغلاط النسخة، لكنه في غاية البعد، لوروده في جميع النسخ.

و كيف كان فهذا الفرع يكون من الفضولي المتعارف، لا من فروع «من باع ثم ملك» و تقريبه: أن يبيع الوكيل مال الموكّل بزعم حياته و بقاء الوكالة، فبان بعد البيع موت الموكّل قبله، و انعزال الوكيل به عن الوكالة، فيكون هذا البيع فضوليا، لانتقال المال إلى الورثة. فإن أجازوا وقع البيع لهم، و إن ردّوا بطل بيع الوكيل رأسا.

و لا وجه لتوهم وقوع البيع للوكيل أو للموكّل، بل يقع للوارث المجيز، لأنّ مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من خرج المعوّض عن ملكه، و المفروض عدم تملك الوكيل للمبيع حتى يتملّك الثمن بإزائه. و كذا الموكّل، لانتقال المال عنه إلى ورثته، فلا يقع البيع له لو أجاز الورثة.

(1) أي: للبائع الفضولي، لما مرّ آنفا. نعم يقع البيع للمالك الفعلي و هو الوارث مع إجازته. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف، فبان جوازه

(2) من المسائل التي أفادها في الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز، حيث قال في (ص 238): «فالكلام يقع في مسائل: الاولى: أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة، لكن المجيز لم يكن حال العقد جائز التصرف لحجر .. إلخ. الثانية: أن يتجدّد الملك بعد العقد، فيجيز المالك الجديد، سواء أ كان هو البائع أم غيره. لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأوّل، و هو ما لو باع شيئا ثم ملكه .. إلخ».

______________________________

(1) كالسيد الطباطبائي و المحقق الإيرواني، فراجع حاشية السيد، ج 1، ص 168 و حاشية المحقق الإيرواني ج 1، ص 138

ص: 346

و عدم (1) جواز التصرّف المنكشف خلافه، إمّا لعدم الولاية، فانكشف كونه وليّا، و إمّا لعدم الملك، فانكشف كونه مالكا. و على كلّ منهما، فإمّا أن يبيع عن المالك، و إمّا أن يبيع لنفسه، فالصور أربع.

______________________________

و ليعلم أنّ هذه المسألة الثالثة أجنبية عن مسائل عدم كون العاقد جائز التصرف حين العقد، و صيرورته بعد العقد جائز التصرف، فلا ينبغي ذكرها في عداد تلك المسائل، فالوجه المناسب لذكرها في عدادها هو الاعتقاد بعدم جواز التصرف، لا عدم جوازه واقعا.

و لهذه المسألة صور أربع مذكورة في المتن، و قد عدّها صاحب المقابس قدّس سرّه من أقسام العنوان العام الذي أفاده بقوله: «الموضع الخامس و السادس: أن يكون للعقد مجيز واقعا أو بزعم العاقد، و حصلت الإجازة من غيره ممّن انتقل إليه ذلك المال بشراء أو إرث أو ولاية أو نحو ذلك سواء وقع العقد عن الفضولي أو عن المالك، و لذلك ستة أقسام» «1». ثم جعل القسم الأوّل مسألة «من باع ثم ملك» و ذكر أقساما ثمانية أخرى، و المذكور في المتن هو القسم الرابع و الخامس و السادس و السابع.

و كيف كان فما صنعه المصنف من جعل العنوان الجامع بين الصور الأربع «ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف فبان كونه جائز التصرف» أولى مما صنعه صاحب المقابس، إذ ليس في بعضها انتقال المال أصلا، كما لا يخفى.

(1) مبتدء، خبره «إمّا لعدم» يعني: و عدم جواز التصرف الذي اعتقده البائع و انكشف خلافه- و ظهر كونه جائز التصرف- ينشأ تارة عن عدم الولاية، فانكشف كونه وليّا، و اخرى عن عدم الملك، فانكشف كونه مالكا. و على كلّ منهما إمّا أن يبيع البائع عن المالك، و إمّا أن يبيع لنفسه، فالصور أربع.

______________________________

(1) راجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 35 و 38- 40

ص: 347

[الصورة الاولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليّا على البيع]

الاولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه (1) وليّا (2) على البيع، فلا ينبغي الإشكال (3) في اللزوم [1] حتّى على القول ببطلان الفضولي (4). لكنّ (5) الظاهر من

______________________________

1- لو باع عن المالك، فانكشف كونه وليّا

(1) أي: كون البائع الذي باع عن المالك وليا على البيع.

(2) المراد بالولي هنا من ليس مالكا، و لكن له ولاية أمر البيع، للولاية الشرعية كالأب و الجدّ و الفقيه الجامع للشرائط، أو للإذن من طرف المالك كالعبد و الوكيل.

فلجواز التصرف واقعا وجوه ثلاثة: الملك و الولاية و الإذن.

(3) وجه عدم الإشكال هو: كون العاقد على الفرض وليّا واقعا، و ليس فضوليا، فصدر العقد من أهله في محله، فالمقام خارج موضوعا عن الفضولي، فلو فرض بطلان عقد الفضولي من أصله لم يكن قادحا في صحة العقد هنا.

و الحاصل: أنّ أدلّة الصحة من العمومات ك «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرهما تشمله بعد وضوح ما تقتضيه أدلة الولاية و الوكالة من نفوذ تصرفات الولي و الوكيل.

(4) لما عرفت من خروجه موضوعا عن باب الفضولي.

(5) استدراك على قوله: «فلا ينبغي الإشكال» و محصّل الاستدراك: أنّ مجرّد إذن السيد لعبده في التجارة بدون علمه- و لا علم غيره بإذن السيد- لا يصدق عليه الإذن،

______________________________

[1] و إن لم يكن هذا الفرض من الفضولي، لصدور العقد من وليّ أمره. إلّا أنّ منصرف أدلة نفوذ ولاية الأب و الجدّ و غيرهما من الأولياء غير من يكون تصرفه باعتقاد أنّه غير ولي، كما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «1». و هو غير بعيد.

إلّا أن يدّعى كون الانصراف بدويا. فإطلاق أدلة الولاية محكّم، و يندفع احتمال التقييد بصورة الالتفات إلى الولاية. فليس حينئذ لما عن القاضي قدّس سرّه وجه ظاهر، إلّا بناء على ما سنذكره في التعليقة اللّاحقة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 73

ص: 348

المحكي عن القاضي (1) «أنّه إذا أذن السيّد لعبده في التجارة، فباع و اشترى، و هو لا يعلم بإذن سيّده، و لا علم به أحد، لم يكن (2) مأذونا له في التجارة (3) [1]

______________________________

فلا يترتب آثار الصحة على ما فعله، خلافا لما أفاده المصنف قدّس سرّه من أنّه لا ينبغي الإشكال في اللزوم.

(1) هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي الشامي، و كان من تلامذة الشيخ، و صار خليفته في البلاد الشامية، نوّر اللّه تعالى مرقده «1».

(2) جواب «إذا»، و اسم «يكن» هو الضمير المستتر الراجع الى العبد.

(3) ظهور هذه الجملة في اعتبار العلم في صدق الإذن ممّا لا ينكر.

______________________________

[1] ظاهر عبارته- كما في المقابس- التشكيك في صدق الإذن على الرضا بدون اطّلاع أحد من المأذون له و غيره من المتعاملين و غيرهما عليه. و هذه مناقشة صغروية، فمع فرض صدق الإذن على الرضا الباطني لا يرد إشكال على صحة بيع المأذون من المالك مع عدم اطّلاعه على إذنه للبائع.

و الحاصل: أنّ نظر القاضي ظاهرا إلى أنّ الرضا الباطني غير المبرز ليس إذنا حتى يخرج بيع العبد المأذون في التجارة- غير المطّلع على إذن المولى في التجارة- عن البيع الفضولي. و هذا الذي أفاده القاضي قدّس سرّه غير بعيد، لأنّ الإذن هو الإعلام. و منه قوله تعالى:

«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ» أي: فاعلموا بالحرب، و استعماله في إبراز الرخصة و الرضا شائع.

و عليه فلا يصدق الإذن إلّا على إبراز الرضا بمحضر شخص أو جماعة، و المستفاد من مجموع عبارة القاضي أنّ نفوذ بيع العبد و شرائه منوط بالإذن المبرز من السيد، سواء أ كان مبرزا لنفس العبد أم لغيره، هذا.

و يحتمل أن يريد القاضي اعتبار إنشاء الإذن، و عدم كفاية الرضا الباطني. لا أن يريد

______________________________

(1) لاحظ ترجمته مبسوطا في رياض العلماء، ج 3، ص 141- 145. و مختصرا في أمل الآمل، ج 1، ص 152، و طبقات أعلام الشيعة، ج 2، ص 107.

ص: 349

و لا يجوز (1) شي ء ممّا فعله. فإن علم بعد ذلك (2) و اشترى و باع جاز ما فعله بعد العلم بالإذن، و لم يجز ما فعله قبل ذلك (3)، فإن (4) أمر السيّد قوما أن يبايعوا العبد- و العبد لا يعلم بإذنه له- كان (5) بيعه و شراؤه منهم جائزا، و جرى ذلك (6) مجرى الإذن الظاهر. فإن اشترى العبد بعد ذلك (7) من غيرهم و باع (8)

______________________________

(1) الأولى اقترانه بالفاء، لأنّه بمنزلة نتيجة عدم الإذن.

(2) أي: بعد إذن السيد له. غرضه أنّ تصرفات العبد من البيع و الشراء لا تصح إلّا بعلمه بإذن السيد له فيها، و لا يكفي الإذن الواقعي بدون علم العبد به، فإذا علم بالإذن صحّت تصرفاته المعاملية، و إلّا فلا تصح.

(3) أي: قبل علم العبد بإذن سيده.

(4) هذا متفرع على قوله: «و لا علم به أحد» توضيحه: أنّ القاضي رحمه اللّه جعل عدم الإذن مساوقا لعدم إبرازه، فإذا ابرز للعبد أو لغيره- و إن لم يعلم به العبد- جاز بيعه و شراؤه.

و قوله: «فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد .. إلخ» بيان للفرض الثاني الذي أشار إليه بقوله: «و لا علم به أحد» و حاصله: كفاية بروز الإذن لغير العبد في نفوذ تصرفاته، و عدم لزوم بروزه لنفس العبد.

(5) جواب «فإن أمر» و «الواو» في «و العبد لا يعلم» حاليّة.

(6) أي: أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده، فإنّه بمنزلة الإذن الظاهر لنفس العبد.

(7) أي: بعد أمر السيد قوما أن يبايعوا عبده.

(8) عبارة القاضي المنقولة في المقابس عن المختلف هكذا «كان ذلك جائزا».

______________________________

اعتبار علم البائع بإذن المالك. و يشهد له حكم القاضي بصحة بيع العبد مع جهله بإذن المولى فيما إذا أذن المولى لقوم في أن يبايعوه، فإنّ الحكم بصحة العقد إذا جهل العبد بإذن المولى مع أمره لقوم في أن يبايعوه شاهد على اعتبار إنشاء الإذن، لا على اعتبار علم العبد بإذن السيّد، فتأمّل. و لازم ذلك صحة عقد العبد إذا أذن له المولى، ثم نسيه حال العقد.

ص: 350

جاز (1)» انتهى «1».

و عن المختلف الإيراد عليه (2) بأنّه لو أذن الوليّ و لا يعلم العبد ثمّ باع العبد صحّ (3)، لأنّه صادف الإذن، و لا يؤثّر فيه (4) إعلام المولى بعض المتعاملين «2»، انتهى. و هو (5) حسن.

______________________________

(1) إن استفيد عموم الإذن لغير ذلك القوم، و إلّا اختصّ الجواز بهم، و لا يجوز التعدّي عنهم.

(2) أي: على ما أفاده القاضي قدّس سرّه من عدم كفاية إذن السيد لعبده في التجارة إذا لم يعلم العبد بالإذن. و محصل الإيراد هو: أنّ القاضي اعترف بصحة عقد العبد مع جهله بإذن المولى في صورة إعلام المولى بعض المتعاملين. و هذا شاهد على كفاية الإذن واقعا في صحة عقد العبد، و كفاية مصادفة الإذن في صحته، و عدم اعتبار علم العبد بإذن السيد في صحته.

(3) جواب «لو أذن» و الضمير الفاعل، و كذا ضمير «لأنّه» راجعان إلى البيع.

(4) يعني: لا يؤثّر في نفوذ العقد و صحته إعلام المولى بعض المتعاملين، بل المؤثر في صحته هو مصادفة عقد العبد للإذن واقعا، و ليس الإعلام إلّا طريقا للرضا الباطني، من دون أن يكون له جهة موضوعية أصلا.

لكن قد عرفت احتمال تقوم الإذن بالإعلام، فالإعلام دخيل في صدق الإذن و لو بإعلام غير العبد.

(5) يعني: و إيراد العلّامة حسن، و حسنه مبني على كفاية الإذن الواقعي. و اعتراف القاضي قدّس سرّه بصحة عقد البيع مع جهله بالإذن- في صورة أمر السيّد قوما بأن يبايعوا العبد- يدلّ على كفاية الإذن واقعا، و إن لم يعمل العبد به [1].

______________________________

[1] أقول: بل يدلّ على اعتبار إبراز الإذن، و عدم كفاية وجوده الواقعي.

نعم يدلّ على عدم اعتبار علم الولي بالإذن، و كفاية علم غيره به في نفوذ تصرفات

______________________________

(1) الحاكي لكلام القاضي المنقول في المتن هو صاحب المقابس، ص 38 (كتاب البيع). و حكاه العلامة عنه في المختلف ج 5، ص 435

(2) مختلف الشيعة، ج 5، ص 437، و الحاكي لكلام العلّامة هو صاحب المقابس، في كتاب البيع، ص 38

ص: 351

[الصورة الثانية: أن يبيع لنفسه، فانكشف كونه وليّا]

الثانية (1): أن يبيع لنفسه، فانكشف كونه وليّا [1]، فالظاهر أيضا صحّة العقد، لما عرفت (2) من أنّ قصد بيع مال الغير لنفسه

______________________________

2- لو باع لنفسه فانكشف كونه وليّا

(1) أي: الصورة الثانية من الصور الأربع- المشار إليها في (ص 347) في المسألة الثالثة- هي: أن يبيع البائع لنفسه، فانكشف كونه وليّا. و الظاهر صحة العقد كالصورة السابقة، وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال في القسم السادس: «أن يبيع أو يشتري لنفسه، ثم ينكشف كونه وليّا أو وكيلا على المال عند العقد. و حكمه يعرف ممّا سبق» يعني مما سبق في القسم الخامس من الحكم بالصحة، فراجع «1».

(2) يعني: في المسألة الثالثة من المسائل الثلاث المعقودة لبيان أقسام الفضولي، حيث

______________________________

الولي. و لعلّه لإطلاق أدلة الولاية. و اعتبار العلم بالاذن يكون بنحو الموضوعية، لما مرّ من عدم صدق الإذن لغة على غير الإذن المبرز. لكنه أخذ موضوعا بنحو الطريقية لا بنحو الصفتية، و لذا يقوم سائر الطرق كالبينة مقامه، فإذا شهدت البينة بأنّ زيدا أذن لابنه في بيع أمواله، و لم يعلم الابن بهذا الإذن، فباع أمواله، صحّ البيع.

و لو شكّ في اعتبار علم الولي بإذن المولّى عليه في نفوذ تصرفاته، كان مقتضى إطلاق أدلة الولاية عدم اعتباره، لأنّ مرجع هذا الشك إلى الشك في تقييد إطلاق أدلة الولاية، و المرجع حينئذ إطلاقها.

[1] الظاهر عدم الفرق في الحكم بين الولي الخاص كالأب و الجد، و بين الولي العام كالفقيه الجامع للشرائط و عدول المؤمنين، لأنّه مقتضى إطلاق أدلة الولاية. فما عن بعض المحققين من «جعل الأشبه في الولي الخاص لزوم البيع و عدم توقفه على الإجازة، و جعل الأحوط في الولي العام اعتبارها» لم يظهر له وجه. و لعل نظره إلى انصراف الولي إلى الولي الخاص، و لا بدّ من التأمل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

ص: 352

لا ينفع (1) و لا يقدح. و في توقّفه على إجازته (2) للمولّى عليه وجه، لأنّ (3) قصد كونه لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، فتأمّل (4).

______________________________

قال في بعض كلامه: «فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر بين المحذورين المذكورين» «1». فراجع.

(1) خبر «أنّ قصد» يعني: لا ينفع في صيرورة البيع للعاقد، لكونه خلاف مقتضى المعاوضة. و لا يقدح في صيرورته للغير و هو المالك، لأنّ الأمر يرجع إلى حيثية المالكية المأخوذة جهة تقييدية، فلا محالة يصير البيع للمالك، و يحتاج إلى إجازته في غير ما نحن فيه. و أميا فيه فلا يحتاج إلى الإجازة، لأنّها إمّا لتحقق الانتساب، أو لحصول الرضا.

و كلاهما هنا حاصل، إذ المباشر هو الولي، و الرضا المعتبر هو رضاه أيضا.

(2) أي: في توقف نفوذ العقد على إجازة العاقد. غرضه: أنّ نفوذ العقد و لزومه هل يتوقف على إجازة العاقد هذا العقد للمولّى عليه؟ أم أنّ العقد بمجرد تحققه نافذ و لا يناط نفوذه بشي ء.

(3) هذا بيان وجه التوقف على الإجازة، و محصله: أنّ قصد البائع كون العقد لنفسه يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون، و هو كون العقد للمولّى عليه، و صيرورته عقدا له موقوفة على الإجازة، و إلغاء كونه لنفسه.

(4) لعله إشارة إلى: أنّه بعد لغوية قصد كونه لنفسه شرعا و عدم نفعه و قدحه لا يبقى في المقام إلّا وقوعه موقوفا على الوجه المأذون من الشارع، و هو كون التصرف في مال المولّى عليه مقرونا بمصلحته، أو بعدم المفسدة. فإن كان هذا الشرط موجودا فلا وجه للإجازة، إذ الفرض وجود الشرط، و إلّا فلا تجدي الإجازة، لعدم وقوعها في محلّها الذي هو البيع المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة.

أو إشارة إلى ما قيل: من التنافي بين الصدر و الذيل، إذ مقتضى الصدر لغوية «لنفسه»، و مقتضى الذيل- و هو وقوع العقد على غير الوجه المأذون- قيديّته الموجبة لبطلان العقد، و عدم صحته بالإجازة. و مقتضى الصدر صحته بدون الإجازة.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 573

ص: 353

[الصورة الثالثة لو باع عن المالك، فانكشف كونه مالكا]

الثالثة (1): أن يبيع عن المالك، ثمّ ينكشف كونه مالكا.

______________________________

و بالجملة: فالعقد إمّا صحيح بدون الإجازة، و إمّا باطل لا يصحّ بالإجازة، هذا.

أقول: يمكن دفع التنافي بين الصدر و الذيل بأنّ المراد بالصدر لغوية «لنفسه» بمعنى عدم تأثيره في صحة العقد و فساده، و ذلك لا يمنع من اعتبار ما جعل شرطا في صحة العقد، فإنّ الأحكام الحيثية كذلك. فالعقد من ناحية ذكر «لنفسه» لا مانع من صحته.

و لكنّه لا يمنع عن لزوم مراعاة ما جعل شرطا في صحة العقد، كجعل البيع للمولّى عليه.

و الحاصل: أنّ كل شرط يحفظ المشروط من قبله لا مطلقا، فالعقد ليس فاسدا من ناحية ذكر «لنفسه» و لكنه لا ينفي شرطية غيره، كوقوعه على الوجه المأذون، و هو وقوعه للمولّى عليه في مورد وجود المصلحة أو عدم المفسدة. فإذا كان البيع على الوجه المأذون فهو صحيح، و إلّا فلا.

و عليه فلا منافاة بين الصدر و الذيل، إذ مقتضى الصدر عدم بطلان العقد من ناحية «لنفسه» لا عدم بطلانه مطلقا، فيمكن أن يكون لصحة العقد شرط يلزم مراعاته.

و مقتضى الذيل اعتبار الوجه المأذون في الصحة.

و هذا نظير صحة الصلاة في اللباس المشكوك فيه، فإنّ صحتها من ناحية اللباس المشكوك فيه لا تثبت صحتها من ناحية الشك في الطهارة.

و إن شئت فقل: إنّ قيد «لنفسه» لا يقدح في صحة العقد، لكنه يوجب انصرافه عن المولّى عليه بحيث لا يكون مضافا إليه، و لا يعدّ عقدا له، و إضافته إليه منوطة بإجازة وليّ العقد، و هو نفس العاقد. فلا يدور الأمر بين البطلان رأسا و الصحة فعلا من دون حاجة إلى الإجازة، كما أفاده القائل بالتنافي بين الصدر و الذيل.

3- لو باع عن المالك، فانكشف كونه مالكا

(1) أي: الصورة الثالثة من الصور الأربع المشار إليها في (ص 347) هي: «أن يبيع البائع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا» و هو القسم السابع في كلام صاحب المقابس قدّس سرّه لقوله: «السابع: أن يبيع أو يشتري عن المالك بزعمه، ثم ينكشف كون المال له. و قد فرضه الأصحاب في من باع مال أبيه بظنّ الحياة و أنّه فضولي، فبان موته و أنه مالك.

و ذكر جماعة منهم فروضا أخرى أيضا من هذا القسم. و حكم العلامة في التذكرة بصحة

ص: 354

و قد مثّل له الأكثر (1) بما لو باع مال أبيه بظنّ حياته فبان ميّتا.

و المشهور الصحّة (2)، بل ربما استفيد (3) من كلام العلّامة في القواعد

______________________________

العقد ..» «1».

(1) قيل: إنّه لم يظهر تمثيل الأكثر- لهذه الصورة- بخصوص المثال المذكور في المتن، و إنّما ذكر هذا الفرع في كلام العلامة في القواعد، حيث قال: «و لو باع مال أبيه بظنّ الحياة، و أنّه فضولي، فبان ميّتا، و أنّ المبيع ملكه، فالوجه الصحة» «2».

و الأمر كما ذكره القائل، لتصريح صاحب المقابس في كلامه المتقدم بوجود أمثلة أخرى، حيث قال: «و ذكر جماعة منهم فروضا أخر لهذا القسم» فلاحظ.

فمنها: قول العلامة: «و كذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. و كذا لو زوّج أمة أبيه على ظنّ أنّه حي، فبان ميّتا» «3».

و منها: ما أفاده في هبة القواعد بقوله: «و إذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة، و صحّ لا معه، على رأي. و لو كانت فاسدة صحّ إجماعا. و لو باع مال مورّثه معتقدا بقاءه، أو أوصى بمن أعتقه، و ظهر بطلان عتقه فكذلك» «4».

و منها: ما نقله السيد العاملي عن المحقق الكركي قدّس سرّهما من قوله: «و مثله ما لو باع فضوليا، ثم بان شراء وكيله إيّاه» «5».

و لعلّ المتتبع في كلمات الأصحاب يقف على فروع أخر لهذه الصورة الثالثة.

(2) كما ادّعاه الفاضل الخراساني أيضا قدّس سرّه على ما حكاه صاحب المقابس عنه، فراجع «6».

(3) كذا في المقابس أيضا، لقوله: «و ربما يستفاد منهما- أي: من القواعد و الإرشاد-

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

(3) نهاية الأحكام، ج 2، ص 477

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 409، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 450

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195 و 196، جامع المقاصد، ج 4، ص 76

(6) مقابس الأنوار، ص 38، كفاية الأحكام، ص 145، السطر 9

ص: 355

و الإرشاد في باب الهبة الإجماع، و لم نعثر على مخالف صريح، إلّا أن الشهيد رحمه اللّه ذكر في قواعده: «أنّه لو قيل بالبطلان أمكن» «1».

و قد سبقه في احتمال ذلك (1) العلّامة و ولده في النهاية و الإيضاح «لأنّه (2) إنّما قصد نقل المال عن الأب، لا عنه (3). و لأنّه (4) و إن كان منجّزا في الصورة، إلّا أنّه

______________________________

- دعوى الإجماع عليه» «2». و لعلّ المستفيد هو السيد العاملي قدّس سرّه، لقوله: «و في هبة الكتاب- أي القواعد- جزم بالصحة، و قد يلوح منه هناك أنّها محلّ إجماع، فليرجع إليه» «3».

لكنك عرفت صراحة عبارة القواعد في الإجماع، و لعلّ كلمة «إجماعا» ساقطة من بعض نسخ القواعد.

(1) أي: احتمال البطلان في هذه الصورة الثالثة. و استدل للبطلان بوجوه ثلاثة، جملتها مذكورة في الإيضاح، و الأخيران مذكوران في النهاية، و المنقول في المتن عبارة الإيضاح، فراجع.

(2) هذا أوّل تلك الوجوه الثلاثة، و محصّله: أنّ العاقد إنّما قصد نقل المال عن الأب لا عن نفسه، فمن قصد البيع له لا يمكن أن يقع له البيع، لعدم كونه مالكا، و من يمكن أن يقع البيع له- لكونه مالكا- لم يقصد له البيع.

و الحاصل: أنّه يلزم تخلف العقد عن القصد.

(3) أي: لا عن العاقد الفضولي الذي هو ولد المالك.

(4) هذا ثاني تلك الوجوه الثلاثة، و حاصله: أنّ هذا العقد فاقد لشرط التنجيز و إن كان منجّزا صورة، لكنه معلّق واقعا، إذ تقدير قول الفضوليّ: «بعتك» هو «إن مات مورّثي فقد بعتك» و التعليق مبطل العقد.

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 2، ص 238، ذيل القاعدة: 238

(2) مقابس الأنوار، ص 38

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 195

ص: 356

معلّق، و التقدير: إن مات مورّثي فقد بعتك. و لأنّه (1) كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده (2) أنّ المبيع لغيره» «1» انتهى.

أقول (3): أمّا قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح [1] في وقوعه، لأنّه (4) إنّما قصد نقل الملك عن الأب من حيث إنّه مالك باعتقاده، ففي الحقيقة إنّما قصد النقل

______________________________

(1) هذا ثالث تلك الوجوه الثلاثة، و حاصله: أنّ هذا العاقد الفضوليّ كالعابث في عدم إرادة القصد الجدي بالصيغة، إذ لا يتمشّى هذا القصد مع اعتقاده كون المبيع لغيره.

(2) تعليل لكون البائع كالعابث، فإنّه مع هذا الاعتقاد كيف يتمشّى منه القصد الجدّي؟

(3) هذا كلام المصنف قدّس سرّه، و هو إشكال على الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة التي أقيمت على البطلان، و محصّل الإشكال: أنّ قصد الأب لم يتعلّق بخصوص شخصه، بل تعلّق به من حيث كونه مالكا. فالبائع قصد البيع لمالك المبيع بحيث يشمل نفسه، غاية الأمر أنّه اشتبه في تطبيق عنوان «المالك» على أبيه. فعلى هذا يقصد البائع البيع للمالك لا لغيره، فلا يرد عليه: أنّ ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

(4) تعليل لقوله: «فلا يقدح» و حاصله- كما مر آنفا- أنّ قصد النقل عن الأب ليس قصدا له لشخصه، بل لكونه مالكا، فالقصد تعلّق بعنوان المالك الذي هو جهة تقييدية.

______________________________

[1] عدم القدح مبنيّ على كون المالكية هنا جهة تقييدية. و ليس الأمر كذلك، لأنّ الظن بالحياة- المراد به العلم بالحياة كما عبّر به العلّامة في هبة القواعد باعتقاد الحياة، و كذا صرّح المصنف قدّس سرّه فيما يأتي من قوله: «فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع الغاصب مبني على دعوى ..»- يلائم قصد النقل عن شخص الأب، لا عنوان كلّيّ المالك، فحيثية المالكية هنا تعليلية، لا تقييدية. فإيراد فخر المحققين قدّس سرّه «بأنّه يلزم وقوع ما لم يقصد، و عدم وقوع ما قصد» وارد، و لا يندفع بما أفاده المصنف.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 420، نهاية الأحكام، ج 2، ص 477

ص: 357

عن المالك [1] لكن أخطأ في اعتقاده أنّ المالك أبوه. و قد تقدّم (1) توضيح ذلك (2) في عكس المسألة أي: ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنّه ملكه (3).

نعم (4) من أبطل عقد الفضوليّ لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد، قوي (5) البطلان عنده

______________________________

(1) أشرنا إلى كلامه المتقدم- في ثالثة مسائل بيع الفضولي- في (ص 353) فراجع.

(2) أي: كون الخطأ في اعتقاد انطباق عنوان المالك- الذي هو حيثية تقييدية- على أبيه.

(3) أي: ملك البائع، كما إذا اعتقد زيد مثلا بأنّ المتاع الفلاني ملكه، فباعه، ثم تبيّن أنّه ملك عمرو، فإنّهم قد وجّهوا صحة البيع هناك بأنّ البائع قصد البيع للمالك، غاية الأمر أنّه أخطأ في تطبيق طبيعيّ المالك على نفسه. و هذا لا يقدح في صحة البيع.

(4) استدراك على ما أفاده في هذه الصورة الثالثة من صحة بيع الفضولي مال الغير عن المالك، و حاصل الاستدراك: أنّ من استند في بطلان عقد الفضولي إلى فوات مقارنة طيب نفس المالك للعقد، فلا بدّ من التزامه بالبطلان هنا، لفوات مقارنه الطيب فيه، لأنّ العاقد من حيث إنّه مالك فاقد للطّيب المالكي حين العقد، و إنّما تطيب نفسه بنقل مال غيره حينه. و طيب نفسه ببيع ماله بعد الانكشاف ليس طيبا مالكيّا مقارنا للعقد.

(5) جواب «من أبطل» المتضمّن معنى الشرط.

______________________________

[1] بل قصد النقل عن شخص أبيه، لا النقل من طبيعيّ المالك بجعله حيثية تقييدية، و كون أبيه من مصاديقه، إذ إرادة طبيعيّ المالك و إطلاقه- بحيث يعمّ كلّا من العاقد و أبيه مع العلم بحياة أبيه- في حكم التعليق، لأنّ مرجع هذا الإطلاق إلى وقوع البيع عنه على تقدير موت والده، و عن والده على تقدير حياته. و هذا عبث ينافي القصد الجدّي في مقام المعاملة. فالمناسب هنا كون حيثية المالكية جهة تعليلية كما مرّ في التعليقة السابقة.

ص: 358

هنا (1) [1]، لعدم طيب نفس المالك بخروج مالكه عن ملكه (2)، و لذا (3) [2] نقول نحن كما سيجي ء (4) باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد، لعدم حصول طيب النفس حال العقد.

و أمّا ما ذكره من «أنّه (5) في معنى التعليق» ففيه (6): مع مخالفته لمقتضى الدليل

______________________________

(1) أي: في هذه الصورة الثالثة المتقدمة في (ص 354).

(2) لأنّ العاقد حين العقد لم تطب نفسه بنقل ماله، بل طابت حينه بنقل مال غيره.

(3) أي: و لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه مقارنا للعقد.

(4) عند قوله في (ص 364): «لكن الأقوى وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة».

فالنتيجة: أنّ جواب الدليل الأوّل هو: أنّ قصد وقوع البيع عن الأب لا يضرّ بوقوعه، لأنّ قصد الأب يكون لأجل اعتقاد الابن بكون الأب مالكا، فهو قصد البيع عن مالكه، لكنه أخطأ في تطبيق المالك على أبيه، و هذا لا يقدح في وقوع البيع.

(5) أي: أنّ عقد البائع. و هذا إشارة إلى ثاني أدلّة العلّامة و الفخر، و هو كون هذا العقد معلّقا واقعا و إن كان منجّزا صورة، لأنّه معلّق على موت أبيه حتى يقع البيع له.

(6) هذا ردّ الدليل الثاني، و قد ردّه المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: أنّ هذا الدليل الثاني مخالف لمقتضى الدليل الأوّل، لأنّ مقتضاه هو البيع عن أبيه منجّزا، لاعتقاد حياته، و كون المال مال أبيه. و مقتضى الدليل الثاني هو البيع عن

______________________________

[1] فإن مقتضاه بطلان عقد الفضولي في جميع الموارد، لفقدان مقارنة طيب نفس المالك للعقد في جميع العقود الفضولية. و غير الفضولي ممّا يحتاج إلى الإجازة و إن لم يكن من العقد الفضولي موضوعا، حيث إنّ العاقد هو المالك. إلّا أنّ ملاك الحاجة إلى الإجازة- و هو طيب النفس- موجود في مثل المقام، فالمحوج إلى الإجازة فيه هو اعتبار طيب نفس المالك.

[2] تعليل بطلان الفضولي بعدم مقارنة طيب نفس المالك للعقد لا يصح لأن يكون سببا لشرطية إجازة المالك لصحة العقد مع تأخرها عنه و عدم مقارنتها له، بل لا بدّ أن تكون شرطيتها مستندة إلى دليل آخر، و لا بدّ من التأمل في فهم مراد المصنف من العبارة.

ص: 359

الأوّل (1) كما لا يخفى- منع (2) كونه في معنى التعليق، لأنّه إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه كما هو (3) ظاهر هذا الدليل، فهو (4) إنّما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في (5) علمه، فبيعه (6) كبيع الغاصب مبنيّ على دعوى السلطنة و الاستقلال على المال، لا على تعليق النقل بكونه (7) منتقلا إليه بالإرث عن [من] مورّثه (8)، لأنّ ذلك (9) لا يجامع مع ظنّ الحياة.

______________________________

نفسه معلّقا على موت أبيه. و من المعلوم تخالفهما من حيث التنجيز و التعليق، و من مغايرة من له البيع في الدليل الأوّل و الثاني.

(1) و هو قوله في (ص 356): «لأنّه إنّما قصد نقل المال عن الأب» و قوله: «مع مخالفته» إشارة إلى الوجه الأوّل من وجهي ردّ المصنف.

(2) مبتدء مؤخّر، و خبره المقدّم قوله: «ففيه». و هذا ثاني وجهي الرد، و حاصله:

منع التعليق حتى فيما إذا فرض أنّه يبيع مال أبيه لنفسه مع علمه بكونه مال أبيه- فضلا عما نحن فيه من بيعه لأبيه مع تبين كون المبيع ملكه- فإنّ البيع لنفسه مع العلم بأنّه ليس ملكا له كالغاصب مبنيّ على دعوى سلطنته و استقلاله على ذلك المال، و ليس مبنيا على التعليق.

(3) يعني: كما أنّ فرض بيع مال أبيه لنفسه ظاهر هذا الدليل.

(4) جواب قوله: «إذا فرض».

(5) متعلق ب «كونه» يعني: مع وصف اعتقاد البائع بأنّ المال ملك أبيه.

(6) يعني: فبيع البائع- مع علمه بكون المبيع ملكا لأبيه- ليس مبنيّا على تعليق النقل بانتقاله إليه بالإرث، بل هو كبيع الغاصب مبني على دعوى الاستقلال على المال، و ذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة، إذ المراد بالظن هو العلم كما فهمه المصنف قدّس سرّه حيث قال: «مع وصف كونه لأبيه في علمه» و من المعلوم أنّ التعليق مبنيّ على الاحتمال المضادّ للقطع.

(7) متعلق ب «تعليق» و الضمير راجع الى المال.

(8) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى البائع المفروض كونه ولد المالك.

(9) أي: لأنّ التعليق، و قوله: «لأنّ» تعليل لعدم تعليق النقل، و قد اتّضح بقولنا:

ص: 360

اللهم (1) إلّا أن يراد أنّ القصد الحقيقيّ إلى النقل معلّق على تملّك الناقل، و بدونه (2) فالقصد صوريّ، على ما تقدّم (3) من المسالك من «أنّ الفضولي و المكره قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله» «1».

لكن فيه (4) حينئذ (5) أنّ هذا القصد الصوريّ كاف، و لذا (6) قلنا بصحّة عقد الفضولي.

______________________________

«و ذلك لأنّ التعليق لا يلائم ظنّ الحياة .. إلخ».

(1) هذا استدراك على ما أفاده من الصحة، و غرضه إثبات بطلان العقد في هذه الصورة الثالثة بكونه معلّقا لا منجّزا، بدعوى: أنّ مركز التعليق هو النقل الحقيقي الذي هو معنى الاسم المصدري، لا النقل الإنشائي، فالتنجيز صوريّ و التعليق حقيقي، فإنّ قصد النقل الحقيقي معلّق على تملّك الناقل، فقصد النقل بدونه صوري، و القصد الصوري ليس موضوعا للأثر.

(2) أي: و بدون التعليق على تملّك الناقل فالقصد إلى النقل صوريّ.

(3) من قوله: «و يكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من أنّ المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ دون مدلوله» فراجع ما أفاده المصنف قدّس سرّه في بيع المكره.

(4) أي: في قوله: «اللّهم الا أن يراد» الدال على تعليق النقل.

(5) أي: حين كون التعليق متعلقا بالقصد الحقيقي إلى النقل، دون القصد الصوري.

و محصل ما أفاده في ردّ الاستدراك هو: أنّ المدار في قدح التعليق في صحة العقد هو تعليق القصد الصوري دون القصد الحقيقي. و لو كان تعليق القصد الحقيقي قادحا في الصحة لم يكن لصحّة عقد الفضولي وجه، لأنّ القصد الحقيقيّ في جميع العقود الفضوليّة معلّق على رضا من له السلطنة على إجازة العقد و ردّه. فصحّة عقد الفضوليّ تكشف عن عدم قدح تعليق القصد الحقيقي في صحّته، و كفاية تنجز القصد الصوري في صحته التأهلية.

(6) يعني: و لأجل كفاية القصد الصوري في صحة العقد قلنا بصحة عقد الفضولي.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156، و تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح، فراجع ص 101 و 166

ص: 361

و من ذلك (1) يظهر ضعف ما ذكره أخيرا (2) من كونه كالعابث عند مباشرة العقد، معلّلا (3) بعلمه بكون المبيع لغيره.

و كيف كان (4) فلا ينبغي الإشكال في صحّة العقد (5).

إلّا (6) أنّ ظاهر المحكيّ من غير واحد

______________________________

(1) أي: و ممّا ذكرناه في ردّ ثاني أدلّة العلّامة و الفخر قدّس سرّهما من كفاية القصد الصوري في صحة العقد- يظهر ضعف الدليل الثالث، و هو: كون العاقد كالعابث عند إنشاء العقد، معلّلا بكون المبيع لغيره. وجه الظهور: أنّ كفاية تنجّز القصد الصوري في صحة العقد تخرج العاقد عن كونه عابثا.

(2) في (ص 357) من قوله: «و لأنّه كالعابث عند مباشرة العقد، لاعتقاده .. إلخ».

(3) حال من فاعل «ذكره» و هو العلّامة قدّس سرّه، و ضمير «بعلمه» راجع إلى العاقد.

(4) مقتضى السياق أن يراد بهذه الكلمة: أنّه سواء تمّ ما أفاده العلّامة و فخر الدين من وجوه المنع أم لا. و لكن هذا غير مراد قطعا، بقرينة نفي الاشكال في صحة العقد و عدم فساده، سواء قيل بتوقفه على الإجازة أم لا.

فلا بدّ أن يكون مراده من قوله: «و كيف كان» أمرا آخر، بأن يقال: سواء اكتفينا- في ردّ الوجوه الثلاثة المحكية عن الإيضاح- بما ذكر، أم نوقش فيها بوجه آخر، فعلى كلّ لا ينبغي الإشكال في عدم فساد العقد في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(5) أي: في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(6) الأولى إبدال العبارة بأن يقال: «في صحة العقد تأهلا، بل عن ظاهر المحكي عن غير واحد لزوم العقد، و عدم الحاجة إلى الإجازة ..» إذ الغرض بيان صحة العقد تأهّلا و فعلا كما هو ظاهر المحكي عن غير واحد، فإنّ الصحّة ظاهرة في الصحة المطلقة التأهلية و الفعلية، و الاستثناء إخراج عن شي ء. و من المعلوم أنّ ما بعد «إلّا» الاستثنائية هنا لم يخرج عن الصحّة، بل أيّدتها و ثبّتتها، حيث إنّ المحكي عن غير واحد صحّة العقد مطلقا أي تأهّلا و فعلا، و لم تخرج الصحة الفعليّة عن الصحة المطلقة حتى يصح استثناؤها كما لا يخفى.

ص: 362

لزوم العقد (1)، و عدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، لأنّ (2) [1] المالك هو المباشر

______________________________

و الحاكي للصحة- من دون حاجة إلى الإجازة- هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه بعد حكاية الصحة عن جملة من كتب العلّامة قال: «و هذا هو قول المحقق في الشرائع، و ظاهر الشهيد في الدروس. و ظاهر هؤلاء: أنّه يلزم حين وقوعه، و لا يفتقر إلى إجازة من المباشر. و بذلك فسّر كلام العلّامة في الإيضاح و جامع المقاصد» «1».

(1) أي: في الصورة الثالثة المذكورة في (ص 354) و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

(2) تعليل للزوم العقد و عدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، و قد علّل ذلك بوجهين:

أحدهما: أنّ فائدة الإجازة- و هي ارتباط العقد بالمجيز، و صيرورة عقد الفضول عقده- حاصلة هنا، إذ المفروض أنّ المالك بنفسه أنشأ العقد، و لا معنى لإجازة فعل نفسه، لكونها من تحصيل الحاصل.

ثانيهما: أنّ قصد العاقد- الذي هو المالك واقعا- إلى نقل المال المعيّن الذي هو ماله إن كان موجبا لحصول نقل مال نفسه فيما نحن فيه، فهو أولى من الإذن فضلا عن الإجازة، فلا وجه حينئذ للإجازة، بل لا بدّ من الحكم بلزوم العقد.

______________________________

[1] نعم، لكنّ الإجازة قد تفيد أمرين، أحدهما: انتساب العقد إلى المجيز، و الآخر:

إبراز الرضا و طيب النفس.

لكن الأوّل حاصل هنا بالمباشرة التي هي أقوى من الإجازة في حصول الانتساب.

و لا معنى للانتساب بعد الانتساب، لأنه تحصيل للحاصل.

و أما الأمر الثاني فلا يحصل هنا إلّا بالإجازة. فوجه الحاجة إلى الإجازة إنّما هو حصول الرضا، إذ لا ملازمة و لا مساواة بين الانتساب و الطّيب، فضلا عن الأولوية، فلا يغني الانتساب الحاصل بالمباشرة عن الطيب المنكشف بالإجازة. فلا وجه للزوم العقد بدون الإجازة.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38 و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ص 231، الدروس الشرعية، ج 2، ص 289

ص: 363

للعقد، فلا وجه لإجازة فعل نفسه. و لأنّ (1) قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا (2) بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن الذي هو في الواقع ملك نفسه- و إن لم يشعر (3) به- فهو (4) أولى من الإذن في ذلك فضلا عن أجازته (5)، و إلّا (6) توجّه عدم وقوع العقد له (7).

لكنّ الأقوى وفاقا للمحقّق و الشهيد الثانيين «1»: وقوفه (8) على الإجازة،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدّم بيانه آنفا.

(2) أي: في بيع العاقد عن المالك و انكشاف كونه مالكا. و قوله: «إن حصل هنا» إشارة إلى ما أفاده في (ص 355) من قوله: «و المشهور الصحة» فإنّ الصحة هي حصول النقل، و حصوله من العاقد بإنشائه أولى من الإذن الذي هو مجوّز لتصدّي غير المالك في النقل، لأنّ النقل بإنشائه أولى من إنشاء الغير المنوط تأثيره بإذنه.

و الحاصل: أنّ حصول نقل ماله بمجرد القصد إلى نقله أولى بلزومه من الإذن في ذلك.

(3) كما هو المفروض، و ظاهر عنوانهم «لو باع مال أبيه بظن حياته فبان ميتا» فإنّه لا يشعر بأنّ المال المعيّن الذي نقله هو ملك له واقعا.

وجه أولويته من الإذن: أنّ المباشرة أولى من الإذن في الانتساب.

(4) جواب الشرط في قوله: «إن حصل هنا» و جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «و لأن قصده» و ضمير «فهو» راجع إلى «قصده».

(5) لأنّها إنفاذ فعل الغير بعد وقوعه، و الإذن ترخيص في إيجاد الفعل.

(6) أي: و إن لم يحصل قصد الولد العاقد- المفروض كونه مالكا واقعا للمبيع- إلى نقل مال نفسه بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لتوجّه عدم وقوع العقد للولد أصلا، لا وقوعه موقوفا على الإجازة، لأنّه على فرض عدم حصول النقل بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن لم يحصل العقد الناقل. و مع عدم تحققه لا عقد حتى يبحث عن احتياجه إلى الإجازة و عدمه.

(7) أي: للولد العاقد.

(8) أي: وقوف العقد الصادر من الولد الذي هو المالك واقعا- مع عدم علمه

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 76، مسالك الأفهام، ج 6، ص 51

ص: 364

لا لما ذكره في جامع المقاصد (1) من «أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن (2)، بل مع إجازة المالك»، لاندفاعه (3) بما ذكره بقوله: «إلّا أن يقال: إنّ قصده إلى أصل البيع كاف».

و توضيحه: أنّ انتقال المبيع شرعا بمجرّد العقد أو بعد إجازة المالك ليس (4)

______________________________

بمالكيته- على الإجازة، فإنّ لزومه بالنسبة إلى العاقد الذي يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا منوط بالإجازة.

(1) محصل ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه في وجه توقف لزوم العقد للعاقد على الإجازة هو: أنّ العاقد لاعتقاده بكون المبيع مال الغير لا يقصد تأثير هذا العقد إلّا مع الإجازة.

و ببيان آخر: انّ العاقد أنشأ العقد منوطا بالإجازة، و لم ينشئه بنحو يترتّب عليه الأثر فعلا و بلا حاجة إلى الإجازة.

(2) أي: فعلا بلا حاجة إلى الإجازة، بل قصد البيع الناقل منوطا بإجازة المالك.

(3) أي: لاندفاع ما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه. و هذا ردّ المصنف قدّس سرّه لكلامه، و تعليل لقوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد» و حاصل الرّد وجهان:

أحدهما: ما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه بقوله: «الا ان يقال» و أوضحه المصنف بما محصّله: أنّ ما يعتبر قصده في البيع كما اشتهر أنّ العقود تابعة للقصود- بحيث يقدح في صحة العقد عدم قصده أو قصد خلافه- هو مدلول لفظ العقد، و ذلك في مثل «بعت» مجرّد النقل بنظر الناقل. و أمّا ترتّب الأثر أعني به الانتقال فهو حكم شرعي يترتّب على مجرّد العقد أو بعد إجازة المالك، و خارج عن مدلول اللفظ، فلا يعتبر قصده. كما أنّه لا يضرّ قصد خلافه.

نظير عقد النكاح، فإنّ المعتبر فيه قصد مضمون العقد، و هو علقة الزوجية، دون آثارها الشرعية كوجوب الإنفاق و نحوه، فإنّ قصدها غير لازم، لخروجها عن مضمون عقد النكاح. فتبعية العقود للقصود تختص بمداليل ألفاظ العقود و مضامينها، و لا تشمل ما هو خارج عن مداليلها، و من المعلوم أنّ أحكامها الشرعية خارجة عن مضامين العقود، فهي أجنبية عن قاعدة تبعية العقود للقصود.

(4) خبر «أن الانتقال» و الضمير المستتر في «ليس» و ضميرا «قصده، خلافه»

ص: 365

من مدلول لفظ العقد حتّى يعتبر قصده، أو يقدح قصد خلافه، و إنّما هو (1) من الأحكام الشرعيّة العارضة للعقود بحسب اختلافها (2) في التوقّف على الأمور المتأخّرة، و عدمه (3).

مع (4) أنّ عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف (5).

______________________________

راجعة إلى «انتقال المبيع».

(1) أي: انتقال المبيع شرعا يكون من الأحكام الشرعية.

(2) أي: اختلاف العقود في توقّف نفوذها على الأمور المتأخرة عن العقود، كالقبض في الصرف و السلم، و الإجازة في الفضولي. فبعض العقود يترتب عليه الحكم بدون التوقف على أمر، لكفاية نفس إنشاء العقد في ترتب الحكم الشرعي عليه، كالعقد الصادر من المالك مباشرة أو من وكيله أو وليّه. و بعضها لا يترتب عليه الحكم الشرعي إلّا بعد تحقق أمر ثبت دخله في العقد كالقبض في الصّرف و السّلم.

(3) معطوف على «التوقف» أي: عدم التوقّف على أمر، كبيع المالك مباشرة كما مر آنفا.

(4) هذا ثاني وجهي ردّ المصنف قدّس سرّه لما ذكره جامع المقاصد «من أنّه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن». و حاصل هذا الوجه الثاني: أنّ عدم القصد إلى البيع الناقل الآن ليس بقادح في صحة البيع، و تحقق القصد إلى النقل الفعلي بناء على الكشف، و ذلك لأنّ قصد النقل مع الإجازة قصد إلى النقل الفعلي، كحصول النقل بنفس العقد كما هو مقتضى كاشفية الإجازة. فالقصد إلى البيع الناقل للملك الآن موجود. فدعوى جامع المقاصد «عدم قصد البيع الناقل الآن» غير مسموعة.

نعم عدم إمكان قصد النقل فعلا يناسب مذهب النقل في الإجازة.

و الحاصل: أنّ الإجازة إما كاشفة و إما ناقلة. و لو سلّمنا قدح عدم القصد إلى النقل إلّا مع الإجازة فإنّما يتمّ بناء على النقل، من جهة أنّه لا يكون المقصود حين إنشاء البيع النقل فعلا.

و أمّا بناء على الكشف- الذي اختاره المحقق الكركي قدّس سرّه- فلا ريب في أنّ القصد إلى النقل مع الإجازة اللاحقة راجع إلى القصد إلى النقل الفعلي حال البيع، لا القصد إلى الملكية المتأخرة عن الإنشاء.

(5) قد ظهر وجه التقييد بالكشف، و أنّه مختار المحقق الكركي قدّس سرّه.

ص: 366

بل قصد النقل بعد الإجازة ربما يحتمل قدحه (1).

فالدليل (2) على اشتراط تعقّب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم، و عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم، و حرمة أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض.

و بالجملة: أكثر أدلّة اشتراط الإجازة في الفضوليّ جارية هنا (3).

______________________________

(1) القدح المحتمل هو لزوم التعليق، لكون النقل حينئذ معلّقا على الإجازة، و التعليق قادح في صحة النقل.

و الحاصل: أنّه مع قصد النقل بعد الإجازة يكون النقل معلّقا على الإجازة، و هو قادح في قصد النقل الفعلي، لمنافاة التعليق لفعلية النقل. و المفروض أنّ النقل الفعلي حاصل بنفس العقد، و الإجازة كاشفة عن هذا النقل من دون أن تكون مؤثّرة في النقل.

(2) سوق العبارة يقتضي أن يقال: «بل الدليل» ليكون إضرابا عن قوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد». و ليس الدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم نتيجة لقوله: «لا لما ذكره في جامع المقاصد» حتى يناسب الإتيان ب «فاء» التفريع.

و كيف كان فقد استدلّ المصنف قدّس سرّه على اعتبار الإجازة في لزوم العقد في الصورة الثالثة- و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا- بوجوه ثلاثة:

الأوّل: عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».

الثاني: عموم «لا يحلّ مال امرء مسلم الّا بطيب نفسه».

الثالث: عموم قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فإن هذه الأدلة الثلاثة تدلّ على اعتبار طيب نفس المالك و رضاه من حيث كونه مالكا.

و ببيان آخر: الطّيب المالكي معتبر في صحة البيع. و فيما نحن فيه لم يكن الطّيب حين العقد طيب المالك بنقل ماله، بل كان طيبا بنقل مال غيره. و من المعلوم أنّ الشرط في نقل مال هو طيب نفس مالكه بنقل ماله، لا طيب نفسه بنقل مال غيره كما هو المفروض في الصورة الثالثة، حيث إنّ البائع باع عن المالك لا عن نفسه، فطيبه ليس طيبا بنقل ماله من حيث كونه مالكا، و لذا يتوقف لزوم العقد على الإجازة الكاشفة عن الطيب المالكي.

(3) أي: في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.

ص: 367

و أمّا ما ذكرناه (1) من «أنّ قصد نقل ملك نفسه إن حصل (2) أغنى عن الإجازة، و إلّا (3) فسد العقد» (4) ففيه (5): أنّه يكفي في تحقّق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم، القصد إلى نقل المال المعيّن. و قصد كونه مال نفسه أو مال غيره

______________________________

(1) غرضه من هذه العبارة بيان وهم و دفعه.

أمّا الوهم فهو التنافي بين ما أفاده من قوله: «لكن الأقوى وفاقا للمحقق و الشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة» و بين ما تقدم في (ص 364) من حصول نقل ملك نفسه بمجرّد قصد نقل مال معيّن هو ملك له واقعا، و إلّا يلزم عدم وقوعه أصلا، حيث قال هناك: «و لأنّ قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرّد القصد إلى نقل المال المعيّن ..

فهو أولى من الإذن في ذلك .. و إلّا توجّه عدم وقوع العقد له».

وجه المنافاة: أنّه مع فرض وقوع البيع للمالك بمجرّد قصد النقل إلى مال معيّن- هو ملكه واقعا- لا حاجة إلى الإجازة، و بدون وقوعه يكون فاسدا، و لا تصحّحه الإجازة، إذ مورد الإجازة هو العقد الذي له صحة تأهلية، دون العقد الباطل الفاقد لها.

هذا حاصل الوهم. و أما الدفع فسيأتي.

(2) يعني: إن حصل بمجرّد نقله إلى مال معيّن مملوك له واقعا- مع عدم علمه بذلك- أغنى عن الإجازة.

(3) أي: و إن لم يحصل نقل مال نفسه بمجرّد نقل مال معيّن ملك له واقعا- مع جهله بذلك- فسد العقد، و لا يصحّ بالإجازة كما مرّ آنفا.

(4) هذه العبارة ليست نصّ كلامه المتقدم في (ص 383) و إنّما هي مضمونه، و قد نقلنا بعض كلامه قبل أسطر.

(5) جواب «و أمّا» و دفع للوهم المزبور، و الغرض منه تمييز العقد القابل للزوم عن غيره. و محصله: أنّ كلّ عقد قصد به نقل المال المعيّن كان قابلا للحوق اللزوم به.

و قصد كون ذلك المعيّن ملك العاقد أو غيره- سواء أ كان صوابا أم خطأ- لا يقدح و لا ينفع، بمعنى: أنّ قصد كون المال لنفسه أو غيره ليس دخيلا في صحة العقد، حتى يكون صوابه موجبا لصحة العقد، و خطؤه مانعا عن صحته.

و على هذا فنقول: إنّا نختار الشرطية الثانية، و هي عدم حصول قصد مال نفسه بمجرّد القصد إلى مال معيّن لا يعلم بكونه مالا له واقعا، و لكن نمنع بطلان التالي، و هو فساد العقد بمعنى عدم الصحة التأهلية له، بل نختار صحته التأهلية، لكفاية مجرّد قصد

ص: 368

- مع خطئه في قصده أو صوابه (1) في الواقع- لا يقدح (2) و لا ينفع. و لذا (3) بنينا على صحّة العقد بقصد نقل مال نفسه مع كونه مالا لغيره.

و أمّا (4) أدلّة اعتبار التراضي و طيب النفس

______________________________

النقل فيها من دون اعتبار قصد النقل إلى مال نفسه في صحته.

(1) معطوف على «خطئه» و الضمائر في «خطئه، قصده، صوابه» راجعة إلى «العاقد» المفهوم من العبارة، فالمصادر مضافة إلى الفاعل، لا إلى المفعول.

(2) خبر «و قصد» و قد مرّ وجه عدم نفع القصد المزبور و عدم قدحه في الصحة التأهلية.

(3) أي: و لأجل كفاية مجرّد قصد النقل إلى مال معيّن في تحقق العقد و صحته التأهلية- و عدم نفع قصد كون المال لنفسه أو لغيره، و عدم قدحه في صحته التأهّلية- بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه مع كونه مالا لغيره. و قد أفاده في مسألة اعتبار القصد و في مواضع من بيع الفضولي، كقوله: «فالقصد إلى العوض و تعيينه يغني عن تعيين المالك» «1». و قوله: «نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدلّ على الغاية بالنسبة إلى المالك، حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له .. إلخ» «2».

(4) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فحاصله: أنّه- بناء على كفاية مجرّد قصد نقل المال المعيّن في تحقق صورة العقد- يكون طيب النفس بنقل ذلك المال المعيّن حاصلا أيضا. و معه لا حاجة إلى التمسك في إثبات لزوم الإجازة بما دلّ على اعتبار طيب النفس في حليّة مال أحد لغيره، هذا.

و أمّا الدفع فحاصله: أنّ ما يعتبر في العقد إمّا مقوّم له و إمّا شرط له. و الأوّل هو قصد مدلول العقد، و لولاه لا يتحقق العقد العرفي. و قصد نقل مال شخصي مقوّم للعقد العرفي و محصّل له، و موجب لصحته التأهلية. و الثاني طيب نفس المالك بما هو مالك بنقل ماله، و هذا شرط صحته الفعلية.

و لا يغني ما يدلّ على ما هو مقوّم للعقد عمّا يدلّ شرعا على اعتبار ما هو شرط

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 121

(2) المصدر، ص 496

ص: 369

فهي (1) دالّة على اعتبار رضا المالك بنقل خصوص ماله بعنوان أنّه ماله (2)، لا بنقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا له في الواقع، فإنّ حكم طيب النفس و الرضا لا يترتّب على ذلك (3). فلو (4) أذن في التصرّف في مال معتقدا أنّه لغيره- و المأذون يعلم أنّه له- لم يجز (5) له التصرّف بذلك (6) الإذن.

و لو (7) فرضنا أنّه أعتق عبدا عن غيره فبان أنّه له، لم ينعتق. و كذا (8)

______________________________

صحّته الفعليّة، لأنّ طيب النفس ليس من مقوّمات العقد العرفي، فلا بدّ من حصول طيب نفس المالك بما هو مالك- لا بما هو ذات المالك- في تحقق الصحّة الفعلية.

(1) جواب «و أمّا» و إشارة إلى دفع الوهم المزبور، و قد اتّضح آنفا بقولنا: «و أما الدفع فحاصله».

(2) يعني: و المفروض أنّ العاقد في الصورة الثالثة- و هي أن يبيع عن المالك- لم ينقل المال بعنوان أنّه ماله، بل بعنوان أنه مال الغير.

(3) أي: على نقل مال معيّن يتّفق كونه ملكا للعاقد واقعا.

(4) هذا و ما بعده من الفروع متفرّع على ما أفاده من ترتب الحكم بالصحة الفعلية على طيب نفس المالك بنقل ماله بعنوان أنّه ماله، لا على طيب نفس من اتّفق كونه مالكا واقعا.

و محصل هذا الفرع هو: أنّه لو أذن شخص لزيد أن يتصرّف في مال يعتقد الآذن أنّه مال الغير و ليس مالا له- و المأذون يعلم أنّ المال ملك الآذن- لم يجز لزيد المأذون أن يتصرّف فيه اعتمادا على ذلك الإذن. و ليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان كونه مالكا.

(5) جواب «فلو أذن» و الواو في قوله: «و المأذون» حالية.

(6) الباء للسببية، أي: لا يصحّ استناد جواز التصرف إلى ذلك الإذن.

(7) هذا ثاني تلك الفروع، و هو: أنّه لو أعتق عبدا عن زيد مثلا، فبان أنّه ملكه- و ليس ملكا لزيد- لم ينعتق العبد، و ليس ذلك إلّا لأجل عدم صدور الإذن من المالك بعنوان أنّه مالك.

(8) هذا ثالث تلك الفروع، و هو: أنّه لو طلّق امرأة وكالة عن زيد مثلا، فبانت

ص: 370

لو طلّق امرأة وكالة عن غيره، فبانت زوجته، لأنّ (1) القصد المقارن إلى طلاق زوجته و عتق مملوكه معتبر فيهما، فلا (2) تنفع الإجازة.

و لو (3) غرّه الغاصب فقال: «هذا عبدي أعتقه عنك» فأعتقه (4) عن نفسه، فبان (5) كونه له، فالأقوى أيضا (6) عدم النفوذ، وفاقا للمحكيّ «1» عن التحرير و حواشي الشهيد و جامع المقاصد، مع حكمه (7)

______________________________

زوجته، لم يقع الطلاق، لعدم شرطه و هو القصد المقارن- من الزوج بوصف كونه زوجا- لطلاق زوجته.

(1) تعليل لعدم وقوع الطلاق و العتاق، و حاصله: فقدان شرط الصحة، و هو القصد المقارن مع طلاق زوجته و عتق مملوكه.

(2) هذه نتيجة شرطية مقارنة القصد للعقد، توضيحه: أنّ الإجازة تنفع في العقد الجامع للشرائط التي منها قصد المالك بما هو مالك، ففقده يوجب بطلان العقد، و عدم تأثير الإجازة في صحّته.

(3) هذا رابع تلك الفروع، و محصّله: أنّ الغاصب لو غرّ شخصا بأن قال له: «هذا عبدي فأعتقه عنك» فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه، فبان كون العبد للمعتق المغرور، فالأقوى عدم الانعتاق و عدم النفوذ.

(4) يعني: فأعتقه الشخص المغرور عن نفسه.

(5) أي: فتبيّن كون العبد للمعتق المغرور، و قوله «فالأقوى» جواب «و لو غرّه».

(6) يعني: كالفروع المتقدمة من عتق عبد تبيّن كونه له، و طلاق امرأة هي زوجته.

(7) أي: مع حكم جامع المقاصد بصحة البيع في هذه الصورة، و هي: أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا، و وقوفه على الإجازة.

و غرضه قدّس سرّه: أن حكمه بالصحة في مثال البيع ربما يوهم منافاته لحكمه ببطلان

______________________________

(1) الحاكي هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 6، ص 232، و كذلك لاحظ تحرير الأحكام، ج 2، ص 139، جامع المقاصد، ج 6، ص 233، و قد حكى المحقق الكركي عدم النفوذ عن التحرير و حواشي الشهيد أيضا، فراجع.

ص: 371

بصحّة البيع هنا (1) و وقوفه على الإجازة، لأنّ (2) العتق لا يقبل الوقوف، فإذا [1] لم يحصل القصد إلى فكّ ماله مقارنا للصيغة وقعت باطلة (3)، بخلاف البيع (4).

فلا تناقض (5) بين حكمه ببطلان العتق و صحّة البيع

______________________________

العتق، لكونهما من باب واحد. و لكن سيأتي في المتن دفع هذا التوهم.

(1) أي: في الصورة الثالثة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة.

(2) تعليل لقوله: «فالأقوى أيضا عدم النفوذ» و حاصل التعليل: أنّ العتق من الإيقاعات التي يبطلها التعليق، فلا تتوقف صحته على الإجازة.

(3) لفقدان ركنه، و هو القصد إلى فكّ ماله بعنوان أنّه مالك العبد. و مع وقوع الصيغة باطلة لا تصحّ بالإجازة.

(4) فإنّ صيغة البيع تقع صحيحة تأهّلا، و تلزم بالإجازة.

(5) يعني: فلا تناقض بين حكم جامع المقاصد ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة. توضيح وجه التناقض: أنّ كلّ واحد من العتق و البيع من الأمور الإنشائية، فلا بدّ من الحكم ببطلانهما أو صحتهما، فالتفكيك بينهما بصحة البيع مع الإجازة و بطلان العتق رأسا تناقض.

و تقريب دفع هذا التناقض هو: وقوع صيغة العتق باطلة، لعدم حصول القصد إلى فكّ ملكه مقارنا للعقد، فلا يمكن تصحيحه بالإجازة. بخلاف البيع، فإنّ صيغته تقع صحيحة مع الإجازة.

فالفرق بين العتق و البيع- مع انكشاف الخلاف في كليهما، لكون العبد ملكا لمن أعتقه، و كون المبيع ملكا للبائع الفضولي- هو: وقوع العتق باطلا، لفقدان ركن صحته و هو القصد المزبور، و وقوع البيع قابلا للصحة الفعلية بالإجازة.

______________________________

[1] تفرّع هذا على قوله: «لأنّ العتق لا يقبل الوقوف» غير ظاهر، لأجنبية التعليق عن عدم القصد إلى فكّ ماله، لإمكان تحقق هذا القصد مع التعليق، كأن يقول مالك العبد: «أعتقته إن قدم مسافري». فلا بدّ أن يكون عدم القصد وجها آخر لبطلان العتق.

فلعل الأولى أن يقال بدل «فإذا»: «و لأنه لم يحصل القصد إلى فك ماله .. إلخ».

ص: 372

مع الإجازة كما يتوهّم (1).

نعم ينبغي إيراد التناقض على من حكم هناك (2) بعدم النفوذ، و حكم في البيع باللزوم و عدم الحاجة إلى الإجازة، فإنّ (3) القصد إلى إنشاء يتعلّق بمعيّن هو مال المنشئ في الواقع من غير علمه به (4) إن كان (5) يكفي في طيب النفس و الرضا المعتبر

______________________________

(1) يعني: كما يتوهّم التناقض من حكم المحقق الثاني قدّس سرّه ببطلان العتق و صحة البيع مع الإجازة. و المتوهم هو السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه، حيث قال بعد نقل كلام المحقق الثاني ما لفظه: «قلت: قد قالوا في ما إذا باع مال أبيه بظنّ الحياة، و أنّه فضولي، فبان ميّتا حينئذ، و أنّ المبيع ملكه: إنّ الوجه الصحة. بل قد يلوح من هبة الكتاب أنّه محلّ إجماع.

و قال في جامع المقاصد في توجيه كلامهم: إنّ قصده إلى أصل البيع كاف. و هنا يقولون:

قصده إلى أصل العتق [غير] كاف. و كلّما أورده هنا جار هناك. بل هنا زيادة ليست هناك، و هي بناء العتق على التغليب .. إلخ» «1».

(2) أي: في باب العتق بعدم النفوذ أي البطلان، و في باب البيع باللزوم و عدم الحاجة إلى الإجازة، و المفروض أنّ العاقد في كلّ من العتق و البيع جاهل حين العقد بكون المال الذي يتعلّق به الإنشاء ملكا له. و قد تقدم في (ص 363) ما نسبه صاحب المقابس إلى جماعة من صحة البيع فعلا، في هذه الصورة، فراجع.

(3) هذا تقريب التناقض، توضيحه: أنّ مجرّد إنشاء المنشئ على مال معيّن مملوك له واقعا- مع جهله بذلك- إن كان كافيا في حصول الطيب المعتبر في جميع الإنشاءات المتعلقة بأموال الناس، وجب الحكم بوقوع العتق. و إن لم يكن كافيا في حصوله، لاعتبار علم المنشئ حين الإنشاء بكون المال ملكا له، و عدم كفاية المصادفة للواقع في تحقق الطيب، وجب الحكم بعدم لزوم البيع، و باحتياج لزومه إلى الإجازة.

و بالجملة: كيف يجمع بين بطلان العتق و لزوم البيع في صورة انكشاف كون المال المتعلق للإنشاء ملكا واقعا للمنشئ؟

(4) أي: بأنّه ماله.

(5) الجملة خبر قوله: «فان القصد».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 232

ص: 373

في جميع إنشاءات الناس المتعلّقة بأموالهم، وجب (1) الحكم بوقوع العتق. و إن (2) اعتبر في طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك العلم (3) بكونه مالا له و لم يكف مجرّد مصادفة الواقع، وجب (4) الحكم بعدم لزوم البيع.

فالحقّ (5) أنّ القصد إلى الإنشاء المتعلّق بمال معيّن مصحّح للعقد، بمعنى قابليته للتأثير، و لا يحتاج إلى العلم (6) بكونه مالا له. لكن لا يكفي ذلك (7) في تحقّق الخروج عن ماله بمجرّد الإنشاء (8).

______________________________

(1) جواب «ان كان»، وجه الوجوب هو قصد الإنشاء من المالك الواقعي الجاهل بكون المال ملكا له، و المفروض كفاية ذلك في تحقق المنشأ في وفاء الاعتبار.

(2) معطوف على «ان كان».

(3) نائب فاعل «اعتبر» يعني: و إن اعتبر العلم بكون المال ملك المنشئ في حصول طيب النفس المتعلّق بإخراج الأموال عن الملك، وجب الحكم بعدم لزوم البيع.

(4) جواب «و إن اعتبر» و جملة «و لم يكف» حالية.

(5) هذا مختار المصنف قدّس سرّه في الصورة الثالثة، و هي: أنّ يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا. و محصّل ما أفاده في ذلك هو الفرق بين البيع و العتق في فرض انكشاف الواقع و مطابقة الظاهر للواقع، بالقول بصحة الأوّل و بطلان الثاني.

بتقريب: أنّه يكفي في الصحة التأهلية- بمعنى القابلية للتأثير- مجرّد الإنشاء المتعلّق بمال معيّن، و لا تتوقف على علم المنشئ بكون ذلك المال ملكا له. و لكن لا يكفي مجرّد ذلك الإنشاء في خروج المال عن ملكه. فإن كان ذلك الإنشاء من العقود القابلة للزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة في اللزوم و خروج المال عن ملكه. و إن لم يكن قابلا للزوم بالرضا اللّاحق وقع الإنشاء باطلا و غير قابل للتأثير، كما في الإيقاعات، فإنّها- كما قيل- لا تقبل الوقوف على الإجازة.

(6) أي: علم المنشئ بكون المال المعيّن مالا له.

(7) أي: لا يكفي قصد الإنشاء- المتعلّق بمال معيّن- في تحقق الخروج عن ملكه، و هذا هو الذي يعبّر عنه بالصحة الفعلية.

(8) يعني: بل يحتاج إلى إجازة، و بدونها لا يتحقق البيع في الخارج، فلا وجه للقول

ص: 374

ثمّ إن كان ذلك الإنشاء ممّا يقبل اللزوم بلحوق الرضا كفت الإجازة كما في العقود، و إلّا (1) وقع الإنشاء باطلا كما في الإيقاعات (2).

ثمّ إنّه (3) ظهر ممّا ذكرنا في (4) وجه الوقوف على الإجازة: أنّ هذا الحقّ (5) للمالك من باب الإجازة (6)،

______________________________

بلزومه بدون الإجازة.

(1) أي: و إن كان ذلك الإنشاء ممّا لا يقبل اللزوم .. إلخ.

(2) التي منها الطلاق و العتاق، فإنّه ادعى الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد: اتفاقهم على بطلان إيقاع الفضولي، فراجع «1».

(3) الغرض من هذا الكلام بيان عدم كون الإجازة هنا من باب الخيار كما سيأتي توضيحه.

(4) من قوله: «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللّزوم هو عموم تسلط الناس .. إلخ» فلاحظ (ص 367).

(5) و هو وقوف صحة العقد على الإجازة، و سلطنة المجيز على الإجازة.

(6) لا من باب الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار، و طرفه الآخر إزالة العقد كما قرّر في تعريف الخيار.

توضيح المقام بنحو ينكشف به الفرق بين الإجازة و الإمضاء في باب الخيارات هو: أنّ توقف تأثير العقد على رضا المالك ببيع ماله بعنوان أنّه ماله- كما تقتضيه ظواهر عمومات أدلة التجارة و السلطنة و الحلّ، أو مناسبة الحكم للموضوع- يقتضي عدم تحقق العقد المؤثر مع انتفاء هذا الرضا. فإذا باع مالا عن مالكه مع اعتقاده بعدم كونه مالا له لم يتحقق العقد.

و عليه فالإجازة الكاشفة عن هذا الرضا جزء السبب المؤثر و متمّمة، فهي توجب حدوث العقد المؤثر، بخلاف الإمضاء الذي هو أحد طرفي الخيار، فإنّه يوجب بقاء العقد المؤثر.

______________________________

(1) تقدم كلامه في أوّل مسألة البيع الفضولي، لاحظ الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 349

ص: 375

لا من باب خيار الفسخ (1)، فعقده (2) متزلزل من حيث الحدوث، لا البقاء كما قوّاه (3) بعض من قارب عصرنا، و تبعه بعض (4) من عاصرناه

______________________________

و الحاصل: أنّ الإجازة توجد العقد المؤثّر، و الإمضاء يبقيه. فالإجازة ليست من باب الخيار، و أجنبية عنه، فبينهما فرق واضح.

و بعبارة أخرى: الفرق بين الإجازة و إمضاء العقد الخياري هو: أنّ الإجازة مصحّحة للعقد الذي لم يكن تامّا حدوثا، لعدم استناده إلى المالك قبل الإجازة، و لم يحرز رضاه بالمعاملة إلّا بها. فيكون العقد متزلزلا حدوثا، و يتوقف تماميته على الإجازة.

بخلاف موارد الخيار، فإنّ العقد تام حدوثا و متزلزل بقاء، يعني بعد حدوث البيع المستند إلى المالك قد يتزلزل لثبوت الخيار فيه، و قد يلزم من أوّل الأمر، لانتفاء سبب الخيار.

(1) لما مرّ آنفا من: أنّ الإمضاء علّة مبقية للعقد، و الإجازة علّة محدثة له.

(2) أي: فعقد البائع عن المالك- مع جهله بكون المال له- متزلزل ..، و الفاء للتفريع، يعني: فنتيجة إناطة صحة البيع برضا المالك بنقل ماله- بعنوان أنه ماله- هي:

كون عقد البيع في هذه الصورة الثالثة متزلزلا حدوثا، لا بقاء كما في باب الخيار، فإنّ العقد فيه متزلزل بقاء.

(3) يعني: كما قوّى تزلزل العقد بقاء- لا حدوثا- بعض من قارب عصرنا، و هو صاحب المقابس، فإنّه قدّس سرّه حكم بعدم لزوم العقد من حين وقوعه لئلّا يؤدّي إلى الضرر المنفي في الشرع، ثم قال: «و هل جواز فسخه للعقد من باب الخيار، أو لتوقّفه على الإجازة؟ وجهان. و الأوّل لا يخلو من قوّة، لأنّه مقتضى قاعدة نفي الضرر. و لأنّه بناء على صحة العقد لو سلّم المال إلى المشتري و سلّطه عليه، ثم انكشف كونه ملكه، جاز للمشتري حينئذ أن يتصرف فيه، و لا يضمن شيئا أصلا .. إلخ» «1».

(4) قيل: إنّه صاحب الجواهر قدّس سرّه لكنّي لم أظفر في كلامه- في بيع الفضولي- بترجيح تزلزل العقد بقاء لأجل الخيار، كما رجّحه صاحب المقابس، و إنّما الموجود في الجواهر- بعد ترجيح الصحة- التوقف على الإجازة أو الخيار، فلاحظ قوله: «و المتّجه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 39

ص: 376

معلّلا (1) بقاعدة نفي الضرر.

إذ (2) فيه: أنّ الخيار فرع الانتقال، و قد تقدّم (3) توقّفه (4) على طيب النفس.

و ما ذكراه (5) من الضرر المترتّب على لزوم البيع ليس لأمر راجع إلى العوض

______________________________

فيه الوقوف على الإجازة كما سمعته من الكركي، أو إثبات الخيار، إلّا أنّي لم أجد من احتمله» «1»، و لعلّه قدّس سرّه لم يقف على كلام معاصره صاحب المقابس.

(1) حال من «بعض من قارب» و حاصله: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه علّل ما قوّاه من تزلزل العقد بقاء لا حدوثا في الصورة الثالثة- و أنّه من باب الخيار- بما محصله: أنّه يمكن أن يكون بيعه مالا يعتقد أنّه للغير- بعنوان صاحبه- بأقل من قيمته الواقعية، فإذا أجاز البيع بذلك الثمن الذي وقع عليه العقد بعد انكشاف كونه مالكا للمبيع لزم تضرره، و الضرر منفي في الشريعة، فيجبر ضرره بالخيار.

(2) تعليل لقوله: «لا البقاء» و ضمير «فيه» راجع الى ما أفاده صاحب المقابس و ملخص إشكال المصنف قدّس سرّهما عليه: أنّ مورد الخيار هو العقد المؤثر في النقل و الانتقال، و من المعلوم أنّ مؤثرية العقد- كما تقدم آنفا- منوطة بطيب نفس المالك بنقل مال بعنوان أنّه ماله، و المفروض أنّه مفقود في هذه الصورة الثالثة، فلم يتحقق الانتقال حتى يثبت فيه الخيار.

(3) يعني: و قد تقدم توقف تأثير العقد في الانتقال على الإجازة في (ص 367) بقوله: «فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم هو عموم تسلّط الناس على أموالهم، و عدم حلّها لغيرهم إلّا بطيب أنفسهم ..».

(4) أي: توقف الانتقال على طيب النفس.

(5) هذا إشكال المصنف قدّس سرّه على ما ذكره صاحبا المقابس و الجواهر قدّس سرّهما من التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات تزلزل العقد بقاء الموجب للخيار.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 300، و لا يخفى أن المصنف يعبّر عن صاحب المقابس تارة ببعض المحققين كما في بيع الصبي، و اخرى ب «من قارب عصرنا» كما في أوّل البيع و في مسألة «من باع ثم ملك» و ثالثة ب «من عاصرناه» كما في مسألة اعتبار القصد، و كذا في ما سيأتي في شرائط العوضين في بيع العين المرهونة.

ص: 377

و المعوّض (1)، و إنّما هو (2) لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه و رضاه، إذ (3) لا فرق في الجهل بانتقال ماله بين (4) أن يجهل أصل الانتقال كما يتّفق في الفضوليّ، أو يعلمه (5) و يجهل تعلّقه بماله. و من المعلوم أنّ هذا الضرر (6) هو المثبت، لتوقّف

______________________________

و تقريبه: أنّ الضرر تارة يترتب على العقد الصحيح الجامع لشرائط التأثير، كالضرر المالي الحاصل في العوضين الناشئ عن الجهل بالقيمة الواقعية التي هي أزيد من العوض المسمى، و حيث إنّ العلم بالقيمة ليس من شرائط صحة العقد حتى يبطل بفقدانه، فيجبر هذا الضرر المالي بالخيار المسمّى بخيار الغبن.

و اخرى يتقدّم على العقد، و هو الضرر الناشئ عن عدم طيب نفس المالك الذي هو شرط الانتقال و صحة العقد كما فيما نحن فيه و هو الصورة الثالثة. و مثل هذا الضرر المخلّ بسلطنة المالك على ماله مانع عن صحّة العقد، و موجب لتزلزله حدوثا.

(1) حتى يكون العقد صحيحا و يجبر الضرر بالخيار. و هذا إشارة إلى القسم الأوّل من الضرر، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «ان الضرر تارة يترتب ..».

(2) أي: الضرر الحاصل- في الصورة الثالثة- هو القسم الثاني الذي اتضح بقولنا:

«و اخرى يتقدّم على العقد، و هو الضرر الناشئ عن .. إلخ».

(3) تعليل لكون الضرر المتصور في هذه الصورة الثالثة هو الضرر الحاصل من انتقال المال عن مالكه من دون علمه و رضاه. و لا فرق في الضرر الحاصل لأجل الانتقال بين كونه ناشئا من الجهل بأصل الانتقال كما يتفق غالبا في الفضولي، فإنّ المالك جاهل غالبا بأصل الانتقال فيه، و بين كونه ناشئا من الجهل بتعلق الانتقال بماله مع علمه بأصل الانتقال كما فيما نحن فيه، و من المعلوم أنّ هذا الضرر أوجب إناطة صحة عقد الفضولي بالإجازة.

(4) الجملة خبر قوله: «لا فرق».

(5) يعني: أو يعلم أصل الانتقال و يجهل تعلّقه بماله كما في هذه الصورة الثالثة.

(6) و هو الضرر المترتب على انتقال المال عن مالكه بدون علمه و رضاه، و قد مرّ أنّ المراد بهذا الضرر هو النقص في سلطنته المالك على ماله، لا الضرر المالي الراجع إلى العوضين.

ص: 378

عقد الفضوليّ على الإجازة، إذ لا يلزم من لزومه (1) بدونها سوى هذا الضرر (2).

ثمّ إنّ الحكم بالصحّة في هذه الصورة (3) غير متوقّفة (4) على القول بصحّة عقد الفضولي، بل يجي ء على القول بالبطلان (5). إلّا (6) أن يستند في البطلان

______________________________

(1) أي: لزوم عقد الفضولي. و هذا تعليل لتوقف عقد الفضولي على الإجازة، و حاصله: أنّه يلزم من لزوم عقد الفضولي بدون إجازة المالك نقص في سلطان المالك على ماله، و هذا النقص لا يجبر بالمال، كما تقدم أنّ النقص المالي يجبر بالخيار الذي يتعلّق بالعقد الصحيح و يجعله متزلزلا بقاء. و إنّما يجبر النقص السلطاني بطيب النفس الذي هو شرط الانتقال، فبدون الرضا و الطيب يكون العقد متزلزلا حدوثا، فالخيار متأخر عن طيب النفس بمرتبتين: إحداهما: تأخره عن نفس العقد، و ثانيتهما: تأخر العقد عن طيب النفس المتقدم على العقد.

فالنتيجة: أنّ علّة توقف صحة عقد الفضولي على الإجازة هي لزوم الضرر، أي النقص في سلطنة المالك على ماله، فالطيب شرط لصحة العقد و انتقال المال بالعقد.

(2) و هو النقص السلطاني المترتب على انتقال المال عن مالكه من دون علمه و طيب نفسه.

(3) و هي الصورة الثالثة، و هي أن يبيع عن المالك، ثم تبيّن كونه مالكا. غرضه: أنّ هذه الصورة ليست من أفراد عقد الفضولي حتى تتوقف صحتها على صحة عقد الفضولي، إذ المفروض صدور العقد عن المالك لا عن غيره، غاية الأمر أنّه كان جاهلا بكونه مالكا للمبيع.

(4) كذا في كثير من النسخ. و المناسب «غير متوقف» كما في نسخة مصححة غير ما بأيدينا.

(5) أي: ببطلان عقد الفضولي في جميع الموارد.

(6) هذا استدراك على صحة العقد في الصورة الثالثة، و الذهاب إلى بطلانه، و محصل الاستدراك الذي هو وجه البطلان: أنّه- بناء على كون مستند بطلان عقد الفضولي مطلقا قبح التصرف في مال الغير- يتجه بطلان العقد في الصورة الثالثة، لأنّ البائع باعتقاده تصرّف في مال الغير بدون إذنه، و هو قبيح، إذ القبح مترتب على اعتقاد كون المبيع ملك الغير. فإن كان مصادفا للواقع كان عصيانا، و إلّا- كالمقام- كان تجرّيا، إذ المفروض كونه مالكا واقعا. و لا فرق في القبح بين العصيان و التجرّي.

ص: 379

بما تقدّم (1) من قبح التصرّف في مال الغير، فيتّجه عنده (2) حينئذ البطلان [ثم يغرم المثمن إن كان جاهلا] (3).

[الصورة الرابعة لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف انّه له]

الرابعة (4): أن يبيع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف أنّه له.

______________________________

ثم إنّ ما أفاده من قوله: «ثم إن الحكم بالصحة» إلى هنا لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس، حيث إنّه قدّس سرّه منع أيضا من ابتناء الصحة و البطلان في هذه المسألة على صحة البيع الفضولي و فساده كلّيّة، حيث قال: «و اعلم أنّ هذه المسألة كبعض المسائل السابقة جارية على القول ببطلان الفضولي أيضا» «1».

و ظاهره الإطلاق، سواء أ كان الدليل على بطلان الفضولي هو العقل أم النقل.

و وجه إيراد المصنف عليه حينئذ هو: أنّ عدم الابتناء المزبور متّجه لو كان الدليل على البطلان ما عدا الوجه العقلي، و هو قبح التصرف في مال الغير. و أمّا لو كان الوجه فيه ذلك اتّجه بطلان البيع في مسألتنا، و هي: أن يبيع عن المالك فتبيّن كونه مالكا، كما عرفت توضيحه آنفا. فإطلاق كلام المقابس ممنوع.

(1) من قوله في عدا أدلة المبطلين: «الرابع ما دل من العقل و النقل على عدم جواز التصرف» «2».

(2) أي: عند المستدل على البطلان حين الاستناد في بطلان عقد الفضولي إلى قبح التصرف في مال الغير.

(3) هذه الجملة قد شطب عليها في النسخة المعتمدة. و سيأتي تفصيل حكم الغرامات في أحكام الرد إن شاء اللّه تعالى في ص (472) و ما بعدها.

4- لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغيره، فانكشف انّه له

(4) أي: الصورة الرابعة من الصور الأربع المفروضة في المسألة الثالثة من مسائل الأمر الثالث من الأمور المتعلقة بمباحث المجيز، و هذه الصورة هي: أن يبيع شخص لنفسه باعتقاد أنّ المبيع مال غيره، فانكشف أنّه ماله.

و الحكم حينئذ صحة العقد حتى على القول ببطلان الفضولي في جميع الموارد، و ذلك لخروجه موضوعا عن الفضولي، لصدور العقد من المالك لنفسه، لا صدوره من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 39

(2) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 512

ص: 380

و الأقوى هنا (1) أيضا (2) الصحّة- و لو على القول ببطلان الفضولي (3)- و الوقوف (4) على الإجازة، بمثل (5) ما مرّ في الثالثة (6). و في عدم الوقوف هنا (7) وجه [1]

______________________________

غيره، فليس العاقد أجنبيا عن المالك حتى يصير العقد عقد غير المالك، و يندرج في عقد الفضولي.

و هذه الصورة تنطبق على القسم الخامس من الأقسام التسعة التي ذكرها صاحب المقابس. قال قدّس سرّه: «الخامس: أن يبيع أو يشتري لنفسه، ثم ينكشف كونه مالكا للمال، و أنّ العقد صادف ملكه. و الأقرب صحة البيع و عدم توقفه على الإجازة، و وجهه ما مضى في الرابع» «1». و المصنف قدّس سرّه وافقه في الصحة، و خالفه في الاستغناء عن الإجازة، و إن جعله المصنف وجها كما سيأتي.

(1) أي: في الصورة الرابعة، و هي بيع المالك لنفسه مع اعتقاد أنّ المبيع لغيره.

(2) أي: كالصورة الثالثة، و هي: بيع العاقد عن المالك، و انكشاف كونه هو المالك للمبيع.

(3) لما مرّ آنفا من خروجه موضوعا عن الفضولي.

(4) معطوف على «الصحة» يعني: و الأقوى صحة العقد و وقوفه على الإجازة.

(5) متعلق ب «الوقوف» و غرضه بيان مماثلة الصورتين في كلّ من الصحة و الوقوف.

(6) أي: في الصورة الثالثة، و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف أنّه هو المالك.

(7) أي: في الصورة الرابعة وجه لا يجري في الصورة الثالثة. و محصّل ذلك الوجه هو: مطابقة ما قصد لما انكشف في هذه الصورة الرابعة، إذ المفروض أنّه قصد البيع لنفسه، و انكشف كون المال له. بخلاف الصورة الثالثة، فإنّ المقصود- و هو البيع عن المالك- و المنكشف و هو كون العاقد نفس المالك ليسا مطابقين، بل هما متغايران، فتحتاج الصورة الثالثة إلى الإجازة، دون الرابعة.

______________________________

[1] لكنّه غير وجيه، لأنّ طيب النفس حاصل بماله الادّعائي، لا بماله الواقعي.

و لو علم بأنّه من أمواله الواقعية، دون أمواله المغصوبة، فلعلّه لم يكن راضيا ببيعه. فلا فرق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 38

ص: 381

لا يجري في الثالثة، و لذا (1) قوّى اللزوم هنا (2) بعض من قال بالخيار في الثالثة (3).

______________________________

(1) يعني: و لأجل هذا الوجه- و هو اتحاد المقصود و المنكشف في الصورة الرابعة دون الصورة الثالثة- قوّى بعض الأعلام لزوم العقد في الصورة الرابعة، و عدم حاجته إلى الإجازة. بخلاف الصورة الثالثة، فإنه اختار فيها وقوفها على الإجازة.

(2) أي: في الصورة الرابعة، و المراد بالبعض كما عرفت صاحب المقابس قدّس سرّه.

(3) و هي: أن يبيع عن المالك، ثم ينكشف كونه مالكا.

______________________________

في عدم تأثير العقد بنفسه بين الرضا ببيع المال بعنوان أنّه لغيره، و بين بيعه بعنوان أنّه منه ادّعاء، مع كونه ماله واقعا.

فما في حاشية السيد قدّس سرّه «و لا يضرّ الاعتقاد المفروض بعد هذا البناء» «1» غير ظاهر، لأنّ الرّضا ببيع مال الغير مع البناء على كونه ماله ادّعاء و عدوانا ليس رضا حقيقة ببيع ماله الواقعي، مع ظهور أدلة اعتبار «طيب نفس المالك في حلّ ماله لغيره» في كون الطيب و الرضا بماله بوصف كونه ماله، لا رضاه بذات المال. و هو ما يقتضيه العقل أيضا بقبح التصرف في مال الغير من غير رضاه.

و مع الغضّ عن ظهور الأدلة فالأصل- أعني به الاستصحاب- يقتضي أيضا عدم جواز التصرف إلّا برضا مالك المال بالتصرف في ماله الواقعي بما أنّه ماله، لا مجرّد جنس الرضا القائم بذات ماله بدون إحراز ملكية المال له واقعا، فإنّه غير مشمول لمثل قوله عليه السّلام:

«لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» فإنّ ظاهره إناطة حلية التصرف في مال الغير بطيب نفسه بالتصرف في ماله بما أنّه ماله واقعا، لا بما اعتقد أنّه مال الغير كما هو مفروض بحثنا، لكن بنى اقتراحا على أنّه ماله و إن انكشف كونه ماله واقعا.

بل يمكن أن يقال بفساد البيع هنا، لعدم قصد المعاوضة، إذ المفروض- مع اعتقاد العاقد كون المال لغيره- أنّه أخذ العوض عن المشتري مجّانا، حيث إنّه بحسب اعتقاده يعطي المثمن الذي ليس مالكا له حتى يكون ما يبذل له المشتري ثمنا و عوضا عنه، بل يأخذ الثمن من المشتري مجّانا، و هذا ينافي المعاوضة المقوّمة للبيع، فتأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 170

ص: 382

[الكلام في المجاز]
اشارة

و أمّا (1) القول في المجاز (2) فاستقصاؤه (3) يكون ببيان أمور:

[الأوّل اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط]
اشارة

الأوّل (4): يشترط [1] فيه كونه (5) جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره

________________________________________

الكلام في المجاز

(1) معطوف على قوله في (ص 5): «أمّا حكمها ..».

(2) صفة للعقد الذي يتوقف نفوذه على إجازة من له ولاية الإجازة.

(3) أي: فاستقصاء القول يكون .. إلخ.

اعتبار كون العقد المجاز جامعا للشروط

(4) هذا أوّل الأمور التي توجب قابليّة العقد للإجازة، و محصل هذا الأمر هو: أنّه لا بدّ في تأثير العقد المجاز من اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في تأثير العقد و نفوذه فيه- مع الغضّ عن الإجازة- من شروط المتعاقدين من البلوغ و العقل و قصد المدلول قصدا جدّيّا، و شروط العوضين من المملوكية و المعلومية، و شروط نفس العقد من العربية و الماضوية و غيرهما. فالمفقود من شرائط العقد في البيع الفضولي هو رضا المالك فقط، بحيث لو أحرز رضاه لأثّر العقد.

(5) هذا الضمير و ضميرا «فيه، تأثيره» راجعة إلى المجاز المراد به العقد.

______________________________

[1] لا ينبغي الإشكال في أصل الاشتراط، فإنّ جهة البحث في عقد الفضول- و هي كون الرضا اللّاحق كالرضا المقارن و عدمه- تنادي بأعلى صوتها بأنّ مورد هذا البحث هو العقد الجامع للشرائط الفاقد لمقارنة رضا المالك فقط، فعقد الفضول المجاز لا بدّ أن يكون جامعا للشرائط، و إلّا فلا تصلحه الإجازة.

و يشهد لذلك أنّ المالك لو باع ماله مع الرضا بعقد فاقد لبعض شرائطه لم يكن صحيحا، و لم يترتب عليه النقل و الانتقال. و ليس عقد الفضولي أقوى من عقد نفس المالك.

ص: 383

عدا رضا المالك، فلا (1) يكفي اتّصاف المتعاقدين بصحّة الإنشاء، و لا (2) إحراز سائر

______________________________

(1) هذا متفرّع على اعتبار اجتماع كافة الشرائط في العقد المجاز، إذ لازمه عدم كفاية بعض الشرائط فيه- كاتصاف المتعاقدين بصحة الإنشاء- مع فرض انتفاء سائر الشرائط.

(2) معطوف على «فلا» يعني: و لا يكفي إحراز الشرائط بالنسبة إلى الأصيل فقط.

______________________________

نعم يقع الإشكال في أنّ العبرة في اجتماع الشرائط هل هي بحال العقد أو الإجازة أو كليهما؟ و المرجع في ذلك أدلة الشرائط المعتبرة في العقد. و الظاهر من الأدلة أنّ الشروط المعتبرة في المعاملة البيعية على أنحاء:

فمنها: ما يعتبر في نفس الإنشاء كالعربية و الماضوية و المطابقة و الموالاة و التنجيز و نحوها، فإنّ هذه الشرائط معتبرة حال العقد، فلا بدّ أن يكون عقد الفضول جامعا لشرائط إنشاء العقد، و مع فقدها لا تجدي الإجازة، و لا أثر لها.

و منها: ما يعتبر في المالك، فإنّه لا بدّ من حصوله فيه حين ترتب الأثر كالملكية على العقد، نظير إسلام مشتري العبد المسلم و المصحف الشريف، فإنّ دليل عدم تملك الكافر للمصحف و المسلم- على ما قيل- لا يقتضي إلّا وجود الإسلام حين الملك لا حين العقد، فلو باع الفضولي العبد المسلم- و المصحف- من كافر يوم الجمعة، و أسلم المشتري الكافر يوم السبت، و أجاز مالكهما ذلك البيع الفضولي يوم الأحد، صحّ البيع، و انتقلا إلى المشتري الذي أسلم يوم السبت، لثبوت الشرط فيه، و هو الإسلام حين ترتب الأثر أعني به النقل و الانتقال.

و منها: ما يعتبر في مالك العقد، سواء أ كان مالكا للعين أم مالكا للتصرف، و ذلك الشرط كالقدرة على التسليم، فإنها شرط في من له العقد، سواء أ كان هو المباشر للعقد أم غيره، إذ دليل هذا الشرط- و هو دليل نفي الغرر- يقتضي اعتبار هذا الشرط في خصوص من له العقد، دون غيره و إن كان مجريا للصيغة، إذ مجرّد إجراء الصيغة لا يوجب ارتباطه بالمعاملة حتى يعتبر أن يكون إقدامه غير غرري و لا خطري.

و أمّا من له العقد، فإن باشر العقد لزم أن يكون قادرا على التسليم حين العقد، لأنه ظرف استحقاق التسليم. و إن أجاز العقد اعتبر أن يكون قادرا على التسليم حين الإجازة حتى لا يكون إجازته الموجبة لكون العقد له غررية.

ص: 384

الشروط بالنسبة إلى الأصيل فقط على الكشف، للزومه (1) عليه (2) حينئذ (3)، بل مطلقا (4)، لتوقّف (5) تأثيره الثابت- و لو على القول بالنقل- عليها (6)، و ذلك (7) لأنّ

______________________________

(1) علّة للمنفي و هو الكفاية، بتقريب: أنّ لزوم العقد على الأصيل من حين العقد- كما هو مقتضى الكشف- يكشف عن كفاية اجتماع الشرائط فيه، إذ مع انتفائها لا وجه للزوم العقد عليه.

(2) أي: لزوم العقد على الأصيل.

(3) أي: حين البناء على الكشف، إذ بناء على النقل لا لزوم للعقد على الأصيل من حين العقد حتى يعتبر فيه اجتماع الشروط حين العقد.

(4) إضراب على قوله: «على الكشف» يعني: لا يختص اعتبار الشروط في الأصيل بكاشفية الإجازة، بل لا بدّ من اعتبار اجتماع الشروط فيه حتى على القول بناقلية الإجازة، و ذلك لأنّ تأثير العقد مطلقا- و إن كانت الإجازة ناقلة- موقوف على اجتماع شرائط العقد حين صدوره، لأنّ العقد الصحيح يؤثّر، إذ ليست الإجازة إلّا رضا بالعقد و إمضاء له. و إنّما المقتضي للتأثير هو نفس العقد، و لا يؤثر إلّا إذا كان جامعا للشروط، و لذا لو باع المالك مع طيب نفسه بالبيع و كان العقد فاقدا لبعض الشروط كالعربيّة و الماضويّة- بناء على اعتبارهما فيه- كان فاسدا غير مؤثر في النقل و الانتقال.

(5) تعليل لاعتبار اجتماع الشرائط في الأصيل مطلقا حتى على القول بالنقل. فقوله:

«لتوقف» من كلام من زعم كفاية اجتماع شرائط العقد في الأصيل مطلقا سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(6) أي: على الشروط، و ضمير «تأثيره» راجع إلى العقد.

(7) تعليل للنفي أعني به عدم كفاية وجود الشروط في الأصيل فقط، كشفا و نقلا، و إناطة تأثير العقد باجتماع جميع الشروط المعتبرة في العقد- حين صدوره- في الفضول أيضا، لأنّ العقد إمّا تمام السبب، و الإجازة كاشفة عن تماميته، كما أفاده المحقق الثاني قدّس سرّه و قد تقدم كلامه في (ص 15). و إمّا جزء السبب، و العقد قائم بالأصيل و الفضول معا، فلا بدّ من تحقق الشروط في كليهما.

ص: 385

العقد إمّا تمام السبب أو جزؤه. و على أيّ حال (1) فيعتبر اجتماع الشروط عنده (2).

و لهذا (3) لا يجوز الإيجاب في حال جهل القابل بالعوضين. بل لو قلنا بجواز ذلك (4) لم يلزم منه الجواز هنا (5)، لأنّ (6) الإجازة على القول بالنقل أشبه بالشرط.

______________________________

(1) يعني: سواء أ كان العقد تمام السبب في النقل و الانتقال أم جزءه، يعتبر اجتماع الشروط عند إنشاء العقد، فإنّ مقتضى شرطيتها ذلك، إلّا إذا دلّ دليل الشرطية على عدم اعتبار مقارنة الشرط للعقد، كما أشرنا إليه في التعليقة السابقة.

(2) أي: عند العقد.

(3) أي: و لأجل اعتبار كون العقد جامعا للشروط عند صدوره ذهب الفقهاء إلى عدم جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين، حيث إنّ علمه بهما شرط للعقد عند صدوره، فمع الجهل بهما لا يصحّ الإيجاب و إن علم بهما حال القبول.

(4) أي: جواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين، و علمه بهما حال القبول.

و الغرض من هذا الإضراب أنّه على القول بجواز الإيجاب مع جهل القابل بالعوضين و الإكتفاء بعلمه بهما عند القبول- في غير عقد الفضول- لا يلزم منه جواز خلوّ عقد الفضول الذي هو محلّ البحث عن بعض الشرائط حال وقوع العقد مع حصوله في حال الإجازة.

(5) أي: في العقد الفضولي.

(6) تعليل لعدم الملازمة بين الالتزام بجواز الإيجاب في ظرف جهل القابل بالعوضين، و بين الالتزام بجواز خلوّ العقد عن بعض الشرائط حين إنشائه مع كون الشرط المفقود حاصلا حال الإجازة في عقد الفضولي.

و حاصل الفرق: أنّ كلّا من الإيجاب و القبول جزء للعقد، و العلم بالعوضين حال القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع. بخلاف عقد الفضولي، فإنّ الإجازة فيه ليست جزءا من البيع حتى يكون حصول شرطها قبل تحقق نفس الإجازة من حصول الشرط قبل تمامية البيع، إذ ليس البيع إلّا نفس الإيجاب و القبول. و أمّا الإجازة- على تقدير جزئيّتها- فهي جزء للمركّب من العقد و الإجازة، لا لنفس العقد.

ص: 386

و لو سلّم كونها (1) جزءا فهو جزء للمؤثّر (2) لا للعقد، فيكون جميع ما دلّ من النصّ و الإجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في اعتبارها في إنشاء النقل و الانتقال بالعقد (3).

نعم (4) لو دلّ دليل على اعتبار شرط في ترتّب الأثر الشرعيّ على العقد، من غير ظهور في اعتباره (5) في أصل الإنشاء، أمكن (6) القول بكفاية وجوده

______________________________

(1) أي: كون الإجازة، غرضه أنّه- بعد تسليم كون الإجازة جزءا- نقول: إنّ جزئيتها ليست على حدّ جزئية الإيجاب و القبول للعقد الإنشائي، بل هي جزء للسبب المؤثّر المركّب من العقد و الإجازة، فلا يكفى العلم بالشرائط قبل تمامية أجزاء العقد إلّا في القبول، لأنّه جزء العقد. بخلاف الإجازة، فإنّها جزء للسبب و هو العقد المنتسب إلى المالك، و ليست جزءا لنفس العقد حتى يجدي العلم بحصول شرائطها قبل تحقق نفس الإجازة.

(2) و هو المركّب من العقد و الإجازة، فلا يصدق على حصول شرط الإجازة قبل تحقق نفسها- و بعد إنشاء الإيجاب و القبول- أنّه حصل قبل تمامية إنشاء البيع، و المفروض أنّ الشرائط شرائط العقد لا المؤثر، و هو العقد و الإجازة.

(3) و هو السبب، و حقيقة البيع عند المصنف قدّس سرّه هي: إنشاء النقل و الانتقال الشرعي الذي هو معنى اسم المصدر المترتّب على النقل الإنشائي، و يسمى بأثر البيع، و المسبب عن العقد الإنشائي.

(4) استدراك على اعتبار الشروط في إنشاء النقل الذي هو حقيقة البيع عند المصنف، و حاصله: أنّه لو دلّ دليل شرط على اعتباره في المسبب و هو الأثر الشرعي، و لم يدلّ على اعتباره في النقل الإنشائي الذي هو سبب الانتقال الشرعي، أمكن أن يقال بكفاية وجود ذلك الشرط حين الإجازة الذي هو زمان المسبب أعني به الانتقال، و عدم لزوم اقترانه بالعقد.

(5) أي: في اعتبار ذلك الشرط في أصل النقل الإنشائي الذي هو السبب.

(6) جواب الشرط في قوله: «لو دلّ».

ص: 387

حين (1) الإجازة.

و لعلّ من هذا القبيل (2) القدرة على التسليم، و إسلام (3) [1] مشتري

______________________________

(1) الذي هو زمان ترتّب الأثر الشرعي أعني به الانتقال، و عدم لزوم وجوده حين العقد. وجه الإمكان هو الإطلاق المقامي إن كان، و إلّا فأصالة عدم الشرطية تقتضي عدم شرطيته للإنشاء.

(2) أي: من قبيل كفاية وجود الشرط عند الإجازة- و عدم دلالة دليل الشرط على اعتباره في إنشاء النقل الذي هو البيع حقيقة عند المصنف كما أشرنا إليه آنفا- شرطيّة القدرة على التسليم، كما إذا كان المبيع عبدا آبقا، فإنّه يقال: إنّ القدرة على تسليمه ليست شرطا لإنشاء البيع، بل هي شرط حال الإجازة، لأنّ وجوب التسليم يكون بعد الانتقال الذي هو حال الإجازة. ففي هذه الحالة يعتبر أن يكون قادرا على التسليم. كما أنّه إذا كان مباشر العقد نفس المالك اعتبر فيه القدرة على التسليم حين إنشاء النقل، لأنّه ظرف الانتقال.

(3) معطوف على «القدرة» بتقريب: أن يكون إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم شرطا لترتب الأثر و هو الانتقال، و ليس شرطا لإنشاء النقل حتى يلزم وجود إسلام المشتري حين الإنشاء، فيكفي وجوده حين الإجازة.

______________________________

[1] جعل إسلام مشتري المصحف و المسلم من قبيل الشرط المعتبر حين الإجازة- دون إنشاء النقل- مبني على دلالة آية «نفي السبيل للكافر على المؤمن» على نفي السلطنة و زمام أمور المؤمن بيد الكافر، و عدم كون مجرد إضافة الملكية مع فرض محجورية الكافر عن كل تصرف في ملكه سبيلا له على المؤمن حتى يكون منفيا بالآية. فحينئذ تكون القدرة على التسليم شرطا في ترتب الأثر الشرعي، فيكفي وجودها حين الإجازة.

لكن الأمر ليس كذلك، ضرورة أنّ نفس إضافة الملكية سبيل أيضا، لأنّها سيادة و علوّ و مولوية للكافر على المؤمن، فتكون شرطية إسلام مشتري المصحف و العبد المسلم كسائر الشروط المعتبرة في إنشاء النقل، فلا يكفي إسلامه حال الإجازة. و لذا لو باع المالك المصحف و العبد المسلم مباشرة من الكافر كان البيع فاسدا، و لا يقع موقوفا على إسلام المشتري. و هذا يدلّ على كون الإسلام شرطا مقارنا للإنشاء.

ص: 388

المصحف و العبد (1) المسلم.

ثمّ (2) هل يشترط بقاء الشرائط- المعتبرة حين العقد- إلى زمان (3) الإجازة، أم لا؟ لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما (4) حتّى على القول بالنقل [1].

______________________________

(1) معطوف على «المصحف».

(2) غرضه التعرض لحكم بقاء الشرائط بعد الفراغ عن حكم حدوثها، و أنّ بقاءها الى زمان تحقق الإجازة معتبر أو لا؟ و قد فصّل بين الشروط، و قال: إنّ الشرائط على قسمين: فإن كانت معتبرة في تحقق المعاهدة كالبلوغ و العقل و قصد المدلول، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتبار بقاءها إلى زمان الإجازة. و ذلك لتحقق المعاقدة و عدم زوالها بارتفاع شرط من شرائطها.

و إن لم تكن معتبرة في صدق المعاهدة، بل كانت دخيلة في الملكية كالحياة و الاستقلال في التصرف- في قبال المحجور- اعتبر بقاؤها إلى زمان الإجازة.

(3) متعلق ب «بقاء».

(4) أي: شروط المتعاقدين- و هي العقل و قصد المدلول جدّيّا- لا يعتبر بقاؤها حتى على القول بكون الإجازة ناقلة، ضرورة بقاء العقد في وعاء الاعتبار، و عدم زواله بانتفاء شروط الإنشاء.

______________________________

و ببيان أوضح: يكون قوله تعالى لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ظاهرا في نفي جعل السبيل تشريعا للكافر على المؤمن. و لا ريب في كون إضافة الملكية جعلا شرعيا و سبيلا اعتباريا لكلّ مالك على مملوكه. و لا وجه لجعل السلطنة في الآية سلطنة خارجية و مالكية لأزمّة الأمور الدنيوية حتى يصح الالتزام بمالكية الكافر للمؤمن تشريعا، و لا يصح تكوينا فقط.

[1] لا يبعد ابتناء اعتبار الشرائط- غير شرائط العاقد و الإنشاء- في عقد الفضول على كون العاقد الفضول كالوكيل في إجراء الصيغة فقط، أو كالوكيل المفوّض كما قيل؟

لكن الظاهر أنّه كالوكيل في إجراء الصيغة، كما قد يشهد له صحة بيع الفضول صبرة من حنطة مثلا جاهلا بمقدارها مع علم المالك و المشتري بكيلها و وزنها، فإنّ إجازة المالك

ص: 389

______________________________

حينئذ ملزمة لهذا العقد، و القول ببطلانه و عدم نفوذ إجازة المالك فيه شطط من الكلام. فلو كان الفضول كالوكيل المفوّض لم يكن محيص عن بطلان العقد، لأنّ الإجازة لا تؤثّر إلّا في العقد الجامع للشرائط إلّا رضا المالك.

و بالجملة: فالظاهر عدم اعتبار شروط العوضين في العاقد الفضول، فالقدرة على التسليم كمعلومية العوضين من الشروط المعتبرة في من له العقد، سواء أ كان مالكا للعين أم مالكا لزمام أمر البيع كالولي، و ليست معتبرة في العاقد الفضولي.

نعم لو كان العوض ممّا لا يجوز لمالكه بيعه، كما إذا كان أمّ ولد، لم يجز بيعه للفضولي أيضا، فلا بدّ من عدم وقوع بيع الفضول على ما لا يجوز بيعه للمالك.

فتلخّص: أن شرائط الإنشاء و المنشئ معتبرة في الفضول، لتقوم العقد عرفا و شرعا بها. و أمّا شروط العوضين فالمتيقن من أدلتها اعتبارها في المالك للعين، أو مالك زمام البيع كوليّ القاصر، و الوكيل المفوّض، لأنّ موضوع تلك الشروط في الأدلة خصوص المتبايعين، و صدق البائع على الفضول غير معلوم، فموضوعيته لتلك الأدلة مشكوك فيها، و التمسك بها لإثبات شروط العوضين له تشبث بالعام في الشبهة المصداقية، و هو غير وجيه. و مع الشك في شمول أدلة العوضين للفضول فأصالة عدم الشرطية محكّمة، فتلك الشرائط معتبرة في المالك.

و يمكن أن يكون الضابط في شرائط الإنشاء منع الخالق تعالى عن المعاملة، كبيع أمّ الولد و نحوه، بحيث لا يصحّ بيعه من الأصيل أيضا، لكون المعاملة عصيانا له سبحانه و تعالى. فإن كان المانع كذلك لم يمكن الإنشاء لا من الأصيل و لا من الفضول.

و يستفاد هذا الضابط ممّا ورد في نكاح العبد بدون إذن سيّده من التعليل لصحة النكاح «بأنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» و معصية السيد تجبر برضاه.

و لعلّ من هذا القبيل بيع المصحف و العبد المسلم من الكافر، و لذا لا يجوز للأصيل أيضا بيعهما. فإذا باعهما الفضولي لم يصحّ بيعه، و ليس للمالك إجازته، لأنّ العقد في نفسه باطل، كنكاح المحارم، و التزويج بأخت الزوجة قبل تطليقها. و ليس قابلا للإجازة حتى بناء على ناقلية الإجازة كما لا يخفى. فلو أسلم المشتري الكافر فلا بدّ من تجديد العقد، و لا تكفي الإجازة.

ص: 390

نعم (1) على القول بكونها بيعا مستأنفا يقوى الاشتراط (2).

[هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟]

و أمّا شروط العوضين (3)

______________________________

(1) استدراك على قوله: «لا ينبغي الإشكال في عدم اشتراط» و محصله: أنّه- بناء على كون الإجازة بيعا مستأنفا كما اختاره المحقق القمي و غيره «1» لا مجرّد إمضاء و رضا بما وقع من عقد الفضول- يقوى اشتراط بقاء شرائط المتعاقدين إلى زمان الإجازة، لأنّ زمان الإجازة بناء على كونها بيعا مستأنفا زمان إنشاء المعاهدة، و لا بدّ من تحقق شرائط المعاهدة- و هي شروط المتعاقدين- حين الإجازة، فلا بدّ من وجود الشرائط في الأصيل و الفضوليّ حين الإجازة التي هي معاملة جديدة.

(2) أي: اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطهما التي هي من شرائط إنشاء المعاقدة إلى زمان الإجازة. هذا بالنسبة إلى شرائط الإنشاء التي منها شروط المتعاقدين.

هل يعتبر بقاء شروط العوضين إلى زمان الإجازة؟

(3) كقابليتهما للتملّك شرعا، و معلوميتهما، و مقدوريتهما للتسليم، و كونهما ملكا طلقا للمتعاقدين.

______________________________

و أمّا القدرة على التسليم فليست كبيع المصحف، لأنّ القدرة على التسليم اعتبرت للغرر.

و أمّا بيع العبد الآبق و الدابة الشاردة و السمك في الماء و الطير في الهواء فهو في نفسه جائز، فإن قدر المشتري على التسلم صحّ البيع، لاندفاع الغرر به، و إن لم يقدر كلاهما على التسليم، فللمشتري خيار فسخ البيع.

تكملة: إذا شك في كون شي ء شرطا للإنشاء أو للملكية، و لم يكن موجودا حين الإنشاء- كمعلومية العوضين- فهل تنفذ الإجازة حينئذ، أم لا؟ الظاهر العدم، لأنّ الشك في الانتقال، و أصالة الفساد تقتضي عدمه، لرجوع الشك في تحقق موضوع الإجازة و هو العقد، و مع عدم إحرازه لا تنفذ الإجازة.

______________________________

(1) تقدم كلامه في ج 4، ص 562- 565، فراجع.

ص: 391

فالظاهر اعتبارها [1] بناء على النقل (1) [2]. و أمّا بناء على الكشف فوجهان (2)، و اعتبارها عليه أيضا غير بعيد (3).

[الثاني: هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟]

الثاني (4):

______________________________

(1) لأنّه بناء على النقل يكون زمان تأثير السبب- و هو إنشاء النقل- زمان الإجازة، فلا بدّ من تحقق الشرائط حين تأثيره، و إلّا لم تكن شرطا لتأثيره. هذا بناء على النقل.

(2) منشأ هذين الوجهين هو اختلاف الاستظهار من أدلة الشروط، فصاحب الجواهر قدّس سرّه استظهر منها اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة بناء على الكشف، و قد تقدم كلامه في ثمرات الكشف و النقل، و المصنف استظهر عدم اعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة، و ردّ كلام الجواهر في ثمرات الكشف و النقل، فراجع (ص 139- 143).

(3) نفي البعد عن اعتبار استمرار الشروط مناف لما أفاده في ردّ الجواهر القائل باعتبار استمرار الشروط إلى زمان الإجازة على الكشف في ثمرات الكشف و النقل من قوله: «و فيه: أنّه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية .. إلخ» فراجع (ص 139).

هل يعتبر علم المجيز بالمجاز تفصيلا؟

(4) هذا ثاني الأمور التي أشار إليها المصنف قدّس سرّه بقوله: «و أما القول في المجاز فاستقصاؤه يتمّ ببيان أمور» و في هذا الأمر يبحث في مقامين:

______________________________

[1] و اعتبارها في المالك واضح. و أمّا في العاقد الفضول فغير ظاهر، لأنّ موضوع تلك الشرائط هو المتبايعان، و صدق البائع على الفضول غير ظاهر. فموضوع البحث في اشتراط البقاء الى زمان الإجازة هو نفس المالك الأصيل دون الفضول.

[2] بل بناء على كون العاقد الفضول كالوكيل المفوّض، إذ بناء على كونه كالوكيل في إجراء الصيغة فقط لا يعتبر فيه إلّا شرائط الإنشاء، سواء أ كانت الإجازة ناقلة أم كاشفة كما أشرنا إليه سابقا.

ص: 392

هل يشترط [1] في المجاز (1) كونه معلوما للمجيز بالتفصيل، من تعيين العوضين، و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا- فضلا عن جنسه من كونه نكاحا

______________________________

الأوّل: في اعتبار العلم- تفصيلا أو إجمالا- بوقوع عقد في صحة الإجازة، و عدم اعتبار العلم به مطلقا، و كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

و الثاني: في صحة تعلق الإجازة بالمبهم و عدمها.

(1) هذا هو المقام الأوّل، و حاصله: أنّه هل يشترط في قابلية العقد للإجازة علم المجيز تفصيلا بالعقد- من تعيين العوضين و تعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا، فضلا عن جنسه من كونه نكاحا لجاريته أو بيعا لها- فإن لم يعلم المجيز تفصيلا بالعقد فليس له إجازته؟ أم لا يشترط العلم التفصيلي به، بل يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة، إذ الغرض من اعتبار الإجازة في العقد الفضولي حصول أمرين.

أحدهما: رضا المالك و طيب نفسه بانتقال ماله إلى الغير.

و ثانيهما: صيرورة عقد الفضول عقدا للمالك المجيز حتى يشمله عموم «أَوْفُوا» و من المعلوم حصول هذين الأمرين بالعلم الإجمالي، فلا حاجة إلى اشتراط العلم التفصيلي للمجيز.

______________________________

[1] ينبغي أن يعدّ هذا الشرط من شرائط صحة الإجازة، لا من شرائط العقد المجاز، بأن يقال: هل يعتبر في صحة الإجازة كون المجاز معلوما للمجيز .. إلخ.

كما أنّه ينبغي أن يقال في عنوان البحث: هل يعتبر العلم بوجود العقد تفصيلا أو إجمالا في صحة الإجازة؟ أم يكفي في صحتها الاحتمال و فرض وقوعه، كما إذا قال المالك: إن باع شخص فضولا داري أو آجرها أو صالحها فقد أجزته.

ثمّ إنّ في صورتي العلم الإجمالي بوقوع العقد أو احتماله هل يصح تعلق الإجازة بالمبهم أم لا؟ فهنا مقامان:

الأوّل: في اعتبار العلم بوجود العقد و عدمه. و الثاني: في صحة تعلق الإجازة بالمبهم و عدمها، سواء قلنا باعتبار العلم بوقوع العقد، أم قلنا بعدمه.

و المصنف قدّس سرّه اختار في المقام الأوّل اعتبار العلم التفصيلي بوقوع العقد، استنادا فيه إلى أنّه بدون العلم بوقوعه يلزم التعليق، لأنّه بمنزلة قوله: إن وقع بيع على مالي فقد أجزته.

ص: 393

لجاريته، أو بيعا لها- أم يكفي العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة؟ وجهان، من

______________________________

و حيث إنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد، لحصول المعاهدة الحقيقية بين المتبايعين بها، و التعليق مبطل للعقود، فالإجازة التي هي بحكم العقد تبطل أيضا بالتعليق، هذا.

و المحقق النائيني قدّس سرّه أضاف إليه: عدم قابلية الإيقاعات للتعليق، و الإجازة من الإيقاعات، فلا تقبل التعليق «1».

أمّا ما أفاده المصنف قدّس سرّه فيتوجه عليه أوّلا: أنّ دليل بطلان التعليق هو الإجماع، و معقده نفس العقد، و لا يشمل الإجازة التي هي بحكم العقد، فإلحاق الإجازة بالعقد قياس باطل عندنا.

و ثانيا: أنّ بطلان العقد بالتعليق يختص بأمر خارج عن العقد. و أمّا إذا كان بأمر يقتضيه نفس العقد و إن لم يصرّح به في متن العقد كقوله لزوجته: «إن كنت زوجتي فأنت طالق» فلا وجه لبطلانه، فإنّ مثل هذا التعليق موجود في جميع العقود.

و أمّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس سرّه فلم يظهر مراده، إذ لا معنى لعدم القابلية. و لعلّ مراده عدم المشروعية. و كيف كان فهو معقول و مشروع كالتدبير و الوصية.

فالأقوى كفاية العلم الإجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة، لحصول الغرض من الإجازة، و هو الرضا و انتساب العقد إلى المالك المجيز بالعلم الإجمالي، من دون حاجة إلى العلم التفصيلي.

بل الأقوى كفاية مجرّد احتمال وقوع العقد، و صحة إجازته معلّقة على وقوعه، و ذلك لما مرّ من عدم جزئية الإجازة للعقد حتى يقدح فيها التعليق، إذ كونها وسيلة لانتساب العقد إلى المالك لا يدلّ على كونها جزءا للعقد حتى يكون حكم العقد- و هو بطلانه بالتعليق- ثابتا لها.

مضافا إلى: أنّ كل تعليق ليس مبطلا كما عرفت.

و قد ذكر المصنف قدّس سرّه في المقام الثاني جواز تعلّق الإجازة بالمبهم، لكونها كالإذن في جواز تعلقه بالمبهم. لكن القياس مع الفارق، إذ متعلق الإجازة جزئيّ، لكونه موجودا خارجيا. بخلاف متعلق الإذن، فإنّه ليس موجودا خارجيا حتى لا يقبل الإبهام و التردد.

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 278، البيع و المكاسب، ج 2، ص 216

ص: 394

كون (1) الإجازة كالإذن السابق، فيجوز تعلّقه (2) بغير المعيّن، إلّا (3) إذا بلغ حدّا (4) لا يجوز معه التوكيل. و من (5) أنّ الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد،

______________________________

(1) هذا دليل كفاية العلم الإجمالي، و عدم اشتراط علم المجيز تفصيلا بالعقد المجاز، توضيحه: أنّ الإجازة كالإذن في الدلالة على الرضا و طيب نفس المالك، فكما يجوز تعلق الإذن بغير المعيّن، فكذلك الإجازة، فيجوز أن يجيز المالك عقد الفضول مع عدم علمه تفصيلا بذلك العقد، و أنّه هل هو بيع فرسه أم إجارة داره أم صلح عقاره؟ و لا فرق بين الاذن و الإجازة إلّا في كون الإذن قبل العقد و دخيلا في حدوثه، و كون الإجازة بعده و دخيلا في بقائه.

(2) أي: تعلّق الإذن بالمبهم و غير المعيّن، و الأولى تأنيث الضمير ليرجع إلى ما هو المناسب للمقام، أعني به الإجازة كما لا يخفى.

(3) استثناء من قوله: «فيجوز تعلقه» و محصّله: أنّ تعلق الإذن السابق بشي ء مبهم مشروط بما إذا لم يبلغ الإذن حدّا من الإبهام لا يجوز معه التوكيل، كما إذا قال: «وكلتك أو أذنت لك في بيع شي ء من أموالي» فإذا بلغ ذلك الحدّ لم يجز شي ء من الإذن و التوكيل، لبلوغ الإبهام حدّا يخرج عن دائرة اعتبار العقلاء.

(4) المراد بذلك ما هو الخارج عن محيط اعتبار العقلاء، بحيث يعد أمرا سفهيّا و غير عقلائي. و ضمير «معه» راجع إلى «حدّ».

(5) معطوف على «من كون» و هذا دليل اشتراط علم المجيز تفصيلا بالمجاز، و عدم

______________________________

ثمّ إنّ هذين المقامين أجنبيان عن حكم الإجازة من حيث الكشف و النقل، بل يجري البحث عنهما على كلا القولين في الإجازة.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من صحة تعلق الإجازة بالعقد المعلوم إجمالا وقوعه أو المحتمل وقوعه إنّما هو في العقد الصحيح الجامع للشرائط. فإن كان فيه خلل في نفسه مع الغض عن إجازة المالك- بحيث لو كان المالك متصديا له كان العقد أيضا فاسدا- فهو خارج عن مورد البحث، كما إذا كان العوضان مجهولين، أو غير مملوكين، أو لم تكن الصيغة عربية بناء على اعتبارها.

ص: 395

لأنّ (1) المعاهدة الحقيقيّة إنّما تحصل بين المالكين بعد الإجازة، فتشبه (2) القبول [1] مع عدم تعيين الإيجاب عند القابل.

و من هنا (3) يظهر قوّة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد، و لا يكفي مجرّد

______________________________

كفاية علمه الإجمالي به، و محصّله: أنّ المعاهدة الحقيقية القائمة بالمالكين لا تحصل إلّا بالإجازة، و لا تتحقّق بعقد الفضولي، لعدم كونه مالكا و لا منصوبا من قبله. فالإجازة حينئذ كالقبول متمّمة لعقد الفضول، و لذا تعدّ أحد ركني العقد، فلا بدّ أن يكون المجيز عالما بما يجيزه من العقد حتى لا يلزم الغرر المنهي عنه في البيع و غيره.

(1) تعليل لكون الإجازة أحد ركني العقد، حيث إنّها توجب المعاهدة الحقيقية و إن لم تكن أحد طرفي العقد الإنشائي.

(2) أي: فتشبه الإجازة القبول.

(3) أي: و من كون الإجازة أحد ركني العقد- لحصول المعاهدة الحقيقية بين المالكين بها- يظهر .. إلخ. و هذا هو المقام الثاني أعني به اعتبار علم المجيز بوقوع العقد، و عدم كفاية احتمال وجوده في صحة الإجازة.

تقريبه: أنّه- بناء على كون الإجازة أحد طرفي العقد- لا بدّ من إحراز وجود العقد حتى تصحّ إجازته، و تكون أحد ركني العقد، و لئلّا يلزم التعليق في الإجازة التي هي إيقاع، و إن قيل بصحة التعليق في العقود.

______________________________

[1] بل الظاهر أنّ الإجازة تشبه الإيجاب المتأخر عن القبول، إذ المفروض وقوع القبول صحيحا من الأصيل، و إيجاب الفضول لم يقع في محله، فالإجازة تكون بمنزلة الإيجاب الواقع بعد القبول، فهي متممة للعقد، فلا بد من وجود عقد حتى تكون الإجازة متممة له.

و لعلّ نظره قدّس سرّه في تشبيه الإجازة بالقبول إلى كونها كالقبول في عليّته للتأثير، يعني:

أن الإجازة كالقبول في كونها جزءا أخيرا لعلّة التأثير. لكن الإيجاب المتأخر كالقبول أيضا في كونه جزءا أخيرا لعلة التأثير. و لا بدّ من التأمّل في كلام المصنف قدّس سرّه.

ص: 396

احتماله (1)، فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف (2) وقوعه، لأنّ (3) الإجازة و إن لم تكن من العقود حتّى تشملها معاقد إجماعهم [1] على عدم جواز التعليق فيها، إلّا أنّها (4) في معناها. و لذا (5) يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق، مع أنّ الوفاء

______________________________

(1) أي: احتمال وقوع العقد حتى يجيزه المجيز على تقدير وقوعه.

(2) هذا راجع إلى قوله: «و لا يكفي» يعني: و لا يكفي مجرّد احتمال وقوع العقد في صحة الإجازة إذا انكشف وقوعه، فوجود الإجازة مع احتمال وقوع العقد كعدمها.

(3) تعليل لعدم كفاية احتمال وقوع العقد، توضيحه: أنّ الإجازة و إن لم تكن من العقود حتى تشملها معاقد إجماعهم على عدم جواز التعليق فيها، إلّا أنّها في معنى العقود، لما مرّ آنفا من أنّ الإجازة توجب المعاهدة بين المالكين، فإذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها، و من المعلوم أنّ احتمال وقوع العقد تعليق في الإجازة، لكونها معلّقة على وقوع العقد، فلا تجدي هذه الإجازة لأجل التعليق.

(4) أي: أنّ الإجازة، و ضميرا «فيها، معناها» راجعان إلى العقود.

(5) أي: و لأجل كون الإجازة في معنى العقد يخاطب المجيز بعد الإجازة بالوفاء بالعقد السابق الذي وقع فضولا، و حاصله: أنّ «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» متوجّه إلى العاقدين، و وجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة يكشف عن صيرورته عاقدا بسبب الإجازة.

فلو لم تكن الإجازة في معنى العقد لم يكن المجيز عاقدا مخاطبا بوجوب الوفاء

______________________________

[1] قد تقدّم عن الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد «اتفاقهم على بطلان الفضولي فيها» «1» أي الإيقاعات. و لكن قد يدّعى صحة الفضولي في القبض و نحوه ممّا هو من توابع العقود، و إن كان من قبيل الإيقاعات. فالمتيقّن من معقد الإجماع هو الإيقاعات المستقلة كالطلاق و نحوه.

و يمكن استظهار جواز جريان الفضولي في الإيقاعات غير المستقلة من رواية عروة، لأنّ الظاهر أنّ إجازته صلّى اللّه عليه و آله و سلم كانت بعد إقباض عروة.

______________________________

(1) تقدم كلامه في الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 349

ص: 397

بالعقد السابق لا يكون إلّا في حقّ العاقد [1] فتأمّل (1).

______________________________

بالعقد. و إذا كانت الإجازة في معنى العقد لم يجز التعليق فيها.

(1) لعلّه إشارة إلى: ما ذكرناه من عدم اختصاص وجوب الوفاء بالعقود بالعاقدين.

أو إشارة إلى: منع كون الإجازة في معنى العقد، و ذلك لأنّ الإجازة إمضاء للعقد السابق و رضا به. نظير الإذن في العقد، فإنّه رضا به. و لا فرق بين الإذن و الإجازة إلّا في السبق و اللحوق، و في كون متعلّق الإجازة جزئيا، لكونه موجودا خارجيا صدر من الفضول. بخلاف الإذن، فإنّ متعلّقه كلّي، لعدم تحلّيه بعد بحلية الوجود الذي هو مدار الجزئية، و لذا لا يعتبر العلم بخصوصيات أفراده، فيجوز الإذن في التصرف في ماله بعقد

______________________________

[1] اختصاص خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بالعاقدين ممنوع، بل كلّ من له العقد سواء أ كان عاقدا مباشرة أم كان وليّه أو وكيله عاقدا يجب عليه الوفاء بالعقد، فوجوب الوفاء على المجيز بعد الإجازة لا يدلّ على كونه عاقدا، كما لا يدلّ على كون الإجازة أحد ركني العقد سببيّتها لتحقق المعاهدة بين المالكين، ضرورة أنّها لو كانت شرطا لا ركنا لا تتحقق المعاهدة أيضا إلّا بعدها.

و بالجملة: فما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون الإجازة ركنا للعقد، و من صيرورة المجيز بسببها عاقدا يشمله عموم أوفوا، غير ثابت.

و أمّا استناد اعتبار العلم بوقوع العقد- و عدم كفاية احتمال وقوعه- إلى لزوم التعليق في الإجازة التي هي في معنى العقد، ففيه أوّلا: أنّ تعدية الحكم بقدح التعليق من العقد إلى ما هو في معنى العقد محتاجة إلى الدليل، و هو مفقود.

و ثانيا: أنّ التعليق القادح إنّما هو في أمر زائد عما يقتضيه نفس العقد أو الإيقاع، فإذا علّق أحدهما على موضوعه، كما إذا قال: «بعتك داري إن كانت ملكا لي» أو قال لزوجته:

«أنت طالق إن كنت زوجتي» كان كلّ منهما صحيحا، لأنّ التعليق على الملكية في البيع و على الزوجية في الطلاق ممّا يقتضيه نفس البيع و الطلاق، فهذا تعليق واقعي سواء علّق لفظا أم لم يعلّق. و قد تقدّم في مسألة اعتبار التنجيز في الصيغة الكلام في تعليق الإنشاء على ما هو معلّق عليه واقعا، فراجع «1».

______________________________

(1) الجزء الثاني من هذا الشرح، ص 574- 576

ص: 398

[الثالث حكم العقود المترتبة على مال الغير]
اشارة

الثالث (1): المجاز (2)

______________________________

معاوضي من دون تعيينه من بيع أو صلح أو غيرهما.

و أمّا الإجازة فتتعلق بموجود جزئي معيّن واقعا مجهول عند المجيز، فإجازته إجازة المجهول، لا إجازة المردّد، إذ لا يعقل التردد في الموجود الخارجي المتعيّن بالمشخصات الفردية.

حكم العقود المترتبة على مال الغير

(1) هذا ثالث الأمور التي أشار إليها المصنف قدّس سرّه في (ص 383) بقوله: «و أمّا القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور».

و الغرض من عقد هذا الأمر الثالث بيان حكم الإجازة في العقود المترتبة إمّا بالطبع، بأن يكون صحة بعضها علّة لصحة بعضها الآخر، كما هو المعنون في كتب الفقهاء، كما إذا اشترى من الفضولي كتاب زيد، ثمّ باعه المشتري من عمرو. و هكذا في طرف العوض، كما إذا وقعت بيوع على ثمن الكتاب. و إمّا بالزمان، كما إذا باع فضول واحد أو متعدد- في زمان واحد أو متعدد- عبد زيد من عمرو، ثم باعه من بكر، ثم باعه من بشر، ثم باعه من يوسف، ثم باعه من يعقوب، و هكذا. لكن تعميم البحث إلى العقود المترتبة زمانا- لا رتبة- إنّما هو من المصنف قدّس سرّه.

و كيف كان يقع الكلام في أنّ إجازة بعضها هل تقتضي صحة غيره مطلقا، أم لا تقتضي كذلك، أم تقتضي صحة بعضها؟ سيأتي التعرض لها عند شرح المتن إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا شروع في بيان أقسام العقد المجاز، توضيحه: أنّ العقود المترتبة تقع تارة على نفس مال المالك و هو المبيع فضولا. و اخرى على عوضه و هو الثمن، الأعمّ من عوض نفس المال المبيع فضولا، و عوض عوضه.

و ثالثة على كليهما. و ستأتي أمثلتها إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن المصنف قدّس سرّه أضاف ترتّبا مركّبا في العقد الوسط إلى الترتب البسيط المذكور في كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

ص: 399

إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير (1)، و إمّا العقد [1] الواقع على عوضه (2).

______________________________

(1) و هو المبيع فضولا، كالعبد الذي بيع فضولا يفرس في مثال المتن.

(2) أي: على عوض مال الغير، كالفرس الذي هو عوض العبد في المثال المذكور.

______________________________

[1] لعلّ الأولى ذكر هذا الأمر من الأمور المتعلقة بالإجازة، لأنّ مرجع البحث إلى أنّ الإجازة هل تؤثّر في صحة غير العقد الذي تعلّقت به من العقود السابقة على العقد المجاز و اللّاحقة به، أم لا؟

ثم إنّ التقسيم تارة يكون بلحاظ وقوع العقد على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

و اخرى بلحاظ عوضه الابتدائي كبيع العبد بالفرس، أو عوضه مع الواسطة كبيع الفرس الذي هو عوض العبد بدرهم. و ثالثة يكون بلحاظ العقد المجاز من حيث كونه أوّل العقود الجارية على نفس مال الغير أو آخرها، أو كونه أوّل العقود الجارية على الأعواض أو آخرها، أو كون المجاز وسط العقدين الموافقين له من حيث وقوعهما على المثمن أو الثمن، و المخالفين له. و من حيث وحدة العاقد الفضولي و تعدده. و من حيث كونه غير الفضول.

فهنا جهات من البحث ستظهر إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان فموضوع بحث الفقهاء هو العقود الطولية التي بينها علّيّة و معلوليّة، بمعنى ترتب صحّة بعضها على صحة الآخر، فتخرج العقود العرضية و إن كانت بحسب الزمان طوليّة، كما إذا وقعت عقود من فضول واحد أو متعدد في زمان واحد أو أزمنة متعددة على مال المالك، فهو خارج عن محلّ الكلام. كما إذا باع الفضولي عبد المالك من زيد مثلا، ثم باعه ذلك الفضولي أو فضولي آخر من عمرو، ثم باعه من بكر. فإنّ إجازة بعضها لا تصحّح إلّا العقد الذي تعلّقت به، و لا تقتضي صحة غيره من العقود السابقة عليه و اللاحقة له. كما لا تتوقف صحته على صحة غيره، فيكون غير العقد المجاز باطلا.

نعم بناء على عدم اعتبار مالكية المجيز حين العقد يجوز للمجاز له إجازة عقد آخر من تلك العقود مطلقا، سواء أ كانت سابقه على العقد المجاز أم لاحقة له، من غير فرق بين كاشفية الإجازة و ناقليتها، حيث إنّ المجاز له صار بإجازة المالك لعقد الفضول مالكا، فلا مانع من إجازة أيّ عقد شاء، سواء وقع منه أم من غيره. بل يحتمل صحته بلا حاجة إلى

ص: 400

______________________________

الإجازة إذا صدر العقد منه، لكونه من صغريات «من باع شيئا ثم ملك». و بناء على اعتبار مالكية المجيز حين العقد لا وجه للإجازة، فلا وجه للصحة.

و بالجملة: فعنوان المصنف قدّس سرّه يفترق عن عنوان الفقهاء في أمرين:

أحدهما: في ترتّب العقود، فإنّ المصنف عمّم الترتّب إلى الترتب الزماني، و الفقهاء جعلوا الترتب خصوص الترتب الطوليّ الانتقالي.

و الآخر: الترتب البسيط، فإنّه خيرة الفقهاء، و المصنف عمّمه إلى الترتّب المركّب، و هو: أن يكون طرفا العقد الوسط متخالفين، كما إذا كان الوسط بيع العبد بالكتاب، و سابقه ما وقع على مال المالك، كبيع العبد بالفرس، و لاحقه ما وقع على عوض مال المالك و هو بيع الفرس بالدرهم. بخلاف مسلك الفقهاء، فإنّهم اكتفوا بالترتب البسيط، و هو كون طرفي العقد الوسط مثله. فإن كان واقعا على مال الغير كانا مثله، و كذا إذا كان الوسط واقعا على العوض كان طرفاه واقعين عليه أيضا.

ثمّ إنّ أقسام العقد المجاز في العقود المترتبة على مال المجيز ستة:

أوّلها: بيع العبد بالفرس، و آخرها بيع العبد بالدينار، و وسطها بيع العبد بالكتاب.

و هذه البيوع الثلاثة واقعة على نفس مال المالك و هو العبد. و وسطها- و هو بيع العبد بالكتاب- مثال للأقسام الأربعة:

أحدها: كونه وسطا بين عقدين واقعين على نفس مال المالك، و هما بيع العبد بفرس، و بيع العبد بدينار.

ثانيها: كونه وسطا بين عقدين واقعين على عوضي مال المالك، و هما بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية.

ثالثها: كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على مال المالك، و هو بيع العبد بالفرس، و لاحقهما على بدل مال المالك، و هو بيع الدينار بجارية.

رابعها: كونه وسطا بين عقدين يكون سابقهما واقعا على بدل مال المالك، و هو بيع الفرس بدرهم، و لاحقهما واقعا على مال المالك، و هو بيع العبد بالدينار.

ص: 401

______________________________

هذه ستة أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على مال المجيز.

و أمّا الستة الواقعة على عوض مال المجيز، فهي: أنّ أوّل عقد وقع على بدل مال المجيز هو بيع الفرس بدرهم، و آخره بيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم، و الدرهم عوض عن الفرس، و الفرس عوض عن العبد. و هذا البيع وقع على عوض عوض عوض مال المالك. و وسطه بيع الدرهم- الذي هو عوض عن الفرس- برغيف، و هذا العقد مثال للأقسام الأربعة:

أحدها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس، و بيع العبد بدينار، اللّذين وقعا على مال المالك.

ثانيها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية، الواقعين على عوض مال المالك.

ثالثها: وقوع بيع الدرهم برغيف وسطا بين بيع العبد بفرس الواقع على مال المالك، و بين بيع الدينار بجارية، الواقع على عوض مال المالك.

رابعها: وقوع بيع الدرهم برغيف بين بيع الفرس بدرهم الواقع على عوض مال المالك، و بين بيع العبد بالدينار الواقع على مال المالك.

و بانضمام هذه الأربعة إلى الصورتين الأوليين- و هما بيع الفرس بدرهم و بيع الرغيف بعسل- يصير أقسام العقد المجاز في العقود الواقعة على عوض مال المجيز ستة.

و قد ظهر ممّا ذكرنا: أنّ البيوع الواقعة على عين مال الغير ثلاثة:

أحدها: بيع العبد بفرس.

ثانيها: بيع العبد بكتاب.

ثالثها: بيع العبد بدينار.

و البيوع الواقعة على عوض مال الغير خمسة، اثنان منها واقعان على عوضه الأوّلي، و هما بيع الفرس بدرهم، و بيع الدينار بجارية.

و ثلاثة منها واقعة على عوض عوض مال المالك، و هي بيع الدرهم برغيف، و بيع

ص: 402

______________________________

الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل. هذه أقسام العقد المجاز.

و أمّا حكمها فهو: أنّ الضابط الكلّي في ذلك أنّ كلّ عقد تكون صحته مترتبة- أي لازما لصحة العقد المجاز أو ملزوما لها- يترتب صحته على العقد المجاز.

و بعبارة أخرى: إذا كان بين عقدين علقة لزومية، بأن يكون أحدهما لازما لآخر، أو ملزوما له، كانت إجازة أحدهما مستلزمة لإجازة الآخر، بمعنى: كون إجازة واحدة موجبة لصحّة كلا العقدين.

و إن لم يكن بينهما علقة لزوميّة لا تكون إجازة أحدهما مستلزمة لصحة الآخر.

هذا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود الواقعة على نفس مال الغير، فإنّ إجازة العقد الوسط- كبيع العبد بالكتاب- تصحّح ما بعده من بيع العبد بدينار، و لا تصحّح ما قبله كبيع العبد بفرس، بل تبطله، لأنّ إجازته تدلّ على إمضاء بيع العبد بالكتاب، و عدم رضاه بتعويض عبده بالفرس، إذ لازم رضاه بذلك دخول الفرس في ملكه بدلا عن العبد، و لم يكن مالكا للعبد حتى يصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب. نعم لمالك الفرس إجازة بيع الفرس بالدرهم.

و أمّا إذا كان العقد المجاز العقد الوسط من العقود المترتبة الواقعة على عوض مال الغير، كما إذا فرضنا أنّ الفضوليّ باع عبد المالك بفرس، ثم باع الفرس بدرهم، ثم باع الدرهم برغيف، ثم بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف بعسل، فإنّ بيع الدرهم برغيف عقد وسط واقع على عوض مال الغير و هو الدرهم، حيث إنّه بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

و قبله عقدان وقع أحدهما على مورده و هو بيع الفرس بدرهم، حيث إنّ الدرهم أيضا مورد العقد الوسط، و هو بيع الدرهم برغيف، و لم يقع ثانيهما- و هو بيع العبد بفرس- في مورده.

و كذلك بعده عقدان وقع أحدهما في مورده و هو بيع الدرهم بحمار، و لم يقع الآخر و هو بيع الرغيف بعسل في مورده.

فتفصيله: أنّه إذا أجاز المالك العقد الوسط، و هو بيع الدرهم برغيف، أو شراء الرغيف بدرهم، فعلى القول بالكشف تستلزم الإجازة صحة العقود السابقة أيضا، ضرورة أنّ

ص: 403

______________________________

صحّة بيع الدرهم برغيف منوطة بصحة ما قبله و هو بيع الفرس بدرهم، إذ ملكية الدرهم للمجيز حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف تتوقف على صحة بيع الفرس بدرهم.

و كذا صحة بيع الفرس بدرهم تتوقف على صحة بيع العبد بفرس، إذ لو لم يصحّ لا يصير مالكا للفرس حتى يملك الدرهم، و يصحّ له إجازة بيع الدرهم برغيف: أو شراء الرغيف بدرهم. هذا بناء على القول بالكشف.

و أمّا على القول بالنقل، فمحصله: أنّه لمّا وقعت البيوع السابقة في غير ملك البائع، فعلى القول بصحتها مع الإجازة أو بدونها فلا كلام، و إلّا فتبطل.

هذا حال العقود السابقة على العقد المجاز من العقود الواقعة على عوض مال المجيز.

و أمّا العقود اللاحقة له، فإن وقعت على المعوّض- أي المعوض في البيع المجاز، و هو في بيع الدرهم بالرغيف- كبيع الدرهم بالحمار، فإنّ إجازة بيع الدرهم برغيف- الذي هو الوسط بين بيع الفرس بدرهم و بين بيع الدرهم بحمار- تكشف عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف، فيصحّ له بيع ذلك الدرهم بالحمار. هذا.

و إن وقعت على الرغيف- الذي هو العوض في العقد المجاز- بأن بيع الرغيف بالعسل، فصحته منوطة بإجازة مستقلة من صاحب الرغيف.

و الضابط في تأثير الإجازة في غير العقد الذي تعلّقت به- سواء أ كان سابقا على العقد المجاز أم لاحقا له- كما أشرنا إليه آنفا هو: أن يكون بين المجاز و غيره من العقود علقة توجب صحة غير المجاز، إمّا لكونه لازما للمجاز كبيع العبد بالدينار، و بيع الدينار بالجارية، فإنّ صحتهما من لوازم صحة بيع العبد بالكتاب. أو ملزوما له، كبيع العبد بالفرس، و بيع الفرس بالدرهم، و بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ صحة بيع الدرهم بالرغيف- المفروض كونه عقدا مجازا- من لوازم صحة بيع الفرس بالدرهم، و صحة بيع العبد بالفرس، إذ لو لم يصحّا لا يملك المجيز الدرهم حتى يصحّ له إجازة بيع الدرهم بالرغيف.

فلو لم يكن بين العقد المجاز و غيره من العقود العلقة المذكورة- كما إذا باع فضوليّ عبد الغير، ثم باعه فضولي آخر، و هكذا، أو باعه فضولي واحد مرارا- فإنّ إجازة مالك العبد لأحد هذه العقود لا تصحّح إلّا ما تعلّقت به من العقود، و لا تصحّح غيره.

ص: 404

و على كلّ منهما (1) [1] إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على المال (2)، أو على (3) عوضه، أو آخره (4)، أو عقدا (5)

______________________________

(1) أي: و على كلّ من الفرضين- و هما وقوع الإجازة على مال الغير، و وقوعها على عوض ماله- إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على المال الذي بيع فضولا، و إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد من العقود الواقعة على عوض المال المبيع فضولا.

(2) و هو مال المالك الذي بيع فضولا.

(3) معطوف على «على المال» و المراد بالعوض هو ثمن المال المبيع فضولا، يعني: و إمّا أن يكون المجاز أوّل عقد وقع على عوض مال المجيز.

(4) معطول على «أوّل عقد» و ضمير «آخره» راجع إلى «عقد»، يعني: أو يكون المجاز آخر عقد من العقود الواقعة على مال الغير أو على عوضه.

(5) معطوف على «أوّل عقد» يعني: و إمّا أن يكون المجاز عقدا وسطا بين عقدين واقعين على مال الغير، أو على بدله. أو بالاختلاف، بأن وقع السابق على مال الغير، و اللاحق على عوض مال الغير. أو بالعكس، بأن وقع السابق على العوض، و اللاحق على مال الغير.

فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع:

إحداها: كون السابق و اللاحق واقعين على نفس مال الغير، كبيع العبد بالفرس، و بيع العبد بالدينار، فإنّهما طرفان للوسط المجاز، و هو بيع العبد بالكتاب.

ثانيتها: كونهما واقعين على عوض مال الغير، كبيع الفرس بالدّرهم، و بيع الدينار

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: فإن وقعت الإجازة على نفس مال الغير فله ثلاث صور:

الاولى: كون العقد المجاز أوّل العقود الجارية على مال الغير.

الثانية: كونه آخر العقود.

الثالثة: كونه وسط العقود.

و إن وقعت الإجازة على العقود الجارية على عوض مال الغير فكذلك. و للوسط المجاز في كل من العقود الجارية على كلّ من مال الغير و عوضه صور أربع كما سيأتي تفصيله في المتن.

ص: 405

بين سابق و لاحق (1) واقعين (2) على مورده (3)، أو بدله، أو بالاختلاف.

و يجمع الكلّ (4) فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثمّ باعه المشتري بكتاب، ثمّ

______________________________

بالجارية، فإنّهما طرفا العقد المجاز، و هو بيع العبد بالكتاب.

ثالثتها: كون السابق واقعا على مال الغير، و اللاحق واقعا على بدل مال الغير، كبيع العبد بالفرس، و بيع الدينار بالجارية.

رابعتها: كون السابق واقعا على عوض مال الغير، و اللّاحق واقعا على نفس مال الغير، كبيع الفرس بالدرهم، الواقع على العوض، و بيع العبد بالدينار، الواقع على نفس مال الغير. فإنّ العقد الوسط المجاز- و هو بيع العبد بالكتاب- وقع بين هذين العقدين المختلفين، لوقوع سابقهما على عوض مال الغير، و لاحقهما على نفس مال الغير.

(1) هما نعتان ل «عقد» و كلمة «بين» حال لكلمة «عقدا» أي: حال كون العقد الوسط واقعا بين سابق و لاحق.

(2) حال لكلمتي «سابق و لاحق» أي: حال كون العقد السابق و اللاحق واقعين على مال الغير، أو على بدل مال الغير، أو بالاختلاف. و قد اتّضح جميع ذلك بقولنا:

«فلكون المجاز العقد الوسط صور أربع .. إلخ».

(3) أي: مورد مال المالك.

(4) هذا شروع في بيان أمثلة الكل- أي: كلّ الصور المتصورة في العقد المجاز- من العقود المترتبة الواقعة على مال الغير و عوضه.

و قد ظهر من كلمات المصنف قدّس سرّه أنّ أقسام العقد المجاز اثني عشر، ستة لكون المجاز العقد الواقع على مال الغير، لأنّه إمّا أوّل العقود الواقعة عليه، و إمّا آخرها، و إمّا وسطها. و للوسط أقسام أربعة، لأنّ طرفيه إمّا عقدان وقعا على مال الغير، أو وقعا على عوض مال الغير، أو اختلفا، بأن كان السابق مال الغير، و اللاحق عوض مال الغير، أو كان السابق العوض، و اللاحق نفس مال الغير.

و بضمّ هذه الأربعة إلى الأوّلين- و هما كون المجاز أوّل العقود الواقعة على مال الغير و آخرها- تصير الأقسام ستة.

و هكذا إذا كان المجاز العقد الواقع على العوض، لأنّه إمّا أوّل العقود، و إمّا آخرها، و إمّا وسطها.

ص: 406

باعه الثالث بدينار (1). و باع (2) البائع الفرس بدرهم، و باع الثالث (3) الدينار (4) بجارية، و باع بائع الفرس الدرهم (5) برغيف، ثمّ بيع الدرهم بحمار، و بيع الرغيف

______________________________

و لهذا الوسط أيضا صور أربع، لأنّ طرفيه إمّا واقعان على نفس مال الغير، و إمّا واقعان على بدله، و إما مختلفان، بأن كان السابق واقعا على نفس مال الغير، و اللاحق على بدله. أو كان السابق واقعا على بدل مال الغير، و اللاحق على نفس مال الغير.

و بانضمام هذه الأربعة إلى الأوّلين- و هما أوّل العقود الواقعة على العوض و آخرها- تصير الأقسام ستة أيضا.

(1) و هذه العقود الثلاثة واقعة فضولا على المعوّض- و هو العبد- و ثمنه في العقد الأوّل فرس، و في العقد الثاني كتاب، و في العقد الثالث دينار.

(2) من هنا شرع المصنف قدّس سرّه في بيان أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

و المراد بالعوض أعمّ من العوض مع الواسطة و بدونها، كما يظهر من أمثلة العقود الواقعة على عوض مال الغير.

و هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير، حيث إنّ الفرس كان ثمن العبد في أوّل عقد من العقود الجارية على المعوّض- و هو العبد- فبيع الفرس بدرهم أوّل عقد وقع على عوض العبد، و هو الفرس الذي بيع بدرهم، و وسطه بيع الدرهم- الذي هو عوض الفرس- برغيف. و آخره بيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض عن الدرهم، و الدرهم عوض عن الفرس، و الفرس عوض عن العبد.

(3) أي: باع البائع الثالث- الذي باع العبد بدينار- الدينار بجارية. و البائع الأوّل هو الذي باع العبد بفرس، و البائع الثاني هو الذي باع العبد بكتاب. فالدينار ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد، لكن وقع في هذا العقد مثمنا، و صارت الجارية ثمنه.

(4) و هو ثمن العبد في البيع الثالث الواقع على العبد الذي هو مال الغير.

(5) الذي هو عوض العوض، لأنّه عوض الفرس، و هو عوض العبد في أوّل العقود الواقعة على مال الغير.

أمّا جامعية هذه الأمثلة للأقسام الاثني عشر بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الأوّل- و هو كون المجاز من العقود الواقعة على مال الغير- فهي كون المجاز أوّل العقود و آخرها، و هما بيع العبد بفرس، و بيعه بدينار. و كون المجاز وسطا بين عقدين

ص: 407

..........

______________________________

واقعين على نفس مال الغير، و هما بيع العبد بالفرس، و بيع العبد بالدينار، فإنّ المجاز- و هو بيع العبد بالكتاب- وقع بينهما.

و وسطا بين عقدين متعلقين بعوض مال الغير، و هما بيع الفرس بالدرهم و بيع الدينار بالجارية، حيث إنّهما واقعان على العوض، و هو الفرس و الدينار اللذان هما عوضا العبد في بيعه الأوّل و الآخر.

و وسطا بين العقد الواقع على المعوّض- و هو بيع العبد بالفرس- و العقد الواقع على العوض و هو بيع الفرس بالدرهم.

و وسطا بين العقد الواقع على العوض و هو بيع الفرس بالدرهم، و بيع العبد بالدينار الذي وقع على المعوّض و هو العبد.

و أمّا جامعيّته بالنسبة إلى الأقسام الستة في الفرض الثاني- و هو كون المجاز من العقود الواقعة على عوض العبد- فتفصيلها: أنّ أوّل العقود الواقعة على العوض هو بيع الفرس بالدرهم، حيث إنّ الفرس أوّل عوض عن العبد في البيوع الجارية عليه.

و ثانيها: بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ الدرهم كان ثمنا للفرس. و في هذا العقد صار مثمنا للرغيف.

و ثالثها: بيع الرغيف- الذي هو عوض الدرهم الذي كان عوض الفرس- بالعسل.

و من هذه الأمثلة يظهر أنّ المراد بالعوض أعمّ من عوض العبد بلا واسطة كالفرس، و مع الواسطة كالدرهم و الرغيف، حيث إنّ الدرهم بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

و الرغيف بدل الدرهم الذي هو بدل الفرس الذي هو بدل العبد.

ثمّ إن العقد المجاز إمّا أوّل هذه العقود، و هو بيع الفرس بالدرهم. و إمّا آخرها، و هو بيع الرغيف بالعسل. و إمّا الوسط الذي له صور أربع. فهو كالعقد المجاز في الفرض الأوّل أعني به العقود الواقعة على المثمن، و هو العبد.

فإذا انضمّ ما للوسط من الصور الأربع إلى الصورتين الأوليين- و هما كون العقد المجاز أوّل العقود الواقعة على العوض و آخرها- تكون الأقسام في الفرض الثاني و هو العقود الواقعة على العوض ستة أيضا، فصارت الأقسام كلّها اثني عشر.

ص: 408

بعسل (1).

أمّا (2) إجازة العقد الواقع على مال المالك- أعني العبد بالكتاب (3)- فهي ملزمة له و لما بعده ممّا وقع على مورده (4) أعني العبد بالدينار، بناء على الكشف (5).

______________________________

(1) و هذان المثالان من العقود الواقعة على عوض العوض، و كذا بيع الدرهم برغيف. فهذه الأمثلة الثلاثة أمثلة لوقوع البيع على بدل بدل مال المالك.

(2) هذا شروع في بيان حكم إجازة العقود الواقعة على مال الغير- و هو العبد- و على عوضه، من حيث الصحة و الفساد. و قد تعرّض له في مقامين:

الأوّل: حكم إجازة العقد الواقع على مال الغير كالعبد في مثال المتن.

و الثاني: في حكم إجازة العقد الواقع على عوض مال الغير.

و الكلام فعلا في المقام الأوّل، و محصّله: أنّ إجازة العقد الواقع على مال المالك- و هو بيع العبد بالكتاب- ملزمة له و لما بعده ممّا وقع على مورده كبيع العبد بالدينار بناء على الكشف. أمّا كون الإجازة ملزمة لعقد المالك الأصلي فواضح. و أمّا كونها ملزمة لما وقع على ما بعده من العقد الواقع على أصل مال المالك- و هو بيع العبد بالدينار- فلكون الإجازة كاشفة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملك بائع العبد.

و أمّا بناء على النقل فصحته مبنيّة على اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه. فإن قلنا باعتباره لم يكن إجازته ملزمة للعقد المجاز، و لا لما بعده من العقود، إذ المفروض عدم كون المجيز مالكا للعبد حين البيع.

و إن قلنا بعدم الاعتبار كما عليه المصنف قدّس سرّه، حيث قال في (ص 237): «الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد» كانت الإجازة ملزمة لهذا العقد المجاز و لما بعده من العقود.

(3) اختار هذا الفرض، لكونه وسطا بين بيع العبد بالفرس و بيع العبد بالدينار، حتى يكون له سابق و لاحق.

(4) أي: مورد مال المالك، و هو العبد المبيع بالدينار.

(5) لكشف الإجازة عن وقوع بيع العبد بالدينار في ملكه، فلا وجه لعدم صحته، إذ المفروض كشف إجازة بيع العبد بالكتاب عن دخول العبد في ملك من اشتراه بالدينار.

ص: 409

و أمّا بناء على النقل فيبني على ما تقدّم من اعتبار ملك المجيز حين العقد، و عدمه (1).

و هي (2) فسخ بالنسبة إلى ما قبله ممّا (3) ورد على مورده- أعني بيع العبد بفرس- بالنسبة إلى المجيز.

أمّا (4) بالنسبة إلى من ملك بالإجازة.

______________________________

(1) أي: و عدم اعتبار ملك المجيز حين العقد، حيث إنّه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالدينار، فيصح له إجازته. و هذا مختار المصنف كما عرفت آنفا.

(2) يعني: و إجازة المالك العقد الواقع من الفضولي على ماله فسخ للعقود السابقة على العقد المجاز الواقعة على ماله، و هو العبد في مثال المتن. و العقد السابق على العقد المجاز هو بيع العبد بالفرس. و إجازة بيع العبد بالكتاب عبارة عن رضا مالك العبد بملكية العبد لمالك الكتاب، لا لمالك الفرس، فيبطل بيع العبد بالفرس.

فالمتحصّل: أنّ إجازة عقد من العقود الواقعة على مال المالك إمضاء للعقود اللاحقة، و ردّ للعقود السابقة على المجاز.

(3) أي: من العقود الواردة على مورد مال المالك، و هو بيع العبد بالفرس، يعني: أنّ ما ذكرناه- من كون الإجازة ملزمة للعقود اللاحقة الواقعة على مال المالك، و فسخا لما قبل العقد المجاز من العقود الواقعة على ماله و هو العبد- إنّما يكون بالنسبة إلى المالك المجيز، و هو مالك العبد، لأنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تقتضي انفساخ بيع العبد بالفرس.

فبيع الفرس بالدرهم بيع فضولي تتوقف صحته على إجازة مالك الفرس.

فصار المتحصّل: صحة العقد الواقع على مال المالك- و هو بيع العبد بالكتاب- و ما بعده من بيع العبد بالدينار، و فسخ العقد السابق على العقد المجاز، و هو بيع العبد بالفرس بالنسبة إلى المالك المجيز.

(4) و أمّا بالنسبة إلى من ملك بالإجازة- و هو من اشترى العبد بالكتاب- فهل له إجازة بيع العبد بالفرس أم لا؟ حيث إنه لم يكن مالكا للعبد حين بيعه بالفرس. المسألة مبنية على ما سبق من اشتراط ملك المجيز حين العقد و عدمه. و قد أشرنا آنفا إلى أنّ

ص: 410

- و هو المشتري (1) بالكتاب- فقابليّته للإجازة مبنيّة على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد.

هذا (2) حال العقود السابقة و اللّاحقة على مورده، أعني مال المجيز (3).

و أمّا (4) العقود الواقعة على عوض مال المجيز، فالسابقة (5) على هذا العقد (6)

______________________________

المصنف قدّس سرّه لا يشترط ذلك، فله الإجازة، و لا يحتاج إلى عقد جديد.

(1) أي: المشتري للعبد بالكتاب، و هو الذي باع العبد بالدينار، و ملك العبد بإجازة مالك العبد بيعه بالكتاب.

(2) أي: لزوم العقود اللاحقة للعقد المجاز- و بطلان العقود السابقة عليه- هو حكم العقود الواقعة على المعوّض، و هو العبد في مثال المتن.

(3) و هو المالك للمعوّض كالعبد في المثال المذكور.

(4) بعد بيان حكم الإجازة بالنسبة إلى العقود السابقة و اللاحقة الواقعة على مال المجيز، أراد أن يذكر حكم الإجازة في العقود الواقعة على عوض مال المجيز، مع كون العقد المجاز في كلا الفرضين- و هما العقود الواقعة على نفس مال المجيز و عوضه- هو العقد الواقع على عين مال المجيز، كبيع عبد المالك بكتاب.

فقوله: «و أمّا العقود الواقعة على عوض مال المجيز» من توابع إجازة بيع الفضول عبد المالك بكتاب، و يكون في مقابل قوله: «هذا حال العقود السابقة و اللاحقة على مورده».

ثم إنّ المراد بعوض مال المجيز أعم من عوض مال الغير بلا واسطة، كالعبد في المثال المذكور، و مع الواسطة كبيع الدرهم برغيف، و بيع الدرهم بحمار، فإنّ الدرهم و الرغيف عوض بواسطة.

و يمكن أن يكون العوض مع الوسائط كبيع الرغيف بالعسل، فإنّ الرغيف عوض الدرهم، و هو عوض الفرس الذي يكون عوض العبد الذي هو عين مال المجيز.

(5) مبتدء، و خبره «يتوقّف» و المجموع خبر «و أمّا العقود».

(6) و هو العقد المجاز، أعني به بيع العبد بالكتاب.

ص: 411

- و هو (1) بيع الفرس بالدرهم- يتوقّف لزومها (2) على إجازة المالك الأصلي للعوض و هو الفرس. و اللّاحقة (3) له- أعني بيع الدينار بجارية- تلزم (4) بلزوم هذا العقد (5).

و أمّا (6) إجازة العقد الواقع على العوض

______________________________

(1) الضمير راجع إلى «السابقة» المراد بها بيع الفرس بالدرهم، و تذكير الضمير باعتبار الخبر، و إن كان خلاف الظاهر.

و محصّل ما أفاده: أنّه بإجازة بيع العبد بالكتاب ينفسخ بيع العبد بالفرس، إذ مع صحته لا يكون المجيز مالكا للعبد حتى تصح إجازته بيع العبد بالكتاب، فيردّ الفرس حينئذ إلى مالكه الأصلي، فيكون بيع الفرس بالدرهم فضوليا، و يحتاج نفوذه إلى إجازة مالك الفرس.

(2) أي: لزوم السابقة- و هي بيع الفرس بالدرهم- فإنّ هذا أوّل العقود الواقعة على عوض مال الغير و هو العبد في المثال. و قد عرفت آنفا: أنّ انفساخ بيع العبد بالفرس بسبب إجازة بيع العبد بالكتاب يوجب بطلان بيع الفرس بالدرهم. و صحته منوطة بإجازة مالك الفرس، لأنّه المالك الأصلي للفرس.

(3) معطوف على قوله: «فالسابقة» و ضمير «له» راجع الى «هذا العقد» المراد به بيع العبد بالكتاب الذي هو العقد المجاز.

و بيع الدينار بجارية عقد لاحق للعقد المجاز، و واقع على العوض، و هو الدينار الذي يكون عوض العبد.

(4) خبر «و اللاحقة» يعني: تلزم العقود اللّاحقة لعقد المجاز- الذي هو بيع العبد بالكتاب- سواء وقعت على نفس مال المجيز كبيع العبد بالدينار، أم وقعت على عوض مال المجيز كبيع الدينار بجارية، حيث إنّ الدينار عوض العبد.

(5) و هو بيع العبد بالكتاب، فإنّ لزومه بالإجازة يستلزم صحة كلا العقدين، الواقع أحدهما على نفس العبد بالدينار، و ثانيهما على عوضه، و هو بيع الدينار بالجارية، لترتّب صحّتهما على صحة ما قبلهما، و هو بيع العبد بالكتاب كما هو واضح.

(6) معطوف على «أمّا» في قوله: «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» و هذا

ص: 412

- أعني بيع الدرهم (1) برغيف- فهي (2) ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء وقعت على نفس مال الملك، أعني بيع العبد بالفرس، أم على عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم. و للعقود (3) اللّاحقة له إذا وقعت على المعوّض (4)، و هو بيع الدرهم بالحمار.

______________________________

هو المقام الثاني المتكفل لحكم إجازة العقد الواقع على عوض مال المجيز. كما أنّ المقام الأوّل تكفّل حكم إجازة العقد الواقع على نفس مال المجيز و هو العبد.

(1) الذي هو عوض عن الفرس في بيع الفرس بالدرهم، و الفرس عوض عن العبد. و هذا مثال لبيع عوض العوض الذي صار موردا للإجازة.

فالمراد بقوله: «العوض» عوض عوض العبد، و هو الدرهم الذي هو عوض الفرس الذي هو عوض العبد. و هذا الدرهم بيع برغيف.

و صحة هذا البيع منوطة بدخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد. و دخوله في ملكه منوط بإجازته بيع الفرس بالدرهم، و بيع عبده بالفرس، و لذا قال: «سواء وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس أم على عوضه».

(2) أي: الإجازة ملزمة. محصل ما أفاده هنا: أنّ إجازة مالك العبد العقد الواقع على عوض ماله- أعني به العبد- يلاحظ حكمها تارة بالنسبة إلى العقود السابقة عليه، و اخرى بالنسبة إلى العقود اللاحقة له.

أمّا العقود السابقة عليه فهي صحيحة مطلقا، سواء وقعت على نفس مال المالك، كبيع العبد بالفرس، أم على عوضه كبيع الفرس بالدرهم، فإنّ الفرس عوض العبد في أوّل البيوع الجارية على العبد، فمال المالك أعمّ من العبد و عوضه.

(3) معطوف على «للعقود». و أمّا العقود اللاحقة للعقد المجاز- و هو بيع الدرهم بالحمار- فمحصله: أنّ إجازة العقد الواقع على عوض العوض ملزمة للعقود اللّاحقة للعقد المجاز أيضا إذا وقعت الإجازة على عوض العوض أيضا، لأنّ إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على عوض العوض توجب ملكية المبيع للمجاز له، و هذا يقتضي صحة كلّ عقد يقع بعده، لوقوعه في ملكه.

(4) و هو الدرهم، حيث إنّه معوّض في بيع الدرهم بالرغيف، فإنّ الإجازة تكشف

ص: 413

أمّا الواقعة (1) على هذا البدل (2) المجاز- أعني بيع الرغيف بالعسل- فحكمها (3) حكم العقود الواقعة على المعوّض ابتداء.

و ملخّص (4) ما ذكرنا: أنّه لو ترتّبت عقود متعدّدة مترتّبة على مال المجيز،

______________________________

عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف، فيصح له بيع الدرهم بالحمار.

(1) أي: العقود الواقعة المترتبة على هذا البدل المجاز.

(2) و هو الرغيف الذي كان بدلا عن الدرهم في بيع الدرهم بالرغيف الذي أجيز.

فإذا بيع الرغيف مرارا كان فضوليا محتاجا إلى إجازة مستقلة، كما إذا بيع الرغيف بالعسل، ثم بيع هذا الرغيف باللبن، ثم بيع هذا الرغيف بالتمر، كان حكمها حكم العقود الواقعة على نفس مال المجيز مرارا من أشخاص متعددة في الاحتياج إلى إجازة مستقلّة.

كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب، ثم باعه الثالث بدينار، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكون ردّا لما قبله، و إجازة لما بعده كما تقدّم تفصيله في شرح قوله: في (ص 409): «أما إجازة العقد الواقع على مال المالك» فتكون إجازة بيع الرغيف بالعسل ردّا لما قبله، و إمضاء لما بعده.

(3) خبر «أمّا الواقعة» أي: فحكم العقود الواقعة على البدل المجاز حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء- و هو العبد في مثال المصنف قدّس سرّه- حيث إنّ الرغيف صار ملكا للمجيز كملكية العبد له، فيجري عليه ما يجري على العبد من الاحتياج إلى إجازة مستقلّة، و من كون الإجازة فسخا لما قبل العقد المجاز، و إمضاء لما بعده.

(4) يعني: و حاصل ما ذكرناه في مسألة ترتّب العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه: أنه لو أنشئت عقود متعددة مترتبة على مال المجيز، فإن وقعت تلك العقود من أشخاص متعددة- كما إذا باع الفضولي عبد المالك بفرس من زيد، ثم باعه زيد بكتاب من عمرو، ثم باعه عمرو بدينار من بكر- كانت إجازة المالك بيع العبد بالكتاب ردّا لما قبله، إذ لو كان بيع العبد بالفرس- الذي هو قبل العقد المجاز- صحيحا لم يكن العبد ملكا لمالكه الأصلي حتى تصحّ له إجازة بيع العبد بالكتاب، لأنّ العبد حينئذ ملك لزيد، فإجازة المالك العقد الوسط- و هو بيع العبد بكتاب- ردّ لما قبله من بيع العبد بالفرس.

ص: 414

فإن وقعت (1) من أشخاص متعدّدة [1] كانت إجازة وسط منها (2) فسخا لما قبله، و إجازة (3) لما بعده (4) على الكشف (5). و إن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (6).

______________________________

(1) أي: فإن وقعت العقود- الواقعة على مال المجيز- من أشخاص .. إلخ.

(2) أي: من العقود، و «فسخا» خبر «كانت» و قد عرفت تقريب الفسخ.

(3) معطوف على «فسخا» يعني: أنّ إجازة عقد من تلك العقود تكون إجازة لما بعده من العقود، و ذلك لأنّ الإجازة توجب دخول العبد في ملك صاحب الكتاب.

فالعقود الواردة عليه كبيعه بالدينار صحيحة، لأنّ بائعه باعه مالكا له. و الناس مسلّطون على أموالهم.

(4) أي: لما بعد العقد الوسط المجاز، كبيع العبد بالدينار في المثال المذكور.

(5) يعني: أنّ ما ذكرناه- من كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله و إمضاء لما بعده- مبنيّ على كاشفية الإجازة، حيث إنّها تكشف عن كون المبيع ملكا للمشتري من زمان صدور العقد، فتصح العقود المتأخرة عن العقد المجاز. و هذا بخلاف ناقلية الإجازة، لعدم خروج المبيع عن ملك المالك قبل الإجازة.

(6) يعني: إن وقعت العقود عن شخص واحد انعكس الأمر، بأنّ الإجازة إجازة لما قبله، و فسخ لما بعده.

______________________________

[1] لم يظهر وجه التقييد بتعدد من أوقع العقود، إذ ليس المدار في كون إجازة العقد الوسط فسخا لما قبله و إجازة لما بعده على التعدد المذكور، بل المدار في ذلك على إناطة صحة بعضها بصحة بعضها الآخر. فيمكن أن يكون العاقد متعددا، و مع ذلك يكون العقد المجاز فقط صحيحا، كالعقود المتعددة الصادرة من فضول متعدد على متاع واحد. فإنّ إجازة المالك واحدا من تلك العقود تصحّح العقد المجاز دون غيره.

إلّا أن يريد بالتعدد تعدد المشتري، بأن يكون العاقد في كل بيع هو المشتري في البيع السابق، بقرينة قوله في ذكر المثال: «و يجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب» فإنّ قوله: «باعه المشتري» قرينة على كون المراد بالعقود المتعددة هو وقوع كل عقد منها عن خصوص المشتري في ذلك العقد، لا مطلقا و لو من فضولي آخر.

ص: 415

و لعلّ هذا (1) هو المراد من المحكي عن الإيضاح و الدروس في حكم ترتّب العقود من (2) «أنّه إذا أجاز عقدا على المبيع (3) صحّ (4) و ما بعده، و في الثمن ينعكس (5)» «1» فإنّ (6) العقود المترتّبة على المبيع لا يكون إلّا من أشخاص متعدّدة (7).

______________________________

(1) أي: و لعلّ كون إجازة العقد الوسط من العقود المتعددة الصادرة من أشخاص فسخا لما قبله و إجازة لما بعده، و كون الإجازة مع وقوع العقود من شخص واحد إجازة لما قبله و فسخا لما بعده- عكس الأوّل- مراد صاحبي الإيضاح و الدروس من عبارتهما المحكية في حكم ترتب العقود.

(2) بيان للعبارة المحكية عن الإيضاح و الدروس، يعني: أنّ العبارة المحكية هي هذه.

(3) و هو مال المجيز كالعبد في المثال المذكور في المتن، و المجيز هو المالك.

(4) لأنّ خروج المبيع عن ملك المالك بسبب إجازته العقد الوسط يوجب صحة كل عقد يقع عليه.

(5) و العكس هو صحة العقد المجاز و ما قبله، و بطلان ما بعده.

(6) هذا الكلام من المصنف، و هو تعليل لقوله: «و لعل هذا هو المراد» و تأييد لما احتمله من مرادهما.

(7) مثل ما تقدّم من بيع العبد بفرس، ثم بيع المشتري له بكتاب، ثم بيعه بدينار، فإنّ صحة العقود الواقعة بعد العقد المجاز مترتّبة على خروج العبد عن ملك مالكه بسبب إجازة العقد الوسط، و هو بيع العبد بالكتاب، فلا بدّ من الالتزام بصحّة ما بعد العقد المجاز من العقود، لصيرورة مالك العبد أجنبيّا عن العبد مع فرض خروجه عن ملكه، فيصحّ كلّ عقد يجري عليه بعد العقد المجاز.

بخلاف العقود السابقة على العقد المجاز، فإنّ إجازة بيع العبد بالكتاب تكشف عن

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418، الدروس الشرعية، ج 3، ص 193، و الحاكي عنهما المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 4، ص 70، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 191، و غيرهما.

ص: 416

و أمّا العقود المترتّبة على الثمن فليس مرادهما (1) أن يعقد على الثمن الشخصيّ مرارا (2)، لأنّ (3) حكم ذلك (4) حكم العقود المترتّبة على المبيع، على ما سمعت سابقا من (5) قولنا: «أمّا الواقعة على هذا البدل المجاز» إلى آخره (6). بل (7) مرادهما ترامي

______________________________

رضاه بمبادلة عبده بالكتاب، و عدم رضاه بمبادلته بالفرس، فالعبد باق على ملكه حتى يصحّ له إجازة بيعه بالكتاب.

(1) أي: مراد الإيضاح و الدروس، و حاصله: أنّ الثمن ليس كالمثمن في جريان العقود العديدة على الثمن الشخصي كجريانه على المثمن الشخصي- كالعبد الواقع مثمنا في العقود الثلاثة من بيعه تارة بالفرس، و اخرى بالكتاب، و ثالثة بالدينار- حتى تبطل العقود السابقة، و تصح العقود اللاحقة، كصحة العقود اللاحقة الجارية على المثمن. بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة متغايرة، كبيع الفضولي عبد المالك بفرس، ثم بيع الفرس بدرهم، ثم بيع الدرهم برغيف، ثم بيع الرغيف بعسل.

(2) كأن يبيع المشتري الرغيف الذي هو ثمن الدرهم بعسل من زيد، ثم يبيع زيد الرغيف من عمرو باللّبن، ثم يبيع عمرو الرغيف من بكر بدبس، فإنّه قد مرّ آنفا: أنّ حكم البيوع الواقعة على الثمن الشخصي حكم العقود المترتبة الواقعة على المبيع، كالعبد الذي وقع عليه بيوع ثلاثة من بيعه تارة بالفرس، و اخرى بالكتاب، و ثالثة بالدينار.

(3) تعليل لقوله: «فليس مرادهما» يعني: ليس مرادهما من قولهما: «و في الثمن ينعكس» وقوع بيوع على ثمن شخصي، لأنّ حكم ذلك حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي، و هو صحة العقود اللّاحقة على العقد المجاز، و بطلان السابقة عليه، مع أنّهما حكما بصحة السابقة و بطلان اللاحقة، فلا بدّ أن يريدا ترامي الأثمان.

(4) أي: حكم وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا حكم العقود الواقعة على المبيع الشخصي. و هو بطلان العقود السابقة على العقد المجاز، و صحة اللاحقة له.

(5) بيان للموصول في قوله: «ما سمعت».

(6) قد تقدم ذلك في (ص 414).

(7) إضراب على قوله: «فليس مرادهما» و قد عرفت المراد بترامي الأثمان بقولنا:

«بل المراد وقوع بيوع متعددة على أثمان عديدة .. إلخ».

ص: 417

الأثمان في العقود، كما صرّح بذلك (1) المحقّق و الشهيد الثانيان «1».

و قد علم من ذلك (2) أنّ مرادنا بما ذكرنا في المقسم (3)- من العقد المجاز على عوض مال الغير (4)- ليس (5) العوض الشخصي الأوّل (6) له (7)، بل العوض و لو بواسطة (8).

______________________________

و الحاصل: أنّه ليس مراد الإيضاح و الدروس بقولهما: «و في الثمن ينعكس» هو العقود الواقعة على الثمن الشخصي، لأنّ حكمها حينئذ صحة العقود اللاحقة و بطلان السابقة، لا صحة السابقة و بطلان اللاحقة، كما هو مرادهما بقولهما: «و في الثمن ينعكس».

(1) أي: بكون مراد فخر المحققين و الشهيد من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان في العقود المتعددة، لا وقوع العقود على الثمن الشخصي مرارا.

(2) أي: ممّا ذكرناه في توضيح كلام صاحبي الإيضاح و الدروس- من أنّ مرادهما من العقود المترتبة على الثمن هو ترامي الأثمان، لا العقود الواقعة على الثمن الشخصي مرارا- علم أنّ مرادنا بما ذكرناه في المقسم- و هو قوله في (ص 399): «المجاز إمّا العقد الواقع على نفس مال الغير، و إما العقد الواقع على عوضه .. إلخ»- هو العوض مطلقا و إن كان مع الواسطة، فإنّه قد علم من الأمثلة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه أنّ المراد بعوض مال الغير أعمّ من العوض الشخصي، فيشمل العوض مطلقا سواء أ كان بلا واسطة كالفرس الذي هو عوض العبد الذي هو مال الغير، أم مع الواسطة كالرغيف و الدرهم و العسل و الحمار، فإنّها أبدال طوليّة للعبد، و أعواض مع الواسطة له.

(3) قد مرّ آنفا المراد بالمقسم.

(4) كالعبد الذي بيع فضولا.

(5) خبر قوله: «ان مرادنا»، و الجملة في محل رفع نائب فاعل ل «علم».

(6) كالفرس الذي هو العوض الشخصي الأوّل عن العبد.

(7) أي: لمال الغير.

(8) كما مرّ في الأمثلة المتقدمة، فإنّ العوض- في كل بيع- يقع معوّضا في بيعه

______________________________

(1) لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 70، مسالك الأفهام، ج 3، ص 159، الروضة البهية، ج 3، ص 233

ص: 418

[إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب]
اشارة

ثمّ إنّ هنا (1) إشكالا في شمول الحكم بجواز تتبّع العقود

______________________________

الآخر، كما إذا باع الفضول عبد الغير بفرس، ثم باع الفرس بدرهم، ثم باع الدرهم برغيف، ثم باع الرغيف بعسل.

هذا تمام الكلام في حكم إجازة بعض العقود المترتبة بناء على كلّ من الكشف و النقل، و سيأتي التعرض لإشكال يختص بما إذا علم المشتري بغصبية المبيع.

إشكال جواز تتبع العقود لو علم المشتري بالغصب

(1) أي: إنّ في جواز إجازة المالك أيّ عقد من العقود- الجارية على عين ماله أو على عوضه- إشكالا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع، نبّه عليه العلّامة، و أوضحه فخر الدين و قطب الدين الرازي و الشهيد قدّس سرّهم، و قد تقدم الإشارة إليه في ثالثة مسائل بيع الفضولي، فراجع «1». و ناسب التعرض له هنا أيضا.

و كيف كان فمحصل الاشكال: أنّه يلزم أن يكون البيع المجاز بيعا بلا ثمن، و بطلانه واضح. و منشأ هذا المحذور ما ذهب إليه الفقهاء من عدم ضمان البائع- الغاصب- للثمن الذي يأخذه من المشتري بإزاء المبيع المغصوب، مع فرض علم المشتري بغصبية المبيع، إذ لا يتحقق حينئذ مفهوم المعاوضة التي حقيقتها كون كلّ من المالين بإزاء الآخر، لفرض أنّه لا يكون بإزاء المبيع مال، لكون التسليط على الثمن مع العلم بغصبية المبيع مجانيا، فالضمان المعاوضي المقوّم للبيع مفقود هنا، فإجازته كالعدم، لكونها إجازة لبيع بلا ثمن، و من المعلوم أنّه ليس بيعا.

فصورة علم المشتري بغصبية المبيع للبائع الفضول خارجة موضوعا عن مسألة تتبع العقود، و إجازة المالك لأيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو بدله.

و بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري، فإذا اشترى الغاصب لنفسه سلعة بالثمن المزبور صارت السلعة ملكا له، فلا يكون البيع الأوّل و لا هذا الشراء- و كذا العقود اللاحقة الواقعة على هذه السلعة- مرتبطين بالمالك الأوّل حتى يكون له الإجازة و التتبّع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 606- 610

ص: 419

لصورة (1) علم المشتري بالغصب أشار إليه العلّامة رحمه اللّه في القواعد (2)، و أوضحه قطب الدين و الشهيد في الحواشي المنسوبة [1] إليه.

______________________________

أمّا البيع الأوّل فلكونه بيعا بلا ثمن، لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

و أمّا البيع الثاني فلوقوعه لنفس الغاصب، بعد صيرورة الثمن بسبب التسليط ملكا له، فيقع البيع له. و كذا ما بعده من البيوع الواقعة على ذلك الثمن المغصوب.

و أمّا الواقعة على عين المال لأشخاص بأثمان اخرى- غير ذلك الثمن المدفوع إلى البائع الغاصب- فللمالك إجازة أيّ واحد من تلك العقود الجارية على المثمن، لعدم خروجه عن ملك مالكه، فله أن يجيز أيّ عقد شاء من العقود الجارية على عين ماله أو عوضه.

و على هذا فجعل الإشكال في الإجازة و في تتبع العقود من الخروج الموضوعي أولى من جعله من الخروج الحكمي.

(1) متعلق ب «شمول» و المراد بالحكم هو جواز إجازة المالك العقود الواقعة على ماله أو بدله.

(2) قال في شروط المتعاقدين: «و للمالك تتبّع العقود و رعاية مصلحته، و مع علم المشتري إشكال» «1»، يعني: و مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا إشكال في إجازة المالك الأصيل العقد الواقع على نفس ماله، و تتبع العقود الواقعة على ماله أو عوضه.

______________________________

[1] هذه الكلمة توهم عدم الجزم بانتساب كتاب «حواشي الشهيد على قواعد العلّامة» إليه. مع أن الحاشية المنقولة في المتن نسبها السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه إلى الشهيد، فقال: «و قال الشهيد في حواشيه ..». و الظاهر أن منشأ الشبهة كلام صاحب الرياض على ما حكاه عنه في الذريعة و ارتضاه، حيث قال: «و قال صاحب الرياض: الحق أنّها بعينها الحواشي النجارية التي دوّنها الشيخ جمال الدين أحمد بن النجار تلميذ الشهيد. أقول:

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19

ص: 420

فقال الأوّل (1) فيما حكي عنه: «إنّ وجه الإشكال (2) أنّ المشتري مع العلم (3) يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن، و لذا (4) لو تلف لم يكن له الرجوع. و لو بقي (5)

______________________________

(1) و هو قطب الدين محمّد بن محمّد البويهي، من تلامذة العلّامة قدّس سرّهما و تسمّى حاشيته «الحواشي القطبيّة» كما أفاده في الذريعة «1». و الحاكي لكلامه هو السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه.

(2) قد مرّ آنفا توضيح الاشكال، و أنّ مناطه هو تسليط المشتري العالم بغصبية المبيع البائع الغاصب على الثمن. و قوله: «إن المشتري .. إلخ» بيان لأوّل وجهي الإشكال.

(3) أي: مع علم المشتري بغصبية المبيع، و قوله: «على الثمن» متعلق ب «مسلّطا».

(4) أي: و لأجل تسليط المشتري- العالم بغصبية المبيع- البائع الغاصب على الثمن، لو تلف الثمن عند البائع الغاصب فليس للمشتري مطالبة بدله. و هذا يكشف عن خروج الثمن عن ملك المشتري، و دخوله في ملك الغاصب بسبب التسليط المجّاني. فتأمّل، إذ مع فرض بقائه على ملكه يكون عدم جواز الرجوع إلى بدله منافيا لقاعدتي السلطنة و ضمان اليد العادية.

(5) يعني: و لو بقي الثمن- و لم يتلف في يد الغاصب- ففيه الوجهان، من حيث نفوذ الإجازة و عدمه.

______________________________

و يظهر حقيقته بتطبيق ما في النسخة المذكورة مع المطبوع من النجارية، كما ذكرنا» «2». لكن الموجود في غير موضع من رياض العلماء نسبة الحواشي النجارية إلى الشهيد، كقوله:

«و منها الحواشي النجارية، و الحقّ أنّها بعينها حاشية الشهيد الأوّل» «3». و قوله: «و له أي و للشهيد أيضا حواشي القواعد إلى آخر الكتاب، سمّاها حواشي النجارية ..» «4».

______________________________

(1) الذريعة الى تصانيف الشيعة، ج 6، ص 172

(2) نفس المصدر

(3) رياض العلماء، ج 1، ص 387 و ج 6، ص 36

(4) المصدر، ج 5، ص 187

ص: 421

ففيه الوجهان (1) [1]، فلا ينفذ (2) فيه إجازة المجيز بعد تلفه بفعل (3) المسلّط بدفعه ثمنا

______________________________

(1) من كون عين المال موجودا، فله المطالبة. و من أنّ الإعراض الحاصل بالتسليط يوجب الخروج عن الملك، فيتملكه الغاصب بالقبض، فليس للمشتري الرجوع بها على الغاصب.

و يمكن أن يكون بناء الوجهين على أنّ التسليط تمليك للغاصب، فليس للمشتري العالم بغصبية المبيع الرجوع إلى الغاصب إلّا من باب الهبة إن لم تكن من ذي الرحم، أو إذن في الإتلاف، فعلى الأوّل ليس له الرجوع، و على الثاني له الرجوع.

(2) يعني: فلا ينفذ في بيع الغاصب مال الغير إجازة المالك الأصيل بعد تلف الثمن. و هذا متفرّع على ما أفاده قطب الدين رحمه اللّه من تسليط المشتري- العالم بغصبية المبيع- البائع الغاصب على الثمن.

توضيحه: أنّ الثمن بسبب التسليط صار ملكا للفضولي الغاصب، و لم يدخل في ملك مالك المبيع المغصوب، فلم يتحقق مفهوم البيع المتقوّم بالمبادلة بين المالين، فلا موضوع للإجازة، ضرورة أنّ مرجعها إلى إجازة البيع بلا ثمن، و لذا يصير المال الذي يشتريه الغاصب- بذلك الثمن- ملكا له، كما صار الثمن ملكا له بالتسليط.

(3) الباء للسببية، و متعلق ب «ينفذ» يعني: لا تنفذ الإجازة في هذا البيع بسبب فعل المسلّط، و هو البائع الغاصب، و المقصود بفعله هو دفع الثمن- الذي أخذه من المشتري- إلى بائع مبيع اشتراه لنفسه. فتلف الثمن إنّما حصل بدفعه عن سلعة اشتراها الغاصب من بائعها. و هذا التلف ناش عن تسليط المشتري الذي هو السبب حقيقة لعدم نفوذ إجازة

______________________________

[1] الظاهر كون اللام للتعريف الذكري، لكن لم يذكر الوجهان قبل العبارة المحكيّة في المتن، و لا يحضرني حاشية قطب الدين على القواعد حتى أراجعه.

و كيف كان فالحقّ جواز الرجوع مع بقاء العين، لأنّ التسليط المجّاني على تقديره إمّا هبة، و إمّا إباحة مالكية. و على التقديرين يجوز الرجوع إلّا في هبة ذي الرّحم.

لكن الحق انتفاء كليهما، إذ ليس هناك إنشاء جديد حتى يقال: إنّه هبة أو إباحة، بل التسليط ليس إلّا وفاء للثمن. و منه يظهر جواز إجازة مالك المبيع المغصوب، و اشتغال ذمة المشتري له بالثمن.

ص: 422

عن مبيع اشتراه (1). و من (2) أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة، و لم يمنع (3) من نفوذ الملك فيه إلّا عدم صدوره (4) عن المالك، فإذا أجاز (5) جرى [1]

______________________________

المالك الأصيل، لصيرورة البيع بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة كما مرّ آنفا.

(1) أي: عن مبيع اشتراه الغاصب لنفسه.

(2) هذا ثاني وجهي الإشكال المثبت لنفوذ الإجازة، مع علم المشتري بغصبيّة المبيع فضولا. و الظاهر زيادة كلمة «من» و حق العبارة أن تكون «و أنّ الثمن» حتى يعطف «ان الثمن» على «ان المشتري» فكأنه قال: «إن وجه الاشكال: أنّ المشتري مع العلم .. إلخ. و أنّ الثمن عوض».

و كيف كان فملخّص هذا الوجه: أنّ المانع عن تملك المالك الأصيل للثمن الذي دفعه المشتري إلى البائع الغاصب- عوضا عن العين المملوكة للغير- ليس إلّا عدم صدور البيع عن المالك، فإذا أجاز كانت الإجازة بمنزلة صدور العقد منه، فيملك الثمن بلا مانع. كما يملك المشتري المبيع كذلك، فلا يلزم كون البيع بلا ثمن حتى لا يكون موضوعا للإجازة.

و بالجملة: قد جعل الثمن قبل دفعه إلى الغاصب البائع ثمنا للمبيع المغصوب، و عدم اتصافه بالثمنية كان لأجل عدم صدور البيع من المالك. فإذا أجاز كانت إجازته بمنزلة صدور البيع عنه، فيتصف حينئذ بالثمنية و العوضية.

(3) يعني: و لم يمنع شي ء من نفوذ الملك في الثمن، سوى عدم صدور البيع من المالك.

(4) الضمير راجع إلى «العقد» المستفاد من العبارة.

(5) يعني: إذا أجاز مالك المبيع المغصوب- الذي باعه الفضول- جرى مجرى البيع الصادر عن المالك.

______________________________

[1] هذا بناء على كاشفية الإجازة، حيث إنّ الإجازة تكشف عن صحة العقد قبل تسليط المشتري، و عدم ملكية الثمن للبائع الغاصب، و عن انتقال المبيع إلى المشتري قبل دفع الثمن إلى البائع الغاصب. و أمّا بناء على ناقليتها فليست الإجازة نافذة، لصدورها بعد دخول الثمن في ملك البائع بالتسليط، فلا يجري عقد الفضولي حينئذ بسبب الإجازة مجرى العقد الصادر من المالك.

ص: 423

مجرى الصادر عنه» انتهى «1» [1].

______________________________

[1] لا يخفى أن قطب الدين الرازي قدّس سرّه لم يرجّح أحد طرفي الاشكال. و وجه عدم صحة الإجازة- و هو عدم انتقال الثمن إلى مالك المبيع فضولا لأجل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن- مشترك بين الفخر و الشهيد قدّس سرّهما، إذ كلاهما قائل بعدم المقتضي للإجازة، حيث إنّ المقتضي و هو البيع مفقود هنا، لتقومه بتبادل المالين المنفي في المقام، بعد فرض انتقال الثمن إلى البائع الغاصب، و عدم انتقاله إلى المالك الأصيل.

و لازم بطلان إجازة العقد الأوّل بطلان إجازة الثاني، ضرورة أنّه وقع على مال الغاصب، إذ المفروض وقوع البيع على الثمن الذي صار ملكا له بتسليط المشتري. و من المعلوم أنّ صحة الإجازة من المالك منوطة بكون المجيز مسلّطا شرعا على الإجازة، بأن يكون مالكا لأحد العوضين، أو وكيلا عنه، أو وليّا عليه، أو مأذونا من قبله.

و الحاصل: أنّ البيع الثاني و إن كان مشتملا على عوضين و أجنبيا عن البيع بلا ثمن، لكنّهما ليسا من المالك الأصيل، فلو أجازه وقعت إجازته على غير ماله، و هي غير نافذة.

بخلاف البيع الأوّل، فإنّه لا ثمن فيه، فليس بيعا حقيقة حتى يقبل الإجازة، هذا.

لكن الحق صحة إجازة البيع الأوّل من مالك المبيع المغصوب، بداهة أنّ المشتري لا ينشئ تمليكا جديدا للثمن للبائع الغاصب، بل تسليطه الغاصب على الثمن يكون بعنوان الوفاء، إذ من المعلوم أنّه لا يدفع الثمن إلّا عوضا عن المبيع، و لذا لم يدفع إليه المال في غير مقام المعاملة. غاية الأمر أنّه يعلم بأنّ البائع لا يدفع الثمن إلى مالكه و هو المغصوب منه، و يتصرف فيه عدوانا، كتصرفه في نفس المبيع، و هذا العلم لا يضرّ بقصد البيع و المبادلة، فلا مانع من إجازة المالك، إذ لا يلزم محذور البيع بلا ثمن. كما أنّه لا مانع من إجازة البيع الثاني و الثالث و الرابع الجارية على الثمن أو المثمن.

تنبيه: لا يخفى أنّ مورد الاشكال هو الثمن الشخصي لا الكلي، لأنّ المبذول للغاصب ليس هو الثمن الذي وقع عليه العقد حتى تكون العقود الواردة عليه واقعة على الثمن كي تندرج هي تحت عنوان تتبع العقود الجارية على الثمن. لكنّك قد عرفت عدم مملّكية التسليط، و صحة إجازة مالك المبيع العقد الأوّل و غيره من العقود الواقعة على المبيع أو الثمن.

______________________________

(1) حكاه السيد العاملي عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 424

و قال (1) في محكيّ الحواشي: «إنّ المشتري مع علمه (2) بالغصب يكون مسلّطا للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل (3) في ملك ربّ العين [1].

______________________________

(1) يعني: و قال الشهيد الأوّل في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه على قواعد العلّامة قدّس سرّه. و ملخص ما أفاده: صيرورة بيع الفضول الغاصب للمبيع- مع علم المشتري بالغصب- بيعا بلا ثمن، حيث إنّ تسليطه البائع الغاصب على الثمن مانع عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب، حتى يتحقق التبادل بين المالين الذي يتقوّم به البيع. فالمتاع الذي يشتري به الغاصب يكون ملكا له، لصيرورة ثمنه ملكا له.

و الشاهد على مملكية التسليط برهانان إنّيّان:

أحدهما: حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب إذا رجع المالك على المشتري بالمبيع، و هذا دليل على ملكية الثمن للبائع الغاصب.

ثانيهما: حكمهم بعدم جواز الرجوع إلى البدل إذا أتلفه الغاصب، إذ لو كان ملكا للمشتري كان إتلافه موجبا للضمان [2].

(2) أي: علم المشتري بغصبيّة المبيع للبائع الفضول.

(3) يعني: فلا يدخل الثمن مع هذا التسليط في ملك ربّ العين، و هو مالك المبيع المغصوب.

______________________________

[1] هذه العبارة ظاهرة في كون الإجازة ناقلة، إذ مع الكاشفية يؤثر عقد الفضول من حينه، و يدخل الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن، فيجوز للمالك إجازة البيع الأوّل من دون لزوم كونه بيعا بلا ثمن.

[2] لكن فيهما ما لا يخفى إذ في الأوّل: أنّ التسليط ليس من الأسباب الناقلة، إلّا إذا كان هبة. و حينئذ يجوز الرجوع فيه مع بقائه.

و في الثاني: أنّ عدم الضمان ليس لازما مساويا لمالكية الغاصب للثمن، بل أعمّ منه.

فعدم الضمان لا يدلّ على كون الثمن ملكا للغاصب، بل عدم الضمان إنّما هو لأجل إذن المشتري في التصرّف فيه و لو بإتلافه، أو لأجل العقوبة، لأنّه عاوض ماله بحرام، فليس له الرجوع إلى بدله إذا أتلفه الغاصب.

ص: 425

فحينئذ (1) إذا اشترى به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه (2)، و أتلفه عند الدفع إلى البائع (3)، فتتحقق (4) ملكيّته (5) للمبيع. فلا (6) يتصوّر نفوذ الإجازة هنا (7)،

______________________________

(1) أي: فحين تسليط المشتري العالم بالغصب البائع الغاصب على الثمن كدينار مثلا- الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع المغصوب- يترتّب عليه: أنّه إذا اشترى البائع الغاصب بهذا الثمن متاعا كما إذا اشترى به ثوبا، فقد اشتراه لنفسه، لصيرورة الثمن ملكا له إمّا للتسليط المجاني بناء على ملكيته، و إمّا للبناء على جواز جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك في المعاطاة، فيصير الثوب الذي اشتراه البائع الغاصب ملكا له، كما يصير الدينار ملكا لبائع الثوب.

(2) لأنّه اشتراه بالثمن الذي صار ملكا له بالتسليط المزبور. و على هذا فمالك المبيع المغصوب- الذي بيع فضولا- أجنبي عن الثوب و الثمن الذي اشترى به الفضولي ثوبه.

(3) أي: بائع ذلك المتاع، و هو الثوب في المثال.

(4) هذه نتيجة ملكية الثمن للبائع الغاصب بسبب تسليط المشتري، يعني: فيتحقق مالكية البائع الغاصب للمبيع، و هو الثوب الذي اشتراه لنفسه بالثمن المزبور.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و في مفتاح الكرامة «ملكه للمبيع» و الأولى أن يقال:

«مالكيته» أو «ملكية المبيع للبائع الغاصب».

(6) هذا متفرّع على قوله: «فلا يدخل في ملك ربّ العين» يعني: أنّه لا يتصور نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب في بيع الغاصب، لأنّ المفروض صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب، دون المالك المغصوب منه حتى يكون عوضا عن المبيع المغصوب، فيصير بيعه بلا ثمن، و هو ليس بيعا لا شرعا و لا عرفا. فإجازته لا تنفذ، لعدم موضوع لها، فبيع الفضول المال المغصوب ليس قابلا للإجازة، لأنّه صورة بيع، و ليس بيعا حقيقة، لكونه بلا ثمن.

(7) أي: في العقد الثاني، و هو اشتراء البائع متاعا بالثمن المذكور، فلا تنفذ إجازة مالك المبيع المغصوب في البيع الثاني، لصيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب، و عدم دخوله في ملك المالك الأصيل حتى تنفذ إجازته، بل يكون أجنبيا عن الثمن و المتاع الذي اشتراه به الغاصب.

ص: 426

لصيرورته (1) ملكا للبائع، و إن أمكن إجازة المبيع (2). مع احتمال عدم نفوذها (3) أيضا، لأنّ (4) ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه، فلا يكون (5) ثمنا، فلا تؤثّر (6) الإجازة في جعله ثمنا.

______________________________

(1) تعليل لعدم تصور نفوذ الإجازة هنا، و محصّله: أنّ صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب- و عدم انتقاله إلى المالك المغصوب منه حتى يصحّ منه إجازة العقد الثاني- توجب كون المالك الأصيل أجنبيا عن البيع، فلو أجازه لم تنفذ فيه.

(2) هذا راجع إلى البيع الأوّل، يعني: و إن احتمل نفوذ إجازة المبيع المغصوب الذي باعه الفضولي، نظرا إلى ما ذكره قطب الدين في (ص 423) بقوله: «و من أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة». و المانع عن دخول الثمن في ملكه عدم صدور العقد من المالك، فإذا أجاز جرت إجازته مجرى صدور العقد من المالك.

(3) أي: عدم نفوذ الإجازة- كما هو أحد وجهي الإشكال الذي ذكره قطب الدين في كلامه- فإنّه محتمل، كاحتمال نفوذها.

و حاصل وجه عدم النفوذ: أنّ الثمن الذي دفعه المشتري العالم بالغصب إلى البائع الغاصب يكون كالمال الذي أذن مالكه لمن قبضه في إتلافه. و القابض أيضا أتلفه بدفعه إلى من اشترى ثوبا منه، و جعله ثمنا له. فلم يبق شي ء حتى يكون ثمنا للمبيع المغصوب الذي باعه الفضولي، فإجازة المالك الأصيل لا تؤثّر في جعل هذا المال التالف ثمنا لذلك المبيع المغصوب، فيصير بيع الفضول بيعا بلا ثمن، و غير قابل للإجازة.

(4) تعليل لاحتمال عدم نفوذ الإجازة، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و حاصل وجه عدم النفوذ».

(5) أي: فلان يكون ما دفعه ثمنا. و قوله: «كالمأذون» خبر «لأنّ».

(6) هذه نتيجة عدم صيرورته ثمنا بالإجازة، إذ الإذن في إتلافه- المفروض حصوله- يسقطه عن قابلية العوضية عن المبيع المغصوب، فليس في البين تسليط تمليكي، بل تسليط على ماله و إذن له في إتلافه، مع بقاء إضافة ملكيته له حين إتلافه، بمعنى ورود الإتلاف على ماله.

ص: 427

فصار (1) الإشكال في صحّة البيع (2) و في التتبّع (3)».

ثمّ قال (4): «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبّع (5)

______________________________

(1) هذا متفرّع على عدم صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع المغصوب، يعني: فصار الإشكال في نفوذ الإجازة في البيع الأوّل، و هو بيع العبد بالفرس في مثال المصنف قدّس سرّه.

و في التتبع، و هو اشتراء البائع الغاصب فراشا مثلا بالفرس.

و وجه الإشكال في البيع الأوّل- و هو بيع العبد بالفرس- أنّه بيع بلا ثمن، إذ المفروض عدم صيرورة الثمن المبذول و هو الفرس ملكا لمالك العبد، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة، لعدم كونه بيعا حقيقة.

و في البيع الثاني- و هو اشتراء البائع الغاصب فراشا بالفرس- أنّ مالك العبد أجنبي عن بيع الفرس بالفراش، إذ المفروض كون الفرس ملكا للغاصب الذي اشترى به الفراش، فصار الفراش ملكا له. فمالك العبد أجنبي عن هذا البيع الثاني ثمنا و مثمنا، فلا موضوع لإجازته. فلا تنفذ الإجازة في شي ء من هذين العقدين، فهما باطلان بالنسبة إلى المالك، و ليسا قابلين لإجازته.

(2) أي: البيع الأوّل، و هو بيع الغاصب العبد بالفرس، فإنّه أوّل عقد وقع على مال المجيز.

(3) و هو بيع الفرس بالفراش، و ما بعده من العقود الواقعة عليه، لأنّها أجنبيّة عن مالك العبد عوضا و معوّضا، فليس له إجازة شي ء منها. فالتتبع- و هو إجازة أيّ عقد من العقود الواقعة على مال المجيز أو عوضه- غير جار هنا.

(4) أي: قال الشهيد الأوّل في الحواشي المنسوبة إليه على القواعد.

(5) أي: عدم نفوذ إجازة مالك العبد العقد الثاني، و هو بيع الفرس بالفراش، فإنّ لازم بطلان التتبع- لأجل أجنبية مالك العبد عن بيع الفرس بالفراش- بطلان بيع العبد بالفرس، إذ المفروض صيرورة الفرس بسبب التسليط المجاني ملكا للبائع الغاصب، فيكون بيع العبد بالفرس بيعا بلا ثمن، و هو ليس قابلا للإجازة.

فيصح أن يقال: إنّ الإشكال في صحة البيع الأوّل في نفسه مع الغض عن كونه من لوازم بطلان التتبع، إذ لو لم يقع البيع الثاني كان البيع الأوّل باطلا أيضا، لأنّ منشأ بطلانه خلوّه عن الثمن، و هو معلول التسليط المجاني على الثمن، لا وقوع البيع الثاني.

ص: 428

بطلان إجازة البيع (1) في المبيع، لاستحالة (2) كون المبيع بلا ثمن. فإذا قيل: إنّ الإشكال في صحّة العقد (3) كان (4) صحيحا أيضا» (5) انتهى «1».

و اقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد رحمه اللّه أخيرا (6) في وجه سراية

______________________________

(1) و هو البيع الأوّل الذي مبيعه العبد، و معنى بطلان الإجازة عدم نفوذها، لعدم قابلية البيع بلا ثمن لها.

(2) تعليل لبطلان إجازة البيع الأوّل، و هو واضح.

(3) يعني: صحة العقد الأوّل في نفسه. و قوله: «فإذا قيل ان الاشكال» متفرع على «لاستحالة».

(4) جواب الشرط في «فإذا قيل» و اسم «كان» هو القول المستفاد من الشرط.

(5) يعني: كما يصح أن يقال: إنّ لازم بطلان القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع الأوّل.

(6) و هو قوله في (ص 427): «لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا تؤثر الإجازة .. إلخ».

ثم إنّ عبارة المتن ظاهرة في أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه اقتصر في بيان وجه الإشكال- المذكور في القواعد عند علم المشتري بالغصب- على التعرض لأحد الوجهين المذكورين في حواشي الشهيد قدّس سرّه، و لم يتعرض للوجه الآخر. يعني: أنّ المذكور في جامع المقاصد هو خصوص ما أفاده الشهيد أخيرا من استلزام بطلان تتبع العقود بطلان إجازة أصل البيع الفضولي مع علم المشتري بالغصب، حيث قال الشهيد: «إنّه يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع .. فإذا قيل: إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا».

و قال المحقق الكركي- في شرح قول العلامة: و مع علم المشتري إشكال- ما لفظه: «أمّا مع علمه بالغصب ففي الحكم إشكال، ينشأ من ثبوت المعاوضة في العقد، فله تملكه بالإجازة رعاية لمصلحته. و من انتفائها بحسب الواقع، لأنّ المدفوع ثمنا يملكه الغاصب، لتسليطه إيّاه عليه» و هذان هما الوجهان المتقدمان في كلام الشهيد.

______________________________

(1) يعني: انتهى كلام الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه، و الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 429

هذا الإشكال (1) إلى صحّة عقد الفضوليّ مع علم المشتري بالغصب.

و المحكيّ عن الإيضاح: ابتناء وجه بطلان جواز تتبّع العقود للمالك مع علم المشتري (2) على (3) كون الإجازة ناقلة،

______________________________

ثم قال المحقق الكركي قدّس سرّه: «و الأصح عدم الفرق بين علمه بالغصب و عدمه، لأنّ المعتمد أنّ للمشتري استعادة الثمن مع بقاء عينه، لعدم خروجه عن ملكه إلى الغاصب، لعدم المقتضي .. إلخ» «1».

و هذه العبارة ظاهرة بل صريحة في الحكم بصحة بيع الفضولي في فرض علم المشتري بالغصب. و لم يظهر لنا مراد المصنف من اقتصار المحقق الثاني على بيان سراية إشكال تتبع العقود إلى مطلق علم المشتري بالغصب. و هو أعلم بما قال.

و هذه المسامحة موجودة في مفتاح الكرامة أيضا، لقوله: «و جعل الإشكال في جامع المقاصد في صحة البيع، و ذكر في توجيهه نحو ما ذكره الشهيد» «2».

(1) و هو: أنّه كيف يتصوّر نفوذ إجازة مالك المبيع المغصوب مع علم المشتري بغصبيّته؟ الموجب لعدم دخول الثمن في ملك مالك المبيع.

(2) بكون البائع الفضول غاصبا للمبيع. محصّل ما أفاده في عبارته المحكية في المتن هو: أنّ عدم جواز تتبع العقود لمالك المبيع المغصوب- مع علم المشتري بغصبيته- مبنيّ على مذهب القائلين بناقلية الإجازة، إذ مع كاشفيتها تكون ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن، لصيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع حين العقد الذي أنشأه العاقد الفضولي. و هذا يشعر بتسليمه كون التسليط مملّكا للثمن للغاصب، فله الإجازة، لتحقق المعاوضة التي يتقوم بها البيع، فلا يلزم أن يكون البيع بلا ثمن.

بخلاف البناء على ناقلية الإجازة، فإنّ التسليط على الثمن يكون قبل الإجازة، فيملكه البائع الغاصب قبل الإجازة، فيصير البيع بلا ثمن، و هو غير صالح للإجازة.

و بالجملة: فمنشأ الإشكال في جواز تتبع العقود للمالك و عدمه هو الإشكال في كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(3) متعلق ب «ابتناء» و هو خبر قوله: «و المحكيّ».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 71

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192

ص: 430

فيكون منشأ الإشكال في الجواز (1) و العدم الإشكال في الكشف و النقل [1].

قال (2) في محكيّ الإيضاح: «إذا كان المشتري جاهلا فللمالك تتبّع العقود

______________________________

(1) أي: الإشكال في جواز تتبع العقود و عدمه للمالك.

(2) يعني: قال فخر المحققين قدّس سرّه. محصّل ما أفاده: أنّه في صورة جهل المشتري بغصبية المبيع يجوز للمالك تتبع العقود الواقعة على ملكه و عوضه، لأنّه مع الجهل بالغصبية لا يسلّط المشتري البائع الغاصب على الثمن حتى لا يدخل في ملك مالك المبيع كي يكون بيعا بلا ثمن، و لا يتحقق مفهوم المعاوضة المقوّمة عرفا و شرعا للبيع. فللمالك حينئذ تتبع العقود في سلسلتي الثمن و المثمن.

و أمّا في صورة علم المشتري بغصبية المبيع، فعلى القول بناقلية الإجازة ليس للمشتري حقّ الرجوع على البائع الغاصب و أخذ الثمن منه إذا رجع المالك على المشتري و أخذ المبيع المغصوب منه، و إن كانت عين الثمن موجودة عند البائع كما ذهب إليه الفقهاء. و ذلك لأنّ الثمن صار ملكا للبائع بتسليط المشتري له على الثمن و تمليكه له مجّانا قبل إجازة المالك الأصيل، و المفروض أنّ الإجازة إمّا سبب أو شرط للنقل و الانتقال، و لم يحصل إلّا بعد صيرورة الثمن ملكا للبائع الغاصب بالتسليط، فليس للمالك تتبع العقود، لعدم وقوعها على ملكه. كما أنّه ليس للمشتري الرجوع على البائع و أخذ الثمن منه و إن كان موجودا.

و على القول بكاشفية الإجازة للمالك حقّ تتبع العقود، لأنّ الثمن بنفس العقد صار ملكا لمالك المبيع المغصوب، و الإجازة تكشف عن ملكية الثمن لمالك المبيع قبل تسليط

______________________________

[1] هذا صحيح بناء على كون تسليط الغاصب على الثمن مملكا مجّانيّا، بأن يكون هبة. و أمّا إذا كان التسليط وفاء للثمن لا إنشاء للتمليك الجديد، و لذا لم يسلّط الغاصب في زمان آخر غير زمان هذا البيع، خصوصا بملاحظة ما تقدّم من: أنّ حقيقة البيع هي مبادلة المالين من دون نظر إلى خصوصية المالكين- كان ابتناء بطلان جواز تتبع المالك للعقود كما عن الإيضاح على ناقلية الإجازة- بحيث يكون منشأ الاشكال في الجواز و العدم هو الإشكال في النقل و الكشف- غير ظاهر الوجه.

ص: 431

و رعاية مصلحته، و الربح في (1) سلسلتي الثمن و المثمن.

و أمّا (2) إذا كان عالما بالغصب فعلى قول الأصحاب: من أنّ المشتري إذا رجع (3) عليه بالسلعة لا يرجع على الغاصب بالثمن مع وجود عينه، فيكون (4) قد ملّك الغاصب مجّانا، لأنّه (5) بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنصّ الأصحاب (6).

______________________________

المشتري البائع الغاصب على الثمن، فللمالك تتبع العقود الواقعة على الثمن، لأنّها وقعت على ملكه.

فالمتحصل: أنّه في صورة علم المشتري بغصبية المبيع يكون جواز تتبع العقود و عدمه مبنيا على كاشفية الإجازة و ناقليتها.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكنّ الصحيح- كما في الإيضاح و في ما نقله عنه في مفتاح الكرامة- «و الربح له في ..» أي: للمالك. و على تقدير سقوط «له» فلا بد أن يكون الظرف- أعني به في- متعلقا ب «تتبع»، و يمكن تعلقه ب «رعاية» أيضا.

(2) في الإيضاح: «و أما إن كان» و هو معطوف على «إن كان المشتري جاهلا» أي بالغصب.

(3) يعني: إذا رجع مالك المبيع المغصوب على المشتري، و أخذ المبيع منه، لم يرجع المشتري على البائع الغاصب بالثمن، لسبق سبب ملكية الثمن للغاصب على سبب ملكيته للمالك.

ثم إنّه قيل: انّ «رجع» بصيغة المفعول، و «يرجع» بصيغة الفاعل. و إن كان الأوّل بصيغة الفاعل صحيحا أيضا.

________________________________________

(4) العبارة في الإيضاح هكذا: «فيكون قد ملكه الغاصب مجانا» و الأولى أن يقال:

«لأنّه قد ملّك الغاصب مجّانا بالتسليم إليه» لأنّ الفاء في «فيكون» ظاهر في التفريع، مع أنّ الأمر بالعكس، لأنّ تمليك الغاصب علّة لعدم الرجوع، لا معلول له.

(5) الضمير للشأن، و هذا تعليل لتمليك الغاصب، و حاصله: أنّ التسليم إلى الغاصب علّة لملكية الثمن للبائع الغاصب، و عليه فليس للمشتري استرداد الثمن منه.

(6) سقط من عبارة الإيضاح هنا قوله: «فقبله أولى أن لا يكون له، و المالك ..»

و ظاهره الإجماع كما ادعاه والده في المختلف بقوله: «إذا رجع- أي المالك- على المشتري

ص: 432

و المالك (1) قبل الإجازة لم يملك الثمن، لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب (2)، فلو لم يكن (3) للغاصب فيكون (4) الملك بغير مالك، و هو محال (5)، فيكون (6) قد سبق

______________________________

العالم، قال علماؤنا: لم يكن للمشتري الرجوع على الغاصب البائع، لأنّه علم بالغصب، فيكون دافعا للمال بغير عوض. و أطلقوا القول في ذلك. و الوجه عندي التفصيل، و هو:

أنّ الثمن إن كان موجودا قائما بعينه كان للمشتري الرجوع به. و إن كان تالفا فالحق ما قاله علماؤنا» «1».

(1) مبتدء، خبره قوله: «لم يملك» و الغرض منه تأييد مالكية الغاصب للثمن، و حاصله: أنّه لو لم يكن الثمن ملكا للبائع الغاصب يلزم المحال، و هو: كون الملك بلا مالك، توضيحه: أنّ الثمن بعد تسليط البائع عليه خرج عن ملك المسلّط و هو المشتري، و لم يدخل في ملك مالك المبيع، لتوقّف دخوله في ملكه على الإجازة، ضرورة أنّها إمّا شرط لتأثير البيع الفضولي، أو بيع مستقلّ، على الخلاف الذي تقدّم سابقا، فلا بدّ أن يكون مالك الثمن هو الغاصب، و إلّا لزم أن يكون الملك بلا مالك، و هو محال.

(2) كما تقدمت حكاية كاشف الرموز ذلك عن شيخه «2».

(3) يعني: فلو لم يكن الثمن ملكا للغاصب لزم بقاء الملك بلا مالك، و هو محال، لأنّ المالكيّة و المملوكيّة من الأوصاف المتضايفة، فيمتنع انفكاك إحداهما عن الأخرى.

(4) في الإيضاح: «لكان ملكا بلا مالك» و الظاهر اعتماد المصنف على ما في مفتاح الكرامة من قوله: «فيكون ملكا بغير مالك».

(5) لاستحالة انفكاك أحد المتضايفين عن الآخر.

(6) هذه نتيجة دخل الإجازة- سببا أو شرطا- في تأثير العقد، و محصّله: أنّ سبب ملكية الثمن للبائع و هو التسليط لمّا كان قبل سبب ملكية الثمن و هو الإجازة للمالك، فلا محالة يصير الثمن ملكا للغاصب قبل حصول الإجازة، لتقدّم سببه- و هو التسليط- على سبب ملك الثمن للمالك و هو الإجازة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 55 و 56

(2) راجع الجزء الرابع من هذا الشرح، ص 569

ص: 433

ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له (1) أي (2) الإجازة. فإذا (3) نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك (4) إبطاله، و يكون ما يشتري الغاصب بالثمن (5) و ربحه (6) له (7). و ليس للمالك (8) أخذه، لأنّه (9) ملك الغاصب.

و على القول (10) بأنّ إجازة المالك كاشفة،

______________________________

(1) أي: ملك المالك للثمن. و قوله: «على سبب» متعلق ب «سبق ملك».

(2) هذا مفسّر لقوله: «سبب ملك المالك» و هذه الزيادة ليست من عبارة الإيضاح، و إنّما ذكرها السيد العاملي توضيحا لكلام فخر المحققين.

(3) هذه نتيجة ملكية الثمن للغاصب. بعد أن ثبت كون الثمن ملكا للغاصب، فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه بأن اشترى به ثوبا مثلا، كان ما اشترى به ملكا له، و ليس لمالك المبيع المغصوب إبطاله، لكونه أجنبيا عن الثمن و غير مالك له.

(4) أي: لمالك المبيع المغصوب.

(5) سقط هنا كلمة «له» أي للغاصب.

(6) معطوف على «ما» و الضمير راجع الموصول المراد به المال الذي يشتريه الغاصب بالثمن الذي أخذه من المشتري، كما إذا اشترى به الغاصب غنما، فإنّ ذلك الغنم مع منافعه ملك للغاصب، و ليس شي ء من الغنم و منافعه ملكا لمالك العين المغصوبة.

(7) أي: للغاصب.

(8) أي: ليس لمالك العين المغصوبة أخذ المال الذي اشتراه الغاصب بالثمن الذي قبضه من المشتري.

(9) تعليل لعدم جواز أخذ مالك المبيع المغصوب المتاع الذي اشتراه الغاصب بذلك الثمن، و حاصله: أنّ المتاع المشتري بذلك الثمن ملك للغاصب، فليس لمالك المبيع المغصوب أخذه منه.

هذا كلّه بناء على ناقلية الإجازة الموجبة لتأخر سبب نقل الثمن- إلى مالك العين المغصوبة- عن سبب نقله إلى الغاصب، و صيرورة الثمن ملكا للغاصب بالتسليط الذي هو قبل الإجازة التي هي بعد التسليط.

(10) يعني: و بناء على كاشفية الإجازة إذا أجاز مالك المبيع المغصوب كان الثمن له،

ص: 434

فإذا أجاز العقد (1) كان له (2).

و يحتمل (3) أن يقال: لمالك العين حقّ تعلّق بالثمن، فإنّ (4) له إجازة البيع و أخذ الثمن، و حقّه (5) مقدّم على حقّ الغاصب (6) [1]،

______________________________

لكون سببه- و هو العقد الفضولي- متقدما على التسليط الذي هو سبب ملكية الثمن للغاصب.

(1) العبارة في الإيضاح هكذا «فإذا أجازه كان له».

(2) أي: كان الثمن للمالك، لتقدّم سبب ملكية الثمن له على سبب ملكيته للغاصب كما مرّ آنفا.

(3) الغرض من إبداء هذا الاحتمال هو إثبات جواز الإجازة و تتبع العقود على النقل أيضا، و حاصل هذا الوجه: أنّ نفس العقد يوجب لمالك المبيع المغصوب حقّا متعلّقا بالثمن، و هذا الحقّ مقدّم على حقّ الغاصب، لقيامه بنفس العقد. بخلاف حق الغاصب، فإنّه قائم بالتسليط، و هو متأخر عن العقد. فللمالك إجازة البيع و أخذ الثمن منه.

(4) تعليل لقوله: «لمالك العين حق» و حاصله: أنّ منشأ تعلّق الحق بالثمن هو ثبوت حق إجازة البيع.

(5) يعني: و حقّ المالك- لقيامه بنفس العقد- مقدّم على حق الغاصب الناشئ من التسليط.

(6) و قد حذف أيضا هنا قول الإيضاح: «بدفع المشتري، و لأن الغاصب ..».

______________________________

[1] ثبوت الحق للغاصب مبني على مملكية التسليط، أو كونه موجبا للإذن في تصرف الغاصب في الثمن مطلقا حتى التصرف المتلف له. و قد عرفت أنّ التسليط ليس إنشاء جديدا حتى يقال: إنّه تمليك أو إذن في مطلق التصرف، بل هو وفاء للثمن الذي جعله المشتري عوضا عن المبيع، فلا يتصور حينئذ للغاصب حق بالنسبة إلى الثمن حتى يكون حقّ المالك مقدّما عليه، بل للمالك حقّ الإجازة في بيع الغاصب مطلقا، سواء أ كان المشتري عالما بغصبية البائع أم لا، من دون فرق بينهما أصلا.

ص: 435

لأنّ [1] الغاصب يؤخذ بأخسّ أحواله و أشقّها عليه، و المالك مأخوذ (1) بأجود الأحوال».

ثمّ قال (2): «و الأصحّ عندي- مع وجود عين الثمن- للمشتري العالم (3) أخذه، و مع التلف ليس له الرجوع به» انتهى كلامه رحمه اللّه.

______________________________

(1) عبارة الإيضاح المنقولة في مفتاح الكرامة أيضا هي: «و المالك بأجود أحواله» «1».

(2) أي: قال فخر المحققين بعد أسطر: «و الأصحّ عندي ..» و مختاره موافق لما تقدم عن والده في المختلف. فراجع (ص 433).

(3) أي: العالم بغصبية المبيع، و قوله: «أخذه» خبر «و الأصح»، و ضميره كضمير «به» راجع إلى الثمن.

______________________________

[1] الأولى التعليل بأسبقية سبب ملكية الثمن- و هو العقد- لمالك العين المغصوبة من سبب ملكية الثمن للغاصب، و إلّا فمع فرض تقدم سبب ملكية الثمن للغاصب، على سبب ملكيته للمالك يحكم بملكية الثمن له دون المالك، و لا معنى حينئذ لأخذ الغاصب بأخس أحوالها، إذ ليس البائع حينئذ غاصبا للثمن. و كونه غاصبا للمبيع أجنبي عن الثمن. و أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال إنّما هو بعد تحقق الغاصبية له. و الكلام في المقام يكون في حدوثها، فإنّ أخذ الغاصب بأشقّ الأحوال لا يمنع عن تأثير الأسباب الشرعية في حقه، فتمليك المشتري إيّاه الثمن- كتمليكه شيئا آخر من أمواله- في الصحة و النفوذ.

و الحاصل: أنّه بناء على سببية التسليط شرعا للملكية و تقدمه على الإجازة التي هي السبب لملكية الثمن للمالك الأصيل لا بدّ من الحكم بملكية الثمن للغاصب.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 417 و 418، و الحاكي لكلامه هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 192 و 193

ص: 436

و ظاهر كلامه (1) أنّه لا وقع للإشكال على تقدير الكشف.

[التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف و النقل]

و هذا (2) هو المتّجه، إذ (3) حينئذ يندفع ما استشكله القطب و الشهيد (4) بأنّ (5)

______________________________

(1) أي: كلام صاحب الإيضاح، و المراد بكلامه قوله: «و على القول بأنّ إجازة المالك كاشفة، فإذا أجاز العقد كان له».

التفصيل في ورود الاشكال بين الكشف و النقل

(2) المشار إليه عدم الاشكال على تقدير الكشف، و هذا هو مختار المصنف أيضا.

(3) تعليل لمختاره، و محصّله: أنّ هذا الوجه يدفع إشكال جواز إجازة المالك مع علم المشتري بغاصبية البائع، لأنّه مع فرض تأثير العقد الفضولي من حينه لا يؤثّر التسليط المتأخر عن العقد في ملكية الثمن للغاصب حتى لا يبقى مورد لإجازة المالك.

(4) المراد بما استشكله القطب هو قوله المتقدم في (ص 421): «فقال الأوّل فيما حكي عنه: أنّ وجه الإشكال .. إلخ». و المراد بما استشكله الشهيد هو قوله في (ص 425): «ان المشتري مع علمه بالغصب .. إلخ».

(5) متعلق ب «يندفع» توضيح هذا الدفع: أنّ تسليط البائع الغاصب على الثمن- بناء على كاشفية الإجازة- تسليط على ملك المالك الأصيل، لأنّه تملّك الثمن بنفس العقد الذي هو سابق على التسليط، و متقدم عليه، فلا أثر حينئذ للتسليط أصلا، فلا مانع من إجازة المالك بلا إشكال.

فإن قلت: سبق تأثير العقد على التسليط مختص بما إذا أنشأ الغاصب البيع بالعقد حتى يستند الملك إليه. فلو كان البيع الفضولي الواقع بين الغاصب و المشتري معاطاتيا لم يكن تسلط الغاصب على الثمن مسبوقا بعقد، بل كان نفس هذا التسليط جزء السبب الناقل، و يتجه حينئذ إشكال القطب و الشهيد من عدم قابلية العقد للإجازة، بناء على ما تقدم من جريان الفضولية في كلّ من البيع القولي و الفعلي.

قلت: قد تقدم في مباحث المعاطاة كفاية إعطاء المبيع و أخذ المشتري له في تحقق عنوان المعاملة الفعلية، و لا يتوقف النقل و الانتقال على التعاطي من الطرفين.

و عليه فالقول بجريان الفضولية في المعاطاة لا يقتضي كون تسليط البائع على الثمن دخيلا في حصول عنوان «البيع»، لحصوله بمجرد تسليم المبيع المغصوب إلى المشتري

ص: 437

تسليط المشتري للبائع (1) على الثمن على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه [ملك] الغير (2) بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالإقباض. فإذا انكشف ذلك (3) بالإجازة عمل بمقتضاه، و إذا تحقّق الردّ (4) انكشف كون ذلك (5) تسليطا من المشتري على ماله، فليس له (6) أن يستردّه، بناء (7) على ما نقل من الأصحاب.

نعم (8) على القول بالنقل

______________________________

العالم بالغصب.

و حينئذ يتجه الإشكال على القطب و الشهيد قدّس سرّهما من: أنّ الإجازة اللاحقة لمّا كشفت عن تأثير العقد، كان مقتضاه دخول الثمن في ملك المغصوب منه قبل تسلّط البائع الغاصب عليه.

(1) و هو العاقد الفضولي الغاصب، و قوله: «تسليط» خبر قوله: «بأنّ تسليط».

(2) و هو المالك الأصيل، فإنّه قد ملك الثمن بسبب العقد الفضولي المتقدّم على التسليط.

(3) أي: فإذا انكشف صيرورة الثمن ملكا لمالك المبيع بسبب الإجازة عمل بمقتضاه، و هو جواز تتبع العقود الجارية على ماله، و إجازة أيّ واحد شاء منها.

(4) يعني: و إذا تحقق ردّ المالك الأصيل لهذا العقد الفضولي، و ثبت عدم إجازته له، فقد انكشف أنّ تسليط المشتري العالم بالغصب البائع- الفضوليّ الغاصب- على الثمن تسليط على ماله، لا على مال المالك الأصيل.

(5) أي: كون تسليط المشتري العالم بغاصبية البائع على الثمن تسليطا على ماله، لا على مال الغير كما مرّ آنفا. و ضمير «ماله» راجع إلى المشتري.

(6) هذا متفرّع على كون التسليط على مال المشتري، يعني: فليس للمشتري حينئذ استرداد الثمن من البائع الغاصب. و ضمير «يستردّه» راجع الى الثمن.

(7) هذا وجه عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب، و حاصله: أنّ بناء الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على عدم استرداد الثمن من البائع الغاصب في صورة رد المالك الأصيل البيع الفضوليّ مع بقاء الثمن بعينه عند البائع.

(8) استدراك على قوله: «لا وقع للإشكال على تقدير الكشف» و محصّل ما أفاده:

أنّه بناء على ناقليّة الإجازة يقع الإشكال في موردين:

ص: 438

يقع الإشكال (1) في جواز إجازة العقد الواقع على الثمن، لأنّ (2) إجازة مالك المبيع (3) له (4) موقوفة على تملّكه (5) للثمن [1]

______________________________

الأوّل: في إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن، كما إذا فرض أنّ الفضوليّ الغاصب باع عبد المالك بفرس، ثم اشترى بالفرس ثوبا، فإنّ بيع الفرس بالثوب عقد ثان وقع على الفرس الذي هو الثمن في البيع الأوّل أعني به بيع العبد.

تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو: أنّ جواز إجازة العقد الواقع على الثمن- و هو الفرس الذي جعل ثمن العبد في البيع الأوّل- منوط بكون الثمن ملكا للمجيز، و هو مالك العبد، للزوم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة، ضرورة عدم نفوذ إجازة الأجنبي. و المفروض أنّ المجيز ليس مالكا للفرس قبل الإجازة التي فرض كونها ناقلة، و لا يملك الثمن إلّا بالإجازة، فتملّك المجيز للثمن- و هو الفرس- موقوف على الإجازة، و الإجازة موقوفة على تملكه للثمن أيضا، و هذا دور، فإشكال جواز إجازة العقد الثاني هو محذور الدور.

(1) و هو إشكال الدور في المورد الأوّل، أي العقد الثاني الواقع على الثمن، و هو الفرس في المثال المذكور. و على هذا فلا يصحّ إجازة العقد الثاني الواقع على الثمن أعني به الفرس.

(2) هذا بيان الإشكال، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «تقريب الإشكال في إجازة العقد الثاني هو أنّ جواز اجازة العقد .. إلخ».

(3) و هو المبيع المغصوب الذي بيع فضولا في العقد الأوّل.

(4) أي: للعقد.

(5) أي تملّك مالك المبيع في البيع الأوّل.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الملكية الفعلية للمجيز ليست شرطا لصحة الإجازة، بل الشرط هو كون المجيز قابلا و صالحا لتملّك الثمن و لو بالإجازة، كما نبّه عليه الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1».

هذا مضافا إلى منافاة اعتبار التملك الفعلي للثمن في صحة الإجازة لما أفاده من أنّ

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 399

ص: 439

لأنّه (1) قبلها أجنبيّ عنه، و المفروض أنّ تملّكه (2) الثمن موقوف (3) على الإجازة على القول بالنقل.

و كذا الإشكال (4) في إجازة العقد الواقع على المبيع (5) بعد قبض البائع الثمن،

______________________________

(1) أي: لأنّ مالك المبيع قبل الإجازة أجنبي عن الثمن، و هذا تعليل لتوقّف جواز إجازة المالك الأصيل على تملّكه للثمن، و حاصل التعليل: أنّ مالك المبيع في البيع الأوّل- قبل إجازة البيع الثاني- أجنبي عن الثمن، و ليس مالكا له، مع وضوح توقف صحة الإجازة على كون المجيز مالكا للثمن.

(2) أي: تملّك مالك المبيع في العقد الأوّل.

(3) وجه التوقّف: أنّه لا بدّ أن يكون المجيز حين الإجازة- التي هي بناء على النقل سبب النقل و الانتقال- مالكا حتى تصح منه الإجازة، إذ لا تصحّ الإجازة من غير المالك.

(4) يعني: و كذا يقع الاشكال، و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو إشكال إجازة العقد الأوّل الواقع من الفضولي على العبد الذي هو في المثال المزبور ملك المغصوب منه.

(5) أي: المبيع في العقد الأوّل، و تقريب الإشكال في إجازة العقد الأوّل هو: عدم صلاحية المورد للإجازة، لكونه بيعا بلا ثمن. توضيحه: أنّه بناء على ناقلية الإجازة لا ينتقل الثمن إلى المالك الأصيل، حيث إنّ تسليط المشتري للبائع الغاصب الموجب لملكية الثمن للبائع يكون قبل إجازة المالك الموجبة لملكية الثمن للمالك، فتقع الإجازة على بيع لا ثمن له، و من المعلوم أنّه ليس بيعا حقيقة. فإشكال إجازة المالك الأصيل في البيع الأوّل هو كون البيع بلا ثمن.

______________________________

صحة العقود الواقعة على عوض مال المجيز بالإجازة تستلزم صحة العقود الواقعة على مال المجيز، مع عدم كون المجيز مالكا للعوض حين الإجازة، كما إذا باع الفضوليّ عبد المالك بفرس، ثم بيع الفرس بدرهم، و أجاز مالك العبد بيع الفرس بالدرهم، فإنّ المجيز لا يملك العوض و هو الفرس حين الإجازة، و مع ذلك تصح الإجازة، فإنّها تصحّح العقد الذي ترد عليه بالدلالة المطابقية، و غيره من العقود بالدلالة الالتزاميّة.

ص: 440

أو بعد إتلافه إيّاه، على الخلاف (1) في اختصاص عدم رجوع المشتري على الثمن بصورة التلف و عدمه (2)، لأنّ (3) تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل (4) انتقاله إلى مالك المبيع (5) بالإجازة، فلا يبقى مورد للإجازة.

و ما (6) ذكره في الإيضاح- من (7) احتمال تقديم حقّ المجيز، لأنّه أسبق، و أنّه

______________________________

(1) بين الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم، فإنّهم بين من يقول بأنّ عدم رجوع المشتري على البائع- الغاصب الفضولي- بالثمن مختص بصورة التلف عند الغاصب. و من يقول بعدم رجوع المشتري على الغاصب بمجرّد تسليطه على الثمن، سواء بقي عند الغاصب أم تلف. و سيأتي تفصيل الكلام في أحكام الردّ بقوله: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري ..» فلاحظ (ص 478) و ما بعدها.

(2) يعني: و عدم اختصاص عدم رجوع المشتري على الغاصب بصورة التلف.

فالمراد بالاختصاص هو عدم رجوع المشتري بالثمن مطلقا سواء بقي أم تلف.

(3) تعليل لقوله: «و كذا الإشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع» و قد تقدم تقريبه بقولنا: توضيحه أنّه بناء على ناقليّة الإجازة .. إلخ.

(4) خبر قوله: «لأن تسليط» يعني: أن التسليط كان قبل انتقال الثمن إلى المالك الأصيل بسبب الإجازة، إذ المفروض أنّ للإجازة دخلا في حصول النقل و الانتقال، و لم تصدر إلّا بعد التسليط الموجب لعدم دخول الثمن في ملك المالك الأصيل، فلا يبقى مورد للإجازة.

(5) أي: المبيع في البيع الأوّل، و «بالإجازة» متعلق ب «انتقاله».

(6) مبتدء متضمّن معنى الشرط، و خبره جملة «فلم يعلم له وجه».

(7) بيان ل «ما» الموصول. و غرضه من ذكر ما تقدّم في الإيضاح (ص 435) من قوله: «و يحتمل أن يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن .. إلخ» دفع إشكال إجازة المالك الأصيل للبيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب، من: أنّه بناء على النقل يلزم كون البيع بلا ثمن، و هو غير قابل للإجازة، لعدم كونه بيعا حقيقة.

ص: 441

أولى من الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال- فلم يعلم له وجه [فلم يعلم وجهه] بناء على النقل (1)، لأنّ (2) العقد جزء سبب لتملّك المجيز، و التسليط المتأخّر عنه (3) علّة تامّة لتملّك الغاصب، فكيف يكون حقّ المجيز أسبق؟

نعم (4) يمكن أن يقال: إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن، لعلّه لأجل

______________________________

توضيح ما أفاده الإيضاح في دفع الإشكال قد تقدم في محله مفصّلا. و ملخصه: أنّه يحتمل أن يكون نفس عقد الفضول موجبا لحقّ لمالك المبيع المغصوب متعلّق بالثمن، و هو حقّ تملّكه بالإجازة. و هذا الحق سابق على تسليط البائع الغاصب على الثمن، فلا يكون هذا التسليط مانعا عن دخول الثمن في ملك مالك المبيع حتى يصير البيع بلا ثمن، و غير قابل للإجازة، فلا مانع حينئذ من إجازة المالك الأصيل البيع الأوّل الواقع على المبيع المغصوب.

(1) الذي تكون الإجازة ممّا له دخل في الأثر، و هو النقل و الانتقال، بحيث لا يترتب الأثر على العقد إلّا بالإجازة.

(2) تعليل لقوله: «فلم يعلم له وجه» و محصّله: أنّ العقد جزء السبب لتملك المجيز للثمن، و ليس علّة تامّة له، إذ المفروض دخل الإجازة في تأثير العقد. بخلاف التسليط فإنه علة تامة لتملّك الغاصب للثمن من دون توقفه على شي ء.

(3) أي: عن العقد، و هذا يكون كتزاحم المقتضي و اللامقتضي.

(4) غرضه تصحيح ما أفاده صاحب الإيضاح من: أنّ الإجازة- و لو على القول بناقليتها- توجب ملكية الثمن للمالك، و تقدّم الإجازة على التسليط الموجب لملكية الثمن للغاصب، بأن يقال: إنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد المشتري- العالم بغصبية المبيع- الثمن من البائع الغاصب ليس لأجل كون التسليط علّة تامة لملكية الثمن للغاصب سواء أجاز المالك أم لا. بل مملّكية التسليط للثمن تكون مراعاة بعدم إجازة المالك، فإذا أجاز المالك استحقّ الثمن، فحينئذ يتجه كلام الإيضاح من: أنّه إذا أجاز المالك استحق الثمن و لو على القول بناقلية الإجازة.

و الحاصل: أنّه لا يؤثر التسليط في ملكية الثمن للغاصب إلّا بعدم إجازة المالك،

ص: 442

التسليط المراعى بعدم إجازة مالك المبيع، لا لأنّ (1) نفس التسليط علّة تامّة لاستحقاق الغاصب على تقديري الردّ و الإجازة. و حيث إنّ حكمهم (2) هذا مخالف للقواعد الدالّة على عدم حصول الانتقال بمجرّد التسليط المتفرّع على عقد فاسد (3)، وجب (4) الاقتصار فيه (5) على المتيقّن،

______________________________

فلا يكون التسليط مطلقا موجبا لملكية الثمن للغاصب حتى يسقط بيع الغاصب- لصيرورته بلا ثمن- عن قابليّة الإجازة.

(1) معطوف على «لأجل» يعني: أنّ حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن لعلّه لأجل التسليط المراعى، لا لأنّ نفس التسليط علة تامّة لتملّك الغاصب على تقديري الردّ و الإجازة، حتى لا تؤثّر إجازة المالك في صحة البيع الأوّل، للزوم كون البيع بلا ثمن.

(2) أي: حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن مع بقاء عينه عند الغاصب.

و غرضه من جملة: «و حيث ان حكمهم هذا .. إلخ» تقوية الاحتمال الذي أشار إليه بقوله:

«نعم يمكن أن يقال: إن حكم الأصحاب .. إلخ».

و محصّل ما أفاده في وجه تقويته و إثباته هو: أنّه لمّا كان حكم الفقهاء بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب مع بقاء عينه مطلقا- حتى مع إجازة المالك الأصيل- مخالفا للقواعد المقتضية لحرمة أكل أموال الناس بالباطل، لعدم كون مجرّد التسليط من الأسباب الناقلة الشرعية للأموال، فلا محيص عن جعل مورد حكمهم هذا- الذي قيل إنّه إجماع، و هو دليل لبي- خصوص المتيقن منه، و هو صورة عدم إجازة المالك الأصيل للعقد الفضولي، إذ لا وجه لجعل التسليط المتفرع على عقد فاسد مملّكا و ناقلا للمال، بل هو من مصاديق أكل المال بالباطل.

فلا بدّ من جعل مورد حكم الأصحاب- بعدم جواز استرداد الثمن مع وجوده من الغاصب- خصوص صورة عدم إجازة المالك لبيع ماله المغصوب.

(3) و هو عقد الفضول الغاصب.

(4) هذا بمنزلة الجواب لقوله: «و حيث إنّ».

(5) أي: في الحكم المخالف للقواعد المقتضية لعدم كون مثل هذا التسليط مملّكا.

ص: 443

و هو التسليط على تقدير عدم الإجازة (1)، فافهم (2).

______________________________

(1) فيكون التسليط المملّك مركّبا من أمر وجوديّ، و هو إعطاء الثمن إلى البائع الغاصب، و عدميّ و هو عدم إجازة مالك المبيع المغصوب لبيع الغاصب الفضول. فمجرّد التسليط لا يكون مملّكا، سواء أ كانت الإجازة كاشفة أم ناقلة.

(2) لعلّه إشارة إلى: أنّ تسليط المشتري- العالم بغاصبيّة البائع الفضول- لا يكون مقيّدا بعدم الإجازة، بل علمه بالغصبية- و مع ذلك يدفع إليه الثمن- قرينة على الإطلاق، و تسليطه الغاصب على الثمن مطلقا، سواء أجاز المالك بيع الغاصب أم لا. فحمل التسليط على التسليط المقيّد بعدم الإجازة غير ظاهر.

أو إشارة إلى: أنّ المتيقن من حكمهم بعدم جواز استرداد الثمن هو: كون التسليط مع العلم بالغصب موجبا لعدم الضمان و لو تلف، لانصراف أدلة الضمان من قاعدتي ضمان اليد و الإتلاف عمّا إذا سلّطه المالك على ماله بكلّ تصرّف و لو كان متلفا، و كان بعوض مال الغير، و من المعلوم أنّ عدم الضمان لا يدلّ على التمليك، لعدم كونه لازما مساويا له، بل أعمّ منه، لكفاية الإذن في التلف في عدم الضمان مع بقائه على ملكه.

و بالجملة: لم يظهر من حكمهم- بعدم جواز استرداد الثمن من الغاصب- بناؤهم على ملكية الثمن للغاصب حتى يكون بيع الغاصب بيعا بلا ثمن.

هذا تمام الكلام في حكم المجاز، و به تمّ ما يتعلّق بالإجازة، و يقع الكلام في ردّ عقد الفضولي، و ما يستتبعه من أحكام.

ص: 444

[مسألة: في الردّ]
اشارة

مسألة (1):

في أحكام الردّ

[ما يتحقق به الرّد]
[الرد بالقول]

لا يتحقّق الردّ (2) قولا إلّا بقوله: «فسخت و رددت» و شبه ذلك (3) ممّا هو صريح في الردّ، لأصالة (4) بقاء اللزوم

______________________________

أحكام الرّد أ: ما يتحقق به الرّد

(1) كان الأولى أن يقول «و أمّا الكلام في الرد» ليكون مقابلا لقوله في (ص 5) «أمّا الكلام في الإجازة» و كيف كان فهذه المسألة تتكفل لما يتحقّق به ردّ عقد الفضول و لأحكام الردّ.

(2) هذا بيان لما يتحقّق به الردّ، و له مصداقان: قولي و فعلي. أمّا الردّ القولي فهو قوله: «فسخت و رددت» و نحوهما.

و الظاهر من الأمثلة المذكورة في المتن أنّ المراد بالرّد أعمّ ممّا حصل بالإنشاء، و ممّا لم يحصل به، من غير فرق بين الالتفات إلى كونه ردّا و بين عدمه، و الأوّل يسمّى بالرّد الحقيقي، و الثاني بالحكمي.

(3) مثل «لا اخرج أو لا أنقل هذا المال عن ملكي» و نحوها ممّا هو صريح أو ظاهر عرفا في الرّد، لعموم دليل اعتبار الظواهر، و عدم خروج المقام عنه.

(4) تعليل لاعتبار كون الردّ صريحا، و حاصله: أنّ مقتضى استصحاب بقاء اللزوم من طرف الأصيل هو بقاؤه حتى يثبت الرّد بحجة من صراحة الردّ أو ظهوره، فإنّ اللفظ

ص: 445

من طرف الأصيل [1] و قابليّته (1) من طرف المجيز.

[الرد بالتصرف المخرج]

و كذا يحصل (2) بكلّ فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالإتلاف و شبههما،

______________________________

غير الصريح و الظاهر في الرد يوجب الشك في زوال اللزوم الثابت بعموم أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و الاستصحاب يقتضي بقاءه من طرف الأصيل الذي هو أحد طرفي العقد الفضولي.

(1) معطوف على «اللزوم» يعني: و لاستصحاب بقاء قابلية العقد للزوم من طرف المجيز.

(2) و أمّا الردّ الفعلي الذي تعرّض له بقوله: «و كذا يحصل» فهو على أنحاء:

أحدها: أن يكون موجبا للنقل عن ملك مالك المال الذي بيع فضولا، كما إذا باعه المالك.

ثانيها: أن يكون ذلك الفعل متلفا للمال، كما إذا كان المبيع من المأكولات، و أكله المالك.

ثالثها: أن يكون ذلك الفعل شبيها بالمتلف كالعتق الذي هو فكّ للملك، و ليس إتلافا للعبد حقيقة عن صفحة الوجود، و لكنه أوجد فيه صفة جعلته كالتالف من حيث عدم سلطنة المالك عليه، لخروجه عن حيطة ملكيّته، فلا سلطان له عليه بعد عتقه و إخراجه عن الرّقية.

رابعها: أن يكون ذلك الفعل شبيها بالناقل كالتزويج، كما إذا زوّج الفضولي امرأة حرّة من زيد، ثم زوّجت تلك المرأة نفسها من بكر، فإن تزويجها نفسها بغير من زوّجها الفضولي به- و تسليطه على بعضها- بمنزلة النقل الموجب لردّ العقد الفضولي.

______________________________

[1] ثبوت اللزوم في حقّه محل البحث و النظر، فحدوثه غير معلوم حتى يجري الاستصحاب في بقائه، و قد تقدم الكلام في ذلك في ثمرات الكشف و النقل فراجع (ص 107).

ص: 446

كالعتق و البيع و الهبة و التزويج (1) و نحو ذلك (2).

و الوجه في ذلك (3): أنّ تصرّفه (4) بعد فرض صحّته مفوّت (5) لمحلّ الإجازة، لفرض خروجه عن ملكه.

[الرد بالتصرّف غير المخرج عن الملك]

و أمّا التصرّف غير المخرج عن الملك (6) كاستيلاد الجارية، و إجازة الدابة، و تزويج الأمة، فهو (7) و إن لم يخرج الملك عن قابليّة وقوع الإجازة

______________________________

(1) هذا مثال لشبه النقل، و العتق مثال لشبه الإتلاف، و البيع و الهبة مثالان للنقل بلا عوض و معه. و لم يذكر مثالا للإتلاف، و هو كما إذا كان المبيع الفضولي مأكولا و أكله مالكه، و قد مر تفصيل ذلك كلّه آنفا، فإنّ هذه الأفعال و غيرها من نظائرها إذا صدرت عن إنشاء الرّد كإنشاء العقد كان الردّ حقيقيّا، و إلّا كان حكميّا.

(2) كالصلح للنقل، و تحليل الأمة لشبهه بالتزويج، و الوقف لشبه الإتلاف.

(3) يعني: أنّ الوجه في تحقق الفسخ بكلّ فعل مخرج للملك عن ملك مالكه الأصيل هو: أنّ تصرف الأصيل في المال المبيع فضولا- بعد البناء على صحته- مفوّت لمحلّ الإجازة، إذ المفروض خروج المبيع عن ملكه، فلا ملك له حتى يصحّ له الإجازة.

ثم إنّ هذه العلة لعدم صحة الإجازة مشتركة بين إنشاء الرد بالفعل المخرج للمبيع فضولا عن ملك مالكه، و بين عدم إنشائه لغفلة أو غيرها، لاشتراك فوات محل الإجازة بينهما، فإنّ التصرف المخرج عن الملك يفوّت موضوع الإجازة، و هو كون المجيز مالكا حين الإجازة.

(4) أي: تصرّف المالك، و ضمير «صحته» راجع إلى «تصرفه».

(5) خبر «أنّ»، و مجموع الجملة خبر «و الوجه في ذلك».

(6) أي: عن ملك المالك، كما إذا استولد جاريته بعد أن باعها الفضولي، و كما إذا آجر دابّته بعد أن باعها الفضولي، و كما إذا زوّج أمته بعد أن باعها الفضولي.

(7) جواب «و أمّا» أي: فالتصرف غير المخرج عن ملك المالك الأصيل، و محصّل ما أفاده في حكم تصرف المالك في ماله الذي بيع فضولا تصرفا غير مخرج له عن ملكه هو: أنّ هذا التصرّف و إن لم يكن مخرجا للمبيع فضولا عن الملك، لكنّه مخرج له عن قابليّته للإجازة بناء على الكشف، لأنّ صحّة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي

ص: 447

عليه (1)، إلّا أنّه مخرج له (2) عن قابليّة وقوع الإجازة من زمان العقد، لأنّ (3) صحّة الإجازة على هذا النحو (4) توجب وقوعها باطلة، و إذا فرض وقوعها (5) صحيحة منعت عن وقوع الإجازة [1].

______________________________

صحيحا و مؤثّرا من حين صدوره توجب وقوع الأفعال الصادرة من المالك المجيز- من استيلاد الجارية و إجازة الدابة و تزويج الأمة- باطلة، لوقوعها في غير محلّها، لأنّ صحة العقد الفضولي توجب وقوع هذه التصرّفات في غير ملكه، فهي باطلة، إذ لو كانت صحيحة لمنعت عن صحة الإجازة، لامتناع صحتها مع صحة تلك التصرّفات الصادرة من المالك، إذ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين، فلا بدّ إمّا من صحة الإجازة الكاشفة عن صحة البيع الفضولي، أو صحة تصرفات المالك.

(1) متعلق ب «وقوع» و الضمير راجع إلى العقد الفضولي، و يمكن رجوعه إلى الملك.

(2) أي: للملك، و ضمير «انه» راجع إلى التصرف غير المخرج.

(3) تعليل لقوله: «مخرج له عن قابلية الإجازة .. إلخ» و قد اتضح تقريب هذا التعليل بقولنا: «لأنّ صحة الإجازة الكاشفة عن وقوع العقد الفضولي صحيحا» و حاصله: كون صحة الإجازة على الكشف و صحة تصرفات المالك- من استيلاد الجارية و غيره- جمعا بين المتنافيين.

(4) و هو كون الإجازة كاشفة، فإنّها توجب وقوع استيلاد الجارية و غيرها باطلة.

(5) ضمير «وقوعها» في الموردين راجع إلى استيلاد الجارية و غيره.

______________________________

[1] الحق صحة تلك التصرفات مطلقا سواء أ كانت الإجازة ناقلة أم كاشفة. أمّا على النقل فلصدور تلك التصرفات من المالك غير المحجور عن التصرف في ماله، فلا وجه لعدم صحتها مع عدم تعلّق حقّ أحد بها. و أمّا على الكشف فلكون المالك جائز التصرف في ماله ما لم يجز البيع الفضوليّ، فإذا أجاز قبل أن يتصرّف بأحد تلك التصرفات كانت الإجازة نافذة، و العقد الفضولي لازما، و تلك التصرفات باطلة.

و أمّا إذا تصرّف قبل الإجازة فلا يبقى مورد لها، لأنّ الإجازة إنّما تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا لولا الإجازة، و المفروض أنّه ليس كذلك، لارتفاع مالكيّته قبل الإجازة، فليس

ص: 448

و الحاصل (1): أنّ وقوع هذه الأمور صحيحة مناقض (2) لوقوع الإجازة لأصل العقد، فإذا وقع أحد المتنافيين (3) صحيحا فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر (4)، أو إبطال (5) صاحبه، أو إيقاعه (6) على غير وجهه. و حيث لا سبيل إلى الأخيرين

______________________________

(1) يعني: و حاصل الكلام في التصرفات غير المخرجة عن الملك هو: أنّ صحة التصرفات المذكورة تناقض صحة إجازة العقد الفضولي، فإذا صحّ أحدهما- كالتصرفات- فلا بدّ أن يمتنع وقوع الآخر أعني به الإجازة، أو يبطل تلك التصرفات، أو يقع الآخر اعني به الإجازة على غير وجهه، بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي بعد انقضاء مدّة إجارة الدابة، لا من حين وقوع العقد فضولا، أو انتقاله إلى المشتري مسلوب المنفعة في زمان الإجارة.

و حيث إنّه لا وجه للمصير إلى الأخيرين- و هما إبطال صاحبه و إيقاعه على غير وجهه، لأنّهما من الاحتمالات التي لا يساعدها دليل في مقام الإثبات- فالمتعيّن هو القول بفساد الإجازة.

(2) خبر «أن وقوع»، و قوله «صحيحة» حال من «الأمور».

(3) كالتصرفات غير المخرجة عن الملك إذا وقعت صحيحة.

(4) و هو إجازة العقد الفضولي، و امتناع وقوعه يكون لمنافاته لصحة تلك التصرفات.

(5) معطوف على «امتناع» أي: إبطال الآخر- و هو الإجازة- لتلك التصرفات.

(6) معطوف على «امتناع» أي: إيقاع الآخر- و هو الإجازة- على غير وجهه، و هو ما تقدم آنفا بقولنا: «بأن يبنى على انتقال المبيع إلى المشتري في العقد الفضولي .. إلخ».

______________________________

مالكا حال الإجازة، و صار أجنبيّا عن المال، فلا أثر لإجازته.

و الحاصل: أنّ مقتضى عموم أدلة الصحة مثل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» هو البناء على صحة تلك التصرفات، و الحكم بعدم بقاء مورد للإجازة.

و إن شئت فقل: إنّ نفوذ عقد المالك في ماله تنجيزيّ، و نفوذ عقد الفضول في ماله تعليقي، لأنّه معلّق على إجازته، فإذا تصرّف في ماله قبل إجازته لعقد الفضول لا يبقى مورد لإجازته.

ص: 449

تعيّن الأوّل (1).

و بالجملة (2): كلّ ما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثّرة من حين العقد، فوقوعه صحيحا مانع (3) من لحوق الإجازة، لامتناع اجتماع المتناقضين (4).

نعم (5) لو انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسّكنى و اللبس، كان عليه اجرة المثل إذا أجاز، فتأمّل (6).

______________________________

(1) و هو امتناع وقوع الآخر أعني به الإجازة على الفرض.

(2) يعني: و حاصل الكلام أنّ الضابط في المقام هو: أنّ كلّ تصرف يكون باطلا على تقدير صحة الإجازة المؤثّرة في العقد الفضولي من حين وقوعه- إذا فرض وقوع ذلك التصرف صحيحا- فهو مانع من لحوق الإجازة، لامتناع اجتماع المتناقضين، فإنّه لا يجتمع صحة بيع الجارية فضولا من زيد مثلا مع صحة تزويج مالكها إيّاها من عمرو.

و هكذا سائر الأمثلة المتقدّمة، فإنّ صحة البيع الفضولي في هذه الأمور تنافي صحة تصرفات المالك فيها.

(3) خبر «فوقوعه» و الجملة خبر قوله: «كلّ ما يكون».

(4) و هما صحة تلك التصرفات، و صحة إجازة العقد الفضولي.

(5) استدراك على التصرف غير المخرج عن الملك، و حاصل الاستدراك هو: أنّ التصرف الخارجي الصادر من المالك في ماله الذي بيع فضولا، لا ينافي صحة إجازته للعقد الفضولي، كما إذا انتفع المالك قبل الإجازة بالسكنى في داره التي بيعت فضولا، أو بلبس ثوبه الذي بيع فضولا، فإنّ مثل هذا التصرف الخارجي لا ينافي صحة الإجازة، غاية الأمر أنّه إذا أجاز العقد الفضولي بعد هذا التصرف فعليه اجرة المثل للمشتري- عوضا عمّا استوفاه من منفعة السكنى و اللّبس، لقاعدة الاستيفاء- بناء على كاشفية الإجازة، إذ بناء على النقل لم يتصرف في ملك المشتري، و إنّما تصرّف في ملك نفسه.

و الظاهر أنّ مراد المصنف قدّس سرّه من ثبوت اجرة المثل للمشتري الذي اشترى المال من الفضولي هو ثبوتها بناء على كاشفية الإجازة، لا ناقليتها.

(6) لعلّه إشارة إلى: أنّه بناء على النقل لا يثبت على المالك اجرة المثل للمشتري، لأنّه انتفع بملكه لا بملك المشتري. و بناء على الكشف يمكن أن يقال: إنّ المبيع الفضولي

ص: 450

و منه (1) يعلم أنّه لا فرق بين وقوع هذه (2) مع الاطّلاع على وقوع العقد، و وقوعها (3) بدونه، لأنّ (4) التنافي بينهما واقعيّ.

و دعوى (5) «أنّه لا دليل على اشتراط قابليّة التأثير من حين العقد في الإجازة،

______________________________

انتقل إلى المشتري مسلوب المنفعة.

فعلى كلا القولين في الإجازة لا تشتغل ظاهرا ذمة المالك بالأجرة للمشتري.

و جعل وجه التأمل عدم الفرق بين انتفاع المالك بالسكنى و اللبس و بين الإجارة و الاستيلاد بعيد، لأنّ الانتفاع بمال الغير ما لم يكن يتبرّع المالك يوجب الضمان، لقاعدة الاستيفاء، و ليس الضمان منوطا بإباحة التصرفات.

(1) أي: و من منافاة صحة الإجازة و تلك التصرفات معا- و كون صحتهما جمعا بين المتناقضين- يعلم: أنّه لا فرق في وجود هذه المنافاة بين وقوع تلك التصرفات مع اطّلاع المالك الأصيل على وقوع العقد من الفضول، و وقوعها بدون اطّلاعه على وقوعه، و ذلك لوضوح كون التنافي بين صحتها و صحة الإجازة واقعيّا غير منوط بالعلم بوجود العقد و عدمه.

(2) أي: التصرفات غير المخرجة عن الملك.

(3) معطوف على «وقوع» أي: وقوع تلك التصرفات بدون الاطلاع على وقوع العقد.

(4) تعليل لعدم الفرق، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «و ذلك لوضوح».

(5) الغرض من هذه الدعوى دفع التنافي بين صحة تلك التصرفات و صحة الإجازة. توضيح الدعوى: أنّ منشأ التنافي اعتبار كون الإجازة مصححة للعقد الفضولي من حين وقوعه بناء على الكشف، إذ يمتنع حينئذ صحة التصرفات و الإجازة من حين العقد، لعدم تعقّل صحة الإجازة من حينه- الموجبة لانتقال المبيع إلى المشتري حين العقد- مع صحة التصرفات من المالك، لوقوعها في ملك المشتري.

كما إذا آجر زيد يوم الجمعة داره التي باعها الفضولي يوم الخميس، و أجاز مالك الدار عقد الفضول يوم السبت، فإنّ صحة الإجازة تقتضي صحة عقد الفضول من يوم الخميس، و ذلك يستلزم وقوع الإجارة في ملك المشتري، فلا بدّ من تأثير الإجازة من حين وقوعها، لا من حين وقوع العقد، فيحكم بصحة تصرفات المالك إلى زمان الإجازة،

ص: 451

و لذا (1) صحّح جماعة (2)- كما تقدّم- إجازة المالك الجديد في من باع شيئا ثمّ ملكه» مدفوعة (3) بإجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين العقد مؤثّرة من حينه.

نعم (4) لو قلنا بأنّ الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى كون المؤثّر التامّ هو العقد الملحق بالإجازة، كانت (5) التصرّفات مبنيّة على الظاهر (6)، و بالإجازة

______________________________

و بصحة العقد من الزمان الواقع بعد الإجازة.

(1) يعني: و لأجل عدم الدليل على اعتبار كون الإجازة مؤثّرة للعقد من حين صدوره ذهب جمع من الأصحاب إلى صحّة إجازة المالك الجديد في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» مع عدم كونه مالكا حين صدور العقد الفضولي حتى تكون إجازته مؤثرة في العقد من حين وقوعه.

(2) كالمحقق و الشهيد و الصيمري، كما تقدم في (ص 249)، فراجع.

(3) خبر ل «دعوى» و دفع لها، و حاصله: أنّ القائلين بكاشفية الإجازة قد ادّعوا الإجماع على أنّ إجازة من يكون مالكا حين العقد الفضولي مؤثّرة من حين وقوعه، و إجازة من لا يكون مالكا حين العقد تؤثّر بعد دخول المبيع فضولا في ملكه.

و الحاصل: أنّه بناء على الكشف الحقيقي- الذي مرجعه إلى كون العقد الملحق به الإجازة مؤثّرا تامّا- تكون تصرفات المالك الأصيل قبل الإجازة مبنيّة على الظاهر، لأنّ المبيع الفضولي قبل إجازة المالك محكوم ظاهرا بكونه ملكا لمالكه، فتصرّفاته قبل إجازته محكومة ظاهرا بوقوعها في ملكه، و بالإجازة ينكشف وقوعها في ملك غيره.

(4) استدراك على كون الإجازة مؤثّرة من حين العقد كما ادّعي الإجماع على ذلك، و حينئذ يحكم بصحة تصرفات المالك حكما ظاهريّا. فإن لم يجز المالك عقد الفضول كانت تصرّفاته من استيلاد الجارية و إجارة الدابة و تزويج الأمة صحيحة واقعا، و إن أجاز انكشف بطلانها و صحة الإجازة.

(5) جواب قوله: «لو قلنا».

(6) و هو صحة تصرفات المالك واقعا إن لم يجز، و إن أجاز انكشف بطلانها و صحة الإجازة. هذا إذا لم يقصد المالك بتلك التصرفات ردّ عقد الفضول، و إلّا كانت ردّا له، فتصحّ تلك التصرفات و تبطل الإجازة.

ص: 452

ينكشف عدم مصادفتها للملك، فتبطل هي [1] و تصحّ الإجازة.

[التصرّفات غير المنافية لملك المشتري من حين العقد]

بقي الكلام في التصرّفات غير (1) المنافية لملك المشتري من حين العقد، كتعريض المبيع للبيع، و البيع الفاسد، و هذا (2) أيضا على قسمين، لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضوليّ على ماله، و إمّا أن يقع في حال عدم الالتفات.

أمّا الأوّل (3)، فهو ردّ فعليّ للعقد،

______________________________

(1) هذا هو القسم الثالث من تصرّفات المالك في المبيع الفضولي، و هو التصرف غير المنافي لملك المشتري- أي المشتري من البائع الفضول، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع، و العقد الفاسد- في قبال القسمين الأوّلين، و هما التصرّف المخرج عن ملك المالك الأصيل، و التصرف غير المخرج عن الملك و المخرج عن قابلية الإجازة، فإنّ التصرف في المبيع الفضولي من مالكه الأصيل- كتعريضه للبيع و كإنشاء عقد فاسد عليه- لا ينافي ملكية المبيع للمشتري ملكية متزلزلة. و هذا القسم من التصرف يكون على نحوين:

أحدهما: أن يقع حال التفات مالك المبيع إلى وقوع عقد الفضولي عليه.

ثانيهما: أن يقع في حال عدم الالتفات إلى العقد المزبور.

(2) أي: التصرف غير المنافي لملك المشتري يكون كالتصرّف غير المخرج عن الملك المنافي لوقوع الإجازة من زمان العقد المنقسم إلى قسمين، و هما اطلاع المالك على وقوع عقد من الفضولي على ماله، و عدم اطلاعه على وقوعه.

(3) و هو وقوع التصرّف غير المنافي لملك المشتري من مالك المبيع، مع التفاته إلى وقوع عقد من الفضولي على ماله. و هذا التصرّف مع اقترانه بالالتفات ردّ فعلي للعقد الفضوليّ.

______________________________

[1] و يمكن أن يقال: إنّ صحة الإجازة- بناء على الكشف الحقيقي- توجب فضولية تلك التصرفات، لوقوعها في ملك المشتري، فصحّتها حينئذ موقوفة على إجازة المشتري، إلّا في الاستيلاد إذا كان قبل عقد الفضول، فلا يحكم ببطلانها بحيث لا تصلح للصحة التأهلية القابلة للإجازة.

ص: 453

و الدليل على إلحاقه (1) بالرّد القولي- مضافا (2) إلى صدق الرّد عليه (3) [1] فيعمّه (4) ما دلّ على أنّ للمالك الرّد، مثل (5) ما وقع في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه، و ما (6) ورد في من زوّجته أمّه و هو غائب،

______________________________

(1) أي: إلحاق التصرف الفعلي- غير المنافي لملك المشتري مع وقوعه حال التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي- بالردّ القوليّ.

و محصّل ما أفاده: أنّ الدليل على إلحاقه أمور ثلاثة:

أحدها: أنّ مفهوم الردّ الذي ليس له حقيقة شرعية- بل هو من المفاهيم العرفية- صادق على هذا التصرف غير المنافي لملك المشتري، فهو كالرّد القولي من مصاديق الردّ، و يكون محكوما بحكمه.

(2) هذا إشارة إلى الدليل الأوّل، و المتقدّم آنفا بقولنا: «أحدها: ان مفهوم .. إلخ».

(3) أي: على التصرف غير المنافي لملك المشتري، كالتعريض للبيع، و البيع الفاسد.

(4) بعد أن أثبت كون التصرف غير المنافي لملك المشتري مصداقا للرّد، تشبّث لاعتبار كونه ردّا شرعا بعموم ما دلّ على أنّ للمالك حقّ ردّ العقد الفضولي، مثل ما ورد في نكاح العبد و الأمة بغير إذن مولاه.

(5) و هو ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال عليه السّلام: ذاك إلى سيّده إن شاء أجازه، و إن شاء فرّق بينهما» الحديث «1».

(6) مجرور محلّا عطفا على الموصول في «مثل ما». و غرضه الإشارة إلى ما رواه

______________________________

[1] بناء على الملازمة بين الالتفات و قصد الردّ. لكن الملازمة ممنوعة، لوضوح أنّ الالتفات لا يدلّ على قصد الرّدّ، مع إمكان أن يكون التعريض للبيع لغرض غير الرّد، كالاطّلاع على السعر. فما لم يحرز دلالة الفعل على الردّ لا يحكم بكونه ردّا للعقد الفضوليّ، فلا يردّ العقد بمجرّد التعريض للبيع و العقد الفاسد، فلو أجاز بعد هذين التصرفين كانت الإجازة في محلّها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1

ص: 454

من قوله عليه السّلام: «إن شاء قبل، و إن شاء ترك» [1].

إلّا (1) أن يقال: إنّ الإطلاق مسوق لبيان أنّ له الترك، فلا تعرّض فيه (2)

______________________________

محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنّه سأله عن رجل زوّجته امّه و هو غائب؟ قال:

النكاح جائز، إن شاء المتزوج قبل، و إن شاء ترك. فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأمّه» «1».

فإنّ إطلاق التفريق في الرواية الاولى و الرّد في الرواية الثانية يشمل الرّد الفعلي، فإنّ المراد بالتفريق هو التفريق في الزوجية، فيشمل إطلاقه الرّد الفعلي في الجملة. و ليس صريحا و لا ظاهرا معتدا به في كون مثل التعريض للبيع ردا للعقد الفضولي.

(1) غرضه منع الإطلاق، و عدم صحة التمسك بهاتين الروايتين لإثبات الردّ الفعلي، ببيان: أنّ الروايتين سيقتا لبيان مشروعية الرّد، لا لبيان كيفية الرّد حتى يكون له إطلاق من هذه الجهة، و يقال: إنّ الرد يتحقق بكل من القول و الفعل.

و عليه فإثبات الرّد الفعلي بهما مشكل.

(2) أي: لا تعرّض في قول الامام عليه السّلام «إن شاء فرّق، إن شاء ترك» لكيفية الردّ.

______________________________

[1] لا يخفى أن التمسك بهذه الروايات لصحة عقد الفضولي أولى من التشبث بها لمصداقية مثل التعريض للبيع لرد العقد، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، ضرورة أنّ الروايات لا تدلّ- ظاهرا- إلّا على كون الفعل كالقول مصداقا للرد شرعا. و أمّا التعريض للبيع فلا تدلّ الروايات على كونه ردّا إلّا بناء على صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، أو بناء على ظهور التعريض مع الالتفات عرفا في الرد.

و كلاهما ممنوع. أمّا الأوّل فلما ثبت في محلّه من عدم جواز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.

و أمّا الثاني فلما عرفت في التعليقة السابقة من منع الملازمة بين الالتفات إلى العقد الفضولي و قصد الرد بالتعريض. و لو شك في كونه ردّا للعقد الفضولي فلا مانع من جريان استصحاب العقد، و عدم انحلاله بالتعريض للبيع و نحوه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 211، الباب 7 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 3

ص: 455

لكيفيّته- أنّ (1) المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود [1] في الردّ الفعلي، و هو (2) خروج المجيز بعد الرّد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

مضافا (3) إلى فحوى الإجماع «1» المدّعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل

______________________________

(1) خبر لقوله: «و الدليل». ثم إنّ هذا ثاني الأمور الثلاثة التي استدلّ بها على حصول الرّد بالفعل، و محصله: اشتراك المانع من صحة الإجازة- بعد الردّ القوليّ- بين الردّ القولي و الردّ الفعلي، و هذا الاشتراك يقتضي أن يكون الردّ الفعلي كالقولي في كونه هدما للعقد. و ذلك المانع المشترك خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

و بالجملة: ملاك الرّد القولي بعينه موجود في الردّ الفعلي، فلا محيص عن الالتزام بكون الردّ الفعلي كالقولي مسقطا للعقد عن قابلية لحوق الإجازة به.

(2) أي: المانع عن صحة الإجازة بعد الردّ، و ضمير «كونه» راجع إلى «المجيز».

(3) هذا ثالث الأمور التي استدلّ بها على إثبات الرّد الفعلي، و محصله: التشبث بالأولوية. توضيحه: أنّه قد ادّعي الإجماع على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي، فيما إذا باع أمته بشرط الخيار، و وطأها أو باعها أو أعتقها في زمن الخيار، فإنّ الوطي و البيع و العتق تفسخ البيع. فإذا كان الفعل موجبا لانفساخ العقد الثابت، كان موجبا لانفساخ العقد الفضولي- المتزلزل حدوثا- بطريق أولى، لكون الدفع أهون من الرفع.

______________________________

[1] هذا متجه بعد تسلّم كون الفعل كالقول ردّا للعقد الفضولي. و هذا أوّل الكلام و مصادرة. فاللازم أوّلا إثبات كون الفعل ممّا يتحقق به الردّ، ثم ترتيب آثار الردّ القولي عليه.

نعم إذا ثبت كون الردّ الفعلي كالقولي- بحجة شرعية أو عقلية- كان خروج المجيز بعد الردّ الفعلي عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد- كخروجه عنه بعد الردّ القولي- في محلّه.

______________________________

(1) المدعي للإجماع جماعة كشيخ الطائفة في المبسوط، ج 2، ص 83، و ابن زهرة في الغنية، ص 526 (الجوامع الفقهية) و ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 248

ص: 456

كالوطي و البيع و العتق [1]، فإنّ (1) الوجه في حصول الفسخ هو دلالتها على قصد فسخ البيع، و إلّا (2) فتوقّفها (3) على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، بل يوجب بطلانها، لعدم (4) حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها حتّى تصادف الملك.

______________________________

(1) غرضه بيان وجه حصول الفسخ بهذه التصرفات، و حاصل وجهه هو دلالة تلك التصرفات عرفا على أنّ المتصرف بها- مع الالتفات- قاصد لفسخ العقد بها، و ظواهر الأفعال كظواهر الألفاظ حجة عند العقلاء.

و ليس وجهه توقف تلك التصرفات- أعني بها الوطي و البيع و العتق- على الملك، على ما عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا عتق إلّا في ملك، و لا بيع إلّا في ملك، و لا وطء إلّا في ملك». و ذلك لأنّ مقتضى التوقف المزبور بطلان تلك التصرفات، لعدم تحقق شرطها، و هو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبل تلك التصرفات حتى تقع في ملكه.

و بالجملة: فالوجه في حصول الفسخ بها هو دلالتها عرفا على قصد الفسخ.

(2) أي: و إن لم يكن الوجه في الرّد دلالتها على الفسخ- بل كان الوجه في ذلك توقّف تلك التصرفات على الملك- اقتضى ذلك الوجه بطلانها، لوقوعها في ملك غيره، لا حصول الفسخ بها.

(3) هذا الضمير و كذا ضميرا «بها، بطلانها» راجعة إلى الوطء و البيع و العتق.

(4) تعليل لبطلان تلك التصرفات، فإنّ شرط صحتها- و هو الملك المتوقف على حصول الفسخ قبلها حتى تقع في الملك- لم يتحقق، فلا محالة تقع باطلة.

______________________________

[1] لا وجه لقياس المقام بهذه الأمور، فإنّ حصول الفسخ بها حكم ظاهري تقتضيه أصالة الصحة التي هي مفقودة في مثل تعريض المبيع للبيع. أمّا حصول الفسخ بها واقعا فهو منوط بقصد إنشاء الفسخ بالوطي و أخويه.

و الحاصل: أن الأولويّة المدّعاة غير ظاهرة.

ص: 457

و كيف (1) كان فإذا صلح الفسخ الفعليّ لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا، صلح (2) لرفع أثر العقد المتزلزل- من حيث الحدوث- القابل للتأثير بطريق أولى [1].

______________________________

(1) يعني: سواء أ كانت تلك التصرفات ردّا للعقد أم لا، نقول: إذا فرض كون فعل صالحا لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلا كما في العقد الخياري، كان صالحا لرفع العقد الفضولي المتزلزل حدوثا بطريق أولى، فإن الردّ في المقام دفع، و في العقد الخياري رفع، و الدفع أهون منه.

(2) جواب «فإذا أصلح»، و «بطريق أولى» متعلّق ب «صلح».

______________________________

[1] إن كان منشأ ارتفاع قالية العقد للإجازة بسبب الردّ هو الإجماع، فالمتيقن منه الرّد القولي مع الإنشاء. و إن كان منشؤه عدم قابلية العقد لأن يضاف إلى المالك الأصيل بالإجازة في محيط العقلاء، فالظاهر أنّه لا تفاوت حينئذ بين الردّ القولي و الفعلي. و لا يبعد أن يكون هذا مدرك الإجماع على فرض وجوده، إذ من البعيد أن يكون هناك إجماع تعبدي.

إلا ان يقال: انّ بناء العقلاء أيضا دليل لبي يكون القدر المتيقن منه هو الرد القولي.

و عليه فلا دليل على الرد الفعلي بحيث يمنع عن إجازة المالك، فاستصحاب بقاء العقد في محله.

و لا ينبغي الارتياب في عدم كون فعل مثل التعريض للبيع بدون الالتفات إلى العقد الفضولي ردّا، مع البناء على كون ردّ العقد الفضولي كفسخ العقد الخياري و الإجازة من الإنشائيات.

إلّا إذا دلّ دليل على كون فعل بمجرّده ردّا، كما في الرجوع في عدة الطلاق الرجعي، فإنّ النص المعتبر قد دلّ على أنّ إنكار الطلاق بنفسه رجوع إلى النكاح، و إن لم يكن الراجع ملتفتا إلى وقوع الطلاق حتى يقصد الرجوع و إنشاءه بإنكاره. و لا وجه للتعدي عن مورد النص و هو الطلاق إلى سائر الموارد، ففي غير الطلاق لا بدّ في صدق عنوان الردّ من الإنشاء المتوقف على القصد.

بل يمكن أن يقال- كما قيل-: إنّ الوجه في كون الإنكار رجعة هو ما ثبت في محله

ص: 458

و أمّا الثاني (1)- و هو ما يقع في حال عدم الالتفات- فالظاهر عدم تحقّق الفسخ به، لعدم (2) دلالته على إنشاء الرّد، و المفروض عدم منافاته أيضا للإجازة

______________________________

(1) عطف على «أمّا الأوّل» أي: القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري، و هو ما يقع من المالك في حال عدم التفاته إلى ما وقع على ماله من العقد الفضوليّ، و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ذلك هو: عدم تحقق فسخ العقد الفضوليّ به، لعدم المقتضي له، إذ المفروض أنّه مع عدم الالتفات إلى العقد الفضوليّ لا يدلّ فعله على ردّ العقد، فلا موجب لكونه إنشاء لردّه.

(2) تعليل لعدم تحقق الفسخ به، و حاصله: أنّ الرّد من الإنشائيّات المتقوّمة بالقصد، و مع عدم الالتفات- كما هو المفروض- لا قصد، فلا ردّ حقيقة. كما أنّه ليس بحكم الرّد أيضا، بأن يكون مفوّتا لمحلّ الإجازة، كاستيلاد الأمة، لعدم منافاته للإجازة.

______________________________

من: أنّ المطلقة رجعيا زوجة أو بحكمها، فكلّ قول أو فعل يدلّ على بقاء الزوجية يكون رجوعا، فليس الرجوع بناء عليه من الإيقاعات المحتاجة إلى الإنشاء الموقوف على القصد.

بل وزان الرجوع وزان التقبيل و نحوه من الاستمتاعات الدالة على زوجية المرأة، لا أنّه ردّ فعل و هو الطلاق، بل هو تثبيت الزوجية و إبقاؤها.

و عليه فجعل الإنكار من الردّ الفعلي غير سديد، لما عرفت من أنّ إنكار الطلاق ليس ردّا، بل هو إبقاء للزوجية، فتأمّل.

و هذا الوجه لا يجري في المقام، إذ المقصود انفساخ العقد و انحلاله بحيث يخرج عن قابلية الصحة بالإجازة، و هو لا يحصل إلّا بالإنشاء غير الحاصل في المقام على الفرض.

و لا يخفى أنّ إنكار الطلاق في الصحيحة المتقدمة لا يشمل الرّد الفعلي إلّا إذا كان له إطلاق يشمل الإنكار القولي و الفعلي، و إن كان ظاهر السياق هو الإنكار القولي.

و الحاصل: أنّه لا يمكن جعل إنكار الطلاق ردّا فعليّا و مستثنى من عدم الردّ الفعلي، بأن يقال: إنّ الرّد الفعلي منحصر في إنكار الطلاق، لوجهين:

الأوّل: أنّ الإنكار ليس ردّا للطلاق، بل هو إبقاء للزوجية.

الثاني:- بعد تسليم كونه ردّا- أن الظاهر من الرد هو الردّ القولي دون الردّ الفعلي.

ص: 459

اللّاحقة (1). و لا يكفي مجرّد رفع اليد عن الفعل (2) بإنشاء ضدّه مع عدم صدق عنوان الرّد الموقوف على القصد و الالتفات إلى وقوع المردود، نظير (3) إنكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا

______________________________

(1) يعني: حتى يكون لمفوّتيّته لمحلّ الإجازة ردّا حكميّا لا حقيقيّا.

(2) و هو العقد الفضولي، حاصله: عدم كفاية مجرّد رفع اليد عن العقد- في تحقق ردّه- بإنشاء ضده، كتعريض المالك الأصيل المبيع للبيع، بل لا بدّ في رفع اليد عن العقد الفضولي من إيجاد المالك ما يصدق عليه عنوان الرد المنوط بالقصد و الالتفات إلى وقوع العقد الفضولي على ماله، و هو المراد بقوله: «المردود» لأنّ العقد الفضولي بعد ردّ المالك يصير مردودا و متّصفا بهذا الوصف.

(3) خبر لمبتدء محذوف، أي «و هذا نظير .. إلخ». و غرضه التنظير للمنفيّ و هو الكفاية، و حاصله: أنّه لا يكفي في ردّ فعل كالعقد الفضولي مجرّد رفع اليد عنه بإنشاء ضدّه إلّا في الطلاق، فإنّ الأصحاب ذهبوا إلى كفاية مجرّد رفع اليد عن الطلاق بإنكار الطلاق و لو مع عدم التفات المنكر إلى وقوعه منه سابقا، فإنكاره للطلاق رجوع إلى النكاح و لو مع عدم التفاته إلى الطلاق.

و يدلّ عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن امرأة ادّعت على زوجها أنّه طلّقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا- يعني على طهر من غير جماع- و أشهد لها شهودا على ذلك، ثم أنكر الزوج بعد ذلك. فقال عليه السّلام: إن كان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدة فإنّ إنكاره للطلاق رجعة لها، و إن أنكر الطلاق بعد انقضاء العدّة فإنّ على الإمام أن يفرّق بينهما بعد شهادة الشهود، بعد ما تستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدّة، و هو خاطب من الخطّاب» «1».

و قريب منه ما في فقه الرضا «2».

فلا وجه لقياس المقام بباب الطلاق، فإنّ الرجوع فيه بإنكار الطلاق إنّما هو بالتعبد.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 372، الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، ح 1

(2) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 331، الباب 12 من أبواب أقسام الطلاق و أحكامه، ح 1

ص: 460

و لو (1) مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق، على ما (2) يقتضيه إطلاق كلامهم (3).

نعم (4) لو ثبت كفاية ذلك (5) في العقود الجائزة كفى (6)

______________________________

(1) وصلية، أي: حتّى لو ثبت إنكار الطلاق في حال الغفلة عن وقوع الطلاق.

(2) متعلق بالفعل المقدّر «ثبت» يعني: أنّ الحكم بكون الإنكار رجوعا يقتضيه إطلاق كلامهم، لأنّهم لم يفصّلوا في تحقق الرجعة بإنكار الطلاق بين التفطّن إلى وقوع الطلاق الذي أنكره، فيكون إنكاره رجعة، و بين غفلته عنه فلا يكون رجعة، بل حكموا بأنّ الإنكار رجوع، قال المحقق قدّس سرّه: «و لو أنكر الطلاق كان ذلك رجعة، لأنّه يتضمّن التمسك بالزوجية» «1».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و ظاهرهم الاتفاق على كونه- أي الإنكار- هنا رجوعا» «2».

و ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم، ثم قال في الرّد على اعتبار إرادة البقاء على النكاح الأوّل: «مع أنّ النصّ و كلام الأصحاب مطلق، فلا محيص حينئذ عن القول بأنّ الرجعة ليست من قسم الإيقاع، و لا يعتبر فيها قصد معنى الرجوع. بل يكفي فيها كلّ ما دلّ من قول أو فعل على التمسك بالزوجية فعلا و إن ذهل عن معنى الطلاق ..» فراجع «3».

(3) بل و إطلاق النصّ المتقدم آنفا أيضا.

(4) استدراك على قوله: «و لا يكفي مجرّد رفع اليد».

(5) أي: التصرف غير المنافي لملك المشتري في العقود الجائزة و لو بدون الالتفات إلى وقوع عقد على ماله، كما إذا وهب لزيد متاعا، ثمّ عرضه للبيع غافلا عن أنّه وهبه لزيد. فعلى القول بأنّ هذا التصرف يبطل الهبة لا بدّ من القول ببطلان العقد الفضولي به بطريق أولى.

(6) جواب الشرط في «لو ثبت» و فاعله ضمير راجع إلى «ذلك» أي التصرف.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 30

(2) مسالك الأفهام، ج 9، ص 187

(3) جواهر الكلام، ج 32، ص 182 و 184

ص: 461

هنا (1) بطريق أولى، كما عرفت (2). لكن لم يثبت ذلك (3) هناك، فالمسألة (4) محلّ إشكال، بل الإشكال في كفاية (5) سابقه (6) أيضا، فإنّ (7) بعض المعاصرين

______________________________

(1) أي: في العقد الفضولي.

(2) أي: في (ص 458) حيث قال: «فإذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت .. صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث».

(3) أي: لم يثبت كفاية التصرفات غير المنافية لملك المشتري في العقود الجائزة، فكيف بالعقد المتزلزل حدوثا؟

(4) أي: مسألة كون التصرفات غير المنافية لملك المشتري ردّا للعقد الفضولي- و إن لم يلتفت المالك إلى وقوع عقد على ملكه، كتعريض المبيع للبيع، و إيقاع عقد فاسد عليه- محلّ إشكال.

(5) متعلق بالخبر المحذوف، أي: بل الاشكال ثابت في كفاية .. إلخ.

(6) و هو القسم الأوّل من القسمين اللّذين ذكرهما المصنف قدّس سرّه في (ص 453) بقوله: «لأنّه إمّا أن يقع حال التفات المالك إلى وقوع العقد».

(7) هذا منشأ الإشكال في حصول الردّ بفعل مع الالتفات إلى وقوع عقد فضولا على ماله، و محصّله: أنّ دعوى بعض المعاصرين الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الرد كالإجازة صارت منشأ للإشكال في كون فعل مضاد للعقد الفضولي- مع التفات المالك إلى وقوع عقد على ماله- ردّا للعقد، و مع دعوى الإجماع المزبور يشكل الإكتفاء في ردّ عقد الفضول بالفعل.

و لعلّ المراد بهذا البعض هو الشيخ الأعسم قدّس سرّه، و قد تقدم في (ص 166) نقل كلامه في اعتبار اللفظ في الإجازة. و قال في اشتراط الردّ بالصراحة: «و يشهد للكلّ جملة من الأخبار و كلمات الأصحاب».

و هذه الجملة نقلها صاحب الجواهر في مقام الاستدلال على اعتبار اللفظ في الفسخ و إن ناقش هو فيه، لكن ذكره وجها لاشتراط اللفظ شاهد على استظهار الإجماع عليه، و إن كانت هذه الاستفادة محلّ تأمل، لأنّ المدّعى في كلام الشيخ الأعسم قدّس سرّه هو اعتبار الصراحة في الرد، سواء أ كان بالقول أم بالفعل، لأنّه قال: «انّه هل

ص: 462

يظهر منهم (1) [منه] دعوى الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ كالإجازة، و لذا (2) استشكل في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها جاهلا

______________________________

الإجازة فوريّة أي: من حين العلم بالعقد؟ أم لا ينافيها إلّا الردّ الصريح، قال في الدروس و التنقيح و الحدائق و الرياض بالثاني، و هو الأظهر» ثم اعتبر الصراحة في كلّ من القول و الفعل، و استدلّ عليه بقوله «و يشهد لكلّ .. إلخ» ما نقلناه.

و على كلّ فلا بأس بما نسبه المصنف قدّس سرّه الى بعض معاصريه من دعوى الإجماع على اعتبار اللفظ في الرّد، لأنّه اعتمد على ما في الجواهر من قوله: «بل قيل: انه تشهد له جملة من الأخبار و كلام الأصحاب ..» «1» فراجع.

(1) كذا في نسخ الكتاب، إلّا ما ضبطه الفقيهان السيد و المامقاني قدّس سرّهما في حاشيتيهما «2»، من نقل عبارة المتن هكذا «يظهر منه» و هو المناسب لكلمة «البعض» فلاحظ.

(2) يعني: و لأجل دعوى بعض المعاصرين الاتفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ استشكل العلّامة قدّس سرّه في القواعد في بطلان الوكالة بإيقاع الموكّل عقدا فاسدا على متعلّق الوكالة جاهلا بفساده، كما إذا وكّل زيدا في بيع كتاب المكاسب، ثم وهبه هبة فاسدة جاهلا بفسادها، فإنّ الهبة الفاسدة- كتعريض المبيع للبيع- فعل لا ينافي الوكالة.

و استشكل العلّامة و ولده و المحقق الثاني قدّس سرّهم في كونها ردّا للوكالة، و لعلّ منشأ إشكالهم هو نقل الاتّفاق على اعتبار اللّفظ في الفسخ.

قال العلّامة في باب فسخ الوكالة بفعل الموكّل ما ينافي موردها: «و لو وكّله في بيع عبد، ثم أعتقه عتقا صحيحا، أو باعه كذلك، بطلت الوكالة، و لا تبطل مع فساد بيعه و عتقه مع علمه- أي مع علم الموكّل بفساد البيع و العتق-، و مع جهله اشكال» «3».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 294، كشف الظلام (مخطوط).

(2) حاشية السيد، ج 1، ص 174، غاية الآمال، ص 400

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 365

ص: 463

بفساده، و قرّره في الإيضاح و جامع المقاصد على الإشكال (1) [1].

______________________________

(1) يعني: و قرّر كلّ واحد من صاحبي الإيضاح و جامع المقاصد العلّامة على الإشكال الذي ذكره في بطلان الوكالة بإيقاع عقد فاسد على متعلّقها جاهلا بفساده.

______________________________

[1] ظاهر العبارة كون منشأ استشكال العلّامة قدّس سرّه في فرض جهل الموكّل بفساد بيعه عدم تحقق العزل بالقول، بحيث لو فسخ الوكالة باللفظ لا نعزل الوكيل.

لكن الظاهر أنّ منشأ الإشكال أمر آخر، بشهادة التزام العلّامة بانعزال الوكيل في صورة كون بيع الموكّل صحيحا، و بقاء الوكالة في صورة فساده مع علمه بالفساد حتى إذا لم يكن لفظ دال على العزل مثل «عزلتك أو أزلت وكالتك» و نحوهما، و إنّما قال بالعزل في الصورة الأولى من جهة التصرف المنافي لمورد الوكالة، و عدمه في الصورة الثانية.

كما أنّ ما نسبه إلى الفخر و المحقق الثاني من تقرير الإشكال غير ظاهر.

أمّا فخر الدين فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال: «و التحقيق أنّ قصد السبب هل يستلزم قصد المسبب؟ الحقّ ذلك مع العلم بالسببية، فجهله إن كان بالفساد مع علمه بسببه الصحيح للعزل انعزل. و إن كان بالسببية لم ينعزل، لأنّه لم يقصد بذلك العزل، و إلّا أوجد سببه. هكذا قال المصنف، و نعم ما قال» «1».

و قوله: «لأنّه لم يقصد» كالصريح في إناطة العزل بالقصد مع التفاته إلى سببية البيع له.

و لا إيماء في كلامه إلى كون منشأ الاشكال فقد الفسخ القولي.

و أما المحقق الكركي قدّس سرّه فقد قال بعد بيان وجهي الاشكال: «و فيه نظر، لأنّ العقد الصحيح سبب في العزل من حيث ترتب الخروج عن الملك عليه، و ذلك مفقود مع ظهور فساده. نعم إن قصد بالمأتي به العزل فليس ببعيد الانعزال به، و إلّا فلا» «2».

و بنى السيد العاملي قدّس سرّه العزل و عدمه على أنّ قصده للبيع هل يكون كفسخ الوكالة بالقول أم لا، فقال: «و التحقيق: أنّ عزمه على البيع- صحيحا كان أو فاسدا- و إيقاعه له بمنزلة عزله بالقول، فكان كأنّه قال: عزلت فلانا، فيجي ء فيه حال العزل بالقول في أنه هل ينعزل

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 254

(2) جامع المقاصد، ج 8، ص 282

ص: 464

و الحاصل (1): أنّ المتيقّن من الرّدّ هو الفسخ القوليّ. و في حكمه (2) تفويت محلّ الإجازة، بحيث لا يصحّ وقوعها (3) على وجه يؤثّر من حين العقد.

و أمّا الردّ الفعليّ (4)- و هو الفعل المنشأ به مفهوم الردّ- فقد (5) عرفت نفي

______________________________

(1) يعني: و ما حاصل الكلام في مسألة الردّ هو: أنّ المتيقن من الردّ هو الفسخ القولي.

(2) أي: و في حكم الفسخ القولي تفويت محل الإجازة، بحيث لا يصحّ أن تؤثّر الإجازة من حين وقوع العقد، و هي التصرفات المخرجة عن الملك بالنقل أو الإتلاف كالبيع أو العتق و نحوهما، فإنّ صحة هذه التصرفات من المالك تنافي الإجازة المؤثرة من حين صدور العقد الفضولي كما تقدم تفصيله في (ص 446). فإنّ هذه التصرفات و إن لم تكن ردّا حقيقة، لعدم إنشاء الرّد بها. لكنّها مانعة عن صحة العقد الفضولي من زمان وقوعه، فهي بحكم الردّ من جهة فوات محل الإجازة، حيث لا يمكن صحة العقد الفضولي مع هذه التصرفات من المالك.

(3) أي: وقوع الإجازة. هذا ما يتعلّق بالفسخ القولي و هو المتيقن من الردّ.

(4) و هو الفعل الذي ينشأ به مفهوم الردّ، كتعريض المبيع فضولا للبيع مع التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي على ماله.

(5) جواب «و أمّا الردّ» و قد عرفت في (ص 453) عند قوله: «أمّا الأوّل فهو ردّ فعليّ للعقد، و الدليل على إلحاقه بالردّ القولي .. إلخ» و قد استدل على حصول الفسخ به بوجوه ثلاثة، فراجع.

______________________________

بمجرده و إن لم يبلغه الخبر، أم لا .. إلخ» «1».

و على هذا فلعلّ مقصود المصنف من المشار إليه في قوله: «و لذا» هو كون المسألة محلّ إشكال، لا قضية الإجماع على دخل اللفظ في تحقق الرد. و حينئذ تسلم عبارة المتن من الإشكال.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 622

ص: 465

البعد (1) عن حصول الفسخ به.

و أمّا (2) مجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقّق مفهوم الرّد- لعدم (3) الالتفات إلى وقوع العقد (4)- فالاكتفاء (5) به مخالف للأصل (6).

و في حكم ما ذكرنا (7) الوكالة (8) و الوصاية. و لكنّ الإكتفاء فيهما (9) بالردّ الفعلي أوضح (10).

______________________________

(1) لا يخفى أنّه جزم بالفسخ هناك، و استدلّ عليه بتلك الوجوه الثلاثة. لا أنّه نفى البعد عن حصول الفسخ به.

(2) هذا إشارة إلى القسم الثاني من التصرفات غير المنافية لملك المشتري حين العقد، و قد تعرّض لذلك في (ص 459) بقوله: «و أمّا الثاني و هو ما يقع في حال عدم الالتفات .. إلخ» و ذلك كتعريض المبيع فضولا للبيع مع عدم التفات المالك إلى وقوع العقد الفضولي عليه.

(3) تعليل لعدم تحقق مفهوم الرد، حيث إنّ تحققه منوط بقصده، و مع عدم الالتفات لا يحصل قصده.

(4) أي: وقوع العقد الفضولي على ماله.

(5) جواب قوله: «و أمّا» يعني: فالاكتفاء- بمجرّد إيقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد الفضولي- مخالف للأصل.

(6) و هو استصحاب بقاء العقد على قابليته للإجازة عند الشكّ في بقائه.

(7) أي: تكون الوكالة و الوصاية في حكم ما ذكرنا من تحقق الردّ في العقد الفضوليّ بالقول و الفعل على التفصيل المذكور، فإذا وكّل شخصا أو أوصى إليه، ثم ردّ الوكالة أو الوصاية بالقول أو الفعل، بطلت، و لا موجب لنفوذهما.

(8) مبتدء مؤخّر، و خبره المتقدّم قوله: «و في حكم ما ذكرنا».

(9) أي: في الوكالة و الوصاية.

(10) يعني: أنّ الإكتفاء في إبطال الوكالة و الوصاية بالفعل أوضح من الإكتفاء بالفعل في إبطال عقد الفضوليّ. و لعلّ وجه أوضحيّة الإكتفاء فيهما بالردّ الفعلي- من الإكتفاء به في البيع و غيره من العقود اللازمة- هو: أنّه لمّا كان انعقاد الوكالة و الوصاية

ص: 466

و أمّا الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار (1) فهو منحصر باللفظ أو الردّ الفعليّ.

و أمّا (2) فعل ما لا يجامع صحّة العقد كالوطي و العتق [و البيع] فالظاهر

______________________________

و غيرهما من العقود الجائزة بكلّ ما يدلّ عليها سواء أ كان لفظا أم فعلا، و لم يعتبر في انعقادها خصوص اللفظ، كان انحلالها أيضا في اعتبار العقلاء كانعقادها بكلّ ما يدلّ عليه من قول أو فعل. بخلاف البيع و غيره من العقود اللازمة، فإنّ انعقادها لازمة لمّا كان باللفظ كان مقتضى اعتبار العقلاء اعتبار اللفظ في انحلالها أيضا، هذا.

و يمكن أن يكون وجه الأوضحيّة في الوكالة أنّ مناط صحّة تصرّف الوكيل في متعلّق الوكالة إذن المالك و رضاه، فلو علم الوكيل بعدم رضا المالك بالتصرف فيه- و لو كان الدالّ على العلم بعدم الرضا فعلا صادرا من الموكّل- لا يجوز له التصرف بلا إشكال، من دون حاجة إلى لفظ يدلّ على إنشاء فسخ الوكالة.

و الحاصل: أنّه يكفي في عدم جواز التصرف كلّ ما يدلّ على ذلك بلا حاجة إلى إنشاء، حتى يحتمل اعتبار اللفظ فيه.

و في الوصية أنّها جزء السبب و جزؤه الآخر الموت، و يعتبر استمرار الرضا من الموصى إلى حصول الجزء الآخر. فلو ارتفع الرضا قبل تحقق الجزء الآخر- و لو بدلالة فعل من الموصى على ذلك- بطلت الوصية، و لا يؤثر لحوق الجزء الآخر. و لكن هذا البطلان إنّما هو لأجل عدم حصول شرط انعقاد العقد، لا لأجل الردّ.

(1) معطوف على «بالذات» حاصله: أنّ الفسخ في العقود الجائزة منحصر في الإنشاء اللفظي أو الفعلي، سواء أ كان جوازها بالذات، و هي العقود الإذنية، أم كان بالعرض و هي الجائزة بالخيار المجعول شرعا كخيار الحيوان و المجلس، أو بجعل المتعاقدين كخيار الشرط.

(2) هذا دفع توهّم. أمّا التوهّم فتقريبه: أنّه يتوهم حصول فسخ العقود الجائزة بالذات أو بالخيار بغير اللفظ و الرد الفعلي، و هو فعل ما ينافي صحة العقد الجائز بالذات كالهبة، أو بالخيار كالبيع الخياري، فإنّ هذه التصرفات- أعني بها الوطء و العتق و البيع التي أوقعها ذو الخيار في زمن الخيار، أو أوقعها بعد العقد الجائز بالذات كالهبة- فاسخة للعقد الجائز، فليس الفسخ في العقود الجائزة منحصرا باللفظ أو الرد الفعليّ، هذا.

ص: 467

أنّ الفسخ بها من باب تحقّق القصد قبلها، لا (1) لمنافاتها لبقاء العقد (2)، لأنّ (3) مقتضى المنافاة بطلانها (4)، لا انفساخ (5) العقد، عكس ما نحن فيه (6)، و تمام الكلام في محلّه.

[فائدة الرد و ما يترتب عليه شرعا]

ثمّ (7) إنّ الرّد إنّما يثمر

______________________________

و أمّا تقريب الدفع فهو: أنّ الفعل المنافي لصحة العقد الجائز- كالوطء و العتق و البيع- ليس بنفسه فسخا، بل يتحقق الفسخ بقصده آنا ما قبل حصول المنافي. و لو كان الفسخ به لأجل منافاته لصحة العقد الجائز لاقتضت المنافاة بطلان الفعل المنافي، لوقوعها في ملك الغير، لا انفساخ العقد.

و الحاصل: أنّ الفسخ هنا من مصاديق الرد الفعلي، و ليس أمرا آخر حتى يتوهم أنّ الفسخ هنا خارج عن الفسخ القوليّ و الفعليّ، فلا مجال للتوهّم المزبور.

(1) يعني: أنّ الفسخ بالوطء و العتق و البيع إنّما هو لتحقق قصد الفسخ قبلها.

(2) و هو العقد الجائز بالذات أو بالخيار.

(3) تعليل لبطلان الوطء و أخويه، و محصّله: أنّها تبطل لمنافاتها لمقتضى العقد الجائز، و هو كون ما وقع عليه هذه الأمور ملكا لغير من صدرت هذه التصرفات منه، فلا بدّ من الحكم ببطلانها، لوقوعها في ملك الغير.

(4) أي: بطلان الوطء و العتق و البيع، لوقوعها في ملك الغير.

(5) معطوف على «بطلانها» يعني: أنّ مقتضى المنافاة بطلان تلك التصرفات، لا بطلان العقد.

(6) و هو عقد الفضول، و المراد بالعكس: أن تلك التصرفات في العقد الفضولي تقتضي صحّتها، لوقوعها في ملك المالك المسلّط على كل تصرف في أمواله، و بطلان العقد الفضولي، و عدم صحة الإجازة بعد التصرفات المنافية لصحة العقد الصادرة من المالك.

(7) بعد أن بيّن قدّس سرّه ما يتحقق به ردّ العقد الفضولي، أراد أن يبيّن فائدة الرد و ما يترتب عليه شرعا، فقال: إنّ ثمرة ردّ المالك العقد الفضولي هي عدم صحة الإجازة بعد الرّد، لعدم محلّ لها بعد تلك التصرفات. و أمّا انتزاع المال- الذي بيع فضولا- من المشتري إن كان قد قبضه من العاقد الفضولي فلا يتوقف على الرّد، بل يكفي في جواز انتزاعه عدم الإجازة، لأنّ سلطنة المالك على ماله- ما لم يجز العقد الفضولي- باقية

ص: 468

في عدم صحّة الإجازة [1] بعده. و أمّا انتزاع المال من المشتري لو أقبضه الفضوليّ، فلا يتوقّف على الرّد، بل يكفي فيه (1) عدم الإجازة. و الظاهر أنّ الانتزاع بنفسه ردّ (2) مع القرائن الدالّة على إرادته (3) منه، لا مطلق (4) الأخذ، لأنّه (5) أعمّ.

______________________________

و مقتضاها جواز انتزاعه من المشتري.

(1) أي: في جواز انتزاع المال من المشتري.

(2) يعني: إذا كان هذا الانتزاع مصداقا للردّ فلا إشكال في أنّه ينتزع ماله واقعا و ظاهرا على النقل و الكشف الانقلابي، و كذا بنحو الشرط المتأخر، أو بوصف التعقب المقارن للعقد مع العلم بعدم الإجازة أصلا، فإنّ المبيع الفضوليّ في جميع هذه الصور باق على ملك مالكه. و مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز انتزاع ماله من المشتري.

(3) أي: على إرادة الرّد من الانتزاع.

(4) معطوف على «الانتزاع» يعني: و الظاهر أن الأخذ المجرّد عن القرينة ليس ردّا.

(5) يعني: لأنّ الأخذ أعم من الرّد، لإمكان أن يكون الأخذ للاطّلاع على سعره، أو للانتفاع به مدّة.

______________________________

[1] يعني: إجازة المالك الفعلي. و أمّا إذا باعه المالك من شخص آخر غير المشتري الذي اشتراه من الفضول، فالظاهر عدم مانع من إجازة المالك الجديد ذلك العقد الفضولي، فردّ المالك ليس هدما و إعداما له من صقع الاعتبار حتى لم يبق محلّ للإجازة مطلقا حتى بالنسبة إلى المالك الفعلي.

بل معنى الردّ أنّه ليس له الإجازة بعد الرّد. و ليس معناه انعدام العقد بحيث لم يكن لغير المالك إذا صار مالكا للمبيع الفضولي إجازة العقد الفضولي، لأنّ فعل الغير- و هو الفضول- ليس تحت اختيار مالك المبيع حتى يعدمه، بل له ردّه الذي مرجعه إلى قطع علقة العقد بماله. فإنّ للمالك قطع هذه العلقة بالرّد، كما أنّ له إبقاءها و تثبيتها بالإجازة. و ليس له إعدام العقد بحيث لا يصح لغيره- إذا ملك المبيع- أن يجيز هذا العقد الفضولي، فإنّ حدوث الأمر الاعتباري و بقاءه بيد من بيده الاعتبار، و ليس المالك مالكا لهذا الاعتبار.

ص: 469

و لذا (1) ذكروا أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقّق به.

______________________________

(1) أي: و لأجل أعمية الأخذ من الرّد ذكر جماعة من الأصحاب: أنّ الرجوع في الهبة لا يتحقق بأخذ الواهب العين الموهوبة من المتهب، قال العلّامة في القواعد- بعد حكمه بتحقق الرجوع بلفظ رجعت و شبهه و بالفعل كالبيع- ما لفظه: «و الأقرب أنّ الأخذ ليس فسخا» «1». و الظاهر أنّ مورد كلامه عدم وجود قرينة على إرادة الرجوع بهذا الأخذ. كما يظهر من فخر المحققين و المحقق الثاني و السيد العميد، لعدم دلالة الأعم على الأخص، فراجع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 408، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 418، جامع المقاصد، ج 9، ص 167، كنز الفوائد، ج 2، ص 161، مفتاح الكرامة، ج 9، ص 192 و 193

ص: 470

[حكم المالك مع المشتري لو لم يجز]

مسألة (1) لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده (2) فهو، و إلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده (3) مع بقائه، و يرجع بمنافعه (4)

______________________________

ب: حكم المالك مع المشتري لو لم يجز

(1) الغرض من عقد هذه المسألة بيان الحكم الوضعي- و هو ضمان المبيع الفضولي- في صورة عدم إجازة المالك، و ردّه البيع الفضولي.

و محصّل ما أفاده فيها: أنّ المبيع فضولا إن كان باقيا و كان بيد المالك، فلا كلام.

و إن لم يكن بيده، فله انتزاعه ممّن وجده في يده، سواء أ كان هو المشتري أم غيره.

و يرجع بمنافعه المستوفاة- كاللّبن و الصوف من الشاة- على من كان المبيع في يده، و استوفى المنافع منه. و كذا يرجع المالك على من كان المبيع عنده بمنافعه التي لم يستوفها، كما إذا كان المبيع دكّانا أو دارا و لم يستوف منفعته- كما إذا كانت أجرته على تقدير إجارته في تلك المدة التي كانت بيد المشتري أو غيره عشرة دنانير مثلا- فإنّ للمالك أخذ هذه الأجرة ممّن كان المبيع بيده.

(2) هذا الضمير و ضمير «فله» و الضمير المستتر في «وجده» راجعة إلى المالك.

(3) الضمير راجع إلى الموصول في «ممّن» المراد به المشتري.

(4) هذا الضمير و ضمائر «انتزاعه، وجده، بقائه» راجعة إلى المبيع.

ص: 471

المستوفاة [1] و غيرها، على الخلاف المتقدّم في البيع الفاسد (1). و مع التلف (2) يرجع إلى من تلف عنده

______________________________

(1) بقوله: «و أمّا المنفعة الفائتة بغير استيفاء فالمشهور فيها أيضا الضمان» الى أن قال: «فيتحصّل من ذلك كلّه أنّ الأقوال في ضمان المنافع غير المستوفاة خمسة .. إلخ» «1».

فضمان المنافع غير المستوفاة محلّ الخلاف، هذا كلّه في صورة بقاء عين المبيع.

(2) هذا شروع في حكم تلف المبيع، و محصّله: أنّه مع التلف يرجع إلى من تلف عنده- من المشتري أو غيره- بقيمته يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان وقوعه في يده إلى وقت تلفه، على الخلاف بين الفقهاء.

______________________________

[1] على المشهور على ما قيل. بل عن السرائر «الاتفاق على ذلك» لجعله كالمغصوب عند المحصلين، و يدل عليه عموم قوله: «لا يحل مال امرء مسلم لأخيه إلّا عن طيب نفسه» بناء على صدق «المال» على المنافع، و لذا يجعل ثمنا في البيع و صداقا في النكاح.

و يدل عليه أيضا صحيح أبي ولّاد المتضمن لضمان المنافع المستوفاة، ردّا على أبي حنفية النافي للضمان، استنادا إلى «الخراج بالضمان» و إبطال قوله موكول إلى بحث المقبوض بالعقد الفاسد.

و أمّا المنافع غير المستوفاة فالمنسوب إلى المشهور أيضا الضمان. و يشمله إطلاق معقد إجماع السرائر من كون المقبوض بالعقد الفاسد كالمغصوب عند المحصلين.

و لعلّ وجه ضمانها صدق الأموال عليها، و قاعدة احترام مال المسلم أيضا تقتضي الضمان، فإنّ المنافع القائمة بالأعيان أموال، و أخذها بقبض الأعيان، هذا مجمل الكلام في ضمان المنافع بقسميها. و تقدم التفصيل في أحكام المقبوض بالعقد الفاسد، فراجع «2».

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 3، ص 251- 267

(2) المصدر، ص 213 إلى 285

ص: 472

بقيمته (1) يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان وقع في يده [1].

______________________________

(1) أي: بقيمة المبيع يوم التلف، أو بأعلى القيم من زمان الغصب- و هو زمان وقوع المال في يده- إلى زمان وصول المال إلى مالكه، هذا إذا كان المبيع قيميّا.

و إن كان مثليّا يرجع إلى من تلف عنده بمثله.

فالمراد بقوله: «بقيمته» هو مالية المبيع. فإن كان المبيع مثليّا يتعيّن بدله في المثل.

و إن كان قيميّا تعيّن بدله في قيمته.

______________________________

[1] أو يوم الدفع، فيه وجوه، بل أقوال.

قيل في المقام: إنّ منشأ القول بقيمة يوم الغصب و يوم التلف هو كون الضمان فعليّا يوم الغصب، أو تعليقيّا. فمن قال بالأوّل مشروطا بشرط متأخر- و هو تلف العين- قال بالضمان يوم الغصب. و من قال بالثاني قال بقيمة يوم التلف.

و منشأ القول بيوم الدفع- و هو يوم الأداء وجهان:

الأوّل: أنّ العين بجميع خصوصياتها الشخصية مضمونة على الضامن في كلتا صورتي وجود العين و تلفها. فمع التمكن من ردّ العين يجب ردّها، و مع تلفها يجب ردّ مثلها إن كان المال مثليّا، و ردّ قيمتها إن كان قيميا، هذا. و فيه: ما ذكر في محلّه «1».

الثاني: أنّ الشي ء متقوم بماليّته، مثلا قوام الحنطة بماليتها التي هي الإشباع و حفظ الحياة، و أمّا الخصوصيات الشخصية و المثلية فهي فضلة و خارجة عن حقيقتها، فإذا تلفت الحنطة فماليتها- و هي الإشباع- تثبت في الذمة، فتقوّم بقيمة يوم الدفع الذي هو يوم المطالبة، و يوم الخروج عن العهدة. ففي هذا اليوم يقوّم ما في ذمة الضامن من مالية التالف، هذا.

و منشأ القول بأعلى القيم هو كون الرغبات التي تتفاوت بها الأسعار السوقية مضمونة على الضامن، و قد تقدم الكلام في ما استدل به عليه، فراجع «2».

______________________________

(1) راجع تفصيل هذا البحث فيما ذكرناه في أحكام المقبوض بالبيع الفاسد، هدى الطالب، ج 3، ص 384 و 397- 401

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 401 و 539- 542

ص: 473

و لو كان قبل ذلك (1) في ضمان آخر (2) و فرض زيادة القيمة عنده (3) ثمّ نقصت عند الأخير (4) اختصّ (5) السابق بالرجوع بالزيادة عليه (6)، كما صرّح به (7) جماعة في الأيدي المتعاقبة.

______________________________

لكن يأبى الحمل على الماليّة قوله: «يوم التلف أو بأعلى القيم».

(1) المشار إليه هو التلف، و هذا فرع آخر، و هو: أنّه إذا كان المبيع قبل التلف في ضمان شخص آخر غير المشتري، و فرض ارتفاع قيمته عنده، ثم نقصت عند الضامن الأخير، كما إذا فرض أنّ زيدا غصب غنم عمرو، و كانت قيمتها خمسين دينارا، ثم باعها على بكر، و تنزّلت قيمتها عند التلف و صارت ثلاثين دينارا، فإن المالك حينئذ يأخذ من المشتري- و هو بكر- ثلاثين دينارا، و من زيد الغاصب عشرين دينارا، و هو الزائد على قيمتها السوقية يوم التلف.

(2) أي: غير المشتري، كزيد الغاصب في المثال المذكور.

(3) أي: عند شخص آخر غير المشتري، و هو في المثال زيد الغاصب.

(4) أي: المشتري، و هو بكر في المثال المذكور.

(5) جواب «و لو كان» أي: اختصّ السابق في الضمان- و هو زيد الغاصب- برجوع المالك عليه بالزيادة، و هي عشرون دينارا في المثال.

(6) أي: على السابق الذي زادت القيمة عنده.

(7) أي: صرّح جماعة برجوع المالك على السابق- الذي ارتفعت قيمته السوقية عنده- في الأيدي المتعاقبة، كما إذا غصب شخص كتاب زيد، و باعه على عمرو، ثم باعه عمرو على بكر، ثم باعه بكر على بشر، فتلف عنده الكتاب، فإنّه لأجل ضمان الجميع يتخيّر المالك في الرجوع إلى أيّ واحد منهم ببدل واحد، مع استقرار الضمان على الأخير الذي تلف المال بيده.

لكنهم فصّلوا بين علم الأيدي المتعاقبة بالغصب و بين جهلهم به، ففي صورة العلم لو طالب المالك من الغاصب أو من الأيدي السابقة جاز مطالبة البدل من اليد اللاحقة.

و لو رجع المالك على الأخير لم يجز له الرجوع إلى الغاصب أو اليد السابقة عليه إلّا في صورة زيادة قيمة المال عند السابق و نقصانها عند الأخير، فإنّ الزيادة مضمونة على من زادت عنده القيمة.

ص: 474

هذا (1) كلّه حكم المالك مع المشتري [1].

[حكم المشتري مع الفضولي]
اشارة

و أمّا (2) حكم المشتري مع الفضولي،

______________________________

فلو كان سعر الكتاب عند الغاصب عشرة دراهم و عند الأخير ثمانية، كان المطالب بالزيادة هو الغاصب، لا الأخير الذي تلف عنده الكتاب.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و للمالك الرجوع على الجميع ببدل واحد، لكن الثاني إن علم بالغصب طولب بكلّ ما يطالب به الغاصب، و يستقرّ الضمان عليه إن تلف عنده، فلا يرجع على الأوّل لو رجع- أي المالك- عليه .. هذا إذا تساوت القيمة، أو كانت في يد الثاني أكثر. و لو زادت في يد الأوّل طولب بالزيادة دون الثاني ..» «1».

و نحوه كلامه في التذكرة، و وافقه الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري و السيد العاملي «2»، و هو ظاهر سكوت السيد العميد و فخر المحققين «3»، فراجع.

(1) يعني: أنّ ما ذكرناه في هذه المسألة- التي أوّلها قوله: «لو لم يجز المالك، فان كان المبيع في يده»- إلى هنا راجع إلى حكم المالك مع المشتري في صورتي وجود المبيع و تلفه.

ج: حكم المشتري مع الفضولي

(2) يعني: و أمّا حكم المشتري مع البائع الفضولي من حيث الضمان، فيقع الكلام فيه تارة في الثمن الذي دفعه إلى الفضولي، و اخرى فيما يغرمه المشتري للمالك زائدا على الثمن، كما إذا كان الثمن في البيع الفضولي خمسة دنانير، و كانت القيمة السوقية عشرة دنانير،

______________________________

[1] حق الكلام أن يقال: «من وجده عنده» بدل «مع المشتري» حتى يوافق قوله:

«ممّن وجده في يده» لأنّ ما ذكره- من رجوع المالك، و أخذ العين مع بدل المنافع المستوفاة و غيرها، و أخذ قيمتها مع التلف- لا يختص بالمشتري، بل ذلك حكم من وجد المبيع عنده، سواء أ كان مشتريا أم غيره.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 224

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 377، السطر 35، مسالك الأفهام، ج 12، ص 156، كفاية الأحكام، ص 259، مفتاح الكرامة، ج 6، ص 229

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 169، كنز الفوائد، ج 1، ص 652

ص: 475

فيقع الكلام فيه (1) تارة في الثمن، و اخرى فيما (2) يغرمه للمالك زائدا على الثمن (3)، فهنا مسألتان:

[الأولى: المشتري الجاهل بالفضولية يرجع بالثمن إلى الفضولي]

الأولى:

أنّه (4) يرجع عليه بالثمن إن كان جاهلا بكونه فضوليّا، سواء كان باقيا أم تالفا. و لا يقدح في ذلك (5)

______________________________

و رجع المالك على المشتري بهذه الزيادة. فيقع الكلام في حكم هذه الزيادة من حيث رجوع المشتري بها على البائع الفضولي الغاصب و عدمه، فهنا مسألتان.

(1) أي: في حكم المشتري مع الفضولي- في الثمن الذي أخذه من المشتري- من حيث الضمان و عدمه.

(2) أي: في المال الذي يغرمه المشتري لمالك المبيع الفضولي زائدا على الثمن المقرّر في عقد الفضول، مثل ما تقدّم آنفا من كون الثمن خمسة دنانير، و كون القيمة السوقية عشرة دنانير.

و الغرض أنّ حكم المشتري مع الفضولي من حيث الضمان تارة يقع في نفس الثمن الّذي دفعه إلى البائع الفضولي، و اخرى في المال الذي أخذه المالك منه زائدا على الثمن الذي أخذه الفضولي من المشتري، فهل يكون هذا الزائد مضمونا على البائع كنفس الثمن أم لا؟

(3) أي: الثمن المقرّر في العقد الفضولي، و هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

المشتري الجاهل بالفضولية يرجع بالثمن إلى الفضولي

(4) أي: أنّ المشتري يرجع على البائع الفضولي بالثمن الذي دفعه إليه إن كان المشتري جاهلا بكون البائع فضوليا، سواء أ كان الثمن باقيا أم تالفا، فإنّه في ظرف التلف يأخذ من البائع الفضول مثله إن كان مثليا، و قيمته إن كان قيميّا.

(5) المشار إليه رجوع المشتري إلى البائع، يعني: لا يقدح في رجوع المشتري إلى البائع اعتراف المشتري بملكية المبيع للبائع. وجه عدم القدح: أنّ اعترافه هذا مبني على الظاهر و هو اليد، فإنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ، و هو حجّة ما لم ينكشف خلافه.

ص: 476

اعترافه (1) بكون البائع مالكا، لأنّ (2) اعترافه مبنيّ على ظاهر يده (3).

نعم (4) [1] لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد- كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البيّنة (5)- لم يرجع (6) بشي ء. و لو لم يعلم استناد الاعتراف (7)

______________________________

(1) أي: اعتراف المشتري.

(2) تعليل لعدم كون اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع قادحا في رجوعه إلى البائع، و قد اتضح بقولنا: «وجه عدم القدح أنّ اعترافه .. إلخ».

(3) أي: يد البائع.

(4) استدراك على أخذ الثمن من البائع الفضولي، و حاصل الاستدراك: أنّه إذا كان اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مستندا إلى غير اليد- كما إذا اعترف بملكية المبيع للبائع المستلزمة لكون الثمن له، بعد قيام البيّنة على عدم كون المبيع ملكا للبائع- لم يرجع المشتري حينئذ على البائع بالثمن، لاعترافه بأنّه له بإزاء المبيع.

(5) أي: قيام البينة على عدم كون المبيع ملكا للبائع الفضولي، و الظاهر أنّ في العبارة سقطا، و كانت العبارة هكذا: «بعد قيام البينة على عدم كونه ملكا للبائع».

و الغرض من هذه العبارة هو: أنّ المشتري- مع قيام البينة على عدم كون البائع مالكا للمبيع- يعترف بأنّ المبيع ملك للبائع. فحينئذ ليس له أن يرجع على البائع بشي ء من الثمن، لكونه بدلا عن المبيع بمقتضى اعترافه.

(6) جواب «لو اعترف» و جملة «يعلم عدم .. إلخ» نعت ل «وجه».

(7) أي: اعتراف المشتري بكون المبيع ملكا للبائع لم يعلم أنّه مستند إلى اليد أو إلى غيرها، حتى يؤخذ بظاهر لفظ «الإقرار» الذي هو كاشف عن الواقع، و طريق عقلائي إليه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا خارج عن مفروض البحث، و هو كون المشتري جاهلا بالغصبية، إذ فرض اعتراف المشتري بمالكية البائع للمبيع مع قيام البينة على عدم مالكية البائع له خارج عن موضوع البحث، و هو جهل المشتري بمالكية البائع للمبيع، بل هو من مصاديق ما سيذكره من قوله: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. إلخ».

ص: 477

إلى اليد أو إلى غيرها، ففي (1) الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد، أو بظاهر لفظ الإقرار من (2) دلالته على الواقع، وجهان (3) [1].

و إن (4) كان عالما بالفضوليّة، فإن كان الثمن باقيا استردّه، وفاقا للعلّامة (5) و ولده و الشهيدين و المحقّق الثاني رحمه اللّه.

______________________________

(1) جواب قوله: «و لو لم يعلم» و جملة الشرط و الجزاء خبر مقدّم لقوله: «وجهان».

(2) بيان لظاهر لفظ الإقرار الذي هو من الأمارات الحاكية عن الواقع.

(3) فإن كان استناد المشتري- في اعترافه- إلى اليد، فله الرجوع على البائع الفضولي بالثمن. و إن كان استناده فيه إلى غير اليد فيؤخذ بإقراره الدالّ على الواقع، فليس له الرجوع بالثمن إلى البائع.

التفصيل في رجوع المشتري العالم بين بقاء الثمن و تلفه

(4) معطوف على قوله في صدر المسألة (ص 476) «إن كان جاهلا» و محصّله: أنّه إن كان المشتري عالما بكون البائع فضوليّا، فإن كان الثمن باقيا استردّه المشتري كما صرّح به جماعة من الفقهاء كالعلّامة و ولده فخر المحققين و الشهيدين و المحقق الثاني قدس اللّه تعالى أسرارهم و رفع في الخلد إعلامهم.

(5) لقوله في القواعد: «و لو فسخ- أي المالك- العقد رجع على المشتري بالعين، و يرجع المشتري على البائع- أي الغاصب- بما دفعه ثمنا .. مع جهله أو ادّعاء البائع إذن المالك. و إن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم و لا بالثمن مع علم الغاصب، إلّا أن يكون الثمن

______________________________

[1] لعلّ أوجههما البناء على كون الإقرار مستندا إلى ما هو الأغلب من الاستناد إلى اليد التي هي أمارة غالبية على ملكية المال لذي اليد، فيحمل الإقرار على ذلك. و حينئذ يكون الثمن باقيا على ملك المشتري، فله مطالبته من البائع، لما مرّ آنفا من أنّ الملكية المستندة إلى اليد حكم ظاهريّ يرتفع بانكشاف خلافه.

ص: 478

إذ (1) لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه (2) شرعا. و مجرّد (3) تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله (4) لزم الانتقال في البيع (5) الفاسد [1]

______________________________

باقيا فالأقوى الرجوع به» «1».

و الشاهد في الجملة الأخيرة المفصّلة بين بقاء الثمن و تلفه، و نحوه كلامه في التذكرة و المختلف.

(1) تعليل لاسترداد الثمن من البائع، و حاصله: أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب انتقال الثمن عنه شرعا إلى البائع، فهو باق على ملك المشتري، و لازم بقائه على ملكه سلطنته على استرداده.

(2) هذا الضمير و ضمير «منه» راجعان إلى المشتري.

(3) مبتدء و خبره جملة «لزم الانتقال»، و هذا دفع و هم. أمّا الوهم فتقريبه: أنّ تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن يوجب انتقاله إلى البائع، و معه كيف يرجع المشتري إليه؟

و أمّا دفعه فقد ذكر له وجهين:

أحدهما: النقض بالبيع الفاسد، بتقريب: أن مجرّد التسليط إن كان موجبا للملكية لكان لازمه ملكية الثمن للبائع في البيع الفاسد، و كذا ملكية المبيع للمشتري فيه، لوجود التسليط في كلّ منهما، مع أنه لا سبيل للالتزام بهذه الملكية لشي ء منهما في البيع الفاسد.

(4) أي: لانتقال الثمن.

(5) أي: لزم- في البيع الفاسد- انتقال الثمن إلى البائع، و انتقال المثمن إلى المشتري و هذا إشارة إلى أوّل وجهي دفع التوهم كما تقدّم بيانه آنفا.

______________________________

[1] هذا اللازم غير لازم في البيع الفاسد حتى مع علم المتعاقدين بفساد البيع، لأنّهما- مع علمها بفساده- قاصدان للمعاوضة العرفية التي هي مقوّمة للبيع. فالتسليط المجّاني

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 18، الطبعة الحديثة)، مختلف الشيعة، ج 5، ص 56، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 418 و 421، الدروس الشرعية، ج 3، ص 193، جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160 و 161 و ج 12، ص 224، الروضة البهية، ج 3، ص 234- 235

ص: 479

لتسليط (1) كلّ من المتبايعين صاحبه على ماله. و لأنّ (2) الحكم بصحّة البيع لو أجاز المالك- كما هو (3) المشهور- يستلزم تملّك المالك للثمن، فإن تملّكه البائع قبله (4) يلزم

______________________________

(1) تعليل لقوله: «لزم الانتقال» أي: انتقال المثمن إلى المشتري، و الثمن إلى البائع، لجريان هذه العلة في كليهما.

(2) هذا ثاني وجهي دفع التوهم، و هو جواب حلّي، و مرجعه إلى عدم قابليته للإجازة، لصيرورة البيع بسبب التسليط بيعا بلا ثمن.

توضيحه: أنّ صحة هذا البيع الفضولي- على تقدير إجازة المالك كما هو المشهور- تستلزم تملّك المالك الأصليّ للثمن، على ما هو قضيّة المعاوضة الحقيقية، لكن تملّك البائع الفضوليّ للثمن بسبب التسليط قبل تملك المالك بالإجازة يوجب فوات محلّ الإجازة، إذ المفروض تملّك البائع للثمن بالتسليط قبل الإجازة، و لازمه وقوع الإجازة على بيع بلا ثمن.

(3) أي: الحكم بصحة البيع لو أجاز المالك هو المشهور، كما تقدّم التنبيه عليه في ثالثة مسائل البيع الفضولي «1».

________________________________________

(4) أي: فإن تملك البائع الثمن- قبل أن يتملكه المالك بإجازته للبيع- كان لازمه

______________________________

مفقود في البيع الفاسد، بل هو وفاء للثمن، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض هذا البيع. و عدم الإمضاء لا يقدح في تحقق المفهوم العرفي في المعاوضة. و ليس واحد منهما قاصدا للتسليط المجاني كما في البيع الربوي و غيره من البيوع الفاسدة، فإنّ التسليط فيها وفاء للثمن كما مرّ آنفا.

نعم يمكن أن يقال: إنّهما مع العلم بفساد البيع راضيان بتصرف كل منهما في مال الآخر. و لو سلّم قصد المجانية بهذا التسليط لم يجد في ملكية الثمن للبائع، لأنّه ليس من الأسباب الناقلة الشرعية. و دعوى مملكية هذا التسليط بقاعدة «الناس مسلّطون على أموالهم» غير مسموعة، لعدم كون القاعدة مشرّعة كما لا يخفى.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 540

ص: 480

فوات محلّ الإجازة، لأنّ الثمن إنّما ملكه الغير (1)، فيمتنع تحقّق الإجازة (2)، فتأمّل (3).

و هل يجوز (4) للبائع التصرّف فيه؟ وجهان، بل قولان (5)،

______________________________

فوات محلّ الإجازة. فقوله: «يلزم» جواب الشرط في «فإن تملّكه».

(1) أي: غير المالك، و هو البائع الفضولي، حيث إنّه ملك الثمن قبل الإجازة بسبب التسليط، و معه يمتنع الإجازة، لخلوّ البيع عن الثمن، إذ المفروض صيرورته ملكا للبائع الفضولي.

(2) وجه الامتناع عدم بقاء محلّ للإجازة، لكون البيع بلا ثمن، و هو ليس بيعا حقيقة كما مرّ آنفا.

(3) لعلّ وجهه: أنّ محذور الإجازة- و هو فوات محل الإجازة، لكون البيع بلا ثمن- إنّما يلزم بناء على النقل. و أمّا بناء على الكشف فلا يلزم، لسبق ملكية الثمن- لمالك المبيع- على التسليط الموجب لملكية الثمن للبائع الفضول، فيبطل التسليط، و لا يوجب ملكية الثمن للبائع.

أو وجه التأمل: فساد قياس المقام بالعقد الباطل، و ذلك لأنّ التسليط هناك معاوضيّ، غاية الأمر أنّ الشارع لم يمض المعاملة، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ التسليط هنا مجاني.

أو وجه التأمل: أن مملكية التسليط منوطة بعدم الإجازة، و ليست مطلقة.

(4) أي: و هل يجوز للبائع الفضولي التصرف في الثمن مع علم المشتري بكونه غاصبا للمبيع أم لا؟ سواء قلنا بوجوب ردّ الثمن إلى المشتري أم لا، فلو قلنا بعدم جواز رجوع المشتري على البائع من جهة كونه عقوبة له- كما في كلام المحقق و غيره «1»- اتّجه البحث عن جواز تصرف البائع فيه، و أنّ فيه وجهين بل قولين.

(5) أحدهما: جواز التصرف، استنادا إلى تسليط المشتري إيّاه على الثمن حين تسليمه، و الإذن في قبضه.

______________________________

(1) لاحظ الرسائل التسع للمحقق، ص 307- 308، المسألة الرابعة من المسائل الطبرية، مسالك الأفهام، ج 3، ص 161

ص: 481

أقواهما العدم (1)، لأنّه [1] أكل مال بالباطل.

هذا (2) كلّه إذا كان باقيا. و أمّا (3) لو كان تالفا، فالمعروف عدم رجوع

______________________________

لكن فيه: أنّ التسليط كان في مقابل المال الذي لم يكن البائع مالكا و مستحقا له، فلا يستحق التصرف في بدل ما لا يستحقه. نعم لو كان التسليط مطلقا و لم يكن بدلا عن مال كان للجواز وجه.

(1) ثانيهما: ما أفاده المصنف قدّس سرّه من عدم جواز التصرف، معلّلا بأنّه أكل للمال بالباطل، حيث إنّه لم يتحقق ما يوجب جواز التصرف فيه من السبب الناقل للملك، أو إذن المالك في التصرف في ماله، أو إذن الشارع فيه كاللقطة و غيرها من الأمانات الشرعية، و بدون الإذن من الشارع أو المالك لا يجوز التصرف.

(2) أي: رجوع المشتري على البائع بالثمن يكون حكمه في صورة بقائه و عدم تلفه.

(3) يعني: و أمّا إذا كان الثمن المدفوع إلى البائع تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري به على البائع، بل المحكي عن جماعة ممّن ذكر في المتن رضوان اللّه عليهم الاتفاق على عدم الرجوع.

و نبّه بقوله: «فالمعروف» على ما نسب إلى المحقق قدّس سرّه من الخلاف في المسألة، فإنّ المستفاد من غصب الشرائع دوران جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع مدار علمه بالغصب و عدمه، بجواز الرجوع في صورة الجهل، دون العلم. و ظاهره عدم الفرق بين بقاء الثمن و تلفه. و كذا يظهر من كلامه في النكت «1». كما أنّ صريح كلامه في

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا مناف لما أفاده في الفرع الآتي من جواز تصرّف البائع في الثمن، لأنّ المشتري قد سلّطه على التصرف في الثمن و إتلافه. كما أنّ ظاهره جواز الاسترداد، لعدم حصول الملكية للبائع. و ظاهره عدم جواز الاسترداد على فرض حصول ملكية الثمن للبائع. و هو لا يخلو من غموض، لأنّه على فرض حصول الملكية تكون ملكيته مجانية، و من المعلوم جواز الرجوع في التمليك المجاني الذي هو هبة.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 14 و ج 3، ص 245، النهاية و نكتها، ج 2، ص 178

ص: 482

المشتري، بل المحكيّ عن (1) العلّامة و ولده و المحقّق و الشهيد الثانيين

______________________________

«الرسائل التسع» «1» التفصيل بين بقاء الثمن و تلفه كما في المتن.

لكن نسب المحقق و الشهيد الثانيان قدّس سرّهما إليه القول بجواز الرجوع بالثمن مطلقا، ففي جامع المقاصد: «و في رسالة الشيخ أبي القاسم بن سعيد ما يقتضي الرجوع مطلقا، و هو المتجه» «2». و هذه الرسالة و إن لم تحضرني لاراجعها، لكن الظاهر أنّ مورد كلام المحقق صورة علم المشتري بالغصب. و بهذا يكون حكمه بجواز مطالبة الثمن من البائع الغاصب شاملا لبقاء الثمن و تلفه، فيكون مخالفا للإجماع المدّعى في المسألة، و لذا أورد عليه في الجواهر، بمخالفته للإجماع نقلا و تحصيلا، فراجع.

(1) الحاكي للإجماع على عدم الرجوع عن العلامة و غيره جمع كأصحاب مفتاح الكرامة و كشف الظلام و الجواهر، أمّا السيّد العاملي فقال- في أنّه هل للمشتري العالم بالغصب مطالبة البائع الغاصب بالثمن سواء بقيت العين أم تلفت، أم ليس له المطالبة مطلقا، أم بالتفصيل بين بقائها و تلفها- ما لفظه: «قال في التذكرة: لو كان عالما لا يرجع بما اغترم، و لا بالثمن مع علم الغصب، مطلقا عند علمائنا، و ظاهره دعوى الإجماع مع التلف و بدونه. و نحوه ما في نهاية الأحكام».

ثم نقل ظهور كلام فخر المحققين و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم كصاحب تخليص التلخيص «3».

و كذلك نسب الإجماع إلى هؤلاء في باب الغصب. فراجع.

و أمّا صاحب الجواهر فقد استظهر الإجماع من عبارة التذكرة و تخليص التلخيص و الإيضاح و جامع المقاصد، ثم نقل بعد أسطر الإجماع عن ثاني الشهيدين و أستاده

______________________________

(1) الرسائل التسع، ص 307

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 12، ص 224، جواهر الكلام، ج 22، ص 305

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 89 و 193، و ج 6، ص 305، كشف الظلام مخطوط (كتاب المتاجر، البيع الفضولي)، جواهر الكلام، ج 22، ص 305، و لاحظ تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 18 (الطبعة الحديثة) و ج 1، ص 463 (من الطبعة الحجرية)، نهاية الأحكام، ج 2، ص 478، مختلف الشيعة، ج 5، ص 55- 56، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، جامع المقاصد، ج 4، ص 77، مسالك الأفهام، ج 1، ص 161 و ج 12، ص 224، الروضة البهية، ج 3، ص 235

ص: 483

و غيرهم (1) رحمه اللّه الاتّفاق عليه. و وجهه (2)- كما صرّح به بعضهم كالحلي و العلّامة «1» و غيرهما، و يظهر من آخرين أيضا (3)-: أنّه (4) سلّطه على ماله بلا عوض.

______________________________

كاشف الغطاء قدّس سرّهم على عدم الرجوع في صورة تلف الثمن، فراجع.

(1) كالمحدث البحراني و صاحب تخليص التلخيص و كاشف الغطاء قدّس سرّهم «2».

(2) مبتدء، خبره قوله: «أنه سلّطه» يعني: و وجه عدم رجوع المشتري بالثمن التالف على البائع- كما صرّح به جماعة- هو: أنّ المشتري العالم بعدم كون المبيع ملكا للبائع سلّطه على ماله مجّانا، فلا موجب حينئذ لرجوعه بالثمن التالف على البائع.

(3) لعلّ غرضه من ظهور كلام الآخرين هو: أنّ من اقتصر في الحكم بعدم رجوع المشتري العالم بالغصب إلى البائع عند تلف الثمن- من دون التصريح بالتسليط- نظره إلى الإباحة المالكية للمال بلا عوض.

و عليه فمستند الكلّ- سواء صرّح بالتسليط أم اكتفى ببيان الحكم- هو التسليط المالكي، لعدم وجود وجه آخر عليه. قال الشهيد قدّس سرّه في الشراء من الغاصب: «و يرجع بالثمن مع وجوده على كل حال، و كذا مع تلفه جاهلا إذا رجع عليه المالك بالقيمة» «3».

و قوله: «و كذا مع تلفه جاهلا» يدلّ بوضوح على المنع من الرجوع عند التلف لو كان عالما، و ليس إلّا للتسليط.

و يستفاد التعليل بالتسليط المالكي من حكم المحقق قدّس سرّه في غصب الشرائع و المختصر «4» برجوع المشتري- الجاهل بالغصب- بالثمن، و كذا من ترجيح المحقق الثاني الرجوع في صورة البقاء خاصة بقوله: «هذا أصح». و كذا يستفاد من تقرير السيد العميد «5». فراجع.

(4) يعني: أنّ المشتري سلّط البائع على ماله بلا عوض، إذ علمه بعدم استحقاق

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 226 و 225 و 325، و لاحظ أيضا كتب العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين في المصدر «3» من الصفحة السابقة.

(2) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 392، شرح القواعد لكاشف الغطاء (مخطوط) الورقة 64

(3) الدروس الشرعية، ج 3، ص 193

(4) شرائع الإسلام، ج 3، ص 245، المختصر النافع، ص 256

(5) كنز الفوائد، ج 1، ص 476

ص: 484

و توضيح ذلك (1): أنّ الضمان إمّا لعموم «على اليد ما أخذت» و إمّا (2) لقاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ و غيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه (3).

و الأوّل (4) مخصّص بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك، و دفعه

______________________________

البائع للمبيع- لعدم كونه ملكا له، و مع ذلك يسلّطه على الثمن- قرينة على التسليط المجّاني، فلا وجه حينئذ لرجوعه على البائع، لعدم ما يوجب ضمان البائع للثمن.

(1) أي: توضيح وجه عدم الرجوع إلى البائع هو: أنّ سبب الضمان هنا مفقود، إذ هو إمّا ضمان اليد الجاري في موارد الضمانات، و إمّا قاعدة الإقدام التي استدلّ بها الشيخ قدّس سرّه في فاسد العقد الذي يضمن بصحيحه في قولهم: «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و سيأتي البحث عن كليهما ان شاء اللّه تعالى.

(2) معطوف على «إمّا لعموم».

(3) و أشار المصنف قدّس سرّه إلى استدلال الشيخ رحمه اللّه بالإقدام على الضمان بقوله: «ثم إنّ المدرك لهذه الكليّة على ما ذكره في المسالك في مسألة الرهن المشروط بكون المرهون مبيعا بعد انقضاء الأجل هو إقدام الآخذ على الضمان» إلى أن قال: «و الظاهر أنّه تبع في استدلاله بالإقدام الشيخ في المبسوط» «1».

(4) و هو: عموم «على اليد ما أخذت». و المصنف بعد بيان ما يمكن أن يكون مدركا لضمان البائع الفضولي للثمن الذي أخذه من المشتري- و هو إمّا قاعدة اليد و إمّا قاعدة الإقدام- صار بصدد تضعيف الاستدلال بهما على ضمان البائع للثمن التالف.

و حاصل وجه ضعف الاستدلال بقاعدة اليد هو: خروج المقام عن عموم «على اليد» بفحوى ما دلّ على عدم الضمان في موارد استيمان المالك.

توضيحه: أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله- لحفظه، كما في الوديعة

______________________________

(1) تقدّم نقل كلام الشيخ في ج 3، ص 58 من هذا الشرح، و لاحظ المبسوط، ج 3، ص 65 و 85 و 89، السرائر، ج 2، ص 488، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 496، س 28 (ج 10، ص 299، الطبعة الحديثة) و ج 2، ص 397، س 11، جامع المقاصد، ج 6، ص 216، مسالك الأفهام، ج 3، ص 154 و ج 4، ص 55 و 56

ص: 485

إليه لحفظه، كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو لاستيفاء المنفعة منه كما في العين المستأجرة، فإنّ الدفع على هذا الوجه (1) إذا لم يوجب الضمان، فالتسليط على التصرّف فيه و إتلافه (2)

______________________________

أو للانتفاع به كما في العارية، أو لاستيفاء منفعته كما في الإجارة، مع عدم إعراضه عن ماله، و جعله أمانة عند من يتسلّمه لحفظه أو للانتفاع به أو لاستيفاء منفعته- يقتضي بالأولوية عدم الضمان فيما نحن فيه مع إعراض المشتري و سلب الاحترام عن ماله، و الإذن في إتلافه بلا عوض. و هذه الأولوية تخصّص عموم «على اليد» و ترفع الضمان عن البائع الفضولي.

(1) و هو وجه الاستيمان في الموارد الثلاثة المذكرة، و هي الوديعة و العارية و الإجارة. و كذا الحال في يد الوكيل و عامل المضاربة، و المتبرّع بعمل في مال غيره كالخياط الذي يخيط للغير تبرّعا و بلا مطالبة اجرة.

و قد أفاد المصنف قدّس سرّه عدم الضمان في موارد اليد الأمانية في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله: «فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن: أنّ من دفع المالك إليه ملكه على وجه لا يضمنه بعوض واقعي- أعني المثل و القيمة- و لا جعلي، فليس عليه ضمان» «1».

و تقدّم هناك نقل جملة من النصوص الدالة على قاعدة عدم ضمان الأمين، كمعتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام أتي بصاحب حمّام وضعت عنده الثياب، فضاعت، فلم يضمّنه، و قال: إنّما هو أمين» «2».

ثم إنّ المصنف حكم هناك بعدم الضمان في الهبة الفاسدة بالأولوية، و سيأتي نقل كلامه.

(2) كما فيما نحن فيه، فإنّ التسليط على الثمن- للتصرف فيه و إتلافه- لا يوجب الضمان، و لا يجعل يد البائع من الأيدي الموجبة للضمان.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 3، ص 187 إلى 193

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 270، الباب 28 من أبواب أحكام الإجارة، ح 1

ص: 486

ممّا لا يوجب ذلك (1) [1] بطريق أولى [2].

و دعوى (2)

______________________________

(1) أي: ممّا لا يوجب الضمان بطريق أولى، قد تقدم آنفا تقريب الأولوية بقولنا:

«توضيحه: أنّ عدم الضمان في موارد استيمان المالك على ماله .. إلخ».

(2) الغرض من هذه الدعوى ردّ الأولوية المذكورة المخصّصة لعموم «على اليد» و إثبات ضمان الثمن على البائع، و عدم كونه كالهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها.

توضيحه: أنّ الثمن يدفع إلى البائع عوضا عن المبيع، لا مجّانا حتى يكون تسليط المشتري كالهبة الفاسدة في عدم الضمان.

فالنتيجة: ضمان البائع، و جواز رجوع المشتري بالثمن عليه.

و تستفاد هذه الدعوى من كلام الشهيد الثاني، و ذكرها صاحب الجواهر قدّس سرّهما أيضا، ففي المسالك بعد نقل رأي المحقق قدّس سرّه من جواز الرجوع بالثمن مطلقا على البائع،

______________________________

[1] لا يخفى أنّ سقوط الضمان حينئذ يكون لأجل قاعدة إسقاط حرمة المال و هتكه، مع الغضّ عن الأولوية المذكورة، فإنّ هذه القاعدة النافية للضمان معروفة بين الفقهاء، كدفع ماله إلى صبيّ أو مجنون، أو جعله مبيعا بلا ثمن، أو بيعه بعوض لا مالية له عرفا كالحشرات. ففي هذه الموارد لا ضمان، لقاعدة سلب الاحترام عن المال. و هذه القاعدة تخصّص عموم «على اليد». لا الأولوية المذكورة، فإنّها لا تفيد إلّا الظنّ الذي لا يغني عن الحقّ شيئا.

[2] قد يمنع الأولوية المحتج بها على تخصيص عموم على اليد في المقام.

توضيح وجه المنع هو الفرق بين المقام و بين موارد الأمانات، حيث إنّ المفروض في باب الأمانات أنّ المالك قاصد للاستيمان، و الشارع أمضاه. بخلاف المقام، حيث إنّ المالك قاصد للمعاوضة، و الشارع لم يمضها، هذا لكن الظاهر أنّ الأولوية تكون من جهة أنّ المالك لم يسلب احترام ماله في موارد الاستيمان، و مع ذلك لا يضمن في صورة التلف، فمع سلب احترامه كما فيما نحن فيه- حيث إن المشتري هتك ماله و سلب احترامه بدفعه إلى البائع من دون جعل عوضه عليه- لا بد أن يكون عدم الضمان فيه أولى.

و عليه فلا ضمان على البائع.

ص: 487

«أنّه (1) إنّما سلّطه في مقابل العوض، لا مجانا حتّى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدّم (2) عدم الضمان فيها» مندفعة (3) بأنّه (4) إنّما سلّطه في مقابل ملك غيره، فلم يضمّنه (5) في الحقيقة شيئا من كيسه، فهو (6) يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة

______________________________

ما لفظه: «لو لا ادعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوة». و وجهه ما أفاده في صورة بقاء الثمن من قوله: «لأنّه إنما دفعه عوضا عن شي ء لا يسلم له، لا مجانا» «1».

و قال في الجواهر: «مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن و المثمن في القبض بالعقد الفاسد، من غير فرق بين التلف و عدمه، و العلم بالفساد، و عدمه» «2». ثم ردّه بالإجماع، فراجع.

(1) أي: أنّ المشتري إنّما سلّط البائع في مقابل العوض، لا مجّانا.

(2) تقدّم عدم ضمان المتهب بالهبة الفاسدة فيما أفاده في قاعدة «ما لا يضمن» بقوله:

«أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال على خروجها من عموم على اليد بفحوى ما دلّ على خروج موارد الاستيمان .. إلخ» فراجع «3».

(3) خبر «و دعوى» و دفع لها، و حاصله: أنّ تسليط البائع على الثمن قد وقع في مقابل مال غير البائع، و هو مالك المبيع، و لم يقع في مقابل مال البائع حتى يصير ضامنا له، فيكون التسليط حينئذ شبيه الهبة الفاسدة التي لا ضمان فيها. فليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن إن كان تالفا.

(4) أي: بأنّ المشتري إنّما سلّط البائع. و ضمير «غيره» راجع إلى البائع.

(5) يعني: فلم يضمن المشتري البائع الفضولي شيئا من كيسه و ماله.

(6) يعني: فهذا التسليط يشبه الهبة الفاسدة، و البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا أجرة، التي قد حكم الشهيد و غيره بعدم الضمان فيها.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 160- 161

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 306

(3) هدى الطالب، ج 3، ص 191 و 192

ص: 488

بلا أجرة التي قد حكم الشهيد و غير واحد (1)

______________________________

(1) ظاهر العبارة أنّ عدم الضمان في الفروع الثلاثة- و هي البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة و الهبة الفاسدة- مختار الشهيد قدّس سرّه و غير واحد. و هو كما أفاده قدّس سرّه.

أمّا عدم الضمان في مثال البيع فقد حكاه السيد العاملي عنه «1» بقوله: «و في حواشي الشهيد: أن ذلك- أي الضمان و عدمه- يبنى على أن العقود توقيفية أو اصطلاحية .. و على الثاني يصح، ثمّ نقل قولا بأنّه يرجع إلى قصده .. و إن قصد الهبة صحت».

و أمّا عدمه في الإجارة، فقد حكاه المحقق و الشهيد الثانيان «2» و غيرهما عنه.

و قال السيد العاملي قدّس سرّه- في مسألة ضمان المنفعة المستوفاة في الإجارة الفاسدة بأجرة المثل- ما لفظه: «و قد قيّدها- أي: قاعدة الضمان بأجرة المثل- الشهيد في حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد، أو عدم ذكرها فيه، لدخول العامل على ذلك .. أمّا تقييد الشهيد فقد استحسنه في المسالك، و كذا صاحب الرياض في الشّق الأوّل».

و وجّه صاحب الجواهر ذلك- بعد حكايته عن محكي الشهيد- بقوله: «و كأنّ وجهه أنّه متبرّع بالمال و العمل مجانا، قادم على ذلك. فهو أشبه حينئذ بالعقود الفاسدة المجانية كالهبة و العارية و نحوهما، مما لا يضمن بفاسدهما، فلا يضمن بصحيحهما» «3».

و أمّا مثال الهبة فقد ذكره صاحبا مفتاح الكرامة و الجواهر، و نقله المحقق الكركي قدّس سرّه بقوله: «و قيل: إن قصد الهبة فلا ضمان، و إلّا ثبت. و ليس بمستبعد، لأنّ أقلّ ما فيه أن يكون هبة فاسدة، و هي غير مضمونة» «4».

و على هذا فالمراد ب- «غير واحد» هو المحقق و الشهيد الثانيان، لصراحة كلاميهما- في مسألتي البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة- في عدم الضمان، و إن فصّل المحقق الثاني بين إجارة الأعيان و الأعمال.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 440

(2) جامع المقاصد، ج 7، ص 120، مسالك الأفهام، ج 5، ص 184

(3) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 130، جواهر الكلام، ج 27، ص 247

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 209، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 440 و 441

ص: 489

بعدم الضمان فيها (1).

و من ذلك (2) يعلم عدم جريان الوجه الثاني للضمان- و هو الإقدام على الضمان- هنا (3)، لأنّ (4) البائع لم يقدم على ضمان الثمن

______________________________

كما أنّ المراد به في مسألة الهبة الفاسدة المحقق الكركي و صاحبا المفتاح و الجواهر، فراجع.

خلافا للعلّامة قدّس سرّه، لاقتصاره على بيان وجهي الضمان و عدمه، في مسألة البيع بلا ثمن، و الفخر المحققين قدّس سرّه لترجيحه الضمان في المسألة، فراجع «1».

(1) أي: في الهبة الفاسدة، و البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة.

(2) أي: و من تخصيص عموم «على اليد ما أخذت» بفحوى ما دلّ على عدم ضمان من استأمنه المالك يعلم عدم جريان الوجه الثاني من وجهي الضمان- و هو عموم قاعدة الإقدام على الضمان الذي استدلّ به الشيخ و غيره على الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه- هنا، أي: في تسليط المشتري البائع الفضولي على الثمن.

وجه عدم الجريان: أنّ البائع لم يقدم على ضمان الثمن بماله، و لا بدّ أن يكون الإقدام على ضمان الثمن بمال نفسه حتى يتحقق الضمان، لا بمال غيره.

(3) المشار إليه هو تسليط المشتري البائع على الثمن. و المراد أنّ عموم الإقدام على الضمان لا يثبت أيضا ضمان البائع للثمن.

و يحتمل أن يكون المشار إليه في قوله: «و من ذلك يعلم» ما ذكره في قوله:

«مندفعة» إذ المناسب لما يذكره من الإشكال في الاقدام على الضمان هو ما أفاده في ردّ «و دعوى أنّه إنّما سلّطه في مقابل .. إلخ» من عدم ضمان البائع شيئا من كيسه، لأنّه ظاهر في عدم إقدام البائع على الضمان المعاوضي.

(4) تعليل لعدم جريان قاعدة الإقدام على الضمان، و حاصله: أنّه لا موضوع لقاعدة الإقدام، لأنّ موضوعها هو الإقدام على الضمان. و هذا مفقود فيما نحن فيه، ضرورة أنّ البائع الفضولي لم يقدم على ضمان الثمن إلّا بمقابل المثمن الذي علم المشتري بأنّه ليس ملكا له، فضمانه صوري، لا حقيقي حتى يتحقق ضمان واقعي معاوضي.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 547 (ج 11، ص 261 الطبعة الحديثة)، قواعد الأحكام، ج 2، ص 44، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 458

ص: 490

إلّا بما (1) علم المشتري أنّه ليس ملكا له (2).

فإن قلت (3): تسلّطه على الثمن بإزاء مال الغير لبنائه (4)- و لو عدوانا- على كونه ملكا له (5)، و لولا هذا البناء لم يتحقّق مفهوم المعاوضة كما تقدّم (6) في تصحيح بيع الغاصب لنفسه، فهو (7) إنّما سلّطه

______________________________

فالمتحصل: أنّ التمسك بقاعدة الإقدام لضمان البائع للثمن- كالتشبث بعموم على اليد- غير سديد.

(1) المراد بالموصول هو المثمن، و ضمير «انه» راجع الى «ما» الموصول.

(2) أي: للبائع.

(3) غرض هذا القائل إثبات أنّ أخذ البائع الثمن من المشتري يكون من صغريات قاعدة الإقدام المقتضية للضمان، و كون البائع ضامنا للثمن بالضمان المعاوضي، بتقريب: أنّه تسلّط على الثمن، لبنائه على أنّ المبيع ملكه ادعاء، فتسلّطه على الثمن إنّما هو في مقابل ملكه الادّعائي، و ليس مجّانا، فالبائع أقدم على ضمان الثمن بمقابل المثمن الذي هو ملكه ادّعاء. و لو لم يكن هذا البناء لم يتحقق مفهوم المعاوضة التي يتقوّم بها البيع حتى يصحّ تعلّق الإجازة به.

(4) خبر قوله: «تسلطه» و ضمير «كونه» راجع إلى «مال الغير».

(5) هذا الضمير و ضميرا «تسلطه، لبنائه» راجعة إلى البائع.

(6) حيث قال: «فالمبادلة الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلّا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادّعائيا، فلو لم يكن أحدهما و عقد لنفسه، لم يتحقق المعاوضة و المبادلة ..

إلخ» «1».

و بالجملة: فلا بدّ في تحقق البيع من قصد المعاوضة، و البناء عليها و لو ادّعاء، بعد الغضّ عن حكم الشارع بعدم ملكية الثمن للبائع الفضولي.

(7) أي: فالمشتري إنّما سلّط البائع على الثمن لا مجّانا، بل على وجه يضمن البائع الثمن بماله المملوك له و لو ادّعاء و عدوانا، فلو تعاقدا معرضين عن حكم الشارع بعدم ملكية المبيع للبائع- كما هو كذلك في العقود المعاوضيّة الواقعة على أموال السرّاق و الظلمة و سائر الغاصبين لأموال الناس، حيث إنّ الغاصبين يبيعون الأموال المغصوبة

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 582- 583

ص: 491

على وجه (1) يضمنه بماله. إلّا أنّ (2) كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكيّة البائع للمثمن، و تعاقدا معرضين عن ذلك (3) كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس بين السرّاق و الظلمة، بل بنى المشتري على كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط (4) ليس مجّانا، و تضمينه (5) البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقيّ،

______________________________

بانين على أنّها مملوكة لهم، و بهذا البناء يتحقق مفهوم المعاوضة- لم يكن التسليط مجّانا، لكون الثمن عوضا عن المثمن الذي هو ملك للبائع ادّعاء.

(1) المراد به هو المعاوضة.

(2) لم يظهر مورد هذا الاستثناء، لأنّ ظاهره أنّه استثناء من قوله: «و لولا هذا البناء» و من المعلوم عدم صحته، إذ لا بدّ في صحة الاستثناء من دخول المستثنى في المستثنى منه لولا الاستثناء. و ليس المقام كذلك، إذ البناء المزبور متقوّم بإعراضهما عن حكم الشارع. و لا يمكن اجتماع البناء المزبور مع الإعراض حتى يصحّ إخراج الإعراض عنه.

فالأولى إسقاط العبارة من قوله: «إلّا أن» إلى قوله: «عن ذلك» بأن يقال: «يضمنه بماله كما هو الشأن في المعاوضات الواردة على أموال الناس .. إلخ».

(3) أي: عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للثمن.

(4) جواب «لمّا» لكن قد عرفت زيادة «لمّا» و ما قبله و ما بعده.

و كيف كان يكون قوله: «فالتسليط» نتيجة بناء البائع الفضول على كون المبيع ملكا له، فلا يكون التسليط مجّانا.

(5) معطوف على «التسليط» و بيان لكيفيّة تضمين المشتري البائع الفضول على الثمن، و حاصله: أنّ المشتري قد ضمّن البائع بما يقابل الثمن من ماله، و هذا التضمين حقيقي. إلّا أن كون هذا المبيع ملكا له ادّعائي، نظير ما إذا ظهر كون المثمن المعيّن ملكا لغير البائع، كما إذا باع زيد عينا خارجية مثل كتاب اللمعة مثلا، فتبيّن كونها ملكا لغيره، فإنّ المشتري يرجع حينئذ إلى البائع بالثمن مع تلفه اتّفاقا، مع أنّ المشتري إنّما ضمّن البائع بالثمن بإزاء هذا المبيع الشخصي الذي ظهر كونه للغير.

فكما أنّ التضمين هناك حقيقي، و كون المثمن ملكا للبائع اعتقادي له و للمشتري،

ص: 492

إلّا أنّ كون المثمن مالا له (1) ادّعائي. فهو (2) كما لو ظهر المثمن المعيّن ملكا للغير، فإنّ المشتري يرجع إلى البائع بالثمن مع التلف اتّفاقا، مع أنّه (3) إنّما ضمّنه الثمن بإزاء هذا الشي ء الذي هو مال الغير. فكما أنّ التضمين هنا (4) حقيقيّ، و كون المثمن مالا له (5) اعتقادي (6) لا يقدح (7) تخلّفه في التضمين، فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه (8) على ملك المثمن عدوانا لا يقدح (9).

______________________________

و لا يقدح تخلفه في تضمين المشتري البائع بما يقابل الثمن. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه- و هو تسليط المشتري العالم بكون البيع فضوليّا البائع الغاصب على الثمن- على ملك المبيع للبائع عدوانا لا يقدح في التضمين الحقيقي بمال البائع، فإنّ المبيع ليس ملكا للبائع في كلتا الصورتين، و هما: ظهور كون المبيع ملكا لغير البائع، مع اعتقاد المتعاقدين كليهما بملكية المبيع للبائع، كما في مسألة المقيس عليه. و علم المشتري بعدم ملكيّة المبيع للبائع مع بناء المشتري على مالكيّة البائع له عدوانا كما فيما نحن فيه.

فالنتيجة: أنّ ادّعاء المالكية يترتب عليه أمران:

أحدهما: ضمان البائع هنا للثمن، كضمانه في مسألة انكشاف كون المبيع ملكا للغير.

ثانيهما: صحة صدور البيع عن الغاصب، و إلّا لم يصح إجازة المالك له.

(1) هذا الضمير و ضمير «ماله» راجعان إلى البائع.

(2) أي: فرجوع المشتري إلى البائع فيما نحن فيه يكون كرجوع المشتري إلى البائع في مسألة ظهور المبيع المعيّن الخارجي ملكا للغير.

(3) أي: أنّ المشتري، و الضمير المفعول، في «ضمّنه» راجع إلى البائع.

(4) أي: تضمين المشتري في صورة انكشاف كون المبيع ملكا لغير البائع.

(5) أي: للبائع. و قوله: «كون» معطوف على «التضمين».

(6) لاعتقاد المتبايعين بملكيّة المثمن للبائع.

(7) الجملة صفة ل- «اعتقادي» أي: لا يقدح تخلف اعتقاد البائع و المشتري في تضمين المشتري البائع بمقابل الثمن هناك، فكذلك فيما نحن فيه.

(8) و هو تسليط المشتري- الباني على ملكية المثمن للبائع عدوانا- البائع الفضول على الثمن.

(9) خبر «بناء» يعني: لا يقدح هذا البناء من المشتري في تضمينه البائع الفضول

ص: 493

في التضمين الحقيقي بماله (1).

قلت (2): الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته (3) عليه، و إذا كان المضمون (4) به ملكا لغير الضامن واقعا

______________________________

بمقابل الثمن من مال البائع، لأنّ هذا البناء في مقام تطبيق مال البائع على المثمن المغصوب، و هو لا يقدح في أصل تضمين البائع بماله الواقعي.

فتلخّص مما ذكر في «إن قلت»: أنّ المشتري العالم بفضولية البائع يرجع إلى البائع ببدل الثمن الذي تلف عنده، كرجوع المشتري إلى البائع بالثمن في ظهور ملكية المبيع لغير البائع، لاشتراك كليهما في عدم كون البائع مالكا للمبيع واقعا. فالتضمين هناك و هنا حقيقي، و اعتقاد كون المثمن للبائع- مع عدم كونه ملكا له واقعا- غير قادح في التضمين الذي هو عين المعاوضة.

(1) أي: بمال البائع.

(2) هذا جواب الاشكال المذكور بصورة «ان قلت». و الغرض من هذا الجواب نفي الضمان الذي أثبته المستشكل، و إثبات الفرق بين ما نحن فيه- و هو صورة العلم بالغصب- و صورة الجهل به كما في صورة كون المبيع ملكا للغير، و عدم صحة بناء المتعاقدين على ملكية المبيع للبائع الغاصب.

توضيحه: أنّه في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع يكون التضمين بالعوض بالنسبة إلى البائع الفضول ادّعائيا، و بالنسبة إلى مالك المبيع حقيقيا، و لذا ينتقل الثمن إلى المالك بمجرّد إجازته عوضا عن المبيع. هذا في صورة علم المشتري بكون البائع غاصبا.

و أمّا في صورة جهل المشتري بكون المبيع لغير البائع يكون الضمان لعموم قاعدة اليد، لعدم رضا المشتري بتصرف البائع في الثمن مجّانا و بلا عوض، لا للإقدام و التضمين كصورة العلم حتى يقال: بعدم الضمان للتسليط المجّاني.

و كذا الحال في ثبوت ضمان البائع في سائر موارد علم المشتري بفساد البيع، لا من جهة علمه بعدم مالكية البائع، لأنّ التضمين- و هو خروج المبيع من كيس البائع- حقيقي، لكنه ليس صحيحا شرعا، فيثبت ضمان اليد.

(3) معطوف على «الشي ء» أي: أنّ الضمان هو كون خسارة الشي ء على الضامن.

(4) و هو المبيع، و لعلّ الأولى إبدال الواو بالفاء، بأن يقال: «فإذا كان».

ص: 494

فلا يتحقّق الضمان الحقيقيّ مع علمهما بذلك (1).

و ما (2) ذكر- من بناء المتعاقدين في هذا العقد على كون المثمن ملكا للبائع الغاصب مع كونه مال الغير- فهو (3) إنّما يصحّح وقوع عقد التمليك و التملّك منهما ادّعاء، مع عدم كون البائع أهلا لذلك (4) في الواقع، و إلّا فأصل المعاوضة حقيقة بين المالكين (5)، و الضمان و التضمين الحقيقيّ بالنسبة إليهما (6)، و لذا (7) ينتقل الثمن إلى مالك المبيع، و يدخل (8) في ضمانه بمجرّد الإجازة.

و الحاصل (9): أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن.

______________________________

(1) أي: مع علم المتعاقدين بعدم كون المبيع ملكا للبائع.

(2) مبتدء، خبره «فهو إنّما» يعني: ما ذكره المستشكل بقوله: «إلّا أنّ كلّا منهما لمّا قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية البائع للمثمن، و تعاقدا معرضين عن ذلك ..».

(3) أي: بناء المتعاقدين- في هذا العقد الواقع بين الفضولي و المشتري- لا يوجب التضمين المعاوضي حتى يرجع المشتري إلى البائع الفضول بالثمن، بل بناؤهما يصحّح وقوع عقد التمليك و التملك منهما ادّعاء، مع عدم أهلية البائع واقعا لذلك. فأصل المعاوضة حقيقة واقعة بين المالكين و هما المشتري و مالك المبيع، فالضمان و التضمين المعاوضي إنّما يكون بينهما.

و الشاهد على وقوع المعاوضة حقيقة بينهما هو انتقال الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد إجازته لهذا العقد الواقع بين البائع الفضولي و المشتري.

(4) أي: للتمليك، لعدم كونه مالكا للمبيع حتى يكون أهلا للتمليك.

(5) و هما مالك المبيع و المشتري الأصيل، لأنّ أهلية التمليك و التملك لهما دون غيرهما.

(6) أي: إلى المالكين، لأنّهما مسلّطان على أموالهما، فولاية المعاوضة لهما.

(7) أي: و لوقوع المعاوضة بين المالكين ينتقل الثمن إلى مالك المبيع بمجرّد الإجازة.

(8) يعني: و يدخل الثمن في ضمان مالك المبيع بالضمان المعاوضي بمجرّد الإجازة، فلو لم يكن مالك المبيع أحد طرفي المعاوضة حقيقة لم يكن له الإجازة، و لا تملّك الثمن.

(9) يعني: و حاصل ما ذكرناه- في صورة تلف الثمن مع علم المشتري بغاصبية البائع- أنّه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن حتى يلزمه ضمان البائع

ص: 495

و أمّا (1) رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكيّة البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ (2)- مع أنّه إنّما ضمّنه (3) بمال الغير (4)- فلعدم (5) طيب نفسه على تصرّف البائع فيه من دون ضمان، و إن كان ما ضمّنه (6) به غير ملك له، و لا يتحقّق به التضمين، لأنّه (7) إنّما طابت نفسه بتصرّف البائع.

______________________________

للثمن التالف.

(1) دفع وهم. أمّا الوهم فهو: أنّه كيف تحكمون بضمان البائع للثمن في صورة ظهور المثمن ملكا لغير البائع، مع جهل المتعاقدين بكون المثمن ملكا للغير؟ و لا تحكمون بضمان البائع في صورة علمهما بكون المثمن ملكا للغير، مع أنّ المشتري قد ضمّن البائع في كلتا الصورتين بمال الغير، لا بمال نفسه.

و أمّا الدفع فهو: أنّ المشتري لم يأذن في تصرف البائع في الثمن مطلقا، بل مقيّدا بالضمان في صورة ظهور المبيع ملكا لغير البائع، و لذا حكموا فيه بضمان البائع للثمن إذا تلف. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المشتري العالم بغاصبيّة البائع الفضول سلّطه على التصرف في الثمن مطلقا مجّانا و بلا عوض و من دون تضمين.

و الحاصل: أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن في ذلك الفرع إنّما هو لاعتقاد كون المثمن ملكا للبائع. بخلاف ما نحن فيه، لفقدان هذا الاعتقاد فيه، لعلم المشتري بعدم ملكية المثمن للبائع.

(2) أي: خطأ اعتقادهما، و ظهور كون المثمن ملكا للغير.

(3) أي: ضمّن البائع، و الضمير المستتر و ضمير «أنّه» راجعان إلى المشتري.

(4) يعني: مع اشتراك الفرعين في كون التضمين بمال الغير، إذ المفروض عدم كون المبيع ملكا للبائع في كلا الفرعين.

(5) هذا جواب «و أمّا» و دفع الوهم، و قد تقدم توضيحه بقولنا: «و أمّا الدفع».

(6) يعني: و إن كان ما ضمّنه المشتري به- و هو المثمن- ليس ملكا للبائع، و لذا لا يحصل به التضمين.

(7) تعليل لعدم طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون ضمان، و حاصله:

أنّ طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن مقيّد باعتقاد كون المثمن ملكا للبائع، و ليس ملكا له، فلا تطيب نفسه بتصرف البائع في الثمن مع انكشاف عدم كون المثمن

ص: 496

لاعتقاد (1) كون المثمن ملكا له، و صيرورته (2) مباحا له بتسليطه عليه.

و هذا (3) مفقود فيما نحن فيه، لأنّ طيب النفس بالتصرّف و الإتلاف من دون ضمان له بماله حاصل (4).

و ممّا ذكرنا (5) يظهر أيضا فساد نقض (6) ما ذكرنا

______________________________

ملكا له، فمقتضى قاعدة اليد ضمان البائع للثمن.

(1) متعلّق ب- «طابت» و مقيّد له، فإذا تبيّن كون المثمن ملكا لغير البائع انتفى الطيب المجوّز للتصرف. و ضمير «له» راجع إلى «البائع».

(2) معطوف على «كون» يعني: و لاعتقاد صيرورة المثمن مباحا للمشتري بسبب تسليط البائع للمشتري على المثمن.

(3) أي: طيب النفس من المشتري بتصرف البائع في الثمن- لاعتقاده بكون المثمن ملكا للبائع- مفقود فيما نحن فيه، إذ المفروض فيه علم المشتري بعدم كون المثمن ملكا للبائع. فليس طيب نفس المشتري هنا مقيّدا باعتقاد ملكية المبيع للبائع حتى يكون انتفاء الاعتقاد موجبا للضمان، بل طيب نفس المشتري بتصرف البائع في الثمن بدون الضمان حاصل هنا.

(4) أي: حاصل هنا، و ضمير «له» راجع إلى الثمن، و ضمير «بماله» إلى البائع.

(5) أي: و من عدم ضمان البائع للثمن عند تسليط المشتري له على الثمن، و الغرض من هذا هو الإشكال النقضيّ على من نفى ضمان البائع في تسليط المشتري البائع في هذه المسألة. و لم أظفر بالناقض، إلّا أنّ أصل مقايسة المقام بالبيع الفاسد- من غير جهة الغصب- و جوابه مذكور في الجواهر و غيره، فراجع «1».

(6) حاصل هذا الإشكال النقضي هو: أنّ نفي الضمان عن البائع الغاصب- مع علم المشتري بغاصبيّته- منقوض بما إذا علم البائع و المشتري بفساد البيع، لفقد شرط من شرائطه كالموالاة أو التنجيز أو التطابق بين الإيجاب و القبول أو غيرها من الشرائط، فإنّ

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 307، تبعا لما في شرح القواعد للشيخ الكبير كاشف الغطاء، و تعرّض له أيضا تلميذه في كشف الظلام، و نجله في أنوار الفقاهة.

ص: 497

بالبيع (1) مع علم المشتري بالفساد، حيث إنّه (2) ضمّن البائع بما يعلم أنّه لا يضمن الثمن به. و كذا البائع مع علمه بالفساد ضمّن المشتري بما يعلم أنّ المشتري لا يضمن به (3)، فكأنّه لم يضمّنه بشي ء.

وجه الفساد (4): أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا (5)، لأنّ (6) المضمون به مال الضامن، غاية الأمر أنّ فساد العقد مانع عن مضيّ هذا الضمان و التضمين في نظر

______________________________

كلّا من البائع و المشتري مع علمه بفساد البيع يضمن صاحبه، فإنّ البائع يضمّن المشتري بما يأخذه من الثمن عوضا عن المبيع. و كذا المشتري يضمّن البائع بما يأخذه منه من المبيع عوضا عن الثمن، مع علم كلّ منهما بفساد هذين التضمينين، لبطلان البيع.

و مع علمهما بالبطلان يضمن كلّ منهما مال الآخر، فلا بدّ أن يكون الضمان فيما نحن فيه ثابتا أيضا، للعلم ببطلان البيع و التضمين في كلتا المسألتين.

(1) متعلق ب- «نقض» و المراد بما ذكرنا هو نفي ضمان الثمن عن البائع الفضولي.

(2) أي: انّ المشتري، و هذا تقريب النقض، و قد تقدم آنفا توضيحه بقولنا:

«منقوض بما إذا علم ..».

(3) هذا العلم ناش من فساد البيع و عدم إمضائه شرعا، و ضمير «به» راجع إلى الموصول في قوله: «بما يعلم» و المراد بالموصول هو الثمن.

يعني: أنّ البائع ضمّن المشتري بثمن يعلم البائع بأن المشتري لا يضمن بذلك الثمن، لعلمهما بفساد البيع المستلزم لعدم صحة تضمينهما.

(4) أي: فساد النقض المذكور. توضيحه: أنّ التضمين المعاوضي فاسد، لفساد البيع.

و أمّا التضمين اليدي فهو حاصل هنا، فإنّ المضمون به في البيع الفاسد- لاختلال بعض شرائطه- مال الضامن. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المضمون به ليس مالا للبائع الغاصب، بل لمالكه.

(5) أي: في العقد الفاسد- لاختلال بعض شرائطه- مع كون العوضين من المتعاقدين. و المراد بالتضمين الحقيقي هو التضمين بالقيمة.

(6) تعليل لحصول التضمين الحقيقي في العقد الفاسد.

ص: 498

الشارع، لأنّ المفروض فساده (1)، فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاصّ (2) صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقيّ أو قاعدة (3) إثبات اليد على مال- من دون (4) تسليط مجّاني أو استيمانيّ عن مالكه- موجبا (5) لضمانه، على الخلاف في مدرك الضمان في فاسد ما يضمن بصحيحه.

و شي ء منهما (6) غير موجود فيما نحن فيه (7)، كما أوضحناه

______________________________

(1) أي: فساد العقد شرعا، و فساده يمنع عن صحة الضمان المعاوضي. و أمّا الضمان اليدي فلا مانع منه، لأنّه مقتضى عموم «على اليد» الذي لم يخصّص هنا بشي ء.

(2) و هو الضمان المعاوضي، و قوله «صار» جواب الشرط في: «فإذا لم يمض».

(3) معطوف على «أصل» و الإتيان بكلمة «أو» لأجل اختلاف كلمات الفقهاء في مدرك قاعدة «ما يضمن» فالقدماء استندوا إلى الإقدام على الضمان، و الشهيد الثاني في بعض كلامه استند إلى حديث «على اليد» و قد تقدم نقل جملة من الكلمات في بحث المقبوض بالبيع الفاسد، فراجع «1».

(4) يعني: من دون مخصّص لقاعدة اليد، من تسليط مجّاني أو استيماني كالوديعة.

(5) خبر «صار» يعني: صار أصل إقدام الشخص على الضمان الحقيقي و هو الضمان بالقيمة أو قاعدة اليد من دون مخصّص لها- من تسليط مجّاني أو استيماني من مالكه- موجبا لضمانه.

(6) أي: قاعدة الإقدام و قاعدة اليد.

(7) و هو علم المشتري بغاصبية البائع. و وجه عدم وجودهما فيما نحن فيه، أمّا قاعدة الإقدام، فلأنّ البائع الغاصب لم يقدم على الضمان، لأنّه أخذ الثمن من المشتري في مقابل المبيع الذي لم يكن ملكا له، فلم يقدم على ضمان الثمن بشي ء من ماله، فلا مجال لقاعدة الإقدام.

و أمّا قاعدة اليد، فلأنّ إثبات يد البائع على الثمن ليس إلّا مجّانيّا و بلا عوض، إذ المشتري مع علمه بعدم ملكية المبيع للبائع سلّطه على الثمن، فليس هذا التسليط إلّا مجّانيّا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 58 و 114

ص: 499

بما لا مزيد عليه (1)، و حاصله (2): أنّ دفع المال إلى الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث يعلم (3) عدم كونه مالكا للمبيع، و تسليطه (4) على إتلافه، في (5) أنّ ردّ المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث [1].

نعم (6) لو كان فساد العقد

______________________________

(1) تقدم كلامه في (ص 485) و هو قوله: «و توضيح ذلك: أن الضمان إمّا لعموم على اليد .. و إما لقاعدة الاقدام، و الأوّل مخصّص بفحوى .. إلخ».

(2) يعني: و حاصل ما أوضحناه هو: أنّ دفع المشتري العالم بغاصبية البائع الثمن إلى الغاصب ليس إلّا كدفع الثمن إلى شخص ثالث أي غير المالك للمبيع و البائع الفضولي، فكما لا يكون ذلك الثالث ضامنا، فكذلك البائع، لكون الدفع إلى كليهما مجّانيّا.

(3) يعني: يعلم المشتري الدافع عدم كون الثالث مالكا للمبيع.

(4) معطوف على «دفعه» في قوله: «كدفعه» يعني: كدفع الثمن إلى ثالث و كتسليطه على إتلافه.

(5) متعلّق بقوله: «كدفعه» و هذا وجه التنظير، و حاصله: أنّ دفع الثمن إلى البائع الغاصب ليس إلّا كدفعه إلى ثالث في أنّ ردّ مالك المبيع البيع الصادر من البائع الفضول كما لا يوجب الرجوع إلى الثالث بالثمن، كذلك لا يوجب الرجوع إلى البائع الفضول، لكون التسليط فيهما مجّانيّا.

(6) هذا استدراك على قوله: في (ص 498) و هو قوله: «وجه الفساد أنّ التضمين الحقيقي حاصل هنا» و ملخّصه: أنّ التضمين الحقيقي الموجب للضمان في العقود الفاسدة- لأجل عدم قابلية العوض للملكية كالخمر و الخنزير و الحرّ، سواء أ كان ثمنا أم مثمنا- مفقود في هذا العقد الفاسد، لأنّ الضمان يكون في المال، و المفروض أنّ الخمر و أخويها

______________________________

[1] لا يخلو تنظير البائع الفضول بدفع المال إلى ثالث- يعني: غير المالك و البائع الفضول في عدم الضمان- من غموض، لأنّ الغرض من هذا التنظير جواز التصرف و عدم الضمان. و هذا مناف لما أفاده في (ص 482) من عدم جواز تصرف البائع في الثمن، إذ لو كان البائع كالثالث لم يكن وجه لعدم تصرف البائع في الثمن.

و التحقيق عدم كون البائع كالثالث، لأنّ الدفع إلى البائع وفاء للثمن، بخلاف الدفع إلى الثالث، فإنّه تسليط مجاني.

ص: 500

لعدم قبول العوض [1] للملك كالخمر و الخنزير و الحرّ، قوي (1) اطّراد ما ذكرنا فيه من (2) عدم ضمان عوضها (3) المملوك (4) مع علم المالك (5) بالحال، كما صرّح (6) به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد، هذا.

______________________________

ليست مالا شرعا حتى تقبل الملكية، فضمانه ليس ضمانا شرعيا.

فإذا باع شاة بخمر مثلا، و تلفت الشاة عند المشتري، لا يرجع البائع إليه بقيمة الشاة، لأنّ تضمين بائع الشاة المشتري بالخمر غير صحيح، لأنّه تضمين بما لا يقبل الملك.

و كذا الحال إذا كان الثمن غير مال شرعا.

(1) جواب «لو» يعني: يقوى اطّراد ما ذكرنا في صورة علم المشتري بغاصبيّة البائع من عدم الضمان.

(2) بيان للموصول، و ضمير «فيه» راجع إلى «ما نحن فيه» من فرض علم المشتري بالغصب.

(3) أي: عوض الخمر و الخنزير و الحرّ.

(4) صفة للعوض، كما إذا كان عوضها مالا مملوكا كالفلوس.

(5) أي: علم مالك العوض المملوك بالحال، أو علمه بكون المعوّض غير مملوك كالخمر.

(6) أي: صرّح شيخ مشايخنا- و هو كاشف الغطاء قدّس سرّه- بعدم الضمان في صورة فساد البيع لأجل عدم مملوكية العوض، كعدم الضمان في صورة علم المشتري بغصبية المبيع. قال: «و يقوى تسوية الحكم في المقامين إلى كلّ ما دفع من غير مقابل، أو بمقابل غير قابل» «1».

______________________________

[1] ينبغي تقييده بما إذا لم يكن العوض قابلا شرعا و عرفا للملكية كالحشرات، فإنّ التسليط حينئذ يكون مجانيا، إذ عدم مالية العوض قرينة على مجانية التسليط. و أمّا إذا كان قابلا عرفا للملكية فمجانية التسليط غير معلومة.

______________________________

(1) شرح القواعد، مخطوط، الورقة: 68، و حكاه صاحب الجواهر عنه في ج 22، ص 307

ص: 501

و لكن (1) إطلاق قولهم: «إنّ كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» يقتضي الضمان فيما نحن فيه (2) و شبهه (3)، نظرا (4) إلى أنّ البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده كذلك.

إلّا (5) أن يفسّر بما أبطلناه

______________________________

(1) هذا استدراك على ما تقدم في (ص 482) من قوله: «و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري .. إلخ»، و هذا عدول عما أفاده من عدم الضمان فيما نحن فيه- و هو علم المشتري بغاصبية البائع- إلى القول بالضمان فيه استنادا إلى إطلاق القضية المعروفة، و هي «كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فإنّ إطلاق الفاسد يقتضي الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصبيّة.

(2) و هو علم المشتري بغاصبيّة البائع. و قوله: «يقتضي» خبر «إطلاق».

(3) و المراد بشبهه بيع ما ليس قابلا للملكيّة، كبيع الخمر و الخنزير و الحرّ مع علم المشتري بعدم قابليّتها للملكيّة.

(4) هذا تقريب الاستدلال بالقضيّة المذكورة، و هو: أنّ للبيع صحيحا و فاسدا، و صحيحه يقتضي الضمان، و كذا فاسده، فبيع المغصوب مع علم المشتري بالغصبية فاسد، فيقتضي الضمان.

(5) هذا عدول عن الضمان- الذي أثبته بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فيما نحن فيه، و هو علم المشتري بغاصبية البائع- إلى ما أفاده سابقا من عدم الضمان، و أراد إثبات عدم الضمان بنفس هذه القاعدة، بناء على تفسيرها بعقد واحد شخصي إذا فرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا، فصحيحة لا يضمن و كذا فاسده. فإذا فرض تارة صحة البيع بلا ثمن، و اخرى فساده، فلا ضمان في صحّته، و كذا في فاسده.

و قد تقدّم في بحث المقبوض بالبيع الفاسد نقل هذا الاحتمال عن صاحب الجواهر قدّس سرّه.

و مبناه جعل العموم في «كل عقد» بلحاظ الأفراد الخارجية، لا أنواع العقود، و لا أصناف كل واحد منها، فراجع تفصيل الكلام هناك «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 91- 95

ص: 502

سابقا (1) من أنّ كلّ عقد يضمن على فرض صحّته يضمن على فرض فساده.

و لا ريب أنّ العقد فيما نحن فيه (2) و في مثل البيع [المبيع] بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة إذا فرض (3) صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم بالفساد.

لكنّك (4) عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا (5) في توضيح هذه القضيّة (6)، فإنّ معناه (7): أنّ كلّ عقد تحقّق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان

______________________________

(1) حيث قال هناك: «و ربما يحتمل في العبارة أن يكون معناه أنّ كلّ شخص من العقود يضمن به لو كان صحيحا يضمن به مع الفساد» إلى أن قال: «و يضعّف بأنّ الموضوع هو العقد الذي وجد له بالفعل صحيح و فاسد، لا ما يفرض تارة صحيحا و اخرى فاسدا .. إلخ».

(2) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(3) يعني: إذا فرض العقد في البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة صحيحا لم يكن فيه ضمان، و كذا لا ضمان فيه إذا فرض فاسدا. فعلى هذا المعنى في قضية «ما يضمن بصحيحه» يكون كل من الصحة و الفساد فرضيّا، و يصحّ الحكم بالضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته، لأنّه إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذا إذا فرض فاسدا.

(4) غرضه تضعيف التفسير المذكور لقضية «ما يضمن» و عدم صلاحيته للاستناد إليه في إثبات الضمان في بيع الفضولي الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

و حاصله: أنّا قد ذكرنا سابقا ضعف هذا المعنى، فلا يصحّ أن يكون دليلا على عدم الضمان في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب.

(5) قد نقلنا بعض عبارته قبل أسطر، فلاحظ.

(6) و هي: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(7) يعني: معنى «كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده»، و محصّل ما أفاده في معنى هذه القضيّة هو: أنّ كل عقد ثبت الضمان شرعا في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه، كالبيع غير الربويّ و البيع الربويّ، فإنّ الأوّل هو الفرد الصحيح من البيع، و الثاني هو الفرد الفاسد من البيع. فهذان الفردان الفعليّان للبيع يكون أحدهما الصحيح موردا للضمان، و الآخر الفاسد أيضا موردا للضمان. و ليس فرد واحد شخصي يفرض تارة صحيحا و اخرى فاسدا، فإنّ لفظ «يضمن» الذي هو نعت لكلمة «عقد»

ص: 503

في الفرد الفاسد منه (1)، فيختصّ موردها (2) بما إذا كان للعقد فردان فعليّان، لا الفرد الواحد المفروض تارة صحيحا و اخرى فاسدا.

نعم (3) يمكن تطبيق المعنى

______________________________

ظاهر في الاتصاف الفعلي بالضمان.

(1) هذا الضمير و ضمير «منه» المذكور قبله راجعان إلى «عقد».

(2) يعني: يختص مورد قضية «كل عقد يضمن بصحيحه» بالعقد الذي له فردان فعليّان ثبت الضمان شرعا في صحيحهما و فاسدهما، لا الفرد الواحد الشخصي الذي.

يفرض تارة صحيحا، و اخرى فاسدا كما هو المعنى الذي أبطلناه سابقا.

(3) استدراك على الاستدلال على نفي الضمان بقضية «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» بناء على تفسيرها الباطل، و هو إرادة فرض الصحة و الفساد في عقد واحد شخصي.

و حاصل الاستدراك: أنّه يمكن الاستدلال على عدم الضمان فيما نحن فيه- و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبية البائع- بقاعدة «ما يضمن بصحيحه» بالمعنى الذي اختاره المصنّف قدّس سرّه في (ص 503) بقوله: «فإن معناه: أنّ كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في الفرد الفاسد منه» بأن يقال: إنّ المراد بالعقد في قاعدة «كلّ عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» ليس خصوص النوع المتعارف كالبيع و الصلح من أنواع العقود، كما كان ذلك ظاهر المعنى المختار، بل المراد ما هو أعم من ذلك.

يعني: أنّ المقصود بالعقد هو العقد المملّك للأموال ممّا يكون له فردان صحيح كالبيع غير الربوي، و فاسد كالبيع الربوي، سواء أ كان من النوع المتعارف كالبيع الذي هو مبادلة مال بمال، و الهبة غير المعاوضة التي هي من التمليك المجاني، أم كان من النوع غير المتعارف كالبيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة، و كتسليط المشتري البائع الفضول على الثمن.

بلا عوض من مال البائع.

ففي التمليك المعاوضي يكون الضمان في صحيحه و فاسده، و في التمليك غير المعاوضي أيضا صحيح كالهبة غير المعوّضة، و فاسد كتسليط المشتري الغاصب على الثمن بدون عوض من ماله، و كالإجارة بلا اجرة و البيع بلا ثمن. و في صحيح هذا العقد غير المعاوضي- كالهبة غير المعوضة- لا ضمان، و كذا في فاسده، كبيع الغاصب بدون عوض من ماله.

ص: 504

المختار (1) فيما نحن فيه و شبهه (2)، بأن (3) لا يكون المراد من العقد في موضوع القضيّة خصوص النوع المتعارف من أنواع العقود كالبيع و الصلح، بل يراد مطلق المعاملة الماليّة التي يوجد لها فردان صحيح و فاسد، فيقال: إنّ ما نحن فيه (4) و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة تمليك بلا عوض من مال الآخر. و الفرد (5) الصحيح من هذه المعاملة (6)- و هي (7) الهبة غير المعوّضة- لا ضمان فيها،

______________________________

(1) و هو الذي أفاده بقوله: «فان معناه أنّ كلّ عقد تحقق الضمان» إلى آخر ما نقلناه آنفا.

(2) كبيع ما ليس قابلا للملكية مع علم المشتري بعدم قبوله للملكية.

(3) هذا و «فيما نحن فيه» متعلقان ب- «تطبيق»، و هذا تقريب إمكان تطبيق المعنى المختار على ما نحن فيه من بيع الغاصب مع علم المشتري.

(4) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته و دفع الثمن إليه، و محصّله: أنّ المراد بالموصول في قضية «ما لا يضمن» هو المعاملة المالية الّتي لها فردان صحيح و فاسد.

سواء أ كانت تمليكا مع العوض كالبيع، أم بدون العوض كالهبة غير المعوضة. و للتمليك مع العوض فرد صحيح، كالبيع غير الربويّ، و فرد فاسد كالبيع الربوي. و للتمليك غير المعاوضي أيضا فرد صحيح كالهبة غير المعوّضة، و فرد فاسد كالبيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة، و تسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن.

و هذا التعميم لكلّ معاملة ماليّة يشمل ما نحن فيه، لأنّ التسليط المزبور تمليك مجّاني، لعدم كون هذا التسليم بعوض من مال الغاصب، فيدلّ على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن، كعدم ضمان الفرد الصحيح من التمليك المجّاني و هو الهبة غير المعوّضة، فيكون «ما لا يضمن بصحيحه» دليلا على عدم ضمان البائع الغاصب للثمن الذي سلّمه المشتري إليه.

(5) معطوف على الموصول في «ما نحن فيه» و خبره قوله: «لا ضمان».

(6) أي: معاملة التمليك بلا عوض.

(7) أي: الفرد الصحيح. و تأنيث الضمير باعتبار الخبر. و المراد بقوله: «هذه المعاملة» هو التمليك بلا عوض، الذي له فرد صحيح كالهبة غير المعوضة، و فرد فاسد كالبيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة.

ص: 505

ففاسدها (1) كذلك، فتأمّل (2).

و بالجملة: فمستند المشهور (3) في مسألتنا (4) لا يخلو من غموض، و لذا (5) لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» [1] مع اتّفاقهم عليه (6) [هنا].

______________________________

(1) أي: الفرد الفاسد من هذه المعاملة المالية لا ضمان فيها أيضا، فالمعاملة المجانية- مثل ما نحن فيه و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا اجرة- لا ضمان فيها.

(2) لعله إشارة إلى: أنّ المعنى المذكور- و هو إرادة مطلق المعاملة المالية من الموصول في قضية «ما يضمن بصحيحه»- و إن كان صحيحا في نفسه، لكنه ليس ظاهر القضية المذكورة بحيث ينسبق إليه الذهن، بل إرادته محتاجة إلى القرينة. فظاهر الموصول هو كلّ نوع من أنواع العقد كالبيع و الصلح و نحوهما.

أو إشارة إلى: أنّ المعاملة المالية عنوان انتزاعي لا يصلح لأن يكون موضوعا للحكم.

(3) القائلين بعدم رجوع المشتري إلى البائع بالثمن في صورة التلف. وجه غموض المستند هو: أنّ مقتضى ما ذكروه من التسليط المجاني عدم الضمان، لكن مقتضى قاعدة «ما يضمن بصحيحه» هو الضمان، و لذا اتفقوا على الضمان في «بعتك بلا ثمن».

(4) و هي بيع الغاصب مع علم المشتري بكونه غاصبا.

(5) أي: و لعدم خلوّ مستند المشهور- النافين لرجوع المشتري إلى البائع- عن الغموض و الإشكال، لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» مع اتفاق الأصحاب على عدم الضمان هنا، أي: في تسليط المشتري البائع الغاصب.

هذا بناء على وجود كلمة «هنا». و أمّا بناء على عدمها فمرجع ضمير «عليه» هو الضمان، يعني: لم يصرّح أحد بعدم الضمان في «بعتك بلا ثمن» بل اتفقوا على الضمان فيه.

(6) أي: على عدم الضمان هنا، أي: في بيع الغاصب مع علم المشتري بغصبية المبيع.

______________________________

[1] لا يخلو منافاة دعوى عدم التصريح بعدم الضمان لما تقدم في (ص 488) من قوله: «فهو يشبه الهبة الفاسدة و البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة، التي قد حكم الشهيد و غير واحد بعدم الضمان فيها» و تقدّم هناك أنّ عدم الضمان مختار غير واحد، فراجع ما نقلناه من الكلمات.

ص: 506

و صرّح (1) بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه (2).

نعم (3) ذكر الشهيد رحمه اللّه و غيره عدم الضمان في الإجازة بلا اجرة.

______________________________

(1) غرضه من ذكر هذا الفرع تأييد ما أفاده من غموض مستند المشهور، إذ لو لم يكن في مستندهم غموض لزم التصريح بعدم ضمان المرتشي للرشوة التالفة عنده، لأنّ الراشي سلّط المرتشي على الرشوة بلا عوض، كتسليط المشتري البائع الغاصب على الثمن مجانا، مع أنّهم صرّحوا بضمان المرتشي. فلا بدّ من الحكم بضمان البائع الغاصب أيضا، لوحدة الطريق في المسألتين. فهذا الاختلاف في الضمان في نظائر مسألتنا كاشف عن غموض دليل عدم الضمان فيما نحن فيه.

و المصرّح بالضمان جماعة كالمحقق و العلامة و الشهيدين و غيرهم، بل في الجواهر:

«و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك، كما هو مقتضى قوله:

إنّها سحت، و غيره من النصوص الدالة على ذلك. و أنّ حكمها حكم غيرها ممّا هو كان من هذا القبيل. نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها و علم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه. و التحقيق فيه ما مرّ في نظائره» «1».

و قال في القضاء: «و كيف كان فلو تلفت- أي الرشوة- قبل وصولها إليه ضمنها له، لعموم على اليد، و غيره ممّا تقدم .. إلخ» «2».

نعم استشكل الفاضل النراقي في الضمان على تقدير التلف لو كان دفع الرشوة برضا الراشي «3». و الظاهر أنّ قول صاحب الجواهر: «قد يشكل» إشارة إلى خلاف الفاضل.

و لكنه كما ترى.

(2) و هو بيع الغاصب مع علم المشتري بغاصبيته.

(3) استدراك على عدم التصريح بعدم الضمان في «البيع بلا ثمن، و الإجارة بلا اجرة» لكونهما متحدين حكما. و حاصل الاستدراك وجود المصرّح بعدم الضمان في مسألة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 149

(2) جواهر الكلام، ج 40، ص 133 و راجع: شرائع الإسلام، ج 4، ص 78، قواعد الأحكام، ج 3، ص 429، الدروس الشرعية، ج 2، ص 76، مسالك الأفهام، ج 13، ص 422 و 423

(3) مستند الشيعة، ج 17، ص 74

ص: 507

و يؤيّد ما ذكرنا (1) ما دلّ من الأخبار (2) على كون ثمن الكلب و الخمر سحتا.

و إن أمكن (3) الذبّ عنه بأنّ المراد التشبيه

______________________________

الإجارة، و هو الشهيد قدّس سرّه و غيره، و قد تقدم كلامه في (ص 489) فراجع.

و المراد بالإجارة بلا اجرة أن يقع العقد على تمليك منفعة من دون اجرة، كأن يقول مالك الدار: «آجرتك هذه الدار شهرا بلا اجرة» ثم يستوفي المستأجر منفعة دار المؤجر مدة بلا اجرة يضمنها المستأجر للموجر عوض المنفعة التي استوفاها.

(1) و هو قوله في (ص 502): «و لكن إطلاق قولهم: إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يقتضي الضمان فيما نحن فيه و شبهه».

تقريب التأييد- بعد تشبيه المبيع المغصوب بالكلب و الخنزير و كون ثمنه سحتا- أنّ عدم جواز التصرف في السّحت يستلزم الضمان، فيجب ردّ عينه إن كان باقيا، و ردّ بدله إن كان تالفا، لأنّ أكل مال الغير سحت، فيجب ردّه إلى مالكه إن كان باقيا، و بدله إن كان تالفا حتى تبرء ذمته.

(2) مثل ما ورد في وصيّة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم عليّ عليه السّلام، قال: «يا علي! من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب، و ثمن الخمر، و مهر الزانية، و الرشوة في الحكم، و أجر الكاهن» «1».

و المراد بالكلب ما ليس صيودا، بقرينة ما ورد في أخبار أخر، مثل ما رواه أبو عبد اللّه العامري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: سألته عن ثمن الكلب الذي لا يصيد.

فقال: سحت. و أما الصيود فلا بأس» «2».

(3) هذا ردّ التأييد، و الأولى أن يقال: «و إن أمكن ذبّه» أي دفعه، و أمّا الذّب عن الشي ء فهو حفظه.

و كيف كان فغرضه الخدشة في التأييد المزبور بمنع الملازمة بين حرمة التصرف و الضمان، و حاصله: أنّ التشبيه بالسّحت يكون في الحكم التكليفي، و هو حرمة التصرف فقط، دون الحكم الوضعي و هو الضمان، لعدم التلازم بين التكليف و الوضع، كحرمة التصرف في الأوقاف العامة كالمساجد، فإذا سكن في بعض بيوت المسجد بدون مجوّز ارتكب محرّما، و ليس عليه ضمان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 63، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 1

(2) المصدر، ص 83، الباب 14، ح 1

ص: 508

في التحريم [1]، فلا ينافي عدم الضمان مع التلف، كأصل السحت (1).

ثمّ (2) إنّ مقتضى

______________________________

(1) و هو الكلب و الخنزير، فإنّ إتلافهما أو تلفهما لا يوجب الضمان إلّا كلب الصيد، فإنّ فيه أربعين درهما، أو قيمته، على الخلاف. و كذا كلب الغنم و الحائط و كلب الزرع، فإنّ في هذه الثلاثة قيمتها.

(2) كان الكلام إلى هنا فيما إذا باع البائع الفضولي لنفسه، و الآن يشرع في حكم ما إذا باع الفضولي للمالك، و دفع المشتري ثمن المبيع إلى البائع للإيصال إلى المالك، فتلف الثمن في يد البائع.

و ملخّص ما أفاده في حكمه: أنّ مقتضى ما تقدّم في وجه عدم رجوع المشتري بالثمن إلى البائع- من تسليطه البائع على الثمن بلا عوض- هو ثبوت الرجوع بالثمن على البائع فيما إذا باع الفضولي للمالك، و قبض الثمن من المشتري للدفع إلى المالك، فتلف عنده، إذ المشتري لم يسلط البائع و لا أذن له في التصرف فضلا عن إتلافه، فقاعدة اليد تقتضي الضمان، و لا مخصّص لها هنا.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من جواز رجوع المشتري بالثمن على البائع- قد نبّه عليه الفاضل النراقي قدس سره أيضا بقوله: «نعم لو كان البيع فضولا لأجل المالك، و سلّم المشتري الثمن إلى البائع ليسلّمه المالك لو أجاز، و أتلفه البائع، فالوجه الرجوع إليه. و الوجه ظاهر ..» «1».

______________________________

[1] لا يخفى أنّه لو كان هناك دليل لفظي على تنزيل ثمن المال المغصوب- مع علم المشتري بالغصب- منزلة ثمن الخنزير و الكلب، اقتضى إطلاقه التنزيل بالنسبة إلى الحكمين التكليفي و الوضعي.

لكنه ليس في البين دليل لفظي على التنزيل، و لا دليل لبّيّ كالإجماع حتى يؤخذ بالقدر المتيقن منه، و هو الحرمة.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 295

ص: 509

ما ذكرناه (1) في وجه عدم الرجوع بالثمن، ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضوليّ غير (2) بائع لنفسه، بل باع عن المالك، و دفع المشتري الثمن إليه، لكونه (3) واسطة في إيصاله (4) إلى المالك، فتلف (5) في يده، إذ (6) لم يسلّطه عليه و لا أذن له في التصرّف فيه فضلا (7) عن إتلافه.

و لعلّ (8) كلماتهم و معاقد اتّفاقهم (9) تختصّ بالغاصب البائع لنفسه، و إن كان

______________________________

(1) أي: ما ذكرناه في (ص 484) من «أنّه سلّطه على ماله بلا عوض ..».

(2) حال من «البائع» و لو قيل- كما في نظائره-: «إذا باع البائع الفضولي عن المالك» لدلّ على المقصود باختصار.

(3) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى البائع.

(4) أي: في إيصال الثمن إلى المالك.

(5) يعني: فتلف الثمن في يد البائع.

(6) تعليل لثبوت رجوع المشتري بالثمن على البائع لا لنفسه، بل للمالك. و حاصل التعليل: أنّ المشتري، لم يسلّط البائع على الثمن، و لم يأذن له في التصرف في الثمن فضلا عن إتلافه، حتى يسلب احترام ماله، و يخصّص قاعدة اليد.

(7) يعني: فضلا عن إذنه في إتلافه الثمن، فلا إذن في شي ء من التصرف و الإتلاف.

(8) إشارة إلى إشكال، و هو: أنّ كلمات الأصحاب في عدم رجوع المشتري على البائع بالثمن مطلقة، فتشمل كلتا صورتي بيع الغاصب لنفسه و للمالك.

و قد دفعه بقوله: «و لعل كلماتهم .. إلخ» و محصله: أنّ إطلاق كلمات العلماء لعلّه يختصّ بالغاصب البائع لنفسه، لما مرّ من عدم تسليط المشتري البائع على التصرّف في الثمن في صورة بيع الغاصب للمالك، فقاعدة اليد الموجبة للضمان جارية في هذه الصورة بلا مانع.

(9) تقدم في (ص 483) التنبيه على كلمات جمع ممّن ادّعى الإجماع على عدم ضمان البائع الغاصب مع علم المشتري بالغصب لو تلف الثمن، فقال: «بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه» فراجع.

ص: 510

ظاهر بعضهم (1) ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم المشتري بالفضوليّة.

و كذا (2) يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتري، بل (3) أخذه بناء على العقد الواقع بينهما، فإنّه (4)

______________________________

(1) غرضه أنّ حمل كلماتهم و معاقد إجماعهم- على عدم رجوع المشتري- على خصوص ما إذا باع البائع لنفسه، خلاف ظاهر بعض الفقهاء في عموم الحكم بعدم رجوع المشتري بالثمن على البائع مطلقا و إن باع الغاصب للمالك مع علم المشتري بغاصبيته.

و الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من ظهور كلام البعض هو إطلاق تنظير الغاصب بالفضولي، في قبال من خصّ بيع الغاصب بما إذا باع لنفسه. فالفاضل المقداد و المحقق الثاني قدّس سرّهما جعلا الغاصب كالفضولي «1». و مقتضاه شمول حكمهم بعدم رجوع المشتري العالم بالفضولية- على البائع بالثمن التالف في يده- للغاصب أيضا، سواء باع لنفسه كما هو الغالب، أم للمالك.

(2) هذه صورة أخرى لضمان البائع الفضولي للثمن، و هي: ما إذا أخذ البائع الثمن من المشتري بدون إذنه، و إنّما أخذه بعنوان الوفاء بالعقد الواقع بينهما.

و الوجه في جواز رجوع المشتري على البائع بالثمن هو: أنّه لم يحصل من المشتري ما يوجب عدم جريان قاعدة اليد في الثمن، إذ لم يتحقق من المشتري تسليط خارجي على الثمن حتى يخصّص عموم على اليد.

(3) يعني: بل أخذ البائع الثمن بمقتضى العقد الواقع بين البائع الفضول و المشتري الأصيل.

(4) الضمير للشأن، و هذا تعليل لرجوع المشتري بالثمن على البائع الذي أخذ الثمن من المشتري بدون إذنه. و حاصل التعليل: أنّه لم يحصل من المشتري تسليط خارجي حتى يرفع الضمان اليديّ، و إنّما حصل تسليط عقدي، و هو لا يؤثّر في رفع الضمان بعد وضوح فساد العقد.

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 27، جامع المقاصد، ج 4، ص 69

ص: 511

لم يحصل هنا (1) من المشتري تسليط إلّا بالعقد. و التسليط العقديّ مع فساده غير مؤثّر (2) في دفع الضمان.

و يكشف عن ذلك (3) تصريح غير واحد (4) منهم بإباحة تصرّف البائع

______________________________

(1) أي: في صورة أخذ البائع الثمن بدون إذن المشتري.

(2) لأنّ وجود العقد الفاسد كالعدم في عدم ترتب أثر عليه.

(3) أي: يكشف عن كون التسليط الخارجي رافعا للضمان- دون التسليط العقدي الفاسد- تصريح غير واحد من الفقهاء بإباحة تصرف البائع الغاصب في الثمن في صورة تسليط المشتري له، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة. فيكشف حكمهم بإباحة التصرف- مع الاتفاق على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة- عن عدم كون التسليط العقدي موجبا للإباحة، و لا رافعا للضمان. و إنّما الموجب لهما هو التسليط الخارجي.

فالنتيجة: أنّه إذا أخذ البائع الغاصب الثمن بغير إذن المشتري يكون ضامنا.

(4) نقل ذلك عنهم جمع، منهم أصحاب الحدائق و مفتاح الكرامة و الجواهر قدّس سرّهم.

قال السيد العاملي: «.. و من ثمّ قالوا: إنّ المشتري قد فوّت ماله متعمدا، لعلمه بتحريم تصرفه فيه، و دفع ماله من غير عوض، و هو يجتمع مع جواز تصرف البائع الثمن عند القائلين بالإباحة. و قد ذهبوا إلى أنّه حينئذ ليس أكلا مال الغير بالباطل» «1».

و التعبير بالتسليط مذكور في كلامي المحقق و الشهيد الثانيين، و غيرهما، ففي المسالك في شرح قول المحقق: «و لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» ما لفظه: «و وجّهوه بكون المشتري قد دفعه إليه و سلّطه عليه، مع علمه بعدم استحقاقه له، فيكون بمنزلة الإباحة. و هذا يتمّ مع تلفه .. إلخ» «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 194، جواهر الكلام، ج 22، ص 305 و 306، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 396

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 71، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160

ص: 512

الغاصب فيه (1)، مع اتّفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة.

و كذا (2) يقوى الضمان لو اشترط (3) [1] على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها (4).

و لو كان الثمن كلّيّا (5) فدفع إليه المشتري بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع، لأنّه (6) كالثمن المعيّن في تسليطه عليه مجّانا.

______________________________

(1) أي: في الثمن المجعول عوضا عن المبيع المغصوب.

(2) معطوف على «و كذا يقوى الرجوع» يعني: و من موارد ضمان البائع الغاصب للثمن ما إذا اشترط المشتري الأصيل على البائع الفضول الرجوع عليه بالثمن لو أخذ المالك العين التي بيعت فضولا، و ردّ البيع و لم يجزه. و لا ينبغي الارتياب في ضمان البائع للثمن في هذه الصورة، لعدم موجب لارتفاع الضمان مع وجود اليد أوّلا، و اشتراط الضمان ثانيا.

(3) أي: اشترط المشتري.

(4) فاعل «أخذ»، و ضميره راجع الى «العين».

(5) كان موضوع البحث إلى الآن في الثمن المعيّن الشخصي. و أمّا الثمن الكلي- الّذي دفع المشتري فردا منه إلى البائع- فالظاهر أنّه ليس له الرجوع على البائع كالثمن الشخصي، لأنّ ملاك عدم الضمان فيهما واحد، و هو التسليط المجاني.

(6) تعليل لعدم ضمان البائع للثمن، و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا: «لأنّ ملاك عدم الضمان .. إلخ». هذا تمام الكلام في المسألة الأولى المتعلقة بحكم الثمن الذي تسلّمه البائع الفضول من المشتري.

______________________________

[1] وجه الضمان في صورة الاشتراط عدم تسليط المشتري للبائع مجّانا على الثمن المزبور، فمقتضى عموم «على اليد» السليم من المخصّص محكّم.

لكن صحة شرط الضمان في صورة التلف محلّ إشكال، بعد تسليم كون يد البائع حينئذ يدا أمانية. نعم شرط الضمان في صورة الإتلاف في محله، بل لا حاجة إلى الشرط كما هو واضح.

ص: 513

[المسألة الثانية: حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن]
اشارة

المسألة الثانية (1):

أنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (2):

فإمّا أن يكون (3) في مقابل العين، كزيادة القيمة (4) على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري، كأن كانت القيمة المأخوذة (5) منه عشرين و الثمن عشرة

______________________________

د: حكم ما يغترمه المشتري غير الثمن

(1) هذه المسألة أيضا من فروع ردّ البيع الفضولي، و قد أشار إليها في (ص 475) بقوله: «و أما حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن، و اخرى في ما يغرمه للمالك زائدا على الثمن ..» و قد عقدها المصنف قدّس سرّه لبيان حكم ما يغترمه المشتري- لمالك المبيع فضولا- زائدا على الثمن المسمّى، كما سيظهر من الأمثلة المذكورة في المتن. و مورد الكلام كما سيصرّح به المصنف هو جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع، إذ لو كان عالما بعدم مالكيته له لم يكن له الرجوع على البائع الغاصب أو الفضولي مطلقا بشي ء من الغرامات.

و توضيح ما أفاده: أنّ ما يغترمه المشتري للمالك زائدا على الثمن على ثلاثة أقسام:

الأوّل: أن تكون الغرامة في مقابل العين، كما إذا تلفت العين و كانت قيمتها السوقية عشرة دنانير، و كان ثمنها المسمّى خمسة دنانير، و أخذ المالك من المشتري عشرة دنانير، فالخمسة الزائدة على الثمن المسمّى غرامة في مقابل العين.

القسم الثاني: أن تكون الغرامة الزائدة في مقابل ما استوفاه المشتري من منافع المبيع فضولا، كما إذا أخذ المالك اجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة أو غيرها ممّا استوفاها المشتري من العين المبيعة له فضولا.

القسم الثالث: أن يكون الزائد على الثمن ممّا لم يحصل في مقابله نفع للمشتري.

و هذه الأقسام الثلاثة- الراجعة إلى غير الثمن ممّا يغترمه المشتري للمالك- موضوعات لما يذكر من الأحكام.

(2) أي: غير الثمن المسمّى الذي هو خمسة دنانير في المثال المذكور.

(3) اسم «يكون» هو غير الثمن، و خبره قوله: «في مقابل العين».

(4) أي: القيمة السوقيّة التي هي في المثال خمسة كالثمن المسمّى.

(5) أي: من المشتري، فالقيمة المأخوذة من المشتري- على مثال المتن- زائدة على الثمن المسمّى بعشرة دنانير.

ص: 514

و إمّا (1) أن يكون في مقابل ما استوفاه المشتري، كسكنى الدار و وطء الجارية و اللبن و الصوف و الثمرة.

و إمّا (2) أن يكون غرامة لم يحصل له (3) في مقابلها نفع، كالنفقة (4)، و ما (5) صرفه في العمارة، و ما (6) تلف منه أوضاع (7) من الغرس و الحفر، أو إعطائه (8) قيمة للولد المنعقد حرّا، و نحو ذلك، أو نقص (9) من الصفات و الأجزاء.

______________________________

(1) هذا هو القسم الثاني، و الضمير المستتر في «يكون» راجع إلى «غير الثمن».

(2) هذا هو القسم الثالث، و ضمير «يكون» كسابقيه راجع إلى غير الثمن.

(3) أي: لم يحصل نفع للمشتري في مقابل تلك الغرامة.

(4) أي: كنفقة العبد و الفرس و الحمار إذا اشتراها المشتري من البائع الفضولي.

(5) معطوف على «النفقة» يعني: و كالمال الذي صرفه المشتري في العمارة، كما إذا كان المبيع دارا خربة، و صرف في تعميرها مالا.

(6) معطوف على «النفقة» يعني: و كالمال الذي تلف منه، كتلف بعض الأشجار المغروسة في البستان عند المشتري. و ضمير «منه» راجع إلى المبيع.

(7) معطوف على «تلف» و «من» بيان ل «ما» الموصول في قوله: «ما تلف» يعني:

ضاع عند المشتري بعض أراضي المبيع بصيرورته محفورا بالماء و غيره.

(8) معطوف على «النفقة» يعني: و كإعطاء المشتري قيمة الولد المنعقد حرّا، كما إذا كان المبيع فضولا أمة و استولدها المشتري، فحينئذ يكون المولد حرّا، و يلزم عليه أن يدفع قيمة الولد إلى مالك الأمة.

و الظاهر أنّ مورد دفع قيمة الولد- كما سيصرّح به- هو جهل المشتري بالحال ليكون الولد حرّا للتبعية، فلو كان عالما كان الولد رقّا، لأنّه نماء الجارية يملكه السّيد، و لا مورد لدفع قيمته حينئذ. و قد تقدم في ثمرات الكشف الحقيقي و الحكمي بعض الكلام فيه، فراجع (ص 79 و 84).

(9) معطوف على قوله: «تلف»، و نقص الصفات كنسيان العبد الكاتب الكتابة عند المشتري. و نقص الأجزاء كتلف بعض أوراق الكتاب عند المشتري، و أخذ المالك من المشتري قيمته.

ص: 515

[عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما]

ثمّ المشتري (1) إن كان عالما فلا رجوع في شي ء من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه (2).

[حكم المشتري مع الجهل]
[1- رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به]

و إن (3) كان جاهلا، فأمّا الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب- كما في الرياض، و عن الكفاية- رجوع المشتري الجاهل بها (4) على البائع، بل في كلام

______________________________

عدم الرجوع بالغرامات لو كان المشتري عالما

(1) هذا شروع في حكم الأقسام المزبورة، و قال: انّ المشتري إن كان عالما بالفضولية و غاصبية البائع فلا رجوع له على البائع في شي ء من الموارد المزبورة، لعدم الدليل على الضمان بعد إقدامه على ضرره.

(2) أي: على الرجوع.

1- رجوع المشتري الجاهل بما اغترمه على ما ينتفع به

(3) معطوف على «إن كان» و حاصله: أنّه إن كان المشتري جاهلا بفضولية البائع، ففي القسم الثالث- و هو قوله: «و إمّا أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع .. إلخ»- يكون المعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض: رجوع المشتري الجاهل بالفضولية على البائع الفضول بالغرامات المذكورة، بل ادّعي الإجماع على الرجوع إلى البائع بالغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

و في السرائر قدّس سرّه: أنّ المشتري يرجع على البائع بتلك الغرامات المذكورة في القسم الثالث قولا واحدا.

و في كلام المحقق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان: نفي الإشكال عن ضمان البائع الفضول لدرك ما يحدثه المشتري من أشجار غرسها في الأرض التي ابتاعها من الفضولي، و قلعها مالك الأرض، فإنّ خسارة قلع تلك الأشجار بعهدة البائع الفضول.

(4) أي: بالغرامات المذكورة في القسم الثالث. قال في الرياض: «و المعروف من مذهب الأصحاب: أنّ للمشتري أن يرجع بما غرمه للبائع مما لم يحصل له في مقابلته عوض، كقيمة الولد و النفقة و العمارة و نحو ذلك، لمكان التغرير، و ترتب الضرر به مع

ص: 516

بعض (1)- تبعا للمحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد- دعوى (2) الإجماع على الرجوع (3) بما لم يحصل في مقابله نفع.

و في السرائر: «أنّه (4) يرجع قولا واحدا» «1».

و في كلام المحقّق و الشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الإشكال (5) عن ضمان البائع لدرك (6) ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.

______________________________

عدم جابر له من العوض» «2».

و ظاهر كلام الفاضل السبزواري الإجماع لا مجرّد المعروفية، لقوله: «و ذكر الأصحاب أنّ ما يغرمه المشتري ممّا لم يحصل له في مقابلته نفع .. فله الرجوع به على البائع» «3».

(1) كصاحب الجواهر قدّس سرّه لقوله: «و الإجماع بقسميه». و قال السيد العاملي حاكيا لإجماع فخر الدين قدّس سرّهما: «و يرجع المشتري على البائع .. و بما اغترمه من نفقة أو عوض .. إجماعا أيضا كما في شرح الإرشاد» «4».

و بهذا ظهر الوجه في الإتيان بكلمة «بل» في المتن، لوضوح أنّ «المعروف» قد يوهم وجود المخالف في المسألة، و يزول هذا الوهم بالتصريح بالإجماع.

(2) مبتدء مؤخر، و خبره المقدّم قوله: «في كلام بعض».

(3) أي: رجوع المشتري على البائع بغرامات لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(4) يعني: أنّ المشتري يرجع على البائع الفضول قولا واحدا، و هو يدلّ على كون الحكم إجماعيا، ذكر ذلك ابن إدريس قدّس سرّه في قيمة الولد، التي أخذها المالك من المشتري.

(5) يعني: نفي الإشكال بحسب القواعد العلميّة.

(6) أي: لخسارة ما يحدثه المشتري في أرض ابتاعها من الفضولي، كما إذا غرس المشتري فيها أشجارا و قلعها المالك، فإنّ البائع الفضول يضمن حينئذ دركها.

قال المحقق الثاني في شرح قول العلّامة قدّس سرّهما: «و في ضمان البائع ذلك إشكال»

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 493

(2) رياض المسائل، ج 2، ص 307

(3) كفاية الأحكام، ص 260، السطر 30، و الحاكي السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 301، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199

ص: 517

و بالجملة: فالظاهر عدم الخلاف في المسألة (1)، للغرور (2) [1] فإنّ البائع مغرّر

______________________________

ما لفظه: «بل لا معنى لهذا الإشكال، لأنّ الإشكال إن كان في ثبوت ذلك على البائع فلا وجه له، لأنّ ذلك واجب. و إن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكّدا فلا وجه له أيضا، لأنّه ضمان ما لم يجب بعد» و نحوه كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه «1» فراجع.

(1) و هي رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث، و هو: أن يكون غرامة لم يحصل للمشتري في مقابلها نفع.

(2) قد استدلّ على رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول في القسم الثالث بوجوه:

الأوّل: قاعدة الغرور، تقريبه في المقام: أنّ البائع الفضول قد أوقع المشتري في الغرامة المزبورة بسبب بيعه إيّاه ما ليس له، من دون إعلام و بيان لحقيقة الحال. و هذا بخلاف البيع مع إعلام البائع أو علم المشتري بالحال، إذ البائع لم يوقع المشتري حينئذ في خطر الضمان.

و هذه القاعدة مضمون النبوي المرسل: «المغرور يرجع على من غرّه» استدلّ به غير واحد، قال الفاضل النراقي قدّس سرّه: «و عموم قوله عليه السّلام: المغرور يرجع على من غرّه.

نقله المحقق الشيخ علي في حاشيته على الإرشاد. و ضعفه غير ضائر، لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر. بل هذه قاعدة مسلّمة بين جميع الفقهاء متداولة عندهم، يستعملونها في مواضع متعددة، كالغصب و التدليس في المبيع، و الزوجة، و الجنايات و أمثالها» «2».

______________________________

[1] قد استدلّ على اعتبار قاعدة الغرور بوجوه:

منها: الخبر المذكور. و فيه أوّلا: عدم ثبوت كونه كلام المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا: عدم ثبوت انجباره على فرض صدوره، لأنّ الجابر لضعف سند الرواية هو استناد المشهور إليها، و هو أيضا غير ثابت.

و منها: دعوى الإجماع محصّلا و منقولا على رجوع المغرور على الغار.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 340، مسالك الأفهام، ج 4، ص 205

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 518

للمشتري، و موقع إيّاه في خطرات الضمان، و متلف (1) عليه (2) ما يغرمه، فهو (3) كشاهد الزور الذي يرجع إليه (4) إذا رجع من شهادته.

______________________________

(1) الظاهر أنّه معطوف على «مغرّر» و مفسّر للغرور، هذا ما يقتضيه السياق.

و يحتمل بعيدا أن يكون إشارة إلى دليل آخر لضمان البائع، و هي قاعدة الإتلاف، إذ لو كان كذلك كان المناسب أن يقول: «و لقاعدة الإتلاف» في قبال قوله: «للغرور».

(2) هذا الضمير و ضمير «إياه» راجعان إلى المشتري.

(3) أي: فالبائع فيما نحن فيه يكون كشاهد الزور الذي يضمن ضرر المشهود عليه ذا اعترف- بعد تماميّة الحكم- ببطلان شهادته، و الرجوع عنها.

(4) أي: يرجع إلى شاهد الزور في أخذ المال منه. قال المحقق قدّس سرّه: «لو رجعا عن الشهادة قبل الحكم لم يحكم. و لو رجعا بعد الحكم و الاستيفاء لم ينقض الحكم، و كان الضمان على الشهود» «1».

و علّله صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «الّذين هم السبب في الإتلاف على وجه القوّة على المباشر عرفا كما هو واضح» «2».

______________________________

و فيه: أنّه لم يثبت كونه إجماعا تعبديا، لقوّة احتمال استناد المجمعين إلى الرواية المشار إليها، أو إلى غيرها من الوجوه الآتية.

و منها: أقوائية السبب من المباشر، فالمغرور و إن كان مباشرا، لكن الغارّ أقوى منه، إذ لو لم يكن بيع الغارّ لم يقع المغرور في تلك الغرامات.

لكن فيه: أنّ هذه القاعدة تجري فيما إذا كان المباشر بمنزلة الآلة، بأن يكون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب. و المقام ليس كذلك، لأنّ إقدامه على تعمير الدار الخربة مثلا يكون بإرادته و اختياره.

و منها: قاعدة نفي الضرر و الضرار، حيث إنّ الغارّ سبب لضرر المغرور، فهو ضامن، كما يدلّ عليه رواية «من أضرّ بطريق المسلمين فهو ضامن» «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 142

(2) جواهر الكلام، ج 41، ص 222

(3) وسائل الشيعة، ج 19، ص 180، الباب 8 من أبواب موجبات الضمان، ح 1

ص: 519

و لقاعدة (1) نفي الضرر [1].

مضافا إلى ظاهر رواية جميل (2) أو فحواها: «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثمّ يجي ء مستحقّ الجارية. قال: يأخذ الجارية المستحق، و يدفع

______________________________

و يدل عليه مرسل جميل بن دراج عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم، و قد قضى على الرّجل، ضمنوا ما شهدوا به و غرموا. و إن لم يكن قضى طرحت شهادتهم و لم يغرموا الشهود شيئا» «1». و بمضمونه نصوص أخر، فراجع.

(1) معطوف على «للغرور» و هذا هو الوجه الثاني من الوجوه الدالة على ضمان البائع الفضولي في القسم الثالث. و محصل هذا الوجه هو: أنّ قاعدة نفي الضرر تقتضي ضمان البائع، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتري ضرر على المشتري، فهذا العدم مرفوع، فيثبت ضمان البائع.

(2) هذا ثالث الوجوه الدالّة على ضمان البائع لغرامات المشتري، توضيحه: أنّ الولد الحرّ إن عدّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت الرواية دالّة بالفحوى على ما نحن فيه،

______________________________

[1] لا يخلو التمسك بقاعدة نفي الضرر لإثبات ضمان البائع عن الإشكال، لأنّ هذه القاعدة من الأحكام النافية للمجعولات الشرعية التي ينشأ منها الضرر، كوجوب الوضوء و لزوم البيع. و ليست القاعدة مثبتة لحكم، و الضمان حكم وضعي لا تصلح القاعدة لإثباته.

و الحاصل: أنّ عدم الضمان ليس من المجعولات الشرعية حتى يرتفع بالقاعدة، هذا.

مضافا إلى: أنّ الضمان ضرر أيضا على البائع.

و إلى: أنّ القاعدة لا تجري مطلقا حتى في ما إذا اعتقد البائع مالكيته للمبيع، فلم يقدم على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري. و قاعدة الغرور أيضا لا تجري في هذه الصورة، و هي: ما إذا اعتقد البائع مالكيته، بل في خصوص ما إذا اعتقد البائع بعدم مالكيته، و يبيع مال الغير عدوانا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 238، الباب 10 من كتاب الشهادات، ح 1 و الباب 11، ص 239، الحديث 1 و 2 و 3

ص: 520

إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه» «1». فإنّ (1) حرّيّة [1] ولد المشتري إمّا أن تعدّ نفعا عائدا إليه (2) أو لا، و على التقديرين (3)

______________________________

لأنّ المشتري إذا كان مع وصول النفع إليه مستحقا للرجوع إلى البائع، كان استحقاقه للرجوع إليه مع عدم وصول النفع إليه بطريق أولى.

و إن لم يعدّ الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري كانت دلالة الرواية على ما نحن فيه من باب الظهور اللفظي، إذ المفروض عدم كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري في مقابل غراماته كما هو المفروض.

و بالجملة: فهذه الرواية تدلّ بالظهور أو الفحوى على رجوع المشتري على البائع الفضول بالغرامات التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري.

(1) هذا تقريب الاستدلال بالرواية، و قد مرّ آنفا.

(2) أي: إلى المشتري.

(3) و هما: كون الولد الحرّ نفعا عائدا إلى المشتري، و عدم كونه نفعا عائدا إليه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الولد الحرّ ليس مالا مملوكا، لا عرفا و لا شرعا. و عدم جواز بيع الحرّ من أمارات عدم ملكيته، فالحكم بإعطاء قيمة الولد تعبد محض.

فيحتمل أن يكون رجوع المشتري إلى البائع بتلك القيمة التي أخذها المالك من المشتري حكما تعبديا آخر. فلا وجه للتعدي عن مورده إلى الموارد الأخر، و أخذ المشتري غير الثمن من غراماته من البائع. و قد تقدم بعض الكلام في وجه ضمان قيمة الولد في بحث المقبوض بالبيع الفاسد، فراجع «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 5، رواه معاوية بن حكيم عن محمّد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

(2) هدى الطالب، ج 3، ص 53- 55

ص: 521

يثبت المطلوب (1). مع أنّ (2) في توصيف قيمة الولد بأنّها «أخذت منه» نوع إشعار لعلّيّة الحكم (3)، فيطّرد في سائر ما أخذت منه (4).

و أمّا السكوت (5) [1] عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار،

______________________________

(1) و هو رجوع المشتري على البائع في الغرامات التي لم يحصل في مقابلها نفع للمشتري.

(2) هذا وجه آخر لرجوع المشتري على البائع، و حاصله: أنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بعليته للحكم، و توصيف قيمة الولد في الرواية بأنّها «أخذت» منه يشعر بعليّة الأخذ من المشتري للحكم برجوع المشتري على البائع، فهذا التعليق يقتضي اطّراد حكم رجوع المشتري على البائع في كلّ ما يؤخذ منه، سواء وصل إليه نفع في مقابل ما يغرمه، كما في القسم الثاني، أم لا كما في القسم الثالث الذي هو مورد البحث.

(3) و هو جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و المناسب «ما أخذ منه».

(5) هذا إشارة إلى ما اختاره صاحب الحدائق من اختصاص ضمان البائع الفضول- لما اغترمه المشتري- بالثمن دون سائر الغرامات، سواء وصل بإزائها نفع إلى المشتري، كما إذا استوفى منافع المبيع كاللبن و الصوف، أم لا كعمارته و تنقية أنهاره.

و استدلّ المحدّث البحراني على مختاره بسكوت بعض الأخبار عن رجوع المشتري- في غير الثمن- إلى البائع، مع كونه في مقام البيان. و توضيحه: أنّه رحمه اللّه نقل عن الأصحاب: رجوع المشتري على البائع بالثمن و بما اغترمه على المبيع من

______________________________

[1] يمكن أن يكون السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع لأجل الجهل بالبائع، و عدم معرفته. و مع الغضّ عنه- و تسليم كون السكوت في مقام البيان من هذه الجهة- يقال:

إنّ غايته أن يكون ظاهرا في ذلك، و الأدلة الدالة على جواز الرجوع إلى البائع إمّا نصّ في جواز الرجوع، و إمّا أظهر من ظهور السكوت في عدمه. و مقتضى حمل الظاهر على النص أو الأظهر هو تقييد الإطلاق، و الحكم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي بجميع الغرامات الواردة عليه من ناحية بيع الفضول.

ص: 522

فهو (1) لعدم كونه (2) مسوقا لذلك (3)، كرواية زرارة «في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية، فخرج بها (4) إلى أرضه، فولدت منه أولادا، ثمّ أتاها من يزعم

______________________________

نفقة و نحوها. ثم اعترض عليهم بقوله: «و أنت خبير بأنّ رواية زريق المتقدمة قد صرّحت بأنّ الرجوع بما غرمه على ذلك المبيع إنّما هو على المالك، لا على البائع، و إنّما يرجع بالثمن خاصة».

ثم نقل المحدث البحراني كلام الشهيد الثاني- القائل بالرجوع على البائع بما أنفق على المبيع من دون أن ينتفع به- و اعترض عليه بقوله: «و فيه: أنّ المستفاد من الخبر المذكور، و قوله فيه:- تصنع أن ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة على صاحبها- أنّ الرجوع على البائع إنّما هو بالثمن خاصة. و المقام مقام بيان، مع حكمه عليه السّلام في الخبر برجوع المالك على المشتري بعوض المنافع. فلو كان للمشتري الرجوع بها على البائع، لذكره عليه السّلام، مع ذكره أخيرا أنّ المشتري يرجع بما أنفقه على المالك، لا على البائع» «1».

و محصّله: أنّ السكوت عن ضمان البائع لما أنفقه المشتري على المبيع- مع كون الامام عليه السّلام في مقام البيان- دليل على عدم ضمانه له، فلا وجه لحكمهم بجواز رجوع المشتري على البائع الفضولي في تلك النفقة.

(1) هذا جواب «و أمّا» و ردّ لما اختاره في الحدائق، و حاصله: أنّه ليست روايتا زرارة و زريق في مقام بيان وظيفة المشتري مع البائع، بل في مقام بيان وظيفة المشتري مع المالك، فلا تدلّان على عدم جواز رجوع المشتري إلى البائع حتى يقال: بعدم رجوع المشتري إلى البائع إلّا في خصوص الثمن، دون سائر الغرامات التي يتحمّلها المشتري.

فسكوت الروايتين- يعني عدم تعرضهما لجواز رجوع المشتري إلى البائع- إنّما هو لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة. و لو فرض إطلاقهما يرفع اليد عنه بتقييده بسائر الروايات الدالّة على ضمان البائع الفضولي لغرامات المشتري.

________________________________________

(2) أي: لعدم كون بعض الأخبار مسوقا .. إلخ.

(3) أي: لرجوع المشتري إلى البائع الفضولي.

(4) أي: بالجارية، و ضميرا «أرضه، منه» راجعان إلى «رجل».

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 293 و 294

ص: 523

أنّها له، و أقام على ذلك البيّنة. قال (1): يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية، و يعوّضه من قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها» «1».

و رواية زريق، قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام يوما إذ دخل عليه رجلان، فقال: أحدهما: إنّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار، و له بذلك ذكر حقّ (2) و شهود، فأخذ المال، و لم أسترجع (3) عنه الذكر بالحقّ، و لا كتبت عليه كتابا، و لا أخذت منه براءة بذلك. و ذلك (4) لأنّي وثقت به، و قلت له: مزّق الذّكر بالحقّ الذي عندك.

فمات (5) و تهاون بذلك و لم يمزّقه (6). و عقيب (7) هذا طالبني بالمال ورّاثه، و حاكموني و أخرجوا بذلك ذكر الحقّ (8)، و أقاموا العدول، فشهدوا عند الحاكم،

______________________________

(1) أي: قال الامام الصادق عليه السّلام: يقبض الرجل المشتري ولده، لأنّه حرّ، و يدفع الجارية إلى من يزعم أن الجارية له، و يدفع إليه أيضا قيمة ما أصاب المشتري من لبن الجارية و خدمتها.

(2) هذه الكلمة كناية عن مكتوب يكون وثيقة و حجة على ثبوت المال بعهدة الرجل المديون.

(3) في الوسائل: «و لم استرجع منه» يعني: و لم أستردد من الدائن ذلك المكتوب، حتى يكون حجة لي على أداء الدين.

(4) يعني: أنّ سبب عدم استرداد المكتوب و عدم أخذ وثيقة من الدائن- على وصول حقّه إليه- هو وثوقي و اعتمادي عليه بأنّه يمزّق ذلك المكتوب و يعدمه.

(5) كذا في نسخ الرواية، و المناسب: «فتهاون بذلك و لم يمزقه و مات».

(6) في الوسائل: «و لم يمزقها، و عقب هذا إن طالبني ..».

(7) منصوب على الظرفيّة يعني: و في عقيب موت الدائن طالبني بذلك المال ورّاث الدائن، و أخرجوا ذكر الحقّ لأجل إثبات مطالبتهم.

(8) في الوسائل: «بذلك الذّكر بالحقّ».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 592، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 4

ص: 524

فأخذت بالمال، و كان المال كثيرا، فتواريت (1) عن الحاكم، فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي، و قبض القوم المال. و هذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي.

ثمّ إنّ ورثة الميّت أقرّوا أنّ أباهم (2) قد قبض المال، و قد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي، و يعطونه الثمن (3) في أنجم معلومة، فقال (4): إنّي أحبّ أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذا.

فقال الرجل- يعني المشتري-: كيف أصنع؟ جعلت فداك. قال (5): تصنع أن ترجع بمالك على الورثة، و تردّ المعيشة إلى صاحبها و تخرج يدك عنها».

قال (6): فإذا فعلت ذلك، له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة (7) من (8) ثمن الثمار، و كلّ ما كان مرسوما (9) في المعيشة يوم

______________________________

(1) هذا هو الصحيح، كما حكاه مصحّح الوسائل عن المجالس و الأخبار، لا ما في الوسائل من قوله: «فتوارثت من الحاكم».

(2) في الوسائل: «أن المال كان أبوهم قد قبضه».

(3) هذه الكلمة غير مذكورة في الوسائل.

(4) يعني: فقال الرجل الذي اشترى المعيشة: إنّي أحبّ .. إلخ.

(5) في الوسائل: «جعلني اللّه فداك: كيف أصنع؟ فقال: تصنع ..».

(6) و في الوسائل: «فإذا أنا فعلت» يعني: قال مشتري المعيشة: فإذا فعلت ذلك- أي: رددت المعيشة على صاحبها- هل له أن يطالبني بغير ردّ المعيشة؟ قال الإمام عليه السّلام:

نعم، له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلّة.

(7) بفتح الغين: الدخل، من كراء و أجر غلام و فائدة أرض، و نحو ذلك «1».

(8) لفظة «من» غير مذكورة في الوسائل.

(9) يعني: يجب ردّ كل ما كان ثابتا و موجودا في المعيشة يوم الاشتراء.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 437

ص: 525

اشتريتها، يجب أن تردّ ذلك، إلّا (1) ما كان من زرع زرعته أنت (2)، فإنّ للزارع إمّا قيمة الزرع، و إمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع. فإن لم يفعل (3) كان ذلك له، و ردّ عليك القيمة، و كان الزرع له.

قلت: جعلت فداك، فإن كان هذا (4) قد أحدث فيها بناء أو غرسا (5)؟ قال: (6) له قيمة ذلك، أو يكون ذلك المحدث (7) بعينه يقلعه و يأخذه.

______________________________

(1) الظاهر أنّه- بناء على كون الأصل في الاستثناء الاتّصال- استثناء من «ما» في قوله عليه السّلام: «ما أخذت من الغلّة» فالمراد: أنّ لصاحب المعيشة أن يأخذ منك كلّ ما أخذته من الغلّة، إلّا ما كان من زرع زرعته.

و يحتمل كونه استثناء من: «ذلك» في قوله عليه السّلام: «يجب أن تردّ ذلك» حتى يكون استثناء منقطعا. لكنّه بعيد، لكونه خلاف الأصل و محتاجا إلى القرينة. و الأقربيّة في العبارة لا تكون قرينة على ارتكاب خلاف الأصل.

(2) المراد بالمخاطب هو الرجل المشتري للمعيشة، و زرعه يكون بعد الاشتراء.

(3) كذا في الوسائل أيضا، و في نسخ الكتاب «فإن لم يفعل ذلك كان ذلك» يعني:

فإن لم يصبر صاحب المعيشة إلى وقت الحصاد- حتى يكون الزرع لزارعه و هو مشتري المعيشة- كان ذلك أي: عدم الصبر حقّا لصاحب المعيشة، و لكن عليه حينئذ ردّ قيمة الزرع على المشتري الزارع، و يصير الزرع ملكا لصاحب المعيشة.

و الحاصل: أنّه مع صبر مالك المعيشة إلى زمان الحصاد يبقى الزرع على ملك المشتري الزارع. و مع عدم صبر المالك إلى زمان الحصاد يردّ قيمة الزرع على المشتري، و يصير صاحب المعيشة مالكا للزرع.

(4) يعني: إن كان المشتري قد أحدث في المعيشة بناء أو غرسا، فهل يكون مضمونا على المالك أم لا؟

(5) في الوسائل: «فيها بناء أو غرس» و الأولى ما في المتن.

(6) يعني: قال الامام عليه السّلام: للمشتري قيمة ذلك البناء أو الغرس على صاحب المعيشة، أو قلع المشتري نفس البناء أو الغرس، و أخذه.

(7) الظاهر أنّه اسم مفعول، يعني: أنّ للمشتري أخذ القيمة، أو قلع العين و أخذها.

ص: 526

قلت (1): أ رأيت إن كان فيها غرس أو بناء، فقلع الغرس و هدم البناء؟ فقال:

يردّ ذلك إلى ما كان، أو يغرم القيمة لصاحب الأرض.

فإذا (2) ردّ جميع ما أخذ من غلّاتها على (3) صاحبها، و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث إلى ما كان، أو ردّ القيمة كذلك، يجب (4) على صاحب الأرض [أن يردّ عليه] (5) كل ما خرج منه في إصلاح المعيشة، من (6) قيمة غرس، أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة، و دفع النوائب.

______________________________

(1) هذا كلام صاحب المعيشة، و غرضه استعلام حكم قلع الغرس و هدم البناء، مع استلزامهما لحفرة الأرض أو وقوع التراب و غيرهما. فأجاب عليه السّلام: بأنّ المشتري يردّ ذلك إلى حالتها الأوّليّة، أو يغرم أجرة إصلاح الأرض لصاحب المعيشة.

(2) يعني: فإذا ردّ المشتري جميع ما أخذه من عائدات المعيشة على صاحبها، و ردّ البناء و الغرس و كلّ محدث أحدثه صاحب المعيشة قبل زمان الاشتراء، أو ردّ قيمة الغرس و البناء و نقص الأرض الحاصل بهما، وجب على صاحب الأرض أيضا أن يردّ على المشتري جميع ما صرفه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء، أو نفقة في إصلاح المعيشة كبناء قنطرة أو تنقية نهر، و رفع موانع الزرع و الشجر من أعداد الأرض لهما كقتل الحيوانات المؤذية و نحو ذلك. فإنّ كل هذه الخسارات مردودة إلى المشتري.

لكن هذا مقيّد بأن لا يكون عالما بعدم مالكية الورّاث البائعين للمعيشة، إذ مع العلم ببطلان البيع لا يستحقّ ما خرج منه في إصلاح المعيشة إلّا عين ماله، دون عمله الذي أوجب زيادة قيمة المعيشة كتهذيب الأرض و رفع موانع الزرع، كما قرّر ذلك في كتاب الغصب.

(3) في الوسائل: «إلى صاحبها» و هو متعلق ب «ردّ».

(4) جواب «فإذا» و ضمير «عنه» راجع إلى المشتري.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى ما في الوسائل من قوله عليه السّلام: «أن يرد عليه كما [كلّ ما] خرج ..».

(6) بيان للموصول في قوله «ما خرج».

ص: 527

كلّ ذلك (1) مردود إليه» «1».

و فيه (2)- مع أنّا نمنع ورودهما (3) إلّا في مقام حكم المشتري مع المالك- أنّ (4) السكوت في مقام البيان لا يعارض الدليل.

______________________________

(1) في الوسائل: «كل ذلك فهو ..» يعني: كلّ ما خرج من المشتري مردود إليه، بشرط جهله ببطلان البيع كما مرّ آنفا.

و الاستشهاد بهذه الرواية إنّما هو بعدم تعرّضها لرجوع المشتري إلى البائع في ما اغترمه المشتري للمالك، و سكوتها عنه.

(2) هذا جواب عمّا أفاده صاحب الحدائق، و قد أجاب عنه بوجوه، بعضها مشترك بين روايتي زرارة و زريق، و بعضها مختص بإحداهما، كما سيظهر.

الأوّل: أنّا نمنع ورود الروايات في مقام بيان حكم المشتري مع البائع، حتى يكون السكوت بيانا و دالّا على عدم الرجوع إليه في غير الثمن من الغرامات، بل هي في مقام بيان حكم المشتري مع المالك.

(3) كذا في النسخة المصحّحة المعتمد عليها، فمرجع الضمير روايتا زرارة و زريق.

و في كثير من النسخ بأفراد الضمير، فمرجعه الرواية. و الأولى بملاحظة ما يأتي من قوله:

«مع أن رواية زرارة» تثنية الضمير، لتختص رواية زرارة بالإشكال الآتي.

(4) هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّه بعد تسليم كون السكوت هنا في مقام البيان من هذه الجهة- أي: حكم المشتري مع البائع- نقول: إنّ السكوت لا يعارض الدليل، لأنّ بيانية السكوت منوطة بجريان مقدمات الحكمة فيه، التي منها عدم البيان على خلاف ما يقتضيه السكوت، و مع وجود البيان على خلافه لا يكون السكوت بيانا.

فحينئذ لا مانع من دلالة ما دلّ على ضمان البائع الغرامات المشتري التي لم يصل إليه في مقابلها نفع.

و هذا الجواب يستفاد من صاحب الجواهر أيضا في مقام الإيراد على صاحب الحدائق، حيث قال: «و أعمية مثل هذا الاقتصار فيه- أي في خبر زريق- من عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 253، الباب 3 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، رواه عن شيخ الطائفة في المجالس و الأخبار بإسناده عن زريق، راجع الأمالي، ص 707

ص: 528

مع أنّ (1) رواية زرارة ظاهرها عدم التمكّن من الرجوع إلى البائع.

مع أنّ (2) البائع في قضيّة زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه صحيحا لم يتوجّه إليه غرم، لأنّ الحاكم من قبل الشارع ليس غارّا من جهة حكمه على طبق البيّنة المأمور بالعمل بها [1].

______________________________

الرجوع» «1».

(1) هذا وجه ثالث لردّ كلام الحدائق، و حاصله: أنّه يمكن أن يكون وجه السكوت في رواية زرارة عدم تمكّن المشتري من الرجوع إلى البائع، لعدم معرفته. حيث إنّه اشترى الجارية من سوق المسلمين، و لم يظهر مالكها إلّا بعد مدّة ولدت الجارية فيها من المشتري أولادا. و لعلّ ذلك البائع الفضولي لم يكن من أهل سوق ذلك البلد، و كان من خارج ذلك القطر، فمعرفة البائع بعد هذه المدة الطويلة مشكلة و غير ميسورة عرفا.

و لذا سكت الإمام عليه السّلام عن الرجوع إلى البائع. و من المعلوم أنّ مثل هذا السكوت ليس بيانا للوظيفة، و هي عدم الرجوع إلى البائع.

(2) هذا وجه رابع لتضعيف كلام الحدائق و مختص برواية زريق، و حاصله: أنّ البائع في قضية زريق هو القاضي، إذ فيها «فباع عليّ قاضي الكوفة معيشتي». و حينئذ فإن كان قضاء ذلك القاضي صحيحا- أي مطابقا لموازين القضاء- لم تتوجّه عليه غرامة، إذ المفروض أنّ حكمه وقع على طبق البينة التي أمر بالعمل بها في مسألة القضاء، فلا يكون غارّا.

______________________________

[1] إن لم يتوجّه عليه غرم من جهة عدم كونه غارّا، على ما قيل. و إن لم يخل عن إشكال، لعدم ثبوت اعتبار علم الغارّ بكون ما يدفعه إلى الغير ملكا لغيره. و لذا لم يفصّلوا في مسألة من قدّم طعام الغير للآخر ليأكله، و قالوا بضمان المقدّم إذا رجع المالك إلى الآكل، فإنّ الأكل يرجع إلى المقدم، من غير تفصيل بين علم المقدم بأنّ الطعام ملكه أو ملك غيره، و بين عدم علمه بذلك.

بل عن بعضهم التصريح بالتعميم، و عدم الفرق في ضمان المقدّم بين علمه بكون الطعام مال نفسه و مال غيره. قال المحقق قدّس سرّه في ما لو قدّم الغاصب المأكول المغصوب إلى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 303

ص: 529

و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر (1)، فالظاهر (2) علم المشتري ببطلان قضاء المخالف و تصرّفه في أمور المسلمين، فهو عالم بفساد البيع [1]

______________________________

و إن كان قضاؤه باطلا كما هو الظاهر، لأنّه من قضاة خلفاء الجور الغاصبين لحقوق الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، فالظاهر أنّ المشتري عالم بفساد البيع، لبطلان قضاء قاضي المخالفين، فلا رجوع له على البائع.

و قد نبّه في الجواهر على أوّل شقّي هذا الجواب- و هو أهلية القاضي للترافع إليه- فقال بعد نقل الخبر: «و هو كما ترى لا غرور فيه، ضرورة معذورية القاضي و الشهود و الورثة، و أقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر البيع، و هو لا يقضي بتغريمه» «1».

(1) لما مرّ آنفا من أن القضاة في ذلك العصر كانوا منصوبين من قبل خلفاء الجور.

(2) جواب قوله: «و ان كان».

______________________________

غير المالك ليأكله: «و إن أطعمه غيره، قيل: يغرّم أيّهما شاء، لكن إن أغرم الغاصب لم يرجع إلى الآكل. و إن أغرم الآكل رجع الآكل على الغاصب، لغروره. و قيل: يضمن الغاصب من رأس» «2».

و كيف كان فالحاكم ضامن، و إن لم يكن من جهة الغرور، بل من حيث إنّ خطأ القضاة في بيت مال المسلمين. فمجرّد مطابقة حكم القاضي لموازين القضاء لا يرفع ضمانه، غاية الأمر أن ضمانه ليس في كيسه، بل في بيت مال المسلمين.

[1] لكن يشكل مع هذا العلم أن يحكم على مالك المعيشة بجبر ما اغترمه المشتري في إصلاحها و إعدادها للزرع، لأنّه مع العلم ببطلان البيع يكون غاصبا للمعيشة، و ليس له الرجوع إلى المالك بأخذ ما صرفه في إصلاحها، إذ ليس لعرق الظالم حقي. فجواز رجوع المشتري على مالك المعيشة بأخذ ما صرفه في إصلاحها قرينة جليّة على جهل المشتري ببطلان البيع، و لذا دلّت الرواية على جواز رجوع المشتري على المالك، و أخذ ما صرفه في إصلاح المعيشة من مالكها.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 303

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 242، جواهر الكلام، ج 37، ص 145

ص: 530

فلا (1) رجوع له.

[2- ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة]

و أمّا الثاني (2)- و هو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من (3) المنافع و النماء- ففي الرجوع بها (4) خلاف (5)، أقواها (6) الرجوع، وفاقا للمحكيّ (7) عن

______________________________

(1) هذه نتيجة علم المشتري بفساد البيع، إذ مع هذا العلم لا وجه لرجوعه إلى البائع الذي هو شخص القاضي. و ضميرا «فهو، له» راجعان إلى المشتري.

2- ما يغرمه المشتري قبال المنافع المستوفاة

(2) لمّا انتهى بحث القسم الثالث من الغرامات- و هو الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها- شرع في بيان حكم القسم الثاني، و هو ما يحصل للمشتري نفع في مقابل تلك الغرامات، كانتفاعه باللبن و الصوف و نحوهما. ففي رجوع المشتري بها إلى البائع خلاف بين الفقهاء قدّس سرّهم.

و يعتبر في هذا البحث ما تقدّم الإشارة إليه في صدر المسألة- عند ما يردّ المالك هذا البيع الفضولي و لم يجزه- من جهل المشتري بعدم مالكية البائع للمبيع.

(3) بيان للنفع الواصل إلى المشتري، و ضمير «إليه» راجع الى المشتري.

(4) أي: ففي الرجوع على البائع الفضولي بالغرامات التي اغترمها المشتري للمالك في مقابل النفع الواصل إليه خلاف.

(5) مبتدء مؤخر، و خبره: «ففي الرجوع» و الجملة جواب الشرط في قوله: «و أمّا الثاني».

(6) المذكور في النسخ التي ظفرت بها «أقواها» بالضمير المؤنث، لكن قيل:

«إنّ الصواب «أقواهما» بضمير التثنية، لما يقال من: أنّ في المسألة قولين لا أكثر.

و فيه ما ذكرناه في التعليقة، فراجع.

(7) الحاكي هو السيد العاملي قدّس سرّه، و قد نقل قولين عن المبسوط، أحدهما: عدم رجوع المشتري بما اغترم في قبال منفعة استوفاها من المبيع. و الآخر: الرجوع.

فقال في شرح عبارة القواعد: «و في رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف» ما لفظه: «فالشيخ في الخلاف و المبسوط في موضع منه، و الآبي في كشف الرموز،

ص: 531

المبسوط و المحقّق و العلّامة في التجارة (1)، و الشهيدين،

______________________________

و شيخنا في الرياض، و ظاهر السرائر: أنّه لا يرجع» «1» الى أن قال: «و الشيخ في المبسوط في موضع آخر، و المحقق في تجارة النافع، و ظاهر تجارة الشرائع و فخر الإسلام في الإيضاح و شرح الإرشاد، و الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و المقدس الأردبيلي، و المصنف في ظاهر تجارة الكتاب، و المقداد، و أبو العباس في المقتصر .. أنه يرجع به. و في التنقيح: أنّ عليه الفتوى. و هو قضية إطلاق الباقين» «2» إلى أن قال: «و لا ترجيح في غصب النافع و التذكرة و التحرير و التبصرة، و المهذب البارع، و المسالك، و الكفاية. و لا في تجارة التذكرة و التحرير و نهاية الأحكام و الإرشاد».

و نقل هذين القولين عن الشيخ فخر المحققين و الفاضل المقداد أيضا «3».

أمّا قول الشيخ بعدم الرجوع فمصرّح به في موضعين من المبسوط. و أمّا قوله بالرجوع فلم أظفر به بعد ملاحظة كتابي البيع و الغصب بتمامهما. لكن نسبه إليه صاحب كشف الظلام كما في مفتاح الكرامة أيضا. و قد نسب جمع القول بعدم الرجوع إلى الشيخ كالعلامة و الشهيد الثاني و أصحاب الكفاية و الرياض و المستند «4».

(1) التقييد بالتجارة لأجل اختلاف نظر العلّامة- و كذا المحقق- في كتابي التجارة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 301، و نحوه في ج 4، ص 199، و لاحظ: المبسوط، ج 3، ص 69 و 71 و أحال على هذين الموضعين في ص 102، و كذلك في الخلاف، ج 3، ص 403، و وافقه ابن إدريس في السرائر، ج 2، ص 325 و 493، و الفاضل الآبي في كشف الرموز، ج 2، ص 384، و السيد الطباطبائي في رياض المسائل، ج 2، ص 307

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 301، و لاحظ: شرائع الإسلام، ج 2، ص 14، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191، الدروس الشرعية، ج 3، ص 115، جامع المقاصد، ج 6، ص 236، مسالك الأفهام، ج 3، ص 160، و ج 12، ص 227 و 228، الروضة البهية، ج 3، ص 238، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 164، التنقيح الرائع، ج 4، ص 75، و لم أجده في ظاهر تجارة المختصر النافع، و لا بد من مزيد التتبع و التأمّل.

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191، التنقيح الرائع، ج 4، ص 75

(4) لاحظ المختلف، ج 5، ص 56، مسالك الأفهام، ج 12، ص 227، كفاية الأحكام، ص 20، رياض المسائل، ج 2، ص 307، مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 532

و المحقّق الثاني و غيرهم (1). و عن التنقيح: «أنّ عليه (2) الفتوى» [1] لقاعدة الغرور (3) المتّفق عليها ظاهرا

______________________________

و الغصب، قال في غصب القواعد: «و يرجع المشتري الجاهل على الغاصب بما يغرمه ممّا ليس في مقابلته نفع .. و في رجوعه بما حصل له نفع في مقابلته .. نظر، ينشأ من ضعف المباشر بالغرور، و من أولوية المباشر» «1».

لكنه في كتاب البيع حكم برجوع المشتري على البائع بالغرامة، و ظاهر إطلاقه جواز الرجوع في كلا القسمين أي ما انتفع به و ما لم ينتفع. قال قدّس سرّه: «و يرجع المشتري على البائع بما دفعه ثمنا، و ما اغترمه من نفقة أو عوض عن اجرة أو نماء، مع جهله ..» «2»

و قد أشار السيد العاملي قدّس سرّه إلى اختلاف رأي المحقق أيضا في عبارته المتقدمة، فلاحظها.

(1) كفخر المحققين و الفاضل المقداد و المحقق الأردبيلي و ابن فهد ممّن أشير إليه في عبارة السيد العاملي قدّس سرّهم.

(2) أي: أنّ على الرجوع الفتوى. و هذا ظاهر في الإجماع، فكأنّ عدم الرجوع غير معهود و ممّا لم يفت به أحد. هذا ما نسبوه إلى التنقيح، و الموجود فيه بيان وجهين لقولي الشيخ قدّس سرّه ثم قال: «فالفتوى على الثاني» «3»، و دلالته على الإجماع غير واضحة.

(3) فإنّ «الغارّ» يصدق على البائع الفضول، كصدقه على مقدّم طعام غيره لآخر

______________________________

[1] و هذا قول ثالث للفاضل النراقي قدّس سرّه، و هو التفصيل بين علم البائع بأنّ المبيع ملك الغير، فيرجع المشتري بالغرامات عليه. و بين جهله به فلا يرجع بها على البائع «4».

و يظهر من وجود هذا القول صحة قول المصنف قدّس سرّه: «أقواها» بالضمير المؤنث، لا الضمير المثنّى. لكنّه مع ذلك لا تخلو العبارة من المسامحة، فلعلّ الأولى أن يقال: «أقواه» أي: أقوى الخلاف، لذكر المرجع حينئذ صريحا.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 238 و 239

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، شرائع الإسلام، ج 2، ص 14 و ج 3، ص 246 بناء على وجود جملة «و هو أشبه» و لولاها كان المحقق قدّس سرّه مترددا في باب الغصب كتردده في المختصر النافع، ص 275، فلاحظ.

(3) التنقيح الرائع، ج 4، ص 75

(4) مستند الشيعة، ج 14، ص 296

ص: 533

في من قدّم مال الغير إلى غيره الجاهل، فأكله (1).

و يؤيّده (2) قاعدة نفي الضرر، فإنّ (3) تغريم من أقدم على إتلاف شي ء من

______________________________

جاهل بالحال. و مقتضى إطلاقهم- بل تصريح بعضهم- عدم اعتبار علم الغارّ بكون المال الذي يصرفه المغرور ملكا لغير الغارّ، فيجوز لمالك الطعام الرجوع إلى المقدّم أو الآكل، و إذا رجع إلى الآكل رجع هو إلى المقدّم.

(1) ظاهر عبارة التذكرة الإجماع على ضمان الغاصب دون الآكل الجاهل بالغصب، لقوله فيما إذا قدّم الغاصب الطعام إلى غير المالك، فأكله- بعد نقل قولين من العامة- «و الثانية: يستقرّ الضمان على الغاصب، لأنّه غرّه، و أطعمه على أن لا يضمنه. و هو الّذي يقتضيه مذهبنا» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «فالضمان على الغاصب بلا خلاف منّا فيما أجد ..» «2».

(2) يعني: و تؤيّد قاعدة الضرر رجوع المشتري على البائع بما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه.

(3) هذا تقريب التأييد، و هو مؤلّف من مقدّمات تنتج ضمان البائع الفضولي استنادا إلى قاعدة نفي الضرر.

الاولى: أنّ المشتري المستوفي لمنفعة المبيع مغرور، قد غرّه البائع، حيث مكّنه من الانتفاع بنماء المبيع بزعم كون النماء للمشتري مجانا.

الثانية: أنّ المفروض تسالمهم على ضمان المشتري لمالك المبيع عوض المنفعة المستوفاة، و ليس للمشتري التفصّي منه بجعل البائع ضامنا للمالك.

الثالثة: أنّ الحكم بتحمّل المشتري للغرامة- مع عدم جواز رجوعه على البائع الغارّ في ما اغترمه للمالك- ضرر عظيم عليه.

و بما أنّ الضرر منفي في الشريعة المقدسة، فالمتعيّن الحكم بضمان البائع الفضولي، و جواز مطالبة بدل تلك الغرامة منه حتى لا يتضرّر المشتري.

فإن قلت: لا موضوع لقاعدة نفي الضرر في المقام، لأنّ مفروض الكلام في القسم

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 378، السطر 14

(2) مفتاح الكرامة، ج 6، ص 230

ص: 534

دون عوض مغرورا (1) من آخر- بأنّ (2)

______________________________

الثاني هو انتفاع المشتري بنماء المبيع كسكنى الدار، و لبن الشاة و صوفها، و من المعلوم أنّ دفع بدلها إلى المالك لا يوجب نقصا في مال المشتري حتى يتمسّك بقاعدة نفي الضرر لتضمين البائع الفضولي.

قلت: بل يصدق الضرر حتى مع فرض وصول عوض تلك الغرامة إلى المشتري باستيفاء منفعة المبيع. و الوجه في صدق الضرر أنّ المشتري لو كان عالما بأنّ هذا الانتفاع يستتبع غرامة لم يقدم عليه. و عليه فلا يندفع ضرر المشتري إلّا بالرجوع إلى البائع الغارّ. هذا تقريب التأييد.

و لعلّ وجه التعبير بالتأييد دون الدلالة- مع فرض صدق الضرر العظيم على ما اغترمه المشتري- هو: أنّ الاستدلال بقاعدة نفي الضرر و الضرار يتوقف على أمرين، كلاهما غير ثابت.

الأوّل: كون القاعدة مشرّعة للضمان، بأن يقال: انّ مفاد قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «لا ضرر» نفي الضرر و الإضرار في وعاء التشريع. و صدق هذا النفي كما يكون منوطا بنفي الحكم الضرري، بتقييد إطلاق الأدلة فيما ترتّب الضرر على الحكم كوجوب الوضوء و لزوم البيع الغبني، فكذا يكون منوطا بعدم تجويز إلقاء الغير في الضرر من دون جبرانه ببدل، إذ لو جاز الإضرار بالغير بلا تدارك لم يصدق نفي الضرر شرعا بقول مطلق، لكونه موجودا حسب الفرض، و إعدام الضرر شرعا موقوف على جعل الضمان.

و هذا الأمر قد تقدّم منعه في قاعدة لا ضرر، و أنّها نافية للحكم، و ليست مثبتة له.

الثاني: كون الغار سببا للخسارة الواردة على المغرور، حتى يجوز الرجوع بها على البائع بمناط تسبيبه لتضرر المشتري. و هذا أيضا محل تأمل، لعدم ترتب الغرامة على نفس البيع، و ليس المقام نظير تقديم الطعام المغصوب إلى شخص جاهل بالحال، و سيأتي توضيح ضابطة ضمان التسبيب، فانتظر.

(1) حال من فاعل «أقدم» و المراد بالمقدّم هو المشتري.

(2) متعلق ب «مغرورا» و ضمير «له» راجع الى «من» في قوله «من أقدم» المراد به المشتري.

ص: 535

له ذلك (1) مجّانا، من دون (2) الحكم برجوعه إلى من غرّه في ذلك (3)- ضرر (4) عظيم [1]. و مجرّد (5) رجوع عوضه (6) إليه لا يدفع الضرر (7).

و كيف كان فصدق الضرر و إضرار الغارّ به ممّا لا يخفى (8). خصوصا (9) في بعض الموارد.

______________________________

(1) أي: له ذلك الشي ء مجّانا، من دون الحكم برجوع المغرور- و هو المشتري- إلى من غرّه و هو البائع.

(2) متعلق ب «تغريم» أي: تغريم المشتري من دون الحكم بجواز رجوعه .. إلخ.

(3) أي: في إتلاف شي ء من دون عوض ضرر عظيم.

(4) خبر قوله: «فإنّ تغريم».

(5) مبتدء، خبره قوله: «لا يدفع الضرر» و هذا إشارة إلى وهم و دفعه، و قد تقدم توضيحهما بقولنا: «فإن قلت .. قلت» فراجع.

(6) أي: عوض ما اغترمه المشتري للمالك، و المراد بالعوض هو منفعة المبيع، كالثمرة التي أكلها المشتري، أو اللّبن الذي شربه، أو سكنى الدار، فإنّها عوض الغرامة التي اغترمها للمالك.

(7) و هو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع.

(8) إذ لو لم يبع البائع الفضول لم يقع المشتري في الغرامات و الخسارات.

(9) كما إذا استوفى المشتري منافع المبيع فضولا في غير مهمّات معاشه و ضروريّاته، كما إذا ركب السيارة أو الدابة دائرا بهما في الأراضي و البساتين للتنزّه و استنشاق الهواء

______________________________

[1] إن كان هذا ضررا عظيما فهو دليل على المطلب، لا مؤيّد له. و إن لم يكن ضررا فلا وجه لكونه مؤيّدا، لعدم ارتباطه بالموضوع. و الحقّ عدم صدق الضرر مع استيفاء المشتري منافع المبيع فضولا.

نعم يصدق التغرير العظيم، لا الضرر العظيم الذي هو النقص، لوضوح عدم النقص المالي بعد فرض استيفاء المنافع، فيقع التعاوض القهري بين ما استوفاه المشتري من المنافع، و بين المال الذي أخذه مالك المبيع من المشتري بدلا عن المنافع. فالغرور يوجب عملا لو لم يكن غرور لم يقع ذلك العمل في الخارج، سواء ترتب ضرر على هذا الغرور أم لا.

ص: 536

فما في الرياض من (1) «أنّه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام، لوصول العوض إلى المشتري «1»» لا يخلو (2) عن شي ء.

مضافا إلى ما قيل عليه: من (3) منع مدخليّة الضرر في قاعدة الغرور، بل هي

______________________________

السالمة عن القذارات، لا في مهمات أموره و أصول معاشه و قضاء حوائجه، فإنّ صدق الضرر حينئذ ضروري، لعدم بذل المال غالبا بإزاء التصرفات غير المقوّمة للمعاش، فيعدّ بذل المال حينئذ ضررا. بخلاف ما إذا استفاد من المبيع فضولا ما صرفه في أصول معاشه، ككراء الدابة و السيارة لأجل صرف أجرتهما في ضروريات معاشه، فلا يعدّ أخذ عوضها- بدون إرجاعه إلى الغارّ- ضررا.

(1) بيان ل «ما» الموصول، و الفاء للتفريع، و غرضه الإشكال على السيد صاحب الرياض قدّس سرّه، و حاصل ما أفاده السيد هو: عدم دليل على قاعدة الغرور إن لم تنطبق على قاعدة نفي الضرر الذي هو مفقود في المقام، إذ المفروض وصول العوض- و هو المنفعة- إلى المشتري، لأنّه استوفاها من المبيع الفضولي بإزاء الغرامة التي اغترمها للمالك، فلا موضوع هنا لقاعدة الضرر، إذ لا يعدّ إعطاء مال عوضا عن المنفعة التي استوفاها المعطي ضررا. فلا تجري أيضا قاعدة الغرور.

(2) خبر «ما» الموصول في قوله: «فما في الرياض» و جواب عن إشكال صاحب الرياض، و محصل الجواب: وجود كلتا قاعدتي الغرور و الضرر هنا. أمّا قاعدة الغرور فلاتّفاق الفقهاء على كون المشتري مغرورا فيما نحن فيه.

و أمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغير مجّانا بسبب تغرير شخص آخر- بأن يقول له: تصرّف فيه، فإنّه لي، ثم انكشف أنّه للغير، فطلب ماله و أخذه منه- يوجب عدّ هذا الشخص متضرّرا.

فالنتيجة: جواز رجوع المشتري إلى البائع.

(3) بيان ل «ما» الموصول، و هذا إشكال آخر من صاحب الجواهر على

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 2، ص 307 و 308

ص: 537

مبنيّة على قوّة السبب على المباشر «1».

لكنّه (1) لا يخلو من نظر، لأنّه إنّما يدّعي اختصاص دليل الغرور من

______________________________

سيد الرياض قدّس سرّهما. و غرض المستشكل إثبات الضمان هنا.

و حاصل الاشكال: أنّ قاعدة الغرور ليست مبنيّة على قاعدة الضرر حتى يقال:

انّه لا ضرر هنا، فلا تجري قاعدة الغرور. بل هي مبنيّة على قاعدة قوّة السبب على المباشر، و السبب- و هو البائع في ما نحن فيه- أقوى من المباشر و هو المشتري، فيرجع على البائع بما اغترمه للمالك عوضا عن منافع المبيع فضولا التي استوفاها، لأنّه و إن كان مباشرا لما استوفاه من المنافع، لكنّ البائع الذي هو السبب أقوى من المباشر، فيرجع المشتري إليه فيما اغترمه للمالك عوضا عن المنافع.

فصاحب الجواهر قدّس سرّه قائل بضمان البائع لما اغترمه المشتري بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع فضولا، و ردّ هو رحمه اللّه على سيّد الرياض قدّس سرّه المنكر لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك بإزاء المنافع، استنادا إلى عدم جريان قاعدة الغرور، لابتنائها على قاعدة الضرر المفقود هنا، لأنّ غرامة المشتري تكون بإزاء المنافع، فهذه الغرامة ليست ضررا حتى تجري فيها قاعدة الغرور المبنيّة على الضرر.

(1) أي: لكن ما قيل في الجواهر ردّا على كلام الرياض لا يخلو من نظر و إشكال.

توضيحه: أنّ صاحب الرياض لا يدّعي ابتناء قاعدة الغرور على قاعدة الضرر، حتى يقال: بعدم جريانها في المقام، لعدم تضرر المشتري، لوصول عوض غرامته و هو المنافع إليه. و إنّما يدّعي أنّ إهمال دليل قاعدة الغرور- أعني به النصوص الخاصة و الإجماع- يقتضي الاقتصار على القدر المتيقن منهما، و هو صورة الضرر، لعدم دلالتهما صريحا على ضمان البائع لجميع ما اغترمه المشتري للمالك.

و الأولى نقل كلام الرياض، فإنّه قدّس سرّه بعد حكاية عدم الرجوع عن الشيخ و الحلّي، قال: «و هو أوفق بالأصل، مع عدم معلومية صلوح المعارض للمعارضة بناء على عدم وضوح دليل على ترتب الضمان على الغارّ بمجرد الغرور و إن لم يلحقه ضرر كما في ما نحن

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

ص: 538

النصوص الخاصّة و الإجماع بصورة الضرر. و أمّا (1) قوّة السبب على المباشر، فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور، إلّا (2) إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه كما في المكره (3)،

______________________________

فيه بمقتضى الفرض، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه. و الإجماع على هذه الكلية غير ثابت، بحيث يشمل نحو مفروض المسألة».

(1) هذا إشكال على صاحب الجواهر المدّعي لضمان البائع لما اغترمه المشتري للمالك، تمسكا بدليل آخر على الضمان، و هو قوة السبب على المباشر، حيث قال- بعد المناقشة المتقدمة في كلام صاحب الرياض-: «بل هو- أي ضمان الغارّ- من باب قوّة السبب على غيره و لو المباشرة» «1».

و حاصل إشكال المصنف عليه: أنّ قوّة السبب على المباشر بنفسها لا تصلح لأن تكون دليلا على الضمان، إلّا إذا كان السبب بمثابة يصحّ أن يستند التلف إليه عرفا.

(2) فحينئذ تكون قوّة السبب دليلا على الضمان، لاستناد التلف إلى السبب، فيكون سبب الضمان على هذا قاعدة الإتلاف.

(3) فإنّ المكره و إن كان مباشرا للفعل، لكنه يسند عرفا إلى المكره، لأنّ التحميل و الإكراه أوجبا ضعف استناد الفعل إلى المباشر، بل لا يصحّ إسناده إلى المكره في بعض الصور كالملجأ، فيستند الفعل إلى المكره خاصة.

قال في الجواهر- في مقام الفرق في استناد الفعل الى المغرور دون المكره- ما لفظه:

«و لعلّه لعدم صدق (أخذت) الظاهر في الاختيارية عليه- أي على المكره- بخلاف المغرور. مضافا إلى ظهور رجوع المغرور- أي قوله عليه السّلام: المغرور يرجع على من غرّه- في ضمانه و إن رجع هو ..» «2».

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه من التنظير بالمكره- بقرينة المثالين الآخرين- هو خصوص الملجإ المسلوب الاختيار. و يحتمل أن يكون مراده مطلق المكره، فإنّ الفعل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

(2) المصدر، ص 57

ص: 539

و كما في الريح العاصف الموجب للإحراق (1)، و الشمس (2) الموجبة لإذابة الدهن و إراقتها.

و المتّجه في مثل ذلك (3) عدم الرجوع إلى المباشر أصلا (4) كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره، لكون المباشر بمنزلة الآلة (5). و أمّا في غير ذلك (6)

______________________________

و إن كان صادرا منه باختياره، لكن الإكراه يوجب استناده الى المكره، لقوته، لا إلى المكره لضعفه.

(1) كما إذا أجّج النار في جهة هبوب الريح العاصف، فأطارتها الريح إلى دور الجيران، فأحرقت بعض أموالهم، فإنّ الإحراق و إن كان فعل النار، لكنّه يسند إلى المؤجّج الذي هو السبب.

(2) يعني: و كالشمس، كما إذا وضع شخص الدّهن الجامد- الذي هو مملوك لغيره- في الشمس، فذاب و أريق، كما إذا كان الدهن الجامد في الظرف المثقوب، فأذابته الشمس و إراقته. فإنّ الإذابة و الإراقة و إن كانتا فعل الشمس، لكنّهما تسندان إلى واضع الدهن في الشمس. و هذه الأمثلة من صغريات قوّة السبب على المباشر، بحيث لا يعدّ الفعل من أفعال المباشر، بل يعدّ من أفعال السبب.

(3) ممّا يعدّ الفعل من أفعال المباشر دون السبب.

(4) لعدم كون الفعل مسندا إلى المباشر حتى يكون عليه ضمان.

(5) في عدم الإرادة و الاختيار كالسّكين، فإنّه و إن كان قاطعا، لكنّه لمّا كان بغير إرادة و شعور لم يستند الفعل إليه.

و الناسب إلى ظاهر الأصحاب صاحب الجواهر في شرح قول المحقق قدّس سرّه:

«و لا يضمن المكره المال و إن باشر الإتلاف. و الضمان على من أكرهه، لأنّ المباشرة ضعفت مع الإكراه، فكان ذو السبب هنا أقوى» «1» فراجع.

(6) يعني: في غير موارد استناد التلف إلى السبب، و استناده إلى المباشر مثل ما نحن فيه أي القسم الثاني، و هو أن تكون الغرامة في مقابل ما استوفاه المشتري بإرادته من منافع المبيع فضولا، كسكنى الدار و ركوب الدابة و السيّارة مثلا، فضمان البائع- الذي هو سبب لوقوع المشتري في ما اغترمه للمالك- لتلك الغرامات محتاج إلى دليل

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 57، شرائع الإسلام، ج 3، ص 237

ص: 540

فالضمان (1) أو قرار الضمان (2) فيه (3) يحتاج إلى دليل مفقود (4). فلا بدّ (5) من الرجوع بالأخرة إلى قاعدة الضرر، أو الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى،

______________________________

مفقود هنا، إذ لا دليل على ضمان السبب الذي لا يستند التلف عرفا إليه.

(1) أي: بأن يكون البائع هو الضامن دون المشتري المغرور، فلا يصح رجوع المالك إلى المغرور أصلا.

(2) بأن تكون ذمة كلّ من الغارّ و المغرور مشغولة للمالك، لكن الضمان مستقرّ على الغارّ، فيجوز للمالك الرجوع إلى المغرور، فيرجع هو على الغارّ.

(3) أي: في السبب الذي ليس بمتلف، كالبائع، فإنّ تلف المنافع مستند إلى المشتري الذي استوفاها مختارا و من غير إكراه.

(4) إذ المفروض عدم كون السبب- الذي لا يستند إليه التلف- موجبا للضمان.

(5) هذه نتيجة قوله: «فالضمان» الذي هو جواب «أمّا» و حاصله: أنّه بعد فقد الدليل الخاصّ على ضمان البائع الغارّ- الذي هو السبب لتلف المنافع، لكنّ سببيّته لتلفها ليس بمثابة يستند التلف إليه كما فيما نحن فيه، و هو القسم الثاني- فلا بدّ في إثبات ضمان السبب و هو البائع مع عدم استناد التلف إليه عرفا من التمسك بأحد الأمور الأربعة:

أحدها: قاعدة الضرر.

ثانيها: الإجماع المدّعى في الإيضاح على تقدّم السبب إذا كان أقوى. قال فخر المحققين فيه- فيما لو اشترى دارا أو أرضا من غاصب، و بنى فيه، فقلع المالك بناءه، و أنّ الأقرب رجوع المشتري على البائع- ما لفظه: «وجه القرب: أنّ البائع سبب، و المشتري ذو يد كالمباشر، و السبب هنا أقوى من المباشر. و كلّما كان السبب أقوى من المباشر فالضمان على السبب. أمّا الأولى فلأنّه إنّما شرع في العقد و التصرفات بظنّ السلامة، و سبب هذا الظن تغرير البائع إياه، فصار هذا السبب أقوى. و أما الثانية فإجماعية» «1».

و ليس مراده بقوّة السبب قوّته الخاصة التي يستند الفعل إلى السبب دون المباشر، بل مراده بقرينة تطبيقه على الغرور هو الأعم، يعني سواء أ كان استناد الفعل إلى السبب

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 191

ص: 541

..........

______________________________

أقوى من استناده إلى المباشر كما في المكره، أم كان استناده إلى كلّ منهما على السواء، بل يصدق حتى مع قوة استناده إلى المباشر و ضعف استناده إلى السبب كما في المغرور، لكونه مختارا في فعله. و لكن الوجه في ضمان البائع الغارّ هو الدليل التعبدي أعني به الإجماع، حيث يكفي في صدق التسبيب اعتماد المغرور على ظنّ سلامة المبيع له ليتصرف فيه.

ثالثها: الأخبار المتفرقة، و الظاهر أنّ مقصوده منها ما ورد في التدليس في النكاح ممّا يشتمل على التعليل. و يمكن أن يريد أيضا مثل خبري زرارة و جميل المتقدمين في الجارية المسروقة.

فممّا ورد في النكاح، خبر إسماعيل بن جابر، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها، فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوّجني ابنتك، فزوّجه غيرها، فولدت منه. فعلم بها بعد أنّها غير ابنته، و أنّها أمة. قال: تردّ الوليدة على مواليها، و الولد للرجل، و على الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة، كما غرّ الرجل و خدعه» «1».

فإن قوله عليه السّلام: «كما غرّ الرجل و خدعه» ظاهر- بل صريح- في عليّة الغرور لكون الأب المزوّج ضامنا لقيمة الولد. و مقتضى التعليل الحكم بضمان الغارّ في غير الولد ممّا يكون في باب النكاح كالمهر، و كذا في غير النكاح كالمقام.

و احتمال اختصاص الرجوع على الغارّ بمورد الرواية- و هو ضمان قيمة الولد- غير ظاهر، لما تقرّر من عدم الفرق في التعدي عن مورد التعليل بين أن يقال: «لا تشرب الخمر، لإسكاره» أو «لأنه مسكر» لعدم اقتضاء الإضافة في التعبير الأوّل دوران الحرمة مدار إسكار الخمر خاصة، بل يؤخذ بعموم العلّة في سائر الموارد.

و كذا يستفاد الحكم ممّا رواه رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و سألته عن البرصاء.

فقال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء: أنّ المهر لها بما استحلّ من فرجها، و أنّ المهر على الذي زوّجها. و إنّما صار عليه المهر لأنّه دلّسها» الحديث «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 602، الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس، ح 1

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 596، الباب 2 من أبواب العيوب و التدليس، ح 2، رواه الكليني عن العدة عن سهل عن أحمد بن محمّد عن رفاعة بن موسى. و رواه ابن إدريس في المستطرفات عن نوادر البزنطي عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، السرائر، ج 3، ص 562. و قد ورد ضمان المهر بالتدليس في الحديث 1 و 4 و 7 و 8 من نفس الباب، و ح 1 من الباب 9 ص 604، و غيرها.

ص: 542

أو بالأخبار (1) الواردة في الموارد المتفرّقة، أو كون الغارّ سببا في تغريم المغرور، فكان (2) كشاهد الزور في ضمان ما يؤخذ لشهادته.

و لا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه.

أمّا الأخير (3) فواضح.

______________________________

فإنّ تعليل استقرار المهر على الولي بالتدليس كالصريح في عدم خصوصية للمورد، و أنّ المقصود تطبيق الكبرى الكلّية على بعض صغرياتها.

رابعها: كون الغارّ سببا لتغريم المغرور، كسببية شاهد الزور لضمان ما يؤخذ باستناد شهادته، و قد دلّ عليه نصوص عديدة سيأتي ذكر بعضها في (ص 547).

و هذه الوجوه الأربعة ثابتة فيما نحن فيه، و هو ما اغترمه المشتري للمالك بإزاء ما استوفاه من منافع المبيع له فضولا.

(1) معطوف على «قاعدة الضرر» و الأولى إسقاط حرف الجرّ أو تبديله ب «إلى» ليستقيم العطف، فكأنّه قال: «فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار الواردة ..».

ثم إن ظاهر العبارة كون هذه الأخبار المتفرقة دليلا ثالثا على الضمان، كما أنّ ما ورد في شاهد الزور دليل رابع عليه.

و لكن الظاهر أن قوله: «بالأخبار الواردة في الموارد المتفرقة» يعمّ ما ورد في شاهد الزور أيضا، لما سيأتي بعد أسطر بقوله: «و أما الإجماع و الأخبار، فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة .. إلى أن قال: و رجوع المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار ..».

و على هذا فالعبارة لا تخلو من مسامحة، لكون الأدلة هي قاعدة الضرر و الإجماع و الأخبار المتفرقة التي يستفاد من بعضها سببية الغارّ.

(2) يعني: فكان البائع الفضول كشاهد الزور في ضمانه لما يؤخذ بشهادته.

(3) و هو كون البائع الفضول سببا لتغريم المغرور و هو المشتري، فبيعه كشهادة شاهد الزور في السببية للتغريم، فثبوت الوجه الأخير- و هو الوجه الرابع فيما نحن فيه- واضح كما في المتن.

ص: 543

..........

______________________________

فإن قلت: إنّ وضوح سببية الغار لتغريم المغرور ينافي ما أفاده في ردّ كلام الجواهر بقوله: «و أما قوة السبب على المباشر فليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور ..» إذ لو كانت قوة السبب مضمّنة للسبب دون المباشر لم تتّجه المناقشة في كلام الجواهر. و إن لم تكن موجبة لضمان السبب لم تنفع في ضمان الغارّ لما اغترمه المشتري.

قلت: لا منافاة ظاهرا بين الكلامين، إذ المقصود بقوة السبب- التي منعها أوّلا- هو التسبيب على الموضوع أي الفعل المترتب عليه الضمان، حيث لا ضمان على المباشر كالمكره، و إنّما تكون الغرامة على السبب باعتبار قوّته الموجبة لإسناد التلف إليه. و من المعلوم انتفاء التسبيب بهذا المعنى في مورد الغرور، لكونه متصرّفا بإرادته.

كما أنّ المقصود بالتسبيب الذي جعله دليلا على ضمان الغارّ هو التسبيب على الضمان، نظير استقرار الضمان على من يقدّم طعام الغير إلى ضيفه، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل موضوع للضمان، و لكن الموقع له في الضمان هو المقدّم. فإذا غرّم المالك الآكل رجع هو على المقدّم. فكذا يرجع المشتري- في ما اغترمه على المبيع فضولا- على البائع الغارّ.

و ضمان السبب في هذا القسم منوط بدليل تعبدي، و لذا تصدّى المصنف قدّس سرّه لإثباته بالتمسك بمثل ما ورد في ضمان شاهد الزور.

هذا بيان الفارق بين التسبيبين على ما أفاده شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه «1»، و إن شئت مزيد بيان له فراجع التعليقة [1].

______________________________

[1] و توضيحه على ما في تقرير بحثه الشريف: أنّ ما يطلق عليه السبب على أقسام، فتارة يكون الضمان على السبب ابتداء، و لا يضمن المباشر أصلا. و اخرى يضمن المباشر ابتداء، و لكن قرار الضمان على السبب، فيرجع المباشر إليه. و ثالثة يضمن المباشر دون السبب.

و القسم الأوّل هو قاعدة الضمان بالتسبيب على الفعل، بأن كان السبب مقدمة أخيرة من علّة وجود المسبب، بحيث لم يتخلّل بين السبب و المسبب فعل فاعل مختار أصلا، كما إذا حفر بئرا، فعثر العابر و وقع فيه فمات، حيث لم يتخلل بين التلف و الحفر فعل إرادي.

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 276

ص: 544

______________________________

و مرور العابر و إن كان فعله الاختياري، لكن عثرة و سقوطه في البئر غير اختياري. و نظيره ضمان فاتح قفص الطائر.

و كذا الحال لو تخلّلت إرادة المختار، و لكنها ضعيفة بحيث كان استناد الأثر إلى السبب أقوى منه إلى المباشر، كما إذا وقف الطفل أو المجنون على البئر، فسقط فيه.

و كذا لو كان الفعل صادرا بإرادة المباشر، لكنه غير مستقل في فعله، بل هو ملزم به، و مقهور لغيره عقلا أو شرعا كالمكره. و كالحاكم الذي شهد عنده شهود زور بمال في ذمة زيد لعمرو، فحكم بأخذ المال من المحكوم عليه، فإنّ قيام البيّنة عند الحاكم توجب لا بدّيّة الحكم على طبقها، فلا يضمن عند تبيّن فساد المستند، و إنّما يضمن شاهد الزور كما نطقت به الأخبار.

و المقام ليس من هذا القسم، ضرورة عدم كون البيع و لا تسليط البائع على المبيع سببا لتلف مال المشتري ممّا صرفه على المبيع، لعدم ترتب هذه الخسارة على البيع، و لا فيه إحداث الداعي على الإتلاف و التصرف. نعم لولا البيع لم يقع البائع في الغرامة، و لكنه ليس بمناط سببيته لها، بل البيع محقّق لموضوع لما اغترمه، كسائر موارد وجود الموضوع الذي هو أجنبي عن باب التسبيب، فإنّه لولا وجود المقتول لم يتحقق القتل، و هل يصح عدّه سببا للقتل؟

و القسم الثاني هو الضمان بالتسبيب على الضمان لا على الفعل المضمّن، بأن يتوسّط فعل اختياري بين المعدّ و بين المسبب، و أقدم الفاعل على الضمان لأجل ذلك المعدّ، بحيث يستند الضمان إلى السبب، فيتعلق الضمان بالمباشر أوّلا، ثم بالسبب برجوع المباشر إليه، و يتحقق في موردين:

أحدهما: أن يستدعي المديون من شخص أن يضمن عن دينه، فيضمنه و يرجع به إلى المستدعي بعد أداء الدين.

ثانيهما: أن يكون فعل السبب موجبا لضمان شخص آخر بإرادته، كمقدّم طعام الغير إلى ضيفه ليأكله مجّانا، فتبيّن عدم كون الطعام له. و على هذا القسم ينطبق قاعدة الغرور. فإنّ الآكل مغرور بفعل المقدّم، فيرجع عليه.

و ممّا ذكر يظهر أنّ مسألة الرجوع إلى شاهد الزور لا تناسب باب الغرور، إذ المفروض في قاعدة الغرور ضمان المغرور ثم رجوعه على الغارّ. و هذا مفقود في المثال،

ص: 545

و أمّا الأوّل (1) فقد عرفته، و أمّا الإجماع و الأخبار فهما و إن لم يردا في خصوص المسألة (2)، إلّا أنّ تحقّقهما (3) في نظائر المسألة (4) كاف، فإنّ (5) رجوع آكل

______________________________

(1) و هو قاعدة الضرر، فقد عرفته في (ص 534) بقوله: «و يؤيده قاعدة نفي الضرر، فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شي ء من دون عوض مغرورا من آخر .. إلخ».

(2) و هي رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك، في مقابل المنافع التي استوفاها المشتري من المبيع الفضولي.

(3) أي: تحقق الإجماع و الأخبار في نظائر المسألة كاف في الحكم برجوع المشتري.

(4) و هي رجوع المشتري على البائع الفضولي فيما اغترمه المشتري للمالك، في مقابل ما استوفاه من منافع المبيع فضولا.

(5) بيان لتحقق الإجماع و الأخبار في نظائر المسألة المبحوث عنها، و هي رجوع المشتري إلى البائع الفضول. و من تلك النظائر مثال زيد الآكل لطعام عمرو بتغرير بكر له، بدعوى أنّ الطعام له، ثم بان أنّ الطعام ملك عمرو، و ليس ملكا لبكر، فإنّه قام

______________________________

إذ لا يضمن الحاكم، لكونه مسلوب الاختيار بعد قيام البينة عنده، فيرجع المحكوم عليه إلى الشهود ابتداء.

و القسم الثالث ما إذا كان أثر السبب مجرّد إحداث الداعي للمباشر من دون أن يستند الفعل إلى السبب، فيضمن المباشر خاصة، و لا يرجع إلى ذلك الطرف أصلا، و ذلك كما إذا أمر شخص غيره بقتل آخر، أو علّمه طريقة سرقة الأموال، فجنى باختياره.

و كذا يخرج عن مورد قاعدة التسبيب- بكلا إطلاقيها المتقدمين- ما إذا وقف شخصان على شفير بئر، فدفع أحدهما الآخر، فسقط فيه، فليس الضمان على الحافر، لفرض توسط فعل فاعل مختار بين الحفر و الهلاك.

و بالجملة فإن كان الفعل مستندا إلى السبب كان هو الضامن دون المباشر. و إن كان الفعل مستندا إلى المباشر، و لم يقدم على ما يترتب عليه من الضمان كآكل طعام الغير بتغرير المقدّم له مجانا، أو أقدم على الضمان بإزاء عوض، كان المباشر هو الضامن، و يرجع إلى السبب بعد أداء الغرامة «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 294- 296، المكاسب و البيع، ج 2، ص 272- 276 و ص 289

ص: 546

طعام الغير إلى (1) من غرّه- بدعوى (2): تملّكه و إباحته له- مورد (3) الإجماع ظاهرا.

و رجوع (4) المحكوم عليه إلى شاهد الزور مورد الأخبار (5)،

______________________________

الإجماع ظاهرا على رجوع آكل الطعام إلى من غرّه- و هو بكر- بما اغترمه الآكل لمالك الطعام.

(1) متعلّق ب- «رجوع».

(2) متعلق ب- «غرّه» و ضميرا «تملكه، إباحته» راجعان إلى الطعام، و ضمير «له» إلى الآكل.

(3) خبر قوله: «فان رجوع» و تقدم في (ص 534) حكاية الإجماع عن غير واحد، فراجع.

(4) معطوف على «رجوع» في قوله: «فان رجوع» و هذا هو المورد الثاني من نظائر مسألتنا- و هي رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات التي اغترمها لمالك المبيع الفضولي، و محصّل هذا النظير هو رجوع المحكوم عليه بغرامات- باستناد الحاكم إلى شهادة شاهد الزور- إلى شاهد الزور، و أخذ ما اغترمه المحكوم عليه من شاهد الزور و هذا النظير مورد الأخبار.

(5) التي منها رواية جميل المتقدمة في (ص 520).

و منها: رواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شاهد الزور، قال: «إن كان الشي ء قائما بعينه ردّ على صاحبه. و إن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرّجل» «1».

و منها: معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجلين شهدا على رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها، فاعتدّت المرأة و تزوّجت. ثم إن الزوج الغائب قدم، فزعم أنّه لم يطلّقها، و أكذب نفسه أحد الشاهدين. فقال: لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق عن الذي شهد و رجع، فيردّ على الأخير، و يفرّق بينهما، و تعتدّ من الأخير، و لا يقربها الأوّل حتى تنقضي عدّتها» «2». و نحوهما أخبار أخر «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 239، الباب 11 من أبواب الشهادات، ح 3

(2) المصدر، ص 242، الباب 13، ح 3

(3) المصدر، الباب 14، الحديث 1 و 2 و 3

ص: 547

و لا يوجد (1) فرق بينهما (2) و بين ما نحن فيه (3) أصلا.

و قد ظهر ممّا ذكرنا (4) فساد منع الغرور فيما نحن فيه، كما في كلام بعض (5)،

______________________________

و دلالتها على المقام مبنية على كون الرجوع إلى الشاهد لمجرّد الغرور، لا لأجل ضمان السبب من جهة كونه سببا.

(1) بعد أن ذكر هذين النظيرين أراد أن يبيّن أنّ حكمهما جار في مسألتنا أيضا، لأنّ كلّا منها مصداق لكبرى الغرور، فلا يكون قيسا حتى لا يجري حكم الموردين المذكورين فيه.

(2) الضمير راجع إلى رجوع آكل الطعام و رجوع المحكوم عليه.

(3) و هو رجوع المشتري الجاهل على البائع الفضول بكل ما اغترمه المشتري للمالك.

(4) أي: ظهر من جريان قاعدتي الغرور و الضرر هنا و الأخبار- كخبري جميل و شاهد الزور- فساد منع صدق الغرور على ما نحن فيه، و هو رجوع المشتري على البائع الفضولي بما اغترمه للمالك كما عن بعض.

(5) و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، حيث إنه ناقش في ما ادعاه صاحب الرياض قدّس سرّه من عدم الدليل على كبرى قاعدة الغرور لو لم يلحق الضرر بالمغرور، فإنّ صاحب الجواهر أثبت هذه الكلية، لكنه منع صدق الغرور في الغرامات التي بذلها المشتري في مقابل النفع الواصل إليه، و قال: «لكن لعلّ خلافهم هنا يومي إلى عدم تحقق قاعدة الغرور في المقام .. إلى أن قال: نعم إنّما المتجه ما ذكرناه من منع تحقق الغرور، الذي يترتب عليه الضمان، إذ المسلّم منه ما يترتب فعل الغير على فعله من حيث المجانية ابتداء، كالإباحة و الهبة و العارية و نحوها. بخلاف ترتب فعل المشتري هنا على زعم كونه مالكا، الحاصل من وقوع عقد البيع مع البائع، خصوصا مع جهل البائع بالحال كالمشتري، فتأمّل» «1».

و محصّل إيراد المصنف عليه: ما مرّ آنفا من صدق قاعدتي الغرور و الضرر فيما

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 183

ص: 548

حيث عدل (1) في ردّ مستند المشهور عمّا في الرياض- من منع الكبرى (2)- إلى (3) منع الصغرى (4)، فإنّ (5) الإنصاف أنّ مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب

______________________________

نحن فيه.

و خلاصة الكلام: أنّ مستند المشهور في رجوع المشتري إلى البائع الفضول هو:

أنّ المشتري مغرور، و كل مغرور يرجع إلى من غرّه، فالنتيجة: أنّ المشتري يرجع إلى من غرّه، و هو البائع. فمستند المشهور هو قاعدة الغرور.

و صاحب الرياض قدّس سرّه يمنع الكبرى- و هي كل مغرور يرجع إلى من غرّه- و يقول: انّ الكبرى هي كلّ مغرور متضرّر يرجع إلى من غرّه، لا كلّ مغرور و إن لم يكن متضرّرا. و هذه الكبرى لا تنطبق على المشتري، لأنّه و إن كان مغرورا، لكنّه ليس بمتضرّر، فلا يرجع المشتري إلى البائع الفضول بقاعدة الغرور.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه عدل عما أفاده سيّد الرياض- من منع الكبرى- إلى منع الصغرى، و قال: إنّ المشتري فيما نحن فيه ليس مغرورا حتى يرجع إلى البائع، لعدم كون السبب هنا أقوى من المباشر، و بدون أقوائية السبب و هو البائع هنا من المباشر- و هو المشتري، لأنّه بالإرادة و الاختيار تصرّف في المبيع الفضولي- لا يعدّ المشتري مغرورا، فلا يرجع إلى البائع.

(1) أي: عدل صاحب الجواهر في ردّ مستند المشهور، و هو قاعدة الغرور.

(2) و هي: كل مغرور يرجع إلى من غرّه.

(3) هذا و قوله: «عمّا» متعلقان ب- «عدل».

(4) و هي: عدم أقوائية السبب- و هو البائع- من المباشر أعني به المشتري.

(5) تعليل لفساد منع الغرور من ناحية الصغرى، و حاصل وجه المنع هو: أنّ مفهوم الغرور و إن كان غير منقّح، لعدم وضوح دليله، إلّا أن المتيقن من مفهومه هو إتلاف المغرور لمال الغير لا بعنوان أنّه مال الغير، بل بعنوان مال نفسه، أو بعنوان من أباح له الإتلاف، فلا يكون قاصدا لإتلاف مال الغير. نظير المكره في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه.

فان قلت: إنّ عدم قصده إلى إتلاف مال الغير لا يجدي في نفي الضمان عن المغرور، و ذلك لأنّ سببيّة اليد و الإتلاف للضمان غير منوطة بقصد كون المال المستولي عليه أو

ص: 549

الإتلاف و إن (1) كان غير منقّح [1]، إلّا أنّ المتيقّن منه ما كان إتلاف المغرور لمال

______________________________

المتلف مالا للغير، بل وضع اليد كيفما اتفق مضمّن. و كذا الإتلاف. و على هذا ينبغي ضمان المغرور من جهة قاعدتي اليد و الإتلاف. هذا قلت: نعم لا دخل للقصد في التضمين باليد و الإتلاف، إلّا أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «بل قصده ..» بيان محقّق عنوان الغرور. يعني: أنّ المتلف لمال الغير إن كان قاصدا لإتلافه بما أنّه مال الغير لم يصدق عليه «المغرور». و إن كان غير قاصد لهذا العنوان- بأن قصد إتلاف مال نفسه، فتبيّن كونه للغير- صدق عنوان الغرور، فيرجع إلى من غرّه. و على هذا فعدم القصد إلى عنوان «إتلاف مال الغير» محقّق مفهوم الغرور.

(1) الجملة خبر قوله: «أن مفهوم»، و ضمير «منه» راجع إلى «مفهوم الغرور».

______________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ مفهوم «الغرور» المناسب لمعناه اللغوي- المذكور في المجمع بقوله: «و غرّه غرّا و غرورا و غرّة بالكسر فهو مغرور: خدعه، و أطمعه بالباطل، فاغترّ هو» «1»- هو الذي يكون داعيا إلى صدور الفعل من المغرور، و مؤكّدا له، كداعوية الإرادة التي هي الشوق المؤكّد لصدور الفعل من فاعله. و لا يوجب الغرور- كالشوق المؤكّد- خروج الفعل عن الفعل الإرادي حتى يكون كالآلة، مثل النار للإحراق و السّكّين للقطع، و السّمّ للقتل، فإنّ هذه آلات، و التعبير عنها بالآلات صحيح. و هذا بخلاف أكل المغرور لطعام الغير، فإنّه فعل اختياري له، و التعبير عن المغرور بالآلة غير صحيح، لأنّه ليس كالنار و السّمّ و السّكّين و نحوها ممّا ليس له إرادة و اختيار.

فالغرور- على هذا- من مبادئ صدور الفعل من الفاعل المختار، كما يظهر من أمثلتهم، كتشبيه البائع الفضول بشاهد الزور، و كمقدّم طعام الغير إلى شخص ليأكله، فإنّ الأكل فعل اختياري للآكل. و ليس كالإيجار في الحلق في عدم كون الفعل اختياريا.

و يظهر ممّا ذكرنا عدم إناطة قاعدة الغرور بقاعدة الضرر، و لا بقاعدة السبب و المباشر، فتجري قاعدة الغرور و لو لم يكن هناك ضرر و لا قوّة السبب على المباشر.

ثمّ إنّ الغرور هل هو من العناوين القصدية كالصوم و الصلاة و الغسل و الوضوء؟

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 422

ص: 550

الغير و إثبات يده (1) عليه لا بعنوان أنّه مال الغير، بل قصده إلى إتلافه [إتلاف] مال نفسه (2) أو مال من أباح له (3) الإتلاف، فيكون غير قاصد لإتلاف مال الغير، فيشبه المكره في عدم القصد (4) [1].

______________________________

(1) أي: يد المغرور، و ضميرا «عليه، و أنّه» راجعان إلى المال.

(2) كما في ما نحن فيه، فإنّ المشتري يستوفي منافع المبيع بعنوان كونه مال نفسه لأجل ابتياعه.

(3) هذا الضمير و المستتر في «فيكون» راجعان إلى المغرور، و الضمير المستتر في «أباح» راجع الى الموصول المراد به البائع الفضول.

(4) أي: في عدم القصد إلى الفعل المكره عليه. فإنّ المغرور أيضا لا يقصد إتلاف

______________________________

أمّ لا؟ بل الغرور بلا قصد يتحقق، و لا يتقوم بالقصد كالأكل و الشرب، فإنّهما يتصفان بهذين العنوانين حتى مع الغفلة عنهما، فإنّ عنوان الأكل و الشرب ذاتي لهما، و لذا لا يتوقف صدق هذين العنوانين عليهما على القصد و الالتفات.

فإذا قدّم زيد طعاما يعتقد أنّه ملكه- أو ملك من أباح له إتلافه- إلى عمرو فأكله، فتبيّن أنه لم يكن له و لا لمن أباح له، و لا يرضى بالأكل المزبور و يطالب بدله، فالظاهر أنّ الآكل مغرور، و مقدّم الطعام غارّ.

و إذا شكّ في اعتبار القصد و الالتفات في مفهوم الغرور فلا دليل و لا أصل على شي ء من الاعتبار و عدمه فيه، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل الحكمي، و هو أصالة عدم الضمان.

[1] هذا مناف لما تكرر منه في مسألتي اعتبار القصد و الاختيار في المتعاقدين من كون المكره قاصدا للمعاملة، و أنّ المفقود فيه هو طيب النفس، كقوله: «.. مما يوجب القطع بأنّ المراد بالقصد المفقود في المكره هو القصد إلى وقوع أثر العقد و مضمونه في الواقع، و عدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام» «1». و من المعلوم أنه لا فرق في حصول القصد بين الفعل الإنشائي و الخارجي. فالمكره على الفعل الخارجي كالأكل و الإتلاف كالمكره على الفعل الإنشائي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 185

ص: 551

هذا (1) كلّه مضافا (2)

______________________________

مال غيره، بل يقصد إتلاف مال نفسه، أو مال من أباح له إتلافه.

فإن قلت: لا وجه لتشبيه المغرور بالمكره، للفرق بينهما، فإنّ المكره لا يخاطب بالضمان، من جهة قوة السبب و ضعف المباشر كما صرّح به في (ص 540) بقوله:

«و المتجه في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في المكره» و هذا بخلاف المغرور، إذ لا كلام في جواز رجوع المالك عليه بالغرامة، و لكنّه لمكان الغرور يرجع إلى الغارّ. فالفرق بين المكره و المغرور ثابت.

قلت: ليس المقصود من التشبيه إثبات وحدة حكم المكره و المغرور حتى يقال بالفرق بينهما. بل المراد من التشبيه اشتراكهما في الجهة المحقّقة لموضوع الغرور و الإكراه مع الغضّ عن حكم رجوع المالك على المغرور دون المكره، و تلك الجهة الجامعة بينهما عدم استقلالهما في القصد إلى عنوان التصرّف في مال الغير أو إتلافه. إذ بملاحظة انتفاء هذا القصد صار المكره مكرها و المغرور مغرورا.

و بيانه: أنّ المكره يكون كالآلة للمكره من أجل اللّابدّية الناشئة من التحميل، فلا يستقل في قصد عنوان «التصرف أو إتلاف مال الغير». و كذلك المغرور، فإنّه و إن كان مختارا في فعله و مستقلّا في أصل القصد، و لكنه لجهله بالحال لا يقصد العنوان المزبور، و إنّما مقصوده التصرف في مال نفسه، و هو المبيع المنتقل إليه بالبيع.

و حيث تحققت الجهة المشتركة بين الإكراه و التغرير منعت من استقرار الضمان على المتلف لمال الغير.

هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في وجه الشباهة بتوضيح و تصرف «1».

(1) أي: ما ذكرناه- من أدلة ضمان البائع الفضولي من قاعدتي الضرر و الغرور و بعض الأخبار، كخبر شاهد الزور إذا رجع عن شهادته- ثابت.

(2) غرضه أنّ لنا دليلا آخر على الضمان مضافا إلى الأدلّة السابقة، و هو ما قيل من دلالة رواية جميل المتقدمة في (ص 520) على الضمان. لكن دلالتها على الضمان مبنيّة على كون حرّية الولد منفعة عرفا لوالده المشتري للجارية التي ولدته، حتى يندرج في القسم الثاني، و هو ما اغترمه المشتري للمالك في مقابل المنافع التي استوفاها من

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 192 و 193

ص: 552

إلى ما قد يقال (1): من دلالة رواية جميل المتقدّمة، بناء (2) على أنّ حرّيّة الولد منفعة راجعة إلى المشتري، و هو (3) الذي ذكره المحقّق احتمالا في الشرائع (4) في باب

______________________________

المبيع فضولا. و إن لم تكن حرّيّة الولد منفعة عرفا، لكونه حرّا، و الحرّ ليس مالا و لا ملكا لأحد. فيندرج في القسم الثالث من الغرامات التي لم يصل إلى المشتري نفع في مقابلها، و تكون رواية جميل أجنبية عن المقام حينئذ.

(1) القائل هو الفقيه الكبير الشيخ كاشف الغطاء قدّس سرّه و يستفاد من كلام جماعة من تلامذته كأصحاب مفتاح الكرامة «1» و كشف الظلام و الجواهر قدّس سرّهم «2». ففي الجواهر:

«أما فيه- أي في ما حصل للمشتري نفع في مقابل ما غرمه للمالك- فالمشهور أنه كذلك أيضا، للقاعدة المزبورة- و هي قاعدة الغرور .. و في شرح الأستاد: أنّ في خبر جميل دلالة عليه» و ظاهر سكوت صاحب الجواهر عن المناقشة فيه ارتضاؤه له.

و يستفاد استدلال السيد العاملي بهذه الموثقة من ضمّ كلاميه في البيع و الغصب، فاستدلّ في بيع الفضولي بها على ضمان المشتري لما انتفع به، و رجوعه على البائع بما غرمه للمالك، فقال: «و يدل على بعض هذه الأحكام خبر جميل» .. يريد منه- أي من قيمة الولد- القيمة التي أعطاها للمالك لفكّ ولده، لأنّه حرّ و قال في الغصب: «ان فحوى الرجوع بقيمة الولد مع حصول النفع العظيم له في مقابل القيمة تدلّ ..».

(2) قيد ل- «دلالة» يعني: أنّ دلالة رواية جميل على المقصود مبنيّة على كون حرّيّة الولد منفعة عائدة إلى المشتري.

(3) يعني: و كون حرّيّة الولد منفعة هو الذي ذكره المحقق قدّس سرّه احتمالا.

(4) قال المحقق قدّس سرّه- في ما لو اشترى جارية من الغاصب جاهلا بغصبيتها فأولدها- ما لفظه: «و لو أولدها المشتري كان حرّا، و غرم قيمة الولد، و يرجع بها على البائع. و قيل في هذه: له مطالبة أيّهما شاء. لكن لو طالب المشتري رجع على البائع.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 199 و ج 6، ص 301

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 301، و استدل صاحب الجواهر بهذه الموثقة على ضمان قيمة الولد في باب الغصب، لكنه غير مبني على كون الولد منفعة عائدة إلى المشتري فراجع. ج 37، ص 181 و 183، كشف الظلام (مخطوط)، بحث البيع الفضولي.

ص: 553

..........

______________________________

و لو طالب البائع لم يرجع على المشتري. و فيه احتمال آخر» «1».

و مورد كلام المحقق قدّس سرّه هو ما لم يحصل في مقابل غرامة المشتري نفع له، بقرينة قوله بعده: «أما ما حصل للمشتري في مقابلته نفع .. إلخ».

و اختلف نظر الشهيد الثاني و صاحب الجواهر قدّس سرّهما في ما أراده المحقق من قوله:

«و فيه احتمال آخر» فالشهيد الثاني جعل مراده كون قيمة الولد خارجة عن مورد كلامه من اغترام المشتري فيما لم ينتفع به، و أنّ هذه القيمة مندرجة في القسم الآخر، و هو ما حصل نفع للمشتري فيه. فقال في المسالك: «و يحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له في مقابلته نفع كالمهر، لأنّ نفع حريّة الولد يعود إليه. و هذا هو الاحتمال الذي أشار إليه، فيجري فيه الوجهان، إلّا أنّ الأشهر الأول» «2». أي: كون قيمة الولد مما لم ينتفع به المشتري.

و صاحب الجواهر قدّس سرّه جعل مراد المحقق من هذا الاحتمال أمرا آخر أقرب بحسب سياق الكلام، و هو: عدم تخيير المالك- في أخذ الغرامة- بين الرجوع إلى البائع أو المشتري، بل يتعيّن الرجوع على البائع، قال بعد بيان كلام المسالك: «و يمكن أن يريد به احتمال عدم التخيير، بل يتعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع بناء على كونه الغارّ ..» «3».

و بناء على هذا الاحتمال يتحصّل في رجوع المالك وجوه ثلاثة:

أوّلها: كون المشتري ضامنا ابتداء، فلو دفع الغرامة إلى المالك جاز له مطالبتها من البائع.

و ثانيها: تخيير المالك في الرجوع إلى أيّهما شاء بلا طوليّة بينهما.

و ثالثها: تعيّن رجوع المالك على البائع، و عدم جواز مطالبة الغرامة من المشتري.

و بناء على ما احتمله صاحب الجواهر تندرج غرامة قيمة الولد في القسم الثالث و هو ما لم يحصل فيه نفع للمشتري، و تكون أجنبيّة عن محلّ الكلام، و هو انتفاع المشتري به في قبال العوض.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 246

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 228

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 182

ص: 554

الغصب، بناء على تفسير المسالك (1). و فيه (2) تأمّل.

[3- حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين]

ثم إنّ ممّا ذكرنا في حكم هذا القسم (3) يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من

______________________________

(1) لا بناء على تفسير الجواهر، و قد تقدم وجه هذا البناء.

(2) يحتمل رجوع الضمير إلى ما احتمله الشهيد الثاني قدّس سرّه من كون حرّية الولد من المنافع الراجعة إلى المشتري، فيكون وجه التأمل فيه: أنّ المقصود بالنفع هي المنافع المعدودة أموالا عرفا كسكنى الدار و الكسب في الدّكان و ركوب الدابة و ثمرات الأشجار. و عليه تكون عبارة الشرائع أجنبية عمّا نحن فيه من ضمان بدل المنفعة المستوفاة.

و ربما يشهد له كلام المصنف في بحث المقبوض بالبيع الفاسد من «أنّ الولد و إن كان نماء للأمة، لكن المشتري لم يستوفه» و تقدّم بعض الكلام هناك، فراجع «1».

و عليه فضمان قيمة الولد تعبّد، و ليس لأجل ضمان منفعة المبيع فضولا.

و يحتمل رجوع ضمير «فيه» إلى ما احتمله صاحب الجواهر من «تعيّن رجوع المالك ابتداء على البائع الغارّ» و وجه التأمل حينئذ: أنّ مورد قاعدة الغرور ضمان المغرور للمالك، لاستناد التلف إليه، ثم رجوعه على الغارّ، و ليس هذا من التسبيب في الفعل حتى يكون الضمان على السبب دون المباشر.

(3) و هو القسم الثاني من الغرامات التي يصل في مقابلها نفع إلى المشتري، فإنّه يظهر من حكم هذا القسم الثاني- الذي مستنده قاعدة الغرور- حكم ما يغرمه المشتري من دون حصول نفع له في مقابل ما يغرمه، كزيادة قيمة عين المبيع على الثمن المعيّن حين عقد الفضول، كما إذا كان الثمن المسمّى عشرة دراهم، و كانت قيمة المبيع السوقية حال العقد عشرين درهما، و تلف المبيع، فأخذ المالك من المشتري عشرين درهما، فهل يرجع المشتري بتمام العشرين على البائع أم بخصوص العشرة التي سلّمها المشتري إليه؟

و الكلام في حكم زيادة القيمة على الثمن عند تلف المبيع يقع في مقامين: أحدهما:

تلف المبيع بتمامه، و ثانيهما: في تلف بعض أجزائه. و الكلام فعلا في المقام الأوّل، و إن لم يكن فرق في حكم التلف بين الكل و الجزء.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 50

ص: 555

زيادة القيمة على الثمن الحاصلة (1) وقت العقد (2)، كما لو باع ما يسوى عشرين بعشرة، فتلف (3)، فأخذ منه المالك عشرين، فإنّه (4) لا يرجع بعشرة الثمن، و إلّا (5) لزم تلفه من كيس البائع من دون أن يغرّه في ذلك (6)، لأنّه لو فرض صدق البائع في دعوى الملكيّة لم يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف. فهذه الغرامة

______________________________

3- حكم ما اغترمه المشتري في قبال العين

(1) صفة للقيمة، و قوله: «على الثمن» متعلق ب- «زيادة».

(2) هذا هو القسم الأوّل الذي ذكره المصنف قدّس سرّه في (ص 514) بقوله: «إنّ المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن، فإمّا أن يكون في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري ..».

(3) ضمير الفاعل راجع إلى الموصول في «ما يسوى» المراد به المبيع.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو باع» يعني: فإنّ المشتري لا يرجع إلى البائع بالثمن المسمى و هو العشرة من العشرين التي أخذها المالك من المشتري. وجه عدم الرجوع في عشرة الثمن هو: ضمان المشتري لها بإزاء المبيع، لأنّ هذا الضمان المعاوضي نشأ من إقدام المشتري من دون أن يكون مغرورا من ناحية البائع، بل الغرور إنّما يكون بالعشرة الزائدة على العشرة المسمّاة في العقد. و الحكم بضمان البائع تابع للغرور، فإنّ الضرورات تتقدر بقدرها.

و الشاهد على ضمان المشتري للثمن المسمّى- أعني به العشرة- هو: أنّه مع فرض صدق دعوى البائع للملكية يكون المشتري ضامنا لهذا الثمن المسمى دون غيره.

و الحاصل: أنّ الغرور حاصل بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن، فتؤخذ من البائع. و أمّا عشرة الثمن فهي داخلة في إقدام المشتري و خارجة عن دائرة الغرور.

(5) يعني: و إن رجع المشتري إلى البائع بالثمن- أعني به العشرة- يلزم أن يكون تلفها من كيس البائع من دون وجه، إذ المفروض أنّ البائع لم يغرّ المشتري بالنسبة إلى عشرة الثمن حتى يكون غارّا و ضامنا من حيث الغرور.

(6) أي: في عشرة الثمن، لأنّه على فرض صدق دعوى البائع ملكية المبيع كانت غرامة المشتري ثابتة قطعا، لأنّ هذه الغرامة مقتضى المعاوضة التي أقدم المشتري عليها.

ص: 556

للثمن لم تنشأ عن كذب البائع، و أمّا العشرة الزائدة (1) فإنّما جاءت غرامتها من كذب البائع في دعواه، فحصل الغرور (2)، فوجب الرجوع (3).

و ممّا ذكرنا (4) يظهر اندفاع ما ذكر في وجه

______________________________

فهذه الغرامة المعاوضيّة مستندة إلى إقدام المشتري، لا إلى تغرير البائع و كذبه، فلا وجه لتغريم البائع بالنسبة إلى الثمن المسمّى، بل تغريمه مختص بزائد الثمن المسمّى.

(1) أي: الزائدة على الثمن الذي هو عشرة أيضا في مثال المتن.

(2) يعني: فحصل الغرور من البائع، لكذبه بالنسبة إلى العشرة الزائدة على الثمن المسمّى، فالمشتري مغرور بالنسبة إليها فقط، دون نفس الثمن.

(3) يعني: فوجب رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى، لأنّها مورد الغرور.

و بالجملة: فضمان البائع تابع لصدق الغرور.

(4) أي: و من كون الغرور سببا لضمان البائع الفضول لما اغترمه المشتري للمالك- من العشرة الزائدة على الثمن المسمّى- يظهر اندفاع .. إلخ. و هذا إشارة إلى إيراد أورد على رجوع المشتري إلى البائع بالزائد على الثمن المسمّى.

و حاصل الإيراد: أنّ المشتري و إن أقدم على ضمان العين التالفة بالثمن المسمّى فقط، كما هو مقتضى المعاوضة البيعية، إلّا أنّه لمّا لم يسلم المبيع شرعا للمشتري بذلك الثمن المسمّى- لفرض بطلان البيع- انتقل الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي اليدي الموجب لانتقال ضمان الثمن المسمّى إلى القيمة السوقية، كما هو شأن كل بيع فاسد. و مع إقدام المشتري لا ضمان على البائع أصلا، إذ لا يكون حينئذ غرور، و إلّا كان على البائع ضمان الثمن المسمّى أيضا.

و الوجه في عدم الغرور مع إقدام المشتري على الضمان المعاملي هو تباين الغرور و الإقدام، و لذا لا يرجع على البائع بالمسمّى من جهة إقدامه عليه.

ثم إنّ هذا الاشكال نقله صاحب الجواهر عن المسالك لبيان وجه عدم الرجوع، و الأصل فيه كلام العلّامة في التذكرة، حيث ذكره وجها لعدم الرجوع بهذه الزيادة، ثم أجاب عنه، قال قدّس سرّه: «إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ضمن قيمتها أكثر ما كانت

ص: 557

عدم الرجوع (1) من (2): أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين، و كون (3) تلفها منه، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه، و مع الإقدام (4) لا غرور، و لذا (5) لم يقل به (6) في العشرة المقابلة للثمن.

توضيح (7) الاندفاع:

______________________________

من يوم القبض إلى يوم التلف. و لا تضمن الزيادة التي كانت في يده أكثر قيمة، و لا يرجع بما يضمنه عالما كان أو جاهلا، لأنّ الشراء عقد ضمان، و قد شرع فيه على أن يكون العين من ضمانه و إن كان الشراء صحيحا. و لقائل أن يقول .. إلخ» «1».

(1) أي: عدم رجوع المشتري على البائع.

(2) بيان ل- «ما» الموصول، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «و حاصل الإيراد».

(3) معطوف على «ضمان» يعني: أنّ المشتري إنّما أقدم على كون تلف العين منه، كما هو شأن فاسد كلّ عقد يضمن بصحيحه. و هذا إشارة إلى دليل القائل بعدم الرجوع.

(4) يعني: و مع إقدام المشتري على هذا الضمان المعاوضي- المنتقل إلى الضمان الواقعي بسبب فساد العقد- لا يصدق «الغارّ» على البائع حتى يضمن العشرة الزائدة على عشرة الثمن المسمى، بل لا يضمن البائع شيئا، لا الثمن و لا الزائد عليه، لعدم الغرور.

(5) أي: و لأجل إقدام المشتري على الضمان المعاوضي لا غرور من البائع بالنسبة إلى عشرة الثمن، و لذا لم يقل أحد بضمان البائع لها، و إنّما يضمن البائع العشرة الزائدة لأجل الغرور بالنسبة إليها.

(6) أي: بالضمان.

(7) يعني: توضيح ما أشار إليه بقوله: «و ممّا ذكرنا يظهر وجه اندفاع». و هذا توضيح ردّ الإيراد المذكور، و هو عدم ضمان البائع لما اغترمه المشتري من قيمة العين التالفة لمالكها. و قد ردّه بوجهين.

و محصّل ما أفاده في الوجه الأوّل: أنّ القبض في البيع الفاسد و إن كان مقتضيا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 398، السطر 8، مسالك الأفهام، ج 12، ص 225، جواهر الكلام، ج 37، ص 179

ص: 558

أنّ الإقدام (1) إنّما كان على ضمانه بالثمن، إلّا أنّ الشارع جعل القبض على هذا النحو من الإقدام- مع فساد العقد و عدم إمضاء الشارع له- سببا (2) لضمان المبيع بقيمته الواقعية (3)، فالمانع (4) من تحقّق الغرور و هو الإقدام لم يكن إلّا في مقابل الثمن.

و الضمان (5) المسبّب عن هذا الإقدام لمّا كان لأجل فساد العقد المسبّب (6) عن تغرير البائع، كان (7) المترتّب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرّا على الغارّ،

______________________________

لانتقال الضمان المعاوضي إلى الضمان الواقعي، لكنّه مشروط بأن لا يكون هناك مانع عن الضمان بالقيمة الواقعية. و المانع فيما نحن فيه- و هو إقدام البائع على الثمن المسمّى دون الزائد عليه- موجود، لأنّه مورد غرور البائع، فإنّ إقدام المشتري مختص بالثمن المسمّى فقط، فضمانه بالقيمة الواقعية يمنعه غرور البائع. و مقتضى قاعدة الغرور وقوع ضمان الزائد على الثمن المسمّى على البائع الفضول.

(1) أي: إقدام المشتري، فإنّه كان على ضمانه المعاوضي بالثمن المسمّى دون غيره.

(2) مفعول ثان ل- «جعل»، و قوله: «عدم إمضاء» عطف تفسير للفساد.

(3) التي هي من مقتضيات ضمان اليد.

(4) يعني: فالمانع من تحقق غرور البائع الفضول- الموجب لضمانه لما اغترمه المشتري للمالك- مختص بما يقابل الثمن المسمى، دون غيره كالقيمة السوقية.

(5) يعني: أنّ الضمان الواقعي المسبّب عن هذا الإقدام- أي إقدام المشتري على الضمان المعاملي- و إن كان فساد عقده مقتضيا لضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده، لكنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع، كان ضمان العشرة الزائدة على الثمن المسمى مستقرّا على البائع.

و بالجملة: فعدم ضمان المشتري لتمام قيمة العين التالفة عنده- مع كونه ممّا يقتضيه فساد عقد البيع كسائر موارد فساد عقده- إنّما هو لأجل كون فساده ناشئا من تغرير البائع.

(6) صفة ل- «فساد» يعني: أنّ فساد العقد ناش عن تغرير البائع و عدّ نفسه مالكا.

(7) جواب «لمّا» و المجموع خبر «و الضمان» و غرضه أنّه لمّا كان فساد العقد مسبّبا عن تغرير البائع الفضول، كان ضمان بعض قيمة العين التالفة و هو مقدار الغرور- أعني به

ص: 559

فغرامة (1) العشرة الزائدة و إن كانت مسبّبة عن الإقدام (2)، إلّا (3) أنّها ليست مقدما عليها.

هذا كلّه مع (4) أنّ التحقيق

______________________________

العشرة الزائدة في المثال على الثمن المسمى- ثابتا على البائع الفضول و مستقرّا عليه، لأنّه غارّ، فيضمن بمقدار ما يغرّ المشتري به.

(1) غرضه أنّه لا يتوهّم أنّ غرامة العشرة الزائدة على الثمن المسمّى مسبّبة عن إقدام المشتري على الضمان المعاوضي، فلا بدّ أن تكون تلك العشرة الزائدة أيضا على المشتري كعشرة الثمن.

(2) أي: إقدام المشتري على الضمان المعاوضي، و كان هذا التسبب مستلزما لضمان المشتري لجميع قيمة العين التالفة، لا خصوص الثمن المسمّى في العقد الفضولي، و هو العشرة في المثال.

(3) هذا دفع التوهم المزبور، و محصّله: أنّ المشتري الجاهل بالغصب لم يقدم في عقد البيع الفضولي على ضمان تمام القيمة و هي العشرون، بل أقدم على العشرة المسمّاة في العقد.

(4) هذا وجه آخر لاندفاع ما ذكر في وجه عدم رجوع المشتري على البائع بقوله:

«من أنّ المشتري إنّما أقدم على ضمان العين .. إلخ» فراجع (ص 558).

و محصّل هذا الوجه لدفع الإيراد المزبور هو: أنّ الموجب للضمان و المقتضي له في العقد الفاسد هو اليد التي لا استيمان فيها، لا مالكيّا و لا شرعيّا. و هذا يوجب ضمان المشتري للعين بتمام قيمتها السوقية، كما زعمه القائل بضمان المشتري، و عدم رجوعه إلى البائع. إلّا أنّه لمكان غروره بالنسبة إلى ما زاد على الثمن المسمى يرجع المشتري بما زاد عليه من العشرة في مثال المتن إلى البائع.

فالغرور مانع عن ضمان المشتري الزائد على الثمن المسمّى، فاليد المقتضية لضمان تمام القيمة على المشتري مقرونة بالمانع، و هو تغرير البائع بالنسبة إلى الزائد على الثمن المسمّى.

فلم يقدم المشتري على ضمان تمام قيمة المبيع الفضولي التالف، بل خصوص الثمن المسمّى.

ثم إنّ الفرق بين هذا الوجه و الوجه السابق هو: أنّ هذا الوجه ناظر إلى وجود المانع عن ضمان المشتري لتمام القيمة، مع ثبوت المقتضي له و هو اليد بلا ايتمان. و الوجه

ص: 560

- على ما تقدّم (1) سابقا- أنّ سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع لا على وجه الاستيمان، و أنّ (2) ليس الإقدام على الضمان علّة له مع عدم إمضاء الشارع لذلك الضمان، و إن استدل به (3) الشيخ و أكثر من تأخّر عنه. و قد ذكرنا في محلّه (4) توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد، فراجع (5).

و كيف كان (6) فجريان قاعدة الغرور

______________________________

السابق ناظر إلى وجود المقتضي لضمان البائع لتمام القيمة، لكن إقدام المشتري على ضمان الثمن المسمّى مانع عن ضمان البائع الغارّ لتمام القيمة.

(1) حيث قال: «و أما العقد الفاسد فلا يكون علّة تامّة أبدا، بل يفتقر في ثبوت الضمان إلى القبض، فقبله لا ضمان» «1».

(2) معطوف على «أنّ سبب».

(3) أيّ: استدلّ بالإقدام على الضمان الشيخ الطوسي قدّس سرّه و أكثر من تأخّر عنه كابن إدريس و العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين «2».

(4) أشار بهذا إلى ما أفاده في مسألة المقبوض بالبيع الفاسد من قوله: «ثم إنّه لا يبعد أن يكون مراد الشيخ قدّس سرّه و من تبعه من الاستدلال على الضمان بالاقدام و الدخول عليه بيان أنّ العين و المنفعة اللّذين تسلّمهما الشخص لم يتسلّمهما مجانا أو أمانة. فليس دليل الإقدام دليلا مستقلا، بل هو بيان لعدم المانع عن مقتضى اليد في الأموال و احترام الأعمال» «3».

(5) يعني: فراجع ما استدل به على قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من مباحث المقبوض بالبيع الفاسد «4».

(6) يعني: سواء كان التوجيه المزبور وجيها أم لا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 99 و 100

(2) تقدّمت الإشارة إلى مصادر الكلمات في ص 485

(3) هدى الطالب، ج 3، ص 130- 131

(4) هدى الطالب، ج 3، ص 114

ص: 561

فيما نحن فيه (1) أولى منه (2) فيما حصل في مقابلته نفع.

هذا (3) إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد. و لو تجدّدت (4) بعده فالحكم

______________________________

(1) و هي الغرامة التي اغترمها المشتري للمالك من دون حصول نفع له في مقابلها، كالمال المصروف في عمارة المبيع، أو نفقته كتعليف الدابة.

(2) يعني: أولى من جريانها في القسم الثاني من أقسام الغرامات، و هو ما حصل للمشتري بإزاء الغرامات نفع.

وجه الأولويّة هو: أن صدق الغرور فيما إذا وصل إلى المشتري نفع في مقابل ما اغترمه للمالك يقتضي- بالفحوى- صدق الغرور فيما لم يصل إليه نفع في مقابل الغرامات، إذ لو نوقش في صدق الغرور في صورة استيفاء المشتري للمنافع- كما عن صاحب الرياض- لم يكن مجال للمناقشة في صدقه على الغرامة التي لم يصل في مقابلها نفع إلى المشتري. فصدق الغرور هنا أولى من صدقه على ما إذا وصل إلى المشتري نفع.

(3) يعني: أنّ الحكم برجوع المشتري إلى البائع الفضول بالعشرة الزائدة على الثمن المسمّى في عقد الفضول إنّما هو فيما إذا كانت زيادة القيمة ثابتة في حال عقد الفضول.

و أمّا إذا كانت القيمة السوقية مساوية للثمن المسمى- و هو العشرة- و حصلت زيادة القيمة على الثمن المسمّى عند المشتري، فصارت قيمته السوقية عند المشتري عشرين بعد أن كانت عشرة، فالحكم بالرجوع في هذه الزيادة التي أخذها المالك من المشتري إلى البائع أولى، لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد.

إمّا لاحتمال عدم ارتفاع القيمة بعد العقد حتى يشمله إقدام المشتري على الضمان المانع عن رجوعه إلى البائع بالزيادة المتجددة.

و إمّا لاحتمال فساد العقد.

و بالجملة: صدق قاعدة الغرور على الزيادة المتجددة أولى من صدقها على الزيادة الموجودة حال العقد، لاحتمال إقدام المشتري في الزيادة الموجودة حال العقد دون المتجددة بعده.

(4) يعني: تجدّدت زيادة قيمة المبيع فضولا بعد العقد.

ص: 562

بالرجوع فيه أولى (1).

هذا كلّه فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة.

[4- ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف]

و أمّا ما يغرمه بإزاء أجزائه التالفة (2)، فالظاهر (3) أنّ حكمه حكم المجموع في أنّه (4) يرجع

______________________________

(1) قد مرّ آنفا توضيح الأولوية بقولنا: «لأنّ المشتري لم يقدم على ضمان تلك الزيادة الحاصلة بعد العقد .. إلخ».

هذا تمام الكلام في المقام الأول، و هو حكم تلف تمام المبيع. و سيأتي الكلام في حكم تلف بعض أجزائه، و يبحث فيه تارة عن انعدام نفس الجزء، و اخرى عن انعدام وصف قائم بالمبيع.

ما يغرمه المشتري بإزاء الجزء التالف

(2) كما إذا كان المبيع كتابين مثلا، و الثمن عشرين دينارا، و تلف أحد الكتابين، و أخذ المالك من المشتري الكتاب الموجود مع تمام العشرين.

(3) جواب «و أمّا» و هذا حكم تلف الجزء، و حاصله: أنّ حكمه حكم تلف المجموع في أنّ المشتري يرجع إلى البائع الفضول فيما زاد على الثمن. فإذا كانت قيمة المبيع التالف عشرين دينارا، و كان الثمن عشرة دنانير، و أخذ المالك من المشتري تمام العشرين، رجع المشتري إلى البائع بالعشرة الزائدة على الثمن الذي هو عشرة دنانير أيضا، إذ المفروض أنّ الزائد على الثمن عشرة دنانير. و أمّا نفس الثمن فليس للمشتري الرجوع به إلى البائع، لعدم تغريره بالنسبة إلى الثمن الذي أقدم المشتري على دفعه إلى المالك عوضا عن المبيع. و تغرير البائع مختص بما زاد على الثمن من قيمته الواقعية و هو العشرة. هذا حكم تلف مجموع الأجزاء.

و أمّا حكم تلف بعض أجزاء المبيع كالمثال المذكور- و هو بيع الكتابين- فهو عدم رجوع المشتري إلى البائع بما يقابل ثمن التالف و هو العشرة، لإقدام المشتري عليها، و رجوعه إلى البائع في الزائد على عشرة الثمن، و هو العشرة أيضا.

(4): أي: أنّ المشتري، و ضمير «حكمه» راجع إلى «ما» في قوله «و أمّا ما يغرمه».

و مراده أنّ المشتري يرجع في الزائد على ثمن الجزء التالف، و لا يرجع في مقدار ثمن التالف و هو العشرة، فإنّ ثمن الجزء التالف- كالجزء الموجود- عشرة دنانير، و المشتري

ص: 563

في الزائد (1) على ما يقابل ذلك الجزء، لا فيما (2) يقابله على ما اخترناه. و يجي ء على القول الآخر (3) عدم الرجوع في تمام ما يغرمه.

[5- ما يغرمه بإزاء أوصافه]

و أمّا ما يغرمه (4) بإزاء أوصافه، فإن كان [1] ممّا لا يقسط عليه الثمن

______________________________

يرجع بالعشرة الزائدة على عشرة الثمن، لا بمقدار الثمن.

(1) يعني: يرجع في الزائد على مقدار ثمن الجزء التالف، و المراد بهذا الثمن هو العشرة.

(2) معطوف على «في الرائد» يعني: يرجع المشتري على البائع في الزائد على ثمن التالف، و هو على الفرض عشرة دنانير. و لا يرجع إلى البائع فيما يقابله من الثمن و هي عشرة دنانير.

و الحاصل: أنّ المشتري يرجع إلى البائع في الزائد على الثمن، لا في مقدار الثمن، بناء على ما اختاره في (ص 556) من قوله: «فإنّه لا يرجع بعشرة الثمن، و إلّا لزم ..».

(3) الذي تعرّض له في (ص 557) بقوله: «ما ذكر في وجه عدم الرجوع من أنّ المشتري إنما ..».

ما يغرمه المالك بإزاء تلف الوصف

(4) معطوف على «و أمّا ما يغرمه» يعني: و أمّا ما يغترمه المشتري للمالك بإزاء أوصاف المبيع، فإن كان الوصف المفقود وصفا لا يقابل بالمال، و لا يقسّط عليه الثمن، و إن كان موجبا لزيادة المالية- كما عدا وصف الصحة من أوصاف المبيع، كوصف الكتابة

______________________________

[1] لم يذكر له عدل، مع وضوح اقتضاء السياق لأن يكون له عدل، و هو: أن يكون الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن.

و كيف كان، فإن كان الوصف ممّا يقسّط عليه الثمن- كوصف الصحة- جرى عليه حكم الجزء، فيتدارك الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

و إن كان الوصف ممّا لا يقسّط عليه الثمن رجع المشتري بغرامته إلى البائع، لعدم إقدامه على ضمان الأوصاف حتى لا يرجع إلى البائع، هذا.

ص: 564

كما عدا وصف الصحّة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري، فرجع المالك عليه (1) بالتفاوت- فالظاهر (2) رجوع المشتري على البائع، لأنّه (3) لم يقدم على ضمان ذلك (4).

ثمّ إنّ (5) ما ذكرنا كلّه من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنّما هو إذا كان

______________________________

و الخياطة و نحوهما، و انتفاء ذلك الوصف عند المشتري كنسيان العبد المبيع فضولا للكتابة أو الخياطة أو غيرهما عند المشتري- فالظاهر رجوع المشتري على البائع الفضول بما اغترمه للمالك من التفاوت بين واجد الوصف و فاقده. كما إذا كانت قيمة العبد الواجد للكتابة عشرة دنانير، و قيمة العبد الفاقد لها خمسة دنانير، فيرجع المشتري بخمسة التفاوت إلى البائع.

(1) أي: فرجع المالك على المشتري بالتفاوت بين واجد الوصف و فاقده.

(2) جواب الشرط في قوله: «فإن كان».

(3) تعليل لرجوع المشتري على البائع، و حاصله: أنّ المشتري لم يقدم على ضمان ما يغرمه بإزاء الأوصاف حتى لا يرجع على البائع، و إنّما أقدم على ضمان الثمن الذي هو بإزاء العين دون الأوصاف.

(4) أي: ما يغرمه بإزاء الأوصاف.

(5) الغرض من هذا الكلام تعيين مورد رجوع المشتري إلى البائع الفضول بالغرامات التي اغترمها للمالك، في تمام الأقسام، سواء أ كانت الغرامة في قبال الثمن، أو ما استوفاه من منفعة، أو ما لم ينتفع به، أو في قبال فوات الوصف.

و محصل ما أفاده في ذلك: أن مورد رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات هو البيع الذي يكون فساده من ناحية عدم مالكية البائع للمبيع، و عدم إذن المالك في البيع حتى

______________________________

لكن الحق عدم تقسيط الثمن على الأوصاف مطلقا حتى وصف الصحة، و لذا ذكروا أنّ الأرش في مورد خيار العيب ليس جزءا من الثمن، و إنّما هي غرامة على البائع.

و بالجملة: فالأوصاف مطلقا- و إن كانت دخيلة في الصحة- لا يقسّط عليها الثمن، و غراماتها تكون على البائع، لعدم إقدام المشتري عليها.

ص: 565

البيع المذكور (1) صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. أمّا لو كان فاسدا من جهة أخرى (2) فلا رجوع على البائع، لأنّ (3) الغرامة لم تجي ء من تغرير البائع في دعوى الملكيّة، و إنّما جاءت من جهة فساد البيع. فلو (4) فرضنا البائع صادقا في دعواه لم تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغروم له (5) هو البائع (6) على تقدير الصدق، و المالك على تقدير كذبه، فحكمه (7) حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على

______________________________

يتحقق غرور البائع الموجب لوقوع المشتري في الغرامات.

و أمّا إذا كان البيع في نفسه فاسدا- كمجهولية المبيع و عدم بلوغ أحد المتعاقدين و نحوهما- فلا يرجع المشتري في الغرامات إلى البائع، لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير البائع و كذب دعوى مالكيته للمبيع. فلو باع الفضولي متاعا مجهولا غير موصوف حين العقد- بوصف رافع للجهالة- و استولت عليه يد المشتري، و تلف عنده، و رجع المالك بقيمته السوقية عليه، لم يرجع المشتري بشي ء من الغرامات على البائع.

(1) و هو بيع الفضول صحيحا أي جامعا للشرائط عدا مالكية البائع.

(2) أي: غير مالكية البائع. و مثال هذا الغير فقد بعض شرائط العوضين.

(3) تعليل لعدم رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات، و حاصله: عدم تسبب الغرامات عن تغرير البائع، كما مر آنفا بقولنا: «لعدم تسبب تلك الغرامات عن تغرير ..».

(4) هذا متفرع على كون الغرامة ناشئة من فساد البيع، و حاصله: أنّ البائع لو كان صادقا في ادّعاء ملكية المبيع له، و كان فساد البيع لجهالة المبيع مثلا- كما إذا باع المالك متاعا مجهولا بعشرين، و كانت قيمته حال البيع ثلاثين، و تلف عند المشتري، ثم ظهر فساد البيع لجهالة المبيع- لم ترتفع الغرامة عن المشتري. بل عليه إمّا أن يدفع إلى البائع المالك الثلاثين، و يستردّ الثمن المسمّى، لأنّه مع فرض بطلان البيع لم يخرج الثمن عن ملك المشتري. و إمّا أن يدفع الثلاثين إلى مالك المتاع على تقدير كذب البائع.

(5) و هو الذي يدفع إليه الغرامة من البائع إن كان صادقا في دعوى ملكية المبيع له، أو المالك إن كان البائع كاذبا في دعوى الملكية.

(6) خبر «كون»، و قوله: «المالك» معطوف على «البائع».

(7) أي: حكم الغرامات التي يغترمها المشتري للمالك- و هو البائع على تقدير

ص: 566

تقديري صدق البائع و كذبه.

ثم إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا (1) أنّ كلّ ما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع عليه، فلا يرجع (2) البائع به (3) على المشتري إذا رجع عليه، لأنّ (4) المفروض قرار الضمان على البائع.

و أمّا (5) ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة،

______________________________

صدق دعوى الملكية له، أو غيره على تقدير كذبها في صورة كون فساد البيع لجهة أخرى غير الفضولية- حكم نفس الثمن الذي يلتزم المشتري بمقتضى الضمان المعاوضي بدفعه مطلقا، من غير فرق في ذلك بين صدق البائع في دعواه و كذبه فيها.

(1) أي: و قد ظهر ممّا ذكرنا- من أن كل ما يغترمه المشتري للمالك ممّا كان بإزاء العين، كزيادة قيمتها السوقية على الثمن المسمى في عقد الفضول، أو بإزاء المنافع المستوفاة، أو غير المستوفاة، أو بإزاء الأجزاء أو الأوصاف، و يرجع به إلى البائع لقاعدة الغرور- أنّ قرار الضمان على البائع، فإذا رجع المالك على المشتري بالغرامات رجع المشتري بها على البائع. و إذا رجع المالك على البائع لم يرجع البائع على المشتري.

(2) خبر «أنّ كلّ» و دخول الفاء عليه لتضمّنه معنى الشرط.

(3) هذا الضمير و ضمير «به» المتقدم راجعان إلى الموصول المراد به الغرامة.

(4) تعليل لعدم رجوع البائع على المشتري، و محصل التعليل هو: تغرير البائع، و قاعدة الغرور تقتضي قرار الضمان على الغارّ، و هو البائع.

(5) هذا في مقابل قوله: «انّ كل ما يرجع المشتري به على البائع» و حاصله: أنّ هنا موردا لا يرجع المشتري فيه على البائع، بل يرجع البائع فيه على المشتري، و هو ما إذا باع الفضولي مال غيره بعشرين دينارا مثلا، مع كون قيمته السوقية ثلاثين دينارا، و تلف ذلك المال عند المشتري، فرجع المالك إلى البائع، و أخذ منه ثلاثين دينارا بدلا عن المبيع التالف، فإنّ البائع يرجع حينئذ إلى المشتري، و يأخذ منه مقدار الثمن المسمّى، و هو العشرون من القيمة الواقعية للمبيع، و لا يأخذ العشرة الزائدة على الثمن المسمّى، لأنّ هذه الزيادة ناشئة عن تغرير البائع، فضمانها عليه لا على المشتري.

ص: 567

فيرجع (1) البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك (2). و الوجه في ذلك (3) حصول التلف في يده.

فإن قلت (4): إنّ كلّا من البائع و المشتري يتساويان في حصول العين في يدهما العادية التي هي سبب الضمان، و حصول (5) التلف في يد المشتري لا دليل

______________________________

(1) هذا جواب «و أمّا» و ضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول في قوله: و أمّا ما لا يرجع.

(2) بأن رجع إليه المالك، و أخذ منه القيمة الواقعية و هي الثلاثون.

________________________________________

(3) أي: في رجوع البائع على المشتري بمساوئ الثمن، و حاصل هذا الوجه: أنّ قرار الضمان على المشتري، لحصول التلف في يده، و عدم جريان قاعدة الغرور فيه.

(4) الغرض من هذا الإشكال إثبات الضمان على البائع، و عدم كون المشتري ملزما بدفع ما ساوى الثمن- من القيمة الواقعية للمبيع- إلى البائع. و محصله: أنّ علّة الضمان- و هي اليد العدوانية- مشتركة بين البائع و المشتري، و لذا يجوز الرجوع للمالك، إلى أيّهما شاء. و يبقى وجه رجوع البائع إلى المشتري في صورة رجوع المالك إلى البائع، حيث إنّه لا دليل على كون تلف المال بيد المشتري موجبا لرجوع البائع عليه.

و بعبارة أخرى: هذا الاشكال ناظر إلى استبعاد ضمان الأيدي المتعاقبة لمضمون واحد، مع أنّ العين الواحدة لو تلفت لها بدل واحد مثلا أو قيمة، فكيف تستقر في ذمم أشخاص وضعوا أيديهم عليها؟ و مع فرض تعدد الضامن ما الوجه في استقرار الضمان على من تلفت عنده العين؟ حتى يجوز لغير من تلفت عنده الرجوع عليه لو طالب المالك البدل ممّن لم تتلف عنده.

(5) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الجملة، ففي نسختنا المصححة «و حصول التلف في يد المشتري لا دليل ..» فبناء على هذا يكون «حصول التلف» مبتدء، و خبره «لا دليل». و قريب منها ما في بعض النسخ من قوله: «و حصول التلف في يد المشتري لا وجه له، و لا دليل ..» حيث يكون «و حصول» مبتدء، و خبره «لا وجه له» و جملة «لا دليل» إشارة إلى الدليل.

و لكن في بعض النسخ «و حصول .. و لا دليل» إذ يتعيّن قراءته بالجرّ معطوفا

ص: 568

على كونه سببا لرجوع البائع عليه (1).

نعم (2) لو أتلف بفعله رجع (3)، لكونه سببا لتنجّز الضمان على السابق (4).

[كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد]

قلت (5): توضيح ذلك (6) يحتاج إلى الكشف عن كيفيّة اشتغال ذمّة كلّ من

______________________________

على «حصول العين». و على كلّ لا يختلف مفاد العبارة باختلاف النسخ، فلاحظ.

(1) أي: على المشتري، و ضمير «كونه» راجع إلى حصول التلف بيد المشتري.

(2) استدراك على قوله: «و حصول التلف .. لا دليل» و حاصله: أنّه إذا أتلف المشتري المبيع بفعله، اتّجه رجوع البائع عليه فيما إذا دفع بدل المبيع التالف إلى المالك، و ذلك لأنّ إتلاف المشتري للمبيع كما أنّه إتلاف العين على المالك، كذلك إتلاف للغرامة الثابتة على البائع بسبب يده العادية.

ففرق بين التلف و الإتلاف، حيث إنّ الأوّل لا يوجب رجوع البائع على المشتري، بخلاف الإتلاف، فإنّه يوجب رجوع البائع عليه في مساوي الثمن، لأنّه إتلاف للغرامة و سبب لتنجز الضمان على البائع، إذ لو لم يتلفها المشتري لم يتنجّز ضمان على البائع، لإمكان ردّ العين حينئذ إلى المالك. فإتلافها سبب فعلية ضمان السابق، فجاز له الرجوع على المشتري من جهة هذا التسبيب.

و عليه فالضمان اليدي و إن كان متحققا فيهما، إلّا أنّ على المشتري ضمانا بسبب الإتلاف أيضا، فيستقر الضمان عليه.

(3) أي: رجع البائع على المشتري، و ضمير «لكونه» راجع إلى إتلاف المشتري.

(4) و هو البائع.

كيفية ضمان ذمم متعددة لمال واحد

(5) هذا دفع الاشكال المذكور بقوله: «فان قلت» و الغرض من هذا الدفع إثبات رجوع البائع إلى المشتري، و بيان وجه رجوعه إليه.

(6) أي: وجه رجوع البائع إلى المشتري، و توضيح وجهه يحتاج إلى بيان كيفية اشتغال ذمّة كل من البائع و المشتري ببدل التالف، فينبغي التكلم في جهات:

ص: 569

اليدين ببدل التالف، و صيرورته في عهدة كلّ منهما، مع أنّ الشي ء الواحد لا يقبل (1) [لا يعقل] الاستقرار إلّا في ذمّة واحدة، و أنّ (2) الموصول في قوله عليه السّلام:

«على اليد ما أخذت» شي ء واحد كيف يكون على كلّ واحدة من الأيادي المتعدّدة؟

______________________________

الاولى: أنّه هل يعقل ضمان شخصين أو أكثر في آن واحد لمال واحد بالاستقلال، بحيث تكون عهدة كلّ منهما أو منها ظرفا للمال مع الغضّ عن الأخرى، كالتكاليف الاستقلالية في العامّ الاستغراقي، أم لا؟

لا ينبغي الإشكال في امتناع ذلك و عدم معقوليته، لأنّ الذمة في وعاء الاعتبار كالأين الخارجي، فكما لا يعقل استقرار شي ء خارجي- ككتاب و نحوه- في زمان واحد في مكانين، فكذلك لا يعقل استقرار مال في ذمة شخص و استقراره في ذمة شخص آخر في آن واحد. و هذا هو الضمان العرضي الذي يقول به أكثر علماء العامة في ضمان الدين عن المديون، لبنائهم على أن الضمان ضمّ ذمة إلى ذمّة أخرى، لا نقل الدّين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن كما يقول به الخاصة و بعض العامة.

و بالجملة: فالضمان العرضي غير معقول.

الجهة الثانية: أنّه بناء على عدم معقولية الضمان العرضي ثبوتا لا محيص عن التصرف في الأدلة إذا كانت ظاهرة في إمكان الضمان العرضي في مرحلة الإثبات، بحملها على الضمان الطولي.

(1) أشار بهذا إلى الجهة الاولى، و هي مقام الثبوت، الذي هو عدم معقولية الضمان العرضي.

(2) بيان لوجه امتناع اشتغال ذمم متعددة بإبدال لمبدل واحد، و محصله: أنّ دليل الضمان في المقام وضع اليد على مال الغير بدون رضاه، و من المعلوم أنّ المراد بالموصول في «ما أخذت» هو المبيع الشخصي الواحد التالف بيد المشتري مثلا. و لا ريب في اقتضاء وحدة المبدل التالف وحدة البدل، إذ ليس للواحد إلّا بدل واحد، فكيف يتعدد هذا الواحد باستقراره في ذمم متعددة؟

و قد أفادوا لحلّ هذا الاشكال وجوها، و المذكور منها في المتن اثنان، أحدهما ما اختاره المصنف قدّس سرّه، و الآخر ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه، و سيأتي توضيح كل منهما.

ص: 570

فنقول (1): معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه (2)، فإذا فرضت أيد متعدّدة تكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي، لكن ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعدّدة معناه (3) لزوم خروج كلّ منها عن العهدة عند تلفه. و حيث (4) إنّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج (5) [الخروج] عن العهدة عند تلفه، فهو (6) يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل، بمعنى أنّه إذا استوفى أحدها سقط الباقي [إذا استوفى من أحدهم سقط من الباقي] لخروج الباقي (7) عن كونه [كونها] تداركا، لأنّ المتدارك لا يتدارك.

______________________________

(1) هذا تقريب ضمان الأيدي المتعاقبة للمبيع التالف عند بعض الأيدي، و حاصله:

تعهّد كل واحد منهم بتدارك التالف ببدله بمجرّد وضع اليد عليه. لكن لا بدّ من الجمع بين هذا و بين ما يدلّ عليه «على اليد» من اقتضاء وحدة المبدل وحدة بدله.

(2) أي: على ذي اليد، و إلّا كان المناسب تأنيث الضمير، لرجوعه إلى اليد.

(3) أي: معنى ثبوت الشي ء الواحد في العهدات المتعددة هو لزوم .. إلخ.

(4) هذا شروع في الجهة الثالثة، و هي حكم المالك مع الضامنين، أعني به جواز مطالبة المالك كلّ واحد من الضامنين.

(5) متعلق ب- «مطالبة» و بناء على ما في بعض النسخ من قوله: «الخروج» فهو مفعول ثان للمطالبة.

(6) أي: المالك، و قوله: «فهو» نتيجة قوله: «و حيث إنّ الواجب» و حاصله: أنّه- بناء على كون الواجب تدارك الفائت ببدل واحد- يكون لازمه مالكية المالك لما في ذمة كلّ واحد من الضامنين على البدل لا على الاستقلال، و إلّا يلزم أن يكون لشي ء واحد أبدال متعددة، مع كون المبدل المتدارك واحدا.

(7) أي: باقي الأبدال، فإنّ حصول تدارك الفائت ببدل واحد يقتضي سقوط وجوب التدارك عن باقي الضامنين، لحصول التدارك بواحد من الأبدال، و لا يتدارك المبدل المتدارك ثانيا. و لا يتصف ما عدا البدل- الذي حصل به التدارك- بكونه تداركا للفائت.

ص: 571

و الوجه (1) في سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقي أنّ مطالبته (2) ما دام لم يصل إليه المبدل و لا بدله، فأيّهما (3) [فأيّها] حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شي ء له (4) في ذمّة واحد [واحدة] لم يكن بعنوان البدليّة، و المفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

و يتحقّق ممّا ذكرنا (5) أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدليّة، و يستحيل اتّصاف شي ء منها (6) بالبدليّة بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف واصلا إلى المالك.

و يمكن أن يكون نظير ذلك (7) ضمان المال على طريقة الجمهور، حيث إنّه ضمّ

______________________________

(1) محصّل هذا الوجه: انتفاء موضوع المطالبة، و هو عدم وصول ماله من المبدل و البدل إليه، فللمالك استحقاق المطالبة ما لم يصل إليه شي ء من المبدل و بدله. فإذا وصل إليه أحدهما فلا يبقى موضوع لاستحقاق المطالبة. فلو بقي شي ء له في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدلية، و المفروض أنّه لم يثبت شي ء للمالك في الذمم إلّا بعنوان البدلية.

(2) أي: مطالبة المالك منوطة بعدم وصول المبدل و بدله إليه، فقوله: «ما دام ..»

خبر «أن مطالبته» و هي خبر «و الوجه».

(3) الضمير راجع إلى المبدل و البدل. و بناء على نسخة «فأيّها» فالضمير راجع إلى الأبدال المستفاد من العبارة.

(4) أي: للمالك، و حاصله: أنّه لو بقي شي ء للمالك في ذمة شخص لم يكن ذلك بعنوان البدليّة.

(5) أي: يظهر- من كون المالك مالكا لما في ذمّة كلّ منهم على البدل- أنّ المالك إنّما يملك البدل على سبيل البدلية، و من المعلوم استحالة اتّصاف شي ء بالبدلية بعد صيرورة أحد الأبدال بدلا عن التالف واصلا إلى المالك، فلا يبقى حينئذ مجال لاتّصاف غيره بالبدلية بعد فرض أنّه ليس لمبدل واحد إلّا بدل واحد.

(6) أي: من الأبدال.

(7) أي: ثبوت شي ء واحد في ذمم و عهدات متعددة. و قوله: «و يمكن» إشارة إلى إشكال و دفعه.

أمّا الإشكال فهو: أنّه لا دليل على شغل ذمم عديدة بمال واحد حتى في تعاقب

ص: 572

ذمّة إلى ذمّة أخرى. و ضمان (1) عهدة العوضين لكلّ من البائع و المشتري

______________________________

الأيدي الغاصبة، حيث إنّ الذمة المشغولة بالمغصوب واحدة، و هي ذمّة من تلف المال بيده، و إن جاز للمالك الرّجوع إلى كلّ واحد من الغاصبين.

و هذا الإشكال من صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث إنّه ذهب تارة إلى امتناع ضمان ذمّتين لمال واحد ثبوتا كما في كتاب الضمان في الإيراد على كلام الجمهور من كون الضمان ضمّ ذمة إلى ذمة أخرى «1». و اخرى إلى امتناعه إثباتا بمعنى عدم الدليل على ذلك «2».

و المقصود فعلا ما أفاده في منع تصور ضمان شخصين لمال واحد. و سيأتي في (ص 591) نقل كلامه في جواز مطالبة البدل من كلّ واحد من الضمناء.

و أمّا دفع الاشكال فهو ما أفاده المصنف بقوله: «و يمكن» و غرضه الاستشهاد بموارد أربعة على إمكان شغل ذمم متعدّدة بشي ء واحد، و عدم استحالته.

فالمورد الأوّل: ضمان الدين، على مذهب العامة القائلين بأنّ الضمان ضمّ ذمة الضامن إلى ذمة المديون- لا نقل ما في ذمة إلى ذمة أخرى- فيكون الدين في ذمّتي المديون و الضامن. بخلاف الضمان عند الخاصة، فإنّه عندهم نقل الدين عن ذمة المديون إلى ذمة الضامن.

(1) معطوف على «ضمان المال» و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو ضمان عهدة العوضين لكلّ من البائع و المشتري. كما إذا ضمن شخص للبائع عهدة الثمن عند ظهور كون الثمن لغير المشتري، أو انكشاف بطلان البيع، و ضمن للمشتري عن البائع عهدة المبيع إن ظهر كونه للغير، أو انكشف بطلان البيع، فحينئذ تجتمع ذمّتان: إحداهما ذمّة الضامن، و الأخرى ذمّة البائع، أو ذمّة المشتري، مع وحدة المال المضمون به، فيجوز للبائع الرجوع إلى الضامن و إلى المشتري. و كذا يجوز للمشتري الرجوع إلى الضامن و إلى البائع.

و بالجملة: تشتغل ذمّتان لمال واحد.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 113

(2) جواهر الكلام، ج 37، ص 34

ص: 573

«عندنا» (1) كما في الإيضاح.

و ضمان (2) الأعيان المضمونة على ما استقربه في التذكرة،

______________________________

(1) هذه الكلمة ظاهرة في إجماع الإمامية على صحّة ضمان العهدة لكلّ من البائع و المشتري. و لكن لم أظفر بكلمة «عندنا» في ضمان الإيضاح، و لم ينقله عنه في مفتاح الكرامة و الجواهر «1»، و إنّما هو موجود في التذكرة في مسألة ما لو باع شيئا، فخرج المبيع مستحقا لغير البائع، حيث يجب على البائع ردّ الثمن، فقال: «و إن ضمن عنه ضامن ليرجع المشتري عليه بالثمن لو خرج مستحقا فهو ضمان العهدة، و يسمّى أيضا ضمان الدرك .. و هذا الضمان عندنا صحيح إن كان البائع قد قبض الثمن ..» «2».

و لعلّ المصنف أتّكل في نسبة الإجماع إلى فخر الدين على كلام شيخه في المناهل، حيث قال في الأمور التي نبّه عليها في ضمان العهدة: «هل هذا القسم ناقل أيضا، أو لا، بل هو ضمّ ذمّة، إلى ذمّة صرّح بالأوّل في التحرير .. و صرّح بالثاني في الإيضاح و التنقيح، و هو ظاهر مجمع الفائدة، بل نبّه الأوّل على دعوى الاتفاق عليه، قائلا: ضمان العهدة ضمّ عندهم» «3».

(2) معطوف على «ضمان» و هذا ثالث الموارد المشار إليها، و هو ضمان الأعيان المضمونة، كما إذا ضمن شخص لمستعير الذهب و الفضة، فإنّه يجتمع هنا ذمّتان مشغولتان بمال واحد، فيجوز للمالك المعير الرجوع إلى كلّ من المستعير و الضامن.

و تقييد الأعيان ب- «المضمونة» لإخراج غير المضمونة، كالأمانات من الوديعة و عارية غير الذهب و الفضة، و مال المضاربة و الشركة، و المال في يد الوكيل، و نحوها، لدعوى الاتفاق على عدم جواز ضمانها، لكونه من ضمان ما لم يجب.

و لضمان الأعيان المضمونة- كما أفاده العلّامة قدّس سرّه في التذكرة- صورتان:

الاولى: أن يضمن وجوب ردّها إلى المالك إن كانت باقية.

______________________________

(1) لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 5، ص 373، جواهر الكلام، ج 26، ص 135

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 91، السطر 34

(3) المناهل، ص 139، السطر 2- 5

ص: 574

و قوّاه (1) في الإيضاح و ضمان (2) [1] الاثنين لواحد، كما اختاره ابن حمزة.

______________________________

الثانية: أن يضمن ردّ قيمتها إليه لو تلفت بيد المضمون عنه. و قال بصحة كلتا الصورتين، فراجع «1».

(1) هذه النسبة كسابقتها مما لم أظفر بها في الإيضاح، بل كلامه في هذه المسألة ظاهر في خلاف النسبة، حيث إنّه- بعد بيان وجهي الإشكال المذكور في القواعد- قال:

«و الأصح أنّه لا يصحّ» «2». و كذا نقله السيد العاملي عنه، فراجع.

نعم استقرب العلّامة جواز هذا الضمان بقوله: «و في ضمان الأعيان المضمونة و العهدة إشكال، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن و المضمون عنه بالعين المغصوبة .. إلخ» «3».

(2) معطوف على «ضمان» و هذا رابع الموارد، و هو ضمان شخصين لواحد، كما إذا ضمن شخصان دين مديون، فإنّ ذمّتها تشتغل بدينه، فيجوز للدائن الرجوع إلى أيّ منهما شاء.

______________________________

[1] إن أريد ضمانهما دفعة و في زمان واحد- بأن يكون كلّ منهما ضامنا بالاستقلال- فهو ممتنع، و لا يشمله دليل مشروعية الضمان. و إن أريد ضمانهما على التعاقب كان الضمان الثاني باطلا، لأنّه بالضمان الأوّل لا يبقى شي ء في ذمة المديون حتى يضمنه الضامن الثاني.

و على هذا لا يتحقق ضمان الاثنين لواحد مطلقا، من غير فرق في ذلك بين الدفعي و التعاقبي. فما عن العلامة قدّس سرّه في درسه من نفي المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال لا يخلو من غموض.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 90، السطر 29 و 35

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 85، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 372

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 92، السطر 24

ص: 575

و قد حكى فخر الدين و الشهيد عن العلّامة في درسه: أنّه نفى المنع عن ضمان الاثنين على وجه الاستقلال (1).

______________________________

(1) بأن يضمن كلّ من الشخصين للدائن ماله الذي في ذمة المديون في عرض الآخر، لا في طوله بأن يكون أحدهما ضامنا للمالك، و الآخر ضامنا للضامن.

و الأقوال في هذه المسألة ثلاثة، و استشهاد المصنف قدّس سرّه مبني على قول ابن حمزة الذي نفى العلّامة قدّس سرّه بعده. و لا بأس بتوضيح أصل المسألة- على ما ذكره السيد العاملي قدّس سرّه- ثم الإشارة إلى الأقوال، فنقول و به نستعين:

إنّ ضمان الاثنين لما في ذمة شخص- كالدّين المستقر في عهدة زيد لعمرو- إمّا أن يكون على التعاقب، بأن يضمنه بكر في الساعة الاولى، و بشر في الساعة الثانية. و إمّا أن يكون دفعة.

فعلى الأوّل ينفرد أحدهما بكونه ضامنا، و هو من رضي المضمون له بضمانه، سواء أ كان هو السابق أو اللاحق، و يبطل ضمان الآخر. كأن يقول: «رضيت بضمان بشر مثلا» و لو قال: «رضيت بضمان كلّ واحد منكما» كان الضامن هو الأوّل، لأنّ رضاه بضمان كل واحد يوجب انتقال المال إلى من تعهّد أوّلا، فلا يبقى موضوع لضمان الثاني.

و على الثاني- و هو كون الضمانين دفعيّا- فإن قال المضمون له: «رضيت بضمان بكر مثلا» انتقل كل المال إلى ذمّته، و بطل ضمان الآخر. و إن قال: «رضيت بضمانكما» كان هو مورد البحث، و فيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: قول أبي علي ابن الجنيد، و هو تقسيط المال على الضامنين، فيضمن- في المثال- كل واحد منهما نصف المال.

الثاني: التخيير في مطالبة من شاء منهما، و مطالبتهما معا، و يسمّى ضمان الاشتراك و الانفراد معا، و قد جزموا به في باب الديات في ما إذا قال: «ألق متاعك، و على كلّ واحد منّا ضمانه»، و هو قول ابن حمزة في المقام. و يكون المضمون له بالخيار في مطالبة المال من أيّهما شاء على الانفراد، و على الاجتماع «1».

______________________________

(1) الوسيلة، ص 281

ص: 576

قال (1): «و نظيره في العبادات: الواجب الكفائي [1]، و في الأموال (2): الغاصب من الغاصب».

هذا (3) حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي [2].

______________________________

و هذا القول مورد استشهاد المصنف على اشتغال ذمم متعددة بمال واحد. و انتصر العلّامة قدّس سرّه له بنظيرين:

أحدهما: الحكم التكليفي، و هو الواجب الكفائي، حيث إنّ المخاطب بالتكليف عامّة المكلفين، و يسقط بامتثال أحدهم.

و ثانيهما: الحكم الوضعي، و هو ضمان الغاصب من الغاصب.

القول الثالث: البطلان، و هو قول معظم الأصحاب كما في الإيضاح «1».

(1) يعني: قال العلامة قدّس سرّه: و نظيره- أي: و نظير ضمان الاثنين بنحو الاستقلال- الواجب الكفائي في العبادات كغسل الميت و صلاته، فإنّه يجب على كل واحد من المكلّفين القيام بأمور الميّت، و لكن يسقط الوجوب بقيام بعض عن الآخرين.

(2) يعني: و نظير ضمان الاثنين عن واحد على وجه الاستقلال- في الأموال- ضمان الغاصب من الغاصب، كما إذا غصب زيد مالا من عمرو، ثم غصب بكر ذلك المال من زيد، فحينئذ تشتغل كلتا ذمتي الغاصبين لشخص واحد- و هو عمرو- بمال واحد.

(3) أي: ما ذكرناه من قولنا: «قلت: توضيح ذلك» هو حال المالك بالنسبة إلى البائع الفضول و المشتري من الأيدي المستولية على مال المالك الذي بيع فضولا.

______________________________

[1] يشكل هذا النظير بأنّ لازمه استحقاق المالك لجميع الأبدال إذا دفعت إليه في آن واحد، كامتثال الجميع في صورة إتيانهم بالواجب الكفائي دفعة واحدة، مع القطع بعدم استحقاق المالك إلّا لبدل واحد من تلك الأبدال، و تعيينه بالقرعة.

[2] ينبغي لتحقيق حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي التعرض لمقامين:

الأوّل الثبوت، و الثاني الإثبات.

______________________________

(1) الحاكي لكلامي الفخر و الشهيد من النسبة إلى مجلس درس العلامة هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 393، و لاحظ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 89، جامع المقاصد، ج 5، ص 341

ص: 577

______________________________

أمّا المقام الأوّل ففي بيان محتملات دليل الضمان، و هو «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي».

أوّلها: أن يراد به خصوص الغاصب الذي أخذ المال بلا واسطة من الغاصبين، فللمالك أن يرجع إلى مبدء سلسلة الغاصبين، دون غيره منهم.

و يمكن استظهار ذلك من كلمة «حتى تؤدي» لرجوع الضمير المستتر في «تؤدّي» إلى اليد، فمعناه حينئذ: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي تلك اليد المستولية ما أخذته. و ظاهر الإسناد إلى اليد هو خصوص اليد المستولية مباشرة على المال.

ثانيها: ضمان جميع الأيدي المستولية على المال لشخص المالك فقط، فله الرجوع إلى كلّ منهم، و ليس لأحد منهم الرجوع إلى بعضهم، لعدم ضمانهم بالنسبة إلى أنفسهم، و إنّما ضمانهم بالنسبة إلى شخص المالك دون غيره.

و يمكن استظهار هذا الوجه من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «حتى تؤدّيه» لأنّ التأدية لا بدّ أن تكون إلى من أخذ منه المال حقيقة أو حكما، لأنّ الكلام في أخذ مال الغير لا في المباحات الأصلية، فلا بدّ أن يكون التأدية إلى من أخذ منه المال، أو من هو بمنزلته. فإذا ردّ المال إلى غير المأخوذ منه لم تصدق التأدية.

ثالثها: أن يراد به ضمان كلّ آخذ لمن أخذ المال منه، فالمالك يرجع الى مبدء السلسلة فقط، و هو يرجع إلى الآخذ الثاني، و هو إلى الثالث، و هو إلى الرابع، و هكذا.

و هنا احتمالات اخرى، و لكن المهمّ الاستظهار من الدليل كما سيأتي.

و أمّا المقام الثاني- و هو مقام الإثبات بحسب فهم العرف- فنقول: إنّ النبوي المذكور في مقام بيان حكم اليد الآخذة، و الظاهر أنّ للنبوي إطلاقا بالنسبة إلى كلّ آخذ بأيّ نحو حصل، سواء أ كان الأخذ من المالك بلا واسطة أم معها، و سواء أ كان الآخذ بائعا صورة أم مشتريا، فالآخذ مطلقا يكون ضامنا للمالك.

و بالجملة: فضمان كل آخذ للمالك- بمعنى جواز رجوع المالك إلى كل من استولى على ماله- ممّا لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنّما الكلام في تضمين بعض الضمناء لبعضهم، كأن يكون الضامن الثاني ضامنا

ص: 578

______________________________

لما ضمنه الضامن الأوّل، و الضامن الثالث ضامنا لما ضمنه الغاصب الثاني، و هكذا، كما هو المشهور في الأيدي المتعاقبة، بأن يقال: إنّ الضامن الأوّل ضامن للمالك قيمة ماله، و الضامن الثاني ضامن للضامن الأوّل ما ضمنه للمالك، فعليه تدارك ضمان الضامن على تقدير وقوع الخسارة عليه. و الضامن الثالث ضامن للثاني ما ضمنه للأوّل الذي هو ضامن للمالك.

و الحاصل: أنّ المشهور- على ما قيل- جواز رجوع المالك على كلّ واحد من الضمناء، و رجوع كلّ سابق منهم إلى لاحقه لو لم يكن مغرورا من سابقه. و دليل كل ذلك هو النبوي المشهور «على اليد ما أخذت حتى تؤدي».

أمّا رجوع المالك إلى كلّ واحد من الضمناء، فلأنّ يد كلّ منهم على مال المالك عادية، و ذلك بمقتضى عموم أو إطلاق «على اليد» سبب للضمان.

و أمّا ضمان بعضهم بالنسبة إلى بعضهم الآخر فلأنّ الضامن الثاني أخذ المال من الضامن الأول بما كان له من الخصوصية، و هي كونه مضمونا على الضامن الأوّل. و كذا من بعده من الضامن الثالث و الرابع، فإنّ كلّا منهم استولى على مال المالك بوصف كونه مضمونا على سابقه، و لذا يرجع السابق على اللاحق إذا رجع المالك على السابق، و أخذ المال منه، إن لم يكن السابق غارّا، و إلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق. فإنّ الحكم يثبت لموضوعه بخصوصيته، و المفروض أنّ كل لاحق أخذ المال من سابقه بخصوصية كونه مضمونا على سابقه، فإنّه مقتضى انحلال «على اليد» إلى قضايا متعددة على حسب تعدد الموضوعات. و هذا معنى طولية الضمانات.

و تجريد الموضوع عن الخصوصية منوط بالدليل، و هو مفقود.

مضافا إلى: أنّ تجريده عنها مستلزم لعرضية الضمانات، و قد تقدم امتناعها.

و هذا بخلاف ضمان الضامن الأوّل الذي أخذ المال من المالك، فإنّه ضامن له من دون خصوصية كونه مضمونا على أحد، بل هو ضامن للمال مجرّدا عن هذه الخصوصية.

و الحاصل: أنّ دليل الضمان- و هو قاعدة اليد- يثبت كلا الأمرين، و هما: جواز رجوع المالك إلى كل واحد من الضمناء، لوقوع ماله تحت يد كلّ واحد منهم. و جواز رجوع كل

ص: 579

______________________________

سابق منهم إلى لاحقه، لوقوع المال تحت يده مضمونا على السابق، فيجتمع ضمانات الضمناء طولا في زمان واحد مع وحدة المرتبة، و هي التلف.

لكن الحق أنّ التلف الموجب للضمان علّة لضمان جميع ذوي الأيدي العادية لبدل مال المالك، فجميع هؤلاء يضمن بدل العين بسبب التلف للمالك طولا، لا عرضا حتى يلزم المحال. و لا وجه لمراعاة خصوصية كونه مضمونا على السابق بعد كون كل واحد من ذوي الأيدي- بمقتضى انحلال عموم «على اليد»- مشمولا لقاعدة اليد، فإنّ كل خصوصية من خصوصيات المال ليست مضمونة على ذي اليد العادية، بل خصوص الأوصاف الدخيلة في ماليّة المال، و المضمون على الأيدي اللّاحقة نفس بدل مال المالك، لا البدل الموصوف بكونه مضمونا على السابق، فإنّ هذا الوصف من الأوصاف التي لا يضمنها الضامن، و لا يتوقف ضمان اللّاحق على اعتبار كون المال مضمونا على السابق، إذ ليس هذا الوصف موجبا لازدياد المالية.

و الحاصل: أنّ الضمان معلّق على تلف العين، لأنّه مع بقاء العين لا ضمان، إذ اللازم حينئذ وجوب ردّ العين إلى المالك. و لا ضمان على أحد، لأنّ الضمان- بمعنى تدارك الخسارة الواردة على المالك- لا يتصوّر مع بقاء العين، إذ لا خسارة على المالك مع بقاء عين ماله، فإنّ عهدتها و دركها بعد التلف، كما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 571) بقوله: «معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها و دركها بعد التلف عليه» و في (ص 494) بقوله:

«الضمان كون الشي ء في عهدة الضامن و خسارته عليه» فإنّهما يدلّان على كون الضمان جبران الخسارة الواردة على المال بسبب تلف ماله.

فعليه يكون ضمان كلّ من وقع المال تحت يده تعليقيا، و فعليته منوطة بالتلف.

فالجزء الأخير لعلّة الضمان للكلّ هو التلف. فكلّ واحد من الضامنين يضمن للمالك بدل ماله في رتبة واحدة، لا أنّ غير الضامن الأوّل يضمن ما ضمنه الضامن السابق، فإنّه بعيد عن أذهان العرف. فلا يكون «على اليد» ظاهرا فيه. بل ظاهره كون مال المالك بعهدة كلّ من ذوي الأيدي العادية.

ص: 580

______________________________

و قد تلخص ممّا ذكرناه أمور.

الأوّل: أنّ ضمان كلّ من الضامنين ممّن يجوز للمالك الرجوع إليه- و أخذ عين ماله أو بدله منه- لأجل وقوع يد كلّ منهم على ماله.

الثاني: جواز رجوع السابق إلى اللاحق، إذا دفع البدل إلى المالك إن لم يكن السابق غارّا له، و إلّا فليس له الرجوع إليه، لقاعدة الغرور. و ليس للّاحق الرجوع إلى السابق إذا دفع اللاحق البدل إلى المالك، لأنّ اللّاحق متعهد لما في ذمة السابق بعد وصول العين منه، دون العكس، فليتأمل.

(وجهه: ما ظهر من مطاوي البيانات السابقة من عدم كون اتصاف المال بعهدة الضامن السابق من الصفات الدخيلة في المالية حتى يكون مضمونا على الضامن اللّاحق).

مضافا إلى: عدم وقوع البدل تحت يد اللاحق حتى يضمنه للسابق، ضرورة أنّ البدل الثابت في ذمة السابق لم يقع في يد اللّاحق حتى يضمنه لأجل قاعدة اليد.

و مضافا إلى: عدم تقدم ضمان السابق على اللاحق، و ذلك لأنّ سبب الضمان- و هو التلف- بالنسبة إلى جميع الضمناء في رتبة واحدة، و لا تقدم لبعضها على الآخر حتى يجوز رجوع السابق إلى اللّاحق.

نعم يجوز لمن دفع البدل إلى المالك أن يرجع إلى من تلفت العين بيده، لأنّ قرار الضمان عليه، حيث إنّ بناء العقلاء على وقوع المعاوضة القهرية بين العين التالفة و بين البدل الذي يدفعه من تلف عنده المال. و هذا وجه استقرار الضمان عليه.

و أمّا رجوع بعض الضمناء إلى البعض الآخر- غير من تلف مال المالك عنده، بعد تساوي نسبة اليد العادية إلى جميع الضمناء- فلم يظهر له وجه. و مجرّد سبق بعضهم زمانا على الآخر في وضع اليد على عين مال الغير لا يجدي في جواز رجوع بعضهم على الآخر، إذ ليس ذلك مناطا للضمان، بل مناطه تلف العين كما مرّت الإشارة إليه. و هو يوجب ضمان الكلّ في رتبة واحدة لمالك العين التالفة من دون تقدم لأحدهم على الآخر. فقبل التلف لا ضمان على أحد ممّن وقعت يده على العين إلّا على نحو التعليق. و ثبوته غير معلّق منوط بالشرط المتأخر، لكنه بعد تسليم إمكانه غير ظاهر من أدلة الضمان.

ص: 581

______________________________

و الحاصل: أنّه أوّلا لأسبق و لا لحوق في الضمانات.

و ثانيا:- على فرض السبق و اللحوق- أنّ المضمون ليس المال بوصف كونه مضمونا على الضامن السابق، بل هذا الوصف عنوان مشير إلى ما هو الموضوع، لا أنّه دخيل في الموضوع.

فاتّضح أنّه لا وجه لرجوع بعض الضمناء إلى بعضهم إلّا إلى خصوص من تلف المال بيده. و أمّا إلى غيره فلا وجه له، فإنّ «على اليد» يثبت جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد شاء من الغاصبين.

و أمّا رجوع بعض الغاصبين إلى البعض الآخر منهم، فلا يدل على ذلك، لأنّ المأخوذ- أو بدله- لا بدّ أن يؤدّى إلى مالكه، لا إلى غاصبه الآخر، فإنّ الغاصب ضامن للمالك لا لغاصب آخر، فإنّ نفس التأدية تدلّ على اعتبار كون المؤدى إليه هو المالك، لأنّ التأدية عبارة عن إيصال الحق إلى صاحبه، فإنّ أداء دين زيد لا يصدق إلّا على إيصاله إلى الدائن، لا إلى غيره من الأجانب.

الثالث: أنّ ضمان الغاصبين يكون بعد تلف العين كما أفاده المصنف في كلامه الذي نقلناه عنه آنفا، إذ مع بقاء العين لا خسارة على المالك، و المفروض أنّ الضمان عبارة عن تدارك الخسارة الواردة على المالك من ناحية تلف ماله، فضمان البدل مترتب على تلف المبدل، فالبدل طولي، لا عرضي كخصال كفارة إفطار صوم شهر رمضان، حيث إنّها أبدال عرضيّة.

فالغاصب مكلّف أوّلا بوجوب ردّ العين المضمونة إلى مالكها. فإنّ تلفت وجب عليه تسليم بدلها إليه. فالضمان بالنسبة إلى الجميع تعليقي، و فعليته منوطة بتلف العين.

و على فالتخيير بين دفع المبدل و البدل- كما هو ظاهر المتن- غير ظاهر، بل بدليّة بدل مال المالك طولية، نظير الكفارات المرتبة- ككفارة الظهار و قتل الخطاء، فإنّه يجب فيهما عتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فان عجز أطعم ستين مسكينا- ضرورة أنّ ضمان البدل مترتب على تعذر المبدل و تلفه، فلا تخيير بين المبدل و البدل.

ثمّ إنّ هنا فروعا مترتبة على الضمان الطولي:

ص: 582

______________________________

الأوّل: أنّه لو رجع المالك إلى أحد الضمناء، و أخذ منه عوض ماله، لم يكن له الرجوع إلى سائر الضمناء، و ذلك لوحدة الحقّ، و عدم اشتغال ذمتين عرضيتين بمال واحد، سواء أ كان المؤدّي أوّل السلسلة أم غيره من الضمناء، و سواء أ كان من تلف عنده المال أم غيره.

الثاني: أنّ السابق إذا أدّى مال المالك جاز له أن يرجع إلى اللاحق، لأنّه باستيلاء يده على المال ضمن ما كان مضمونا على السابق. و هذا بخلاف ما إذا أدّى اللاحق المال إلى المالك، فإنّه لا يرجع إلى السابق، لأنّ السابق لم يضمن المال بوصف كونه مضمونا على اللاحق، فتأمل.

الثالث: أنّ جواز رجوع السابق إلى اللاحق و أخذ المال منه منوط بدفع السابق المال إلى المالك، لأنّ ما يدفعه اللاحق إلى السابق إنّما هو من باب الغرامة و تدارك خسارة المالك، و ليس من قبيل العوض لما في ذمة السابق. فوزان الضامن اللّاحق مع الضامن السابق وزان الضامن للدّين مع المضمون عنه في الضمان العقدي في عدم استحقاق الضامن الرجوع إلى المضمون عنه و أخذ المال منه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له.

و بالجملة: ليس ما في ذمة اللّاحق ملكا للسابق حتى يجب على اللاحق دفع المال إليه مطلقا و إن لم يدفع السابق المال إلى المالك، بل يكون ما في ذمة اللّاحق ملكا للمالك.

الرابع: لو أبرأ المالك جميع الضمناء فلا إشكال في سقوط حقه رأسا. و أمّا إذا أبرء أحد الضمناء، ففي اختصاص الإبراء به، أو عمومه لجميع آحاد السلسلة، أو عمومه له و لسابقه دون لاحقه؟ وجوه، أقواها هو الثاني، لأنّه مقتضى وحدة الحق و طوليّة الضمانات، فإنّ موضوع جميعها وجود حقّ المالك، فإذا سقط حقّه الذي هو مدار الضمانات لم يبق موضوع للضمان أصلا، حيث إنّ لمال المالك بدلا واحدا، و قد سقط ذلك بالإبراء الذي هو بمنزلة الاستيفاء.

ص: 583

______________________________

نعم بناء على عرضية الضمانات يتجه الوجه الأوّل، و هو اختصاص الإبراء بمن أبرأه المالك، دون غيره ممّن سبقه و لحقه. لكنك عرفت عدم صحة الضمان العرضي، بل عدم معقوليته.

الخامس: أنّه إذا أسقط المالك حقّ المطالبة عن بعض الضمناء، فالظاهر أنّه إسقاط لحق المطالبة الذي هو من حقوق المالك، و إسقاطه لا يستلزم براءة ذمة الضامن عن المال، فإنّ إسقاطه لازم أعمّ من ذلك، لإمكان سقوطه مع بقاء المال في ذمة الضامن. كجواز تأجيل الدّين بالاشتراط في ضمن عقد، فإنّ هذا الشرط صحيح مع بقاء الدين بحاله.

ففيما نحن فيه يمكن إسقاط حق المطالبة مع بقاء المال على عهدة الضامن. و ليس لإسقاط حق المطالبة ظهور عرفي في إبراء الذمة. فلو فرض شك في بقاء المال على عهدته فلا مانع من استصحابه.

السادس: لو صالح المالك مع أحد الضمناء لم يكن له الرجوع إلى أحد من السابقين و اللّاحقين، لذهاب حقّه بالصلح.

إنّما الكلام في حكم المتصالح مع الضمناء، فهل يجري الصلح مجرى الإبراء حتى لا يجوز له الرجوع إليهم؟ أم يجوز ذلك. الظاهر هو الثاني، لأنّ جواز مطالبة المالك كان مبنيا على بقاء حقه، و بعد الصلح تبدل المالك مع بقاء الحق الموجب لجواز المطالبة. فللمتصالح مطالبة أيّ من الضمناء. فليس الصلح كالإبراء، لأنّ الصلح نقل الحق إلى الغير، و الإبراء إسقاط الحق الذي هو موضوع المطالبة.

إلّا أن يقال: إنّ الملك آنا ما ليس موضوعا للمطالبة. و هذا الملك يتعقبه الإبراء، فليس موضوعا لجواز المطالبة، كملكية العمودين المترتب عليها الانعتاق. و هذا الملك التطرقي لا أثر له إلا مثل الإبراء و الانعتاق.

هذا إذا كان المتصالح أحد السلسلة. و أمّا إذا كان أجنبيّا، فجواز مطالبته الضمناء واضح.

ص: 584

[حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض]

و أمّا (1) حال بعضهم بالنسبة إلى بعض، فلا ريب في أنّ اللّاحق إذا رجع عليه (2) لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجبا لإيقاعه في خطر الضمان.

كما لا ريب في أنّ السابق إذا رجع عليه (3) و كان غارّا للاحقه لم يرجع إليه، إذ (4) لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللّاحق ضمنه (5) له (6).

______________________________

حكم الأيادي المتعاقبة بعضها مع بعض

(1) هذه هي الجهة الرابعة الراجعة إلى حال بعض ذوي الأيدي- المستولية على المبيع فضولا- بالنسبة إلى البعض الآخر منهم، و به ينحلّ الإشكال المتقدم من: أنّه لو رجع المالك إلى البائع و طالبه ببدل ماله التالف بيد المشتري، جاز للبائع الرجوع إلى المشتري.

و لأجل تحرير محل البحث نبّه المصنف على فرعين قبل حلّ الإشكال.

أحدهما: أنّه لا ريب في عدم رجوع الضامن اللاحق إلى الضامن السابق إذا رجع المالك على اللاحق و أخذ منه بدل ماله، إلّا إذا كان السابق سببا لوقوعه في خطر الضمان، كالبائع الفضول العالم بكونه غاصبا للمبيع، فإنّه غرّ المشتري، فإذا رجع المالك على المشتري، و أخذ منه بدل ماله، رجع المشتري إلى البائع، لصدق الغرور.

ثانيهما: أنّه لا ريب في أنّ السابق- كالبائع- إذا رجع عليه المالك، و أخذ منه بدل ماله، و كان غارا للاحقه- و هو المشتري- لم يرجع إلى اللّاحق المغرور.

(2) أي: على اللاحق، و هذا إشارة إلى الفرع الأوّل.

(3) أي: على السابق، و هذا إشارة إلى الفرع الثاني.

(4) تعليل لعدم رجوع السابق الغارّ- و هو البائع العالم بكونه غاصبا- إلى اللّاحق المغرور، و حاصله: أنّه لا معنى لرجوع السابق إلى اللّاحق بمال لو دفعه اللّاحق كان السابق ضامنا له، كما إذا كانت قيمة المبيع السوقية ثلاثين دينارا، و كان الثمن المسمّى عشرين، و رجع المالك إلى البائع و أخذ منه الثلاثين، فليس له أن يأخذ ما زاد على العشرين- و هي العشرة- لأنّه بقاعدة الغرور ليس على المشتري، بل على البائع الغارّ.

(5) أي: ضمن السابق المال. و ضميرا «للاحقه، لرجوعه» راجعان إلى السابق.

(6) هذا الضمير و ضميرا «إليه، عليه» راجعة إلى اللّاحق.

ص: 585

فالمقصود بالكلام (1) ما إذا لم يكن غارّا له.

فنقول (2):

إنّ الوجه في رجوعه (3) هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل، فهذا الضمان (4) يرجع إلى ضمان واحد من البدل و المبدل على (5) سبيل البدل، إذ (6) لا يعقل ضمان المبدل معيّنا من دون البدل، و إلّا (7) خرج بدله عن كونه بدلا.

______________________________

(1) يعني: فالمقصود من كلامنا في رجوع السابق- إذا رجع عليه المالك- إلى اللّاحق هو السابق الذي لا يكون غارّا للّاحق، و إلّا فليس له الرجوع إلى اللّاحق أصلا.

(2) هذا شروع في توجيه رجوع السابق إلى اللّاحق الذي تلف المال عنده.

(3) أي: السبب في رجوع السابق على اللّاحق- إذا لم يكن السابق غارّا للّاحق- هو: أنّ اللّاحق يضمن العين مع أوصافها، و من المعلوم أنّ العين بعد استيلاء السابق- كالبائع- عليها صارت ذات بدل، و بهذا الوصف وقعت تحت يد اللّاحق. فالثابت على السابق هو بدل نفس العين، و الثابت على اللّاحق هو بدل بدل العين.

و بعبارة أخرى: اللّاحق ضمن شيئا له البدل، فيكون ضمان اللّاحق في طول ضمان السابق و متعلّقا بالعين و بدلها على البدل، بخلاف ضمان السابق.

(4) أي: ضمان اللاحق يرجع إلى ضمان بدل بدل العين، و لا يمكن ضمان العين بدون وصفها و هو كونها ذات بدل، فإنّها مع هذا الوصف تعلّق ضمان اللّاحق بها.

(5) متعلق ب- «ضمان واحد» يعني: أنّ ضمان البدل- بمقتضى بدليته- يكون في طول ضمان المبدل.

(6) تعليل لكون ضمان اللّاحق لأحد الأمرين- من المبدل و البدل- على سبيل البدلية، و محصله: أنّه لو كان ضامنا لخصوص المبدل- كالسابق- لخرج بدله عن كونه بدلا، لعدم تعهّده حسب الفرض لهذا البدل.

(7) أي: و إن كان اللّاحق ضامنا لخصوص المبدل معيّنا لزم خروج البدل عن كونه

ص: 586

فما (1) يدفعه الثاني فإنّما هو تدارك لما استقرّ تداركه في ذمّة الأوّل، بخلاف ما يدفعه الأوّل، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا، إذ لم يحدث له تدارك آخر (2) بعد، فإن أدّاه (3) إلى المالك سقط تدارك الأوّل له (4). و لا يجوز (5) دفعه إلى الأوّل قبل دفع الأوّل إلى المالك، لأنّه (6) من باب الغرامة و التدارك، فلا اشتغال

______________________________

بدلا عن العين، و صيرورته أجنبيا عنه، و هو خلاف الفرض.

(1) هذه نتيجة ضمان الثاني كالمشتري فيما نحن فيه، فإنّ ما يدفعه الثاني تدارك لما استقرّ في ذمة الأوّل و هو البائع. بخلاف ما يدفعه الأوّل و هو البائع، فإنّه تدارك نفس العين معيّنا، إذ المفروض أنّه أوّل غاصب استولت يده على المال، و لم يسبقه يد عادية حتى يحدث للأوّل تدارك آخر غير تدارك العين.

(2) أي: غير تدارك الأوّل إلى الآن، و لعدم حصول تدارك آخر يكون التدارك بنفس العين معيّنا. و ضمير «له» راجع إلى الأوّل.

(3) يعني: فإن أدّى الثاني البدل إلى المالك سقط تدارك الأوّل لما استقرّ في ذمته، فليس للمالك الرجوع إلى الأوّل و أخذ البدل منه.

(4) أي: لما استقرّ في ذمته.

(5) يعني و لا يجوز للثاني أن يدفع البدل إلى الأوّل قبل دفع الأوّل البدل إلى المالك.

(6) هذا تعليل لقوله: «و لا يجوز» و حاصله: أنّ ما يدفعه الثاني إلى الأوّل إنّما هو من باب الغرامة، و ليس من قبيل العوض لما في ذمة الأوّل حتى يجب على اللاحق دفع البدل إلى السابق مطلقا سواء دفع السابق المال إلى المالك أم لا.

و عليه فحال الضامن الأوّل مع الضامن الثاني حال الضامن مع المديون المضمون عنه في أنّ الضامن لا يستحق الدفع من المضمون عنه إليه إلّا بعد أداء الضامن الدّين إلى المضمون له ان كان الضمان بإذنه، و إلّا فلا يستحق شيئا من المديون المضمون عنه، لكون الضامن متبرعا حينئذ.

ص: 587

للذمّة قبل فوات المتدارك (1) [قبل حصول التدارك] [1] و ليس (2) من قبيل العوض لما في ذمّة الأوّل.

فحال الأوّل مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنّه (3) لا يستحقّ

______________________________

(1) كذا في نسختنا، و بعض النسخ، و في بعضها «قبل حصول التدارك» و هو أولى.

(2) أي: و ليس ما يدفعه اللّاحق إلى السابق عوضا عمّا في ذمة السابق، بل هو غرامة، و هي تتوقف على أن يدفع السابق بدل العين التالفة إلى المالك.

(3) يعني: في أنّ الضامن لا يستحقّ الأخذ من المضمون عنه إلّا بعد أداء الدّين إلى المضمون له، كما هو كذلك في الضمان العقدي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ قوله: «فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك» ينافي بدوا ما تقدم في أوّل كلام المصنف قدّس سرّه من قوله: «فإذا فرض أيد متعددة يكون العين الواحدة في عهدة كلّ من الأيادي» وجه التنافي: دلالة كلامه السابق على حصول الضمان بمجرّد وضع اليد على مال الغير. و الالتزام بالضمان ينافي عدم اشتغال ذمة اللّاحق بالبدل قبل أداء السابق الغرامة إلى المالك، إذ معناه كون الضمان الفعلي على ذمّة السابق خاصة، و يتوقف ضمان اللّاحق فعلا على دفع السابق الغرامة إلى المالك.

لكن الظاهر عدم التنافي بين الكلامين، لما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من: أنّ اليد و إن اقتضت الضمان، إلّا أنّ ضمان اللّاحق للبدل لمّا كان معنونا بعنوان التدارك، فلا محالة يكون له مرحلتان:

إحداهما: مرحلة اشتغال ذمة الأوّل للمالك ببدل العين، و تداركه بقيام ما في ذمة الثاني- مقام ما ملكه المالك في ذمة السابق- بعنوان كونه بدلا عنه.

ثانيتهما: مرحلة التدارك الخارجي، بأن يدفع السابق مثل العين التالفة بيد الثاني أو قيمتها إلى المالك، حتى يتداركه الثاني بالبدل الذي يدفعه إلى السابق.

فالسّرّ في عدم جواز مطالبة السابق من اللّاحق البدل قبل إيصال بدل العين إلى المالك هو تعنون ما يدفعه الثاني بعنوان الغرامة و التدارك، و عدم كونه كسائر ما يملكه الإنسان في ذمة الغير بلا وصف و لون. هذا «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 197

ص: 588

الدفع إليه إلّا بعد الأداء.

و الحاصل (1): أنّ من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من المالك و من سبقه في اليد، فيشتغل [و يشتغل] ذمّته (2) إمّا بتدارك العين، و إمّا بتدارك ما تداركها. و هذا (3) اشتغال شخص واحد بشيئين (4) لشخصين على البدل، كما كان في الأيدي المتعاقبة اشتغال ذمّة إشخاص (5) على البدل بشي ء واحد لشخص واحد.

و ربما يقال (6) في وجه رجوع غير من تلف المال في يده إلى من تلف في يده

______________________________

(1) يعني: و حاصل ما ذكر- في رجوع الضامن السابق كالبائع الفضول إلى الضامن اللّاحق كالمشتري مع عدم كونه غارّا للاحق- هو: أنّ الذي تلف المال عنده ضامن لأحد شخصين على البدل، و هما المالك و الضامن السابق و هو البائع، فتشتغل ذمّته إمّا بتدارك العين، و إمّا بتدارك بدله الذي استقرّ في ذمة الضامن السابق.

(2) هذا الضمير و الضمير البارز في «سبقه» راجعان إلى الموصول في «من تلف».

(3) أي: و اشتغال ذمّته- إمّا بتدارك العين و إمّا بتدارك بدلها- يكون اشتغال شخص واحد .. إلخ.

(4) و هما بدل العين و بدل بدلها.

(5) كما إذا باع الفضولي متاع زيد على عمرو، و باع عمرو ذلك المتاع على بكر، ثم باع بكر ذلك المتاع على بشر، و تلف المتاع عند بشر، فهذا المتاع الواحد قد اجتمعت عليه الأيدي الأربع، فيملك المالك ما في ذمّة كلّ واحد منهم على البدل، بمعنى أنّه إذا استوفى المالك ما في ذمة واحد منهم سقط ما في ذمة الباقي. فاشتغال ذمم عديدة بمال واحد على سبيل البدل لشخص واحد ممّا لا مانع منه.

(6) القائل صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محصل ما أفاده في وجه رجوع غير من تلف المال بيده إلى من تلف بيده- لو رجع المالك إلى غير من تلف بيده- هو: أنّ الذمة المشغولة بالمال المغصوب التالف واحدة، و هي ذمّة من تلف بيده. و أمّا غيره من الغاصبين فلا تشتغل ذمته بمال المالك، و إن كان استيلاء يده العادية على المال موجبا لأن يصير مخاطبا بلزوم ردّ المغصوب إلى مالكه، و لذا جاز رجوع المالك إلى كلّ من استولى

ص: 589

لو رجع عليه (1): إنّ (2) ذمّة من تلف بيده مشغولة للمالك بالبدل، و إن جاز له (3) إلزام غيره- باعتبار (4) الغصب- بأداء (5) ما اشتغل ذمّته به. فيملك حينئذ (6) من أدّى بأدائه ما للمالك في ذمّته بالمعاوضة الشرعية القهريّة. قال (7): «و بذلك اتّضح

______________________________

على ماله، و المطالبة بأخذ المال منه. لكنه خطاب تكليفي محض لا يستبتع وضعا، كخطاب الإنفاق على الأقارب، فإنّه ليس إلّا وجوب إعطاء نفقتهم، من دون اشتغال ذمّة المخاطب بنفقتهم.

بخلاف وجوب إعطاء بدل مال المالك على من تلف المال بيده، فإنّه خطاب تكليفي مستتبع للوضع، كوجوب الإنفاق على الزوجة، فإنّ ذمة الزوج تشتغل بنفقة الزوجة.

و كذلك ذمّة من تلف المال بيده، فإنّ خطابه بدفع بدل المال إلى مالكه تكليفي و وضعي.

(1) أي: رجع المالك إلى غير من تلف المال عنده.

(2) هذا مقول قوله: «يقال» و قد مرّ توضيحه بقولنا: «ان الذمة المشغولة بالمال .. إلخ».

(3) يعني: و إن جاز للمالك إلزام غير من تلف المال عنده- من الغاصبين- بأداء ما اشتغلت ذمّة من تلف المال عنده من بدل مال المالك.

(4) متعلّق ب- «جاز» و علة له، يعني: أنّ سبب جواز إلزام المالك غير من تلف عنده هو اعتبار الغصب.

(5) متعلق ب- «إلزام» و ضمير «به» راجع إلى الموصول المراد به المال.

(6) يعني: فيملك غير من تلف المال عنده- بسبب أدائه لبدل التالف- ما للمالك في ذمة الضامن الذي تلف عنده المال بالمعاوضة الشرعية القهرية التي لا تتوقف على القصد و الإنشاء.

(7) يعني قال صاحب الجواهر قدّس سرّه: و بذلك- أي: و باشتغال ذمة من تلف المال عنده دون غيره من الضامنين- اتّضح الفرق بين من تلف المال في يده من الضمناء، و بين غيره منهم. و الفرق بينهما إنّما هو في أنّ الخطاب بالنسبة إلى من تلف المال بيده تكليفي و وضعي، و بالإضافة إلى غيره تكليفي فقط.

ص: 590

الفرق بين من تلف المال في يده، و بين غيره الذي خطابه بالأداء شرعيّ (1) لا ذمّي، إذ (2) لا دليل على شغل ذمم متعدّدة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه، و لا يرجع هو» انتهى «1».

و أنت (3) خبير بأنّه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده و خطاب غيره، بأنّ (4) خطابه ذمّيّ و خطاب غيره شرعيّ، مع كون دلالة «على اليد ما أخذت» بالنسبة إليهما على السواء. و المفروض أنّه لا خطاب بالنسبة إليهما غيره (5).

______________________________

(1) أي: تكليف محض، لا ذميّ، أي: لا يثبت شيئا في الذمة حتى يدلّ على الوضع أيضا.

(2) تعليل لعدم كون خطاب غير من تلف بيده ذميّا أي وضعيا، و حاصله: أنّه لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد، فيرجع على من تلف في يده، و لا يرجع هو على غيره، و هذا معنى قرار الضمان عليه.

(3) هذا كلام المصنف قدّس سرّه. و قد أورد على كلام الجواهر بوجوه خمسة:

الأوّل: أنّه لا وجه للتفكيك بين خطابي من تلف بيده و غيره، بحمل خطاب الأوّل على التكليفي و الوضعي، و حمل خطاب غيره على التكليفي فقط، مع كون الدليل- و هو:

على اليد ما أخذت- مساويا بالنسبة إليهما.

(4) متعلّق بالفرق، و بيان للفرق بين الخطابين، يعني: خطاب من تلف بيده، و غيره.

(5) أي: غير «على اليد ما أخذت» غرضه: أنّه مع وحدة الدليل من أين جاء هذا الفرق بين خطابي من تلف المال بيده و غيره؟ فقوله: «مع كون دلالة على اليد ما أخذت» من تتمة الجواب الأوّل، و ليس جوابا على حدة يعني: كيف يستظهر من دليل واحد معنيان متغايران مع عدم قرينة على هذا الاستظهار؟

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 37، ص 34

ص: 591

مع (1) أنّه لا يكاد يفهم الفرق بين ما ذكره من الخطاب بالأداء و الخطاب الذمّي.

مع (2) أنّه لا يكاد يعرف خلاف من أحد في كون كلّ من ذوي الأيدي مشغول (3) الذمّة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء أحدهم، أو إبراء المالك. نظير (4)

______________________________

(1) هذا هو الثاني من تلك الوجوه، و حاصله: أنّه لا يجدي الفرق بين التكليف و الوضع في صحة رجوع صاحب الخطاب التكليفي إلى صاحب الخطاب الوضعي، و عدم صحة العكس. بل قاعدة الغصب الجارية في حقّ كلّ من الغاصبين تقتضي عدم رجوع واحد منهم إلى الآخر، من غير فرق بين كون الخطابين تكليفيين و وضعيين و مختلفين، و إلّا فالفرق بين التكليف و الوضع واضح.

(2) هذا هو الثالث من تلك الوجوه، و محصله: أنّ تخصيص اشتغال الذمّة بخصوص من تلف المال بيده خلاف ما عرف من عدم خلاف من أحد في اشتغال ذمّة كلّ واحد من ذوي الأيدي الغاصبة بالمال، و أنّه لا يسقط إلّا بأداء أحدهم، أو بإبراء المالك.

و هذا الوجه الثالث ناظر إلى قول صاحب الجواهر قدّس سرّه: «إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد» فإنّ هذا الكلام مخالف للإجماع- و نفي الخلاف عن أحد- في اشتغال ذمّة كلّ من ذوي الأيدي العادية بالمال فعلا، و لذا تجري أحكام الدّين على ما بذمة السابق أيضا.

و المذكور في المتن أحكام أربعة ثابتة للدّين، و هي تجري في المقام من تعاقب الأيدي. فالغرض من التنظير إثبات الحكم الوضعي و اشتغال ذمة الأيدي، و نفي ما أفاده صاحب الجواهر من أنّ خطاب من تلفت عنده العين وضعي، و خطاب من عداه تكليفي.

و سيأتي بيان تلك الأحكام الثابتة للدين.

(3) خبر «كون» و قوله: «ما لم يسقط» متعلق ب- «مشغول الذمة».

(4) يعني: أنّ اشتغال ذمة كلّ من الضمناء- بالمال المغصوب- يكون نظير الاشتغال بغيره من الديون.

ص: 592

الاشتغال بغيره (1) من الديون في إجباره (2) على الدفع أو الدفع عنه من ماله، و تقديمه (3) على الوصايا، و الضرب (4) فيه مع الغرماء،

______________________________

(1) أي: بغير المال المذكور و هو المغصوب.

(2) متعلق ب- «نظير» و هذا أوّل الأحكام الأربعة الثابتة للدّين، و هو: أنّه يجوز إجبار المديون على أداء الدين. و لو امتنع من الأداء، رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه به، لأنّه وليّ الممتنع. فإن أدّى فهو، و إلّا دفع الحاكم عنه من ماله، و المستفاد من كلامهم جواز استيفاء حقه بنفسه عند تعذر الوصول إلى الحاكم.

و الغرض ثبوت هذا الحكم في ما نحن فيه بالنسبة إلى كلّ واحد من الأيدي- حتى من لم يتحقق التلف عنده- ممّا يكشف عن اشتغال الذمة، و عدم كون الخطاب تكليفيا محضا كما زعمه صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(3) معطوف على «إجباره» و الضمير راجع الى الدين. و هذا ثاني الأحكام الثابتة للديون، و بيانه: أنّ الآية المباركة قدّمت إخراج الديون من تركة الميّت على وصاياه.

و كذا دلّت الرواية عليه.

فلو أوصى بعض ذوي الأيدي فمات، جاز للمالك مطالبة ورثته ببدل العين المضمونة حتى لو تلفت بيد شخص آخر، و لزمهم أداء هذا الدّين أوّلا، ثم تنفيذ الوصية.

و هذا كاشف عن الضمان و اشتغال العهدة، لا مجرّد وجوب الأداء تكليفا.

(4) معطوف على «إجباره» و هذا ثالث آثار الدين- على ما ذكروه في المفلّس- من: أنّ الغريم لو وجد عين ماله جاز له أخذها حتى لو لم يكن سواها، كما جاز له أن يضرب مع الغرماء بدينه، بأن يجعلها بين جميع الغرماء حتى يستوفي كل منهم حقّه بنسبة حصّته.

و يثبت هذا الحكم في المقام، فلو رجع المالك إلى بعض الأيدي، و وجده قد أفلس، و ليس عنده إلّا العين المضمونة، جاز له الضّرب مع الغرماء، بأن يجعل ما وجد عند المفلّس مالا مشتركا بين الدّيّان، فيأخذ كلّ منهم حصّته منه.

قال المحقق قدّس سرّه: «و من وجد منهم عين ماله كان له أخذها، و لو لم يكن سواها.

و له أن يضرب مع الغرماء بدينه، سواء كان وفاء أو لم يكن، على الأظهر» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 90، و نحوه كلام العلامة في قواعد الأحكام، ج 2، ص 147

ص: 593

و مصالحة (1) المالك عنه مع آخر. إلى غير ذلك من أحكام ما في الذمّة (2).

مع (3) أنّ تملّك غير من تلف المال بيده لما في ذمّة من تلف المال بيده بمجرّد (4) دفع البدل لا يعلم (5) له سبب اختياري و لا قهري، بل المتّجه على ما ذكرنا (6) سقوط

______________________________

(1) معطوف على «إجباره» و هذا رابع آثار الدين، و هو: أنّه يجوز للدائن أن يتصالح مع المديون على ما في ذمّته، إمّا بعوض أو مجانا، كي تبرأ ذمة المديون. فلو كان زيد مديونا لعمرو بألف درهم جاز التصالح عليه بأقلّ منه أو بلا عوض.

و هذا الحكم ثابت في المقام، بأن يصالح المالك مع أحد الغاصبين بعوض أو مجّانا.

فإذا تعاقبت أيدي زيد و عمرو و بكر على مال بشر، صحّت مصالحة عمرو مع زيد على ما في ذمته لبشر، و كذا صحّت مصالحة بشر عن زيد مع عمرو، و نتيجة هذه المصالحة فراغ ذمة زيد.

و جواز هذه المصالحة للمالك- و هو بشر- شاهد على كونه مالكا لما في ذمة المتصالح عنه، و هو زيد.

و عليه فاليد في كلّ منهم ضامنة، و ليس مجرد خطاب تكليفي.

(2) كجواز بيع الدين من المديون و من غيره، سواء أ كان الثمن مساويا أم أقلّ منه.

و كوجوب السعي على المديون لأداء دينه. و كحرمة مطالبة المعسر و حبسه. و كوجوب عزل الدّين عند وفاته لو غاب الدائن، و غيرها من الأحكام.

(3) هذا هو الرابع من وجوه الإيراد على صاحب الجواهر قدّس سرّه و حاصله: أنّ ما أفاده- من تملك الضامن السابق لما في ذمّة الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد دفع بدل العين التالفة إلى المالك- لم يعلم له سبب صحيح اختياري، كالمعاوضة الاختيارية مع المالك، أو القهرية. و الأوّل منتف، و الثاني لا دليل عليه. و احتمال سببية مجرّد دفع البدل شرعا للتمليك لا يثبت ما هو مجد في المقام من التشريع الفعلي للسببية.

(4) هذا و قوله: «لما في الذمة» متعلقان ب- «تملّك». و قوله: «لا يعلم» خبر «أنّ تملك».

(5) خبر «أنّ تملك».

(6) و هو قوله: «و حيث انّ الواجب هو تدارك الفائت الذي يحصل ببدل واحد لا أزيد، كان معناه تسلّط المالك على مطالبة كلّ منهم بالخروج عن العهدة، فهو يملك ما في ذمّة كلّ منهم على البدل» فراجع (ص 571).

ص: 594

حقّ المالك عمّن تلف في يده بمجرّد أداء غيره، لعدم (1) تحقّق موضوع التدارك بعد تحقّق التدارك.

مع (2) أنّ اللازم ممّا ذكره أن لا يرجع الغارم فيمن [بمن] لحقه في اليد [الأيدي] العادية إلّا إلى من [بمن] تلف في يده. مع أنّ الظاهر خلافه (3)، فإنّه يجوز له (4) أن يرجع إلى كلّ واحد ممّن بعده.

نعم (5) لو كان غير من تلف بيده، فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقرّ على من تلف في يده.

هذا (6) كلّه إذا تلف المبيع في يد المشتري.

______________________________

و الحاصل: أنّ المتّجه- بناء على هذه العبارة- سقوط حقّ المالك عن الضامن الذي تلف المال بيده بمجرّد أداء غيره.

(1) تعليل للسقوط، و حاصله: انتفاء موضوع التدارك عمّن تلف المال بيده، فلا يبقى موضوع لحقّ المالك بعد تحقق التدارك ببدل واحد.

(2) هذا هو الخامس من تلك الوجوه، و حاصله: أنّ لازم ما ذكر- من تملك السابق لما في ذمة من تلف المال في يده- عدم رجوع السابق بعد أداء بدل التالف إلّا إلى خصوص من تلفت العين بيده، لا إلى كل غاصب ممّن تسلّم المغصوب منه و إن لم يتلف عنده. مع أنّ الظاهر خلاف ذلك، و جواز رجوع مؤدّى البدل إلى كلّ واحد من الغاصبين بعده.

(3) أي: خلاف اللازم المزبور.

(4) أي: يجوز لمؤدّي البدل إلى المالك أن يرجع إلى كلّ ممّن بعده من ذوي الأيدي.

(5) يعني: لو كان واحد ممّن بعده- و هو الذي رجع إليه مؤدّى البدل إلى المالك- غير من تلف المال بيده، فهو يرجع إلى أحد لواحقه من الغاصبين، إلى أن يستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده.

و بالجملة: فيرجع الغارم إلى كلّ من تسلّم المال منه من الغاصبين بعده حتى ينتهي إلى من تلف عنده. هذا ما يتعلق بكلام صاحب الجواهر.

(6) يعني: أنّ موضوع الحكم بضمان كلّ واحد من الغاصبين لبدل العين المغصوبة، و رجوع المالك على السابق مطلقا- و إن تلفت العين عند اللاحق- هو صورة تلف العين

ص: 595

و قد عرفت (1) الحكم أيضا في صورة بقاء العين، و أنّه (2) يرجع المالك بها على من في يده، أو من جرت يده عليها (3).

فإن لم يكن انتزاعها (4) ممّن هي في يده غرم (5) للمالك بدل الحيلولة، و للمالك استردادها (6) [استرداده] فيردّ بدل الحيلولة.

و لا ترتفع (7) سلطنة المالك

______________________________

في يد المشتري. و بهذا ينتهي البحث عن ضمان الأيدي في فرض تلف العين عند أحدهم.

حكم بقاء العين عند بعض الأيدي المتعاقبة

(1) حيث قال في (ص 471): «لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده فهو، و إلّا فله انتزاعه ممّن وجده في يده مع بقائه».

(2) معطوف على «الحكم» و الضمير للشأن، أي: و قد عرفت رجوع المالك .. إلخ.

و غرضه أنّه مع بقاء العين المغصوبة يرجع المالك على من تكون العين في يده فعلا، أو من كانت العين تحت يده سابقا. هذا إذا أمكن انتزاع العين ممّن هي في يده. و إن لم يمكن انتزاع العين ممّن هي في يده، غرم للمالك من جرت يده على العين بدل الحيلولة.

(3) هذا الضمير و ضمير «بها» راجعان إلى «العين».

(4) أي: لم يمكن انتزاع العين لمن جرت يده عليها ممّن هي في يده فعلا.

(5) يعني: غرم من جرت يده سابقا على العين كالمشتري الأوّل، فإنّه يغرم بدل الحيلولة. و لكن للمالك حقّ استرداد العين ممّن هي في يده فعلا. فإذا استردّ المالك و أخذ العين ممّن كانت تحت يده ردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

(6) أي: استرداد العين، فلا يسقط حق المالك عن العين ببدل الحيلولة، فبمجرّد وصول العين إليه يردّ بدل الحيلولة إلى من أخذه منه.

هذا بناء على كون النسخة «استردادها» كما هو الظاهر. و بناء على ما في بعض النسخ من «استرداده» فلا بدّ من إرجاع الضمير إلى الموصول في «من هي في يده» أي:

يجوز للمالك استرداد من في يده العين، فالمعنى أنّ للمالك مطالبة الردّ ممّن تكون العين في يده. و لكن الأقرب بسلاسة العبارة تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(7) غرضه أنّ مجرّد تمكن المالك من استرداد العين من الضامن الثاني لا يرفع سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل، و ذلك لأنّ ضمان العين على الضامن الأوّل،

ص: 596

على مطالبة الأوّل (1) بمجرّد تمكّنه من الاسترداد من الثاني، لأنّ (2) عهدتها على الأوّل، فيجب عليه تحصيلها و إن بذل (3) ما بذل.

نعم (4) ليس للمالك [1] أخذ مئونة الاسترداد، ليباشر بنفسه.

______________________________

فيجوز للمالك مطالبته، و يجب على الضامن تحصيلها.

(1) أي: الضامن الأوّل كالمشتري الأوّل، و المراد من الثاني الضامن الثاني.

(2) تعليل لقوله: «و لا ترتفع» و قد ذكر توضيحه بقولنا: «و ذلك لأنّ ضمان العين .. إلخ».

(3) يعني: و إن بذل الضامن الأوّل في تحصيل العين- و أخذها من الثاني- ما بذل من المال.

(4) غرضه أنّ سلطنة المالك على مطالبة الضامن الأوّل باقية، لكنّها لا تقتضي أخذ مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل ليباشر المالك أخذ العين منه بنفسه، إذ الواجب على الغاصب ردّ العين المغصوبة، لا دفع مئونة الاسترداد.

و عليه فلا موجب لجواز أخذ المالك مئونة الاسترداد من الضامن الأوّل، لأنّ ردّ المغصوب و إيصاله إلى المالك وظيفة الغاصب، و هو مختار في كيفيات الردّ، و ليس للمالك اختيار كيفية من كيفيات الرّد.

______________________________

[1] قد يقال: بأنّه لا يبعد أن يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المأخوذة زائدة على اجرة المثل، لأنّ العين للمغصوب منه، و لا يجوز للآخرين التصرف فيها و لو بالاسترداد المزبور. و عمل المالك محترم، فيستحق الأجرة عليه، هذا.

و يتوجه عليه: أنّ ردّ المغصوب إلى مالكه وظيفة الغاصب، و من المعلوم أنّ الردّ متوقف على التصرف، لعدم تحقق الرد بدونه، فجواز هذا التصرف ممّا يقتضيه نفس وجوب الرد. و عمل المالك إن كان برضا الغاصب فهو محترم يجوز أخذ الأجرة عليه، و إلّا فلا.

و يظهر ممّا ذكرنا: أنّه مع تمكن الغاصب من ردّ العين بدون صرف المال و طلب المالك اجرة، لم يجب على الغاصب قبول ذلك، لأنّ الرّدّ بشؤونه وظيفة الغاصب، و التخلص عن الغصب ليس بحكم الغصب، خصوصا مع التوبة.

ص: 597

و لو لم يقدر (1) على استردادها إلّا المالك، و طلب من الأوّل (2) عوضا (3) عن الاسترداد، فهل يجب عليه (4) بذل العوض، أو ينزّل (5) منزلة التعذّر،

______________________________

(1) محصّله: أنّه لو لم يقدر أحد من استرداد العين المغصوبة إلّا المالك الذي لم يأخذ من أحد من الضامنين بدل الحيلولة، و طلب من الضامن الأوّل أجرة لاسترداد العين، ففي حكم هذا البذل وجوه ثلاثة.

الأوّل: وجوب بذل مئونة الاسترداد على الضامن.

الثاني: عدم وجوب البذل، لأنّه ينزّل عدم القدرة على الاسترداد منزلة التعذر، فيأخذ من الغاصب الأوّل بدل الحيلولة.

الثالث: التفصيل بين الأجرة المتعارفة للاسترداد، فيجوز أخذها منه، و بين الأجرة الزائدة على المتعارفة المجحفة على الغاصب الأوّل، فلا يأخذ المالك عند استرداده العين الأجرة الزائدة على الأجرة المتعارفة.

(2) أي: من الغاصب الأوّل.

(3) أي: أجرة للاسترداد.

(4) أي: على الغاصب الأوّل، و هذا هو الاحتمال الأوّل، و وجه وجوب بذل العوض إلى المالك: أنّه مع فرض بقاء العين تجب المبادرة إلى ردّها إلى المالك، و حيث إنّ إقدامه باسترداد ماله عمل محترم استحقّ الأجرة عليه، فيجب على الضامن دفعها إليه، سواء أ كانت الأجرة متعارفة أم أزيد منها، إذ لا ينتقل إلى بدل الحيلولة إلّا بامتناع الوصول الى نفس العين المضمونة، فمع تمكّن المالك من ذلك يتعيّن تمهيد مقدمته و هي بذل الأجرة إلى المالك.

و لا مجال للتمسك بحديث نفي الضرر لو كانت الأجرة زائدة على اجرة المثل حتى ينتقل إلى بدل الحيلولة.

وجه عدم المجال: اختصاص قاعدة نفي الضرر بالأحكام التي لا تكون ضررية بطبعها، و إنّما يترتب الضرر على إطلاقها. و هذا بخلاف مثل وجوب رد العين المضمونة إلى مالكها، فإنّ أصل الحكم ضرري، فلا يرتفع بقاعدة نفي الضرر.

مضافا إلى قصور المقتضي، و هو إناطة جريان القاعدة بالامتنان، و المفروض في المقام عدمه، لاستلزامه حرمان المالك من الوصول إلى عين ماله.

(5) أي: ينزّل عدم القدرة على الاسترداد- إلّا للمالك- منزلة التعذر.

ص: 598

فيغرم (1) بدل الحيلولة، أو يفرّق (2) بين الأجرة المتعارفة للاسترداد، و بين الزائد عليها ممّا يعدّ إجحافا على الغاصب الأوّل؟ وجوه (3).

هذا (4) كلّه مع عدم تغيّر العين. و أمّا إذا تغيّرت فيجي ء صور كثيرة لا يناسب المقام التعرّض لها، و إن كان كثير ممّا ذكرنا أيضا ممّا لا يناسب ذكره إلّا في

______________________________

(1) يعني: فيغرم الغاصب الأوّل بدل الحيلولة. و هذا هو الاحتمال الثاني، و وجهه:

أنّ المخاطب بردّ العين هو الضامن. فإن تمكّن من الرّد فهو، و إن عجز سقط عنه، و وجب عليه بدل الحيلولة. فلا تكليف له بردّ العين حتى يجب عليه بذل الأجرة من باب المقدمة.

(2) بأن يقال: بوجوب بذل الأجرة المتعارفة، و بالانتقال إلى بدل الحيلولة لو طالبه المالك بأجرة مجحفة زائدة عن اجرة المثل. و هذا هو الاحتمال الثالث.

و وجه هذا التفصيل واضح، لما تقدّم في الوجهين السابقين. فإن كانت الأجرة متعارفة فللمقدمية. و إن كانت مجحفة فلقاعدة نفي الضرر، فإن أصل وجوب الردّ و إن كان ضرريا، لكن قد يتأمّل في الأخذ بإطلاقه من جهة انصراف وجوب الردّ عمّا إذا استلزم بذل مال كثير غير متعارف.

الّا أن يتمسك في خصوص الغاصب بما روي من «أنه يؤخذ بأشق الأحوال» لكنه ممنوع سندا و دلالة، و قد أشار إلى ذلك في بحث بدل الحيلولة، فراجع «1».

(3) مبتدء مؤخّر، و خبره «فيه» مقدّرا المدلول عليه بقوله: «فهل يجب» و الجملة بتمامها جواب الشرط في قوله: «و لو لم يقدر».

(4) أي: ما ذكرناه- من رجوع المالك على الغاصب الأوّل، و أخذ العين المغصوبة منه مع التمكن، أو أخذ بدله بدون التمكن من أخذها و انتزاعها ممّن هي في يده- إنّما هو في صورة عدم تغيّر العين.

و أمّا إذا تغيرت- مع فرض بقائها- فتجي ء فيه صور كثيرة مذكورة في كتاب الغصب، كما إذا باع الفضول قماشا مملوكا لزيد، و سلّمه للمشتري، ففصّله ثوبا أو قباء، و قد تغيّرت قيمته مخيطا عمّا كان عليه، فهل يرجع المالك على الفضولي أم على المشتري

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 606- 607

ص: 599

باب الغصب. إلّا أنّ الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في المقام بأدنى مناسبة (1)، اغتناما للفرصة، وفّقنا اللّه لما يرضيه عنّا من العلم و العمل، إنّه غفّار الزّلل.

______________________________

منه، الذي حدث التغيير بيده؟ و هل ضمان التفاوت على البائع أو على المشتري؟

و لو فرض كون القماش قيميّا، فهل المناط قيمته يوم وقوعه تحت يد البائع أم المشتري، أم قيمة يوم التغيير؟

و كذا لو باع الفضولي العصير العنبي، فأغلاه المشتري، فنقص وزنه، فهل تضمن النقيصة في الوزن أم لا؟

و على تقدير الضمان، فهل قرار الضمان على البائع أو على المشتري؟

و لو ارتفعت قيمته السوقية فهل تضمن أم لا؟

و على تقدير الضمان، فهل العهدة على الفضولي أم الثاني؟

و تتكثّر فروض المسألة لو تعاقبت أيدي أخرى على المبيع فضولا.

و هناك فروع كثيرة موضوعها تغيير المغصوب إمّا بفعل الغاصب، و إمّا بفعل من تسلّمه منع ببيع أم بغصب أم بغيرهما، و تحقيقها موكول إلى كتاب الغصب. و كان المقصود الإشارة إلى ما أفاده المصنف قدّس سرّه من كثرة فروع التغيير.

هذا تمام الكلام في ما إذا ردّ المالك البيع الواقع على ماله فضولا، و بذلك تمت أحكام البيع الفضولي.

(1) و هي كون المبيع فضولا محكوما بحكم الغصب إذا ردّ المالك البيع، فإنّه و إن لم تصدق اليد العدوانية بالنسبة إلى المشتري الجاهل، إلّا أنّ إطلاق «على اليد» شامل له كالغاصب، فيتجه البحث عن أحكامه.

ص: 600

[مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه]

مسألة (1) لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فعلى (2) [1] القول ببطلان الفضولي فالظاهر أنّ حكمه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله.

______________________________

بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره

(1) كان الكلام قبل هذه المسألة في حكم بيع الفضولي مال غيره لنفسه أو للمالك.

و الغرض من عقد هذه المسألة بيان حكم بيع الفضول مال غيره مع مال نفسه. و البحث في مقامين، أحدهما: في صحته في المجموع و عدمها. ثانيهما في كيفية تقسيط الثمن، و الكلام فعلا في المقام الأوّل.

(2) حاصله: أنّه ينبغي التكلم في جهتين:

الاولى: في تحقيق حكم المسألة بناء على بطلان الفضولي.

الثانية: في تحقيق حكمها بناء على صحة الفضولي.

أمّا الجهة الأولى، فالظاهر أنّ الحكم بناء على البطلان حكم بيع ما يقبل الملك- كالخلّ- مع ما لا يقبل الملك- كالخمر- في صحة البيع في مال نفسه، و البطلان في مال غيره.

______________________________

[1] لعلّ الأولى في عنوان المسألة أن يقال: لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فعلى القول بالانحلال لا ينبغي الإشكال في صحة بيع مال نفسه، سواء قلنا بصحة بيع الفضولي أم ببطلانه. و على القول بصحة الفضولي أجاز مالك المال الآخر أم لم يجز. و على القول بعدم الانحلال لا ينبغي الإشكال في فساده، سواء قلنا بصحة عقد الفضولي أم لا.

هذا ما تقتضيه القاعدة، و يومي إليه قوله عليه السّلام في صحيحة الصفار المشار إليها:

ص: 601

______________________________

«لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» حيث إنّه مع وحدة إنشاء البيع حكم عليه السّلام بصحة بيع مال البائع، و فساد بيع مال غيره. و هذا ما تقتضيه قاعدة الانحلال.

و بناء على هذه القاعدة لا مجال للخدشة فيه بما سيأتي في بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله. بل لا مجال للخدشة في تلك المسألة أيضا بناء على الانحلال، كما لا يخفى.

و يظهر ممّا ذكرناه من الانحلال اندفاع ما ذكروه من الإشكالات الثلاثة: من بساطة الإنشاء، و عدم تعدده حتى يكون أحدهما صحيحا و الآخر فاسدا. و من تخلف القصد، فإنّ ما قصد من بيع المجموع لم يقع، و ما وقع من بيع البائع مال نفسه لم يقصد. و من جهالة مقدار الثمن الواقع بإزاء مال نفسه.

توضيح وجه الاندفاع.

أمّا الأوّل، فلأنّ الإنشاء واحد صورة، لكنّه متعدد بحسب تعدد المتعلق، فينحلّ الإنشاء إلى إنشاءات عديدة. و هذا الانحلال أمر ارتكازي عقلائي جار في كثير من الموارد، كبيعي الصّرف و السّلم، فإنّهما ينحلّان، و يصحّان في خصوص المقبوض في مجلس العقد، و يفسدان في غير المقبوض.

و كبيع الوكيل أموال موكّليه بعقد واحد، فإنّ بيعها بإنشاء واحد ينحلّ إلى بيوع متعددة بعدد تلك الأموال.

و كالوصية بأزيد من الثّلث، فإنّها تنحلّ إلى وصيتين، إحداهما تتعلّق بالثلث، و تصحّ.

و الأخرى بأزيد من الثلث، و تقف صحتها على إمضاء الورثة.

و كذا لو قال: «أعتقت عبدي و أمّ ولدي» أو قال: «من ردّ عبدي و خنزيري فله دينار».

و ما دلّ من النقل على صحة المذكورات تارة، و بطلانها أخرى، إمضاء للسيرة العقلائية الجارية على الانحلال، ضرورة أنّ الصحة و الفساد حكمان للعقد المتعدد، لامتناع اتصاف عقد واحد بهما.

و بالجملة: فبطلان بيع الأصيل منوط بأحد أمرين، وحدة الإنشاء ظاهرا و واقعا، أو تعدده، لكن بشرط الاستقلال و عدم انضمامه ببيع مال شخص آخر.

و كلاهما باطل. أمّا أولهما فلجريان السيرة العقلائية على الانحلال.

و أمّا ثانيهما فلإطلاق أدلة البيع النافي لاعتبار الاستقلال في صحة بيع مال الأصيل.

ص: 602

و الحكم فيه الصحّة، لظهور (1) الإجماع، بل دعواه (2) عن غير واحد (3). مضافا إلى صحيحة الصفّار المتقدّمة في أدلّة بطلان الفضولي «1» من قوله عليه السّلام: «لا يجوز

______________________________

(1) يدلّ على صحة البيع في مال نفسه وجهان:

الأوّل: ظهور الإجماع، و وجه الظهور أنّه لا يحتمل الفرق بين بيع ملكه مع ملك غيره، و بين بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله بثمن واحد في صفقة واحدة.

الثاني: ما تقدم في صحيحة الصفار «لا يجوز بيع ما ليس يملك، و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ ظهوره في صحة بيع مال البائع ممّا لا ينكر.

(2) مجرور تقديرا بالعطف على «ظهور».

(3) كالسيّد أبي المكارم، و العلّامة، و سيد الرياض، و كاشف الغطاء، و الفاضل النراقي، و السيّد العاملي، و صاحب الجواهر قدّس سرّهم. قال في الجواهر: «و على كل حال فلا خلاف في صحة بيعه و نفوذه في ما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي

______________________________

و أما الثاني فلأنّ قصد بيع ذات مال نفسه موجود في ضمن قصد بيع المجموع من مال نفسه و مال غيره. و المفقود هو قصد الاستقلال، و لا دليل على اعتباره. بل إطلاق أدلة البيع ينفي اعتباره كما مرّ آنفا.

و هذا نظير ما إذا باع مالا مشتركا بينه و بين غيره الذي و كلّه في بيع حصته، فباع المجموع. فإنّ قصد بيع مال نفسه ضمني، لا استقلالي، و لا إشكال في صحة بيع المجموع.

و أمّا الثالث فلأنّ الجهالة القادحة في الصحة- و هي الموجبة للغرر- مفقودة هنا، إذ لا غرر مع إمكان معرفة الثمن بالضوابط المقررة للعلم بمقدار العوض.

و لو شكّ في قادحية هذه الجهالة و مانعيتها، فمقتضى الإطلاق- لو كان- عدم مانعيتها.

و لو لم يكن إطلاق، فأصل البراءة عن المانعية تقتضي عدم المانعية، بناء على جريان البراءة في الأحكام الوضعية كجريانها في الأحكام التكليفية. و لا تجري أصالة الفساد، لحكومة أصل البراءة حينئذ على أصالة الفساد، لجريان البراءة في الشك السببي كما لا يخفى.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 488

ص: 603

بيع ما لا يملك، و قد وجب الشراء فيما يملك» «1».

و لما ذكرنا (1) قال بها (2) من قال ببطلان الفضولي كالشيخ و ابن زهرة و الحلّي و غيرهم (3).

نعم (4) لو لا النصّ و الإجماع أمكن الخدشة فيه بما (5) سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك.

______________________________

كلزوم رباء، و بيع آبق من دون ضميمة و نحو ذلك. بل ظاهرهم الإجماع عليه كما اعترف به في الرياض ..» «2».

(1) أي: و لما ذكرنا من الصحة- و أنّ حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله- قال بالصحة هنا من قال ببطلان الفضولي.

(2) أي: بصحة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره، حاصله: أنّ القائل ببطلان الفضولي قائل بصحة بيع الفضولي مال نفسه، و إن كان قائلا ببطلانه بالنسبة إلى مال غيره.

(3) كفخر المحققين، فإنّه مع التزامه ببطلان البيع الفضولي لم يعلّق على كلام والده من صحة البيع في ما يملك. و ظاهره تقريره له، فراجع «3».

(4) استدراك على القول بالصحة، غرضه أنّ الصحة مستندة إلى النص، و هو صحيح الصفار المتقدم، و الإجماع. و مع الغضّ عنهما يمكن الخدشة في الصحة بما سيأتي في مسألة بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله.

(5) متعلق بالخدشة، و محصل الخدشة الآتية في بيع ما يملك و ما لا يملك بقوله:

«ان التراضي و التعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا .. إلخ» هو: أنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1

(2) الغنية (الجوامع الفقهية) ص 585، تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 19، الطبعة الحديثة)، رياض المسائل، ج 1، ص 511، شرح القواعد للفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) مستند الشيعة، ج 14، ص 297 و 298، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 202، قال فيه: «ان إجماعنا منعقد»، جواهر الكلام، ج 22، ص 309

(3) لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 145، الخلاف، ج 3، ص 144، كتاب البيوع، المسألة: 332، الغنية، ص 585، السرائر، ج 2، ص 275، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، و كذا يظهر من المحدث البحراني فراجع الحدائق الناضرة، ج 18، ص 400، و ج 19، ص 315

ص: 604

و أمّا (1) على القول بصحّة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحّة مع الإجازة، بل و كذا مع الردّ (2)، فإنّه كما لو تبيّن بعض المبيع غير مملوك، غاية الأمر ثبوت الخيار حينئذ (3) للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما عن التذكرة، و سيجي ء (4) في أقسام الخيار.

______________________________

الحكم بصحة البيع بالنسبة إلى ملك البائع فقط- مع جريان البيع على المجموع بثمن واحد- مشكل، لأنّ نقل بعض المثمن ليس مقصودا إلّا في ضمن نقل المجموع بمجموع الثمن. كما أنّه خلاف مقتضى إطلاق دليل الإمضاء.

(1) و أمّا الجهة الثانية- و هي تحقيق حكم بيع الفضولي مال غيره مع مال نفسه- فحاصلها: أنّه على القول بصحة الفضولي لا ينبغي الريب في صحة بيع مال الغير بإجازته، يعني: يصحّ البيع مطلقا، أمّا بالنسبة إلى ملك البائع فلصدوره من أهله. و أمّا بالنسبة إلى ملك الغير فلإجازته.

(2) غرضه أنّ بيع الفضولي بالنسبة إلى مال نفسه صحيح مطلقا، سواء أجاز غيره أم ردّ، إذ الردّ يكون كظهور بعض المبيع غير مملوك، فإنّ البيع بالنسبة إلى البعض المملوك صحيح، مع ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا كما في التذكرة، حيث عنون- في فروع تفريق الصفقة- ما لو باع شيئا يتوزّع الثمن على أجزائه، كما لو باع عبدين، أحدهما له، و الآخر لغيره، فقال: «إذا باع ماله و مال غيره صفقة واحدة صحّ البيع في ماله. فإن كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار، لأنّه دخل في العقد على أن يسلم له العبدين، و لم يسلم. فإن اختار الإمضاء لزمه قسطه من الثمن، و سقط ما انفسخ البيع فيه. عند علمائنا» «1»

(3) أي: حين ردّ الغير البيع بالنسبة إلى ماله.

(4) يعني: و سيجي ء ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال في أقسام الخيار، كقوله في شروط خيار الغبن: «و ممّا ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل و إن كان قادرا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 566، السطر 37، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 206، أواخر الصفحة.

ص: 605

بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار للبائع (1)، لكن عن الغنية «1» الجزم بعدمه (2). و يؤيّده (3) صحيحة الصفّار.

و ربما حمل «2» كلام الشيخ (4) على ما إذا ادّعى البائع الجهل أو الإذن، و كلام الغنية على العالم.

______________________________

على السؤال، كما صرّح به في التحرير و التذكرة».

(1) لم أعثر على ثبوت الخيار للبائع في الخلاف، و لا على من نسبه إليه بعد ملاحظة بعض المواضع منه و من مفتاح الكرامة و الجواهر، بل صريحه في هذه المسألة نفي الخيار عن البائع. نعم قوّى في المبسوط ثبوته للبائع، و قد حكياه عنه أيضا «3»، فلاحظ، و لعلّ السهو من الناسب، أو أنّه مذكور في موضع آخر من الخلاف.

و كيف كان فلعلّ وجه ثبوت الخيار للبائع- إذا ردّ المالك- هو لزوم تبعّض الصفقة، و هو يوجب الضرر في بعض الموارد، لنقصان قيمة الانفراد عن القيمة عند الاجتماع، كما في مصراعي الباب و فردي الخفّ.

(2) أي: بعدم الخيار للبائع.

(3) أي: و يؤيّد عدم ثبوت الخيار للبائع صحيحة الصفار المتقدمة، حيث إنّ فيها «و قد وجب الشراء من البائع على ما يملك» فإنّ وجوب الشراء ظاهر في اللزوم، فلا خيار للبائع.

و ينبغي إبدال «يؤيد» ب «يدل».

(4) حمل كلام الشيخ- الذي قوّي ثبوت الخيار للبائع- على ما إذا ادّعى البائع الجهل بكون بعض المبيع لغيره، أو ادّعى الإذن من الغير في بيع ماله مع مال نفسه. فإذا ردّ الغير قال الشيخ بثبوت الخيار حينئذ للبائع.

______________________________

(1) الحاكي عن الغنية هو السيّد العاملي و صاحب الجواهر، لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316، الغنية (الجوامع الفقهية) ص 528، السطر 3.

(2) الحامل هو السيّد العاملي و صاحب الجواهر، فلاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316

(3) المبسوط، ج 2، ص 145، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207، جواهر الكلام، ج 22، ص 316

ص: 606

ثم إنّ (1) صحّة البيع فيما يملكه مع الردّ مقيّدة في بعض الكلمات بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعيّ، كلزوم ربا (2)، و بيع آبق (3) من دون ضميمة.

و سيجي ء الكلام في محلّه (4).

______________________________

و حمل كلام الغنية- الدالّ على الجزم بعدم ثبوت الخيار للبائع- على البائع العالم بكون بعض المبيع مال الغير.

(1) غرضه التنبيه على أنّ صحة البيع فيما يملكه البائع مع ردّ المالك الآخر لحصته ليست مطلقة، بل مقيّدة في كلام صاحب الجواهر «1» بما إذا لم يتولّد من عدم الإجازة مانع شرعي، و سيأتي بيانه.

(2) كما إذا باع مثقالا من ذهبة الجيّد مع كتاب زيد بمثقالين و نصف من الذهب الرّدي ء، ثم ردّ زيد، فبطل بيع كتابه، و بطل البيع بالنسبة إلى البائع أيضا، للزوم الرّبا، لأنّه بعد بطلان بيع الكتاب- الذي هو في مقابل مثقال ذهب ردي ء- يصير المثقال الجيّد من ذهب البائع في مقابل المثقال و النصف من الذهب الردي. و هذا من أوضح مصاديق الربا.

و بالجملة: فالبيع باطل في كلا المالين- مال البائع و غيره- في كل مورد يلزم من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم الربا، فإنّ هذا مقتضى الأحكام الحيثية، ضرورة أنّ البحث عن صحة البيع هنا إنّما هو من حيث كونه فضوليّا، لا من حيثيّات اخرى كلزوم الربا مثلا.

(3) كما إذا باع عبده الآبق مع كتاب زيد، ثمّ ردّ زيد، فيبطل بيع العبد أيضا، لأنّ بيع الآبق بدون الضميمة باطل.

(4) لعلّ مقصوده ما أفاده في مسألة بيع العبد الآبق مع الضميمة من قوله: «لو عقد على الضميمة فضولا، و لم يجز مالكها، انفسخ العقد بالنسبة إلى المجموع». و هذا موافق للتقييد الذي التزم به صاحب الجواهر قدّس سرّه.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 309، و تقدم نصّ كلام في ص 602

ص: 607

ثم إنّ البيع المذكور (1) صحيح بالنسبة إلى المملوك (2) بحصّته من الثمن، و موقوف في غيره بحصّته.

و طريق (3) معرفة حصّة كلّ منهما من الثمن في غير المثلي أن يقوّم (4) كلّ منهما منفردا، فيؤخذ لكلّ واحد (5) جزء من الثمن نسبته (6) إليه كنسبة قيمته إلى مجموع

______________________________

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل، و هو صحة بيع المملوك، و سيأتي الكلام في المقام الثاني، و هو طريق تقسيط الثمن على المالين.

(1) و هو بيع مال نفسه مع مال غيره، فإنّه صحيح بالنسبة إلى مال البائع بما يقابله من الثمن، و موقوف في غير مال البائع على إجازة مالكه، فإن أجاز صحّ البيع في كلا المالين، و إن ردّ بطل البيع في ماله، و صحّ البيع في مال البائع فقط.

و على كلا تقديري الإمضاء و الردّ لا بدّ من تقسيط الثمن، ففي صورة الإجازة يوزّع الثمن على البائع و المجيز، و في صورة الردّ يوزّع على البائع و المشتري.

(2) أي: مال البائع، فإنّ البيع بالنسبة إليه صحيح، لصدوره من أهله، و موقوف بالنسبة إلى مال غير البائع، فإن أجاز صحّ بالنسبة إليه أيضا.

(3) قد ذكر المصنف قدّس سرّه طريقين لمعرفة حصة كلّ من البائع و غيره في كلتا صورتي إجازة من بيع ماله فضولا و عدمها فيما إذا كان المبيع قيميّا. و إن كان مثليا فسيأتي الكلام فيه في آخر المسألة.

(4) خبر قوله: «و طريق» و هذه هي الطريقة الاولى، و محصّلها: أنّ كلا من المالين يقوّم منفردا بالقيمة السوقية- لا تقويمهما مجتمعين- فيؤخذ لكل واحد منهما جزء من الثمن يكون نسبة ذلك الجزء إلى تمام الثمن كنسبة قيمة كلّ منهما إلى مجموع القيمتين. فإذا كان الثمن ثلاثة دنانير، و كانت قيمة مال البائع قيراطا، و قيمة مال غيره قيراطين، فتكون نسبة قيمة مال غير البائع- و هي قيراطان- إلى الثمن- و هو ثلاثة دنانير- كنسبة قيمته السوقية و هي قيراطان إلى مجموع القيمتين و هو ثلاثة قراريط. و تلك النسبة هي الثلثان، فيؤخذ للمشتري من الثمن المسمّى- و هو ثلاثة دنانير- ثلثاه، و هما ديناران.

(5) يعني: لكلّ واحد من مالي البائع و غيره ممّن بيع ماله فضولا.

(6) مبتدء، و خبره «كنسبة» و الجملة صفة ل- «جزء» يعني: نسبة ذلك الجزء إلى

ص: 608

القيمتين. مثاله- كما عن السرائر- ما إذا كان ثمنهما (1) ثلاث دنانير، و قيل: إنّ قيمة المملوك (2) قيراط، و قيمة غيره (3) قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن.

و ما ذكرنا من الطريق (4)

______________________________

الثمن- الذي هو ثلاثة دنانير- كنسبة القيراطين إلى القراريط الثلاثة التي هي مجموع القيمتين، و تلك النسبة هي الثلثان كما مرّ آنفا.

(1) يعني: ثمنهما المسمّى في بيع البائع مال نفسه مع مال غيره.

(2) أي: القيمة السوقية المال البائع قيراط.

(3) أي: غير مال البائع الذي بيع فضولا مع مال البائع.

ثم إنّ عبارة السرائر محكية معنى، و الحاكي لها هو السيد العاملي و صاحب الجواهر.

و الأولى نقل بعض كلام ابن إدريس قدّس سرّه، فإنّه بعد إثبات الخيار للمشتري في مسألتنا و المسألة الآتية- و هي بيع ما يملك و ما لا يملك- قال: «مثاله: باع شاة و خنزيرا بثلاثة دنانير، فإنّ الثمن يتقسّط على قدر قيمة الشاة و قيمة الخنزير عند مستحليّه، فيقال:

كم قيمة الشاة؟ فيقال: قيراطان. و يقال: كم قيمة الخنزير؟ فيقال: قيراط، فيرجع بثلث الثمن و هو دينار. و بالعكس من ذلك أن يقال: قيمة الشاة قيراط، و قيمة الخنزير عند مستحليه قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن، و هو ديناران» «1».

و في هذا المثال تختلف القيمة الواقعية عن الثمن المسمّى بكثير، لأنّ القيراط الشرعي نصف عشر المثقال الشرعي- أي الدينار، فالدينار عشرون قيراطا شرعيّا، و القيراط الصيرفي حبّة واحدة، فهو جزء من ثمانية عشر جزءا من الدينار الشرعي «2».

و على كلّ منهما يكون الثمن المسمّى أضعاف القيمة. إلّا أنّ المقصود بيان كيفية تقسيط الثمن على المبيع.

(4) أي: الطريق الأوّل، و هو تقويم كلّ من المالين منفردا، و لحاظ مجموع قيمتهما و الأخذ لكلّ واحد من المالين جزء من الثمن تكون نسبته إلى الثمن كنسبة قيمة أحد

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 276، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 203، جواهر الكلام، ج 22، ص 312

(2) الأوزان و المقادير، ص 52 و 91- 92 للعلّامة الشيخ إبراهيم سليمان العاملي.

ص: 609

هو (1) المصرّح به في الإرشاد «1»، حيث قال: «و يقسّط المسمّى على القيمتين» (2) و لعلّه (3) [1] أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من «أنّهما يقوّمان

______________________________

المالين إلى مجموع قيميتهما، و قد تقدم آنفا مثاله.

(1) أي: ما ذكرناه من الطريق الأوّل هو المصرّح به في الإرشاد، حيث قال:

«و يقسّط المسمّى على القيمتين» أي: قيمة كلّ من مالي البائع و غيره، فإنّ ظاهر «القيمتين» هو قيمة كل منهما منفردا. فالمراد مجموع القيمتين، لا قيمة المجموع، و إلّا كان اللازم أن يقول: «و يقسّط المسمى على قيمة المجموع» فيكون كلام العلّامة موافقا للطريق الأوّل، و هو: «نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين» لا إلى قيمة المجموع. و بينهما فرق واضح.

فإذا كان المبيع مصراعي الباب، و كانت قيمة مجموعهما اثني عشر درهما، و كان مجموع قيمتيهما ثمانية دراهم، بأن كانت قيمة كلّ منهما منفردا أربعة دراهم، و كان الثمن المسمّى اثني عشر درهما. فعلى الطريق الثاني- و هو نسبة قيمة أحد المالين إلى مجموع القيمتين و هو الثمانية- يؤخذ نصف الثمن و هو الستة للمشتري، لأنّ نسبة الأربع- الذي هو قيمة أحد المالين- إلى مجموع قيمتيهما- و هو الثمانية- هي النصف، فيؤخذ نصف الثمن و هو الستة للمشتري.

و على الطريق الأوّل- و هو أخذ نسبة قيمة أحد المالين إلى قيمة المجموع، و هي اثنا عشر درهما- تكون هي الثلث، فيؤخذ ثلث الثمن و هو الأربع للمشتري.

(2) أي: قيمة كلّ من المالين، و هو مساوق لقوله: «أن يقوّم كل منهما منفردا».

(3) يعني: أنّ ما ذكرناه من الطريق هو المصرّح به في الإرشاد، و المحتمل لأن يكون ذلك أيضا مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللّمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم كل

______________________________

[1] يشكل أن يكون الطريق المذكور- و هو تقويم كل منهما منفردا- مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة من تقويمهما جميعا ثم تقويم أحدهما. وجه الاشكال: أنّ في

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360

ص: 610

جميعا، ثم يقوّم أحدهما» «1» و لذا (1) فسّر بهذه العبارة (2) المحقّق الثاني عبارة الإرشاد (3)، حيث قال (4): «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين .. إلخ».

______________________________

واحد منهما مستقلّا. و الاحتمال المذكور في المتن قد ذهب إليه في الجواهر، فيكون كلام المصنف في ردّ هذا الاحتمال بقوله: «لكن الانصاف» ردّا عليه.

قال صاحب الجواهر- بعد نقل عبارة السرائر-: «و هي عين ما ذكرناه، ضرورة كون النسبة بما فرضه ذلك، فمراد الجميع حينئذ واحد، و هو: أنّه إذا كان المبيع من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة و نقصا لا بدّ في معرفة تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء، و بدل العين و قائمة مقامها، و معرفة النسبة، فيوزّع الثمن عليها. و هو معنى ما في الإرشاد ..» «2».

(1) أي: و لكون ما ذكره المصنف قدّس سرّه هو المصرّح به في الإرشاد- و مرجع ما في الشرائع و القواعد و اللمعة- فسّر المحقق الثاني قدّس سرّه .. إلخ.

(2) و هي: أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم أحدهما.

(3) و هي: و يقسّط المسمّى على القيمتين.

(4) يعني: قال المحقق الثاني في شرح عبارة الإرشاد: «طريق تقسيط المسمّى على القيمتين: أن يقوّم المبيعان معا، ثم يقوّم أحدهما على انفراده، و تنسب قيمته إلى مجموع القيمتين. و ينظر تلك النسبة، فيؤخذ بها من الثمن .. إلخ» «3».

______________________________

طريق المصنف تقويما واحدا، و هو تقويم كل منهما منفردا. و في طريق الشرائع تقويمين، أحدهما: تقويم المالين معا، ثانيهما: تقويم أحدهما، لتنسب قيمته إلى قيمة المجموع.

و لا بدّ أن يكون المراد من تقويمهما جميعا- كما عن الشرائع- تقويمهما معا، لا تقويم كل منهما منفردا، و إلّا لم يكن وجه لتقويم أحدهما، لكونه من تحصيل الحاصل.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 15، قواعد الأحكام، ج 2، ص 19، اللمعة الدمشقية، ص 110

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 312

(3) حاشية الإرشاد، مخطوط، ص 219، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 203

ص: 611

لكنّ (1) الإنصاف أنّ هذه العبارة الموجودة في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها (2) في طريق التقسيط، و استظهرناه (3) من السرائر، إذ (4) لو كان المراد من تقويمهما معا (5) تقويم كلّ منهما (6) لا تقويم المجموع، لم يحتج (7)

______________________________

(1) هذا عدول عما أفاده بقوله: «و لعلّه» من جعل مرجع كلا طريقي التقسيط أمرا واحدا، فالغرض منه الإيراد على صاحب الجواهر قدّس سرّه، و محصله: أنّ العبارة الموجودة في الشرائع و القواعد و اللّمعة لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها في التقسيط.

(2) بقولنا: «أن يقوّم كلّ منهما منفردا، فيؤخذ لكلّ واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين».

(3) مورد الاستظهار هو قول ابن إدريس: «ما إذا كان ثمنهما ثلاثة دنانير، و قيل: إنّ قيمة المملوك قيراط، و قيمة غيره قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن».

(4) تعليل لعدم انطباق ما في الشرائع و القواعد و اللمعة «من أنّهما يقوّمان جميعا، ثم يقوّم كل منهما مستقلا» على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف بقوله: «أن يقوّم كل منهما منفردا .. إلخ».

و محصل التعليل: أنّه لو كان المراد بما في الشرائع «من أنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما- لا تقويم المجموع- كان تقويم أحدهما بعد تقويم كل منهما مستدركا، لمعرفة قيمته ابتداء، و عدم الحاجة إلى تقويمه ثانيا.

فليس هنا إلّا أمران، أحدهما: تقويم كل منهما، و ثانيهما: نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين. مع أنّ الظاهر من كلامهم أمور ثلاثة: أحدها: تقويمهما مجتمعين، ثانيها: تقويم أحدهما، ثالثها: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(5) أي: جميعا، فإنّه الوارد في عبارة الكتب المذكورة، فبدّل «جميعا» ب- «معا».

(6) أي: تقويم كلّ منهما منفردا، لا تقويم المجموع بالهيئة الاجتماعية إذا كان لاجتماعهما دخل في قيمتهما كمصراعي الباب.

(7) جواب «لو» وجه عدم الحاجة هو: حصول المعرفة ابتداء، و معه لا حاجة إلى معرفته ثانيا.

ص: 612

إلى قولهم: «ثمّ يقوّم أحدهما، ثمّ تنسب قيمته»، إذ (1) ليس هنا إلّا أمران: تقويم كلّ منهما، و نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

فالظاهر (2) إرادة قيمتهما مجتمعين، ثمّ تقويم أحدهما بنفسه، ثمّ ملاحظة (3) نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

و من هنا (4) أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع المقاصد

______________________________

(1) تعليل لعدم الحاجة إلى قولهم: «ثم يقوّم أحدهما .. إلخ» توضيحه: أنّه لو أريد من قولهم: «إنّهما يقوّمان جميعا» تقويم كلّ منهما منفردا- لا تقويم المجموع- لم يكن هنا إلّا أمران، أحدهما: تقويم كلّ منهما، و ثانيهما نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

لكن الظاهر من قولهم أمور ثلاثة، أوّلها: تقويمهما مجتمعين، ثانيهما: تقويم أحدهما بنفسه، ثالثها: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

و هذا مغاير للطريق التي اختارها المصنف في طريق التقسيط و استظهرها من السرائر من «تقويم كلّ منهما منفردا» إذ ليس فيه إلّا أمران، أحدهما: تقويم كل منهما منفردا، و ثانيهما: نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

(2) هذا نتيجة الإيراد المتقدم بقوله: «إذ لو كان المراد من تقويمهما معا تقويم كلّ منهما، لا تقويم المجموع .. إلخ». يعني: فالظاهر من عبارة الشرائع و القواعد و اللمعة- من: أنّهما يقومان جميعا- أمور ثلاثة:

الأوّل: تقويمهما مجتمعين. الثاني: تقويم أحدهما بنفسه. الثالث: ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع. و قد مرّ آنفا ذلك.

و بالجملة: فظاهر عبارة الشرائع و القواعد و اللمعة لا ينطبق على عبارة الإرشاد التي اختارها المصنف قدّس سرّه من تقويم كلّ منهما منفردا، و نسبته إلى مجموع القيمتين.

(3) معطوف على «إرادة» و قوله: «تقويم» معطوف على «قيمتهما».

(4) أي: و من كون الظاهر من عبارة الشرائع و القواعد و اللّمعة تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع، أنكر جماعة على أرباب هذه الكتب الثلاثة- تبعا لجامع المقاصد- إطلاق قولهم بتقويمهما مجتمعين، بدعوى: أنّه ليس في جميع الموارد لهيئة الاجتماع دخل في القيمة حتى يلزم تقويمهما مجتمعين.

ص: 613

إطلاق (1) القول بذلك (2)، إذ (3) لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة، كما في مصراعي باب و زوج خفّ إذا فرض تقويم المجموع بعشرة، و تقويم أحدهما بدرهمين، و كان الثمن خمسة، فإنّه إذا رجع المشتري بجزء من الثمن

______________________________

قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و أما إذا كان لاجتماعها مدخل في زيادة القيمة- كمصراعي باب و زوج خفّ كل واحد للمالك- ففي جامع المقاصد و الميسية و المسالك و الروضة و الرياض و الحدائق: أنّهما لا يقوّمان مجتمعين، إذ لا يستحق مالك كل واحد حصّته إلّا منفردة، فلا يستحق ما يزيد باجتماعهما. و قالوا: إنّ طريق تقويمهما- على هذا- أن يقوّم كل منهما منفردا، و تنسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، و يؤخذ من الثمن بتلك النسبة. فإذا كان قيمتهما مجتمعين اثني عشر، و منفردين تسعة، و الثمن ستة، و قيمة أحدهما ثلاثة، أخذنا له من الثمن بقدر قيمته إلى التسعة- و هو ثلث الستة- اثنان.

و لا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثني عشر- و هو ربع الستة- واحد و نصف. و لو قوّم كل واحد منهما منفردا بعشرة يؤخذ نصف الثمن، لأنّه نسبة أحدهما إلى المجموع ..» «1».

(1) مفعول قوله: «أنكر».

(2) أي: بتقويهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع.

(3) تعليل لعدم مدخلية الهيئة الاجتماعية بنحو الإطلاق، و محصله: «أنّه يلزم عدم استقامة هذا الطريق الثاني- و هو تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما منفردا، ثم ملاحظة نسبته إلى قيمة المجموع، و الأخذ بتلك النسبة من الثمن- في مثل كون المبيع مصراعي باب و زوج خف، و غيرهما ممّا يكون لهيئة الاجتماع دخل في زيادة القيمة.

وجه عدم الاستقامة: أنّه يلزم الإجحاف على المشتري، كما في مثال المتن، فإنّ الثمن المسمّى- و هو خمسة دراهم- مشترك بين البائع و مالك المال الآخر بالمناصفة، و مقتضى طريق الشرائع أن يكون للبائع أربعة دراهم، و للمشتري درهم واحد، و هو خمس الثمن المسمّى. مع اشتراك الثمن بين البائع و المشتري بالمناصفة، فيستحق المشتري

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 204، جامع المقاصد، ج 4، ص 78، مسالك الأفهام، ج 3، ص 162، الروضة البهية، ج 2، ص 239، رياض المسائل، ج 1، ص 514، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 402

ص: 614

- نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة- استحقّ (1) من البائع واحدا (2) من الخمسة، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد. مع أنّه (3) لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر، أعني درهمين و نصفا [و نصف].

و الحاصل (4): أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصّة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة، و يصحّ (5) في نصيب المالك بحصّة كان يأخذها مع إجازة مالك

______________________________

من الثمن نصفه- و هو درهمان و نصف- على ما يقتضيه طريق المصنف، لأنّ نسبة قيمة كلّ واحد من المصراعين و كلّ واحد من الخفّين- و هي درهمان- إلى مجموع القيمتين و هو أربعة دراهم هي النصف، فيؤخذ بهذه النسبة من الثمن المسمى- الذي هو خمسة دراهم- درهمان و نصف درهم.

(1) جواب الشرط في «إذا رجع» و جملة «نسبته إليه .. إلخ» نعت ل- «جزء من الثمن».

(2) لأنّه خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم، و هذا الخمس هو خمس العشرة التي هي قيمة مجموع المصراعين. و بهذه النسبة يكون الدرهم الواحد خمس الثمن المسمّى، و يعطى للمشتري. و يكون الباقي- و هو أربعة دراهم- للبائع في مقابل المصراع الواحد. و هو إجحاف على المشتري، لأنّه كالبائع يستحق من الثمن مقدارا مساويا لما يقابل المصراع الآخر، و هو درهمان و نصف.

(3) يعني: مع أنّ البائع لم يستحقّ من الثمن إلّا مقدارا يقابل المصراع الآخر، و هو درهمان و نصف، فلا وجه لأخذه أربعة دراهم.

إلى هنا تمّ إنكار الجماعة على طريقة الشرائع و العلّامة و الشهيد في التقويم.

(4) يعني: و حاصل الكلام أنّ استحقاق كلّ من البائع و مالك الجزء الآخر لحصة من الثمن لا فرق فيه بين صحة البيع و بطلانه. فإذا أجاز البيع مالك الجزء الآخر استحقّ نصف الثمن، و هو درهمان و نصف. و إذا ردّ البيع ردّ هذا النصف إلى المشتري. و كذا البائع، فإنّه يأخذ نصف الثمن في كلتا صورتي إجازة مالك الجزء الآخر و ردّه.

(5) معطوف على «يبطل» أي: أنّ البيع إنّما يصحّ في نصيب المالك.

ص: 615

الجزء الآخر، هذا.

و لكن (1) الظاهر أنّ كلام الجماعة إمّا (2) محمول على الغالب من عدم زيادة القيمة و لا نقصانها بالاجتماع (3)، أو مرادهم (4) من «تقويمهما» تقويم كلّ منهما منفردا، و يراد من «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين [1].

و إلّا (5) ففساد الضابط المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية

________________________________________

(1) هذا استدراك على بطلان ضابط التقسيط الذي أفاده المحقق و العلامة و الشهيد رضوان اللّه تعالى عليهم، و أنّ لازمه تضرّر المشتري في مثل مصراعي الباب و زوج الخفّ كما تقدم تفصيله آنفا. فالغرض من الاستدراك توجيه ما أفاده هؤلاء الأعلام قدّس سرّهم بأحد وجهين.

(2) هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أنّ ما أفادوه من الضابط المذكور محمول على الغالب، و هو عدم دخل الهيئة الاجتماعية في زيادة القيمة و نقصانها. فالضابط المذكور ليس مطّردا في جميع الموارد، بل هو مختص بما إذا لم يكن لهيئة الاجتماع دخل في القيمة.

(3) أي: باجتماع مال البائع مع مال غيره مما بيع فضولا.

(4) معطوف على «اما محمول» و هذا هو الوجه الثاني، و محصله: أنّ مراد المحقق و العلّامة و الشهيد من «تقويمهما»: تقويم كلّ منهما منفردا، لا ما هو ظاهر العبارة من تقويمهما مجتمعين. و المراد ب- «تقويم أحدهما ثانيا» ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

فيرجع كلامهم مع هذا التوجيه إلى ضابط المصنف من: تقويم كلّ منهما منفردا، و ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين.

(5) أي: و لولا هذا التوجيه لكلام المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم لبقيت طريقتهم لمعرفة قيمة كلّ من المالين على فسادها، و لا يحتاج إلى النقض بصورة دخل اجتماع المالين في زيادة القيمة، لإمكان القول فيها بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما المنفرد، و بين قيمة مجموعهما، كما يقول به المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم.

______________________________

[1] و كلاهما خلاف الظاهر، لظهور «تقويمهما» في تقويمهما مجتمعين، و ظهور «تقويم أحدهما» في تعيين قيمته، لا في ملاحظة قيمته المعيّنة.

ص: 616

الاجتماع في الزيادة التي يمكن القول فيها- و إن كان (1) ضعيفا- بأخذ (2) النسبة للمشتري (3) بين قيمة أحدهما المنفرد، و بين قيمة المجموع. بل ينتقض (4) بصورة مدخليّة الاجتماع في نقصان القيمة، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد (5)، فإنّ هذه (6) فرض ممكن كما صرّح به (7) في رهن جامع المقاصد

______________________________

(1) يعني: و إن كان هذا القول ضعيفا، لما ذكره في قوله: «و الحاصل: أنّ البيع إنّما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقّها الغير مع الإجازة .. إلخ».

(2) متعلق بالقول، يعني: يمكن القول- في صورة دخل الاجتماع في زيادة القيمة- بأخذ النسبة لنفع المشتري بين قيمة أحدهما المنفرد و هي درهمان، و بين قيمة المجموع و هي عشرة دراهم، كما هو طريقة المحقق و العلّامة و الشهيد قدس سرهم، فيؤخذ للبائع درهم، و ذلك خمس الثمن المسمّى الذي هو خمسة دراهم، و الأربعة الباقية للمشتري.

(3) يعني: أنّ أخذ هذه النسبة إنّما هو لنفع المشتري، لا لنفع البائع، لأنّ البائع إن كان عالما بهذا فقد أقدم على ضرره. و إن كان جاهلا به، فيجبر ضرره بالخيار.

(4) يعني: بل ينتقض أيضا الضابط- المذكور في كلام هؤلاء الأعلام- بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة كما سيأتي في مثال المتن.

(5) معطوف على «مثل» الذي هو خبر قوله: «تكون».

(6) أي: فإنّ هذه الصورة- و هي مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة، بحيث تكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد- من الفروض الممكنة، كما صرّح به المحقق الثاني قدّس سرّه في جامع المقاصد، حيث قال في فروع رهن الأمة ذات الولد الصغير ما لفظه: «لو نقصت قيمة الأمّ مع الضميمة عن حال الانفراد لم يدخل النقص على المرتهن، لاستحقاقه قيمتها منفردة، و الضميمة حقّ وجب على الراهن» «1».

و قال الشهيد قدّس سرّه: «لأنّ الأمّ تنقص قيمتها إذا ضمّت إليه- أي إلى الولد الصغير- لمكان اشتغالها بالحضانة، و الولد تنقص قيمته منفردا، لضياعه» «2».

(7) أي: بإمكان نقصان القيمة بالاجتماع. و المراد بغير المحقق الثاني هو الشهيد و صاحب الجواهر.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 56

(2) الدروس الشرعية، ج 3، ص 391، جواهر الكلام، ج 25، ص 140

ص: 617

و غيره، فإنّ الالتزام هنا (1) بالنسبة المذكورة يوجب الجمع بين الثمن و المثمن، كما لو باع جارية مع أمّها- قيمتهما مجتمعتين عشرة، و قيمة كلّ واحدة منهما منفردة عشرة- بثمانية (2)، فإنّ نسبة قيمة إحداهما المنفردة إلى مجموع القيمتين (3) نسبة (4) الشي ء إلى مماثله، فيرجع (5) [فرجع] بكلّ الثمانية.

______________________________

(1) أي: في صورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. و قوله: «فإنّ الالتزام» بيان لانتقاض مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة.

توضيحه: أنّه بناء على الطريقة التي أفادها الأعلام المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم- و هي تقويمهما مجتمعين، ثم تقويم أحدهما منفردا، ثم ملاحظة نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع- يلزم الجمع بين الثمن و المثمن.

مثاله كما في المتن: ما لو باع جارية مع أمّها بثمانية دراهم، و كانت قيمتهما مجتمعتين عشرة دراهم، و قيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة أيضا. فإنّ نسبة العشرة- التي هي قيمة إحداهما منفردة- إلى العشرة التي هي قيمتهما بنحو الاجتماع نسبة الشي ء إلى مماثله، فإذا رجع المشتري بتمام الثمن- و هي الثمانية- يلزم الجمع بين العوض و المعوّض. و هو لازم باطل، فيبقى مال البائع بلا ثمن.

و هذا بخلاف طريقة المصنف قدّس سرّه، لأنّه ينسب قيمة كل واحدة- و هي العشرة- إلى مجموع القيمتين و هي العشرون، فيردّ من الثمن إلى المشتري بنسبة العشرة إلى العشرين، و هي النصف أعني به أربعة دراهم. فضابط المصنف مطّرد في موارد تساوي قيمة كل منهما منفردا مع قيمة المجموع، و اختلافهما بالزيادة و النقصان.

(2) متعلق بقوله: «باع» و قوله: «فان نسبة» بيان لوجه لزوم الجمع بين العوض و المعوّض.

(3) أي: قيمتهما بنحو الاجتماع، لا مجموع قيمتهما و هو العشرون. فالأولى تبديل «مجموع القيمتين» ب- «قيمتهما بنحو الاجتماع» أو «قيمتهما مجتمعين».

(4) خبر قوله: «فانّ نسبة».

(5) أي: فيرجع المشتري بكلّ الثمانية التي هي تمام الثمن المسمّى، و هذا جمع بين الثمن و المثمن عند المشتري، كما مرّ آنفا.

ص: 618

و كأنّ من (1) أورد عليهم ذلك (2) غفل عن هذا (3)، أو كان (4) عنده غير ممكن.

فالتحقيق (5) في جميع الموارد: ما ذكرنا، من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا، و نسبة (6) قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين.

فإن قلت (7): إنّ المشتري إنّما [إذا] بذل الثمن في مقابل كلّ منهما مقيّدا

______________________________

(1) المورد صاحب جامع المقاصد و من تبعه، فإنّهم أوردوا على المحقق و العلّامة و الشهيد قدّس سرّهم.

(2) أي: النقض- بصورة مدخلية الاجتماع في زيادة القيمة- بقولهم: «إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين دخل في زيادة القيمة كما في مصراعي الباب». فراجع (ص 614)

(3) أي: النقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة. و محصل مراده قدّس سرّه: أنّ عدم إيراد جامع المقاصد و غيره على ضابط المحقق و العلّامة و الشهيد- بالنقض بدخل الاجتماع في نقصان القيمة- لعلّه لأجل الغفلة عن إمكان دخل الهيئة الاجتماعية في نقصان القيمة، أو لأجل اعتقاده بعدم إمكان دخل الاجتماع في نقصان القيمة. و إن كان هذا الاحتمال الثاني ضعيفا بعد التصريح بدخل الاجتماع في نقصان القيمة، كما تقدم عن رهن الدروس و جامع المقاصد.

(4) معطوف على «غفل» و اسمه ضمير راجع إلى «هذا» المراد به النقض.

(5) بعد الإشكال على الضابط الذي أفاده المحقق و العلّامة و الشهيد رحمه اللّه جعل التحقيق في جميع الموارد ما أفاده من ملاحظة قيمة كلّ منهما منفردا، و نسبة قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، و أخذ تلك النسبة من الثمن المسمّى.

(6) معطوف على «ملاحظة»، و قوله: «إلى مجموع» متعلق ب- «نسبة».

(7) هذا إشكال على قوله: «فالتحقيق في جميع الموارد ..» و غرض المستشكل الإيراد على طريق التقسيط باستلزامها للظلم على المشتري، في ما كان وصف الاجتماع دخيلا في زيادة قيمة كلّ من المالين على القيمة حال الانفراد. و هذا الاعتراض وارد أيضا على التقسيط بالكيفية الأخرى المذكورة في الشرائع و القواعد و اللمعة، كما يظهر

ص: 619

..........

______________________________

من بعض محشّي الروضة.

و توضيح الإشكال: أنّ وصف الاجتماع- في ما يكون مقتضيا لزيادة القيمة- متموّل، و قد قوبل بجزء من الثمن. فإذا ردّ مالك أحد المصراعين البيع، كان الفائت على المشتري أمرين، الأوّل: أحد المصراعين، و هو جزء المبيع. و الثاني: الهيئة الاجتماعية.

فيتعيّن استرداد ما قابل ذلك الجزء و تلك الهيئة. و لا يستقيم شي ء من نحوي التقسيط.

لاستلزامهما الظلم على المشتري.

أمّا مختار المصنف قدّس سرّه فلأنّه حكم بردّ درهمين و نصف- من مجموع ثمن المصراعين و هو خمسة دراهم- إلى المشتري، و إبقاء درهمين و نصف للبائع. مع أنّ المشتري بذل الثمن بإزاء المصراعين بوصف الاجتماع، لا بإزاء ذات كل واحد من المصراعين المتقوم بدرهم واحد، فكيف يستحقّ البائع درهمين و نصفا؟ مع أنّه ثمن مصراع الباب بوصف الانضمام لا حال الانفراد.

و عليه فاللازم الحكم بإبقاء درهم عند البائع، و ردّ أربعة دراهم إلى المشتري، ليكون درهم منها بإزاء المصراع الآخر، و ثلاثة منها بإزاء فوات الهيئة الاجتماعية.

و بعبارة أخرى: لو أجاز مالك المصراع الآخر استحق كلّ من البائع و المالك المجيز درهمين و نصف درهم، فالدرهم عوض ذات المصراع، و درهم و نصف بإزاء وصف الاجتماع الذي هو من توابع الملك. و حيث إنّ المفروض حصول مصراع منفردا عند المشتري، لم يكن وجه لاستحقاق البائع ثمن مصراع بوصف الانضمام، بل اللازم ردّ ثلاثة دراهم- هي عوض الهيئة الاجتماعية- إلى المشتري، كردّ درهم أيضا عوض المصراع الآخر.

و أمّا ما يستفاد من المحقق و تابعيه في كيفية التقسيط فالظلم فيه على المشتري أشدّ ممّا حكم به شيخنا الأعظم قدّس سرّه، لأنّ إبقاء أربعة دراهم عند البائع بإزاء مصراع واحد غير ظاهر الوجه، مع كون قيمته حال الانفراد درهما واحدا. فلم يحكم باستحقاق البائع أربعة دراهم، و استحقاق المشتري درهما واحدا مع مساواة ما بأيديهما من المصراعين المنفردين؟

و عليه فلا بد من التماس طريق آخر في التقسيط لئلّا يتضرّر المشتري.

ص: 620

باجتماعه مع الآخر، و هذا الوصف (1) لم يبق له مع ردّ مالك أحدهما. فالبائع (2) إنّما يستحقّ من الثمن ما يوزّع على ماله منفردا، فله (3) من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة- و هو درهم واحد- فالزيادة (4) ظلم على المشتري. و إن كان ما أوهمه عبارة الشرائع و شبهها- من أخذ البائع أربعة و المشتري واحدا- أشدّ (5) ظلما كما نبّه عليه (6) في بعض حواشي الروضة.

______________________________

(1) أي: و الحال أنّ وصف الاجتماع لم يسلم للمشتري عند ردّ مالك المصراع الآخر المبيع فضولا.

(2) هذا متفرع على عدم بقاء وصف الاجتماع للمشتري، يعني: بعد عدم سلامة وصف الانضمام للمشتري- و أنّه قد فات عليه أمران- اتّجه توزيع الثمن بأن يستحق البائع ثمن مصراع واحد حال الانفراد، لا ثمنه حال الاجتماع.

و بناء على النسخة الأخرى يكون قوله: «فالبائع» جوابا للشرط في «إذا بذل» و مجموع جملة الشرط و الجواب خبر قوله: «إنّ المشتري».

(3) أي: فللبائع درهم واحد، لا درهمان و نصف درهم.

(4) و هي درهم و نصف درهم، فإنّهما زائدان على الدرهم الواحد المفروض كونه ثمنا لمصراع واحد.

(5) خبر قوله: «و إن كان» و قد تقدم تقريب أشديّة الظلم.

(6) أي: على كونه أشدّ ظلما، و المنبّه هو سلطان العلماء قدّس سرّه في حاشية الروضة، حيث قال: «و إبقاء الباقي للبائع ظلم أيضا على المشتري، و إعطاء للبائع زائدا على حقه.

كما أنّ ردّ الثمن بقدر نسبة أحدهما إلى قيمتهما مجتمعين ظلم على ما ذكره الشارح المحقق- يعني الشهيد الثاني- إلّا أنّ الثاني أظلم. فالصواب أن يقوّما مجتمعين، و يقوّم ما للبائع منفردا، و يبقى من الثمن في يد البائع بقدر نسبة قيمة ماله منفردا إلى قيمتهما مجتمعين، و تتمة الثمن تردّ إلى المشتري، و حينئذ لا ظلم لأحد أصلا» «1».

و حكي هذا المطلب عن حاشية الميرزا محمّد المعروف بديلماج أيضا، فراجع «2».

______________________________

(1) نقلا من هامش الروضة البهية، (طبعة عبد الرحيم) ج 1، ص 316، و حكاه المحقق الخوانساري في حاشيته عن سلطان العلماء ص 359، فراجع.

(2) حكاه السيد الاشكوري في حاشية المكاسب، ص 100

ص: 621

فاللّازم: أن يقسّط الثمن على قيمة كلّ من الملكين منفردا (1) و على هيئته الاجتماعية، و يعطى البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا، و يبقى (2) للمشتري بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا، و قيمة (3) هيئته الاجتماعيّة (4).

قلت (5): فوات وصف الانضمام- كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة- ليس

______________________________

(1) و هو درهم واحد.

(2) أي: و يبقى الثمن للمشتري.

(3) معطوف على «بنسبة قيمة ملك الآخر».

(4) و هي ثلاثة دراهم.

(5) هذا جواب الإشكال، و محصله: منع المبنى، بعدم كون الوصف مقابلا بجزء من الثمن، و إن كان مضمونا في باب الغرامات.

توضيحه: أنّ الوصف الموجب لزيادة قيمة العين- ككتابة العبد- مضمون عند تحقق سببه كاليد و الإتلاف، فلا يكفي ردّ قيمة العبد الفاقد لصفة الكتابة، بل يتوقف فراغ الذمة على أداء بدل العبد الكاتب.

و لكن يفترق باب المعاوضة عن الغصب، بأنّ الصفة و إن أوجبت الرغبة في بذل الثمن الكثير عوض العبد الكاتب، لكنّ الثمن يقع بإزاء نفس الموصوف و هو العبد، و لا يتقسّط على كلّ من الموصوف و صفته، كما يتقسّط الثمن على المالين الخارجيّين إذا بيعا بإنشاء واحد. هذا كله فيما عدا وصف الصحة.

و لما كان وصف الانضمام- في بيع مصراعي الباب- غير مقابل بجزء من الثمن و لا مضمونا بالضمان المعاوضي، لم يوزّع الثمن على نفس المصراعين، و على الهيئة الاجتماعية.

نعم ينجبر تضرّر المشتري- الجاهل بالحال- بالخيار عند فقد الصفة التي لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف، كتسلّطه على فسخ البيع في موارد تخلف الصفة ككتابة العبد.

و على هذا، فإن فسخ المشتري- في مثال بيع المصراعين بعد ردّ مالك المصراع الآخر- بطل البيع و استردّ تمام الثمن. و إن لم يفسخ استحقّ البائع نصف الثمن المسمى أعني به درهمين و نصفا، لكون هذا النصف حصّته من مجموع الثمن على تقدير إجازة المالك، و لا يلزم ظلم على المشتري.

ص: 622

مضمونا في باب المعاوضات، و إن كان مضمونا (1) في باب العدوان. غاية الأمر ثبوت الخيار (2) مع اشتراط تلك الصفة (3).

و لا فرق فيما ذكرنا (4) بين كون ملك البائع و ملك غيره متعدّدين [متعدّدا]

______________________________

و ليعلم أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الجواب المزبور يستفاد من صاحب الجواهر قدّس سرّه أيضا، حيث قال: «إنّ الثمن و إن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية، حتى أنّ زيادته بسببها، إلّا أنّ من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكلّ واحد منهما، فلا يقابلها شي ء من الثمن عند التقسيط .. إلخ» فراجع «1».

(1) أي: و إن كان فوات وصف الانضمام مضمونا. و قوله: «ليس» خبر «فوات».

(2) يعني: خيار تبعض الصفقة، أو تخلّف الشرط.

(3) إلى هنا ينتهي الجواب الذي أفاده بقوله: «قلت ..».

(4) أي: من كيفية التقسيط، خلافا لما في الشرائع و غيره. و غرضه من هذه الجملة التنبيه على أمر يتعلق بطريقة تقسيط الثمن بما تقدّم، من أنّ مال البائع و مال الغير إن كانا قيميّين اعتبر تقويم أحدهما منفردا، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

و محصّل هذا الأمر: أنّه لا فرق في اعتبار هذه الكيفية بين كون المالين متعددين وجودا كما تقدم في الأمثلة كعبدين أو عبد و جارية. و بين كونهما متحدين، كما إذا اشترك اثنان في عبد، فكان ثلثه لأحدهما، و ثلثاه للآخر، فباعه مالك الثلث بتسعين دينارا مثلا، فإنّه لا يوزّع الثمن أثلاثا حتى يكون للبائع ثلاثون، و لمالك الثلثين ستّون.

و الوجه في عدم التوزيع بهذا النحو هو عدم كون قيمة ثلث العبد ثلث قيمة رقبته، بل هي أنقص، لقلّة رغبة العرف في شراء ثلث العبد، و تعارف رغبتهم في شراء الثلثين.

و عليه لا يتموّل الثلث بنصف الثلثين، فربما يقوّم بعشرين دينارا، و يقوّم الثلثان بسبعين دينارا. ففي صورة ردّ مالك الثلثين لا يستحق البائع ثلث تمام الرقبة، بل له قيمة الثلث خاصة كعشرين دينارا.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 313

ص: 623

في الوجود كعبد و جارية (1). أو متّحدا (2) كعبد ثلثه للبائع و ثلثاه لغيره، فإنّه (3) لا يوزّع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا، لأنّ (4) الثّلث لا يباع بنصف ما يباع به الثلثان، لكونه (5) أقلّ رغبة منه، بل (6) يلاحظ قيمة الثلث و قيمة الثلثين، و يؤخذ النسبة (7) منهما (8) [منها] ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة.

هذا (9) كلّه في القيمي. أمّا المبيع المثلي (10)، فإن كانت الحصّة مشاعة قسّط

______________________________

(1) بأن كان العبد ملكا لعمرو، و الجارية ملكا لزيد، فباعهما عمرو صفقة واحدة، ثم ردّ زيد بيع جاريته.

(2) أي: موجودا واحدا، و لكنّه ملك مشاع لاثنين أو أزيد.

(3) تعليل لقوله: «لا فرق» و الغرض بيان وحدة المناط- في مقام التقسيط- بين وحدة المبيع و تعدّده.

(4) تعليل لقوله: «لا يوزّع» و قد مرّ توضيحه.

(5) أي: لكون الثّلث أقلّ رغبة من الثلثين.

(6) معطوف على قوله: «لا يوزّع الثمن» يعني: فإنّه يلاحظ قيمة الثلث .. إلخ.

(7) فربّما كانت النسبة- بين قيمة الثلث و قيمة الثلثين- الرّبع أو الثلث، لا النصف الذي هو نسبة الثلث إلى الثلثين.

(8) أي: من القيمتين، و هما قيمة الثلث، و قيمة الثلثين. و على تقدير إفراد الضمير فالمرجع هو القيمة.

(9) أي: ما تقدم من كيفية التقسيط مختص بالمبيع القيمي كالأمثلة المتقدمة من العبد و الجارية و نحوهما ممّا لا تتساوى أفراده و جزئياته. و قد تقدم في رابع الأمور المتعلقة بالمقبوض بالبيع الفاسد ضابط المثلي و القيمي، فراجع «1».

(10) حاصل ما أفاده في المبيع المثلي- فيما كان بعضه للبائع و بعضه لغيره- صورتان، إذ تارة يكون المبيع مشتركا بينهما بنحو الإشاعة، كطنّ من الحنطة لزيد و عمرو، لكل منهما النصف، فباعها عمرو صفقة واحدة بألف درهم، فردّ زيد بيع حصته،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 296

ص: 624

الثمن على نفس المبيع (1)، فيقابل كلّ من حصّتي البائع و الأجنبي بما (2) يخصّه.

و إن (3) كانت حصّة كل منهما معيّنة كان الحكم كما في القيميّ من ملاحظة قيمتي الحصّتين، و تقسيط الثمن على المجموع، فافهم (4) [1].

______________________________

فيقسّط الثمن على النصفين، و يأخذ كل منهما خمسمائة درهم.

و اخرى يكون المبيع معيّنا، بمعنى تشخّص حصة كلّ منهما من المبيع. كما إذا كان لكلّ من زيد و عمرو كيس فيه حقّه من الحنطة، فباعهما زيد صفقة واحدة بعشرة دراهم، فردّ عمرو بيع حصته، فإنّه لا يتوزّع الثمن نصفين، بل يجري حكم القيمي هنا، فيقوّم حصة كلّ منهما على حدة، و يردّ من الثمن بمقدارها إلى المشتري. فإن قوّم كل واحد من الكيسين مستقلّا خمسة دراهم ردّ إلى المشتري ذلك، و إن قوّم أربعة دراهم أو ستة ردّ إليه الزائد.

(1) يعني: لا يلزم تقويم كلّ حصة مستقلّا حتى يلاحظ نسبة الثمن إلى المجموع، بل حيث إنّ المبيع مثلي تتساوى أفراده، قسّط الثمن على نفس الحصتين.

(2) متعلق ب- «فيقابل» و المراد بالموصول هو الثمن.

(3) هذه هي الصورة الثانية، و قد تقدم توضيحها.

(4) لعلّه إشارة إلى منع إطلاق ما أفاده في الصورتين.

أمّا الصورة الأولى، فلاختصاص كلامه بما إذا لم يكن لإحدى الحصتين حال الاجتماع قيمة أكثر من قيمتها حال الانفراد، لفرض اختلاف الرغبات، فربما كانت الرغبة في شراء تسعة أمنان من الحنطة- منضمة إلى من آخر- أزيد من شراء التسعة مستقلة.

و ربّما ينعكس الأمر، فيكون وصف الاجتماع مؤثرا في انخفاض القيمة.

______________________________

[1] أورد السيد قدّس سرّه على ما تقدم من كيفية تقسيط الثمن بما حاصله: أنّ وصف الاجتماع تارة لا يوجب تفاوتا في القيمة.

و اخرى يوجب زيادتها في الطرفين كمصراعي الباب على السواء.

و ثالثة بالاختلاف، كما في مثال بيع دار مشاعة ثلثها للبائع و ثلثاها لغيره، فإنّ بيع جميع الدار يؤثر في زيادة حصة كليهما، لكن صاحب الثلث ينتفع أكثر من الآخر.

ص: 625

..........

______________________________

فما أفاده قدّس سرّه من تقسيط الثمن على نفس المبيع لمجرد كونه مثليّا لا يخلو من شي ء.

و أمّا الصورة الثانية، فلانتقاض كلامه بما إذا كانت الحصّتان المفروزتان متساويتين من جميع الجهات الدخيلة في التموّل، إذ يتعيّن حينئذ مقابلة كل حصة بما يخصّها من الثمن كالمثلي، و لا وجه لإجراء حكم القيمي عليه.

نعم يحتمل كون مفروض كلامه اختلاف الحصتين المفروزتين بالجودة و الرداءة، بأن كانت إحداهما حنطة جيّدة، و الأخرى رديئة، إذ يتعيّن إجراء حكم القيمي عليهما.

لكن يشكل هذا الاحتمال بإمكانه في صورة الإشاعة أيضا، فلا وجه لاختصاصه بالصورة الثانية. هذا تمام الكلام في هذه المسألة.

______________________________

و رابعة قد يوجب الاجتماع زيادة قيمة أحدهما و نقصان الآخر، كما لو باع جاريته الشابة و ولدها الصغير، و هو ملك غيره، فإنّ الانضمام يوجب نقصان قيمة الأمّ من جهة قيامها بحضانة الولد و تربيته، و يوجب زيادة قيمة الطفل. و هذه كلّها فروض ممكنة.

و لا سبيل لإحراز ما وقع من الثمن بإزاء كل واحد من المالين بناء على مختار المصنف قدّس سرّه. و لذا لا بدّ من طريق ثالث لتوزيع الثمن، و هو أن يقوم كلّ من المالين منفردا في حال انضمامه بالآخر لا مقيّدا به، فيجمع بين القيمتين، و يكون مجموع القيمتين قيمة المجموع، ثم يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.

قال قدّس سرّه: «إذ لو قوّم كل منهما منفردا لا في حال الانضمام يلزم الضرر على أحدهما في صورة الاختلاف. مثلا إذا كان أحدهما يزيد قيمته بالانضمام، و الآخر تنقص قيمته به، يلزم على طريقة المصنف قدّس سرّه- فيما إذا قوّم أحدهما منفردا باثنين، و منضمّا بأربعة، و الآخر منفردا بأربعة و منضمّا باثنين- أن يكون لمالك الأوّل ثلث الثمن، و لمالك الثاني ثلثاه، مع أنّ قيمة مال الأوّل في حال الانضمام ضعف قيمة مال الثاني في تلك الحال، فينبغي أن يكون للأوّل الثلثان، و للثاني الثلث، و هكذا في سائر موارد الاختلاف. و أمّا على ما ذكرنا فلا يلزم نقض في مورد من الموارد» «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 189

ص: 626

صورة

ص: 627

صورة

ص: 628

صورة

ص: 629

صورة

ص: 630

صورة

ص: 631

صورة

ص: 632

المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شرائط المتعاقدين]

[تتمة الشرط الخامس]
[تتمة بيع الفضولي]
[لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]
اشارة

مسألة (1) لو باع من له نصف الدار نصف ملك (2) [تلك] الدار

______________________________

(1) بيع نصف الدار هذه المسألة معنونة في كتب القوم، و «النصف» من باب المثال، و لا خصوصية له، كعدم خصوصية الدار أيضا. فالثلث و الربع و غيرهما من الكسور أيضا كذلك.

كما أنّ البستان و الدكان و الخان، بل المنقولات- من غير الحيوان، و من الحيوان ناطقة و صامتة- كذلك. فالنزاع في مسألة بيع نصف الدار يعمّ الجميع.

بل يندرج في البحث الصلح و الهبة، و نقل المنافع، كما إذا آجر نصف الدار المشتركة بينه و بين غيره.

و على كلّ، فإن باع أحد الشريكين حصّته للأجنبي، فقال: «بعتك نصف الدار» كان له صور ثلاث، إذ تارة يحرز قصده بيع النصف المملوك له، و لا كلام في صحته.

و اخرى يحرز قصد بيع حصّة الشريك من دون إذنه، فيكون فضوليا. و حيث قلنا بصحة البيع الفضولي تأهّلا، فإن أجاز المالك صح، و إن ردّ بطل.

و ثالثة لم يحرز قصده تفصيلا لبيع حصّته، أو حصّة شريكه، أو النصف المشاع بينهما بأن يبيع نصف النصف لنفسه، و كذا لشريكه. و في هذا الفرض احتمالان، كما سيظهر بالتفصيل. و المقصود فعلا بيان وجه ارتباط هذه المسألة ببيع الفضولي و ببيع ما يملك و ما لا يملك، إذ بناء على الصورة الثانية تكون المسألة من صغريات البيع الفضولي. و بناء على الصورة الثالثة تكون من «بيع ملك غيره مع ملك نفسه» لو قلنا بظهور «بيع النصف» في بيع نصف النصف من حصة نفسه، و نصف النصف من حصة الشريك.

(2) الإضافة بيانية بناء على نسخة «ملك الدار» أي: بيع نصف الدار.

ص: 5

[حمل النصف على النصف المختص بالبائع أو المشاع بين المالكين]

فإن علم [1] أنّه أراد نصفه (1) أو نصف الغير (2) عمل (3) به (4)،

______________________________

(1) أي: نصفه المختص به.

(2) و هو مالك النصف الآخر.

(3) جواب قوله: «فإن علم» و جملة الشرط و الجزاء جواب قوله: «لو باع».

(4) أي: بالمعلوم، فإن كان نصفها المختص به كان البيع ماضيا، و إن كان نصفها المملوك لشريكه، وقف نفوذه على إجازته بناء على صحة عقد الفضولي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه تارة يعلم مراده تفصيلا من اللفظ، و أخرى لا يعلم ذلك، فالبحث يقع في مقامين:

أحدهما: أن يعلم مراده تفصيلا، و يتبع حينئذ حكمه. فإن كان نصفها المملوك له، فالبيع صحيح فعلي، و يترتب عليه أثره، فيجب عليه الوفاء به من إقباضه.

و إن كان نصفها المملوك لشريكه كان البيع فضوليا، و يتوقف نفوذه على إجازة شريكه.

و إن كان نصفها المشاع بينه و بين شريكه لزم البيع في نصف حصته، و وقف في نصف حصة شريكه على إجازته.

ثانيهما: أن يعلم إجمالا مراده إمّا بإرادة إحدى الصور المذكورة من دون علمنا بعينها، و إمّا بإرادة مفهوم اللفظ عرفا من كون نصف الدار هو النصف المشاع بين الحصتين أو النصف المختص به أو بشريكه.

فلو فرض وضوح مفهومه فلا إشكال في البناء عليه و ترتيب أثره الشرعي و إن لم يتضح مفهومه و اشتبه، فلا بدّ من تعيين مراده بالظهورات الكاشفة عن المرادات إن لم تكن معارضه، إذ المفروض كون البائع مريدا لمعنى، لا ساهيا و لا لاغيا، فإنّ عبارة الساهي ليست موضوعة لهذا البحث.

و من هنا ظهر عدم اختصاص هذا النزاع بما إذا علم إجمالا بمراد البائع بالخصوص من كون المبيع حصّته المختصة به أو بشريكه أو النصف المشاع بين الحصتين، بل يعمّ ذلك ما إذا أراد مفهوم لفظ «نصف الدار» مثلا، لا خصوص إحدى الصور المزبورة. و بالجملة: يعمّ النزاع ما إذا علم المراد إجمالا، و ما إذا علم أنّ مراده مفهوم اللفظ، فإنّ مراده في كلتا الصورتين يحرز بالظهور الكاشف عنه لو لم يعارضه ظهور آخر.

لا يقال: إنّ البيع في صورة إجمال مفهوم اللفظ باطل، و لا مجال للبحث عن صحته، للجهل بالمبيع.

فإنه يقال: انّ المبيع معلوم و هو النصف، و المالك مجهول، و لا ضير فيه، لعدم اعتبار العلم بالمالك في صحة البيع.

ص: 6

و إلّا (1) فإن علم أنّه لم يقصد بقوله: «بعتك نصف الدار» إلّا مفهوم هذا اللفظ (2) ففيه احتمالان، حمله (3) على نصفه المملوك له،

______________________________

(1) أي: و إن لم يعلم المراد من النصف في قوله: «بعتك نصف الدار» من نصفه المختص به أو المختص بشريكه، فان علم .. إلخ.

(2) و هو «نصف الدار» فقط خاليا عن إضافته إلى نصفه المختص به أو إلى النصف المشاع بين الحصتين.

و الفرق بين هذه الصور الثلاث- بعد اشتراكها في معرفة المراد- هو: أن المعرفة في الأوليين تفصيلية، و في الثالثة إجمالية، إذ مراده فيها مفهوم اللفظ من حيث إنّه حاك عن الواقع الذي هو مراده، لا المفهوم بما هو مفهوم.

و عليه فالمراد بقول المصنف قدّس سرّه: «و إلّا» أي: و إن لم يعلم تفصيلا خصوصية النصف من كونه نصيبه أو نصيب غيره. و ليس المراد عدم العلم رأسا، بقرينة قوله: «فإن علم أنّه لم يقصد بقوله: بعتك نصف الدار إلّا مفهوم هذا اللفظ».

كما ظهر أنّ مورد الكلام هو إحراز القصد الجدّي لبيع النصف، و لكن لم يعلم المراد منه تفصيلا، فيستكشف بالظهورات. و ليس المقصود تعيين النصف حتى مع عدم إرادته الجدية، إذ لو لم يقصد البيع جدّا كان كإنشاء الهازل في الفساد، و لا معنى لحجية الظهور الكاشف عمّا ليس بمراد.

(3) عطف بيان ل «احتمالان» و هذا أحد الاحتمالين، و محصله: أنّه يحمل قوله:

«بعتك نصف الدار» على النصف المملوك له، دون النصف المختص بغيره، و دون النصف

ص: 7

و حمله (1) على النصف المشاع بينه و بين الأجنبيّ.

و منشأ الاحتمالين (2) [1] إمّا تعارض ظاهر النصف- أعني الحصّة المشاعة في

______________________________

المشاع بين الحصتين.

(1) معطوف على «حمله» و هذا ثاني الاحتمالين، و ملخّصه: حمل «نصف الدار» في قوله: «بعتك نصف الدار» على النصف المشاع بينه و بين شريكه.

(2) و هما: احتمال حمل «النصف» على النصف المملوك للبائع، و احتمال حمله على النصف المشاع بينه و بين شريكه.

و لعلّ الوجه في التعبير ب «الاحتمالين»- دون القولين- عدم الظفر بمن يقول بالاحتمال الثاني أعني به كون المبيع حصة مشاعة بينه و بين شريكه. و إنما ذكر في الكلمات وجها.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و لو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه. و يحتمل الإشاعة، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة» «1».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ منشأ الاحتمالين هو وجود الظهور في الإشاعة، لإطلاق النصف و عدم تقيده بقيد، و وجود ظهوره في النصف المختص لأجل التصرف و إنشاء البيع.

و ليس منشأ الاحتمالين تعارض ظاهر النصف في الإشاعة مع هذين الظاهرين، بل تعارضهما يوجب سقوطهما عن الاعتبار و الرجوع إلى أدلة صحة البيع بالنسبة إلى نصف حصة البائع و هو ربع الدار، للعلم بصحة البيع فيه، لعدم مانع عن صحته فيه. و تقديم بعض الظهورات على بعضها الآخر أجنبي عن باب التعارض و مندرج في الجمع العرفي.

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه هو التعارض الصوري الموجود في جميع الجموع العرفية كالعامّ و الخاص، و المطلق و المقيد، و الأظهر و الظاهر، و غيرها. و لو قيل: بحكومة القرينة على ذيها لقدّمت على ذيها و إن كانت أضعف ظهورا من ذي القرينة، كما قرّر ذلك في بحث الحكومة.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 20.

ص: 8

مجموع النصفين (1) مع (2) ظهور انصرافه في مثل (3)

______________________________

و نقل السيد العاملي هذين الاحتمالين عن نهاية الاحكام و الإيضاح و جامع المقاصد أيضا، و نقل عن فخر الدين و المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّه ترجيح الاحتمال الأوّل، بل الجزم به في بعض المواضع، بل عن صلح المسالك نسبته إلى الأصحاب، فراجع «1».

ثم لا يخفى أنّ البائع لنصف الدار تارة يكون أجنبيا عن شريكه في بيع حصته، و اخرى يكون وكيلا عنه أو وليّا عليه. و مورد الاحتمالين المذكورين في المتن هو الصورة الاولى. و أمّا الثانية فسيأتي حكمها في (ص 16).

(1) توضيحه: أنّ في قوله: «بعتك نصف الدار» ظهورات ثلاثة، تقتضي أحدها الحمل على الإشاعة، و الآخران الحمل على النصف المختص. فالظهور الأوّل هو ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين. و الظهوران الآخران ظهور المقام و الكلام في بيع الحصة المختصة بالبائع، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(2) منشأ ظهور «النصف» في المشاع في كلتا الحصتين هو إطلاقه، و عدم تقيده، بمقيّد، إذ لم يقل: «بعتك نصف الدار، و هي حصّتي، أو: و هي حصة شريكي» فلأجل هذا الإطلاق الناظر إلى «النصف»- مع الغضّ عن كل قيد معه- يحمل على النصف المشاع في حصتي البائع و شريكه. كما أنّ سائر الكسور ظاهرة في الإشاعة أيضا.

و هذا الظهور معارض بأحد ظاهرين آخرين في النصف المختص بالبائع كما سيأتي.

(3) متعلّق بقوله: «تعارض» و هذا أوّل الظاهرين المعارضين لظهور «النصف» في الحصّة المشاعة بين الشريكين، و محصله: الظهور المقامي لكلمة «النصف» في ما يختص بالبائع، لا المختص بالشريك، و لا المشاع بينهما. و ذلك لاقتضاء مقام التصرف المعاملي كون المتصرّف سلطانا على ما يتصرّف فيه إمّا بالملك و إمّا بالولاية أو الوكالة. و حيث إنّ المفروض انتفاء الولاية و الوكالة تعيّن وقوع البيع للمتصرف، إذ لولاه كان فضوليا لو باع حصة شريكه كلّا أو بعضا، و هو خلاف ما قامت عليه السيرة من اعتبار سلطنة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207

ص: 9

..........

______________________________

المتصرف في المال.

و عليه فالبيع- الذي هو من التصرفات التي لا بدّ أن تقع في الملك- يوجب صرف «النصف» إلى حصة البائع، فإذا قال مالك نصف الدار: «بعت نصفها» فيقال: إنّه أراد نصفها المختصّ به، دون النصف المشاع بين الحصتين، بحيث يكون المبيع نصف الحصّتين.

و هذا الظهور الناشئ عن التصرف البيعي المتوقف على ملكية المبيع للبائع يوجب ظهور النصف في النصف المختص بالبائع، دون النصف المشاع بينه و بين شريكه. و يعارض هذا الظهور ظهور النصف- بنفسه- في النصف المشاع بين الحصتين.

هذا كلّه في ظهور المقام للانصراف.

و هناك ظهور آخر في اختصاص المبيع بحصة البائع، و هو ظهور الكلام أي:

الإنشاء، و بيانه: أنّ الإنشاء يتقوّم بالقصد إلى إيجاد المنشأ في وعاء الاعتبار- بالقول أو بالفعل- كما عليه المشهور من الالتزام بالتسبيب. فقول الموجب: «بعتك نصف هذه الدار» صالح لإرادة بيع الحصة المختصة به، و بيع حصة شريكه. إلّا أنّ مقتضى عدم إضافة البيع إلى الغير وقوع البيع في حصة البائع، لعدم توقفه على أزيد من قصد حقيقة البيع، و هي مبادلة مال بمال. بخلاف وقوعه للغير، لتوقفه على مئونة زائدة، و هي إمّا قصد البيع للغير، و إمّا قصد البيع لنفسه.

و بيانه: أنّ بيع مال الغير تارة يقصد به وقوعه لذلك الغير كما في الوكيل و الولي و الفضولي المتعارف، حيث إنّ كلّا منهم يبيع المال بقصد خروجه من ملك المالك، و حلول الثمن محلّه.

و اخرى يقصد به وقوعه لنفسه كما تقدم تصوّره في ثالثة مسائل بيع الفضولي، حيث إنّ البائع إمّا يعتقد- لشبهة- كون المال لنفسه، فيقصد وقوعه لنفسه. و إمّا يبني عدوانا على تملكه للمال كالغاصب، فيبيع لنفسه.

و لا ريب في انتفاء هذه الأمور في المقام، إذ مفروض البحث هو العلم بأنّ مقصود البائع تمليك ما يفهم من لفظ «النصف» و الجهل بخصوصية المبيع.

كما لا ريب في أنّ وقوع العقد للغير منوط بإضافته إليه في مقام الإنشاء، بأن يقول:

ص: 10

المقام (1)- من مقامات التصرّف- إلى (2) نصفه المختصّ، و إن (3) لم يكن له هذا الظهور في غير المقام، و لذا (4) يحمل الإقرار على الإشاعة كما سيجي ء (5).

______________________________

«بعتك نصف الدار و هو حصة الشريك» أو بالقصد، على ما سبق تفصيله في مسألة اعتبار القصد، و في ثالثة مسائل بيع الفضولي.

و حيث إنّ البيع مطلق غير مضاف إلى الغير لفظا فهو عقد العاقد بالإضافة الأوّليّة.

و الفرق بين ظهور المقام و الكلام هو: أنّ الأوّل يحرز من الخارج أي من اقتضاء مقام المعاملة، لكون المتصرف مريدا للتصرف النافذ الموضوع للأثر، إمّا لأصالة الصحة في فعل المتصرف، و إمّا لغلبة صدور التصرفات من الملّاك، و إمّا لاعتبار سلطنة المتصرف في المال عرفا. و أنّ الثاني ناش من دلالة هيئة الجملة على كون التمليك لنفسه، لا للغير.

و عليه فلا وجه لتوهم كون المعارض لظهور النصف في المشاع ظهور واحد، و هو ظهور الفعل- أعني به التصرف- في كون المبيع النصف المختص بالبائع. هذا.

و المتحصل: أنّه بعد تعارض ظهور الكلام في بيع النصف المشاع مع ظهوره في بيع الحصة المختصة، يصير المراد مجملا، إلّا إذا أمكن رفع الإجمال بترجيح أحد الظهورين ليؤخذ به.

(1) و هو مقام التصرف المتوقف على الملك كالبيع و العتق و الوقف.

(2) متعلق بقوله: «انصرافه».

(3) وصلية، أي: و إن لم يكن للنصف هذا الظهور- أي ظهور في النصف المختص- في غير مقام التصرف المنوط بالملك كالبيع.

(4) أي: و لعدم ظهور «النصف» في النصف المختص- في غير موارد توقف التصرف على الملك- يحمل مثل «النصف» في باب الإقرار على الإشاعة. فلو قال مالك نصف الدار: «نصف الدار لزيد مثلا» يحمل على المشاع في حصته و حصّة شريكه، لما سيأتي.

(5) بقوله في (ص 40): «فلا إشكال في أن لفظ النصف المقرّبة إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع يحمل على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه» فإنّ الحمل هناك

ص: 11

أو مع (1) ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه، لأنّ (2) بيع مال الغير لا بدّ فيه إمّا من نيّة الغير (3)، أو اعتقاد (4) كون المال لنفسه، و إمّا من بنائه على تملّكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب (5). و الكلّ خلاف المفروض هنا (6).

[الفرق بين النصف و بين مثل بعت غانما]

و ممّا ذكرنا (7) يظهر الفرق.

______________________________

على الإشاعة للإطلاق الذي لم تقم قرينة معيّنة على خلافه، كما قامت هنا على خلافه، و هو النصف المختص، لظهور الفعل في تمليك مال نفسه، و ظهور إنشاء البيع لنفسه.

(1) معطوف على «مع ظهور» هذا هو الظاهر الثاني المعارض لظهور «النصف» في النصف المشاع بين الحصّتين. و تقريب هذا الظاهر المعارض هو: أنّ إنشاء البيع ظاهر في كون البيع لنفسه، فيكون المبيع الحصّة المختصة به. و هذا الظاهر يعارض ظهور «النصف» في الحصة المشاعة بين الحصتين.

(2) تعليل لظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه. و محصل التعليل: أنّ صحة بيع مال الغير- مع تعينه في الخارج- لا تتوقف على تعيين مالكه. و أمّا مع عدم تعينه كالمقام و بيع الكلي الذمّي فلا بدّ من تعيّنه، لأنّ المبيع الكلي لا يقع للغير إلّا بإضافة المبيع الذمّي إليه، إذ بدون إضافته إلى الغير يقع البيع لنفسه. ففيما نحن فيه يقع البيع لنفسه.

(3) هذا أحد الوجوه الثلاثة المشار إليها. و قد عرفت توضيحه.

(4) هذا ثاني الوجوه الثلاثة المذكورة، و هو: أن يعتقد كون المبيع ملكا له، مع خطائه في اعتقاده، فيبيع مال الغير مع هذا الاعتقاد الخطائي، فينوي المعاوضة الحقيقية بحسب هذا الاعتقاد.

(5) حيث إنّ الغاصب لا يبيع لنفسه إلّا بناء على أنّه مالك للمبيع عدوانا، قضية لتطبيق مفهوم المعاوضة، و المفروض أنّ هذا البناء أيضا مفقود فيما نحن فيه.

(6) أي: في بيع نصف الدار، إذ المفروض إرادة مفهوم لفظ «نصف الدار» مهما كان.

و قد تحصّل إلى هنا: أنّ تعيين مقصود البائع للنصف مشكل، لإجمال «النصف» من جهة تعارض ظهوره في المشاع، مع ظهور التصرف و الإنشاء في نصيبه المختص به، و لا ترجيح حسب الفرض لأحد الظهورين على الآخر.

(7) من كون بيع النصف ذا احتمالين متكافئين. و غرضه من هذا الكلام منع ما أفاده

ص: 12

بين ما نحن فيه (1) و بين قول البائع: «بعت غانما» مع كون الاسم (2) مشتركا بين عبده و عبد غيره، حيث ادّعى فخر الدّين الإجماع على انصرافه (3) إلى عبده، فقاس (4) عليه ما نحن فيه.

______________________________

فخر المحققين- و تبعه بعض- من رفع إجمال النصف و تعيينه في حصة البائع، و ذلك بقياسه على ما ذكروه في مسألة ما إذا قال السيّد «بعت غانما» و كان المسمّى بغانم عبدين، أحدهما ملك البائع، و ثانيهما ملك الغير. حيث قالوا بانصراف المبيع إلى مملوك البائع، لأصالة التصرف المقتضية لوقوع البيع في ملكه.

و كذا يقال في المقام، فيحمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع المقايسة، للفرق بين ما نحن فيه و بين مثال بيع «غانم». توضيح وجه الفرق بينهما: أنّ حمل «الغانم» على عبده دون عبد غيره إنّما هو لأجل عدم ظهوره في عبد الغير حتى يعارضه الظهوران المقتضيان لوقوع البيع على عبده.

كما كان الأمر كذلك في نصف الدار، فإنّه كان ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين، للإطلاق و عدم التقييد، و لذا عارضه هذان الظهوران.

فعليه يكون ظهور بيع «الغانم» و تصرفه فيما يملكه و يختص به سليما عن المعارض، و هو ظهور «الغانم» في عبد الغير، فيحكم بأنّ المبيع هو عبد البائع دون غيره.

و بالجملة: فليس في بيع الغانم ظهورات ثلاثة حتى يعارض اثنان منها- و هما ظهور التصرف في اختصاص المتصرف فيه بالمتصرف، و ظهور الإنشاء في كون البيع لنفسه- ظهور «غانم» في عبد الغير.

(1) و هو بيع نصف الدار.

(2) و هو «غانم» المفروض اشتراكه بين عبد البائع و عبد غيره.

(3) أي: انصراف «غانم» إلى عبده، لا عبد غيره.

(4) يعني: فقاس فخر الدين قدّس سرّه على بيع العبد المسمّى ب «غانم» بيع نصف الدار، و قال: إنّ وزان بيع نصف الدار وزان بيع الغانم. فكما أنّ بيع هذا العبد لا ينصرف إلى عبد آخر، مع اشتراكهما في الاسم و هو «غانم»، فكذلك بيع نصف الدار، فإنّه لا ينصرف إلّا إلى بيع ما يملكه من نصف الدار، و لا ينصرف إلى المشاع بين الحصتين «1».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207.

ص: 13

إذ (1) ليس للفظ المبيع (2) هنا ظهور في عبد الغير [1] فيبقى [فبقي] ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع، و انصراف (3) لفظ المبيع في مقام التصرّف إلى مال المتصرف سليمين عن المعارض (4)، فيفسّر بهما (5).

______________________________

(1) تعليل لقوله: «يظهر الفرق» فغرضه بيان الفرق بين ما نحن فيه من بيع نصف الدار و بين بيع العبد المسمّى بالغانم.

توضيحه: أنّ اشتراك «الغانم» لفظيا بين عبد البائع و عبد غيره أوجب الإجمال و عدم ظهوره في عبد غير البائع، حتى يعارضه ظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للمتصرف، و ظهور الإنشاء في إنشاء البيع لنفسه. فيبقى هذان الظهوران سليمين عن المعارض، و هو ظهور «غانم» في عبد غير البائع، و يحكم بدوا بكون المبيع عبد نفس البائع، لا عبد غيره. و هذا بخلاف بيع نصف الدار، لما مرّ من الظهورات الثلاثة، و فيه تعارض اثنين منها لأوّلها.

(2) المراد بلفظ المبيع هنا لفظ «غانم» في قوله: «بعت غانما».

(3) معطوف على «ظهور» و المراد بلفظ المبيع في مقام التصرف لفظ «غانم».

(4) و هو ظهور «الغانم» في عبد الغير حتى يعارض ذينك الظهورين.

(5) يعني: فيفسّر بدوا لفظ المبيع و هو «غانم» بظهور «بيع غانم» في وقوعه لنفس مالكه، و بظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه للمتصرف بلا معارض.

______________________________

[1] الظاهر أنّ القياس في محله، إذ ليس للفظ «النصف» أيضا ظهور في الإشاعة، بل هو مجمل كالغانم، لعدم ظهور وضعي و لا انصرافي له في الإشاعة، بل النصف و لفظ «غانم» سيّان في الإجمال، فليس للنصف ظهورات ثلاثة و للغانم ظهوران، بل للنصف أيضا ظهوران.

و لو سلّم أنّ للنصف ظهورات ثلاثة لم يقدح في القياس أيضا، لعدم فرق جوهري بينهما، ضرورة أنّه لا فرق في كون المرفوع بالظهورين الكاشفين عن ملكية المبيع للبائع

ص: 14

______________________________

- و كون البيع له- بين إجمال نصف الدار في نفسه، و بين ظهوره في الإشاعة.

فالمتحصل: أنّ قياس فخر المحققين قدّس سرّه في محله.

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها.

الأوّل: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «ثم انّه لو كان البائع وكيلا ..» إلخ و الحقّ فيه كما يظهر من البيانات السابقة و اللاحقة في توضيح المتن: أنّ مقتضى أصالة البيع و عدم قصد البيع عن الغير هو كون البيع لنفسه، و واقعا على النصف المختص به، فلاحظ.

الثاني: أنّ الفضول إذا باع نصف الدار يحمل على المشاع في الحصتين، للإطلاق، و عدم القرينة على التعيين. و الحمل على تمام إحدى الحصتين بالخصوص ترجيح بلا مرجح، فنفوذ العقد منوط بإجازة الشريكين معا.

و يحتمل كفاية إجازة أحدهما تمام حصّته مع احتمال إرادة بيع كلّي النصف المنطبق على حصة كل من الشريكين.

الثالث: إذا وقع «النصف» في كلام أحد المالكين في مقام الإقرار، و قال: «نصف هذه الدار لزيد» و لم تقم قرينة على مراده، حمل على المشاع بين الحصتين، إذ ليس الإقرار كالبيع قرينة على كون المبيع تمام حصة المقرّ، لعدم كون الإقرار كالبيع تصرفا في المقرّ به حتى تكون أصالته قرينة على إرادة حصة المقرّ فقط، فإنّ البيع و الصلح تصرف في المال لإزالة إضافة الملكية، دون الإقرار، حيث إنّه إخبار عن خروج المقرّ به من أوّل الأمر عن ملكهما، و اختصاص شركتهما في ما عدا المقرّ به.

و عن كاشف الغطاء قدّس سرّه: قرينية قوله: «أنا مقرّ بأنّ نصف الدار لزيد» على إرادة النصف المختص بالمقرّ، بخلاف ما لو قال: «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على المشاع بين الحصتين.

لكنه مشكل، لعدم ظهور لفظ الإقرار في ذلك. بل يحمل في كلتا الصورتين على الإقرار في نصف حصته، و الشهادة في نصف حصّة شريكه و نفوذها منوط باجتماع شرائط الشهادة.

الرابع: أنّ الظاهر جريان بحث بيع نصف الدار في النصف المقسوم، كجريانه في

ص: 15

[لو كان البائع وكيلا في بيع النصف]

ثم إنّه لو كان البائع (1) وكيلا في بيع النصف أو وليّا عن مالكه، فهل هو

______________________________

(1) هذا شروع في حكم الصورة الثانية التي أشرنا إليها (في ص 9) من أنّ البائع لنصف الدار قد يكون وكيلا عن مالك النصف الآخر، أو وليا عليه، في قبال ما تقدم في الصورة الأولى من كون البائع أجنبيا عن المالك.

و توضيح ما أفاده هنا: أنّه إذا باع مالك نصف الدار نصفها، و قال: «بعت نصف الدار» مع كونه وليا أو وكيلا عن مالك النصف الآخر في بيع حصته، ففي كون المبيع تمام حصّة البائع، و هي النصف المختص به، ليكون البيع صحيحا لازما في تمام النصف، أو كونه النصف المشاع بين الحصتين، ليكون البيع لازما في نصف حصة البائع، و هو ربع الدار، و لازما أيضا في الربع الآخر بدون إجازة مالك النصف الآخر؟ وجهان مذكوران في بيع مالك النصف إذا كان أجنبيا عن النصف الآخر، و هما: ظهور التصرف في كونه في ملكه، و ظهور أصالة البيع في كون البيع لنفسه.

فارتفاع ظهور النصف في الإشاعة إن كان بظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه، فالاحتمال واحد، و هو نفوذ البيع في النصف المشاع، إذ المفروض استيلاؤه على بيع تمام الدار، نصفها بالملكية، و النصف الآخر بالولاية أو الوكالة. فلا يلزم لغوية بيع النصف المشاع بين الحصتين حتى نحتاج في تصحيح بيعه و نفي لغويته إلى التشبث بظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للبائع، لعدم توقف نفوذ بيع المشاع بين الحصتين على ملكية الكاشف عنها ظهور التصرف فيها.

و إن كان ظهور النصف في الإشاعة بظهور البيع في كونه لنفس البائع، فهذا الظهور يعارضه ظهور «النصف» في الإشاعة.

و لمّا كان كلا الظهورين بالإطلاق، و لم يترجح أحدهما على الآخر، صار كل من

______________________________

النصف المشاع. فكما حمل بيع النصف المشاع على النصف المختص بالبائع، فكذلك في المقسوم، بل فيه أظهر من حمل المشاع على المختص، لوجود قرينتين على الحمل على المختص في المقسوم، إحداهما: ظهور التصرف في الحمل على الاختصاص.

ثانيتهما: نفس الإفراز، فإنّه بمنزلة أن يقول: بعت نصفي من هذه الدار.

ص: 16

كالأجنبيّ (1)؟ وجهان (2)، مبنيّان على أنّ المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف (3) لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرّف، أو ظهور (4) التمليك في الأصالة.

الأقوى هو الأوّل (5)،

______________________________

النصف المختص بالبائع و النصف المشاع بين الحصتين محتملا. فالاحتمال بناء على ارتفاع ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين- بأصالة البيع- ثنائيّ، كثنائية الاحتمال في صورة أجنبية البائع عن النصف الآخر.

(1) في وجود احتمالين فيه، أحدهما: احتمال حمل «النصف» على المشاع بين الحصتين، لظهور النصف في الإشاعة.

و ثانيهما: حمله على النصف المختص بالبائع، لأصالة البيع.

(2) مبتدء مؤخّر، أي: في هذا الفرض وجهان، أحدهما: وحدة حكم الصورتين، و ثانيهما: اختلاف حكمهما، فيقال بالإجمال في البائع الأجنبي، و في الوكيل و الولي بالظهور على تقدير، و بالإجمال على تقدير آخر.

(3) خبر قوله: «أنّ المعارض» يعني: انصراف إطلاق البيع مقاميّا إلى النصف المختص بالبائع.

(4) معطوف على «انصراف» و هذا هو المعارض الثاني لظهور النصف في الإشاعة، و محصله: ظهور التمليك المضاف إلى البائع في قوله: «بعتك نصف الدار» في الأصالة، و كون البيع لنفسه لا لغيره، و مقتضاه كون المبيع النصف المملوك له، دون المشاع بين الحصتين.

و مع كون المبيع خصوص حصته لا ضير في إرادة الإشاعة منه، لأنّ معنى الإشاعة إجمالا- إلى أن يجي ء تفصيلها ان شاء اللّه تعالى في بيع الصاع من الصبرة- هو أنّ مفهوم «نصف الدار» التي هي عين خارجية هو كلّ نصف فرض في هذه الدار- من النصف الشمالي و الجنوبي و الشرقي و الغربي- ينطبق على حصة البائع، لأنّ مالك الكلي مالك لمصداقه، كمالكيته للكلي الذّمي. فبيع منّ من الحنطة- من دون إضافته إلى ذمة- يقع في ذمته، و لا حاجة في إضافته إلى ذمته إلى قصد كونه في ذمته.

(5) و هو كون المعارض لظهور «النصف» في الإشاعة هو ظهور انصراف المبيع

ص: 17

لأنّ (1) ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق، و ظهور النصف في المشاع و إن كان كذلك (2) أيضا، إلّا أنّ ظهور المقيّد (3) وارد [1] على ظهور المطلق.

______________________________

- أعني به نصف الدار- إلى ما يملكه البائع، لظهور التصرف في ذلك، و المتعين الأخذ بظهور «النصف» في الإشاعة تحكيما لظهور القيد على ظهور المطلق.

(1) هذا تعليل الأخذ بظهور النصف في الإشاعة، و محصله: أنّ ظهور النصف في الإشاعة ظهور القيد و هو النصف، حيث إنّه مفعول «بعت» و المفعول من قيود الفعل.

و ظهور القيد و إن كان هو بالإطلاق كظهور التمليك في الأصالة، لكنّه مقدّم على إطلاق المطلق، و هو البيع، لأنّه من تقديم ظهور القيد- و هو النصف- على ظهور المطلق أعني به البيع و التمليك.

(2) أي: من باب الإطلاق أيضا.

(3) و هو «النصف» الذي هو قيد للبيع في قوله: «بعت نصف الدار» و وجه وروده على المطلق و هو «بعت»: أنّ النصف لكونه مفعولا به ل «بعت» يكون قيدا له، و ظهور

______________________________

[1] و ربّما يوجّه هذا الورود بما في حاشية المحقق الخراساني قدّس سرّه و غيرها من أنّ ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل.

و لعلّه- كما في حاشية المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «لأنّ استقرار الظهور منوط بتمامية الكلام، فالمتعلق كالقرينة الصارفة للظهور الذاتي للفعل، و إلّا لم يتوقف فعلية الظهور على تماميته» «1».

و لذا أورد على المصنف بمخالفته لما أفاده في باب عدم حجية الاستصحاب في المقتضي من تنظير مدلول «لا تنقض اليقين بالشك» ب «ما ضربت أحدا» لإطلاق الفعل و متعلقة، حيث إنّ الفعل شامل للمولم و غيره، كما أنّ «أحدا» يشمل الحيّ و الميّت، إلّا أنّ ظهور الضرب في المولم محكّم على ظهور «أحدا» فيختص بالأحياء.

و هذا المبنى يقتضي أن يقال به في مثل «بعت نصف الدار» من تقديم أصالة البيع في «بعت» على ظهور «النصف» في المشاع، مع أنّه حكّم في المتن ظهور «النصف» على ظهور

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 205.

ص: 18

و ما ذكره الشهيد الثاني (1)- من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ «1»-

______________________________

القيد مقدّم على ظهور المطلق كما أشير إليه آنفا.

(1) هذا إشارة إلى دفع دخل مقدّر، و حاصله: منع ما أفاده من تقديم ظهور «النصف» في المشاع، تحكيما لظهور المقيّد على ظهور المطلق. و مبنى هذا الدخل كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه في بيع الفضولي من أنّ «الفضول قاصد للفظ دون مدلوله».

و عليه نقول في توضيح الاشكال: إنّ مجرّد ظهور القيد- و هو النصف- في المشاع، و تقدمه على ظهور الفعل المطلق- و هو البيع- لا يقتضي الحمل على الإشاعة، و كون المبيع نصف الحصتين. بل لا بدّ في الحمل المزبور من عدم مانع آخر. لكن المفروض وجوده، و هو ظهور حال المتكلم في إرادة مدلول ما يتلفّظ به، و هو بيع النصف المختص به. و ذلك قرينة مقامية مانعة عن إرادة بيع المشاع بين الحصتين، إذ لازم ظهور حال المتكلم عدم إرادة بيع نصف حصة الشريك، بناء على مبنى الشهيد الثاني قدّس سرّه، لفرض انتفاء قصد المدلول في الفضولي. فيتحقق هنا ظهوران متنافيان.

أحدهما: ظهور حال المنشئ في إرادة بيع النصف جدّا، و ثانيهما ظهور «النصف» في المشاع بينهما.

و حيث إنّ الثاني معلّق على الفضولية، و هي متوقفة على عدم قصد المدلول- كما قرّره الشهيد- و كان ظهور الحال في قصد المدلول منجّزا غير منوط بشي ء، تعيّن حمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع. و بهذا يوهن ما أفاده المصنف بقوله: «الأقوى هو الأوّل».

______________________________

الإنشاء لنفسه «2».

لكن يمكن أن يقال: بأنّ صريح المتن ورود ظهور المقيّد على ظهور المطلق، و ليس من باب تقديم ظهور المتعلق على الفعل لينافي كلامه في الاستصحاب.

مضافا الى: أنّ الظاهر إرادة مادة «النقض» من كلمة «الفعل» في باب الاستصحاب، و ليس المراد هيئة «لا تنقض» حتى يورد عليه بالتنافي بين كلاميه هنا و هناك.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156

(2) حاشية المكاسب، للمحقق الخراساني، ص 87

ص: 19

و إن كان مرجعه (1) إلى ظهور وارد (2) على ظهور المقيّد، إلّا (3) أنّه مختصّ بالفضولي، لأنّ القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الوليّ (4) [1]

______________________________

(1) أي: مرجع ما ذكره الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى ظهور وارد .. إلخ.

(2) وجه وروده على ظهور المقيّد- و هو النصف- في المشاع هو: أنّ مقتضى ظهور حال المتكلم عدم إرادة مدلول ما يتكلّم به، و مع عدم إرادته لا يبقى مجال لظهور المقيّد- و هو النصف- في النصف المشاع، و لا لظهور المطلق- و هو البيع- في الأصالة ليكون ظهور النصف في المشاع واردا على ظهور البيع في الأصالة، و يجعل المبيع النصف المشاع بين الحصتين، بل لا بدّ من كون المبيع النصف المختص بالبائع.

هذا ما يظهر من بعض أجلة المحشين. لكن لا يبعد أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه من قوله: «و إن كان مرجعه إلى ظهور وارد ..» هو إسقاط ظهور خصوص القيد- و هو النصف- في المشاع، و إبقاء ظهور المطلق- و هو بعت- بحاله، لأنّ الظاهر الوارد- أعني به أصالة القصد في المتصرف- يعيّن المراد من النصف، و يمنعه من ظهوره في المشاع بين الحصتين.

(3) خبر قوله: «و ما ذكره» و هذا دفع الاشكال، و حاصله: أنّ اعتراض الشهيد قدّس سرّه يختص مورده بالفرض الأوّل، و هو ما إذا كان بائع النصف أجنبيا عن النصف الآخر، و لم يكن وكيلا عن مالكه في بيعه، و لا وليّا عليه فيه، دون هذا الفرض، و هو كون البائع وليّا على مالك النصف الآخر أو وكيلا عنه، لأنّ قصد المدلول موجود في البائع.

(4) ظاهر العبارة- بل صريحها- انتفاء القصد الجدّي في الفضولي و المكره على ما ورد في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، يعني: أنّ المراد الاستعمالي ليس مرادا جدّيا لهما. هذا كله في دفع الاشكال المتوهّم من عبارة الشهيد.

______________________________

[1] كان المناسب التعرض لهذا الاشكال و دفعه في فرض كون بائع النصف أجنبيا عن مالك النصف الآخر، إذ يتّجه حينئذ البحث عن استقرار ظهور النصف في المشاع كما ذكره المصنف، و عدمه بناء على ما يظهر من الشهيد. ثم الجواب عنه بما تقدم مفصّلا في بحث المكره و الفضولي. و أما في فرض وكالة البائع أو ولايته فيتمشّى القصد الجدّي من

ص: 20

فالأقوى فيهما (1) الاشتراك في المبيع [البيع] تحكيما (2) لظاهر «النصف» إلّا (3) أن يمنع

______________________________

و لا يخفى أن ظاهر المصنف تسليم الإشكال بالنسبة إلى الصورة الأولى بناء على مقالة الشهيد قدّس سرّه، و الظاهر أنّه تنزّل منه، و إلّا فقد سبق في بيع المكره و غيره توجيه كلام الشهيد، و أنّ الفضولي قاصد للمدلول جدّا، فراجع «1».

(1) أي: في الوكيل و الولي، و هذا متفرع على قوله: «الأقوى هو الأوّل».

فالمتحصّل: أنّ الأقوى عند المصنف قدّس سرّه كون المبيع النصف المشاع بين الحصتين، و قد مرّ آنفا أنّ الأوفق بالقواعد كون المبيع في كلا الفرضين- و هما الأجنبية و الوكالة و الولاية- صحة البيع في خصوص حصة البائع، و لزومه فعلا، و اللّه العالم.

(2) تعليل لقوله: «فالأقوى فيهما»، و حاصله: أن ورود ظاهر «النصف» و هو المشاع بين الحصتين على ظاهري البيع و أصالته- المقتضيين لكون المبيع خصوص حصة البائع- تقتضي اشتراك المبيع بين الحصتين، و ورود البيع على نصف حصة كل من الشريكين.

(3) هذا عدول عمّا قوّاه- من اشتراك بائع نصف الدار و موكّله أو المولّى عليه في المبيع- بمنع ظهور «النصف» في الإشاعة بين الحصتين حتى يكون المبيع النصف المشاع منهما. بل الظاهر أنّ المراد بالنصف هو المشاع في المجموع القابل لانطبقاه على كلّ واحدة من الحصتين، فإنّ ظاهر «نصف الدار» عرفا هو النصف المشاع في مجموع الدار، لأنّ العين

______________________________

البائع، فلا موضوع للاستشهاد بكلام الشهيد.

ثم إنّ تقرير الاشكال بما في المتن لا يخلو من شي ء، لما بين التعبير بالورود و عدم القصد الحقيقي في الفضولي من التنافي ظاهرا، إذ انتفاء القصد يسقط ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين، لعدم كونه مرادا جديّا حسب الفرض، و معه لا مجال لجعل ظهور حال المتكلم واردا على ظهور «النصف» في المشاع، مع اقتضاء التقديم بالورود و شبهه حجية المورود لولا الدليل الوارد، كما مثّلوا له بتقدم خبر الثقة مثلا على «حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان» لكون الخبر بدليل اعتباره بيانا رافعا لموضوع قاعدة القبح حقيقة بعناية التعبد، و لولا هذا التقدم كان الحكم العقلي متبعا في الشبهات البدوية. فتأمل في العبارة حقّه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 66 و 101 و 166

ص: 21

..........

______________________________

بما هي ليس لها إلّا نصفان على وجه الإشاعة. لا النصف المشاع من الحصتين، إذ المفروض عدم تعلق القصد إلّا بمفهوم النصف، و لم يتعلّق بالنصف المشاع من الحصتين، و لم يلاحظ أصلا، بل لحاظه خلاف الفرض و هو تعلق قصده بمفهوم النصف.

و بعبارة أخرى: كلمة «النصف» و إن كانت ظاهرة في المشاع، إلّا أنّه لا ظهور له في ما تقدم من النصف المشترك بين المالكين. و ذلك لأنّ «النصف» كلّي له مصاديق ثلاثة، إذ تارة يراد به المشاع في مجموع الدار، و هو قابل الانطباق على حصة البائع خاصة، و على حصة الشريك.

و اخرى يراد به المركّب من الحصتين، بمعنى كون المبيع نصف الدار و هو مؤلّف من ربعها من حصّته، و ربعها من حصة صاحبه. و هذا الاحتمال الأخير هو مبنى ما تقدم في المتن من ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين، و لهذا صارت المسألة من موارد بيع ما يملك و ما لا يملك.

و غرض المصنف قدّس سرّه منع ظهور «النصف» في هذا الاحتمال بالخصوص، و الوجه في المنع: كون عنوان «النصف» كلّيا، و لا وجه لصرفه إلى ملك الغير في مورد الوكالة عنه، أو الولاية عليه منضما إلى ملك البائع، أو منفردا ليقع البيع للشريك.

و عليه فيكون بيع الوكيل أو الولي نظير بيع العبد المسمّى ب «غانم» في قابلية المبيع للانطباق على كلّ من العبدين، لكن بمقتضى الأصالة يحمل على مملوك نفسه، لا مملوك الغير.

فإن قلت: إنّ لفظ «النصف» و إن كان كلّيا قابلا للانطباق على النصف المختص بالبائع، و النصف المشاع بين الشريكين، إلّا أنّه يترجح إرادة الاحتمال الثاني من جهة أنّ البائع لاحظ حقّ المالكين، فقصد بيع النصف المشاع من الحصتين، لا بيع تمام حصته، و لا تمام حصة شريكه. و من المعلوم أنّ هذه الملاحظة ترجّح ظهور «النصف» في المشاع بينهما، و تمنع من ظهوره في الحصة المختصة به.

قلت: الترجيح بملاحظة حق المالكين خلاف الفرض، لأنّ موضوع هذه المسألة هو ما لو باع النصف قاصدا لمفهوم لفظ «النصف» من دون إحراز قصده لحصته أو لحصة

ص: 22

ظهور النصف إلّا في النصف المشاع في المجموع (1).

و أمّا (2) ملاحظة حقّي المالكين إرادة الإشاعة في الكلّ (3) من حيث إنّه مجموعهما، فغير (4) معلومة، بل معلومة العدم بالفرض (5).

______________________________

صاحبه، أو المركّب من الحصّتين. و المدّعى صدق «النصف» على حصته، فيحكم بوقوع البيع لنفسه.

و أمّا الحكم بكون المبيع النصف المشاع بين الشريكين، فيتوقف على مئونة زائدة ثبوتا و إثباتا.

أما ثبوتا فلتوقفه على ملاحظة «النصف» مضافا إلى حصتين، أي قصد تمليك ربع الدار من حصته، و ربعها من حصة صاحبه، و المفروض عدم هذا اللحاظ، إذ المقصود مفهوم النصف، لا شي ء آخر.

و أمّا إثباتا فلتوقفه على أن يكون إطلاق «النصف» مقتضيا لإضافته إليهما معا، ليقع البيع لهما، و هذا الاقتضاء ممنوع، لأنّ مفاد الإطلاق عدم إضافة النصف إلى كل منهما بالخصوص، و هذا لا يستلزم إضافته إليهما معا، فعدم التقييد بما يدلّ على أحدهما لا يكون دالا على التقييد بهما.

(1) أي: في النصف المشاع في مجموع العين، لا في النصف المشاع من الحصتين.

(2) غرضه أنّ استناد القول بالاشتراك إلى ملاحظة حقّي المالكين ممنوع، لتوقف هذه الملاحظة على مئونة زائدة على الإشاعة المحضة الثابتة للعين بما هي هي. و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «إن قلت .. قلت».

(3) يعني: حتى يقع البيع في ربع الدار من البائع، و ربعها من الشريك.

(4) جواب الشرط في «و أمّا ملاحظة».

(5) إذ المفروض إرادة البائع مفهوم نصف الدار، لا خصوص فرد من أفراد كلّي النصف المشاع، فعدم لحاظ النصف المشاع بين الحصتين للبائع معلوم، و معه كيف يمكن الحكم بكون المبيع النصف المشاع في الحصتين؟

و لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه اقتصر على بيان فقد المقتضي الثبوتي، و معه لا حاجة إلى قصور مقام الإثبات. و لكن ذكرنا في «قلت» عدم المقتضي للإشاعة بين الحصتين ثبوتا و إثباتا.

ص: 23

و من المعلوم (1) أنّ النصف المشاع بالمعنى المذكور (2) يصدق على نصفه المختصّ، فقد (3) ملّك كليّا يملك مصداقه. فهو كما (4) لو باع كلّيّا سلفا، مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا، لكنّه (5) لم يقصد إلّا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه

______________________________

(1) هذا متمّم الرد على القول باشتراك الوكيل أو الولي في البيع.

(2) و هو النصف المشاع في المجموع، لا النصف المشاع في الحصتين. و صدق كلّي النصف المشاع على النصف المختص بالبائع و قابليته للانطباق عليه كاف في كون المبيع تمام حصته، لصدق نصف الدار عليه. و قد مرّ سابقا أنّه الحقّ.

(3) هذا تفريع على صدق الكلّي- و هو النصف المشاع- على النصف المختص به، يعني: أنّ مجرد الصدق و القابليّة كاف في تمليك الكلي المنطبق على حصة البائع، فإنّ مالك الكلي مالك لمصداقه، و تعيينه فيه.

(4) غرضه الاستشهاد للمقام، بما يقال في السّلف، و محصله: أنّه لو أراد بيع عشرين منّا من الحنطة سلما بمائة دينار لنفسه، و وكّله شخص في بيع هذا المقدار بنفس العوض، ثم أنشأ البيع من دون إضافة المبيع إلى ذمة نفسه أو عهدة موكّله. كما أنّه لم يقصد أحد الأمرين، بل اقتصر على قوله للمشتري: «أسلمت إليك عشرين منّا من الحنطة بكذا» فالمبيع الكلّي قابل للانطباق على ما في عهدة نفسه و ما في عهدة موكّله. فيحكم بوقوع البيع لنفسه، لكونه مالكا لما في ذمته، و أنّ وقوعه للموكّل متوقف على مئونة زائدة و هي إضافة العقد في الإنشاء إليه أو قصده.

و قد نبّه صاحب المقابس على هذا في مسألة اعتبار القصد من لزوم تعيين من يقع له البيع أو الشراء، و أنّه ينعقد لنفسه أو لغيره من موكّل أو مولّى عليه، فراجع «1».

و كيف كان فهذا الفرع شاهد على كفاية انطباق كلّيّ «النصف» على خصوص حصة البائع في العين الخارجية المشتركة.

(5) أي: بائع الكلي سلفا لم يقصد إلّا مدلول بيع الكلي- كعشرين منّا من الحنطة- من دون إضافته إلى نفسه أو موكّله، فإنّ الظاهر الناشئ من الانصراف و غيره وقوعه لنفسه، فإنّ البيع عن الغير في غير العين الشخصية الخارجية منوط بقصد الغير.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 104- 107.

ص: 24

عنه أو عن غيره، فإنّ (1) الظاهر وقوعه لنفسه، لأنّه [1] عقد (2) على ما يملكه [2]

______________________________

(1) تعليل لقوله: «فهو كما لو باع» أي: فإنّ وقوع البيع لنفس البائع.

(2) أي: لأنّ البائع عقد على ما قبل الانطباق على ما يملكه، فقوله قدّس سرّه: «لأنّه عقد على ما يملكه» لا يخلو من مسامحة، فإنّه لو عقد على ما يملكه بأن قال للمشتري: «بعتك عشرين منّا من الحنطة في ذمتي» لم يكن إشكال، و كان خارجا عن مورد البحث، للقطع بكون البيع لنفسه، و لا وجه لإثبات كون البيع له بالتشبث بما يوجب الظهور الذي لا يفيد إلّا الظن.

______________________________

[1] ظاهر هذا التعليل قطعية وقوع العقد على ما يملكه، و هو لا يناسب قوله: «فان الظاهر وقوعه» بل المناسب أن يقال: «فان المقطوع به وقوعه لنفسه».

[2] و يمكن توجيه الحمل على النصف المختص بالبائع بما ذكروه «1» من وجوه:

أوّلها: أنّ الأصل و الغالب إرادة المملوك عند دوران الأمر بين إرادته و إرادة غيره.

ثانيها: تبادر ذلك إلى الفهم.

ثالثها: كون التمليك ظاهرا في وقوعه في ماله.

رابعها: أنّ مقام التصرف يجعله ظاهرا في ماله. و هذه قرينة مقامية.

خامسها: أنّ خصوص التصرف البيعي يوجب هذا الظهور.

سادسها: أنّ الأصل في العقود اللزوم على ما يقتضيه قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و عقد نصف الدار من العقود، فيحكم بلزومه، فتأمّل.

سابعها: ظهور مطلق الإنشاء في كون متعلّقه مملوكا.

و قد استندوا لصحة القول بالحمل على النصف المملوك للبائع إلى هذه الوجوه السبعة، و إن كان إنكار أصل الظهور في بعضها و إنكار اعتبار بعضها لمحكوميته بغيره في محله. لكن مجموعها ربما يوجب الظن المتآخم بالعلم بإرادة النصف المختص بالبائع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 317.

ص: 25

فصرفه (1) إلى الغير من دون صارف لا وجه له.

[لو وهبت المرأة نصف صداقها المعين]

و لعلّه (2) لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين (3) و الشهيدين

______________________________

(1) أي: فصرف البيع إلى غيره من دون صارف لا وجه له.

(2) الضمير للشأن، و المراد بالموصول في قوله: «لما ذكرنا» هو حمل نصف الدار على النصف المختص بالبائع، لا النصف المشاع في الحصتين، لما قلنا من عدم منافاة حمل النصف على المختص بالبائع لظهور النصف في الإشاعة، فتمليكه تمليك للكلّي الذي كان البائع مالكا لمصداقه، فالواجب دفعه إلى المشتري.

و الغرض من قوله: «و لعلّه لما ذكرنا» بيان نظير لحمل نصف الدار على النصف المشاع المختص، دون المشاع بين الحصتين. و ذلك النظير هو ما ذكره جماعة من «أنّه لو أصدق المرأة عينا، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي» فإنّهم حملوا النصف الموهوب على النصف المختص بها الذي استقرّ للزوجة بمجرّد العقد، كحمل النصف المبيع من الدار على النصف المختص بالبائع. و النصف الآخر الذي هو النصف المشاع للعين بما هي ملك متزلزل لها، و استقرار ملكيته لها منوط بالدخول.

و هذا النصف المشاع استحقّه الزوج بسبب الطلاق.

و الظاهر أنّ التنظير إنّما يكون في مجرد كون الإشاعة مضافة إلى نفس العين المملوكة للزوجة، غاية الأمر ملكية نصفها بنحو الاستقرار، و نصفها الآخر بنحو التزلزل، و هذا المتزلزل المشاع بوصف الإشاعة انتقل بالطلاق قبل المواقعة إلى الزوج، و النصف الموهوب انطبق على النصف المختص بها المستقرّ بالعقد.

(3) قال المحقّق قدّس سرّه: «العاشرة: لو وهبته نصف مهرها مشاعا، ثم طلّقها قبل الدخول، فله الباقي، و لم يرجع عليها بشي ء، سواء كان المهر دينا أو عينا، صرفا للهبة إلى حقّها منه» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 330، و يستفاد من كلام العلامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 17، و جعله في القواعد أحد الاحتمالين. كما في ج 3، ص 86، اللمعة الدمشقية، ص 197، الروضة البهية، ج 5، ص 367، مسالك الأفهام، ج 8، ص 255.

ص: 26

و غيرهم (1): أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي (2)، لا نصف الباقي و قيمة (3) نصف الموهوب، و إن ذكروا ذلك (4) احتمالا. و ليس (5) إلّا من جهة صدق «النصف» على الباقي، فيدخل في قوله تعالى «فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ».

______________________________

(1) كفخر المحققين و الفاضل السبزواري، و صاحب الرياض و الجواهر «1».

(2) الذي هو نصف العين، لا نصف الحصتين، إذ لو كان هو نصف النصيبين لزم أن يكون المردود إلى الزوج بالطلاق نصف الباقي، و قيمة نصف النصف الموهوب، حيث إنّه تلف بالهبة، فينتقل إلى القيمة.

(3) معطوف على «نصف» و يمكن كون «الواو» للمعية، أي: مع قيمة النصف.

(4) أي: استحقاق الزوج لنصف الباقي و قيمة ربع العين الذي هو نصف الموهوب.

لكن فتواهم على الأوّل. فذكرهم لاستحقاق الزوج لنصف الباقي و قيمة ربع العين يكون بطور الاحتمال.

(5) يعني: و ليس إفتاؤهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي من العين إلّا لأجل صدق «النصف» على الباقي، كصدقه على نصف الدار كما تقدم، فيشمله «النصف» المذكور في الآية الشريفة فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ «2».

فكما يكون قوله: «أعطوا زيدا نصف أموالي» ظاهرا في المشاع، فكذا في الآية، و حيث إنّها وهبت نصفا مشاعا من العين، و كان الباقي نصفا مشاعا أيضا، صدق عليه «أنّه نصف ما فرضتم» «3».

______________________________

(1) لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 3، ص 233، كفاية الأحكام، ص 182، رياض المسائل، ج 2، ص 146، جواهر الكلام، ج 31، ص 104 و 105.

(2) سورة البقرة، الآية 337.

(3) الذاكر لهذا الاحتمال جماعة، منهم العلامة في القواعد، ج 3، ص 86، و السيد العميد في كنز الفوائد، ج 2، ص 509، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 8، ص 255، و في الروضة البهية، ج 5، ص 368.

ص: 27

و إن (1) كان يمكن توجيه هذا الحكم (2) منهم بأنّه (3) لمّا كان الربع الباقي للمرأة من الموجود (4) مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات، بل لا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار (5)، فلا (6) وجه لاعتبار القيمة (7)،

______________________________

(1) غرضه من هذه العبارة إخراج هذا الفرع عن كونه نظيرا لما نحن فيه من بيع نصف الدار. توضيحه: أنّه يمكن توجيه إفتائهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي لا لأجل إرادة الإشاعة في العين حتى يستحق النصف الباقي، بل للإشاعة في حصّتي المرأة و الزوج، بأن يقال في وجه كون النصف الباقي للزوج المطلق: إن ملكيته لنصف هذا النصف تستند إلى أنّ للزوج ربع العين الموجود عند المرأة، و له أيضا ربع آخر، و هو نصف النصف الموهوب الذي هو عند الموهوب له. و الربع الموجود للمرأة مثل الربع الذي أتلفته بسبب هبتها نصف العين، و مساو له من جميع الجهات. و هذا الربع يدفع إلى الزوج، و لا تصل النوبة إلى دفع قيمة الربع الموهوب إليه.

و بالجملة: فالنصف المعطى إلى الزوج المطلق يكون نصفه- و هو ربع العين- حقّه، و نصفه الآخر بدلا عن حقّه، و هو الربع التالف بالهبة.

(2) و هو حكم الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي.

(3) متعلق ب «توجيه» و بيان للتوجيه الذي اتّضح بقولنا: «توضيحه أنّه يمكن ..

إلخ».

(4) أي: من النصف الباقي عندها بعد هبة النصف، فإنّ هذا الرّبع مثل الربع التالف.

(5) و هو اعتبار كون هذا الربع للمرأة، و ذلك الربع للرجل المطلق.

(6) جواب الشرط في قوله: «لمّا كان».

(7) يعني: مع المماثلة في جميع الجهات إلّا في الأمر الاعتباري- و هو المالكية- لا وجه لاعتبار قيمة الربع التالف بسبب الهبة و إن كان ذلك من القيميات، لأنّ مثل التالف من جميع الجهات أقرب إليه من القيمة التي هي أقرب إليه في جهة واحدة و هي المالية فقط.

نظير دفع المديون نفس العين المقترضة إلى الدائن، فإنّ دفعها إليه يوجب براءة ذمة المديون، و لا تتوقف براءتها على بذل قيمتها و إن كانت قيمية.

و هذه المسألة تعرّض لها المصنف في ضمان المثلي بالمثل، فقال في جملة كلامه:

ص: 28

نظير (1) ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيميّة.

لكن (2) الظاهر أنّهم لم يريدوا

______________________________

«نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة» فراجع «1».

(1) هذا نظير للمقام في مجرد براءة الذمة بدفع العين المقترضة إلى المقرض، لا في إلزام المديون بدفع العين، لصيرورة العين ملكا للمقترض، و لا يستحق المقرض إلّا بدلها من المثل أو القيمة.

و هذا بخلاف المقام، فإنّهم يلزمون الزوجة بدفع ما بقي من عين الصداق إن كان الصداق عينا خارجية.

(2) هذا إضراب على قوله: «و لعلّه لما ذكرنا» توضيحه: أنّ الظاهر عدم كون حكم الفقهاء «باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق» مبنيّا على أنّ المراد بالنصف هو المشاع في العين- لا المشاع بين الحصتين- بل أرادوا أنّ استحقاقه للنصف الباقي ينشأ من كون الربع الباقي للمرأة مماثلا للربع من الزوج، الذي أتلفته الزوجة بالهبة. و ذلك بقرينة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي ب «بقاء مقدار حصته» فإنّ هذا التعليل يناسب الكلي في المعيّن، إذ لو أرادوا المشاع في العين- دون الإشاعة في الحصتين، و دون الكلّي في المعيّن- لكان الصواب أن يعلّلوا ذلك ببقاء حقّه، لا «مقدار حقه» لأنّه بناء على الإشاعة في العين بما هي يكون النصف الموجود عين حقه، لأنّه مصداقه، لا مقدار حقه. كما أنّ النصف الموهوب عين حق الزوجة.

و بعبارة اخرى: كان الغرض من نقل فتوى الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق هو الاستشهاد للمقام من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين، لا المشاع بين الحصّتين. و الوجه في الاستشهاد: ظهور كلمة «النصف» في الآية المباركة «فنصف ما فرضتم» في النصف المشاع من الصداق، و حيث إنّها وهبت نصفا مشاعا و هي ملكها المستقرّ لها بالعقد، كان النصف الباقي بتمامه ملكا للزوج بالطلاق.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 349

ص: 29

هذا الوجه (1)، و إنّما علّلوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقّه، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام (2) [1].

______________________________

و لكن يشكل هذا الاستشهاد بأنّ حكم الفقهاء باستحقاق النصف الباقي يمكن أن يستند إلى ما ذكر من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين، فيصدق على الباقي بعد الهبة «أنّه نصف ما فرضتم» و يتم الاستشهاد المزبور.

و يمكن أن يستند إلى أمر آخر، و هو كون حقّ الزوج نصفا مشاعا بين الحصتين، أو كلّيّا في المعيّن كصاع من صبرة.

و يترجّح هذا الاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل، لمناسبة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي «بأنّه مقدار حقه» و بيانه: أنّ «النصف الباقي» لو كان متعيّنا بنفسه للزوج- من جهة أنّ الزوجة وهبت حقّها و هو النصف المشاع من تمام الصداق- لكان الباقي نفس حقّ الزوج، لا مقدار حقه. فالتعليل ببقاء المقدار يلائم أحد احتمالين آخرين:

الأوّل: أنّ الزوجة وهبت نصف حصّتها من الصداق- أي ربعه- و ربعا من حصّة الزوج، فبقي نصف الصداق مشاعا بينهما إلى حين الطلاق، فيكون الباقي مقدار حقّ الزوج، لكونه مشاعا بين الزوجين.

الثاني: أنّ الزوج يستحق النصف بنحو الكلّي في المعيّن، أي: نصف هذا الصداق المعيّن خارجا، فيكون الباقي بعد الهبة مقدار حقّ الزوج، فيتعيّن فيه قهرا.

و بناء على هذين الاحتمالين لا يبقى مجال للاستشهاد للمقام بما ذكروه في هبة الزوجة نصف المهر قبل الطلاق.

(1) و هو استحقاق الزوج للنصف الباقي على الإشاعة في العين، و كون النصف الباقي هو حقّه، لانطباق النصف المشاع عليه.

(2) أي: مقام بيع نصف الدار، غرضه أنّ حمل الفقهاء بيع نصف الدار على النصف المختص بالبائع- بناء على الإشاعة في العين، لا الإشاعة في الحصتين- ينافي حملهم نصف

______________________________

[1] لا يخفى أن الوجوه المحتملة ثبوتا في النصف الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ثلاثة:

أحدها: النصف الباقي بناء على الإشاعة في العين لا في الحصتين، فإنّ النصف المشاع

ص: 30

[الإقرار بالنصف للغير في المال المشترك]

و نظيره (1) في ظهور المنافاة

______________________________

الصداق للزوج على الإشاعة بين الحصتين أو على الكليّ في المعيّن.

(1) يعني: و نظير حكمهم في هبة نصف الصداق- في ظهور المنافاة لكلامهم في

______________________________

في العين ينطبق على النصف الباقي. فهذا النصف نفس حقه كما أفتى به الفقهاء، لا نصف حقه، و نصفه الآخر- و هو ربع العين- بدل حقه الفائت بالهبة كما هو مقتضى الإشاعة بين الحصتين.

ثانيها: النصف من الباقي و التالف، و هو الذي حكاه المصنف قدّس سرّه احتمالا عن جماعة.

ثالثها: النصف بنحو الكلي في المعيّن، و هو يتعين بالمقدار الباقي، لا أنّه مقدار حقه، بل هو نفس حقه، بناء على الكلّي في المعيّن، و على الإشاعة في العين، لا الإشاعة بين الحصتين. و قد تقدم آنفا أنّ الظاهر في مقام الإثبات هو الإشاعة في العين كما هو ظاهر فتوى جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم قدّس سرّهم مع الغض عن تعليلهم لها ببقاء مقدار حقه، إذ مع النظر إليه يحتمل كل من الإشاعة بين الحصتين و الكلي في المعين.

إذ على الأوّل لمّا كان الربع التالف بالهبة مثل الربع الباقي في جميع الجهات ذهبوا إلى تعيّن النصف الباقي، معلّلين ذلك ببقاء مقدار حقه، لا ببقاء نفس حقه.

و على الثاني يتعيّن حقّه بالمقدار الباقي قهرا، كما في سائر موارد الكلّي في المعيّن مع تلف ما عدا المقدار الذي أنشأ عليه العقد كصاع من الصبرة إذا تلفت الصيعان إلّا واحدا. و هو المناسب للتعليل ببقاء مقدار حقه.

و الفرق بينه و بين المشاع بين الحصتين هو: أنّ النصف الباقي متعيّن في حقيّته للزوج بناء على الكلّي في المعيّن. بخلاف الإشاعة بين الحصّتين، فإنّه لا يتعيّن حق الزوج في النصف الباقي بناء على هذا المبنى، إذ يجوز للزوجة دفع قيمة الربع التالف بالهبة، و لا يتعيّن عليها دفع نفس الربع الباقي، و إن كان أقرب إلى التالف من جميع الجهات.

و بالجملة: يدور حكمهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي- مع تعليله ببقاء مقدار حقه- بين ابتنائه على الإشاعة بين الحصتين و الكلّي في المعين. و على التقديرين يتحقق التنافي بين حكمهم في بيع نصف الدار بكون المبيع حصة البائع، و بين حكمهم بكون حصة الزوج النصف الباقي، لكونه بمقدار حقه.

ص: 31

لما هنا (1) ما (2) ذكروه في باب الصلح (3) من «أنّه إذا أقرّ من بيده المال لأحد المدّعيين

______________________________

مسألة بيع نصف الدار- حكمهم في باب الصلح بأنّ المراد بصلح النصف هو النصف المشاع، و أنّ المراد بالنصف في بيع نصف الدار هو النصف المختص بالبائع كما تقدم تفصيله، فحكمهم في باب الصلح ينافي أيضا حكمهم في باب البيع.

(1) أي: في باب بيع نصف الدار. و المراد بالموصول حكمهم ببيع النصف المختص في بيع نصف الدار.

(2) هذا خبر «نظيره» و بيان له، توضيحه: أنّه إذا كان مال كدار بيد زيد مثلا، و ادّعاها شخصان كعمرو و بكر، و قد أقرّ زيد لأحد المدّعيين بسبب موجب للشركة، ككون الدار ملكا لأبيهما المتوفى، و انتقالها إلى المدعيين إرثا بالمناصفة، مع فرض انحصار الورثة بهما. فإذا صالح المقرّ له حينئذ مع المقرّ على ذلك النصف المقرّ به كان ذلك النصف مشاعا بين نصيبهما، و كان الصلح بالنسبة إلى الربع الذي هو نصيب المقرّ له لازما، و بالنسبة إلى ربع شريكه موقوفا على إجازته.

و هذا الحكم- أي الإشاعة بين الحصتين- مناف لما أفتوا به في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص حصة البائع.

(3) هذا الفرع مذكور في صلح الشرائع بقوله: «و لو ادّعى اثنان دارا في يد ثالث، بسبب موجب للشركة كالميراث، فصدّق المدّعى عليه أحدهما، و صالحه على ذلك النصف بعوض. فإن كان بإذن صاحبه صحّ الصلح في النصف أجمع، و كان العوض بينهما.

و إن كان بغير إذنه صحّ في حقّه، و هو الرّبع، و بطل في حصة أو حصته الشريك، و هو الرّبع الآخر» «1». و قريب منه عبارة القواعد.

و ظاهر المتن من قوله: «ما ذكروه» كون الحكم مشهورا أو متفقا عليه، و هو كذلك كما يظهر من السيد العاملي و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، قال في مفتاح الكرامة: «و في الأخير- أي كفاية الأحكام- أنه المشهور. و كأنّه أشار بذلك الى ما ستسمعه من

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 122، قواعد الأحكام، ج 2، ص 176.

ص: 32

للمال بسبب (1) موجب للشركة كالإرث، فصالحه (2) المقرّ له على ذلك النصف، كان (3) النصف (4) مشاعا في نصيبهما. فإن أجاز شريكه (5) نفذ في المجموع (6)، و إلّا (7) نفذ في الربع» فإنّ (8) مقتضى ما ذكروه هنا (9)

______________________________

المسالك، و إلّا فلا خلاف في ذلك» «1».

(1) متعلق ب «المدّعيين» و يحكم بهذا الإقرار بملكية النصف ظاهرا للمقرّ له، و بملكية النصف الآخر ظاهرا أيضا لذي اليد. و أمّا ملكيته واقعا فهي مردّدة بينه و بين المدّعي الآخر.

(2) أي: فصالح المقرّ له من كان بيده المال- كالدار- على ذلك النصف المقرّ به.

(3) جواب الشرط في قوله: «إذا أقرّ».

(4) أي: كان النصف المقرّ به مشاعا في نصيب المدعيين للمال إرثا من أبيهما.

(5) أي: شريك المقرّ له الذي ثبتت ملكيته لنصف الدار مع المقرّ له، لاعترافه بالإرث الموجب للشركة.

(6) أي: في مجموع النصف الذي وقع عليه الصلح.

(7) أي: و إن لم يجز شريكه الصلح الواقع على نصف حصته- و هو الربع- نفذ الصلح في خصوص الربع الذي هو نصف نصيب المصالح دون غيره.

(8) هذا بيان وجه المنافاة التي أشار إليها بقوله: «و نظيره في ظهور المنافاة» توضيحه: أنّ حمل «النصف» في الإقرار على الإشاعة بين النصيبين- السارية إلى صلح النصف أيضا- ينافي ما ذكروه في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص النصف المختص بالبائع، فإنّ «للنصف» في البيع و الصلح و الإقرار معنى واحدا، و لا وجه للتفكيك بينها بإرادة النصيب المختصّ بالبائع في مسألة بيع نصف الدار، و إرادة المشاع بين الحصتين في مسألتي الإقرار و الصلح.

(9) أي: في بيع نصف الدار. و المراد بالموصول في «ما ذكروه» كون النصف مشاعا في نصيبهما.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 492، و لاحظ جواهر الكلام، ج 26، ص 238.

ص: 33

اختصاص (1) المصالح بنصف المقرّ له، لأنّه (2) إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقرّ له به، فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقرّ أو معه. و إن أوقعه (3) على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصّته، فلا وجه لاشتراكه (4) بينه و بين شريكه، و لذا (5) اختار سيّد (6) مشايخنا قدّس اللّه أسرارهم اختصاصه (7) بالمقرّ له.

______________________________

(1) خبر «فإن مقتضى».

(2) أي: لأنّ المصالح، و هذا تعليل لقوله: «فإنّ مقتضى» و ملخّصه: أنه يحمل «النصف» على النصف المختصّ به إذا أوقع الصلح على نصفه المقرّ به، كما لو صالح قبل الإقرار مع غير المقرّ، أو معه. و إذا أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصته المختصة به، بقرينة التصرف الصلحي الذي هو كالتصرف البيعي.

(3) أي: و إن أوقع المصالح الصلح على مطلق النصف انصرف الصلح إلى حصة المصالح، كما لو أوقع الصلح على خصوص النصف المقرّ به.

(4) أي: فلا وجه لاشتراك النصف الذي وقع عليه الصلح، فإنّ هذه الشركة مبنية على الإشاعة بين النصيبين، لا الإشاعة في العين كما هي مبنى بيع نصف الدار.

(5) أي: و لأجل الانصراف و عدم وجه لاشتراك النصف بين حصّتي الشريكين المدّعيين- اختار .. إلخ.

(6) الظاهر أنّه السيد المجاهد قدّس سرّه، حيث قال- في المناقشة في ما أورده المحقق الأردبيلي على الشهيد الثاني قدّس سرّهم- ما لفظه: «بل الأقرب أن يفصّل، فيقال .. و إن وقع الصلح على النصف المشاع الذي هو كلّي، و ليس بمتشخص في الخارج بوجه من الوجوه، و يستحقه المقرّ له باعتقاد المقرّ- و هو المدعى عليه- و اعتقاد صاحبه المشارك له في السبب، فيختص المقرّ له بما وقع الصلح عليه، و لا يشاركه أحد في شي ء. و ذلك لأنّه مقتضى الأصول و القواعد الشرعية كما لا يخفى، و ليس لها هنا معارض من شي ء من الأدلة الأربعة .. إلخ» «1» فراجع.

(7) أي: اختار اختصاص النصف المصالح عليه بالمقرّ له و هو المصالح، كاختصاص النصف بالبائع في بيع نصف الدار.

______________________________

(1) المناهل، ص 358.

ص: 34

و فصّل في المسالك (1) بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف، و بين ما إذا وقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد. فاختار مذهب المشهور في

______________________________

(1) محصل تفصيل الشهيد قدّس سرّه في المسالك هو: أنّ الصلح تارة يقع على نصفه، كأن يقول المقرّ له: «صالحت على نصفي الذي هو ملكي من الدار» و أخرى يقع على النصف بنحو الإطلاق، كأن يقول: «صالحت على نصف الدار» و ثالثة يقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد، كأن يقول: «صالحت على النصف الذي أقرّ لي ذو اليد به».

فإن وقع الصلح على الوجه الثالث- و هو النصف الذي أقرّ به ذو اليد- فاختار فيه الشهيد مذهب المشهور، و هو حمل النصف المصالح عليه على النصف المشاع بين النصيبين، فيكون النصف المصالح عليه مشتركا بين المقرّ له و شريكه.

و إن وقع الصلح على أحد الوجهين الأوّلين اختصّ بنصفه، لا المشاع بين النصيبين، و هذا مخالف لمذهب المشهور. و أمّا وجه الاختصاص في هذين الوجهين فسيأتي قريبا.

و لا بأس بنقل جملة من كلامه قدّس سرّه، فإنه بعد الاستدلال للمشهور- من أنّ إقرار ذي اليد مقتض لشركة المدعيين، لوحدة السبب المملّك لهما- قال: «و فيه بحث، لأنّ هذا لا يتمّ إلّا على القول بتنزل البيع و الصلح على الإشاعة، كالإقرار. و هم لا يقولون به، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع و المصالح .. بخلاف الإقرار، فإنّه إخبار عن ملك الغير بشي ء، فيستوي فيه ما هو ملكه و ملك غيره. و حينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقرّ له خاصة، فيصحّ في جميع الحصة بجميع العوض، و تبقى المنازعة بين الآخر و المتشبّث.

هذا إن وقع الصلح على النصف مطلقا، أو النصف الذي هو ملك المقرّ له. أمّا لو وقع على النصف الذي أقرّ به المتشبّث توجّه قول الجماعة، لأنّ الإقرار منزّل على الإشاعة، و الصلح وقع على المقرّ به، فيكون تابعا له فيها. و على هذا ينبغي حمل كلامهم، لئلّا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها .. إلخ» «1».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 4، ص 272

ص: 35

الثالث (1)، لأنّ (2) الإقرار منزّل على الإشاعة، و حكم (3) بالاختصاص في الأوّلين (4)، لاختصاص (5) النصف وضعا في الأوّل

______________________________

(1) و هو وقوع الصلح على النصف الذي أقرّ به ذو اليد.

(2) هذا كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، و هو تعليل لمذهب المشهور، و محصله: أنّه لمّا كان المقرّ له معترفا بكون العين ملكا له و لشريكه بنحو الإشاعة، كان إقرار المقرّ لأحد المدّعيين منزّلا على الإشاعة، لأنّ الإقرار حقيقة إخبار عن صدق دعوى أحد المدّعيين، و المفروض أنّ الدّعوى كانت على الإشاعة النصف، فالإقرار يتعلّق بما ادّعاه المقرّ له من إشاعة النصف.

فحكم المشهور هنا بالإشاعة لا ينافي حكمهم في بيع نصف الدار بالاختصاص بحصّة البائع، لأنّ حكمهم هنا بالإشاعة بين الحصّتين يكون مع القرينة، و هي كون الإقرار إخبارا عن دعوى أحد المدّعيين للنصف المشاع. فلا منافاة بين هذه المسألة و بين مسألة بيع نصف الدار، لأنّ الحمل على إشاعة العين هناك كان بلا قرينة، و الحمل على إشاعة الحصتين هنا يكون مع القرينة، هذا [1].

(3) يعني: و حكم الشهيد قدّس سرّه بالاختصاص.

(4) و هما: وقوع الصلح على نصفه، و وقوعه على النصف المطلق.

(5) تعليل لحكم الشهيد قدّس سرّه باختصاص النصف- في الفرضين الأوّلين- بالمقرّ

______________________________

[1] لم يظهر وجه قرينية دعوى أحد المدّعيين على الإشاعة بين الحصتين بعد ما مرّ من ظهور الإشاعة في الإشاعة في العين، لا في انقسام العين إلى نصفين سواء أ كان مالك العين متحدا أم متعددا.

و أمّا الإشاعة بين النصيبين، فهي خلاف الظاهر إن لم يكن خلاف الوضع، فتحتاج إرادتها إلى القرينة، فبدونها تحمل الإشاعة على ظاهرها من الإشاعة في العين دون النصيبين.

و لا قرينيّة في شي ء من دعوى المدّعيين و لا في إقرار المقرّ على إرادة الإشاعة بين الحصتين، لأنّ المدّعى و المقرّ به هو المعنى الظاهر العرفي، بل اللغوي. و لا وجه للعدول عنه إلّا بالقرينة، و هي مفقودة هنا، لعدم صلاحية ما ذكروه للقرينية.

ص: 36

و انصرافا (1) في الثاني إلى النصف المختصّ.

و اعترضه (2) في مجمع الفائدة «بأنّ (3) هذا ليس تفصيلا، بل مورد كلام المشهور هو الثالث (4)، لفرضهم (5)

______________________________

و منشأ هذا الاختصاص في الفرض الأوّل- أعني به وقوع الصلح على نصفه- هو: أن إضافة «النصف» إلى «ياء» المتكلّم قرينة على وضع «النصف» لإشاعة نصف العين، أي حصّته من العين، لا للإشاعة بين النصيبين. و منشأ الاختصاص في الفرض الثاني هو: أنّ التصرف الاعتباري في نصف العين منشأ للانصراف إلى النصف المختصّ به، لا المشاع بين النصيبين.

(1) معطوف على «وضعا» و غرضه بيان منشأ الاختصاص بالمقرّ في الفرض الثاني.

(2) الضمير المستتر راجع إلى المحقق الأردبيلي قدّس سرّه، و الضمير البارز إلى تفصيل الشهيد الثاني المستفاد من قوله: «و فصّل في المسالك».

و لا يخفى أنّ ما في مجمع الفائدة وجوه ثلاثة من الاعتراض، و ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه هو الوجه الثالث، قال المحقق الأردبيلي: «و أمّا ثالثا فلأنّه لا يحتاج هنا إلى بحث و توجيه، فإنّ كلامهم ظاهر- بل صريح- في أن المصالح عليه إنّما هو النصف المقرّ به، إذ لم يصالح المقرّ إلّا عليه، و ما ثبت بحسب ظاهر الشرع للشريك المصالح إلّا ذلك ..

إلخ» «1».

(3) متعلق ب «اعترضه» و هذا تقريب الاعتراض، و محصله: أنّ كلام المشهور ليس مجملا حتى يفصّل بين الوجوه التي ذكرها الشهيد قدّس سرّه، بل مورد كلامهم هو وقوع الصلح على المقرّ به الذي لا بدّ من الحكم بالإشاعة فيه.

(4) و هو وقوع المصالحة على ما أقرّ به ذو اليد.

(5) أي: لفرض المشهور المصالحة على النصف المقرّ به، و هو مورد البحث و النزاع.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 6، ص 349

ص: 37

المصالحة على ذلك النصف المقرّ به» [1]. و تمام الكلام في محلّه (1).

______________________________

(1) يعني: في كتاب الصلح.

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: إنّ الكسر المشاع كالنصف يقع تارة: في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري كالبيع و الصلح و الهبة و غيرها.

و أخرى: في كلام الأجنبي عن المالكين، كبيع الفضولي نصف العين المشتركة بين شخصين على الإشاعة.

و ثالثة: في كلام المقر، كما إذا أقرّ أحد الشريكين في عين كدار أو دكان «بأن نصف هذه العين لزيد مثلا».

فإن وقع في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري حمل على النصف المختص به، لا على الإشاعة بين الحصتين، لأنّ الحمل على الإشاعة في الحصتين يكون للإطلاق و عدم القرينة. و أمّا معها- كما في المقام- فيحمل النصف على حصّته، لا الإشاعة بين الحصتين، حيث إنّ إنشاء البيع و نحوه قرينة عرفا على بيع أو صلح ما يملكه و يختص به، إذ بيع مال غيره و إن كان موكّله أو من للعاقد ولاية عليه محتاج إلى مئونة زائدة.

و الأصل يجري في عدم قصد البيع عن الغير، و ليس بمثبت، لعدم إناطة صحة البيع لنفسه بقصد البيع لنفسه حتى يكون الأصل عدمه كي يلزم إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، أو تعارض الأصلين و تساقطهما.

و الحاصل: أنّه لا يجري أصل عدم قصد البيع لنفسه حتى يلزم الإثبات و التعارض.

و عليه فما لم يقصد الغير يحمل على الحصة المختصة به، لوجود المقتضي، و هو وقوع العقد من مالك المال على عنوان صالح للانطباق على ماله، مع وجود شرائط فعلية تأثير العقد، و عدم مانع عن تأثيره. إذ المانع- و هو وقوع العقد عن الغير- محكوم بالعدم، فيشمله عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و إن وقع «النصف» في كلام الفضولي، فلا بدّ من حمله على الإشاعة بين الحصتين، لعدم قرينة على حمله على تمام حصة أحد الشريكين. فالإطلاق الموجب للحمل على إحدى الحصتين بالخصوص مفقود هنا، و مقتضاه الحمل على الإشاعة في كلتا الحصتين.

فالحمل على خصوص إحداهما ترجيح بلا مرجح.

ص: 38

..........

______________________________

و يمكن إجازة كل منهما هذا العقد الفضولي. فإن أجازا صحّ العقد في تمام النصف للشريكين، لكلّ منهما ربع العين. و إن أجاز أحدهما صحّ في الربع، و هو نصف حصته.

و إن وقع في كلام المقرّ، فيحمل على الإشاعة بين الحصتين أيضا، للإطلاق الموجب للحمل على الإشاعة بين الحصّتين، و عدم كون الإقرار كالبيع أو الصلح قرينة على الاختصاص بتمام حصة المقرّ. و ذلك لأنّ الإقرار ليس تصرفا في المقرّ به، بل هو أمارة كاشفة عن ضيق دائرة ملك الشريكين بمقدار تعلق به الإقرار، و كون ذلك خارجا من أوّل الأمر عن ملكهما، و أنّ شركتهما تختص بما عدا النصف المشاع.

و هذا بخلاف البيع الذي هو إزالة الملك، فإنّ هذا التصرف قرينة عرفية على التصرف في ملكه دون ملك غيره، فيختص بملكه.

لكن الكلام في نفوذ الإقرار، لعدم نفوذه في حصة غيره، لكونه إقرارا على الغير.

و قد يقال كما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه: بأنّ المقرّ لو قال: «أنا مقرّ بأن نصف هذه الدار لزيد» يحمل على نصفه المختص، بخلاف ما لو قال: «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على الإشاعة بين النصيبين، هذا.

و فيه إشكال، لعدم الفرق بينهما، إلّا إذا كان قوله: «أنا مقرّ» ظاهرا فيما يكون نافذا، و هو الحصة المختصة به. و ذلك مشكل جدا، لعدم ظهور الإقرار في ذلك. و إلّا إذا حمل قوله: «نصف هذه الدار لزيد» على الشهادة التي لا تقبل إلّا مع شرائطها. بل في كلتا الصورتين يحمل على الإقرار في نصف حصته، و على الشهادة في نصف حصة شريكه.

نعم قوله: «أنا مقرّ» نصّ في الإقرار. لكنه ليس نصّا في كيفية المقرّ به، و أنه النصف المختص به أو نصف النصيبين، فإنّ الألفاظ الدالة على الإقرار مختلفة وضوحا و خفاء في الدلالة على نفس الإقرار، مع عدم دلالتها على كيفية المقرّ به، كما في قوله: «يجب إكرام زيد» فإنّه صريح أو أظهر في الوجوب من قوله: «أكرم زيدا» مع عدم دلالة شي ء منهما على نوع متعلق الأمر، و أنّ المراد بالإكرام إضافة زيد أو تقبيل يده أو إعطاء الفلوس أو غيرها.

و محل الكلام هو المراد من المقرّ به، لا ما يدل على نفس الإقرار. و ليس شي ء من العبارتين المزبورتين ما يبيّن المراد من النصف المقرّ به، فيحمل في كلتا الصورتين على المشاع في الحصتين.

ص: 39

[اقتضاء القاعدة حمل النصف على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه]

و على كلّ حال (1) فلا إشكال في أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع- مجرّدا عن حال أو مقال يقتضي (2) صرفه إلى نصفه- يحمل (3) على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه (4)، و لذا (5) أفتوا ظاهرا على أنّه

______________________________

(1) أي: سواء حمل النصف «في بيع نصف الدار» على المشاع في العين، أم على النصف المختص بالبائع- كما هو المنسوب إلى المشهور- فلا إشكال في أنّ لفظ النصف الواقع في كلام المالك للنصف المشاع إن كان محفوفا بقرينة حالية أو مقالية توجب صرف لفظ «النصف» إلى نصفه المختص به، كأن يقول: «صالحتك على نصفي» يحمل على النصف المختص به.

و إن كان مجرّدا عن القرينة يحمل على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه.

(2) صفة ل «حال أو مقال» و ضمير «صرفه» راجع إلى النصف.

(3) جواب الشرط في قوله: «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر لقوله: «ان لفظ».

(4) هذا الضمير و ضميرا «نصيبه، نصفه» راجعة إلى المالك.

(5) أي: و لأجل حمل لفظ «النصف» المقرّ به- إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع- على النصف المشاع في نصيبه و نصيب شريكه، أفتوا ظاهرا- في مسألة إقرار أحد الرجلين الشريكين اللّذين لكلّ منهما يد على نصف عين كدار أو دكان أو غيرهما من الأعيان بكون ثلث هذه العين لزيد مثلا- بأنّه يحمل الثلث المقرّ به على «الثلث المشاع بين النصيبين» كما سيتضح.

و لا يخفى ظهور قول الماتن: «أفتوا ظاهرا» في الإجماع على حمل الثلث المقرّ به على المشاع بين حصتي الشريكين. ففرق بين بيع «النصف» المنصرف إلى حصة البائع بقرينة التصرف، و بين الإقرار الذي هو إخبار عن ملك الغير لشي ء، و لا يعتبر فيه وقوعه في ملك المقرّ، لجواز الإخبار بما في يد الغير، فيكون شهادة عليه، فإن اجتمعت شروط الشهادة نفذ، و إلّا فلا.

و هذه المسألة تعرّضوا لها في مقام الفرق بين فرعين.

أحدهما: ما سيأتي الإشارة إليه في المتن من الإقرار بالنسب، كما لو أقرّ أحد الأخوين بأخت، و كذّبه الآخر. فقالوا باستحقاقها لخمس حصة المقرّ، و ليس لها في حصة المنكر نصيب. و هذا الخمس هو الفاضل عمّا يستحقه المقرّ من التركة لو كانت الأخت وارثة مع الأخوين.

ص: 40

..........

______________________________

ثانيهما: ما لو أقرّ أحد الشريكين- المتصرفين في المال المشاع بينهما نصفين- بأنّ شخصا آخر يستحق ثلث المال، و لكل واحد من المتصرّفين ثلثه لا نصفه. حيث إنّهم حكموا بأنّ النصف الذي يستحقه المقرّ يشترك فيه هو و المقرّ له على السواء، فنصفه له، و نصفه للمقرّ له.

و قد بيّن صاحب الجواهر الفرق بين المسألتين في مواضع.

فمنها: ما أفاده في مسألة بيع نصف الدار بقوله: «انّ الموافق للضابطة ما في باب الإقرار، بدعوى: تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك، لحديث الضرار و السيرة و غيرها. على معنى: أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه، كما كان له ذلك في المال الزكوي و نحوه .. إلخ» «1».

و منها ما أفاده في كتابي الصلح و الإقرار فراجع «2».

و توضيح أصل المسألة: أنّه لو فرض اشتراك زيد و عمرو في دار، و لكلّ منهما يد على نصف مشاع منها، فأقرّ زيد بأنّ ثلث الدار لبكر، و أنّ لكل من زيد و عمرو ثلث الدار لا نصفها.

و لا يخلو الأمر حينئذ من أنّ عمروا إمّا أن يصدّق زيدا، و لا كلام في صيرورة الحصص أثلاثا. و إمّا أن يكذّبه- كما هو مفروض البحث- و لا يحكم على المنكر بشي ء، بل له النصف المشاع من الدار، لما تقرّر من تقدم قول المنكر. و أمّا المقرّ فيؤاخذ بمقتضى إقراره «لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز و نافذ» فيصير المقرّ له شريكا مع المقرّ في النصف المختص به.

لكن الكلام في تعيين ما يستحقه المقرّ له، و أنّ حصّته ثلث ما للمقرّ، بدعوى:

اعترافه بأنّ له ثلث المجموع، و ما زاد على هذا الثلث هو سدس المجموع، و هو للمقرّ له.

فإذا كانت الدار اثني عشر سهما، كان حصة المقرّ قبل الإقرار ستة أسهم، و ينقص بالإقرار إلى أربعة أسهم هي ثلث المجموع، و يبقى سهمان فاضلان عن هذا الثلث- و هما سدس الدار- للمقرّ له.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 318.

(2) المصدر، ج 26، ص 239 و في ج 35، ص 165.

ص: 41

لو أقرّ أحد الرجلين الشريكين- الثابت يد كلّ منهما على نصف العين- بأنّ (1) ثلث العين لفلان، حمل (2) على الثلث المشاع في النصيبين، فلو (3) كذّبه [1] الشريك الآخر،

______________________________

أم أنّ حصة المقرّ له نصف حصة المقرّ، ثلاثة أسهم، و هي لا سهمان.

و هذا الاحتمال هو مبنى الاستشهاد بهذا الفرع على أنّ الكسور- كالنصف و الربع و الثلث- تنصرف عند الإطلاق إلى المشاع بين النصيبين. و ظاهرهم الإجماع عليه. و هو يبتني على أمور مسلّمة.

الأوّل: ما تقرر في كتاب الشركة من توزيع الربح و الخسران على الشريكين أو الشركاء بنسبة الحصص.

الثاني: أنّ إنكار أحد الشريكين- و هو عمرو في المثال- إتلاف لمقدار من الثلث الذي استحقه المقرّ له بإقرار المقرّ، فحرمان المقرّ له من بعض ما يستحقه مسبّب عن تكذيب أحد الشريكين للآخر.

الثالث: ظهور الكسر في المشاع بين النصيبين.

و بناء على هذه يستحق المقرّ له نصف ما للمقرّ. و سيتضح في مطاوي شرح المتن.

(1) متعلق ب «أقرّ» في قوله: «لو أقرّ أحد الرجلين».

(2) جواب «لو» يعني: أنّه يحمل «الثلث» المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين.

(3) هذا متفرع على حمل الثلث المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين، توضيحه:

أنّه إذا كذّب الشريك الآخر و أنكر صدق إقرار المقرّ، دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما بيده.

فإذا فرض أنّ العين المتنازع فيها اثنا عشر سهما، و كانت ستة أسهم منها تحت يد المقرّ، و مثلها تحت يد شريكه، دفع المقرّ إلى المقرّ له ثلاثة أسهم التي هي نصف الستة التي بيده، إذ مقتضى الإشاعة في الحصتين توزيع الثلث المقرّ به- و هو أربعة أسهم- على الستة التي هي نصيب المقرّ به، و الستة التي هي سهم الشريك المنكر. فثلث المقرّ به- و هو أربعة- يخرج من هاتين الستتين حتى يكون ثلث كلّ من الشركاء الثلاثة أربعة أسهم.

______________________________

[1] لم يظهر وجه لهذا التفريع، ضرورة أنّ الإقرار بالنسبة إلى نفس المقرّ لا يقتضي إلّا دفع ما زاد على النصف الذي بيده، لأنّ نفوذ إقراره على نفسه يوجب دفع ما لا يستحقه- و هو ثلث ما بيده أعني الواحد من الثلاثة- لا نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف، فإنّه

ص: 42

دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده، لأنّ (1) المنكر بزعم المقرّ ظالم للسّدس بتصرّفه (2) في النصف، لأنّه (3) باعتقاده إنّما يستحقّ الثلث، فالسدس (4) الفاضل في

______________________________

(1) تعليل لدفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده، و محصّله: أنّه بعد أن دفع المقرّ إلى المقرّ له سهمين يعني: سدس الاثني عشر، و هذا السدس نصف الثلث المقرّ به، يتلف من سهم المقرّ له سهمان- و هما: سدس الاثني عشر- بسبب تكذيب الشريك و إنكاره لإقرار المقرّ، فهو باعتقاد المقر ظالم و غاصب لهذا السدس. و مقتضى ما في الشركة من «أنّ ما حصل حصل لهما و ما توى توى عليهما» هو احتساب التالف و هو السدس- أعني السهمين- على المقر و المقر له، حسب استحقاقهما أي على كل منهما سهم.

و بالجملة: فسهمان- و هو السدس- يخرج من ستة أسهم متعلقة بالمقرّ، و سهم أيضا يخرج من سهمه، لكون التالف- و هو سهمان- على المقرّ و المقر له.

(2) أي: بسبب تصرف المنكر في النصف أي نصف ثلث المقرّ له، و هو سدس الكل.

(3) أي: لأنّ المقرّ باعتقاده يستحق المقر له ثلثا من العين.

(4) يعني: فالسدس في يد المنكر- و هو سهمان من اثني عشر سهما- نسبته إلى المقرّ و المقرّ له على حد سواء.

______________________________

خارج عن حيطة الإقرار على النفس. فاللازم على المقرّ دفع ما زاد عن حقه- و هو السدس- إلى المقرّ له. كما أنّ اللازم على المنكر دفع السدس الآخر الذي عنده إليه. و ليس شي ء من هذا السدس على المقرّ أصلا.

و دعوى «أن قاعدة الشركة تقتضي ورود الضرر على كلّ من المقرّ و المقرّ له، فيوزّع السدس الذي هو عند المنكر عليهما بالمناصفة» غير مسموعة، إذ فيه أوّلا: أنّ مورد الضرر على الشريكين في النصوص هو الدّين.

و ثانيا: أنّ التعدّي من الدّين إلى العين إنّما يكون في مال أقرّ اثنان بأنّه مشترك بينهما و تلف، أو غصب بعضه، فإنّ مقتضى إقرارهما بشركة المال بينهما كون الضرر عليهما.

فإن تمّ إجماع- كما ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه- فهو، و إلّا فيشكل استحقاق النصف.

ص: 43

يد المنكر نسبته إلى المقرّ و المقرّ له على حدّ سواء (1)، فإنّه (2) قدر تالف من العين المشتركة، فيوزّع على الاستحقاق.

و دعوى (3): أنّ مقتضى الإشاعة تنزيل المقرّ به (4) على ما في يد كلّ منهما، فيكون في يد المقرّ سدس (5)، و في يد المنكر سدس، كما لو صرّح بذلك (6)، و قال:

______________________________

(1) أي: نصفه، و هو سهم واحد من اثني عشر للمقر، و مثله للمقرّ له، حتى يكون مجموع حصة كل منهما ثلثا، و هو أربعة أسهم من اثني عشر.

(2) أي: السدس الباقي عند المنكر هو القدر التالف من العين، فيوزّع على المقرّ و المقرّ له بمقدار استحقاقهما، و هو التنصيف.

(3) الغرض من هذه الدعوى جعل مسألة إقرار أحد الشريكين نظير مسألة إقرار بعض الورثة بوارث آخر، في أنّ القاعدة في الجميع تقتضي صيرورة المقرّ له مستحقا لما يفضل من حصة المقرّ. ففي المقام يلزم دفع السدس- و هو نصف الثلث فقط- إلى المقر له، و عدم لزوم دفع أزيد منه إليه.

توضيحه: أنّ مقتضى الإشاعة في النصيبين هو تنزيل المقرّ به على ما في يد كلّ من الشريكين، فإذا كان الثلث المقرّ به أربعة أسهم- كما هو المفروض- وزّع على سهمي المقرّ و المقرّ له على السويّة، فيخرج سهمان و هو نصف الثلث من ستة أسهم المقرّ للمقرّ له، و لا يخرج منها شي ء زائد عليه، و هو سهم واحد من السهمين التالفين بسبب تصرف المنكر في السدس الزائد على الثلث.

(4) و هو ثلث المجموع الذي أقرّ به أحد الشريكين.

(5) و هو نصف الثلث، و كذا في يد المنكر، فالخارج من سهم المقر سدس فقط.

(6) أي: كما لو صرّح المقرّ بالسدسين، و غرضه من هذا التشبيه إثبات أنّه ليس في ذمة المقرّ إلّا السدس، و كذا على المنكر.

تقريبه: أنّ المقرّ إذا صرّح بالسدسين، و قال: «انّ للمقرّ له في يد كل من المقرّ و المنكر سدسا» كواحد من الستة- و المفروض أنّ إقرار المقر بالنسبة إلى الغير غير مسموع، لعدم كونه إقرارا على النفس- لم يجب على المقر إلّا دفع السدس- و هو نصف الثلث- إلى المقرّ له.

ص: 44

«إنّ له في يد كلّ منهما سدسا» و إقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير (1) غير (2) مسموع، فلا يجب إلّا أن يدفع (3) إليه ثلث ما في يده، و هو (4) السدس المقرّ به، و قد تلف السدس الآخر (5) بزعم المقرّ على المقرّ له بتكذيب المنكر.

مدفوعة (6) بأنّ

______________________________

(1) و هو الشريك المنكر، و ضمير «له» راجع إلى المقر له، و ضمير «منهما» إلى المقر و المنكر، و ضمير «إقراره» إلى المقرّ.

(2) خبر «و إقراره». و وجه عدم سماعه عدم كونه إقرارا على نفس المقرّ، كما مرّ.

(3) يعني: فلا يجب إلّا أن يدفع المقرّ إلى المقرّ له ثلث ما في يده، و هو واحد من الثلاثة التي بيده فيما إذا كانت العين ستة أسهم.

(4) أي: ثلث ما بيده هو السدس المقرّ به أعني به الواحد من ستة أسهم.

(5) و هو نصف الثلث أيضا قد تلف بزعم المقرّ على المقرّ له بسبب تكذيب المنكر، و عدم تصديق المقرّ في مقالته.

فنتيجة هذه الدعوى: عدم وجوب شي ء على المقرّ إلّا دفع نصف الثلث و هو سدس الستة أسهم إلى المقرّ له، و عدم لزوم دفع نصف ما بيده و هو الواحد و نصفه، لأنّه نصف الثلاثة التي بيده، و ربع الستة.

(6) خبر قوله: «و دعوى» و دفع لها، و ملخّص الدفع: أنّ قياس المقام على ما لو صرّح المقرّ «بأنّ للمقر له في يد كل من المقرّ و المنكر سدسا» مع الفارق، لأنّ ما في يد الغير فيما نحن فيه ليس مفروزا و متميّزا عمّا في يد المقر حتى يكون كما لو صرّح المقرّ «بأنّ سدس دار و سدس دار غيري لزيد» في قبول إقراره في داره، و عدم قبوله في دار غيره. بل ما في يد الغير- و هو المنكر- حصة مشاعة كحصتي المقر و المقرّ له باعتقاد المقرّ، فبإنكار المنكر يتلف سدس مشاع، و هو واحد من الستة، و يوزّع على المقرّ و المقرّ له بالمناصفة.

و عليه فاللازم على المقرّ أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده، و هو واحد و نصف من الستة، لا ثلث ما في يده، و هو الواحد من الثلاثة.

ص: 45

ما في يد الغير (1) ليس عين ماله [1]، فيكون (2) كما لو أقرّ شخص بنصف كلّ من داره و دار غيره، و هو (3) مقدار حصّته المشاعة، كحصّة المقرّ و حصّة المقرّ له بزعم المقرّ، إلّا أنّه (4) لمّا لم يجبر المكذّب على دفع شي ء ممّا في يده، فقد تلف سدس مشاع (5) يوزّع على المقرّ و المقرّ له، فلا معنى لحسابه (6) على المقرّ له وحده، إلّا على احتمال ضعيف (7)، و هو تعلّق الغصب بالمشاع، و صحّة تقسيم الغاصب مع الشريك،

______________________________

(1) المراد بالغير هو المنكر و المكذّب لمقالة المقرّ.

(2) أي: ليكون. و لعلّ الأولى أن يقال: «حتى يكون كما لو أقرّ .. إلخ».

(3) أي: ما في يد الغير، و لعلّ الأولى أن يقال: «بل هو مقدار» ليكون إضرابا عن قوله: «ليس عين ماله».

(4) الضمير للشأن، و الغرض من قوله: «إلّا أنّه لما لم يجبر المكذّب» إثبات كون السدس موزّعا على المقرّ و المقرّ له، بتقريب: أنّ السدس لمّا صار تالفا من العين المشاعة- إذ لا موجب لدفعه على المنكر، لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه، و لكونه ذا يد على العين، و اليد أمارة الملكية ظاهرا- فالتالف يوزّع على كلّ من المقرّ و المقرّ له، فالسدس التالف و هو الواحد من الستة ينصّف عليهما.

(5) هذا هو السدس الذي عند المنكر، و قد عرفت أنّه لا يجبر على دفع شي ء ممّا في يده، لكونه ذا اليد، و لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه.

(6) أي: لحساب السدس الذي يكون عند المنكر على المقرّ له وحده.

(7) مذكور في كتاب الغصب، و هو تعلق الغصب بالمشاع، و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك، فإنّه بناء على هذا الاحتمال يكون التالف على المقرّ له فقط، و ليس على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده إلى المقرّ له.

و ينبغي أوّلا توضيح ما ذكروه في باب الغصب، ثم وجه ابتناء ما نحن فيه عليه.

فنقول و به نستعين: أنّه إذا كانت دار مثلا مشتركة بين شخصين على وجه الإشاعة،

______________________________

[1] بل هو محكوم ظاهرا بمقتضى اليد بكون ما في يده ملكا له، فإقرار المقرّ لا يكون نافذا في حق المنكر، فالسدس الذي عند المنكر يحسب تالفا على المقرّ له فقط، فلا وجه لاحتسابه عليه و على المقرّ معا.

ص: 46

..........

______________________________

و أخرج ظالم أحدهما من الدار و تصرّف فيها بانيا على غصب حصته منها، ثم بنى على تقسيم الدار، و قسّمها. ففي مثله يتجه مسألتان.

إحداهما: أنّه هل يعتبر في صدق الغصب و الاستيلاء على مال الغير كون المال مقسوما معيّنا؟ أم لا يعتبر ذلك، فيتحقق غصب المال المشترك المشاع بين اثنين أو أزيد.

ثانيتهما: أنّه بعد صدق الغصب بالنسبة إلى المشاع هل ينفذ تقسيم المال من قبل الغاصب، فيستقلّ هو بحصة المغصوب منه، و يستقل الشريك الآخر بحصته؟ أم أنّ أمر التقسيم بيد الحاكم لو رجع إليه الطرف لدفع الحرج عن نفسه.

و هذا- كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه- «أمر يعمّ البلوى به، لكثرة ما يتفق من غصب المتجاهرين بالظلم و غيرهم حصّة أحد المتشاركين في القرى و العيون و العقار و الأعيان. بل قد يتفق غصب ثلث الميت من وصيّه، و أنّ الزكاة يأخذه السلطان، و إن كان أخذه لها- إن كان مسلما مقدّما للشيخين- لا يوجب الإشكال في حصة المالك» «1».

أمّا المسألة الأولى فالأكثر- كما في المسالك «2»، بل في الجواهر «لا نجد فيه خلافا محقّقا» «3»- على صدق «الغصب» عرفا على الاستيلاء على المال المشترك كالمقسوم، و يكون الغاصب ضامنا، إلّا بناء على اعتبار الاستقلال باليد في الغصب كما ربّما يظهر من المحقق قدّس سرّه حيث تردّد في حكم شيخ الطائفة بضمان النصف «4». قال في المبسوط: «غصب المشاع يصح، كما يصحّ غصب المقسوم، و ذلك أن يأخذ عبدا بين شريكين، و يمنع أحد الشريكين من استخدامه، و لا يمنع الآخر، فيكون قد غصب حصّة الذي منعه منه.

و كذلك إذا كان شريكان في دار، فدخل غاصب إليها، فأخرج أحدهما، و قعد مع شريكه، فيكون غاصبا لحصّة الشريك الذي أخرجه. فإذا ثبت هذا و حصل المال المشترك في يد الغاصب و أحد الشريكين، ثم إنّهما باعا ذلك المال، مضى البيع في نصيب

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 411.

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 152.

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 23

(4) شرائع الإسلام، ج 3، ص 235

ص: 47

..........

______________________________

البائع، و لا يمضي بيع الغاصب، كما نقول في تفريق الصفقة» «1». و حكم قدّس سرّه في كتاب الغصب بضمان النصف كما هنا لو هجم الغاصب على دار غيره و كان صاحبها فيها «2».

و أما المسألة الثانية فلها صورتان، الاولى: أن يطلب الشريك الآخر من المغصوب منه قسمة المال. بأن يعيّنا برضاهما نصفا معيّنا للغاصب، و نصفا للشريك، فيفرز المشاع بينهما.

و الظاهر جواز طلب القسمة، فإن أجابه المغصوب منه فهو، و إلّا رفع الشريك أمره إلى الحاكم، ليجبره على الإفراز.

الثانية: أن يقتسم الغاصب و الشريك العين المغصوبة، بلا مراجعة إلى المغصوب منه و لا الحاكم، فهل يتعيّن النصف المفرز للشريك بحيث تصحّ تصرفاته فيه كما لو لم يكن مشاعا أصلا، أم أنّه يجب على الشريك الاستئذان من المغصوب منه في التصرف، كما يضمن له نصف المنافع المستوفاة؟ مقتضى القاعدة بطلان هذه المقاسمة، لتوقفها على رضا الشريكين أو الولي عليهما أو على أحدهما، و لا تكون إرادة الغاصب بنفسها معيّنة لحصة الشريك.

لكن حكي قول بنفوذ القسمة عن الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدّس سرّه في كتابه أنوار الفقاهة. حيث قال: «و لو أراد غاصب غصب حصّة الشريك فقط، فلا يبعد جواز مقاصة الشريك الآخر مع الغاصب، و لا رجوع للمغصوب منه على ما بيد شريكه و إن كان غائبا» «3». و حكاه عنه صاحب الجواهر في كتاب الشركة، قائلا: «لكنه كما ترى، و قد تقدّم لنا بحث في ذلك» «4» و أشار إليه في مسألة جواز شراء ما يأخذه الجائر باسم الزكاة، فراجع «5». و ذكره في مسألة بيع نصف الدار تاركا لتضعيفه، و قد تقدم كلامه في (ص 41) فراجع.

إذا اتضح ما ذكروه في كتاب الغصب و غيره، فاعلم: أنّ كلام المصنف: «إلّا على

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 355

(2) المبسوط، ج 3، ص 73

(3) أنوار الفقاهة، مخطوط، و العبارة منقولة عن غاية الآمال، ص 411 و 412

(4) جواهر الكلام، ج 26، ص 315

(5) جواهر الكلام، ج 22، ص 202

ص: 48

فيتمحّض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه، و ما يأخذه الشريك لنفسه. لكنّه احتمال مضعّف في محلّه (1)،

______________________________

احتمال مضعّف» إشارة إلى قول صاحب أنوار الفقاهة- في المسألة الثانية- بنفوذ هذه القسمة، و أنّه يصير نصف المال ملكا محضا للشريك. و محصله: أنه لو بني على صحة التقسيم، ففي ما نحن فيه- و هو إقرار أحد الشريكين بكون ثلث المال للغير- يكون السدس الباقي عند المالك المنكر لصحة إقرار المقرّ محسوبا على المقرّ له فقط، لأنّ ثلث المقرّ له صار بسبب التقسيم عند المالكين الآخرين الغاصبين، و أحدهما- و هو المقرّ- دفع السدس الذي كان عنده إلى المقرّ له، و بقي السدس الآخر عند المنكر الغاصب، فالسدس التالف محسوب على المقرّ له فقط، إذ المفروض صحة التقسيم، و صيرورة ثلث المقرّ له عند المقرّ و المنكر. و المقرّ دفع السدس الذي عنده، و بقي السدس الآخر عند المنكر.

(1) من كتاب الغصب. و الوجه في ضعفه ضعف ما استند إليه صاحب أنوار الفقاهة من وجهين.

أحدهما: قاعدة نفي الحرج، بتقريب: أنّ منع الشريك من التصرف في حصّته حرج عليه، مع كثرة الغاصبين للأملاك، و هذا المنع مرفوع عنه، فيسوغ التقسيم مع الغاصب، و يستقلّ الشريك بالحصة المفرزة له.

ثانيهما: السيرة المستمرة إلى عصر المعصوم عليه السّلام الكاشفة عن إمضاء عمل العرف.

أما ضعف الوجه الأول فلأنّه- لو سلّم الحرج في المنع- لا تصلح القاعدة لتشريع جواز القسمة المزبورة، لكونها نافية للحكم لا مثبتة له.

و أما ضعف الوجه الثاني فلعدم إحرازها، بل يحتمل الردع عنها بفتوى الأكثر. بل المتفق عليها كما حكي.

و بهذا ظهر أنّ قول المصنف «إلّا على احتمال مضعّف» لا يراد به ضعف تعلّق الغصب بالمشاع، كما قد يلوح من العبارة بدوا. لما عرفت من عدم ضعفه، بل المراد بالاحتمال ما تقدّم من صاحب أنوار الفقاهة في صحة تقسيم المغصوب المشاع.

و الشاهد على إرادة هذا الاحتمال قوله: «لكنه احتمال مضعّف في محلّه» فإنّ

ص: 49

و إن قال به (1) أو مال (2) إليه بعض على ما حكي (3) للحرج أو السيرة.

نعم (4) يمكن أن يقال: بأنّ التلف في هذا المقام (5) حاصل (6) بإذن الشارع للمنكر الغاصب (7) لحقّ المقرّ له باعتقاد (8) المقرّ، و الشارع إنّما أذن له (9) في أخذ

______________________________

المضعّف هو نفوذ هذه القسمة، لا ضمان الغاصب للمشاع.

(1) أي: باحتمال صحة تقسيم الغاصب مع الشريك.

(2) الترديد بين القول و الميل نشأ من تعبير صاحب الجواهر «بل ربما احتمل أو قيل ..» «1» و إلّا فظاهر عبارة أنوار الفقاهة هو الفتوى، لا مجرّد الاحتمال. بل حكى الفقيه المامقاني قدّس سرّه عن بعض مشايخه: أنه سمع من صاحب الأنوار مشافهة نفي البعد عن صحة القسمة المزبورة «2».

(3) الحاكي لكلامه صاحب الجواهر، و ردّه في بعض المقامات، و سكت عنه في مقام آخر.

(4) بعد أن ضعّف المصنف قدّس سرّه الاحتمال المذكور- المقتضي لكون السدس الذي عند المنكر محسوبا على المقرّ له وحده- تمسّك بوجه آخر لاحتساب السدس عليه.

و محصل هذا الوجه: أنّ المنكر- الذي هو غاصب باعتقاد المقر- قد أخذ المال بانيا على أنّه من المقرّ له، دون المقر، إذ المفروض أنّه يدفع بمقتضى إقراره السدس الذي عنده، و الشارع قرّره ظاهرا بمقتضى اليد على ذلك، و لازم هذا التقرير كون التلف على المقرّ له وحده.

(5) أي: في مقام إقرار أحد الشريكين بكون ثلث الدار لزيد.

(6) خبر «ان» في قوله: «بأن» و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا: «و محصل هذا الوجه».

(7) أي: الغاصب بزعم المقر، لا واقعا، إذ لا يتصور الإذن له من الشارع.

(8) متعلّق بالغاصب، أي: كون المنكر غاصبا إنما هو باعتقاد المقرّ، و ليس ثابتا في الواقع، لاحتمال كذب المقرّ.

(9) أي: للمنكر الغاصب، و إذن الشارع ظاهرا إنّما هو لأجل أمارية اليد.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 315.

(2) غاية الآمال، ص 412.

ص: 50

ما يأخذه على أنّه من مال المقرّ له (1)، فالشارع إنّما حسب السدس في يد المنكر على المقرّ له (2)، فلا يحسب منه (3) على المقرّ شي ء.

و ليس (4) هذا كأخذ الغاصب جزءا معيّنا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتّى يحسب على كلا الشريكين.

و الحاصل (5): أنّ أخذ الجزء [لما] (6) كان بإذن الشارع، و إنّما [فإنّما] أذن له

______________________________

(1) دون المقر، لما عرفت آنفا من أنّه لأجل إقراره يدفع السدس الذي عنده إلى المقر له.

(2) الوجه في احتسابه على المقرّ له فقط هو: أنّ يد المنكر داخلية، و هي حجة على اليد الخارجية التي هي يد المقرّ له، و ليست حجة على اليد الداخلية التي هي يد المقرّ.

و عليه فلا وجه لضمان المقرّ شيئا من السّدس الذي يكون عند المنكر.

(3) أي: من السّدس الذي يكون عند المنكر، لما مرّ من أنّه يدفع السّدس الذي لديه إلى المقرّ له، و لا يدفع أزيد منه.

(4) هذا دفع توهم. أمّا التوهم فهو: أنّه إذا أخذ الغاصب جزءا معينا من مال يحسب على كلا الشريكين لا على واحد منهما، كما إذا غصب غاصب جزءا من دار مشتركة بين شخصين، فإنّه يحسب الجزء المغصوب على كليهما، لا على واحد منهما.

فليكن السدس المغصوب هنا محسوبا أيضا على المقرّ و المقرّ له معا.

و أمّا الدفع فهو: أنّ أخذ الغاصب هنا للسدس المقرّ به لمّا كان بإذن الشارع، لا يكون كالأخذ الذي ليس بإذنه. ففي الأخذ المقرون بإذن الشارع لا ضمان، بخلاف غير المأذون فيه، الذي فيه الضمان.

(5) يعني: و حاصل ما ذكرناه في مسألة الإقرار بثلث الدار و إنكار أحد الشريكين لذلك هو: أنّ أخذ المنكر للسدس كان بإذن الشارع له على أن يكون من مال المقرّ له، و أنّه لا يجب على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده، لا نصفه.

(6) في بعض النسخ زيادة هذه الكلمة، و المناسب حينئذ «فإنّما» كما في النسخة المصححة لتكون جوابا للشرط، و الأولى ما أثبتناه.

ص: 51

على أن يكون من مال المقرّ له.

[لو أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث]

________________________________________

و لعلّه لذا (1) ذكر الأكثر بل نسبه (2) في الإيضاح إلى

______________________________

(1) يعني: و لأجل كون أخذ المنكر للسدس بإذن الشارع على أن يكون من مال المقرّ له- و عدم لزوم دفع المقرّ أزيد من الواحد الذي هو ثلث ما بيده، و عدم وجوب دفع الواحد و النصف الذي هو ربع ستة أسهم، و نصف ما بيده أيضا- ذكر أكثر الأصحاب: أنّ أحد الأخوين إذا أقرّ بأخ ثالث لهما و أنكره الآخر، دفع المقرّ إلى الأخ المقرّ له الواحد الذي هو ثلث ما بيده، لأنّ المقر باعتقاده لا يستحق إلّا اثنين من ستة أسهم، فالزائد على الاثنين خارج عن حيطة استحقاقه، و هو نصف حق أخيه المقرّ له، فيجب على المقرّ دفع الواحد الذي هو ثلث ما بيده، لأنّه بمقتضى إقراره لا يستحقّ إلّا ثلث ما بيده من الثلاثة التي هي نصف الستة، لأنّ العين تكون أثلاثا بين الإخوة الثلاثة، لكل واحد منهم اثنان، فثلث ما بيده- و هو الواحد- مال المقرّ له.

و لا يخفى أنّ الفرع المزبور و نظائره شاهد على أنّ الإشاعة في باب الإقرار بالنسب يكون بالنسبة إلى مجموع الحصتين أو الحصص، و لا يكون في مجموع المال ليختص بحصة المقرّ، كما كان بيع نصف الدار منصرفا إلى الحصة المختصة بالبائع. و لذا تصدّوا لبيان الفارق بين البابين بإجماع أو غيره، فراجع «1».

(2) قاله فخر المحققين في شرح الفرع السابع ممّا عنونه العلّامة في فروع الإقرار بالنسب، و هو إقرار أخ الميت بأخ له من الأمّ، و أقرّ الأخ الأمّي بأخوين آخرين، و أنّ حصة الأخوين هل تكون في خصوص حصة الأخ الأمّي، أو توزّع على حصة الأخ الآبي أيضا؟ فقال الفخر: «وجه الأوّل: أنّ الوارث إذا أقرّ بآخر دفع الزائد عمّا في يده عن حقه. هكذا نصّ الأصحاب» «2».

و الفرع المذكور يختلف عمّا أثبته المصنّف قدّس سرّه في المتن، من كون الوارث أخوين، و يكون التركة بينهما، ثم أقرّ أحدهما بأخ ثالث ليكون المال أثلاثا بينهم، و أنكره الأخ الآخر كما أوضحناه.

لكن الجهة المشتركة بين هذين الفرعين و نظيرهما موجودة، و هي إقرار بعض

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 318.

(2) لاحظ: قواعد الأحكام، ج 2، ص 429، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 468

ص: 52

الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب: أنّ (1) أحد الأخوين إذا أقرّ بثالث، دفع (2) إليه الزائد عمّا يستحقّه باعتقاده و هو (3) الثلث، و لا يدفع (4) إليه نصف ما في يده.

نظرا (5) إلى أنّه أقرّ بتساويهما في مال المورث، و كلّ ما حصل كان لهما،

______________________________

الورثة بوارث آخر في طبقته، كما في إقرار أحد الأخوين بأخ ثالث، أو إقرار أحد الولدين بولد ثالث، أو إقراره بوارث في طبقة سابقه، كما لو أقرّ أحد الأخوين بولد، و هكذا.

و لعل الأصل في دعوى الإجماع شيخ الطائفة، حيث قال في الخلاف: «إذا مات رجل، و له ابنان، فأقرّ أحدهما بأخ ثالث، فأنكره الآخر، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه.

و إنّما الخلاف في أنه- أي المقرّ له- يشاركه في المال أم لا؟ فعندنا أنّه يشاركه، و يلزمه أن يردّ عليه ثلث ما في يده. و قال مالك و ابن أبي ليلى. و قال أبو حنيفة يشاركه بالنصف ممّا في يده، لأنّه يقرّ أنّه يستحق من المال مثل ما يستحقه، فيجب أن يقاسمه المال .. و قال الشافعي: لا يشاركه في شي ء ممّا في يده .. دليلنا: إجماع الفرقة. و أيضا: فإنّه يقرّ بأنّه يستحق من التركة ثلثها، و هو ثلث ما في يده، و ما زاد عليه فللّذي أقرّ له به، فوجب تسليمه إليه، لأنّ الإقرار قائم مقام البينة، و لو قامت البيّنة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في يده» «1».

(1) متعلق بقوله: «ذكر الأكثر».

(2) أي: دفع الأخ المقرّ إلى الأخ الثالث ثلث ما بيده، و هو الواحد من الثلاثة.

(3) بيان ل «الزائد» و هذا الثلث سدس الكل الذي هو ستّة أسهم.

(4) يعني: و لا يدفع المقرّ إلى أخيه المقرّ له نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف أي ربع الستة، و إلّا لزم أن يكون استحقاقه حال الاجتماع أزيد من حقه- و هو الثلث- حال التفريق، و هو كما ترى.

(5) الظاهر أنه بقرينة قوله: «و كل ما توى كان كذلك» تعليل للمنفيّ، و هو لزوم

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 378، المسألة 29، و نقل السيد العاملي الإجماع عن الحلّي و العلّامة و المحقق الثاني قدّس سرّهم أيضا، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 347.

ص: 53

و كلّ ما توى كان كذلك (1). هذا.

و لكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال (2)، من (3) جهة أنّ الشارع ألزم بمقتضى

______________________________

دفع نصف ما في يد المقرّ إلى المقرّ له، و عدم كفاية دفع ثلث ما بيده إليه.

و محصله: أنّ إقرار المقر يقتضي تساوي المقرّ و المقرّ له في متروكات الميّت، و المفروض أنّ الورثة إخوة ثلاثة، فالمال يقسّم بينهم أثلاثا، لكلّ منهم ثلث، و هو سدسان من الستة، فأحد سدسي الأخ المقرّ له عند أخيه المقرّ، و سدسه الآخر عند المنكر. و حيث إنّه ذو اليد- و يده حجة شرعية على ملكية هذا السّدس له- فلا موجب لانتزاعه عن يده، فيعدّ هذا السدس محسوبا على المقرّ و المقرّ له، لكون الضرر بمقتضى قاعدة الشركة عليهما.

و بالجملة: فليس على المقرّ دفع السدس فقط، بل عليه دفع نصف ما بيده إلى المقرّ له، و ذلك النصف ربع الستة أسهم.

(1) أي: يكون التلف عليهما، فالسدس الذي يكون عند المنكر- و هو ملكه ظاهرا لأجل اليد- يعدّ تالفا، فيحسب عليهما، لأنّه مقتضى «كل ما توى توى عليهما» لا على المقرّ له فقط.

(2) و هو ما أفاده بقوله: «نعم يمكن أن يقال» الذي محصّله: احتساب السدس الذي بيد المنكر على المقرّ له فقط.

و ملخص وجه ضعف هذا الاحتمال: أنّ الإقرار الذي هو إخبار عن الواقع إن كان صدقا فهو بمنزلة العلم بالواقع، و من المعلوم أنّ مقتضى الواقع هو كون ما في يد المقرّ على حسب إقراره بالمناصفة بينه و بين المقرّ له، إذ المفروض عدم تقسيم المال بعد، و لا ريب في أنّ الإشاعة تقتضي ورود الربح و الخسارة على الشركاء بنسبة حصصهم.

و عليه فلا وجه لدفع سدس ما بيد المقرّ إلى المقرّ له، بل اللازم دفع النصف.

هذا حال المقرّ. و أمّا الأخ المنكر العالم فيكون المال الذي بيده مشتركا، و لا يحلّ له إلّا بمقدار حصته، و هو اثنان من الستة، و الزائد و هو السدس حقّ للمقرّ و المقرّ له.

(3) تعليلية متعلقة ب «ضعف» و بيان لضعف الاحتمال، و هو مؤلف من أمرين:

أحدهما: أنّ نفوذ الإقرار شرعا يقتضي ترتيب آثار الواقع على المقرّ به.

ص: 54

الإقرار معاملة المقرّ مع المقرّ له بما (1) يقتضيه الواقع الذي أقرّ به (2)، و من المعلوم أنّ مقتضى الواقع- لو فرض العلم بصدق المقرّ- هو كون ما في يده على حسب إقراره بالمناصفة [1]. و أمّا المنكر عالما (3) فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحلّ له منه إلّا ما قابل حصّته عمّا في يدهما، و الزائد (4) حقّ لهما عليه.

______________________________

ثانيهما: أنّ مقتضى هذا الواقع المقرّ به كون ما بيده مشاعا بينه و بين المقرّ، فيلزم ترتيب أثره.

(1) متعلق ب «معاملة».

(2) من كون ثلث المال للمقرّ له.

(3) و أما المنكر جاهلا بالحال فكذا يكون ما بيده مشتركا، لكنه لا يخاطب بالتكليف و إن خوطب بالوضع.

(4) أي: الزائد عن حصة المنكر- و هو السدس- حقّ للمقرّ و المقرّ له على المنكر.

فالنتيجة من تضعيف احتمال احتساب السدس الذي عند المنكر على المقرّ له وحده- و عدم وجوب دفع المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له، و كفاية دفع ثلث ما بيده إليه- هي: لزوم دفع نصف ما في يده إليه، و هو ربع الستة.

______________________________

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه، فإنّ مرجع إقراره إلى كون العين أثلاثا بنحو الإشاعة بين الثلاثة، و مقتضاه كون الزائد على ما يستحقه- و هو سهم واحد من الثلاثة التي بيده- للمقرّ له، لا نصف ما بيده، فإن الإقرار بالثلث ينفذ في نصف الثلث و هو السدس، و السدس الآخر في سهم الشريك المنكر.

و كونه كالتالف لعدم انتزاعه عنه- لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه، و لأماريّة يده على الملكية- لا يوجب أن يكون ضمانه على المقرّ و المقرّ له، بل يرد الضرر على خصوص المقرّ له، لأنّه جزء حقه على تقدير صدق الإقرار و لو على الإشاعة، فإنّ إذن الشارع في تصرف الشريك المنكر إفراز لنصيبه، و لذا لا ينتزع السّدس الفاضل الذي عنده عنه، و أخذ السدس عن المقرّ إنّما هو لأجل إقراره النافذ عليه.

ص: 55

[تحقيق مسألة الإقرار بالنسب]

و أمّا مسألة الإقرار بالنسب (1)، فالمشهور و إن صاروا إلى ما ذكر (2)، و حكاه الكليني عن الفضل (3) بن شاذان على وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته، إلّا أنه (4) صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم بمخالفته،

______________________________

(1) هذه المسألة هي التي جعلها المصنف قدّس سرّه مؤيّدة احتمالية- لضمان المقرّ للمقرّ له ثلث ما بيده- بقوله: «و لعلّه لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح .. إلخ».

و محصل ما أفاده في تضعيفه: أنّ المشهور و إن ذهبوا إلى أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث دفع إلى الأخ الثالث السدس الزائد عما يستحقّه، و هو الواحد أعني ثلث ما بيده لا نصف ما بيده، و حكاه الكليني عن الفضل على وجه الاعتماد لا مجرد النقل. لكنه صرّح جماعة من المتأخرين بمخالفة هذا الحكم المشهوري للقاعدة، أي قاعدة الإقرار المقتضية لإعطاء المقرّ نصف ما بيده- و هو ربع ستة أسهم- لا ثلثه أعني الواحد الذي هو سدس الستة.

(2) من إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه.

(3) هو من أصحاب أبي جعفر الثاني، و قيل الرضا عليهما السّلام أيضا، و كان ثقة، و من الفقهاء و المحدثين.

قال ثقة الإسلام قدّس سرّه في باب الإقرار بوارث آخر- ما لفظه: «قال الفضل بن شاذان: إن مات رجل و ترك ابنتين و ابنين .. و إن ترك ابنين، فادّعى أحدهما أخا، و أنكر الآخر، فإنّه يردّ هذا المقرّ على الذي ادّعاه ثلث ما في يديه» «1».

(4) الضمير للشأن، حاصله: أنّ المشهور و إن ذهبوا إلى إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه، إلّا أنّ جماعة من متأخري عصر هذين المحدّثين الجليلين خالفوا المشهور، و ذهبوا إلى إعطاء المقرّ نصف ما بيده. قال السيد العاملي قدّس سرّه- بعد حكاية قرب الاختصاص بنصيب المقرّ كالبيع عن التحرير- ما لفظه: «و قوّاه في الكفاية تبعا لنهاية المرام، تبعا للمسالك في آخر الباب، حيث قال: لعلّه أجود. و قد رجّح قبل ما عليه الأصحاب. و في الرياض: انه لا يخلو عن قوة» «2».

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 166 و 167

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 348

ص: 56

للقاعدة (1)، حتّى (2) قوّى في المسالك الحمل على الإشاعة، و تبعه سبطه (3)

______________________________

(1) أي: قاعدة الإقرار القاضية بلزوم إعطاء نصف ما بيده إلى المقرّ له، لا ثلث ما بيده.

(2) هذا ترقّ، يعني: أنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه قوّى إعطاء المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له، فإنّ الإشاعة تقتضي أن يكون النصف الذي يكون بيد المقرّ- و هو الثلاثة من الستة- منصّفا بينه و بين المقرّ له، فإنّ الموجود من التركة بمقتضى إقرار المقرّ مشاع بينهما، فتأمّل.

و هذا المطلب قد أفاده في شرح قول المحقق: «لو أقرّ بزوج للميّتة، و لها ولد، أعطاه ربع نصيبه، و إن لم يكن لها ولد أعطاه نصفه» فقال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «فلو كان المقرّ أحد الأبوين مع البنت، دفع إليه نصف الثمن، لأنّ نصيبه على تقدير عدم الزوج الربع اثنا عشر من ثمانية و أربعين، و على تقدير وجوده تسعة، فالتفاوت بينهما ثلاثة هي نصف الثمن. و يمكن تنزيل كلام الجماعة هنا على حمل الإقرار على الإشاعة، فيقتضي الإقرار بالزوج أن يكون له في كلّ شي ء ربعه أو نصفه .. و هذا حسن، إلّا أنه لا يطابق ما سلف من الفروض، فإنّهم لا ينزّلوها على الإشاعة، فلا بدّ من تنقيح الحكم في أحد الجانبين. و لعلّ ما ذكروه هنا أجود ممّا سلف، لأنّ الوارث يستحق في كل جزء من أجزاء التركة سهمه، فلا يختصّ بفرضه في بعض دون بعض» «1».

و المحقق الثاني نبّه على الإشكال أيضا، لكنه رجّح الالتزام بما قاله الأصحاب، فراجع «2».

(3) و هو السيّد الفقيه السيّد محمّد العاملي صاحب المدارك قدّس سرّه، حيث قال: «و قيل:

انّ النصف يقسّم بين المقرّ و الثالث بالسويّة، لاعتراف المقرّ بأنّه لا يستحق زيادة عن الثالث .. و إلى هذا القول ذهب جدّي قدّس سرّه في المسالك في آخر هذا البحث، مع أنّه رجّح المشهور أوّلا، و قوّة هذا القول ظاهرة» «3».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 11، ص 144، شرائع الإسلام، ج 3، ص 159.

(2) جامع المقاصد، ج 9، ص 356 و 369

(3) نهاية المرام (مخطوط)، ص 430، لم يطبع كتاب الإقرار من هذا الكتاب- مع الأسف- اعتمادا على اشتمال مجمع الفائدة على باب الإقرار، كما صرّح به لجنة التحقيق، فلاحظ مقدمة نهاية المرام، ج 1، المقدمة ص 6

ص: 57

و سيّد (1) الرياض في شرحي النافع (2).

و الظاهر أنّ مستند المشهور (3) بعض الروايات الضعيفة المنجبر (4) بعمل أصحاب الحديث، كالفضل و الكليني، و غيرهما (5)، فروى الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا (6) عن أبي البختري «1» وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل مات و ترك ورثة فأقرّ أحد الروثة بدين على أبيه: أنّه (7) يلزم ذلك (8) في حصّته بقدر (9) ما ورث،

______________________________

(1) و هو الفقيه العظيم السيّد علي الطباطبائي قدّس سرّه.

(2) هما شرحان للمختصر النافع، أحدهما لصاحب المدارك، و الآخر لصاحب الرياض «2».

(3) القائلين بإعطاء الثلث للمقرّ له دون نصف ما بيد المقرّ.

(4) صفة ل «بعض» و انجبار ضعف السند بعمل المشهور هو المشهور المنصور.

(5) كالصدوق و شيخ الطائفة و الحميري.

(6) قال في الوسائل: «محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه عن السندي بن محمّد عن أبي البختري وهب بن وهب».

(7) مفعول به ل «قضى» فهو مأوّل بالمصدر، و ضمير «أنّه» للشأن.

(8) أي: يلزم الدين المقرّ به في حصة المقرّ بمقدار ما ورث، فإذا أقرّ أحد الورثة بدين على المورّث- كأربعين دينارا- و كان الوارث أخوين، فحصّة المقرّ من التركة نصفها، فيلزم عليه أن يدفع نصف الدّين إلى الدائن.

فيستفاد من هذه الجملة من الرواية ورود الضرر- في مسألة الإقرار بالدّين- على خصوص المقرّ بالدين، بنسبة سهمه من التركة من النصف أو الثلث أو غيرهما.

(9) أي: بنسبة حصّته من الكسور كالثلث و غيره من التركة.

______________________________

(1) كذا في الوسائل، و بعض نسخ الكتاب، و في النسخة المصححة «عن وهب بن وهب أبي البختري».

(2) رياض المسائل، ج 2، ص 246، و كذلك لاحظ كفاية الأحكام للفاضل السبزواري، ص 232

ص: 58

و لا يكون ذلك (1) في ماله كلّه. و إن أقرّ اثنان من الورثة، و كانا عدلين أجيز ذلك (2) على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصّتهما «1» بقدر ما ورثا. و كذلك (3) إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصّته» «2».

______________________________

(1) أي: لا يكون الدّين- الذي أقرّ به أحد الورثة على أبيه- في جميع مال الميت.

(2) أي: ذلك الدين كلّه على جميع الورثة، لقيام البينة على الدّين، لا على خصوص المقر.

(3) يعني: و كذلك في إلزام المقرّين بالدفع- بقدر ما ورثا- إقرار بعض الورثة بأخ إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت، فإنّه يلزمه في حصّته لا في جميع مال الميت.

و محل الشاهد قوله: «و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» فإنّ مقتضى تشبيهه بالدين هو: أنّ للمقرّ له ثلث التركة، لكون الورثة بمقتضى إقرار المقرّ إخوة ثلاثة، و لكل منهم ثلث التركة و هو اثنان من الستة، و المقرّ يدفع ثلث ما بيده من الثلاثة، و هو الواحد من الستة، فإنّ نسبة هذا الواحد- الذي هو سدس الستة- إلى الثلاثة التي بيده نسبة نصيبه إلى التركة و هو الثلث. و على الأخ الآخر دفع ثلث ما بيده من الثلاثة و هو الواحد أيضا إلى المقرّ له حتى يكمل نصيبه و هو ثلث التركة.

و بالجملة: فتشبيه الإقرار بالأخ و الأخت بالإقرار بالدّين على الميت يقتضي أن يكون ذلك في حصّة المقرّ بقدر ما ورث، فلا ينبغي الإشكال في الاستشهاد بقوله عليه السّلام:

«و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» على مذهب المشهور من دفع المقرّ ثلث ما بيده، لا دفع نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف الذي هو ربع الكل.

فالمناقشة في الاستدلال به في حاشية السيد قدّس سرّه بما حاصله: «سكوت الرواية عن مقدار الضرر الوارد على المقرّ في قوله عليه السّلام: إنّما يلزمه ذلك في حصته، و عدم دلالتها إلّا

______________________________

(1) كذا في وسائل الشيعة، و بعض نسخ الكتاب، و ما في كثير منها من «حقهما» لعلّه من سهو الناسخ.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 402، الباب 26، ح 5

ص: 59

و بالإسناد (1): قال: قال علي عليه السّلام: «من أقرّ لأخيه فهو شريك في المال، و لا يثبت نسبه. فإن أقرّ اثنان (2) فكذلك، إلّا أن يكونا عدلين، فيثبت نسبه، و يضرب في الميراث معهم» «1».

و عن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد، و تمام الكلام في محلّه من كتاب الإقرار و الميراث إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

على أنّ الضرر في حصته بدون تعيين مقداره» «2» مندفعة بعدم قصور التشبيه بالدّين عن الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ، و هو كون الضرر في حصته بقدر ما ورث.

نعم دعوى قصور الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ في الرواية الثانية في محلها، لعدم دلالة قوله عليه السّلام: «فهو شريك في المال» على مقدار الشركة في المال.

لكن الرواية الأولى صالحة لرفع إجماله، و تعيين مقدار الشركة في المال.

(1) أي: الإسناد السابق الذي كان مسندا عن أبي البختري.

(2) يعني: إنّ أقرّ اثنان بأخ، فالمقرّ له شريك في حصة المقرّين بمقدار ما ورثه كلّ واحد منهما، من دون أن يثبت نسبه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 402، الباب 26، ح 6

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 196

ص: 60

[بيع ما يملك و ما لا يملك]
اشارة

مسألة (1) لو باع ما يقبل التملّك و ما لا يقبله- كالخمر و الخنزير [1]- صفقة (2) بثمن

______________________________

(1) بيع ما يملك و ما لا يملك هذه المسألة ذكرت استطرادا، و ليست مرتبطة بمسائل العقد الفضولي إلّا بناء على شمولها لبيع ملكه مع ملك الغير.

(2) أي: في عقد واحد، لا بيع كل منهما بعقد مستقل و ثمن واحد لكليهما أعني المملوك و غيره.

______________________________

[1] هذان مثالان لما لا يكون مالا شرعا و يكون مالا عرفا. و الظاهر أنّ العنوان أعمّ من ذلك، فكلّ ما لا يقبل التملك سواء أ كان لعدم ماليته شرعا مع كونه مالا عرفا كالخمر و الخنزير، أم لعدم ماليته عرفا أيضا كالخنافس، فإنّه لا إشكال في عدم صحة البيع في كلتا الصورتين في ما لا يقبل التملك مطلقا.

و إن شئت فقل: إنّ عدم التملك تارة يكون لعدم قابليّته ذاتا للتملك، سواء أ كان مالا عرفا كالخمر و الخنزير أم لم يكن كالخنافس. و اخرى لعارض كالوقف، فإنّه يسقط العين الموقوفة عن صلاحية التملّك، مع صلاحية الموقوفة كالأرض ذاتا للتملك، إلّا أنّ عروض عنوان الوقف عليها أسقطها عن هذه الصلاحية فعلا.

و كيف كان فقد استدلّ على صحة بيع المملوك و عدم صحته في غير المملوك بإطلاق المكاتبة الشامل لبيع المملوك و غيره.

و قد أورد على الاستدلال به بوجوه:

أحدها: انصراف الإطلاق إلى بيع ماله مع مال غيره، لا مع غير المملوك، فهو دليل على مسألة بيع ماله مع مال غيره.

ص: 61

[صحة البيع فيما يقبل التملك خاصة]

واحد، صحّ (1) في المملوك «عندنا» كما في جامع المقاصد، و «إجماعا» كما عن الغنية (2).

______________________________

(1) هذا جواب «لو» و حاصله: أنّ البيع صحيح «عندنا» في ما يقبل التملك، كما في جامع المقاصد. لكن لم أظفر به- بعد الفحص في مواضع منه- كما لم أجد نسبته إليه في مفتاح الكرامة و الجواهر.

و لعلّ المصنف ظفر به في غير هذه المسألة، و هي بيع ما يملك و ما لا يملك. أو استفاد الحكم من كلام المحقق الثاني قدّس سرّه في بيع المملوك و غير المملوك، و هو: «فلا سبيل إلى القول بالبطلان في الأخير عندنا» فراجع «1».

(2) يعني: ادّعى السيد ابن زهرة الإجماع صريحا على بيع ما يجوز بيعه إذا بيع معه- في صفقة واحدة- ما لا يجوز بيعه. فقال: «و يدل على ذلك بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «2».

______________________________

ثانيها: كون البيع غرريا، لعدم العلم بمقدار الثمن المقابل للجزء المملوك.

ثالثها: تخلف القصد، لأنّ ما قصد- و هو بيع المجموع- لم يقع، و ما وقع و هو بيع المملوك لم يقصد.

رابعها: أنّ اللفظ الواحد لا يقبل التبعيض. و فساد الجزء غير المملوك يسري إلى الجزء المملوك، فيبطل البيع في الجميع.

خامسها: أنّ الجمع بين بيع ما يقبل التملك و ما لا يقبله كالجمع بين الأختين في عقد واحد.

و الكلّ كما ترى. إذ في الأوّل ما مرّ في التوضيح.

و في الثاني: أنّ الغرر المبطل للبيع هو ما إذا كان ذاتا لا عرضا، كحكم الشارع بعدم وقوع بعض الثمن بإزاء المبيع.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 432

(2) الجوامع الفقهية، ص 523، الغنية، ص 209

ص: 62

و يدلّ عليه إطلاق مكاتبة الصفّار المتقدّمة (1).

______________________________

(1) في أدلة بطلان بيع الفضولي، و هي: روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن على العسكري عليهما السّلام: في رجل باع قرية، و إنّما له فيها قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك، و قد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه السّلام: لا يجوز

______________________________

مضافا إلى ما قيل من: أنّ الغرر القادح في صحّة البيع هو الغرر في حال التسليم و التسلم، لا حال العقد كما فيما نحن فيه، لارتفاع الغرر بالتقسيط.

لكنه مشكل، إذ لازمه صحة بيع كل مجهول يؤول إلى العلم به بعد ذلك. مع القطع بفساده.

و في الثالث: أنّ قصد بيع المملوك موجود، لكنه ضمنا لا مستقلّا، و لا دليل على اعتبار استقلال القصد في العقود. فالانحلال هنا كانحلال التكاليف.

نعم تخلف وصف الانضمام يوجب الخيار في تبعض الصفقة الناشئ من تخلف الشرط الضمني.

و في الرابع: أنّ اللفظ الواحد إذا أنشأ به أمور متعددة فلا مانع من تبعيضها، إذ المدار في الانحلال على تعدد متعلق الإنشاء، كقوله: «أكرم العلماء» فإنّ الأمر ينحل بتعدد العلماء.

«فبعت المملوك و غيره» ينحلّ الى بيعين: أحدهما يتعلق بالمملوك، فيصح، و الآخر: بغير المملوك، فيبطل.

و يكفي دليلا على الانحلال في مقام الإثبات قوله عليه السّلام في المكاتبة المزبورة: «و قد وجب الشراء على ما يملك» و إن لم يحتج ذلك إلى مثل هذه المكاتبة، لكونه من الأمور الارتكازية العقلائية الدائرة بينهم.

و في الخامس: أنّ فساد عقد الأختين جمعا يستلزم بطلان عقد إحداهما أيضا، لعدم ترجيح إحداهما على الأخرى. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ بطلان عقد المجموع لا يقتضي بطلان عقد خصوص المملوك الجامع لشرائط الصحة، الأجنبي عن الترجيح بلا مرجح.

و إن شئت فقل: انّ الجمع بين الأختين لمّا كان من تقارن السببين المتزاحمين في التأثير- مع تساويهما في اقتضائه- فلا محالة يسقطان عن التأثير. و معه يكون المانع عنه ثبوتيا، فلا مجال لاختيار أحد العقدين بالقرعة كما قيل.

ص: 63

و دعوى (1) انصرافه (2) إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير، ممنوعة (3) [1]،

______________________________

بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء على ما يملك» «1».

فإنّ إطلاق «ما ليس يملك»- الناشئ من ترك الاستفصال- يشمل ما لا يكون قابلا في نفسه للتملك كالوقف، و ما لا يكون قابلا له لكونه مملوكا للغير. و قوله عليه السّلام:

«و قد وجب الشراء على ما يملك» يدل على صحة البيع فيما يملكه البائع.

(1) هذا إشكال على إطلاق قوله عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» و حاصله: أنّ هذا الإطلاق منصرف إلى خصوص بيع مال الغير مع مال نفسه، فلا يشمل بيع ما يملكه مع ما لا يقبل التملك. و ذلك خلاف فرض المسألة، و هو بيع ما يملكه مع ما لا يصلح للتملك.

(2) أي: انصراف إطلاق المكاتبة إلى صورة .. إلخ.

(3) خبر «دعوى» و دفع لها، و محصل الدفع: أنّه لا وجه للانصراف المزبور، حيث إنّ منشأه غلبة وجود الملك على الوقف، و مثل هذا الانصراف لا يصلح لتقييد الإطلاق.

هذا.

مضافا إلى: أنّه يحتمل أن يكون «يملك» في قوله عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس

______________________________

[1] بل الظاهر أنّ السؤال عن بيع ما يملكه من القرية منضمّا إلى ملك الغير. فالمراد من قوله عليه السّلام: «ليس يملك»- بناء على قراءة «يملك» مبنيّا للفاعل كما هو الظاهر- مال الغير الّذي لا يملكه البائع، فتكون المكاتبة دليلا على صحة بيع مال نفسه مع مال الغير، لا بيع ما يقبل التملك مع ما لا يقبله الذي هو مفروض مسألتنا.

و بالجملة: فلا إطلاق في البين حتى يتجه دعوى انصرافه إلى كون بعض القرية مال الغير، بل هو ظاهر الكلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2، ح 1. و الصفار من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام، و تقدمت الرواية في ج 4 من هذا الشرح، ص 488.

ص: 64

بل (1) لا مانع من جريان قاعدة الصحّة- بل اللزوم- في العقود، عدا ما يقال (2) من:

أنّ التراضي و التعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا، فالحكم بالإمضاء (3) في البعض

______________________________

يملك» بصيغة المجهول. فإن كان كذلك كانت دلالته أظهر، و لا يبقى موضوع لدعوى الانصراف.

(1) لم يظهر وجه لهذا الإضراب. فلعلّ الأولى إبداله ب «فلا مانع» متفرعا على شمول إطلاق المكاتبة للمسألة، يعني: بعد أن صار بيع الجزء المملوك مشمولا لإطلاق المكاتبة لم يكن مانع من التمسك بالأدلة العامة أيضا على صحته و لزومه، من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرها.

(2) هذا أحد موانع الصحة في بيع مال نفسه مع ما لا يقبل التملك، و محصله: أنّ شرط صحة التجارة بالنسبة إلى بيع المملوك- و هو التراضي- مفقود، ضرورة أنّ التراضي وقع على المجموع من بيع المملوك و غيره، و لم يقع على خصوص بيع البعض المملوك حتى يصحّ.

و ليعلم أنّ هذا الاشكال هو الذي أشير إليه في بيع الفضولي «1» مال نفسه منضما إلى مال غيره. و قد ذكره في جامع المقاصد وجها لتقوية العلّامة بطلان البيع بالشرط الفاسد حتى إذا لم يستلزم الجهل بأحد العوضين. ثم نقض المحقق الثاني عليه باستلزامه بطلان البيع في موردين آخرين، أحدهما: بيع المملوك و غير المملوك، و الآخر: بيع موصوف عند تخلف الوصف ككتابة العبد. مع أنّهم لم يلتزموا بفساد البيع فيهما، ثم قال: «مع أن التراضي لم يتحقق إلّا على الوجه الذي ليس بواقع. و في الفرق بينهما عسر» «2».

(3) يعني: فحكم الشارع بإمضاء بيع البعض المملوك و صحته- مع عدم كونه مقصودا إلّا في ضمن المركّب من المملوك و غيره- يحتاج إلى دليل خاص غير الأدلة العامّة الدالة على حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض. و ذلك الدليل الخاص هو الإجماع أو النص.

______________________________

(1) لاحظ: هدى الطالب، ج 5، ص 602

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 431 و 432

ص: 65

- مع عدم كونه (1) مقصودا إلّا في ضمن المركّب- يحتاج إلى دليل آخر [1] غير ما دلّ على حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض، و لذا (2) حكموا بفساد العقد بفساد شرطه. و قد نبّه عليه (3) في جامع المقاصد في باب فساد الشرط، و ذكر (4) «أنّ في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا» (5).

______________________________

(1) يعني: مع عدم كون البعض المملوك مقصودا بالاستقلال، بل هو مقصود في ضمن المجموع المركّب من المملوك و غيره، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

(2) أي: و لاحتياج الحكم بإمضاء البيع في البعض المملوك إلى دليل آخر- غير الأدلة العامة الدالة على صحة العقود و الشروط- حكم الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بفساد العقد بفساد شرطه، كما نبّه على ذلك في جامع المقاصد في باب فساد الشرط، و قال: «انّ في الفرق بين الشرط و الجزء- كالمقام، لعدم جواز بيع غير المملوك الذي هو جزء المبيع- عسرا».

(3) أي: نبّه على فساد العقد بفساد الشرط المحقق الثاني قدّس سرّه في جامع المقاصد.

(4) أي: ذكر صاحب جامع المقاصد رفع مقامه: أنّ في الفرق .. إلخ.

(5) لأنّ الشرط مع خروجه عن حقيقة العقد إن كان فساده مفسدا للعقد كان فساد الجزء كالمقام مفسدا للعقد بطريق أولى، مع أنّهم يقولون بصحة البيع في الجزء المملوك.

______________________________

[1] نعم، لكن يكفي إطلاق المكاتبة في كونه دليلا على ذلك، حيث إنّها- بعد البناء على حجيّتها و تسليم إطلاقها- واضحة الدلالة على صحة بيع البعض المملوك، و انحلال بيع المجموع إلى بيعين بيع المملوك و بيع غيره. بل مع هذا الإطلاق لا حاجة إلى التمسك بعمومات الصحة.

فالإشكال على صحة بيع المملوك «بانتفاء شرط الصحة، و هو وجود الرضا ببيع البغض بالخصوص، بل عدم المقتضي لعدم تحقق عقد و بيع بالنسبة إلى المملوك» مندفع بقوله عليه السّلام في المكاتبة المتقدمة: «و قد وجب الشراء على ما يملك» فإنّه يثبت البيع و العقد بالنسبة إلى المملوك و إن لم يقصد بيعه مستقلا.

ص: 66

و تمام الكلام في باب الشروط [1].

و يكفي هنا (1) الفرق بالنصّ و الإجماع.

[دعوى تقييد الحكم بصورة جهل المشتري و دفعها]

نعم (2) ربما يقيّد

______________________________

(1) يعني: و يكفي النصّ و الإجماع في الفرق بين الجزء الفاسد الذي لا يفسد البيع في هذه المسألة التي يكون أحد جزئي المبيع فيها ما لا يقبل التملك، و بين الشرط الفاسد الذي يفسد العقد.

أما النصّ فهو صحيح الصفار المتقدم. و أمّا الإجماع فهو ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله في صدر المسألة: «صحّ في المملوك عندنا .. و إجماعا كما عن الغنية».

و بالجملة: فعدم مفسدية الجزء الفاسد للعقد في هذه المسألة مستند الى النص و الإجماع.

(2) استدراك على إطلاق صحة بيع المملوك، و حاصله: أنّه قيّد بعض الفقهاء صحة البيع في المملوك و بطلانه في غير المملوك بصورة جهل المشتري بعدم كون الجزء الآخر

______________________________

[1] و إجماله أوّلا: أنّ مفسدية الشرط الفاسد للعقد ممنوعة، لعدم كون الشرط قيدا لأصل البيع حتى ينتفي المنشأ بانتفائه، كتعليق الملكية و التدبير على الموت. بل التزام في ضمن الالتزام العقدي. ففساد الشرط لا يفسد الالتزام العقدي، بل يوجب الخيار. فمفسدية الشرط الفاسد للعقد غير ثابتة حتى يقاس عليه فساد الجزء.

و ثانيا: أنّه- بعد تسليم مفسدية الشرط الفاسد للعقد- لا يقاس عليه الجزء الفاسد، لكونه مع الفارق، حيث إنّ الشرط لا يقع بإزاء شي ء من الثمن و إن أوجب زيادة في مالية المشروط، ككتابة العبد، و العقد إنّما وقع على المشروط به. ففاقد الشرط لم يقع عليه العقد، فيبطل بيع العبد المشروط بالكتابة مع انتفائها.

و هذا بخلاف الجزء الفاسد، فإنّه يقع بإزائه الثمن، فإذا فسد بطل البيع بالنسبة إلى الجزء الفاسد- و هو الجزء غير المملوك- بماله من الثمن الذي يخصّه، سواء أ كان بيع الجزء المملوك صحيحا أم فاسدا، لعدم ارتباط بينهما عينا و ثمنا.

و ثالثا: أنّ الفارق بين الجزء و الشرط هو النصّ و الإجماع كما أشار إليه في المتن.

ص: 67

الحكم (1) بصورة جهل المشتري (2) [1]، لما (3) ذكره في المسالك «1» وفاقا للمحكيّ في

______________________________

من المبيع قابلا للتملك. مستدلّا على ذلك بما حاصله: أنّه مع علم المشتري بعدم كون بعض المبيع مملوكا للبائع يلزم فقدان شرط من شروط صحة البيع، و هو العلم بمقدار الثمن الواقع في مقابل الجزء المملوك من المبيع، فيصير البيع حينئذ غرريّا، و هو منهي عنه.

(1) أي: يقيّد الحكم بصحة البيع- في الجزء المملوك- بصورة جهل المشتري بعدم كون بعض المبيع غير قابل للتملك.

(2) أي: جهله بعدم مملوكية جزء من المبيع.

(3) تعليل لتقييد الحكم بصورة جهل المشتري، و قد مرّ آنفا محصل هذا التعليل بقولنا: «مستدلا على ذلك بما حاصله».

قال العلّامة قدّس سرّه: «لو كان المشتري جاهلا بأن المضموم ملك الغير أو حرّا أو مكاتبا أو أمّ ولد، ثم ظهر له، فقد قلنا: إنّ البيع يصحّ في ما هو ملكه، و يبطل في الآخر إن لم يجز المالك. و يكون للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه، فكان له الفسخ. و لو كان عالما صحّ البيع أيضا و لا خيار له. و قطع الشافعي بالبطلان في ما إذا كان عالما .. و ليس بعيدا عندي البطلان ..

إلخ» ما في المتن.

و وافقه في هذا التقييد جماعة كالفاضل الآبي و السيوري و الشهيدين. بل قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و قد يظهر ذلك من الباقين أو يلوح منهم ..» «2».

______________________________

[1] اعتبار الجهل بمملوكية بعض العوضين لا يختص بالمشتري، بل لا بدّ من اعتباره في كلا المتبايعين حتى يكون اعتقاد مملوكية كلا الجزءين موجبا لحصول الإنشاء بثمن معلوم، إذ مع العلم بعدم مملوكية بعض المبيع لا يعلم الثمن حين الإنشاء، فالتقييد بالمشتري غير ظاهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 163 و 164

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 209 و 210

ص: 68

التذكرة «1» عن الشافعي «2» من (1) جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع [1]. قال في التذكرة بعد ذلك (2) «و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم (3) بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر (4)،

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «لما ذكر في المسالك» و ضمير «إفضائه» راجع إلى العلم المستفاد من المقام.

(2) أي: بعد حكايته عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة جهل المشتري.

(3) اسم «ليس»، و «بعيدا» خبره، يعني: و ليس الحكم بالبطلان عندي بعيدا عن الصواب.

(4) أي: حرمة الجزء الآخر من المبيع كالخمر إذا بيع مع الخلّ.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: انّ الجهل المطلق بالثمن يختص بما إذا لم يكن لغير المملوك مالية عرفا و لا شرعا، و مع هذا الجهل يكون إنشاء البيع العرفي متمشّيا.

و اما إذا كان عالما بعدم كونه مالا عرفا و شرعا فلا يتمشى البيع إلا صوريا.

بخلاف ما إذا كان «ما لا يملك» غير مال شرعا لا عرفا كالخمر و الخنزير، فإنّ بيعهما مع «ما يملك» بيع عرفي و إن لم يعلم المشتري ما يقابل المملوك من الثمن، بناء على أنّ الشرط هو العلم بالعوضين في المعاملة، دون العوضين الواقعيّين اللذين نفذت معاملتهما.

فإطلاق حكم المشهور بصحة بيع المملوك مع غير المملوك يقيّد بما إذا كان المشتري جاهلا بعدم كون غير المملوك مالا لا عرفا و لا شرعا، حتى يعتقد مملوكية كلا جزئي المبيع و ينشأ العقد على الثمن المعلوم.

كما يقيّد إطلاق تقييد الحكم بصحة بيع المملوك بما إذا كان المشتري جاهلا بما لا يملك عرفا و شرعا. فإذا كان عالما بعدم مملوكيته شرعا لا عرفا، فلا ضير في صحة بيع المملوك، لحصول إنشاء البيع العرفي حينئذ، و إن كان النافذ خصوص الإنشاء المتعلق بالجزء المملوك بما يخصّه من الثمن.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 565، ج 11، ص

(2) راجع المجموع، ج 9، ص 469 و 473

ص: 69

أو كونه (1) ممّا لا ينقل إليه (2) بالبيع» انتهى.

و يمكن دفعه (3) بأنّ اللازم هو العلم بثمن المجموع (4) الذي قصد (5) إلى نقله

______________________________

(1) معطوف على «حرمة» يعني: إذا علم المشتري كون الجزء الآخر من المبيع ممّا لا ينقل إليه شرعا، كما إذا كان وقفا و باعه مع ماله.

(2) أي: إلى المشتري.

(3) يعني: دفع إشكال العلامة، و هو: أنّ علم المشتري بعدم قابلية بعض المبيع للتملك يفضي إلى الجهل بمقدار الثمن الواقع في مقابل ما يقبل التملك.

و محصل هذا الدفع هو: أنّ الجهل الموجب للغرر المفسد للبيع- للإجماع و النبوي، و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الغرر أو عن بيع الغرر- هو الجهل بتمام الثمن.

و أمّا إذا كان تمام الثمن معلوما و هو ما وقع بإزاء جميع المبيع- و إن كان مقدار كل جزء منه يقع في مقابل جزء من المبيع مجهولا- لم يكن ذلك غررا، كما في جلّ البيوع بل كلها. فلا يقدح في المقام الجهل بمقدار ما يقع من الثمن بإزاء الجزء المملوك، بعد حكم الشارع ببطلان البيع في الجزء غير المملوك، فإنّ هذا الجهل الطارئ بحكم الشارع ببطلان البيع في بعض المبيع لا ينافي قصد المتعاقدين وقوع تمام الثمن بإزاء مجموع المبيع، كما في بيع ماله مع مال غيره، فإنّ البيع صحيح، مع عدم العلم بما يقابل مال نفسه من الثمن.

ثم إنّ الجواب المزبور يستفاد أيضا من كلام صاحب الجواهر في ردّ تقييد الصحة بالجهل، حيث قال: «و فيه: أنّ الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضمّ المملوك إلى مملوك غيره، الذي لا فرق فيه نصّا و فتوى بين رجاء الإجازة و عدمها، و النهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها، لا مطلقا» فراجع «1».

(4) أي: مجموع المبيع من المملوك و غير المملوك، فإنّه مقصود و معلوم للمتعاقدين.

(5) أي: قصد المشتري إلى نقل ثمن المجموع و إن علم المشتري الناقل بعدم إمضاء الشارع لبيع المجموع، إذ المفروض عدم إمضاء الجزء غير المملوك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 320

ص: 70

عرفا، و إن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له، فإنّ (1) هذا العلم غير مناف لقصد النقل [البيع] حقيقة. فبيع (2) الغرر المتعلّق لنهي الشارع (3)- و حكمه عليه بالفساد- هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عمّا يحكم عليه من الشارع.

مع (4) أنّه لو تمّ ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك، لا البطلان (5)، لأنّ (6) المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن (7)- مع علمه بعدم سلامة البعض له-

______________________________

(1) هذا إشارة إلى دفع ما ذكره من التنافي بين العلم بعدم إمضاء الشارع لبيع الجزء غير المملوك- الموجب للجهل بثمن المملوك الذي هو الغرر- و بين قصد النقل حقيقة.

و محصل الدفع: أنّ بيع الغرر المنهي عنه شرعا هو الغرر الذي حكم به العرف مع الغضّ عن حكم الشارع، و من المعلوم أنّ بيع الخلّ و الخمر بثمن واحد ليس بيعا غرريا عرفا، فيصح بيع الخلّ الذي هو المملوك.

(2) هذا متفرّع على أنّ علم المشتري بعدم إمضاء الشارع لبيع مجموع المبيع- من المملوك و غيره- لا يوجب كون البيع غرريّا.

(3) و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر، و ضمير «عليه» راجع إلى بيع الغرر.

(4) هذا جواب آخر عن إشكال العلامة قدّس سرّه، و هو: أنّه لو لم يقيد الحكم بصحة بيع المملوك بالجهل لأفضى إلى الجهل بالثمن.

توضيح هذا الجواب: أنّ مقتضى ما أفاده العلّامة قدّس سرّه هو صحة بيع الجزء المملوك و جعل تمام الثمن بإزائه، لا بطلان البيع رأسا، و ذلك لإقدام المشتري- العالم بعدم مملوكية بعض المبيع- على ضمان المملوك وحده بتمام الثمن، إذ المفروض علم المشتري بذلك، فقاعدة الإقدام تقتضي عدم ضمان البائع لشي ء من الثمن، و كون جميعه بإزاء الجزء المملوك.

(5) معطوف على «صرف» بالمفعولية ل «اقتضى».

(6) تعليل لصرف مجموع الثمن إلى الجزء المملوك، لا البطلان، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و ذلك لإقدام المشتري».

(7) أي: بتمام الثمن مع علم المشتري بعدم سلامة بعض المبيع، و هو الجزء غير المملوك له.

ص: 71

قادم (1) على [1] ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرّح به (2) الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه، حيث قال: «إنّ هذا الحكم (3) مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع و حكمه (4)، و إلّا (5) لكان البذل بإزاء المملوك، ضرورة (6) أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد» انتهى «1» (7).

لكن ما ذكره (8) رحمه اللّه مخالف لظاهر

______________________________

(1) خبر «أن» في «لأنّ المشتري القادم».

(2) أي: بضمان المملوك وحده بالثمن.

(3) أي: الحكم بصحة البيع في المملوك، و بطلانه في غير المملوك، و تقسيط الثمن عليهما.

(4) أي: جهل المشتري بالمبيع موضوعا و حكما.

(5) أي: و إن لم يكن المشتري جاهلا- بأن كان عالما بالمبيع موضوعا و حكما- لكان الثمن كلّه بإزاء المملوك، كالشاة المنضمة إلى الخنزير مثلا، كما حكي عن حواشي الشهيد رحمه اللّه.

(6) تعليل لكون تمام الثمن بإزاء الجزء المملوك مع علم المشتري بعدم مملوكية بعض المبيع، و حاصله: أنّ قصد الشي ء الممتنع- و هو امتناع تملك بعض المبيع أعني به غير المملوك- كلا قصد.

(7) و الحاصل: أنّ الشهيد قدّس سرّه قائل باختصاص الحكم بصحة البيع في المملوك، و بطلانه في غيره- و تقسيط الثمن عليهما- بالجاهل بالمبيع موضوعا و حكما.

(8) يعني: لكن ما ذكره العلامة قدّس سرّه- من اختصاص الحكم بالجاهل- مخالف لما ذهب

______________________________

[1] بل يمكن أن يقال: إنّه قادم على ضمان الجزء المملوك من المبيع بجزء من الثمن، و دافع لجزئه الآخر بلا ضمان. لكن جهالة الجزء المدفوع على وجه الضمان تفسد البيع بالنسبة إلى الجزء المملوك أيضا.

______________________________

(1) الحاكي لكلام الشهيد هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 209 و 210

ص: 72

المشهور (1)، حيث حكموا بالتقسيط، و إن كان (2) مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم (3) «من (4) عدم رجوعه بالثمن إلى البائع، لأنّه (5)

______________________________

إليه المشهور من إطلاق الحكم بصحة بيع المملوك- المنضم إلى غير المملوك- لصورتي العلم و الجهل بعدم مملوكية بعض المبيع، حيث إنّ حكمهم بتقسيط الثمن المدفوع إلى البائع- بجعل مقدار منه إزاء المملوك و مقدار منه إزاء غير المملوك- يشهد بصحة بيع الجزء المملوك، إذ مع فرض بطلانه لا معنى لجعل جزء من الثمن في مقابله، بل لا بدّ من ردّ عينه إلى مالكه.

(1) قال في الجواهر: «و على كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم و الجهل. كما أنّه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة و الكفار كالخمر و الخنزير و نحوهما، و بين ما لا يكون كذلك، و لكن له نظير يقابل بالثمن كالحرّ» «1».

و ظاهر العبارة الإجماع، لكن المصنف اقتصر على الشهرة، و لعلّه لأجل تصريح الشهيد و غيره بتقيّد الصحة في ما يملك بجهل المشتري.

(2) يعني: و إن كان ما أفاده الشهيد قدّس سرّه- من الفرق بين العلم و الجهل، بالبطلان في الأوّل، و الصحة في الثاني- مناسبا لما ذهب إليه المشهور في بيع مال الغير فضولا، على ما تقدّم تفصيله في أحكام الرد من عدم رجوع المشتري- العالم بالغصبية- بالثمن على البائع، معلّلا ذلك بأنّ المشتري سلّطه على إتلاف الثمن، و هذا يناسب بطلان بيع مال الغير، كبطلان بيع المملوك على ما أفاده العلّامة قدّس سرّه «2».

(3) أي: من المشتري العالم بكون المبيع لغير البائع، و مع ذلك يشتريه، و يدفع الثمن إلى البائع.

(4) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «لما ذكروه».

(5) هذا تعليل لعدم رجوع المشتري على البائع، فإنّ المشتري سلّط البائع على

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 320

(2) لاحظ: هدى الطالب، ج 5، ص 516

ص: 73

سلّطه عليه مجّانا (1)» فإنّ (2) مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك.

إمّا (3) لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. و إمّا (4) لبقاء ذلك القسط له (5) مجّانا، كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك «1».

إلّا أنّك قد عرفت (6) أنّ الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد.

______________________________

الثمن مجّانا، و مع التسليط المجّاني ليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

(1) ظاهر العبارة التزام المشهور بعدم رجوع المشتري العالم بغصبية المبيع مطلقا، سواء أ كان الثمن تالفا أم باقيا، و لكن المراد صورة تلف الثمن بيد البائع، و أما في صورة بقاء الثمن فله استرداده. قال المصنف في أحكام الرد: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري، بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه» فراجع «2».

(2) يعني: فإنّ مقتضى ما ذكره المشهور في بيع مال الغير مع علم المشتري بكونه مال الغير- من عدم رجوع المشتري على البائع، للتسليط المجاني- هو عدم رجوع المشتري على البائع بجزء من الثمن إزاء غير المملوك في فرض علمه بعدم مملوكية بعض المبيع.

(3) هذا أحد فردي التعليل و هو كون الثمن في مقابل المملوك كما عن حواشي الشهيد المتقدمة آنفا.

(4) هذا ثاني فردي التعليل.

(5) أي: للبائع مجّانا، لتسليط المشتري إيّاه على ما يقابل الجزء غير المملوك مجّانا.

(6) في مسألة حكم المشتري مع الفضولي، حيث قال في فرض تلف الثمن:

«و بالجملة: فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض، و لذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا ..» «3».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 82- 83، مسالك الأفهام، ج 3، ص 164

(2) هدى الطالب، ج 5، ص 478- 483

(3) المصدر، ص 506

ص: 74

[طريق تقويم المملوك و غير المملوك]

ثمّ إنّ طريق تقسيط الثمن على المملوك و غيره يعرف ممّا تقدّم (1) في بيع ماله مع مال الغير من (2): أنّ العبرة بتقويم كلّ منهما منفردا، و نسبة قيمة المملوك (3) إلى مجموع القيمتين (4).

لكنّ الكلام هنا (5) في طريق معرفة قيمة غير المملوك [1]

______________________________

طريق تقويم المملوك و غير المملوك

(1) هذا إشارة إلى جهة أخرى من جهات البحث في هذه المسألة، و هي: أنّه- بعد الفراغ من صحة بيع المملوك منضما إلى ما لا يملك- يقع الكلام في كيفية تقسيط الثمن المسمّى على المبيع كالخل و الخمر، فأفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ ما ذكرناه من طريقي التقسيط- في مسألة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره- يجري هنا، و المختار هو أن يقوّم كلّ منهما منفردا، و تلاحظ نسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.

و تختص هذه المسألة بإشكال، محصّله: أنّ أحد المبيعين غير متموّل كالحرّ و الخنزير و الخمر، فلا سبيل لتقويم كلّ من المالين منفردا حتى تلاحظ نسبته إلى مجموع القيمتين. و سيأتي بيان حلّ الاشكال.

(2) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «ممّا تقدم» فإذا كانت قيمة مال البائع ستة دنانير، و قيمة مال غيره ثلاثة دنانير، فنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين- أعني التسعة- ثلثان، فإن كان الثمن ستة دنانير يؤخذ ثلثاه، و هما أربعة دنانير للبائع.

(3) المراد به مال البائع، لا المملوك في مقابل غير المملوك كما هو المراد في مسألتنا و هي بيع المملوك كالخل مع غير المملوك كالخمر، لأنّه في مقام تفسير ما تقدّم في مسألة بيع ماله مع مال غيره، إلى قوله: «مجموع القيمتين».

فلعلّ الأولى إبدال «المملوك» ب «ماله».

(4) كالتسعة- في المثال المذكور- التي هي مجموع قيمتي مال البائع و مال غيره.

(5) أي: في بيع المملوك كالخل و غير المملوك كالخمر، و كالشاة و الخنزير.

______________________________

[1] فإنّ غير المملوك على أقسام:

أحدها: ما فيه اقتضاء المالية عرفا، مع عدم مانع عرفي يمنع ماليّته، كالخمر و الخنزير و السموك التي لا فلس لها.

ثانيها: ما ليس فيه اقتضاء المالية أصلا كالخنافس و الديدان.

ص: 75

[طريق معرفة قيمة غير المملوك]

و قد ذكروا (1) «1» أنّ الحرّ يفرض عبدا بصفاته (2) و يقوّم، و الخمر و الخنزير يقوّمان بقيمتهما عند من يراهما (3) مالا، و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين (4) مطّلعين على

______________________________

و الإشكال إنّما هو في تقويم غير المملوك، إذ المفروض أنّه لا مالية له شرعا، فكيف يقوّم؟

(1) يعني: و قد ذكروا طريقا لمعرفة قيمة غير المملوك، و هو: أن يفرض غير المملوك مملوكا، فإذا باع عبدا و حرّا فيفرض الحرّ عبدا بماله من الصفات من الكتابة و الخياطة و غيرهما و يقوّم.

فإن كان قيمة كلّ منهما عشرة دنانير، فقيمة مجموعهما عشرون دينارا. فلو كان الثمن عشرة دنانير استردّ المشتري من البائع نصف الثمن و هو خمسة دنانير، لأنّ نسبة العشرة التي هي قيمة الحر- المفروض عبدا- إلى العشرين التي هي مجموع القيمتين هي النصف، فيستردّ المشتري من البائع نصف الثمن و هو الخمسة إزاء الجزء غير المملوك من المبيع.

و كذا الحال في تقويم الخمر و الخنزير.

(2) أي: يفرض الحرّ المتّصف بالصفات الكمالية عبدا، و يقوّم.

(3) أي: مستحلّيهما.

(4) لكون التقويم من الموضوعات التي لا بدّ من ثبوتها بالبينة، و هي شهادة عدلين خبيرين بالقيم و الأسعار حتى تجوز لهما الشهادة.

______________________________

ثالثها: ما فيه اقتضاء المالية عرفا، مع اقترانه بالمانع العرفي أيضا كالحرّ، فإنّه بنظر العرف- كالعبد- مال، لكن الحرّية مانعة عندهم عن ماليته فعلا.

و هذا هو الفارق بين هذا القسم و القسم الأوّل، حيث إنّهما يشتركان في وجود المقتضي للمالية، و يفترقان في وجود المانع عرفا عن المالية في هذا القسم، و عدمه في القسم الأول. و كلام الشهيد قدّس سرّه في كون الثمن بتمامه بإزاء الجزء المملوك متّجه في القسم الثاني الذي ليس فيه اقتضاء المالية أصلا، دون ما فيه اقتضاء المالية كالقسم الأوّل و الثالث.

______________________________

(1) الذاكر جماعة، فلاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 83، مسالك الأفهام، ج 3، ص 162، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 163، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 210، جواهر الكلام، ج 22، ص 321

ص: 76

ذلك، لكونهما (1) مسبوقين بالكفر، أو مجاورين للكفّار.

و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما (2) إذا باع الخنزير بعنوان أنّه شاة، و الخمر بعنوان أنّها خلّ، فبان الخلاف،

______________________________

(1) تعليل لاطّلاع العدلين على قيمة غير المملوك كالخمر مع كونه مسلما عادلا، و السبب في اطّلاعهما على قيمة الخمر مثلا هو كون إسلامهما مسبوقا بالكفر، أو كونهما مجاورين لبلاد الكفار، فإنّ سبق الكفر أو المجاورة يوجب الاطّلاع على قيم الخمر و الخنزير، و نظائرهما من المحرّمات.

(2) أي: قيمة الخمر و الخنزير. و قوله: «يشكل» إشارة إلى الخلاف في كيفية تقويمهما، بعد نفي الاشكال عن تقويمهما عند مستحلّيهما فيما إذا بيعا بعنوان الخمر و الخنزير. بخلاف ما إذا بيعا بعنوان الخلّ و الشاة، فإنّ في تقويمهما حينئذ خمرا و خنزيرا عند مستحلّيهما إشكالا، بل جزم بعض بوجوب تقويمهما قيمة المملوك و هو الخل و الشاة، كتقويم الحرّ بعد فرض كونه عبدا.

وجه الاشكال: أنّ لعنوان المبيع- و هو الخل و الشاة- دخلا في القيمة الملحوظة حال الإنشاء، فيقوّمان بعنوان المبيع، لا بعنوان واقعهما و هو الخمر و الخنزير بتقويمهما عند مستحلّيهما. لكن الصحيح تقويمهما بعنوانهما الذاتي، و هو الشاة و الخل، لتقدم الإشارة و هي قول البائع: «بعتك هذين بعنوان الخنزير و الخمر» على العنوان الذي هو من قبيل الدواعي التي لا يضرّ تخلفها بتقويم العنوان الذاتي المشار إليه، ضرورة أنّ العنوان الذكري لا يغيّر العنوان الواقعي.

فالمتحصل: أنّه لا بدّ من تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما، لا تقويمهما بعنوان الخلّ و الشاة، و إن قصد هذان العنوانان حين إنشاء البيع، فإنّ العناوين الجنسية و إن كانت مناطا للمالية، و تخلفها موجبا لبطلان البيع، إلّا أنّها في باب التقويم دواع، و تخلفها لا يقدح في تقويم ما هو واقعه. فالشاة و الخنزير و إن بيعا بعنوان الشاة، لكن الخنزير يقوّم بعنوانه الذاتي عند مستحلّيه، لا بعنوان الشاة، فإنّ المدار في التقويم على واقع الشي ء، لا على العنوان الذي لا يغيّر الواقع كعنوان الشاة.

ص: 77

[كلام الفاضل النراقي في تقويم ما لا يملك]

بل جزم بعض هنا (1) بوجوب تقويمهما قيمة الخلّ و الشاة كالحرّ (2).

______________________________

(1) أي: في صورة بيعهما بعنوان الشاة و الخلّ، و الظاهر أنّ الجازم بالبطلان هو الفاضل النراقي قدّس سرّه كما نسبه اليه السيّد قدّس سرّه في الحاشية- قال في المستند: «و لا يخفى أنّ تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا.

أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف.

و يقع الاشكال فيما لم يكن اتحاد الأوصاف» «1».

(2) في فرض كونه عبدا مع ما له من الصفات.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 197، مستند الشيعة، ج 14، ص 300

ص: 78

[أولياء التصرف]
[1- ولاية الأب و الجدّ]
اشارة

مسألة (1) يجوز للأب و الجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع و الشراء.

______________________________

(1) أولياء التصرف 1- ولاية الأب و الجدّ هذه المسألة من فروع مسألة شروط المتعاقدين، حيث قال: «و من شروطهما أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع، فعقد الفضولي لا يصحّ» «1» و تقدم هناك ما يترتب على بيع غير المالك بدون إذنه من كونه فضوليا متوقفا على الإجازة. و المراد بالمأذون من قبل المالك هو الوكيل، و المراد بالمأذون من قبل الشارع هو الولي كالأب و الجدّ و الحاكم الشرعي و منصوبه و عدول المؤمنين.

و ولاية كل واحد منهم جعلية، بمعنى انّه لو لم يعتبر الشارع جواز التصرف للأب كان كالأجنبي في كونه فضوليا. و ليست ولايته قهرية إجباريّة و إن كانت إضافة النبوّة و الأبوّة تكوينية.

و كيف كان فقد عقد المصنف قدّس سرّه مسائل ثلاث للبحث عن ولاية الأولياء و مضيّ تصرّفهم في أموال من يتولّون أمره. فاستدلّ في المسألة الأولى بوجوه ثلاثة على ثبوت ولاية الأب و الجدّ- للأب لا للامّ- على مال الصغير في الجملة، ثم تعرّض لفروع المسألة، و هي اعتبار العدالة، و رعاية المصلحة، و تقديم أحدهما عند المزاحمة، و شمول الأدلة لأب الجد و جدّ الجدّ، و هكذا. و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 4، ص 344

ص: 79

[ما استدل به على نفوذ تصرفهما في مال الصغير]

و يدلّ عليه (1)- قبل الإجماع- الأخبار المستفيضة (2) المصرّحة في موارد

______________________________

(1) أي: على جواز تصرّف الأب و الجدّ في مال الطفل بالبيع و الشراء. و الوجه الأوّل هو الإجماع المتكرر في كلماتهم.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «و الذي يقتضيه النظر أنّ ولايته- أي الأب- ثابتة بالنّص و الإجماع» «1».

و قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «الظاهر أنّه لا خلاف و لا نزاع في جواز البيع و الشراء و سائر التصرفات للأطفال .. من الأب و الجدّ للأب، لا للأمّ» «2». بل في بعض الكلمات: «كون ولايتهما من ضروريات الفقه» أو «من واضحات الفقه» كما في بعضها الآخر.

و عليه فالإجماع متحقق صغرى، إنّما الكلام في حجيّته و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام مع فرض احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المستفيضة الآتية. و لعلّ تعبير المصنف ب «قبل الإجماع» إشارة إلى شبهة كونه مدركيّا.

(2) هذا ثاني الوجوه، أعني به الأخبار المستفيضة الدالة على مضيّ تصرف الأب و الجد، و هي على مضامين مختلفة:

منها: نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه، فإنّ ظاهر التقويم هو نقل الجارية إلى نفسه بالبيع ليقع الوطء في ملك الواطئ. كصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرّجل يكون لبعض ولده جارية، و ولده صغار، هل يصلح أن يطأها؟ فقال عليه السّلام: يقوّمها قيمة عدل، ثم يأخذها، و يكون لولده عليه ثمنها» «3».

و قريب منها غيرها.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 11، ص 276

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 157، و لاحظ «عدم الخلاف» أيضا في الرياض، ج 1، ص 592، و مفتاح الكرامة، ج 4، ص 184 و 213، و ج 5، ص 256، و الحدائق، ج 18، ص 404، و الجواهر، ج 22، ص 322، و في المناهل، ص 105 «ظهور الاتفاق على ذلك» فلاحظ.

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 543، الباب 40 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 80

كثيرة. و فحوى (1) سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح.

______________________________

فإنّ تقويم مال الغير من لوازم الولاية، لانتفاء غيرها من الملك و الوكالة و شبههما.

فتدلّ الصحيحة بالدلالة الالتزامية على نفوذ تملك الأب لمال ولده الصغير بإزاء قيمته.

و منها: أخبار الوصية الدالة على جواز تصرفات الوصي، مثل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده، و بمال لهم، و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم. فقال عليه السّلام: لا بأس به، من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك، و هو حيّ» «1».

بتقريب: أنّ جواز تصرف الوصي في مال الصغير- بإذن الموصى- يكون من شؤون ولاية الأب الموصى على مال ولده الصغير.

و منها: أخبار الاتجار بمال اليتيم، كرواية أبي الربيع، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم، و هو وصيّه، أ يصلح له أن يعمل به؟ قال:

نعم، كما يعمل بمال غيره، و الربح بينهما. قال: قلت: فهل عليه ضمان؟ قال: لا، إذا كان ناظرا له» «2». و تقريب الاستدلال كما في الطائفة السابقة.

و منها: روايات حلّ مال الولد للوالد، و كونه له، و سيأتي بعضها في (ص 90).

فهذه النصوص- بطوائفها و مضامينها المتعددة- تدلّ على نفوذ تصرف الأب في مال ولده الصغير.

(1) معطوف على «الأخبار» و هذا ثالث الوجوه المستدل بها على ولاية الأب و الجدّ، و هي أولوية جواز التصرف في المال من تسلّطه على بضع بنته الصغيرة، كما دلّ عليه مثل ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصبية يزوّجها أبوها، ثم يموت و هي صغيرة، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، يجوز عليها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 478، الباب 92 من كتاب الوصايا، الحديث: 1

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث: 1. و تقدّم بعض الكلام في بيع الفضولي حول ما يدلّ على جواز اتّجار الولي بمال اليتيم، فراجع هدى الطالب، ج 4، ص 443

ص: 81

[المشهور عدم اعتبار العدالة في ولايتهما]

و المشهور (1) عدم اعتبار العدالة،

______________________________

التزويج، أو الأمر إليها؟ قال عليه السّلام: يجوز عليها تزويج أبيها» «1».

بتقريب: أنّ تسلط الأب على البضع مع أهميته يدل على تسلطه على ماله بالأولوية.

و بالجملة: الأخبار المشار إليها قد استدلّ بها لولاية الأب على ولده الصغير من الذكر و الأنثى. لكن نوقش في دلالتها على المدّعى بوجوه تذكر في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

و لا يخفى أنّ الجدّ لم يذكر في النصوص، و الدليل عليه هو الإجماع كما ادعاه العلّامة و غيره «2».

(1) عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب و الجدّ بعد وفاء الدليل بإثبات نفوذ تصرف الأب و الجدّ- في مال الصغير- في الجملة، تعرّض قدّس سرّه لفروع المسألة، أوّلها: أن العدالة معتبرة فيهما، أم يمضي تصرفهما مطلقا و ان كانا فاسقين؟ فيه قولان.

ثمّ إن نسبة الحكم- بعدم الاشتراط- إلى المشهور إنّما هي لإطلاق كلمات كثير من الأصحاب و عدم تقييد ولايتهما بالعدالة، و صرّح المتأخرون بعدم اعتبارها. قال السيد المجاهد قدّس سرّه- بعد التعرض لكون المسألة ذات قولين- ما لفظه: «يظهر من إطلاق النافع و الشرائع و التبصرة و الإرشاد و التذكرة و الدروس و اللمعة و كنز العرفان و المسالك و الرّوضة و الكفاية: الثاني- أي عدم اعتبار العدالة- بل الأخير كالصّريح فيه، بل صرّح به في جامع المقاصد و مجمع الفائدة. و صرّح فيه و في الكفاية بأنّ أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة فيهما، بل صرّح بعض هؤلاء بأنه اعتبار جلّة من محققي متأخري

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 1.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، كفاية الأحكام، ص 113

ص: 82

للأصل (1)

______________________________

المتأخرين، و بأنّه الظاهر من كلام الأصحاب أيضا .. إلخ» «1».

و استدلّ المصنف قدّس سرّه على عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة بالأصل و الإطلاق و الفحوى و سيأتي.

(1) هذا أوّل ما استدل به على عدم اعتبار العدالة في نفوذ تصرف الأب و الجدّ في مال الصغير، و هو مذكور في كلمات جمع كالمحقق الأردبيلي و الفاضل السبزواري و السيد المجاهد قدّس سرّهم «2».

و في الجواهر: «و لعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة، للأصل و الإطلاق» «3».

و يحتمل في ما يراد بالأصل في مثل هذه المسألة وجهان:

الأوّل: الأصل اللفظي، و هو إطلاق الأدلة الاجتهادية، إمّا ما دلّ على الأمر بالوفاء بالعقود و حلّ البيع و التجارة عن تراض، فإنّ إطلاقها ينفي دخل العدالة في ترتب الأثر، كما احتمله السيد المجاهد. و إمّا ما دلّ من النصوص على ولايتهما من دون تقييدها بالعدالة، كما صرّح بهذا الاحتمال بعض الأجلة على ما حكاه السيد المجاهد عنه.

و على كلّ من تقريري أصالة الإطلاق يكون عطف «الإطلاقات» على «الأصل» تفسيريا، و هو مقتضى حكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي حتى مع وحدة المفاد.

الثاني: الأصل العملي، أعني به استصحاب عدم الاشتراط، أو البراءة عن شرطية العدالة بناء على جريانها في مثل الشرطية. و هذا الاحتمال مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. و عليه يكون الغرض الإشارة إلى دليلين أحدهما الأصل العملي، و الآخر الإطلاق اللفظي.

______________________________

(1) المناهل، ص 105.

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 233، كفاية الأحكام، ص 113، المناهل، ص 105

(3) جواهر الكلام، ج 26، ص 102

ص: 83

و الإطلاقات (1)، و فحوى (2) الإجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج.

______________________________

لكن لمّا كان الأصل اللفظي حاكما على العملي تعيّن توجيه كلام المصنف بابتنائه إمّا على المماشاة مع القوم كما تقدم في عبارة الجواهر. و إمّا على مجرّد الفرض، بالتشكيك في إطلاق الأدلة الاجتهادية، و إن كان هذا في غاية البعد بعد تمسكه بالإطلاق.

(1) الظاهر أنّ المراد إطلاق النصوص المتقدمة- و نحوها- الدالة على ولاية الأب، لعدم التفصيل فيها بين كون المتصرف عادلا أو فاسقا، خصوصا مع توفر الدواعي لبيان الاشتراط لو كانت العدالة معتبرة شرعا في نفوذ التصرّف. فلاحظ قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة أبي الصباح الكناني: «يقوّمها قيمة عدل ثم يأخذها» حيث أناط عليه السّلام جواز تصرف الأب بتقويم الجارية قيمة عادلة فحسب.

و كذا قوله عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم الواردة في تصرف الوصي في مال اليتيم:

«من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك، و هو حيّ» حيث انّ إذن الأب تمام الموضوع لنفوذ تصرف الوصي بلا دخل قيد العدالة فيه.

(2) هذه إشارة إلى دليل آخر على عدم اشتراط ولاية الأب و الجد بالعدالة، و تقريبه: أنّ ولاية الأب الفاسق على تزويج البنت الصغيرة- مع اهتمام الشارع بالنكاح- تستلزم ولايته في العقود المالية بالأولوية.

أمّا ثبوت ولاية الفاسق على التزويج فللإجماع المدّعى في التذكرة من قوله:

«الفسق لا يسلب ولاية النكاح عند علمائنا. فللفاسق أن يزوّج ابنته الصالحة البالغة بإذنها، و الصغيرة و المجنونة مطلقا» «1».

و أمّا أولوية نفوذ تصرّفه في أموال الصغير فلاهتمام الشارع بالأعراض أشد منه في الأموال، و قد سبق تفصيله في البيع الفضولي، كما تقدّم هناك المناقشة في الفحوى، بخبر العلاء بن سيابة، فراجع «2».

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، راجع تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 599

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 407- 414

ص: 84

خلافا للمحكيّ عن الوسيلة و الإيضاح، فاعتبراها (1) فيهما، مستدلّا في الأخير (2) «بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه

______________________________

(1) يعني: فاعتبر صاحبا الوسيلة و الإيضاح قدّس سرّهما العدالة في الأب و الجدّ له.

و الحاكي عنهما هو السيد العاملي قدّس سرّه، حيث قال- بعد اقتضاء كثير من العبارات عدم اعتبار العدالة- ما لفظه: «قلت: قد تردّد المصنف- أي العلّامة- في ذلك في وصايا الكتاب- أي القواعد- و في الوسيلة: اشتراطها فيه. و في الإيضاح: أنّ الأصحّ أنه لا ولاية للأب أو الجد ما دام فاسقا «1».

(2) و هو الإيضاح، و عبارته المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي- بعد نقل وجهي المسألة-: «و الأصح عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا» «2».

و محصل استدلاله هو: أنّ الولاية على الصغير عبارة عن إصلاح أموره بالدفاع عن نفسه و التصرف في أمواله، إذ لا يتمكن الصغير على شي ء من ذلك. فلا بدّ من كون المتصدي لتلك الأمور أمينا قادرا على إنفاذها بالنحو اللّائق الموافق للصواب، لاستحالة تولية الفاسق في حكمته تعالى شأنه.

و بعبارة اخرى: أنّ الصغير مسلوب العبارة و محجور عن التصرف في أمواله، و لا يستطيع دفع الضرر عن نفسه. و هذا القصور يستدعي جعل من يتصدّى لإصلاح أمره، بأن يكون أمينا و ثقة، حتى تمنعه أمانته عن تضييع أموال الصبي، و توجب قبول إخباره في تصرفاته، و من المعلوم أنّ الفاسق لا يقبل إخباره بشي ء، لأنه تعالى أمر بالتبين عن نبأ الفاسق. و عليه فلا بد من كون الولي- سواء أ كان هو الأب أم الجد أم غيرهما كالوصي- عادلا حتى يقبل إخباره بما تصرف فيه من أموال الصبي، هذا.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628. و لم نعثر على اشتراط ولاية الأب بالعدالة في الوسيلة صريحا. نعم اعتبرها في الوصي، كما اعتبر الوثاقة فيه على ما حكاه عنه في الإيضاح، ثم قال ولاية التصرف في مال اليتيم: «ثم الحاكم إذا لم يكن له جدّ و لا وصي، أو كانا غير ثقة» و المراد بالوثاقة هي الثقة في الدين كما في إمام الجماعة، فتكون مساوقة للعدالة. و لعلّ السيد العاملي استظهر اعتبار العدالة في الأب و الجدّ من موضع آخر لم نقف عليه. فراجع الوسيلة ص 749 و 771 من الجوامع الفقهية.

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628

ص: 85

و لا يصرف عن ماله (1)، و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل إقراراته (2) و إخباراته (3) عن (4) غيره مع نصّ القرآن على خلافه» (5) انتهى «1».

و لعلّه (6) أراد بنصّ القرآن آية الركون

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و هو نقل بالمعنى، و إلّا فنصّ عبارة الإيضاح المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي: «و لا يعرب عن حاله». و هذا أنسب بما اشتهر عندهم من كون الصبيّ مسلوب العبارة.

(2) كإقرار الولي بأنّه استوفى دين الصغير من مديونه.

(3) كإخباره بأنّ الطفل أتلف مال الغير بنحو يوجب الضمان.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و الصحيح كما في الإيضاح: «على غيره» و هو متعلق ب «إقراراته».

(5) غرضه أن جعل الفاسق أمينا- مضافا إلى استحالته في حكمة الصانع تعالى- يكون على خلاف نصّ القرآن الكريم، و هو آية الركون إلى الظالم، حيث يقول عزّ من قائل وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «2».

هذا بناء على كون قول الإيضاح: «مع نصّ القرآن» إشارة إلى إقامة دليل نقلي على اعتبار العدالة في الأب و الجدّ، كما أنّ المنافاة لحكمه الصانع دليل عقلي على اعتبارها.

(6) أي: و لعلّ فخر المحققين قدّس سرّه أراد بنصّ القرآن الآية الشريفة الناهية عن الركون الى الظالم.

و لا يخفى أنّ الفخر استدل على اعتبار العدالة في الوصي- حتى يقبل إقراره- بآيتين:

إحداهما: كون الفاسق ظالما، و لا شي ء من الظالم يركن إليه.

و ثانيتهما: آية النبإ، بتقريب: أنّ الوصي يعتبر إقراره بالاتفاق، مع أنّه لا عبرة بإقرار الفاسق، لقوله تعالى إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا «3».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628

(2) سورة هود، الآية 114

(3) الحجرات، الآية 6

ص: 86

إلى الظالم (1) التي أشار إليها في جامع المقاصد (2). و في دلالة الآية (3) نظر.

و أضعف منها (4) ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة

______________________________

و الظاهر أنّ نظره في اشتراط ولاية الأب بالعدالة إلى كلتا الآيتين، أو إلى خصوص آية النبإ، لقوله قدّس سرّه: «و أمّا الأب فهل ينعزل بفسقه؟ يحتمل ذلك، لأنّ الولاية تتضمّن الأمانة، و الفاسق ليس أهلا لها. و يحتمل عدمه، لأنّ المقتضي لثبوت الولاية الأبوّة. و لأنّ شفقة الأب تمنعه عن ضياع مال الابن عليه، بخلاف الوصي الفاسق.

و الأصحّ عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا، لأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ..»

إلى آخر ما في المتن. و عليه فمقصوده قدّس سرّه اتّحاد الوصي و الأب الفاسقين في عدم قبول إقرارهما و أخبارهما، فراجع الإيضاح.

(1) تقدّم آنفا الاستدلال بها، من أنّ ولاية الفاسق على الطفل ركون إلى الظالم، و هو منهي عنه بمقتضى الآية الشريفة، فكيف يجعل وليّا على الطفل و أمواله؟

(2) حيث قال في وجه منع ولاية الأب الفاسق: «و من حيث إنّ الفاسق لا يركن إليه، و ليس أهلا للاستئمان ..». لكن قد عرفت في ما نقلناه من عبارة الإيضاح احتمال أن يريد بنصّ القرآن آية النبإ النافية لاعتبار قول الفاسق و نبأه، فكيف يقبل إقرار الولي غير العدل- و إخباره- في حقّ ولده الصغير؟

(3) يعني: و في دلالة الآية على كون ولاية الفاسق على الطفل ركونا إلى الظالم نظر.

و لعلّ وجه النظر إرادة حكّام الجور و الظلم من «الظالم».

أو وجه النظر- مع الغضّ عن هذا المعنى- عدم صدق الركون إلى الظالم على بيع و شراء الولي بمال الطفل، و إلّا كانت المعاملة مع الفاسق ركونا إلى الظالم.

بل يمكن أن يقال: إن معاملة الأب بمال الطفل بمقتضى قوله عليه السّلام: «أنت و مالك لأبيك» معاملة بمال نفسه، فهو كأنّه يتعامل بمال نفسه.

(4) يعني: و أضعف من آية الركون- في الاستدلال بها على اعتبار العدالة في الأب

ص: 87

إذ المحذور (1) يندفع كما في جامع المقاصد: «بأنّ (2) الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل (3) عزله (4) و منعه من التصرّف في ماله و إثبات اليد عليه. و إن (5) لم يظهر (6) خلافه فولايته ثابتة. و إن لم يعلم (7) استعلم حاله بالاجتهاد و تتبّع سلوكه و شواهد أحواله» انتهى «1».

______________________________

و الجدّ للأب- الاستدلال لاعتبارها فيهما بالاستحالة العقلية التي أشار إليها في الإيضاح بقوله: «و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا» و حاصله: أنّ حكمة الصانع تعالى شأنه تقتضي استحالة جعل الفاسق الخائن أمينا و وليّا على غيره، فلا بدّ أن يكون الولي عادلا.

(1) حاصل وجه اندفاع هذا المحذور: أنّه إذا ظهر من الولي خيانته عزله الحاكم الشرعي، و منعه من التصرف في مال الطفل و إثبات يده على مال الطفل. و إن لم يظهر اختلال حال أبي الطفل و خيانته فولايته ثابتة بحالها.

(2) متعلق ب «يندفع» و قد مرّ توضيح وجه الاندفاع بقولنا: «حاصل وجه الاندفاع».

(3) سقط من عبارة جامع المقاصد قوله: «إذا كان للأب ولاية عليه عزله ..».

(4) جواب: «متى ظهر» أي: عزله الحاكم، و منعه من التصرف في مال الطفل.

(5) معطوف على «متى ظهر» يعني: و إن لم يظهر اختلال حال الطفل.

(6) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في جامع المقاصد: «و إن ظهر خلافه». أيّ: و إن بان عدم اختلال حال الطفل فولاية الأب ثابتة.

(7) يعني: و إن لم يعلم الحاكم اختلال حال أبي الطفل استعلم حال الأب بالاجتهاد و التفحّص.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 11، ص 276

ص: 88

[اشتراط جواز تصرف الأب و الجد برعاية المصلحة و عدمه]

و هل (1) يشترط في تصرفه المصلحة، أو يكفي عدم المفسدة، أم لا يعتبر شي ء؟

______________________________

(1) اشتراط جواز تصرف الأب و الجد برعاية المصلحة و عدمه هذا شروع في ثاني الفروع المترتبة على ثبوت ولاية الأب و الجدّ في الجملة، و محصّله: أنّه هل يشترط نفوذ تصرفهما بكونه مصلحة للطفل، أم يكفي عدم المفسدة فيه، و لا يعتبر الغبطة، أم لا يعتبر شي ء منهما، فلهما الولاية المطلقة على مال الصغير كما قيل بها في تصرف المولى في مال مملوكه، لسلطنته عليه؟ فيه وجوه ثلاثة.

و القائل بالاحتمال الأوّل هو المشهور، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه «1».

و القائل بالاحتمال الثاني جمع، منهم كاشف الغطاء قدّس سرّه و إن احتاط في شرح القواعد برعاية المصلحة، قال في العناوين: «ان تصرف الولي مشروط بالمصلحة بالإجماع و ظواهر الأدلة، و لأنّ المتيقن من أدلة الولايات إنّما هو ذلك. و قيل: في الأب و الجد باشتراط عدم المفسدة، و عدم اعتبار المصلحة. و يرشد إلى ذلك إطلاق أدلة ولايتهما، غايته خروج المفسدة بالدليل، و لا دليل على اعتبار المصلحة» «2».

و لم أجد في الكلمات قائلا بالاحتمال الثالث. نعم يتراءى ذلك من كلمات المحقق قدّس سرّه في البيع و الحجر، كقوله: «و الأب و الجدّ يمضي تصرفهما ما دام الولد غير رشيد» «3» لعدم تقييد جواز التصرف برعاية المصلحة، أو عدم المفسدة.

لكن قيل: إنّ الظاهر سوق العبارة لبيان أصل ولايتهما في الجملة، و ليس في مقام بيان الخصوصيات حتى يكون إهمال شرطية المصلحة أو عدم المفسدة بيانا لعدم الدخل.

و لذلك حمل صاحب الجواهر عبارة الشرائع على أحد القولين الأوّلين، حيث قال بعدها:

«المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة، على اختلاف القولين في مال الطفل ..» «4» فلاحظ.

______________________________

(1) شرح القواعد للشيخ الفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) الورقة: 71، العناوين، ج 2، ص 559، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217 و ج 5، ص 256، و استظهر الإجماع من عبارة التذكرة في ص 260، فلاحظ.

(2) شرح القواعد، الورقة 71، و حكاه صاحب الجواهر عنه في ج 22، ص 332

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 15 و 102، المختصر النافع، ص 118 و 141

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 322

ص: 89

وجوه، يشهد للأخير (1) إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعيد بن يسار (2)، و «أنّه (3) و ماله لأبيه» كما في النبويّ المشهور (4)، و صحيحة ابن مسلم: «أنّ الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء»، و ما (5) في العلل عن محمّد بن

______________________________

و يشهد للتقييد بالغبطة قوله في رهن الشرائع: «و لا يجوز له- أي لولي اليتيم- إقراض ماله، إذ لا غبطة» «1». و قوله: «و يجوز لولي الطفل رهن ماله- إذا افتقر إلى الاستدانة- مع مراعاة المصلحة ..» «2».

و كيف كان فاستدل المصنف قدّس سرّه للاحتمال الثالث بوجوه، أوّلها: إطلاق النصوص كالنبوي المشهور «أنت و مالك لأبيك» بتقريب: أنه كما لا ريب في جواز تصرف الأب في مال نفسه مطلقا و إن لم ينتفع به، بل حتى مع الإفساد و الإقدام على الضرر، فكذا لا يشترط جواز التصرّف في مال ابنه بشي ء منهما، لظهور النصّ في تنزيل مال الابن منزلة مال الأب، هذا.

(1) و هو عدم اعتبار شي ء- من المصلحة و عدم المفسدة- في تصرف الولي.

(2) قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ يحجّ الرّجل من مال ابنه و هو صغير؟

قال عليه السّلام: نعم. قلت: يحجّ حجّة الإسلام، و ينفق منه؟ قال: نعم، بالمعروف. ثم قال: يحجّ منه و ينفق منه، إنّ مال الولد للوالد، و ليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه» «3».

(3) معطوف على «أن» أي: إطلاق ما دلّ على أنّ الولد و ماله لأبيه.

(4) الوارد في جملة من النصوص، منها: صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليها في المتن، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيها: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لرجل: أنت و مالك لأبيك» «4».

(5) معطوف على «ما» أي: إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 79

(2) المصدر، ص 78

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 4

(4) المصدر، الحديث: 1، و كذا ورد كلام النبي (ص) في الحديث: 2 و 8 و 9

ص: 90

سنان عن الرضا عليه السّلام من (1) «أنّ علّة تحليل مال الولد لوالده أنّ الولد موهوب للوالد في (2) قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ.

و يؤيّده (3)

______________________________

(1) مفسّر ل «ما» الموصول في قوله: «و ما» و الموجود في المتن يختلف يسيرا عن نصّ الحديث، و هو «أنّ الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه- و ليس ذلك للولد- لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب إليه و المدعوّ له، لقوله عزّ و جلّ ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ. و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك. و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. و لأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» «1».

(2) متعلّق ب «موهوب» و قوله: «ان الولد» خبر قوله: «ان علة».

(3) أي: و يؤيّد الأخير- و هو عدم اشتراط شي ء من المصلحة أو عدم المفسدة في تصرف الولي- أخبار جواز تقويم الجارية، فإنّ إطلاقها ينفي اعتبار شي ء منهما فيه، فيجوز للأب أن يتملّك جارية ابنه ببيع أو صلح لتقع المباشرة في ملكه، و لا فرق في جواز هذا التقويم بين أن يكون بصلاح الابن، أم بضرره، أم بتساوي الطرفين بأن لا يترتب شي ء من الصلاح و الفساد عليه.

و استدلّ صاحب الجواهر قدّس سرّه بهذه الطائفة من النصوص على عدم اعتبار المصلحة في جواز تصرف الأب و الجدّ، فقال: «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما، و المعاملة، و تقويم الجارية، و نحو ذلك، من غير اعتبارها» «2».

و لكن المصنف قدّس سرّه جعل هذه الأخبار مؤيّدة لإطلاق نفوذ تصرف الأب و الجدّ، و لم يجعلها دليلا على المدّعى. و لعلّ وجه التأييد أنها و إن دلّت على نفوذ شراء جارية الابن سواء أ كان بصلاح الولد أم بضرره أم بعدم شي ء منهما، لكنها أخصّ من المدّعى، و هو ولاية الأب على التصرف في جميع أموال الابن، لاحتمال كون الجواز هنا حكما خاصا لخصوصية في البضع تقتضي حليّة تملّك الجارية، و هذه الخصوصية مفقودة في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 9

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 332

ص: 91

أخبار جواز تقويم جارية الابن على نفسه (1).

لكن (2) الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب، كما يشهد له (3) قوله عليه السّلام في

______________________________

سائر الموارد.

و دعوى إلغاء خصوصية المورد، ممنوعة بعدم إحراز المناط. كما لا وجه لدعوى أولوية غير البضع بجواز التصرف.

(1) كما في صحيح أبي الصباح المتقدم في (ص 180) و خبر الحسن بن محبوب، قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: أنّي كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوّجتها، فلم تزل عندها و في بيت زوجها، فرجعت إليّ هي و الجارية، أ فيحلّ لي أن أطأ الجارية؟

قال عليه السّلام: قوّمها قيمة عادلة و أشهد على ذلك، ثم إن شئت فطأها» «1». فليس في هذا الحديث اعتبار شي ء من المصلحة أو عدم المفسدة.

(2) هذا استدراك على ما استشهد به لعدم اشتراط تصرف الأب بشي ء من المصلحة و عدم المفسدة، من إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعد ابن يسار.

و محصل الاستدراك: أنّ إطلاق تلك الروايات مقيّد بما يفيد صحة الوجه الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب في أموال الطفل، حيث إنّ الزائد على قوته سرف، و هو فساد في مال الطفل، لكونه خارجا عن مورد اضطرار الأب. و عليه فلا تصلح الإطلاقات المزبورة لأن تكون دليلا على عدم اشتراط تصرف الأب- في مال الطفل- بشي ء من المصلحة و عدم المفسدة.

فقوله قدّس سرّه: «لكن الظاهر» تضعيف للوجه الأخير، و تقوية للوجه الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب.

(3) أي: يشهد لتقييد الإطلاقات قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في ما رواه الحسين بن أبي العلاء .. إلخ. و وجه الشهادة: أنّ الأب حينما تصرّف في ما ورثه الولد من امّه كان محتاجا إلى هذا المال للإنفاق به على نفسه و ولده. و في مثله حكم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 198، الباب 79 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1

ص: 92

رواية الحسين بن أبي العلاء «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال (1) قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه. قال (2) فقلت له: فقول (3) [قول] رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرجل الذي أتاه فقدّم أباه، فقال (4) له: أنت و مالك لأبيك؟

فقال (5) إنّما جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه، هذا أبي [و قد] (6) ظلمني ميراثي من أمّي، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه و على نفسه، فقال النبي (7) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء، أو كان (8) رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحبس الأب للابن؟» «1».

______________________________

الولد «بأنّك و مالك لأبيك». و لو كان الرجل غنيّا متمكّنا من سدّ خلّته من مال نفسه لم يجز له صرف ما ورثه الولد من امّه، و كان ضامنا له.

و عليه فهذه الرواية و ما بمضمونها تقيّد ان إطلاق جواز التصرف- المستفاد من روايتي ابن مسلم و ابن يسار و غيرهما- بصورة حاجة الأب، هذا.

(1) يعني: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام.

(2) يعني: قال السائل و هو الحسين بن علاء.

(3) كذا في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب. و في نسختنا: «قول رسول اللّه».

(4) أي: فقال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرجل الذي شكا أباه إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك.

(5) أي: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام، يعني فصار الامام عليه السّلام بصدد بيان خصوصية حكم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الولد ب «أنت و مالك لأبيك» و هي احتياج الأب إلى المال للإنفاق على نفسه و عائلته.

(6) كلمة «قد» غير موجودة في نسختنا، و إنّما أثبتناها لموافقته للمصدر و لما في بعض النسخ.

(7) كذا في نسختنا، و لم تذكر كلمة «النبي» في الوسائل.

(8) كذا في نسختنا، و في الوسائل «أ فكان».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 196- 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 8

ص: 93

و نحوها (1) صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لرجل (2) أنت و مالك لأبيك، ثمّ قال عليه السّلام: لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» «1».

فإنّ الاستشهاد بالآية يدلّ على إرادة الحرمة من عدم الحبّ دون الكراهة، و أنه (3) لا يجوز له التصرّف بما فيه مفسدة للطفل.

هذا كلّه، مضافا إلى عموم قوله (4) تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*،

______________________________

(1) أي: و نحو رواية الحسين صحيحة أبي حمزة الثمالي، فإنّها- خصوصا بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة- ظاهرة في الحرمة، و في اعتبار عدم المفسدة في جواز تصرف الأب في مال الطفل. فإرادة الكراهة من «عدم الحبّ» و إن كان صحيحا في موارد أخر، إلّا أن استشهاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالآية لا يلائم الكراهة، و يتعيّن في الحرمة.

(2) كذا في الوسائل و في بعض النسخ، و ليست كلمة «لرجل» في نسختنا.

(3) معطوف على «إرادة» أي: أنّ الاستشهاد بالآية الشريفة يدلّ على أنه لا يجوز للأب .. إلخ.

(4) هذا دليل آخر على الاحتمال الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب و الجدّ في مال الصغير. و تقريبه يتمّ ببيان أمرين:

أحدهما: أنّ المراد باليتيم من فقد أباه قبل بلوغه، كما عرّفه بذلك غير واحد من أهل اللغة، قال الراغب: «اليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه» «2» فالصغير الفاقد لأبيه يتيم و إن كان جدّه حيّا متمكنا من التصدي لأمور الطفل.

ثانيهما: أن المراد ب «الأحسن» إمّا ظاهره، و هو التفضيل، و التصرف الجائز في مال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2، و الحديث هكذا:

«قال: ان رسول اللّه (ص) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر (ع): ما أحبّ [لا تحبّ] أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه .. إلخ». و الآية في سورة البقرة: 205 و ليس فيها «إنّ».

(2) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص 550، لسان العرب، ج 12، ص 645

ص: 94

..........

______________________________

اليتيم هو خصوص ما كان أصلح بحاله، و أنفع له. فلا يجوز بيع شي ء من أموال اليتيم إلّا إذا عاد نفع اليه، فلو لم ينتفع بالبيع حرم ذلك على الولي. و إمّا خصوص الحسن، بانسلاخ صيغة التفضيل عن معناه.

و المراد بالحسن إما مطلق الخير و الصلاح- لا خصوص الأحسن كما كان في الاحتمال الأوّل- فلو كان في بيع مال اليتيم من زيد مصلحة له جاز و إن كان بيعه من عمرو أنفع. و إمّا ما يقابل المفسدة و النقص، فإن كان التصرف موجبا لتضرر الصبي لم يحز، و إن لم يوجبه جاز و إن لم تعد فائدة إلى الطفل. هذا إجمال محتملات الآية، و سيأتي تفصيلها في ولاية عدول المؤمنين، فلاحظ (ص 252).

و هذا الاحتمال الأخير هو مبنى الاستدلال بالآية المباركة على جواز تصرّف الولي في مال الصغير- و ان لم ينتفع به المولّى عليه- ما لم يستلزم الفساد، و احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه في الاتّجار بمال الطفل، فراجع «1».

و بناء على هذين الأمرين يقال في دلالة الآية المباركة على اشتراط جواز التصرف في أموال اليتامى بعدم الإفساد: إنّ المخاطب بحرمة القرب إلى مال اليتيم بما يكون مفسدة فيه عامة المكلفين، حتى الجدّ، لما عرفت من صدق «اليتيم» مع حياة جدّه، فيشترط جواز التصرف في أموال اليتيم برعاية ما هو أحسن أي بخلوّه عن الفساد و النقص المالي.

و عليه فإطلاق صحة التصرف حتى مع الإفساد- المستفاد من إطلاق مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك»- يقيّد بهذه الآية، بعد عدم دلالتها على اشتراط رعاية الأصلح أو ما هو الصلاح.

فإن قلت: إنّ مفاد الآية الشريفة أخص من المدّعى و هو اعتبار جواز تصرف الأب و الجد بعدم المفسدة، و الوجه في الأخصية خروج الأب عن موضوع النهي، لكون المخاطب من يتصرف في مال اليتيم، و هو فاقد الأب. فالآية تثبت الشرط المزبور بالنسبة إلى الجدّ، دون الأب.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 15، ص 22

ص: 95

فإنّ (1) إطلاقه يشمل الجدّ، و يتمّ في الأب بعدم الفصل (2).

و مضافا (3) إلى ظهور الإجماع على اعتبار عدم المفسدة. بل (4) في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع- تبعا لشيخه في شرح القواعد- على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة.

______________________________

قلت: نعم و إن كان الأب خارجا عن الآية موضوعا، لكن يعمّه الحكم ببركة عدم الفصل بينه و بين الجدّ، لأن عدم المفسدة إن كان شرطا في نفوذ التصرف في مال الصغير لم يختلف حكم الأب و الجدّ فيه. و إن لم يكن معتبرا فكذلك. و عليه فالنهي عن القرب بما فيه الفساد يشمل الجدّ بالإطلاق المستفاد من «لا تقربوا» و يلحق به الأب للإجماع المركّب.

(1) يعني: فإنّ إطلاق النهي يشمل جدّ الطفل، بناء على صدق «اليتيم» على من له الجدّ، و عدم انصراف الآية عن الجدّ. فهي تدلّ على حرمة التصرف في مال اليتيم مع المفسدة، سواء أ كان «الأحسن» بمعناه التفضيلي، أم منسلخا عنه و لمحض معنى ثبوت الوصف.

(2) لعدم صدق «اليتيم» مع وجود الأب، فلا تشمله الآية، فلا بدّ من الإجماع على إلحاق الأب بالجدّ حكما، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «ان قلت .. قلت».

(3) هذا دليل آخر على اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل، و هو الإجماع و ظاهره كونه محصّلا لا منقولا و إن كان قد ادعاه صاحب العناوين بقوله:

«و ظاهر الوفاق على جوازهما- أي: جواز الاقتراض من مال الطفل و جواز تقويم جاريته على نفسه- من دون مصلحة بشرط عدم المفسدة» «1».

(4) غرضه التّرقي- من دعوى الإجماع على كفاية عدم المفسدة- إلى ما تضافر نقله من الاتفاق على اشتراط تصرف الأولياء بما فيه صلاح المولّى عليهم، و عدم كفاية خلوّه عن الفساد المالي، فالسيد الفقيه العاملي تبعا لشيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما استظهر

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 560

ص: 96

و ليس (1) ببعيد، فقد صرّح به في محكيّ المبسوط، حيث قال: «و من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة، الأب و الجدّ للأب و وصيّ الأب و الجدّ و الحاكم (2) و من (3) يأمره. ثمّ قال (4) «و كلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه الاحتياط و الحظّ (5) للصغير (6)، لأنّهم (7) إنّما نصبوا لذلك، فإذا تصرّف (8) فيه على

______________________________

الإجماع على توقف جواز تصرف الولي على المصلحة، لا مجرّد عدم المفسدة «1».

و عليه فيقوى الوجه الأوّل، و هو القول بإناطة نفوذ تصرف الأب و الجدّ برعاية المصلحة أو ما هو الأصلح.

(1) يعني: و ليس استظهار الإجماع- على إناطة جواز التصرف بالمصلحة- ببعيد، كما يظهر بملاحظة كلمات الفقهاء، و عدم تعرّضهم لمخالف في المسألة، و قد نقل المصنف قدّس سرّه عبارة شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما، و أشار إلى أنظار جمع كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و غيرهم.

(2) هذه العبارة تختلف عمّا في المبسوط بما لا يغيّر المعنى، كقوله بدل- الحاكم-:

«و الامام أو من يأمره الإمام».

(3) يعني: و من يأمره الحاكم الشرعي للتصدي لأمر الصغير و المجنون.

(4) أي: قال الشيخ في المبسوط: و كلّ هؤلاء .. إلخ.

(5) معطوف على «الاحتياط» و المقصود من الحظّ هو المصلحة و الغبطة للصغير، بأن ينتفع بتصرّف الولي في ماله.

(6) في المبسوط زيادة كلمة «المولّى عليه» هنا.

(7) أي: لأنّ هؤلاء الخمسة نصبهم الشارع للتصرف على وجه الاحتياط و الحظّ للصغير.

(8) عبارة المبسوط هكذا: «فإذا تصرّف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا، لأنّه خالف ما نصب له».

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة: 71، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

ص: 97

وجه لا حظّ فيه كان باطلا، لأنّه (1) خلاف ما نصبوا له» انتهى «1».

و قال الحلّي في السرائر: «لا يجوز (2) للوليّ (3) التصرّف في مال الطفل إلّا بما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه (4) إلى الطفل، دون المتصرّف فيه. و هذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب» (5) انتهى «2».

________________________________________

و قد صرّح بذلك (6) أيضا (7) المحقّق (8).

______________________________

(1) أي: لأن التصرف لا على وجه الاحتياط مخالفة للغرض الذي نصبهم الشارع له. و لا يخفى صراحة عبارة المبسوط في اشتراط تصرف الأولياء برعاية مصلحة الصغير.

(2) أي: لا يصحّ و لا ينفذ، إذ مقتضى شرطية المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل هو بطلان التصرف الفاقد لمصلحة الطفل المولّى عليه، فصارت النتيجة اعتبار المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال اليتيم.

(3) عبارة السرائر هكذا: «لا يجوز للولي و الوصي أن يتصرّف في المال المذكور إلّا ..».

(4) أي: يعود نفع المال إلى الطفل، لا إلى المتصرف في المال و هو الولي.

(5) في السرائر: «أصل المذهب».

(6) أي: باعتبار المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل.

(7) يعني: كما صرّح شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما باشتراط نفوذ تصرف الولي بعود نفع إلى الطفل.

(8) كقوله في كتاب الرّهن: «و يجوز لوليّ الطفل رهن ماله، إذا افتقر إلى الاستدانة، مع مراعاة المصلحة» «3».

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 200، و نقل بعض العبارة السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 111، و صاحب الجواهر في ج 15، ص 20.

(2) السرائر، ج 1، ص 441

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 78، و نحوه في ص 171، و في المختصر النافع، ص 137

ص: 98

و العلّامة (1) و الشهيدان (2) و المحقّق الثاني «1» و غيرهم (3)، بل في شرح الروضة للفضال الهندي: «أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم (4) باعتبار المصلحة من غير استثناء» «2». و استظهر (5) في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي

______________________________

(1) كقوله: «الضابط في تصرف المتولي لأموال اليتامى و المجانين اعتبار الغبطة، و كون التصرف على وجه النظر و المصلحة ..» «3».

(2) كقول الشهيد قدّس سرّه: «و يصحّ رهن مال الطفل مع المصلحة» «4».

(3) كالمحقق الأردبيلي و الفاضل السبزواري و السيد الطباطبائي قدّس سرّهم، و قد نقل السيد العاملي الكلمات في باب الرهن «5»، فراجع.

(4) أي: الحكم باعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل. و وجه تعميم هذا الحكم هو: أنّهم اشترطوا المصلحة في تصرف الناس في مال اليتيم، و لم يستثنوا الأب و الجدّ من هذا الحكم، حتى لا يكون تصرفهما فيه مشروطا بالمصلحة.

و الظاهر أنّ غرض المصنف من الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على إطباق الفقهاء على اعتبار غبطة الصغير، و هذا الإجماع لم يستفد من الكلمات المشار إليها في المتن، فأراد الفاضل الهندي دعوى اتفاق المتقدمين على هذا الحكم.

(5) حيث قال بعد نقل عبارة التذكرة المتقدمة آنفا: «و ظاهره أنه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين .. إلخ» «6».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 87، و ج 5، ص 72

(2) المناهج السوية (مخطوط)، ص 6

(3) تذكرة الفقهاء، (الطبعة الحجرية) ج 2، ص 80، و تكرر أيضا في ص 14 و 81 و 82 و 83، قواعد الأحكام، ج 2، ص 21 و 112 و ص 135، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360 و 392

(4) اللمعة الدمشقية، ص 118 (كتاب الرهن)، الدروس الشرعية، ج 3، ص 318 و 403، و لاحظ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه في الروضة، ج 4، ص 73، و في المسالك، ج 3، ص 166 و ج 4، ص 35

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 4، ص 14 و ج 6، ص 77 و ج 8، ص 153 و ج 9، ص 151، كفاية الأحكام، ص 89 و 108، رياض المسائل، ج 9، ص 209 (الطبعة الحديثة)، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 111

(6) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 260

ص: 99

الخلاف في ذلك (1) بين المسلمين.

و قد حكي (2) «1» عن الشهيد في حواشي القواعد: «أنّ قطب الدين قدّس سرّه نقل عن العلّامة رحمه اللّه: أنّه (3) لو باع الوليّ بدون ثمن المثل لم لا ينزّل (4) منزلة الإتلاف بالاقتراض؟ لأنّا قائلون بجواز اقتراض ماله، و هو (5) يستلزم جواز إتلافه. قال: (6)

______________________________

(1) أي: في اشتراط تصرف الولي في مال اليتيم بالمصلحة.

(2) الظاهر أنّ الغرض من بيان ما حكاه الشهيد قدّس سرّه: الإشارة إلى مناقشة العلامة قدّس سرّه في اعتبار المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل، و هي: أنّ الأصحاب القائلين باعتبار المصلحة قائلون بجواز اقتراض مال الطفل، مع كونه في معرض التلف، لاحتمال عدم الوفاء. و هذا يقتضي تنزيل البيع بدون ثمن المثل منزلة إتلاف مال الصغير بالاقتراض.

و عليه فلا يعتبر المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل. و لكن العلامة قدّس سرّه توقف في الذهاب إلى عدم اعتبار المصلحة- في تصرفهما في ماله- حذرا عن مخالفة الأصحاب.

(3) مفعول «نقل»، و ضمير «أنه» للشأن.

(4) يعني: لم لا ينزّل بيع الولي بأقلّ من ثمن المثل منزلة الإتلاف بسبب الاقتراض؟

(5) يعني: و الحال أنّ جواز الاقتراض يستلزم جواز إتلاف مال الطفل.

(6) يعني: قال قطب الدين: و توقّف العلامة زاعما أنه لا يقدر على مخالفة الأصحاب.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

ص: 100

«و توقّف زاعما أنّه لا يقدر على مخالفة الأصحاب» هذا [1].

[الأقوى كفاية عدم المفسدة]

و لكن الأقوى (1) كفاية عدم المفسدة، وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم (2)،

______________________________

(1) هذا مختار المصنف قدّس سرّه، و محصله: أنّ الأقوى من الوجوه الثلاثة وسطها، و هو كفاية عدم المفسدة في صحة تصرفات الأب و الجدّ، و عدم إناطتها بالمصلحة، فضلا عن الأصلح.

(2) كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء و نجله صاحب أنوار الفقاهة و المحقق القمي. ففي كشف الغطاء: «و لولاية الإجبار كولاية الأب و الجدّ ما ليس لغيرها، فلا يعتبر فيها سوى عدم الفساد .. إلخ» و نحوه في شرح القواعد.

لكنّه قال- بعد ترجيح هذا القول على مراعاة المصلحة- ما لفظه: «و الاقتصار على ما ذكره الفقهاء و تنزيل الروايات أوفق في النظر، و أسلم من الخطر ..» «1».

و قال في أنوار الفقاهة: «و بحكم المالك: الأب النسبي .. و الجدّ للأب .. فإنّ لهما معا .. ولاية إجبارية لا تراعى بالمصلحة. نعم لو أفسدا بطل تصرفهما فيما أفسدا به ..» «2».

و قال المحقق القمي: «فنصب الولي إنما هو لأجل دفع الفساد و حفظ المال .. و في خصوص الأب و الجد دائرة الرخصة أوسع، إذ لم يشترط فيه الملاءة كما بيّناه في المناهج

______________________________

[1] الظاهر أنّ منشأ مناقشة العلامة قدّس سرّه المقتضية للذهاب إلى ولاية الأب و الجدّ- حتى مع المفسدة- هو الروايات الدالة على أنّ مال الولد للوالد. فكلّ تصرف و لو مع المفسدة من الأب و الجدّ في مال الصغير جائز، و لا يشترط فيه المصلحة.

لكن فيه: أنّه يقيّد بما إذا كانت المفسدة من جهة نفقة الأب و الجدّ، لا مطلقا، فلا يعمّ جميع موارد المفسدة كالبيع بما دون ثمن المثل.

______________________________

(1) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) البحث الثاني و الأربعون من المقدمة، شرح القواعد (مخطوط) الورقة 71

(2) أنوار الفقاهة، مجلّد المتاجر، ص 100 (مخطوط).

ص: 101

لمنع (1) دلالة الروايات (2) على أكثر من النهي عن الفساد، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدّمة (3) الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد و ماله.

و أمّا الآية الشريفة، فلو سلّم دلالتها (4)

______________________________

في كتاب المكاسب، و الغنائم في كتاب الزكاة ..» فراجع «1».

و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه- بعد المناقشة في الإجماع على اعتبار المصلحة- ما لفظه: «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما- أي للأبوين- و المعاملة، و تقويم الجارية، و نحو ذلك من غير اعتبارها- أي المصلحة-» إلى أن قال:

«نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما، مع أن الأحوط فيهما و في غيرهما مراعاة المصلحة، كما اعترف به الأستاد في شرحه» «2».

و على هذا فلم يظهر ترجيح القول بكفاية عدم المفسدة من صاحب الجواهر «3».

(1) تعليل لقوله: «لكن الأقوى» و محصله: أنّ الروايات لا تدلّ على أكثر من النهي عن الفساد أي التصرف المقرون بالفساد، فالمنهي عنه هو التصرف الفاسد. فعدم المفسدة كاف في صحة تصرف الأب و الجد في مال الطفل، و ليس صحته مشروطة بالمصلحة فضلا عن الأصلح.

(2) و هي: رواية الحسين بن أبي العلاء، و صحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدمتان.

(3) و هي رواية سعيد بن يسار و صحيحة محمد بن مسلم و رواية محمّد بن سنان.

و هذه الأخبار مطلقة شاملة للوجوه الثلاثة من الأصلح و المصلحة و عدم المفسدة، و لم يخرج منها إلّا صورة المفسدة، فيجوز التصرف مع عدم المفسدة و إن لم يكن مصلحة.

(4) أي: دلالة الآية على اعتبار المصلحة. غرضه من قوله: «فلو سلم» ما قيل أوّلا:

من أنّه لا نسلّم دلالة الآية على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، إمّا

______________________________

(1) جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ج 1، ص 192 و 193

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 332

(3) لاحظ ج 15، ص 22، و ج 25، ص 165 و ج 28، ص 297

ص: 102

فهي (1) مخصّصة بما دلّ على ولاية الجدّ و سلطنته الظاهرة (2) في أنّ له أن يتصرّف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له، فإنّ (3) ما دلّ على ولاية الجدّ في النكاح معلّلا بأنّ

______________________________

لانصرافها إلى الأجانب، و عدم شمولها للأجداد. و إمّا لاحتمال عدم صدق اليتيم على الطفل مع حياة جدّه.

مع أنّ كلمة «أحسن» في الآية الشريفة ليست مسوقة لبيان معناها التفضيلي، بل سيقت لبيان غيره و هو الحسن المراد به عدم الحرج، و التصرف غير المفسد حسن.

و هذا يلائم عدم المفسدة.

و عليه فلا تدلّ الآية على اعتبار المصلحة في نفوذ تصرّف الولي في مال اليتيم.

و ثانيا:- بعد تسليم دلالتها على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم- أنّها مخصّصة بأدلة جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة. و مقتضى هذا التخصيص كفاية عدم المفسدة في جواز تصرف الجد في مال الطفل، و عدم اعتبار المصلحة في جوازه.

(1) يعني: فالآية مخصّصة، هذا هو الجواب الثاني المذكور آنفا بقولنا: «و ثانيا بعد تسليم دلالتها .. إلخ».

(2) الظاهر أنه نعت ل «ما الموصول» المراد به الأدلة، و هي الإطلاقات الدالة على ثبوت الولاية. و ليست «الظاهرة» صفة ل «سلطنته» لعدم ذكرها في الأدلة، و إن كانت محتملة، لاستفادة السلطنة من تلك الأدلة و إن لم تشتمل هي على لفظ السلطنة.

(3) تعليل للظهور في أنّ للجدّ التصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة لمال الطفل، و ظهور الأدلة في جواز تصرف الجدّ في مال ولد ولده- بما ليس فيه مفسدة- إنّما هو بعد تقييدها بما دلّ على عدم جواز الإسراف، ضرورة أنّها مع الغضّ عن هذا التقييد تعمّ جميع الصور حتى صورة وجود المفسدة.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه استظهر ولاية الجدّ- بما ليس فيه مفسدة- من طوائف ثلاث من النصوص.

الاولى: ما دلّ على ولاية الجدّ في التزويج، و تقدّم ما يختاره على ما يختاره الأب،

ص: 103

..........

______________________________

كرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوي أن يزوّج أحدهما، و هوى أبوه الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح؟

قال: الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية، لأنّها و أباها للجدّ» «1» بتقريب: أنّ مورد السؤال دوران أمر تزويج البنت بين من يهواه الجدّ، و من يهواه الأب مع فرض عدم سبق عقد أحدهما عليها. و أجاب عليه السّلام بتقديم رأي الجدّ، معلّلا بأنّ البنت و أباها يتعلقان بالجدّ.

و من المعلوم أنّ أولوية الجدّ بأمر النكاح تقتضي أولويته من الأب في الأموال. نعم لا بدّ من تقييد إطلاق ولاية كل منهما، بما لا يترتب عليه مفسدة كما لا يخفى.

الثانية: ما دلّ على أنّ الولد و ماله للأب، و هو النبوي المشهور المتقدم في عدة من النصوص: «أنت و مالك لأبيك».

و هذه الجملة تارة تدلّ بالمطابقة على جواز تصرّف الوالد في مال ولده، كما في الأخبار التي استند الأئمة عليهم الصلاة و السلام إلى النبوي لإثبات مشروعية أخذ الوالد من أموال ولده، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم: «و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء .. و ذكر ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لرجل: أنت و مالك لأبيك» فيجوز تصرف الأب في مال ابنه مطلقا و إن لم يكن فيه مصلحة، نعم يقيّد الجواز بالتصرف المفسد.

و اخرى بالفحوى، بتقريب: أنّ سلطنة الجدّ على تزويج بنت ابنه تقتضي- بالأولوية القطعية- سلطنته على التصرف في الأموال. و هذه الولاية غير مقيدة بالغبطة و المصلحة، فهي ثابتة مطلقا و إن لم تكن بصلاح المولّى عليه، نعم يقيّد بما لا فساد فيه.

و تستفاد هذه الفحوى من رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح .. الأمير، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني. فقال زياد لجلسائه الّذين عنده: ما تقولون في ما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل. قال: ثمّ أقبل عليّ، فقال: ما تقول يا أبا عبد اللّه، فلمّا سألني

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 219، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8

ص: 104

البنت و أباها للجدّ (1). و قوله (2) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك»

______________________________

أقبلت على الّذين أجابوه، فقلت لهم: أ ليس في ما تروون أنتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك؟ قالوا: بلى. فقلت لهم: فكيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه، و لا يجوز نكاحه؟

قال: فأخذ بقولهم، و ترك قولي» «1».

و استشهاد الامام عليه السّلام بكلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظاهر في كون «مالك» بفتح اللام، لكونه عليه السّلام بصدد إثبات ولاية الجدّ على تزويج البنت، و هو فعل متعلق بالبضع، لا المال المعهود.

الثالثة: ما دلّ على ثبوت الولاية للجدّ على تزويج بنت ابنه، و لم يعلّل بما علّل به في معتبرة علي بن جعفر المتقدمة، و يتم ولايته في أموال الصغير بالفحوى، كمعتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه. و لابنه أيضا أن يزوّجها. فقلت: فإن هوى أبوها رجلا، و جدّها رجلا؟ فقال: الجدّ أولى بنكاحها» «2».

و الحاصل: أنّ النصوص المتقدمة بطوائفها الثلاث تثبت ولاية الجدّ على التصرف في أموال الطفل مطلقا و إن لم يكن أحسن بحال المولّى عليه. فالآية الشريفة الناهية عن القرب بمال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن تخصّص بهذه الأخبار الظاهرة في نفوذ التصرف ما لم يستلزم النقص و الفساد، و أما الصلاح و الأصلح فغير معتبر، هذا.

(1) هذا إشارة إلى الطائفة الأولى ممّا يصلح للتصرف في ظاهر الآية، و اختصاص القرب المنهي عنه بما يستلزم الفساد.

(2) معطوف على الموصول في «ما دلّ» أي: فإنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ..، و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية، و هي استشهاد الأئمّة الأطهار عليهم السّلام بالحديث النبوي على نفوذ تصرف الأب في مال ولده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 5

(2) المصدر، ص 217، الحديث: 1

ص: 105

خصوصا (1) مع استشهاد الإمام عليه السّلام به (2) في مضيّ نكاح الجدّ بدون إذن الأب، ردّا على من أنكر ذلك (3)، و حكم (4) ببطلان ذلك من (5) العامّة في مجلس بعض الأمراء (6)، و غير ذلك (7)، يدلّ (8) على ذلك (9).

مع (10 أنّه لو سلّمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجدّ،

______________________________

(1) وجه الخصوصية ما عرفته آنفا من أنّ ولاية الجدّ على البضع- المدلول عليها بالنبوي- تقتضي ولايته على المال بالفحوى.

(2) أي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك».

(3) أي: أنكر مضيّ نكاح الجد بدون إذن الأب، و المنكر علماء العامة المجالسون للوالي.

(4) معطوف على «أنكر» يعني: و حكم ذلك المنكر ببطلان نكاح الجدّ بدون إذن الأب.

(5) هذا بيان ل «من» الموصول في قوله: «من أنكر».

(6) هو زياد بن عبد اللّه المذكور في رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(7) أي: غير ما دلّ على ولاية الجد معلّلا، و غير قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» و هذا الغير إشارة إلى الطائفة الثالثة ممّا يقتضي تخصيص الآية الشريفة.

(8) هذا خبر «إنّ» في قوله: «فإنّ ما دلّ» المتقدم في (ص 103).

(9) أي: على كفاية عدم المفسدة في تصرفات الجد في مال الطفل.

(10) هذا جواب ثالث عن الاستدلال بالآية على رعاية مصلحة الصغير.

و حاصله: أنّه لو سلّمنا عدم تخصيص آية «و لا تقربوا» بما دلّ على جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة، و قلنا بشمول إطلاق النهي في الآية المباركة مع دلالتها على اعتبار المصلحة للجدّ أيضا، وجب الاقتصار على التصرف ذي المصلحة في الجد دون الأب، إذ لا تشمله الآية، لعدم اليتم مع وجود الأب، فحينئذ يجوز للأب التصرف في مال طفله و لو بدون المصلحة. فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في الجد دون الأب.

ص: 106

دون الأب. و دعوى (1) عدم القول بالفصل ممنوعة (2)، فقد حكي عن بعض (3)

______________________________

(1) الغرض من هذه الدعوى إثبات التساوي بين الأب و الجدّ في عدم جواز التصرف في مال الطفل إلّا مع المصلحة استنادا إلى عدم القول بالفصل، بدعوى: أنّه لم يفصّل بين تصرف الأب و الجد في مال الطفل، فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في حقّ كلّ من الأب و الجدّ، و لا يختص بالجد.

(2) خبر «دعوى» و دفع لها، و حاصله: وجود القول بالفصل بينهما عن بعض متأخري المتأخرين، حيث قال ذلك البعض بجواز اقتراض الأب المعسر- المحتاج- من مال الصغير، دون الجدّ، فإنّه لا يجوز له ذلك.

(3) و هو المحقق الثاني قدّس سرّه، أفاد ذلك في شرح قول العلامة: «و لو ضمن- أي الولي- و اتّجر لنفسه و كان مليّا ملك الربح، و استحب له الزكاة. و لو انتفى أحدهما ضمن، و الربح لليتيم و لا زكاة» «1» فإنّ مقتضى إطلاق «الولي» عدم الفرق بين الأب و الجدّ في الضمان على تقدير الإعسار، كما يضمن غير الولي لو اتّجر بمال الطفل مع الملاءة. و علّق عليه المحقق الثاني بقوله: «يستثنى من ذلك الأب و إن كان معسرا» «2».

و ظاهره اختصاص الأب- من سائر الأولياء- بحكم، و هو جواز الاقتراض من مال ولده و الاتّجار به و عدم ضمانه. و مقتضى هذه العبارة القول بالفصل بين الأب و الجدّ، فلا يجوز للجدّ المعسر أن يقترض من مال الطفل ليتّجر به، بل يضمنه لو تلف.

و كيف كان فيكفي في منع دعوى الإجماع المركّب وجود القول بالفصل بين تصرف الأب و الجدّ. و عليه فلا وجه لما تقدم في (ص 96) في الاستدلال بالآية الشريفة من دعوى عدم القول بالفصل.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 1، ص 329

(2) جامع المقاصد، ج 3، ص 5، و لاحظ أيضا مفتاح الكرامة، ج 3، ص 7، في اشتراط الملاءة، لكنّه سوّى بين الأب و الجد، كما نسبه صاحب المدارك أيضا إلى المتأخرين، فراجع ج 5، ص 19، مع اقتصار المحقق الكركي على الأب خاصة.

ص: 107

متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما (1) في الاقتراض مع عدم اليسر.

[مشاركة الجدّ و إن علا للأب]

ثمّ (2) لا خلاف ظاهرا- كما ادّعي (3)- في أنّ الجدّ و إن علا يشارك الأب في الحكم (4).

______________________________

(1) أي: بين الأب و الجدّ. هذا تمام الكلام في الفرع الثاني و هو اشتراط صحة التصرف بالمصلحة أو بعدم المفسدة.

(2) مشاركة الجدّ و إن علا للأب هذا إشارة إلى فرع ثالث ممّا يتعلق بولاية الأب و الجد على التصرف في أموال الصغير، و هو تعدّي الحكم إلى أب الجدّ و جدّ الجد، كما إذا كان للطفل أب و هو زيد، و جدّ و هو عمرو، و أب جدّ و هو بكر، و جدّ جدّ و هو بشر، فإنّه لا ريب- كما تقدم- في ثبوت الولاية لزيد و عمرو، و هل يشارك بكر و بشر زيدا في الولاية و جواز المزاحمة كما جاز للجدّ و هو عمرو؟ أم أنّها مختصة بالجدّ الداني أعني عمرا؟

اختار المصنف وفاقا لغيره مشاركة أب الجدّ و جدّ الجد لوالد الطفل في ثبوت الولاية لهما على الصغير، و استدلّ عليه- بعد حكاية الإجماع- بطائفتين من الأخبار، و سيأتي بيانهما.

قال في الجواهر: «ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجدّ- و إن علا- مع الأب، للصدق، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة» «1».

(3) المدّعي لعدم الخلاف هو السيّد المجاهد قدّس سرّه، لقوله: «المراد بالجدّ هنا أب الأب و إن علا، كما صرّح به في التذكرة و الروضة و المسالك و الكفاية و الرياض، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه» «2».

(4) و هو جواز التصرف في مال الصغير مع عدم المفسدة.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 210، و لكنه تنظر فيه في كتاب الحجر، فراجع ج 26، ص 102

(2) المناهل، ص 105

ص: 108

و يدلّ عليه (1) ما دلّ على أنّ الشخص و ماله- الذي منه مال ابنه- لأبيه، و ما دلّ (2) على أنّ الولد و والده لجدّه.

[لو فقد الأب و بقي الجدّ الأدنى و الأعلى]

و لو فقد (3) الأب و بقي الجدّ،

______________________________

(1) أي: و يدلّ على أنّ الجدّ- و إن علا- يشارك الأب في الحكم ما دلّ .. إلخ.

و هذا إشارة إلى الطائفة الاولى، و هي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فقلت لهم: فكيف يكون هذا هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟» فإنّه عليه السّلام استظهر من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» أمرين:

أحدهما: كون مال الولد للوالد.

و ثانيهما: كون نفس الإنسان و ما بيده من المال ملكا لوالده، أي لجدّ المولّى عليه.

و كذا يقال بالنسبة إلى أب الجدّ، فإنّ جدّ الصغير و ما بيده من أموال نفسه و ولده و حفيده كلّها لأب الجدّ. و لو كان جدّ الجدّ حيّا كانت له الولاية على أب الجدّ و أولاده.

(2) معطوف على «ما دلّ» و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية، و هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام المعلّلة بأنّ «الجارية و أباها للجدّ». فكذا يقال بمقتضى معمّميّة التعليل: إنّ الجدّ و ولده و بنت ولده يكونون لأب الجدّ، و هكذا بالنسبة إلى جدّ الجدّ.

و على هذا فلو هوى أب الجارية أن يزوّجها من رجل، و هوى جدّ جدّها تزويجها من رجل آخر لم يكن عبرة بقول الأب. هذا في النكاح. و تثبت الولاية على الأموال بالفحوى، كما تقدم في (ص 104).

(3) لو فقد الأب و بقي الجدّ الأدنى و الأعلى هذا فرع رابع ممّا يتعلق بولاية الأب و الجدّ، و هو حكم ولاية الأجداد عند فقد الأب، كما إذا كان لزيد ولد و أب و جدّ- و هو والد أبيه- و مات زيد، فهل تكون ولاية ولد زيد لوالد زيد الذي هو جدّ الولد، أم لوالد والد زيد، الذي هو جدّ زيد؟ فيه قولان، قال السيد المجاهد: «و هل الأجداد في مرتبة واحدة، فكلّهم أولياء بالاستقلال، أولا؟ بل الأقرب إلى الأب يمنع الأبعد. صرّح بالثاني في جامع المقاصد و المسالك

ص: 109

فهل أبوه و جدّه [أو جدّه (1)] يقوم مقامه (2) في المشاركة أو يخصّ هو (3) بالولاية؟

قولان: من (4) ظاهر أنّ الولد و والده لجدّه، و هو المحكيّ عن ظاهر جماعة،

______________________________

و الكفاية. و يظهر الأوّل من إطلاق الشرائع و النافع و التبصرة و الإرشاد و التحرير و القواعد و التذكرة و الدروس و اللمعة و كنز العرفان و الروضة و الرياض» «1».

و مورد كلامه قدّس سرّه و إن كان تزاحم الأجداد من دون تعرّض لموت الأب، إلّا أنّ المقصود بيان من يقدّم قوله من الأجداد، و لا فرق فيه بين وجود الأب و فقده بعد ثبوت أولوية الجدّ من الأب.

(1) اختلفت النسخ في عطف الجدّ على الأب بالواو، و ب «أو» ففي النسخة المصححة المعتمد عليها العطف ب «أو» و يكون مقصود المصنف قدّس سرّه بيان أنّ أب المفقود تثبت له الولاية بالأصالة على ما تقدّم من كون الجدّ كالأب وليّا على الصغير، و لكن هل تختص الولاية به؟ لفرض فقد الأب فيستقل بالتصرف، أم يشاركه غيره، و هذا الغير إمّا أب الجدّ و إمّا جدّ الجدّ.

و على هذا فالأنسب بسياق العبارة إرجاع ضميري «أبوه، جدّه» إلى «الجدّ» ليكون الغرض تحديد من يشارك جدّ الطفل. و لو أرجعنا الضميرين إلى الأب المفقود لزم كون أحد المشاركين هو أب الأب، من دون ذكر للمشارك، مع أنّ أب الأب- و هو جدّ الطفل- له شركة في الولاية لو لم يختصّ بها. و عليك بالتأمل في العبارة.

(2) أي: مقام الأب المفقود.

(3) أي: أب المفقود- أعني به جدّ الصغير- يختصّ بالولاية.

(4) هذا دليل ولاية أبي الميت و جدّه على الطفل، و حاصله: أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ «الولد و والده لجدّه» هو كون ولاية الطفل لأبي الميت و جدّه، كما حكي عن جماعة.

قال في الجواهر: «لكن قد يظهر من خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام أولوية

______________________________

(1) المناهل، ص 105، و هو المراد من الحاكي في قول الماتن: «المحكي عن جماعة».

ص: 110

و من (1) أنّ مقتضى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* «1» كون القريب أولى بقريبه من البعيد. فنفى (2) ولاية البعيد، و خرج منه (3) الجدّ (4) مع الأب، و بقي الباقي (5).

______________________________

الجدّ، باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط» «2».

(1) هذا دليل القول الثاني، و هو: اختصاص الولاية بأبي الميت الذي هو الجدّ الأدنى للطفل، و محصل هذا الدليل: أنّ مقتضى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* أولوية القريب من البعيد، و القريب هنا هو أبو الميت الذي هو الجدّ الأوّل للطفل، فإنّه أقرب إلى الطفل من جدّ الميت الذي هو الجدّ الثاني للطفل.

فإن قلت: الآية الشريفة- بمقتضى كون الأولوية فيها تعيينية لا تفضيلية- تنفي ولاية البعيد مع وجود القريب، و لازمه عدم مشاركة الجدّ أصلا للأب، لظهور الآية في اختصاص القريب بالولاية، و من المعلوم أنّ القريب إلى الطفل هو الأب، و معه لا وجه لولاية الجدّ أصلا، سواء أ كان هو الأدنى أم الأعلى.

قلت: نعم، الأولوية التعيينية تنفي ولاية ما عدا الأب، حتى الجدّ القريب، لكن النصوص أخرجت هذا الجدّ من العموم، و حكمت بولايته على الحفيد، و أمّا سائر الجدود فلا ولاية لهم بمقتضى الآية.

(2) يعني: فنفى قوله تعالى ولاية البعيد، أي: الجدّ العالي، و هو جدّ الأب المتوفّى.

(3) أي: خرج من عموم قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ* و قد عرفت توضيح هذا الخروج بقولنا: «ان قلت .. قلت».

(4) أي: جدّ الصغير، إذ له الولاية المشتركة مع أب الطفل لو كان الأب حيّا.

(5) و هو أبو الجدّ و جدّ الجدّ، فإنّه لا ولاية لهم، لأنّ القريب إلى المولّى عليه هو الجدّ الأدنى لا سائر الجدود.

______________________________

(1) الأنفال، الآية 75، الأحزاب، الآية 6

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 211

ص: 111

و ليس (1) المراد من لفظ «الأولى» التفضيل مع الاشتراك في المبدء، بل هو نظير قولك: «هو أحقّ بالأمر من فلان» و نحوه (2). و هذا (3) محكيّ عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية.

______________________________

(1) هذا دفع توهم، و هو: أنّ الآية تدلّ على ولاية اولي الأرحام، الّذين منهم جدّ الأب، مع أحقيّة بعضهم- و هو أب الأب- و هذا ضدّ المقصود، أعني به نفي الولاية عن جدّ الأب، و إثباته لأبيه.

و محصل الدفع: أنّ هذا التوهم ناش من إرادة المعنى التفضيلي من كلمة «أولى» لكنه ليس كذلك، لإرادة التعيين منها، كما في آية الإرث، و كما في قولك: «فلان أحقّ بالخلافة من فلان» و كقوله عليه السّلام: «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» و كما في الزوجة المتوفى عنها زوجها بعد العدة من قوله عليه السّلام: «هي أملك بنفسها» فإنّ صيغة التفضيل يراد منها أصل الوصف، من دون النظر إلى زيادته بالنسبة إلى فرد آخر.

(2) نظير قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا و آله و عليه السلام «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ» فإنّ «الأحبّ» منسلخ عن المعنى التفضيلي، و إلّا يلزم حبّه عليه السّلام بما أرادته تلك المرأة منه، و يوسف عليه السّلام منزّه عن ذلك.

(3) يعني: و هذا القول الثاني حكاه السيد المجاهد قدّس سرّه- في عبارته المنقولة آنفا- عن المحقق و الشهيد الثانيين و الفاضل السبزواري. قال في المسالك: «و أمّا إقامة الجدّ مع أبيه مقام الأب مع الجدّ فعدمه أقوى».

و لم أجد تصريح المحقق الثاني بالعدم، و إنما قال: «و هل يكون للجدّ الأعلى مع الجدّ الأدنى ولاية؟ فيه نظر» «1». و لعل السيد المجاهد ظفر بكلام آخر في جامع المقاصد أو فوائده على الشرائع أو غيره، فنسب القول بالعدم إليه. كما لم أجد في الكفاية- بعد التتبع في البيع و الحجر و الوصية و النكاح- ما يدلّ على المطلب، فراجع.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 7، ص 171، جامع المقاصد، ج 5، ص 187

ص: 112

و للمسألة (1) مواضع أخر تأتي إن شاء اللّه [1].

______________________________

(1) أي: و لمسألة ولاية الأب و الجدّ على الطفل مواضع أخر كالزكاة و الحجر و النكاح، فما تقدّم من الأبحاث ليس استقصاء لجميع أطراف المسألة، فلاحظ.

______________________________

[1] ينبغي قبل التعرض لأدلة ولاية الأب على الصغير بيان ما هو الأصل في المسألة، فنقول و به نستعين:

لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل عدم سلطنة أحد على غيره، لا في نفسه و لا في ماله.

و أمّا بعد أن ثبتت بإطلاق أدلتها، فلو شك في اعتبار شي ء في ولاية الأب و الجدّ فمقتضى الإطلاقات عدم اعتباره.

فالمراد بالأصل هو الإطلاق اللفظي، لا الأصل العملي كما هو ظاهر المتن، و ذلك لأنّ الأصل العملي يقتضي عدم نفوذ التصرف في مال أحد بلا وجه شرعي. فالأصل يثبت اعتبار العدالة في الولي، لأنّ المتيقّن من التصرف هو تصرف العادل، و لا يثبت عدم اعتبارها بالأصل. و عطف «الإطلاقات» على الأصل كالنص في أنّ المراد بالأصل هو الأصل العملي.

لكن لم يظهر المراد منه، إذ لو أريد به أصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة، فإن رجعت إلى إطلاق أدلة الولاية فليست دليلا على حدة في مقابل الإطلاق. و إن رجعت إلى غيره فلا أصل له، لحكومة ما دلّ على عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و بالجملة: فالدليل على عدم اعتبار العدالة هو إطلاق أدلة الولاية. و مع الغض عنه يقتضي الأصل العملي اعتبارها.

ثم إنّه قد استدل على الولاية بأخبار مستفيضة مشتملة على طوائف أشير إليها في التوضيح.

و نوقش في الاستدلال بها. أمّا في الطائفة الاولى و هي نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه فبأخصيّتها من المدّعى، و عدم المجال لدعوى عدم الفرق بين موردها و بين غيره. و ذلك لاحتمال كون جواز التقويم لأجل احتياجه إلى الجارية، كما في الإنفاق على نفسه، هذا.

لكن هذه المناقشة مندفعة، إذ في أخصيّتها أوّلا: أنّ تقويمها قيمة عدل يدلّ على لزوم

ص: 113

______________________________

حفظ ماليّة مال الصغير عادلة على الولي، و هو الأب. و هذا هو الضابط و المعيار في جواز تصرفه في مال الطفل، فلا خصوصية في المورد.

و ثانيا: أنّه لا وجه للحمل على الحاجة أوّلا، لكونه خلاف الظاهر، بل السؤال عن حكم العنوان الأوّلي دون الثانوي الاضطراري.

و بعبارة أخرى: وقع السؤال عن جواز وطئها بالعنوان الأوّلي.

و ثانيا: أنّه لا دليل على كون حاجته مجوّزة للتقويم المزبور.

هذا كله مضافا إلى: أنّه بعد تسليم الأخصية لا مانع من التعدّي عن مورده بالأولوية، لأهمية البضع من المال. فالتمسك بنصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه لإثبات ولاية الأب على الطفل في محلّه، هذا.

و أما في الطائفة الثانية- و هي أخبار الوصية- فبعدم دلالتها على جواز تصرف الوصي في مال كان للصغير في حال حياة الأب- كإرثه من أمّه، لأنّها إنّما تدل على جواز تصرفه في مال يملكه الطفل من تركة أبيه، هذا.

لكن فيه: أنّ ظاهر قول السائل: «و بمال لهم» هو التوصيف الفعلي، و كون الظرف مستقرّا، يعني: و بمال ثابت لهم، لا بمال يحصل لهم بموت أبيه. فتدلّ هذه الطائفة على جواز تصرف الوصي في مال الطفل في حال حياة الموصى، لا بعد موته حتى يقال: إنّ تصرف الوصي في مال الطفل هو تصرف الوصي بالتسبيب.

و أمّا الطائفة الثالثة- و هي أخبار التجارة بماله- فبما مرّ في الطائفة الثانية من عدم دلالتها على التجارة بمال الطفل زمان حياة أبيه، و إنّما تدل على جواز التجارة بماله بعد موت أبيه، و هذا تصرف من أبيه، للوصية الموجبة لاتصال تصرفات حياته بتصرفاته بعد موته.

لكن قد عرفت ما فيه.

و أمّا الطائفة الرابعة- التي لا بدّ من البحث في مفادها حتى يتضح صحة الاستدلال بها على ثبوت ولاية الأب و الجد على الطفل و عدم ثبوتها- فهي على صنفين:

أحدهما: ما يدلّ على حلية مال الولد للوالد مثل معتبرة محمّد بن مسلم عن

ص: 114

______________________________

الصادق عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء بغير سرف.

و قال في كتاب على عليه السّلام: إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ..» «1» الحديث، و غير ذلك من الروايات.

و ثانيهما: ما يدل على: أنّ مال الولد للوالد بدون ذكر الولد، كرواية يسار، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم. قلت: يحجّ حجة الإسلام و ينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف. ثم قال: نعم يحج منه و ينفق منه، إنّ مال الولد للوالد» «2».

أو مع ذكر الولد، كما في النبوي المعروف في رجل استعدى أباه: «أنت و مالك لأبيك» و قد وقع في جملة من الأخبار «3».

أمّا الصّنف الأوّل فالظاهر أنّه ليس في مقام إثبات الولاية للأب على ابنه، بل سيق لبيان جواز أخذ الأب مقدار نفقته من مال ولده، لأنّه مع فقره ممّن تجب نفقته على الولد الغني.

فهو أجنبي عن مسألة ولاية الأب عليه.

و أمّا الصّنف الثاني فلا بد من التكلم فيه حتى يظهر حقيقة الحال، فنقول و به نستعين:

إنّ اللام في نفسها في «لأبيك» تصلح للملك و الولاية و السلطنة على الانتفاع بالولد و بماله، لكن لا يمكن إرادة الملك منها هنا، إذ المفروض حرّية الولد و عدم صيرورته ملكا لأحد. و كذا ماله المضاف إليه، فإنّه لا يعقل كون مال واحد في زمان واحد مضافا بهذه الإضافة بنحو الاستقلال إلى شخصين.

و حمل اللّام على الولاية ينافيه ورود «لأبيك» تارة في خصوص الولد الكبير، لعدم ولاية الأب على ولده الكبير و لا على ماله شرعا قطعا، و إخراج المورد قبيح. و اخرى في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1 و نحوه الحديث: 2

(2) المصدر، الحديث: 4

(3) المصدر، ص 197، الحديث 8 و 9

ص: 115

______________________________

الأعم منه و من الصغير.

و حمل اللام على السلطنة على الانتفاع به و بماله لا يثبت الولاية، و ينافيه تقويم الجارية على نفسه بمعنى بيعها من نفسه، لأنّ مجرد الانتفاع بالولد و ماله لا يوجب سلطنته على بيع ماله، بل صحة بيعه منوطة بولايته، إذ يعتبر في المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالكين أو مأذونين من الشارع، كالأب و الجد و الفقيه الجامع للشرائط.

و لأجل الإشكال على حمل اللام على المعاني المذكورة التجأ بعض إلى حمل اللام على معنى يناسب جميع الموارد من الولد الكبير الرشيد، و وجوب الإعطاء على الولد مقدار حاجة الوالد، و عدم حبس الأب بإتلافه مال الولد و إن كان كبيرا، و ولاية الأب على جميع التصرفات الراجعة إلى الولد و ماله إذا كان صغيرا. و ذلك المعنى المناسب هو جعل اللام للتعليل، و الغرض منه الإشارة إلى كون الولد موهوبا للأب، و أنّ الأب من معدّات تكوّن الولد و وجوده، فللأب دخل إعدادي في تكوين الولد.

فكلّ ما للولد- كنفسه- من آثار وجود الأب و تكوّن الولد من الأب، و كونه من آثار وجوده يوجب ترتب آثار شرعية عليه، من جواز الانتفاع بماله إذا كان فقيرا، و من عدم جواز حبسه بإتلاف ماله ولده و إن كان كبيرا، و من ولايته على جميع التصرفات الراجعة إلى ولده و ماله إذا كان صغيرا.

كما يدلّ عليه مكاتبة محمّد بن سنان: «انّ الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه- و ليس ذلك للولد- لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب إليه و المدعوّ له، لقوله عزّ و جلّ ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ. و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك. و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. و لأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 9

ص: 116

______________________________

و لو نوقش في هذا المعنى لكلمة اللام «بأنّ الحمل على أمر تكويني إخبار عن أمر خارجي، لا إنشاء حكم شرعي كما هو وظيفة الشارع» فغايته أنّه يصير هذا الكلام مجملا، و هو لا يقدح في الاستدلال بسائر جمل الروايات الظاهرة في الولاية المشتملة على «أنت و مالك لأبيك».

مضافا إلى: ما تقدم في الطائفة الاولى و الثانية من إنّها ظاهرة في ثبوت الولاية للأب، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الولاية للأب على ولده الصغير.

ثم إن هنا أمور ينبغي التنبيه عليها:

التنبيه الأوّل: أنّه هل يعتبر العدالة في ولاية الأب على التصرف في مال الطفل أم لا؟

المنسوب إلى المشهور العدم، لوجوه:

الأوّل: الأصل. و قد تقدم أنّ الأصل يقتضي اعتبار العدالة، اقتصارا في مخالفة الأصل على القدر المتيقن، و هو كون الولي عادلا.

و قد يقرر الأصل بوجوه:

منها: أنّ الأصل عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية المجعولة شرعا قطعا. نظير الشك في جعل قيد في المركّبات الارتباطية كالصلاة، فكما يجري الأصل هناك، فكذلك هنا.

و فيه: أنّ أصالة عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية لا يثبت كون الأب وليّا مطلقا و إن لم يكن عادلا إلّا على القول بالأصل المثبت.

إلّا أن يقال: إنّ إثبات شرط للمركّب أو نفيه عنه بالبراءة ليس مثبتا، كاستصحاب الطهارة، فإنّ من يستصحبها يصير واجدا للشرط، و أثره جواز الصلاة مع هذه الطهارة المستصحبة. و ليس عنوان «المتطهّر» موضوعا للحكم حتى يقال: إنّه لا يثبت باستصحاب الطهارة إلّا على القول بالأصل المثبت.

ص: 117

______________________________

لا يقال: إنّ أصالة عدم شرطية العدالة في الولاية تعارض بأصالة عدم جواز التصرف في مال الطفل. فالمرجع حينئذ أصالة عدم الولاية، أو عدم نفوذ معاملة الأب في مال الطفل، كما هو مقتضى أصالة الفساد.

فإنّه يقال: الشك في نفوذ المعاملة و فسادها ناش من الشك في شرطية العدالة و عدمها في الولاية. و مع جريان أصالة عدم الشرطية فيها يرتفع الشك في صحة المعاملة و فسادها. و من الواضح حكومة الأصل السببي على المسببي.

و منها: استصحاب عدم شرطية العدالة أزلا.

و فيه: عدم اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزلية، لما فيه من الإشكالات المذكورة في محلها.

و منها: غير ذلك من الوجوه المقررة في الأصل غير الخالية عن الإشكال.

ثم إنّ التشبّث بالأصل إنّما يصحّ بعد فرض عدم الدليل الاجتهادي، إذ معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كما لا يخفى.

الوجه الثاني: الإطلاقات التي تقدّمت جملة منها.

قيل: و يمكن أن يراد بها الأعم الشامل لإطلاقات العقود، لشمول «العقد» لما إذا صدر من الأب و الجدّ غير العادلين في مال الطفل.

لكن الظاهر أنّ إطلاقات العقود سيقت لبيان حكم آخر، و هو نفوذ العقود و لزومها، و ليست في مقام بيان ما يعتبر في المتعاقدين حتى يكون لها إطلاق من هذه الجهة.

الوجه الثالث: نفي الخلاف كما عن المفاتيح من قوله: «و يشترط فيهما الإسلام و العقل لا العدالة، بلا خلاف. و قيل: بل يجوز ولاية الكافر إذا كان المولّى عليه كافرا و لم يكن له وليّ مسلم. و هو حسن».

ص: 118

______________________________

لكن يشكل الاعتماد على ما ادعى عليه من نفي الخلاف مع وجود المخالف، و القول باعتبار العدالة في الأب و الجدّ كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: السيرة القطعية المستمرة من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى زماننا على عدم التفتيش عن كيفية تصرفات آباء الأطفال و الأجداد في أموالهم، و عدم معاملة الأجنبي معهم حتى يثبت عدالتهم هذا.

و قيل: باعتبار العدالة فيهما كما عن الوسيلة و الإيضاح، فاستدل في الأخير بما حاصله: أنه يستحيل من الحكيم تعالى شأنه أن يجعل فاسقا خائنا وليّا على القاصر الذي لا يستطيع على إصلاح أموره، فلا بدّ أن يكون الوليّ عادلا ليكون أمينا صائنا لنفس الطفل و ماله.

و فيه: أنّ مقتضى هذا الوجه اعتبار الأمانة في الولي، لا اعتبار العدالة فيه إلّا على نحو الموضوعية كإمام الجمعة و الجماعة. و ذلك غير ثابت.

و استدل له أيضا بآية الركون الى الظالم.

و فيه: أنّ الظاهر إرادة حكّام الجور من الظالم أوّلا. و عدم صدق الركون الى الظالم على ولي الطفل ثانيا. و عدم كون المعاملة بمال الطفل معاملة بمال الغير، بل معاملة بمال نفسه بمقتضى «أنت و مالك لأبيك» ثالثا.

فتلخص ممّا ذكرنا: عدم نهوض دليل معتدّ به على اعتبار العدالة، في الأب و الجد، هذا.

التنبيه الثاني: هل يعتبر في تصرف الأب و الجد في مال الطفل المصلحة؟ أو عدم المفسدة، أم لا يعتبر شي ء منهما، فيصح التصرف حتى مع المفسدة، وجوه.

قد يوجه الأخير بإطلاق الأدلة، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» و «أنّ الولد و ماله موهبة من اللّه سبحانه لأبيه» كما ورد في التعليل المروي عن مولانا الامام الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه: أنّ علة تحليل مال الولد لوالده هي كون الولد موهوبا للوالد، كما في قوله

ص: 119

______________________________

تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ و مثل هذا الإطلاق ينفي اعتبار وجود المصلحة و عدم المفسدة.

كما يوجّه اعتبار عدم المفسدة بما يقيّد إطلاق أدلة الولاية، كصحيحة أبي حمزة الثمالي و رواية أبي الحسين بن أبي العلاء المذكورتين في المتن، فإنّهما ظاهرتان في تحديد التصرف في مال الطفل، و أنّه لا بدّ أن لا يكون موجبا للفساد، بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة. فالتصرف في مال الطفل إن كان مقرونا بالفساد لا ينفذ و لا يصح، هذا.

و يوجّه اعتبار المصلحة في صحة تصرف الأب و الجد في مال الطفل بوجوه:

الأوّل: الأصل، إذ المتيقن من جواز التصرف في مال الغير هو التصرف الذي يكون مصلحة للطفل.

الثاني: قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فإنّ الأحسن إن أريد به معناه التفضيلي فيدل على اعتبار الأصلح فضلا عن المصلحة و إن أريد به غير معناه التفضيلي فالظاهر أنّ المراد بالحسن هو المصلحة.

الثالث: أنّ دليل ولاية عدول المؤمنين يدلّ على اعتبار المصلحة في ولايتهم. و الظاهر أنّ المناط فيها- و هو قصور الطفل عن إدارة شؤونه و حفظ مصالحه- موجود في ولاية الأب و الجدّ، مع عدم دليل يدل في المقام على خلافه. و لا بدّ من الإشارة إلى روايات الباب حتى يظهر ما هو الحق و الصواب، فنقول و به نستعين:

إنّ الأخبار على طوائف:

منها: ما تشتمل على قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» الوارد في كل من التصرف الاعتباري كالتزويج، كروايتي عبيد بن زرارة و علي بن جعفر تعليلا لنفوذ تزويج الجد، و تقدمه على الأب «بأنّ الأب و ماله لوالده» أو «أنّ الابنة و والدها لجدّها»، و التصرف الخارجي في مال الطفل، كرواية العلل المتقدمة في (ص 91) و رواية سعيد بن يسار المتقدمة في (ص 90) الدالتين على جواز الأخذ من مال الولد للوالد، و رواية محمّد بن مسلم المتقدمة في (ص 81) المتضمنة لإذن الأب في المضاربة، و مقتضى عموم التعليل

ص: 120

______________________________

بكون إذن الأب نافذا هو نفوذ الإذن في مطلق تصرفات الأب في مال الابن، و إن كان مضرّا، فضلا عن عدم كونه مصلحة. فمن هذه الطائفة يستفاد إطلاق تصرفات الأب و الجدّ في مال الصغير.

و من طوائف الأخبار ما تدل على تقيد التصرف بالضرورة و الاحتياج، كرواية الحسين بن أبي العلاء المتقدم في (ص 93) و صحيحة أبي حمزة الثمالي المذكورة في (ص 94). و الظاهر أنّهما ليستا من أدلة ولاية الأب و الجد على مال الصغير، بل هما في مقام بيان جواز أخذ النفقة من مال الطفل، إذ نفقة الأب الفقير على ولده الغني. فموردهما التصرف الخارجي، لا الاعتباري، حتى يثبت لهما ولاية التصرف في المعاملات المتعلقة بأموال الطفل. هذا.

و من تلك الطوائف ما تدل على اعتبار مراعاة عدم الضرر في التصرف في مال الطفل، كصحيحة الكناني المتقدمة في (ص 80) الدالة على تقويم الجارية قيمة عدل.

و يستفاد منها اعتبار عدم الضرر في تصرف الأب في مال الطفل، و عدم النقص المالي في ماله.

و بتقييد الإطلاقات بمثل هذه الصحيحة يستفاد اعتبار عدم لزوم الضرر في تصرفات الأب، و كفاية عدم المفسدة في نفوذ تصرفاته في مال الطفل.

لكن رفع اليد عن ظاهر الآية الشريفة- و هو مراعاة الأحسن- مشكل.

التنبيه الثالث: في ولاية الجد، و الكلام فيها يقع في جهات. و قبل التعرض لها ينبغي التكلم فيما يقتضيه الأصل العملي إن فقد الدليل الاجتهادي، و وصلت النوبة إلى الأصل، فنقول:

إنّ مقتضى الأصل العملي عدم ولاية الجد الأعلى إذ المتيقن من الجدّ هو أبو الأب، فولاية الجدّ العالي خالية عن الدليل. إلّا إذا ثبت إجماع على مساواة الأب مع آبائه في الولاية على الطفل كما ادّعي.

لكنه غير ثابت، لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الروايات، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إليها، لسقوط الإجماع عن الاعتبار.

ص: 121

______________________________

نعم أصل ثبوت ولاية الجدّ مشهور بين الأصحاب كما قيل.

و يمكن الاستدلال على ولايته بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوي أن يزوّج أحدهما، و هوى أبوه الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجد أحقّ بالجارية، لأنّها و أباها للجد» «1».

لكنه مختص بالنكاح، و يشكل التعدي عنه الى التصرفات المالية، لمنع الأولوية لولاية الأب و الجدّ على نكاح البكر البالغة الرشيدة مع عدم ولايتهما على التصرف في مالها.

و أمّا ذكر قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية عبيد بن زرارة فهو في مقام إلزام من حضر في مجلس بعض الأمراء، لا في مقام إثبات ولاية الجد حتى تثبت ولايته في المال و النكاح معا.

لكن هنا روايات سبع تدل على ولاية الجد للأب على تزويج الصغيرة «2».

الّا أنّ موردها النكاح الذي هو أخصّ من المدّعى، إذ المقصود إثبات الولاية للجد في التصرفات المالية أيضا.

نعم يمكن إثباتها بالسيرة، كما يمكن إثباتها بقوله عليه السّلام في صحيحة ابن جعفر المتقدمة آنفا: «لأنّها و أباها للجد» بتقريب: أنّه تعليل لثبوت ولايته في النكاح و في غيره، فإنّ هذا التعليل صالح لأن يكون علّة لجعل الولاية المطلقة للجدّ، فليتأمّل.

و بالجملة: فلا ينبغي الإشكال في ولاية الجد، فإن لم يمكن إثباتها بنحو الإطلاق من الروايات، فلا مانع من إثبات إطلاقها بالسيرة القطعية الثابتة، لولاية الجد في جميع شؤون الطفل من النكاح و التصرفات المالية من صدر الإسلام من غير نكير إلى زماننا هذا.

و أمّا الجهات المتعلقة بهذا التنبيه:

فمنها: أنّ ولاية الجدّ هل هي عرضية أم طولية؟ المحكي عن كثير من القدماء إناطة ولاية الجد بحياة الأب في عقد النكاح، استنادا إلى رواية الفضل بن عبد الملك عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 219، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8.

(2) المصدر، ص 218- 219.

ص: 122

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الجد إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّا و كان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوي أبو الجارية هوى، و هوى الجد هوى، و هما سواء في العدل و الرضا؟ قال: أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجد» «1».

و لكن لا مفهوم لهذه القضية الشرطية، بل هي سيقت لتحقيق الموضوع.

مضافا إلى ضعف سندها و إعراض الأصحاب عنها، لما تقدّم عن العلّامة من دعوى الإجماع على ولاية الفاسق في التزويج.

فإن قلت: نصوص ولاية الجد على نكاح الطفل دلّت على ولايته في حال حياة أبي الطفل، و لا دليل على ولايته بعد موته، فيرجع إلى أصالة عدم الولاية. فما عن كثير من القدماء من اختصاص ولاية الجد بحال حياة ابنه متين.

قلت: لا مانع من استصحاب ولايته الثابتة حال حياة ابنه، و لا مجال لأصالة عدم الولاية، لأنّ الشك ليس في حدوثها، بل الشك في بقائها، و هو مجرى الاستصحاب، و الشك هنا من مصاديق الشك في رافعية الموجود، و هو الموت.

نعم تجري أصالة عدم الولاية إن لم تثبت ولايته سابقا، كما إذا كان الولد نطفة حين موت والده، فإنّ الجدّ ليس وليّا على الطفل الذي هو نطفة حين وفاة أبيه. و هذا شك في حدوث الولاية، فالجاري فيه أصالة عدم الولاية.

هذا مع الغضّ عن السيرة، و إلّا فلا تصل النوبة الى الأصل العملي.

فتلخص: أنّ ولاية الجد عرضيّة و مستقلة، و لا تناط بحياة ابنه و لا بموته.

و من تلك الجهات: أنّ مقتضى الروايات الثمانية الدالة على ولاية الأب و الجدّ في تزويج الطفل هو كون ولاية الجد في عرض ولاية الأب.

لكن ظاهر العلّامة في وصايا التذكرة خلاف ذلك، حيث قال: «ولاية الأب مقدّمة على ولاية الجد، و ولاية الجدّ مقدّمة على ولاية الوصي للأب، و الوصي للأب أو الجد أولى

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 4

ص: 123

______________________________

من الحاكم» «1». فإن ظاهره طولية ولاية الجد و تأخرها رتبة عن ولاية الأب. و هو خلاف ظهور تلك الروايات في عرضيّة ولاية الجد للأب، لا طوليتها.

و من تلك الجهات: أنّ الجدّ إذا تعدّد، فهل الولاية تثبت للجميع أم تختص بالجد القريب؟ فإن كان المستند في ولاية الجد الأخبار ثبتت الولاية لجميعهم، و إن كان هو السيرة فالمتيقن هو أقرب الأجداد.

و من تلك الجهات: أنّ الظاهر اختصاص الولاية بالأب و الجدّ النسبيين دون الرضاعيين، لأنّهما- على فرض صدق الأب و الجد عليهما حقيقة- تنصرف الأدلة عنهما، و لم نقف على تعرض أحد للحوق الرضاعيين بالنسبيين. و دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب ناظر إلى الأوصاف و الأحكام الظاهرة. و على فرض الشك في شمول دليل الولاية لهما فمقتضى الأصل عدمها.

و أمّا ولاية الأب و الجدّ على من ولد منهما بالزنا، فالظاهر ثبوتها لهما، لصدق الأب و الجد عليهما حقيقة بالنسبة إلى هذا الولد. و هذه المعاني الحقيقيّة العرفية موضوعات للأحكام الشرعية.

و أولى بثبوت الولاية للأب و الجد ما إذا كان تولد الولد منهما على الوجه المحرّم غير الزنا، كالتولد من وطي محرّم بالعرض كالوطي في حال الحيض و الإحرام و الصوم، أو من تلقيح ماء أجنبي في جوف المرأة، فإنّ الولد في جميع هذه الصور لصاحب الماء، و مقتضى موضوعية المعاني العرفية للأحكام الشرعية ثبوت الولاية و غيرها من الأحكام الشرعية للأب و الجدّ إلّا ما خرج كالإرث، فإنّ الزنا مانع عنه.

و هل للولي من الأب و الجدّ ولاية على الطلاق، و هبة مدة المتعة، و فسخ عقد النكاح بأحد موجباته أم لا؟ المسألة مبنية على وجود الإطلاق أو العموم في أدلة الولاية و عدمه.

فعلى الأوّل تثبت ولايته في جميع أمور الطفل. و على الثاني لا تثبت لأنّ السيرة دليل لبّيّ لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منه.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 510، السطر 22

ص: 124

[2- ولاية الفقيه]
اشارة

مسألة (1) من جملة أولياء التصرّف في مال من (2) لا يستقلّ [1] بالتصرّف في ماله الحاكم (3)،

______________________________

(1) 2- ولاية الفقيه ذكرنا في (ص 79) أن المأذون شرعا في التصرف في مال القاصر هو الأب و الجدّ، و الحاكم الشرعي و العدول، و تقدّم الكلام في ولاية الأب و الجدّ و لم يتعرض المصنف لحكم الوصي من قبل أحدهما لكونه موكولا إلى باب الوصية، و شرع في حكم ولاية الفقيه، و بسط الكلام فيه بعد تحديد الموضوع، و هو المجتهد الجامع لشرائط التقليد و الفتوى.

(2) يعني: أنّ للحاكم الشرعي التصرف في مال من لا يكون أهلا شرعا للتصرّف في ماله مستقلّا، كاليتيم الذي لا جدّ له، و لم يعيّن أبوه أو جدّه وصيّا عليه. و كذا السفيه و المجنون في الجملة، و المفلّس.

(3) مبتدء لقوله: «من جملة» و المراد بالتصرف أعم من الخارجي و الاعتباري.

______________________________

[1] لعلّ إبداله ب «من لا سلطنة له على التصرف في ماله» أولى، لكونه أشمل، لشموله لمن ليس له اقتضاء التصرف في ماله أصلا حتى مع الإذن أو الإجازة من ولي الأمر كالمجنون و الصبي غير المميز. بخلاف عنوان المتن، فإنّ ظاهره خصوص من لا ينفذ تصرفه بالاستقلال، و يكون شرط نفوذه إذن الولي، و لا يشمل من لا ينفذ تصرفه حتى مع الإذن أو الإجازة، فتدبّر.

ص: 125

و المراد منه: الفقيه الجامع لشرائط الفتوى (1).

و قد رأينا هنا (2) ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر أكثر حضّار مجلس المذاكرة، فنقول مستعينا باللّه:

[للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:]

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:

أحدها: الإفتاء [1] فيما يحتاج إليه العاميّ (3) في عمله. و مورده (4) المسائل الفرعيّة (5) و الموضوعات الاستنباطيّة (6) من حيث ترتّب حكم فرعيّ عليها.

و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب (7) للفقيه، إلّا ممّن (8) لا يرى

______________________________

(1) التي عمدتها الاجتهاد و العدالة، و أكثر ما عداهما من الشرائط مبني على الاحتياط كما قرّر في محلّه.

(2) أي: مبحث ولاية الفقيه الذي هو من مباحث أولياء التصرف.

(3) و هو من لم يبلغ رتبة الاجتهاد و إن كان له حظّ من العلم.

(4) أي: و مورد الإفتاء- الذي هو أحد المناصب الثلاثة للفقيه- المسائل الفرعية.

(5) و هي الأحكام الخمسة التكليفية، و كذا الأحكام الوضعية.

(6) كالغناء و الآنية و المفازة، فإنّها- لترتب الأحكام الفرعية عليها- تكون موردا لإفتاء الحاكم الشرعي. و أمّا الماهيات المخترعة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فهي بأنفسها مورد للإفتاء كنفس الأحكام الشرعية، لأنّ ماهياتها مأخوذة من الشارع كأحكامها.

(7) و هو الإفتاء، حيث إنّ الفقيه هو العالم بالأحكام، فهو المرجع فيها.

(8) و هو بعض الأخباريين المانع عن التقليد، و بعض الأصوليين القائل بوجوب الاجتهاد عينا «1».

______________________________

[1] ليس نفس الإفتاء و الإخبار عمّا اعتقده من الفتوى- كما هو ظاهر العنوان «الأحكام»- مرادا، بل المقصود حجية الفتوى، و جواز أو وجوب العمل بها.

______________________________

(1) نقلنا بعض كلماتهم في شرحنا على الكفاية، فراجع منتهى الدراية، ج 8، ص 526

ص: 126

جواز التقليد للعامي.

و تفصيل الكلام في هذا المقام (1) موكول إلى مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني: (2) الحكومة، فله الحكم بما يراه حقّا في المرافعات و غيرها في الجملة (3).

و هذا المنصب (4) أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى و نصّا. و تفصيل الكلام فيه (5) من حيث شرائط الحاكم و المحكوم به و المحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء.

الثالث (6) ولاية (7) التصرّف في الأموال و الأنفس،

[ولاية التصرّف في الأموال و الأنفس تتصوّر على وجهين]

و هو (8) المقصود بالتفصيل هنا، فنقول: الولاية تتصوّر على وجهين:

الأوّل: استقلال (9) الولي بالتصرّف

______________________________

(1) أي: مقام إفتاء المجتهد، أي: جواز العمل بفتواه، لا مجرّد جواز الإفتاء و إظهار فتواه، فإنّه ليس منصبا، و لا يتوقف جوازه على جواز تقليده.

(2) أي: المنصب الثاني. و المراد بالحكومة هو الحكم بين الناس بالحقّ و العدل.

سواء أ كان في الخصومات و المرافعات أم غيرها كثبوت الهلال و الحجر للفلس.

(3) إشارة إلى الخلاف الواقع في بعض الموارد كحكم الحاكم بثبوت الهلال.

(4) أي: منصب الحكومة كمنصب الإفتاء ثابت للفقيه بلا خلاف نصّا و فتوى.

(5) أي: في منصب الحكومة من حيث شرائط الحاكم كالعدالة و الفقاهة و غيرهما، و من حيث شرائط المحكوم به كالزوجيّة و الملكيّة و الرقيّة و غيرها، و من حيث شرائط المحكوم عليه من كون حكمه نافذا على الكلّ حتى على مجتهد آخر، أو نافذا على خصوص المتخاصمين.

(6) أي: المنصب الثالث للفقيه- الذي هو المقصود الأصلي من البحث هنا- هو ولاية التصرف في النفوس و الأموال بحيث يكون الفقيه أولى من الناس بالتصرف في أموالهم و أنفسهم.

(7) خبر قوله: «الثالث».

(8) أي: و المنصب الثالث هو المقصود بالتفصيل هنا أي مبحث ولاية الفقيه.

(9) بمعنى عدم توقف نفوذ تصرفه على إذن الغير أو إجازته، بل هو تامّ الاختيار

ص: 127

مع قطع النظر (1) عن كون تصرّف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به، و مرجع هذا (2) إلى كون نظره سببا في جواز تصرّفه.

الثاني (3) عدم استقلال غيره بالتصرّف، و كون (4) تصرّف الغير منوطا بإذنه و إن لم يكن هو (5) مستقلّا بالتصرّف. و مرجع هذا (6) إلى كون نظره شرطا في جواز

______________________________

في تصرّفه، كولايته على الأوقاف التي لا وليّ لها، و على القصّر كالصبيان و المجانين، فإنّ الفقيه وليّ في هذه الموارد، فله التصدّي لها مطلقا، سواء أ كان مباشرة أم تسبيبا بالإذن لغيره، أو بنصبه وليّا.

و ليس لازم هذا الاستقلال إناطة جواز تصرف الغير بإذن الفقيه. فليس كل مورد يستقل الفقيه فيه بالتصرف لا يجوز تصرف غيره، إلّا بالإذن، بل يجوز لغيره التصرف بدون إذنه، كالزكاة، حيث إنّ للمالك تزكية ماله بدون إذن الفقيه، فهو كالحاكم مستقل في إخراج الزكاة، و ليس جواز فعله منوطا بنظر الحاكم.

(1) وجه عدم النظر هو اجتماع استقلال الحاكم بالتصرف مع كون تصرف الغير منوطا بإذنه، و مع عدم إناطة تصرفه بإذن الحاكم، كما إذا كان له أيضا ولاية التصرف بالاستقلال كالزكاة على ما مرّ آنفا.

(2) أي: الوجه الأوّل من وجهي الولاية، و محصله: أنّ نظر الفقيه سبب تام لجواز تصرفه، و ليس لشي ء آخر دخل في سببيّة نظره.

و ببيان آخر: ليس جواز تصرفه مشروطا بشي ء آخر غير إرادته، فهي علّة تامة لجوازه.

(3) أي: الوجه الثاني من وجهي الولاية عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف، بأن يكون جواز تصرّفه منوطا بإذن الفقيه و إن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرّف، كالتّقاصّ، فإنّه على ما قيل: يجوز لغير الحاكم بإذنه و إن لم يجز ذلك للحاكم بالاستقلال.

(4) معطوف على «عدم» عطفا تفسيريا، و مرجع ضمير «بإذنه» هو الفقيه.

(5) أي: و إن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرف كالتقاص على قول كما مرّ آنفا.

(6) أي: الوجه الثاني، و هو عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف، و حاصله: أنّ نظر

ص: 128

تصرّف غيره (1).

و بين موارد الوجهين (2) عموم من وجه.

ثمّ إذنه (3) المعتبر في تصرّف الغير: إمّا أن يكون على وجه الاستنابة، كوكيل الحاكم.

______________________________

الفقيه شرط في صحة تصرف غيره كصلاة الميت الذي لا وليّ له، فإن صحة صلاة غيره منوطة بإذنه، دون وجوبها، لأنّها واجبة كفائيّا على الجميع.

(1) هذا الضمير و ضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(2) و هما وجها ولاية الفقيه من استقلاله بالتصرف، و من عدم استقلال غيره بالتصرف. و الأولى إسقاط كلمة «موارد» بأن يقال: «و بين الوجهين عموم من وجه».

و كيف كان فمادة اجتماعهما هي التصرف في سهم الإمام عليه السّلام، فإنّ الفقيه مستقل في التصرف فيه على الأظهر، و تصرف غيره فيه منوط بإذنه. و كذا التصرف في مجهول المالك على الأقوى.

و مادة الوجه الأوّل استقلال الحاكم في التصرف في الزكاة، و عدم اشتراط تصرف غيره بإذنه.

و مادة الوجه الثاني هي التقاص، فإنّ تصرف غير الفقيه فيه منوط بإذنه، مع عدم استقلال الحاكم بالتصرف فيه على ما قيل.

(3) مبتدء، و خبره جملة «إما أن يكون ..» و غرضه بيان كيفية إذن الحاكم لغيره في التصرف على كلا الوجهين: من استقلال الفقيه في التصرّف، و من إناطة تصرف الغير بإذنه. توضيحه: أنّ استقلال الحاكم بالتصرّف يقتضي أن يكون هو المتصرّف سواء أ كان تصرفه بالمباشرة كتصدّيه بنفسه لأمور الأوقاف، أم بالتسبيب كتوكيل غيره في التصدي لها، فإنّ التوكيل تفويض سلطنة الموكّل، ففعل الوكيل يضاف إلى الموكّل. و كنصبه متولّيا على الوقف.

و الفرق بين الوكيل و المتولّي هو: أنّ الوكيل ينعزل بموت الموكل، لأنّه مقتضى العقود الإذنية التي منها الوكالة. و المتولّي ينعزل بموت من نصبه على ما قيل،

ص: 129

و إمّا (1) أن يكون على وجه التفويض و التولية، كمتولّي الأوقاف من قبل الحاكم.

و إمّا (2) أن يكون على وجه الرضا، كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميّت لا وليّ له.

[مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء]

إذا عرفت هذا فنقول: مقتضى الأصل (3) عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من

______________________________

لكنه لا يخلو من تأمل.

و كيف كان ففعل المتولّي و الوكيل يضاف إلى الحاكم نحو إضافة في مقابل فعله المباشري.

و الحاصل: أنّ التولية و التوكيل من شؤون استقلال الحاكم بالتصرف، بخلاف كون الإذن على وجه الرضا، فإنّ مورده فعل الغير المشروط صحته بإذن الحاكم.

و من المعلوم أنّ مجرد الإذن لا يجعل الفعل من أفعال الآذن، كصلاة الميت الفاقد للولي، فإنّ الصلاة فعل المصلّي، و لا تصير فعل الحاكم بمجرد إذنه له فيها. نعم صحتها منوطة بإذنه.

(1) معطوف على «إمّا» و هذا و ما قبله من شؤون استقلال الفقيه بالتصرف، لا من شؤون توقف تصرف الغير على إذن الحاكم كما مرّ مفصّلا.

(2) معطوف على «إمّا» و هذا هو الشق الثالث الذي يكون من شؤون إناطة صحة فعل الغير بإذن الفقيه، فإذن الحاكم على وجه الرضا يكون في صورة اشتراط جواز تصرف الغير بإذنه.

(3) غرضه بيان الأصل في مسألة الشك في ثبوت الولاية للفقيه مع قطع النظر عن الأدلة الاجتهادية، أو فرض قصورها و وصول النوبة إلى الأصول العملية.

و المصنف قدّس سرّه أجرى الأصل الموضوعي، و هو أصل عدم ثبوت الولاية لأحد في شي ء من الأمور المذكورة، حيث إنّ الولاية على الغير نحو استيلاء عليه، و الأصل عدمه.

و مقتضاه عدم نفوذ شي ء من التصرفات العقدية و الإيقاعية المترتبة على الولاية. و لو لم يجر هذا الأصل الموضوعي لجرى الأصل الحكمي، و هو أصالة الفساد أي عدم ترتب الأثر.

ص: 130

الوجوه المذكورة،

[الكلام في ثبوت الولاية للنبي و الأئمة عليهم السّلام]
[الولاية لهم بمعنى استقلالهم بالتصرف]

خرجنا عن هذا الأصل (1) في خصوص النبيّ و الأئمّة «صلوات اللّه عليهم أجمعين» بالأدلّة الأربعة، قال اللّه تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1»، و مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

______________________________

(1) الكلام في ثبوت الولاية للنبي و الأئمة عليهم السّلام أي: خرجنا عن أصل عدم ثبوت الولاية في خصوص النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين» بالأدلة الأربعة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

ثم إنّ المصنّف قدّس سرّه جعل البحث في مقامين:

أحدهما: الولاية بمعنى الاستقلال بالتصرف، و الآخر: الولاية بمعنى توقف تصرف الغير على إذن الفقيه.

أمّا المقام الأوّل، فقد استدل عليه بالأدلة الأربعة:

الأوّل: الكتاب، و قد ذكر جملة من الآيات في المتن.

و الانصاف أنّ أكثرها تدلّ على المطلوب، و دعوى «أنّ الأولوية من الأنفس لا تدلّ على الأولوية من الأموال» مدفوعة أوّلا: بالأولوية، لأنّ الولاية في الأموال أهون من الولاية في النفوس.

و ثانيا: أنّ الامتنان على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتضي إرادة العموم.

و كذا إطلاق نفي الاختيار في الآية الثانية يقتضي العموم للتصرفات المالية.

و كذا إطلاق «أمره» في الآية الثالثة- الذي هو مفرد مضاف- يقتضي العموم للأمور المتعلقة بالأموال.

و الاشكال عليها و على مثلها ممّا يدل على لزوم الإطاعة «بأنّ دلالتها على المدّعى

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 6

ص: 131

«1»، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (1) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «2»، و أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «3»، و إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ .. «4» الآية،

______________________________

منوطة بدعوى الملازمة بين وجوب الإطاعة و الولاية. و هي ممنوعة، لانفكاكهما كما في وجوب إطاعة الامّ على الولد، مع وضوح عدم ولايتها عليه. و كذا وجوب إطاعة الولد الكبير الرشيد لوالده، مع عدم ولايته عليه» مندفع بأنّ ذلك في غير أمره سبحانه و تعالى و النبي و آله المعصومين «عليهم الصلاة و السلام» الّذين هم علل التكوين، و مبدأ الموجودات الإمكانية، و مجاري الفيض على جميع ما اكتسى ثوب الوجود.

فالملازمة بين إطاعة اللّه عزّ و جلّ و النبي و الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل صلوات المصلين و بين ولايتهم عليهم السّلام في غاية الوضوح، فلا ينبغي أن يقال: إنّ ما دلّ على وجوب إطاعتهم عليهم السّلام أجنبي عن مسألة الولاية.

(1) بناء على رجوع الضمير إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال في المجمع: «حذّرهم سبحانه و تعالى عن مخالفة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «5» و نقل في البحار عن تفسير فرات: «قيل: يا با جعفر حدّثني في من نزلت؟ قال: نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جرى مثلها من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الأوصياء في طاعتهم» «6».

و أمّا بناء على رجوع الضمير في «أمره» إليه تعالى كان الخطاب للمعرضين عن أوامره و نواهيه عزّ و جلّ، و لا تكون الآية حينئذ دليلا على لزوم إطاعة أولياءه في غير جهة التبليغ.

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 36

(2) النور، الآية 63

(3) النساء، الآية: 59

(4) المائدة، الآية: 55

(5) مجمع البيان، ج 7، ص 249

(6) بحار الأنوار، ج 24، ص 301 و 302، الحديث: 58

ص: 132

و غير ذلك (1) [1].

______________________________

(1) مثل ما استدلّ به في برهان الفقه على ذلك بقوله تعالى فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ و قوله تعالى فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ «1».

و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «2» بضميمة ما ورد في تفسير الملك العظيم بفرض الطاعة و أنّ «من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه فهو الملك العظيم» «3».

و قوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً «4» و غير ذلك من الآيات الكثيرة

______________________________

[1] لا يخفى أنّ غرض المصنف قدّس سرّه الخروج عن أصل عدم الولاية بكلا معنييها- و هما الاستقلال بالتصرف و توقف تصرف الغير على إذنه- في خصوص النبي و الأئمة المعصومين «صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين». و على هذا فالأولى كما في بعض الحواشي سوق العبارة هكذا: «خرجنا عن هذا الأصل في الولاية بكلا معنييها في خصوص النبي و آله أوصيائه المعصومين «صلوات اللّه عليهم أجمعين إلى يوم الدين». أمّا بالمعنى الأوّل فبالأدلة الأربعة .. و أمّا بالمعنى الثاني فبأخبار خاصة تدلّ على وجوب الرجوع إليهم .. إلخ».

و كيف كان فالداعي إلى البحث عن ولايتهم «عليهم الصلاة و السلام» مع خروج ذلك عن وظيفتنا، و وضوح نفوذ كل تصرف يصدر منهم «عليهم الصلاة و السلام» في الأموال و الأنفس، كما إذا باع احد منهم «صلوات اللّه عليهم» مال زيد من عمرو، فإنّه نافذ سواء رضي

______________________________

(1) برهان الفقه، كتاب الصوم، بحث ثبوت الهلال بحكم الحاكم، و الآيتان في سورة النساء: 65 و 59

(2) النساء، الآية 54

(3) بحار الأنوار، ج 23، ص 290، ح 17، و ص 285، ح 1، و ص 287، ح 7- 11 و ص 291- 292 ح 21 الى 25، و ص 301، ح 57

(4) آل عمران، الآية 103.

ص: 133

و قال النبي (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما في رواية أيّوب بن عطية (2) «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه». و قال في يوم غدير خم: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» «1».

و الأخبار في افتراض طاعتهم و كون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة، يكفي في ذلك (3) منها مقبولة (4) عمر بن حنظلة

______________________________

و الأخبار المتواترة الدالة على وجوب إطاعتهم و متابعتهم، و المحذّرة عن مخالفتهم، فراجع غاية المرام و البحار.

(1) هذا شروع في الاستدلال بالسّنة.

(2) و هو الحذّاء، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

أنا أولى .. إلخ» «2».

(3) أي: في ولايتهم عليهم السّلام و افتراض طاعتهم، و ضمير «منها» راجع إلى الأخبار.

(4) فاعل «يكفي» أي: يكفي في ثبوت ولايتهم عليهم السّلام من الأخبار مقبولة عمر بن حنظلة، التي ورد فيها- بعد بيان صفات القاضي الإمامي-: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرّادّ علينا الرّاد على اللّه» «3».

______________________________

زيد بذلك أم لا. و كما إذا زوّج هو «سلام اللّه عليه» بنت زيد، فإنّ تزويجه عليه السّلام نافذ، سواء أ كانت صغيرة أم كبيرة، مع البناء على ولاية أبيها عليها، و سواء رضي الأب أم لا، فإنّ نفس تصرفهم كاشف عن ولايتهم مع عصمتهم «عليهم أفضل الصلاة و السلام» و عدم صدور مثل

______________________________

(1) الحديث من المتواترات بين الفريقين، انظر كتاب الغدير للوقوف على مصادره ج 1، ص 14- 158

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 551، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، ح 4

(3) وسائل الشيعة، ج 18، ص 98- 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1

ص: 134

و مشهورة أبي خديجة (1)، و التوقيع الآتي «1» [1]، حيث علّل فيها حكومة الفقيه و تسلّطه على الناس «بأنّي (2) قد جعلته كذلك (3) و أنّه (4) حجتي عليكم» [2].

و أمّا الإجماع (5) فغير خفيّ.

______________________________

(1) و فيها: «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» «2».

(2) متعلّق بقوله: «علّل» و قوله: «حيث» تقريب لولايتهم عليهم السّلام، حيث إنّ الفقيه جعل حاكما من قبله عليه السّلام، و أنّه حجة عنه عليه السّلام، و لا يمكن هذا الجعل إلّا مع كونه عليه السّلام واجدا لهذا المنصب العظيم الشامخ.

(3) أي: مسلّطا على الناس.

(4) معطوف على «انّي» و الضمير راجع إلى الفقيه.

(5) بل هو من الضروريات، لكن لا مسرح للاستدلال بالإجماع هنا، لعدم كونه دليلا مستقلّا حينئذ.

______________________________

هذه الأفعال منهم «صلوات اللّه عليهم» لا يدلّ على عدم ولايتهم على الأموال و الأنفس هو إثبات ولايتهم عليهم السّلام لإثباتها للفقيه لو دلّ دليل على ولايته.

[1] لم يظهر وجه المناسبة لذكر هذه الروايات الثلاث هنا، إذ المبحوث عنه هو إثبات الولاية المطلقة للمعصومين «عليهم الصلاة و السلام». و هذه الروايات قد استدلّ بها على ولاية الفقيه. إلّا أن يراد بها إثبات ولايتهم عليهم السّلام بالبرهان الإنّي، حيث إنّ ولاية الفقيه تدلّ على ولايتهم عليهم السّلام إنّا، لأنّ الفاقد لا يعطي. و لعلّه أشار إليه بقوله: «حيث علّل فيها حكومة الفقيه ..

إلخ».

[2] لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء و الإفتاء للفقيه، دون الولاية المطلقة. نعم تثبت الولاية الثابتة لقضاة العامة في زمان صدور

______________________________

(1) الآتي في ص 172

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6

ص: 135

و أمّا العقل القطعي، فالمستقلّ (1) منه حكمه بوجوب شكر المنعم [1] بعد معرفة أنّهم أولياء النّعم، و الغير المستقلّ حكمه بأنّ الأبوّة إذا اقتضت وجوب إطاعة

______________________________

(1) المراد بالعقل المستقلّ هو حكمه مع الغضّ عن حكم الشرع. بخلاف العقل غير المستقلّ، فإنّه تابع لحكم الشرع، فإنّ وجوب إطاعة الأب شرعا على الابن اقتضى وجوب إطاعة الإمام عليه السّلام على الرّعيّة بالأولوية.

و تقريب حكم العقل المستقل بإطاعتهم و الانقياد لهم هو: أنّه لا ريب في كون ذواتهم المقدّسة وسائط الفيض الإلهي، فهم أولياء النعم، كما لا ريب في أنّهم عليهم السّلام أمناء اللّه على حلاله و حرامه. و العقل مستقلّ بلزوم شكر المنعم، و لا يتحقق إلّا بإطاعتهم و التسليم لهم، هذا.

______________________________

الروايات لقضاتنا، دون الولاية المطلقة. فهذه الروايات لا تدلّ إلّا على إعطاء هذين المنصبين للفقيه، و لا تدلّ على ولاية الإمام عليه السّلام كما هو مقصود المصنف قدّس سرّه فضلا عن ولاية الفقيه، فتدبّر.

[1] لم يظهر معنى لكون ولايتهم «صلوات اللّه عليهم»- بمعنى نفوذ تصرفاتهم- مصداقا للشكر الواجب عقلا على المكلف، بل مصداقه أعني فعل المكلف هو إطاعته لهم عليهم السّلام، لا فعلهم و هو تصرفهم عليهم السّلام.

إلّا أن يقال: إنّ الشكر الواجب عقلا على المكلف هو تنفيذ تصرفاتهم عليهم السّلام، و عدمه كفران النعمة القبيح عقلا.

مضافا إلى: أنّه إن أريد بالشكر الواجب عقلا إطاعة المنعم بما هو منعم اختصّ ذلك بإطاعة الأوامر و النواهي الإلزامية التكليفية، لأنّ في ترك إطاعتها خطر العقاب، و من المعلوم أنّ همّ العقل تحصيل المؤمّن منه. و لا يشمل حينئذ الوضعيات، كالعقود و الإيقاعات الصادرة منهم عليهم السّلام في أموال الناس و غيرها، فإنّ نفوذها خارج عن حكم العقل بلزوم الإطاعة.

ص: 136

الأب على الابن في الجملة، كانت (1) الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام على الرعيّة بطريق أولى، لأنّ (2) الحقّ

______________________________

(1) جواب الشرط في «إذا اقتضت».

(2) تعليل لحكم العقل غير المستقل، و محصله: أنّ حقّ الأب على الابن- و هو مجرد كونه مقدّمة إعدادية لوجود الابن و تكونه- إذا كان مقتضيا لوجوب إطاعة أوامره الشخصية شرعا، كان اقتضاؤه لوجوب إطاعتهم عليهم السّلام شرعا لأوامرهم الشخصية بالأولوية، لأقوائيّة مقدّميّتهم في مجاري الفيض التكويني و التشريعي من الأب، كما يتضح ذلك بملاحظة بعض الأدعية المأثورة [1].

______________________________

و إن أريد بالشكر الخضوع التام للمنعم في جميع الأمور، فلا بأس بشموله للوضعيات أيضا. لكن لا يعهد هذا الحكم من العقل.

فالاستدلال بوجوب شكر المنعم على الولاية المطلقة للمعصومين عليهم السّلام حتى تثبت للفقيه بأدلة الولاية مشكل، و إن كان في غيره من سائر الأدلة غنى و كفاية.

[1] الظاهر أنّ مراد المصنف قدّس سرّه بالأولوية ما ذكرناه من كون أقوائية مقدمية الإمام عليه السّلام في علل التكوين من مقدّمية الأب للولد في التكوّن و الوجود- التي هي بنحو الإعداد- موجبة لأولوية وجوب إطاعة الإمام عليه السّلام في أوامره الشخصية من وجوب إطاعة الولد لأبيه. و يشهد لإرادة المصنف لما ذكرناه قوله قبيل ذلك: «بعد معرفة أنّهم أولياء النعم» فإنّ حكم العقل المستقل و غير المستقل مبني على كونهم أولياء النعم و وسائط الفيض على الخلق كله.

فكأنّه قال: «كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام الذي هو من أولياء النعم على الرعية بطريق أولى».

و بالجملة: فظاهر عبارة المتن كون مناط الأولوية هو أقوائية مقدمية الإمام عليه السّلام في مرحلة التكوين من مقدمية الأب في تكوين الولد، و التعبير عن الخلق بالرّعيّة للتنبيه على تفوقهم على جميع الخلق، و سلطنتهم على جميع شؤونهم.

ص: 137

هنا (1) أعظم (2) بمراتب، فتأمّل (3).

و المقصود من جميع ذلك (4)

______________________________

(1) أي: في مسألة النبوة و الإمامة.

(2) إذ ليس الأب إلّا كونه معدّا من معدّات وجود الابن و تكوّنه كما عرفت، بخلافهم «صلوات اللّه عليهم»، فإنّهم علل التكوين و مجاري الفيوضات و النعم بأسرها.

فلا بد أن تكون إطاعتهم عليهم السّلام أولى من إطاعة الابن لأبيه، و بيمنه عليه السّلام رزق الورى و بوجوده عليه السّلام ثبتت الأرض و السماء.

(3) لعله إشارة إلى: أنّ لزوم الإطاعة- الذي هو مفاد الأدلة- لا يثبت الولاية المقتضية لنفوذ التصرف في الأنفس و الأموال، لعدم التلازم بينهما.

أو إشارة إلى: أنّ وجوب إطاعة الأب على الابن لعلّه تعبد محض، و ليس بمناط ثبوت حقّ له حتى يتعدّى منه إلى الامام عليه السّلام بالأولوية. نظير وجوب إطاعة المملوك لمالكه مع عدم ثبوت حقّ له عليه في تكونه أو غيره.

أو إشارة إلى: عدم صحة قياس لزوم إطاعة الإمام عليه السّلام بإطاعة الأب، لعدم الدليل على وجوب إطاعته حتى يقاس عليه وجوب طاعة الإمام عليه السّلام بالأولوية، إذ الثابت هناك هو حرمة الإيذاء، فلا مانع من ترك إطاعة الأب إن لم يكن تركها إيذاء له.

(4) أي: و المقصود من الاستدلال بالأدلة الأربعة دفع توهّم اختصاص وجوب

______________________________

لا أنّ مناط الأولوية كون حقّ الامام على الرعية أعظم، كما استظهره من المتن بعض مدققي المحشين قدّس سرّه بقوله: «و هذا التقريب أولى ممّا ذكره قدّس سرّه من كون حق الامام على الرعية أعظم، فإنّ حيثية الإمامة و الرّعية حيثية التربية الرّوحانية بإخراجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فهو ملاك آخر غير ملاك الأبوّة و المقدمية للتكوين. فاقتضاء حقّ لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حقّ آخر لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» «1» قوله: «فاقتضاء حق- و هو الأبوّة مثلا- لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حق آخر- و هو حق الإمامة و الرعية- لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» فلاحظ و تدبّر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 213

ص: 138

دفع ما يتوهّم من (1) أنّ وجوب إطاعة الإمام مختصّ بالأوامر الشرعية، و أنّه (2) لا دليل على وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته (3) على الأموال و الأنفس.

و بالجملة (4) فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع و التأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل اللّه تعالى، و أنّ تصرّفهم نافذ على الرّعية ماض مطلقا (5) [1].

هذا كلّه في ولايتهم (6) بالمعنى الأوّل (7).

______________________________

إطاعة الإمام عليه السّلام بالأوامر الشرعية، و عدم الدليل على وجوب إطاعته في الأوامر العرفية أو سلطنته على الأموال و الأنفس.

و بالجملة: الغرض من الاستدلال بالأدلة الأربعة إثبات الولاية المطلقة للإمام عليه السّلام على الرعية من اللّه سبحانه و تعالى، و أنّ كل تصرف منهم عليهم السّلام نافذ في الأموال و الأنفس.

(1) بيان ل «ما» الموصول في «ما يتوهم».

(2) معطوف على «ان» و الضمير (أنّه) للشأن.

(3) معطوف على «وجوب» و ضمائر «طاعته، أوامره، سلطنته» راجعة الى الإمام.

(4) يعني: و حاصل كلام المصنف قدّس سرّه هو: أنّ المستفاد من الأدلة الأربعة المتقدمة- بعد التتبع و التأمل- الولاية العامة و السلطنة المطلقة للإمام على الرّعية من قبل اللّه سبحانه و تعالى، و نفوذ تصرفاته في الأموال و الأنفس، و ينبغي أن يكون ذلك من الواضحات و إن كان استظهاره من بعض الأدلة مشكلا و مخدوشا.

(5) أي: في الأنفس و الأموال. و قوله: «و أنّ» معطوف على «أنّ».

(6) أي: ولاية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

(7) و هو: استقلال المولى بالتصرف.

______________________________

[1] قد عرفت في التعليقة عدم تمامية دلالة بعض تلك الأدلة على مدعاه قدّس سرّه، و العمدة ما دلّ على أولوية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالمؤمنين من أنفسهم، و يتمّ في الأئمة عليهم السّلام بعدم الفصل، و في الأموال بالأولوية و عدم الفصل.

ص: 139

[ولايتهم بمعنى اشتراط تصرّف الغير بإذنهم]

و أمّا بالمعنى الثاني- أعني اشتراط تصرّف الغير بإذنهم (1)- فهو (2) و إن كان مخالفا للأصل (3)، إلّا أنّه قد ورد أخبار (4) خاصّة بوجوب الرجوع إليهم، و عدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن [1] من الرّعية، كالحدود و التعزيرات، و التصرّف في أموال

______________________________

(1) أي: بإذن المعصومين عليهم السّلام.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، أما المقام الثاني- و هو إثبات ولايتهم بمعنى دخل إذنهم في فعل الغير- فسيأتي.

(2) أي: المعنى الثاني من الولاية و هو اشتراط تصرف الغير بإذنهم.

(3) و هو أصل عدم اشتراط تصرف الغير بإذنهم «صلوات اللّه عليهم» و الأولى أن يقال: «و ان كان مخالفا للأصل أيضا».

(4) و هي بين ما يدلّ على وجوب طاعة الأئمة «عليهم الصلاة و السلام» مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالى: الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ، وَ مَنْ تَوَلّٰى فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «1»» «2» و غير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون «3».

______________________________

[1] بل المأخوذة أيضا على أشخاص معيّنين، كصلاة الميت التي هي واجبة كفاية على جميع المكلّفين، غاية الأمر أنّها تسقط بفعل بعضهم، فلا تختص الولاية بمعناها الثاني بالمصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن. و ليس هذا جامعا لما يشترط صحته بإذنهم عليهم السّلام.

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه بقوله: «غير المأخوذة على شخص معيّن» ما يشمل الواجب الكفائي، لصدقه على عدم أخذه على شخص معيّن، في مقابل أخذه على الجميع، فتدبّر.

______________________________

(1) النساء، الآية 8

(2) الكافي، ج 1، ص 185 و 186 باب فرض طاعة الأئمة عليهم السّلام، ح 1

(3) المصدر، ح 3

ص: 140

..........

______________________________

و بعضها كرواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تضمّن آيتي الإطاعة و ولاية الأمر، قال: «ذكرت له عليه السّلام قولنا في الأوصياء: أنّ طاعتهم مفترضة. قال: فقال:

نعم هم الّذين قال اللّه تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» و هم الّذين قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا «2»» «3».

و قريب من ذلك سائر روايات الباب «4».

و بين ما يدلّ على أنّ الأئمة عليهم السّلام هم أهل الذكر الّذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم، كرواية عبد اللّه بن عجلان عن أبي جعفر عليه السّلام «في قول اللّه عزّ و جلّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ* «5» قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الذّكر أنا، و الأئمة أهل الذكر.

و قوله عزّ و جلّ وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ «6». قال أبو جعفر عليه السّلام:

نحن قومه، و نحن المسؤولون «7».

و كرواية عبد الرحمن بن كثير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، قال: الذكر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحن أهله المسؤولون. قال: قلت: قوله:

و إنّه لذكر لك و لقومك و سوف تسألون، قال: إيّانا عنى، و نحن أهل الذكر و نحن المسؤولون» «8».

و قريب منهما سائر روايات الباب «9».

و محصل ما يستفاد من مجموع روايات البابين: أمران:

______________________________

(1) النساء، الآية 59

(2) المائدة، الآية 91

(3) الكافي، ج 1، ص 187، باب فرض طاعة الأئمة عليهم السّلام، ح 7

(4) المصدر، الحديث: 8 و 10 و 12 و ص 188، ح 12

(5) النحل، الآية 45

(6) الزخرف، الآية 43

(7) الكافي، ج 1، ص 210، باب أنّ أهل الذّكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السّلام، ح 1

(8) المصدر، ح 2

(9) المصدر، ص 211، ح 3 و 4 و 7

ص: 141

القاصرين، و إلزام الناس بالخروج عن الحقوق، و نحو ذلك (1).

و يكفي في ذلك (2) ما (3) دلّ على أنّهم أولوا الأمر و ولاته، فإنّ الظاهر من

______________________________

أحدهما: أنّ أهل الذكر في الكتاب العزيز هم الأئمة المعصومون «صلوات اللّه عليهم أجمعين».

و الآخر: وجوب إطاعتهم على الخلق، لأنّ الأمر بالسؤال عنهم عليهم السّلام يستلزم وجوب قبول جوابهم. و لا يستفاد منها إلّا وجوب الإطاعة. و لا تدل على موضوع وجوبها، و أنّه ممّا يستقل به الإمام عليه السّلام أو ممّا يشترط في صحته إذنه عليه السّلام.

و لعل مراد المصنف قدّس سرّه بالأخبار الخاصة روايات اخرى.

و لعلّ ما يكون منها بكلمة «اللام»- نظير ما ورد في الحدود و التعزيرات من «أنّها لإمام المسلمين»- ظاهرا في الولاية بالمعنى الأوّل، و هو الاستقلال بالتصرف، لظهور اللام في الاختصاص. و ما يكون منها بلفظ الأولوية أو الأحقية و نحوهما- نظير ما ورد في صلاة الجنائز من «أن سلطان اللّه أحقّ بها من كل أحد»- ظاهرا في الولاية بالمعنى الثاني، و هو اشتراط تصرف الغير بإذنه، لكون صلاة الميّت واجبة كفائيّا على الجميع، و صحّتها من الغير مشروطة بإذن السلطان.

(1) كالتصرف فيما هو ملك المسلمين قاطبة كالأراضي الخراجية، و غير ذلك ممّا علم بوجوب التصرف فيه أو بمشروعيته، إذ مع العلم بمشروعيته و الشك في إطلاقها أو اختصاصها بالإمام عليه السّلام يكون مقتضى الأصل اعتبار إذنه عليه السّلام، لكون الشك في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته، و أصالة التعيينية تقتضيها، فليتأمل [1].

(2) أي: في عدم جواز الاستقلال لغيرهم عليهم السّلام بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع التي لا يرضى الشارع بتعطيلها.

(3) فاعل «يكفي» و قد ورد ذلك في نصوص كثيرة، مثل ما رواه جابر الجعفي في

________________________________________

[1] وجهه: أنّه إن كان ذلك في زمان الحضور فلا بدّ من الرجوع إليه عليه السّلام، للتمكن من رفع الجهل بالرجوع إليه، و إن كان ذلك في زمان الغيبة، فيرجع إلى إطلاق الدليل إن كان. و الّا فلا مانع من أصالة عدم اشتراط الإذن الحاكمة على أصالة الاشتغال، لتسبّب الشك في الاشتغال عن الشك في الاشتراط الذي يرجع فيه إلى أصالة عدمه.

ص: 142

..........

______________________________

تفسيره عن جابر الأنصاري، قال: «سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* عرفنا اللّه و رسوله، فمن اولي الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمّد بن على المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام. ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثم عليّ بن موسى، ثم محمّد بن علي، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن عليّ، ثم سميّي و كنيّي [و ذو كنيتي] حجة اللّه في أرضه، و بقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، الذي يفتح اللّه على يده مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته [و أوليائه] غيبة لا يثبت [فيها] على القول في إمامته، إلّا من امتحن .. قلبه بالإيمان» «1».

و تقريب الاستدلال: أنّ إطاعة اولي الأمر خصوصا مع اقترانه بطاعة اللّه سبحانه و تعالى و طاعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقتضي لزوم الرجوع إليهم في الأمور العامة الّتي يرجع فيها إلى من بيده أزمّة الأمور.

و ليس المراد ما قيل: من خصوص الأمور الراجعة إلى السلطنة و الخلافة، بدعوى «ظهور الأمر في- أولي الأمر- في الخلافة حتى يختصّ ذلك بما يتعلّق بشؤون السلطنة، كأخذ الخراج من الأراضي الخراجية، و جمع العسكر، و حفظ الثغور، و تجهيز الجيوش، و غير ذلك ممّا يتعلّق بأمر السلطنة و الخلافة، و لا يشمل كثيرا من الأمور غير المرتبطة بشؤون السلطنة، كالتصرف في أموال القصّر و التصدي للأوقاف العامة التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها، و غير ذلك من الأمور الحسبية التي ليست هي من شؤون السلطنة، و عليه فالدليل أخص من المدّعى، لخروج هذه الأمور الحسبية عن مفاد آية اولى الأمر».

و ذلك لما عرفت من ظهور إطاعة اولى الأمر في جميع الأمور سواء أ كانت متعلقة بأمر الخلافة و السلطنة أم غيره. و لا تكون الإضافة إلى الأمر قرينة على إرادة خصوص

______________________________

(1) بحار الأنوار، ج 23، ص 289، الباب 17 من كتاب الإمامة، ح 16، رواه عن اعلام الورى و المناقب، و لاحظ الحديث 2 و 3 و 13 و 17 و 28 و 29 و 30 و 41 و 48 و 49 و 53 و 60، و لاحظ الكافي أيضا، ج 1، ص 205 باب أن الأئمة عليهم السّلام ولاة الأمر.

ص: 143

هذا العنوان (1) عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامّة الّتي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.

و كذا (2) ما دلّ على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معلّلا «بأنّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه» «1» [1]

______________________________

الأمور القائمة بالخلافة و السلطنة، إذ مع الشك في قرينيّتها يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق الدافعة للشك في وجود القرينة و قرينية الموجود، من دون فرق بينهما، لحجية العام فيهما. و عدم رفع اليد عن الحجة إلّا بالحجة، نظير حجية العام في المخصص المجمل المفهومي المردّد بين الأقل و الأكثر، كمفهوم «الفاسق» المردّد بين مرتكب مطلق المعصية، و مرتكب الكبيرة، فإنّه مع احتمال قرينية الفاسق بمعناه المطلق على التخصيص يتمسّك بالعام، و لا يعبأ بهذا الاحتمال. فلا وجه لدعوى حجية العام في خصوص الشك في وجود القرينة.

(1) أي: عنوان اولى الأمر، فإنّ الرجوع إلى هذا العنوان ظاهر في الرجوع إلى اولى الأمر في الأمور العامة التي لم تحمل على شخص خاص. و هذا يشمل الواجب الكفائي و غيره، و لا يشمل الواجب العيني الذي حمل على كل شخص بعينه.

(2) معطوف على «ما دلّ على أنّهم أولو الأمر» و هذا هو الدليل الثاني على الولاية بالمعنى الثاني، و حاصله: أنّ التعليل في التوقيع الرفيع «بأن رواة الحديث- المراد بهم الفقهاء- حجتي عليكم و أنا حجة اللّه» يدلّ على أنّ الامام عليه السّلام هو المرجع الأصلي في

______________________________

[1] قد يقال: «الحجيّة تكون في تبليغ أمر، فيختص مدلولها في المقام بتبليغ الأحكام الشرعية، و لا يشمل التصرفات الشخصية في الأموال و النفوس، أو تصدّي المصالح العامة من الحكومة و فصل الخصومة، أو إجراء الحدود، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن مفهوم الحجية التي هي من الاحتجاج .. إلى أن قال: فالتوقيع الشريف أجنبي عن المدّعى» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9، رواه عن الصدوق في إكمال الدين و عن الشيخ في الغيبة.

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 156

ص: 144

فإنّه دلّ على أنّ الإمام هو المرجع الأصلي [1].

______________________________

الحوادث، و أنّ الفقهاء- و هم الرواة المذكورون في التوقيع الشريف- منصوبون من قبله عليه السّلام. و المراد بالحوادث هي الأمور التي تحتاج إلى الرأي و النظر، كامور القاصرين، و تصدّي الأوقاف التي لا متولّي لها.

و ليس المراد بها المسائل الشرعية، بأن يكون الرواة أي الفقهاء مراجع في أحكامها.

إذ فيه أوّلا: أنّ المناسب حينئذ أن يقول عليه السّلام: «فإنهم حجج اللّه» كما يقال: الامناء على أحكامه، أو على حلاله و حرامه».

______________________________

أقول: لازم ما أفاده قدّس سرّه الالتزام بكون «الحجة» في قوله عليه السّلام: «و أنا حجة اللّه» بمعنى التبليغ فقط، مع شيوع إطلاق الحجة عليه و على كل واحد من الأئمة المعصومين «عليهم الصلاة و السلام». و لا وجه للتفكيك في معنى كلمة «الحجة» في التوقيع بين إطلاقها على الإمام عليه السّلام و على الرواة. فهل يمكن أن يقال: إنّ المراد بقوله عليه السّلام: «و أنا حجة اللّه» خصوص تبليغ الأحكام؟

فليس المراد بالحجة معناها اللغوي، بل معناها العرفي العام الموجب لإرادة معنى واحد من الحجة فيه عليه السّلام و في سائر الأئمة عليهم السّلام و في الرواة. و الفرق إنّما هو في الإضافة، حيث إنّ حجيّة الإمام عليه السّلام مضافة إلى اللّه سبحانه و تعالى، كما قال عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف: «و أنا حجة اللّه» و حجية الرواة مضافة إلى نفسه المقدسة، لقوله صلوات اللّه عليه:

«فإنّهم حجتي عليكم» و من وحدة مفهوم الحجة عرفا في حجية الامام و الرواة ينفتح باب بحث ولاية الفقيه، و يثبت له ما للإمام عليه السّلام من الولاية العامة، إلّا ما خرج بالدليل، فتأمّل جيّدا.

[1] لكن قد يدّعى إجمال «الحوادث» بتقريب: أنّ اللّام للعهد، فهو إشارة إلى الحوادث المذكورة في السؤال، و تلك الحوادث مجهولة لنا، لعدم وصول الأسئلة إلينا، فالتوقيع لإجماله يسقط عن الاعتبار.

و فيه: أنّ توصيف الحوادث ب «الواقعة» يدفع هذه الدعوى، إذ المراد بالواقعة ما يقع

ص: 145

و ما (1) عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السّلام في علل حاجة الناس إلى الإمام عليه السّلام، حيث قال بعد ذكر جملة من العلل:

______________________________

و ثانيا: أنّ رجوع الجاهل الى العالم أمر ارتكازي عقلائي لا يحتاج إلى السؤال خصوصا من مثل إسحاق بن يعقوب حتى يجعله من المسائل التي أشكلت عليه. بخلاف الرجوع في المصالح العامة، إذ يمكن أن لا يكون كلّ أحد مرجعا فيها، بأن يوكّل شخصا معيّنا من ثقاته للنظر في تلك الوقائع. و لذا سأله عن ذلك، فأجاب عليه السّلام بالرجوع إلى الرواة و هم الفقهاء، لا الرواة من حيث هم رواة، و إلّا كان المناسب أن يقول عليه السّلام:

«فارجعوا فيها إلى رواياتنا»، لأنّها المرجع الأصلي حينئذ. و النظر إلى الرواة طريقي.

(1) معطول على «ما دلّ على أنّهم أولوا الأمر» و هذه الرواية كغير واحدة من الروايات تدلّ على الولاية التشريعية للإمام عليه السّلام بكلام معنييها، من ولايته عليه السّلام بالاستقلال كالأمور القائمة بالسلطنة و الخلافة، و من ولايته عليه السّلام على الاستيذان منه في بعض الأفعال، مع أنّ المصنف جعل هذه الرواية من أدلّة الولاية بالمعنى الثاني، فلاحظ قوله قدّس سرّه: «و أمّا بالمعنى الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم .. إلخ».

______________________________

في المستقبل، فليس اللام للعهد، بل للاستغراق، هذا.

مضافا إلى: أنّه يمكن أن يقال: إنّ أصالة العموم تدفع الشك في وجود القرينة و قرينية الموجود، و ترفع الإجمال، فيكون المراد كلّ حادثة، سواء أ كانت ممّا يرجع فيه إلى الامام عليه السّلام بالاستقلال، أم ممّا يرجع فيه إليه للاستيذان منه، لتوقف صحة العمل على إذنه.

فلا يختص التوقيع بالولاية بمعناها الثاني، كما هو ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه، بل يشملها بكلا معنييها، لأنّ الرجوع إلى الفقيه أعمّ ممّا يكون له الولاية عليه بالاستقلال، أو يكون إذنه شرطا في صحة عمل الغير.

و بالجملة: عموم «الحوادث» المحلّى باللام، و إطلاق الرجوع يقتضيان إرادة الولاية بكلا معنييها.

ص: 146

«و منها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل عاشوا و بقوا «1» إلّا بقيّم و رئيس، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما «2» يعلم أنّه (1) لا بدّ لهم منه، و لا قوام لهم إلّا به» «3».

هذا، مضافا (2) إلى ما ورد في خصوص الحدود (3) و التعزيرات (4) و الحكومات (5)،

______________________________

(1) الضمير للشأن، و ضميرا «منه، به» راجعان إلى القيّم.

(2) هذا دليل آخر على الولاية بالمعنى الثاني، و هو: اشتراط صحة عمل الغير بإذنه عليه السّلام.

لكن الولاية في الحدود و التعزيرات و نحوهما إنّما هي بمعنى الاستقلال بالتصرف، لا بالمعنى الثاني المزبور. نعم تكون ولايته على صلاة الجنازة بالمعنى الثاني.

(3) كقوله عليه السّلام في معتبرة بريد بن معاوية الواردة في حدّ المحارب: «ذلك إلى الإمام يفعل ما يشاء». الحديث «4».

(4) مثل ما رواه سماعة في تعزير شهود الزور: «يجلدون حدّا ليس له وقت، فذلك إلى الإمام» «5».

(5) كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ» «6».

______________________________

(1) كذا في النسخة، و في العلل: «بقوا و عاشوا».

(2) كذا في النسخة، و في المصدر «مما يعلم».

(3) علل الشرائع، ص 253، الباب 182، ذيل الحديث: 9، و رواه في البحار عنه و عن عيون أخبار الرضا، فراجع، ج 23، ص 32، باب الاضطرار إلى الحجة، ح 52

(4) وسائل الشيعة، ج 18، ص 533، الباب 1 من أبواب حدّ المحارب، ح 2

(5) المصدر، ص 584، الباب 11، الحديث: 1

(6) وسائل الشيعة، ج 18، ص 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي.

ص: 147

و «أنّها لإمام المسلمين [1]». و في (1) الصلاة على الجنائز من (2) «أنّ سلطان اللّه أحقّ بها (3) من كلّ أحد» و غير ذلك (4)

______________________________

(1) معطوف على «في» في قوله: «في خصوص الحدود» يعني: و ما ورد في الصلاة على الجنائز.

(2) بيان ل «ما ورد في الصلاة».

(3) أي: بالصلاة، و كلمة «من كل أحد» غير موجودة في النصوص و إن كانت مستفادة من حذف المفضّل عليه في ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا حضر سلطان من سلطان اللّه فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه وليّ الميت، و إلّا فهو غاصب» «1».

و دلالة هذه الرواية على ما رامه المصنف قدّس سرّه من اشتراط صحة الصلاة على الجنازة بإذن الإمام عليه السّلام- و لو في خصوص فرض تقديم وليّ الميت- واضحة.

و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحقّ الناس بالصلاة عليها» «2». و ظاهر إطلاق «الأحقيّة» عدم اشتراطها بتقديم وليّ الميت و إذنه. و التفصيل موكول إلى محلّه.

(4) من الأمور الحسبية التي يتوقف جواز تصدّيها على إذنهم «صلوات اللّه عليهم».

و أمّا الأمور الراجعة إلى السلطنة فهي من الولاية بمعنى الاستقلال.

______________________________

[1] قد مرّ في بعض الحواشي المتعلقة بالمقام: أنّ أدلة الولاية ان كانت مشتملة على كلمة (اللام) نظير «أنّها لإمام المسلمين» فهو ظاهر في الولاية بمعناها الأوّل.

و إن كانت بكلمة «الأولى و الأحق» و نحوهما ممّا يدلّ على الاشتراك في المبدء فهو ظاهر في الولاية بالمعنى الثاني.

و منه يظهر: أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من أدلة الولاية بالمعنى الثاني- لا يختصّ بها، بل يعمّ الولاية بكلا معنييها، فتأمّل في عباراته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 801، الباب 23 من أبواب صلاة الجنازة، ح 4

(2) المصدر، ح 3

ص: 148

ممّا يعثر عليه المتتبّع (1).

______________________________

(1) مثل ما ورد في حكم الزوجة المفقود زوجها- مع انقطاع خبره و عدم إنفاق وليّ الزوج عليها- من: أنّها ترفع أمرها إلى الامام. ففي موثق سماعة: «و إن لم تعلم أين هو من الأرض كلّها، و لم يأتها منه كتاب و لا خبر، فإنّها تأتي الإمام، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين .. فإن لم تجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر و عشرا، ثم تحلّ للأزواج ..» «1».

و قال في الجواهر: «إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه السّلام لا حال قصورها ..» «2».

و في بعض النصوص التعبير «بالوالي و السلطان» بدل «الامام» لكنه غير قادح في المقصود، لورود نظير ذلك في ما يتعلق بالحدود و التعزيرات أيضا، مع أنّ المصنف جعلها من أدلة ولاية الإمام العامة.

و ما ورد في تقسيم الخمس بين الأصناف، كقوله عليه السّلام في معتبرة البزنطي: «أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف يصنع؟ أ ليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام» «3».

و ما ورد في الأنفال من قوله عليه السّلام: «و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «4».

و ما ورد في إجبار المولى على أحد الأمرين- من الرجوع أو الطلاق- مثل ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يجعل له حظيرة من قصب، و يجعله [و يحبسه] فيها، و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلّق» «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2 و بمضمونه نصوص اخرى وردت في ج 15، ص 389 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.

(2) الجواهر، ج 32، ص 290

(3) وسائل الشيعة، ج 6، ص 362، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، ح: 1

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(5) وسائل الشيعة، ج 15، ص 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، ح 1، و نحوه سائر أخبار الباب، فراجع.

و الخطيرة «الموضع الذي يحاط بالقصب و الخشب .. تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد و الريح» لسان العرب، ج 4، ص 203 و قريب منه في مجمع البحرين، ج 3، ص 273

ص: 149

و كيف (1) كان فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في كثير من الأمور العامّة (2) بدون إذنهم و رضاهم (3). لكن لا عموم (4) يقتضي أصالة توقّف كلّ تصرّف على الإذن.

نعم (5) الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم، لا يبعد الاطّراد

______________________________

و كقوله عليه السّلام في الحكم بالهلال: «ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا» «1» بعد وضوح كون التقية في تطبيق العنوان على مثل الدوانيقي اللعين، و ليس التقية في ثبوت أصل المنصب للإمام الحق، كما قرر في محلّه.

(1) يعني: سواء أ كان الدليل وافيا بإثبات ولاية الإمام عليه السّلام في بعض الموارد الخاصة أم غير واف به، فإنّه لا إشكال في ثبوت ولايته عليه السّلام في كثير من الأمور العامة، و حرمة تصدّي الغير بدون إذنه.

(2) دون الأمور الشخصية الراجعة إلى العباد بأشخاصهم كواجباتهم العينية، و معاملاتهم من عقودهم و إيقاعاتهم.

(3) أي: بدون إذن الأئمة عليهم السّلام و رضاهم. و الوجه في عدم جواز التصرف بدون إذنهم «صلوات اللّه عليهم» هو امتناع الرجوع- في عدم اعتبار الإذن- إلى أصالة عدم الاشتراط، إذ المفروض إمكان إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه السّلام، كعدم الرجوع إلى إطلاق دليل لو كان للزوم الفحص عن المقيّد.

و بالجملة: فاللازم حينئذ الاحتياط، و عدم الرجوع إلى أصالة عدم الاشتراط.

(4) يعني: لا عموم في شي ء من أدلة تلك الأمور العامة يقتضي أصالة توقف كل تصرف على الإذن حتى يرجع إليها عند الشك في اعتبار الإذن.

(5) استدراك على قوله: «لكن لا عموم» و حاصله: أنّه و إن لم يكن هنا دليل يقتضي عموم توقف كل تصرف على الإذن. إلّا أنّه تمكن دعوى اطّراد الإذن في كل أمر يرجع فيه كلّ قوم إلى الرئيس، بأن يكون ذلك الأمر من وظائف و خصائص اولي الأمر،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 7، ص 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 5

ص: 150

فيها (1) بمقتضى كونهم (2) أولى الأمر و ولاته، و المرجع (3) الأصليّ في الحوادث الواقعة، و المرجع في غير ذلك (4) من موارد الشك (5) إلى (6) إطلاقات تلك التصرّفات إن وجدت على الجواز (7) أو المنع، و إلّا (8) فإلى الأصول العملية.

لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاصّ مع التمكّن منه (9)

______________________________

دون الرّعية، فإنّ مقتضى اختصاصه بوليّ الأمر عدم جواز تصرف غيره بدون إذنه «سلام اللّه عليه».

(1) هذا الضمير و ضمير «فيها» المتقدم راجعان إلى: الأمور.

(2) أي: الأئمة عليهم السّلام، فإنّهم رؤساء، لكونهم اولى الأمر و ولاته.

(3) معطوف على «اولي الأمر» يعني: بمقتضى كون الأئمة المرجع الأصلي.

(4) أي: في غير تلك الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم. و الأولى أن يقال: «تلك» بدل «ذلك».

(5) أي: الشك في اعتبار إذن الإمام عليه السّلام في صحة تصرف الغير و عدمه.

(6) خبر «و المرجع» توضيحه: أنّ الأمور إن كانت ممّا يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم توقّف صحّتها على الإذن. و إن لم تكن من تلك الأمور، و شكّ في اعتبار الإذن فيها، فيرجع فيها إلى أدلة تلك التصرفات. فإن وجد فيها إطلاق يدل على جواز تصرف الغير بدون الإذن، أو يدلّ على عدم جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه السّلام فهو المتّبع.

و إن لم يوجد فيها إطلاق، و شكّ في اعتبار الإذن فيها فالمرجع الأصل العمليّ.

و هو أصالة عدم اعتبار الإذن.

لكن المفروض في المقام هو التمكّن من الرجوع إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص، و إزالة الشبهة، فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي لا يرجع إليه مع وجود الدليل.

فلا بد في إحراز صحة العمل من الاحتياط.

(7) أي: جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه السّلام، أو منع التصرف بدون الإذن.

(8) أي: و إن لم توجد إطلاقات على الجواز أو المنع، فيرجع إلى الأصول العملية.

(9) أي: من الرجوع إلى كل واحد من الإمام أو نائبه الخاص.

ص: 151

لم يجز إجراء الأصول، لأنّها (1) لا تنفع مع التمكّن من الرجوع إلى الحجّة، و إنّما تنفع (2) مع عدم التمكّن من الرجوع إليها (3) لبعض العوارض.

[ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف]
اشارة

و بالجملة: فلا يهمّنا التعرّض لذلك (4)، إنّما المهمّ التعرّض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدّمين (5)، فنقول:

أمّا الولاية (6) على الوجه الأوّل- أعني استقلاله في التصرّف- فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيّل (7) من أخبار واردة في شأن العلماء،

______________________________

(1) أي: لأنّ الأصول لا تجري مع التمكن من الرجوع إلى الحجة و رفع الشبهة بها.

(2) يعني: و إنّما تنفع الأصول العملية مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحجة.

(3) أي: إلى الحجة لبعض العوارض كالتقية، أو الحبس الموجب لحرمان الشيعة عن التشرف بمحضره الشريف.

(4) أي: لثبوت ولاية الإمام عليه السّلام بل لا ينبغي لنا التعرض لذلك.

(5) و هما: الاستقلال في التصرف، و اشتراط تصرف الغير بإذنه.

(6) المراد بالولاية التي يبحث عن ثبوتها للفقيه و عدمه هو الاعتبارية التشريعية دون التكوينية التي هي من لوازم ذواتهم النورية، و ليست من المناصب المجعولة الشرعية، و لا ملازمة بينهما، و لذا لا تكون الولاية التكوينية للفقيه، و ليس لأحد ادّعاء ذلك، و إن قلنا بثبوت الولاية المجعولة شرعا له.

كما أنّه لا سنخية بينهما، لكون التكوينية حقيقية، و التشريعية اعتبارية، فهما متباينتان. فلا يقال: إنّ الولاية التكوينية التي هي أشد تستلزم الولاية التشريعية التي هي أضعف بالأولوية. بل ثبوتها محتاج الى الدليل، و لا تثبت بالأولوية المذكورة، لتوقفها على اندراجها تحت حقيقة واحدة ليجري فيها التشكيك بالشدة و الضعف.

(7) ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف المتخيّل هو الفاضل النراقي قدّس سرّه، حيث إنّه جعل وظيفة الحاكم الشرعي في مقامين: «أحدهما: أنّ كلّ ما كان للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الامام عليه السّلام فهو للفقهاء، إلّا ما أخرجه الدليل.

و ثانيهما: أنّ كل فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، و لا بدّ من الإتيان به

ص: 152

..........

______________________________

و لا مفرّ منه، إمّا عقلا، أو عاد من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه، و إناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به. أو شرعا من جهة ورود أمر به، أو إجماع، أو نفي ضرر أو إضرار و لم يجعل وظيفته لمعيّن واحد أو جماعة، و لا لغير معيّن- أي واحد- لا بعينه بل علم لابديّة الإتيان به أو الإذن فيه، و لم يعلم المأمور به و لا المأذون فيه فهو وظيفة الفقيه، و له التصرف فيه و الإتيان به» «1».

ثم استدلّ على ثبوت المنصب الأوّل للفقيه بالإجماع الذي نصّ به كثير من الأصحاب، بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات. و بالتصريح به في الأخبار من كونه وارث الأنبياء أو أمين الرسل .. و غيرهما ممّا سيذكره المصنّف عنه.

و وافقه صاحب العناوين قدّس سرّه في أصل الدعوى، اعتمادا على الإجماع و على بعض النصوص التي استند إليها في العوائد، و سيأتي ذكرها في المتن و إن ناقش في جملة منها بقصور الدلالة.

و استظهر صاحب العناوين هذه الولاية العامة من كلمات الأصحاب بالتتبّع في أبواب متفرقة، لا بأس بالإشارة إلى جملة منها، كدفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إلى الحاكم.

و وجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه.

و ولايته في مال الامام عليه السّلام.

و توقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه.

و توقف حلف الغريم على إذنه.

و ولايته في أداء دين الممتنع من ماله.

و في القبض في الوقف على جهات عامّة.

و في بيع الوقف حيث يجوز و لا وليّ له.

و في بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه.

و في إجبار الوصيّين على الاجتماع.

و في ضمّ المعين إلى الوصي العاجز.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 536

ص: 153

مثل (1) «أنّ (2) العلماء ورثة الأنبياء، و أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما و لكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم [1]،

______________________________

و في فرض المهر لمفوّضة البضع، و غيرها من الفروع. فراجع «1».

و إن كان قدّس سرّه قد جمع فيها بين ولاية الفقيه بمعنى استقلاله في التصرف و بين توقف تصدّي الغير على إذنه، و كان ينبغي الفرق بين المقامين، فراجع العوائد و العناوين متأمّلا فيهما.

(1) بيان ل «ما» و حاصله: أنّه لا عموم في البين يثبت الولاية بمعناه الأوّل بنحو الضابط الكلي إلّا ما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء، استدل بها بعض على ولاية الفقيه، و قد نقل المصنف قدّس سرّه جملة من تلك الأخبار.

(2) و هو ما رواه في الكافي و أمالي الصدوق بأسانيد عديدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا إلى الجنة، و أنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به، و أنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء» إلى أن قال: «و أنّ العلماء ورثة الأنبياء، أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما، و لكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر».

تقريب الاستدلال به هو: أنّ قاعدة الإرث تقتضي انتقال كل ما للمورّث من مال

______________________________

[1] لا يخفى أنّ إطلاق الوراثة و إن كان مقتضيا لانتقال جميع ما للمورّث إلى الوارث، إلّا أنّ الإطلاق هنا غير مراد قطعا، للتصريح بأنّ الموروث ليس هو الدينار و الدرهم، بل ميراث الأنبياء هو العلم، فلا يدلّ هذا الحديث على ثبوت شي ء من الولاية بمعنييها للفقيه أصلا.

و ليس عدم دلالته على ولاية الفقيه لأجل إرادة الأئمة عليهم السّلام من العلماء، و ذلك لما في نفس الحديث من «أنّ الملائكة لتضع أجنحتها ..» فإنّ هذه الجملة و ما بعدها قرينة قطعية على عدم إرادة الأئمة الأطهار عليهم السّلام من العلماء. و تبيّن أيضا المراد من الوراثة، و أنّها هي العلم دون غيره من الولاية على الأنفس و الأموال التي هي مورد البحث.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 562 و 563

ص: 154

فمن أخذ بشي ء منها أخذ بحظّ وافر» «1».

و «أنّ (1) العلماء أمناء الرسل».

______________________________

أو حقّ أو غيرهما إلى الوارث. فالولاية المطلقة التي هي للأنبياء تنتقل الى العلماء الّذين هم ورثتهم هذا.

لكن فيه: أنّ الحديث يبيّن موضوع الوارثة و هو خصوص العلم، فلا إطلاق في الوراثة حتى يشمل الولاية، فهو أجنبيّ عن ثبوت الولاية في الأنفس و الأموال.

(1) معطوف على قوله: «ان العلماء ورثة الأنبياء» و لم أجد في عدة من كتب الأخبار رواية باللفظ المذكور في المتن، و إن روي ذلك في بعض كتب العامة.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه جمع بين روايتين أوردهما الفاضل النراقي، إحداهما: رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «العلماء أمناء» «2».

و الأخرى رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا؟ قال:

اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» «3».

تقريب الاستدلال به: أنّ الأمين هو الحافظ لما أودع عنده، و الودائع التي أودعت عند العلماء من الرّعية هو جميع الشؤون المتعلقة بالرّعية، فالعلماء أمناء على جميع أمورهم و حفظ مصالحهم و دفع مفاسدهم، و الولاية من أعظم تلك الشؤون، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 53، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث: 2، لكن الموجود في الوسائل عن الكافي: «و ذاك أن الأنبياء» نعم ورد في رواية القداح عن الصادق عن رسول اللّه أنه قال: «و أن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا .. دينارا و لا درهما، و لكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» البحار، ج 1، ص 164، الباب 2 من أبواب العلم و آدابه، فراجع. و اقتصر الفاضل في العوائد على الجملة الاولى و هي: «العلماء ورثة الأنبياء ..» و الظاهر أنّ المصنف جمع بين الروايتين، فلاحظ.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 33 باب صفة العلم و فصله و فضل العلماء، ح 5

(3) المصدر، ص 46، باب المستأكل بعلمه و المباهي به، ح 5، و رواه في مستدرك الوسائل عن نوادر الراوندي، فراجع، ج 13، ص 124، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 8

ص: 155

و قوله (1) عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه» «1».

______________________________

و فيه: أنّ الظاهر كون المراد بالأمانة هو الدين أعني به الأحكام، و العلماء أمناء الرسل في تبليغ الأحكام إلى الرعية، و اتّباع السلطان يوجب الخيانة، و لذا قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«فاحذروهم على دينكم» أي: أحكامكم، لصيرورتهم خائنين.

(1) معطوف على «أن» فهو مجرور بإضافة «مثل» إليه، و هو ما روي عن مولانا الامام الشهيد أبي عبد اللّه الحسين صلوات اللّه عليه: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه و الامناء على حلاله و حرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق، و اختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة. و لو صبرتم على الأذى و تحمّلتم المئونة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع.

و لكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم ..» الحديث.

تقريب الاستدلال به: أنّ عطف «الأحكام» على «الأمور» ظاهر في المغايرة. كما أنّ المراد بالعلماء هم الفقهاء دون الأئمة المعصومين «صلوات اللّه عليهم أجمعين» لشهادة أكثر الجمل المذكورة فيه بذلك كما هو واضح لا يحتاج إلى البيان. فاحتمال إرادة الأئمة عليهم السّلام من العلماء- كما قيل- ضعيف غايته.

فيدلّ الحديث على أنّ مجاري الأمور المتعلقة بالحكومة الإسلامية- و كذا الأحكام الشرعية- يلزم أن تكون بيد العلماء، حيث إنّ الظاهر وقوع الجملة الخبرية في مقام الإنشاء.

و بالجملة: فظهور الحديث في ولاية الفقيه ممّا لا ينبغي إنكاره. نعم ضعف سند الرواية يمنع الاعتماد عليها.

______________________________

(1) تحف العقول طباعة طهران عام 1377، ص 238 من كلام سيد الشهداء صلوات اللّه و سلامه عليه أو أمير المؤمنين في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و رواه عنه في البحار، ج 10، ص 80، ح 27

ص: 156

و قوله (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» «1».

و في المرسلة (2) المرويّة في الفقه الرضويّ: «إنّ منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» «2».

و قوله (3) عليه السّلام في نهج البلاغة: «أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، إِنَّ أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الآية» «3».

______________________________

(1) عدّ من أدلة ولاية الفقيه هذا النبوي، و الظاهر أنّ وجه الشبه فيه ليس هو الولاية على الأموال و الأنفس، لعدم ثبوتها في حق أنبياء بني إسرائيل، فإنّهم كما قيل كانوا مبلّغين لشريعة موسى عليه السّلام. و عليه فوجه الشبه هو الفضيلة و علوّ الدرجات.

و يؤيّده ما روي من: «أنّ العلماء أفضل من أنبياء بني إسرائيل».

(2) يعني: و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المرسلة المروية في الفقه الرضوي. و دلالة هذا الرضوي على ولاية الفقيه في زمان عدم بسط يد الامام عليه السّلام ظاهرة. لكنها منوطة بثبوت الولاية على الأنفس و الأموال لأنبياء بني إسرائيل، و ذلك غير ثابت. مضافا إلى ضعف السند.

ثم إنّ الأولى بمقتضى السياق أن يقال: «و قوله في المرسلة» و لعلّ حذف كلمة «قوله» لكون المرسلة من كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا.

(3) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» أي: مثل قول أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه» و تقريب دلالته: أنّ مقتضى أولوية الأعلم بالأنبياء هو ثبوت جميع ما للأنبياء عليهم السّلام من الشؤون المتعلقة برسالتهم- التي منها الولاية على الأمّة- لأعلم الناس بما جاؤوا به، فإنّ الولاية التشريعية المجعولة من الشارع التي هي المبحوث عنها تكون من جملة ما جاء به

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 4، ص 77، ح 67، و عنه في البحار، ج 2، ص 22، ح 67، و عنه و نقله المحدث النوري في المستدرك ج 17، ص 320، ح 30 عن العلامة في التحرير، ج 1، ص 3. و لكن ما في العوائد يختلف عمّا في المتن يسيرا، لقوله: «ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي فأقول: علماء أمّتي كسائر الأنبياء قبلي» عوائد الأيام، ص 532

(2) الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه الصلاة و السلام، ص 338، و عنه في البحار، ج 78، ص 346

(3) نهج البلاغة، ص 484، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السّلام الحكمة 96، و الآية من سورة آل عمران: 68

ص: 157

و قوله (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاثا: «اللّهم ارحم خلفائي. قيل: و من خلفاؤك يا رسول اللّه؟ قال: الّذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنّتي» «1».

و قوله (2) عليه السّلام في مقبولة ابن حنظلة: «قد جعلته عليكم حاكما» «2».

______________________________

الأنبياء عليهم السّلام، فجميع ما جاؤوا به من عند اللّه تعالى ثابت لأعلم الناس. فدعوى ظهور هذا الكلام في ثبوت الولاية قريبة جدّا.

لكن فيه: أنّه راجع إلى ولاية الأئمة عليهم السّلام لا الفقيه، لأنّ أعلم الناس بما جاء به الأنبياء عليهم السّلام ليس إلّا الأئمة الأطهار «عليهم صلوات اللّه الملك الغفار». فينبغي أنّ يعدّ هذا من أدلة ولايتهم عليهم السّلام لا ولاية الفقيه.

(1) تقريب الاستدلال به: أنّ الخلافة و إن كانت من الكلّيّات المشكّكة، إلّا أنّ مقتضى إطلاقها و عدم تقييدها بشأن خاص- كالقضاء بين الناس في قطع الدعاوي و الخصومات- هو ثبوت الولاية المطلقة الشرعية التي كانت للنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لخلفائه عليهم السّلام. و المراد بالخليفة كان واضحا، و لذا لم يسأل الراوي عن مفهومها، و سأل عن أوصاف الخليفة و علائمها.

فلا يرد عليه: «أنّه في مقام بيان أنّ الخلفاء هم الرواة، و ليس في مقام بيان ما فيه الخلافة، فيؤخذ القدر المتيقن و هو تبليغ الأحكام و نقل الأحاديث». و ذلك لما عرفت من وضوح معنى الخليفة عرفا. و أمّا توصيفهم بأنّهم يروون حديثي فلأجل إخراج العلماء الّذين لا يستندون في علمهم إلى أحاديثهم عليهم السّلام، بل يستندون إلى الأقيسة و الاستحسانات.

و بالجملة: فدلالة هذا الحديث على ولاية الفقيه مطلقا إلّا ما خرج لا بأس بها، و اللّه العالم.

(2) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» و الاستدلال بالمقبولة على ولاية الفقيه منوط بعدم إرادة القاضي من الحاكم، و إلّا كان مساوقا لقوله عليه السّلام: «قاضيا» في مشهورة أبي خديجة. و من المعلوم إطلاق الحاكم على القاضي كثيرا، كما يظهر من الوسائل في كتاب القضاء، و من تفسير الحكّام في الآية الشريفة وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ بما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 7

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص 98- 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1

ص: 158

و في مشهورة أبي خديجة: «جعلته عليكم قاضيا» «1».

و قوله (1) عجّل اللّه فرجه: «هم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه» «2».

______________________________

المكاتبة من أنّه عليه السّلام كتب بخطّه: «الحكام القضاة». فالمستفاد المتيقن من المقبولة و المشهورة هو منصب القضاء، دون الولاية المطلقة للفقيه [1].

(1) يدل هذا التوقيع الشريف على أنّ الراوي- المراد به الفقيه- هو المرجع و الحاكم في كلّ حادثة يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم. و من المعلوم أنّ في «الحوادث» السياسيات و الشرعيات. و لا فرق فيها بين ما يرتبط بشخص خاصّ أو بنظام المجتمع كالمعاهدة مع الأجانب في إخراج المعادن و إجراء عقد الذمة و أخذ الجزية من أهل الذمة، و غير ذلك ممّا يرجع فيه إلى الحكومة. و هذا معنى كون الفقيه حاكما مطلقا من ناحية من هو حجة من اللّه تعالى و مسلّط على عوالم الوجود كلّها، أرواحنا فداه و عجّل

______________________________

[1] إلّا أن يقال: انّ لفظ «الحاكم» في صدر المقبولة ظاهر في السلطان الذي يحكم بين الناس بالسيف و السّوط، و ليس ذلك شأن القاضي. فالحاكم و إن أطلق أحيانا على القاضي، إلّا أنّ المراد به هنا هو السلطان بقرينة العطف الظاهر في المغايرة في كلام السائل، حيث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة أ يحلّ ذلك؟» و الامام عليه السّلام قرّره على ذلك.

و الحاصل: أنّ مغايرة المعطوف و المعطوف عليه قرينة على عدم إرادة القاضي من السلطان، فإذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا. و جعل السلطان حاكما ظاهر في الولاية العامة الموجبة لإقامة الجمعة و إجراء الحدود، و أخذ الزكاة قهرا، و نظم البلاد، و غير ذلك ممّا هو شأن الحكومة، دون القاضي.

و عليه فما ذكرناه في (ص 135) من قولنا: «لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء و الإفتاء للفقيه دون الولاية المطلقة .. إلخ» لا يخلو من شي ء، فإنّ الأوفق بالقواعد العربية ما ذكرناه هنا، فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6

(2) إكمال الدين، ص 484، الباب 45، ح 4، وسائل الشيعة، ج 18، ص 101، ح 9، رواه عن إكمال الدين و الغيبة.

ص: 159

إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع (1).

[المناقشة في الأدلة على المدعى]

لكنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها- أو صدرها أو ذيلها- يقتضي الجزم بأنّها (2) [1] في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية،

______________________________

اللّه عزّ و جلّ فرجه الشريف. و إشكال إجمال الحوادث قد تقدم مع دفعه في التعاليق السابقة، فلاحظ (ص 145- 146).

فالمتحصل: أنّ كل ما ثبت لحجة اللّه تعالى ثبت للفقهاء الّذين هم حجج حجة اللّه، و التفاوت بينه أرواحنا فداه و بين الفقهاء إنّما هو في إضافة الحجية، لأنّها بالنسبة إليه عليه السّلام مضافة إلى اللّه تعالى، لقوله صلوات اللّه عليه: «و أنا حجة اللّه». و بالنسبة إلى الفقهاء مضافة إلى نفسه المقدسة، لقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم». و الظاهر بحسب الفهم العرفي أنّه لا تفاوت بينهما بحسب الحكم، فلا يوجب اختلاف الإضافة اختلافا في مفهومها و لا في حكمها.

(1) ممّا جعله الفاضل النراقي قدّس سرّه في عداد الأدلة.

مثل ما رواه الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السّلام أنه قال: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك» «1».

و ما رواه الشهيد قدّس سرّه في المنية «أنه تعالى قال لعيسى: عظّم العلماء، و اعرف فضلهم، فإنّي فضّلتهم على جميع خلقي إلّا النبيّين و المرسلين، كفضل الشمس على الكواكب، و كفضل الآخرة على الدنيا، و كفضلي على كل شي ء» «2». و غيرهما، فراجع العوائد «3».

(2) أي: بأنّ الروايات المذكورة. و غرض المصنف قدّس سرّه بيان ما استفاده من تلك الروايات، و تضعيف ما تخيّله البعض من دلالتها على ولاية الفقيه المطلقة.

______________________________

[1] لكن ظاهر بعضها كالتوقيع الرفيع ثبوت الولاية المطلقة للفقيه كما أشرنا إليه في التوضيح، حيث إنّ التفاوت في إضافة الحجية، و ذلك لا يوجب تفاوتا في مفهومها و لا في حكمها، فكل ما يثبت للحجة «صلوات اللّه عليه» من التبليغ و الولاية يثبت للفقيه إلّا ما خرج بالدليل.

______________________________

(1) كنز الفوائد، ج 2، ص 33.

(2) منية المريد، ص 121

(3) عوائد الأيام، ص 531- 533

ص: 160

لا كونهم (1) كالنبيّ و الأئمّة «صلوات اللّه عليهم» في كونهم أولى الناس في أموالهم.

فلو (2) طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلّف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا.

نعم (3) لو ثبت شرعا اشتراط صحّة أدائهما بدفعه إلى الفقيه

______________________________

و حاصله: أنّ المستفاد منها- بعد ملاحظتها سياقا أو صدرا أو ذيلا- هو الجزم بأنّ تلك الروايات في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث تبليغهم للأحكام الشرعية، و عدم كونها في مقام بيان أنّ الفقهاء كالنبي و الأئمة الأطهار عليهم الصلاة و السلام في كونهم أولى الناس بأنفسهم و أموالهم كما هو المطلوب من ولاية الفقيه.

أمّا ما يدلّ سياقا من تلك الروايات على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية- و لا يدلّ على ولاية الفقيه- فهو كرواية الكافي و أمالي الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من سلك طريقا يطلب فيه علما .. إلخ» فإنّ سياقه يشهد بأنّ المراد به العلماء المبلّغون للأحكام الشرعية، دون الأئمة عليهم السّلام. و نظيره غيره.

و إمّا ما يدلّ على ذلك صدرا فهو كالتوقيع و مقبولة ابن حنظلة و مشهورة أبي خديجة.

و أمّا ما يدلّ عليه ذيلا فهو ما ورد في تعيين ما ورثه العلماء من الأنبياء من العلم، لا الدرهم و الدينار.

(1) عطف على «بيان» أي: لا في مقام كونهم .. إلخ.

(2) هذا متفرع على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية فقط، و عدم ولايتهم، لأنّ وجوب الدفع إلى الفقيه- مع طلبه الخمس و الزكاة ممّن وجبا عليه- منوط بدليل آخر كالولاية، غير الدليل الأوّلي الدال على وجوبهما على المكلف، بل مقتضى إطلاق وجوبهما عليه هو اعتبار المباشرة، إلّا إذا قام الدليل على عدم اعتبارها.

(3) استدراك على قوله: «فلا دليل» و حاصله: أنّه يمكن أن يكون وجوب الدفع إلى الفقيه من جهة أخرى غير ولاية الفقيه، و هي فتوى الفقيه باشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه، فإنّه حينئذ يجب على المكلف اتباعه إن كان أعلم بناء على وجوب تقليد الأعلم، فإنّه يجب تقليده ابتداء، أو يجب تقليده بعد الاختيار، كما إذا تعدّد الفقهاء و لم يثبت أعلمية أحدهم، أو ثبتت و لكن لم يثبت وجوب تقليد الأعلم، فإنّه بعد الاختيار يجب تقليده تعيينا، بناء على كون التخيير ابتدائيا لا استمراريا.

ص: 161

مطلقا (1) أو بعد (2) المطالبة، و أفتى بذلك الفقيه، وجب (3) اتّباعه إن كان ممّن يتعيّن تقليده ابتداء أو بعد الاختيار (4)، فيخرج (5) عن محلّ الكلام (6).

هذا، مع (7) أنّه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار، وجب حملها على إرادة

______________________________

(1) يعني: سواء طلب الفقيه، أم لا، فاشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه مطلق، و لا يتوقف على طلبه.

(2) يعني: أو كان اشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه بعد المطالبة.

(3) جواب الشرط في قوله: «لو ثبت».

(4) قد عرفت المراد بهما فلا نعيد.

(5) أي: فيخرج اشتراط صحة أدائهما- بدفعه الى الفقيه- عن محل الكلام.

(6) إذ محلّ الكلام هو ثبوت الولاية للمجتهد حتى يجب دفع الخمس و الزكاة إليه مطلقا سواء طلبهما الفقيه أم لا، و سواء قلّده المكلف أم لا.

و لعلّ الأولى بسوق العبارة أن يقال: «أو بعد الاختيار، لكنه خارج عن محل الكلام».

(7) هذا وجه آخر لعدم استفادة كون الفقهاء كالنبي و الأئمة «صلوات اللّه عليهم أجمعين». و محصل هذا الوجه مع الغضّ عن الوجه الأوّل- من أنّ تلك الروايات تدل بملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها على أنّها في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث الأحكام الشرعية- هو: أنّه لو فرض دلالة الأخبار المذكورة على كون الفقهاء كالنبي و الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» في عموم الآثار، و أنّهم كالمعصومين حتى في الولاية على الأنفس و الأموال، وجب حمل تلك الأخبار على خلاف ظاهرها، و هو أظهر الآثار أعنى وظيفته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حيث الرسالة و التبليغ، إذ لو لم تحمل على هذا الأثر الخاص لزم تخصيص أكثر أفراد العام، و هو الولاية على الأموال و الأنفس، لوضوح عدم سلطنة الفقيه على أموال الناس و أنفسهم إلّا في موارد قليلة كالتصرف في أموال القصّر. و هذا المحذور يوجب صرف الكلام عن هذا الظهور، و حمله على إرادة الأثر الأظهر و هو تبليغ الأحكام، لأنّه يناسب الرسالة.

ص: 162

العام من الجهة [على إرادة الجهة] المعهودة المتعارفة من وظيفته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حيث كونه رسولا مبلّغا، و إلّا (1) لزم تخصيص أكثر أفراد العامّ، لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس و أنفسهم إلّا في موارد قليلة (2) بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته (3).

و بالجملة (4) فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام- إلّا ما خرج بالدليل- دونه خرط (5) القتاد [1].

______________________________

(1) أي: و إن لم تحمل تلك الأخبار على الجهة المعهودة المتعارفة لزم تخصيص الأكثر، لعدم سلطنة الفقيه على الأنفس و الأموال، فليس له الأمر بسكنى شخص في محل خاص، أو النهي عنها، و أمره بتزويج بنته بشخص خاص، أو نهيه عنه، و نحو ذلك من الموارد التي لا تحصى.

(2) كالتصرف في أموال القاصرين و الأموال المجهول ملّاكها و نحو ذلك، و هذه الموارد في غاية القلة بالنسبة إلى الموارد التي لا سلطنة للفقيه عليها كما لا يخفى.

(3) أي: سلطنة الفقيه.

(4) غرضه أنّ الأخبار المذكورة قاصرة عن إثبات الولاية و وجوب طاعة الفقيه كإطاعة النبي و الإمام «صلوات اللّه و سلامه عليهما»، و ليس فيها دليل عام يدلّ على ولاية الفقيه بحيث يرجع إليه عند الشك في ولايته في مورد.

فصار المتحصل إلى هنا: أنّ المصنف قدّس سرّه لا يقول بولاية الفقيه بمعناها الأوّل.

و عليه فمار امه الفاضل النراقي و غيره- من إثبات ولاية الحاكم الشرعي مطلقا- قد عرفت عدم وفاء الدليل به.

(5) خبر قوله: «فأقامه» و هذا إشارة إلى صعوبة إثبات ولاية الفقيه، لعدم دليل تامّ عليها، لا من الأخبار المتقدمة و لا غيرها.

______________________________

[1] قدم تقدم في بعض التعاليق: أنّ بعض الروايات التي ذكرت في المتن تدلّ على ولاية الفقيه كالتوقيع الرفيع بعد دفع إشكال إجمال الحوادث.

نعم يبقى إشكال ضعف السند، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح.

ص: 163

[ولاية الفقيه بمعنى إناطة تصرف الغير بإذنه]

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني أعني توقّف تصرّف الغير على إذنه فيما كان متوقّفا على إذن الإمام عليه السّلام (1). و حيث إنّ موارد التوقّف على إذن الإمام عليه السّلام غير مضبوطة، فلا بدّ من ذكر ما يكون كالضابط لها (2)، فنقول:

كلّ (3) معروف علم من الشارع إرادة وجوده (4) [1].

______________________________

(1) ولاية الفقيه بمعنى إناطة تصرف الغير بإذنه بحيث يكون جواز تصدّي الغير له مشروطا بإذن الفقيه في الموارد التي يشترط فيها إذن الإمام «عليه الصلاة و السلام»، و لا يكون الغير مستقلّا بالتصرف فيه.

(2) أي: لتلك الموارد التي تكون الولاية فيها على الوجه الثاني ثابتة له عليه السّلام.

(3) مبتدء، خبره جملة الشرط و الجزاء، و هي «إن علم كونه ..».

(4) أي: وجود المعروف، و جملة «علم من الشارع» صفة ل «معروف».

______________________________

و إن تكلف بعض لإثبات وثاقته ببيان بعض الوجوه، من نقل محمّد بن يعقوب الكليني الذي هو أخو إسحاق بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي المرسل بادّعائه إلى الناحية المقدسة بواسطة أحد نوّاب الناحية. و لو كان إسحاق مجهولا عنده كان من البعيد جدّا نقل التوقيع عنه بلا إشارة إلى حاله.

و من نقل الشيخ الصدوق الرجالي المولود بدعاء صاحب الأمر أرواحنا فداه عن الكليني هذه الواقعة في إكمال الدين. و لذا نقل شيخ الطائفة هذا التوقيع في كتاب الغيبة.

و كذا الطبرسي في الاحتجاج، مع عدم إشارة هؤلاء الأجلاء على حاله.

و بالجملة: هذه الوجوه و غيرها ممّا ذكروه إن أوجبت الاطمئنان بوثاقة الرجل فهو، و إلّا فضعف السند باق على حاله.

[1] ظاهر العبارة أنّ المقسم هو كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج بحيث لا يرضى بتركه. فإن كان كذلك فلا يكون قوله: «و ان لم يعلم ذلك و احتمل .. إلخ» قسما من هذا المقسم، بل يكون قسيما له، إذ المفروض عدم العلم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج. و احتمال اشتراط جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه.

و عليه فلا تخلو العبارة من اضطراب، لأنّ قوله: «و إن لم يعلم ذلك» بمقتضى السياق

ص: 164

في الخارج (1) إن علم كونه وظيفة شخص خاصّ كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاصّ كالإفتاء و القضاء، أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف

______________________________

(1) بحيث لا يرضى بتركه، بل لا بدّ من إيجاده في الخارج، سواء أ كان إيجاده وظيفة شخص خاص كالأب، حيث إن وظيفته النظر في مال ولده الصغير. أم كان إيجاده وظيفة صنف خاص كالإفتاء و القضاء اللذين هما وظيفتا الفقيه الجامع للشرائط. أم كان إيجاده وظيفة كلّ مكلف قادر عليه، كالأمر بالمعروف مع شرائطه.

______________________________

عدل لقوله: إن علم كونه وظيفة شخص خاص» مع أنّه ليس بسديد، لأنّه لو كان كذلك لزم أن يكون لقوله: «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» فردان:

أحدهما: أن يكون وجوده في الخارج وظيفة شخص أو صنف، أو كلّ قادر على القيام به.

و ثانيهما: أن لا يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج.

و هذا بمكان من الفساد، لاستلزامه فرديّة كلا المتناقضين لشي ء واحد، و هو ما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، فلا محالة يكون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» عدلا لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج. و ليس عدلا لما علم كونه وظيفة شخص خاصّ .. إلخ.

فالأولى إنشاء العبارة هكذا «كل معروف إن علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج من شخص خاص كالأب .. أو صنف خاص كالفقيه، أو كلّ من يقدر على القيام به، فلا إشكال في شي ء من ذلك. و ان لم يعلم ذلك أي: لم يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج و احتمل .. إلخ.

فيكون قوله: «و ان لم يعلم ذلك» عدلا لقوله: «إن علم من الشارع .. إلخ» و معطوفا عليه حتى لا يلزم خلل في المطلب، فلا بد من دخول إن الشرطية على قوله: «علم من الشارع» حتى يكون: «و إن لم يعلم» عدلا له.

ص: 165

فلا إشكال (1) في شي ء من ذلك (2). و إن لم يعلم ذلك (3) و احتمل كونه مشروطا في جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه، وجب (4) الرجوع فيه إليه.

ثمّ (5) إن علم الفقيه من الأدلّة جواز تولّيه، لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ، تولّاه (6) مباشرة أو استنابة [1] إن كان ممّن يرى الاستنابة فيه.

______________________________

(1) يعني: لا إشكال في عدم توقف هذه الأمور على إذن الفقيه، و عدم احتياج جواز تصدّيها إلى إذنه.

(2) أي: في تلك الأمور.

(3) أي: و إن لم يعلم إرادة الشارع وجود معروف في الخارج مطلقا، و احتمل كون ذلك المعروف مشروطا جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه، وجب الرجوع إليه في ذلك المعروف المحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه. و ذلك لعدم العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج، فلو تصدّى لفعله بدون الرجوع إلى الفقيه كان ذلك تشريعا محرّما.

و دليل مشروعية «كل معروف حسن» لا يشمله، لكون الشبهة موضوعية.

(4) جواب «إن لم يعلم» و قد مرّ وجه وجوب الرجوع فيه إلى الفقيه.

(5) بعد عدم جواز التصدي لما يحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه و وجوب الرجوع إليه، فإذا رجع إلى الفقيه في ذلك، فإن استنبط من الأدلة عدم إناطته بنظر الامام عليه السّلام أو نائبه الخاص تصدّاه الفقيه بنفسه، أو بالاستنابة إن كان ممّن يجوّز الاستنابة فيه.

(6) جواب الشرط في «إن علم» و ضميره البارز و ضمير «تولّيه» راجعان إلى كلّ معروف.

______________________________

[1] هذا صحيح، لكنه يلائم الولاية بالمعنى الأوّل و هو الاستقلال بالتصرف، لا بمعناها الثاني أعني به توقف تصرف الغير على إذن الفقيه الذي هو مورد البحث. و لعلّ مراده من جواز تولّي الفقيه له مباشرة أو استنابة هو أنّ هذا المورد من موارد توقف تصدّي الغير على إذن الفقيه، فتدبّر.

ص: 166

و إلّا (1) عطّله [1] فإنّ (2) كونه معروفا

______________________________

(1) أي: و إن لم يعلم الفقيه جواز تولّيه و تصدّيه من الأدلة، و احتمل إناطته بنظر الامام عليه السّلام أو نائبه الخاص و عدم كفاية إذن نائبه العام، عطّله، لفقدان شرطه.

(2) إشارة إلى إشكال و دفعه. أمّا الإشكال فهو: أنّه مع فرض كون المورد معروفا كيف يجوز تعطيله؟ كما إذا كان الأمر بالمعروف موجبا لجرح تارك المعروف، فإنّ كونه

______________________________

[1] التعطيل قرينة على كون قوله: «و إن لم يعلم ذلك .. إلخ» عدلا لقوله: «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» كما تقدّم آنفا، إذ لو كان عدلا لقوله: «إن علم كونه وظيفة شخص خاص ..» لم يلائم قوله: «عطّله» إذ لا معنى للتعطيل، مع كون المورد ممّا علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، فيكون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» قسيما لقوله: «كل معروف» لا قسما له، لامتناع كونه قسما له كما مرّ آنفا.

و بالجملة: لو كان قوله: «و إن لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، لم يكن وجه لتعطيل الواقعة، بل كان على الفقهاء أو عموم المسلمين إنفاذ حكمها، لتوجه التكليف إليهم، إذ المفروض العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج مطلقا و إن كان الإمام عليه السّلام غائبا أو متعذر الوصول إليه.

و بما ذكرنا- من كون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» قسيما لما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج- يظهر عدم توجه إشكال العلامة الإيرواني قدّس سرّه على ما أفاده المصنف قدّس سرّه من تعطيل الواقعة بتعذر الوصول إلى الامام عليه السّلام. و حاصل الاشكال: أنّه مع فرض إرادة الشارع وجود الواقعة في الخارج لا وجه للتعطيل، بل لا بدّ من إيجادها الواجب على كافة المسلمين، أو خصوص الفقهاء «1».

نعم يرد هذا الإشكال بناء على كون قول المصنف: «و ان لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده، لا قسيما له. و قد عرفت أنّه قسيم له، لا قسم له.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 157

ص: 167

لا ينافي (1) إناطته بنظر الإمام عليه السّلام و الحرمان (2) عنه عند فقده (3)، كسائر (4) البركات التي حرمناها بفقده عجّل اللّه تعالى فرجه.

و مرجع هذا (5) إلى الشكّ في كون المطلوب مطلق وجوده، أو وجوده من موجد خاصّ (6).

أمّا (7) وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة، فيدلّ عليه- مضافا إلى

______________________________

معروفا ينافي تعطيله.

(1) و أمّا دفع الإشكال فهو ما أشار إليه بقوله: «لا ينافي» و حاصله: أنّه لا ينافي معروفية المعروف إناطته بنظر الامام عليه السّلام، كما إذا كان الإذن شرطا لصحته كصلاة الميت التي هي من المعروف، و مع ذلك تكون صحتها مشروطة بإذن الولي. فمجرد كونه معروفا لا يسوّغ تصديه.

(2) مبتدء خبره «كسائر» و هذا إشارة إلى إشكال و دفعه.

أمّا الإشكال فهو: أنّه مع كون الفعل معروفا كيف يجوز للفقيه ترك التصدي له؟

فإنّ تركه حرمان. و ضمير «عنه» راجع الى المعروف.

(3) أي: فقد الامام عليه السّلام.

(4) و أمّا دفعه فهو ما أشار إليه بقوله «كسائر البركات» و حاصله: أنّ هذا الحرمان كالحرمان عن سائر البركات التي حرمنا عنها بسبب غيبته «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف»، فلا يختص الحرمان بهذا الأمر المعروف المشروط بإذنه عليه الصلاة و السلام.

(5) أي: بكون مرجع علم الفقيه من الأدلة بجواز تولّي الحكم- و عدم علمه به- إلى الشك في مطلوبية وجوده من أيّ شخص حصل، أو من شخص خاصّ و هو الإمام عليه السّلام حتى لا يجوز لغيره التصدّي له.

(6) و هو الامام صلوات اللّه عليه أو نائبه الخاص.

(7) غرضه إقامة الدليل على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور التي لا تناط بنظر الإمام أو نائبه الخاص. و أشار إليها بقوله: «ثم ان علم الفقيه من الأدلة جواز تولّيه لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ .. إلخ».

ص: 168

ما يستفاد من جعله (1) حاكما، كما في مقبولة ابن حنظلة «1» الظاهرة في كونه (2) كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة (3) إليه، و الانتهاء فيها (4) إلى نظره (5). بل (6) المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إليه (7). و إلى (8) ما تقدّم

______________________________

(1) أي: من جعل الفقيه حاكما.

(2) أي: كون الفقيه في قوله عليه السّلام: «قد جعلته عليكم حاكما» و حاصل ما أفاده قدّس سرّه: أنّ جعل الفقيه حاكما في مقبولة ابن حنظلة ظاهر- بمعونة نصب الحكّام في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- في إلزام الناس بإرجاع الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إلى الحاكم، في وجوب الرجوع في تلك الأمور إلى الفقيه، كوجوب الرجوع فيها إلى الحكّام المنصوبين في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(3) أي: الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم.

(4) أي: في الأمور المذكورة، و ضمير «إليه» راجع إلى الحاكم.

(5) أي: نظر الحاكم، و بالجملة: فيكون الفقيه المنصوب من قبل الامام عليه السّلام كالحاكم المنصوب في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وجوب الرجوع إليه في جميع الأمور المذكورة.

(6) توضيحه: أنّ نفس نصب السلطان حاكما- مع قطع النظر عن نصب الحكّام في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- ظاهر عرفا في ذلك، و هذا هو الفارق بين هذا التقريب و سابقه، فإنّ دعوى الظهور في التقريب الأوّل مستندة إلى لحاظ كيفية نصب الحكّام في زمان الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخلاف دعوى الظهور في التقريب الثاني، فإنّها مستندة إلى ظهور نفس النصب عرفا في ذلك.

(7) أي: إلى الحاكم المنصوب من السلطان.

(8) معطوف على قوله: «إلى ما يستفاد» يعني: و مضافا إلى ما تقدم من قوله .. إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 99، الباب 11، ح 1

ص: 169

من (1) قوله عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله و حرامه» «1» (2)- التوقيع (3) [1] المرويّ في إكمال الدين و كتاب الغيبة و احتجاج «2» الطبرسي الوارد (4) في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب،

______________________________

(1) مفسّر ل «ما» الموصول.

(2) قد تقدم ما يستفاد من هذه الأدلة في (ص 154 الى 160).

(3) فاعل قوله في (ص 168): «فيدل» يعني: فيدلّ على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة التوقيع الرفيع.

(4) صفة ل «التوقيع».

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا التوقيع الشريف بوجوه:

الأوّل: ضعف السند، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح. و قد تقدم في (ص 164) بعض ما يتعلق بترجمته.

الثاني: إجمال الحوادث الواقعة، لاحتمال إرادة حوادث خاصة مذكورة في الأسئلة التي لم تصل إلينا. قال سيّدنا الأستاذ قدّس سرّه: «و أما التوقيع الرفيع فإجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به .. إلخ» «3». و قد تقدم في (ص 145) هذا الاشكال و دفعه، فلاحظ.

الثالث: أنّ الثابت بهذا التوقيع وجوب الرجوع إلى الفقهاء في تعلّم الأحكام الشرعية، لأنّه المناسب للحجة التي هي بمعنى الاحتجاج كما أشير إليه سابقا.

و فيه: أنّ الثابت به كلّ ما يرجع فيه إلى الامام عليه السّلام من الأحكام التكليفية و الوضعية و غيرها، فيندرج فيها جميع المسائل المستحدثة من إحداث الشوارع في أملاك الناس كالدور و الخانات و الدكاكين، و في الموقوفات العامة و الخاصة، و توسعة المساجد

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 156

(2) إكمال الدين، ص 484، الباب 45، ح 4، كتاب الغيبة، ص 29، الفصل 4، ح 247، الاحتجاج، ج 2، ص 283، و نقله عنها صاحب الوسائل في ج 18، ص 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9

(3) نهج الفقاهة، ص 300 و 301

ص: 170

التي ذكر «إنّي سألت العمري (1) رضى اللّه عنه أن يوصل إلى الصاحب عجّل اللّه فرجه الشريف كتابا فيه (2) تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّه عليه آلاف الصلاة و السلام

______________________________

(1) هو ثاني النوّاب الأربعة، و هم: أبو عمرو عثمان بن سعيد الأسدي، و أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، و أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، و أبو الحسن علي بن محمّد السّمري «رضوان اللّه تعالى عليهم».

(2) أي: في ذلك الكتاب.

______________________________

و المشاهد و البلاد التي تترتب عليها أحكام خاصة. فهل يترتب على ما الحق بها تلك الأحكام أم لا؟

و كذا يندرج فيها مسائل التشريح و التأمين و السرقفلية، و المعاهدة مع الأجانب في استخراج المعادن من النفط و الذهب و الفضة و غيرها ممّا لا يحصى كثرة، فإنّ عموم الجمع المحلّى باللام- و هي الحوادث- يشمل الجميع بلا عناية. كشمول سائر ألفاظ العموم لجميع مصاديق معانيها، هذا.

ثم إنّ هنا احتمالين:

أحدهما: أنه يبعد سؤال مثل إسحاق عن الأحكام الشرعية، مع كون السؤال عنها مركوزا عند العقلاء، فلا ينبغي أن يقال: إنّ إسحاق سأل عن الأحكام الشرعية الثابتة للحوادث الواقعة.

و فيه: أنّ احتمال إرجاع الإمام عليه السّلام في أحكام تلك الحوادث إلى شخص معيّن من ثقاته كاف في صحة السؤال. هذا مضافا إلى سؤال غير واحد من فقهاء الرواة عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام، كما لا يخفى على من راجع تراجم الرواة. كسؤال أحمد بن إسحاق- الذي هو من الأجلة- و إرجاعه إلى العمري و ابنه.

و ثانيهما: ما في المتن من: «أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها .. إلخ» و سيأتي ما فيه عند شرح المتن إن شاء اللّه تعالى.

ص: 171

في أجوبتها، و فيها (1) «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه».

فإنّ (2) المراد «بالحوادث» ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس، مثل (3) النظر في أموال القاصرين لغيبة (4) أو موت أو صغر أو سفه.

______________________________

(1) أي: و في الأجوبة قوله عليه السّلام: «و أمّا»، و ضمير «أجوبتها» راجع الى المسائل.

(2) هذا تقريب الاستدلال، و حاصله: أنّ المراد بالحوادث ليس خصوص الأحكام الشرعية، بل مطلق الأمور التي لا محيص عن الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس، فالرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة- بما لها من الشؤون- مأمور به، من دون خصوصية لأحكامها الشرعية.

و بالجملة: الرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة لا يراد به الرجوع إليه في إيجادها، إذ المفروض وقوعها خارجا، فالأمر بإيجادها أمر بتحصيل الحاصل، فلا بدّ أن يراد بالرجوع إليه الرجوع في شؤون الحوادث الواقعة. و حيث إنّه لم يعيّن شي ء من تلك الشؤون، فلا محيص عن إرادة جميعها ممّا يرجع فيها إلى الإمام «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» من الأحكام الشرعية و غيرها من العرفية، كتأمين الطرق و البلاد، و العقلية كالمعاهدات الدولية، و نحو ذلك ممّا يرجع فيه إلى الرئيس.

و لا وجه لرمي الحوادث بالإجمال مع كون الامام عليه السّلام في مقام بيان الوظيفة.

و منه يظهر غموض ما أفاده سيّدنا الأستاد قدّس سرّه من قوله: «فالمراد إمّا إيكال حلّها، أو إيكال الشأن اللازم فيها إليه. و تعيّن الثاني غير ظاهر» «1».

(3) هذا مثال الحكم الشرعي.

(4) متعلق ب «القاصرين» و مبيّن لمنشإ القصور.

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 301

ص: 172

و أمّا تخصيصها (1) بخصوص المسائل الشرعية، فبعيد من وجوه:

منها (2) أنّ الظاهر [1] وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع (3) في حكمها (4) إليه.

و منها (5) التعليل «بكونهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه» فإنّه (6) إنّما يناسب

______________________________

(1) أي: تخصيص «الحوادث» بخصوص المسائل الشرعية كما قيل- و عدم شمولها لسائر شؤونها، حتى يدلّ التوقيع على الولاية- بعيد من وجوه.

(2) أي: من تلك الوجوه المبعّدة: أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إلى الفقيه. و قد مر في التعليقة امتناعه.

(3) معطوف على «نفس» أي: لا وكول الرجوع في حكم الحادثة إلى راوي الحديث المراد به الفقيه الجامع للشرائط.

(4) أي: حكم الحادثة إلى الفقيه، كما ذهب إليه بعض كسيدنا الأستاد قدّس سرّه، كما تقدم في (ص 172).

(5) أي: و من الوجوه- المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من «الحوادث»- هذا التعليل، و هو قوله عليه الصلاة و السلام: «فإنّهم حجّتي عليكم».

(6) أي: فإنّ التعليل. و هذا تقريب الاستدلال به على عدم إرادة المسائل الشرعية من «الحوادث» و حاصله: أنّ إضافة الرواة إلى نفسه المقدسة بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم» ظاهرة في أنّ المرجوع إليهم هو النظر و الرأي دون الأحكام الشرعية، و إلّا كان المناسب إضافتهم إلى اللّه تعالى، بأن يقول عليه السّلام: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا في أحكامها الشرعية إلى رواة حديثنا، لأنّهم حجج اللّه».

______________________________

[1] كيف يكون هذا ظاهر الكلام مع ما أشير إليه في التوضيح من أنّ إيكال نفس الحادثة إلى الفقيه عبارة أخرى عن الأمر بتحصيل الحاصل؟ فلا بدّ من إرادة شؤون الحادثة، كما مرّ في التوضيح. مع أنّ العبارة الوافية بإرجاع نفس الحادثة إلى الفقيه هي كلمة «فأرجعوها» بصيغة باب الإفعال.

ص: 173

الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر [1]، فكان هذا (1) منصب ولاة الإمام من قبل نفسه. لا أنّه (2) واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام، و إلّا كان المناسب أن يقول: «إنّهم حجج اللّه عليكم» كما وصفهم في مقام آخر (3) بأنّهم أمناء اللّه على الحلال و الحرام.

______________________________

(1) أي: كون المرجع في تلك الأمور هو الرأي و النظر منصب ولاة الامام عليه السّلام من قبل نفسه المقدسة.

(2) يعني: لا أنّ هذا المنصب واجب من قبله سبحانه و تعالى على الفقيه بعد غيبة الإمام عليه السّلام، و إلّا كان المناسب أن يقول: «إنّهم حجج اللّه» كما وصفهم الامام بذلك في حديث آخر.

(3) و هو ما تقدم في (ص 156) عن تحف العقول ممّا روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أو عن السبط الشهيد عليه السّلام فراجع.

______________________________

[1] التعليل بكونهم «حجتي عليكم» يدل على استناد حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة، و أنّهم وسائط بينه عليه الصلاة و السلام و بين الخلق، كما أنّه «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» واسطة بين اللّه تعالى شأنه و بين عوالم الوجود كلّها. و لا يستفاد من إضافة حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة أزيد من ذلك.

و أمّا الأمور التي يرجع فيها إلى الفقهاء فهي تستفاد من عموم الحوادث، و إطلاق الأمر بالرجوع إليهم. و قد مرّ في بعض التعاليق أنّ الأمور التي يرجع فيها إلى الفقيه هي جميع شؤون الحوادث، كما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 172) بقوله: «بل مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس».

ثم إنّه لم يظهر منشأ لقوله قدّس سرّه: «فإنّه إنما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر». فإن كان منشؤه نفس لفظ «الحجة» ففيه: أنّ التفكيك في معناها بين إطلاقها عليه عليه السّلام و إطلاقها على الفقهاء منوط بدليل مفقود، بل وحدة السياق تقتضي اتحاد المراد منها في كلا الإطلاقين. و إن كان منشؤه إضافة الحجة إلى نفسه المقدسة، بقوله: «فإنهم حجتي عليكم» ففيه: أنّه يكفي في صحة الإضافة كون الفقهاء وسائط بينه عليه السّلام و بين الخلق، من دون حاجة إلى التصرف في معنى الحجة.

ص: 174

و منها (1) أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الذي (2) هو من بديهيّات الإسلام من السّلف إلى الخلف ممّا (3) لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتّى يكتبه (4) في عداد مسائل أشكلت عليه. بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامّة إلى رأي أحد و نظره، فإنّه (5) يحتمل أن يكون الإمام عليه السّلام قد وكله (6) في غيبته إلى (7) شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان (8).

______________________________

(1) أي: و من الوجوه الدالة على بعد إرادة خصوص المسائل الشرعية من «الحوادث»: أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء ممّا لا يحتاج الى البيان، لكونه من بديهيات الإسلام، و لا ممّا يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب، حتى يكتبه في جملة المسائل التي أشكلت عليه. و هذا بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى شخص و نظره، إذ من المحتمل أن يكل عليه السّلام وجوب الرجوع فيها إلى البعض المعيّن من ثقاته عليه السّلام في زمان الغيبة. و هذا الاحتمال يصلح أن يكون داعيا إلى السؤال.

و الحاصل: أنّ هذا الوجه يقتضي أن يكون الرجوع إلى الرواة الفقهاء في المصالح العامة التي يرجع كل قوم فيها إلى رئيسهم، دون المسائل الشرعية.

(2) صفة ل «وجوب الرجوع».

(3) خبر قوله: «أن وجوب» و المراد بالموصول المسائل الشرعية.

(4) الضمير المستتر راجع إلى إسحاق، و الضمير البارز إلى وجوب الرجوع.

(5) الضمير للشأن.

(6) أي: وكل الإمام عليه السّلام وجوب الرجوع في المصالح العامة- في عصر غيبته- إلى شخص أو أشخاص من ثقاته.

(7) هذا و كذا «في غيبته» متعلّقان ب «وكله».

(8) أي: في زمان غيبته عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف.

ص: 175

و الحاصل [1]: أنّ الظاهر أنّ لفظ «الحوادث» ليس مختصّا بما اشتبه حكمه (1)، و لا بالمنازعات (2).

ثمّ (3) إنّ النسبة بين مثل هذا التوقيع (4) و بين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف لكلّ أحد (5)

______________________________

(1) حتى يكون التوقيع مختصا بباب رجوع الجاهل إلى العالم، و هو التقليد.

(2) حتى يختصّ بباب القضاء و فصل الخصومة.

(3) الغرض من بيان هذا المطلب دفع توهم، و هو: أنّ أدلة ولاية الفقيه و إن دلّت على ولاية الفقيه في الأمور المذكورة، لكنها تسقط بمعارضتها بالعمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف، و عدم توقفه على الرجوع إلى الفقيه و الاستيذان منه، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

(4) و هو التوقيع الصادر لإسحاق بن يعقوب، و المراد بمثل هذا التوقيع سائر أدلّة الولاية المتقدمة.

(5) الظاهر في العموم الاستغراقي الشامل لموارد ولاية الفقيه.

______________________________

[1] مقتضى السياق هو كون «الحاصل» خلاصة الوجه الثالث من الوجوه المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من الحوادث. و عليه فحاصل ما يقتضيه السياق هو أنّ ما يرجع فيه إلى الفقيه هو خصوص الأمور العامة. و هذا غير الحاصل الذي ذكره في المتن.

نعم ما أفاده فيه بقوله: «ان الظاهر أنّ لفظ الحوادث ليس مختصّا بما اشتبه حكمه ..»

هو الحق الموافق لما أفاده في (ص 172) بقوله: «فان المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها .. إلخ».

و لا يبعد أن يكون مراده بقوله: «و الحاصل» ما استظهره بقوله: «فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور .. إلخ» و إن كان ذلك خلاف السياق، خصوصا مع عدم رد هذا الوجه المبعّد.

ص: 176

مثل قوله عليه السّلام: «كلّ معروف صدقة» «1» و قوله عليه السّلام: «عون الضعيف من أفضل الصدقة» «2» و أمثال ذلك (1) و إن كانت (2) عموما من وجه،

______________________________

(1) لعلّ المقصود منه ما سيأتي في ولاية عدول المؤمنين (ص 195) من كلام الشهيد قدّس سرّه، من جواز أن يتولّى المؤمنون التصرف عند تعذر الحكّام، لما دلّ على الأمر بالتعاون بالبرّ و التقوى «3»، و للنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» «4». إذ المستفاد منها كون إعانة الضعيف من أفضل الصدقة، فيجوز لكلّ أحد التصدّي لذلك، فراجع «5».

(2) خبر قوله: «إن النسبة» و بيان كون النسبة عموما من وجه هو: أنّ لدليلي الولاية و الإحسان و الإعانة مورد اجتماع و موردي افتراق، كما هو شأن العامّين من وجه في سائر الموارد.

أمّا مورد اجتماعهما فكبيع أموال القاصرين و نحوه من الأمور الحسبية التي هي إحسان و إعانة، فإنّ دليل ولاية الفقيه يقتضي جواز تصدّيها لخصوص الفقيه دون غيره، و دليل الإحسان و الإعانة يقتضي جواز التصدي لكلّ أحد، و عدم توقفه على إذن الفقيه.

و أمّا مورد الافتراق من طرف دليل الإحسان، فكالمستحبات من الصدقات، و إصلاح ذات البين، و زيارة الأموات، و غيرها، فإنّها إحسان لا يتوقف جواز فعلها على إذن الفقيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 522، الباب 1 من أبواب فعل المعروف، ح 5 و ص 522، ح 10، و ج 6، ص 323، الباب 42 من أبواب الصدقة، ح 4، و ص 321، ح 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 108، الباب 59 من أبواب جهاد العدو، ح 2، و فيه: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عونك الضعيف .. فلاحظ.

(3) المائدة، الآية 2.

(4) نقل عن سنن ابن ماجة، ج 1، ص 82، الباب 17 من أبواب المقدمة، ح 225

(5) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 406 و 407

ص: 177

إلّا (1) أنّ الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها (2)، و كونها (3) بمنزلة المفسّر الدالّ على وجوب الرجوع (4) إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه في الأمور العامّة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر (5) في قوله أُولِي الْأَمْرِ.

______________________________

و أمّا من طرف دليل الولاية فكمنصبي الإفتاء و القضاء، فإنّه ليس لغير الفقيه التصدي لهما.

و التعارض في مورد الاجتماع يوجب سقوط الدليلين، فلا يبقى لولاية الفقيه دليل، هذا حاصل التوهم.

(1) هذا إشارة إلى دفع التوهم المذكور، و حاصله: منع التعارض، و إثبات حكومة توقيع إسحاق على أدلة الإحسان و الإعانة.

(2) أي: على العمومات الدالة على الإحسان و الإعانة و نحوهما.

(3) معطوف على «حكومة» و ضميره راجع إلى التوقيع، و الأولى تذكيره و إرجاعه إلى «حكومة»- كما قيل- غير مناسب كما لا يخفى.

و كيف كان فتقريب حكومة التوقيع- و مثله من أدلة ولاية الفقيه- هو: أنّ التوقيع و نظائره تضيّق دائرة موضوع تلك العمومات و تقيّده بانّ للإمام عليه السّلام أو نائبه حقّا في تلك الأمور، بحيث لا تكون إحسانا و إعانة بدون الرجوع إليه عليه السّلام أو نائبه، لأنّهما بدون رعاية هذا الحق ليسا بإحسان و لا إعانة. فنتيجة هذه الحكومة هي خروجهما عن عنوانهما بدون إذن الامام عليه السّلام أو نائبه.

و بالجملة: الإحسان و الإعانة لا يحسنان مع مزاحمة حقّ الغير، فمع المزاحمة لا تشملهما عمومات الإحسان و الإعانة حتى يقع التعارض بينها و بين أدلة ولاية الفقيه حتى تتساقطا و لا يبقى لولاية الفقيه دليل.

(4) بحيث يكون هذا الرجوع قيدا مقوّما لموضوعات عمومات الإحسان و الإعانة.

(5) كما في قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قد تقدم في (ص 132 و 141).

ص: 178

و على تسليم التنزّل (1) عن ذلك، فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعيّة ذلك المعروف مع (2) عدم وقوعه عن رأي وليّ الأمر، هذا.

لكن المسألة (3) لا تخلو عن إشكال، و إن كان الحكم به (4) مشهوريّا.

و على أيّ تقدير (5) فقد ظهر ممّا (6) ذكرنا: أنّ ما دلّت عليه

______________________________

(1) يعني: و بناء على التنزل عن حكومة التوقيع على عمومات أدلة الإحسان و الإعانة- و تسليم التعارض بين التوقيع و تلك العمومات- يكون المرجع بعد التساقط أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف، لا أصالة عدم اعتبار إذن الإمام عليه السّلام، لأنّه إنّما يكون فيما إذا علم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج، و كان الشك في اعتبار إذن الامام عليه السّلام فيه.

ثم إنّ نتيجة أصالة المشروعية اعتبار إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه في ذلك المعروف.

(2) متعلق بأصالة عدم مشروعية ذلك المعروف، فكأنه قال: «فالمرجع إلى أصالة ..

حين عدم وقوع ذلك المعروف عن رأي وليّ الأمر».

(3) أي: مسألة الولاية المطلقة للفقيه لا تخلو عن إشكال، و إن كان الحكم بثبوت الولاية للفقيه مشهورا بين الأصحاب. بل يظهر من الفاضل النراقي قدّس سرّه كون المسألة إجماعية، حيث قال «حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات» «1».

(4) أي: بوجوب الرجوع في الأمور المذكورة إلى الفقيه الذي هو مقتضى الولاية.

(5) أي: سواء قلنا بحكومة التوقيع أم بتعارض العمومين، و الرجوع إلى أصالة عدم مشروعية المعروف بدون إذن الفقيه، فقد ظهر .. إلخ.

(6) الموصول إشارة إلى ما ذكره في (ص 169) بقوله: «في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه .. إلخ».

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 536

ص: 179

[ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها]

هذه الأدلّة (1) هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية.

و أمّا (2) ما يشكّ في مشروعيته- كالحدود لغير الإمام، و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجدّ، و ولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه، و فسخ العقد الخياريّ عنه (3)، و غير ذلك-، فلا يثبت من تلك الأدلّة (4) مشروعيّتها للفقيه، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيّتها من دليل آخر (5).

نعم (6)،

______________________________

(1) و هي أدلة الولاية، و حاصله: أنّ مدلول أدلة ولاية الفقيه هو ولايته في الأمور التي ثبتت مشروعية إيجادها في الخارج، كتجهيز الأموات التي لا وليّ لها، و حفظ أموال القاصرين، و الموقوفات التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها، و نحو ذلك ممّا علم بمشروعية إيجادها في الخارج، و عدم جواز تعطيلها و إهمالها، بحيث لو فرض عدم فقيه وجب على الناس القيام بها كفاية. هذا إذا علم بمشروعية إيجادها في الخارج.

(2) و أمّا إذا شكّ في مشروعية إيجادها في الخارج بدون إذن الإمام عليه السّلام- كالحدود و التعزيرات، و تزويج الصغيرة بدون إذن الأب و الجدّ، و معاملة مال الغائب ببيعه و نحوه، و فسخ العقد الخياري عن الغائب، إذا كان له خيار في عقد- فلا يثبت من أدلة ولاية الفقيه مشروعيتها للفقيه، بل لا بدّ من استنباط مشروعيّتها له من دليل آخر غير أدلة الولاية.

(3) أي: عن الغائب، و قوله: «فلا يثبت» جواب قوله: «و أمّا ما يشك».

(4) أي: أدلة ولاية الفقيه، و ضمير «مشروعيتها» راجع إلى الأمور المذكورة من الحدود و تزويج الصغيرة، إلى آخر ما هناك.

(5) أي: غير أدلة ولاية الفقيه.

(6) استدراك على عدم ثبوت مشروعية الحدود و غيرها ممّا ذكر للفقيه من أدلة ولاية الفقيه. و حاصل الاستدراك: أنّ تلك الأمور تثبت الولاية عليها و على غيرها- كالولاية على الأنفس و الأموال- للإمام عليه السّلام.

ص: 180

الولاية على هذه (1) و غيرها ثابتة للإمام عليه السّلام بالأدلّة المتقدّمة (2) المختصّة به، مثل آية أولى بالنّاس من أنفسهم «1». و قد تقدّم (3) أنّ إثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو (4) من الولاية على الناس- ليقتصر في الخروج عنه (5) على ما خرج بالدليل- دونه خرط القتاد.

و بالجملة (6) فهاهنا مقامان:

______________________________

(1) أي: الأمور المذكورة من الحدود و تزويج الصغيرة و غيرها.

(2) و هي الكتاب و السنة و الإجماع و العقل. و هذه الولاية هي الولاية المطلقة الثابتة للإمام عليه السّلام بالخصوص دون غيره، فإنّها ثابتة له، و مختصة به عليه السّلام بمثل قوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

(3) في (ص 163) بقوله: «و بالجملة فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام إلّا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد».

لا يقال: إنّ الآية المذكورة تثبت ولاية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و مفروض الكلام هو ولاية الإمام عليه السّلام.

فإنّه يقال: قد ثبت بالأدلة أنّ الامام كالنبيّ عليهما السّلام في الولاية المطلقة بلا كلام و لا إشكال.

(4) و هو الولاية العامّة كولاية الإمام عليه السّلام على الناس حتى يكون الخروج عن عمومها محتاجا إلى الدليل الخاصّ، كغيره من العمومات.

(5) أي: عن عموم ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

(6) و حاصل الكلام: أنّ في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني- و هو توقف تصرف الغير على إذنه- مقامين ثبوتا:

أحدهما: وجوب إيكال المعروف المأذون فيه- أي المعروف الذي ثبت إيجاد مشروعيته في الخارج- إلى الفقيه، على ما مرّ منه في (ص 164).

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 6، و هي: «النبي أولى بالمؤمنين» لا «بالناس» كما في المتن.

ص: 181

أحدهما: وجوب إيكال المعروف المأذون [1] فيه إليه (1) لتقع (2) خصوصيّاته (3) عن نظره و رأيه (4) كتجهيز الميّت الذي لا وليّ له، فإنّه يجب (5) أن تقع خصوصيّاته (6)- من (7) تعيين الغاسل و المغسل، و تعيين شي ء من تركته للكفن، و تعيين المدفن- عن (8) رأي الفقيه.

الثاني (9): مشروعيّة تصرّف خاصّ في نفس أو مال أو عرض.

______________________________

(1) متعلق ب «إيكال» و الضمير راجع الى الفقيه.

(2) تعليل لوجوب إيكال المعروف الى الفقيه.

(3) هذا الضمير و ضمير «فيه» راجعان الى المعروف.

(4) هذا الضمير و ضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(5) أي: يجب بمقتضى ولايته- أي: توقف المعروف على إذنه- أن تقع عن إذنه خصوصيات التجهيز الذي هو من المعروف الذي ثبتت مشروعيّة إيجاده في الخارج.

(6) أي: خصوصيات التجهيز.

(7) بيان ل «خصوصياته».

(8) متعلق ب «تقع».

(9) أي: المقام الثاني من مقامي ولاية الفقيه ثبوتا هو: استقلاله بتصرف خاص في نفس، كإجراء حدّ أو في مال كبيع مال غائب، أو في عرض كتزويج صغيره لا وليّ لها. و الأنسب بالسياق أن يقول: «ثانيهما» في مقابل «أحدهما».

______________________________

[1] لعلّ الأولى تبديله ب «المعروف المحتاج إلى إذن الفقيه» أو ب «المعروف الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج» حيث إنّه مورد ولاية الفقيه، إذ لو كان المراد بالمأذون فيه مشروعية إيجاد المعروف لغير الفقيه لم يصحّ جعله بنحو الإطلاق موردا لولاية الفقيه، كالمستحبات من الصدقات و غيرها ممّا ليس موردا لولايته حتى يجب إيكاله إلى الفقيه، لما مرّ مرارا من أنّ مورد ولاية الفقيه الجامع للشرائط هو كلّ معروف ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج بحيث لا يرضى الشارع بتركه، حتى لو لم يكن فقيه وجب على المؤمنين إيجاده.

ص: 182

و الثابت (1) بالتوقيع و شبهه هو الأوّل دون الثاني، و إن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعيّة و عدمها أيضا من وظيفته (2)، إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلّة السابقة (3) على المشروعيّة.

نعم (4) لو ثبتت أدلّة النيابة عموما تمّ (5) ما ذكر (6).

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية (7) «أنّ السلطان وليّ من لا وليّ له».

______________________________

(1) هذا مقام الإثبات، و حاصله: أنّ الثابت بأدلة ولاية الفقيه من توقيع إسحاق بن يعقوب المتقدم في (ص 172) و غيره من أدلتها هو المقام الأوّل الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج، دون المقام الثاني الذي لم تثبت مشروعيّته كذلك، و إن كان الحكم بمشروعيّته و عدمها أيضا من وظائف الفقيه، إلّا أنّ أدلة الولاية التي هي من أدلة الأحكام الثانوية تقصر عن الدلالة على الأحكام الأولية، فلا بدّ من استنباط المشروعية و عدمها من أدلة أخرى.

(2) أي: وظيفة الفقيه.

(3) أي: أدلة ولاية الفقيه من التوقيع الرفيع و غيره.

(4) استدراك على قوله: «إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة». و حاصل الاستدراك: أنّ أدلة النيابة إن كان لها عموم بأن تدلّ على عموم النيابة للفقيه- بمعنى دلالتها على أنّ كلّ ما ثبت من الولاية للإمام عليه السّلام ثابت للفقيه- جاز للفقيه أن يتصرف في الأنفس و الأموال و الأعراض، و لا نحتاج في إثبات مشروعيتها إلى أدلة أخرى، بل نفس عموم أدلة النيابة كاف في إثباتها.

(5) جواب «لو ثبتت» و «عموما» تمييز ل «ثبتت» أي: من جهة عمومها.

(6) من مشروعية المقام الثاني من الولاية- و هي استقلال الفقيه بالتصرف في الأنفس و الأعراض و الأموال- بسبب عمومات أدلة الولاية.

و بالجملة: فمشروعية المقام الثاني من الولاية منوطة بعموم دليل الولاية.

(7) فاعل «اشتهر و تداول» و هذه الرواية عدّها الفاضل النراقي قدّس سرّه من أدلة ولاية الفقيه، لقوله: «السابعة عشر ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كتب الخاصة و العامة أنّه قال:

ص: 183

..........

______________________________

السلطان وليّ من لا وليّ له».

و استدلّ به في المستند على ولاية الحاكم على تزويج فاسد العقل، فقال: «و المراد من له السلطنة، و النائب العام كذلك» «1».

و ذكره العلّامة و الشهيد الثاني و غيرهما قدّس سرّهم، و اعتمد عليه في الجواهر، فراجع «2». قال العلّامة في أولياء العقد: «و لا نعلم خلافا بين العلماء في أنّ للسلطان ولاية تزويج فاسد العقل، و به قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيده و أصحاب الرأي.

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: السلطان وليّ من لا ولي له» ثم قال: «قد بيّنا أنّ المراد بالسلطان هو الإمام أو حاكم الشرع، أو من فوّضا إليه. و ليس لوليّ البلد ولاية النكاح، لأنّ الولاية عندنا مشروطة بإذن الإمام أو نائبه».

و قال السيد العلامة المراغي قدّس سرّه قدّس سرّه في العناوين: «و منها- أي من أدلة ولاية الفقيه- ما دلّ على أنّ العلماء أولياء من لا ولي له ..» «3». و لكن لم أظفر في الكتب الفقهية و لا في إرشاد الديلمي على هذا المتن، و لعلّه قدّس سرّه ظفر بذلك أو نقله بالمعنى.

و كيف كان فلا ريب في أنّ المراد بالسلطان هو من له السلطنة الحقة على غيره، لبدلية «اللام» عن المضاف إليه المحذوف، و هو اللّه عزّ و جلّ، فهو نظير ما تقدم في (ص 148) من التصريح بالمضاف إليه كما في رواية السكوني: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه فهو أحقّ بالصلاة عليه». و من المعلوم أنّ جعل السلطنة للولي الجائر لا يلائم هذه الإضافة.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 534، مستند الشيعة، ج 16، ص 143، و وردت هذه الجملة في إرشاد القلوب للديلمي قدّس سرّه في ما يراد من كلمة «الولي» فقال: «كقولهم: لا نكاح إلّا بولي، و السلطان وليّ من لا وليّ له» و ظاهر العطف صدور الجملتين من المعصوم عليه السّلام، فلاحظ: إرشاد القلوب، ج 2، ص 252. و نقل عن جملة من كتب العامة كمسند احمد و سنن أبي داود و البيهقي و غيرها، فراجع هامش المسالك و العوائد.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 592 (الحجرية)، مسالك الأفهام، ج 7، ص 147، كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 10 (الحجرية)، جواهر الكلام، ج 29، ص 188.

(3) العناوين، ج 2، ص 570

ص: 184

و هذا (1) أيضا بعد

______________________________

و لكن اختلف الفقهاء قدّس سرّهم في أنّ من له الولاية على غيره هل هو خصوص الإمام الأصل أي المعصوم عليه السّلام، أم عموم من له السلطنة الحقة، فيشمل الفقيه المأمون؟ مقتضى كلام غير واحد- من توقف ولاية الفقيه في بعض الموارد كقبض سهم الامام عليه السّلام من الخمس، و تزويج البالغ غير الرشيد و نحوهما- هو الاختصاص. قال السيد الطباطبائي قدّس سرّه: «و يزوّجهما مع فقدهما- أي: فقد الأب و الجدّ- مع الغبطة إجماعا، لأنّه- أي الحاكم- وليّهما في المال، فيتولّى نكاحهما». ثم استدل بالنبوي، و قال: «و يلحق به- أي بالسلطان- نوّابه لعموم أدلة النيابة» «1».

و مقتضى كلام جماعة- ممّن عدّ هذا الحديث دليلا على ولاية الحاكم الشرعي- هو الثاني، كما استفيد من عبارة التذكرة، و المسالك و العوائد و العناوين. و عليه فيكون للسلطان فردان:

أحدهما: الإمام المعصوم عليه السّلام، لكونه المصداق الأتم لمن جعلت له الولاية و السلطنة على غيره.

و ثانيهما: الفقيه العادل. و من المعلوم أنّ الاستدلال به على ولاية الفقيه- في ما كان للإمام المعصوم عليه السّلام ولاية عليه- منوط بظهوره في الاحتمال الثاني، هذا.

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بها الحديث بوجهين، الأوّل: وهنها سندا و مضمونا. و الثاني ظهور لفظ «السلطان» في الإمام المعصوم عليه السّلام.

أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه: أن سند الحديث ضعيف بالإرسال، و من المعلوم أنّ الاعتماد عليه منوط بانجبار ضعفه بعمل المشهور، و هو لا يخلو من تكلّف، لعدم انحصار ما يدلّ على ولاية الإمام عليه السّلام في الموارد الخاصة في هذا المرسل. و معه لا سبيل لإحراز استنادهم إليه ليندرج في موارد الجبر بالعمل، كما استندوا إلى مثل حديث «على اليد» و «الناس مسلّطون» و نحوهما من المراسيل المعمول بها.

هذا مضافا إلى احتمال عدم كون جملة «السلطان وليّ من لا وليّ له» نصّ كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنّه منقول بالمعنى كبعض القواعد الفقهية المتصيّدة من النصوص، مثل

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 11، ص 100

ص: 185

الانجبار (1) سندا أو مضمونا (2)

______________________________

«من حاز ملك» و لعلّ الأصل فيها «العلماء أولياء من لا وليّ له» كما عبّر به في العناوين، ثم نقل رواية تحف العقول، و هي قوله عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه».

و كلمة «العلماء» و إن كانت شاملة للفقهاء، بل هي ظاهرة فيهم بدوا، إلّا أنّه يحتمل قويّا اختصاصها في هذه الرواية بالمعصوم عليه السّلام، لما تفطّن له المحقق الخراساني قدّس سرّه، بشهادة سائر فقرات الرواية «الّتي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم عليهم السّلام، حيث إنّ تفرقهم عنهم صار سببا لغصب الخلافة، و زوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم» «1» فلاحظ تمام الخبر في تحف العقول، و ما فيه من القرينة المتصلة على إرادة أئمة الهدى عليهم السّلام، دون الفقهاء و تقدّم بعضه في (ص 156).

و الغرض من ذلك كله: أنّه لا سبيل لإحراز صدور نفس كلمة «السلطان» منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليقال بصدقه على كلّ من الامام المعصوم و الفقيه العادل.

و أمّا الوجه الثاني، فتوضيحه: أنّه- بعد تسليم جبر ضعف السند و المضمون، و أنّ الصادر هو «السلطان»- يمنع من صدقه على الفقيه، إذ المتبادر منه هو الإمام الأصل، كما اعترف به غير واحد منهم صاحب الحدائق «2»، و لذا تمسّك صاحب الرياض لإثبات ولاية الفقيه على النكاح بما دلّ على نيابته عنه عليه السّلام، لا بشمول لفظ «السلطان» للحاكم.

و لا أقلّ من الشك في الصدق، و معه لا مجال للاستدلال.

و عليه فالولاية للإمام عليه السّلام، و إثباتها للفقيه محتاج إلى أدلة عموم النيابة كالمقبولة و غيرها ممّا تقدم في (ص 169- 170) و صرّح المصنف هناك بأنّ استفادة عموم ولاية الحاكم الشرعي منها دونها خرط القتاد.

(1) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الإشكال في الاستدلال بالمرسلة، و هو الوهن سندا و مضمونا.

(2) منشأ الترديد هو الشك في كون متن الحديث نفس العبارة المذكورة، فالحديث منقول باللفظ، أو مضمونها، فالحديث منقول بالمعنى.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 94

(2) الحدائق الناضرة، ج 23، ص 239

ص: 186

يحتاج (1) إلى أدلّة عموم النيابة. و قد عرفت (2) ما يصلح أن يكون دليلا عليه، و أنّه (3) لا يخلو عن وهن في دلالته، مع (4) قطع النظر عن السند، كما اعترف به (5) جمال المحقّقين في باب الخمس بعد الاعتراف بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نوّاب الإمام عليه السّلام.

______________________________

و عن بعض نسخ المتن العطف بالواو بدل «أو» فإن كان هذا صحيحا فالرواية موهونة من جهتين سندا و مضمونا. أمّا الأوّل فلأنّها مرسلة. و أمّا الثاني فلكونها منقولة بالمعنى.

(1) خبر «و هذا» و هو إشارة إلى ثاني وجهي المناقشة. و قد عرفت آنفا وجه الحاجة إلى أدلة عموم النيابة، و أنّ الحديث على فرض اعتباره لا يدلّ على ولاية الفقيه أصلا، بل على ولاية الإمام عليه السّلام.

(2) يعني: و قد عرفت في بيان أدلة ولاية الفقيه ما يصلح أن يكون دليلا على عموم ولايته و ما لا يصلح لذلك.

(3) معطوف على «ما» الموصول، يعني: و قد عرفت أنّ ما استدلّ به على عموم نيابة الفقيه لا يخلو عن وهن في دلالته، و استشهد المصنف قدّس سرّه لهذا الوهن بكلام جمال المحققين و المحقق الكركي قدّس سرّهما.

(4) يعني: مضافا إلى ضعف سند ما استدلّ به على الولاية العامة للفقيه.

(5) أي: كما اعترف بما ذكر- من وهن الدلالة و ضعف السند- جمال المحققين و استادهم الآقا جمال الخوانساري قدّس سرّه في باب الخمس، حيث إنّه جعل مستند المشهور من كون الفقهاء نوّابا للإمام عليه السّلام مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة، و ناقش فيهما سندا، لكنه جبر ضعف السند بعمل المشهور بهما، فقال في المقبولة: «و بالجملة: فهذه الرواية مع ما فيها من ضعف السند قد تلقّاها الأصحاب بالقبول .. فاعتقدوا أنّ ضعفها منجبر بذلك» و كذلك جبر ضعف سند رواية أبي خديجة بعمل الأصحاب.

ثم ناقش في دلالتهما على نيابة الفقهاء عنه عليه السّلام بقوله: «ثم إنّ غاية ما يدلّ عليه

ص: 187

و يظهر ذلك (1) من المحقّق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج «1» في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال (2) من المخالفين كما يكون ذلك (3) للإمام عليه السّلام إذا ظهر (4)، للشك (5) في عموم النيابة.

و هو (6) في محلّه.

______________________________

الروايتان وجوب العمل بحكم الفقهاء من أصحابنا في المنازعات و الخصومات. و أمّا كونهم وكلاء لهم في ضبط أموالهم و حقوقهم- كما توهمه عبارة الشارح- فلا دلالة لهما عليه ..» الى أن قال: «و للمناقشة فيها مجال، و اللّه يعلم» فراجع «2».

(1) أي: يظهر من المحقق الثاني قدّس سرّه أيضا الوهن في دليل عموم نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام، قال قدّس سرّه: «فإن قيل: فهل يجوز لمن استجمع صفات النيابة حال الغيبة جباية شي ء من ذلك- أي الخراج- قلنا: إن ثبت أنّ جهة نيابته عامّة احتمل ذلك.

و إلى الآن لم نظفر بشي ء فيه، و كلام الأصحاب قد يشعر بالعدم، لأنّ هذا خاصّة الامام ..».

(2) التي هي مال الإمام عليه السّلام. فإن ثبت نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام في كلّ ما له عليه السّلام جاز للفقيه إيجار أرض الأنفال- المختصة بالإمام عليه السّلام- من المخالف.

(3) أي: جواز أخذ أجرة أراضي الأنفال- من المخالفين- للإمام عليه السّلام.

(4) يعني: إذا ظهر الحجة المنتظر «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه».

(5) تعليل لوهن ما استدلّ به على ولاية الفقيه، فإنّ هذا الوهن يوجب الشك في عموم ولايته، الموجب للشك في جواز أخذه لاجرة أراضي الأنفال من المخالفين.

(6) أي: الشك في عموم نيابة الفقيه المذكور في كلام المحقق الثاني في محله. و هذا أحد المواضع التي ذكر المصنف قدّس سرّه فيها تردّده في الولاية العامة.

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و المعروف تسميتها ب «قاطعة اللجاج» كما عبّر عنها المصنف غير مرة في مسألة جوائز السلطان، طبعت ضمن رسائل المحقق الكركي، ج 1، ص 257

(2) حاشية الروضة، ص 320، الروضة البهية، ج 1، ص 183، طبعة عبد الرحيم.

ص: 188

ثمّ (1) إنّ قوله عليه السّلام: «من لا وليّ له» في المرسلة المذكورة ليس مطلق من

______________________________

فتحصّل: أنّ الاستدلال بالمرسلة المتقدمة على ولاية الفقيه- كما ذهب إليه جمع من الأصحاب- ممنوع.

(1) غرضه قدّس سرّه بيان التفاوت بين مدلولي التوقيع الرفيع و هذه المرسلة- لو سلّم دلالتها على ولاية التصرف للمعصوم عليه السّلام، و ببركة أدلة خلافة الفقيه عنه عليه السّلام تثبت له أيضا- و محصّله: أن «من لا وليّ له» الذي يكون السلطان وليّا له، هل هو الفاقد للولي على نحو السلب المقابل للإيجاب، و إن لم يكن من شأنه جعل وليّ له؟ أم هو المولّى عليه الذي له قابلية نصب وليّ له شرعا، فعدم الوليّ يكون في قبال الملكة.

فبناء على الأوّل تشمل ولاية السلطان للبالغ العاقل الذي له سلطنة تامّة على أموره، و ليس لأحد ولاية عليه. و الوجه في ثبوت ولاية السلطان بالنسبة إلى هذا البالغ هو صدق «أنّه لا وليّ له» فيكون السلطان وليّه.

و بناء على الاحتمال الثاني تختص الولاية و السلطنة بمن له شأنية نصب وليّ له.

و من المعلوم أنّ البالغ المزبور غير قابل لجعل وليّ له، فتختص المرسلة بمورد الشأنية لأن يكون له وليّ.

و هذا المطلب صرّح به الفاضل النراقي أيضا في نفي ولاية الحاكم- بالاستقلال- على نكاح الكبير، حيث قال: «إن معناه أنه- أي السلطان- وليّ من لا وليّ له و يحتاج إلى الولي، لا أنه وليّ من لا وليّ له سواء كان محتاجا إلى الولي أم لا» «1».

و كيف كان فهذه الشأنية على أنحاء، فتارة تكون بحسب الشخص. و هذا لا يفرض فيما نحن فيه، لعدم مورد للولاية على شخص بخصوصه بحيث لا يتعدّى عنه إلى غيره.

نعم يكون ذلك في غير المقام، كعدم اللحية في زيد الكوسج، فإنّه يتعدّى إلى غيره ممّن هو مثله.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 576

ص: 189

لا وليّ له، بل المراد عدم الملكة، يعني: أنّه وليّ من من شأنه أن يكون له وليّ بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه (1). فيشمل (2) الصغير الذي مات أبوه، و المجنون بعد البلوغ (3)، و الغائب (4) و الممتنع (5) و المريض (6) و المغمى عليه، و الميّت الذي لا وليّ له، و قاطبة (7) المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة،

______________________________

و اخرى تكون بحسب الصنف كعدم السواد في الزّنجي.

و ثالثة تكون بحسب النوع كالعمى، فإنّه عدم البصر فيمن من شأنه أن يكون بصيرا بحسب النوع.

و رابعة تكون بحسب الجنس، كعمى العقرب، فإنّ شأن العقرب أن يكون بصيرا بحسب الجنس.

(1) هذه الضمائر الستة من «شأنه» إلى «جنسه» راجعة إلى الموصول في «من من».

(2) يعني: فيشمل من من شأنه أن يكون له وليّ الصغير الذي مات أبوه، فإنّ له شأنية أن يكون له وليّ يحفظ مصالحه. و هذا مثال للصنف.

(3) هذا مثال للنوع، و التقييد ب «بعد البلوغ» لأجل عدم ولاية الفقيه على المجنون المتصل جنونه بالبلوغ، و إنّما ولايته للأب و الجدّ.

(4) هذا أيضا مثال للنوع، و المراد به الغائب عن ماله بحيث لا يقدر على التصرف فيه.

(5) هذا أيضا مثال للنوع، و المراد به من يمتنع عن أداء دين الغير أو حقّه مع التمكّن منه.

(6) الذي لا يقدر على إدارة شؤونه. و هذا و المغمى عليه أيضا مثالان للنوع.

و يمكن أن يكونا مثالين للصنف. و كذا الميت الذي لا وليّ له، إذ لو كان له وليّ خاصّ لا تصل النوبة إلى السلطان الذي هو الولي العام.

(7) معطوف على «الصغير» يعني: فيشمل «من شأنه أن يكون له وليّ» الصغير و قاطبة المسلمين إذا كان لعمومهم ملك كالأرض المفتوحة عنوة المعمورة حال الفتح.

و هذا مثال للجنس.

ص: 190

و الموقوف (1) عليهم في الأوقاف العامّة (2)، و نحو ذلك.

لكن (3) يستفاد

______________________________

(1) معطوف على المفتوح عنوة.

(2) كالوقف على الفقهاء أو الفقراء و نحوهما.

و الحاصل: أن «السلطان» إن كان مختصّا بالمعصوم فتثبت له الولاية بهذه المرسلة، و بأدلة النيابة تثبت للفقيه. و إن كان شاملا للفقيه من أوّل الأمر ثبتت له الولاية بها بلا حاجة إلى أدلة النيابة.

(3) غرضه قدّس سرّه إبداء الفرق بين ما يستفاد من التوقيع الرفيع الآمر بإرجاع الحوادث إلى الرواة و بين هذه المرسلة- مع كون مدلولها ثبوت ولاية التصرف للسلطان على من له شأنية نصب وليّ له- بعد اشتراكهما في دلالتهما على ولاية الفقيه.

و محصّل الفرق أمران، أحدهما: أنّ إضافة كلمة «وليّ» إلى «من لا وليّ له» ظاهرة في كونها لامية أي: «وليّ لمن لا وليّ له» و «اللام» هنا للانتفاع، فتدل المرسلة على مشروعية كل شي ء فيه مصلحة المولّى عليه و منفعته. و هذا بخلاف التوقيع، إذ ليس فيه إضافة حتى يستفاد منه هذا العموم، بل تختص ولاية رواة الأحاديث بالواقعة التي يجب إرجاعها إليهم.

ثانيهما: أنّ مقتضى المرسلة استقلال السلطان بالتصرف في ما يتعلّق بالمولّى عليه، سواء ارجع إليه شي ء من أمور المولّى عليه أم لا، و الوجه في استقلاله هو كفاية قابلية نصب وليّ للشخص في ثبوت المنصب للسلطان، و لم يشترط ولايته بكون ذلك التصرف من الأمور الحسبية التي لا بدّ من تحققه و القيام به، بل يجوز للولي التصدي و إن لم تكن هناك ضرورة للمولّى عليه تقتضي التصرف، كما إذا لم يترتب ضرر على تركه.

و هذا بخلاف التوقيع الرفيع الظاهر في جواز تصدّي الفقيه للأمر بعد الرجوع إليه في خصوص ما أنيط بإذن الإمام عليه السّلام، و لا يدلّ على استقلاله في التصرف.

و بناء على ما ذكر- من أعمية مدلول المرسلة من التوقيع- فيجوز للفقيه تزويج الصغيرة الفاقدة للأب و الجدّ و الوصي من قبل أحدهما، مع اقتضاء مصلحتها له. و كذا يجوز له بيع مال الغائب إن كان فيه مصلحته و إن لم يتضرر بترك البيع. و هكذا سائر

ص: 191

منه (1) ما لم يكن [لم يمكن] يستفاد من التوقيع المذكور [1]، و هو (2) الإذن في فعل

______________________________

التصرفات المشروعة التي لم يدلّ التوقيع على استقلال الحاكم فيها بدون سبق إرجاعها إليه.

(1) أي: من حديث «السلطان ولي من لا ولي له» أو من المرسلة بناء على تأنيث الضمير كما في بعض النسخ.

(2) أي: و ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم.

______________________________

[1] أورد المحقق الايرواني قدّس سرّه عليه بالتهافت بين ملاحظة نسبة المرسلة مع التوقيع و بين ما تقدم في المناقشة من استظهار اختصاص «السلطان» بالمعصوم عليه السّلام.

وجه التنافي: أنه بناء على الاختصاص به عليه السّلام تكون النسبة بين الروايتين التباين، لا الأعمية، لأنّ الولاية في المرسلة للسلطان، و في التوقيع لرواة الحديث، و مع تعدد الموضوع لا وجه لملاحظة النسبة. و بناء على أعمية السلطان من الفقيه يتجه بيان النسبة و لكنه عدول عمّا ناقش به في الاستدلال من اختصاص المرسلة بالمعصوم عليه السّلام «1».

أقول: الأمر كما أفاده قدّس سرّه من التهافت ظاهرا لكن لا يبعد أن يكون كلام المصنف بعد المناقشة: «ثم إن قوله: من لا وليّ في المرسلة المذكورة .. إلخ» ناظرا إلى الإغماض عن الخدشة، و تسليم دلالتها على ولاية الفقيه مماشاة لمن استدلّ به.

نعم إشكال التهافت وارد على مثل الفاضل النراقي قدّس سرّه في العوائد، حيث انه- كما عرفت في التوضيح- عدّها من أدلة ولاية الفقيه، المستلزم لجعل «السلطان» أعم من المعصوم عليه السّلام و الفقيه، إذ الغرض من عدّ الأدلة وفاء كلّ منها بالمطلوب. و لكنه في ذكر بعض موارد ولايته- و هو النكاح- قال: «و ما يمكن أن يستدلّ به للثبوت .. النبوي المشهور بضميمة عموم النيابة المتقدم ثبوته» «2» فإنه كالصريح في اختصاص السلطان بالمعصوم عليه السّلام. و على تقدير الاختصاص يشكل عدّ المرسلة من أدلة الولاية، لاحتياجها حينئذ إلى ضمّ أدلة عموم النيابة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 158

(2) عوائد الأيام، ص 567

ص: 192

كلّ مصلحة لهم، فثبت به (1) مشروعيّة ما لم يثبت مشروعيّته بالتوقيع المتقدّم، فيجوز (2) له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين.

نعم [1] ليس له فعل شي ء لا يعود مصلحته إليهم، و إن كان ظاهر «الوليّ» يوهم ذلك (3)، إذ (4) بعد ما ذكرنا

______________________________

(1) أي: بما روي من قوله عليه السّلام: «السلطان وليّ من لا وليّ له».

(2) هذا متفرع على جواز تصدي السلطان لكل شي ء فيه مصلحة للمولّى عليه من الصغير و المجنون و الغائب، و سائر الطوائف المذكورين.

(3) أي: يوهم كون الولي وليّا على المولّى عليه- من الصغير و المجنون و غيرهما- في كل عمل و إن لم يكن فيه مصلحة للمولّى عليه.

(4) تعليل لقوله: «نعم ليس له فعل شي ء» و حاصل التعليل: أنّه- بعد أن تبيّن المراد بالولي، و هو القائم بمصالح من يحتاج إلى الولي- لا بدّ أن يكون حافظا لمصالح المولّى عليه، و غير متجاوز عنها، و ليس وليّا إجباريا حتى يكون أمره نافذا عليه مطلقا و إن لم يكن ذا مصلحة.

و بالجملة: فيستفاد من هذه المرسلة أمران:

أحدهما: جواز تصدّي الولي لكلّ أمر فيه مصلحة للمولّى عليه.

و الآخر: عدم توقف جواز تصديه على الرجوع إليه، بل يجوز له ذلك و إن لم يرجع المولّى عليه- أو غيره- إلى الولي.

______________________________

[1] الأولى إبدال «نعم» بالواو أو الفاء، بأن يقال: «و ليس- أو فليس- له فعل شي ء ..

إلخ» إذ مقتضى ما أفاده من دلالة المرسلة على اعتبار وجود المصلحة في ما تصدّاه من أمور المولّى عليه هو عدم جواز تصدي الولي لما ليس فيه مصلحة للمولّى عليه. و من المعلوم أنّ المناسب حينئذ هو «فاء» التفريع، أو «الواو» عطفا على «فيجوز» دون الاستدراك بكلمة «نعم».

و الأولى من ذلك أيضا أن يقال: «و لا يجوز له فعل شي ء ..».

ص: 193

- من (1) أنّ المراد ب «من لا وليّ له» من من شأنه أن يكون له وليّ- يراد به (2) كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه، لا بمعنى أنّه ينبغي أن يكون عليه وليّ، له (3) عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرّفه ماضيا عليه (4).

و الحاصل (5) أنّ الوليّ المنفيّ هو الوليّ للشخص لا عليه، فيكون المراد بالوليّ المثبت ذلك (6) أيضا. فمحصّله: أنّ اللّه جعل الوليّ- الذي يحتاج إليه الشخص و ينبغي أن يكون له- هو السلطان (7)، فافهم (8).

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول.

(2) يعني: بعد ما ذكرنا من .. إلخ يراد ب «من لا وليّ له» كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه. لا أنّه ينبغي أن يكون على المولّى عليه وليّ يكون لذلك الولي على المولّى عليه ولاية الإجبار، بحيث يكون تصرفه ماضيا مطلقا و إن لم يكن مصلحة لمن يلي أمره.

(3) أي: للولي، و هو متعلق بمحذوف، نعت ل «ولي» و ضمير «عليه» راجع إلى «من» المراد به المولّى عليه، يعني: أن يوصف هذا الولي بأن يكون له على المولّى عليه ولاية الإجبار، بأن يمضي تصرفه مطلقا و إن لم يكن هذا مصلحة له.

(4) أي: على المولّى عليه مطلقا.

(5) يعني: و حاصل البحث في حديث «السلطان وليّ من لا وليّ له» أنّ المراد بالولي إثباتا و نفيا هو الولي للشخص أي لحفظ مصالحه و جلب منافعه، لا على الشخص أي على ضرره. و الولي الذي جعله اللّه تعالى و نصبه لمصالح من يحتاج إلى الولي هو السلطان.

فهذا الحديث حاكم على أصالة عدم الولاية التي تقدّمت في أوائل بحث الولاية، و مبيّن للموضوع، و هو الولاية لمصالح الشخص لا لمضارّه.

(6) أي: الولي للشخص، لا عليه.

(7) مفعول «جعل» كأنه قيل: جعل اللّه الوليّ الكذائي هو السلطان. و الضمير للفصل، مثل: جعلت زيدا هو الحاكم.

(8) يحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ جعل الولي للشخص- لا عليه- مبني على كون

ص: 194

..........

______________________________

اللام في حديث «من لا وليّ له» للنفع، في مقابل الضرر. و أمّا إذا كان اللّام للصلة كقوله:

«الامام وارث من لا وارث له» فلا يستفاد منه اختصاص الولاية بخصوص مصالح المولّى عليه، و لا قرينة على كون اللام للنفع، كوقوعه في مقابل «على» المستعمل في الضرر.

مع أنّ لازمه عدم ثبوته ولاية الفقيه في موارد كون التصرف موجبا لتضرر المولّى عليه و نقص ماله، منها: أداء دين في ذمة الصغير و المجنون و المغمى عليه و المريض و الممتنع، و استيفاء حقوق الناس من أموالهم.

و منها: الحجر على المفلّس و منعه من التصرف في ماله.

و منها: التصرف في مال الغائب بالإنفاق على زوجته، و نحوها ممّا يكون ولاية التصرف مستلزما للضرر، و لم ينتفع به، مع وضوح عدم الالتزام بهذا اللازم.

و عليه فاستفادة الاختصاص المزبور من هذا الحديث مشكلة. كإشكال استفادته من الأدلة السابقة، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الولاية مطلقا- من غير فرق بين المصالح و غيرها- ما لم يشمله دليل نفي الضرر. إلّا أن يمنع الإطلاق و يدّعى انصراف الأدلة إلى خصوص منافع المولّى عليه، أو إلى ما لا ضرر فيه، كبيع ماله بثمن مساو له في المالية.

ص: 195

[3- ولاية عدول المؤمنين]
اشارة

مسألة:

في ولاية (1) عدول المؤمنين

______________________________

(1) 3- ولاية عدول المؤمنين التي هي متأخرة عن ولاية الفقيه التي تقدمت في المسألة السابقة، و لم يشر المصنف قدّس سرّه هنا إلى كون المسألة خلافيّة أم اتفاقية، و لكن ظاهر صاحب العناوين تعدد الأقوال، لقوله: «إذا تعذّر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم، فهل الولاية للعدول مطلقا، أو ليس لهم مطلقا، أو في ما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية، دون غيره ..؟ وجوه، بل أقوال». ثم جعل البحث في مقامين:

أحدهما: في جواز تصرف العدول في ما هو وظيفة الحاكم لو كان موجودا مع ضيق الوقت و عدم إمكان التفصّي.

و ثانيهما: في وجوب مباشرة العدول في الفرض المزبور، فراجع «1».

و نقل السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه قولين في المسألة:

أحدهما: المشهور، بل عن الحدائق الإجماع عليه.

و الآخر: عدم ولاية ما عدا الفقيه، نقله عن ابن إدريس و غيره «2».

و كيف كان فقد استقصى المصنف قدّس سرّه البحث في هذه المسألة بالنظر في جهات سيأتي بيانها بالترتيب ان شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 580 و 581

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257 و 258

ص: 196

[مورد ولاية العدول و دليله]

اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه، و هو (1) ما كان تصرّفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول، فالظاهر جواز تولّيه (2) لآحاد المؤمنين، لأنّ (3) المفروض كونه مطلوبا

______________________________

الاولى: في متعلق الولاية.

الثانية: في الدليل على ثبوت هذا الحكم الوضعي المجعول للمؤمن العدل.

الثالثة: في اعتبار العدالة في المؤمن المتولّي للمعروف.

الرابعة: في أنّ جواز تصرف المؤمن تكليف وجوبي أو ندبي، و ليس على وجه النيابة عن الفقيه.

و يتفرّع عليه جواز مزاحمة مؤمن لمثله في التصدّي للمعروف.

الخامسة: في اشتراط ولاية المؤمن برعاية مصلحة المولّى عليه، و عدمه.

ثم تعرّض بالتفصيل لما يراد من آية وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*. و كان مقتضى الترتيب تقديم البحث عمّن هو موضوع للولاية- و الخصوصيات الدخيلة فيه كالعدالة- على بيان الدليل على الحكم. و الأمر سهل.

(1) يعني: و ما ذكرناه هو التصرف الذي يكون مطلوبا للشارع بحيث لا يرضى بتركه، كالتصرف في أموال القصّر و الأوقاف العامة الفاقدة لمتولّ خاصّ و عامّ، و هو الفقيه الجامع للشرائط، و غيرهما من الأمور المعبّر عنها بالأمور الحسبية.

(2) أي: تولّي ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع، و حاصله: أنّ الظاهر جواز تولّي آحاد المؤمنين للتصرف المطلوب للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول، إذ مع إمكان الوصول إليه لا تصل النوبة إلى المؤمنين. و كذا مع إمكان الوصول إلى وكيله و المأذون من قبله.

(3) تعليل لجواز تولّي المؤمنين، و حاصله: أنّ المفروض كون ذلك التصرف مطلوبا للشارع، بحيث لا يرضى بتعطيله. و مقتضى مطلوبيّته للشارع و عدم رضاه بتركه هو لزوم فعله على كل حال. فإن كان الفقيه موجودا فهو المتصدّي له، و إلّا فعدول المؤمنين.

ص: 197

للشارع غير مضاف إلى شخص (1). و اعتبار (2) نظارة الفقيه فيه ساقط (3) بفرض التعذّر. و كونه (4) شرطا مطلقا له- لا شرطا اختياريا- مخالف (5) لفرض العلم

______________________________

و يدلّ على مطلوبية وجوده شرعا قوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» و غيره من الآيات الشريفة. و كذا النصوص المتضافرة، مثل ما روي عن القمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، فإنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يقرّبا أجلا، و لم يباعدا رزقا» الحديث «2».

(1) كالأمور التي علم من الشارع مطلوبيتها له في جميع الأزمان، و لم يدلّ دليلها على صدورها من شخص خاص. فإن كان الفقيه موجودا تعيّن هو للقيام بها، إمّا لولايته عليها بأدلتها العامة، و إمّا لتعيّنه من بين المسلمين، و إمّا لعدم لزوم الهرج و المرج.

و إن لم يكن الفقيه موجودا جاز لغيره من المؤمنين القيام به.

(2) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّه مع فرض اعتبار نظر الفقيه في ذلك التصرف كيف يجوز لغيره التصرف في ذلك الأمر؟ هذا.

و أمّا دفعه فهو: أنّ تعذر الوصول إلى الفقيه أسقط اعتبار نظره في ذلك التصرف، و سوّغ تصرف غيره.

(3) خبر «اعتبار» و «الباء» في «بفرض» للسببيّة، و دفع للتوهم.

(4) أي: و كون اعتبار نظارة الفقيه شرطا مطلقا للتصرف مخالف .. إلخ. و هذا إشكال على سقوط اعتبار نظر الفقيه بالتعذر.

و محصل الإشكال: أنّه على فرض كون نظر الفقيه شرطا مطلقا- غير مقيّد بحال الاختيار حتى يسقط اعتباره في حال التعذر- لم يجز لأحد التصدي لذلك التصرف.

(5) خبر «و كونه» و دفع للإشكال، و حاصله: أنّ إطلاق شرطية نظر الفقيه حتى مع تعذره مخالف للعلم بكون ذلك التصرف مطلوب الوجود مطلقا حتى مع تعذر

______________________________

(1) آل عمران، الآية 104

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 399، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، ح 24

ص: 198

بكونه (1) مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط (2)، لكونه (3) من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة.

نعم (4) لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو الإمام، صحّ الرجوع إلى أصالة عدم المشروعية، كبعض مراتب النهي عن المنكر، حيث إنّ إطلاقاته (5) لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح.

قال الشهيد رحمه اللّه في قواعده (6) «يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحكميّة (7)

______________________________

الشرط، و ذلك لأجل كون ذلك التصرف من المعروف الذي أمر الشارع بإقامته في الشريعة. و مع هذا العلم كيف تصح دعوى إطلاق شرطية نظارة الفقيه؟

(1) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «ما كان تصرفا».

(2) و هو نظارة الفقيه.

(3) أي: لكون «ما كان تصرفا» من المعروف. و هذا تعليل لقوله: «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» و محصله- كما أشرنا إليه-: أنّه مع العلم بكون ذاك التصرف كحفظ مال القصّر مطلوب الوجود للشارع حتى مع تعذر الفقيه، لا بدّ من جواز تصدّي آحاد المؤمنين له.

(4) استدراك على قوله: «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» و حاصله: أنّه لو لم يحصل العلم بكون ذلك التصرف مطلوبا للشارع مطلقا، و احتمل اختصاص مطلوبيته بالإمام أو الفقيه، صحّ الرجوع حينئذ إلى أصالة عدم المشروعية.

(5) أي: إطلاقات النهي عن المنكر.

(6) الظاهر أنّ الغرض من بيان كلام الشهيد رحمه اللّه هو كون ولاية عدول المؤمنين ثابتة عند الأصحاب مع تعذر الفقهاء، بمعنى ترتب ولايتهم و تأخّرها عن ولاية الحكّام، لا عرضيتها لها.

و تعرّض الشهيد قدّس سرّه لمتعلق ولاية آحاد المؤمنين أيضا، كما سيأتي التنبيه عليه.

(7) بكسر «الحاء» أي: التصرفات المقرونة بالحكمة و المصلحة.

ص: 199

على الأصح (1)، كدفع ضرورة اليتيم (2)، لعموم (3) وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ «1»، و قوله (4) عليه السّلام: «و اللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» «2»، و قوله (5) صلّى اللّه عليه و آله: «كلّ معروف صدقة» «3».

[هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع]

و هل (6)

______________________________

(1) و مقابل الأصحّ هو: عدم جواز تولّي آحاد المؤمنين لتلك التصرّفات.

(2) نظير بيع ما يحتاج إليه اليتيم من أمواله.

(3) استدلّ الشهيد قدّس سرّه على ولاية عدول المؤمنين بوجوه:

الأوّل: قوله تعالى شأنه وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ، بتقريب: أنّ دفع ضرورة اليتيم إعانة على البرّ، فهو ممّا ندب الشارع إليه، و المخاطب بالتعاون عامّة المكلفين بلا خصوصية للفقيه.

(4) هذا هو الوجه الثاني، و الحديث في المصدر هكذا: «و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه».

و في المستدرك: «و عن القطب الراوندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ان اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» «4».

و على كلّ فظهور الحديث في الحثّ و الترغيب على إعانة المؤمن ممّا لا ينكر.

(5) معطوف على «عموم» أو على «تعاونوا» و هذا هو الوجه الثالث ممّا استدل به الشهيد قدّس سرّه. و تقريبه: ترتب أثر الصدقة- و هو الأجر- على فعل المعروف كدفع ضرورة اليتيم. و بما أنّ الصدقة متمشية من العالم و العامي، فكذلك ما جعله الشارع بمنزلته في الأجر.

(6) أي: لعدول المؤمنين. هذا راجع إلى متعلق ولاية عدول المؤمنين، و حاصله: أنّ

______________________________

(1) المائدة، الآية 3

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 586، الباب 29 من أبواب فعل المعروف، ح 2

(3) وسائل الشيعة، ج 11، ص 521، الباب 1، من أبواب فعل المعروف، ح 2

(4) مستدرك الوسائل، ج 12، ص 429، الباب 34 من أبواب فعل المعروف، ح 10

ص: 200

يجوز أخذ (1) الزكوات و الأخماس من الممتنع و تفريقها في أربابها (2).

و كذا (3) بقية وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان. وجه (4) الجواز ما ذكرنا (5)، و لأنّه (6) لو منع من (7) ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال (8)، و هي مطلوبة للّه تعالى.

و قال بعض متأخّري العامّة «1»: إنّ (9) القيام بهذه المصالح (10)

______________________________

ولايتهم هل تعمّ آخذ الزكوات و الأخماس ممّن يمنعها و لا يؤدّيها إلى أهلها بلا عذر شرعي؟ أم تختص هذه الولاية بالفقيه.

(1) الموجود في نسخة القواعد المطبوعة «قبض» بدل «أخذ».

ثم إن في بعض نسخ القواعد «و صرفها» بدل «و تفريقها».

(2) أي: أرباب الزكوات و الأخماس، و هم مستحقوها من السادة و الفقراء.

(3) يعني: و هل يجوز لعدول المؤمنين سائر وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟

(4) في القواعد: «و وجه الجواز».

(5) من قوله تعالى «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ» و قوله عليه السّلام: «و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كل معروف صدقة».

(6) هذا دليل ثان للجواز، و حاصله: أنّه لو منع عدول المؤمنين من أخذ الزكوات و الأخماس لفاتت مصالح صرفها، و هي انتظام أمور معاشهم الموجب لقدرتهم على أداء وظائفهم الفردية و الاجتماعية.

(7) كلمة «من» غير موجودة في القواعد.

(8) و هي الزكوات و الأخماس، و الحال أنّ تلك المصالح مطلوبة للّه تعالى شأنه.

(9) في القواعد: «لا شك أنّ».

(10) و هي: انتظام أمور السادة و الفقراء، و تمكّنهم من أداء ما عليهم من الوظائف من تسديد حوائجهم المادية، و الإنفاق على من يعولونه، و غيرهما.

______________________________

(1) هو كما في هامش القواعد. عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام، ج 1، ص 82

ص: 201

أهمّ (1) من ترك (2) تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها، و يصرفونها إلى غير مستحقّها.

فإن توقّع (3) إمام يصرف ذلك في وجهه، حفظ المتمكّن (4) تلك الأموال (5) إلى حين تمكّنه من صرفها إليه (6). و إن يئس (7) من ذلك كما في هذا الزمان (8)، تعيّن صرفه على الفور في مصارفه، لما في إبقائه (9)

______________________________

(1) في بعض نسخ القواعد «أتم» بدل «أهم».

(2) أي: من إبقاء الزكوات و الأخماس بأيدي الظلمة، و هم أرباب الأموال التي تعلّق بها الأخماس و الزكوات، فإنّ منعهما عن مستحقيهما ظلم و جور منهم على السادة و الفقراء.

ثم إنّ التعبير بالأهمّ مسامحة، لأنّ إبقاء تلك الأموال بأيدي المالكين ظلم، لا أنّه مهمّ حتى يكون صرفها في مصارفها أهمّ. فالأولى التعبير بالمهمّ.

(3) الظاهر- كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه- أن هذه الجملة إلى آخر العبارة كلام الشهيد لا بعض العامة.

(4) أي: المتمكن من حفظ الأموال يحفظها إلى زمان تمكنه من صرفها إلى الإمام عليه السّلام، و مع اليأس من الوصول إليه عليه السّلام- كما في زمان الغيبة الكبرى- وجب فورا صرفها في مصارفها الشرعية.

(5) و هي الأخماس و الزكوات، و ضمير «صرفها» راجع الى الأخماس و الزكوات.

(6) أي: إلى «امام» و ضمير «تمكنه» راجع إلى المتمكن، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(7) معطوف على «فإن توقع» يعني: و إن يئس و لم يتوقع الوصول إلى الإمام عليه السّلام تعيّن .. إلخ.

(8) و هو زمان الغيبة الكبرى، عجّل اللّه تعالى فرج صاحبها و جعلنا فداه.

(9) أي: لما في إبقاء المال- و هو الخمس و الزكاة- من التغرير أي: التعريض للهلاك و التلف.

ص: 202

من (1) التغرير و حرمان مستحقّيه (2) [مستحقه] من (3) تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.

و لو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم، و مع اليأس يتصدق بها (4) عنهم (5)، و عند العامّة تصرف في المصارف العامّة (6)» انتهى «1».

و الظاهر أنّ قوله: «فإن توقّع إلى آخره» من كلام الشهيد رحمه اللّه (7).

و لقد أجاد (8) فيما أفاد، إلّا أنّه لم يبيّن وجه عدم الجواز (9).

و لعلّ وجهه (10 أنّ مجرّد كون هذه الأمور من «المعروف» لا ينافي اشتراطها

______________________________

(1) هذا تفسير «ما» الموصول، و قوله: «و حرمان» معطوف على التغرير.

(2) كذا في نسختنا، و لكن في القواعد و في بعض نسخ الكتاب «مستحقه» بالإفراد.

(3) متعلق ب «حرمان» يعني: و حرمان مستحقّي الخمس و الزكاة من أخذهما فورا مع إلجاء حاجتهم إلى أخذهما فورا.

(4) هذا الضمير و ضميرا «حفظها، لأربابها» راجعة إلى أموال.

(5) أي: عن أربابها و مالكيها. و في القواعد زيادة كلمة «و يضمن».

(6) كبناء المساجد و المدارس و القناطر و نحوها من المصالح العامة.

(7) يعني: لا من كلام بعض متأخري العامة، فقوله: «فإن توقع» من تتمة قول الشهيد: «و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس» و وجه الظهور: أنّ توقّع إمام يصرف الحقوق الشرعية في مواردها بعيد عن مذهب العامة في الخلافة و الزعامة.

(8) يعني: أجاد الشهيد فيما أفاده من وجوب حفظ الأموال إلى زمان يمكن إيصالها إلى الإمام عليه السّلام، و مع عدم إمكانه- كما في هذا الزمان لغيبته عليه السّلام عن أعيننا- تصرف في مطلق الأمور الخيرية و المصالح العامة.

(9) أي: وجه عدم جواز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع، و تفريقهما في أربابهما.

(10) يعني: و لعلّ وجه عدم الجواز- الذي لم يذكره الشهيد قدّس سرّه- هو: أنّ مجرّد كون

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 406- 408

ص: 203

بوجود الإمام أو نائبه، كما في قطع الدّعاوي، و إقامة (1) الحدود. و كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب و جدّ، فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ (2).

نعم (3) لو فرض «المعروف» على وجه يستقلّ العقل بحسنه

______________________________

الأمور المزبورة من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام عليه السّلام أو نائبه- و لو العامّ- و هو الفقيه الجامع للشرائط. لإمكان الجمع بين كون فعل معروفا في نفسه و بين إيكاله إلى نظر الإمام عليه السّلام أو نائبه.

و عليه فيكون جمع الزكاة و الحقوق الشرعية نظير فصل الخصومة و إقامة الحدود و التجارة بمال الصغير، فإنّ هذه الأمور الثلاثة ممّا لا ريب في مطلوبيّتها شرعا، مع اعتبار كون المتصدّي لها هو الامام عليه السّلام أو الفقيه الجامع للشرائط. و يشك في صدق «المعروف» عليها لو صدرت من غيرهما.

و معه لا وجه للتمسك بالدليل مع عدم إحراز الموضوع من الخارج، لعدم تكفل الدليل الوارد بلسان القضية الحقيقية لتعيين موضوع نفسه، و هو واضح.

(1) معطوف على «قطع» و قوله: «و كما في» معطوف على قوله: «كما في».

(2) و هو الإمام عليه السّلام، و الأولى تأنيث ضمير «وكوله» لرجوعه الى ما ذكره من الأمور الثلاثة من قطع الدعاوي و ما بعده، كتأنيث الضمير في «كونها، اشتراطها» إلّا أن يرجع ضمير «وكوله» إلى المعروف و الأمر سهل.

(3) استدراك على عدم منافاة مجرّد معروفية هذه الأمور لاشتراطها بوجود الامام عليه السّلام، و غرضه من هذا الاستدراك استثناء صورتين- من موارد المعروف- يجوز لغير الحاكم الشرعي التصدي لهما.

الاولى: أن يكون «المعروف» من المستقلّات العقلية، كحفظ اليتيم نفسا و مالا، بحيث يكون رجحانه و مصلحته أهمّ من مفسدة التصرف في مال اليتيم، ففي مثله لا يناط جواز التصدّي بإذن شخص خاصّ.

و بالجملة: إن كان المعروف من المستقلّات العقلية لا تحتاج مباشرته إلى إذن الامام عليه السّلام، لفرض استقلال العقل بحسنه.

ص: 204

مطلقا (1) كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي (2) يعلم رجحانه (3) على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه، صحّ (4) المباشرة بمقدار (5) يندفع به الضرورة.

أو فرض (6) على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد. إلّا (7) أنّه خرج

______________________________

(1) يعني: سواء أ كان الإمام حاضرا أم غائبا، و أمكن الاستيذان منه أم لا.

(2) صفة ل «حفظ».

(3) أي: رجحان حفظ اليتيم- من الهلاك- على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه. يعني: إذا كان حفظ اليتيم عن الهلاك منوطا ببذل ماله، فيجوز هذا التصرف المالي، لرجحان حفظه عن التلف على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(4) جواب «لو» في قوله: «لو فرض» غرضه: أنّه تصحّ المباشرة بمقدار دفع الضرورة بلا إذن أحد.

(5) التقييد بهذا المقدار للتنبيه على أنّه مورد حكم العقل المستقل، دون غيره.

(6) معطوف على قوله: «لو فرض» و هذا استدراك آخر على أنّ مجرّد معروفية هذه الأمور لا ينافي اشتراطها بوجود الامام عليه السّلام.

و محصل هذه الصورة الثانية: أنّ «المعروف» و إن لم يكن من المستقلّات العقلية، لورود مطلوبيّته في الخطاب الشرعي، إلّا أنه يجوز لكلّ أحد مباشرته، إذ يستفاد من الدليل جواز ذلك، سواء أمكن إرجاع الواقعة إلى الإمام عليه السّلام أو الفقيه أم لا. نعم إطلاق هذا الدليل النقلي يقيّد بما دلّ على ولاية الفقيه مع إمكان الرجوع إليه و الاستيذان منه.

و بالجملة: انّ معروفية الشي ء المعروف لا تنافي توقفها على مباشرة شخص خاص أو إذنه. كما أنه لا تتوقف معروفيته على إذن أحد في الصورتين المتقدمتين، و هما استقلال العقل بحسن فعل مطلقا، و دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكلّ أحد من غير إذن شخص خاص.

(7) استدراك على عدم الاحتياج إلى مباشرة شخص خاص أو إذنه، و محصله: أنّ ولاية غير الحاكم من المؤمنين لمّا كانت مترتبة على ولاية الحاكم، فمع التمكن منه لا بدّ من الرجوع إليه حتى يباشر ذلك المعروف، أو يأذن لغيره في التصدّي له.

ص: 205

ما لو تمكّن من الحاكم، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأمور إليه [1] و هذا (1) كتجهيز الميّت [2] و إلّا (2) فمجرّد كون التصرّف معروفا لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه.

و لهذا (3) لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له

______________________________

(1) أي: المعروف الذي يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد، كتجهيز الميّت.

و لعل الأولى ذكر قوله: «و هذا كتجهيز الميّت» قبل قوله: «الا انه خرج ما لو تمكن».

(2) أي: و إن لم يكن المعروف ممّا يستقلّ بحسنه العقل مطلقا، أو لم يكن دليل المعروف دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد، لم يصلح مجرّد كون التصرف معروفا لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال الغير أو على نفسه. فلا بدّ في تقييد الإطلاق المزبور من كون المعروف على أحد هذين الفرضين: من استقلال العقل بالحسن مطلقا، أو دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكل أحد.

(3) يعني: و لأجل عدم كون مجرّد المعروف مقيّدا لإطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على أموال الناس، لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له، و هو مالك المبيع فضولا، مع

______________________________

[1] يمكن أن يدّعى تخصيص هذه الأدلة بدليل المعروف الدال على جواز تصدّيه لكلّ أحد، لأخصيّته من تلك الأدلة، فيجب الرجوع إلى الحاكم في كل معروف إلّا المعروف الذي دلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد.

إلّا أن يقال: بحكومة تلك الأدلة على دليل ذلك المعروف، فلا تلاحظ النسبة حينئذ بينهما.

[2] كون هذا مثالا للمعروف الذي يدلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد مبني على عدم ولاية الوارث على تجهيز الميت، و كونه كالأجانب في هذا التكليف.

لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن.

إلّا أن يراد بجواز تصدّيه لكلّ أحد صورة فقدان الولي، أو تعذر الاستيذان منه، فإنّ جميع المؤمنين حينئذ في تجهيز الميت سواء، من غير فرق بين الفقيه و غيره.

ص: 206

بمجرّد كونه (1) معروفا و مصلحة، و لا يفهم (2) من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه (3)، لأنّ (4) المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل (5) أو الشارع (6) من (7) غير جهة نفس أدلّة المعروف.

______________________________

كون البيع من المعروف و مصلحة للمالك. فلو كان صرف كون البيع مصلحة للمالك كافيا في صحته و نفوذه- لكونه معروفا- لزم القول باستغناء مثل هذا البيع عن الإجازة، بدعوى: أنّ الشارع ندب إلى كلّ ما هو معروف، الصادق على هذا العقد الفضولي. مع أنه لا سبيل للالتزام به أصلا.

(1) أي: كون عقد الفضولي.

(2) يعني: و لا يفهم أيضا من أدلة المعروف: ولاية للعاقد الفضولي على المعقود عليه.

(3) و هو المال الذي عقد عليه الفضولي.

(4) تعليل لعدم نهوض مجرد كون التصرف معروفا على تقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. و لعدم انفهام ولاية الفضولي على المال المعقود عليه فضولا من أدلة المعروف.

و محصل التعليل: أنّ مجرّد التصرف ليس معروفا، و لا دليله دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد حتى يصلح لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. و ذلك لأنّ المعروف ليس مجرّد التصرف في المال أو النفس، بل هو التصرف المأذون فيه من قبل أحد الثلاثة: المالك أو العقل أو الشرع. فالمأذون فيه من ناحية المالك كما في عقد الفضولي، فإنّ معروفيته منوطة بإجازة مالك المال الذي وقع عليه العقد.

(5) كاستقلال العقل بنجاة اليتيم من الهلاك المنوطة بالتصرف في ماله أو مال غيره.

(6) كقوله تعالى وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ و قوله عليه السّلام: «كلّ معروف صدقة» و غيرهما.

(7) متعلق بمحذوف و هو المأذون، غرضه: أنّ إذن الشارع في المعروف لا بدّ أن يكون من غير أدلة المعروف، لما مرّ آنفا من عدم دلالة دليل المعروف على ولاية التصرف لأحد على غيره.

ص: 207

و بالجملة (1) تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقليّ، أو عموم شرعيّ، أو خصوص في مورد جزئي (2)، فافهم (3).

[اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي]

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم، كما هو (4) ظاهر أكثر الفتاوى، حيث يعبّرون بعدول المؤمنين.

______________________________

(1) يعني: و ملخص الكلام في ولاية عدول المؤمنين: أنّ تصرف غير الحاكم الشرعي في أموال الناس منوط بنصّ عقليّ كما في المستقلات العقلية، أو عموم شرعي كآية التعاون على البرّ و التقوى، و «عون المؤمن» و غيرهما ممّا تقدّم في (ص 195) أو دليل خاص شرعي في مورد جزئي كتجهيز الميت.

(2) كدليل تجهيز الميّت الدالّ على جواز التصدي لتجهيز الميت لكلّ أحد من دون توقفه على إذن شخصي.

(3) لعله إشارة إلى: أنّ ما تقدّم في الاستدراك من قوله: «و إلّا فمجرّد كون التصرف معروفا .. إلخ» منوط بكون «المعروف» هو التصرف المأذون عقلا أو شرعا. إذ يشكل التمسك بما دلّ على فعل المعروف، من جهة الشك في الصدق. و أما بناء على إرادة ما يراه العرف العام معروفا و حسنا عندهم- في قبال المنكر و القبيح بنظرهم- لم تتجه شبهة صدق «المعروف» على بعض الأفعال حتى مع عدم إدراك العقل حسنه، و عدم ورود دليل شرعي خاص عليه.

(4) اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي أي: اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين ظاهر أكثر الفتاوى، لتعبيرهم بعدول المؤمنين. و هذا شروع في ثالثة جهات البحث في المسألة.

و لا يخفى أنّ في بعض العبائر «من يوثق به» كما في كلام المحقق «1»، أو «من يوثق بدينه و أمانته» كما عبّر به المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه «2»، و في بعضها «عدول المؤمنين» كما في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه- في مسألة ظهور عجز الوصيّ عن العمل بالوصية و فقد الحاكم المتمكن من الضمّ إليه- حيث قال: «فيجب على عدول المؤمنين الانضمام إليه

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 257

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 232

ص: 208

و هو (1) مقتضى الأصل [1]

______________________________

و مساعدته» «1». و عبّر في موضع آخر ب «من يوثق به» مع إرادة العادل منه، لقوله بعده:

«و تطرّق محذور التصرف في مال الطفل يندفع بوصف العدالة في المتولّي المانع له من الإقدام على ما يخالف مصلحته» «2» و نحوه كلام جمع آخر، فراجع «3».

(1) أي: اعتبار العدالة مقتضى الأصل الأوّلي، و هو عدم صحة تصرفات الفاسق في مال أحد، إذ الجاري في الشك في صحة تصرف في المال هو أصالة الفساد.

فالمراد بالأصل هو العملي، و التمسك به منوط بعدم وفاء الأدلة الاجتهادية بشي ء من الاشتراط و عدمه.

و يحتمل- كما قيل- إرادة الأصل اللفظي، مثل ما ورد بلسان العموم على حرمة التصرف في مال الغير إلّا بإذنه، سواء أ كان المالك شخصا أم جهة كالسادة و الفقراء مما يتوقف على ولاية المتصرّف على تلك الجهة.

و بناء على هذا الاحتمال يكون الفارق بين الأصل و ما سيأتي من صحيحة ابن بزيع هو أنّها دليل بالخصوص على عدالة المؤمن المتصرف، بخلاف الأصل المستفاد من عموم «لا يحل».

______________________________

[1] و قد يقال: إنّه مقتضى عموم قوله عليه السّلام: «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» و «لا يجوز لأحد التصرف في مال الغير إلّا بإذنه».

لكن الظاهر أنّ مورد التشبث بهما هو ما إذا كان الشك في الاذن و طيب النفس ممّن يكون إذنه و طيب نفسه دخيلين في صحة التصرف و نفوذه. و أمّا من لا يكون كذلك، بأن كان وجود إذنه كعدمه- كالطفل و نحوه من القاصرين- فالتمسك بالخبرين لبطلان التصرف محل التأمل.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 259

(2) المصدر، ص 265

(3) الحدائق ج 18، ص 323 و 403 و 444، رياض المسائل، ج 2، ص 59، ج 10، ص 348 الطبعة الحديثة، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، جواهر الكلام، ج 22، ص 272 و ج 28، ص 430

ص: 209

و يمكن أن يستدلّ عليه (1) ببعض الأخبار أيضا (2).

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل: «رجل مات من أصحابنا بغير وصية (3)، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد (4) القيّم بماله، و كان الرّجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري. فباع عبد الحميد المتاع، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة، و كان قيامه فيها بأمر القاضي، لأنّهنّ فروج. قال (5) [فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام فقلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلى أحد، و يخلّف جواري، فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ، أو قال: يقوم بذلك رجل منّا-، فيضعف قلبه، لأنّهنّ فروج] (6)، فما ترى في ذلك؟ قال: فقال عليه السّلام: إذا كان القيّم [به] (7) مثلك أو [و] مثل عبد الحميد فلا بأس» (8)

______________________________

و على كلّ فينبغي الإمعان فيما أفاده المصنف قدّس سرّه هنا و في مسألة ولاية الأب و الجد، حيث تمسّك هناك بالأصل لنفي اعتبار العدالة، و جعل مقتضاه هنا الاشتراط.

(1) أي: على اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين كما هو مقتضى بعض الأخبار.

(2) أي: كما اقتضى الأصل اشتراط العدالة.

(3) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل: «إنّ رجلا من أصحابنا مات و لم يوص».

(4) كذا في الوسائل نقلا عن الكافي و التهذيب، و لكن الموجود في زيادات التهذيب «عبد الحميد بن سالم» «1». و كذا فيه «و كان رجلا» بدل «و كان الرّجل».

(5) في التهذيب «قال محمّد» يعني ابن بزيع، و كذا فيه «و لم يكن» بدل «إذ لم يكن».

(6) هذه الجملة لم ترد في عدة من نسخ الكتاب. و في التهذيب بعد قوله: فقلت:

«جعلت فداك». و فيه أيضا «فلا يوصي» بدل «و لا يوصي».

(7) نقلا من الوسائل و من بعض نسخ الكتاب.

(8) أي: فلا بأس ببيع الجواري. و المستفاد من جوابه عليه السّلام- لأجل مفهوم الجملة الشرطية- وجود البأس لو كان المتصدّي غير مماثل لابن بزيع أو لعبد الحميد، بناء على

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 240، باب من الزيادات في الوصية، ح 25

ص: 210

الخبر (1) «1».

بناء (2) [1] على أنّ المراد من المماثلة أمّا المماثلة في التشيّع، أو في الوثاقة

______________________________

كون المماثلة المعتبرة هي المماثلة في مجرد العدالة، أو الوثاقة، فلو اعتبرت المماثلة في الفقاهة و النيابة العامة عن المعصوم عليه السّلام كانت الصحيحة نافية لولاية المؤمن العامي العدل، و سيأتي بيان المحتملات.

(1) كذا في نسختنا المعوّل عليها، و لا حاجة إلى هذه الكلمة، إذ المنقول تمام الخبر لا بعضه.

(2) قيد لقوله: «و يمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار» يعني: أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة مبنيّ على المماثلة بين القيّم و بين محمّد بن إسماعيل أو عبد الحميد، فلا بدّ من بيان المراد بهذه المماثلة، فنقول: إنّ محتملات المماثلة أربعة:

أحدها: التشيع.

ثانيها: الوثاقة الموجبة لرعاية غبطة اليتيم و إن لم يكن القيّم شيعيّا.

ثالثها: الفقاهة.

رابعها: العدالة.

و الوجه في تطرّق هذه الاحتمالات إجمال المماثلة و المشابهة، من جهة اجتماعها في محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

______________________________

[1] هذا التعبير لا يخلو من مسامحة، إذ المقصود إثبات شرطية عدالة المؤمن- المتصدي للأمور الحسبية- بقوله عليه السّلام: «إن كان القيّم مثلك .. فلا بأس» و هذا مبني على كون المشابهة و المماثلة في خصوص العدالة، لأجنبية سائر المحتملات عن المدّعى.

فلعلّ الأولى أن يقال: «إنّ المماثلة تحتمل وجوها أربعة، و بناء على إرادة العدالة يتم الاستدلال ..» و الأمر سهل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 270، الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 2

ص: 211

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ الاستدلال منوط بكون الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم الكلّي، لا في مقام الإذن لمثل عبد الحميد في القيمومة كما هو محتمل أيضا، لكونه من شؤون الإمامة أيضا، إلّا أنّ المصنف أهمل هذه الجهة اتكالا على ظهور الكلام في بيان الحكم الإلهي.

ثم إن الظاهر أن عبد الحميد المنصوب قيّما هو ابن سالم العطار كما في وصايا التهذيب، و هذا لا يعارض عدم تصريح ثقة الإسلام قدّس سرّه في الكافي باسم أبيه. فلا يدور الأمر بينه و بين عبد الحميد بن سعد البجلي الكوفي الذي نقل النجاشي أن له كتابا و لكنه لم يوثق و ذلك لتعيّنه هنا بتصريح شيخ الطائفة باسم أبيه كما تقدم في (ص 210).

ثم إنّ عبد الحميد بن سالم العطار، عدّ من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد عليهم الصلاة و السلام، و هو كوفي ثقة، على ما يستفاد من كلام النجاشي في ترجمة ابنه محمّد، حيث قال: «محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر .. إلخ» بناء على ما يقتضيه عطف «و كان» على «روى عبد الحميد» خلافا لما يظهر من بعض من جعل التوثيق راجعا إلى محمّد «1».

و كيف كان فيكفي في إثبات وثاقته و جلالته صحيحة ابن بزيع التي جوّز الإمام الجواد عليه الصلاة و السلام فيها قيمومته، و جعله قرينا و عدلا لابن بزيع الذي هو من الفقهاء الثقات، و من مشايخ الفضل بن شاذان، و ممّن له كتاب «2».

و أمّا استبعاد بقاء عبد الحميد إلى زمان إمامة الجواد عليه السّلام فلا وجه له، أمّا أولا:

فلأنه لم يثبت روايته عن الامام الصادق عليه السّلام، بل الظاهر كما تقدم في كلام النجاشي أنه من أصحاب الكاظم عليه السّلام.

______________________________

(1) لاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 15، ص 95- 96 و 100

(2) معجم رجال الحديث، ج 9، ص 274 و 275

ص: 212

و ملاحظة مصلحة اليتيم و إن لم يكن شيعيّا، أو في الفقاهة (1) بأن يكون من نوّاب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة (2).

و الاحتمال الثالث (3) مناف لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه و لو مع تعذّره. و هذا (4) بخلاف الاحتمالات الأخر،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «في التشيع» كعطف «في الوثاقة» عليه.

(2) معطوف على «في التشيع».

(3) و هو الفقاهة. و وجه تضعيف الاحتمال الثالث هو: أنّ مفهومه و هو «إن لم يكن القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد في الفقاهة ففيه بأس» يشمل بإطلاقه عدم وجود الفقيه.

مع أنّه لا بأس حينئذ بتصدي غير الفقيه. فلا يراد هذا الاحتمال الثالث المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم، بأن يقال: إنّ البأس مقيّد بوجود ففيه أمكن الوصول إليه.

(4) أي: احتمال المعنى الثالث- المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم. و هو البأس بصورة التمكن من الوصول الى الفقيه- يكون بخلاف الاحتمالات الثلاثة الأخر، حيث إنّ مفهومها

______________________________

و ثانيا: أنه لو كان عمره عند وفاة الصادق عليه السّلام خمسا و عشرين سنة مثلا، و كان الفاصل بين وفاة الصادق عليه السّلام و ابتداء إمامة الجواد عليه السّلام ستا أو سبعا أو ثماني و خمسين سنة، و أدرك شيئا من زمان إمامة الجواد عليه السّلام، صحّ عدّه من أصحاب الجواد عليه السّلام، لبلوغ عمره يومئذ حدود تسعين سنة. و هذا عمر عادي.

هذا مضافا إلى ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه من أن السائل- و هو محمّد بن إسماعيل بن بزيع- سأل الإمام عليه السّلام عن كبرى المسألة التي ابتلي بها عبد الحميد بن سالم. و من الممكن أن السؤال كان بعد وفاة عبد الحميد بزمان «1».

و عليه فالظاهر وثاقة الرجل، و أمّا فقاهته فلم أظفر بها في ترجمته فالمماثلة في الفقاهة غير ثابتة.

______________________________

(1) معجم رجال الحديث، ج 9، ص 275

ص: 213

فإنّ (1) البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف (2) و إن تعذّر غيرهم (3)، فتعيّن أحدها الدائر (4) بينها، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل (5)

______________________________

سليم من التقييد.

و الحاصل: أنّه إذا دار الأمر بين تقييد مفهوم و رفع اليد عن إطلاقه- كما في المعنى الثالث- و بين إبقاء مفهوم على إطلاقه و عدم تقييده- كما في الاحتمال الأوّل و الثاني و الرابع لمعنى المماثلة- تعيّن الثاني، و هو عدم التقييد، و إبقاء المفهوم على إطلاقه، كما في الاحتمالات الثلاثة الأخر.

(1) هذا تعليل لبقاء المفهوم في الاحتمالات الثلاثة على إطلاقه و عدم تقييده، و ذلك لثبوت البأس في المفهوم عند فقد المماثلة. فإن كان القيّم فاسقا في قبال العادل- الذي هو مثل ابن بزيع أو مثل عبد الحميد- ففي ولايته بأس.

و إن كان خائنا في قبال كونه ثقة فكذلك، أي في ولايته لأمور القاصرين بأس.

و إن كان مخالفا في قبال كونه شيعيّا ففي ولايته بأس.

فالبأس موجود في المفهوم على الاحتمالات الثلاثة من دون لزوم تقييده بشي ء.

بخلاف المفهوم بناء على إرادة الفقاهة من المماثلة كما مرّ آنفا.

(2) هذا في مقابل الشيعي، و الخائن في مقابل الثقة، و الفاسق في مقابل العادل.

(3) أي: غير الشيعي و الثقة و العادل، و هو الفقيه. غرضه أنّه مع تعذر إرادة الفقيه من المماثلة يتعيّن أحد الثلاثة، و هي الشيعي و الثقة و العادل، لسلامة مفهومها عن التقييد. بخلاف إرادة الفقاهة من المماثلة، فإنّ مفهومها يقيّد بالتمكن من الفقيه، يعني: فيه بأس مع التمكن من الفقيه، و عدم البأس مع عدم التمكن من الفقيه.

(4) صفة لقوله: «أحدها» و ضميرا «أحدها، بينها» راجعان إلى الاحتمالات الأخر، و هي الثلاثة التي هي غير الفقاهة من وجوه المماثلة.

(5) اللفظي، و العملي إن وصلت النوبة إليه. أمّا الأوّل فهو المستفاد من مثل قوله «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه»: «لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

و أمّا الثاني فهو أصالة عدم ولاية أحد على غيره. أو أصالة الفساد و عدم ترتب

ص: 214

بالأخصّ (1) منها و هو العدل.

[الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم]

لكن (2) الظاهر من بعض الروايات (3) كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم، فيكون (4) مفسّرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة (5).

ففي صحيحة علي بن رئاب (6) «رجل مات و بيني و بينه قرابة، و ترك أولادا صغارا، و مماليك (7) [غلمانا] و جواري، و لم يوص، فما ترى (8) فيمن يشتري منهم الجارية و يتّخذها (9) أمّ ولد؟ و ما ترى في بيعهم؟

______________________________

أثر على تصرفه الاعتباري من عقد أو إيقاع إن لم تجر أصالة عدم ولاية أحد على غيره.

(1) و الأخصّ من تلك الاحتمالات الثلاثة الأخر هو العدل، لأنّه شيعي و ثقة، بخلافهما، فإنّهما أعم منه للثقة غير العادل كبعض العامة، و الشيعي غير العادل كفسّاق الشيعة.

(2) هذا عدول من المصنف قدّس سرّه عمّا أفاده- من اعتبار العدالة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين- إلى الإكتفاء بالأمانة، و عدم اعتبار العدالة.

(3) و هو صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة المذكورتان في المتن.

(4) يعني: فيكون بعض الروايات مفسّرا للاحتمال الثاني و هو المماثلة في الوثاقة.

(5) و هي صحيحة محمّد بن إسماعيل المذكورة في (ص 205).

(6) في الوسائل هكذا: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن رجل ..».

(7) هذه الكلمة غير موجودة في النسخة التي بأيدينا، و لكن أثبتناها لوجودها في الوسائل، بل في وصاياه زيادة كلمة «له» بعد «مماليك» و اختلاف في بعض ألفاظ الرواية، و لكن ما في المتن أقرب إلى ما نقله صاحب الوسائل في كتاب البيع.

(8) هذا سؤال عن حكم شراء الجارية للاستيلاد، لا للتجارة كما أنّ قوله:

«و ما ترى في بيعهم» سؤال عن حكم البيع من المتصدّين له.

(9) كذا في نسختنا، و لكن في بيع الوسائل و وصاياه «فيتخذها» بمعنى: يجعلها أمّ ولد.

ص: 215

قال (1) [فقال:] «إن كان لهم وليّ [1] يقوم بأمرهم، باع عليهم و نظر لهم و كان (2) مأجورا [فيهم]. قلت: فما ترى (3) فيمن يشتري منهم الجارية و يتّخذها (4) أمّ ولد؟

فقال (5) لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم (6) الناظر فيما يصلحهم (7)، و ليس (8) لهم (9) أن يرجعوا

______________________________

(1) يعني: قال علي بن رئاب: فقال الامام عليه السّلام. و لم ترد كلمة «فقال» في نسختنا، كما لم ترد «قال» في وصايا الوسائل. و إنّما ورد «قال فقال» في بيع الوسائل.

(2) هذا مطابق لما في الوسائل، و في وصاياه «كان» بدون «الواو»، و في نسختنا «كان مأجورا» بحذف العاطف، و كذا كلمة «فيهم».

(3) كذا في نسختنا، بالفاء و هو موافق لما في بيع الوسائل، و لكن في الوصايا «ما ترى».

(4) كذا في نسختنا، و لكن في موضعين من الوسائل «فيتخذها».

(5) هذا مطابق لما في بيع الوسائل، و في الوصايا «قال».

(6) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الموضعين من الوسائل «القيّم لهم» بدل «القيّم بأمرهم». و على كلّ فالظرف متعلق ب «القيّم».

(7) المستفاد منه اعتبار المصلحة في متعلق ولايته، و أنّ عدم المفسدة غير كافية.

و هذه الجملة هي المقصودة من نقل الصحيحة للاستشهاد بها على كفاية وثاقة المؤمن المتصدّي للأمر الحسبي، و عدم خيانته.

(8) هذا مطابق لما في وصايا الوسائل، و إلّا ففي البيع «فليس».

(9) يعني: و ليس للصغار- بعد صيرورتهم كبارا- أن يرجعوا، بأن يعترضوا على القيّم فيما فعله، و أن يبطلوا عقوده و تصرفاته.

______________________________

[1] إلّا أن المراد بالوليّ فيه ظاهرا هو الولي الشرعي، بقرينة صحة عمله مع الأجر، إذ ليس لعمل الوليّ غير الشرعي صحة، و من المعلوم أنّ الولي الشرعي هو المأذون من الفقيه الشيعي. و معه لا تصل النوبة إلى ولاية المؤمنين المتأخرة عن ولاية الفقيه، فيخرج عمّا نحن فيه، و يصير أجنبيّا عنه.

ص: 216

فيما فعله (1) القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» «1» الخبر (2).

و موثقة (3) زرعة عن سماعة «في (4) رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار، من (5) غير وصيّة، و له خدم و مماليك (6) كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك (7)؟

قال: إن قام رجل ثقة قاسمهم (8) ذلك

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في بيع الوسائل «فيما صنع» و في وصيته «عمّا صنع» فالموجود في المتن مخالف لما نقله صاحب الوسائل في البيع و الوصايا.

(2) لا حاجة إلى هذه الكلمة، إذ المذكور تمام الحديث لا بعضه.

(3) عطف على: صحيحة علي بن رئاب.

(4) كذا في النسخ، و في الوسائل «سألته عن رجل» و جملتا «و له بنون، و له خدم» حاليّتان للرجل الميّت.

(5) متعلق بقوله: «مات» و يستفاد من هذه الموثقة الإكتفاء بالأمانة، لقوله عليه السّلام في الجواب: «إن قام رجل ثقة».

(6) في بعض نسخ الكتاب زيادة «و عقر»- بفتح العين- المراد به المنزل و القصر.

و لكن الموجود في الوسائل «و عقد». و الظاهر أنه- كصرد- جمع «عقدة» بمعنى الضيعة كما في بعض كتب اللغة، ففي اللسان: «و قال ابن الأنباري: قولهم: لفلان عقدة، العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل، و يقال للقرية الكثيرة النخل: عقدة ..» «2».

و عليه فالمراد بالسؤال: أنّ الميّت ورّث عقارا و قرى معمورة.

(7) كذا في أكثر النسخ، و لكن في الوسائل و الكافي و غيرهما زيادة كلمة «الميراث».

(8) فالمنطوق يدل على اعتبار وثاقة من يقوم بأمر التقسيم لئلّا يجحف، كما أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 269، الباب 15 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، و ج 13، ص 474، الباب 88 من أبواب الوصايا، ح 1

(2) لسان العرب، ج 3، ص 299، و نحوه في مجمع البحرين، ج 3، ص 104

ص: 217

كلّه فلا بأس» «1» بناء على أنّ المراد من يوثق به و يطمئنّ بفعله عرفا و إن لم يكن فيه ملكة العدالة (1) [1].

[صحيحة إسماعيل بن سعد على اشتراط تحقّق عنوان العدالة]

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة (2)، قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل يموت بغير وصيّة، و له ولد صغار

______________________________

مفهوم الشرط يدل على وجود البأس في تصدّي غير الثقة و الأمين.

(1) و ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: «ثقة» لأعميّة الثقة من العادل. فالمستفاد من هذه الموثقة كفاية الوثاقة في المتصدّي لأمور القاصرين.

و أما بناء على اعتبار الوثاقة في الدين- كما ورد في الصلاة خلف من تثق بدينه- فهي بمعنى العدالة، لا أعم منها.

(2) بعد أن أثبت كفاية الوثاقة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين، استدرك

______________________________

[1] لكن مورد الموثقة قسمة الميراث، لا التصرفات الأخر التي هي مورد البحث.

و لعلّ للقسمة التي هي تمييز سهام المالكين خصوصية ليست في انتقال سهامهم، فلا قطع بعدم الخصوصية حتى يصحّ التعدي عن القسمة إلى المعاملات الناقلة للسهام.

و الحاصل: أنّه أخصّ من المدّعى، للاختصاص بالقسمة.

و أمّا صحيحة علي بن رئاب فموردها و إن كان هو التصرف الاعتباري، لكن ظاهرها كون الولي القائم بأمرهم شرعيا. فإن كان كذلك فهو أجنبي عما نحن فيه، لكون الولي المنصوب من الفقيه الإمامي مقدّما على المؤمنين، لتقدم ولاية الحاكم و المنصوب من قبله عليهم.

و على هذا فتخرج هذه الصحيحة عن مورد البحث، و هو ولاية المؤمنين، و تكون أجنبية عنه. فلا يناسب ترجيح الاحتمال الثاني- و هو الوثاقة- بهذه الصحيحة و موثقة زرعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 474، الباب 88 من أحكام الوصايا، ح 2، الكافي، ج 7، ص 67، باب من مات بغير وصية و له وارث، ح 3

ص: 218

و كبار، أ يحلّ شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟

فإن تولّاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه (1) الخليفة (2)، أ يطيب الشراء منه (3) أم لا؟ قال (4) عليه السّلام: إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك» (5) «1».

______________________________

و قال: لكنّه يظهر من بعض النصوص اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين، كصحيح إسماعيل بن سعد عن مولانا الرضا عليه الصلاة و السلام المذكور في المتن.

و لا يخفى أنّ هذه الصحيحة تتضمن أحكاما ثلاثة سألها إسماعيل بن سعد عن الامام الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه، فقال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصية ..

و عن الرجل يموت ..» الى آخر ما في المتن، و اقتصر المصنف على نقل السؤال الثالث المتكفل جوابه عليه السّلام لاعتبار العدالة.

(1) كذا في النسخ، و لكن في الكافي «و لم يستأمره» و في الوسائل و التهذيب «و لم يستعمله» و معناه لم يجعله خليفة أو أميرا أو عاملا.

(2) أي: الخليفة بالحقّ، فاللام للعهد الذهني. و كذا المراد من القاضي في قول السائل «من غير أن يتولّى القاضي».

(3) أي: من القاضي الذي لم يستخلفه الخليفة بالحقّ، بل تراضى الورثة بالقاضي المزبور.

(4) كذا في النسخ، و في الوسائل «فقال»، و هو الأنسب بالسؤال أوّلا و الجواب ثانيا.

(5) أي: في البيع. و هذا مورد الاستشهاد، فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على اعتبار العدالة في القيّم على أموال اليتيم، و عدم كفاية مجرّد الوثاقة و الأمانة فيه، خلافا لما مرّ من الكفاية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 269، الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، الكافي، ج 7، ص 67، باب من مات على غير وصية و له وارث صغير، ح 1، تهذيب الأحكام، ج 9، ص 239، باب الزيادات من الوصية، ح 20

ص: 219

[مختار المصنف]

هذا، و الذي ينبغي أن يقال (1)

______________________________

(1) هذا رأي المصنف قدّس سرّه حول اعتبار العدالة و عدمه في ولاية المؤمن في الأمر الحسبي عند تعذر الفقيه الجامع للشرائط، و أنّه هل يجوز للفاسق التصدي له أم لا؟ و قد عرفت إلى هنا الاستدلال على اعتبار العدالة بوجهين، و هما الأصل و النصوص بعد الجمع بينها.

و حاصل ما أفاده: أنّه قد ظهر ممّا تقدم أنّ ولاية المؤمن ثابتة في موردين:

أحدهما: أن يدلّ دليل على تصدّي المؤمن لمورد خاصّ من موارد المعروف، كدليل تجهيز الميت، الشامل للعدول و الفساق. و لا ريب في صحة عمل الفاسق حينئذ.

و هذا بخلاف ما لو اقتضى الدليل تصدّي خصوص العدل للأمر الحسبي، مثل ما تقدم في صحيحة سعد من قول مولانا الامام الرضا عليه السّلام: «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل بذلك» لظهور مفهوم الجملة الشرطية في البأس عن نفوذ البيع لو كان البائع فاسقا. و عليه ففي مورد قيام الدليل الخاص على التصدي يكون هو المعوّل في عموم الولاية للفاسق، أو اختصاصها بالعدل.

ثانيهما: أن يدلّ دليل عامّ على جواز قيام كلّ واحد من المكلّفين بالأمر، سواء العدل و الفاسق. و هذا العموم قد يكون شرعيا كالآية المباركة الآمرة بالإعانة على البرّ و التقوى، و ما روي من أن «كل معروف صدقة» فالإعانة على البرّ و فعل المعروف مطلوبة من الكلّ، و يكون تصدّي غير الفقيه للموارد لأجل دخولها في هذه العمومات الشاملة للفاسق أيضا.

و قد يكون عقليّا، كلزوم إنجاء الطفل من الهلاك حتى لو توقف على التصرف في مال الغير بدون رضاه، لاستقلال العقل به بالنسبة إلى كلّ من العدل و الفاسق.

أمّا المورد الأوّل- و هو نهوض دليل بالنسبة إلى مورد خاص- فالمتّبع نفس الدليل، فإن كان مقتضاه مطلوبية الفعل من كلّ أحد صحّ من الفاسق أيضا. و إن كان مفاده قيام العدل به لم يصحّ من غيره.

و أمّا المورد الثاني- و هو العموم الدال على جواز العمل من الجميع حتى الفاسق-

ص: 220

إنّك قد عرفت (1) أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلّا في مقام يكون عموم (2) عقلي (3) أو نقلي (4) يدلّ (5) على رجحان التصدّي لذلك المعروف. أو يكون (6) هناك دليل خاصّ يدلّ عليه (7).

فما ورد (8) فيه نصّ خاصّ اتّبع ذلك النصّ عموما (9) أو خصوصا (10، فقد يشمل الفاسق، و قد لا يشمل.

______________________________

ففيه بحثان: الأوّل في تكليف الفاسق في عمل نفسه، و أنّه هل يكون مأذونا من الشارع في التصدّي أم لا؟

و الثاني: في حكم فعل الغير المترتب على فعل الفاسق. و سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(1) في قوله في (ص 204): «نعم لو فرض المعروف» إلى قوله في (ص 208):

«و بالجملة: تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقلي أو عموم شرعي، أو خصوص في مورد جزئي».

(2) هذا إشارة إلى ما تقدّم توضيحه بقولنا: «ثانيهما أن يدل ..».

(3) كلزوم حفظ النفس المحترمة من الهلاك، كبيرا كان أو صغيرا، توقّف على التصرف في مال الغير أم لا، عادلا كان الحافظ أم فاسقا.

(4) كالآية الشريفة، و ما روي من: أنّ كل معروف صدقة.

(5) خبر قوله: «يكون» أي: يكون العموم دالّا على رجحان التصدّي .. إلخ.

(6) معطوف على قوله: «يكون» و هذا إشارة الى ما تقدم بقولنا: «أحدهما: أن يدلّ دليل خاص ..» و إنّما قدّمناه في التوضيح- مع تأخر ذكره في المتن- لأجل وضوح حكمه، و عدم بسط المقال فيه، كما سيظهر في المتن.

(7) الضمير راجع إلى «ولاية» فالأولى تأنيثه، أو إرجاعه إلى: تولّي غير الحاكم.

(8) هذا بيان حكم ما إذا ورد دليل- في واقعة خاصة- على التولية.

(9) المراد به عمومه للعدل و غيره، بقرينة قوله: «فقد يشمل الفاسق».

(10) أي: اختصاص الدليل الوارد بالعدل، بقرينة قوله: «و قد لا يشمل».

ص: 221

[جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى نفسه]

و أمّا (1) ما ورد فيه العموم (2) فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق (3) و تكليفه (4) بالنسبة إلى نفسه، و أنّه (5) هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟ و قد (6) يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله (7) بفعل غيره إذا لم يعلم (8) وقوعه على وجه المصلحة، كالشراء (9) منه مثلا.

أمّا الأوّل (10، فالظاهر جوازه، و أنّ العدالة ليست معتبرة في منصب

______________________________

(1) معطوف على «فما ورد». و ضمير «فيه» في الموضعين راجع الى الموصول المراد به «المعروف».

(2) كآية التعاون، و «كل معروف صدقة» و «عون الضعيف من أفضل الصدقة».

(3) هذا إشارة إلى البحث الأوّل، و هو تكليف الفاسق بالنسبة إلى عمل نفسه، كجواز أن يصلّي على الميت.

(4) هذا الضمير و ضميرا «نفسه، يكون» راجعة إلى الفاسق.

(5) معطوف على «جواز» و مفسّر له، و الضمير للشأن، و يمكن رجوعه الى الفاسق.

(6) معطوف على «قد يقع» و الأولى بالنظر إلى سوق البيان إبدال «يكون» ب «يقع».

و كيف كان فهذا إشارة إلى البحث الثاني، و هو ترتب فعل الغير على فعل الفاسق الذي لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة، كالشراء من الفاسق.

(7) أي: فعل الفاسق كالبيع المتعلّق بفعل غيره، و هو الشراء.

(8) أي: لم يعلم الغير وقوع فعل الفاسق على وجه المصلحة.

(9) هذا مثال لفعل غيره، كأنّه قيل: «بفعل غيره كالشراء منه».

(10) أي: البحث الأوّل، و هو مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى نفسه، و حاصل ما أفاده: جواز مباشرة الفاسق بالنسبة إلى تكليف نفسه، و عدم اعتبار عدالته في فعله المباشري، و ذلك لعموم أدلة ذلك المعروف الشامل للفاسق.

ص: 222

المباشرة، لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف (1)، و لو (2) مثل قوله عليه السّلام: «عون الضعيف من أفضل الصدقة» «1»، و عموم (3) قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «2»، و نحو (4) ذلك.

و صحيحة (5) محمّد بن إسماعيل السابقة، قد عرفت (6) أنّها محمولة على صحيحة عليّ بن رئاب المتقدّمة، بل (7) موثّقة زرعة و غير ذلك

______________________________

(1) كالصلاة على الميّت، التي لا تعتبر العدالة فيمن يصلّيها.

(2) وصلية، أي: و لو كان الدليل مثل قوله عليه السّلام .. إلخ.

(3) معطوف على «قوله» في: «مثل قوله».

(4) كقوله تعالى تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ فإنّ هذه العمومات ظاهرة في عدم اعتبار العدالة في المباشر، فيجوز للفاسق مباشرة الفعل.

(5) مبتدء، خبره «قد عرفت» و هذا دفع وهم. أمّا الوهم فحاصله: أنّه كيف يجوز للفاسق التصدي للأمور التي لا تحتاج إلى إذن الفقيه؟ مع دلالة صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة في (ص 210) على اعتبار العدالة، بناء على إرادة العدالة من الوجوه الأربعة المذكورة للمماثلة.

(6) و أمّا دفع الوهم، فحاصله: أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل- بناء على إرادة العدالة من وجوه المماثلة محمولة على صحيحة علي بن رئاب. المتقدمة في (ص 215) التي أريد فيها الأمانة من العدالة.

(7) معطوف على «صحيحة» يعني: بل يحمل صحيحة محمّد بن إسماعيل أيضا على موثقة زرعة المذكورة في (ص 217) بناء على إرادة الأمانة من كلمة «ثقة» لا إرادة الاحتمال الآخر، و هي العدالة التي هي من وجوه المماثلة في صحيحة محمّد بن إسماعيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 108، الباب 59 من أبواب جهاد العدو، ح 2، و متن الحديث فيه «عونك للضعيف ..».

(2) سورة الانعام، الآية 152، الإسراء، الآية 34

ص: 223

ممّا سيأتي (1).

و لو ترتّب حكم الغير (2) على الفعل الصحيح منه- كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له (3)-

______________________________

المتقدمة.

فالنتيجة: أنّ الشرط في تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين هو الأمانة لا العدالة.

(1) كحسنة الكابلي الآتية.

(2) أي: غير الفاسق المتصدّي للفعل كصلاة الميت، و حاصله: أنّه لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف عنه على الفعل الصحيح الصادر عن الفاسق، و شكّ ذلك الغير في صحّة الفعل الصادر عن الفاسق، فالظاهر سقوط الصلاة عن الغير، لجريان أصل الصحة في فعل الفاسق، لأنّه مسلم.

و بيانه: أنّ مثل الصلاة على الميت واجب كفائي على المكلفين، و يسقط بإتيان بعضهم لو صدر منه صحيحا، فإن أحرزت الصحة بالعلم أو الاطمئنان أو بأمارة شرعية، فلا شبهة في سقوط التكليف عن الآخرين بما أتى به الفاسق.

و إن شكّ في صحة فعله- مع العلم بصدوره- أمكن الحكم بتحقق الامتثال استنادا إلى أصالة الصحة في فعل المسلم. فيكون المقام نظير الموضوعات المركّبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان، و بعضها بالتعبد، كالضمان المترتب على وضع اليد على مال الغير بدون رضاه، و كان الاستيلاء معلوما، و شك في طيب نفس المالك، فيستصحب عدم رضاه و عدم طيب نفسه، و يترتب عليه الحكم بالضمان.

و كذا الحال في المقام، لفرض أنّ الفاسق صلّى على الميت، و شكّ في صحته و فساده، و مقتضى أصل الصحة الحكم بصحته، و يترتب عليه سقوط التكليف الكفائي عن الآخرين.

هذا كلّه لو أحرز صدور الفعل، و كان الشك متمحضا في صحته. و أمّا لو شك في أصل الفعل و أخبر الفاسق بالصلاة على الميت فقبول إخباره مشكل.

(3) أي: للميت، و ضمير «منه» راجع إلى الفاسق.

ص: 224

فالظاهر (1) سقوطها (2) عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شكّ في صحته.

و لو شكّ (3) في حدوث الفعل منه و أخبر به، ففي قبوله إشكال (4).

[مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى فعل غيره]

و أمّا الثاني (5) فالظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه و إن ادّعى كون البيع مصلحة، بل يجب أخذ المال من يده.

______________________________

(1) جواب «لو» في قوله: «و لو ترتب».

(2) أي: سقوط صلاة الميت عن غير الفاسق إذا علم الغير صدور الفعل من الفاسق، و شكّ في صحة الفعل الصادر من الفاسق، فإنّه يبنى على صحتها، حملا لفعل المسلم على الصحيح.

و الحاصل: أنّه لا يعتبر عدالة المباشر بالنسبة إلى فعل نفسه.

(3) يعني: و لو شكّ الغير في صدور الفعل من الفاسق، و أخبر الفاسق بصدور الفعل منه، ففي قبول إخباره إشكال.

(4) هذا الإشكال ناش من: أنّ إخباره فعل من أفعاله، و عند الشك في الصحة- التي هي صدقة- يجب حمله على الصحة، أي البناء على مشروعية خبره و صدقه.

و من: أنّ إخباره نبأ، فتشمله آية النبإ الآمرة بالتبيّن فيه. و بعد إحراز صدقة- أي مطابقته للواقع- يقبل، و يترتب عليه أثره.

(5) هذا إشارة إلى البحث الثاني. و هو: حكم فعل الفاسق إن كان متعلّقا بفعل غيره، كما إذا تصدّى للأمر الحسبي كبيع مال اليتيم مع رعاية مصلحته، فمثل هذا التصرف يتعلق بالغير، لأن تمليك مال اليتيم بعوض منوط بتملك الغير له حتى يحلّ له التصرف فيه.

و حاصل ما أفاده في هذا البحث هو: أنّ الظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز شراء مال الطفل و سائر القاصرين من الفاسق و إن ادّعى كون البيع مصلحة للقاصر.

و ذلك لوجهين:

أحدهما: صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة في (ص 218) المتضمنة لقوله: «و قام عدل في ذلك». بل و موثقة زرعة المتقدمة في (ص 217) بناء على إرادة العدالة من الوثاقة.

ص: 225

[عدم كفاية حمل فعل المسلم على الصحة]

و يدلّ عليه (1)- بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة، بل (2) و موثّقة زرعة، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة-: أنّ (3) عموم أدلّة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرّد تصرّف الفاسق، فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم (4) و مراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

و لا يجدي هنا (5) حمل فعل المسلم على الصحيح،

______________________________

(1) أي: على اشتراط العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين.

(2) أشار به إلى: أنّ في موثقة زرعة احتمالا آخر، و هو: إرادة الوثاقة و الاطمئنان لا العدالة. فالموثقة دليل على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين بناء على إرادة العدل من الثقة.

و الظاهر أنّ «بل» هنا إمّا لمجرّد العطف، و إمّا للانتقال من دلالة الصحيحة إلى دلالة الموثقة، فإن الانتقال من غرض إلى غرض آخر- لا الإبطال- عدّ معنى لهذا الحرف «1».

(3) جملة «انّ» مع اسمها و خبرها مرفوعة محلّا، لكونها فاعلا لقوله: «و يدل عليه».

و هذا ثاني وجهي اعتبار العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين بالنسبة إلى ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح الصادر من العامل، كسقوط صلاة الميّت عن غير المصلّي.

و محصل هذا الوجه الثاني: أنّ الفاسق و إن جاز له التصرف بمقتضى عموم أدلة القيام بذلك المعروف- كبيع مال اليتيم- إلّا أنّه لا يسقط تكليف السائرين بإصلاح مال اليتيم بمجرّد تصرف الفاسق، مع الشك في كون تصرفه إصلاحا لمال المولّى عليه القاصر.

و أصالة الصحة لا تثبت كون التصرف إصلاحا لمال الطفل حتى يجوز للمشتري الشراء، لأنّ الشك هنا في أصل الوجود، لا في صحة الموجود، حيث إنّ المأمور به هو الإصلاح الذي يكون مشكوك الوجود، و الأصل المصحّح لا يثبت أصل الوجود.

فالنتيجة: أنّ مجرد تصرف الفاسق لا يرفع التكليف عن الغير.

(4) أو غيره من القاصرين، فإنّ وجوب إصلاح ما لهم ثابت على الكل كفاية.

(5) أي: بيع الفاسق و شراء الغير منه. و هذا إشارة إلى وهم و دفع.

______________________________

(1) راجع مغني اللبيب، ج 1، ص 152

ص: 226

كما في مثال الصلاة المتقدّم (1) لأنّ (2) الواجب هناك هي صلاة صحيحة، و قد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق، و إذا شكّ في صحّتها أحرزت (3) بأصالة الصحّة.

و أمّا الحكم فيما نحن فيه (4)، فلم يحمل على التصرّف الصحيح، و إنّما حمل على موضوع هو إصلاح المال، و مراعاة الحال، و الشكّ في أصل تحقّق ذلك (5)، فهو (6) كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

______________________________

أمّا الوهم فهو: أنّ الفاسق بمقتضى إسلامه يحمل فعله على الصحيح، كما في المثال المتقدم و هو الصلاة. و حينئذ إذا حمل بيعه على الصحيح سقط وجوب القيام بالمعروف عن العادل.

(1) في (ص 224) بقوله: «و لو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له» فقوله: «كما» مثال للمنفي و هو إجداء أصالة الصحة.

(2) هذا دفع التوهم المزبور، و محصّله: أنّه فرق بين الصلاة و بين إصلاح مال اليتيم، و هو ما أشرنا إليه من: أنّ الشك في المثال المتقدم شك في صحة الموجود، و المفروض أنّ الأثر- و هو السقوط عن غير الفاسق- منوط بصحة الصلاة. أي صلاة الميت. و صحتها تحرز بأصل الصحة في فعل المسلم، فتسقط عن غير الفاسق.

و هذا بخلاف المقام، فإنّ الواجب- و هو إصلاح مال القاصرين- مشكوك الوجود، و أصالة الصحة لا تثبت الوجود، بل تثبت وصفه و هو صحته، و لا تثبت شيئا خارجيا كإصلاح مال القاصرين إلّا بناء على القول بالأصل المثبت.

(3) يعني: أحرزت صحتها بأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(4) و هو ارتفاع وجوب إصلاح مال اليتيم عن غير الفاسق، فلم يحمل على التصرف الصحيح حتى تجري فيه أصالة الصحة، بل حمل على موضوع و هو إصلاح المال، و الشكّ فيه شك في أصل وجوده، فهو نظير إخبار الفاسق بأصل الصلاة مع شك الغير في صدقه. و قد تقدم في (ص 225) الإشكال في قبوله.

(5) أي: في تحقق الموضوع أعني به إصلاح المال الذي هو المعروف الواجب على الكل.

(6) أي: فالشكّ في تحقق الموضوع، و هو إصلاح المال، كإخبار الفاسق بأصل

ص: 227

و إن شئت قلت (1) إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له (2)، و لا يجوز (3) [و لا يحرز] ذلك (4) بأصالة صحّة البيع من البائع، كما لو شكّ

______________________________

الصلاة أي بوجودها مع شكّ الغير في وجودها في عدم حمل خبره على الصحة، فلا يقال:

إنّ ما أخبر به من وقوع الصلاة صحيح.

(1) ظاهر العبارة تقريب منع أصالة الصحة في المقام ممّا يكون حكم الغير معلّقا على موضوع الإصلاح. و توضيحه: أنّ من يشتري من الفاسق ما بيده من مال اليتيم- مثلا- يتصرّف في هذا المال بقبوله لإنشاء البائع، و لا بدّ من إحراز وقوع القبول على وجه يكون أصلح بحال اليتيم، فلو شك هذا المشتري في كون هذه المعاملة أحسن بحال اليتيم لم يجده إجراء أصالة الصحة في إيجاب البائع، لأنّها لا تثبت إلّا صحة الإيجاب صحّة تأهليّة بحيث لو لحقه القبول لترتّب عليه النقل و الانتقال. و بما أن المشتري شاكّ في تحقق المصلحة في هذا العقد- المؤلّف من الإيجاب و القبول- لم يكن له سبيل إلى إحراز كون قبوله واقعا على وجه أحسن حتى يترتب عليه أثره، و هو الحكم بحصول النقل.

هذا ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه في توضيح العبارة، و جعلها وجها آخر للمنع من التمسك بأصالة الصحة هنا، و قال: إنّه يمنع من ترتيب الأثر في كل مقام اشترك الشرط بين اثنين، كالنقل المنوط بصحة الإيجاب و القبول، المفروض اشتراطهما- في العقد على مال اليتيم- برعاية المصلحة «1».

(2) أي: لليتيم، و لا يحرز كون شراء المال ذا مصلحة لليتيم بإجراء أصل الصحة في إيجاب البائع، كما أنّه لا يحرز بلوغ البائع- عند شك المشتري فيه- بأصالة الصحة، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ.

(3) كذا في نسختنا، و الظاهر كما في بعض النسخ المصححة «و لا يحرز».

(4) أي: كون شراء مال اليتيم ذا مصلحة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 159

ص: 228

المشتري في بلوغ (1) البائع؛ فتأمّل (2).

نعم (3) [1] لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير،

______________________________

(1) حيث إنّ المشكوك فيه شرط صحة البيع، و هو بلوغ البائع، و من المعلوم قصور أصل الصحة عن إثباته.

(2) لعلّه إشارة إلى الفرق بين ما نحن فيه- و هو الشراء من الفاسق- و بين الشك في بلوغ البائع. و محصل الفرق بينهما: أنّ مجرى أصالة الصحة هو العمل الذي يشكّ في أنّ عامله هل أتى به ناقصا بمعنى أنّه ترك شيئا نسيانا من أجزائه و شرائطه أم أتى به تامّا؟

فالشك يكون في أمر اختياري له من الفعل و الترك.

و أمّا إذا كان المشكوك فيه أمرا غير اختياري كالبلوغ، فلا تجري فيه أصالة الصحة.

و عليه فلا يجري أصل الصحة في الشك في البلوغ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ. و يجري فيما نحن فيه، و هو البيع مع مراعاة إصلاح مال اليتيم، فإنّه أمر اختياري للبائع، فتجري فيه أصالة الصحة.

و يحتمل أن يكون الأمر بالتأمل إشارة إلى ما قيل: من جريان أصل الصحة في البلوغ و غيره، كما اختاره المصنف قدّس سرّه في الأصول «1».

(3) هذا استدراك على عدم جريان أصالة الصحة في مسألة شراء مال اليتيم من

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى قوله قدّس سرّه: «و الشك في أصل تحقق ذلك» إلى قوله:

«و لا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع» عدم جريان أصالة الصحة فيما أفاده بقوله:

«نعم ..» لأنّ كلّا من الإيجاب و القبول لا بدّ أن يكون إصلاحا للمال. فالشك في الإصلاح بالنسبة إلى كلّ من الإيجاب و القبول شك في وجود الموضوع، فلا تجري أصالة الصحة في شي ء منهما.

______________________________

(1) راجع فرائد الأصول، ج 3، ص 360، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، 1419

ص: 229

لم يلزم الفسخ (1) مع المشتري و أخذ (2) الثمن من الفاسق، لأنّ (3) مال اليتيم الذي يجب إصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم أنّه (4) الثمن أو المثمن، و أصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل (5)، فتدبّر (6).

______________________________

الفاسق، و الغرض جريان أصل الصحة في مسألة أخرى، و هي: وجدان ثمن مال الصغير في يد الفاسق، فإنّ مقتضى أصالة الصحة- الجارية في بيع الفاسق مال الصغير و شرائه- كون مال الصغير هو الثمن، و مال المشتري هو المثمن. فليس لشخص ثالث- أي ما عدا المتبايعين- إلزام البائع الفاسق على الفسخ مع المشتري، و أخذ الثمن من البائع الفاسق، و استرداد المبيع من المشتري، و دفع الثمن إليه.

(1) لعل الأولى التعبير عن «الفسخ» بالاسترداد من المشتري، لاختصاص الفسخ بحلّ العقد الصحيح، إلّا أن يراد نتيجة الفسخ، و هي استرداد المثمن من المشتري، و الأمر سهل.

(2) معطوف على «الفسخ» يعني: لم يلزم الفسخ، و لم يلزم أخذ الثمن من الفاسق حفظا لمال الصغير. و الوجه في عدم لزوم الفسخ و أخذ الثمن من البائع الفاسق هو: أنّه لا يعلم أنّ مال اليتيم الذي يجب على الكل إصلاحه و حفظه من التلف هو المبيع الذي عند المشتري حتى يجب استرداده، فالشبهة موضوعية لدليل وجوب إصلاح مال اليتيم.

و معه لا وجه للاستدلال به لوجوب استرداد المبيع من المشتري، بل مقتضى أصالة الصحة في المعاملة هو كون الثمن مال اليتيم.

(3) تعليل لقوله: «لم يلزم الفسخ» و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «و الوجه في عدم لزوم .. إلخ»، و قوله: «لا يعلم» خبر «لأنّ».

(4) أي: مال اليتيم. و هذا إشارة إلى كون الشبهة مصداقية، فلا يصح الاستدلال بدليل وجوب حفظ مال اليتيم على لزوم استرداد المبيع من المشتري و دفع الثمن إليه.

(5) و هو كون الثمن مال اليتيم.

(6) لعله إشارة إلى الفرق بين هذه الصورة الجارية فيها أصالة الصحة، و الصورة السابقة التي لا تجري فيها أصالة الصحة.

و حاصل الفرق بينهما هو: أنّ إصلاح مال اليتيم شرط في صحة كلّ من الإيجاب و القبول ابتداء، إذ كل منهما يتصرف في مال اليتيم بإعطاء البائع و أخذ المشتري، و لذا

ص: 230

[جواز تصرّف المؤمنين، على وجه التكليف]

ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين، فالظاهر (1) أنّه على وجه التكليف

______________________________

لو وقعت المبايعة بين شخصين، و شكّ شخص ثالث في صحتها فله إجراء أصالة الصحة في فعلهما، بخلاف ما نحن فيه، لعدم وقوع قبول بعد حتى يجري فيه أصل الصحة.

و جريانه في الإيجاب لا يجدي، لأنّ أثره الصحة التأهلية أي الصالحة لانضمام القبول الصحيح إليه، لا الصحة الفعلية.

(1) هل يجوز لبعض المؤمنين مزاحمة غيره أم لا؟ هذه الجهة الرابعة من جهات البحث في مسألة ولاية عدول المؤمنين، و هي:

أنّه لو أقدم بعضهم على إنجاز فعل- ممّا يصدق عليه عنوان «المعروف»- فهل يجوز لمؤمن آخر مزاحمته و منعه من الإقدام أم لا؟

و محصل ما أفاده قدّس سرّه: أنّ منع المزاحمة مبني على كون جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين حكما وضعيّا أعني به الولاية المفوّضة من الامام عليه السّلام أو من الفقيه. كما أن مبنى جواز المزاحمة هو ظهور الدليل في التكليف بمعنى أنّه يجب على المؤمنين القيام بالمعروف أو يستحب.

فهنا احتمالان، و اختار المصنف الثاني، و أنّه ليس لعدول المؤمنين ولاية أصلا، لا بعنوان النيابة و لا بعنوان آخر، و إنّما هو تكليف محض، فلا وجه لمنع المزاحمة أصلا.

________________________________________

و لعلّ وجهه تيقّنه ممّا دلّ على جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين، فإنّ الولاية خلاف الأصل، و الدليل قاصر عن إثباتها لهم. فالمتيقن هو جواز التصدّي، إمّا وجوبا كما في الصلاة على ميّت لا وليّ له، و نحوه ممّا وجب كفاية. و إمّا ندبا كما في التصرف في مال اليتيم بقصد الاسترباح و الاستمناء له استنادا إلى كونه إعانة على البرّ، إذ الآية- كما قيل- لا تدل على الوجوب، بل على الجواز أو الاستحباب، لو صدق على ذلك عنوان «الإعانة على البرّ».

و على هذا فجواز تصدّي عدول المؤمنين يكون في الأثر نظير ولاية الأب و الجد على الصغير، في أنّه يجوز لكلّ منهما التصرّف بما يكون صلاحا له، فلو أراد الأب مثلا بيع

ص: 231

الوجوبيّ أو الندبيّ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا (1) عن كونه على وجه النصب من الإمام، فمجرّد (2) [1] وضع العدل يده على مال اليتيم

______________________________

شي ء من أمواله جاز للجدّ مزاحمته قبل تصدّي الأب. فكذا لو أقدم المؤمن العدل على إنجاز واقعة جاز للعدل الآخر منعه، و تصدّي الأمر بنفسه بزعم كون فعله أصلح من فعل الغير. لما عرفت من أن دليل جواز تصدّي المؤمنين- تكليفا- يعمّ الجميع على نهج واحد، و لا مرجّح لسبق بعضهم، هذا.

و قد فرّع المصنف قدّس سرّه فرعين على جواز المزاحمة، و سيأتي بيانهما.

(1) يعني لا ولاية هناك بالنسبة إلى المؤمن العدل، لا من جهة النيابة العامة عن الفقيه الجامع للشرائط الذي له الولاية- بناء على ولايته على الأمور الحسبية كما تقدم- و لا على وجه الولاية المستقلة بالنصب من قبل المعصوم عليه السّلام.

فإن كان جواز تصدّي العدول على وجه النيابة عن الفقيه الذي هن الولي الشرعي فحكمها زوالها بموت الفقيه. و إن كان على وجه النصب من قبل الامام عليه السّلام كان ولاية مستقلة ناشئة من النصب، و هي باقية بعد موت الامام عليه السّلام.

و بهذا ظهر الوجه في التعبير ب «فضلا» لأن عدم كون المؤمن العدل نائبا عن الفقيه الذي هو الولي يقتضي هنا- بالأولوية- انتفاء ولايته المستقلة من جهة كونه منصوبا من قبله عليه السّلام.

(2) هذا متفرع على كون تصدّيهم على وجه التكليف، لا على وجه النيابة، إذ

______________________________

[1] الظاهر أن جواز تصدي مؤمن آخر للواقعة مع تصدي مؤمن لها قبل ذلك و عدم جواز التصدي لها- بناء على كون جواز تصدي المؤمنين لأمور القصّر على وجه التكليف لا على وجه النيابة- مبنيّ على إطلاق دليل جواز التصدي و عدمه.

فعلى الأوّل يجوز التصدي للواقعة مع تصدي مؤمن آخر لها قبله.

و على الثاني لا يجوز ذلك.

فمجرد كون جواز تصدي المؤمنين من باب التكليف- لا من باب الولاية- لا يوجب منع المؤمن الآخر عن التصدي للواقعة التي وضع قبله مؤمن يده عليها.

ص: 232

لا يوجب (1) منع الآخر و مزاحمته (2) بالبيع و نحوه.

و لو (3) نقله بعقد جائز، فوجد الآخر المصلحة في استرداده، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع (4)، أو بجعلهما (5) مع جعله لليتيم [للصغير] أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد.

______________________________

لو كان على وجه الولاية و النيابة أمكن أن يقال: إنّه بمجرّد وضع يد مؤمن على الواقعة يخرج المولّى عليه عن عنوان «من لا ولي له» فلا يبقى موضوع لتصدّي مؤمن آخر للواقعة.

(1) خبر «فمجرد».

(2) معطوف على «منع» و الضمير راجع الى الآخر.

(3) هذا أوّل الفرعين، و الأولى إبدال «الواو» بالفاء، بأن يقال: «فلو نقله» لأنه من فروع جواز منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه. يعني: و لو نقل العدل مال اليتيم بعقد جائز، فوجد مؤمن آخر المصلحة في استرداده، ففي جواز الفسخ و عدمه تفصيل بين صور المسألة، و هي:

الاولى: أن يكون تزلزل العقد لأجل الخيار المجعول بحكم الشارع كخيار المجلس و الحيوان و العيب و الغبن.

الثانية: أن يكون تزلزل العقد لأجل خيار الشرط الثابت بجعل المتبايعين للصغير، أو لمطلق الوليّ عليه.

ففي هاتين الصورتين يجوز للعدل الآخر الفسخ، لصدق «الوليّ» عليه.

الثالثة: أن يكون تزلزل البيع لأجل خيار الشرط المجعول لخصوص العاقد، لا لمطلق الولي، فلا يمضي فسخ العدل الآخر، و لا يجوز استرداد مال اليتيم ممّن انتقل إليه.

(4) كخيارات: المجلس و الحيوان و العيب و الغبن.

(5) معطوف على «بأصل» يعني: أو كان الخيار ثابتا بجعل المتبايعين، مع جعل الخيار للصغير أو لوليّه مطلقا من غير خصوصية للعاقد، إذ مع اختصاص الخيار بالمتعاقدين أو أحدهما- و عدم الخيار للصغير و لا لمطلق وليّه حتى يجوز لمؤمن آخر

ص: 233

و لو (1) [و أمّا لو] أراد بيعه من شخص و عرّضه لذلك، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة، و إن كان في يد الأوّل (2).

و بالجملة (3) فالظاهر أنّ حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب و الجدّ من حيث جواز التصرّف لكلّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

[حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر]

و أمّا حكّام (4) الشرع، فهل هم كذلك (5)؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له، أو من (6) يلي أمواله، أو وضع (7) اليد على مال يتيم، فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا؟

______________________________

فسخه- لا وجه لجواز فسخ غيرهما ممّن لا خيار له، و لا للصغير المولّى عليه.

(1) معطوف على قوله: «و لو نقله» و هذا ثاني الفرعين المترتبين على كون تصدّي المؤمنين من باب التكليف لا النيابة و الولاية، و محصله: أنّه لو أراد مؤمن بيع مال اليتيم، و عرّضه لذلك، جاز لمؤمن آخر بيع ذلك المال من شخص آخر إذا اقتضت المصلحة ذلك و إن كان المال في يد المؤمن الأوّل.

(2) أي: المؤمن الأوّل الذي أراد بيع مال اليتيم و عرّضه لذلك.

(3) يعني: و خلاصة البحث- في مزاحمة عدول المؤمنين-: أنّه يجوز التصرف لكل واحد من المؤمنين ما لم يتصرف الآخر فحكم عدول المؤمنين حكم الأب و الجدّ في عرضيّة الولاية.

(4) حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر و هم الفقهاء العدول، فهل هم كعدول المؤمنين في جواز التصرف لكلّ منهم ما لم يتصرف الآخر؟ فتجوز المزاحمة بينهم، أم لا؟

(5) أي: مثل عدول المؤمنين في جواز المزاحمة، فعليه لو عيّن فقيه مؤمنا يصلّي على ميّت لا وليّ له، أو عيّن من يلي أموال ميّت لا وليّ له، أو وضع اليد على مال يتيم، فهل يجوز لفقيه آخر مزاحمة هذا الفقيه أم لا؟

(6) معطوف على الموصول في «من يصلّي».

(7) معطوف على «عيّن» أي: فلو وضع فقيه يده على مال يتيم .. إلخ.

ص: 234

الذي (1) ينبغي أن يقال: إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (2)، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم (3)، لأنّ (4) المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلى الحكّام هم العوامّ، فالنهي (5) عن المزاحمة يختصّ بهم.

______________________________

(1) هذا مختار المصنف قدّس سرّه في المقام، و هو التفصيل بلحاظ دليل الولاية. و محصّله:

أنّه إن كان مستند ولاية الفقيه هو صدر التوقيع- أي مع الغض عن التعليل- و هو قوله عليه السّلام: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» جازت المزاحمة قبل تحقق العقد الذي لا يمكن فسخه و حلّه كالبيع اللازم، إذ مع وقوعه ينتفي الموضوع لتصرف غيره. و لا يدلّ التوقيع على حرمة مزاحمة ففيه لمثله، لأنّ المخاطب بوجوب الرجوع إلى الرواة هم العوامّ، فلا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء، بل يجب عليهم تفويض الأمر إلى الفقهاء.

و الحاصل: أنّ التوقيع يدلّ على أنّ كلّ واحد من الفقهاء حجّة على العوام، و لا يدلّ على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر نفيا و إثباتا أصلا. و عليه فكل واحد من الفقهاء حجة على العوام في عرض واحد، كولاية الأب و الجدّ.

(2) في (ص 172) المتضمن لقوله: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا».

(3) التقييد ب «اللازم» لأجل انتفاء الموضوع، كالبيع اللازم الموجب لانتقال مال الطفل إلى المشتري، بخلاف ما لو كان التصرف جائزا كالبيع الخياري، لبقاء موضوع المزاحمة كما تقدم في مزاحمة عدول المؤمنين بعضهم بعضا.

(4) تعليل لجواز المزاحمة، و حاصله: أنّ المزاحمة المنهي عنها- بمقتضى التوقيع- مختصة بالعوامّ، و لا تشمل الحكّام.

(5) أي: النهي عن المزاحمة للفقيه- كالأمر بإرجاع الوقائع إلى الفقيه- مختص بالعوامّ المخاطبين بقوله «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف»: «فارجعوا» فيختص النهي عن المزاحمة بهم، فلا يجوز للعوامّ أن يزاحموا الفقهاء في الحوادث الواقعة، بل يجب عليهم إرجاعها إليهم. و أمّا الحكام فمقتضى التوقيع المتقدم كون كلّ منهم حجة من الإمام عليه السّلام على الخلق. نظير ولاية كلّ من الأب و الجدّ على الطفل. و حيث إنّ التوقيع لا يدلّ على

ص: 235

و أمّا الحكّام فكلّ منهم حجة من الإمام عليه السّلام، فلا يجب (1) [1] على كلّ واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر، فيجوز له (2) مباشرته و إن كان الآخر دخل فيه (3)، و وضع يده عليه (4). فحال كلّ منهم حال كلّ من الأب و الجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق [2].

______________________________

حكم المزاحمة جوازا و منعا اقتضت حجية كلّ منهم جواز المزاحمة بينهم، كجوازها للأب و الجدّ.

(1) لما مرّ آنفا من أنّ المخاطب بالإرجاع هم العوامّ، فيجوز لكلّ واحد من الفقهاء مباشرة الحادثة الواقعة، لأنّهم المراجع في الحوادث الواقعة. و جواز المزاحمة مبنى على إطلاق دليل تصدّيهم للوقائع و عدمه. فيجوز التصدي لكلّ منهم سواء تصدّى غيره للواقعة أم لا. و مع إهمال الدليل مقتضى الأصل عدم النفوذ.

(2) أي: لكلّ واحد من الحكام مباشرة الأمر الحادث.

(3) أي: دخل الحاكم الآخر في الأمر الحادث قبل هذا الحاكم، و لم يأت بالعمل تماما و أتى به الحاكم الثاني، فالمتّبع هو حكم الحاكم الثاني. فحكم حكّام الشرع حكم الأب و الجدّ في جواز المزاحمة.

و الحاصل: أنّ التصرف النافذ هو التصرف التام سواء سبقه غيره بإيجاد المقدمات أم لا.

(4) أي: على الأمر الحادث، و لكن لم يتم العمل، إذ مع الإتمام لا يبقى موضوع لإقدام الغير.

______________________________

[1] لم يظهر وجه هذا التفريع على حجية كل واحد في ولاية عدول المؤمنين من الحكّام منه صلوات اللّه عليه. و إنّما المتفرع عليه هو قوله: «فيجوز له مباشرته» لأنّ أثر حجية كلّ منهم جواز تصدّي كلّ واحد منهم للواقعة، لا عدم وجوب إرجاع كلّ واحد منهم الواقعة إلى الآخر. نعم لازم هذا الجواز عدم وجوب إرجاع كلّ منهم الحادثة إلى آخر.

[2] لعلّ الأولى إبدال العبارة هكذا: «تصرف الآتي بتمام الواقعة، سواء سبقه غيره أم لحقه بإيجاد المقدمات أم لا» إذ لو لم يكن تصرف السابق تامّا- أي: لم يأت بتمام الواقعة،

ص: 236

و لا عبرة (1) بدخول الآخر في مقدّمات ذلك و بنائه (2) على ما يغاير تصرّف الآخر.

كما يجوز (3) لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر، و إن حضر المترافعان عنده، و أحضر الشهود، و بنى على الحكم (4).

و أمّا (5) لو استندنا في ذلك إلى عمومات النيابة، و أنّ فعل الفقيه كفعل

______________________________

(1) لأنّه بعد إتمام الواقعة ينتفي موضوع الولاية لغيره، فلا أثر لما أتى به من المقدمات.

(2) معطوف على «دخول» و ضميره راجع إلى «الآخر».

(3) هذا معادل قوله: «فيجوز له مباشرته» و لكن لم يظهر مغايرته لما قبله، لأنّ المستفاد من كليهما واحد، و هو تصدّي أحد الحاكمين للحكم و إن شرع الآخر في مقدمات الحكم من إحضار المترافعين و الشهود. و لا بدّ من التأمل في العبارتين حتى يظهر مراده قدّس سرّه منهما.

(4) و لم يحكم بعد، و حينئذ حكم الحاكم الآخر، و هذا الحكم نافذ.

(5) هذا معادل قوله: «إن استندنا في ولاية الفقيه إلخ» و حاصله: أنّ الظاهر حرمة المزاحمة إن استندنا في ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة «1» نظير «العلماء ورثة الأنبياء» و «العلماء أمناء الرسل» و «مجاري الأمور بيد العلماء» و غيرها، و أنّ فعل الفقيه كفعل الإمام و نظره كنظره، في عدم جواز التعدي عنه، لكونه مرجعا في الأمور الحادثة. و ذلك بشهادة جعل رواة الحديث حججا من قبله، لا من قبله تعالى، إذ لم يقل: «فإنهم حجج اللّه» فإضافة حجية الفقهاء الى نفسه المقدسة تقتضي كون الفقيه كالإمام في حرمة

______________________________

و أتى بتمامها غيره- كان النافذ عمل المؤمن الآتي بتمامه، و لا أثر للمقدمات التي أتى بها غيره، و لم يتمّ الواقعة.

______________________________

(1) المتقدمة مع مصادرها في ص 154- 159

ص: 237

الإمام، و نظره (1) كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه- لا (2) من حيث ثبوت الولاية

______________________________

مزاحمة أحد له.

و عليه فلا تجوز مزاحمة الفقيه الذي دخل في مقدمات التصرف و لكن لم يتصرف بعد، لأنّ دخوله في المقدمات- كدخول الامام عليه السّلام فيها- في عدم جواز المزاحمة. فأدلة النيابة لا تشمل التصرف المزاحم لتصرفه عليه السّلام، بل يعدّ ردّا له عليه السّلام، و هو حرام، لأنّ الرّاد عليه كالرّاد على اللّه، و هو على حدّ الشرك باللّه.

(1) معطوف على «فعل الفقيه» يعني: و أنّ نظر الفقيه كنظر الإمام عليه السّلام الذي لا يجوز التعدي عنه.

(2) يعني: ليس منشأ عدم جواز مزاحمة الحكام هو ثبوت ولاية الفقيه على الأنفس و الأموال حتى يقال بعدم ثبوتها له، و نتيجة عدم ثبوتها جواز المزاحمة.

و توضيح ما أفاده: أن مستند ولاية الفقيه إن كان عمومات النيابة عن المعصوم عليه السّلام و تنزيل فعله منزلة فعله عليه السّلام ففيه احتمالان:

أحدهما: نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام في ولايته على الأموال و الأنفس، يعني: أن مثل قوله عليه السّلام «مجاري الأمور بيد العلماء» يدلّ على نيابة العالم عن المعصوم في ولايته المطلقة إلّا ما أخرجه الدليل. و هذا الاحتمال قد تقدم في بحث ولاية الفقيه منعه؛ لقوله هناك: «لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية، لا كونهم كالنبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين في كونهم أولى الناس في أموالهم» فلاحظ (ص 160).

ثانيهما: نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام بمعنى لزوم إرجاع الأمور العامة و الحوادث إلى الفقيه على ما يستفاد من التعليل بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللّه» و ليس معنى حجيّة الفقهاء من قبله عليه السّلام ولايتهم على الأموال و الأنفس. و بناء على هذا الاحتمال يقال بمنع المزاحمة.

و المتحصل: أنّ الاستناد هنا إلى عمومات النيابة ليس عدولا عمّا تقدم في بحث

ص: 238

له (1) على الأنفس و الأموال حتّى يقال: إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (2). بل (3) من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد (4) من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه السّلام على الناس-

______________________________

ولاية الفقيه من منع الولاية المطلقة. و وجه عدم كونه عدولا: أنّ لعموم النيابة احتمالين، و الممنوع هو الاحتمال الأوّل، دون الثاني.

و عليه نقول: إنّ عمومات النيابة تقتضي منع مزاحمة فقيه لمثله.

(1) أي: للفقيه.

(2) أي: في المذكور من الأنفس و الأموال.

(3) معطوف على «لا» فكأنّه قال: «و نظره كنظره عليه السّلام الذي لا يجوز التعدي عنه، و ذلك لوجوب إرجاع الحوادث .. إلخ».

(4) نعت ل «وجوب» و حاصله: أنّ وجوب إرجاع الوقائع الحادثة إلى الفقيه يستفاد من التعليل له بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم» حيث إنّه يدلّ على وجوب الإرجاع إليه عليه السّلام ابتداء، ثم إلى من جعله حجة من قبله للمرجعية، و هم الفقهاء الإمامية أيّدهم اللّه تعالى، و شكر مساعيهم.

فإن قلت: إنّ استناد المصنف قدّس سرّه إلى التوقيع على كلّ واحد من التقديرين- و هما استفادة عموم النيابة من التوقيع، و استفادته من سائر أدلة ولاية الفقيه الّتي من جملتها التعليل الوارد في التوقيع- لا يخلو من تناف، فإنّ مدلول التوقيع واحد لا تعدد فيه، فإمّا أن يستند إليه في الفرض الأوّل الذي جوّز مزاحمة الفقهاء فيه، و إمّا في الفرض الثاني الذي منع من تزاحمهم.

قلت: لا تنافي في كلام المصنف ظاهرا، و ذلك لأنّ غرضه من قوله: «ان استندنا الى مثل التوقيع المتقدم» هو صدر التوقيع الآمر للعوام بإرجاع الحوادث إلى رواة الحديث. كما أنّ غرضه من قوله: «و أما لو استندنا» هو التعليل. و لا مانع من اشتمال كل جملة من التوقيع على أمر غير ما يتكفله الجملة الأخرى.

ص: 239

فالظاهر (1) عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر، و وضع يده عليه، و بنى فيه (2) بحسب نظره على (3) تصرّف و إن لم يفعل نفس ذلك التصرّف،

______________________________

هذا ما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه لدفع التنافي «1» [1]. و يرتفع به شبهة المنافاة بين قوله: «ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم» و بين قوله: «المستفاد من تعليل الرجوع فيها الى الفقيه بكونه حجّة منه عليه السّلام على الناس».

فما في حاشية العلامة الشهيدي قدّس سرّه من «أن نظر المصنف في عمومات النيابة ليس إلى التوقيع كما قد يتوهم» «2». غير ظاهر جدّا، لعدم ذكر التعليل في ما عدا التوقيع، فلا بدّ من حلّ التنافي بما أفاده في غاية الآمال، فلاحظ و تدبّر.

(1) جواب «أمّا» في قوله: «و أمّا لو استندنا» و حاصله: أنّه مع استناد ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة يكون الظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي وضع يده على أمر و بنى على إنفاذه بما يقتضيه نظره.

و الدليل على منع المزاحمة أمران. أحدهما: أنّ دخول الفقيه في أمر كدخول الامام عليه السّلام في عدم جواز المزاحمة معه. فالمستفاد من العمومات بنظر المصنف أن الفقهاء نوّاب الامام عليه السّلام في الوقائع الحادثة، و حكم النائب حكم المنوب عنه في عدم جواز المزاحمة.

و الأمر الثاني اختلال النظام، و سيأتي تقريبه في (ص 244).

(2) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى «أمر».

(3) متعلق بقوله: «بنى» و الضمائر المستترة في «دخل، وضع، بنى» راجعة إلى الفقيه.

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ هذا و إن تمّ بحسب الكبرى، لكن تطبيقه على المقام مشكل، من جهة أن الذيل تعليل لنفس الأمر بالرجوع إلى رواة الحديث، المذكور في الصدر. فاستفادة حرمة المزاحمة من التعليل و سكوت الإرجاع عنها خفيّة، و لا بدّ من مزيد التأمل.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 422

(2) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 335

ص: 240

لأنّ (1) دخوله فيه كدخول الإمام عليه السّلام، فدخول الثاني (2) فيه و بناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (3) له، فهو (4) كمزاحمة الإمام عليه السّلام، فأدلّة (5) النيابة عن الإمام عليه السّلام لا تشمل (6) ما كان فيه مزاحمة الإمام عليه السّلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا (7): الفرق (8) بين الحكّام و بين الأب و الجدّ، لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة (9)،

______________________________

(1) أي: لأنّ دخول الفقيه في أمر .. إلخ، و هذا تعليل لقوله: «فالظاهر».

(2) أي: دخول الفقيه الثاني في أمر و بناؤه على تصرف آخر مزاحمة للفقيه الأوّل الذي دخل في الأمر.

(3) خبر قوله: «فدخول الثاني» و ضمير «له» راجع الى الفقيه الأوّل.

(4) أي: مزاحمة الفقيه الثاني للفقيه الأوّل تكون كمزاحمة الإمام عليه السّلام. و الأولى تأنيث الضمير.

(5) مبتدء خبره «لا تشمل» و هذا إشارة إلى وهم و دفع. أمّا الأوّل فهو: أنّ إطلاق أدلة النيابة كاف في جواز المزاحمة، لأنّ مقتضى إطلاقها ولاية كل فقيه، سواء دخل غيره في إنفاذ الواقعة أم لا، و لازم ذلك جواز المزاحمة.

(6) و أمّا الثاني- و هو الدفع- فحاصله: أنّ أدلة النيابة لا تشمل صورة المزاحمة، لأنّ مقتضى النيابة كون النائب كالمنوب عنه في الحكم. و من المعلوم عدم جواز مزاحمة المنوب عنه و هو الامام عليه السّلام، فكذا نائبه، فلا يجوز مزاحمة الفقيه إذا دخل في إنفاذ الواقعة.

(7) من جواز المزاحمة بناء على الاستناد في ولاية الفقيه إلى مثل صدر التوقيع المتقدم، و عدم جوازها بناء على الاستناد في ولايته إلى عموم أدلة النيابة.

(8) فاعل «ظهر» و ملخص الفرق بينهما هو: أنه بناء على استناد ولاية الفقيه الى صدر التوقيع تكون ولايته كولاية الأب و الجدّ في جواز المزاحمة، و بناء على استنادها إلى عمومات أدلة النيابة لا تجوز المزاحمة.

(9) كما هو مقتضى التوقيع، فتجوز المزاحمة كولاية الأب و الجد. و هذا هو الحكم

ص: 241

و بين كون كلّ واحد منهم (1) نائبا.

[الفرق بين الأولياء و الوكلاء]

و ربما يتوهّم (2) كونهم حينئذ (3) كالوكلاء المتعدّدين في أنّ بناء واحد منهم (4) على أمر مأذون فيه لا يمنع (5) الآخر عن تصرّف مغاير لما بنى عليه الأوّل.

و يندفع (6) بأنّ الوكلاء إذا فرضوا (7) وكلاء في نفس التصرّف- لا في

______________________________

الثاني أعني به كون الفقيه حجة.

(1) أي: من الفقهاء نائبا، فإنّ مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة. و هذا هو الحكم الأوّل، و هما من اللّف و النشر المشوّش، فالأوّل للثاني، و الثاني للأوّل.

(2) بعد أن رجّح المصنف قدّس سرّه منع مزاحمة حاكم لآخر، تعرّض لبيان توهّمين ربما يظهر منهما جواز المزاحمة، ثم ردّهما.

و محصل التوهّم الأوّل: أنّ حكم الحكّام حكم الوكلاء المتعددين في أنّ أحد الوكلاء إذا أقدم على أمر مأذون فيه من ناحية الموكّل جاز لغيره من الوكلاء أن يقدم على أمر مغاير لما أقدم عليه الوكيل الأوّل.

(3) أي: حين كون الحكام نوّابا كالوكلاء المتعددين.

(4) أي: من الوكلاء، و ضمير «كونهم» راجع الى الحكّام.

(5) خبر «أنّ» يعني: أنّ بناء أحد الوكلاء على أمر- مأذون فيه من ناحية الموكّل- لا يمنع الوكيل الآخر عن تصرف مغاير للتصرف الذي بنى عليه الوكيل الأوّل.

(6) يعني: و يندفع هذا التوهم بما محصّله: أنّ الوكلاء على قسمين:

أحدهما: أن يكونوا وكلاء عن شخص في نفس التصرف دون مقدماته، كما لو كانوا وكلاء عن شخص في بيع داره فقط، لا في مقدماته من المقاولة و غيرها.

فما لم يتحقق البيع لا مانع من إقدام أحد الوكلاء على ذلك التصرف. فيحصل التعارض بينه و بين من أقدم قبله، و يكون النفوذ لأسبق التصرفين. و مع فرض التقارن يسقط كلاهما عن الاعتبار، لمقارنة السببين في التأثير.

و بالجملة: ففي هذا القسم الأوّل لا مانع من التزاحم.

(7) هذا إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي الوكلاء.

ص: 242

مقدّماته- فما (1) لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرّف مغاير (2) و إن بنى عليه الأوّل و دخل فيه.

أمّا (3) إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله، و فرضنا (4) أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل، و التعدّي عمّا بنى هو (5) عليه مباشرة أو استنابة، كان (6) حكمه حكم ما نحن فيه (7) من غير زيادة و لا نقيصة.

______________________________

(1) الجملة جواب «إذا فرضوا» و ضمير «أحدهم» راجع إلى الوكلاء.

(2) أي: مغاير لتصرف الوكيل السابق، و إن بنى الأوّل على التصرف و دخل فيه.

(3) هذا ثاني قسمي الوكلاء، و هو: أنّهم إذا كانوا وكلاء عن شخص واحد في التصرف و مقدماته أيضا كبيع داره مع مقدماته كالمقاولة- بحيث يكون فعلهم كفعله و إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله فيه، و لم يدلّ دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل، و التعدّي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة في إنفاذ الواقعة- كان حكم هؤلاء الوكلاء حكم ما نحن فيه في عدم جواز المزاحمة.

(4) معطوف على «فرضوا» و الغرض من قوله: «فرضنا» بيان حكم ما نحن فيه، و هو: أنّه بناء على كون الحكّام وكلاء عن المعصوم عليه السّلام في نفس التصرف- لا في خصوص مقدماته- فإنّما تكون وكالتهم محدودة بعدم المخالفة للإمام عليه السّلام الذي وكّلهم.

و حيث إن كل واحد منهم وكيل عنه عليه السّلام لم تجز المزاحمة، لكونها ممنوعة، لمزاحمته عليه السّلام.

(5) أي: الموكّل، و ضمير «عليه» راجع الى الموصول في «ما بنى» المراد به التصرف.

(6) جواب قوله: «إذا فرضوا» و مرجع ضمير «حكمه» حكميّ، أي: حكم فرض تنزيل الوكلاء بمنزلة الموكّل- في كون دخولهم في الأمر كدخول الموكّل فيه- يكون حكم ما نحن فيه.

(7) يعني: كان حكم كل واحد من الوكلاء حكم كل واحد من الفقهاء النائبين عن

ص: 243

و الوهم (1) إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة (2) بنفس ذي المقدّمة، فتأمّل (3).

هذا كلّه، مضافا (4) إلى لزوم اختلال نظام المصالح [1] المنوطة (5) إلى الحكّام،

______________________________

الامام عليه السّلام في عدم جواز المزاحمة بلا زيادة و لا نقيصة.

(1) يعني: و الوهم المذكور- و هو قياس الحكّام بالوكلاء المتعددين- إنّما نشأ من لحاظ التوكيلات المتعارفة المتعلقة بنفس ذي المقدمة، المستلزم لجواز المزاحمة في المقدمات، و كون النفوذ للعقد السابق.

(2) نعت لقوله: «التوكيلات».

(3) لعله إشارة إلى: أنّ أدلة النيابة كأدلّة الوكالة لا تدلّ أيضا إلّا على النيابة في نفس ذي المقدمة، فحال الحكّام حال الوكلاء المتعددين في التوكيلات المتعارفة في تعلق توكيلهم بنفس ذي المقدمة، فيقع التعارض بينهم، و يكون النفوذ للسابق منهم.

(4) هذا دليل آخر على عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في واقعة لإنفاذها كما أشرنا إليه في (ص 240) و خلاصة هذا الدليل: لزوم اختلال نظام المصالح، الراجع تشخيصها و رعايتها في الوقائع الحادثة إلى الفقهاء العدول، لاختلاف أنظارهم في تشخيصها الموجب لاختلال نظام المصالح، و لا يناط نظامها إلّا بعدم المزاحمة، و كون ولاية الفقيه من باب النيابة حتى لا تجوز المزاحمة، لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة.

(5) صفة للمصالح، فإنّ تشخيص المصالح يكون منوطا بنظر الحكّام، و لعلّ الأولى تبديل «الى الحكام» ب «بالحكام».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الدليل لو تمّ اقتضى أن تكون ولاية المؤمنين كولاية الفقهاء في عدم جواز المزاحمة. مع أنّهم قالوا بجوازها، و يكون ولايتهم كولاية الأب و الجدّ في جواز المزاحمة، و أنّ النافذ هو التصرف السابق.

إلّا أن يقال: بعدم الولاية للمؤمنين، و أنه ليس لهم إلّا الوجوب التكليفي. لكن محذور اختلال نظام المصالح لا يندفع بالوجوب التكليفي، بل يندفع بعدم جواز المزاحمة.

ص: 244

سيّما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن يدّعي الحكومة.

[حرمة مزاحمة الفقيه لمثله]

و كيف كان فقد تبيّن ممّا ذكرنا (1) [1] عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كلّ إلزام قوليّ (2) أو فعليّ (3) يجب الرجوع فيه إلى الحاكم، فإذا (4) قبض مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه (5)، فليس (6) لغيره من الحكّام مخالفة نظره، لأنّ (7) نظره كنظر الإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) من كون ولاية الفقيه من باب النيابة، فلا تجوز مزاحمته، لكونها مزاحمة للإمام عليه السّلام. لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة لحجيّة كل واحد من الفقهاء حينئذ.

(2) كحكمه في المرافعات بأنّ هذا المال لزيد، أو كون الحبوة أربعة أشياء، أو بأن هذا اليوم أوّل الشهر.

(3) كشروع فقيه في تجهيز ميّت لا وليّ له، فلا تجوز لحاكم آخر مزاحمته.

(4) هذا مثال لحرمة المزاحمة، فإذا قبض حاكم مال القاصر- كاليتيم و المجنون- من شخص، أو عيّن شخصا لقبض مال القاصر، أو جعله ناظرا على مال اليتيم مثلا، فليس لحاكم آخر مخالفة نظره.

(5) أي: على مال اليتيم.

(6) جواب «فإذا قبض» و ضميرا «لغيره، نظره» راجعان إلى الحاكم الذي قبض مال اليتيم.

(7) تعليل لعدم جواز مخالفة نظر الحاكم الذي قبض مال اليتيم، أو عيّن شخصا لقبضه. و محصل التعليل هو كون نظر هذا الحاكم نظر الإمام عليه السّلام، إذ المفروض أنّ الحاكم نائبه عليه الصلاة و السلام.

______________________________

[1] لم يختر سابقا عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر .. إلخ بل ذكره بنحو الفرض و التقدير، حيث قال في (ص 240): «فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر و وضع يده عليه» جوابا لقوله في (ص 237): «و أمّا لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ..» فلاحظ.

ص: 245

و أمّا (1) جواز تصدّي مجتهد لمرافعة تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض (2) عنها- بل بنى على الحكم فيها (3)- فلأنّ (4) وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

[اشتراط المصلحة في غير الأب و الجد و عدمه]

ثمّ إنّه (5) هل يشترط في ولاية غير الأب و الجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

______________________________

(1) هذا إشارة إلى التوهم الثاني المشار إليه (ص 242) و هو: أنّ ما اخترتم- من عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله- ينافي ما اختاره الفقهاء «رضوان اللّه تعالى عليهم» من جواز تصدّي مجتهد للحكم في مرافعة تصدّاها مجتهد آخر، و لكنه لم يحكم فيها بعد. فجواز الحكم من المجتهد اللّاحق مزاحمة للمجتهد السابق الذي دخل في الواقعة بانيا على الحكم فيها، و عدم الإعراض عنها، إذ مع الإعراض تنتفي المزاحمة.

(2) يعني: لم يعرض المجتهد الأوّل الذي بنى على الحكم في المرافعة.

(3) هذا الضمير و ضميرا «عنها، فيها» راجعة إلى المرافعة.

(4) جواب «و أمّا» و دفع للتوهم المذكور، و حاصله: أنّه لا يلزم التزاحم في مورد التوهم المزبور، لأنّ التزاحم فرع تعدد الحكم بتعدد الحكّام، و المفروض أنّ وجوب الحكم على الحاكم في المرافعات مشروط بسؤال من له الحكم. و لمّا عدل من له الحكم عن الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني، فلا وجوب على الحاكم الأوّل حتى يلزم تعدد الحكم الموجب للتزاحم، بل وجوب الحكم مختص حينئذ بالحاكم الثاني، لاختصاص سؤال الحكم به.

فالنتيجة: عدم لزوم التزاحم في مورد الإشكال.

(5) اشتراط المصلحة في غير الأب و الجد و عدمه الضمير للشأن، و هذا إشارة إلى الجهة الخامسة من جهات البحث في مسألة ولاية المؤمنين. و هي: أنّه هل يعتبر في ولاية غير الأب و الجد- و هم الفقهاء و عدول المؤمنين- ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

و أما مراعاة غبطة الصغير في الأب و الجدّ فقد سبق الكلام فيه مبسوطا، فراجع (ص 89).

ص: 246

[الاستدلال بالإجماع و بالآية الناهية عن قرب مال اليتيم]

ذكر الشهيد في قواعده: أنّ فيه وجهين (1)

______________________________

(1) أي: أنّ في ولاية غير الأب و الجدّ وجهين. و هذا نقل كلام الشهيد بالمعنى، و سيأتي نصّ عبارته في (ص 268) فلاحظ.

و كيف كان فلعلّ وجه الاشتراط أنّ المتقين من ولاية غير الأب و الجدّ هو صورة ملاحظة غبطة المولّى عليه.

و وجه العدم هو إطلاق دليل الولاية، و تقييده محتاج إلى الدليل.

و لا يخفى أنّ مورد كلام الشهيد قدّس سرّه الآتي هو مطلق الولي الشامل للأب و الجدّ أيضا، إذ مقصوده من الولي هو من يقوم مقام المالك، كما تعرّض له قبل هذه القاعدة بقوله: «و حكم المالك: الأب و الجد، و الوكيل، و الوصي، و الحاكم، و الأمين .. و بعض المؤمنين في مال الطفل عند تعذر الولي ..» «1».

و عليه يكون مورد الوجهين- من اعتبار مراعاة المصلحة و عدمه- جميع الأولياء حتى الأب و الجدّ. و لكن شيخنا الأعظم قدّس سرّه لمّا تعرّض في ولاية الأب و الجد لهذا البحث مفصّلا، فلذا خصّ الكلام هنا بما عداهما، لا للفرق بين ولايتهما و بين سائر الأولياء من الفقهاء و العدول.

و لعلّ المصنف استظهر عدم شمول «الولي» في عبارة القواعد للأب و الجد، بقرينة التعليل بقوله: «لأنه منصوب لها- أي لرعاية مصلحة المولّى عليه» «2» بأن يقال: إنّ ولاية الأب و الجد قهرية لا تتوقف على النصب، بخلاف الوصي و الفقيه و عدول المؤمنين.

و هذا المعنى ذكره السيد العلامة في العناوين جازما به، حيث قال: «لكن كلام الأصحاب في اشتراط المصلحة في تصرف الولي مطلق. نعم ذكر عدم اشتراطها في الإجباري الشهيد رحمه اللّه في قواعده» «3».

و الظاهر أنّ منشأ النسبة هو ما سيأتي نقله من القواعد، إذ لم جد تعرّضه لهذا

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 351

(2) المصدر، ص 352

(3) العناوين، ج 2، ص 560

ص: 247

و لكن ظاهر كثير من كلماتهم أنّه (1) لا يصحّ إلّا مع المصلحة، بل في مفتاح الكرامة:

«أنّه إجماعي» «1».

و أنّ (2) الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيّا بين المسلمين (3).

و عن شيخه (4) في شرح القواعد: «أنّه (5) ظاهر الأصحاب».

و قد عرفت (6) تصريح الشيخ و الحلّي بذلك حتّى في الأب و الجدّ «2».

______________________________

البحث في موضع آخر منه. و لكن قد عرفت في أوّل بحث الولاية أنّ نفوذ تصرف الأب و الجدّ- كغيرهما- منوط بالجعل، و لا يكفي تكوّن الولد منهما في ولايتهما عليه قهرا و إجبارا.

(1) أي: تصرف غير الأب و الجدّ- من الفقهاء و عدول المؤمنين في مال اليتيم- لا يصح إلّا مع المصلحة، بل ذكر السيد في مفتاح الكرامة: أنّ اعتبار ملاحظة المصلحة إجماعي.

(2) معطوف على قوله: «إنّه إجماعي».

(3) يعني: بين جميع المسلمين، لا خصوص الشيعة.

(4) أي: شيخ السيد صاحب مفتاح الكرامة، و هو الفقيه الجليل الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء قدّس سرّه «3».

(5) أي: اشتراط ملاحظة المصلحة ظاهر الأصحاب.

(6) يعني: في بحث ولاية الأب و الجدّ. أمّا تصريح الشيخ فهو ما نقل عنه المصنف في (ص 97) بقوله: «فقد صرّح به في محكي المبسوط، حيث قال: و من يلي أمر الطفل و المجنون خمسة .. إلخ».

و أمّا تصريح ابن إدريس فعند نقله عنه في (ص 98): «و قال الحلّي في السرائر:

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

(2) تقدمت المصادر في ص 96 و 99 و 100 فراجع.

(3) شرح القواعد، ص 71 (مخطوط).

ص: 248

و يدلّ عليه (1)- بعد ما عرفت (2) من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد- عموم (3) قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «1».

و حيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده (4) في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام، فلا (5) بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (6)، فنقول:

[معنى القرب في الآية]

إنّ القرب في الآية يحتمل معاني أربعة:

الأوّل: مطلق (7) التقليب و التحريك حتّى من مكان إلى آخر، فلا يشمل مثل إبقائه على حال أو عند أحد.

______________________________

لا يجوز للوليّ التصرف في مال الطفل» الى آخر عبارته.

(1) أي: و يدلّ على اشتراط ملاحظة الغبطة لليتيم بعد الأصل- و هو أصالة عدم الولاية لأحد على أحد- عموم قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* على ما سيأتي من توضيح الاستدلال به إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني في قوله في (ص 130): «مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من الوجوه ..».

(3) فاعل قوله: «يدل» و هذا دليل اشتراط ملاحظة المصلحة لليتيم.

(4) خبر «أنّ توضيح».

(5) جواب الشرط في «و حيث إنّ».

(6) أي: مقام الاستدلال بالآية المباركة على اشتراط ملاحظة الغبطة في مال اليتيم.

و قد فصّل المصنف قدّس سرّه البحث حول الآية الشريفة بالنظر في مقامين: أحدهما:

مقام الثبوت و ما يتطرق من الاحتمالات فيها، و هي ستة عشر احتمالا، و ثانيهما: مقام الإثبات و الاستظهار.

و البحث في المقام الأوّل يتم بالنظر في كلمتين، و هما: القرب و «الأحسن» كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(7) المراد به- بعد عدم إرادة القرب المكاني- مطلق الأمر الوجودي المتعلّق بمال

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 34

ص: 249

الثاني (1) وضع اليد عليه (2) بعد أن كان بعيدا عنه و مجتنبا، فالمعنى: تجنّبوا عنه و لا تقربوه إلّا إذا كان القرب أحسن، فلا يشمل (3) حكم ما بعد الوضع.

الثالث (4) ما يعدّ تصرّفا عرفا- كالاقتراض و البيع و الإجارة و ما أشبه ذلك (5)- فلا يدلّ (6) على تحريم إبقائه بحاله تحت يده

______________________________

اليتيم، و إن كان مجرّد نقله من مكان الى آخر، فيندرج فيه كل تصرف خارجي كالأكل و الشرب و اللبس و غيرها، و اعتباريّ كالبيع و الإجارة و نحوهما. و لا يشمل التقليب الأمر العدمي كإبقاء المال على ما هو عليه وصفا و مكانا، و عدم تعلق فعل به، إذ التقليب أمر وجودي، و لا يشمل العدمي، و هو ترك القرب حتى لو ترتب تضرر اليتيم على هذا الترك، لفرض اختصاص المدلول بالتقليب و التصرف.

(1) توضيحه: أنّ الأقرب إلى القرب المكاني- الذي لا يراد قطعا- هو مسّه و وضع اليد عليه. و يراد التصرف العرفي المحرّم بالأولوية، إذ حرمة ما لا يعدّ تصرفا عرفا تستلزم حرمة ما يعد تصرفا عرفا بطريق أولى.

(2) هذا الضمير و ضمائر «لا تقربوه، عنه» في الموضعين راجعة إلى مال اليتيم.

(3) يعني: فلا يشمل قوله تعالى «وَ لٰا تَقْرَبُوا»* حكم ما بعد الوضع. وجه عدم شموله له: أنّ المنهي عنه هو الوضع، و استفادة حكم ما بعد الوضع محتاجة إلى دليل آخر.

هذا لكنك قد عرفت إمكان استفادته بالأولوية.

ثم إنّ المعنى الأوّل أعمّ من الثاني، لأنّ التقليب أعم من التصرف العرفي و غيره.

بخلاف مجرّد وضع اليد عليه، فإنّه ليس تصرفا عرفا.

(4) حاصل هذا الاحتمال: أنّ المراد بالقرب المنهي عنه هو التصرف العرفي، و الظاهر أنّه أعم من الاعتباري كالأمثلة المذكورة في المتن- من الاقتراض و البيع و الإجارة- و الخارجي كالأكل و الشرب و اللبس و الافتراش.

(5) كالمضاربة و المزارعة و المساقاة.

(6) يعني: فلا يدل قوله تعالى «وَ لٰا تَقْرَبُوا»* على تحريم إبقائه بحاله، لأنّ الإبقاء

ص: 250

- إذا كان التصرّف فيه (1) أحسن منه- إلّا بتنقيح المناط.

الرابع (2) مطلق الأمر الاختياريّ المتعلّق بمال اليتيم، أعمّ (3) من الفعل (4) و الترك (5)، و المعنى: لا تختاروا في مال اليتيم- فعلا أو تركا- إلّا ما كان أحسن من غيره. فيدلّ (6) على حرمة الإبقاء

______________________________

- و هو ترك التصرف- أمر عدمي، و ليس أمرا وجوديّا. كما أنّه لا يدلّ على وجوب القرب إليه بوجه أحسن، لأنّ مدلوله عدم جواز القرب إلى مال اليتيم بوجه غير أحسن.

و الحاصل: أنّ الآية الشريفة لا تدلّ على وجوب التصرف في مال اليتيم- إذا كان أحسن من تركه- إلّا بتنقيح المناط، بأن يقال: إنّ مناط التصرف في مال اليتيم هو ملاحظة المصلحة، فإن كان بيعه أحسن من الإجارة مثلا وجب بيعه، و إن كان بيعه أحسن من إبقائه بحاله تحت يده وجب البيع أيضا.

(1) أي: التصرف في مال اليتيم أحسن من الإبقاء بحاله تحت يده.

(2) محصل هذا الاحتمال الرابع هو: أنّ المراد بالقرب المنهي عنه مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم سواء أ كان فعلا اعتباريّا كالبيع و الإجارة، أم خارجيا كالأكل و الشرب و اللبس، أم أمرا عدميا كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

و الحاصل: أنّ المراد بالقرب في الاحتمال الرابع هو كل أمر اختياري وجودي أو عدمي متعلق بمال اليتيم. و المراد بالعدمي ما يرجع إلى الوجودي كالإبقاء و الاستمرار، إذ لا جامع بين الوجود و العدم.

ثم إنّ هذا المعنى الرابع أعم من جميع المعاني الثلاثة المتقدمة، لشموله لكلّ من الوجودي و العدمي، و التصرف الخارجي و الاعتباري.

(3) حال من «الأمر الاختياري».

(4) سواء أ كان خارجيا كالأكل و الشرب أم اعتباريا كالبيع كما تقدم آنفا.

(5) كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

(6) يعني: فيدلّ النهي في «لا تقربوا» بالدلالة اللفظية على حرمة الإبقاء في الفرض المزبور، و ليست دلالته بتنقيح المناط الذي هو جهة الدلالة في المعنى الثالث.

ص: 251

في الفرض المذكور (1)، لأنّ (2) إبقاءه قرب له بما ليس أحسن.

و أمّا لفظ «الأحسن» (3) في الآية، فيحتمل (4) أن يراد به ظاهره من التفضيل، و يحتمل (5) أن يراد به الحسن.

و على الأوّل (6)

______________________________

(1) و هو كون التصرف في مال اليتيم أحسن من إبقائه بحاله.

(2) تعليل للنهي عن الإبقاء تحت اليد، و حاصله: أنّ الإبقاء قرب للمال بما ليس أحسن، و هو حرام.

(3) بعد أن بيّن محتملات القرب أراد أن يذكر محتملات «الأحسن» حتى يظهر تقريب الاستدلال بالآية المباركة، و محتملاته أربعة أيضا كما سيظهر.

(4) هذا أحد المعاني المحتملة في كلمة «الأحسن» و حاصله: أن يراد ما هو ظاهره من التفضيل.

(5) هذا ثاني معاني «الأحسن» و هو إرادة معناه منسلخا عن التفضيل، و هو الحسن. فكأنّه قيل: «و لا تقربوا مال اليتيم إلّا بالكيفية التي هي حسنة». و هذا التجريد هو ما أفاده المحقق نجم الأئمة الشارح الرضي الأسترابادي قدّس سرّه بقوله: «و اعلم أنّه يجوز استعمال- أفعل- عاريا عن اللام و الإضافة و من، مجرّدا عن معنى التفضيل، مؤوّلا باسم الفاعل و الصفة المشبهة، قياسا عند المبرّد و سماعا عند غيره، و هو الأصح .. و تقول:

الأحسن و الأفضل بمعنى الحسن و الفاضل» «1».

(6) و هو إرادة التفضيل من كلمة «أحسن» و محصله: أنّه بناء على إرادة معنى التفضيل من كلمة «أحسن» يحتمل وجهان في المفضّل عليه:

أحدهما: أن يكون ذلك ترك الأحسن، بمعنى كون بيع مال اليتيم أحسن من تركه.

ثانيهما: أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه و غيره من التصرفات، كما إذا كان بيع

______________________________

(1) شرح الكافية في النحو، ج 2، ص 217، المطبوعة بطهران بالاوفست على طبعة عام 1316

ص: 252

فيحتمل (1) التصرّف الأحسن من تركه، كما يظهر من بعض، و يحتمل (2) أن يراد به ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرّفات.

______________________________

مال اليتيم أحسن بقول مطلق، بأن يكون أحسن من تركه و من كلّ تصرف غير البيع.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدّم بقولنا: «أحدهما أن يكون ذلك ترك الأحسن».

و هذا الاحتمال حكاه الفاضل النراقي قدّس سرّه بقوله: «قيل» «1».

و يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه اختياره، حيث إنّه بعد نفي إرادة ما هو الأحسن بقول مطلق- أي الفرد الأعلى من التصرف الذي لا أحسن منه، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل، إذ ما من حسن إلّا و هناك أحسن منه- قال: «بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب». ثم جعل لازمه التخيير بين أفراد التصرف و إن تفاوتت من حيث كون بعضها صالحا و بعضها أصلح، فراجع «2».

(2) معطوف على قوله: «فيحتمل» في قوله: «فيحتمل التصرف» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم آنفا بقولنا: «ثانيهما أن يكون المفضّل عليه أعم من ..».

و يظهر من الفاضل النراقي قدّس سرّه اختيار هذا الاحتمال، من باب الجمع بين الآية الشريفة و ما دلّ على جواز بيع الحاكم، حيث إنّ الآية خصّصت بالمخصص المجمل المنفصل- و هو دليل ولاية الحاكم- و لم يعلم أنّ الخارج من الآية هو الأكثر أعني به التصرف الأولى من الترك حتى يكتفى بأصل وجود المصلحة في التصرف، أم أنّ الخارج هو الأقل و هو التصرف الأحسن مطلقا أي: من الترك و من سائر أفراد التصرف، فراجع العوائد متأملا في العبارة «3».

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 560، و الظاهر أن القائل هو المحقق الأردبيلي في زبدة البيان، ص 394

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 161

(3) عوائد الأيام، ص 561

ص: 253

و على الثاني (1)، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة، و يحتمل (2) أن يراد به ما لا مفسدة فيه، على ما قيل (3) من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثم (4) إنّ الظاهر من احتمالات «القرب»

______________________________

(1) معطوف على «و على الأول» توضيحه: أنّه بناء على الاحتمال الثاني- و هو تجريد الأحسن عن معنى التفضيل- يحتمل أيضا فيه وجهان:

أحدهما: أن يراد به ما فيه مصلحة و إن كان هناك ما هو أصلح منه، كما إذا بيع مال اليتيم بثمن رابح، مع إمكان بيعه بثمن أزيد منه.

و ثانيهما: أن يراد به ما لا مفسدة فيه، كما إذا كان في بيع مال اليتيم مصلحة، و في إجارته عدم المفسدة. فعلى الاحتمال الثاني- و هو عدم المفسدة- تجوز إجارته و لا يجب البيع. و على الاحتمال الأوّل يجب البيع و لا تجوز الإجارة.

(2) معطوف على «فيحتمل» و إشارة إلى الوجه الثاني الذي تقدم بقولنا: «و ثانيهما:

أن يراد به ما لا مفسدة فيه ..»، هذا.

ثمّ إنّ الاحتمالات الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

(3) لعلّ مقصوده ما حكاه الشهيد الثاني قدّس سرّه عن الجمهور في معنى الحسن و القبيح، من قوله: «أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح، و إن لم ينه عنه فهو حسن، سواء أمر به كالواجب و المندوب، أم لا كالمباح» «1».

و على هذا فلو انسلخ «الأحسن» في الآية المباركة عن التفضيل، و لم يعتبر في صدقه النفع و المصلحة، كفى فيه عدم استلزام التصرف في مال اليتيم للمفسدة، فيجوز القرب فيما يخلو من النفع و الضرّ. هذا كله ما يتعلق بالمقام الأوّل و هو بيان محتملات الآية المباركة.

(4) بعد بيان الاحتمالات الراجعة إلى كلمة القرب و الأحسن ثبوتا أراد أن يبيّن مقام الإثبات و الاستظهار، و محصل ما أفاده هو: أنّ الظاهر من الاحتمالات المذكورة للقرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف عرفا. و من احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال

______________________________

(1) تمهيد القواعد، ص 41، القاعدة: 5

ص: 254

هو الثالث (1)، و من احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني (2)، أعني التفضيل المطلق (3).

و حينئذ فإذا (4) فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم، فبعناه بعشرة دراهم، ثمّ فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا، فأراد الوليّ جعلها دينارا، فلا يجوز، لأنّ هذا التصرّف (5) ليس أصلح من تركه، و إن (6) كان

______________________________

الثاني أعني به التفضيل المطلق. فالمعنى حينئذ: «لا تتصرّفوا في مال اليتيم بالبيع و نحوه إلّا إذا كان ذلك التصرف أحسن من غيره. سواء أ كان ذلك الغير الذي هو المفضّل عليه تركه أم تصرفا آخر» فإذا فرض كون التصرف البيعي أحسن من إبقاء مال اليتيم الذي هو ترك البيع كان إبقاؤه حراما، إذ المفروض كون بيعه أحسن من غيره، سواء أ كان ذلك الغير إبقاء أم تصرفا كالإجارة و القرض و المضاربة و غيرها.

(1) و هو الذي أفاده في (ص 250) بقوله: «الثالث: ما يعدّ تصرّفا عرفا كالاقتراض».

(2) أي: الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتطرقين في الاحتمال الأوّل، و هو قوله:

«و يحتمل أن يراد ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات».

(3) و هو أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه و من غيره من الأضداد الوجودية.

(4) أي: و حين كون القرب بمعنى التصرف و كون الأحسن بمعنى التفضيل المطلق، فإذا .. إلخ. و غرضه بيان ما يتفرع على الاستظهار من الكلمتين، و حاصله: أنّه إذا اقتضت المصلحة بيع مال اليتيم، فبيع بعشرة دراهم، و فرض عدم التفاوت بحال اليتيم بين إبقاء الدراهم و بين تبديلها بدينار، و أراد الولي إبدالها بدينار، لم يجز هذا التبديل، لأنّه تصرف ليس أصلح من تركه. إذ المفروض عدم التفاوت لليتيم بين الدراهم و الدينار.

(5) و هو جعل الدراهم العشرة دينارا، و قوله: «لأنّ» تعليل لعدم جواز تبديل الدراهم بدينار، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «لأنّه تصرف و ليس أصلح من تركه .. إلخ».

(6) وصلية، و كأنّه دفع توهم، و هو: أنّه إذا كان بيع مال اليتيم بالدينار من أوّل الأمر جائزا، فلا مانع من جعل مال اليتيم دينارا في المعاملة الثانية أيضا. هذا

ص: 255

يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار، لفرض (1) عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقدا.

أمّا (2) لو جعلنا الحسن بمعنى ما لا مفسدة فيه (3)، فيجوز.

و كذا (4) لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع، لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء

______________________________

هذا تقريب التوهم.

و أمّا دفعه فهو: أنّ المصلحة اقتضت تبديل مال اليتيم الذي كان عروضا بالدراهم.

و أمّا تبديل الدراهم بالدينار فليس فيه مصلحة، فلا يجوز، لأنّه أيضا معاملة جارية في مال اليتيم يتوقف صحتها على المصلحة، و المفروض عدمها، لما مرّ من مساواة الدينار و الدراهم. و عدم التفاوت بينهما لليتيم.

(1) تعليل لجواز بيع المال ابتداء بالدينار، و حاصله: وجود المصلحة في تبديل العروض بالنقد، و هو الجامع بين الدرهم و الدينار فيجوز. و بعد حصول التبديل بأحد الفردين- و هي الدراهم- و عدم المصلحة في تبديل هذا الفرد من جامع النقد بفرده الآخر و هو الدينار لا يجوز هذا التبديل الثاني الذي هو معاملة جديدة، لتوقف صحتها على المصلحة المفقودة بالفرض.

(2) غرضه أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار بناء على جعل «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه، بداهة أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار في المثال المذكور، فيجوز التبديل حينئذ.

(3) و هو ما أفاده بقوله في (ص 254): «و يحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه».

(4) يعني: و كذا يجوز تبديل الدراهم العشرة بالدينار بناء على جعل «القرب» بالمعنى الرابع، و هو مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم. و الوجه في ذلك تعليله بقوله: «لأنّا إذا فرضنا ..».

و حاصله: أن القرب حسب الفرض يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله، كما هو مقتضى الاحتمال الرابع من محتملات القرب، فيجوز تبديل الدراهم بالدينار، إذ المفروض كون «الأحسن» جعل المال العروض نقدا، من غير فرق بين فرديه و هما الدينار

ص: 256

مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع (1)، فيجوز (2) التصرّف المذكور (3)، إذ (4) بعد كون «الأحسن» هو جعل مال اليتيم نقدا، فكما أنّه مخيّر في الابتداء (5) بين جعله دراهم أو دينارا، لأنّ (6) القدر المشترك (7) أحسن من غيره، و أحد الفردين فيه (8) لا مزيّة لأحدهما (9) على الآخر، فيخيّر، فكذلك (10 بعد جعله دراهم إذا كان كلّ من

______________________________

و الدرهم. و لذا كان الولي من أوّل الأمر مخيّرا بين بيع مال اليتيم بالدرهم أو الدينار.

و هذا التخيير باق بعد التبديل بالدرهم، فيجوز حينئذ بيع الدراهم بالدينار، لعدم تفاوت في تبديل مال اليتيم بين الدراهم و الدينار.

(1) و هو كل أمر اختياري متعلّق بمال اليتيم، سواء أ كان فعلا أم تركا، و هو إبقاء المال على حاله من دون تعلق فعل اختياري منه بالمال، فالتبديل بالدينار إبقاء مال اليتيم- و هو النقد المشترك بين الدراهم و الدينار- بحاله.

(2) جواب الشرط في «إذا فرضنا».

(3) و هو تبديل الدراهم بالدينار.

(4) تعليل لجواز التصرف المذكور، و قد اتّضح بقولنا: إذ المفروض كون الأحسن .. إلخ.

(5) و هو بيع المال العروض بالدراهم.

(6) تعليل لقوله: «فكما أنّه مخيّر في الابتداء».

(7) المراد به النقد الجامع بين الدرهم و الدينار، فإنّ هذا القدر المشترك أحسن من غيره، أي من غير القدر المشترك أعني به بيع العروض بمثله لا بالنقد.

(8) أي: في القدر المشترك، و هو عنوان النقد، فإنّه لا مزيّة لأحد فرديه- و هما الدرهم و الدينار- على الآخر.

(9) كذا في النسخ، و الأولى تبديله ب «له».

(10) هذا معادل قوله: «فكما أنّه مخير» يعني: فكما أنّ الوليّ مخيّر في الابتداء، فكذلك بعد جعل المال العروض دراهم، إذا كان كلّ من إبقاء الدراهم و إبدالها بالدينار مصداقا للقرب بمعناه الرابع المتقدّم.

ص: 257

إبقاء الدراهم على حالها و جعلها دينارا قربا (1)، و القدر (2) المشترك أحسن من غيره، فأحد (3) [و أحد] الفردين لا مزيّة فيه على الآخر، فهو مخيّر بينهما (4).

و الحاصل (5) أنّه كلّما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء، لكون القدر المشترك (6) بينهما أحسن، و عدم (7) مزيّة لأحد الفردين، تحقّق (8) التخيير لأجل ذلك

______________________________

(1) أي: قربا بالمعنى الرابع، و هو تعلق كل أمر اختياري بمال اليتيم و إن كان تركا كإبقاء مال اليتيم بحاله.

(2) معطوف على «كل» يعني: و كان القدر المشترك بين الدراهم و الدينار أحسن من غيره.

(3) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ «و أحد» و هو أولى، لكونه تتمة لأحسنيّة القدر المشترك، لا نتيجة له، و إنّما نتيجته قوله: «فهو مخيّر».

(4) أي: بين الفردين من طبيعة النقد، و هما الدراهم و الدينار.

(5) هذا خلاصة ما تقدم من استظهار الاحتمال الثالث أو الرابع في القرب، و استظهار التفضيل المطلق في «الأحسن».

يعني: و حاصل الكلام في مثل بيع الدراهم بالدينار هو: أن أحسنية الجامع بين الفردين مع تساويهما- و عدم مزية لأحد فرديه على الآخر- كما توجب التخيير ابتداء بين الفردين، كذلك توجبه استدامة.

فعلى هذا يجوز بيع الدراهم- التي كانت ثمنا لبيع المال العروض- بالدينار، لكون الدينار فردا لطبيعة النقد التي كانت أحسن في بيع العروض بالدراهم. فأحسنية الجامع توجب استمرار التخيير و بقاءه. حتى بعد بيع العروض بالدراهم.

(6) و هو جامع النقد المشترك بين الدراهم و الدينار الذي كان بيع المال العروض به أحسن من بيعه بغير النقد.

(7) معطوف على «لكون» يعني: لأحسنية القدر المشترك، و لعدم مزية أحد فردي الجامع حتى يمنع ذلك عن التخيير.

(8) جواب «كلما» يعني: تحقّق التخيير لأجل عدم المزية لأحد الفردين استدامة.

ص: 258

استدامة (1)، فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله (2) إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم، و إن كان فيه (3) نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن (4) الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث، و إن (5) كان الذي يقتضيه التدبّر [1] في غرض الشارع و مقصوده

______________________________

(1) أي: من حيث الاستدامة، فهو تمييز ل «التخيير».

(2) أي: بعد فعل أحدهما. و الأولى أن يقال: بعد البيع به إلى الآخر إذا كان العدول من أحد الفردين كالدراهم إلى الفرد الآخر كالدينار مساويا لبقاء مال اليتيم، بمعنى عدم تفاوت حال اليتيم بين تبديل ماله بالدراهم أو الدينار.

(3) يعني: و إن كان في العدول عن أحد الفردين نفع يعود إلى المتصرف، و هو المشتري للدراهم. كما إذا كان اشتراء متاع بالدراهم ذا ربح كثير.

(4) استدراك على قوله: «و كذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع» و حاصله: أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث الذي يقتضيه مناسبة الحكم للموضوع.

و عليه فالظاهر من احتمالات القرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف العرفي.

(5) وصليّة، و قوله: «الذي» اسم «كان» و خبره جملة: «أن لا يختاروا» و غرضه:

أنّ المعنى الرابع للقرب و إن كان مرجوحا في نظر العرف، لكنّه قريب بالنظر إلى غرض الشارع و مقصوده في التصرف في مال اليتيم، فغرض الشارع أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم شيئا من الفعل و الترك إلّا ما كان أحسن من غيره.

فيستفاد من قول المصنف قدّس سرّه «و ان كان الذي يقتضيه التدبر .. إلخ» ميلة إلى المعنى الرابع من معاني القرب، لموافقته لغرض الشارع بعد أن جعله مرجوحا في نظر العرف.

______________________________

[1] لكن مجرد هذا التدبر لا يوجب المصير إلى المعنى الرابع ما لم يكن اللفظ ظاهرا فيه عرفا، إلّا إذا قام دليل على ذلك، و لو كان ذلك قرينة عقلية حافّة بالكلام.

ص: 259

من مثل هذا الكلام (1) أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلّا ما كان أحسن من غيره.

نعم (2)، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي، قال (3) لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا لندخل (4) على أخ لنا في بيت أيتام، و معه خادم لهم، فنقعد على بساطهم و نشرب من مائهم، و يخدمنا خادمهم (5)، و ربما طعمنا فيه (6) الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما ترى في ذلك؟ قال عليه السّلام (7): إن كان في دخولكم عليهم (8) منفعة لهم فلا بأس، و إن كان فيه

______________________________

(1) و هو قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فعلى هذا يكون غرض الشارع و مقصوده المعنى الرابع للقرب.

(2) استدراك على ما مال إليه من اعتبار المصلحة- و هي التفضيل المطلق- في مال اليتيم، و عدول عنه، و اختيار للمعنى الثاني من معاني القرب، و هو اعتبار عدم المفسدة.

و الوجه في هذا الاستدراك هو ما يظهر من بعض الروايات كحسنة الكاهلي و رواية ابن المغيرة من كون مناط حرمة التصرف في مال اليتيم هو الضرر، فجواز التصرف منوط بعدم المفسدة لا وجود المصلحة.

(3) كذا في نسختنا، و لكن في الوسائل: «قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام».

(4) كذا في نسختنا، و في الوسائل: «ندخل».

(5) هذا الضمير و ضمائر «لهم، بساطهم، مائهم» راجعة إلى «أيتام».

(6) أي: في بيت الأيتام، و ضمير «و فيه» راجع الى الطعام، يعني: و في طعام صاحبنا شي ء من طعام الأيتام.

(7) كذا في النسخة، و في الوسائل: «فقال».

(8) أي: إن كان في دخولكم على الأيتام منفعة لهم فلا بأس، و إن كان في دخولكم على الأيتام ضرر عليهم ففيه بأس.

ص: 260

ضرر فلا» الحديث (1) «1».

بناء (2) على أنّ المراد من منفعة الدخول

______________________________

(1) و تتمة الحديث: «و قال عليه السّلام: بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، فأنتم لا يخفى عليكم، و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

(2) غرضه أنّ الاستدلال بهذه الحسنة على كون مناط حرمة التصرف هو الضرر أي المفسدة- دون أن يكون مناط الجواز وجود النفع- مبنيّ على أن يراد من منفعة الدخول على الأيتام ما يساوي عوض ما يتصرفونه من مال اليتيم، إذ لو أريد بها ما هو أزيد ممّا يساويه لكان دليلا على اعتبار المصلحة، لا على كفاية عدم المفسدة كما هو المقصود. فيراد بالذيل «و إن كان فيه ضرر فلا» عم مساواة المال الذي يبذله المتصرفون للمال الذي تصرفوه من الأيتام.

فالمراد بالصدر المساواة لمال الأيتام، و بالذليل عدم المساواة له. فلا تنافي بين الصدر و الذيل، إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر، و عدم كفاية عدم الضرر، و إرادة الضرر من الذيل، و إناطة حرمة التصرف بالضرر، فيتعارض الصدر و الذّيل في تصرّف لا يضرّ و لا ينفع، إذ مقتضى حرمة التصرف عدم جوازه، لعدم المنفعة، و مقتضى الذيل جوازه، لعدم الضرر، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على هذا المورد.

و بعبارة أخرى: انّ جوابه عليه السّلام مؤلف من جملتين شرطيتين:

إحداهما: قوله عليه السّلام: «ان كان في دخولكم منفعة لهم فلا بأس» و هي ظاهرة في إناطة جواز الأكل من مال اليتيم بوصول نفع إليه. و مفهومها وجود البأس عند عدم عود النفع و الزيادة في المال، سواء أ كان العائد إلى اليتيم مساويا لما أكله القيّم أم أقل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12 ژ 7 ص 184، الباب 71 من أبواب ما يكتسب به، ح 1 رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، قال: «قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام .. إلخ» و لا ريب في صحة السند إلى عبد اللّه. و التعبير بالحسنة لأجل كونه إماميا ممدوحا بما لم يبلغ حدّ الوثاقة، كقول النجاشي: «كان عبد اللّه وجها عند أبي الحسن موسى عليه السّلام، و وصّى به علي بن يقطين .. إلخ» مضافا إلى رواية بعض أصحاب الإجماع عنه، فلاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 10، ص 379

ص: 261

..........

______________________________

و ثانيتهما: قوله عليه السّلام: «و إن كان فيه ضرر فلا» و هذه الشرطية ظاهرة في وجود البأس و المنع عن الأكل الموجب للنقص في مال اليتيم، و مفهومها جواز الأكل غير المضرّ بحاله، سواء أ كان ما يعود إلى اليتيم من البدل مساويا لذلك الطعام أم أزيد.

ثم إن في قوله عليه السّلام في الصدر- و هو أولى الشرطيتين- «ان كان في دخولكم عليهم منفعة» احتمالين:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المنفعة الواردة ما يقابل النقص و الضرر، سواء أ كان هناك زيادة أم لا، فكأنّه عليه السّلام قال: «إن كان ما تبذلونه لليتيم بدل الطعام و خدمة خادمهم لا يقلّ ماليّته عمّا طعمتوه فلا بأس» و على هذا يكون مفهوم الجملة الشرطية:

وجود البأس في مورد واحد، و هو كون البدل الواصل الى اليتامى أقلّ ممّا صرفه القيّم من طعامهم. و هذا المفهوم مطابق لمنطوق الشرطية الثانية الحاكمة بالبأس في مورد تضرّر اليتيم.

و بناء على هذا الاحتمال يتّجه ما أراده المصنف قدّس سرّه من أن حسنة الكابلي تدل على كفاية عدم الإفساد في مال اليتيم في جواز التصرف، و توجب ترجيح الاحتمال الرابع في الحسن، و هو ما لا حرج و لا قبح فيه.

الاحتمال الثاني: أن يكون «النفع» بمعنى خصوص الزيادة، لا المساوي، فمعنى المنطوق: جواز الأكل من مال اليتيم بشرط أن يعود منفعة إليه، بأن يكون البدل أزيد ممّا استفادة القيّم من الطعام و الخدمة.

و عليه يدلّ المفهوم على حرمة التصرف في صورتين:

إحداهما: كون المبذول مساويا لما انتفع به القيّم.

و ثانيتهما: كونه أقلّ منه. و هذه الصورة الثانية موافقة لمنطوق الشرطيّة الثانية.

و لكن الصورة الأولى مخالفة له، فيقع التعارض بين إطلاق مفهوم الشرطية الأولى المانع عن التصرّف لو لم ينتفع به اليتيم حتى في صورة المساواة. و بين مفهوم الشرطية الثانية الظاهر في جواز التصرّف غير المضرّ و إن لم ينتفع به.

و هذا الاحتمال الثاني يوجب إجمال الرواية- لو لم يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر- و يتعيّن الرجوع إلى دليل آخر كإطلاق «الأحسن» في الآية المباركة.

ص: 262

ما يوازي (1) عوض ما يتصرّفون من مال اليتيم عند دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل (2) أن لا يصل (3) إلى الأيتام ما يوازي ذلك، فلا تنافي (4) بين الصدر و الذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (5) من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز بالنفع، و الذيل (6) دالّ على إناطة الحرمة بالضرر، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع و لا مضرّ.

و هذا (7) منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول (8) النفع الملحوظ بعد وصول

______________________________

(1) أي: يساوي عوض ما صرفوه من طعام الأيتام في المالية. فإن كانت منفعة دخولهم على الأيتام مساوية لمالية ما انتفعوا به من طعام الأيتام جاز الدخول معهم، و إلّا فلا يجوز الدخول معهم.

(2) و هو «و إن كان فيه ضرر فلا».

(3) خبر «فيكون» و قوله «ما يوازي» فاعل «لا يصل».

(4) قد تقدّم تقريب المنافاة بقولنا: «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة».

(5) و هو- كما في حاشية العلامة السيد الاشكوري قدّس سرّه- صاحب الجواهر «1».

(6) معطوف على «الصدر».

(7) أي: التنافي بين الصدر و الذيل بمن بعض المعاصرين مبنيّ على أن يراد بالمنفعة:

الزائد على المال المساوي لمالية الطعام الذي تصرف فيه الداخلون على الأيتام. فمدلول الرواية حينئذ إناطة جواز التصرف في مال اليتيم بالمصلحة أي المنفعة، و هي ما زاد على مالية مال اليتيم. فإذا كانت مالية الطعام الذي تصرّف فيه الداخلون على اليتيم درهما مثلا، و بذل المتصرف فيه درهما و نصفا جاز ذلك. و إن لم يكن كذلك، بأن كان مساويا لماليته- فضلا عن نقصان ماليته عنه- لم يجز ذلك.

(8) أي: منفعة الدخول على الأيتام هو النفع الملحوظ زائدا على ما يوازي مال

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 130، لكن لم أظفر به في الجواهر في مظان التعرض له، كالزكاة و البيع و القرض و الرهن و الوصية و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 263

ما بإزاء مال اليتيم إليه (1)، بمعنى (2) أن تكون المنفعة في معاوضة ما (3) يتصرّف من مال اليتيم بما (4) يتوصّل [1] إليهم من ماله، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه، و هكذا (5).

______________________________

اليتيم، كالنفع الملحوظ في المعاملات، فإنّ المراد به ما يزيد على رأس المال.

(1) متعلق ب «وصول» و ضميره راجع إلى اليتيم.

(2) هذا مفسّر لقوله: «ان المراد بمنفعة الدخول .. إلخ» و محصله: كون المعاملة الواقعة بين ما يتصرّفون فيه من مال اليتيم- و بين المال الذي يبذله المتصرفون عوضا عنه- معاملات ذات منفعة، كالمثال المتقدم آنفا، و هو الدرهم و الدرهم و نصفه.

(3) أي: مال اليتيم كالماء في مثال المتن، فإنه يتصرف فيه بالشرب، و حاصله: أن تكون المعاوضة بين ما يتصرّفونه من مال اليتيم- و بين المال الذي يبذله المتصرفون بإزائه- معاملة نافعة كسائر المعاملات الرابحة.

(4) متعلق ب «معاوضة» فكأنّه قيل بمعاوضة الماء بالفلس، يعني: مع فرض أكثرية مالية الفلس من مالية الماء.

(5) يعني: و هكذا بقية أموال اليتيم من المأكول و المشروب و الملبوس و غيرها.

______________________________

[1] لا تخلو العبارة من سوء التأدية، فإنّ المقصود منها هو لحاظ المنفعة في المعاوضة بين الماء الذي هو مال اليتيم و بين الفلس الذي هو مال الشارب. فحقّ العبارة أن تكون هكذا: في معاوضة ما يتصرّف من مال اليتيم كالماء بالفلس الذي يصل إلى اليتيم من مال المتصرف و هو الشارب في المثال.

و بالجملة: فلا بدّ أن تكون هذه المعاوضة ذات منفعة أي زائدة على رأس المال، لا مساوية له.

ص: 264

و أنت خبير (1) بأنّه لا ظهور (2) للرواية [1] حتّى يحصل التنافي.

و في رواية (3) ابن المغيرة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي ابنة أخ يتيمة، فربّما اهدي لها الشي ء فآكل منه، ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي، فأقول: يا ربّ هذا

______________________________

(1) غرضه دفع التعارض الذي زعمه بعض معاصري المصنف بين صدر الرواية و ذيلها، و قد تقدم تقريب التعارض في (ص 261) بقولنا: «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر .. إلخ».

(2) هذا دفع التعارض، و حاصله: أنّه لا ظهور في قوله عليه السّلام: «إن كان في دخولكم عليهم منفعة» في اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم.

و لعلّ وجه منع الظهور هو التصريح بأحد فردي مفهوم الشرطية- أعني قوله عليه السّلام: «و ان كان فيه ضرر فلا» إذ لو أريد بالمنفعة المصلحة كان لمفهوم الشرطية فردان:

أحدهما: كون التصرف في مال اليتيم ضررا أي نقصا في ماله.

و الآخر: عدم كون التصرف نافعا و لا ضارّا، كما إذا بيع برأس المال، فلا ربح و لا خسران.

و التصريح بالفرد الأوّل قرينة على إرادة عدم الضرر من المنفعة. فلا تهافت بين الصدر و الذيل. هذا كلّه ما يتعلق بدلالة حسنة الكاهلي على كفاية عدم المفسدة. و ستأتي الرواية الثانية.

(3) معطوف على قوله: «ففي حسنة الكاهلي».

______________________________

[1] منع الظهور خلاف الإنصاف، فإنّ الاستعمالات المتعارفة تشهد بذلك، إذ لا يقال: «إنّ معاملاتنا في هذه السنة كانت رابحة أو نافعة» إلّا إذا وقعت زائدة على رأس المال، فلا بدّ في رفع اليد عن هذا الظهور من قرينة على عدم حجيته، لا رفع اليد عن أصله، مع انفصال القرينة.

و يمكن أن يدّعى كون غلبة النفع و الضرر في المعاملات، و ندرة المعاملات الواقعة على رؤوس الأموال من غير زيادة و نقصان موجبة لعدم انعقاد الإطلاق في القضية الشرطية،

ص: 265

بهذا (1)، قال عليه السّلام: لا بأس» «1».

فإنّ (2) ترك الاستفصال عن مساواة العوض و زيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة [1].

______________________________

(1) كذا في النسخة، و في الوسائل: «بذا».

(2) هذا تقريب الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار المصلحة، و كفاية عدم المفسدة في التصرف في مال اليتيم، و حاصله: أنّ ترك الاستفصال من مساواة عوض ما أكله- ممّا أهدي إلى اليتيمة- و زيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة، و هو عدم المفسدة الذي أراده المصنف قدّس سرّه من رواية أبي المغيرة.

______________________________

حتى يشمل المعاملات التي لا تضرّ و لا تنفع كي يقع التعارض فيها بين الصدر و الذّيل.

فاستظهار معاصر الشيخ من إرادة ظاهر المنفعة صحيح بدون لزوم التعارض المزبور، لأنّ الغلبة تمنع من إرادة الإطلاق الناشئ من التعارض. فالرواية متكفلة لحكم قسمين من المعاملة، و هما: المعاملة الرابحة، و المعاملة الخاسرة، و أنّ الجائز هو الرابحة، و الباطل هو الخاسرة.

[1] بل يدلّ على عدم اعتبار المساواة أيضا، لشمول الإطلاق الناشئ عن ترك الاستفصال لجميع الصور، من المساواة و الزيادة و النقيصة.

إلّا أن يقال: إنّ ظهور «المعاوضة» المستفادة من قول السائل: «يا ربّ هذا بهذا» في صورة تساوي المالين، أو أكثرية العوض من المعوّض في المالية يمنع شمول الإطلاق لصورة النقصان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 184، الباب 71، من أبواب ما يكتسب به، ح 2، رواه ثقة الإسلام عن محمد ابن يحيى عن محمد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم الأزدي، عن علي بن المغيرة، و التعبير بالرواية لضعفها من جهة ذبيان، لعدم التوثيق و إن روى الثقات عنه.

ص: 266

إلّا (1) أن يحمل [1] على الغالب من (2) كون التصرّف في الطعام المهدي إليها و إعطاء (3) العوض بعد ذلك أصلح (4)، إذ (5) الظاهر أنّ الطعام المهدي إليه (6) [إليها] هو المطبوخ و شبهه.

[هل يجب مراعاة الأصلح أم لا؟]

و هل يجب (7) مراعاة الأصلح أم لا؟ وجهان. قال الشهيد رحمه اللّه في القواعد:

______________________________

(1) استدراك على قوله: «يدل» و حاصله: المنع عن دلالة ترك الاستفصال على عدم اعتبار الزيادة. و وجه المنع هو كون الغلبة مانعة عن الإطلاق الشامل لعدم الزيادة، و ذلك لأنّ الغالب كون العوض عن الطعام المطبوخ المهدي إلى اليتيمة أصلح و أزيد ممّا أكله. و هذه الغلبة تمنع الإطلاق الشامل لعدم الزيادة، فترك الاستفصال لا يدلّ على عدم اعتبار الزيادة.

(2) بيان للغالب، و ضمير «إليها» راجع إلى اليتيمة.

(3) معطوف على «التصرف» و المشار إليه في «ذلك» هو التصرف.

(4) خبر «كون التصرف».

(5) تعليل للأصلحية، فإنّ تعويض الطعام و شبهه من الفواكه أحسن، لكونه في معرض الفساد.

(6) كذا في نسختنا، و الصواب كما في بعض النسخ المصححة «إليها» لرجوع الضمير إلى اليتيمة.

(7) هذا إغماض عن أمرين: أحدهما: ما استظهره من حسنة الكاهلي من كون المدار في حرمة التصرف هو الضرر، و في جوازه عدم الضرر.

ثانيهما: ما استظهره أوّلا بقوله: «و من احتمالات الأحسن الاحتمال الثاني» و هو التفضيل المطلق المتقدم في (ص 255)، فبناء على اعتبار مصلحة المولّى عليه يتّجه الاستشهاد بذيل كلام الشهيد من وجوب مراعاة الأصلح و عدمه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الرواية- بناء على هذا الحمل- تكون على خلاف المطلوب أدلّ، لأنّ مورد الرواية حينئذ هو أصلحية التصرف، و عدم كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف في مال اليتيم. و هو خلاف المقصود.

ص: 267

هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه، أو يكفي نفي المفسدة؟

يحتمل الأوّل (1) لأنّه [1] منصوب لها، و لأصالة (2) بقاء الملك على حاله، و لأنّ (3) النقل و الانتقال لا بدّ لهما من غاية، و العدميّات (4) لا تكاد [2] تقع غاية.

و على هذا (5) هل يتحرّى الأصلح (6) أم يكتفي بمطلق المصلحة؟

______________________________

(1) و هو مراعاة المصلحة، لوجوه:

أحدها: أنّ الولي منصوب لمراعاة مصلحة المولّى عليه. فإنّ المتيقن من ولايته المجعولة من قبل الشارع هو صورة كون تصرفه في مال المولّى عليه مصلحة له.

(2) ثانيها: أنّ مقتضى الأصل العملي- و هو أصالة الفساد الجارية في العقود- هو بقاء ملك كلّ من العوضين على ملك مالكه في صورة عدم المصلحة، و أنّ ملك المولّى عليه لم ينتقل عنه.

(3) ثالثها: أنّ عدم المفسدة من الأعدام غير القابلة لأن تكون غاية للشي ء، فلا يصلح أن يكون عدم المفسدة غاية لبيع مال اليتيم، بل لا بدّ أن تكون الغاية أمرا وجوديّا.

(4) التي منها عدم المفسدة، فلا تقع غاية لشي ء من بيع و غيره.

(5) أي: و بناء على اعتبار وجود المصلحة في التصرف في مال اليتيم هل تعتبر المرتبة العالية من المصلحة أم مرتبة ما منها؟

و بعبارة أخرى: هل تعتبر المصلحة المطلقة، أم مطلق المصلحة؟

(6) و هو المصلحة المطلقة، و هذا مورد الاستشهاد بكلام الشهيد قدّس سرّه لقوله:

______________________________

[1] فيه ما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه من أنّه أوّل الدعوى، و أنّ المسلّم كونه منصوبا لدفع المفسدة و حفظ ماله عن التلف «1».

[2] هذا في الأعدام المطلقة. و أمّا الأعدام المضافة- كعدم الخسارة في بيع مال

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 193 (الطبعة الحجريّة).

ص: 268

فيه (1) وجهان. نعم، لمثل (2) ما قلنا، لا (3) لأنّ (4) ذلك لا يتناهى [1].

و على كلّ تقدير (5) لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة، لم يجز العدول عن الأصلح.

______________________________

«و هل يجب مراعاة الأصلح؟».

(1) أي: في وجوب تحرّي الأصلح وجهان: أحدهما الوجوب، و الآخر عدمه.

(2) هذا وجه وجوب تحرّي الأصلح المدلول عليه بقوله: «نعم» و محصل هذا الوجه- المشار إليه بقوله: «لمثل ما قلنا»- هو ما ذكره من الوجوه الثلاثة لاعتبار أصل المصلحة بقوله: «لأنه منصوب لها، و لأصالة بقاء الملك .. إلخ».

(3) هذا معادل قوله: «نعم» فكأنه قيل: «فيه وجهان، أحدهما: نعم يعني: يجب التحرّي- و الآخر: لا، يعني: لا يجب التحرّي للأصلح».

(4) تعليل لقوله، «لا» و محصله: أنّ الأصلح من الكلّيات المشكّكة التي لا تتناهى أفرادها، إذ الأصلح في هذا المكان شي ء، و في غيره شي ء آخر. و في هذه المملكة شي ء، و في غيرها شي ء آخر، و هكذا. فإنّ الأصلح يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، فأفراد الأصلح غير متناهية عرفا.

(5) أي: سواء قلنا باعتبار الأصلحية أم بكفاية أصل المصلحة يترتب عليه: أنّه لو ظهر الأصلح و المصلحة- كما إذا فرض أنّ مال المولّى عليه يباع بدينارين في مكان، و بدينار في موضع آخر قريب منه- لم يجز العدول عن الأوّل إلى الثاني، لكونه إفسادا لمال المولّى عليه، أو لكون المعاملة سفهيّة.

______________________________

يكون معرضا لتنزّل السعر- فتقع غاية، فإنّ هذا العدم يكون غرضا و داعيا عقلائيا للبيع حتى لا يرد على المالك خسارة.

[1] مجرّد عدم التناهي العرفي- ما لم يصل إلى حدّ العسر و الحرج- لا يسقط وجوب التحرّي شرعا. فلعلّ التعليل بالعسر أولى من التعليل بعدم التناهي. و لا يبعد أن يكون هذا الذي ذكرناه مراده قدّس سرّه.

ص: 269

و يترتّب على ذلك (1) أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة (2)، و تزويج (3) المجنون حيث لا مفسدة، و غير ذلك» انتهى «1».

و الظاهر (4) أنّ فعل الأصلح- في مقابل ترك التصرّف رأسا- غير لازم، لعدم الدليل عليه (5). فلو (6) كان مال اليتيم

______________________________

(1) أي: على نزاع كفاية عدم المفسدة أو اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، فعلى القول بكفاية عدم المفسدة يجوز للولي الأخذ بالشفعة فيما إذا باع شريك اليتيم في الدار مثلا نصيبه منها على أجنبي.

و على القول باعتبار وجود المصلحة فيه لا يجوز للولي الأخذ بالشفعة إن لم يكن مصلحة له في الأخذ بالشفعة.

(2) لصدق «عدم المفسدة» فيما لم يكن فيه صلاح و فساد.

(3) معطوف على «أخذ» يعني: و يترتب على النزاع المذكور أيضا جواز تزويج الولي المجنون إن لم يكن فيه مفسدة، بناء على كفاية عدم المفسدة. و عدم الجواز إن لم يكن فيه مصلحة بناء على اعتبار المصلحة فيه.

(4) غرض المصنف قدّس سرّه أنّ المراد بالأصلح- بناء على وجوبه- هو فعله، في مقابل التصرفات الوجودية كالبيع و الإجارة و غيرهما. و أما فعله في مقابل ترك التصرف فيه رأسا- بأن يبقى مال اليتيم عنده، و لا يتصرف فيه- فغير لازم، لعدم الدليل على فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف فيه رأسا.

نعم يتجه ذلك بناء على المعنى الرابع للقرب، و هو عدم كل أمر اختياري- من فعل أو ترك- إلّا أن يكون أحسن من غيره.

(5) أي: على فعل الأصلح، في مقابل ترك التصرّف.

(6) هذا متفرع على عدم لزوم فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا، و حاصله: أنّه لو كان مال اليتيم موضوعا عند الولي، و كان الاتّجار به أصلح من ترك

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 352، القاعدة: 133

ص: 270

موضوعا عنده (1)، و كان الاتّجار به أصلح منه، لا يجب (2) [لم يجب] إلّا إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية، بأن (3) يراد: لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلّا أن يكون (4) أحسن من غيره.

و قد عرفت (5) الإشكال في استفادة هذا المعنى، بل (6) الظاهر التصرّفات الوجوديّة، فهي (7) المنهيّ عن جميعها، لا ما (8) كان أحسن من غيره (9) و من الترك،

______________________________

التصرف، لم يجب الاتّجار به إلّا بناء على القول بالمعنى الرابع من معاني القرب في آية وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و المراد بالمعنى الرابع هو الذي تقدم في (ص 251).

(1) أي: عند الولي، و ضمير «به» راجع الى مال اليتيم.

(2) جواب «فلو كان» و ضمير «منه» راجع إلى ترك التصرف.

(3) هذا بيان المعنى الرابع للقرب، و قد تقدم توضيحه.

(4) يعني: إلّا أن يكون ذلك الأمر المختار أحسن من غيره.

و الحاصل: أنّه بناء على رابع معاني القرب يجب الاتّجار به، و لا يجوز ترك التصرف.

(5) يعني: و لكن قد عرفت الإشكال- في (ص 259) بقوله: «لكن الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح .. إلخ»- في استفادة هذا المعنى الرابع للقرب.

لكنّه أيّده بقوله: «و إن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام .. إلخ».

(6) يعني: بل الظاهر من المعاني الأربعة المتقدمة للقرب هو المعنى الثالث أعني التصرفات الوجودية، لا ما هو أعمّ منها و من الترك.

(7) يعني: فالتصرفات الوجودية هي المنهيّ عنها، لا كلّ أمر اختياريّ من فعل أو ترك.

(8) معطوف على التصرّفات الوجوديّة.

(9) أي: من الأمر الوجودي و الترك، بل الظاهر هو خصوص الأمور الوجودية.

ص: 271

فلا (1) يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك.

نعم (2) ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة.

و أمّا (3) إذا كان في الترك مفسدة، و دار الأمر بين أفعال- بعضها (4) أصلح من بعض- فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه، بل ربما يعدّ العدول (5) في بعض المقامات إفسادا، كما إذا اشتري في موضع بعشرة، و في موضع آخر قريب منه بعشرين، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفسادا للمال، [و] لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ليست فيه ملكة إصلاح المال.

______________________________

(1) يعني: فلا يشمل ثالث معاني القرب- في قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و هي التصرفات الوجودية- ما إذا كان هناك فعل أحسن من الترك. فإذا كان بيع مال اليتيم أحسن من تركه، لم يجب حينئذ العدول، عن الترك إلى الفعل.

(2) إشارة إلى دفع ما يتوهم في المقام، و هو: أنّه إذا لم يشمل القرب الترك، و اختصّ بالتصرفات الوجودية، فلازم ذلك جواز الترك و إبقاء مال اليتيم بحاله، و لو كان في الترك مفسدة.

و حاصل دفع هذا التوهم: أنّ هذا الترك حرام بدليل آخر غير الآية الشريفة، فإنّ جواز الترك الموجب للفساد ينافي تشريع الولاية، إذ الغرض من تشريعها حفظ مال اليتيم و دفع المفسدة عنه.

(3) غرضه أنّه إذا دارت الأصلحية بين التصرفات الوجودية مع كون الترك مفسدة فظاهر الآية- بناء على كون القرب في الآية المباركة بمعناه الثاني، و هو التجنب و عدم القرب منه إلّا إذا كان القرب أحسن- عدم جواز العدول عنه.

(4) الجملة مجرورة محلّا صفة ل «أفعال» و قوله: «فظاهر» جواب «و أمّا».

(5) أي: يعدّ العدول عن بعض الأفعال في بعض المقامات إفسادا كمثال المتن، و هو ما إذا اشتري مال اليتيم في موضع بعشرة دراهم، و في موضع آخر قريب منه بعشرين

ص: 272

و هذا (1) هو الذي أراده الشهيد بقوله: «و لو ظهر في الحال .. إلخ».

نعم (2) قد لا يعدّ العدول من (3) السفاهة، كما لو كان بيعه مصلحة (4)، و كان بيعه في بلد آخر أصلح مع إعطاء الأجرة منه (5) أن ينقله إليه، و العلم (6) بعدم الخسارة، فإنّه قد لا يعدّ ذلك (7) سفاهة.

______________________________

درهما، فإنّ بيعه بعشرة يعدّ إفسادا لمال اليتيم. و لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها، كما يعدّ البيع سفهيّا. و هذا خلاف الغرض من تشريع الولاية على اليتيم.

(1) أي: عدّ العدول عن الأصلح إلى المصلحة في بعض المقامات إفسادا لمال اليتيم هو المقصود من كلام الشهيد قدّس سرّه في (ص 269) بقوله: «و على كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الأصلح».

(2) يعني: قد لا يعدّ العدول عن الأصلح من السفاهة حتى لا يجوز العدول، كما إذا كان بيع مال اليتيم في بلده مصلحة كبيعه فيه بدينارين، و في بلد آخر- إذا نقل المتاع إليه بأجرة من مال اليتيم- بأربعة دنانير. فإن كانت الأجرة دينارا، و وضعت عن أربعة دنانير، زاد دينار واحد على دينارين، فأصلحية بيعه في غير بلد اليتيم من بيعه في بلده تكون بدينار. و لا يعدّ هذا العدول من السفاهة.

(3) متعلّق ب «يعدّ» لا ب «العدول».

(4) أي: مصلحة في بلد اليتيم، و كان بيعه في بلد آخر غير بلد اليتيم أصلح.

(5) أي: مع إعطاء الأجرة من مال اليتيم إن كان في نقله اجرة، مع العلم بعدم الخسارة بسبب النقل كالمثال المزبور.

(6) معطوف على «إعطاء» يعني: مع إعطاء الأجرة، و مع العلم بعدم الخسارة.

(7) أي: لا يعدّ بيع مال اليتيم في البلد الأوّل سفاهة.

و بعبارة أخرى: ليس العدول- عن البلد الآخر- إلى بيعه في البلد الأوّل سفاهة.

ص: 273

لكن ظاهر الآية وجوبه (1) [1].

______________________________

(1) أي: وجوب البيع في البلد الآخر، و ذلك لعدم كفاية مجرّد عدم السفاهة في صحة البيع في هذا المقام، إذ المدار على كونه أصلح من غيره، فالأصلحية معتبرة في بيع مال اليتيم.

______________________________

[1] ينبغي التكلم في جهات:

الأولى: في بيان الموضوع، و هو عدول المؤمنين.

الثانية: في دليل الحكم أعني به الولاية التي هي حكم مجعول شرعي وضعي.

الثالثة: في اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين، و عدمه.

الرابعة: في متعلق الولاية.

الخامسة: في اعتبار المصلحة فيما يتصدّاه المؤمن و عدمه.

السادسة: في حكم تزاحم الولايتين.

أمّا الجهة الأولى: فنخبة الكلام فيها: أنّه قال في مجمع البحرين: «و الايمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل، و منه قوله تعالى وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا، و شرعا على الأظهر هو التصديق باللّه بأن يصدّق بوجوده و بصفاته و برسله، بأن يصدّق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن اللّه و بكتبه» إلى ان قال: «و في الحديث: و قد سئل عليه السّلام عن أدنى ما يكون العبد مؤمنا؟ فقال: يشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و يقرّ بالطاعة، و يعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن» الى ان قال: «قال المحقق الشيخ علي رحمه اللّه: المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الإمامية و إن لم يكن عنده دليل» «1».

و حيث إنّ الولاية حكم شرعي، فلا بدّ من إثباتها بالدليل، و مع الشك يجري أصل البراءة.

و عليه فإذا شكّ في ولاية غير الإمامي الاثني عشري- سواء أ كان من المخالفين أم من

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 6، ص 204- 206

ص: 274

..........

______________________________

فرق الشيعة- جرت فيه أصالة عدم الولاية.

و بالجملة: فموضوع هذه الولاية هو المؤمن الاثني عشري.

و أمّا الجهة الثانية فهي: أنّهم استدلوا على ولاية عدول المؤمنين بوجوه:

أحدها: قوله تعالى «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ».

ثانيها: قول مولانا الصادق عليه السّلام: «و اللّه في عون المؤمن» المذكور في المتن، و في التوضيح.

ثالثها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كل معروف صدقة».

و لا يرد على الاستدلال بها: أنّها في مقام الترغيب في فعل المعروف، و التعاون على البرّ و التقوى، من دون بيان المصداق. فالتمسك بها فيما إذا شك في كونه معروفا و صدقة غير صحيح عند الأصوليين، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، هذا.

وجه عدم الورود: أنّ ألفاظ العون و الصدقة و البرّ و التقوى ليس لها حقائق شرعية، و المراد بها هي معانيها العرفية الواضحة، من دون أن يكون فيها إجمال، فلا شبهة في مفاهيمها حتى يتصوّر فيها شبهة كي يكون التمسك بتلك الأدلة تشبّثا بها في الشبهة الموضوعية.

نعم هنا شبهة اخرى و هي: أنّ مقتضى هذه الأدلة مساواة المكلفين من الفقهاء و عدول المؤمنين في مباشرة أمور القاصرين، و عرضيّة ولاية المؤمنين لولاية الفقهاء، و عدم توقف ولايتهم على تعذر الفقهاء.

________________________________________

اللهم إلّا أن يقال بتسالم الأصحاب على عدم نفوذ تصرفات عدول المؤمنين مع وجود الحاكم، و تقدمه عليهم.

فصار المتحصل: صحة الاستدلال بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع هذا التسالم.

فالنتيجة: نفوذ مباشرة عدول المؤمنين لأمور القاصرين، إلّا إذا كان هناك حاكم، فإنّه لا بد حينئذ من مباشرته، أو الاستيذان منه.

ص: 275

..........

______________________________

و أمّا الجهة الثالثة، فحاصل الكلام فيها: أنّه قد استدلّ على اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة في المتن (ص 210) بتقريب: أنّ محتملات المماثلة أربعة: أحدها: المماثلة في التشيع، ثانيها: المماثلة في الفقاهة، ثالثها:

المماثلة في الوثاقة، رابعها: المماثلة في العدالة. حيث إنّهما كانا من ثقات الشيعة و عدولهم.

و الاحتمال الأوّل غير مراد قطعا، لعدم كفاية مجرّد التشيع في الولاية.

و الاحتمال الثاني أيضا غير مراد، لأنّ مفهومه ينفي ولاية المؤمنين مع تعذر الفقيه، و يسقطها، مع أنّه ليس كذلك، لولايتهم مع تعذر الفقيه.

فيدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين. و النسبة بينهما و إن كانت عموما من وجه، إلّا أنّ العدل أيضا لا بدّ أن يراعي المصلحة. فالعدالة هنا أخصّ من الوثاقة. ففي الدوران بينهما تقدم العدالة، لتيقنها في الخروج عن مقتضى أصالة عدم الولاية مع الغضّ عن التصريح باعتبار العدالة في صحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن. و إلّا فبها يقيّد صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة الظاهرتان في كفاية الوثاقة، لأنّهما قابلتان للتقييد بالعدالة.

و منه يظهر أنّ العدالة شرط تعبدي لولاية المؤمنين بمعنى موضوعيتها، كاعتبارها في إمام الجماعة.

و الحاصل: أنّ الروايات بين ما يدلّ على كفاية الوثاقة، و ما يدلّ على اعتبار العدالة. و إطلاق الوثاقة قابل للتقييد بالعدالة، فيقيّد به، و إن كانت النسبة بين العدالة و الوثاقة عموما من وجه، و ذلك لأنّ العدالة نصّ أو أظهر من الوثاقة، فتحمل الوثاقة المستفادة من صحيحة عليّ بن رئاب و موثقة زرعة- المذكورتين في المتن- على العدالة.

و لو فرض التعارض بين الروايات، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فمقتضى الأصل اعتبار العدالة في المؤمنين المباشرين لأمور القاصرين، لأنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على عدم ولاية أحد على غيره.

فالمتحصل: اعتبار العدالة في المؤمن المباشر لأمور القاصرين، وفاقا للأكثر، و خلافا للآخرين.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه استظهر من صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع- من الوجوه

ص: 276

..........

______________________________

الأربعة للمماثلة- العدالة، و أنّ المعتبر في ولاية المؤمنين هي العدالة. ثم استظهر من بعض الروايات كفاية الأمانة في ولاية المؤمنين، و جعلها مفسّرة لاعتبار الوثاقة التي هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة في المماثلة. و المراد من بعض الروايات صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة المذكورتان في المتن (ص 215- 217) هذا.

لكن لا يخلو هذا الاستظهار من المناقشة. إذ في صحيحة علي بن رئاب: أنّ الظاهر من الولي المذكور فيها هو الولي الشرعي، بقرينة قوله عليه السّلام: «باع عليهم و نظر لهم» حيث إنّ نفوذ البيع و ثبوت الأجر للبائع الولي لا يناسب إلّا الولي الشرعي، و هو المنصوب من الحاكم الشرعي، إذ المفروض أنّ المورّث لم يوص. فحينئذ لا تكون هذه الصحيحة نحن فيه، لأنّ المنصوب أو المأذون من الحاكم كنفس الحاكم في تقدم رتبة ولايته على ولاية المؤمنين، و كلامنا في ولاية المؤمنين لا في ولاية الحاكم، فهذه الصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه.

هذا مضافا إلى أنّ المصنف قدّس سرّه يريد أن يجعل هذه الصحيحة مفسّرة للاحتمال الثاني من الوجوه الأربعة للمماثلة المذكورة في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع أعني به الوثاقة، و المستفاد من الصحيحة هي الأمانة، و النسبة بينها و بين الوثاقة هي العموم من وجه، لاجتماعهما في من يكون ثقة في جميع أفعاله و أقواله، فإنّه أمين وثقه. و افتراقهما في من يكون أمينا في أموال الناس فقط، فإنّه أمين غير ثقة، و في من يكون ثقة في الأقوال و غير أمين في الأموال، فإنّه ثقة غير أمين. فتفسير الوثاقة بالأمانة مع هذه النسبة لم يظهر له وجه.

بل يمكن أن يقال: إنّ الصحيحة في مقام بيان اعتبار كون تصرف الولي مصلحة للورثة من غير نظر إلى كون الولي عادلا أو ثقة أو أمينا، فينبغي عدّ هذه الصحيحة من أدلة اعتبار المصلحة في تصرفات الولي، لا في ما يعتبر في الولي من الوثاقة أو غيرها.

و بالجملة: فالمناقشة في صحيحة عليّ بن رئاب ترجع إلى وجوه ثلاثة:

أحدها: كون الولي شرعيا، و هو أجنبي عما نحن فيه من ولاية المؤمنين.

ثانيها: عدم مساواة الأمانة و الوثاقة حتى تفسّر الوثاقة بالأمانة.

ص: 277

..........

______________________________

ثالثها: أنّ الصحيحة في مقام بيان ما يعتبر في متعلق الولاية، لا ما يعتبر في نفس الولي من الوثاقة أو غيرها. هذا ما يتعلّق بصحيحة ابن رئاب.

و أمّا موثقة زرعة فهي و إن اشتملت على كلمة «الثقة» إلّا أنّ موردها هو القسمة التي هي تمييز الحصص و إفرازها، و من المعلوم مغايرة القسمة للمعاملات الناقلة. و مورد البحث جميع التصرفات المتعلقة بأموال القاصرين، فالموثقة أخص من المدّعى.

فالمتحصل: أنّ شيئا من صحيحة ابن رئاب و موثقة زرعة لا يصلح لترجيح الاحتمال الثاني- و هو الوثاقة- من الاحتمالات الأربعة في المماثلة.

فالإنصاف: أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع مجملة، لعدم اتضاح وجه المماثلة، و عدم صلاحية صحيحة ابن رئاب و موثقة زرعة لرفع إجمالها كما مرّ آنفا. فلا بدّ من الرجوع إلى دليل آخر في اعتبار العدالة أو غيرها في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين، هذا.

و يمكن أن يستدلّ على اعتبار العدالة فيهم بصحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن، إذ فيها قول مولانا الرضا عليه الصلاة و السّلام: «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع، و قام عدل في ذلك» و دلالتها على اعتبار العدالة في المتصدّي للبيع واضحة.

و قد يورد عليه بأنّ المراد بالعدل كون التصرف عدلا لا جورا، إذ لو كان المراد به كون المتصرف عدلا فلا بدّ أن يقال: «عادل» بصيغة الفاعل، و تبديل «و قام» ب «كان» و تبديل «في ذلك» ب «بذلك» بأن يقال: «و كان عادلا بذلك» فالعدل صفة التصرف لا المتصرّف.

و عليه فلا تدلّ هذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين.

لكن الحقّ صحة الاستدلال بها. أمّا استعمال العدل في الشخص فهو في غاية الكثرة في الإطلاقات المتعارفة، بحيث لا تحتاج إرادته من لفظ العدل إلى قرينة حتى يحمل بدونها على معناه المصدري.

و ببيان آخر: ظهور لفظ «العدل» في الشخص العادل بمثابة يمنع إرادة معناه المبدئي

ص: 278

..........

______________________________

إلّا بالقرينة.

و أمّا إبدال «في» بالباء، فليس بلازم، لمجي ء «في» بعد مادة القيام كثيرا، فيصحّ أن يقال: إنّ فلانا قام في الحرب مع الكفار.

و بالجملة: فالاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين وجيه.

نعم يبقى هنا شي ء، و هو: أنّ العدالة المعتبرة فيما نحن فيه هل هي على نحو الموضوعية كالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة و الشاهد، أم على نحو الطريقية؟ مقتضى القاعدة في كلّ ما يؤخذ في الخطابات هو الموضوعية، بمعنى كونه بذاته مطلوبا لا بعنوان كونه حاكيا عن الغير، و مرآتا له، فإرادته بهذا النحو محتاجة إلى القرينة.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد بالعدالة هنا هي الطريقيّة، لقرائن موجودة في نفس الروايات: إحداها و ثانيتها: ما في صحيحة علي بن رئاب من قوله عليه السّلام: «و نظر لهم» و قوله:

«الناظر فيما يصلحهم».

و ثالثتها: ما في موثقة زرعة من قوله: «ان قام رجل ثقة قاسمهم» إذ المراد من يوثق به و يطمئن بفعله. فالمدار في صحة تصرفات المؤمن في مال الصغير و غيره هو كونها مصلحة، فلا بدّ في ترتيب الأثر على تصرفاته من إحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

فاعتبار العدالة أو الوثاقة إنّما هو لإحراز الصلاح. فالعدالة أخذت طريقا لإحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

ثم إنّ المصنف- بعد أن اختار كفاية الأمانة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين- قال: «و الذي ينبغي أن يقال .. إلخ» و حاصله: أنّ الموارد التي يجوز فيها التصرف لغير الفقيه إن كان دليلها خاصّا به فهو المتّبع، سواء أ كان عامّا لكلّ من العادل و الفاسق، أم خاصّا بالعادل، و إن كان عاما كآية التعاون و «كل معروف صدقة» و نحوهما، ففيه تفصيل، و هو: أنّ الفاسق لولايته كالعادل يكون تصرفه نافذا.

و لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف الكفائي عنه- كصلاة الميت إذا أتى بها الفاسق على الوجه الصحيح- سقط وجوبها الكفائي عن غيره.

ص: 279

..........

______________________________

و أمّا إذا تصرّف الفاسق في مال اليتيم، فسقوط وجوب إصلاح ماله عن سائر المكلفين منوط بإحراز كون تصرف الفاسق إصلاحا لمال اليتيم. فالشك في صحة إيجابه البيع شك في وجود الإصلاح، و لا تجري فيه أصالة الصحة، لجريانها في صحة الموجود لا في أصل الوجود. نظير شك المشتري في بلوغ البائع في عدم جريان أصالة الصحة. هذا ملخص ما أفاده في قوله: «و الذي ينبغي أن يقال» إلى «فتأمل».

لكن يتوجه عليه: أنّ إصلاح مال اليتيم ليس مقوّما للبيع العرفي حتى يكون الشك فيه شكّا في وجود البيع، و لا تجري فيه أصالة الصحة، لأنّ البيع العرفي- و هو مبادلة مال بمال- موجود في بيع الفاسق مال اليتيم و لو بدون الإصلاح، فالإصلاح شرط شرعي كسائر الشروط الشرعية التي تجري فيها أصالة الصحة عند الشك فيها.

و عليه ففي شك المشتري في إصلاح البائع الفاسق مال الطفل في إيجاب البيع تجري أصالة الصحة، كجريانها في ما أفاده بقوله: «نعم لو وجد في يد الفاسق» و هو ما إذا شكّ ثالث في كون البيع- إيجابا و قبولا- إصلاحا لمال الطفل، فإنّ مقتضى الاشكال المتقدم أعني به كون الشك في وجود المأمور به- و هو إصلاح المال، و لذا لا تجري فيه أصالة الصحة- هو عدم جريانها في كلتا المسألتين، لاشتراكهما في الإشكال، أي: كون الشك في وجود المأمور به الذي هو إصلاح المال، ضرورة توقف إصلاحه على كل من الإيجاب و القبول، و عدم حصوله بالإيجاب فقط.

فالحقّ جريان أصالة الصحة في كلا الفرعين بعد فرض ولاية الفاسق كالعادل على أمور القاصرين، لأنّ الشك في وجود الشرط الشرعي و هو الإصلاح.

و أمّا الشك في بلوغ البائع، فلو لم يجز فيه أصل الصحة، فذلك لأجل عدم كون البلوغ من الأمور الاختيارية المشكوكة التي تجري فيها أصل الصحة. هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة المتعلقة بالعدالة.

و أمّا الجهة الرابعة الراجعة إلى جواز المزاحمة و عدمه، فحاصل الكلام فيها: أنّ المصنف قدّس سرّه ابتنى الجواز و عدمه على كون التصدي على نحو التكليف أو الوضع و هو

ص: 280

..........

______________________________

الولاية. فعلى الأوّل يجوز، و على الثاني لا يجوز.

و لعلّ الأولى ابتناء الجواز و عدمه على إطلاق الدليل أحواليّا و عدمه، سواء أ كان التّصدي على وجه التكليف أم على وجه الوضع.

و إن لم يكن للدليل إطلاق أحوالي، بأن كان مهملا من هذه الجهة أي المزاحمة، فهل يستصحب جواز التصدي الذي كان له قبل تصدي الآخر للواقعة؟ أو يقال بعدم الجواز اقتصارا في تخصيص عموم ما دلّ على عدم ولاية أحد على غيره على ما هو المتيقن، و هو ولاية كل واحد من المؤمنين إن لم يسبقه غيره، فولاية كلّ منهم مقيّدة بعدم سبق الآخر.

و هذا هو الأظهر، لقيام الدليل الاجتهادي على المورد. و معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، و هو الاستصحاب.

و مع الغضّ عن هذا البيان يمكن أن يقال: إنّه في الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بإهمالها و تعطيلها إذا أقدم مؤمن على إنجاز الواقعة خرجت عن الإهمال، فلا يجوز لغيره الإقدام على إنفاذها، لعدم إحراز رضا الشارع بذلك، الذي هو الدليل على وجوب التصدي.

فالمتحصل: عدم جواز المزاحمة.

و هنا بيان آخر، و هو أنّ ولاية الفقيه تارة تستفاد من صدر التوقيع المتضمن لإرجاع الناس في الوقائع الحادثة إلى الرواة الفقهاء، و اخرى من ذيله، و هو قوله عليه السّلام: «فإنّهم حجتي عليكم» و ثالثة من سائر الأدلة.

أمّا الصدر فمقتضاه لزوم الرجوع إلى الفقهاء، و إيكال الحادثة الواقعة إليهم، و عدم مزاحمته. و لا دلالة فيه على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر. لكن مقتضى مرجعية كل واحد من الفقهاء في عرض واحد جواز المزاحمة كالأب و الجد.

و أمّا الذيل أعني به «فإنّهم حجّتي عليكم» المعلّل به الصدر- و هو الأمر برجوع الناس إلى الفقهاء الذين هم رواة حديثهم عليهم السّلام في الحوادث الواقعة- فيدلّ بلحاظ إضافتهم إلى نفسه المقدّسة على نيابتهم عنه عليه السّلام. فالذّيل بلحاظ هذه الإضافة يصير وزانه وزان غيره

ص: 281

..........

______________________________

من أدلة النيابة. و يقتضي الذيل ما تقتضيه تلك الأدلة من أنّ نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام و صيرورته بمنزلته توجب أن يكون الردّ عليه ردّا على الامام عليه السّلام، و مزاحمته مزاحمة له عليه السّلام. و هذا أثر نيابته، لا مجرد مرجعيته و ولايته المستفادة من صدر التوقيع.

و بالجملة: فالمستفاد من صدر التوقيع مرجعية الفقيه في الوقائع الحادثة، و من الذيل الذي هو علّة للصدر كون الفقيه نائبا عنه «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و صلّى عليه» و مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة، لأنّ المفروض أنّ كل واحد من الفقهاء نائب عنه عليه السّلام، فمزاحمة فقيه لمثله كالمزاحمة مع الامام عليه السّلام في عدم الجواز.

و لا بأس بهذا الاستظهار، كما لا بأس بهذا السند. و إن قيل: إنّ إسحاق بن يعقوب مجهول لا نعرفه في الرجال، و ذلك لإمكان استظهار وثاقته من رواية الكليني عنه، و من رواية المشايخ الثلاثة عنه، بل و من نفس متن التوقيع أيضا. و تقدّم في (ص 164) ما يتعلّق بالسند، فراجع.

فالمتحصل: اعتبار التوقيع الشريف سندا و دلالة. و المستفاد منه عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله. و لا يلاحظ مزاحمة إمام لمثله حتى يقال: إنّ حرمتها غير ثابتة، فكذلك مزاحمة أحد الفقهاء لمثله، و على هذا فحرمة المزاحمة بين نوابه عليه السّلام أيضا غير ثابتة.

وجه عدم اللحاظ عدم تعدد الإمام في عصر واحد على مذهبنا من أنّ في كل عصر إماما واحدا.

هذا مضافا إلى عدم علمنا بتكاليف الأئمة عليهم السّلام، فلا وجه لأن يقال: إن حرمة مزاحمة إمام لمثله غير معلومة، و كذا مزاحمة الفقهاء الّذين هم نوّابه عليه السّلام.

فالمتحصل: حرمة المزاحمة بين الحكّام.

ثمّ إنّ التمسك بالعمومات المشار إليها في التوضيح مثل «العلماء ورثة الأنبياء» على نيابة الفقهاء عن الامام عليه السّلام كما صنعه المصنف قدّس سرّه غير ظاهر، لعدم إحراز كونها في مقام بيان هذه الجهة، بل سيقت لبيان علوّ مقام العلماء، و كونهم مراجع للأنام. و أمّا نيابتهم عن الأئمة عليهم الصلاة و السّلام فلا تظهر من تلك العمومات.

ص: 282

..........

______________________________

فالنتيجة: عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله، لأنّه مقتضى النيابة عن الامام على ما هو ظاهر ذيل التوقيع.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في مزاحمة الأولياء جوازها في ولاية الأب و الجدّ و في ولاية عدول المؤمنين، و عدم جوازها في ولاية الفقهاء، و اللّه العالم.

و أمّا الجهة الخامسة- و هي اشتراط ولاية غير الأب و الجد بملاحظة الغبطة لليتيم و عدمه- فحاصل الكلام فيها: أنّ فيه وجهين بل قولين:

أحدهما: عدم الاعتبار، لإطلاق دليل الولاية.

و الآخر اعتبارها، لعدم الإطلاق، و لزوم الاقتصار على المتيقن، و هو ملاحظة الغبطة، و لأصالة عدم الولاية فيما عدا القدر المتيقّن، و هو ملاحظة الغبطة.

و هذا القول منسوب إلى الأكثر، بل في مفتاح الكرامة «أنّه إجماعي» بل في التذكرة في كتاب الحجر «أنّه اتفاقي بين المسلمين» يعني: لا خصوص الشيعة، بل قد تقدم في المتن تصريح الشيخ و الحلّي باعتبار ملاحظة الغبطة في الأب و الجدّ أيضا.

و كيف كان فقد استدلّ على اعتبار الغبطة في غير الأب و الجدّ بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و الاستدلال بها يتوقف على التكلّم في مقامين الأوّل في مرحلة الثبوت، و الثاني في مرحلة الإثبات.

أما المقام الأوّل، فملخصه: أنّ في «لا» الناهية احتمالين أحدهما: المولوية، و الآخر:

الإرشادية، و في كلمة «القرب» احتمالات أربعة، و كذا في معنى كلمة «أحسن» احتمالات أربعة، تعرّض لها المصنف قدّس سرّه و أوضحناها في التوضيح و لا نعيدها، و مجموع احتمالات القرب و الأحسن الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

ص: 283

[الشرط السادس من شروط المتعاقدين كون من ينتقل إليه أهلا لذلك المبيع]
[نقل العبد المسلم إلى الكافر]
[يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ان يكون مسلما]

مسألة (1) يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم

______________________________

(1) نقل العبد المسلم إلى الكافر الغرض من عقد هذه المسألة في مباحث شروط المتعاقدين هو استناد بطلان «بيع العبد المسلم من الكافر» إلى فقدان شرط من شروطهما، و هو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم من المتعاقدين. و إن كان من الممكن- كما قيل- جعله من شروط العوضين، بأن يقال: إنّ شرط صحة بيع العبد المسلم هو إسلام من ينتقل إليه العبد، كشرطية معلومية العوضين و مقدورية تسليمهما.

لكن الأظهر كونه من شرائط المتعاقدين لا العوضين، لأنّ الشرط الذي هو الإسلام قائم بمن ينتقل إليه العبد من المتعاقدين، فإنّ الشرط يضاف إلى ما يقوم به قياما صدوريّا أو حلوليّا كمعلوميّة العوضين، فيقال إنّها من شرائط العوضين، أي من الشروط القائمة بالعوضين.

و عليه فإسلام من ينتقل إليه العبد المسلم يعدّ من شرائط المتعاقدين كما هو صريح قوله: «يشترط في من ..» لا العوضين.

و كيف كان فقد تعرّض المصنف قدّس سرّه تبعا للقوم للبحث عن جهات:

الاولى: في العقد على العبد المسلم بنقل العين أو المنفعة، أو غيرهما. و ما استدل به على المنع.

الثانية: في ما يراد بالكافر في هذه المسألة.

الثالثة: في الموارد المستثناة من تملّك الكافر للعبد المسلم.

الرابعة: في جواز تملّك الكافر للعبد المسلم ابتداء بسبب قهري، و لكنّه يجبر على

ص: 284

- ثمنا (1) أو مثمنا (2)- أن يكون مسلما، فلا (3) يصحّ نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا، كما في التذكرة، بل عن الغنية «عليه (4) الإجماع»، خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا (5) «1»،

______________________________

بيعه. و سيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن إن شاء اللّه تعالى.

و الكلام فعلا في الجهة الاولى، و قد تعرّض فيها أوّلا لحكم تملك الكافر لرقبة العبد ابتداء بالشراء أو بالبيع، ثم بالاتهاب و نحوه، و ثانيا لتملك منفعته بالإجارة، و ثالثا لجعله وثيقة عند الكافر على دين، و رابعا للانتفاع به عارية، و خامسا لجعله وديعة عند الكافر، و سادسا لحكم أن يوقف الكافر عبده على كافر أو على مسلم. هذا.

و بدأ المصنف قدّس سرّه بحكم نقل رقبة العبد المسلم إلى كافر بالشراء، كما سيظهر.

(1) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر بعنوان الثمن، كما إذا باع الكافر دكّانه بإزاء العبد المسلم، فإنّه انتقل إلى الكافر ثمنا أي عوضا عن مبيعه و هو دكّانه.

(2) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر مثمنا، كما إذا اشترى العبد المسلم بمائة دينار، فإنّه انتقل إلى الكافر مثمنا.

(3) هذا متفرّع على شرطيّة إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم، فبطلان بيع العبد المسلم من الكافر مستند إلى انتفاء شرط صحّته، و هو إسلام من ينتقل إليه.

(4) أي: على عدم صحة نقله إلى الكافر.

(5) لم أقف على القائل بعينه، و عبّر المحقق عنه ب «و قيل: يجوز و لو كان كافرا، و يجبر على بيعه من مسلم» «2». و الأصل في ذلك دعوى شيخ الطائفة الخلاف في المسألة بقوله: «و فيه خلاف» «3».

و يظهر من تعبير العلامة «و احتج الآخرون» «4» أن القائل بالجواز غير واحد من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 19) الطبعة الحديثة.

(2) الغنية، ص 210، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 175، قال: «و في الغنية الإجماع عليه».

(3) المبسوط، ج 2، ص 167، شرائع الإسلام، ج 2، ص 16

(4) مختلف الشيعة، ج 5، ص 59

ص: 285

و سيأتي عبارة الإسكافي (1) في المصحف.

[أدلة المشهور على بطلان النقل]

و استدلّ المشهور (2) تارة بأنّ (3)

______________________________

أصحابنا، و احتمل الصحة في النهاية «1».

و عليه فالمسألة ذات قولين: أحدهما- و هو المشهور- عدم الجواز، و الآخر:

الجواز و الإجبار على البيع.

(1) المذكورة في مسألة بيع المصحف الآتية المشعرة بجواز رهن العبد الكبير، حيث إنّه خصّص عدم جواز الرهن عند الكافر بالصغير من الأطفال، فلاحظ (ص 378).

و كيف كان فلا يدل جواز رهن الكبير- بعد تسليم ظهور كلامه فيه- على جواز بيعه.

(2) أدلة المشهور على بطلان النقل أي: استدلّ المشهور- و هو القول بعدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر- بوجوه:

الأوّل: الملازمة بين الاستدامة و الابتداء. توضيحه: أنّه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة، كما إذا أسلم عبد المولى الكافر، و لذلك يجبر مولاه على بيعه من المسلمين، لما ورد في خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه صلوات اللّه أتي بعبد ذميّ قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده» «2».

و كذلك منع عن إحداث ملكية العبد المسلم للكافر. فإنّ النهي عن إبقائه عند الكاف يدلّ على مبغوضية بقائه عند الكافر. و لمّا لم يكن للبقاء خصوصية كان الحدوث كالبقاء مبغوضا أيضا. فنقله إلى الكافر منهي عنه، و النهي يوجب الفساد. فالنهي عن الإبقاء كالنهي عن إبقاء النجاسة في المسجد في الدلالة على النهي عن الإحداث.

(3) هذا أوّل الوجوه المستدلّ بها على قول المشهور، و قد مرّ تقريبه بقولنا:

«توضيحه: أنه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة .. إلخ» و هو مذكور في

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 456

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 282، الباب 28 من أبواب عقد البيع، ح 1، و ج 16، ص 69، الباب 73، ح 1

ص: 286

الكافر يمنع من استدامته (1)، لأنّه (2) لو ملكه قهرا بإرث، أو أسلم (3) في ملكه، بيع (4) عليه، فيمنع من ابتدائه كالنكاح (5).

و اخرى (6) بأنّ الاسترقاق سبيل على المؤمن، فينتفي بقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1».

______________________________

التذكرة بقوله: «و لأنه يمنع استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه كالنكاح» «2».

(1) أي: من استدامة ملك العبد المسلم للكافر.

(2) هذا بيان وجه منع الاستدامة، أي: لأنّ الكافر لو ملك العبد المسلم قهرا بإرث- كما إذا ورثه كافر من كافر- كان على المسلمين إجباره على البيع، و لكن مات قبل تحقق البيع، فانتقل إلى وارثه الكافر، لعدم وارث مسلم له، فحينئذ يجبر الوارث الكافر على بيع العبد المسلم الذي انتقل إليه بالإرث.

(3) معطوف على «ملكه» يعني: أو أسلم العبد في ملك الكافر، فإنّ العبد المسلم في هاتين الصورتين- اللتين هما من صغريات كون العبد المسلم ملكا للكافر استدامة- يباع على مالكه.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو ملكه» يعني: بيع العبد المسلم على الكافر.

(5) أي: كحرمة نكاح الكافر بالمسلمة ابتداء كما هو واضح، و استدامة كارتداد الزوج المسلم، فإنّه يمنع بقاءها على الزوجية.

(6) هذا ثاني الوجوه التي استدلّ بها المشهور على عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر، و تقريبه: أنّ تملك الكافر للمسلم استرقاق له، و الاسترقاق سبيل للكافر على المؤمن و سلطنة له عليه، و هو منفي بالآية المباركة لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و المستدل بهذه الآية هو شيخ الطائفة و العلامة و غيرهما، و في الجواهر بعد ذكر الآية الشريفة: «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» «3».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 140

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 19؛

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 335، راجع المبسوط، ج 2، ص 167، التذكرة، ج 10، ص 19، نهاية الاحكام، ج 2، ص 456، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 175

ص: 287

و بالنبوي (1) المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم (2)- و استدلالهم (3) به

______________________________

(1) معطوف على قوله: «بأنّ الاسترقاق» و هذا ثالث الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر، و المستدل هنا بهذا النبوي صاحب الجواهر و غيره.

(2) و بشهرته بين الفريقين على ما شهد به الأعلام. و يظهر من تعبير الشيخ الصدوق قدّس سرّه الجزم بنسبة الجملة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنه قال: و قال عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «1».

و على هذا فهو من المراسيل المعتبرة الّتي يصحّ الاستناد إليها.

و تقريب الاستدلال به: أنّ مالكية الكافر للمسلم علوّ على المسلم، و الإسلام ينفيه. بل هذا أولى من الاستدلال به على عدم جواز إعلاء بناء الكافر على بناء المسلم كما هو ظاهر، إذ ليس في مجرد علوّ دار الكافر على دور المسلمين سلطنة و استيلاء له عليهم. بخلاف مالكية الكافر لرقبة العبد المسلم، أو لمنافعه بالإجارة، أو للانتفاع به بالعارية، فإنّها علوّ له على المسلم، لاستحقاقه الاستخدام و الأمر و النهي.

و عليه فالحديث بمقتضى حذف المتعلّق يفيد نفي كافة أنحاء علوّ الكفر على الإسلام حتى لو كان علوّه من جهة إباحة ارتفاع بناء دار الكافر الذمي على أبنية المسلمين. فهو ممنوع و محرّم.

و لمّا كان المعتبر علوّ الإسلام فلذا استدلّوا بالنبوي على حرمة المساواة أيضا.

و بهذا ظهر وجه تعبير المصنف قدّس سرّه ب «بل».

(3) معطوف على «عملهم» و مبيّن له، و قوله: «المنجبر» صفة للنبوي.

و مقصوده قدّس سرّه أن هذا النبوي و إن لم يذكر له سند في طرقنا، و إنّما أرسله الصدوق قدّس سرّه في الفقيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لكن هذا الإرسال غير قادح في الوثوق بصدوره، و ذلك لأنّ جماعة من الفقهاء أسندوه إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في موارد متعددة بعنوان «لقوله» أو «قال» ممّا يكشف عن الاطمئنان بكونه كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سننقل بعض عبائرهم.

نعم لو عبّروا عنه ب «لما روي عنه» أمكن التشكيك في إحراز الصدور.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 11

ص: 288

في موارد متعددة (1) حتّى (2) في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم، بل عدم

______________________________

(1) منها: ما لو دبّر الكافر عبده، فأسلم العبد، فإنّه يباع عليه العبد سواء رجع السيد عن تدبيره، أم لا. و استدل شيخ الطائفة قدّس سرّه عليه بالإجماع و الأخبار، ثم قال:

«و أيضا قوله عليه السّلام: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه. و لو لم يبع عليه، و كان لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه و هو كافر، و ذلك ينافي الخبر» «1».

و وافقه العلّامة بقوله: «و المعتمد الأوّل، لما تقدم» «2».

و كذا استدلّ غيرهما على إلزام الكافر بالبيع بهذا النبوي، فراجع «3».

و منها: عدم إرث الكافر من المسلم، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «لا يرث الكافر المسلم بلا خلاف. و عندنا: أنّ المسلم يرث الكافر .. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه ..» «4».

و منها: عدم ولاية الكافر على المسلم في النكاح، سواء أ كان أبا أو جدّا أو غيرهما، قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح قول المحقق: «إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له» ما لفظه:

«و شمل إطلاق المصنف ما لو كان المولّى عليه مسلما و كافرا. و الأمر في الأوّل واضح، و الحكم به إجماعي. و يدل عليه- مضافا إلى ما سبق- قوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «5».

و منها: غير ذلك من الفروع التي استندوا في نفي ولاية الكافر على المسلم- حتى مثل انتفاع المستعير بخدمة العبد المسلم- إلى هذا النبوي.

(2) هذا أيضا من الفروع التي استدلّوا عليها بالنبوي. قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في حكم إحداث أهل الذمة دورا ما لفظه: «فأمّا المحدثة، فهو أن يشتري عرصة يستأنف فيها بناء، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين، لقوله عليه السّلام: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه. فإن

______________________________

(1) الخلاف، ج 6، ص 418، المسألة: 20

(2) مختلف الشيعة، ج 8، ص 91

(3) الدروس الشرعية، ج 2، ص 230، مسالك الأفهام، ج 10، ص 386

(4) الخلاف، ج 6، ص 418، المسألة: 20 من كتاب الفرائض، و كذا استدل به هنا في المسالك ج 13، ص 20، و في جواهر الكلام، ج 34، ص 216

(5) مسالك الأفهام، ج 7، ص 167، جامع المقاصد، ج 12، ص 107، جواهر الكلام، ج 29، ص 206

ص: 289

جواز مساواته- و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»، و من المعلوم أنّ ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه (1) به.

[المناقشة في أدلة المشهور]

لكن الإنصاف (2) أنّه لو أغمض النظر عن دعوى الإجماع المعتضد بالشهرة (3) و اشتهار (4) التمسّك بالآية

______________________________

ساوى بناء المسلمين و لم يعل عليه، فعليه أن يقصره عنه. و قيل يجوز ذلك. و الأوّل أقوى» «1».

و نحوه كلام العلامة في التذكرة. و قال أيضا في منع المساواة بعد الاستدلال بالخبر:

«و مع تسويغ المساواة لا يتحقق علوّ الإسلام» فراجع «2».

(1) أي: على ما نحن فيه- و هو بيع العبد المسلم من الكافر- به، أي بالنبوي المرسل المزبور.

(2) هذا شروع في تضعيف الوجوه المذكورة التي استدلّ بها المشهور على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر. تقريبه: أنّه لو أغمض عن دعوى الإجماع- المعتضد بالشهرة، و اشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر- لم تصلح الوجوه المذكورة لإثبات القول المشهور. فالعمدة في دليل هذا الحكم هو الإجماع المذكور. و سيأتي وجه الاشكال فيها.

(3) كما في الجواهر، لقوله- في مقام تخصيص العمومات الحاكمة بصحة بيع العبد المسلم من الكافر- «بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ..» «3».

(4) كذا في بعض النسخ، و في نسختنا العطف ب «أو» و الأولى ما أثبتناه، و هو معطوف على «الشهرة» يعني: المعتضد بالشهرة و باشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

و يمكن عطفه على «دعوى» و الغرض من العطف دعوى أمرين أحدهما: كون الإجماع معتضدا بالشهرة، و ثانيهما: شهرة التمسك بالآية على الحكم.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 46

(2) تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 344، و نحوه في: مختلف الشيعة، ج 4، ص 444، جامع المقاصد، ج 3، ص 463، جواهر الكلام، ج 21، ص 284

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 234

ص: 290

- حتّى (1) أسند في كنز العرفان «1» إلى الفقهاء، و في غيره إلى أصحابنا- لم يكن (2) ما ذكروه من الأدلّة خاليا عن الإشكال في الدلالة (3).

أمّا قياس (4) حكاية الابتداء على الاستدامة، فغاية توجيهه (5) أنّ المستفاد (6)

______________________________

(1) يعني: أنّ اشتهار التمسك بالآية على عدم الجواز يكون بمثابة أسند الفاضل المقداد قدّس سرّه هذا التمسك إلى الفقهاء، و أسند في غير كنز العرفان إلى أصحابنا، ففي زبدة البيان «و احتج به أصحابنا» «2». و في الجواهر «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» «3» أي على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر.

(2) جواب «لو» في قوله: «لو أغمض»، و المراد بالأدلة هي الأدلة الثلاثة المتقدّمة للمنع.

(3) يعني: في الدلالة على المقصود، و هو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر، و زيّف المصنف الوجوه التي احتجّ بها المشهور على عدم الجواز.

(4) هذا أوّل تلك الوجوه، و وجّهه أوّلا بنحو يصحّ الاستدلال به على عدم الجواز، ثم ضعّفه.

أمّا التوجيه فتوضيحه: أنّ وجه دلالة المنع عن الاستدامة على عدم جواز النقل ابتداء هو: أنّ المنع عن الاستدامة يدلّ عرفا على عدم رضا الشارع بأصل وجوده مطلقا، من غير فرق بين الحدوث و البقاء، كدلالة أمر المولى بإخراج شخص من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد، فإنّه يدلّ عرفا على عدم جواز الإدخال، لمبغوضية وجوده للمولى، بلا فرق بين الحدوث و البقاء.

(5) أي: توجيه قياس حكاية الابتداء على الاستدامة.

(6) هذا تقريب كيفية منع الاستدامة، و قد مرّ آنفا بقولنا: «أمّا التوجيه فتوضيحه .. إلخ».

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 44

(2) زبدة البيان، ص 439

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 234

ص: 291

من منع الشارع عن استدامته عدم (1) رضاه بأصل وجوده (2) حدوثا و بقاء، من غير مدخليّة لخصوص البقاء، كما لو أمر المولى بإخراج أحد من الدار، أو بإزالة النجاسة عن المسجد، فإنّه يفهم (3) من ذلك عدم جواز الإدخال.

لكن (4) يرد عليه: أنّ هذا (5) إنّما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث على نهج عدم الرضا (6) بالبقاء. و من المعلوم أنّ عدم رضاه بالبقاء مجرّد تكليف بعدم إبقائه،

______________________________

(1) خبر «إنّ» يعني: أنّ المستفاد من منع الشارع عن الاستدامة هو عدم رضا الشارع بأصل وجود كون المسلم ملكا للكافر حدوثا و بقاء من دون دخل للبقاء فيه، لأنّ مقتضى مبغوضية أصل الوجود عدم خصوصية للبقاء في الحكم.

(2) أي: وجود كون المسلم ملكا للكافر.

(3) أي: يفهم عرفا من أمر المولى بإخراج أحد من الدار- أو بإزالة النجاسة عن المسجد- عدم جواز الإدخال.

(4) و أمّا تضعيف التوجيه المزبور فتوضيحه: أنّ قياس الابتداء على الاستدامة- الموجب لبطلان النقل الابتدائي، و عدم مالكية الكافر للعبد المسلم- إنّما يصحّ بناء على كون الإسلام في المقيس عليه رافعا لملكية المسلم للكافر، و مخرجا له عن ملكه، حتى يكون مانعا عن دخوله في ملك الكافر ابتداء، و موجبا لبطلان نقله الابتدائي.

و أمّا بناء على كون الإسلام في المقيس عليه- و هو إسلام العبد بعد كفره- موجبا لوجوب إخراجه عن ملك الكافر تكليفا مع بقاء الحكم الوضعي- و هو ملكيّته للكافر- فلا يصح، إذ غاية ما يدلّ عليه قياس الابتداء على الاستدامة هي النهي التكليفي عن النقل مع صحة العقد الناقل الموجب لحدوث الملكية للكافر. و المستفاد من النص هو الثاني، لعدم حكمهم بزوال ملك الكافر عن عبده المسلم بمجرّد إسلامه. فالإستدلال بقياس الابتداء على الاستدامة- على بطلان النقل الابتدائي- في غير محله.

و قد اتضح بما ذكرناه أنّ قوله: «على نهج» بيان لكبرى مماثلة الحدوث و البقاء، و قوله: «من المعلوم» بيان لصغرى المماثلة و هي مجرد التكليف، مع أن كلامنا في الحكم الوضعي.

(5) أي: التوجيه المزبور لقياس الحدوث بالبقاء.

(6) أي: عدم رضا الشارع بالبقاء.

ص: 292

و بإخراجه عن ملكه (1). و ليس معناه (2) عدم إمضاء الشارع بقاءه (3) حتّى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه (4) شرعا عن (5) ملك الكافر، فيكون (6) عدم رضاه بالإدخال

______________________________

(1) أي: ملك الكافر، و ضميرا «إبقائه، إخراجه» راجعان الى العبد المسلم.

(2) أي: معنى عدم رضا الشارع بالبقاء هو عدم إمضائه بقاءه، الموجب لزوال ملك الكافر.

(3) أي: بقاء العبد في ملك الكافر، و المراد بعدم إمضاء الشارع بقاءه هو خروجه بمجرّد الإسلام عن ملك الكافر بدون الحاجة إلى بيع و نحوه من النواقل الشرعية. و هذا هو الحكم الوضعي.

لكنه ليس بمراد، لعدم ذهاب أحد إلى خروجه عن ملك الكافر بمجرّد الإسلام، بل العبد الذي أسلم في ملك الكافر باق على ملكه، و لا يخرج عن ملكه إلّا بأحد النواقل الشرعية.

(4) أي: بمجرد الإسلام بدون ناقل شرعي.

(5) متعلّق ب «خارجا».

(6) هذا متفرع على بقاء العبد- الذي أسلم- على ملك مولاه الكافر، و النهي عن إبقاءه تحت يده مجرّد حكم تكليفي لا يترتب عليه حكم وضعي، و هو خروج العبد عن ملك الكافر.

هذا حال النهي عن الإبقاء. و مثله عدم رضا الشارع بالإدخال، فإنّ النهي عن الإدخال نهي تكليفي محض، و ذلك لا ينافي الحكم الوضعيّ و هو صحة النقل الابتدائي.

فتلخص: أنّ قياس الابتداء بالاستدامة لا يجدي في إثبات الحكم الوضعي أعني به فساد نقل العبد المسلم إلى الكافر ابتداء، و إنّما يجدي في النهي عنه تكليفا و النهي لا يوجب الفساد الذي هو مذهب المشهور.

نعم لو دلّت روايات النهي عن البقاء على خروج العبد المسلم عن ملك الكافر بالانعتاق، لدلت أيضا على عدم حدوث الملك للكافر ابتداء. لكنّه ليس كذلك، لما عرفت من أنّها متعرضة للحكم التكليفي، و هو حرمة الإبقاء في ملك الكافر.

ص: 293

على هذا الوجه (1)، فلا يدلّ (2) على عدم إمضائه (3) لدخوله في ملكه (4) ليثبت بذلك (5) الفساد [1].

______________________________

(1) خبر «فيكون» و المراد بهذا الوجه هو النهي التكليفي لا الوضعي.

فالنتيجة: أنّ نقل العبد المسلم إلى الكافر حرام، لا باطل.

(2) يعني: فلا يدلّ عدم رضا الشارع بإدخال العبد المسلم كإبقائه على الحكم الوضعي- و هو عدم إمضائه لدخوله في ملك الكافر ابتداء- حتى يثبت به فساد المعاملة كما هو المشهور.

(3) أي: إمضاء الشارع، و ضمير «لدخوله» راجع الى العبد المسلم.

(4) أي: في ملك الكافر.

(5) أي: بعدم إمضاء الشارع فساد النقل إلى الكافر.

______________________________

[1] و فيه: أنه يمكن أن يقال- كما قيل-: إنّ النهي عن الحدوث و إن كان تكليفيا كما أفاده قدّس سرّه، إلّا أنّه لرجوعه إلى ناحية المسبّب- و هو ملكية العبد المسلم للكافر- يدلّ لا محالة على الفساد كما ثبت في علم الأصول، و هو مختاره فيه أيضا. و ليس النهي عن المسبّب كالنهي عن السبب في عدم الدلالة على الفساد كالبيع وقت النداء. و من المعلوم أنّ النهي عن إبقاء العبد المسلم بعد إسلامه عند الكافر ليس إلّا لأجل مبغوضية المسبب و هو تملك الكافر له، و هذه المبغوضية توجب دلالة النهي على الفساد.

و يؤيّده: أنّ فساد البيع المنهي عنه حدوثا ممّا تقتضيه شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم، و إلّا لم يكن شرطا. و هذا خلف. بل هذه الشرطية تقتضي خروج العبد إذا أسلم عن ملك مولاه الكافر، كعدم دخوله في ملكه.

لكن هذا الاحتمال- و هو رجوع النهي إلى المسبّب الذي مقتضاه فساد البيع- و إن كان في نفسه صحيحا، لكنه مخالف للنص و الإجماع على بقاء العبد بعد إسلامه على ملك الكافر، غاية الأمر أنّه يجب على المسلمين إخراجه عن ملكه بإجبار الكافر على نقله إلى المسلمين ببيع أو غيره من النواقل الشرعية.

فالحقّ ما أفاده المصنف من كون النهي تكليفيا فقط من دون استتباعه للحكم

ص: 294

و الحاصل (1) أنّ دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة (2) على إمضاء الشارع لآثار المنهيّ عنه، و عدمه (3)، و المفروض انتفاء الدلالة في المتبوع (4).

و ممّا ذكرنا (5) يندفع التمسّك للمطلب بالنصّ الوارد في عبد كافر أسلم، فقال

______________________________

(1) يعني: و حاصل الإشكال- الذي أوردوه على توجيه قياس الابتداء على الاستدامة- هو: تبعيّة دلالة النهي عن إدخال العبد المسلم في ملك الكافر لدلالة النهي عن الإبقاء، في الدلالة على إمضاء الشارع لآثار البقاء الذي هو المنهي عنه و عدمه.

(2) متعلق ب «تابعة» و مبيّن للمراد من تبعية دلالة النهي عن الإدخال لدلالة النهي عن الإبقاء.

(3) معطوف على «إمضاء» يعني: و دلالة النهي عن الإدخال تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء على عدم إمضاء الشارع آثار المنهي عنه- و هو البقاء- حتى يخرج العبد بإسلامه عن ملك الكافر، و يكون الدخول مثله في عدم حصول الملك الابتدائي.

و على تقدير إمضاء الشارع آثار البقاء يكون الإدخال في ملك الكافر مثله في تحقق الملك الابتدائي، و كون النهي عن الدخول نهيا تكليفيا فقط.

(4) و هو الإبقاء. فصار المتحصل: حرمة بيع العبد المسلم من الكافر لا بطلانه، كحرمة المتبوع و هو الإبقاء، و عدم زواله بمجرّد إسلام العبد عند الكافر.

(5) من منع قياس الابتداء بالاستدامة. و المتمسّك غير واحد، فراجع الحدائق و الجواهر «1».

______________________________

الوضعي. فبيعه من كافر ابتداء صحيح، غاية الأمر أنّه حرام.

و توهم «لغويّة جعل الملكية للكافر مع فرض وجوب الإخراج عن ملكه كما هو مقتضى كلام المصنف قدّس سرّه، حيث إنّه جعل النهي عن إبقائه في ملك الكافر تكليفا محضا» فاسد، لأنّ اللغوية إنّما تلزم مع نفي جميع آثار الملكية، دون بقاء بعضها كانتقاله إلى ورثته، و أداء ديونه منه، و لا تلزم مع نفي بعض آثار الملكية كحجره عن التصرفات مباشرة.

فالمتحصل: أنّ ما أفاده في المتن- من كون النهي تكليفا محضا غير مستتبع للحكم الوضعي- متين.

______________________________

(1) راجع الحدائق، ج 18، ص 426، و جواهر الكلام، ج 22، و 334

ص: 295

أمير المؤمنين عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده» «1» [1] بناء (1) على أنّ تخصيص البيع بالمسلمين- في مقام البيان و الاحتراز (2)- يدلّ (3) على المنع من بيعه من الكافر، فيفسد.

توضيح الاندفاع (4) أنّ التخصيص بالمسلمين إنّما هو من جهة أنّ الداعي

______________________________

(1) هذا تقريب الاستدلال على البطلان، توضيحه: أنّ تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان يدلّ على فساد البيع من المشتري الكافر، و إلّا لم يكن وجه للتقييد بالمسلمين و هذا التقييد يدلّ على المنع من بيعه من غير المسلمين، لفساده و عدم ترتب الملكية عليه، فيتم حينئذ الاستدلال بهذا النصّ على فساد بيع العبد المسلم من الكافر.

(2) معطوف على «البيان» يعني: و في مقام الاحتراز عن بيع العبد المسلم من غير المسلمين.

(3) خبر «ان» في قوله قدّس سرّه: «ان تخصيص البيع».

(4) هذا توضيح قوله: «يندفع التمسك» و محصل وجه الاندفاع هو: أنّ التخصيص بالمسلمين ليس لأجل اختصاص مورد الصحة ببيعه من المسلمين حتى يدلّ على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم، و يكون بيعه من الكافر فاسدا، لفقدان الشرط و هو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم. بل لأجل الإشارة إلى أنّ الداعي إلى الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر، غايته أنّها لا تحصل إلّا ببيعه من المسلمين.

______________________________

ثم إنّه على تقدير دلالة النصوص على فساد بيع العبد المسلم من الكافر تكون تلك النصوص مخصّصة للعمومات الدالة على صحة البيع، و مقيّدة لمطلقاتها، لأخصية النصوص منها كما لا يخفى.

[1] عدّ هذا النصّ دليلا مستقلّا للمشهور غير ظاهر، بل هو دليل على أوّل أدلة المشهور، و هو قياس الحدوث بالبقاء، حيث إنّ هذا النصّ يدلّ على حرمة الإبقاء الذي هو المقيس عليه، فلاحظ.

و كيف كان فمورد الاستدلال جملتان، إحداهما «فبيعوه من المسلمين» و ثانيتهما:

«و لا تقرّوه عنده» فإنّهما تدلّان على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 286

ص: 296

على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر، و النهي (1) عن إبقائه (2) عنده، و هي (3) لا تحصل بنقله إلى كافر آخر، فليس تخصيص المأمور به (4) لاختصاص مورد الصحّة به (5)، بل لأنّ الغرض (6) من الأمر لا يحصل إلّا به [1]، فافهم (7).

______________________________

(1) الأولى تقديمه- على تقدير ثبوته في النسخة الأصلية- على قوله: «هي إزالة ملك الكافر» بأن يقال: «إنّ الداعي على الأمر بالبيع و النهي عن إبقائه عنده هي إزالة ملك الكافر» و المظنون أن التقديم من الناسخ. و على هذا يكون «و النهي» معطوفا على «الأمر بالبيع» عطفا تفسيريا.

(2) أي: إبقاء العبد المسلم عند الكافر.

(3) أي: و إزالة ملك الكافر لا تحصل بنقل العبد المسلم إلى كافر آخر، بل لا بدّ من نقله إلى مسلم.

(4) و هو بيع العبد المسلم من المسلمين.

(5) أي: بكون مورد صحة البيع خصوص البيع من المسلمين، حتى يثبت مدّعى المشهور، و هو شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم.

(6) و هو إزالة ملك الكافر لا يحصل إلّا ببيع العبد المسلم من المسلمين.

(7) لعلّه إشارة إلى: أنّه لا وجه لاستفادة الاختصاص بالمسلمين إلّا التشبث بمفهوم الوصف حتى يدلّ على عدم صحة بيعه بغير المسلمين، و يصح الاستدلال به على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم.

أو إشارة إلى: أنّ الأمر بإزالة الملك مستلزم لبطلان البيع، لصيرورته سفهيّا. فالنهي و إن كان تكليفيا، لكنه يوجب الفساد.

إلّا أن يقال: إنّ المراد بالسفاهة ما يكون سفاهة عرفا مع الغض عن حكم

______________________________

[1] بل يحصل الغرض- و هو إزالة ملك الكافر- بعتقه أو وقفه، بناء على صحتهما من الكافر، فلا يتوقف حصول هذا الغرض على بيعه من المسلمين. فاستفادة الانحصار ببيعه من المسلمين- حتى يكون دليلا على قول المشهور- منوطة بمفهوم الوصف على القول به.

ص: 297

و أمّا الآية (1) فباب الخدشة فيها واسع: تارة من جهة دلالتها في نفسها (2) و لو (3) بقرينة

______________________________

الشارع، لأنّ السفاهة من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف، فلا بدّ أن تكون المعاملة سفهية مع الغض عن حكم الشارع بوجوب الإزالة.

(1) هذا شروع في الخدشة في الاستدلال بآية نفي السبيل لمذهب المشهور، و لا يخفى أن للمصنف قدّس سرّه خدشات ثلاث في الاستدلال بالآية الشريفة.

الخدشة الاولى: أنّ إرادة الملكية من السبيل- كما هو مبنى استدلال المشهور بالآية على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم- تستلزم تخصيصها بموردين حكي الإجماع على مالكية الكافر للعبد المسلم فيهما.

أحدهما: الملك الابتدائيّ القهريّ، كانتقال العبد المسلم إلى الكافر بالإرث و إن أجبر على بيعه من الراغب في شرائه، و مع عدمه يحال بين العبد و مولاه الكافر الى أن يوجد الراغب.

و ثانيهما: الملك الاستدامي، كما لو أسلم العبد عند مولاه الكافر، أو ارتدّ المولى بعد كونه هو و عبده مسلمين.

ففي هذين الموردين يملك الكافر العبد المسلم، و لا بدّ من تخصيص الآية، بأن يقال:

«لن يجعل اللّه الكافر مالكا للمسلم إلّا في هذين الموردين» مع وضوح إباء الآية المباركة عن التخصيص. و وجه الإباء عنه ظهورها في كون الإيمان تمام العلّة في الحكم بنفي السبيل، و يمتنع انفكاكه عنه.

و على هذا لا بدّ من إرادة معنى آخر من الآية المباركة حتى لا يلزم منه التخصيص أصلا، بأن تكون في مقام بيان شرف الإيمان و نفي السلطنة على المؤمن في الآخرة.

(2) يعني: مع الغضّ عن الرواية الواردة في تفسيرها، و هي رواية العيون الآتية.

(3) وصلية، يعني: و لو كانت دلالة نفس الآية بقرينة السياق.

و ليس المراد من قوله: «و لو بقرينة سياقها» الإشارة إلى أنّ منع دلالة الآية على الملك- مع الغضّ عما ورد في تفسيرها- يستند إلى أمور ثلاثة. أحدها عدم دلالتها في نفسها، ثانيها: إباء سياقها. ثالثها: قرينة ما قبلها الدال على نفي السبيل في الآخرة.

ص: 298

سياقها [1] الآبي (1) عن التخصيص، فلا بدّ (2) من حملها على معنى لا يتحقّق فيه تخصيص، أو بقرينة (3) ما قبلها الدالّة على إرادة [أنّ] نفي الجعل في الآخرة.

و اخرى (4) من حيث تفسيرها (5) في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على

______________________________

(1) المراد بالسياق الآبي عن التخصيص هو ما يذكره بعد أسطر بقوله: «في الآية الشريفة المسوقة لبيان أن الجعل شي ء لم يكن و لن يكون .. إلخ» فإنّ كلمة «لن» لنفي التأييد الناشئ هنا عن احترام المؤمن و شرفه. و هذا لا يقيّد بحال دون حال.

فالنتيجة: أنّ هذه الآية المباركة- بناء على إرادة الملك من السبيل- لا تدلّ على قول المشهور.

(2) هذه نتيجة إشكال التخصيص مع فرض إرادة الملك من السبيل و إبائه عن التخصيص، يعني: فلا بدّ من حمل الآية على معنى لا يرد فيه تخصيص.

(3) معطوف على «قرينة سياقها» يعني: أنّه لا يراد من السبيل المنفي الملكية، أمّا لسياقها الآبي عن التخصيص اللازم هنا، إذ المفروض ملك الكافر للمسلم في موردين تقدّما بقولنا: «فإنّ الكافر يملك العبد المسلم في هذين الموردين». و إمّا لقرينة ما قبل هذه الآية، و هو قوله تعالى فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ فإنّ نفي السبيل في الآخرة أجنبي عن الملكية المبحوث عنها في المقام.

(4) هذه هي الخدشة الثانية، و هذه الخدشة كالأولى راجعة إلى دلالة الآية.

(5) قال في مجمع البيان: «قيل فيه أقوال: أحدها: أنّ المراد لن يجعل اللّه لليهود على المؤمنين نصرا و لا ظهورا عن ابن عباس.

و قيل: لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا بالحجة و إن جاز أن يغلبوهم

______________________________

[1] لا يخفى أنّ سياقها يأبى عن التخصيص مطلقا سواء أريد من السبيل في الآية المباركة خصوص الملك أم مطلق تسلط الكافر على المؤمن و لو بغير الملك، كما إذا استقرض من الكافر، فإنّه يتسلط على المؤمن بالمطالبة، بل بالحبس إذا كان مماطلا مع يسره و قدرته على الأداء. فلا محيص عن حمل الآية على معنى يسلم من التخصيص الذي يأباه سياقها.

ص: 299

المؤمنين، و هو ما روي في العيون عن أبي الحسن عليه السّلام ردّا على من زعم أنّ المراد بها (1) نفي تقدير اللّه سبحانه بمقتضى الأسباب العاديّة تسلّط الكفّار على المؤمنين، حتّى أنكروا لهذا المعنى الفاسد الذي لا يتوهّمه ذو مسكة أنّ الحسين بن علي عليهما السّلام لم يقتل، بل شبّه لهم (2)،

______________________________

بالقوة. لكن المؤمنين منصورون بالدلالة و الحجة، عن السدّي و الزجاج و البلخي. قال الجبائي: و لو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا، لأنّ غلبة الكفّار للمؤمنين ليس ممّا فعله اللّه، فإنّه لا يفعل القبيح. و ليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار، فإنّه يجوز أن ينسب إليه سبحانه.

و قيل: لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا، لأنّه مذكور عقيب قوله: فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة. بيّن اللّه سبحانه أنّه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا بالقتل و القهر و النهب و الأسر و غير ذلك من وجوه الغلبة، فلن يجعل لهم يوم القيامة عليهم سبيلا بحال» «1».

(1) أي: بآية نفي السبيل، فإنّهم جعلوا السبيل المنفي: القدرة التكوينية العاديّة، يعني: أنّ الكافرين ليس لهم قدرة و تسلط خارجي على المؤمنين.

و الشاهد لإرادة الحجة من الآية الشريفة قول مولانا أبي الحسن الرضا عليه السّلام في الرواية المزبورة: «و أمّا قوله عزّ و جلّ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، فإنّه يقول: لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجة» و هذه الجملة ردّ على من زعم أنّ المراد بنفي السبيل نفي القدرة التكوينية.

(2) لكن يرد على من زعم ذلك المعنى الفاسد أنّ الشبيه الذي قتل في كربلاء- و هو حنظلة بن سعد الشامي- كان مؤمنا.

إلّا أن يقال: انّهم لا يعتقدون بإيمان حنظلة الذي هو من شهداء كربلاء، لكنه كما ترى.

______________________________

(1) مجمع البيان، ج 3، ص 128

ص: 300

و رفع كعيسى «على نبيّنا و آله و عليه السلام» (1).

و تعميم (2) الحجّة

______________________________

(1) لا بأس بنقل نصّ رواية العيون ممّا يتعلّق بالمقام، و هو أنّ الهروي- و الظاهر أنّه عبد السلام بن صالح- قال: «قلت: يا ابن رسول اللّه و فيهم- أي في سواد الكوفة- قوم يزعمون أنّ الحسين بن علي عليه السّلام لم يقتل، و أنّه القي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي، و أنّه رفع إلى السماء، كما رفع عيسى بن مريم عليهما السّلام، و يحتجون بهذه الآية وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

فقال: كذبوا، عليهم غضب اللّه و لعنته، و كفروا بتكذيبهم لنبيّ اللّه في إخباره بأنّ الحسين بن علي عليهما السّلام سيقتل. و اللّه لقد قتل الحسين، و قتل من كان خيرا من الحسين، أمير المؤمنين و الحسن بن علي. و ما منّا إلّا مقتول، و أنا و اللّه لمقتول بالسّمّ باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول اللّه أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين.

و أما قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فإنّه يقول: و لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة. و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ من كفّار قتلوا النبيّين بغير الحقّ، و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل اللّه لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة» «1».

(2) مبتدء خبره قوله: «لا يخلو». و هذا إشارة إلى كلام صاحب العناوين و غيره ممّن أيّد استدلال المشهور بالآية الشريفة على منع بيع العبد المسلم من الكافر، و الغرض منه دفع الخدشة الثانية المتقدمة بقوله: «و اخرى».

و بيانه: أنّ صاحب الحدائق قدّس سرّه اعترض على المشهور المستدلّين بالآية الشريفة بوجوه ثلاثة، و ثالثها هو الاستشهاد بخبر العيون على أنّ السبيل المنفي في الآية المباركة ليس بمعنى السلطنة و الملك، فقال: «و الخبر كما ترى صريح في تفسير السبيل المنفي في الآية بالحجة و الدليل» «2».

و أجاب صاحب العناوين قدّس سرّه عنه- انتصارا للمشهور- بوجوه عديدة أشار المصنف قدّس سرّه إلى اثنين منها:

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 203، طبعة طهران عام 1377، عنه في البحار، ج 44، ص 271، ح 4

(2) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 424 و 425

ص: 301

..........

______________________________

الوجه الأوّل: أنّ تفسير «السبيل» بالحجة- كما في الخبر- لا ينافي التمسك بالآية، إذ للحجة معنى عام يشمل الملكية، و لا ينحصر معناها في البرهان و الدليل، فالحجة «ما تكون به الغلبة للكافر على المسلم» و من المعلوم أنّ الملكية إذا كانت سبيلا كانت ممّا به غلبة الكافر على المسلم في تصرفه كيف يشاء.

و على هذا فتملك الكافر للعبد المسلم و سلطنته على الاستخدام و الأمر و النهي حجة له على المسلم، فتكون منفيّة بمقتضى الآية. قال في العناوين: «مضافا إلى أنّا نقول:

إنّ الكافر لو كان مالكا للمسلم و نحو ذلك من طرق السّبل الذي تنفيها القاعدة لكان ذلك أيضا من أعظم الحجج للكافر على المسلم، فإنّ حجه الملك و الولاية من أعظمها.

فالخبر الدال على نفي الحجة دال على ذلك- أي نفي الملك و الولاية- أيضا، فلا تذهل» «1».

و بهذا الوجه دفع صاحب الجواهر أيضا كلام صاحب الحدائق، فقال: «يدفعها- أي يدفع المناقشة- صحة الاستدلال بها على هذا التقدير، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه» «2».

الوجه الثاني: أن «السبيل» و إن فسّر بالحجة، و أنّها ليست مطلق ما يكون به الغلبة، بل هي الغلبة في مورد المخاصمة و المحاجّة، فلا تشمل الملكية، و لكن نقول: ليس الخبر في مقام حصر السبيل المنفي في خصوص الحجة، بل الخبر- لخصوصية المورد- طبّق السبيل العامّ على أحد أفراده، و هو البرهان و الدليل، و من المعلوم أنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد. قال في العناوين: «و الجواب أوّلا: أن السبيل المنفي عام شامل للحجة و غيرها، و الخبر لم يدلّ على الانحصار، فنقول بدخوله في العموم، غايته أنّ ذلك هو المورد، و هو لا يخصّص .. فحمل الخبر على بيان أحد أفرادها أجود كما هو الغالب في أخبار التفاسير» «3».

و الفرق بين الوجهين: أن الأوّل مبني على ترادف «السبيل و الحجة» بمقتضى ظاهر الخبر، و لكن يدّعى أنّ الحجة غير منحصرة في البرهان و الدليل، بل يشمل

______________________________

(1) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي، ج 2، ص 358

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 336

(3) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي، ج 2، ص 358

ص: 302

على معنى (1) يشمل الملكية، أو [و] تعميم (2) السبيل على وجه يشمل الاحتجاج و الاستيلاء، لا يخلو (3) عن تكلّف.

و ثالثة (4) من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دلّ على صحّة البيع «1» و وجوب الوفاء بالعقود «2»، و حلّ أكل المال بالتجارة «3»، و تسلّط الناس على أموالهم «4»،

______________________________

الملكية و السلطنة أيضا. و الوجه الثاني مبني على إنكار الترادف، و جعل الحجة من أفراد معنى السبيل، و من المعلوم أنّ تفسير العامّ ببعض أفراده غير قادح في عموم ذلك العامّ، فللسبيل معنى عام يشمل الاحتجاج و الاستيلاء الملكي معا. هذا كلّه في توضيح الوجهين، و سيأتي مناقشة المصنف فيهما، و تثبيت قصور دلالة الآية على المقام.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل. و قد عرفت اختيار صاحب الجواهر له أيضا.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و قد تقدم الفرق بينه و بين الوجه الأوّل.

(3) خبر قوله «و تعميم» و دفع للوجهين. أمّا الأوّل، ففيه: أنّ الملكية إضافة خاصّة بين المال و المالك، و هي تنشأ بالإنشاء. و «الحجة» ظاهرا هي الغلبة على الخصم في مورد المخاصمة، لا مطلق ما يكون به الغلبة على أحد و لو لم تكن مخاصمة.

مضافا إلى: أنّ هذا المعنى العام للحجة مستلزم لتخصيص نفي جعل الملكية للكافر بالملك الابتدائي القهري و الملك الاستدامي المتقدمين سابقا، و المفروض أنّ الآية آبية عن التخصيص كما مرّ آنفا.

و أمّا الوجه الثاني ففيه أيضا: أنّ أصل معنى السبيل هو السلطنة، فتعميمه إلى ما ورد في الخبر من الاحتجاج و إقامة الدليل- حتى يتطابق المدّعى و الدليل- غير ظاهر.

(4) هذه هي الخدشة الثالثة، توضيحها: أنّه- بعد الغضّ عن المناقشتين المتقدمتين الراجعتين إلى دلالة الآية الشريفة، و تسليم دلالتها على عدم جعل ملكية العبد المسلم

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 275

(2) سورة المائدة، الآية 1

(3) سورة النساء، الآية 29

(4) عوالي اللئالي، ج 1، ص 222، ح 99

ص: 303

و حكومة (1) الآية عليها غير معلومة (2) [1]. و إباء (3) سياق الآية عن التخصيص

______________________________

للكافر- يرد على الاستدلال بها: أنّها تعارض العمومات الدالة على صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر، و النسبة بينهما عموم من وجه، لاجتماعهما في بيع العبد المسلم من الكافر، فإنّ آية نفي السبيل تقتضي فساده، و العمومات تقتضي صحته. و افتراق العمومات في بيع العبد المسلم من المسلم. و افتراق الآية في الملك القهري، إذ العمومات ناظرة إلى الملك الاختياري. و المعارضة تسقط المتعارضين، و تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي هو أصالة الفساد في العقود.

فالنتيجة: بطلان نقل المسلم إلى الكافر كما هو المشهور، و هذا ضدّ مقصود المصنف قدّس سرّه من إثبات صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر.

(1) مبتدء، و خبره «غير معلومة» و الغرض من هذا الكلام دفع إشكال المعارضة، بتقريب: أنّ آية نفي السبيل حاكمة على عمومات الصحة، و تقدّم عليها، و لا تلاحظ نسبة العموم من وجه بينهما. و هذه الحكومة توجب صحة الاستدلال بالآية على مذهب المشهور، و هو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكفار.

(2) لأنّ المصنف قدّس سرّه يعتبر في الحكومة تعرّض الحاكم بمدلوله اللفظي لما يراد من المحكوم، و هو مفقود هنا. و مع عدم الحكومة لا يصحّ الاستدلال بالآية على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر، لمعارضتها مع عمومات الصحة.

(3) مبتدء، و خبره «يقرّب» توضيح ما أفاده في المناقشة الثالثة هو: أنّ مجرد التعارض- و عدم الحكومة على عمومات الصحة- لا يكفي في سقوط المتعارضين حتى يرجع إلى أصالة الفساد التي هي المرجع في العقود و خيرة المشهور. بل مدار سقوطهما على إمكان تخصيص كلّ من المتعارضين بالمجمع، و إخراجه عن كلّ منهما، و عدم رجحان

______________________________

[1] لا ينبغي الإشكال في الحكومة، لما قرّر في محلّه من عدم اعتبار دلالة الحاكم لفظا على ما يراد من المحكوم. لكنه مع ذلك لا يستقيم الاستدلال بالآية على عدم تملك الكافر للعبد المسلم، لأجل إباء الآية عن التخصيص، مع القطع بتخصيصها بموارد يكون الكافر مالكا فيها للعبد المسلم.

ص: 304

- مع وجوب الالتزام به (1) في طرف الاستدامة، و في (2) كثير من الفروع في الابتداء- يقرّب (3) [1] تفسير السبيل بما لا يشمل الملكيّة، بأن يراد من السبيل السلطنة،

______________________________

لتخصيص أحدهما بالخصوص على الآخر. ك «أكرم العلماء و لا تكرم الأمراء» فإنّ مورد اجتماعهما- و هو العالم الأمير- يمكن إخراجه عن كلّ من هذين الدليلين من دون رجحان لأحدهما بالخصوص على الآخر.

و المفروض فقدان هذا الشرط- و هو عدم رجحان أحد التخصيصين على الآخر- هنا، و ذلك لإباء الآية المباركة عن التخصيص، مع وضوح تخصيصها بالملك الابتدائي القهري كالإرث، و الاستدامي كإسلام العبد مع مولاه الكافر، أو ارتداد مولاه مع إسلام العبد.

و هذا الإباء مع هذين التخصيصين- بل و غيرهما من الفروع- يكشف إنّا عن عدم إرادة الملك من السبيل، بل المراد من السبيل المنفي في الآية المباركة نفس السلطنة.

و من المعلوم أنّ نفيها لا ينفي الملكية، بل تجتمع الملكية مع عدم السلطنة كما في المحجورين، فإنّهم مع كونهم مالكين لأموالهم محجورون عن التصرف فيها.

و عليه فالكافر يمكن أن يكون مالكا للعبد المسلم مع عدم سلطنته عليه. فالآية أجنبية عن نفي الملكية، و لا تعارضها عمومات صحة العقود، لأنّ الآية لا تنفي الملكية حتى تعارضها أدلة ترتب الملكية على العقود الصحيحة.

(1) أي: الالتزام بالتخصيص في طرف الاستدامة.

(2) معطوف على «في» يعني: مع وجوب الالتزام بالملك في طرف الابتداء، كالتملك القهري بالإرث، و كصحة بيعه على من ينعتق عليه. و ما لو قال الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي» لتملكه آنا، و ما لو اشترط على الكافر عتقه حين البيع.

(3) خبر قوله: «و إباء» و التفسير بما لا يشمل الملكية يسقط الاستدلال بالآية

______________________________

[1] نعم لا إشكال في كونه مقرّبا لتفسير «السبيل» بغير الملكية. لكنه لا يناسب ذكره هنا، أي في إشكال المعارضة، لأنّ فرض الإشكال إنّما هو بناء على إرادة نفي الملك من عدم السبيل حتى يعارض العمومات الدالة على تحقق الملك. و ما ذكره من قوله: «يقرّب تفسير

ص: 305

فيحكم بتحقّق الملك و عدم تحقّق السلطنة، بل يكون محجورا عليه (1) مجبورا على بيعه (2).

و هذا (3) و إن اقتضى التقييد في إطلاق ما دلّ على استقلال الناس في أموالهم، و عدم حجرهم بها (4).

لكنّه (5) مع ملاحظة وقوع

______________________________

على عدم مالكية الكافر للعبد المسلم، و يخرج الآية المباركة عن موضوع التعارض، لتعدد الموضوع، لأنّ موضوع العمومات هو الملكية، و موضوع الآية هو السلطنة. و بينهما عموم من وجه.

(1) أي يكون المالك الكافر كسائر المحجورين المالكين لأموالهم.

(2) أي: يجبر الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم.

(3) يعني: تحقق الملك للكافر بدون السلطنة له على العبد المسلم. و هذا إشارة إلى دفع وهم.

أمّا الوهم فهو: أنّ الآية و إن كانت سليمة من التخصيص مع إرادة الملك بدون السلطنة، إلّا أنّ لازمه تقييد إطلاق دليل السلطنة، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلطون على أموالهم» الدال على عدم حجرهم و عدم جبرهم على بيعها.

و بالجملة: يلزم ارتكاب خلاف ظاهر دليل على كل حال، إمّا تخصيص الآية، و إمّا تقييد إطلاق دليل السلطنة، هذا. و أمّا دفع الوهم فسيأتي.

(4) مرجع الضمير حكمي، و هو ما يوجب الحجر من الصغر و الجنون و السفه و غيرها.

(5) أي: و لكنّ التقييد، و هذا دفع الوهم، و حاصله: تقديم التقييد على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما، لكثرة تقييد إطلاق دليل السلطنة، كحجر المالك القاصر لصغر،

______________________________

السبيل ..» إنكار لإرادة الملك من السبيل.

فالأولى ذكر قوله: «يقرّب» و ما قبله في الخدشة الأولى الراجعة إلى دلالة الآية الشريفة، فلاحظ.

ص: 306

مثله (1) كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة (2) لبيان أنّ الجعل شي ء لم يكن و لن يكون، و أنّ (3) نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال.

هذا، مضافا (4) إلى أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات يقتضي الصحّة، كما (5) إذا كان الكافر مسبوقا بالإسلام- بناء على شمول الحكم (6) لمن كفر عن الإسلام- أو كان (7) العبد مسبوقا بالكفر، فيثبت (8) في غيره بعدم الفصل.

______________________________

أو جنون، أو سفه، أو فلس، أو زمن.

فالنتيجة: أنّ التقييد أهون من التخصيص في الآية.

(1) أي: مثل هذا التقييد، و «أهون» خبر «لكنه».

(2) هذه قرينة السياق التي أشار إليها في الخدشة الأولى بقوله في (ص 299):

«و لو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص».

(3) معطوف على «أنّ الجعل» و المراد نفي جعل السبيل مؤبّدا، و منشؤه احترام المؤمن الذي هو ثابت دائما، و ليس مقيّدا بحال دون حال، و لذا يكون عدم السبيل آبيا عن التخصيص.

(4) يعني: و يدلّ على صحة بيع العبد المسلم من المشتري الكافر- مضافا إلى الأدلة السابقة- استصحاب الصحة في بعض الموارد، و قد ذكر المصنف قدّس سرّه لذلك موردين.

(5) هذا هو المورد الأوّل، و تقريبه: أنّ هذا الكافر المشتري المسبوق بالإسلام كان قبل كفره يصحّ بيع العبد المسلم منه، و بعد كفره كما كان، و الاستصحاب هنا تعليقيّ.

(6) و هو عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر الذي يكون كفره بارتداده عن الإسلام.

(7) معطوف على «كان» في قوله «إذا كان الكافر .. إلخ» و هذا هو المورد الثاني، و تقريبه: أنّ عبدا كافرا إذا أسلم، فقبل إسلامه كان بيعه من الكافر صحيحا، و نشكّ في صحة بيعه منه بعد إسلامه، فنستصحب الصحّة السابقة، و هذا الاستصحاب أيضا تعليقي.

(8) أي: فيثبت جواز بيع العبد المسلم من الكافر- في غير مورد استصحاب

ص: 307

و لا (1) يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد (2)، لأنّ (3) استصحاب الصحّة مقدّم عليها [1] فتأمّل (4) [2].

______________________________

الصحة- بعدم القول بالفصل بين مورد الاستصحاب و غيره، فمن قال بالجواز في مورد الاستصحاب قال به في سائر الموارد.

(1) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّ أصالة الفساد- أي: استصحابه- يعارض استصحاب الصحة، كما إذا كان الكافر أصليّا و العبد مسلما، فيثبت الفساد في غيره بعدم الفصل. فاستصحاب الفساد يعارض استصحاب الصحة في مورده، و في غيره بعدم الفصل.

(2) الظاهر كون العبارة «في غير هذين الموردين» لأنّهما موردا الاستصحاب.

(3) و أمّا دفع الوهم الذي أشير إليه بقوله: «لأن استصحاب الصحة» فحاصله: أنّ أصالة الصحة حاكمة على أصالة الفساد، و إلّا تلزم لغوية جعلها، و ذلك لوجود أصالة الفساد أعني به بقاء كل مال على ملك مالكه في جميع موارد أصالة الصحة.

و يمكن أن يكون وجه تقدمها على أصالة الفساد كونها أصلا موضوعيا، لجريانها في السبب الناقل لإثبات تماميته. بخلاف أصالة الفساد، فإنّها أصل حكمي مثبت لبقاء المالين على ملك مالكيهما.

(4) لعلّه إشارة إلى منع الحكومة، لعدم تسبّب أحد الشكّين عن الآخر، كتسبّب

______________________________

[1] لا يخفى أنّه يقع الكلام في أنّ الإسلام شرط أو الكفر مانع، و تظهر الثمرة في الشك. فعلى المانعية يمكن إحراز عدم المانع- أعني الكفر- بأصالة العدم، فإذا شكّ في كفر من يشتري العبد المسلم أمكن إحراز عدمه بالأصل المزبور. بل يكون هذا المورد من صغريات قاعدة المقتضي و المانع.

و بناء على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم لا بدّ من إحرازه في صحة البيع، و بدونه لا يحكم بصحته.

[2] لم يتعرّض المصنف قدّس سرّه للخدشة في الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» و لعلّه اتكالا على ما تقدم من المناقشة في الاستدلال بآية نفي السبيل. أو لأنّ

ص: 308

..........

______________________________

الشك في طهارة الثوب المتنجس- المغسول بالماء المستصحب الطهارة- عن الشك في طهارة الماء الذي غسل به الثوب.

أو إلى عدم جريان استصحاب الصحة، لتبدّل الموضوع، حيث إنّ الكفر و الإيمان أخذا في الأحكام بنحو الموضوعية، نظير المسافر و الحاضر، فإنّ جواز شراء العبد المسلم مختصّ بالمسلم، فإذا زال الإسلام فلا مجال لاستصحاب الصحة، لتبدل الموضوع، و هو إسلام المشتري بالكفر. و كذلك العبد الذي يجوز بيعه من الكافر فإنّما هو لأجل الكفر، فإذا زال و أسلم العبد فقد تبدّل الموضوع، فلا يجري استصحاب الصحة.

______________________________

الجملة خبريّة، و لا موجب لحملها على الإنشاء و النهي عن علوّ الكافر على المسلم بشي ء من الأسباب.

مع أنّ الحمل على الإنشاء لا يخلو من محذور، للزوم التخصيص مع إباء السياق عنه، أو لأنّه لا يجدي في إثبات بطلان نقل العبد المسلم الى الكافر. و بيانه على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: أن الجملة إن كانت مسوقة لنفي كلّ ما كان مصداقا للعلوّ من المجعولات الشرعية كالملكية و الزوجية و السلطنة فكأنه قيل: «ان المجعولات الشرعية الموجبة للعلوّ ثابتة في حق المسلم على الكافر، دون العكس» فالخبر و إن كان متكفلا لعدم تملك الكافر للعبد المسلم بالبيع و شبهه. و لكن يرد عليه أوّلا لزوم تخصيصه بموارد ثبوت الملكية للكافر على ما تقدم.

و ثانيا: أنّه لا يلتئم مع استدلال غير واحد من الفقهاء به في باب الجهاد على منع علوّ بناء دار الكافر على دار المسلم، و الوجه فيه: أن المفروض إرادة نفي العلو من حيث المجعول الشرعي. و أمّا إعلاء البناء خارجا فليس من مصاديق العلو المنفي شرعا. و جواز الإعلاء و إن كان قابلا للنفي، إلّا أنه ليس مصداقا للعلوّ. و سلطنة الكافر على إعلاء بنائه سلطنته على فعله لا على سلطنة المسلم ليكون مصداقا للعلو على المسلم.

و إن كانت الجملة مسوقة للحكم بعدم العلوّ على المسلم- بأنحاء العلوّ الاعتباري و التكويني- فتدل على عدم تملك الكافر للمسلم ابتداء، و على وجوب إزالته عند ثبوته بإرث و شبهه. و على عدم سلطنة الكافر على المسلم، و على عدم جواز إعلاء بنائه على بناء المسلم، إلّا أنّه لا يجدي في إثبات فساد بيع العبد المسلم من الكافر، لعدم اقتضاء حرمته

ص: 309

[لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات]

ثمّ إنّ الظاهر (1) أنّه لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات كالهبة و الوصيّة.

______________________________

أو إلى: أنّ عدم القول بالفصل لا يكفي في التعدّي من موردي استصحاب الصحة إلى سائر الموارد، إذ المجدي في التعدّي هو قيام الحجة على التلازم بين الحكمين واقعا كالقصر و الإتمام. و ذلك مفقود هنا، لكون الأحكام في المقام ظاهرية، لا واقعية، و التفكيك فيها كثير، كالتوضؤ غفلة بماء مردّد بين الماء و البول، فإنّ طهارة الأعضاء تلازم ارتفاع الحدث. مع أنّهم يفتون ببقاء الحدث و طهارة الأعضاء، لاستصحابهما.

مضافا إلى: أنّ مرجع عدم القول بالفصل إلى إثبات حكم موضوع لموضوع آخر، و هو قياس باطل، كما قيل، فليتأمّل.

هذا تمام الكلام في حكم نقل رقبة العبد المسلم إلى الكافر بالبيع أو الشراء، و سيأتي حكم نقلها بمثل الهبة و الصلح و الوصية.

(1) نقل العبد المسلم الى الكافر بغير البيع وجه هذا الظهور هو وجود ملاك جعل نفي السبيل- أعني به احترام المؤمن-

______________________________

المولوية للفساد، سواء أ كان تعلق النهي بعنوان المعاملة مثل «لا تبع العبد المسلم من الكافر» أم بعنوان عام و هو العلوّ المنطبق على التملك «1».

و لو كان النهي عن المسبّب بالنقل- و هو التملك كما سيأتي في (ص 361)- لاقتضى الفساد. فالأولى منع كون اعتبار الملكية علوّا كما لو ورث الكافر المصحف، أو وضع عند مسلم إلى أن يوجد الراغب في الشراء منه.

هذا كله بناء على دلالة الجملة على الإنشاء، لو تعذر الأخذ بظاهره من الاخبار بعلوّ معالم الدين الحنيف و موافقتها للفطرة الإلهية، و قوّة حجته. و لصاحب العناوين قدّس سرّه بحث مفصّل حول مدلول هذا الحديث، فراجعه «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 229

(2) العناوين، ج 2، ص 353- 356

ص: 310

[تمليك منافع المسلم للكافر]

و أمّا تمليك المنافع (1) [1] ففي الجواز مطلقا [2] كما يظهر من التذكرة «1».

______________________________

في جميع أنحاء التمليكات من الهبة و الوصية و الصلح و غيرها، فإنّ احترام المؤمن و كرامته ينافي المسبّب و هو التمليك، من غير فرق بين أسبابه كالبيع و غيره.

مضافا إلى دلالة قوله عليه السّلام: «لا تقرّوه عنده» و قوله عليه السّلام: «بيعوه من المسلمين» على عدم جواز تملك الكافر للمسلم مطلقا، سواء أ كان قراره عند الكافر بالشراء من مسلم أم بسائر نواقل الأعيان.

هذا كله في تمليك رقبة العبد للكافر، و سيأتي الأمر الثالث و هو حكم إجارته من الكافر.

(1) تمليك منافع المسلم للكافر هذا في قبال نقل رقبة العبد إلى الكافر، يعني: تمليك منافع المسلم من الكافر، بأن يؤجر الحرّ المسلم نفسه من الكافر، أو يؤجّر السيد عبده المسلم من الكافر لإنفاذ أعماله و قضاء حوائجه، فهل يكون هذا التمليك جائزا أم لا؟ فيه أقوال أربعة كما ستأتي.

و المراد بقوله: «مطلقا» ما يقابل التفصيل الآتي بقوله: «أو مع وقوع الإجارة ..

إلخ».

______________________________

[1] يعني: منافع العبد المسلم. و لا يخفى أنّ هذا العنوان لا يصلح أن يكون مصبّ الأقوال الأربعة التي ذكرها في المتن، لأنّ منها التفصيل بين كون الأجير المسلم حرّا و بين كونه عبدا، بجواز الإجارة في الأوّل دون الثاني. بل لا بدّ أن يكون المصبّ عمل المسلم حتى يصحّ انقسامه إلى الأقسام المذكورة.

[2] لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من «السبيل» دون الملك، لا بدّ من صحة تمليك المنافع، لأنّه ليس بأولى من تمليك العين، إذ المفروض أنّ الملك بدون السلطنة ليس سبيلا منفيّا عنه فضلا عن تعلق الحق و عن تمليك المنافع.

فالبحث هنا ليس في الكبرى، بأن يقال: إن آية نفي السبيل لا تشمل جميع أقسام

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 21

ص: 311

و مقرّب النهاية «1» (1)، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف «2»، أو مع (2) وقوع الإجارة على الذمّة كما عن الحواشي و جامع المقاصد و المسالك «3» (3)،

______________________________

و لا يخفى أنّ تمليك العين بنفسه بدون السلطنة إن لم يكن سبيلا منفيا شرعا، فلا بدّ أن يكون تمليك المنافع جائزا مطلقا.

(1) يعني: جعل العلّامة قدّس سرّه الجواز أقرب، حيث قال في النهاية: «يجوز أن يستأجر الكافر المسلم، على عمل في الذمة .. و إن وقعت على العين فالأقرب الجواز، حرّا كان الأجير أو عبدا، لأنّها لا تفيد ملك الرقبة، و لا تسلّطا تامّا، بل نفسه في يده أو يد مولاه.

و إنّما يستوفى منفعته بعوض. و يحتمل البطلان .. إلخ».

(2) هذا مقابل قوله: «مطلقا» و حاصله: أنّ جواز تمليك المنافع للكافر مشروط بوقوع الإجارة على الذمة، بأن يستأجر المسلم لعمل كالخياطة مطلقا مباشرة أو تسبيبا، بخلاف ما إذا استؤجر لعمل مباشرة، فإنّ المستأجر في الأوّل ليس له سلطنة على الأجير، بخلاف الثاني، فإنّ للمستأجر سلطنة عليه لاستيفاء حقه منه مباشرة.

(3) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و في حكم البيع- أي في البطلان- الإجارة الواقعة

______________________________

السبيل، و أنّ بعضها خارج عنها، بل يكون البحث صغرويا، و في تمييز السبيل عن غيرها.

و على هذا فلا بدّ من التأمّل في أنحاء الإجارات حتى يتميّز السبيل عن غيرها. فنقول:

إنّ في إجارة الأموال قد تكون العين تحت يد المستأجر كالدكان و الدار، و قد لا تكون تحت يده كالسفينة و السيارة و الطائرة، و السبيل في الأوّل صادق دون الثاني.

و كذا الحال في إجارة الأعمال، فإنّها تارة تقتضي كون العامل تحت استيلاء الكافر المستأجر سواء أ كان الأجير حرّا أم عبدا كالإجارة المطلقة الشاملة لجميع منافع الأجير حرّا كان أم عبدا. و اخرى لا تقتضيه، فينبغي التفصيل بين موارد الإجارة كما سيأتي في (ص 318).

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 457

(2) الخلاف، ج 3، ص 190، كتاب البيوع، المسألة: 319، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

(3) الحاكي عن حواشي الشهيد و عن جامع المقاصد و المسالك هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178، و لاحظ جامع المقاصد، ج 4، ص 63، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167

ص: 312

أو مع (1) كون المسلم الأجير حرّا [كما عن ظاهر الدروس] (2)، أو المنع (3) مطلقا [كما (4) هو ظاهر القواعد (5) و محكيّ الإيضاح] أقوال (6).

أظهرها الثاني (7)،

______________________________

على عينه. أمّا على ذمّته فالأجود الصحة».

(1) معطوف على «أو مع» و هذا إشارة إلى قول ثالث في المسألة و حاصله: جواز تمليك منافع المسلم للكافر إذا كان الأجير حرّا، و أمّا إذا كان عبدا فلا يجوز.

و حكي هذا القول عن الدروس، و لعلّه استفيد من قوله- بعد منع إجارة العبد المسلم من الكافر مطلقا- «و جوّزها- أي الإجارة- الفاضل في الذمة. و الظاهر أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» و قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بعد حكاية العبارة: «و يلوح منه الفرق بين إجارة الحرّ و العبد» «1».

(2) هذه الجملة شطب عليها في نسختنا، و أثبتناها لذكرها في نسخ اخرى، و لا بأس به، لتعرض الشهيد قدّس سرّه له في الدروس.

(3) معطوف على «الجواز» في قوله: «ففي الجواز مطلقا». و الحاصل: أنّ الأقوال في تمليك منافع المسلم للكافر أربعة، أوّلها الجواز مطلقا، و ثانيها: المنع مطلقا، و ثالثها:

الجواز مع وقوع الإجارة على الذمة، دون العين. و رابعها: الجواز مع كون الأجير حرّا.

(4) هذه الجملة أيضا شطب عليها في نسختنا، و لا بأس بذكرها كما في الجملة السابقة.

(5) قال في القواعد: «و هل يصحّ له استيجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع» و قال السيد العاملي في شرحه: «و مقتضى العبارة في الاستئجار المنع مطلقا سواء كانت في الذمة أو على عين كما هو خيرة الإيضاح و الدروس» «2».

(6) مبتدء مؤخّر لقوله: «ففي الجواز مطلقا».

(7) و هو وقوع الإجارة على الذمة، كما إذا آجر مسلم نفسه لخياطة ثوب لكافر، أو آجر السيد عبده المسلم كذلك.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 413، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

ص: 313

فإنّه (1) كالدين ليس ذلك سبيلا، فيجوز.

و لا فرق (2) بين الحرّ و العبد، كما هو (3) ظاهر إطلاق كثير: كالتذكرة و حواشي الشهيد و جامع المقاصد، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف نفي الخلاف فيه، حيث قال فيه: «إذا استأجر كافر مسلما (4) لعمل في الذّمّة صحّ، بلا خلاف. و إذا استأجره مدّة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا (5) صحّ أيضا عندنا» انتهى «1».

______________________________

و الوجه في الجواز: أنّ مجرد اشتغال ذمة مسلم لكافر ليس سبيلا له على مسلم، و إنّما تكون هذه الإجارة كاقتراض المسلم من الكافر في عدم كونه سبيلا للكافر عليه كاقتراض مسلم من مثله.

(1) يعني: فإنّ وقوع الإجارة على الذمة يكون كالدين في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(2) يعني: و لا فرق في صحة الإجارة من الكافر بين كون الأجير المسلم حرّا و عبدا، إذ بعد فرض عدم كون الإجارة على الذمة سبيلا منفيّا لا وجه للتفصيل بين كون الأجير حرّا و عبدا، و لا لتخصيص الجواز بالحرّ كما كان ظاهر الدروس.

(3) يعني: كما أنّ عدم الفرق بين الحرّ و العبد ظاهر إطلاق كثير من الفقهاء. بل في خلاف الشيخ قدّس سرّه نفي الخلاف في هذا الإطلاق. لا أنّ الإطلاق ظاهر كثير كالتذكرة.

و عليه فقوله: «كالتذكرة و ..» بيان للكثير. قال العلامة: «يجوز أن يستأجر الكافر مسلما في ذمته ..» و الشاهد في إطلاق «مسلما» و شموله للحر و العبد.

(4) فإنّ إطلاق قوله: «مسلما» يشمل الحرّ و العبد، فهو منشأ قوله: «ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة .. إلخ».

(5) هذا هو العمل المباشري المقابل لوقوع الإجارة في الذمة الذي قال فيه في الخلاف: «صح بلا خلاف» لظهور قوله: «ليعمل عملا» في العمل مباشرة. فالإجارة على

______________________________

(1) تقدمت المصادر آنفا.

ص: 314

و ادّعى (1) في الإيضاح «أنّه لم ينقل من الأمّة فرق بين الدين و بين الثابت في الذمّة بالاستيجار».

خلافا للقواعد و ظاهر الإيضاح، فالمنع مطلقا (2)، لكونه سبيلا.

و ظاهر الدروس التفصيل بين العبد و الحرّ، فيجوز في الثاني دون الأوّل، حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا (3)، قال (4) «و جوّزها الفاضل، و الظاهر (5) أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» انتهى «1».

______________________________

عمل مباشريّ صحيحه أيضا عند الأصحاب كما في الخلاف، لظهور قوله: «عندنا» في الإجماع لكن لا إجماع مع كون المسألة خلافية.

(1) الغرض من نقل كلام الإيضاح تأييد ما اختاره من القول الثاني، و هو وقوع الإجارة في ذمة المسلم، لا وقوعها على المسلم مباشرة. و حاصله: أنّ اشتغال ذمّة المسلم للكافر بسبب الإجارة يكون كاشتغال ذمته للكافر بسبب الاقتراض منه في الجواز و عدم الاشكال، لعدم كون مجرّد اشتغال ذمة المسلم للكافر سبيلا له عليه.

هذا ما استدل به فخر الدين قدّس سرّه للقول بالجواز، و لكنه لم يرتضه، لذهابه إلى المنع في الإجارة و الرهن معا، فلاحظ.

(2) يعني: سواء أوقعت الإجارة على الذمة أم على وجه المباشرة، لكون الإجارة مطلقا سبيلا. و سواء أ كان الأجير حرّا أم عبدا، و هذا الإطلاق يكون في قبال تفصيل الدروس بين العبد و الحرّ بالجواز في الثاني دون الأوّل.

(3) سواء أوقعت الإجارة على العين أم على الذمة.

(4) يعني قال الشهيد قدّس سرّه في الدروس: «و جوّز الفاضل الإجارة». و العبارة لا تخلو من سماجة، و كان الأولى بسلاستها أن يقول المصنف: «حيث قال بعد أن منع ..:

و جوّزها ..» إذ لا حاجة إلى الجمع بين الذّكر و القول.

(5) هذا أيضا كلام الشهيد، و غرضه توجيه كلام الفاضل- و هو العلامة قدّس سرّه- بأنّه أراد إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم، فحينئذ يتفق الفاضل و الشهيد بناء على ما استظهره الشهيد من عبارته في جواز استيجار الحرّ المسلم.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

ص: 315

و فيه (1) نظر، لأنّ ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا [1] و لو كان على العين.

نعم (2) يمكن توجيه الفرق بأنّ يد المستأجر على الملك (3) الذي ملك منفعته.

بخلاف الحرّ، فإنّه لا يثبت للمستأجر يد عليه و لا على منفعته، خصوصا (4) لو قلنا

______________________________

(1) يعني: و في استظهار الدروس جواز استيجار الحرّ المسلم من كلام الفاضل- دون العبد المسلم- نظر و إشكال. وجه النظر: أنّ الفاضل في كتاب التذكرة ذكر ما ظاهره جواز إجارة العبد المسلم من الكافر، و مع هذا الظهور كيف يستظهر من عبارته جواز إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم؟

(2) استدراك على ما أورده على الشهيد بقوله: «و فيه نظر، لأنّ ظاهر الفاضل ..».

و حاصله: أنّه يمكن توجيه الفرق- بين جواز إجارة الحرّ المسلم و عدمه في العبد المسلم- بأنّ يد المستأجر ثابتة على الملك الذي ملك منفعته، و يترتب عليه آثار اليد. و هذا يكون في العبد المسلم، و هو سبيل منفي بالآية المباركة. بخلاف الحرّ، فإنّه لا يدخل تحت اليد لا نفسا و لا منفعة حتى يثبت للمستأجر سبيل على الأجير، و لذا يجوز للكافر استيجار الحرّ المسلم دون العبد المسلم.

(3) خبر قوله: «أن يد» أي: أن يد المستأجر الكافر ثابت على العبد المسلم.

(4) وجه الخصوصية: أنّه لا ملكية للمنفعة حينئذ حتى يقال: إنّ الكافر لا يملك منفعة الحرّ.

______________________________

[1] قد يقال: إنّه لا مورد لبيان هذا الإطلاق، لأنّ محلّ البحث هو التعميم و التخصيص من حيث الحرّية و العبودية، لا من حيث وقوع الإجارة على العين أو الذمة، لتقدم بحثه سابقا، هذا «1».

لكنّه لا ضير في بيان هذا الإطلاق بعد وضوح كون التعميم و التخصيص من حيث مورد الإجارة أيضا محلّ البحث و الخلاف، و إن كان خارجا عن جهة البحث، و هي التعميم و التخصيص من حيث الحرية و العبودية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 162

ص: 316

بأنّ إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة [1]، فتأمّل (1).

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في ثبوت السلطنة- التي هي السبيل- بين تمليك المنفعة و تمليك الانتفاع.

أو إشارة إلى: أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين الإجارة و الإعارة.

إلّا أن يقال: إنّ في الإعارة ليس إلّا مجرد الإذن و الإباحة في الانتفاع من دون تمليك. بخلاف الإجارة، فإنّها تمليك المنفعة أو الانتفاع.

أو إشارة إلى: أنّ الاستيلاء المقصود في المقام غير اليد التي يكون إخبار ذيها حجة، فإنّ تلك اليد مختصة بالمملوك. و أمّا الاستيلاء الذي يكون مقدمة لاستيفاء المال فهو ثابت على كلّ من الحرّ و العبد.

هذا ما يتعلق بإجارة العبد، و سيأتي الكلام في الأمر الرابع، و هو حكم جعله رهنا بيد الكافر.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من السبيل المنفي في الآية المباركة- و البناء على إبائها عن التخصيص- لا بدّ أن يكون النزاع في جواز إجارة العبد المسلم و إعارته و غيرهما من الكافر صغرويّا، إذ المفروض إباء السبيل عن التخصيص ببعض أفراده حتى يكون النزاع كبرويّا. فاللازم تنقيح الصغرى، و تعيين ضابط لها حتى يظهر حال الأقوال فيها، فنقول و به نستعين:

إنّ السبب الموجب لارتباط الكافر اعتبارا بالمسلم تارة يكون مقتضيا لاستيلائه على المسلم، فلا يصح. و اخرى: لا يكون مقتضيا لذلك، فيصح بلا إشكال.

و يتطرّق هذان النحوان في باب الإجارة، فإجارة الأعيان قد تقتضي استيلاء المستأجر عليها كإجارة الدار و الدكّان و نحوهما من الأعيان التي يستوفي المستأجر منفعتها إذا كانت تحت يده، و قد لا تقتضي الإجارة استيلاء المستأجر عليها، كإجارة السيارة و السفينة للحمل.

و كذلك إجارة الأعمال، فإنّها قد تقتضي استيلاء المستأجر الكافر على الأجير المسلم كالإجارة المتعلقة بجميع منافع المسلم حرّا كان أو عبدا، بحيث يملك الكافر جميع منافع

ص: 317

..........

______________________________

المسلم، فإنّ هذه الإجارة سبيل له على الأجير المسلم حرّا كان أو عبدا، فلا تصح.

و كذا الأجير الخاص، كما لو استأجر الكافر مسلما لعمل خاص كخياطة ثوب بمباشرته، بحيث لا يكون للأجير أن يعمل في مدة الإجارة لغير المستأجر الكافر، فإنّه سبيل له على المسلم، فلا تصح هذه الإجارة.

و قد لا تقتضي إجارة الأعمال استيلاء المستأجر الكافر على المسلم، كما إذا استأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته كخياطة و نجارة. أو آجر السيد عبده كذلك، فإنّ هذه الإجارة لا توجب سبيلا للكافر على المسلم، بل هي نظير الاقتراض من الكافر في أنّ مجرد مطالبة دينه من المسلم المقترض منه لا يكون سبيلا له على المسلم.

و بالجملة: فلا محيص عن مراعاة هذا الضابط في غير الإجارة من العقود أيضا. فكلّ عقد يقتضي استيلاء الكافر على المسلم لا يصحّ، لكونه سبيلا له على المسلم. و كلّ عقد لا يقتضي ذلك- و لو بمعونة الشرط كارتهان العبد المسلم عند الكافر بشرط أن يكون عند مسلم- يصح، لعدم كونه سبيلا على المؤمن.

و عليه فإطلاق عقد الرهانة يقتضي أن تكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه، فلا يصح هذا الرهن. و أمّا مع شرط كون المرهونة عند المسلم فيصح الرهن.

و المراد باقتضاء العقد دلالة العقد بذاته أو بمعونة الشرط على معنى يستلزم سلطنة الكافر على المؤمن أو عدمها، كاقتضاء إطلاق عقد الرهن لكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه. و هذا يقتضي سلطنة الكافر على المسلم، و هي سبيل منفي بالآية الشريفة. كما أنّ شرط كون الرهينة عند مسلم لا عند المرتهن الكافر يوجب انتفاء سلطنة الكافر عليه.

فالنتيجة: أنّ الارتهان عند الكافر غير صحيح على الأوّل، لكونه سبيلا له على المؤمن، و صحيح على الثاني، لانتفاء السبيل فيه.

و لو شكّ في تحقق السبيل في بعض العقود، كإجارة الأموال فيما إذا توقف استيفاء المستأجر منفعة العين كالدكان على أن تكون بيده، لاحتمال كون هذه اليد سلطنة منفية بالآية الشريفة، و كونها وسيلة لأخذ حقّه، نظير مطالبة الدائن دينه من المديون في عدم كون ذلك سلطنة له على المديون، فالمرجع- بعد عدم أصل موضوعي- هو أصالة عدم مانعية هذه اليد

ص: 318

[رهن العبد المسلم عند الكافر]

و أمّا (1) الارتهان عند الكافر، ففي جوازه مطلقا (2) كما عن ظاهر نهاية الإحكام (3)،

______________________________

(1) رهن العبد المسلم عند الكافر أي: جعل العبد المسلم عند الكافر وثيقة للدّين. و هذا رابع الأمور المتعلقة بالعبد المسلم من حيث العقد عليه مع الكافر، و هو جعله رهنا للدين. و فيه وجوه- بل أقوال- أربعة كما نقله المصنف قدّس سرّه عن الأصحاب.

(2) هذا الإطلاق في قبال التفصيل الآتي بين وضع العبد تحت يد الكافر، فلا يجوز الرهن، و بين وضعه عند مسلم إلى أداء الدين، فيجوز.

(3) قال العلّامة قدّس سرّه فيه: «يصحّ للكافر أن يرتهن العبد المسلم، إذ لا تسلط فيه عليه» «1».

______________________________

[1] التي يتوقف عليها استيفاء منفعة الدار أو الدكان.

و مثل إيداع العبد المسلم عند الكافر في الجواز و عدم المنع- لعدم كونه سبيلا للكافر على المسلم- توكيل مسلم كافرا في بيع العبد المسلم من مسلم، أو شرائه له. و كذا في غيره من سائر التجارات. و كذا في استيفاء الديون و الحقوق للدّيّان و ذوي الحقوق، فإنّ ذمة المسلم إذا اشتغلت بمال للكافر بسبب بيع السلف أو النسية أو الاقتراض أو غيرها يجوز للكافر استيفاء ما في ذمة المسلم مباشرة و تسبيبا و لو بتوكيل كافر مثله.

و ليست هذه التسليطات سبيلا منفيّا، لعدم كونها سلطنة على التصرف في رقبة العبد، بل ليس له إلّا حقّ المطالبة بتفريغ ذمته عن مال الغير، كمطالبة مسلم من مثله، فلا مانع من تفويض هذا الحق إلى كافر مثله، هذا في الديون.

و أمّا الحقوق كالخيار و الشفعة و غيرهما، فلا مانع أيضا من أن يوكّل المسلم أو الكافر المستحق لها كافرا مثله في استيفائها.

و بالجملة: فكل ما يجوز للكافر مباشرة يجوز له تسبيبا. فإذا كان لكافر حقّ الشفعة على مسلم جاز له أن يوكّل كافرا في استيفائه منه. و إذا كان حق الشفعة لمسلم و وكّل كافرا في استيفائه، فأولى بالجواز، لأنّ السبيل لمسلم على مسلم.

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 458، و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179

ص: 319

أو المنع (1) كما في القواعد و الإيضاح، أو التفصيل (2) بين ما لم يكن تحت يد الكافر، كما إذا وضعاه (3) عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط و القواعد و الإيضاح في كتاب الرهن (4)، و الدروس و جامع المقاصد و المسالك «1»، أو التردّد (5) كما عن التذكرة،

______________________________

(1) معطوف على «جوازه» و ظاهره المنع مطلقا أيضا، كما تقدم نقل عبارة بيع القواعد في (ص 313) «2».

(2) معطوف أيضا على «جوازه» و هذا قول ثالث في المسألة.

(3) يعني: كما إذا وضع المولى و الكافر المقرض العبد المسلم عند مسلم، حتى لا يكون للكافر الدائن يد على العبد المسلم.

(4) التقييد بكتاب الرهن للتنبيه على تعدد رأي العلامة و فخر المحققين في جواز رهن العبد المسلم عند الكافر، ففي كتاب البيع من القواعد رجّحا المنع مطلقا، كما تقدم آنفا، و في كتاب الرهن منه يستفاد التفصيل المذكور في المتن. قال: «و لا- أي: و لا يصح رهن- العبد المسلم أو المصحف عند الكافر، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز» «3». و رجّحه المحقق الثاني، و منع ما تقدم في بيع القواعد، فراجع.

(5) معطوف أيضا على «جوازه» يعني: أو التردد في جواز ارتهان العبد المسلم عند الكافر و عدمه، و التوقف في حكم المسألة.

و لم أقف على تردّد العلامة في التذكرة بعد ملاحظة البيع و الرهن، و لا في مفتاح الكرامة. و لعلّ المصنف استظهر ذلك من عدم ترجيح أحد الوجهين، حيث قال:

«في صحة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي، و سيأتي» «4». و لكنه منع ذلك في باب

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 83، و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 232، الدروس الشرعية، ج 3، ص 390، جامع المقاصد، ج 4، ص 63، و ج 5، ص 51، مسالك الأفهام، ج 4، ص 24

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 413

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 11

________________________________________

(4) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 21 (الطبعة الحديثة) ج 1، ص 463 (الطبعة الحجرية) و كذلك ج 2، ص 19

ص: 320

وجوه (1). أقواها الثالث (2)، لأنّ (3) استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل، بخلاف استحقاقه لأخذ حقّه من ثمنه (4).

[إعارة العبد المسلم من كافر]

و أمّا إعارته (5) من كافر، فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد (6)

______________________________

الرهن فقال: «فالأقرب المنع، لما فيه من تعظيم شأن الإسلام ..».

(1) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي جوازه».

(2) و هو التفصيل بين كون العبد المسلم المرهون عند المسلم، فيجوز، و بين كونه عند الكافر فلا يجوز. و الوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم في الصورة الثانية، و هي كون المسلم عند الكافر، لأنّ استحقاقه لكون المسلم عنده سبيل له على المسلم. بخلاف الصورة الأولى، فإنّ مجرد استحقاق الكافر لأخذ حقّه من ثمن العبد المسلم ليس سبيلا للكافر عليه، كاستحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(3) تعليل لما اختاره من الوجه الثالث، و قد اتّضح بقولنا: «و الوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم». و هذا بخلاف استحقاق الكافر لأخذ دينه من ثمن العبد المسلم، لأنّه ليس سبيلا للكافر على المسلم، نظير استحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه.

(4) أي: من ثمن العبد المسلم.

إعارة العبد المسلم من كافر

(5) يعني: إعارة العبد المسلم من كافر. و هذا خامس الأمور المتعلقة بالتصرف في العبد المسلم، و هو جعله عارية عند كافر.

و المصنف قدّس سرّه تبعا لجماعة نفى البعد عن منعها، لأنّ الإعارة تسليط للكافر على الانتفاع بالمسلم، و هو سبيل منفيّ بالآية الشريفة.

(6) قال فيها: «و يحرم إعارة العبد المسلم من الكافر» «1».

و التقييد ب «عارية القواعد» للتنبيه على إجمال ما في بيع القواعد، لقوله:

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 193، جامع المقاصد، ج 4، ص 65

ص: 321

و جامع المقاصد و المسالك، بل (1) عن حواشي الشهيد رحمه اللّه «أنّ الإعارة و الإيداع أقوى منعا من الارتهان» «1».

و هو (2) حسن في العارية، لأنّها تسليط على الانتفاع، فيكون سبيلا و علوّا.

و محلّ (3) نظر في الوديعة؛

______________________________

«و الأقرب جواز الإيداع له و الإعارة عنده» «2». فهل المراد جواز جعل العبد المسلم عارية عند الكافر كما استفاده السيد العميد «3»، فيكون مخالفا لما في عارية القواعد، و لذا قال المحقق الثاني قدّس سرّه في كتاب العارية: «هذا عدول عمّا ذكره في التجارة، إلّا على بعض المحامل التي نزّلنا عليها العبارة هناك» «4». أم جواز جعل المسلم عبده الذّمّي عارية عند المسلم أو عند الكافر، و حينئذ فلا تدلّ العبارة على صحة إعارة العبد المسلم للكافر؟ كما حكي عن حواشي الشهيد قدّس سرّه، فلا يكون هناك عدول- عمّا في بيع القواعد- إلى المنع الذي هو صريح عاريته. أم أنّ المراد شي ء آخر، فراجع جامع المقاصد و مفتاح الكرامة «5».

(1) الوجه في الإتيان ب «بل» هو ظهور كلام العلّامة و المحقق الثاني قدّس سرّهما في استواء الرهن و العارية في المنع. و لكن الشهيد قدّس سرّه جعل المنع في العارية و الوديعة أقوى في الرهن، لأنّ المرتهن ممنوع من التصرف و استخدام العبد، فقد يخفى صدق «السبيل» فيه.

بخلاف العارية التي يثبت بها التسلط على الانتفاع، و هو سبيل بلا ريب، و المفروض كون مطلق السبيل منفيا بالآية الشريفة.

(2) يعني: و كون المنع أقوى حسن في العارية دون الوديعة، لتحقق السبيل و العلو في الإعارة كما مرّ آنفا، و عدم تحقق السلطنة و الاستيلاء في الوديعة حتى تشملها الآية المباركة.

(3) معطوف على «حسن» يعني: و كون المنع أقوى محل نظر في الوديعة.

______________________________

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17

(3) كنز الفوائد، ج 1، ص 383

(4) جامع المقاصد، ج 6، ص 62

(5) جامع المقاصد، ج 4، ص 62- 65، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179 و 180

ص: 322

لأنّ التسليط (1) على الحفظ، و جعل (2) نظره إليه مشترك بين الرهن و الوديعة، مع زيادة (3) في الرهن

______________________________

(1) هذا بيان لوجه النظر، و توضيحه: أنّ وجه المنع مشترك بين الرهن و الوديعة.

لكون كلّ من المرتهن و الودعي مسلّطين على العين المرهونة و الوديعة، و يكون نظر كلّ منهما متّبعا في حفظهما. إلّا أنّ الفارق بين الأمرين- حيث قالوا بمنع رهن العبد المسلم من الكافر دون إيداعه عنده- هو: أنّ في الرهن زيادة لم تتحقق في الوديعة، و هي: أنّ المرتهن منع الراهن المالك للعبد من التصرف فيه إلّا بإذنه، و كذا له إلزام السيد ببيع العبد لاستيفاء الدين، و هذه الزيادة أوجبت بطلان رهن العبد المسلم عند الكافر، لكونه سبيلا له عليه.

بخلاف تسلط الودعي على الحفظ، لكونه محض استئمان و يرجع إلى نفع المسلم، لا إلى ضرره كي يكون سبيلا عليه، فلذا يسهل الأمر في جواز إيداع العبد المسلم عند الكافر.

(2) معطوف على «التسليط» و ضمير «نظره» راجع إلى العبد المسلم، و ضمير «إليه» راجع إلى الكافر. و قوله: «مشترك» خبر «لأنّ».

(3) تظهر هذه الزيادة من كلمات القائلين بصحة رهن العبد المسلم من الكافر لو وضع عند مسلم، و قد ذكرها السيد العاملي قدّس سرّه في مقام الاحتجاج لصحة هذا الرهن.

إلّا أن صاحبي الرياض و الحدائق تشبّثا بهذه الزيادة في مقام الإيراد على من قال بجواز رهن العبد المسلم عند الكافر إذا وضع عند مسلم، و ببطلان جعل الخمر رهنا عند المسلم إذا وضعها الراهن عند ذمّيّ.

قال سيّد الرياض: «و من هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم و المصحف عند كافر و لو وضع عند مسلم، فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفيّ آية و اتفاقا. و قيل بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم، لانتفاء السبيل بذلك .. و فيه نظر، مع غموض الفرق بينه و بين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور» «1».

و نحوه كلام المحدّث البحراني في النقض على الأكثر القائلين ببطلان جعل الخمر رهنا عند مسلم و لو بالوضع عند ذمّيّ، فراجع «2».

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 9، ص 196 (ج 1، ص 582) الحجرية.

(2) الحدائق الناضرة، ج 20، ص 250

ص: 323

- التي قيل من أجلها بالمنع (1)- و هي (2) التسلّط على منع المالك عن التصرّف فيه إلّا بإذنه، و تسلّطه (3) على إلزام المالك ببيعه.

و قد صرّح في التذكرة «1» بالجواز في كليهما (4).

[وقف الكافر عبده المسلم]

و ممّا ذكرنا (5) يظهر عدم صحّة وقف الكافر عبده المسلم

______________________________

و المتحصل من كلامهما: أنّ يد الودعي يد المودع، فكما أنّ جعل الخمر وديعة عند الذّميّ لا تنفي سلطنة المسلم عليها، فكذا سلطنة الكافر المرتهن للعبد المسلم على البيع باقية و لو كان العبد في المدّة عند مسلم، فما الفارق بين المسألتين؟

و الظاهر أنّ تعبير المصنف ب «قيل» إشارة إلى ضعفه، و أنّ مجرّد منع المالك عن التصرف في العين المرهونة و تسلّط الراهن على إلزام المالك بالبيع، لا يقتضي بطلان الرهن. قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و لا يستلزم- أي الرهن- استحقاق تملك، و إنّما يستلزم منع المالك عن التصرف. و ذلك لا يستلزم سبيلا للغير، لأنّه ممنوع أيضا، و يستلزم إيفاء دينه من ثمنه .. و البائع هو الوكيل أو الحاكم. و على كلا التقديرين هو ليس بسبيل» «2».

(1) أي: منع رهن العبد المسلم من الكافر.

(2) أي: الزيادة التي تكون في الرهن عبارة عن منع المالك عن التصرف في العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن، و هو الكافر هنا.

(3) معطوف على «التسلط» و الضمير راجع إلى المرتهن.

(4) الضمير راجع إلى العارية و الوديعة، و الأولى أن يقال: «كلتيهما».

هذا تمام الكلام في حكم وضع العبد المسلم- عند الكافر- عارية أو وديعة.

و سيأتي الكلام في الوقف.

(5) وقف الكافر عبده المسلم أي: من عدم جواز إعارة المسلم من الكافر لكونه تسليطا على الانتفاع- و هو

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 22

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 83

ص: 324

على أهل ملّته (1).

[المقصود من الكافر هنا]

ثمّ إنّ (2) الظاهر من الكافر [1]

______________________________

سبيل له على المسلم، و ذلك منفي بالآية المباركة- يظهر عدم صحة وقف الكافر العبد المسلم على أهل ملّته، و هم الكفار. و ذلك لأنّ الوقف عليهم تسليط منهم على المسلم، و هو السبيل المنفي في الشريعة.

(1) أي: ملّة الكافر، و الملّة هي الشريعة أو الدّين.

و قيل في الفرق بين الملّة و الدين: إنّ الملّة هو المنزّل من اللّه تعالى إلى أنبيائه، و الدّين هو العمل بذلك المنزّل. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

(2) المقصود من الكافر هنا هذا شروع في ثانية جهات البحث في هذه المسألة، و الغرض من التعرض له تنقيح الموضوع، و هو الكافر و المسلم المجعولان لأحكام، فيقع الكلام في مقامين.

و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في المقام الأوّل: أنّ الظاهر من الكافر هو كلّ من حكم بنجاسته و إن انتسب إلى الإسلام كالنواصب، و هم المتدينون ببغض مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه. و ليس المراد من الكافر هنا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة كما قيل: إنّه الظاهر من الكافر.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الكفر لغة هو الجحود، ففي المجمع: «وَ لٰا تَكُونُوا أَوَّلَ كٰافِرٍ بِهِ، أي:

أوّل من كفر به و جحد» إلى أن قال: «فقد كفر باللّه جحد، فالكافر الجاحد للخالق .. و الكفور الجحود، يجحد الخالق مع هذه الأدلة الواضحة» «1».

و على هذا فاستعمال الكفر في الجحود مطلقا- من جحود الخالق و الرّسول و إنكار الضروري- استعمال في معناه اللغوي، لكونه استعمالا في أفراد المعنى الكلّي اللغوي، و لم يثبت له حقيقة ثانوية تخصّصية أو تخصيصية، و إن كان جحود خاص موضوعا لأحكام شرعية كالسفر و الحضر. لكنه لا يوجب وضعا ثانويا له.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 474

ص: 325

كلّ من حكم بنجاسته [1] و لو انتحل الإسلام، كالنواصب و الغلاة و المرتدّ، غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية (1)، و لذا (2) استدلّ الحنفيّة- على ما حكي عنهم- ب «لن يجعل» على حصول [لحصول] البينونة بارتداد الزوج «1».

و هل يلحق بذلك (3) أطفال الكفّار؟

______________________________

(1) لا ضير في عدم وجود هذه الأفراد- في عصر النزول- بعد كون القضية حقيقية.

(2) أي: و لأجل كون الظاهر من الكافر كلّ من حكم بنجاسته- لا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة- استدلّ الحنفية بالآية على حصول البينونة و انقطاع علقة الزوجية بسبب ارتداد الزوج مطلقا و لو بإنكار ضروريّ من ضروريّات الدين.

فلو كان المراد من الكافر في آية نفي السبيل خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة لم يصح الاستدلال المذكور، لعدم كون المنكر لضروريّ مطلقا منكرا للتوحيد أو الرسالة.

و تعرض المصنف لاستدلال الحنفية إنّما هو لأجل كونهم من أهل اللسان كغيرهم ممّن هو فاسد المذهب إذا كان من أهل اللسان، فلا يرد عليه ما في بعض الحواشي من عدم حجية فهم الحنفية.

(3) أي: هل يلحق بالكفّار أطفالهم في الأحكام، كعدم جواز تمليك العبد المسلم و عدم تمليك منفعته، و ارتهانه، و إعارته من الكافر؟ أم لا يلحق أطفالهم بكبارهم.

و فرض المسألة هو: أن يكون المتصدّي لشراء العبد المسلم لطفل الكافر مسلما، كما إذا كان وصيّا له من قبل أبيه أو جدّه الكافرين، فإنّه يتجه البحث عن حكم هذا

______________________________

و عليه فتعريف الكافر بما في المتن تعريف باللازم، لا بالذاتي، بل ليس تعريفا باللازم أيضا، لعدم تسلّم نجاسة الكافر مع اختلافهم في نجاسة الكتابي.

[1] لا يخفى أنّ مقتضى عكس نقيضه هو «كلّ من لا يحكم بنجاسته ليس بكافر» مع أنّه يمكن أن يكون كافرا و لا يكون نجسا، كما قيل بطهارة الكتابي.

______________________________

(1) راجع الفقه على المذاهب الأربعة، ج 4، ص 223، و فيه «لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحوال، و يفرّق بينهما عاجلا بدون قضاء».

ص: 326

فيه اشكال (1).

و يعمّ (2) المسلم المخالف،

______________________________

الشراء صحة و فسادا. و أمّا لو كان المتصدي لشراء العبد المسلم- بمال الطفل الكافر- كافرا، فهو مشمول للبحث السابق من منع سبيل الولي الكافر على العبد المسلم.

(1) من عدم صدق «الكافر» حقيقة على أطفالهم، سواء أ كان الكفر وصفا وجوديّا مضادّا للإيمان، أم عدميّا.

أمّا على الأوّل فواضح. و أمّا على الثاني فلأنّ الكفر بمعنى عدم الإسلام، و من المعلوم أنّ التقابل بين الإسلام و الكفر تقابل العدم و الملكة، لا تقابل السلب و الإيجاب.

و عدم الملكة منتف في أطفال الكفار، فلا يلحق الأطفال بالبالغين.

و من كون المراد بالكافر أعمّ من الحقيقي و الحكمي، فيلحقون بكبارهم، لأنّ هذه الأعمية مقتضى حكومة [1] ما دلّ على كون أطفالهم بمنزلة كبارهم في الأحكام و الآثار.

و لو شك في شمول أدلة المنع لأطفالهم فمقتضى عمومات الصحة صحة انتقال المسلم إلى طفل الكافر، لمرجعيّة العام في المخصص المجمل المفهومي الدائر بين الأقل و الأكثر، و للاقتصار في التخصيص على القدر المتيقن و هو الكافر البالغ.

(2) هذا هو المقام الثاني ممّا تعرّض له في الجهة الثانية- أي المراد بالمسلم في هذه المسألة- و محصله: أنّ المراد بالمؤمنين في آية نفي السبيل ما يعم السنّي الفاقد للولاية، و لا يختص بالشيعي، و ذلك لأنّه مسلم، فيعلو و لا يعلى عليه. و اختصاص إطلاق «المؤمن» على الشيعي صار من زمان الصادقين عليهما السّلام. فالمؤمن الذي يطلق على الشيعي إمّا منقول، و إمّا مشترك لفظي، و إمّا مجاز مشهور، و الثاني غير بعيد.

______________________________

[1] هذه الحكومة غير ظاهرة، لتوقفها على عموم دليل تنزيل الأطفال منزلة البالغين.

و لم نعثر- إلى الآن- على هذا الدليل. و المتيقن هو ثبوت بعض الأحكام للأطفال كالنجاسة، و التبعية في السّبي. فآية نفي السبيل لا تشمل أطفال الكفار، فنقل العبد المسلم إلى طفل الكافر بتوسط وليّه المسلم لا بأس به. نعم يشكل ذلك إذا كان بتوسط وليّه الكافر، لتحقق السبيل حينئذ للكافر على المؤمن.

ص: 327

لأنّه مسلم (1)، فيعلو و لا يعلى عليه.

و المؤمن (2) في زمان نزول آية «نفي السبيل» لم يرد به (3) إلّا المقرّ بالشهادتين.

و نفيه (4) عن الأعراب «الّذين قالوا آمنّا» بقوله (5) تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1» إنّما (6) كان لعدم اعتقادهم بما أقرّوا (7). فالمراد بالإسلام

______________________________

و عليه فالعبد المسلم- سواء أ كان إماميّا أم عاميّا- يحرم بيعه من الكافر.

(1) حيث إنّه مقرّ بالشهادتين، و هو المناط في إسلام شخص.

(2) مبتدء خبره جملة «لم يرد» و هذا إشارة إلى إشكال و دفع. أمّا الإشكال فهو:

أنّ المذكور في آية نفي السبيل هو المؤمن المغاير للمخالف، فبأيّ وجه يشمل المخالف، و يقال: بعدم جواز انتقال العبد السّنّي إلى الكافر؟

و أمّا الدفع فهو: أنّ المراد بالمؤمن في زمان نزول الآية هو المقرّ بالشهادتين، فالمسلم أعمّ مطلقا من المؤمن المصطلح الحادث، إذ كلّ مؤمن مسلم، و لا عكس.

(3) أي: بالمؤمن في آية نفي السبيل. و هذا إشارة إلى الدفع الّذي اتضح بقولنا:

«و اما الدفع فهو ان المراد .. إلخ».

(4) مبتدء خبره جملة «إنما كان» أي: و نفي الإيمان عن الأعراب. ثم إنّ هذا إشارة إلى وهم و دفع. و محصل الوهم هو: أنّ إرادة المقرّ بالشهادتين فقط من المؤمن في آية نفي السبيل- بدون زيادة الاعتراف بالإمامة على ذلك- تنافي نفي الإيمان عن الأعراب الذين قالوا: آمنّا و اعترفنا بالشهادتين، بقوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

(5) متعلق ب «نفيه».

(6) هذا دفع الوهم المذكور، و حاصله: أنّ نفي الإيمان عن الأعراب ليس لبيان الفرق بين الايمان و الإسلام، بل نفيه عنهم إنّما هو لأجل عدم اعتقادهم بما أقرّوا به، فالمنفي هو الاعتقاد بالشهادتين، و المثبت هو التلفّظ بهما.

(7) كذا في النسخ، و المناسب إضافة «به» إليه حتى يتحقق العائد إلى الموصول في «بما».

______________________________

(1) سورة الحجرات، الآية 14

ص: 328

هنا (1) أن يسلم نفسه للّه و رسوله في الظاهر لا الباطن. بل (2) قوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ دلّ على أنّ ما جرى على ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب.

و الحاصل: أنّ الإسلام و الإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد (3).

و أمّا (4) ما دلّ على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية، فهو (5) لا يقاوم

______________________________

(1) أي: في آية نفي السبيل، فالإسلام مع عدم اعتقادهم بما أقرّوا به من الشهادتين ظاهريّ لا باطني، بأن يسلّموا أنفسهم للّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الظاهر و عند الناس، لا الباطن.

(2) يعني: بل يطلق الإيمان أيضا على الإسلام الصوري على ما يستفاد من قوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ حيث إنّ الجاري على ألسنتهم من الشهادتين إيمان في خارج القلب، كما أنّ الاعتقاد بالشهادتين إيمان في داخل القلب. فكل من المتلبّس بالايمان اللساني و القلبي موضوع لنفي السبيل المذكور في الآية الشريفة، لكون كل منهما مؤمنا. فالمؤمن في الآية هو المقرّ بالشهادتين سواء أ كان إيمانه قلبيا أم لسانيا.

(3) و هو الإقرار بالشهادتين مطلقا سواء أ كان مع الاعتقاد بهما أم بدونه.

(4) إشارة إلى إشكال، و هو: أنّ تعميم المسلم للمخالف لكونه مقرّا بالشهادتين ينافي ما دلّ من الروايات على كفر المخالف بسبب إنكاره للولاية كما ذهب إليه جمع «1» استنادا إلى النصوص المستفيضة، مثل ما رواه ثقة الإسلام بسنده عن مولانا الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام. قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليّا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالّا، و من نصب معه شيئا كان مشركا، و من جاء بولايته دخل الجنة» «2» لظهور كفر المنكر- بقرينة مقابلته لضلالة الجاهل- في جحود الحقّ عنادا و استكبارا بعد قيام الأدلة عليه في ذلك.

(5) هذا جواب «أمّا» و جواب الإشكال المذكور، و حاصله: أنّ تلك الروايات الدالة على كفر المخالفين لا تصلح للمعارضة و لا تقاوم مع ما دلّ على إسلام المخالف

______________________________

(1) راجع الحدائق الناضرة، ج 5، ص 175- 188

(2) الكافي، ج 1، ص 437، كتاب الحجة، باب فيه نتف و جوامع من الرواية في الولاية، ح 7

ص: 329

بظاهره لما دلّ على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم (1)، من (2) التناكح و التوارث، و حقن الدماء، و عصمة الأموال، و أنّ (3) الإسلام ما عليه جمهور الناس.

______________________________

لكونه مقرّا بالشهادتين، و جريان جميع أحكام الإسلام عليه، و أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس، و هم المخالفون.

وجه عدم المقاومة: أنّ الكفر مقابل للإسلام، و لهما بحسب الآيات و الروايات معان متعددة. فقد يطلق الإسلام على مجرّد إظهار الشهادتين، و الكفر المقابل له- الموضوع لآثار شرعية كالنجاسة و عدم التوارث و غير ذلك- هو الشرك و التهوّد و التنصّر.

و قد يطلق على ما يرادف الإيمان- و هو التصديق القلبي- مضافا إلى الإقرار باللسان. و الكفر المقابل له شامل لمن يظهر الشهادتين.

و قد يطلق على غير ذلك، كما أنّ للإيمان إطلاقات.

و من المعلوم أن الآثار المترتبة على الكفر بالمعنى الأوّل- و هو المقابل للإسلام بالإقرار اللساني- لا تترتب على الكفر بالمعنى الثاني، لتعدد الموضوع حسب الفرض.

و عليه فتكفير منكر مطلق الامام عليه السّلام لا يكفي بنفسه للحكم بترتب أحكام الكافر بالمعنى الأوّل- عليه «1».

هذا مع الغض عمّا قيل من: أنّ لسان ما دلّ على كفر المخالف لسان التنزيل في الآثار الأخروية، كما تدلّ عليه رواية حمران الآتية، فيكون أجنبيّا عن الأحكام الشرعية الدنيوية «2»، و لا حاجة حينئذ إلى الجمع الدلالي بين النصوص، أو تضعيف أخبار النجاسة بإعراض الأصحاب عنها، و نحوه.

(1) أي: على المخالفين، و كان الأولى إفراد الضمير، لرجوعه إلى المخالف.

(2) بيان لأحكام الإسلام.

(3) معطوف على «جريان».

______________________________

(1) راجع جواهر الكلام، ج 6، ص 60

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 163

ص: 330

ففي رواية حمران بن أعين: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الإيمان ما استقرّ في القلب [1] و أفضى به (1) إلى اللّه تعالى، و صدّقه (2) العمل بالطاعة للّه، و التسليم.

لأمر اللّه. و الإسلام (3) ما ظهر من قول أو (4) فعل، و هو (5) الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه (6) جرت المواريث، و جاز (7) النكاح، و اجتمعوا (8) على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ فخرجوا بذلك (9) من الكفر، و أضيفوا إلى الإيمان .. إلى أن قال (10 فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من

______________________________

(1) أي: بلغ و انتهى به إلى اللّه تعالى.

(2) أي: و صدّق الايمان العمل، فالإيمان اعتقاد بالجنان و عمل بالأركان.

(3) معطوف على «الايمان» و حاصله: أنّ الإسلام هو العمل الجوارحي من قول، و هو الإقرار بالشهادتين، و فعل و هو الإتيان بالصلاة و سائر العبادات.

(4) كذا في المصدر و بعض النسخ، و في نسختنا العطف بالواو، و هو غير موافق لما في الكافي.

(5) أي: و الإسلام، فإنّه هو الإسلام الذي عليه جميع فرق المسلمين.

(6) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان إلى الإسلام.

(7) كذا في الكافي، و بعض النسخ المصححة، و ما في نسختنا «من جازت» خطأ.

(8) معطوف على «حقنت» يعني: و بالإسلام حقنت الدماء و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة.

(9) أي: بالإسلام خرجوا من الكفر و أضيفوا إلى الإيمان.

(10) أي: قال الراوي: فهل للمؤمن .. إلخ. و المراد بالفضائل ظاهرا المستحبات،

______________________________

[1] فالإيمان على هذا من صفات النفس، بخلاف الإسلام، فإنّه من صفات الجوارح، لكونه من السّلم و الانقياد، كما هو ظاهر قوله عليه السّلام: «و الإسلام ما ظهر من قول و فعل» فليس الإسلام و الايمان بمعنى واحد، و من الألفاظ المترادفة كما هو صريح قوله:

«و الحاصل أن الإسلام و الايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد».

ص: 331

الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ قال: (1) لا [بل] (2) هما يجريان في ذلك (3) مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما، و ما يتقرّبان به إلى اللّه تعالى» «1».

و من جميع ما ذكرنا (4) ظهر أنّه لا بأس ببيع المسلم من المخالف و لو كان

______________________________

و بالأحكام التكاليف الإلزامية.

(1) يعني: قال الامام عليه الصلاة و السلام: هما- أي المؤمن و المسلم- يجريان ..

إلخ.

(2) كذا في نسختنا، و ليس في الكافي كلمة «بل».

(3) حاصله: أنّه لا فضل للمؤمن على المسلم في الخطابات الإلهية، و إنّما الفضل له في آثار الأعمال في الآخرة.

(4) أي: ظهر من جميع ما ذكرنا- من أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس، و أنّ الإسلام ما ظهر من قول و فعل- أنّ العبد المسلم السّنّي لا يصح نقله إلى الكافر ببيع و غيره، كعدم صحة نقل العبد المسلم الشيعي إلى الكافر، من دون تفاوت بينهما.

و هذا الذي ذكرناه يظهر من عبارة المصنف قدّس سرّه و إن لم يصرّح به هنا، و الذي صرّح به هنا هو: أنّ مقتضى ما ذكره من معنى الإسلام، و أنّه الإقرار بالشهادتين هو كون المخالف مسلما، فيجوز بيع المملوك الشّيعي من مسلم مخالف و إن كان المبيع جارية، إذ المفروض إسلام كليهما.

نعم إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لروايات تأتي الإشارة إليها اقتضت فحواها حرمة بيع الجارية المؤمنة من الكافر.

توضيح الفحوى: أنّ تزويج المخالف بالمؤمنة تسليط منه على بضعها فقط، فإذا حرم التسليط على بضعها كذلك بالزواج حرم تسليط المخالف عليها بالشراء بالأولوية، لأنّه بالشراء يصير مالكا لها مسلّطا على جميع شؤونها الحياتية، و تقع هي تحت سيطرة تمام أوامره و نواهيه. و هذا أعظم سبيل للمخالف على المؤمنة، فتكون هذه الفحوى دليلا على حرمة نقل المملوك الشيعي إلى السني بعد عدم الفصل بين العبد و الأمة.

______________________________

(1) أصول الكافي، ج 2، ص 26، ح 5

ص: 332

جارية (1)، إلّا (2) إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف، لأخبار دلّت على ذلك (3)، فإنّ فحواها (4) [1]

______________________________

(1) يعني: و لو كان المبيع المسلم جارية مؤمنة، فإنّه يجوز بيعها من المخالف، و هو المسلم السّني.

(2) استثناء من قوله: «لا بأس ببيع المسلم من المخالف». أي: إلّا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة الشيعية من المسلم المخالف، كما نقله في الجواهر عن أستاذه كاشف الغطاء من «أنه لا يبعد اشتراطه- أي اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص و هو الاعتقاد بالولاية- في الإماء، لظاهر بعض النصوص» ثم أشار صاحب الجواهر إلى نصوص النكاح. و هو و إن لم يلتزم به لكنه جعله موافقا للاحتياط الذي لا ينبغي تركه «1».

نعم اختار السيد العاملي المنع استنادا إلى العلة المنصوصة، فقال: «و العلة المنصوصة في عدم تزويج المؤمنة من المخالف تدل على ذلك» «2» و يحتمل إرادة كلّ من المساواة و الأولوية.

(3) أي: على حرمة التزويج المزبور و بطلانه. فمن تلك الأحاديث رواية الفضيل بن يسار: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن نكاح الناصب، فقال: لا و اللّه ما يحلّ. قال فضيل: ثم سألته مرّة أخرى، فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: و المرأة عارفة؟ قلت: عارفة، قال: إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» «3». و دلالة ذيل هذا الحديث على حرمة تزويج المؤمنة بالمخالف- أي السّني- ظاهرة.

(4) أي: فحوى تلك الأخبار تدلّ على المنع عن بيع الجارية المؤمنة من المخالف

______________________________

[1] قد يورد على هذه الفحوى بأنّ المحرّم إن كان هو السلطنة على الوطي في الزواج كانت الفحوى في محلّها، لأنّ السلطنة على الوطي في المورد أقوى، لكونها بزيادة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 338

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 424، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 5، و نحوه الحديث 3، و فيه «و لا يتزوج المستضعف مؤمنة».

ص: 333

تدلّ على المنع من بيع الجارية المؤمنة (1).

لكن (2) الأقوى عدم التحريم.

[موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم]
اشارة

ثمّ إنّه قد أستثني [1] من عدم جواز تملّك الكافر (3) للعبد المسلم مواضع:

______________________________

و قد مرّ تقريب الفحوى بقولنا: «توضيح الفحوى: أنّ تزويج المخالف .. إلخ».

و يمكن أن يكون وجه الأولوية أنّ المملوكة تأخذ من دين سيّدها أكثر مما تأخذه الزوجة من دين زوجها، فحرمة تملك المخالف لها أولى من تزويجها، فتأمّل.

(1) أي: بيع الجارية المؤمنة من المخالف.

(2) هذا مختار المصنف المنسوب إلى المشهور. و عليه فلا مجال للفحوى المزبورة.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية، و سيأتي البحث في مستثنيات حرمة تملك الكافر للعبد المسلم.

(3) موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم يعني: بناء على مذهب المشهور من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، يستثنى من عدم الجواز مواضع. و هذا بيان لثالثة جهات البحث في هذه المسألة.

______________________________

ملك الرقبة. و أمّا إن كان المحرّم عنوان الزّواج لا حكمه- و هو جواز الوطي- و المفروض أن حقيقة الزواج مغايرة للمملوكيّة و غير موجودة فيها، فلا مساواة فضلا عن الأولوية، هذا «1».

و يمكن أن يقال: إنّ الزّواج و إن كان حقيقة غير المملوكية، لكن لمّا كان أظهر آثاره جواز الوطي، فمنصرف الدليل هو الوطي، فتصحّ حينئذ دعوى الفحوى، بأن يقال: إن لم يكن وطؤها بالزواج جائزا فعدم جوازه بالملك أولى، فليتأمّل.

[1] التعبير بالاستثناء لا يخلو من المسامحة، لأنّه إخراج حكمي، كإخراج «زيد» من «القوم» في قوله: «جاء القوم إلّا زيدا» فإنّ «زيدا» خارج عن حكم القوم و هو المجي ء، لا عن أصل الموضوع و هو القوم. فلو كان الملك الآنيّ التطرقي غير الملك المستقر الذي هو موضوع عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم كان الإخراج موضوعيا لا حكميّا حتى يكون من باب الاستثناء.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 234

ص: 334

[منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق]

منها (1) ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق، بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب (2)، أو ظاهرا (3) كمن أقرّ بحرّية مسلم ثمّ اشتراه، أو بأن (4) يقول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي بكذا» فأعتقه. ذكر ذلك العلّامة

______________________________

(1) أي: من تلك المواضع المستثناة- من عدم جواز تملك الكافر للمسلم- ما إذا كان شراؤه مستعقبا لانعتاقه، و المذكور في الموضع الأوّل موارد ثلاثة:

أوّلها: من ينعتق على المشتري قهرا واقعا كالعمودين، فإذا اشترى الكافر أباه المسلم أو ولده، ملكه بالشراء، و لكن ينعتق عليه. و حيث إنّ العتق متوقف على الملك، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا عتق إلّا بعد ملك» «1» فلا بدّ من دخول العبد المسلم في ملك أبيه أو ولده حتى ينعتق فهذا من موارد تملّك الكافر للعبد المسلم أو الأمة المسلمة.

(2) كالعمودين: الآباء و الأولاد. و هذا الانعتاق قهري واقعي ليس باختيار مالكه الذي اشتراه.

(3) معطوف على «واقعا» يعني: أنّ انعتاق الأقارب حكم واقعي. و هذا مورد ثان من الموضع الأوّل ممّا استثنى من عدم تملك الكافر للمسلم، و هو: ما إذا أقرّ كافر بحريّة عبد مسلم، ثم اشتراه من مولاه ليستنقذه من ذلّ العبودية، و يستخرجه من سجن الرقية.

و هذا البيع صحيح للاستنقاذ، بمعنى: أنّ الكافر المشتري يملك هذا المسلم الذي أقرّ بحرّيّته، لاستنقاذه على حسب إقراره بالحرية.

و هذا الانعتاق حكم ظاهري مستند إلى إقرار المشتري بحرّيّة المسلم الذي اشتراه من مولاه.

(4) معطوف على قوله: «بأن يكون» و هذا مورد ثالث من الموضع الأوّل ممّا استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، و حاصله: أنّه إذا قال الكافر لمسلم:

«أعتق عبدك المسلم عنّي بدينار» مثلا، فأعتقه، صحّ بيعه، لوكالته في بيع العبد من الكافر، ثم وكالته عن الكافر في عتقه. كلّ ذلك بدلالة الاقتضاء كما قرّر في محلّه.

و بالجملة: فصار العبد ملكا للكافر، و لذا صحّ عتقه عنه أيضا، فالكافر يصير

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 7، الباب 5 من أبواب العتق، ح 2

ص: 335

في التذكرة «1»، و تبعه جامع المقاصد و المسالك.

و الوجه في الأوّل (1) واضح، وفاقا للمحكي «2» عن (2) الفقيه و النهاية و السرائر مدّعيا (3) عليه الإجماع، و المتأخّرين كافّة، فإنّ (4) مجرّد الملكيّة غير

______________________________

مالكا للعبد المسلم، ثم يعتق. فهذا أيضا من الموارد المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، و الملكية في هذه الموارد الثلاثة استطراقية.

(1) و هو كون العبد المسلم ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب. وجه الوضوح: أنّ العتق منوط بالملك، فلا بدّ أن يصير الكافر مالكا للعبد حتى ينعتق.

فالوجه في تملك الكافر للعبد المسلم في الفرض الأوّل- و هو الانعتاق القهري على الكافر- واضح.

(2) قال في مفتاح الكرامة: «و في المقنعة و النهاية و السرائر و الشرائع و التذكرة و الإرشاد و شرحه لفخر الإسلام: أنه يملك من ينعتق عليه. فإذا اشتراه انعتق عليه في الحال».

(3) حال من صاحب السرائر، و قوله: «و المتأخرين» معطوف على «للمحكي» يعني: وفاقا للمتأخرين كافّة.

(4) هذا بيان لوجه وضوح صحة الشراء، تقريبه: أنّ الملكية التطرقية التي لا استقرار لها ليست منهيّا عنها، لعدم كونها سبيلا منفيّا بالآية المباركة، فلا وجه لعدم جوازها.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 20 و 21، جامع المقاصد، ج 4، ص 62 و 63، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167

(2) الحاكي عن هذه الكتب- ما عدا الفقيه- هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، و لعلّ الفقيه تصحيف «المقنعة».

و على كلّ فلاحظ المقنعة، ص 599، النهاية، ص 408 و 540، السرائر، ج 2، ص 343، و فيه دعوى الإجماع، و ج 3، ص 7، شرائع الإسلام، ج 2، ص 16، مختلف الشيعة، ج 5، ص 59، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360، الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، جامع المقاصد، ج 4، ص 62، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167، الروضة البهية، ج 3، ص 244

ص: 336

المستقرّة لا يعدّ سبيلا، بل (1) لم يعتبر الملكية إلّا مقدّمة للانعتاق.

خلافا للمحكيّ «1» عن المبسوط و القاضي، فمنعاه (2)، لأنّ الكافر لا يملك حتّى ينعتق، لأنّ التملّك بمجرّده سبيل [1]، و السيادة علوّ.

______________________________

(1) غرضه من هذا الإضراب إخراج الملكية التطرقية عن موضوع آية نفي السبيل، بتقريب: أنّ المراد بالسبيل هي الملكية المستقرة التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و هذه الملكية مفقودة في تملك الكافر للمسلم المتعقب بالانعتاق.

لكن على هذا لا ينبغي أن تعدّ هذه الملكية التطرقية الآنية من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، لأنّها ليست تلك الملكية التي أريدت من السبيل المنفي في الآية المباركة.

(2) يعني: أنّهما قدّس سرّهما منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه، معلّلين له:

بأنّ الكافر لا يملك المسلم حتى ينعتق، لأنّ التملك بنفسه أي إضافة الملكية بمجرّدها سبيل منفي بالآية. و سيادة الكافر على المسلم علوّ منفي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه».

______________________________

[1] بل السبيل عليه، لا له على المسلم، ضرورة أنّه بمجرّد دخوله في ملك الكافر يخرج عن ملكه، فلا يشمله ما استدلّ به على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر من آية نفي السبيل، و الرواية المرويّة عن المولى أمير المؤمنين عليه و على أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلّين.

أمّا الآية فلأنّ المراد بالملكية فيها هو الملكية المستقرة التي يترتب عليها الآثار، و السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و أمّا الملكية التي تزول بمجرد حدوثها و لا تبقى، فلا توجب سبيلا للكافر على المسلم، بل توجب سبيلا عليه، لا له.

و أمّا الرواية المتقدمة (في ص 296) المشتملة على قوله عليه السّلام: «و لا تقرّوه عنده»

______________________________

(1) الحاكي هو العلامة في المختلف ج 5، ص 59، و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 168، جواهر الفقه، ص 60، المسألة: 222

ص: 337

إلّا (1) أنّ الإنصاف أنّ السلطنة غير متحقّقة في الخارج، و مجرّد (2) الإقدام على شرائه لينعتق منّة من الكافر على المسلم، لكنّها (3) غير منفيّة.

و أمّا الثاني (4)، فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق و الكذب (5)،

______________________________

(1) هذا إشكال على التعليل المزبور «لأن الكافر لا يملك» و حاصل الاشكال: أنّ السلطنة المنفيّة في الآية غير متحققة في الملك التطرّقي إذ لا أثر له إلّا الانعتاق، و لا يترتب عليه سلطنة أصلا، و المفروض أنّ المنهي عنه هي الملكية التي يترتّب عليها السلطنة، فلا تشملها الآية المباركة.

(2) مبتدء خبره «منّة» و هذا اعتراض من الخصم، و حاصله: أنّ السلطنة و إن لم تكن متحقّقة، إلّا أنّ منّة الكافر على العبد المسلم- بسبب شرائه لينعتق- متحقّقة، و هي كالسلطنة منفيّة و مانعة عن تملك الكافر.

(3) هذا دفع الاعتراض المزبور، و محصله: أنّ المنّة متحققة، لكنها ليست كالسلطنة منفيّة حتى تمنع تملك الكافر.

(4) و هو كون الشراء مستعقبا للانعتاق ظاهرا- كالكافر الذي أقرّ بحرّية مسلم ثم اشتراه- فيشكل خروجه عن عدم جواز تملك الكافر للمسلم، لأنّ خروجه عنه منوط بصحة البيع حتى يصير الكافر مالكا للمسلم، ثم ينعتق عليه. و المفروض وجود العلم التفصيلي بفساد البيع، إمّا لخلل في أحد العوضين و هو المبيع، لحريته على تقدير صدق إقراره بحرّيته، و الحرّ ليس قابلا للبيع. و إمّا لخلل في أحد المتعاقدين، و هو المشتري، لكونه كافرا، و الكافر لا يملك المسلم، فلا يتصور صورة صحيحة لهذا البيع.

(5) أي: تقديري صدق إقرار الكافر بحرّية المسلم الذي يشتريه، و كذبه.

______________________________

فلأنّ المنهي عنه فيها هو استقرار العبد المسلم تحت يد الكافر، و المفروض أنّه لا استقرار لملكية المسلم للكافر، بل بمجرد حدوثها تزول.

و لو شكّ في شمول الآية و الرواية للمورد فالمرجع عمومات صحة البيع، دون الآية و الرواية، لكون الشبهة فيهما في تخصيصهما لتلك العمومات زائدا على المتيقن.

ص: 338

لثبوت (1) الخلل: إمّا في المبيع، لكونه حرّا، أو في المشتري، لكونه كافرا (2)، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه (3). إلّا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي (4) [1]

______________________________

(1) تعليل للعلم بفساد البيع، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «إمّا لخلل في المبيع لحريته».

(2) و الكافر لا يملك المسلم.

(3) يعني: فلا يتصوّر خروج شراء «من أقرّ الكافر بحريته» من عدم جواز تملك الكافر للمسلم.

(4) و هو العلم الإجمالي بخلل في المبيع، أو في المشتري.

و المراد بقوله: «مثل هذا العلم الإجمالي» هو: ما إذا علم إجمالا بخطاب مردّد بين خطابين، كما إذا علم أنّ هذا المائع إمّا خمر و إمّا خلّ مملوك للغير، فيعلم حينئذ بخطاب مردّد بين «اجتنب عن الخمر، و لا تغصب» فهذا العلم الإجمالي غير منجّز على مذهب بعض كصاحب الحدائق «1».

و إنّما المنجّز عنده هو العلم التفصيلي بخطاب و متعلقة، و تردّد مورده بين شيئين.

كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين، فإنّ العلم بخطاب «وجوب الاجتناب عن النجس» تفصيلي، و موضوعه مردّد بين إنائين. فالإجمال يكون في مورد الخطاب لا في نفسه و لا في متعلقة.

و المقام نظير القسم الأوّل، إذ الخطاب فيه مردّد بين خطابين، و هما: «لا يجوز شراء الحرّ، و لا يجوز تملك الكافر العبد المسلم» و مثل هذا العلم الإجمالي لا أثر له.

______________________________

[1] قد يقال في وجه منع هذا العلم الإجمالي بأنّه لا علم بفساد البيع على كل تقدير، بل على تقدير خاصّ، و هو تقدير الحرية واقعا، لأنّه على هذا الفرض لا يصلح للملكية.

و أمّا على تقدير كذب الإقرار و رقيّة المبيع، فهو صالح للملكية بدون مانع، إذ المانع- و هو السبيل- مفقود، حيث إنّ الملكية الواقعية المحكومة ظاهرا بعدمها للمقرّ ليست سبيلا

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 1، ص 517

ص: 339

فتأمّل (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّه إشارة إلى عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين العلم التفصيلي بالخطاب و تردد موضوعه بين شيئين، و بين تردد الخطاب بين خطابين، كما تعرض له

______________________________

له على المسلم، فلا مانع من بيعه، فيصحّ بيعه من البائع، لحجية يده على الملكية ظاهرا، و عدم قدح إقرار المقرّ بالحرّية في ذلك، لكونه إقرارا في مال الغير ظاهرا على ما تقتضيه اليد، و يصحّ الشراء أيضا من المشتري، لعدم مانع و هو السبيل، فيخرج الثمن من كيسه واقعا و ظاهرا، و يدخل في ملكه المبيع واقعا لا ظاهرا، لأنّه مقتضى إقراره الذي أثره عدم صيرورته مالكا للمقرّ به ظاهرا.

و هذا التقريب غاية ما يمكن أن يقال في وجه استثناء المورد الثاني من موارد عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم «1».

لكن يشكل ما ذكر- من صحة البيع و صيرورة الثمن ملكا للبائع و خروجه عن ملك المشتري واقعا و ظاهرا- بما حاصله: أنّ ملكيّة الثمن واقعا و ظاهرا للبائع مترتبة على البيع المنوط بالقصد، كغيره من العقود التابعة للقصود، و من المعلوم فقدان قصد البيع مع إقرار المشتري بعدم قابلية المقرّ به للبيع، فلا يتحقق البيع الناقل. و بدون البيع لا ينتقل الثمن إلى البائع، فيكون إعطاء الثمن إلى البائع لاستنقاذ الشخص عن الرقية الصورية، لا بعنوان كونه ثمنا.

نعم يد البائع لكونها أمارة على الملكية- إن لم يكن عالما بخلافه- توجب تمشّي قصد إيجاب البيع منه. إلّا أنّه لا يتمشى قصد الشراء من المشتري لاعترافه. و من المعلوم اعتبار حصول القصد من كلا المتعاقدين، لتقوم العقد عرفا بقصدهما معا.

فالمتحصل: أنّه لم يثبت كون المورد الثاني- و هو إقرار المشتري الكافر بحرّيّة المسلم المحكوم ظاهرا بالرقية- من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، لعدم البيع الموجب للملكية مطلقا من الاستطراقية و الاستقرارية.

فما في تقرير المحقق النائيني «من أنّ الحكم فيه- أي في المورد الثالث- أيضا هو الصحة» «2» غير ظاهر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 234

(2) المكاسب و البيع، بقلم العلامة الآملي قدّس سرّه، ج 2، ص 353

ص: 340

و أمّا الثالث (1)، فالمحكيّ «1» عن المبسوط و الخلاف التصريح بالمنع، لما (2) ذكر في الأوّل [1].

______________________________

المصنف قدّس سرّه في فرائده في الشبهة المحصورة «2».

(1) و هو قول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عني» فقيل كما في المبسوط و الخلاف:

بمنع تملك الكافر للمسلم آنا ما حتى يصحّ عتقه عنه، لتوقف العتق على الملك، فبدونه لا يصح العتق، و المفروض عدم تملك الكافر له. قال في المبسوط: «إذا قال كافر لمسلم:

أعتق عبدك عن كفارتي، فأعتقه، صحّ إن كان العبد كافرا. و إن كان مسلما لم يصحّ، لأنّه لا يملك مسلما ..».

(2) تعليل لمنع صحة البيع في المورد الثالث، و هذا التعليل هو الذي ذكر في الوجه الأوّل، من: أنّ التملك بمجرده سبيل، و السيادة علوّ. و هذه العلّة هي التي حكاها المصنف عن المبسوط و القاضي اللّذين منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه.

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «لا عتق إلّا في ملك» لا يقتضي إلّا كون المعتق مالكا، و لا يقتضي كون المعتق عنه مالكا. و عليه فلا يقتضي استدعاء العتق تمليكا و تملكا ضمنيا ليكون سبيلا منفيّا. فتعليل المتن للمنع بذلك منوط باقتضاء الاستدعاء المذكور.

و على فرض اقتضائه لذلك و حصول التمليك الضمني لا ينبغي الإشكال في صحة تملك الكافر المترتب عليه العتق، لعدم كونه سبيلا منفيّا، فيكون هذا المورد الثالث كالأوّل مستثنى من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، خلافا للشيخ و القاضي، كما تقدم في (ص 337).

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، المبسوط، ج 2، ص 168، الخلاف، ج 3، ص 190، كتاب البيوع، المسألة 317.

(2) فرائد الأصول، ج 2، ص 209، نشر مجمع الفكر الإسلامي، عام 1419.

ص: 341

[و منها ما لو اشترط البائع عتقه]

و منها (1) ما لو اشترط البائع عتقه، فإنّ الجواز هنا محكيّ «1» عن الدروس و الروضة.

و فيه (2) نظر، فإنّ ملكيّته قبل الانعتاق سبيل و علوّ،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق» يعني: و من مواضع الاستثناء- من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم-: ما لو اشترط بائع العبد المسلم على مشتريه الكافر عتقه، فإنّ جواز تملك الكافر له مع هذا الشرط محكي عن الدروس و الروضة.

و الظاهر عدم الفرق بين شرط النتيجة، بأن يقول للكافر: «بعتك هذا العبد المسلم بكذا بشرط أن ينعتق» و بين شرط الفعل- أي الإعتاق- كأن يقول له: «بشرط أن تعتقه».

فبناء على صحة شرط النتيجة يحصل الانعتاق قهرا، و لم تكن ملكية الكافر آنا سبيلا على العبد المسلم، و المفروض صحة الشرط، لكونه سائغا في نفسه.

و بناء على بطلان اشتراط النتائج لا بدّ أن يكون المشروط على المشتري الكافر هو الإعتاق بعد العقد. و الظاهر من كلام الشهيدين هو هذا، و لذا فرّعوا عليه كما في الجواهر- بأنّ الكافر إن و في بالشرط فهو، و إن لم يف به فإمّا أن يجبر على الإعتاق، و إمّا أن يفسخ البائع.

(2) أي: و في جواز تملك الكافر للعبد المسلم هنا قبل العتق نظر، لوضوح توقف العتق على الملك بمقتضى قوله عليه السّلام: «لا عتق إلّا في ملك» و المفروض امتناع تملك الكافر للعبد المسلم قبل انعتاقه، لكونه سبيلا و علوّا له على المسلم، و ذلك منفي شرعا.

و عليه فلا يملكه الكافر حتى يصحّ شرط عتقه، إذ لا مورد لهذا الشرط مع فرض عدم تحقق الملكية للكافر.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي و صاحب الجواهر، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، جواهر الكلام، ج 22، ص 341، و لاحظ الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، الروضة البهية، ج 3، ص 244

ص: 342

بل (1) التحقيق أنّه لا فرق بين هذا (2) و بين إجباره (3) على بيعه في (4) عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك (5).

و الحاصل (6) أنّ السبيل فيه ثلاثة احتمالات- كما عن حواشي الشهيد- مجرّد

______________________________

(1) غرض المصنف منع كلام الشهيدين بالنقض عليهما بما لا يلتزمان به، و بيانه:

أنّه لو كان اشتراط البائع عتق العبد المسلم على مشتريه الكافر كافيا في صحة بيعه من الكافر، لكان إجبار الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم كافيا في صحة بيعه من الكافر أيضا، إذ لا فرق بين الاشتراط و بين الإجبار بعد اشتراكهما في حصول الملك الذي هو السبيل في الآية المباركة للكافر على المسلم. و في عدم استقرار ملك الكافر في كلّ من الاشتراط و الإجبار.

(2) و هو اشتراط البائع عتق العبد المسلم على الكافر الذي يشتريه.

(3) أي: إجبار الكافر على بيع العبد المسلم.

(4) متعلق ب: «لا فرق» وجه عدم الفرق بينهما هو: أنّ الاشتراط لا يفيد إلّا جواز الإجبار على البيع، و من المعلوم وجود هذا الجواز من الشارع، لقوله عليه السّلام: «لا تقرّوه عنده و بيعوه من المسلمين» فإن لم يكف الإجبار الشرعي في صحة تملك الكافر، فالإجبار الناشئ من ناحية الشرط أيضا كذلك.

(5) أي: بمجرد اشتراط البائع عتقه على الكافر، يعني: أنّ مجرد اشتراط العتق على الكافر لا ينفي سبيل الكافر على المسلم حتى يجوز بيعه من الكافر.

(6) الغرض من بيان هذا الحاصل الإيراد على الشهيد في حكمه بالجواز هنا- مع ملاحظة كلامه في محتملات السبيل- و لكن رتّب المصنف عليها غير ما صرّح الشهيد به، فيكون مقصود المصنف بيان أصل الاحتمالات الثلاثة، و ما يقتضيها كل منها بنظره مع الغضّ عمّا رتّبه الشهيد عليها.

و الأولى نقل نصّ عبارة الحواشي المنقولة في مفتاح الكرامة، و هي: «أن السبيل المنفي بالآية الشريفة قد فسّر بثلاثة تفاسير، بمجرد الملك و بالملك القارّ و بقابليته. فعلى الأوّل يمتنع شراء من ينعتق عليه. و على الثاني و الثالث يصح. و مشروط العتق يبطل على الأوّل و الثاني، و يصحّ على الثالث» «1».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

ص: 343

الملك (1)، و يترتّب عليه (2) عدم استثناء ما عدا (3) صورة الإقرار بالحرّيّة.

و الملك (4) المستقر و لو بالقابليّة- كمشروط العتق- و يترتّب عليه (5) استثناء

______________________________

و هي صريحة في أن صحة البيع بشرط العتق متوقفة على كون السبيل المنفي بقاء الملك أو القابلية و إن لم يكن ملك فعلا. و أمّا بناء على كون السبيل المنفي أصل التملك- و لو آنا- فيبطل البيع المزبور.

(1) هذا أوّل احتمالات السبيل في الآية المباركة، و المراد به إضافة الملكية مجردة عن الاستقرار و عدمه، فنفس الملكية سبيل للكافر على المسلم، فلا يملكه الكافر و لو مع اشتراط العتق، لأنّه لا يسوّغ تملك الكافر للعبد المسلم.

(2) أي: على الاحتمال الأوّل، و هو مجرّد إضافة الملكية، و حاصل ما يترتّب على هذا الاحتمال: عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية، و هو الصورة الاولى أعنى بها انعتاق من ينعتق على الكافر قهرا.

و الصورة الثالثة أعني بها: قول الكافر للمسلم «أعتق عبدك عنّي».

توضيح وجه عدم الاستثناء من الاحتمال الأوّل- و هو مجرد إضافة الملكية-: أنّ الملكية المجرّدة ثابتة في هاتين الصورتين، لتوقف الانعتاق على الملك و لو آنا ما، فلا يستثنى شي ء منهما من السبيل المنفي في الآية المباركة.

فالمستثنى من هذا الاحتمال هي الصورة الثانية أعني بها صورة إقرار الكافر المشتري بالحرية، حيث إنّه لا يملك العبد، لاعترافه بحرّيته، فلا تشملها الآية المباركة، لانتفاء السبيل له على المسلم بسبب اعترافه بحرّيته. و المراد بالاستثناء الخروج الموضوعي لا الحكمي- كما هو ظاهر الاستثناء- لإباء آية السبيل عن التخصيص الذي هو إخراج حكمي.

(3) قد عرفت أنّ ما عدا صورة الإقرار بالحريّة: الصورتان الاولى و الثالثة.

(4) معطوف على: «مجرّد الملكية» و هذا هو الاحتمال الثاني من احتمالات السبيل المذكور في الآية المباركة، و المراد به هو الملكية المستقرة و لو بالقابلية، لا الفعليّة كمشروط العتق، فإنّه بالشرط لا يخرج عن قابليته للاستقرار، و إنّما تخرج عن فعلية الاستقرار، على ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

(5) يعني: و يترتّب على هذا الاحتمال الثاني خروج و استثناء الصور الثلاث

ص: 344

ما عدا صورة اشتراط العتق.

و المستقرّ (1) فعلا، و يترتّب عليه (2) استثناء الجميع [1].

و خير الأمور أوسطها (3).

______________________________

المذكورة عن السبيل، و هي صورة الانعتاق القهري كالأقارب، و صورة الاعتراف بحرّيّة مسلم، ثم شراؤه، و صورة قول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي» حيث إنّ الملكية المستقرة- و لو بالقابلية- غير ثابتة في هذه الصور، فلا تشملها آية نفي السبيل، لخروجها عن مدلول الآية الشريفة.

و أمّا صورة اشتراط العتق فتشملها الآية المباركة، لأنّ الشرط لا يخرج الملكية عرفا عن قابلية الاستقرار.

(1) معطوف أيضا على «مجرّد الملكية» و هذا هو الاحتمال الثالث، و المراد به الملكية المستقرة فعلا، يعني: أنّ المنفي للكافر هو الملكية المستقرة الفعلية.

(2) يعني: و يترتب على الاحتمال الثالث: استثناء جميع الصور الأربع، و خروجها عن السبيل المذكور في آية نفي السبيل، لعدم استقرار الملكية الفعلية في شي ء منها.

(3) و هو الملكية المستقرّة و لو بالقابلية. و هذا مختار المصنف قدّس سرّه من المعاني الثلاثة المحتملة في السبيل المنفي في الآية الشريفة. فالآية تنفي الملكية المستقرّة و لو بالقابلية، و لا تنفي الملكية الفعلية المستقرة غير الدائمة، و لا مجرّد الملكية، فإنّ هاتين الملكيّتين ليستا سبيلا حتى تنفيا بالآية المباركة. و بهذا ينتهي الكلام في الجهة الثالثة.

______________________________

[1] كيف يترتب على المستقر الفعلي استثناء الجميع؟ مع أنّ الظاهر عدم رافعية العتق لفعلية الملكية و استقرارها، إذ قبل حصول البيع من الكافر المشروط عليه العتق يكون ملكه باقيا على الفعلية و الاستقرار. فتشمل آية نفي السبيل اشتراط العتق، و لا يستثنى منها، فلا يملك الكافر العبد المسلم المشروط عتقه، لكون ملكه مستقرّا و لو بالقابلية على ما صرّح به المصنف قدّس سرّه.

ص: 345

ثمّ (1) إنّ ما ذكرنا (2) كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر المسلم اختيارا.

[حكم تملك الكافر للمسلم قهرا]

أمّا التملّك القهريّ فيجوز ابتداء، كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر (3) على البيع، فمات قبله، فإنّه (4) لا ينعتق عليه و لا على الكافر الميّت، لأصالة (5) بقاء رقّيّته

______________________________

(1) حكم تملك الكافر للمسلم قهرا هذا شروع في الجهة الرابعة في هذه المسألة، و هي حكم دخول العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء بسبب قهري كالإرث.

(2) أي: ما ذكرناه- من عدم تملك الكافر للعبد المسلم بجميع أنحاء الملكية- إنّما هو حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا. أمّا التملك القهري فيجوز ابتداء، كما إذا ورث العبد المسلم كافر من كافر اجبر على بيعه و مات قبل تحقق البيع، فإنّ هذا العبد ينتقل إلى الوارث الكافر، و لا ينعتق عليه و لا على الكافر الميت الذي أجبر على بيعه.

(3) نعت ل «كافر» يعني: مات الكافر الذي أجبر على البيع قبل تحقق البيع منه، فانتقل عبده المسلم إلى وارثه الكافر.

(4) أي: فإنّ العبد المسلم لا ينعتق على الوارث الكافر و لا على الكافر الميت الذي انتقل عنه العبد المسلم إلى وارثه الكافر.

أمّا عدم انعتاقه على الميّت فلليقين به، لعدم الوجه في انعتاقه عليه.

و أمّا عدم انعتاقه على الوارث فلعدم كونه ملكا للوارث حتى ينعتق عليه.

و لو شكّ في انقلاب هذا العدم جرى استصحاب عدمه.

و كيف كان فانتقال العبد المسلم إلى الوارث الكافر ملك ابتدائي قهري.

(5) أي: استصحاب بقاء رقيّته، و إنّما يرجع إلى هذا الأصل العملي لعدم الدليل الاجتهادي، حيث إنّ دليل نفي السبيل يقتضي عدم تملك الكافر العبد المسلم، و عموم دليل الإرث يقتضي تملك الوارث لما تركه الميت و إن كان الوارث كافرا، و كان ما تركه الميت عبدا مسلما، فيتعارض الدليلان و هما متكافئان، و بعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب رقيّته.

و هذا الاستصحاب هو القسم الثالث من استصحاب الكلي، حيث إنّ رقّيّته للمورّث زالت بالموت قطعا، و حدوثها للوارث مقارنا لزوالها مشكوك فيه. و هذا

ص: 346

بعد تعارض (1) [1] دليل نفي السبيل و عموم أدلّة الإرث، لكن لا يثبت بهذا الأصل تملّك الكافر (2).

______________________________

الاستصحاب ليس حجّة عند المصنف و غيره من المحققين.

(1) المقصود منه تنافي المتكافئين، و أنّه بعد تساقطهما يرجع الى الأصل العملي.

و هذا لا يخلو من تعريض بصاحب الجواهر الذي رجّح دليل الإرث على دليل نفي السبيل، و حكم بتملك الكافر للعبد المسلم به، و خصّ دليل نفي السبيل بالملك الاختياري الابتدائي لا المستدامي، فلاحظ قوله: «و بذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاءه، و الموروث الذي أدلته في غاية القوة» «1». و لكن يجبر على بيعه إن كان المشتري موجودا، و إلّا حيل بين العبد و بين مولاه إلى أن يوجد الراغب.

و على هذا يكون قول الماتن: «بعد تعارض» إيرادا عليه بأنّ الآية و أدلّة الإرث متكافئان دلالة، فيسقطان في المجمع، و هو العبد المسلم الذي كان ملكا لمولى كافر، فانتقل إلى وارثه الكافر، و ليس الدليلان متفاضلين حتى يؤخذ بالراجح منهما.

(2) أي: الوارث الكافر. و وجه عدم ثبوته بهذا الأصل عدم حجيّته كما مرّت الإشارة إليه.

مضافا إلى: أنّه على فرض حجيته لا يثبت به تملك الكافر الوارث إلّا على القول بالأصل المثبت.

______________________________

[1] الظاهر أنّ التعارض مبني على إرادة الملك من «السبيل» في الآية الشريفة حتى يتحد موضوع المتعارضين و مورد النفي و الإثبات. و أمّا إذا كان المراد بالسبيل السلطنة دون الملك فلا تعارض، إذ أدلة الإرث لا تدلّ إلّا على انتقال ملك التركة- على النحو الذي كان الميّت مالكا لها- إلى وارثه. و من المعلوم أنّ العبد المسلم كان ملكا للميت الكافر الذي أجبر على بيعه، و الآية الشريفة لا تنفي هذه الملكية. و دليل الإرث يثبتها بذلك النحو، فيجبر

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 335 و نحوه في ص 337

ص: 347

فيحتمل (1) أن ينتقل إلى الإمام عليه السّلام، بل هو (2) مقتضى الجمع بين الأدلّة، ضرورة (3) أنّه إذا نفي إرث الكافر

______________________________

(1) هذا متفرع على تعارض آية نفي السبيل و أدلة الإرث و تساقطهما، و حاصله:

أنّه بعد التساقط يحتمل أن ينتقل هذا العبد المسلم إلى الامام عليه السّلام، لأنّه عليه السّلام وارث من لا وارث له، و المفروض أنّ الميّت هنا بالنسبة إلى هذا العبد ممّن لا وارث له، بمقتضى منع آية السبيل مالكية الوارث الكافر لهذا العبد المسلم.

(2) أي: بل الانتقال إلى الامام عليه السّلام مقتضى الجمع بين طوائف ثلاث.

أولاها: عدم جعل سبيل للكافر على المسلم.

و ثانيتها: عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه» سواء أ كان المال عبدا مسلما أم شيئا آخر.

و ثالثتها: أنّ الامام عليه السّلام وارث من لا وارث له.

(3) تعليل للانتقال إلى الإمام عليه السّلام، و قد تقدم تقريبه آنفا.

ثم إنّ قوله: «إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل» لا يخلو من منافاة لقوله قبل قليل: «بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث».

وجه المنافاة: أنّه قدّس سرّه فرض في العبارة السابقة تكافؤ آية نفي السبيل و أدلة الإرث، و جعل التعارض بينهما في المجمع- و هو العبد المسلم الذي مات مولاه- موجبا

______________________________

الوارث على بيعه كإجبار مورّثه.

و أمّا بناء على التعارض و التساقط، فيمكن استصحاب رقّية هذا العبد أو عدم حرّيته إلى زهوق روح سيّده، و عدم صيرورته حرّا، فيشمله عموم «ما تركه الميت فلوارثه» بدون إشكال الإثبات، إذ لا تضاف رقّية العبد إلى شخص حتى يقال: إنّ خروجه عن ملك سيّده حين موته قطعي، و دخوله في ملك غيره مشكوك فيه. بل يقال: إنّ هذا العبد باق على رقّيّته، و استصحاب رقيّته أو عدم حرّيته من استصحاب الشخص، لا من استصحاب الكلّي.

فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي. فموت السيّد من قبيل الشك في رافعية الموجود، و لا شك في حجية الاستصحاب فيه.

ص: 348

بآية نفي السبيل [1] كان الميّت بالنسبة

______________________________

لتساقطهما، و الرجوع إلى الأصل العملي. و كلامه هنا من نفي إرث الكافر للعبد المسلم تمسّكا بآية نفي السبيل ظاهر في عدم تساقط المتعارضين، و إنّما يقدّم دليل نفي السبيل على دليل الإرث، و مقتضى هذا التقديم عدم بقاء الموضوع للتمسك باستصحاب مملوكية العبد المسلم، هذا.

و يمكن دفع المنافاة بوجهين:

أحدهما: أنّ قوله: «بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث» مبني على ما أفاده في أوّل المسألة من المناقشة في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز تمليك العبد المسلم للكافر، حيث قال بعدها: «و حكومة الآية عليها- أي على عمومات صحة العقود- غير معلومة» فتكون الآية مكافئة دلالة لأدلة الإرث، فيتساقطان.

كما أنّ قوله هنا: «إذا نفي إرث الكافر» مبني على الالتزام بتحكيم الآية على أدلة أسباب التملك من البيع و غيره، و نتيجة هذه الحكومة تخصيص عمومات أدلة العقود.

و من المعلوم عدم ملاحظة قوة الدلالة و ضعفها بين الحاكم و المحكوم، و لا يبقى وجه لما تقدم من صاحب الجواهر من قوة أدلة الإرث، و لذا رجّح كلام الشهيدين.

ثانيهما: أنّ التعارض ناظر إلى لحاظ الآية من حيث هي مع الغضّ عن شهرة الاستدلال بها على اشتراط إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم عينا أو منفعة. كما أنّ كلامه هنا من نفي الإرث ناظر إلى شهرة تقدمها على غيرها.

و الظاهر من قوله: «بل» هو الالتزام بتقديم الآية الشريفة على أدلة الإرث بالحكومة، و يكون قوله قبله: «بعد تعارض دليل نفي السبيل» لمجرّد نفي ما ادّعاه بعض من تقديم أدلة الإرث على الآية.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ آية نفي السبيل لا تنفي الوارث بقول مطلق حتى يرثه الامام عليه السّلام، بل تنفي وراثة الكافر فقط، فلو كان في بعض الطبقات مسلم لكان هو الوارث للعبد المسلم، فلا يصدق حينئذ على الكافر الميّت: «أنّه ممّن لا وارث له، حتى يرثه الامام عليه السّلام.

ص: 349

إلى هذا المال (1) ممّن لا وارث [1] له، فيرثه الإمام عليه السّلام.

و بهذا التقرير (2) يندفع (3) ما يقال «1»: إنّ إرث الإمام مناف لعموم أدلّة ترتيب طبقات الإرث.

توضيح الاندفاع: أنّه إذا كان مقتضى نفى السبيل عدم إرث الكافر، يتحقّق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام عليه السّلام، فإنّ (4) الممنوع من الإرث كغير الوارث.

______________________________

(1) و هو العبد المسلم الذي مات عنه مولاه الكافر.

(2) و هو نفي وارثية الكافر للعبد المسلم بآية نفي السبيل و صيرورته كالعدم. و قد يستشكل في إرث الإمام عليه السّلام بأنّه مناف لترتيب طبقات الإرث. حيث إنّ إرث الإمام عليه السّلام متأخر عن موجبات الإرث من النسب و السبب و الولاء، فكل طبقة سابقه منها متقدمة على المتأخرة عنها، و لا تكون وارثة مع وجود السابقة.

(3) اندفاعه منوط بدلالة آية نفي السبيل على أنّ الميّت الّذي لا وارث له مسلم في جميع طبقات الوارث. و هذه الدلالة غير ظاهرة، بل مدلولها عدم إرث وارث كافر له.

فإن كان في طبقات الإرث مسلم ينتقل إليه العبد المسلم، و لا ينتقل إلى الإمام عليه السّلام، فلا بدّ من تقييد إرثه عليه السّلام بعدم مسلم في جميع الطبقات.

(4) تعليل لقوله: «يتحقق نفي الوارث» و حاصله: أنّ نفي الوارث أعمّ من عدمه

______________________________

[1] بناء على صدق عنوان تركة الميت على العبد، و عنوان «التركة» لا يصدق عليه إلّا ببقائه على الرقّيّة، و عدم خروجه عنها بالموت، لعدم صدق «ما تركه الميت» حينئذ عليه، لحريته. و استصحاب الرقية لا يثبت هذا العنوان.

نعم بناء على تركّب التركة- من الموت و بقاء المالية في مال الميت- لا مانع من استصحاب رقيته، فيقال: إنّ هذا الموضوع المركّب يحرز أحد جزئية- و هو الموت- بالوجدان، و الآخر- و هو بقاء العبد على الرقية التي هي ماليته- بالأصل، فلا يلزم إشكال المثبتية. و حينئذ إن كان في طبقات الوراث مسلم كان هو الوارث، و إلّا فيرثه الامام عليه السّلام.

______________________________

(1) لم أعثر على القائل.

ص: 350

فالعمدة (1) في المسألة ظهور الاتّفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد.

ثمّ هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهريّ (2)، أو لا يلحق، أو يفرّق بين ما كان

______________________________

و من محجوبيّته شرعا، فإذا كان للميّت ولد، و لم يكن أحد من طبقات الإرث إلّا الإمام عليه السّلام، و كان الولد قاتلا لأبيه، ورثه الإمام عليه السّلام، لأنّ حجب الولد عن الإرث- بسبب القتل- يكون كعدم الولد خارجا، في وصول نوبة الإرث إلى الامام عليه السّلام.

و الحاصل: أنّ مقتضى هذا التقريب انتقال العبد المسلم في مفروض مسألتنا إليه عليه السّلام. لكن قد مرّ آنفا لزوم تقييده بما إذا لم يكن في طبقات الإرث مسلم، و إلّا كان هو الوارث.

(1) يعني: فالعمدة في دليل إرث الكافر العبد المسلم من كافر ظهور الاتفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد. قال المحقق الثاني قدّس سرّه في أثناء شرح قول العلامة قدّس سرّه: «إلّا أباه و من ينعتق عليه» ما لفظه: «لأنّ اللّه تعالى نفى جعل السبيل للكافر على المسلمين فلو أراد به مطلق ما يترتب على الملك لامتنع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر، و التالي باطل اتفاقا» «1».

و المراد بالتالي امتناع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر، و قد اتّفق الفقهاء على بطلان التالي، و على أنّ العبد المسلم ينتقل إرثا من كافر إلى كافر آخر.

(2) بعد ما تقدم من اقتضاء الإجماع دخول العبد المسلم- قهرا بالإرث- في ملك الكافر، يتجه البحث عن اختصاصه بالإرث و عدمه، و الوجوه المحتملة في المسألة ثلاثة.

الوجه الأوّل إلحاق كلّ ملك قهري بالإرث، فيختص نفي السبيل بالأسباب الاختيارية من البيع و الهبة و نحوهما ممّا تقدّم في المقام الأوّل.

الوجه الثاني: عدم إلحاق شي ء من الأسباب القهرية بالإرث، فحكمها حكم الأسباب الاختيارية، فيمنع من تملك الكافر للعبد الإسلام في ما عدا الإرث.

الوجه الثالث: التفصيل بين كون مقدمة الملك القهري اختياريّة، و كان حصول الملك محتاجا إلى سبب قهري، فلا يلحق، و بين كونها غير اختيارية فيلحق بالإرث.

و قد ذكروا أمثلة لكل واحد من القسمين، فمن أمثلة السبب الاختياري، ما حكي عن الشيخ الفقيه الأعسم قدّس سرّه من: أنّه لو كان للكافر عبد و أمة كافران، فزوّج أمته من

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 63

ص: 351

سببه اختياريا (1) أو غيره (2)؟ وجوه (3)، خيرها أوسطها (4) ثمّ أخيرها (5).

______________________________

عبده، و أسلما، فيجبر مولاهما على بيعهما من مسلم، و لكن حملت الأمة قبل بيعهما، فإنّ الولد لكونه نماء لملكه يتملّكه المولى قهرا، و المفروض أنّ مقدمة هذا التملك فعله الاختياري أعني به التزويج الذي هو أوّل مقدمة معدّة لدخول الولد في ملكه.

و منها: ما لو أسلم عبد الكافر، فباعه من مسلم ببيع خياري، و فسخ المشتري، فإنّ الفسخ فعل اختياريّ يترتب عليه تملك الكافر للعبد قهرا.

و من أمثلة التملك القهري بالسبب غير الاختياري ما لو وطأ العبد المسلم أمة مولاه الكافر شبهة، فحملت منه، فإنّ الولد ملك قهري للمولى بسبب غير اختياري، فإنّ الوطي و ان كان فعلا اختياريا لكن تعنونه بكونه شبهة غير اختياري.

و كذا لو باع المولى الكافر عبده المسلم، و مات قبل تسليمه للمشتري، فإنّ التلف قبل القبض يوجب انفساخ العقد و عود المبيع إلى ملك بائعه آنا ما قبل التلف كما هو المشهور. و هذا التملك ملك جديد قهري لا بسبب اختياري، لعدم كون البيع مقدمة للتلف الذي هو سبب رجوع الملك إلى البائع.

و كذا الحال لو كان في البيع المزبور خيار للمشتري، فتلف العبد في زمان الخيار.

(1) كالمثالين المذكورين أوّلا بقولنا: «فمن أمثلة السبب الاختياري ..».

(2) أي: غير الاختياري، فيلحق بالإرث ما يكون سببه غير اختياري، دون ما يكون سببه اختياريا.

(3) مبتدء مؤخّر، و خبره مقدر، و هو: «فيه» أي: في الإلحاق و عدمه وجوه.

(4) و هو عدم الإلحاق مطلقا، سواء أ كان سببه اختياريا أم غيره، إذ لا وجه للإلحاق بعد كون الدليل في التملك بالإرث هو الإجماع الّذي لا بدّ من الاقتصار على مورده، و هو الإرث.

فدليل نفي السبيل كما يكون مقدّما على دليل التملك الاختياري ببيع و شبهه، فكذا يتقدم على أدلة الملك القهري. و يختص الإجماع بالتملك القهري بالإرث.

(5) و هو التفصيل بين كون سببه اختياريّا و غيره، بالإلحاق في الثاني دون الأوّل، بدعوى أنّ السبب غير الاختياري- كما في مثل تلف المبيع قبل القبض- يكون بحكم

ص: 352

ثمّ (1) إنّه لا خلاف و لا إشكال في أنّه لا يقرّ المسلم على ملك الكافر (2)، بل يجب بيعه عليه (3)، لقوله عليه السّلام في عبد كافر أسلم: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا إليه ثمنه و لا تقرّوه عنده» (4).

و منه (5) يعلم أنّه لو لم يبعه [1].

______________________________

الإرث، لعدم استناد التملك الحادث إلى فعل الكافر، و هذا بخلاف السبب الاختياري.

(1) هذا ناظر إلى حكم ما تقدم في (ص 346) بقوله: «أما التملك القهري فيجوز ابتداء .. كما لو ورثه الكافر من كافر ..» و غرضه أنّ التملك القهري الابتدائي لا يقتضي بقاء العبد على ملك مولاه الكافر، بل يجب إزالة ملكه، و ذلك لدليلين: الأوّل نفي الخلاف، و الثاني المرفوعة المروية عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين.

(2) لأنّ ملكه المستقرّ سبيل له على المسلم، و هو منفيّ.

(3) الظرف متعلق ب «يجب» و الضمير راجع إلى الكافر، يعني: أنّ المخاطب ببيع العبد المسلم اثنان، ففي المرتبة الأولى يجب على المولى الكافر. فإن باع فهو، و إن أبى وجب على الحاكم الذي هو وليّ الممتنع.

و هذا الترتيب يستفاد من قوله: «و منه يعلم أنّه لو لم يبعه باعه الحاكم» لظهوره في إناطة ولاية الحاكم- على البيع- بامتناع نفس المولى الكافر عن البيع. و قال في التذكرة في ما لو أسلم العبد دون مولاه: «أمره الحاكم بإزالة الملك عنه ..» ثم قال: «لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر باعه الحاكم بثمن المثل» «1».

(4) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى «كافر».

(5) أي: و من قول الإمام عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه» فإن أمر المسلمين ببيعه ظاهر في توجّه الخطاب إلى عامّة المسلمين، و أنّ بيعه واجب عليهم، و لا يرضى الشارع بإهماله.

و في مثل هذه الواجبات لا بدّ من تصدّي الحاكم لها، لأنّه القدر المتيقن.

______________________________

[1] قد يستشكل في جواز تصدّي المولى الكافر لبيع عبده المسلم من المسلمين

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 22 و 23

ص: 353

باعه الحاكم (1). و يحتمل (2) أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا (3)، لكون (4) المالك

______________________________

(1) لولايته في الأمور العامّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها و تعطيلها.

(2) هذا الاحتمال في قبال تأخّر ولاية الحاكم عن ولاية نفس الكافر، حيث قال:

«و منه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم» و منشأ هذا الاحتمال وجهان:

أحدهما: أنّ بيعه استيلاء على المسلم، و سبيل له عليه، و ذلك منفي بالآية المباركة.

و ثانيهما: كون المأمور ببيعه- في الحديث المذكور- المسلمين، لا مولاه الكافر، فلا ولاية له على بيعه. هذا.

لكن كلا الوجهين ممنوع، لما ذكر في التعليقة، فلاحظ.

(3) يعني: من غير فرق بين امتناع الكافر عن بيع عبده المسلم و عدم امتناعه عنه، فإنّ للحاكم الشرعي ولاية على البيع مطلقا، و هذا الاحتمال هو الأظهر.

(4) هذا تعليل لإطلاق ولاية الحاكم على البيع في كلتا صورتي امتناع الكافر عن البيع و عدمه، و حاصله: أنّ المالك الكافر لا سلطنة له على هذا المال و هو العبد المسلم، لأنّها سبيل منفي بالآية المباركة. و تملكه للمسلم إنّما هو لأجل النص و الفتوى.

و يمكن تأييد إطلاق ولاية الحاكم بإطلاق الأمر ببيعه في الحديث المزبور، حيث إنّ إطلاقه يشمل صورتي امتناع الكافر عن البيع و عدمه. و هذا الإطلاق يكشف عن

______________________________

بما حاصله: أنّ سلطنة مالكه على بيعه سبيل و سلطنة للكافر على المسلم، و ذلك منفي شرعا، و لذا خوطب المسلمون ببيعه، هذا.

لكنه مندفع بأنّ السبيل المنفي هو السلطنة على المؤمن و الاستيلاء عليه، و من المعلوم أن بيع السيد عبده من المسلمين إزالة للملك و رفع لسلطنته عليه. و هذا ضدّ السبيل.

و أمّا أمر المسلمين ببيعه على مولاه الكافر، فلأنّه لعدم اعتقاده بوجوب إخراجه عن ملكه في شرع الإسلام لا يبيع عبده، هذا.

لكن الأظهر أنّ ولاية البيع للحاكم، لظهور قوله: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» في عدم ولاية المالك الكافر على البيع كما تقدمت الإشارة إليه في التوضيح آنفا، و ثبوت الولاية لغيره.

ص: 354

غير قابل للسلطنة على هذا المال، غاية الأمر أنّه دلّ النص (1) و الفتوى (2) على تملّكه له (3)، و لذا (4) ذكر فيها (5)

______________________________

عدم قابلية الكافر للبيع.

(1) و هو قوله عليه الصلاة و السلام في الحديث المذكور: «فبيعوه» حيث إنّ البيع منوط بالملك.

(2) هي فتوى فقهائنا الإماميّة (شكر اللّه مساعيهم الجميلة) بمالكية الكافر للعبد المسلم بالملك القهري كالإرث.

(3) أي: للعبد المسلم، و ضمير «تملكه» راجع إلى الكافر.

(4) هذا تعليل لعدم قابلية الكافر للاستيلاء و العلوّ على العبد المسلم. توضيحه: أنّه لأجل عدم قابلية الكافر للسلطنة على المسلم لم يذكر الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» مباشرة الكافر لبيع العبد المسلم، بل ذكروا في فتاواهم «أنّه يباع عليه قهرا» و هذه الفتوى كقوله عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين»- و لم يقل: «ألزموه بالبيع»- تكشف عن عدم قابلية المالك لبيع عبده المسلم.

(5) أي: في الفتوى، و مقصوده مطابقة فتوى الأصحاب هنا لما ورد في النصّ من إلزام الكافر بإزالة الملك. و الظاهر أنّه نقل بالمعنى، إذ الموجود في الفتاوى «اجبر على بيعه من مسلم» كما في الشرائع «1».

أو «طولب ببيعه» كما في القواعد «2»، أو «و لو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر، باع الحاكم» «3» كما في موضع آخر منه.

و في الدروس «بيع عليه قهرا» «4».

نعم نقل السيد العامليّ عن حواشي الشهيد: «أنه يباع» «5». و تقدمت عبارة التذكرة من أنه بعد الأمر و الامتناع «باعه الحاكم».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 56

(2) قواعد الاحكام، ج 2، ص 17

(3) المصدر، ص 18

(4) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

ص: 355

«أنّه (1) يباع عليه» بل (2) صرّح فخر الدين رحمه اللّه في الإيضاح «1» بزوال ملك السيّد عنه (3)، و يبقى له حقّ استيفاء الثمن منه. و هو (4) مخالف لظاهر النصّ و الفتوى، كما عرفت.

[حكم ثبوت الخيار في إخراج العبد المسلم بالبيع]

و كيف كان (5) [1] فإذا تولّاه المالك

______________________________

و المقصود أنّ فتاوى الأصحاب تدل على أمرين: أحدهما: بقاء العبد المسلم على ملك مولاه الكافر، و ثانيهما: بيعه عليه قهرا، إمّا في خصوص مورد الامتناع، أو مطلقا.

(1) أي: أن العبد يباع على الكافر.

(2) يعني: بل زاد فخر المحققين قدّس سرّه- على عدم قابلية الكافر لبيع عبده المسلم و انقطاع سلطنة البيع- زوال ملكه عن المسلم أيضا، و أنّه لا يبقى له إلّا حقّ استيفاء ثمنه من المسلم الذي يشتريه.

و هذا نظير إرث الزوجة من قيمة الأبنية، و حرمانها عن أعيانها.

و الوجه في التعبير ب «بل» هو أنّ مقتضى كلام المشهور بقاء ملك الكافر و بيعه عليه. و لكن صريح كلام الفخر قدّس سرّه زوال إضافة الملكية، و انتقال الحق إلى البدل و هو الثمن، و من المعلوم أن سلطنة البيع حينئذ لا تكون إلّا للحاكم. قال قدّس سرّه: «الأقوى عندي أن الكافر إذا أسلم يباع على سيده من مسلم، لأنه قد زال ملك السيد عنه ..».

(3) أي: عن العبد المسلم.

(4) أي: زوال ملك السيد الكافر عن العبد المسلم مخالف للنص المتقدم من قول أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: «فبيعوه» و مخالف للفتوى المتقدمة، و هي فتوى علماء الإمامية: بأنّ الكافر يملك العبد المسلم بالملك القهري كالإرث، و قد تقدّم كلّ من النص و الفتوى آنفا.

(5) يعني: سواء أقلنا بتملّك الكافر للعبد المسلم، و قلنا بأنّه المخاطب أوّلا بالبيع،

______________________________

[1] هذا لا يخلو من شي ء، و هو: أنّه بناء على عدم ولاية المالك الكافر على بيع عبده

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 414

ص: 356

بنفسه (1) [1]،

______________________________

لا الحاكم، أم قلنا بعدم تملكه له- كما اختاره فخر المحققين قدّس سرّه من زوال ملكه عنه- فإذا تولّى المولى البيع فهل يثبت له حقّ إعادة العبد المسلم في ملكه بفسخ ذلك البيع أم لا؟

فالغرض من هذا الكلام إلى آخر المسألة تحقيق الجهة الخامسة، و هي حكم الخيار في بيع العبد المسلم، و قد ذكر المصنف قدّس سرّه وجوها- و جملة منها أقوال- نشير إليها، و سيأتي التفصيل في شرح العبارة.

الأوّل: أنّه لا يثبت شي ء من الخيارات، سواء أ كان ثابتا بجعل الشارع تعبدا كخيار المجلس، أم بجعل المتبايعين كخيار الشرط. و سواء أ كان مستند الخيار قاعدة نفي الضرر كخيار الغبن أم الأدلة الخاصة.

الثاني: الثبوت مطلقا.

الثالث: التفصيل المبتني على ما حكي عن بعض العامة من: أنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل، فيثبت الخيار، أم أنه كالذي لم يعد، فلا يثبت؟

الرابع: التفصيل بين الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر مع كون المتضرر هو المسلم المشتري للعبد، فيثبت له الخيار، و بين الخيارات الأصلية غير المستندة إلى قاعدة نفي الضرر، أو استندت إليه، و لكن كان المتضرر هو المولى الكافر، فلا يثبت.

الخامس: التفصيل في ثبوت خيار العيب خاصّة بين القيمة دون العين. هذه وجوه المسألة، و سيأتي تفصيل كلّ منها.

(1) لعل تقييد تولّي البيع بنفسه- مع أنّه لا خيار في هذا البيع للمشتري و لا للحاكم إذا كان هو المتصدّي للبيع- لأجل أنّ جعل الخيار للمولى الكافر سبيل فعليّ

______________________________

المسلم- كما هو أحد الأمرين المشار إليهما بقوله: «و كيف كان ..»- يكون البيع فضوليّا و غير صحيح، فليس موردا للخيار قطعا. إلّا أن يراد بيعه بإذن الحاكم. لكنه غير فرض ولاية المالك على بيع العبد كما لا يخفى.

فينبغي أن تكون العبارة بهذا النحو: «ثم إنّه بناء على ولاية الكافر على البيع إذا باع المولى الكافر عبده المسلم فالظاهر .. إلخ».

[1] لكن قد يورد عليه تارة بمنافاة هذا التقييد للتعليل الآتي بقوله: «لأنه إحداث ملك فينتفي بعموم نفي السبيل» لظهوره في أنّ المنفي شرعا هو المسبب أعني به تملك

ص: 357

فالظاهر (1) أنه لا خيار له و لا عليه، وفاقا للمحكيّ

______________________________

العبد المسلم حتى إذا لم يؤل إلى الفسخ و إعادة العبد في ملكه، و المفروض نفي السبيل بقول مطلق.

و لا فرق في عدم ثبوت الخيار بين كون الخيار متعلقا بالعقد، و يلزمه حينئذ جواز استرداد العين، أم كان متعلقة العين، أي: حق استرداد العين و انتزاعها ابتداء، و انفساخ العقد قهرا.

(1) جواب «فإذا تولّاه» و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو نفي مطلق الخيارات في بيع العبد المسلم، فلا يستحق البائع و لا المشتري فسخ هذا البيع، ليعود العبد في ملك مولاه الكافر.

______________________________

الكافر للمسلم، سواء أ كان بسبب إعمال الخيار أم بغيره. و من المعلوم ترتب هذا اللازم على ما إذا كان الخيار للمشتري أو للحاكم إن كان هو البائع، ضرورة عود العبد إلى ملك الكافر لو فسخ كلّ منهما. مع أنّ السلطنة على الفسخ أو الاسترداد للمسلم لا للكافر.

و عليه فلا وجه لتقييد منع الخيار بما إذا كان المتولّي هو الكافر «1».

و أخرى بأنّ الخيار بنفسه ليس سبيلا، و لا هو مستلزم للسبيل، فلا يعارض دليله دليله، لعدم استلزام الخيار استرداد العوضين، و إنّما هو حلّ العقد ابتداء، فإن صادف هذا الحل حال قيام العوضين مع عدم المانع من استردادهما استردّا، و إن صادف تعذره بالتلف، أو حصل المانع الشرعي منه انتقل الحق إلى القيمة. و المقام من هذا القبيل، لأنّ دليل نفي السبيل يمنع عن قابلية عين العبد المسلم للرجوع إلى ملك الكافر، و لا يمنع استرداد قيمته، فيأخذها جمعا بين الدليلين «2».

إلّا أن يقال بما في تقرير شيخ مشايخنا الميرزا النائيني قدّس سرّه من عدم ثبوت الخيار هنا من جهة امتناع رجوع العين إلى الكافر، سواء قلنا بتعلّق الخيار بالعقد ابتداء أم باسترداد

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 236

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 164

ص: 358

عن الحواشي (1) في خيار المجلس و الشرط، لأنّه (2) إحداث ملك فينتفي (3) بعموم (4) [لعموم] نفي السبيل، لتقديمه على أدلّة الخيار، كما يقدّم على أدلّة البيع.

______________________________

و الوجه فيه: أنّ المولى الكافر لا ولاية له على البيع، و إنّما يباع العبد عليه قهرا كما قيل. و على فرض ولايته عليه تختصّ ولايته بإخراج العبد من ملكه إخراجا قطعيا لا يبقى معه علاقة و تزلزل، و من المعلوم أنّ ثبوت الخيار في هذا البيع يوجب تزلزل العقد، فيعود سبيل الكافر على المسلم، و هو منفي حسب الفرض.

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و في حواشي الشهيد: أنّه يباع، و لا يثبت له خيار المجلس و الشرط» «1».

(2) تعليل لعدم خيار الكافر إذا باشر البيع بنفسه، و حاصله: أنّ جعل الخيار للكافر ليتمكّن من الفسخ يوجب جواز رجوع الملك إليه، و هو إيجاد ملك جديد له، و المفروض انتفاء هذه الملكية الجديدة بعموم نفي السبيل، حيث إنّه عامّ يشمل الملكية مطلقا من المستقرّة و المستحدثة.

(3) أي: إحداث الملك، و ضميرا «لتقدمه» و المستتر في «يقدّم» راجعان إلى نفي السبيل.

(4) تعليل لانتفاء الملك، و حاصله: أنّ عموم نفي السبيل مقدّم حكومة على أدلة الخيار، كما يقدّم على أدلة البيع. فكما لا يجوز تمليك العبد المسلم للكافر بالبيع، فكذا لا يجوز تمليكه إيّاه بفسخ البيع.

______________________________

العين. و ذلك لأنّ مورد الرجوع إلى البدل هو إمكان استرداد العين بالفسخ أوّلا حتى ينتهي الأمر- بعد تعذر تسليمه- إلى البدل، و المفروض في المقام امتناع الرجوع إلى العين، لما ورد من الأمر بالبيع و عدم إقراره في يد الكافر، فلا موقع للرجوع إلى البدل، هذا «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 362

ص: 359

و يمكن أن يبتني (1) على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد (2) [1]. فإن قلنا بالأوّل (3) ثبت الخيار، لأنّ (4) فسخ العقد يجعل الملكيّة

______________________________

(1) هذا إشارة إلى وجه ثان في حكم الخيار، أي: يبتني وجود الخيار و عدمه- للبائع الكافر أو المشتري- على: أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أي كأنّه باق و لم ينعدم، أو كالذي انعدم و تجدد، و لم يعد ذلك الوجود السابق.

فعلى الأوّل يثبت الخيار، لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية السابقة الممضاة شرعا، و التي أمر المسلمون بإزالتها.

و على الثاني لا يثبت الخيار، لأنّ الملكية المتجددة الحاصلة بالفسخ غير الملكية السابقة الممضاة شرعا، و الملكية المتجددة سبيل منفيّ بآية نفي السبيل.

ثم إن هذه القاعدة و ما يتفرع عليها من فروع- كالفسخ بالخيار- نقلها الشهيد قدّس سرّه في القواعد، و لم يظهر منه ترجيح أحد الاحتمالين، فقال: «طريان الرافع للشي ء هل هو مبطل له، أو بيان لنهايته؟ .. و قد يعبّر عنها بأنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل؟ أو كالّذي لم يعد، فإنّ القائل بأنها كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأوّل، و القائل بأنّها كالذي لم يعد يقول برفع الحكم الأوّل بالزوال، فلا يرجع حكمه بالعود» «1».

(2) يعني: بل هو ملك متجدد غير الملك الأوّل.

(3) و هو كون الزائل العائد كالذي لم يزل.

(4) تعليل لثبوت الخيار، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية .. إلخ».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذه الجملة و إن كانت كلاما معجبا جميلا، لكن لا عبرة بها، لعدم كونها آية و لا رواية و لا معقد إجماع.

مضافا إلى: أنّها لا تنطبق على المقام، لأنّ موردها هو ما إذا كان هناك زوال و عود، حتى يصحّ أن يقال: إنّ هذا الذي زال و عاد هل هو كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ كما إذا

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 268، القاعدة 85

ص: 360

السابقة كأن لم تزل، و قد أمضاها الشارع و أمر بإزالتها، بخلاف (1) ما لو كانت الملكيّة الحاصلة غير السابقة، فإنّ الشارع لم يمضها (2).

______________________________

(1) يعني: بخلاف ما لو كانت الملكية المتجددة مغايرة للملكية السابقة، فلا يثبت فيها الخيار، حيث إنّ الشارع لم يمضها، لأنّها سبيل منفي كما تقدم آنفا.

(2) لكونها من السبيل المنفي شرعا.

______________________________

باع زيد دكّانه مثلا من عمرو بشرط أن يكون له إلى سنة خيار فسخ هذا البيع، ثم باع المشتري عمرو في مدة الخيار- قبل وقوع الفسخ من البائع ذي الخيار- ذلك الدّكان من بكر.

فزال ملك الدّكان من عمرو المشتري، حتى إذا فسخ زيد حينئذ بيع الدكان لم يكن له مطالبة عين الدكان من عمرو، بل يستحق بدله. فإذا فرض عود الدكان إلى ملك عمرو بسبب ناقل فهل لزيد مطالبة عين الدكان من عمرو، بدعوى: أنّ الزائل العائد كأنّه لم يزل؟ أم ليس له مطالبة العين، لأنّ الزائل كأنّه لم يعد. ففي هذا المثال يوجد كلّ من الزوال و العود، فيكون من موارد هذه الجملة و مصاديقها.

و أمّا مقامنا فليس كذلك، لأنّه ليس فيه عود مسلم حتى يبحث في كونه كأن لم يزل، أو كأن لم يعد حتى يكون كالمثال المذكور، حيث إنّ ثبوت الخيار للبائع الكافر حتى يترتب على فسخ البيع بذلك الخيار عود المبيع و هو العبد المسلم إلى بائعه الكافر- حتى يقال: إنّ هذا العود هو الوجود السابق أو وجود حادث- غير مسلّم. بل قد تقدّم أنّ ولاية المالك الكافر على بيع عبده المسلم غير ثابتة، بل عدمها ثابت.

فعلى هذا يكون المقام أجنبيا عن مفاد هذه الجملة: «الزائل العائد كالذي لم يزل ..

إلخ».

و الحق أنّ الخيارات لكلّ من البائع الكافر و الحاكم ساقطة، من غير فرق بين الخيارات المجعولة شرعا كخياري المجلس و الحيوان، و المجعولة بجعل المتعاقدين، و من غير فرق بين الخيارات الناشئة من قاعدة الضرر، و من تخلّف الشرط الضمني كخيار الغبن على الخلاف من كونه لأجل قاعدة الضرر، أو تخلّف الشرط الضمني.

و ذلك لحكومة قاعدة نفي السبيل على أدلة الخيار مطلقا، و إباء نفي السبيل عن

ص: 361

..........

______________________________

التخصيص.

مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله عليه السّلام: «لا تقروه» هو النهي عن المسبّب أعني الملكية بقاء، و بعد إلغاء خصوصية البقاء- التي هي مورد الحديث- يفهم العرف بأنّ المبغوض المنهي عنه هو نفس الملكية من غير فرق بين حدوثها و بقائها. و النهي الدال على الفساد يدلّ على فساد كلّ سبب يتسبب به إلى ذلك المسبّب، سواء أ كان بيعا أم صلحا أم فسخا أم غيرها.

و الحاصل: أنّ كلّ ما يوجب ملكية العبد المسلم للكافر حدوثا و بقاء فاسد.

و لا يترتب عليه الملكية أصلا. و بذلك تسقط التفاصيل التي ذكروها من الخيارات الأصلية كخياري المجلس و الحيوان، و الخيارات الناشئة من أدلة نفي الضرر، بالسقوط في الأوّل، لحكومة دليل نفي السبيل على أدلة الخيارات الأصلية، و الثبوت في الثاني، بتوهم: تقدم دليل نفي الضرر لقوّته على دليل نفي السبيل.

و كذا يسقط التفصيل بين ضرر المشتري المسلم و بين ضرر البائع الكافر، بثبوت الخيار للأوّل، لقاعدة الضرر، و عدم ثبوته في الثاني أي الكافر، لأنّه لكفره بسوء اختياره أقدم على ضرره، فلا تشمله قاعدة الضرر.

وجه سقوط هذا التفصيل: عدم جريان قاعدة نفي الضرر في كليهما، لحكومة نفي السبيل على قاعدة الضرر بعد وضوح عدم تخصيص نفي السبيل بها، لإبائها عن التخصيص، هذا.

و أمّا ما ذكروه من خروج الإقدام عن قاعدة الضرر، و عدم شمولها لمورد الإقدام الحاصل باختيار الكفر، ففيه: أنّ الخارج عن قاعدة الضرر إنّما هو الاقدام على نفس الضرر، كالإقدام على المعاملات الغبنية مع العلم بالغبن. و أمّا الإقدام على شي ء يترتب عليه الضرر أحيانا و قد لا يترتب- كالإقدام على الكفر فيما نحن فيه- فهو أجنبي عن قاعدة الإقدام.

فالمتحصل: أنّ جميع الخيارات ساقطة، و لا يترتب شي ء منها على بيع العبد المسلم من المسلم، سواء أ كان المباشر للبيع نفس المولى الكافر أم حاكم الشرع.

ص: 362

لكن هذا المبني (1) ليس بشي ء، لوجوب (2) الاقتصار [1] في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن (3).

نعم (4) يحكم بالأرش (5) لو كان العبد

______________________________

(1) أي: جملة «الزائل العائد .. إلخ» ليس بشي ء.

(2) تعليل لعدم صحة جملة «الزائل العائد .. إلخ» و محصّله: أنّ عموم نفي السبيل يشمل الملكية مطلقا، حتى الملكية التي لا تزول، و هذا العموم ليس قابلا للتخصيص.

و المتيقّن من تخصيصه هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية للكافر كالإرث.

و بالجملة: فالملكية الزائلة العائدة مشمولة لعموم نفي السبيل، و لا مخرج لها منه، لعدم دليل على اعتبار هذه الجملة حتى يخرج بها عن عموم دليل نفي السبيل.

و بهذا ظهر أنّ نظر المصنف هو منع الكبرى التي هي مبنى التفصيل، لا منع صغروية المقام- و هو الفسخ بالخيار- لها.

(3) و هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية فقط للكافر كالإرث، دون الملكية الحاصلة بالفسخ، فإنّها مغايرة للملكية القهرية. فخروجها عن عموم آية نفي السبيل مشكوك، فالعموم يشملها.

(4) بعد منع الخيار المجوّز للرّد، استدرك عليه بأنّه في خصوص خيار العيب الموجب للرّد أو الأرش يحكم بالأرش، لتعذر الرد، كسائر الواجبات التخييرية التي تعذّر أحد عدليها. كما إذا باع الكافر عبده المسلم بثوب، و كان أحد العوضين معيبا حال العقد، فإن كان المعيب هو العبد جاز للمشتري المسلم مطالبة الأرش من الكافر. و إن كان المعيب هو الثوب جاز للكافر أخذ الأرش من المشتري.

و على كلّ فالبيع من حيث حقّ الرد و الفسخ لازم، لا سلطنة لأحدهما على حلّه.

بل يثبت ما يختص بخيار العيب و هو الأرش.

(5) هو جزء من الثمن- لو كان العيب في المبيع- يكون نسبته إلى الثمن كنسبة

______________________________

[1] لعلّ الأولى التعليل بعدم اعتباره أوّلا، و عدم انطباقه على المقام ثانيا، لعدم العلم بالموضوع و هو الزوال و العود كما أوضحناه في التعليقة، فلاحظ.

ص: 363

أو ثمنه (1) معيبا.

و يشكل (2) في الخيارات الناشئة عن الضرر،

________________________________________

التفاوت بين الصحيح و المعيب، كما إذا فرض أنّه اشترى المبيع بخمسة دنانير، و كانت قيمته السوقية صحيحا عشرة دنانير، و قيمته كذلك معيبا ثمانية دنانير، فالتفاوت بين الصحيح و المعيب اثنان، و هما خمس العشرة، فيؤخذ خمس الثمن، و هو الواحد من الخمسة.

هذا كله في الوجه الأوّل، و هو نفي الخيار بقول مطلق، إلّا خيار العيب بالنسبة إلى الأرش. كما تقدّم التفصيل المبتني على قاعدة «الزائل العائد»، و سيأتي الكلام في تفصيل آخر.

(1) المراد به الثمن المعيّن، لا ما هو فرد من الثمن الكلّي، إذ في الثمن الكلّي لا بدّ من تسليم الثمن الصحيح، و لا مورد للخيار.

(2) يعني: و يشكل الحكم- بعدم ثبوت شي ء من الخيارات- في الخيارات الناشئة من الضرر.

و هذا إشارة إلى التفصيل بين الخيارات بلحاظ أدلّتها، فيقال: بعدم ثبوت الخيار المستفاد من دليل خاص، كخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و بثبوت الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر بشرط كون المتضرر هو المسلم.

أمّا عدم ثبوته في القسم الأوّل فلأنّ دليل خيار المجلس- مثلا- لا يقاوم ما دلّ على نفي السبيل، و يكون محكوما به، و نتيجة هذه الحكومة اختصاص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع عبدا مسلما باعه مولاه الكافر، فكأنّه قيل: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا إذا باع الكافر عبده المسلم من مسلم، فإنّه لا خيار للمتبايعين» إذ لو كان لأحدهما الخيار لزم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، و هو سبيل منفيّ شرعا.

و أمّا ثبوت الخيار في القسم الثاني كخيار الغبن، فلأنّ قاعدة نفي الضرر و إن تعارضت مع قاعدة نفي السبيل، في ما لو تضرّر أحد المتبايعين في بيع العبد المسلم- لاقتضاء قاعدة نفي السبيل انتفاء الخيار و لزوم العقد، و اقتضاء قاعدة نفي الضرر التزلزل- الّا أنّ الترجيح لدليل نفي الضرر، لقوة الدلالة و إن استفيدت من الشهرة العملية

ص: 364

من (1) جهة قوّة أدلّة نفي الضرر، فلا يبعد (2) الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع، بخلاف ما لو تضرّر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره (3) الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنص.

______________________________

على ثبوت الخيار.

و اللازم من تقديم قاعدة نفي الضرر و إن كان ثبوت الخيار لمن تضرّر- سواء أ كان المتضرر هو الكافر كما إذا باع العبد بأقلّ من قيمته السوقية، أم المشتري كما إذا اشتراه بأزيد من ثمن المثل- إلّا أنّ القاعدة مختصّة بعدم إقدام المتضرر على ضرر نفسه.

و بما إنّ الكافر بسوء اختياره للكفر أقدم على الإضرار بنفسه لعلمه بعدم قابليته لتملك العبد المسلم، فلم يكن هذا الضرر مستندا إلى الشارع حتى ينفى بالقاعدة، إذ الضرر عنوان للحكم المجعول شرعا، كلزوم العقد، و لا يشمل ما استند إلى المقدم على إزالة ملكه عن العبد.

هذا توضيح نظر المصنف قدّس سرّه في هذا التفصيل. و إن أمكن التأمل فيه كما تقدم في التعليقة، و لا أقلّ من منع كون قاعدة نفي الضرر أقوى من قاعدة نفي السبيل، و حاكمة عليها، بعد اعترافه في أوّل المسألة بإبائها عن التخصيص، مع أن لازم تقديم «لا ضرر» ثبوت حقّ الفسخ و إثبات السبيل مرّة أخرى للكافر، هذا.

(1) متعلق ب «يشكل» و قوله: «من جهة قوّة أدلة .. إلخ» ناظر إلى حكومة القاعدة على نفي السبيل.

(2) هذه نتيجة قوة أدلة الضرر، فإنّ تقديم قاعدة الضرر على نفي السبيل يقتضي ثبوت الخيار للمسلم المتضرر من ناحية لزوم البيع. بخلاف تضرر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم إلّا فيما خرج بالنص، و هو ما تقدم من قول مولانا أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده».

(3) يعني: أنّ الضرر نشأ بسوء اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم، إلّا فيما خرج بالنص المتقدم آنفا، و لم ينشأ الضرر بجعل الشارع.

ص: 365

و يظهر ممّا ذكرنا (1) حكم الرجوع في العقد الجائز، كالهبة.

و خالف في ذلك (2) كلّه جامع المقاصد، فحكم بثبوت الخيار و الردّ بالعيب تبعا للدروس (3)، قال (4) «لأنّ العقد لا يخرج

______________________________

(1) أي: يظهر من عدم الخيار- للكافر و للمشتري- حكم الرجوع في العقد الجائز، و هو عدم جواز الرجوع. فإذا وهب الكافر عبده المسلم لمسلم، ثم رجع عن الهبة. لم يصحّ له الرجوع، لا لعدم قابلية الهبة للرجوع، بل لعدم قابلية الكافر لأن يرجع العبد المسلم إلى ملكه.

(2) أي: في عدم الخيار للكافر و المشتري، و في عدم جواز رجوع الكافر إلى عبده المسلم إذا وهبه لمسلم هبة جائزة.

و هذا في قبال ما تقدّم أوّلا من المصنف من سقوط جميع الخيارات، سواء أ كان الخيار أصليّا كخياري المجلس و الحيوان، أم جعليّا بجعل المتعاقدين كخيار الشرط، و سواء نشأ من دليل نفي الضرر، أم من تخلّف الشرط الضمني.

و في قبال ما تقدم من التفصيلين.

فالغرض هنا التعرض لقولين آخرين:

أحدهما: مختار الشهيد و المحقق الثاني قدّس سرّهما من جريان كافة الخيارات، و جواز الرجوع في الهبة.

و ثانيهما: سقوط الخيارات بالنسبة إلى العين، فلا يجوز للكافر استرداد العبد المسلم بالفسخ في العقد اللازم، و بالرجوع في العقد الجائز، و بقاء حقه الفسخ في القيمة، كما سيظهر.

(3) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل .. و يجري فيه أحكام العقد من الخيار و الرّد بالعيب فيه أو في ثمنه المعيّن، فيقهر على بيعه ثانيا» «1».

(4) أي: قال المحقق الثاني في جامع المقاصد، و محصل ما أفاده من التعليل لثبوت الخيار: أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه، و هو جواز الرد بالعيب، و لا نرفع اليد عن هذا

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

ص: 366

عن مقتضاه [1] بكون (1) المبيع عبدا مسلما لكافر، لانتفاء (2) المقتضي، لأنّ (3)

______________________________

المقتضي لأجل كون المبيع عبدا مسلما لكافر، فلا بأس بأن يردّ المشتري العبد المسلم المبيع المعيب إلى بائعه الكافر. لا أن يأخذ الأرش منه بإزاء العيب و النقيصة.

(1) الباء للسببية، يعني: لا يخرج عن مقتضى العقد بسبب كون المبيع عبدا مسلما لكافر.

(2) تعليل لعدم خروج العقد عن مقتضاه، يعني: لا مقتضي للخروج عن مقتضى العقد، و هو الخيار الموجب لجواز الرد.

(3) تعليل لانتفاء المقتضي، و محصله: أنّ نفي السبيل لو كان مقتضيا لخروج العقد عن مقتضاه- و هو جواز الردّ بالعيب، و رجوع المبيع إلى بائعه- لكان مقتضيا لخروج العبد عن ملك الكافر أيضا، لعدم التفاوت بينهما مع وجود السبيل في كليهما. و من المعلوم بطلان التالي، و هو خروج العبد عن ملك الكافر، فإنّ بيع العبد عليه- و دفع ثمنه إليه كما هو مقتضى النص- دليل على بقاء ملكه.

و كذا الملزوم- و هو خروج العقد عن مقتضاه أعني به جواز الرد بالعيب- فإنّه

______________________________

[1] لا يبعد أن يكون مراد صاحب جامع المقاصد عينية الملكية المترتبة على فسخ العقد مع الملكية السابقة على العقد، حيث إنّ العرف يحكم بذلك بسبب الفسخ الّذي هو حلّ العقد، و إن لم يحكم العقل بالعينية، لاختلاف المشخّصات. و المفروض أنّ الملكية السابقة الإرثية لم تكن مشمولة لآية نفي السّبيل. فلا بدّ أن تكون الملكية الآتية من فسخ العقد أيضا كذلك، لأنّها عينها عرفا. فإذا لم تكن منفيّة بآية نفي السبيل لم يكن مانع من ترتب مقتضى العقد عليها، لفرض عينية الملكية الفسخية مع الملكية الإرثية. فترتب الخيار حينئذ ليس لاقتضاء العقد له اقتضاء عقليّا غير منفكّ عنه، و لا لأقوائيّة دليله من آية نفي السبيل، هذا.

لكن العينية العرفية غير كافية بعد كون الموضوع الملك الإرثي، و هذا العنوان لا يصدق على الملك المترتب على الفسخ، لأنّه ملك جديد لم ينتقل إليه بالإرث، فيشمله عموم آية نفي السبيل.

ص: 367

نفي السبيل لو اقتضى ذلك (1) لاقتضى خروجه عن ملكه (2).

فعلى هذا (3) لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها (4).

و لو أخرجه (5) عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها.

نعم (6) لا يبعد أن يقال: للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس، أو مطالبته (7) بسبب ناقل يمنع الرجوع

______________________________

باطل أيضا، كبطلان خروج العبد عن ملك الكافر.

(1) أي: لو اقتضى رفع اليد عن مقتضى العقد لاقتضى .. إلخ، و في جامع المقاصد زيادة «بمجرّده».

(2) كذا في النسخ، و في جامع المقاصد: «عن الملك بالإسلام».

(3) يعني: فبناء على ثبوت الخيار- و الرّد بالعيب- لو كان البيع واقعا بنحو المعاطاة لجرى فيه أحكام البيع المعاطاتي، كجواز ترادّ العينين ما دامتا باقيتين، لكونها عند المحقق الثاني قدّس سرّه تفيد الملك الجائز «1»، و تقدّم تفصيله في بحث المعاطاة، فراجع.

(4) أي: حكم المعاطاة كجواز التراد كما مرّ آنفا، سواء قلنا بما هو المشهور عند القدماء من إفادتها للإباحة، أم بما اختاره المحقق الثاني من الملك المتزلزل.

(5) أي: و لو أخرج الكافر العبد المسلم عن ملكه بعنوان الهبة جرت عليه أحكام الهبة من عدم جواز الرجوع فيها إن كانت لذي رحم، و جواز الرجوع إن كانت لغير ذي رحم.

و قوله: «و لو أخرجه» و كذا قوله: «لو كان البيع معاطاة» متفرعان على ما في جامع المقاصد من ثبوت الخيار في بيع العبد المسلم، إذا تولّاه مولاه الكافر بنفسه.

(6) هذا من كلام جامع المقاصد، و هو استدارك على ما أفاده من ثبوت الخيار و الرد للكافر. و حاصل الاستدراك: أنّ للحاكم الشرعي إسقاط حق الخيار للكافر في خيار المجلس.

(7) معطوف على «إلزامه» يعني: للحاكم مطالبة الكافر بأن ينقل ثمن العبد إلى غيره بسبب ناقل لازم من النواقل الشرعية حتى لا يرجع المشتري بسبب خياره إلى الثمن،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 58

ص: 368

إذا لم يلزم (1) منه تخسير للمال» انتهى «1».

و فيما ذكره (2) نظر، لأنّ (3) نفى السبيل لا يخرج منه إلّا الملك الابتدائي (4)، و خروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه (5) بالفسخ. و استلزام (6) البيع للخيارات

______________________________

فينفسخ البيع، و تعود ملكية العبد إلى بائعه الكافر.

(1) يعني: إذا لم يلزم منه- أي: من كلّ واحد من إلزام الحاكم بإسقاط الخيار أو مطالبته- خسارة مالية على الكافر، كما إذا كانت قيمة العبد مائة دينار، و باعه بستين دينارا، فإنّ إلزامه بإسقاط الخيار أو مطالبته بنقل الثمن يوجب الخسارة على الكافر، فيقيّد الإلزام و المطالبة بعدم الخسارة.

(2) يعني: و فيما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه من أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه- و هو جواز الرد و الفسخ بالخيار- نظر. و قد ناقش المصنف قدّس سرّه في مواضع من كلام جامع المقاصد.

منها: قوله: «لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه .. الى قوله لاقتضى خروجه عن ملكه» تقريب المناقشة فيه: أنّ تخصيص عموم نفي السبيل بالملك الابتدائي القهري لا يلازم تخصيصه بالملك الحاصل للكافر بالفسخ، حيث إنّ العام المخصّص حجة في الباقي.

و عليه فعموم نفي السبيل ينفى ملكية العبد المسلم للكافر بسبب الفسخ، لأنّه تخصيص زائد ينفيه العموم.

(3) تعليل للنظر و المناقشة. و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «تقريب المناقشة فيه».

(4) القهري كالإرث، و ضمير «و خروجه» راجع الى الملك الابتدائي.

(5) أي: إلى الكافر، و حاصله: أنّ خروج الملك الابتدائي القهريّ كالإرث عن عموم نفي السبيل لا يستلزم خروج عود ملك العبد المسلم إلى الكافر عنه بسبب الفسخ، لكونه تخصيصا زائدا.

(6) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع آخر من كلام المحقق الثاني، و هو قوله: «ان العقد لا يخرج عن مقتضاه و هو الخيار حتى إذا كان المبيع عبدا مسلما و البائع كافرا، فإنّ

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 65

ص: 369

ليس عقليّا، بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحّة العقد (1) الذي خصّ بنفي السبيل. فهذا (2) [فهذه] أولى بالتخصيص به.

مع (3) أنّه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك، و عدم (4) زواله بالفسخ و الرجوع (5)، فتأمّل (6).

______________________________

الخيار ثابت له و عليه».

و محصل المناقشة هو: أنّ اقتضاء العقد للخيار ليس عقليا حتى يكون الخيار لازما غير مفارق للعقد، بل يكون الخيار بجعل الشارع و تابعا لدليله، و من المعلوم أنّ دليل الخيار أضعف من دليل صحة نفس العقد الذي خصّص بدليل نفي السبيل. فتخصيص دليل الخيار بآية نفي السبيل لضعفه أولى بالتخصيص بالآية من دليل الصحة.

(1) كأوفوا بالعقود، و أحل اللّه البيع، و تجارة عن تراض، و غيرها.

(2) يعني: فدليل الخيار أولى بالتخصيص- بنفي السبيل- من دليل صحة أصل البيع.

فالنتيجة: أنّه لا تعارض بين دليل نفي الخيار و دليل نفي السبيل، بل دليل نفي السبيل حاكم عليه، فلا تخرج الملكية المستحدثة بالخيار من عموم نفي السبيل، و إنّما الخارج منه خصوص الملك القهري الابتدائي كالإرث.

(3) غرضه منع الخيار رأسا للكافر- و إن لم نقل بتقديم آية نفي السبيل على دليل الخيار، و سلّمنا المعارضة بين دليلي الخيار و نفي السبيل و تساقطهما- حيث إنّه بناء على التساقط لا وجه للخيار، بل المرجع حينئذ الأصل العملي، و هو أصالة بقاء الملك على ملك المشتري، و عدم زواله بفسخ الكافر و رجوعه.

و لا يرجع إلى أصالة الفساد، لأنّ الشك ليس في الصحة و الفساد، بل في انفساخ العقد الصحيح و زواله. فالمرجع استصحاب بقاء العقد و أثره و هو الملك.

(4) معطوف على «الملك» أي: يرجع إلى أصالة عدم زوال الملك بالفسخ و الرجوع.

(5) معطوف على الفسخ.

(6) لعلّه إشارة إلى: أنّ تسليم المعارضة- و الغضّ عن حكومة نفي السبيل على دليل صحة البيع- يقتضي الرجوع إلى أصالة الفساد، لأنّ الشك حينئذ في أصل صحة عقد البيع، لا في بقائه حتى يستصحب ملكية العبد المسلم لمشتريه المسلم.

و بالجملة: فلا يرجع حينئذ إلى أصالة بقاء ملك المشتري بعد فسخ البائع الكافر.

ص: 370

و أمّا (1) ما ذكره أخيرا بقوله: «لا يبعد» ففيه: أنّ إلزامه (2) بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع (3) [1]، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة (4)

______________________________

أو إشارة إلى: ما سيذكره من قوله: «إلا أن يقال: انّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و نفي السبيل .. إلخ» و حاصله: أنّ الجمع بين دليلي نفي السبيل و الخيار يقتضي ثبوت الخيار و الحكم بالقيمة، لأنّ نفي السبيل مانع شرعي من استرداد المثمن أعني به العبد.

أو إشارة إلى غير ما ذكر.

و الحقّ جريان أصالة بقاء ملك المشتري، و عدم تأثير فسخ البائع الكافر في انحلال العقد، و رجوع ملك العبد المسلم إلى بائعه الكافر.

(1) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع ثالث من كلام المحقق الثاني، و هو قوله:

«لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس .. إلخ».

و حاصل مناقشة الشيخ قدّس سرّه فيه هو: أنّ إلزام البائع الكافر بإسقاط الخيار و نحوه ليس بأولى من الحكم بنفي الخيار و عدم جواز الرجوع، لتعذر الرجوع من جهة المانع، و هو أن خروج العبد المسلم عن ملك الكافر إلى ملك المسلم من التصرف المانع من الفسخ.

(2) أي: أنّ إلزام الحاكم للكافر بإسقاط الخيار أو بالمطالبة ليس بأولى .. إلخ.

(3) أي: بعدم الخيار الموجب لجواز الفسخ و الرجوع من أوّل الأمر حتى نحتاج إلى الاستدراك بإلزام الكافر بإسقاط نحو خيار المجلس.

و يمكن أن يقال بأولويته، لكونه جمعا بين دليل نفي السبيل و أدلة الخيارات.

(4) خبر قوله: «فيكون» و الظرف في «من ملك، إلى ملك» متعلق ب «خروج».

______________________________

[1] ظاهره الإشارة إلى ما ذكره سابقا في (ص 356) من قوله: «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له و لا عليه». و هذه العبارة كالصريح في عدم جعل الخيار أصلا للبائع الكافر. فيفهم منها دفع الخيار بمعنى عدم تشريعه و عدم حدوثه. و لا يلائم هذا المعنى ما فرّعه عليه بقوله: «فيكون خروج المسلم» لأنّ هذا التفريع يناسب وجود الخيار،

ص: 371

التصرّف [1] المانع من الفسخ و الرجوع.

و ممّا ذكرنا (1) يظهر أنّ ما ذكره في القواعد- من قوله: «و لو باعه من مسلم بثوب، ثمّ وجد في الثوب [الثمن] عيبا جاز ردّ الثمن [الثوب]. و هل يستردّ (2) العبد

______________________________

(1) من قولنا في (ص 356): «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له و لا عليه» مع تأييده بقوله في (ص 371): «ففيه: أن إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر .. إلخ» و غرضه التعرض لآخر الأقوال و الوجوه الموجودة في المسألة، و هو تفصيل العلّامة قدّس سرّه في القواعد.

و محصله: أنّه لو باع الكافر العبد المسلم من مسلم بثوب، ثمّ وجد في الثوب عيبا، جاز للبائع ردّ الثوب. و هل يستردّ البائع الكافر نفس المبيع- و هو العبد المسلم- أم يستردّ بدله أعني القيمة؟ فيه نظر، ينشأ من كون استرداد العبد تملكا للمسلم اختيارا، فلا يجوز استرداده. و من كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث، حيث إنّه من حكم الشارع، و ليس باختيار البائع، فيجوز استرداد العبد بعينه.

(2) يعني: و هل يسترد البائع الكافر العبد أم القيمة؟ فيه نظر.

______________________________

ضرورة أنّ التصرف المانع من الفسخ مسقط للخيار و رافع له، لا مانع من حدوثه. و قد تقدم أنّ المانع من حدوث الخيار للبائع الكافر قوله عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين».

مضافا إلى كون الخيار موجبا للسلطنة على حلّ العقد، و هذه السلطنة منفيّة بآية نفي السبيل.

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه من مانعية هذا الخروج للخيار، و كونه بمنزلة التصرف المانع من الفسخ، فإنّ الخروج من ملك الكافر إلى ملك المسلم موضوع الخيار، فكيف يكون رافعا للخيار، فإنّ الموضوع مقتض لحكمه و كالعلّة له، و لا يعقل أن يكون مقتضى الشي ء رافعا له، فلا بدّ أن يكون التصرف المانع عن الفسخ غير التصرف البيعي الذي هو موضوع للخيار. فتعليل عدم جواز الرجوع و الفسخ بلزوم السبيل المنفيّ أولى.

ص: 372

أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من (1) كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا، و من (2) كون الردّ بالعيب موضوعا على القهر كالإرث» انتهى «1»- محلّ (3) تأمّل (4).

إلّا (5) أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار و نفي السبيل ثبوت الخيار، و الحكم بالقيمة، فيكون [1] نفي السبيل مانعا شرعيّا من استرداد المثمن (6)، كنقل المبيع (7) في زمان الخيار،

______________________________

(1) هذا وجه عموم جواز استرداد العبد، و قد تقدم آنفا توضيحه.

(2) هذا وجه الجواز، و قد مرّ بيانه.

(3) خبر «ان» في قوله: «ان ما ذكره في القواعد».

(4) وجه التأمل: أنّ جواز ردّ الثمن يدلّ على ثبوت الخيار للكافر، و قد تقدم في (ص 371) عدم ثبوته له، حيث قال: «انّ إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع .. إلخ».

(5) استثناء من عدم ثبوت الخيار للكافر، و إثبات للخيار له، ببيان: أنّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و دليل نفي السبيل ثبوت الخيار للكافر، لكن لا باسترداد شخص العبد، بل بأخذ قيمته، لأن نفي السبيل مانع شرعي من استرداد شخصه، و موجب للحكم بأخذ قيمته.

(6) و هو العبد المسلم، حيث إنّ رجوعه إلى ملك الكافر البائع- بسبب الفسخ بالخيار- سبيل للكافر على المؤمن، و هو منفي بالآية المباركة.

(7) هذا تنظير لمانعية السبيل من استرداد نفس المبيع، فإنّ نقل المثمن في زمان الخيار بأحد النواقل الشرعية مانع عن استرداد عين المبيع بالخيار، بل لا بدّ من الأخذ

______________________________

[1] لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا: «و الحكم بأخذ القيمة دون العين، لكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن» و «ذلك لأنّ «الفاء» في «فيكون» طاهر في تفرع ما بعده على ما قبله، مع وضوح أنّه ليس كذلك، ضرورة أنّ الحكم بالقيمة دون استرداد عين المبيع مبنيّ على مانعية نفي السبيل من استرداد العين. فنفي السبيل علّة للحكم بالقيمة

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 18

ص: 373

و كالتلف (1) الذي هو مانع عقليّ.

و هو (2) حسن إن لم يحصل السبيل بمجرّد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف (3) باستحقاق بدله [1]. و لذا (4) حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري،

______________________________

ببدله من المثل أو القيمة. فإذا باع متاعه بشرط الخيار، و نقل المشتري- الذي عليه الخيار- ذلك المتاع في زمن الخيار الى غيره، و أخذ البائع بالخيار، و فسخ، لم يكن له مطالبة عين المبيع، بل له البدل، لأنّ نقل من عليه الخيار للمبيع مانع عن الرجوع إلى العين.

(1) هذا تنظير ثان لمانعية السبيل من استرداد عين المبيع، فإنّ التلف السماوي يوجب الانتقال إلى البدل.

(2) أي: الاستثناء المزبور- و هو قوله: «الا ان يقال ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار .. إلخ»- حسن إن لم يرد عليه إشكال نفي السبيل، حيث إنّ استحقاق البدل كاشف عن استحقاق المبدل أي العبد، و هو علوّ و سبيل للكافر على المسلم، و ذلك منفي بالآية.

(3) نعت ل «استحقاق» يعني: المنكشف هذا الاستحقاق بسبب استحقاق بدل العبد، و هو الثمن- أو الثوب- في مثال العلّامة رحمه اللّه في القواعد الذي مرّ آنفا.

(4) أي: و لأجل كشف البدل عن استحقاق المبدل- و تفرّع استحقاق البدل عليه- حكم الفقهاء بسقوط خيار المجلس مطلقا حتى بالنسبة إلى البدل في من ينعتق على المشتري كالعمودين، حيث إنّ الحكم بثبوت الخيار بالنسبة إلى البدل يستلزم استحقاقه للمبدل كما هو مقتضى الكشف و التفرع، و ذلك ينافي عدم ملكية العبد لمن ينعتق عليه إلّا للانعتاق.

______________________________

لا معلول له، و متفرع عليه كما هو ظاهر الفاء.

[1] لا يخفى أنّه بناء على هذا الجمع لا يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل، حيث إنّ دليل نفي السبيل ينفي استحقاق المبدل، إذ هو مقتضى الجمع بينه و بين أدلة الخيار. و مع الدليل على نفي الاستحقاق كيف يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل. و مع الغضّ عن ذلك و تسليم كشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل لا ضير في هذا الاستحقاق، لأنّه كنفس إضافة الملكية مجرّدة عن السلطنة في عدم كونها سبيلا منفيّا.

و بالجملة: فمجرد استحقاق المبدل لا يكون سبيلا.

ص: 374

فتأمّل (1).

______________________________

و بالجملة: مقتضى الكشف و التفرع امتناع استحقاق البدل بدون استحقاق المبدل. قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «أسقط العلّامة في التذكرة و القواعد هذا الخيار- أي خيار المجلس- في شراء القريب. و تبعه الصيمري و المحقق الكركي و الشهيد الثاني و الأردبيلي. و ظاهر المسالك: أنّه محل وفاق ..» «1».

(1) لعلّه إشارة إلى: أنّ دليل خيار المجلس قاصر عن شموله لهذا المورد، حيث إنّه ظاهر في اعتبار بقاء الملكية إلى زمان اللزوم، و هو زمان الافتراق، و المفروض أنّه ليس كذلك، ضرورة أنّه بمجرّد حصول الملكية بعقد البيع ينعتق العبد المبيع على المشتري، فلا تبقى الملكية إلى زمان الافتراق حتى يحصل الخيار للبائع الكافر، هذا.

أو إشارة إلى عدم صدق السبيل للكافر على المؤمن بمجرّد استحقاق المبدل، المنكشف باستحقاق البدل، فإنّ هذا الاستحقاق كنفس إضافة الملكية- المجردة عن السلطنة- في عدم السبيل.

أو إشارة إلى: أنّ سقوط الخيار بالنسبة إلى العين و ثبوته بالنسبة إلى القيمة إنّما هو مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و الدليل الدالّ على أنّ الحرّ لا يعود رقّا، فإنّ المعتق كالتالف. فعلى المشتري الذي انتقل إليه العبد أن يدفع قيمته يوم الانعتاق إلى البائع، و يسترد الثمن منه.

و لعلّ أقرب هذه الوجوه المحتملة هو الوجه الأوّل، لأنّه ظاهر نفس دليل خيار المجلس، حيث إنّ جعل الافتراق سببا للزوم البيع يتوقف على بقاء الملكية الجائزة الخيارية إلى حصول الافتراق الذي هو سبب لزوم الملكية، فلا بدّ من بقاء الملكية إلى زمان الافتراق في ثبوت الخيار.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 176 و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 548، جواهر الكلام، ج 23، ص 18 و 19

ص: 375

[نقل المصحف الى الكافر]
[حرمة نقل المصحف الى الكافر]

مسألة:

المشهور عدم جواز نقل (1) المصحف إلى الكافر،

______________________________

(1) حرمة نقل المصحف الى الكافر عنوان المسألة «عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف بشي ء من النواقل الاختيارية من البيع و غيره، و القهرية كالإرث» فلو ارتدّ المسلم و كان مالكا للمصحف خرج عن ملكه بمجرّد الارتداد. و هل يدخل في ملك الإمام عليه السّلام أو المسلمين أم يصير مباحا كالمباحات الأصلية؟ كلّ من هذه الوجوه محتمل ثبوتا، و إثبات بعضها منوط بدلالة الدليل عليه.

و الحاصل: أنّ عنوان المسألة من النقل الاختياري- كما هو ظاهر المتن- أخص من العنوان المبحوث عنه في كلمات الأصحاب هذا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه تعرّض لهذه المسألة في خاتمة بحث الأجرة على الواجبات، فإنّه قدّس سرّه ذكر في الخاتمة مسألتين، إحداهما: مسألة بيع المصحف، و الأخرى: مسألة جوائز السلطان. و قد اختار المصنف في المسألة الاولى عدم الجواز، و قال في صدر المسألة:

«صرّح جماعة كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد بحرمة بيع المصحف».

و الظاهر أنّ غرضه من تعرض هذه المسألة في الخاتمة هو بيان أن بيع المصحف هل هو كبيع مشاعر العبادة- كالمشعر و عرفات و منى- في عدم قابليّته للبيع و نحوه من النواقل الشرعية؟ أم هو ممّا يقبل البيع في نفسه، إلّا أن يكون هناك مانع كالكفر.

و لهذه الجهة ذكر هذه المسألة في مباحث شرائط المتعاقدين، على أن يكون عدم جواز بيع المصحف مستندا إلى كفر من ينتقل إليه المصحف، كاستناد عدم جواز نقل العبد

ص: 376

ذكره الشيخ «1» و المحقّق «2» في الجهاد، و العلّامة في كتبه (1)، و جمهور من تأخّر عنه (2).

______________________________

المسلم إلى الكافر إلى كفره، و لذا استدلّ على عدم جواز بيع المصحف من الكافر هنا بغير ما استدلّ به على عدم جواز بيعه في الخاتمة، فلاحظ و تدبّر [1].

(1) عنونه العلّامة قدّس سرّه في كتاب البيع، و قال في جهاد التذكرة أيضا: «و نمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن، فإن اشترى لم يصح البيع» «3». و التعليل بالإعزاز و الإعظام جار في غير المسلم مطلقا سواء أ كان مشركا أم كتابيّا.

(2) أي: عن العلّامة، كفخر المحققين في الإيضاح و شرح الإرشاد، و الشهيد في الدروس و اللمعة، و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، و المحقق الكركي، كما في مفتاح الكرامة، فراجع «4».

______________________________

[1] ثم إنّ محصّل ما ينبغي أن يقال في بيع المصحف- المذكور في الخاتمة- هو حرمة بيع المصحف بمعنى النقوش، و جواز بيع الورق بدون النقوش، بحيث لا يكون كلامه تعالى جزءا و لا قيدا، بأن يكون المبيع الورق و الغلاف و الحديد مجرّدة عن النقوش.

و هذا الكلام هو ما يستفاد من النصوص بلا تعارض بينها حتى يجمع بينها بحمل النصوص المانعة على الكراهة الذي هو جمع حكمي، فإنّ نفس النصوص ظاهرة في جواز بيع ما عدا كلامه سبحانه و تعالى. و حرمة بيع نفس كلامه تعالى شأنه، و لا تدلّ على جواز بيع ذلك أصلا.

و اشتمال تلك النصوص على كتابة القرآن بترتيب خاص لا يدل على جواز تملك القرآن بتلك الكيفية. و تفصيل البحث في هذا المقام يطلب مما ذكره في الخاتمة.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 62

(2) الشرائع، ج 1، ص 334

(3) تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 389 و ج 10، ص 23، قواعد الاحكام، ج 2، ص 17، نهاية الاحكام، ج 2، ص 456، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 176، و لاحظ الدروس، ج 3، ص 199، الروضة البهية، ج 3، ص 243، مسالك الافهام، ج 3، ص 88، و ص 166، جامع المقاصد، ج 4، ص 33

ص: 377

و عن الإسكافي (1) أنّه قال: «و لا اختار أن يرهن الكافر مصحفا، و [أو] ما يجب على المسلم تعظيمه، و لا (2) صغيرا من الأطفال». انتهى «1» [1].

______________________________

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف، و فيه «و لا ما يجب» بدل «و ما يجب» و المؤدّى واحد.

(2) هذا و قوله: «و ما يجب» معطوفان على «مصحفا» و المراد بالأطفال أطفال العبيد المسلمين، لا أطفال المسلمين الأحرار، كما لا يخفى. و مقصود ابن الجنيد قدّس سرّه بيان حرمة البيع بالفحوى، إذ لو كان رهن المصحف و غيره ممّا يجب على المسلم تعظيمه حراما، كان تملك الكافر غير جائز بالأولوية.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ في المسألة جهات من البحث.

الاولى: أنّ المراد بالنقل هل هو خصوص النقل الاختياري كالبيع كما هو ظاهر العنوان؟ أم أعم منه حتى غير الاختياري كالإرث.

الثانية: أنّ المراد بالمصحف هل هو خصوص الخطوط؟ أم ما بين الدّفتين.

الثالثة: أنّ المراد بحرمة النقل هل هي الحرمة التكليفية أم الوضعية أم كلتاهما؟

أما الجهة الأولى فالظاهر أنّها هي المقصودة من البيع الوارد في النصوص، بقرينة ما في بعضها من قوله عليه السّلام: «لا تشتر كلام اللّه» فإنّ قوله عليه السّلام: «كلام اللّه» مشعر بالتعظيم، و المناسب للتعظيم عدم نقل كلامه تعالى كنقل سائر الأمتعة. فدعوى كون موضوع الحكم مطلق النقل، لا خصوص النقل البيعي، قريبة جدّا. بل دعوى كون موضوع الحكم مطلق الانتقال- و لو غير الاختياري- ليست ببعيدة.

فالمراد التملك بالسبب الاختياري و غيره كما صرّح به في أنوار الفقاهة بقوله:

«و لا فرق بين البيع و جميع النواقل معاوضية أو مجانية. و لو باع على الكافر كتابا و فيه آيات من القرآن بطل البيع أو تبعضت الصفقة ..» و قال أيضا: «و لو كفر المسلم زال حكم الملك عنه على الأظهر. و لا يجري عليه حكم العبد المسلم في قهر الكافر على بيعه، لثبوت ملكه له» فراجع «2».

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 422

(2) أنوار الفقاهة (مخطوط)، مجلّد التجارة، ص 47

ص: 378

[استدلّوا عليه بوجوه]

و استدلّوا عليه (1) بوجوب (2) احترام المصحف، و فحوى (3) المنع من بيع العبد

______________________________

(1) أي: استدلّوا على عدم جواز نقل المصحف الشريف إلى الكافر بوجهين.

(2) متعلق ب «استدلّوا» توضيح هذا الدليل: أنّ وجوب احترام المصحف الشريف يقتضي حرمة إهانته شرعا، و قبحها عقلا. و حرمة الإهانة توجب فساد البيع، و المفروض أن بيع المصحف من الكافر إهانة منهيّ عنها، إمّا لكون الإهانة و الاحترام من الضدّين اللذين لا ثالث لهما. و إمّا لكون الإهانة نقيضا للاحترام، فيبطل البيع.

ثم إنّ هذا الوجه ورد الاستدلال به في كلام شيخ الطائفة و جلّ من تأخر عنه كالمحقق و العلامة و فخر المحققين و غيرهم «1».

(3) معطوف على «وجوب» و هذا دليل ثان على حرمة نقل المصحف إلى الكافر، تمسك به في أنوار الفقاهة بقوله: «لفحوى ما تقدم من الأدلة ان لم تكن هي القرآن أولى» «2».

______________________________

و أمّا الجهة الثانية فالمراد بها هي الخطوط كما عن الدروس التصريح بها، لا مطلق ما بين الدّفتين. و لا بدّ أن يكون كذلك، لأنّ قوله عليه السّلام: «لا تشتر كلام اللّه» لا ينطبق على غير الخطوط، فإنّ الورق ليس كلام اللّه تعالى. بل هو ظرف له، و إطلاق المصحف على الورق إنّما هو بعلاقة الظرفية.

و أمّا الجهة الثالثة فحاصلها: أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون النهي هنا دالّا على الفساد، لأنّ المناسب للنهي عن بيع كلام اللّه تعالى هو عدم انتقال إضافة ملكيّته إلى أحد، بل نفس قولهم عليهم السّلام: «لا تشتروا كلام اللّه» يشعر بل يدلّ على فساد بيعه، فإنّ قوله عليه السّلام: «لا تشتروا كلام اللّه» كقوله: «لا تشتروا بيت اللّه» في انفهام عدم القابلية للبيع و الشراء، هذا.

مضافا إلى: أنّ النهي عن أحد ركني العقد كالنهي عن بيع الخمر و الخنزير يدلّ على الفساد، كما قرّر في محلّه. و في بعض النصوص «لن تشترى المصاحف» فإنّ النفي المزبور يدلّ على عدم قابلية المصاحف للشراء، كسائر الأموال القابلة للبيع و الشّراء.

______________________________

(1) تقدمت الإشارة إلى المصادر آنفا.

(2) أنوار الفقاهة (مخطوط) مجلد التجارة، ص 98

ص: 379

المسلم من الكافر.

و ما ذكروه (1) حسن، و إن كان وجهه (2) لا يخلو من تأمّل أو منع [1].

______________________________

و ذكره صاحب الجواهر في مناقشة ما ذهب إليه المحقق في كتاب الجهاد من جواز بيع الأحاديث النبوية- على كراهة- على الكافر، فقال: «و فيه: أنّه مناف للدليل المشترك بين الجميع، و هو وجوب التعظيم و حرمة الإهانة، و أنّ ملك الكافر للمحترم مناف لذلك، كما يومي إليه ما تقدّم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه، .. إلخ» «1». لكنه تأمّل فيه في آخر كلامه، فراجع.

و كيف كان فتقريب الفحوى: أنّ حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تقتضي حرمة نقل المصحف إلى الكافر بالأولوية، لأنّ مجرّد الإضافة إلى الإسلام إن كان موجبا لحرمة النقل إلى الكافر، فالقرآن المجيد الذي هو أقوى من العبد في هذه الإضافة- بل قيل: إنّه حقيقة الإسلام- يكون أولى منه بعدم جواز النقل إلى الكافر، فإنّ القرآن مصدر الإسلام، و العبد المسلم مورده.

(1) من عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر.

(2) يعني: وجه ما ذكروه لا يخلو من تأمل أو منع، لأنّ تعظيم المصحف الشريف

______________________________

[1] لأنّ وجوب الاحترام حكم تكليفي محض، و مخالفته لا تقتضي فساد البيع، فتأمّل.

مضافا إلى: أنّه أخص من المدّعى، لأنّا نفرض كون المصحف تحت يد المسلم و في مكتبته، لا تحت يد الكافر حتى يلزم هتك المصحف، إذ ليس مجرّد الملكية الاعتبارية إهانة و هتكا للاحترام. قال في الجواهر: «بل لا يخلو أصل المسألة- و هو منع بيع المصحف من الكافر- من ذلك- أي من بحث لا مكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام، خصوصا إذا اتخذه على جهة التّبجيل و التبرك و الاحترام، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه السّلام عند الطوفان ..» «2».

و إلى: أنّه لم يثبت وجوب الاحترام زائدا على حرمة الإهانة بحيث ينافي صحة المعاملة.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 238 و 239

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 340

ص: 380

و في إلحاق الأحاديث النبويّة بالمصحف- كما صرّح به (1) في المبسوط «1»-

______________________________

و غيره من المقدّسات الإلهيّة و إن كان حسنا عقلا بلا شبهة، إلّا أنّ قبح ترك التعظيم ما لم ينطبق عنوان قبيح عليه- كالإهانة- غير ثابت. و مجرد إضافة الملكية إلى الكافر بدون ترتيب أثر خارجي و اعتباري ليس إهانة حتى يكون قبيحا.

(1) أي: بالإلحاق، فيحرم تملك الكافر للأحاديث النبوية كالمصحف الشريف و حكي أيضا عن المحقق الثاني «2».

______________________________

هذا ما يرجع إلى الدليل الأوّل، و هو وجوب احترام المصحف.

و أما الدليل الثاني، ففيه: أنّ الأولوية متوقفة على دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر. و قد ذكر المصنف قدّس سرّه منع دلالة الآية على حرمة بيع العبد المسلم من الكافر، و قال في (ص 298): «و أما الآية فباب الخدشة فيها واسع». و مع الخدشة في الاستدلال بالآية على الأصل لا يبقى مجال لدعوى الفحوى.

و بالجملة: فلا يتمّ الاستدلال بآية نفي السبيل على حرمة نقل المصحف الى الكافر، لا من جهة السّبيل، لما مر سابقا من عدم كون مجرد إضافة الملكية سبيلا منهيّا عنه.

و لا من جهة العلّة المستنبطة، لاحتمال كون المحترم المنفي عنه السبيل هو إيمان المسلم، أي: تصديقه بالعقائد الحقّة القائم بنفس المؤمن. لا ما آمن به خصوصا مع تعميمه لوجوده العلمي الموجود في صدر المؤمن، و لوجوده الخارجي الذي هو بين الدّفتين. و مع عدم العلم بالعلّة لا يصحّ الاستدلال بها و لو كانت مظنونة، لكونه من القياس الممنوع استشمام رائحته، هذا.

و لا من جهة الفحوى، للإشكال في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز الأصل، و هو تملك الكافر للعبد المسلم. و مع هذا الاشكال لا مجال لدعوى الفحوى كما تقدم آنفا.

و أما الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» فهو مبني على كون مجرّد الملكية علوّا للكافر على المصحف. و قد مرّ غير مرّة عدم كون ذلك سبيلا و علوّا، فلا يتم الاستدلال به أيضا.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 62

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 176

ص: 381

أو الكراهة (1) [1] كما هو صريح الشرائع «1».

______________________________

(1) معطوف على «إلحاق الأحاديث» و لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا: «و في إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف فالحرمة- كما في المبسوط التصريح به. و عدمه فالكراهة كما هو صريح الشرائع، بل نسبه الصيمري إلى المشهور قولان».

______________________________

و مع الشك في صدق السبيل و العلوّ على ملكية المصحف الشريف للكافر لا يمكن التمسك بالآية و النبوي، لكون الشك في الموضوع، و من المعلوم عدم حجية الدليل مع الشك في موضوعه.

فالنتيجة: أنّه لم ينهض دليل تامّ على عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف.

و لو كان مجرّد إضافة الملكية علوّا و سبيلا كان تعليم المصحف للكافر و وضعه في مكتبته- مع مراعاة آداب الاحترام و التعظيم- علوّا منهيّا عنه. و هو كما ترى.

فلم يبق في البين إلّا المرتكزات المتشرعية إن كانت بمثابة تصلح لتقييد الإطلاقات و تخصيص عمومات صحة البيع ببيع المصحف من الكافر، و إلّا فلا دليل على بطلان بيع المصحف منه. و الوجوه الاستحسانية لا عبرة بها، هذا.

و لا يخفى أنّ مقتضى بعض الروايات التي ذكرها المصنف قدّس سرّه في الخاتمة- التي أشرنا إليها آنفا مثل «لن تشترى المصاحف» و نظيره مما يدلّ عليه النفي المؤبّد- هو عدم قابلية المصحف في نفسه للبيع مع الغضّ عمّن ينتقل إليه المصحف من حيث الإسلام و الكفر. و المعتمد إجمالا هو تلك الروايات.

فالنتيجة: أنّ المصحف- و هو نفس الخطوط و النقوش- غير قابل للنقل و الانتقال.

[1] لا يخفى أن القول بالكراهة مشكل، لأنّه بناء على تمامية الحكم في الأصل بالوجوه المتقدمة و صحة الإلحاق لا محيص عن الحكم بالحرمة. و بناء على عدم تماميته و عدم صحة الإلحاق لا بدّ من الحكم بالجواز بلا كراهة، لكون المقام مشمولا لأدلة صحة البيع، كسائر الموارد، و عدم نصّ خاصّ يدلّ على الكراهة هنا، هذا.

ثم إنّه بناء على الجمود على ظاهر لفظ «كلام اللّه» في النصوص لا دليل على الإلحاق

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 335

ص: 382

و نسبه الصيمريّ (1) إلى المشهور، قولان (2)، تردّد بينهما العلّامة في التذكرة (3).

و لا يبعد (4) أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طرق الآحاد

______________________________

(1) قال في غاية المرام- بعد نقل المنع عن الشيخ-: «و المشهور الكراهية، لأصالة الجواز، و لأنّ حرمتها- أي احترامها- أقل من حرمة المصاحف ..» «1».

(2) مبتدء مؤخر لقوله: «و في إلحاق».

(3) لقوله قدّس سرّه: «و في أخبار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندي تردد» «2».

(4) ظاهر إطلاق النسبة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعمّ ممّا يشمله دليل الحجية، بأن يدّعى أنّ مجرد النسبة يوجب احترام الحديث و حرمة هتكه.

لكن قد تقدم الإشكال في أصل المسألة، أي عدم نهوض دليل تامّ على حرمة نقل المصحف إلى الكافر. فالإلحاق مشكل.

ثم إنّه بناء على الإلحاق يكون معلوم الصدور منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملحقا بالمصحف، و كذا ما يشمله دليل حجية الخبر الواحد، فإنّه- مع شمول دليل الحجية له- بمنزلة معلوم الحجية في ترتيب جميع آثار الحجية التي منها حرمة نقله إلى الكافر، لأنّ العلم طريقي يقوم مقامه الأمارات و الأصول التنزيلية كما ثبت في محلّه، إن لم يكن دليل الحجية ناظرا

______________________________

إلّا دعوى كون العلّة في عدم جواز تملك الكافر للمصحف هو الاحترام الموجود في الأحاديث النبوية و الولوية.

لكن هذه الدعوى غير تامة، لاحتمال دخل لخصوصية كلام اللّه تعالى في الحكم، فتكون هذه العلة من العلة المستنبطة الظنيّة التي لا تخرج عن القياس المسدود بابه.

نعم بناء على إرادة الأعم من ظاهر القرآن و باطنه كانت الأحاديث النبوية و الولوية ملحقة بالمصحف، بل هي نفسه، لكونها مفسّرة للقرآن حقيقة. لكن إرادة ذلك محتاجة إلى القرينة.

______________________________

(1) غاية المرام، مخطوط، ص 268

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 23

ص: 383

حكمها حكم ما علم صدوره منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و إن كان ظاهر (1) ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم صدورها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و كيف كان (2) فحكم أحاديث الأئمة صلوات اللّه عليهم حكم أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

______________________________

إلى ترتيب آثار المؤدّى، كما هو مورد آية النبإ، لا مطلق الآثار حتّى آثار العبارة الصادرة من المعصوم من حرمة نقلها، و ذلك لأنّ دليل حجية الخبر ناظر إلى طريقيته للمؤدّي و إثباته بما له من الأحكام و لذا يقال: إنّ دليل حجيته إمضاء لما في الطريقة العقلائية.

(1) لعلّ منشأ الظهور هو تعبيرهم بكتب الأحاديث. و في المبسوط: «و هكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» لظهور إضافة الأحاديث إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العلم بصدورها منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(2) يعني سواء قلنا بأنّ المراد من أحاديث النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الأقوال المعلوم صدورها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أم الأحاديث المرويّة عنه من طرق الآحاد، فحكم أحاديث الأئمة الأطهار «صلوات اللّه عليهم أجمعين» حكم أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حرمة نقلها إلى الكفّار على الأحوط، مراعاة لاحتمال لحوق الأحاديث مطلقا بالمصحف.

هذا، و قد حكى صاحب الجواهر عن شيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما إلحاق ما هو أعم من نصوص أقوال الأئمة «عليهم الصلاة و السلام» بالمصحف في حرمة البيع، فقال: «انه يقوى إلحاق كتب الحديث و التفسير و المزارات و الخطب و المواعظ و الدعوات و التربة الحسينية، و تراب الضرائح المقدسة، و رضاض الصناديق الشريفة و ثوب الكعبة» «1».

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و بذلك تم البحث في شرائط المتعاقدين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 339

ص: 384

القول في شرائط العوضين

[الأوّل: التموّل]

يشترط [1] في كلّ منهما (1)

______________________________

(1) الكلام في شرائط العوضين الأوّل: التموّل أي: في كلّ من العوضين في البيع، و هما المثمن و الثمن.

ثم إنّ شروط العقد المؤثر على أقسام:

أحدها: الشرط العرفي المقوّم للعقد العرفي كمالية العوضين، فإنّها معتبرة عرفا في البيع.

ثانيها: الشرط الشرعي كبلوغ المتعاقدين.

ثالثها: الشرط في الجملة.

و الثمرة بين الشرط العرفي و الشرعي تظهر في الشك. فإذا شكّ في أنّ الشي ء الفلاني شرط عرفا في العقد العرفي أو لا، لم يجز التمسك في نفيه بالعمومات المقتضية للصحة، لأنّ موضوع أدلة الصحة هو الشك في شرطية شي ء للعقد بعد إحراز صدقه عرفا، فمع الشك في صدق العقد العرفي لا وجه للتمسك بالعمومات لدفعه، بل لا بدّ من

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على كون ماهية البيع «مبادلة مال بمال» تكون مالية العوضين من مقوّمات البيع العرفي، و مقوّم الماهية أجنبي عن الشرط الخارج عن الماهية. فالتعبير عن مقوّم الماهية بالشرط لا يخلو من المسامحة. نعم يصح تعبير الشرط بالمال الشرعي بعد كونه مالا عرفا. فلو أبدل قوله: «يشترط» ب «يعتبر» كان أولى، لشمول لفظ الاعتبار لكلّ من مقوّم الماهية و الشرط الخارج عنها.

ص: 385

كونه متموّلا (1)، لأنّ (2) البيع لغة «مبادلة مال بمال» «1».

______________________________

إجراء أصالة الفساد.

و أمّا إذا شك في شرطية شي ء شرعا في العقد بعد إحراز عرفيته فلا مانع من التمسك بالعمومات لدفعه، و إثبات عدم اعتباره.

(1) المراد بالمال ما تنافس عليه العقلاء، لاحتياجهم إليه في أمور الدنيا أو العقبى.

و يعتبر في تحقق مفهومه أمران، الأوّل: احتياج الناس إليه. الثاني: توقف الوصول إليه على عمل. و من هنا لا يعدّ الماء على الشط مالا.

و التعريف المزبور- و هو «ما تنافس عليه الناس»- تعريف باللازم. و أمّا حقيقة المال و ماهيته فهي الخصوصية التكوينية الثابتة في العين المتنافس عليها العقلاء. و تسمّى تلك الخصوصية بالخاصية إن توقف وجودها على ذهاب العين كالإشباع، فإنّ استيفاءه منوط بإتلاف المأكول من الخبز و نحوه.

و تسمّى بالمنفعة إن لم يتوقف وجودها على ذهاب العين، كاستيفاء منافع المساكن و الدواب و نحوهما، فإنّ استيفاء منافعها من السكنى و الركوب و الحمل لا يتلف أعيانها، بل ينتفع بها مع بقاء أعيانها.

و لا فرق في استيفاء الخصوصية بين كونه أمرا عاديّا، كاقتناء المأكول من الحنطة و غيرها للاقتيات، و بين كونه نادرا مختصا ببعض الحالات كالأدوية التي لا تستعمل إلّا في حال المرض.

و التعريف المذكور تعريف للمال عرفا، و أمّا المال الذي يترتب عليه الآثار الشرعية من النقل و الانتقال و جواز الاستعمال، فيشترط فيه أن لا يقع موردا لنهي الشارع، و إلّا فوجود ما فيه من الخصوصية كالعدم كالخمر و الخنزير.

(2) تعليل لشرطية المالية في العوضين، و أنّ وجه شرطيتها فيهما هو مفهوم البيع لغة.

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 69، و تقدم الكلام في اعتبار المالية في الجزء الأول من هذا الشرح، فراجع ج 1، ص 17 و 23

ص: 386

و قد احترزوا بهذا الشرط (1) عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء، محلّلة (2) في الشرع، لأنّ (3) الأوّل (4) ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، فإنّه (5) يصحّ عرفا سلب المصرف لها، و نفي الفائدة عنها. و الثاني (6) ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير.

ثمّ قسّموا عدم الانتفاع (7) إلى ما يستند

______________________________

(1) أي: شرطية مالية العوضين.

(2) نعت ل «منفعة» و هذا القيد لإخراج المالية العرفية فقط، حيث إنّها لا تكفي في ترتيب الآثار الشرعية و إن كان فيه الخصوصية الموجبة للمالية العرفية، فإنّ وجودها مع النهي الشرعي كعدمها في عدم المالية شرعا، فهو في ترتب الأثر كعدم المال عرفا.

(3) تعليل للاحتراز- بشرطية المالية في العوضين- عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء، و حاصل التعليل: أنّ ما لا ينتفع به كذلك ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، و المفروض اعتبار المالية في العوضين.

(4) و هو ما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء.

(5) الضمير للشأن، و غرضه إثبات مجازيّة استعمال «المال»- فيما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء- بصحة السلب التي هي من علامات المجاز، لوضوح صحة سلب المال عن الخنافس و الديدان، حيث إنّ سلب المصرف عنه- أي سلب الحاجة عنه الذي هو ممّا يتوقف تحقق مفهوم المال عليه- يكشف عن عدم كونه مالا عرفا.

(6) معطوف على «الأوّل» و المراد بالثاني قوله: «محلّلة في الشرع» فإنّ الخمر و الخنزير و إن كانا مالا عرفا، لكنهما ليسا مالا شرعا، و لذا لا تصحّ المعاملة بهما.

(7) هذا التقسيم ناظر إلى منشأ عدم الانتفاع، فإنّ منشأه إمّا خسّة الشي ء كالحشرات، و هي هوامّ الأرض و صغار دوابّها. و إمّا قلّته كحبّة حنطة و شعير و عدس و نحوها، فإنّ الحبّة منها ملك و ليست مالا، إذ النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، لاجتماعهما في الدور و الدكاكين و نحوهما، فإنّها مال و ملك، و افتراقهما في المباحات الأصلية كالحيتان و المعادن قبل حيازتها، فإنّها أموال و ليست أملاكا. و في الحبة من الحنطة و نحوها، فإنّها ملك و ليست مالا، فيفترقان.

ثم إنّ هذا التقسيم يستفاد ممّا فرّعوه على اشتراط المنفعة و الملك، ففي التذكرة:

ص: 387

إلى خسّة الشي ء [1] كالحشرات، و إلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة (1)، و ذكروا أنّه (2) ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك (3)، و لذا (4) يحرم غصبه إجماعا.

______________________________

«لا يجوز بيع مالا منفعة فيه، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبة و الحبّتين من الحنطة». و قال أيضا: «لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات، كالخفّاش .. لخسّتها» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و لخلوّ الشي ء عن المنفعة سببان: القلّة و الخسّة، فالقلّة كالحبة و الحبّتين من الحنطة، و الزبيبة الواحدة .. و أما ما لا منفعة فيه لخسّته فكالحشار ..» «2».

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه في الحبة من الحنطة: «و ليس المراد أنها لا تملك أصلا لأنّه خلاف الإجماع، لأنّه لا يجوز أخذها غصبا إجماعا، نقله هو- أي المحقق الثاني- في جامع المقاصد .. بل الإجماع على الملكية لا ريب فيه» «3».

(2) أي: أنّ ما يستند إلى قلّته ليس مالا و إن كان مصداقا للملك، فيفترق الملك عن المال.

(3) ظاهر نقل هذا الكلام عن الفقهاء و عدم ردّه ارتضاؤه عدم ترادف المال و الملك.

(4) يعني: و لأجل صدق «الملك» على القليل كالحبة يحرم غصبه إجماعا، كما تقدم

______________________________

[1] لعلّ استناد عدم الانتفاع إلى عدم المقتضي في الحشرات أولى من استناده إلى خسّتها، فإنّ الدود المسمى في الفارسية ب «زالو» مع خسّته يكون مالا، لإخراجه الدم الفاسد من الإنسان بالامتصاص. و هذا هو الخصوصية التي خلقت فيه، و تجلب رغبات الناس إليه، و بذل المال لشرائه. فمجرّد الخسّة لا يوجب عدم الانتفاع، بل عدم الانتفاع إنّما هو لأجل عدم تلك الخصوصية فيه المقتضية لرغبات الناس إليه.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 35.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 220

(3) نفس المصدر.

ص: 388

و عن (1) التذكرة أنّه لو تلف لم يضمن أصلا.

و اعترضه (2) غير واحد ممّن تأخّر عنه بوجوب ردّ المثل.

و الأولى (3) أن يقال: إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفا،

______________________________

دعواه آنفا من السيد العاملي، لأنّ حدّ الغصب- و هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدوانا- صادق عليه. فالحبّة من الحنطة مثلا تضمن، لكن لا تباع، لعدم ماليتها.

و لا تنافي بين الضمان و عدم جواز البيع، لأنّ موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير أو حقّه. و من المعلوم أنّ الحبّة لو لم تكن مالا و ملكا لكن تكون متعلّقة للحق، و هو حقّ الاختصاص، و ذلك كاف في ثبوت الضمان. بخلاف البيع، لاعتبار المالية في العوضين، و المفروض عدم مالية الحبّة، فلا يجوز بيعها.

(1) الغرض من نقل كلام التذكرة بيان منافاته للإجماع المدّعى على حرمة غصب حبة حنطة أو زبيبة، و ضمان الغاصب، فالعلّامة يظهر منه التفصيل، فيقول بحرمة أخذ الحبّة و وجوب ردّها، لكن لا ضمان لعدم تموّلها. قال في التذكرة: «و مع هذا فلا يجوز أخذ حبة من صبرة الغير، فإن أخذت وجب الرد، فإن تلفت فلا ضمان، لأنّه لا مالية لها» «1».

(2) يعني: و اعترض على العلّامة قدّس سرّه غير واحد ممّن تأخّر عنه: بوجوب ردّ مثل الحبّة، فالضمان في غصب الشي ء القليل الذي لا مالية له ثابت، خلافا للعلّامة قدّس سرّه «2».

(3) هذا تحقيق المصنف في اشتراط التموّل، يعني: و الأولى أن يقال- في اعتبار مالية كلّ واحد من العوضين-: إنّ هنا وجوها ثلاثة:

أحدها: أن يحرز عدم مالية شي ء عرفا كالخنافس و الديدان. و حكمه عدم جواز جعله أحد العوضين في البيع بلا إشكال و لا خلاف.

ثانيها: أن لا يحرز عدم ماليته، بأن كانت مشكوكة، و هو يتصور على وجهين:

أحدهما: حكم العرف فيه بكون بذل المال في مقابله و عوضا منه أكلا للمال

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 35

(2) كما في الدروس، ج 3، ص 201، جامع المقاصد، ج 4، ص 90، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 167، جواهر الكلام، ج 22، ص 347، و في مفتاح الكرامة كما تقدم آنفا.

ص: 389

فلا إشكال (1) و لا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين، إذ (2) لا بيع إلّا في ملك [1].

______________________________

بالباطل، فالظاهر فساد المقابلة و عدم صحة المعاملة، نظير العقرب الذي يعالج بلسعه بعض الأمراض الناشئة من الحرارة، فإنّ ماليته العرفية بحيث يصحّ بذل المال في مقابله مشكوكة.

ثانيهما: أنّ لا يثبت كون بذل المال- بإزاء ما لم يحرز ماليته عرفا- أكلا للمال بالباطل. و حينئذ فإن قام دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو المتّبع كالميتة، فإنّ النص كرواية السكوني «1» و إجماع المنتهى و التنقيح «2»- على عدم صحة المعاوضة على الميتة- يدلّان على عدم جواز بيع الميتة، و إن لم يقم دليل على عدم جواز بيعه، فيرجع فيه إلى عمومات صحة البيع و التجارة ك «أحل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» و غيرهما.

(1) خبر قوله: «انّ ما تحقق» و لا حاجة إلى الفاء، لعدم دخولها على الخبر عند مشهور النحاة.

(2) هذا تعليل لعدم جواز جعل ما ليس مالا عرفا أحد العوضين، و لا يستقيم هذا التعليل إلّا بتساوي الملك و المال. و ليس الأمر كذلك، لوضوح أنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

فالأولى التعليل بهذه العبارة «لا بيع إلّا في ملك»- التي هي متن الحديث- لاعتبار الملكية في العوضين، لا لاعتبار المالية فيهما. و لم يظهر وجه نظر المصنف قدّس سرّه إلى تعليل اعتبار المالية في العوضين بهذه العلة.

______________________________

[1] هذا ظاهر في ترادف المال و الملك، لتوقّف حسن التعليل عليه. و هو ينافي ارتضاءه عدم الترادف بقوله: «و ذكروا أنه ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 5

(2) منتهى المطلب، ج 2، ص 1009، التنقيح الرائع، ج 2، ص 5

ص: 390

و ما (1) لم يتحقّق فيه ذلك (2)، فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا، فالظاهر فساد المقابلة. و ما لم يتحقّق فيه (3) ذلك (4)، فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو، و إلّا (5) فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحّة البيع و التجارة [1]،

______________________________

و كيف كان فهذا التعليل راجع إلى الصورة الأولى، و هي ما ثبت عدم مالية شي ء.

(1) منصوب محلّا بالعطف على «ما تحقق» و هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و هي ما لم يتحقق فيه المالية، و لم تحرز.

(2) أي: عدم ماليته عرفا، أي الجهل بماليّته و عدمها.

(3) هذه هي الصورة الثالثة أعني بها عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل، و قد تقدّمت بقولنا: «ثانيهما أن لا يثبت كون بذل المال بإزاء .. إلخ».

(4) أي: كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل. و الأنسب بالمقابلة أن يقال:

«و إن لم يكن أكل المال في مقابله أكلا بالباطل، فإن ثبت .. إلخ».

(5) أي: و إن لم يثبت دليل على عدم جواز بيعه، وجب الرجوع إلى أدلة صحة البيع و التجارة، لكن فيه إشكال نبهنا عليه في التعليقة.

______________________________

[1] بل الأوفق بالقواعد هو الحكم ببطلان البيع في صورة عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل، لعدم إحرازها ماليّته، سواء أ كان هناك دليل خاصّ على البطلان أم لم يكن. و مع عدم الدليل الخاصّ على البطلان لا وجه للرجوع إلى أدلة صحة المعاملة بعد البناء على اعتبار المالية في العوضين عرفا و شرعا، فإنّه مع الشك في المالية كيف يصح التمسك بأدلة صحة البيع؟

بل نفس دليل شرطية المالية يقتضي اعتبار إحرازها في صحة البيع.

بل لو كانت المالية شرطا عرفيا- كما هو كذلك- كان التمسك بأدلة صحة البيع تشبثا بالدليل في الشبهة الموضوعية، لعدم إحراز البيع العرفي الذي هو موضوع أدلة الصحة شرعا.

و الحاصل: أنّه مع الشك في مالية شي ء لا يمكن التمسك فيه بأدلة صحة البيع.

و العرف إذا شك في مالية شي ء فلا محالة يشك في كون بذل المال بإزائه أكلا بالباطل.

و لا يتصور حكمه بكون بذل المال بإزائه حلالا مع شكّه في المالية. فالضابط في حكمه

ص: 391

و خصوص (1) [1] قوله عليه السّلام في المروي عن تحف العقول: «و كلّ شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فكلّ ذلك حلال بيعه» إلى آخر الرواية «1». و قد تقدّمت (2) في أوّل الكتاب.

[الثاني الملك]
[لا يجوز بيع ما يشترك فيه الناس]

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة [2] في العوضين من (3) بيع

______________________________

(1) معطوف على «عمومات» يعني: فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات الصحة، و إلى خصوص قوله عليه السّلام في تحف العقول .. إلخ، الدال على أنّ كلّ ما كان فيه الصلاح من جهة مّا حلال، و إن شكّ في كونه مالا، و في حلية أكل المال في مقابله.

(2) حيث نقل المصنف قدّس سرّه هذا الحديث بطوله- بعد الحمد و الصلاة- عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، و ذكر أكثر الحديث هنا في نسختنا، لكن كتب عليها «زائد» فلذا تركنا إيرادها في المتن.

(3) متعلق ب «احترزوا».

______________________________

بالبطلان هو إحراز عدم المالية أو الشك فيها، لأنّه مقتضى شرطية المالية.

و من هنا يظهر ضعف ما أفاده بقوله: «فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع و التجارة» بل المرجع حينئذ أصالة الفساد.

[1] لا يخفى أنّ الاستدلال به- بعد البناء على اعتباره و شمول دليل حجية الخبر له- مبني على عدم تقيد إطلاق قوله: «الصلاح» بما دلّ على اعتبار المالية في ما فيه الصلاح من جهة من الجهات، إذ مع تقييده بالمالية لا يصحّ التمسك به مع الشك فيها، و من المعلوم لزوم تقييده بما دلّ على اعتبار المالية في عوضي البيع كما لا يخفى.

[2] لم يذكر اعتبار الملكية قبل ذلك حتى يحترز بها عن المباحات قبل حيازتها، و المفروض أنّ الاحتراز عنها مترتب على اعتبار الملكية في العوضين، و لم يظهر وجه الاحتراز عن المباحات مع عدم ذكر اعتبار الملكية قبله.

و إن أراد قدّس سرّه بقوله «الملكية» المالية فالاحتراز غير ظاهر، لوضوح كون المباحات قبل حيازتها أموالا.

______________________________

(1) تحف العقول، ص 333، و رواه عنه في الوسائل، ج 12، ص 54، الباب 2 من أبواب ما يكتسب به، ح 1

ص: 392

ما يشترك (1) فيه الناس كالماء و الكلاء، و السموك و الوحوش قبل اصطيادها (2)، لكون هذه كلّها غير مملوكة (3)

______________________________

(1) الاحتراز بقيد «الملك» عن بيع ما يشترك فيه الكلّ أي: اشتراكا إباحيّا لا ملكيّا، و إلّا لا يصح الاحتراز باعتبار الملكية عن المباحات الأصلية.

(2) هذا الضمير راجع إلى الماء و الكلاء و السموك و الوحوش، لكن المظنون قويّا أنّ العبارة «اصطيادهما» بالضمير المثنّى، لعدم صحة رجوع الضمير إلى الكل.

فالأولى أن تكون العبارة هكذا «قبل الحيازة و الاصطياد» بل يكفي لفظ الحيازة من دون حاجة إلى الاصطياد، لكفاية الحيازة في تحقق الملك في الجميع.

(3) تعليل للاحتراز عن بيع ما يشترك فيه الناس، كأنّه قيل: احترزوا بقيد الملكية عن بيع المباحات قبل حيازتها، لأنّ المباحات الأصلية و إن كانت أموالا، لكنها غير مملوكة بالفعل لأحد، و المفروض اعتبار ملكية العوضين كاعتبار ماليّتهما.

______________________________

ثمّ إنّه قيل في توضيح حال هذا القيد ما محصله: إن اعتبار ملكية العوضين يوجب خروج بعض أفراد البيع عن حقيقة البيع، كخروج بيع الكلي مثمنا و ثمنا، لجواز بيع الكلي الذمي بمثله، مع تسالم الجل بل الكل على فرديّته و صحته، حيث إنّ الكلي قبل إضافته إلى ذمّة ليس ملكا. و هذه الإضافة تحصل بنفس البيع، فلا يقع البيع على المبيع المملوك قبل إنشائه. و هذا يكشف عن عدم تقوم ماهية البيع بالملكية و إن أفادها، لكنه لا ينبعث عنها، فلا يعتبر فعلية للملكية في المبيع للبائع، و لا فعلية الملكية في الثمن للمشتري، بل المعتبر قابلية المثمن لملكيته للمشتري، و قابلية الثمن لملكيته للبائع. فبيع الكلي غير المضاف إلى ذمة، و بيع المباحات قبل حيازتها مشتركان في جهة، و يختص الأوّل بجهة.

أمّا الجهة المشتركة فهي عدم جواز بيع الكلّي غير المضاف إلى ذمّة، لعدم سلطانه عليه، لعدم تعهده في ذمّته، فلا سلطنة له على بيعه. و كذا المباحات قبل حيازتها، فإنّها متساوية النسبة إلى الناس من البائع و غيره، فلا سلطنة لأحد على بيعه، فليس لأحد أن يبيع أو يشتري شيئا من المباحات قبل حيازتها، كعدم جواز بيع الكلي بلا إضافته إلى ذمة، فلا ينفذ البيع في شي ء منهما، لعدم سلطانه عليهما، و عدم كونه مالكا لأمرهما. فليس أمر بيعها بيد أحد، إذ نفوذ التمليك من البائع متوقف على مالكية البائع لإنشاء البيع و إن لم يكن

ص: 393

..........

______________________________

مالكا لرقبة المبيع.

و الحاصل: أن بيع الكلي غير المضاف إلى ذمة، و المباحات الأصلية قبل حيازتها سيّان في عدم الجواز. و المراد بقولهم عليهم السّلام: «لا بيع إلّا في ملك» هو مالكية أمر البيع، لا مالكية الرقبة.

و أمّا الجهة المختصة بالكلي غير المضاف فهي: أنّ المبيع لا بدّ أن يكون له نحو تعين ذمّي أو خارجي، و من المعلوم أنّه لا تعيّن للكلي غير المضاف، لا خارجيا و لا ذميّا. بخلاف الكلّي المضاف إلى ذمّة، فإنّ له نحو تعيّن في الذمة، فيصحّ بيعه، لسلطنته على نفسه بأن يملّك شيئا في ذمته لغيره. و بخلاف المباحات الأصلية، فإنّ لها تعينا خارجيا، إلّا أنّه لا يجوز بيعها، لعدم السلطنة عليها مع تساوي البائع و المشتري بالنسبة إلى المباحات كما تقدم آنفا «1».

و الحاصل: أنّ غرض هذا المحقق أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في عوضي البيع، هذا.

أقول: الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في العوضين إلّا الحديث المعروف «لا بيع في ما لا يملك» «2». و يحتمل أن يكون المراد به الملك المقابل للوقف بأقسامه من المساجد و الحسينيات و المدارس العلمية. فغير الأوقاف بأنحائها يجوز بيعه.

لكنه بعيد جدّا، إذ لازمه جواز بيع المباحات قبل حيازتها.

إلّا أن يقال: إنّ عدم جوازه إنّما هو لأجل عدم الولاية مع فرض عدم الحيازة و تساوي الناس بالنسبة إلى المباحات، فتدبّر.

و يحتمل أن يراد بالملك في الحديث المزبور الملك الاعتباري. لكنه بعيد أيضا، لاستلزامه تخصيص الأكثر، لخروج البيوع الواقعة على الكلّيّات الذميّة عن البيع، لما مرّ من عدم وقوعها على ملك المتعاقدين، و إن أفاد بيعها ملكية المعوّض للمشتري، و ملكية العوض للبائع.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 240.

(2) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 293، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 15، رواه عن عوالي اللئالي، و فيه «و لا بيع إلّا في ما تملك» فراجع ج 2، ص 247، ح 16

ص: 394

بالفعل (1).

[لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة]
اشارة

و احترزوا به (2) أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة [1]، و وجه (3) الاحتراز

______________________________

(1) أي: قبل الحيازة، و لا تصير مملوكة بالفعل إلّا بالحيازة.

(2) الاحتراز بالملك عن بيع الأرض المفتوحة عنوة أي: احترزوا باعتبار ملكية العوضين أيضا- يعني: كالاحتراز به عن المباحات الأصلية قبل حيازتها- عن الأرض المفتوحة عنوة أي قهرا و غلبة على أهلها.

(3) يعني: و تقريب الاحتراز باعتبار الملكية عن الأرض المفتوحة عنوة هو: أنّ تلك الأرض ليست ملكا لملّاكها على حدّ سائر الأملاك، بأن يكون لكل واحد منهم جزء معيّن من عين الأرض و إن قلّ ذلك الجزء.

______________________________

أو استلزامه خروجها عن ماهية البيع تخصّصا، و هو خلاف قول الجلّ بل الكلّ من كونها من أفراد البيع. فمصداقيتها لمفهوم البيع قرينة على إرادة سلطنة البيع من قولهم عليهم السّلام:

«لا بيع إلّا في ملك». فعليه لا يمكن إرادة الملكية الاعتبارية من هذا الحديث.

فالنتيجة: عدم إمكان الالتزام باعتبار ملكية العوضين للبائع و المشتري قبل البيع كما هو ظاهر المتن.

و لا يخفى أنّه بناء على اعتبار الملك في العوضين لا يلزم إلّا الخروج الموضوعي دون الخروج الحكمي، ضرورة أنّ التخصيص خروج حكمي، و مع فرض اعتبار الملك يكون خروج بيع الكلّيات الذمّية عن حريم البيع موضوعيّا أي تخصيصيّا، لا تخصيصيّا.

[1] الاحتراز باعتبار الملك في العوضين لا يصحّ إلّا عن غير الملك، الذي هو نقيض الملك، فإنّ الاحتراز بوجود شي ء يكون عن نقيضه، فالاحتراز المزبور لا بدّ أن يكون عن عدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بجميع أنحاء الملكية حتى يصحّ الاحتراز المزبور، بأن تكون المفتوحة عنوة من باب التحرير كالمسجد، غاية الأمر أنّ لوليّ الأمر صرف منافعها في مصالح المسلمين. و المفروض عدم كون المفتوحة عنوة من فكّ الملك،

ص: 395

عنها أنّها غير مملوكة لملّاكها على نحو سائر الأملاك، بحيث يكون لكلّ منهم جزء

______________________________

بل هي ملك للمسلمين، بشهادة أنّه عند الحاجة يجوز لوليّ الأمر بيعها و صرف ثمنها في مصالحهم. إلّا أنّه ليس لغير وليّ الأمر هذا التصرف.

فالاحتراز بالملك المعتبر في العوضين لا بدّ أن يكون عن غير الملك كالمباحات الأصلية قبل حيازتها، و الأوقاف العامة من المدارس و الخانات الموقوفة على المسافرين، و نحوهما مما يكون من فكّ الملك.

فالأولى تفريع خروج الأراضي المفتوحة عنوة على اعتبار الطلق في ملكية العوضين، لأنّ المفقود في الأرض المفتوحة عنوة هو الطّلقية لا الملكية.

ثم إنّه يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الروايات ملكية الأرض المفتوحة عنوة و قهرا لطبيعيّ المسلمين، لا لآحادهم. و هذا الملك لا يختص بزمان دون زمان، بل يعمّ جميع الأزمنة، و لذا يصحّ أن يقال: إنّه ملك لجميع المسلمين ممّن وجد و ممّن لم يخلق بعد.

و يفترق عن الخمس و الزكاة- اللّذين هما ملكان لطبيعي السيّد و الفقير، و يصيران ملكا شخصيّا بالقبض- في أنّ المتولّي لإخراجهما مختار في صرفهما إلى أفراد السّادة و الفقراء. و في كونهما من الملك النوعي الذي يصير ملكا شخصيّا بالقبض، فإنّ السيّد و الفقير يملكان الخمس و الزكاة بالقبض ملكا شخصيّا، و يضمنان بالغصب، لأنّهما مالان مملوكان للسيد و الفقير، فيصدق عليه حدّ الغصب. بخلاف الأرض المفتوحة عنوة، فإنّ منافعها تصرف في مصالح المسلمين العامة دون غيرها، و لا يملك آحاد المسلمين شيئا من منافعها بالقبض.

و يفترق أيضا ملك الأرض المفتوحة عنوة عن الوقف الخاص- الذي هو من الملك النوعي أيضا- في أنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها ملكا شخصيا من دون توقف الملكية على قبضهم، لأنّهم ملكوا المنافع بنفس الوقف، و لذا يصحّ للموقوف عليهم المعاوضة عليها، و تجب عليهم الزكاة لو كانت جنسا زكويا، و بلغت حصة كلّ منهم النصاب، و يضمنها من غصبها.

ص: 396

معيّن من عين الأرض و إن قلّ، و لذا (1) لا تورّث.

بل (2) و لا من قبيل الوقف الخاص على معيّنين، لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعا.

و لا (3) كالوقف على غير معيّنين، كالعلماء و المؤمنين.

و لا (4) من قبيل تملّك الفقراء للزكاة، و السادة للخمس،

______________________________

(1) أي: و لكون الأراضي المفتوحة عنوة غير مملوكة لملّاكها- على نحو سائر الأملاك- لا تورث و لا تباع و لا توهب.

(2) يعني: و ليست الأراضي المفتوحة عنوة كالوقف الخاصّ على معيّنين، كالوقف على الذرية، فإنّ الموقوف عليهم يملكون منافع الوقف الخاصّ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، لأنّ المسلمين لا يملكون منافع تلك الأراضي بنحو الإشاعة، و لذا لا تنتقل إلى الورثة، بل تصرف في مصالح المسلمين.

(3) يعني: و ليست الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة، حيث إنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها بالقبض، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها به.

(4) يعني و ليست الأراضي المفتوحة عنوة من قبيل تملّك السادة للخمس، و الفقراء للزكاة، فإنّ الخمس و الزكاة ملك لطبيعي السيد و الفقير، و يصير كلّ من الخمس و الزكاة بالقبض ملكا شخصيا لأفراد الطبيعة. بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها بالقبض، بل لا بدّ من صرفها في مصالح المسلمين العامة، كبناء المدارس الدينية و القناطر و المستشفيات و غيرها ممّا يحتاج إليه المسلمون.

______________________________

و الحاصل: أنّ الملك النوعي تارة يكون شخصيا كالخمس و الزكاة بالقبض.

و اخرى لا يصير شخصيا كالوقف على الذريّة بنحو تمليك المنفعة، كوقف البستان على الذرية على أن يكون منفعتها ملكا لهم، فإنّ أفراد الذرية يملكون- شخصا- منافع البستان بنفس الوقف، لكنهم لا يملكون نفس البستان شخصيا، بل ملكهم له نوعي، و لكن منافعه ملك لهم شخصيا.

ص: 397

بمعنى كونهم (1) مصارف له (2)، لعدم (3) تملّكهم منافعه بالقبض، لأنّ مصرفه منحصر في مصالح المسلمين، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم.

فهذه الملكيّة (4) نحو مستقلّ من الملكيّة قد دلّ عليها الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك [1].

______________________________

(1) أي: كون السادة و الفقراء مصارف للخمس و الزكاة.

(2) الأولى تثنية الضمير، لرجوعه إلى الخمس و الزكاة.

(3) تعليل لعدم كون الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة و الخمس و الزكاة.

و حاصل التعليل: أنّ الأوقاف العامة و الخمس و الزكاة تملك ملكا شخصيا بالقبض، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ منافعها لا تملك ملكا شخصيا بالقبض، بل تصرف في المصالح العامة للمسلمين كما مرّ آنفا.

و الاحتراز باعتبار الملكية في العوضين عن الأراضي المفتوحة عنوة- مع كونها ملكا للمسلمين- إنّما هو باعتبار كون الملكية المعتبرة في العوضين هي الملكية الشخصية التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و هذه الملكية منفية في الأراضي المفتوحة عنوة، و لذا احترزوا عنها.

و أمّا بناء على إرادة مجرّد إضافة الملكية من اعتبار الملك في عوضي البيع، فيتعيّن الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوة بقيد الطلقية، و سيأتي في (ص 483).

(4) أي: ملكية الأراضي المفتوحة عنوة نحو خاصّ من الملكية قد قام عليها الدليل، و معناها: صرف حاصل الملك و منافعه في مصالح المالكين.

______________________________

[1] و هل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة من الأراضي الخراجية إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص في مشروعية الجهاد أم لا؟ قد استدل للاعتبار بوجهين:

أحدهما: الإجماع. و فيه: عدم ثبوته، لعدم تعرض جماعة للمسألة، و لذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله: «و يشترط في وجوب الجهاد وجود الامام عليه السّلام أو من نصبه، على المشهور بين الأصحاب. و لعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة، مع

ص: 398

..........

______________________________

معارضتها بعموم الآيات ففي الحكم به إشكال» «1».

نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن وليّ الأمر من النبي أو الوصي عليهما الصلاة و السلام.

ثانيهما: الروايات، و العمدة فيها روايتان.

إحداهما: رواية سويد القلاء عن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الامام المفترض طاعته حرام، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير. فقلت لي: نعم هو كذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام هو كذلك، هو كذلك» «2».

و فيه: مناقشة سندا و دلالة. أمّا السند فلأنّ البشير الواقع فيه لم يظهر أنّه هو بشير الدهان أو غيره، مع تعدد المسمى بهذا الاسم، و وحدة الطبقة، و عدم المائز.

مع أنّه إن كان هو الدّهان- كما صرّح به في سند آخر لهذا الحديث- لم يجد أيضا، لعدم إحراز وثاقته إلّا بالاعتماد على عموم شهادة ابن قولويه قدّس سرّه، و هو لا يخلو من بحث أو منع.

و أمّا الدلالة، فلأنّ ظاهره هو حرمة القتال بأمر غير الامام المفترض الطاعة من الأعداء المدّعين للخلافة الباطلة، و لا تدل هذه الرواية على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون ذوي العقول و الآراء في الجهاد مع الكفار مصلحة مهمة عامة للإسلام، و رفع أعلامه و إعلاء كلمة الحقّ.

لكن يمكن أن يقال: إنّه لو كان المراد ذلك لكان الأولى أن يقال: «القتال مع الجائر أو مع الامام غير المفترض الطاعة حرام» إذ كلمة «غير» تشمل مطلق غير الامام العادل، و لو كان جمعا من المسلمين ذوي العقول و العدل.

إلّا أن يدّعى: أنّ كلمة «مع غير الامام» تدلّ على أنّ المعية ظاهرة في نشؤ القتال و الأمر به من غير الامام، و هذا لا يشمل قتال جماعة من المسلمين، بحيث ينشأ القتال من رأيهم و اعتقادهم كون القتال صلاحا للإسلام و المسلمين، لا من شخص واحد.

______________________________

(1) كفاية الأحكام، ص 75

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 32 الباب 12 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 399

..........

______________________________

و عليه فلا تشمل الرواية قتال المسلمين إذا رأوا كون القتال صلاحا للمسلمين.

ثانيتهما: رواية عبد اللّه بن مغيرة: «قال محمّد بن عبد اللّه للرضا عليه السّلام و أنا أسمع:

حدّثني أبي عن أهل بيته عن آبائه: أنّه قال له بعضهم: إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، و عدوّا يقال له الديلم، فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجّوه. فأعاد عليه الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجّوه. أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته و ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بدرا. و إن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات اللّه عليه» «1».

و قد أورد على دلالته: بأنّ الظاهر أنّها في مقام بيان الحكم الموقّت، لا الحكم الدائم، بمعنى أنّه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص. و يشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد، مع أنّه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الامام عليه السّلام و ثبوته في زمان الغيبة.

أقول: حمله على وقت خاصّ- حتى يكون عدم الجواز لأجل عدم المصلحة في وقت خاص، لا لأجل عدم إذن الإمام عليه السّلام كما يقول المستدلّ به على اعتبار إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد- خلاف الظاهر و بلا قرينة. و ما ذكره من ذكر الرباط لا يشهد بذلك، حيث إنّه من توابع القتال و إن كان في نفسه جائزا.

نعم لا بأس بأن تكون الرواية ناظرة إلى عدم الجواز، لكون القتال في ذلك الزمان بأمر خلفاء الجور، فلا تدلّ على عدم جواز قتال المسلمين المعتقدين بكون الجهاد صلاحا للإسلام و المسلمين حتى يكون عدم الجواز لأجل اعتبار إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد. و هذا الحكم- أعني به عدم الجواز لا يدلّ على اعتبار إذن الامام عليه السّلام في جواز القتال.

فالمتحصل: أنّه لم يظهر دليل واضح على اعتبار إذنه عليه السّلام في جواز القتال حتى لا يكون قتال المؤمنين في عصر الغيبة جائزا. فإذا شك في اعتباره يتمسك في دفع اعتباره بالعمومات القرآنية.

و إن نوقش في العمومات بأنّها في مقام تشريع أصل الجهاد، و ليست في مقام بيان الخصوصيات الدخيلة فيه، فالمرجع أصالة عدم شرطية إذنه عليه السّلام في مشروعية الجهاد، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 33 الباب 12 من أبواب جهاد العدو، ح 5

ص: 400

..........

______________________________

لكن لمّا كان المورد من الموارد الثلاثة التي انقلبت فيها أصالة البراءة إلى أصالة الاحتياط، فلا بدّ من الرجوع إليها، و مقتضاها اعتبار إذنه عليه السّلام في وجوب الجهاد.

ثم انه على تقدير شرطية إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد حال حضوره، فهل المراد بالاذن مجرّد الرضا الباطني كما في التصرفات الخارجية كالأكل و الشرب و اللبس و نحوها؟ أم إنشاء الإذن، كما في التصرفات الاعتبارية كالإجازة في العقود كبيع الفضولي، حيث إنّ المعتبر فيه هو إنشاء الإجازة فيه، و عدم الاكتفاء بمجرّد الرضا الباطني كما قرر في محلّه، حتى يعدّ ولاة الجهاد و الغزاة منصوبين من قبل الإمام عليه السّلام.

مقتضى بعض النصوص هو الأوّل، كما في رواية الخصال عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ القائم بعد صاحبه- يعني عمر- كان يشاورني في موارد الأمور و مصادرها، فيصدرها عن أمري، و يناظرني في غوامضها، فيمضيها عن رأيي» «1».

فإنّ ظاهره- كما قيل- كفاية رضا الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد الذي يترتّب عليه الآثار من كون الأرض المأخوذة بهذا القتال خراجية، و عدم توقف اتصافها بالخراجية على إنشاء الإذن و الأمر بالجهاد، بحيث يكون هو وليّ أمر الجهاد و ناصبا لغزاته. و يشهد بذلك النصوص الدالة على «أنّ أرض السواد للمسلمين» مع بداهة أنّ فاتحها لم يكن منصوبا من ناحية المعصوم عليه السّلام، و لا مأمورا من قبله عليه السّلام، هذا.

لكن الإنصاف ظهور قوله عليه السّلام: «فيصدرها عن أمري» في الأمر الحقيقي، لا مجرّد الاذن، حتى يقال بعدم كفاية مجرّد الإذن في مشروعية الجهاد، و ترتيب آثاره من صيرورة الأرض المغنومة بهذا الجهاد خراجية، هذا.

ثم إنّه وقع الكلام في اعتبار العمران حال الفتح في خراجية الأراضي المفتوحة عنوة بحيث لو كانت مواتا حال الفتح لم تكن خراجية و كانت من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام يظهر من الشرائع أنّ الموات حال الفتح للإمام عليه السّلام خاصة، و لا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجودا. و لو تصرف فيها من غير إذنه كان على المتصرف طسقها، و يملكها المحيي عند عدمه «2» أي غيبة الإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) الخصال، ج 2، ص 135، باب السبعة، ح 45

(2) شرائع الإسلام، ج 1، ص 322

ص: 401

..........

______________________________

و قال في الجواهر- بعد نقل كون الموات من الأرض وقت الفتح للإمام عليه السّلام-:

«بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على أنّ موات الأرض مطلقا من الأنفال للإمام عليه السّلام» «1».

و الحاصل: أنّ اعتبار العمران حال الفتح في ملكية الأرض المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين مشهور، بل المجمع عليه. و نصوص الباب على طوائف:

منها: ما تدل على أنّ الموات كلها للإمام عليه السّلام، كمرسلة أحمد بن محمد «2».

و منها: ما تدلّ على «أنّ كل أرض لا ربّ لها للإمام عليه السّلام» كموثقة إسحاق بن عمّار و رواية أبي بصير «3».

و منها: ما تدلّ على «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها له عليه السّلام» كمرسلة حمّاد «4».

و منها: غير ذلك.

و النسبة بين دليل ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين الشامل للموات حين الفتح، و بين دليل ملكية الموات مطلقا- و إن كان من المفتوحة عنوة للإمام عليه السّلام- عموم من وجه، لأنّ ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين شامل لكلّ من الموات و العامر، و ما دلّ على «أنّ الموات للإمام عليه السّلام» شامل للمفتوحة عنوة و غيرها. و في المجمع- و هو موات المفتوحة عنوة- يتعارضان، إذ مقتضى دليل المفتوحة عنوة هو كون مواتها كعامرها ملكا لقاطبة المسلمين، و مقتضى دليل الموات كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

لكن يقدّم دليل الموات، لأنّ دلالته على كون الموات للإمام عليه السّلام بالوضع، و دلالة دليل المفتوحة عنوة بالإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة، و من المعلوم تقدم الظهور الوضعي على الإطلاقي. فما عن المشهور «من كون موات المفتوحة عنوة من الأنفال، و اختصاص عامرها بالمسلمين» متين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 169

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 17

(3) المصدر، ص 371، ح 20 و ص 372، ح 28

(4) المصدر، ص 365، ح 4

ص: 402

..........

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ ملكية الأرض المغنومة من الكفار لقاطبة المسلمين مشروطة بأمور ثلاثة:

الأوّل: أن يكون استيلاء المسلمين على الأراضي بالقهر و الغلبة، أو بالصلح مع الكفار على أن تكون أراضيهم ملكا لعامّة المسلمين.

الثاني: أن يكون الاستيلاء المزبور بإذن الإمام عليه السّلام.

الثالث: أن تكون الأراضي معمورة حال الفتح، إذ الموات منها من الأنفال التي هي ملك الامام عليه السّلام، سواء أ كان موتانها أصليا أم عارضيا، بأن كانت عامرة ثم ماتت، فمن أحياها ملكها. و ذلك لإطلاق النصوص الدالة على تملك محي الأرض بالإحياء، كصحيحتي الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أحيى أرضا مواتا فهي له» «1». فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة، و أحياها شخص، ملكها، إذ المفروض أنّ أرض المسلمين متقومة بالحياة، لما تقدم آنفا من تقدم دليل ملكية الموات من الأرض المفتوحة عنوة للإمام عليه السّلام على دليل ملكيته للمسلمين.

و من هنا يسهل الأمر في من يكون بيده فعلا أرض كانت معمورة حال الفتح، و شكّ في بقائها على حالة العمران، حيث إنّ استصحاب بقائها بوصف الحياة و إن كان جاريا في نفسه، إلّا أنّ قاعدة اليد حاكمة عليه، و قاضية بأنّها ملك المتصرف فعلا، فإنّ احتمال خروجها عن ملك المسلمين بالشراء أو الهبة، أو عروض الموت عليها و قيام هذا الشخص بإحيائها موجود، و هو يحقق موضوع قاعدة اليد التي مقتضاها ملكية الأرض المذكورة فعلا للمحيي، هذا.

ثم إنّه إذا أحرزت العناوين المذكورة فلا إشكال. لكنه لا يمكن إحرازها بالعلم الوجداني، و لا بالأمارات غير المعتبرة التي منها التواريخ، خصوصا مع تعارضها.

و لا بالأصول العملية، لأنّها نافية لوجود تلك العناوين الوجودية لا مثبتة لها، فلا يمكن إحراز وجودها بالأصل أيضا.

كما أنّ إحراز عدمها لنفي الحكم الشرعي المترتب على وجودها غير ممكن، لأنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 403

..........

______________________________

ترتب عدم الحكم على نفي موضوعه عقلي لا شرعي، هذا.

مسألة: إذا أحيى شخص أرضا مواتا، و بنى فيها أبنية، ثم خربت و صارت ميتة، ثم أحياها محي آخر، فهل تكون الأرض ملكا للمحيي الأوّل أم الثاني؟ فيه تفصيل.

فإن كان المحيي الأوّل و ملك الأرض بشراء و نحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا، نقله الشهيد الثاني رحمه اللّه عن العلامة في التذكرة «عن جميع أهل العلم» «1».

و إن ملكه المالك الأوّل بالإحياء ففيه خلاف.

و قال المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه: «تفصيله: أنّه اختلف أقوال العلماء في أنّ الموات من الأرض بعد الإحياء المملّك هل يجوز إحياؤه ثانيا لغير المحيي الأوّل أم لا» «2». فالخلاف يكون فيما إذا كانت ملكية الأرض للمحي الأوّل بسبب الإحياء، لا ببيع و نحوه، و إلّا فلا تخرج الأرض عن ملك المحيي الأوّل بسبب الخراب و لا بإحياء المحيي الثاني.

فنصرف الكلام إلى ما إذا كانت ملكية الأرض للمحيي الأوّل بالإحياء لا بالبيع و نحوه، فنقول و به نستعين:

إنّه قد استدلّ على صيرورة الأرض ملكا للمحيي الثاني بروايات.

منها: رواية معاوية بن وهب «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أيّما رجل أتى خربة بائرة، فاستخرجها، و كرى أنهارها، و عمّرها، فإنّ عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها» «3».

و منها: عموم قولهم عليهم السّلام: «من أحيى أرضا مواتا فهي له» «4» فإنّ عمومه يشمل المحيي الثاني. و إطلاق الأرض- إن لم نقل بعمومه المستفاد من وقوع النكرة في سياق الموصول الدالة على العموم- يشمل الأرض الموات المسبوق بالإحياء، فيدلّ على صيرورة الأرض المذكورة ملكا للمحيي الثاني بسبب إحيائه، و هو المطلوب.

و أورد عليه بما حاصله: أنّ الأرض الميتة قيّدت بعدم المالك لها قطعا، للنص الدال

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 59، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 401 (الطبعة الحجرية).

(2) حاشية المكاسب، ص 14

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328 الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 404

..........

______________________________

على «أنّ من أحيى أرضا ميتة لا ربّ لها فهي له» فالأرض المملوكة إذا كانت- أو صارت- خرابا لا تملك بإحياء غير المالك جزما. و لا تخرج عن ملكه إلّا بالنواقل الشرعية غير الاحياء. و كذا الأرض التي هي محل الكلام بناء على عدم خروجها عن ملك المحيي الأوّل بالموت و الخراب، و المفروض أنّ القائلين بملك المحيي الثاني يدّعون الخروج عن ملك المحيي الأوّل.

بل لعلّه لا خلاف بينهم في عدم صيرورته ملكا للثاني لو لم يخرج عن ملك الأوّل بالخراب، بأن يكون الإحياء الثاني ناقلا عن ملك الأوّل إلى ملك الثاني.

و حينئذ فالشك في بقائها بعد الموت على ملك مالكه الأوّل و عدمه كاف في عدم جواز التمسك بالعموم المزبور، لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. بل مقتضى استصحاب ملك المحيي الأوّل ذلك. بل إطلاق دليل ملكيته، حيث إنّ الظاهر من اللام في قوله عليه السّلام: «فهي له» هو إطلاق الثبوت و الاختصاص المقتضي للملكية الدائمة المنافي للملكية الموقتة، هذا.

و يمكن أن يجاب عنه بعدم إرادة نفي المالك مطلقا حتى ممّن ملك الأرض بالإحياء، فيصير خروج من ملك بالإحياء مشكوكا فيه، فيرجع فيه إلى عموم قوله عليه السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» لا إلى إطلاق دليل القيد، إذ المفروض عدم إطلاقه بعد خروج من ملك الأرض بالشراء و نحوه- بإجماع العلماء و تسالمهم- عن إطلاق دليل القيد، فيصير خروج من ملك الأرض بالإحياء عن عموم «من أحيى» مشكوكا فيه، و العموم حجة في الشك في التخصيص الزائد كحجيته في الشك في أصل التخصيص.

فالنتيجة: أن إحياء الأرض الميتة بعد الإحياء المملّك يوجب ملكيتها للمحيي الثاني.

لكن الأحوط الأولى مراعاة حقّه إلى ثلاث سنين، لروايتي يونس «1» عن العبد الصالح و أبي عبد اللّه عليهما السّلام. لكنهما ضعيفان سندا، فراجع.

و أمّا إحياؤها مع كون ملكيتها للمالك الأوّل بغير الإحياء- كالشراء و الهبة و نحوهما- فمقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي عن العلامة قدّس سرّه و رواية معاوية بن وهب المتقدمة عدم صيرورتها ملكا للثاني، و بقاؤها على ملك الأوّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 345، الباب 17 من أبواب إحياء الموات، ح 1 و 2

ص: 405

ثمّ (1) إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادّعي عليه الإجماع (2)، و دلّ عليه النصّ، كمرسلة حمّاد الطويلة (3) و غيرها (4).

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه إقامة الدليل على ما هو المعروف من ملكية الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين.

(2) المدّعي للإجماع أو عدم الخلاف جماعة، كشيخ الطائفة «1» و العلّامة «2» و الفاضل السبزواري «3»، و أصحاب الرياض و مفتاح الكرامة و المستند و الجواهر «4».

قال السيد العاملي قدّس سرّه في الأرض التي فتحت عنوة: «و هذه للمسلمين قاطبة بإجماع علمائنا قاطبة، و قد نقل الإجماع على ذلك في الخلاف و التذكرة و المنتهى».

و في جهاد الجواهر: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا» «5». و في البيع:

«إجماعا محكيا عن الخلاف و التذكرة، و هي إن لم يكن محصّلا» «6» فراجع.

(3) و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب، فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها و يحييها» «7»، فإنّها تدلّ على الكبرى، و هي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين، و أنّها موقوفة و ممنوعة عن التصرفات الاعتبارية كالبيع و الهبة و الصلح.

(4) كرواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشتر من أرض السواد شيئا، فإنّما هو في ء للمسلمين» «8». و ظهورها في منع بيع جزئيّ ممّا هو مفتوح عنوة- أعني أرض العراق- ممّا لا ينكر.

______________________________

(1) الخلاف، ج 2، ص 67- 70، كتاب الزكاة، المسألة 80

(2) منتهى المطلب، ج 2، ص 934، و في التذكرة: «ذهب إليه علماؤنا أجمع» ج 9، ص 184

(3) كفاية الأحكام، ص 75

(4) رياض المسائل، ج 8، ص 114 (ج 1، ص 495 الحجرية)، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 239، مستند الشيعة، ج 14، ص 216

(5) جواهر الكلام، ج 21، ص 157

(6) المصدر، ج 22، ص 347

(7) وسائل الشيعة، ج 11، ص 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه، ح 2

(8) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 5 و كذا الحديث 4 و 9

ص: 406

[أقسام الأرضين]
اشارة

و حيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين (1)، فلا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين و أحكامها، فنقول و من اللّه الاستعانة:

الأرض إمّا موات، و إمّا عامرة، و كلّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة، أو عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها (2).

[الأول الموات بالأصالة]

الأوّل (3) ما يكون مواتا بالأصالة، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة.

و لا إشكال و لا خلاف منّا في كونها للإمام عليه السّلام. و الإجماع عليه محكيّ (4)

______________________________

(1) أي: الموت و العمران، فلكلّ منهما قسمان: الموات بالأصالة و العرض، و كذا العامرة.

(2) لكون الحصر عقليا، حيث إنّه دائر بين النفي و الإثبات، لأنّ الأرض لا تخرج عقلا عن هذه الحالات الأربع، و هي كونها مواتا بالأصل أو بالعرض، أو عامرة كذلك، فلا يتصوّر قسم خامس.

(3) أقسام الأراضي و أحكامها القسم الأوّل: الموات بالأصالة يعني: أوّل هذه الأقسام الأربعة هو الموات بالأصالة، بمعنى عدم كونها مسبوقة بعمارة معمّر في زمان من الأزمنة. و لا إشكال و لا خلاف في كون هذا القسم من الأراضي للإمام عليه السّلام. و دعوى الإجماع على ذلك متكرّرة في كلامهم كما نقله المصنف.

(4) الحاكي للإجماع صريحا و ظاهرا هو السيد العاملي قدّس سرّه، قال في حكم الأرض الموات- و أنّها للإمام عليه السّلام لا تملك بمجرد الإحياء- ما لفظه: «أمّا أنّ الميت للإمام فقد طفحت به عباراتهم في الباب و غيره، و حكى عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك، و ظاهر المبسوط و التذكرة و التنقيح و الكفاية» «1». و كذا نقله صاحب الجواهر عن جملة منها و عن محكيّ بعضها، فراجع «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 4، و لاحظ الخلاف، ج 3، ص 525، كتاب إحياء الموات، المسألة 3، الغنية، ص 293، جامع المقاصد، ج 7، ص 9، مسالك الافهام، ج 12، ص 391

(2) جواهر الكلام، ج 38، ص 11

ص: 407

عن الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك، و ظاهر (1) جماعة أخرى، و النصوص بذلك مستفيضة (2) [1]،

______________________________

(1) معطوف على «الخلاف» و يمكن عطفه على «محكي» و على كلّ فالتعبير بالظاهر لقولهم: «عندنا» كما في المبسوط و التذكرة، ففي المبسوط: «الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له» «1» و نحوه في التذكرة «2». و في الكفاية: «لا أعرف فيه خلافا» «3» و في الرياض «بلا خلاف» «4».

(2) كما في مفتاح الكرامة و الجواهر «5» و غيرهما، و منها: رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الأنفال ما لم يوجف بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم. و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو

______________________________

[1] ظاهره استفاضة النصوص بذلك أي: بكون الموات بالأصالة للإمام عليه السّلام. لكنها ممنوعة فضلا عن تواترها، فإنّ لسان النصوص مختلف، و لم ترد على عنوان واحد، إذ بعضها وارد في «أنّ الأرض الخربة للإمام عليه السّلام».

و بعضها تضمّن «أنّ الخربة التي باد أهلها للإمام عليه السّلام» و من المعلوم أنّهما لا يشملان الموات بالأصل الذي هو مورد البحث، بل موردهما هو الموات بالعرض.

و بعضها تضمّن «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام».

و بعضها تضمّن «أنّ الأرض الميتة الّتي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام».

نعم دعوى استفاضتها أو تواترها بالنسبة إلى الأنفال غير بعيدة.

و بالجملة: لم يظهر استفاضة النصوص فضلا عن تواترها بالنسبة إلى كون الموات بالأصالة- بما هي موات- للإمام عليه السّلام.

و أمّا النبويّان المذكوران في المتن فهما مرويّان من غير طريقنا. لكن الحكم- و هو

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 270، و في ص 278 أيضا بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 400 (الطبعة الحجرية).

(3) كفاية الأحكام، ص 238، السطر الأخير.

(4) رياض المسائل، ج 14، ص 107 ج 2، ص 318 (الحجرية).

(5) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 4، جواهر الكلام، ج 21، ص 169

ص: 408

بل قيل (1) إنّها متواترة.

و هي (2) من الأنفال.

نعم (3) أبيح [1] التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض. و عليه (4) يحمل ما في

______________________________

للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «1».

(1) القائل- ظاهرا- هو صاحب الجواهر، و فيه بعد دعوى الإجماع المحصّل:

«مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها» «2».

(2) أي: الأرض الموات بالأصالة تكون من الأنفال التي هي للإمام عليه السّلام.

(3) يعني: أنّ الأرض الموات بالأصل و إن كانت ملكا للإمام عليه السّلام، و مقتضى حكم العقل و النقل عدم جواز التصرف فيها. لكن أبيح التصرف فيها شرعا بالإحياء مجّانا، كما هو ظاهر ما في النبويين المذكورين في المتن، فإنّ ظاهر «ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» هو الإذن بالتصرف للمسلمين، أو تملكهم لها بلا عوض، فلا تجري هنا قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(4) أي: و على كون إباحة التصرف فيها بالإحياء بلا عوض يحمل ما في النبويين.

و غرضه قدّس سرّه دفع توهم. و حاصل التوهم: التنافي بين ما دلّ على كون الأرض الميتة ملكا

________________________________________

كون الموات بالأصل للإمام عليه السّلام- متفق عليه.

[1] بل يستفاد من جملة من الروايات مملكية التصرف الإحيائي لرقبة الأرض مجّانا للمخالف و الكافر، ففي مضمرة محمّد بن مسلم: «و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها، و هي لهم» «3».

و في رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «4».

و في رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(2) جواهر الكلام، ج 38، ص 11

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 3

(5) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 4

ص: 409

النبوي [النبويين] (1) «موتان الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» «1».

و نحوه الآخر: «عادي (2) الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي» «2».

و ربما (3) يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه السّلام كما في

______________________________

للمعصوم عليه السّلام، و أنّهم عليهم السّلام أباحوا التصرف فيها بالإحياء بلا عوض من اجرة و نحوها، و بين النبويين الظاهرين في أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل هذه الأرض ملكا للمسلمين من بعده، أو مباحة لهم، بلا دخل للإعمار في ذلك أصلا.

و حاصل الدفع: أنّ اللام في النبوي «هي لكم منّي» و إن كان ظاهرا في كون الأرض ملكا للمسلمين مطلقا سواء أحيوها أم لا، و سواء بذلوا العوض أم لا. إلّا أن المراد الترخيص في التصرف بلا عوض، فتكون كالملك في جواز الانتفاع، لا حصول الملك مطلقا و لو بدون الإحياء، فإنّه مخالف للنص و الإجماع. و لا منافاة حينئذ بين النبوي و بين ما دلّ على «أنّ الأرض الميتة ملك المعصوم عليه السّلام، و إنّما أباح إحياءها».

نعم هناك منافاة بين إطلاق جواز الإحياء و بين اعتبار بذل الخراج، و سيأتي وجه الجمع.

(1) كذا في نسختنا، و الأولى الأفراد كما في سائر النسخ، ليتمّ العطف عليه بقوله:

«و نحوه الآخر».

(2) قال العلّامة الطريحي: «و العادي: القديم، و البئر العادية: القديمة، كأنّها نسبة إلى عاد قوم هود، و كل قديم ينسبونه إلى عاد و إن لم يدركهم» «3». و معنى الحديث: كل أرض لم تعمّر فهي للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(3) غرضه أنّ ما ذكر- من الإباحة بلا عوض- معارض ببعض النصوص الظاهرة في وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام كما في صحيحة الكابلي، فإنّ ظاهر قوله عليه السّلام:

______________________________

(1) هذا النبوي مروي بطرق العامة، كما قاله العلامة قدّس سرّه: في التذكرة، ج 2، ص 400، سنن البيهقي، ج 6، ص 143، كنز العمال، ج 2، ص 185

(2) مجمع البحرين، ج 1، ص 287

(3) عوالي اللئالي، ج 3، ص 481، ح 5، و رواه عنه في المستدرك، ج 17، ص 112، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 410

صحيحة الكابلي، قال: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، أنا (1) و أهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضا (2) من المسلمين فليعمّرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها» «1» الخبر (3).

و مصحّحة (4) عمر بن يزيد

______________________________

«و ليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي» هو وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام، و كون إباحة التصرف مع العوض.

و لا بدّ من علاج هذا التعارض، و قد عالجه المصنف قدّس سرّه بأحد وجهين آتيين.

(1) كذا في الوسائل، و في نسختنا زيادة «قال: أنا ..».

(2) كذا في الوسائل، و في نسختنا «من الأرض».

(3) بقية الحديث: «فإن تركها و أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتى يظهر القائم عليه السّلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها، و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم».

(4) معطوف على «صحيحة». و هذه رواية ثانية دلّت على أنّ الترخيص في الإحياء مشروط بأداء العوض إلى الامام عليه السّلام. و قد عبّر عنها بالصحيحة كما في جملة من الكتب «2» و لعلّه لأجل انصراف عمر بن يزيد إلى عمر بن محمد بن يزيد بيّاع السابري، الثقة، لكثرة رواياته و شهرته، فلا يراد منه هنا عمر بن يزيد الصيقل الذي لم يرد فيه توثيق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 243، مستند الشيعة، ج 10، ص 148، جواهر الكلام، ج 16، ص 137 و ج 38، ص 25، و كذا عبّر صاحب الحدائق عن الرواية الآتية بصحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك»، فلاحظ الحدائق الناضرة، ج 12، ص 435

ص: 411

«أنّه (1) سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمّرها، و أجرى (2) أنهارها، و بنى فيها بيوتا، و غرس فيها نخلا و شجرا. فقال (3) أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيى أرضا من المؤمنين فهي (4)

______________________________

و لكن المصنف عبّر عنها بالمصحّحة لأجل أنّ الراوي عن عمر هو الحسن بن محبوب المعدود من الّذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم. و لمّا كان سند الرواية صحيحا إلى ابن محبوب فلذا عبّر عنها بالمصححة، حيث إنّ رواية ابن محبوب عنه كافية في حجية روايته هنا كما قيل.

و كيف كان فالغرض من الاستشهاد بهذه الرواية دلالة قوله عليه السّلام: «و عليه طسقها يؤتى به إلى الامام عليه السّلام» على إناطة جواز التصرف و الإحياء ببذل العوض- و هو خراجها- إلى الإمام عليه السّلام.

فإن قلت: السؤال في هذه المصحّحة عن حكم إحياء الأرض الموات بالعرض، لا بالأصل، لقول السائل: «تركها أهلها فعمّرها» فهي كانت محياة، ثم عرض عليها الموت. و جوابه عليه السّلام: «هي له و عليه طسقها» ناظر إلى حكم هذه الأرض. و من المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه، و هو الأرض الموات بالأصل. و عليه فلا وجه للاستشهاد بهذه المصححة على وجوب بذل العوض في قبال إحياء الأرض الموات بالأصل.

قلت: نعم، و إن كان السؤال عن ذلك، إلّا أن جوابه عليه السّلام: «من أحيى أرضا» مطلق شامل للموات بالأصل أيضا. و المناط في استظهار الحكم الشرعي هو الجواب، لا ما ورد في خصوص السؤال.

(1) صدر الرواية كما في الوسائل هكذا: «قال- أي عمر بن يزيد- سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل .. إلخ».

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل: «و كرى أنهارها».

(3) في الوسائل: «قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام».

(4) جواب الموصول في «من أحيى» المتضمن للشرط.

ص: 412

له، و عليه طسقها (1) يؤدّيه إلى الإمام عليه السّلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» الخبر «1».

و يمكن (2) حملها [1] على بيان الاستحقاق و وجوب إيصال الطّسق إذا طلبه (3) الإمام عليه السّلام، لكنّ (4) الأئمة عليهم السّلام بعد أمير المؤمنين عليه السّلام حلّلوا شيعتهم، و أسقطوا ذلك عنهم، كما يدلّ عليه (5) قوله عليه السّلام: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «2»،

______________________________

(1) الطّسق- بالفتح كفلس- ما يوضع من الوظيفة على الجربان من الخراج المقرّر على الأرض، و هي فارسي معرّب «3».

(2) هذا أوّل وجهي علاج التعارض بين الطائفتين الدالة إحداهما على كون التصرف في الموات بالأصل بلا عوض، و الأخرى على كون التصرف فيها مع العوض.

و حاصل هذا الوجه: أنّ ما دلّ على وجوب أداء العوض مشروط بطلب الامام عليه السّلام، و بدون الطلب لا يجب أداؤه.

(3) أي: طلب الإمام عليه السّلام ذلك الطّسق.

(4) يعني: أنّ وجوب إيصال الطّسق إلى الامام عليه السّلام قد أسقطه الأئمة الطاهرون بعد مولانا أمير المؤمنين «على جميعهم أفضل صلوات المصلين» و هذا الإسقاط حكم ولائي. و يمكن أن يكون ذلك في زمان بعض الأئمة عليهم السّلام دون بعض.

(5) أي: يدل على أنّهم عليهم السّلام حلّلوا شيعتهم من ذلك الطّسق و أسقطوه عنهم

______________________________

[1] لكن يأبى هذا الحمل قوله عليه السّلام في رواية الكابلي: «و ليؤدّ خراجها إلى الامام» و قوله عليه السّلام في مصححة عمر بن يزيد «و عليه طسقها يؤديه الى الامام» فإنّ ظاهرهما إطلاق وجوب أداء الخراج، و عدم إناطته بمطالبة الإمام. نعم هو صالح للتقييد، لكن لا دليل عليه، و مجرد الصلاحية له ثبوتا لا يكفي في مقام الإثبات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 13، و لا وجه لكلمة «الخبر» إذ المنقول تمام الحديث.

(2) المصدر، ص 384، ح 17

(3) مجمع البحرين، ج 5، ص 206، لسان العرب، ج 10، ص 225

ص: 413

و قوله عليه السّلام: في رواية مسمع بن عبد الملك: «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم (1) طسق ما (2) كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا و يأخذ الأرض من أيديهم، و يخرجهم عنها صغرة» «1».

نعم (3) ذكر في التذكرة: «أنّه لو تصرّف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها» «2».

و يحتمل (4) حمل هذه الأخبار المذكورة

______________________________

قول مولانا أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبرين، روى أحدهما معلّى بن خنيس عنه: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» و الآخر أبو سيّار مسمع بن عبد الملك.

(1) هو من جباية الخراج، يعني: يجمع الخراج و يأخذه منهم، و يترك الأرض في أيديهم. هذا بناء على ما في المتن من قوله: «فيجبيهم» و لكن في الوسائل: «فيجيبهم».

(2) كذا في نسختنا، و هو موافق لما رواه في الوسائل عن التهذيب. و لكنه نقل عن الكافي زيادة، و هي «فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان ..».

(3) هذا استدراك على قوله: «لكن الأئمة عليهم السّلام .. حلّلوا شيعتهم».

و حاصل الاستدراك: أنّ العلّامة قدّس سرّه خالف مضمون هاتين الروايتين، و حكم بوجوب أداء الطّسق على من تصرّف في هذه الأرض بدون إذن الامام عليه السّلام، هذا.

(4) معطوف على قوله قبل أسطر: «و يمكن حملها». و هذا ثاني وجهي علاج التعارض بين ما دلّ على كون التصرف في الموات بالأصل مجّانا، و ما دلّ على كونه بالعوض.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12، و «الصغرة» جمع صاغر بمعنى الذليل.

و في بعض نسخ التهذيب بالفاء، فيكون بكسر الصاد على وزن «حبر» و معناه الخالي. لكن يبعده ما في المجمع من أنّ «الصفر» بمعنى الخالي لا يدخل عليه هاء التأنيث «بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر و المؤنث و التثنية و الجمع» فراجع مجمع البحرين، ج 3، ص 367

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 402

ص: 414

على حال الحضور [1]، و إلّا (1) فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام (2) [مال للإمام] في الأراضي في حال الغيبة، بل (3) الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (4). و ستأتي (5) حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها

______________________________

و حاصل هذا الوجه: حمل الأخبار الدالة- على كون التصرف في الأرض الموات مع العوض- على حال الحضور، و حمل الأخبار الدالة على كون التصرف فيها مجانا على حال الغيبة.

(1) أي: و لو لم تحمل الأخبار على حال الحضور، تعيّن رفع اليد عنها، لمخالفتها للإجماع على عدم وجوب شي ء للإمام عليه السّلام في عصر الغيبة في تلك الأراضي. و لعلّ الأولى أبدال «و إلّا فالظاهر» ب «إذ الظاهر ..».

(2) كذا في نسختنا، و الأولى ما في نسخة اخرى من قوله: «مال للإمام».

(3) يعني: بل الأخبار متفقة على خروج الأرض عن ملكه عليه السّلام و دخولها في ملك المحيي في عصر الغيبة، كقوله عليه السّلام في مصححة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص 412):

«من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له».

و عليه فلا يبقى موضوع لوجوب الطّسق.

(4) هذا الضمير و ضمير «أنها» راجعان إلى الأراضي.

(5) أي: و ستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورة تلك الأراضي ملكا

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا الحمل أيضا، لمنافاته لما في ذيل رواية الكابلي من قوله عليه السّلام: «حتى يظهر القائم عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» و لما في ذيل رواية مسمع:

«حتى يقوم قائمنا»، لأنّهما يدلّان على أنّ زمان الاحياء مع الأجرة ينتهي إلى عصر الحضور فالإحياء في زمان الغيبة لا يكون مجانا.

و لعلّ الجمع بين الأخبار المزبورة يقتضي القول بجواز الإحياء لغير الكفار مع العوض. فإن كان شيعيا تشمله أخبار التحليل، و إلّا فيجب عليه دفع الطسق في عصر الغيبة إلى نائبها، إن لم يكن إجماع على عدم وجوب دفعه في زمان الغيبة، و إلّا كان الإحياء في عصرها مجانا، بل ادعي الإجماع على مالكية المحيي مطلقا و إن كان كافرا، كما دلّت عليه جملة من النصوص أيضا، فلا يبقى حينئذ مجال للعمل بروايات الطّسق.

ص: 415

ملكا بالإحياء [1].

______________________________

بالإحياء. و الظاهر أنّ غرضه من الإجماع ما نقله في القسم الثالث- و هو ما عرض له الحياة بعد الموت- بقوله: «بإجماع الأمة ..» فلاحظ (ص 436).

______________________________

[1] ينبغي الكلام في أوّل أقسام الأراضي في مواضع:

الأوّل: في معنى الموات بالأصل، إذ فيه احتمالان، فبناء على تفسيره «بعدم كون الأرض مسبوقة بعمارة» يمكن إحرازه بالاستصحاب القهقرى. و بناء على تفسيره بالأرض الّتي خلقت مواتا، و كانت باقية على هذه الحالة، و لم تعمّر إلى الآن، فإحرازه بالاستصحاب مشكل، لعدم العلم مع احتمال خلقتها معمورة كما لا يخفى.

نعم بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية يجري استصحاب عدم عمرانها حين خلقتها. لكن في اعتباره بحث مذكور في محلّه.

لكن الظاهر عدم المجال لهذه الأبحاث، لعدم موضوع لها، إذ الموضوع في النصوص عنوان «الموات» بلا قيد الأصالة، و الأرض التي لا ربّ لها.

و كذا لا مجال لهذه الأبحاث بناء على أن يراد من الموات بالأصالة الموت في صدر الإسلام حال استيلاء المسلمين على أراضي الكفار، و ذلك لإمكان إحراز مواتها بالأصل إن كانت حالتها المعلومة قبل الإسلام عدم العمران.

الموضع الثاني: في كون الموات بالأصل ملكا للإمام عليه السّلام، و هو ممّا لا إشكال فيه، فإنّه من الأنفال التي اتّفقت الكلمة على أنّها له عليه الصلاة و السلام، و إن لم تكن النصوص بعنوان «الموات بالأصل» متواترة و لا مستفيضة، و لكنها تدل عليها بعنوان آخر، و هو كاف في المسألة. و لا يناط حكم الموات بالأصل بتواتر النصوص أو استفاضتها بعنوانه.

الموضع الثالث: في أنّه هل يعتبر في صيرورة الموات ملكا أو مباحا للمحيي إذن الامام أم لا؟ لا ريب في أنّ القاعدة العقلية و النقلية تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بالإذن، سواء أ كان عليه السّلام مالكا للموات بالإمامة، أو ملكا شخصيّا له يرثه الوارث، أم وليّا على الموات، فإنّ اللازم الاستيذان منه في التصرف على كل تقدير، فإنّ الوليّ و إن لم يكن مالكا، لكن يلزم الاستيذان منه، كما في التصرف في أموال القصّر من الأطفال و المجانين و الغيّب.

ص: 416

..........

______________________________

و بدون الاستيذان يكون المتصرف آثما و غاصبا، فإنّ التصرف في مورد سلطان الغير حرام، لاقتضاء سلطنته ذلك، فيجب الاستيذان منه في حال الحضور و بسط اليد، و في حال الغيبة من نائبه العامّ، و هو الفقيه الجامع للشرائط بناء على ولايته العامّة. فالإحياء بدون إذنه عليه السّلام أو نائبه لا أثر له لا ملكا و لا إباحة.

و الحاصل: أنّ قاعدتي العقل و النقل تقتضيان اعتبار الإذن و لو من الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، هذا.

و هنا قولان آخران:

أحدهما: اعتبار الاستئذان في حال الحضور دون الغيبة.

ثانيهما: سقوط اعتبار الإذن مطلقا، بل امتناعه في زمان الغيبة.

و لعلّ وجه الأوّل إمكان الاستيذان حال الحضور، فيجب للقاعدة، بخلاف زمان الغيبة، فيجوز بلا إذن بعد البناء على عدم ولاية نائب الغيبة على الاذن.

و وجه الثاني: إمّا كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإحياء، و عدم الحاجة الى إذن المالك الشرعي كما في حقّ المارة. و نظيره في التملك بالاحياء التملك بالالتقاط، فإنّ الملتقط بعد التعريف يتملكه بإذنه تعالى شأنه، لا بإذن مالكه الشرعي.

و إمّا عدم الفرق بين الحضور و الغيبة، مع البناء على امتناع الاذن، لعدم ولاية الفقيه على الإذن، هذا.

ثم إنّ القائل باعتبار الإذن مطلقا يدّعي صدور الإذن منه عليه السّلام بحيث لا يصدر الإحياء بدون الإذن أصلا حتى في زمان الغيبة، أو عدم بسط اليد، رعاية لقاعدتي العقل و النقل القاضيتين بعدم جواز الإحياء بدونه، كسائر النواقل الشرعية المنوطة بالاذن.

و لإثبات الإذن طرق.

منها: نفس النص الدال على سببية الإحياء للملكية، كقولهم عليه السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» بتقريب: أنّ الإذن في تشريع الإحياء- لصدوره عن المالك- يكون إذنا مالكيا أيضا، فيكون دالّا على تشريع الإحياء و الإذن فيه. نظير قوله: «من دخل داري أو مسجدي مثلا فله كذا» فإنّه كما يدلّ على سببية الدخول للجزاء، كذلك يدل على الإذن المالكي في

ص: 417

..........

______________________________

الدخول. و هذا هو الفارق بين دليل الإحياء و أدلة سائر الأسباب الناقلة.

و منها: أنّ دلالة الاقتضاء تقتضي اقتران الإحياء بالإذن، و إلّا يلزم لغوية تشريع الإحياء.

توضيحه: أنّ تشريع الإحياء المشروط بالإذن مع امتناع تحققه في زمان ممتدّ- و هو زمانا الغيبة الكبرى و عدم بسط اليد، مع مطلوبية إحياء الأرض في جميع الأزمنة، و تعميرها شرعا كذلك، و عدم إبقائها خربة كما دلّت عليه الآيات و النصوص- لغو. و لا تندفع اللغوية إلّا بالالتزام باقتران كلّ إحياء بالإذن المالكيّ، و هو المطلوب.

و منها: أخبار التحليل، خصوصا رواية مسمع بن عبد الملك، حيث قال عليه السّلام: «و كلّ ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا فهم فيه محلّلون يحلّ [و محلل] لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» «1» الخبر. لأنّ ظهورها في حلية التصرف الكاشفة عن الاذن و الرضا به ممّا لا ينكر، فتكون الملكية أو الإباحة بالإحياء المأذون فيه. و أمّا مشروعيّة نفس الإحياء المملّك، فتستفاد من أدلة أخرى.

و منها: النبويّان المذكوران في المتن، لكونهما كالصريح في التمليك عن الرضا المالكي، غاية الأمر أنّه لا بدّ من تقييد الملكية بأدلة الإحياء، إذ التمليك بدون الإحياء لا يندرج تحت أحد الأسباب المملكة الشرعية. لكن هذين النبويّين ضعيفان، لعدم كونهما مرويّين من طرقنا.

و منها: ما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه من دلالة شاهد الحال على رضاهم بالإحياء و طيب نفسهم بعمارة الأرض، و عدم رضاهم ببقائها على الخراب.

توضيحه: أنّ دليل تشريع الإحياء يكشف عن وجود مصلحة في عمارة الأرض، و حيث إنّها ملك الامام عليه السّلام، و القاعدة تقتضي اعتبار إذنه، فلو لم يكن في الواقع إذن منه عليه السّلام كان هذا التشريع لتلك المصلحة لغوا، لعدم ترتب تلك المصلحة على تشريع الإحياء، مع عدم إمكان الاستيذان منه عليه السّلام في زماني الغيبة و عدم بسط اليد، فتبقى الأرض مخروبة غير محياة. و هذا خلاف ما أرادوه من إحياء الأرض و تعميرها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

ص: 418

..........

______________________________

و دعوى إمكان الاستيذان من نائبه العام غير مسموعة، لأنّ المسلّم من نيابة الفقيه هو كونه نائبا عنه عليه السّلام فيما يرجع إلى أمور المسلمين التي تكون وظيفة الإمام عليه السّلام بما هو رئيس أن يتصدّى لها. و أمّا ما يتعلق باموره الشخصية كأمواله مثل الموات من الأرض و سهم الامام عليه السّلام فليس من الأمور النظامية الراجعة إلى المجتمع حتى يجري فيها النيابة.

و بالجملة: فمجموع ما ذكر من القرائن كاف في الدلالة على الإذن، و إثبات أنّ إحياء الموات في الأراضي الميتة مأذون فيه.

و مع هذه الوجوه الظاهرة في اقتران الإحياء بالإذن المالكي لا يبقى مجال لدعوى سقوط اعتبار الإذن في الإحياء- مع كون السقوط على خلاف القاعدة- استنادا في ذلك تارة إلى امتناع اعتباره في زمان الغيبة، مع عدم نيابة الفقيه في مثل هذه الأمور.

وجه عدم المجال: أنّه مع ظهور الوجوه المزبورة في صدور الاذن منهم عليهم السّلام لا وجه لدعوى الامتناع و سقوط اعتبار الإذن.

و أخرى: إلى كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإباحة أو التملّك، نظير حقّ المارة و التملك بالالتقاط بعد التعريف في عدم اعتبار إذن المالك الشرعي، و كفاية إذن المالك الحقيقي، استنادا إلى ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة، فهي له، قضاء من اللّه و رسوله» «1».

و ذلك لأنّه قياس لا يصلح الاستناد إليه في سقوط اعتبار الإذن في المقام، و مخالفة قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و أمّا الرواية فبعد الغض عن ضعف سندها يصلح إطلاقها للتقييد، لأنّ ظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كفاية القضاء و عدم الحاجة إلى إذن الامام عليه السّلام إنّما يكون بالإطلاق الذي يقيّد بما دلّ على اعتبار إذن الامام عليه السّلام. نظير قوله: «من اشترى شيئا ملكه» في صحة تقييده بما إذا كان ذلك الشي ء معلوما أو بما إذا لم يكن خمرا و خنزيرا، و هكذا.

فالمتحصل: من جميع ما ذكرناه في الموضع الثالث: افتقار الإحياء إلى إذن الامام عليه السّلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1

ص: 419

..........

______________________________

في كلا زماني الحضور و الغيبة، و تحقق الإذن منه عليه السّلام في كلا الزمانين كما تقدم.

ثم إنّه وقع الكلام في أنّ الإذن في الإحياء هل يختصّ بالشيعة، أم يعمّ سائر المسلمين، أم يعمّ غير المسلمين؟ و ينبغي قبل التعرّض للروايات التي هي دليل اجتهادي على حكم المسألة بيان الأصل العملي على فرض عدم تمامية الدليل الاجتهادي، فنقول و به نستعين:

إنّ مرجع الشك في المقام إلى إطلاق الإذن لكلّ محي، سواء أ كان شيعيّا أم مخالفا أم كافرا، و عدمه. فإن لم يكن لدليل الإذن إطلاق يشمل الجميع فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن، و هو خصوص الشيعة الاثني عشرية كثّرهم اللّه تعالى في البريّة. و أمّا غير هم فيشك في شمول دليل الإذن لهم، و المرجع حينئذ استصحاب عدم الإذن، حيث إنّه من الحوادث المسبوقة بالعدم، و به يتم الموضوع المركّب من الاستيلاء الإحيائي المحرز بالوجدان، و عدم الاذن المحرز بالتعبد و هو الاستصحاب، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان، و بعضها بالأصل.

فالنتيجة: عدم جواز إحياء غير الشيعي، و كونه غاصبا و مرتكبا للحرام.

إذا تقرّر هذا، فاعلم: أنّ روايات الباب على طائفتين:

إحداهما: ما تدل على اختصاص الإذن بالشيعة.

و ثانيتهما: ما تدلّ على عموم الاذن لغير الشيعة من الكافرين فضلا عن المخالفين.

أمّا الطائفة الأولى، فهي بين ما يختلّ فيه كلتا أصالتي الصدور و الظهور، أمّا الأوّل فلعدم المقتضى، و ذلك لضعف السند. و أمّا الثاني فلوجود المانع، و هو الإعراض المانع عن حجيته كما سيجي ء.

أما اختلال أصالة الصدور فكما في رواية عمر بن يزيد، فإنّ عمر بن يزيد مشترك بين الثقة و هو عمر بن يزيد بياع السابري، و بين من لم يرد فيه توثيق و هو عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، فإنّ في تلك الرواية «كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في

ص: 420

..........

______________________________

أيديهم. و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم» «1».

و أمّا اختلال أصالة الظهور- بمعنى الإعراض عنه و عدم العمل به مع وجوده- فوجهه: أنّ الرواية تشتمل على الطّسق الذي هو خلاف الفتوى المعروفة بينهم، بل ادعي عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة.

و الحاصل: أنّ هذه الرواية و إن كان لها ظهور عرفي في اختصاص الإذن بالشيعة، إلّا أنّ هذا الظهور ليس حجة، لما مرّ من اشتمالها على الطسق الذي يكون مخالفا للفتوى بعدمه.

و كرواية يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس المتضمنة لأنّ «ما سقت أو استقت منها- أى من ثمانية أنهار فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء «2».

و كالمنقولة عن تفسير فرات بن إبراهيم «3». أمّا يونس بن ظبيان فضعيف، و أبان بن مصعب البجلي لم يوثق.

و بين ضعيف السند الموجب لعدم جريان أصالة الصدور و عدم الدلالة، الموجب لعدم جريان أصالة الظهور فيه، كرواية الحرث بن المغيرة، قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل، فجثى على ركبتيه، ثم قال:

جعلت فداك، إنّي أريد أن أسألك عن مسألة، و اللّه ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار. فكأنّه رقّ له، فاستوى جالسا، فقال له: يا نجيّة سلني، فلا تسألني اليوم عن شي ء إلّا أخبرتك. قال:

جعلت فداك! ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجيّة! إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو الأموال. و هما و اللّه أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب اللّه، و أوّل من حمل الناس على رقابنا، و دماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، و إنّ الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت .. إلى أن قال: اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا. قال: ثم اقبل علينا بوجهه، فقال: يا نجيّة ما على فطرة إبراهيم غيرناه غير شيعتنا» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

(2) المصدر، ص 384، ح 17

(3) المستدرك، ج 7، ص 302، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 1

(4) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 145، الباب 39 (الزيادات) ح 27 و رواه في الوسائل بإسقاط بعض الجمل في ج 6، ص 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 14

ص: 421

..........

______________________________

أمّا ضعف سنده فبجعفر بن محمد بن حكيم، لما روي في رجال الكشي من «أنه ليس بشي ء» «1». فتأمّل.

و أمّا عدم ظهور الدلالة، فلأنّ قوله عليه السّلام: «إنّ الناس ليتقلبون في حرام» لم يظهر أنّه لأجل غصب الخمس فقط، أو لأجله مع صفو المال، أو لأجلهما مع الأنفال. لكنّه على جميع التقادير ظاهر في حصر الحلّ للشيعة، لظهور قوله عليه السّلام: «اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» خصوصا مع قوله عليه السّلام: «ما على فطرة إبراهيم غيرنا .. إلخ» بعد قوله عليه السّلام: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام» في اختصاص التحليل بالشيعة، و هو لا يقبل الإنكار. و مقتضى الحصر حرمة التصرف على غير الشيعة. إلّا أن يكون هناك نص أو أظهر- في دلالة الحلّ لغيرهم- من هذا الحصر الظاهر في الاختصاص بهم، فيقدم عليه.

هذا بناء على اعتبار هذه الرواية سندا، لكن قد عرفت ضعفه، فلا تصل النوبة إلى اعتبارها، و تقديم غيرها عليها بالنصوصية أو الأظهرية.

و كرواية الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيها: «انّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء، فقال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ .. الى أن قال: فنحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» «2».

و ضعف سنده إنّما هو بالحسن بن عبد الرحمن، حيث إنّه لم يرد فيه توثيق. و أمّا ضعف دلالته فلأنّ مورده الخمس بقرينة الاستشهاد بآية الخمس، و لا ربط له بما نحن فيه من الأرض الموات بالأصل. فهذه الرواية ضعيفة أيضا سندا و دلالة.

و كصحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام: أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا» «3».

لكن الموضوع في هذا التحليل ظاهرا هو الفدك، و لم يكن ذلك مواتا، بل كان

______________________________

(1) راجع ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 4، ص 109

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 19

(3) المصدر، ص 381، ح 10

ص: 422

..........

______________________________

معمورا، فهذه الصحيحة أجنبية عن موضوع بحثنا.

و تحديد الفدك بما يشمل جملة من الموات كما في رواية علي بن أسباط «1» غير مجد، لضعف سندها بالسياري، أو لإرسالها، فلا وجه للاستدلال بها على اختصاص الإذن في إحياء الموات بالأصل بالشيعة.

و كرواية عمر بن يزيد، قال: «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمّرها و كرى أنهارها، و بنى فيها بيوتا، و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤدّيه الى الامام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» «2».

فإنّ قوله: «من المؤمنين» يدلّ على اعتبار الإيمان أي الاعتقاد بإمامة الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، فإحياء غير المؤمنين لا أثر له، هذا.

لكن دلالته على الحصر كما هو المدّعى في حيّز المنع، فتأمل.

مضافا إلى ما فيه من ضعف سنده، لاشتراك عمر بين الثقة و المجهول كما تقدّم في (ص 420).

و من: احتمال كون المراد من قوله: «أحيى أرضا» خصوص الأرض التي ورد السؤال عنها، و هي الأرض التي خربت بعد العمارة، لا الأرض الموات بالأصالة التي هو مورد البحث.

و من: اشتمالها على أداء الطّسق، و هو خلاف الفتوى.

و من: أنّ جملة «إذا ظهر القائم .. إلخ» مخالف لما دلّت عليه الروايات من أن الأرض متروكة في أيدي الشيعة حال الظهور.

فصار المتحصل: أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن في إحياء الأرض الموات بالشيعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 366، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 5

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 13

ص: 423

..........

______________________________

و كذا لا تدلّ رواية الكابلي على اختصاص الإذن بالمسلمين، و هي ما رواه الكابلي عن أبي جعفر عليه السّلام «1» المتقدمة في المتن (ص 411) فإنّ الكابلي الذي اسمه «وردان» و كنيته «أبو خالد» لا يظهر من ترجمته وثاقته، فراجع.

و مع الغض عنه لا يدلّ على الاختصاص بالمسلمين، لعدم المفهوم له حتى لا يجوز لغير المسلم إحياء الموات. و لو احتمل كون موردها الأرض الخراجية لخرجت عن موضوع البحث، و هو إحياء الموات بالأصالة، هذا.

و أمّا النبويان المذكوران في المتن- المرويّان من غير طريقنا- الدالّان على «أنّها منّي للمسلمين» فلا عبرة بهما، لمنافاتهما لما دلّت عليه الروايات الكثيرة المعتمدة من: أنّ الأنفال بعد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و الحاصل: أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن بالشيعة، هذا.

و أمّا الطائفة الثانية الدالة على الاذن لمطلق الناس و لو كان كافرا، فهي روايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى؟

قال: ليس به بأس، و قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أهل خيبر، فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها و يعمّرونها، فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شيئا.

و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «2». فإنّ جواز الشراء من اليهود و النصارى يدلّ على ملكهم للأرض و لو بالإحياء و التعمير، و هذا يكشف عن الإذن في الإحياء لمطلق الناس و إن كان كافرا.

و مع الغض عن ذلك، و دعوى إهمال الصدر من جهة سبب تملكهم للأرض، ففي الكبرى المذكورة ذيلا المتضمنة لكون إحياء كل قوم و إن كانوا كفّارا موجبا للأحقية غنى و كفاية. فإحياء الكافر كإحياء المسلم مقرون بإذن مالك الأرض، لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه شرعا و قبحه عقلا. فلا يختصّ الإذن بالمسلم أو خصوص الشيعي.

فليس إحياء الموات كحيازة المباحات، فإنّ قولهم عليهم السّلام: «من حاز ملك» ظاهر في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب الجهاد العدو، ح 2

ص: 424

..........

______________________________

السببية التامة لملكية المباحات، من دون إناطة سببيتها بشي ء، بخلاف إحياء الموات، فإنّه مشروط بالإذن، لكون الموات ملكا للإمام عليه السّلام. بخلاف المباحات، فإنّها ليست ملكا له عليه السّلام، فلا تحتاج سببية الحيازة إلى الإذن.

و منها: رواية الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

من أحيى أرضا مواتا فهي له» «1».

و منها: ما بمضمون هذا الخبر، فإنّ تشريع الإحياء من مالك الأرض إذن مالكيّ في الإحياء كما تقدّم تقريبه، و تنظيره بإذن المالك بالدخول في داره.

و بالجملة: لا قصور في دلالة هذه الطائفة على الإذن في الإحياء لمطلق الناس و إن كان كافرا، و اللّه العالم.

الموضع الرابع: ما تعرض له المصنف بقوله: «و ستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالإحياء» و هذا الحكم و إن كان اتفاقيا كما في المتن، إلّا أنّ الروايات مختلفة، فإنّ جملة منها ظاهرة في ملكية الأرض المحياة للمحيي، كقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية الفضلاء المتقدمة آنفا، و غيرها «2».

و كرواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة فهي له، قضاء من اللّه و رسوله» «3».

و كصحيحة محمّد بن مسلم «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «4».

و كصحيحته الأخرى «5» المتقدمة في صدر الطائفة الثانية المشتملة على الاشتراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 6

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 4

(5) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 2

ص: 425

..........

______________________________

من أرض اليهود و النصارى. فإنّ ظاهرها اشتراء نفس الأرض، فلا بدّ أن تكون الأرض ملكا لهم.

و ظهور هذه الروايات في ملكية الأرض المحياة لمحييها مما لا يقبل الإنكار.

و جملة أخرى منها ظاهرة في إباحة المحياة للمحيي، كروايتي الكابلي و عمر بن يزيد المتقدمتين- في روايات الطائفة الأولى- الدالتين بظهور قوي على عدم الملكية، و أنّ الإحياء لا يفيد إلّا إباحة التصرف. لكنهما لضعف السند و عدم العمل لا يصلحان للمعارضة.

و كذا خبر مسمع بن عبد الملك المذكور في المتن (ص 414) المشتمل على قوله عليه السّلام: «كلّما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم» الخبر. و ذلك لإعراض المشهور عن هذه الرواية و نظائرها، فلا يشملها دليل الحجية حتى يقع التعارض بينهما، أو يمكن الجمع بينهما.

و على هذا فلا وجه للجمع- بين ما دلّ على كون التصرف بلا عوض، و ما دلّ على كونه مع العوض- بما في المتن تارة من حمل الثاني على الاستحقاق الطبيعي الاقتضائي غير المنافي للسقوط الفعلي بإسقاط مستحقه، إذ منع الاستحقاق الفعلي لا يجدي في الحكم بنفي الملك، بل يجدي في نفي فعلية وجوب دفع الخراج.

مضافا إلى: أنّه ليس جمعا عرفيا، و لا ممّا له شاهد.

و اخرى: من حمله على حال الحضور. أما في حال الغيبة فيكون التصرف بلا عوض، ففي عصر الحضور يجب دفع الطسق دون زمان الغيبة.

إذ فيه: أنّ هذا الحمل ينافي ما في روايتي الكابلي و عمر بن يزيد من وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام كما في رواية الكابلي، و من «أن عليه طسقها يؤتى به الى الامام عليه السّلام في حال الهدنة» كما في رواية عمر بن يزيد. و ليس وجوب دفع الطسق مشروطا بمطالبة الإمام عليه السّلام كما قيل، بل هو تكليف فعلي غير مشروط بشي ء.

و الحاصل: أنّ نصوص الإباحة و إن كان ظهورها في الإباحة قويّا جدّا، إلّا أنّ

ص: 426

[الثاني ما كانت عامرة بالأصالة]

الثاني (1) ما كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمّر.

و الظاهر أنّها (2) أيضا للإمام عليه السّلام و كونها (3) من الأنفال، و هو (4) ظاهر

______________________________

(1) 2- ما كانت عامرة بالأصالة أي: القسم الثاني من الأقسام الأربعة- التي أشار إليها في (ص 407) بقوله:

«فالأقسام أربعة لا خامس لها»- هو الأرض العامرة بالأصل أي: لا من معمّر، كشواطئ الأنهار و بعض الجبال الملتفّ بالأشجار. و قد تعرض في هذا القسم لجهتين:

إحداهما: كون هذه الأراضي العامرة ملكا للإمام عليه السّلام.

و ثانيتهما: أنّ حيازتها مملّكة للحائز أم لا؟

(2) أي: أنّ الأرض العامرة بالأصل تكون للإمام عليه السّلام كالقسم الأوّل، و هو الموات بالأصل، و أنّها من الأنفال، لانطباق عنوان «الأرض التي لا ربّ لها» عليها.

(3) معطوف على «أنّها» يعني: و الظاهر كونها- أي الأرض العامرة بالأصالة- من الأنفال.

(4) أي: و كون الأرض العامرة بالأصالة للإمام عليه السّلام و من الأنفال هو ظاهر إطلاق قولهم: «و كلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام عليه السّلام».

و وجه الإطلاق أنّ الفقهاء لم يقيّدوا مالكية الإمام- للأرض التي لم يجر عليها يد مسلم- بما إذا كانت مواتا. و مقتضى الإطلاق كون هذه الأرض من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام، سواء أ كانت مواتا أم عامرة.

______________________________

إعراض المشهور عنها أسقطها عن الحجية. فلا موجب للجمع بينها، و لا لإجراء أحكام التعارض فيها.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في الموضع الرابع من مباحث الموات بالأصالة: أنّ المحيي و لو كان كافرا يملك الأرض المحياة مجانا. هذا تمام الكلإ في القسم الأوّل و هو الموات بالأصالة.

ص: 427

إطلاق قولهم: «و كلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام عليه السّلام» (1).

و عن التذكرة (2) الإجماع عليه، و في غيرها «نفي الخلاف عنه (3)». لموثّقة (4) أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكيّة عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام، حيث عدّ من الأنفال: «كلّ أرض لا ربّ لها» «1».

و نحوها (5) المحكي عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام «2».

______________________________

(1) قال المحقق قدّس سرّه: «و كذا- أي و للإمام عليه السّلام- كل أرض لم يجر عليها يد مسلم» و نحوه كلام العلامة «3». و قال صاحب الجواهر في شرح العبارة: «بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنه طفحت به عباراتهم» و مراده بالقائل هو السيد العاملي المدّعي لعدم الخلاف من أحد، فراجع «4».

(2) حيث قال في عدّ الأنفال: «و كل أرض مملوكة من غير قتال، و انجلى أهلها عنها .. و هذه كلّها للإمام يتصرف فيها كيف شاء، عند علمائنا أجمع» «5».

(3) أي: عن كون هذه الأرض للإمام عليه السّلام كما في الرياض، لقوله في عدّ الأنفال:

«أو مطلق الأرض- أي لا خصوص الموات- التي لم يكن لها أهل معروف .. بلا خلاف في شي ء من ذلك أجده» «6».

(4) تعليل لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام، لإطلاق «الأرض» و عدم اختصاصها بالموات.

(5) أي و نحو موثقة أبان ما حكي عن تفسير العيّاشي في كون الأراضي العامرة بالأصل و الّتي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام، و أنّها من الأنفال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20، تفسير القمي، ج 1، ص 254

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 28

(3) شرائع الإسلام، ج 3، ص 272، قواعد الأحكام، ج 2، ص 272

(4) جواهر الكلام، ج 38، ص 19، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 9

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 402

(6) رياض المسائل، ج 5، ص 254 (ج 1، ص 297، الطبعة الحجرية).

ص: 428

و لا يخصّص (1) عموم ذلك بخصوص (2) بعض الأخبار،

______________________________

و بالجملة: فالمستفاد من عموم هذه الأخبار هو كون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام و من الأنفال، كالموات بالأصل.

(1) إشارة إلى توهّم، و هو: أنّ التمسك بعموم ما دلّ على «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام» لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام غير وجيه، لأنّ العموم المذكور مخصّص بما دلّ على كون الأرض الميتة التي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام.

و مقتضى تخصيص الأرض بالميتة عدم كون الأرض المحياة للإمام عليه السّلام، و عدم كونها من الأنفال.

و الظاهر أنّ المدّعي لهذا التخصيص جمع، منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه فقد تعرّض له في كتاب الخمس، و أشار إليه في إحياء الموات أيضا، قال- بعد نقل عموم الأنفال للموات بالأصل و بالعرض- ما لفظه: «لكن الإنصاف أنّه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال، من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في اختصاص الأنفال بالموات .. أمّا غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه، و منه ما نحن فيه- و هو سيف البحار- فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال، بل ظاهره العدم» «1».

و قد نقل المصنف قدّس سرّه في كتاب الخمس تقييد الأصحاب إطلاق «كلّ أرض لا ربّ لها» بما ورد من «كل أرض ميتة أو خربة باد أهلها» أو «كل أرض ميتة لا ربّ لها» و لم يعترض عليهم، فراجع «2».

(2) متعلق ب «يخصّص» يعني: أنّ إطلاق رواية تفسير القمي- من «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها للإمام عليه السّلام»- يقيّد بما ورد في مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السّلام في عدّ الأنفال: «و كل أرض ميتة لا ربّ لها». و عليه فالأرض العامرة بالأصل ليست من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 16، ص 120، و لاحظ ص 118 أيضا، و ج 38، ص 11

(2) كتاب الخمس، ص 353 و 354

ص: 429

حيث جعل فيها (1) من الأنفال «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» بناء (2) على ثبوت المفهوم للوصف (3) المسوق للاحتراز. لأنّ (4) الظاهر ورود الوصف مورد الغالب [1]، لأنّ الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا.

______________________________

(1) أي: في بعض الأخبار.

(2) هذا مبنى التخصيص المتوهّم، و حاصله: أنّ «الميتة»- التي هي صفة الأرض و قيد احترازي لها- يكون مفهومها: أنّ الأرض غير الميتة- و هي المحياة- ليست للإمام عليه السّلام.

(3) و هو لفظ «الميتة» المسوق للاحتراز، لا للتوضيح الذي لا مفهوم له.

(4) هذا تعليل لقوله: «و لا يخصص» و دفع للتوهم المزبور، و محصله: أنّه يعتبر في مخصّصية الوصف أن لا يكون واردا مورد الغالب، نظير «حجوركم» في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فإذا ورد الوصف مورد الغالب فلا مفهوم له.

و لفظ «الميتة» في المقام كلفظ «حجوركم» ورد مورد الغالب، لأنّ الغالب في الأراضي غير المملوكة هو الموات، فلا يصلح لتخصيص العمومات المقتضية لكون

______________________________

[1] كون غلبة القيد مانعة من احترازيته الموجبة للتقييد ممّا لم ينهض عليه دليل من عقل أو نقل، و لا بناء من أبناء المحاورة على ذلك، و إلّا كان اللازم البناء على عدم قيدية الدخول في قوله تعالى مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ مع كون الدخول بالنساء من الوصف الغالبي. و أمّا قيد «حجوركم» فوجه عدم احترازيته دلالة النصّ على عدم قيديته.

و لو لا ذلك لقلنا باحترازيته. و ليس عدم قيديته لأجل وروده مورد الغالب.

فعلى هذا مقتضى القاعدة تخصيص عموم ما دلّ على «أنّ كلّ أرض لا ربّ لها للإمام عليه السّلام» بكونها ميتة.

فالنتيجة: أنّ الأرض العامرة بالأصالة ليست من الأنفال، و ليست ملكا له عليه السّلام، هذا.

ص: 430

و هل تملك هذه (1) بالحيازة (2)؟ وجهان، من (3) كونه مال الإمام عليه السّلام، و من (4) عدم منافاته للتملّك بالحيازة، كما يملك الأموات بالإحياء مع كونها مال الإمام، فدخل (5) في عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به [1]» «1».

______________________________

الأرض العامرة ملكا للإمام عليه السّلام.

فالنتيجة: أنّ كلّا من الأرض العامرة و الموات بالأصل ملك الامام عليه السّلام.

(1) يعني: و هل تملك الأرض العامرة بالأصل- التي هي ملك الامام عليه السّلام- بالحيازة التي هي من أسباب الملك أم لا؟ فيه وجهان.

(2) التعبير بالحيازة- دون الإحياء- لأجل عدم مورد للإحياء مع عمران الأرض، فالمقصود مملّكية وضع اليد على الأرض العامرة.

(3) هذا وجه عدم كون الحيازة مملّكة للأرض العامرة، و حاصله: عدم الدليل على مملّكية الحيازة لملك الغير المفروض عمرانه.

(4) هذا وجه مملكية الحيازة للأرض العامرة بالأصل، و حاصله أوّلا: أنّه لا منافاة ثبوتا بين مملّكية الحيازة و بين كون المحوز ملك الغير، كما في تملك الأرض الموات بالإحياء مع كونها ملك الامام عليه السّلام.

و ثانيا: أنّه في مقام الإثبات قام عليه الدليل، و هو عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به» بناء على أنّ المراد بالحق هو الملك، لا مجرد الأولوية و حرمة مزاحمة الغير له.

(5) هذا مقام الإثبات الذي مرّ آنفا بقولنا: «و ثانيا: أنه في مقام الإثبات .. إلخ».

______________________________

[1] الظاهر أنّ القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة- و هو العامرة بالأصالة أي لا من معمّر، بل خلقت عامرة كالشواطي- لم يرد بهذا العنوان في النصوص، كالموات

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 3، ص 480، ح 4، و عنه في مستدرك الوسائل، ج 7، ص 112، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، ح 4، سنن البيهقي، ج 6، ص 142

ص: 431

..........

______________________________

بالأصل، بل تندرج في عناوين أخر، كالأرض التي لا ربّ لها، أو: الأرض التي لم يجر عليها ملك مسلم، و نحو ذلك.

و كيف كان يقع البحث فيه من جهات.

الاولى: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال، لا من المباحات الأصلية، فهي كالموات بالأصل في كونها من أموال الإمام عليه السّلام، و عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه عليه السّلام.

و استدلّ عليه- بعد حكاية الإجماع عن التذكرة و عدم الخلاف عن غيرها- بروايات:

منها: قول مولانا الصادق عليه السّلام في حديث إسحاق بن عمار في تعداد الأنفال: «و كل أرض لا ربّ لها» «1».

و قول مولانا أبي جعفر عليه السّلام في حديث أبي بصير: «و كلّ أرض لا ربّ لها» «2».

و منها النبوي: «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» «3».

و ربّما يورد على الاستدلال بمثل عموم «كلّ ارض لا ربّ لها» بأنّه مخصّص بما في مرسلة حمّاد من قوله عليه السّلام: «و كل أرض ميتة لا ربّ لها» «4»، فالأرض العامرة مع هذا التخصيص ليست من الأنفال، بل من المباحات.

و قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن هذا الإيراد بأنّه يعتبر في الوصف الذي له مفهوم أن لا يكون ذلك واردا مورد الغالب كالحجور في «ربائبكم اللّاتي في حجوركم» فلا ينثلم العموم بالميتة، و لا يخصّص بها. فكلّ أرض لا ربّ لها- سواء أ كانت عامرة أم ميتة- تكون من الأنفال التي هي مال الامام عليه السّلام، هذا.

لكن أورد على هذا الجواب- كما تقدّم في (ص 430)- بأنّ غلبة الوصف لا تمنع المفهوم، و عدم المفهوم للحجور إنّما هو للنص الدالّ على حرمة الربيبة مطلقا، سواء أ كانت في الحجر أم لم تكن، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 28

(3) تقدم مصدره آنفا، في ص 431

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4

ص: 432

..........

______________________________

ثمّ إنّ المحقق النائيني قدّس سرّه منع المفهوم بنحو آخر، و هو: أنّ شرط التقييد في المثبتين وحدة التكليف المتعلّق بصرف الوجود كمثال الظهار المعروف، فإنّ التكليف فيه تعلّق بصرف الوجود من العتق. فمقتضى إطلاق الأمر بعتق الرقبة هو إجزاء عتق رقبة و إن كانت كافرة، و مقتضى الأمر بعتق المؤمنة عدم إجزاء عتق الكافرة. و الإجزاء و عدمه متناقضان، فلا محيص من تقييد إطلاق الرقبة بالمؤمنة.

و أمّا في المقام فلم يتعلق التكليف بصرف الوجود، بل تعلّق بالطبيعة السارية، فلا موجب للتقييد، فيحكم بأنّ الأرض مطلقا سواء أ كانت عامرة أم ميتة من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام «1».

أقول: يشكل ما أفاده الميرزا قدّس سرّه بأنّ المقام ليس من المثبتين حتى يعتبر في تقييد الإطلاق فيهما إحراز وحدة التكليف، بل هو من تعارض المثبت و النافي. أمّا النافي فهو مفهوم قوله عليه السّلام في مرسلة حماد: «كل أرض ميتة لا ربّ لها» فإنّ مفهومه «أنّ الأرض غير الميتة ليست من الأنفال».

و أمّا المثبت فهو سائر النصوص المثبتة منطوقا لكون الأرض العامرة من الأنفال.

فلا بدّ من تقييد النافي للمثبت.

فالنتيجة: أنّ الأرض الميتة من الأنفال، دون العامرة، فإنّها من المباحات.

و الظاهر أنّه لا يمكن الفرار من هذا التقييد إلّا بالالتزام بأنّ جملة «كل أرض ميتة» من مرسلة حمّاد معرض عنها عند المشهور، لما مرّ في صدر البحث من إجماع التذكرة و نفي الخلاف عن غيرها على كون الأرض العامرة بالأصل من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

فالنتيجة: أنّه لم تقيّد الأرض التي هي من الأنفال بكونها ميتة، بل هي مطلقا مال الامام عليه السّلام، سواء أ كانت عامرة أم ميتة.

فتلخص مما ذكر في هذه الجهة الأولى: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال.

الجهة الثانية: في أنّ هذه الأرض العامرة بالأصل هل تملك بالحيازة أم لا؟ ظاهر

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 367 و 368

ص: 433

..........

______________________________

جملة من النصوص التي منها النبوي «من سبق الى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ذلك.

و الاشكال عليه تارة بما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «من كون الإطلاق مسوقا لبيان أحقية السابق، لا لبيان جواز السبق إلى ما لم يسبق إليه أحد، الذي هو المطلوب» «1».

و اخرى: بأنّ الأحقيّة لا تقتضي الملكية، بل ظاهرة في الأولوية.

و ثالثة: بأنّ هذا النبوي يقتضي جواز السبق إلى ملك كل أحد و لو غير الامام عليه السّلام، و إن كان المسبوق غير الأرض أيضا، و لازم ذلك جواز السبق إلى سائر أمواله عليه السّلام، و أموال سائر الخلق، لأنّه ليس كدليل الإحياء إذنا مالكيا مختصّا بالأراضي، بل يعمّ جميع الأموال من الأراضي و المنقولات. و هو كما ترى «2».

مندفع، إذ في الإشكال الأوّل: أنّ أحقية السابق من غيره تستلزم عدم جواز مزاحمة له، و إلّا لم يكن معنى للأحقية، فيكون مساوقا لقوله: «من أحيى أرضا ميتة فهو أحق بها، و هي له» فيستفاد من النبوي المزبور الترخيص الشرعي في الإحياء، و أنّه سبب للأحقيّة أو الملكيّة.

و في الاشكال الثاني: أنّ الارتكاز العرفي الناشئ من استقرار السيرة العقلائية الثابتة من صدر الإسلام- بل قبله- على إحياء الأراضي التي لا ربّ لها، و ترتيب آثار الملك عليها كما هو بناء الدول أيضا، و الشارع لم يردعهم عن ذلك، بل أمضى طريقتهم.

و بالجملة: فالإرتكاز المزبور يمنع احتمال غير الملك من الأحقيّة كالإباحة، بل المراد بها الأحقيّة في الملكية.

و في الاشكال الثالث: أنّه لا منشأ لاحتمال إرادة معنى عامّ يشمل غير الأراضي من سائر أموال الإمام عليه السّلام فضلا عن أموال غيره عليه السّلام، و ذلك للارتكاز المزبور، و لكون مورد الإحياء ملك الإمام بالإمامة، لا ملكه الشخصي الذي يرثه الوارث، و لا مال غيره. و السبق إلى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 105

(2) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 242

ص: 434

..........

______________________________

مال الامام عليه السّلام لا ينطبق إلّا على الموات من الأرض و المحياة ذاتا، و على ما فيها من الأشجار و النبات.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالة النبوي على تملك الأرض العامرة بالحيازة.

لكن ضعف السند يمنعه عن الاعتبار.

و من تلك النصوص: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال فيها: «و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عنه عليه السّلام: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «2». و قريب منهما غيرهما «3».

و منها: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا، أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله» «4» فإنّ التعمير و العمل في الأرض- بحفر بئر أو قناة أو غرس شجر و نحوها- يوجبان الملك، و يصدق الإحياء عليها و إن كانت في الأرض العامرة بالأصل، إذ للإحياء مراتب، فلا يختص الإحياء بالموات.

نعم يختص ملكية الموات بالإحياء، و لا يحصل ملكيته بمجرد الحيازة، لعدم صدق الإحياء عليها، و المفروض أنّ قولهم: «من أحيى أرضا فهي له» لا يصدق على مجرد الحيازة و الاستيلاء، فلا يترتب على الحيازة إلّا الأولوية.

الجهة الثالثة: الظاهر عدم اختصاص جواز الحيازة بالشيعة، و كونه عاما لجميع الناس و لو كان كافرا، لعموم «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم» و غيره، الشامل للكافر أيضا، فالأرض العامرة بالأصل يجوز لكل أحد حيازتها و التصرف الإحيائي فيها بحفر قناة و غرس شجر و غيرهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326. الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(2) المصدر، ح 3

(3) المصدر، ح 4

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، ح 1

ص: 435

[الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت]

الثالث (1) ما عرض له الحياة بعد الموت.

و هو (2) ملك للمحيي، فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الإحياء (3) «بإجماع الأمّة» (4)

______________________________

(1) 3- ما عرض له الحياة بعد الموت أي: القسم الثالث من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه بقوله في (ص 407) «فالأقسام أربعة لا خامس لها». و المراد بهذا القسم الثالث هو الأرض التي عرض لها الحياة بعد الموت بالأصالة. و بعبارة أخرى: العامرة بالعرض لا بالأصالة.

و حكمه أنّه ملك للمحيي بالشروط المذكورة في باب الإحياء.

و أمّا إحياء الأرض التي طرء عليها الموات- أي ما كانت عامرة ثم ماتت- فسيأتي حكمها. كما أن صريح قوله: «ملك للمحيي» كون الإحياء بسبب الإنسان، لا بسبب سماوي، لكونه به ملك الامام عليه السّلام.

(2) أي: ما عرض له الحياة بعد الموت ملك للمحيي.

(3) و هي خمسة: أحدها: أن لا يجري على الأرض المذكورة يد مسلم.

ثانيها: أن لا تكون حريما لأرض عامرة من بستان، أو دار أو قرية، أو مزرعة أو غيرها مما يتوقّف الانتفاع بالعامرة على الحريم.

ثالثها: أن لا تكون ممّا سمّاها الشرع مشعرا للعبادة كعرفات و منى و مشعر.

رابعها: أن لا تكون ممّا أقطعه الإمام عليه السّلام.

خامسها: أن لا يسبقه إليها سابق بالتحجير، حيث إنّه يفيد الأولوية.

(4) يعني: أنّ الأرض العامرة بعد الموت ملك للمحيي «بإجماع الأمة إذا خلت من المانع» كما في المهذب و «بإجماع المسلمين» كما في التنقيح.

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرناه في القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال لا من المباحات، و أنّها تملك بالحيازة، و أنّ مملكية الحيازة لا تختص بالشيعة، بل تعمّ كل حائز و إن كان كافرا. و لفظ «المسلم» في النبوي المتقدم من قبيل «المسلم» الوارد في الرواية الدالة على عدم جواز تصرف أحد في مال مسلم إلّا بطيب نفسه في عدم دوران الحكم مدار إسلام المالك. و اللّه العالم.

ص: 436

كما عن المهذّب، و «بإجماع المسلمين» كما عن التنقيح. و «عليه (1) عامّة فقهاء الأمصار» كما عن التذكرة «1».

لكن ببالي من المبسوط (2) كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف، لا نفس الرقبة، فلا بدّ من الملاحظة (3) [1].

______________________________

(1) أي: و على كون المحياة بعد الموت للمحيي عامة فقهاء الأمصار كما في التذكرة.

(2) لمّا كان معاقد الإجماع تملّك المحيي بالإحياء، أراد التنبيه على وجود المخالف، و هو شيخ الطائفة، و يستفاد الأحقية و أولوية التصرف- دون ملك الرقبة- من غير موضع من المبسوط، كقوله في كتاب الجهاد: «فأمّا الموات فإنّها لا تغنم، و هي للإمام خاصة، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها، و يكون للإمام طسقها» «2».

و قال في إحياء الموات: «إذا تحجّر أرضا و باعها لم يصحّ بيعها .. لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء، و إنّما يملك التصرف بشرط أن يؤدّي إلى الامام ما يلزمه عليها» «3».

و الشاهد في تعليله بعدم مملّكية الإحياء، و إن كان التحجير مغايرا للإحياء، كما صرّح به قبله بأسطر، فراجع المبسوط.

(3) تقدّم أن عبارتي المبسوط غير مشعرتين بملك التصرف، بل هما ظاهرتان- لو لا صراحتهما- في نفي ملك رقبة الأرض. لكنه لمخالفته للإجماع يشكل القول به.

______________________________

[1] تفصيل الكلام في القسم الثالث من الأقسام الأربعة- و هي الأرض التي عرض لها الحياة بعد موتها الأصلي- هو: أنّه تقدّم الكلام في القسم الأوّل أي الموات بالأصالة، و قلنا: إنّها لمحييها سواء أ كان مسلما أم كافرا، و أنّ ملك المحيي لا يزول إلّا بناقل شرعيّ، أو بتملك شخص لها بعد إعراض محييها عنها، لأنّ ذلك مقتضى القواعد.

فالكلام في الفروع المترتبة على المحيي لهذه الأرض الميتة بالأصل من حيث الكفر و الإسلام.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 7، ص 3، لاحظ المهذب البارع، ج 4، ص 285، التنقيح الرائع، ج 4، ص 98، تذكره الفقهاء، ج 2، ص 400

(2) المبسوط، ج 2، ص 29

(3) المبسوط، ج 3، ص 273، و نقله صاحب الجواهر في ج 38، ص 75

ص: 437

..........

______________________________

فإن كان المحيي مسلما، فلا يزول ملكه إلّا بناقل شرعي، أو بطروء الخراب بناء على القول به، سواء أ كانت الأرض في بلاد الإسلام أم الكفر.

و إن كان كافرا و كانت الأرض في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار إسلام المحيي- كما تقدّم- فكذلك، أي لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب.

و أمّا بناء على اعتبار الإسلام في المحيي، فالأرض باقية على ملك الامام عليه السّلام و لم تنتقل إلى المحيي. هذا إذا كانت الأرض في دار الإسلام.

و إن كانت في دار الكفر، فملك الكافر يزول عنها بما يزول به ملك المسلم من الناقل الشرعي، أو طروء الخراب، أو الاغتنام، لكونها من الغنائم التي يملكها المسلمون بالقتال كسائر الأموال التي يتملكونها بالاغتنام.

ثمّ إنّ ما ملكه الكافر من الأرض بالإحياء، إمّا أن يسلم عليها طوعا فتبقى الأرض المحياة على ملكه كسائر أملاكه، و ذلك كالمدينة و البحرين و بعض أطراف اليمن على ما قيل، فيجوز له أيّ تصرف شاء من بيع و نحوه. و ليس عليه إلّا الزكاة مع الشرائط، فإنّ الإسلام يحقن الدم و المال.

و يدل على ذلك- بعد عدم وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر «1»- ما في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: العشر و نصف العشر مما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي يقبله ممّن يعمره، و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقل من خمسة أوسق شي ء» «2».

و الحاصل: أنّ كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا و رغبة فهي لهم يتصرفون فيها بما شاؤوا من بيع و غيره.

و إمّا أن يصالحوا على أن تكون الأرض للكافرين، و باقية على ملكهم، بأن لا يكون للمسلمين حقّ لا في العين و لا في المنفعة، فإنّ الأرض في هذه الصورة لمالكيها الكفّار.

نعم لو صولحوا على أن تكون الأرض للمسلمين، و للكافرين السكنى، و على أعناقهم الجزية، كانت هذه الأرض محكومة بحكم الأرض المفتوحة عنوة، بأن يكون

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 175

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، ح 2

ص: 438

..........

______________________________

عامرها للمسلمين، و مواتها للإمام عليه السّلام. قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل و لا إشكال» «1».

هذا كلّه إذا كانت الأرض تحت يد الكافر.

و إن ارتفعت يده عنها، فإن كان بانجلائه عنها أو بموته و عدم الوارث له انتقلت الأرض إلى الامام عليه السّلام، لصيرورتها حينئذ من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و إن كان ارتفاع يده عن الأرض بالقتال و غلبة المسلمين عليها، فهي و ما فيها كالأشجار و الأبنية للمسلمين كافّة، إجماعا و نصّا. و هذه الأراضي هي الأراضي المفتوحة عنوة. و ينبغي البحث فيه في مقامات.

الأوّل: في كيفية هذا الملك. و لمّا كان الأصل في ذلك النصوص الواردة في هذا الباب، فالمعوّل على ما يستفاد منها، كصحيحة الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» الحديث «2».

و منها: ما يشتمل على «إنّما أرض الخراج للمسلمين» «3»، و أنها «أرض المسلمين» «4».

و يحتمل في النصوص وجوه:

أحدها: أنّ الأرض ملك فعلا لجميع المسلمين من الموجودين و ممّن سيوجد و ممّن يصير مسلما من الكفار. و لا إشكال في بطلان هذا الاحتمال، لعدم ملكية الأرض للكفار حال كفرهم، و عدم ملكيتها فعلا للمعدومين حال عدمهم. و لازمه وجود العرض و- هي إضافة الملكية- قبل وجود المعروض، و وجود الحكم قبل الموضوع، مع كون الموضوع بمنزلة العلة للحكم، فيتأخر العلة عن المعلول، كما لا يخفى.

لا يقال: إنّ الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للمعدوم.

فإنّه يقال: و إن كانت إضافة الملكية أمرا اعتباريّا، لكنّه لا يعقل تقوّم الأمر الموجود الاعتباري بالمعدوم الذي لا يعقل الإشارة إليه، فلا يصحّ أن يقال: هذا المسلم المعدوم مالك

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 174

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 4

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 9

(4) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 439

..........

______________________________

فعلا. و أمّا الوقف على الذرية أو الجهات العامة فيعتبر فيهما عنوان عام قابل للانطباق على الطبقات المتأخرة، و على أبناء الواقف في الوقف على الذرية.

و يرد على الملك الفعلي للموجودين و المعدومين- مضافا إلى ما ذكر من عدم تعقل قيام إضافة الملكية الاعتبارية بالمعدوم- أنّ لازم الملكية الفعلية انتقال حصص الموجودين إلى وارثيهم بالإرث، و إلّا لكان منافيا لقاعدة الإرث. مع أنّ الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم لا يلتزمون بالإرث، فيكشف عدم الإرث عن عدم كون ملكية الأرض المفتوحة عنوة من الملكيات المتعارفة، هذا.

و يرد عليه أيضا: أنّ مقتضى ملكيتها الفعلية سلطنة المسلمين على الأرض المفتوحة عنوة، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و عدم ولاية أحد عليهم. مع أنّه ليس كذلك، لولاية اولي الأمر على التصرف في الأرض المفتوحة عنوة، و عدم جواز تصرفهم مباشرة فيها.

ثاني الوجوه المحتملة في النصوص: أن تكون الأرض ملكا لجميع المسلمين على نحو القضية الحقيقية، فالمعدوم بعد وجوده و الكافر بعد إسلامه يملكان الأرض، و ليسا مالكين فعلا حتى يلزم تقوم الموجود بالمعدوم، و تقدم الحكم على الموضوع. فلا يرد عليه إشكال الاحتمال الأوّل.

لكن يرد عليه: أنّ لازمه عدم مالكية المعدوم حال الفتح، إذ مقتضى القضية الحقيقية فعلية الملكية حين وجود المالك لا قبله، فغير الموجود حال الفتح لا ملكية له.

و الحاصل: أنّ القضية الحقيقية لا تثبت الملكية الفعلية- التي هي ظاهر الرواية- لغير الموجود حين الفتح.

ثالث الوجوه المحتملة في النصوص، كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا للجهة، بأن يكون المالك عنوان «جميع المسلمين» كالوقف على الجهات العامة كالفقهاء و الفقراء.

و فيه: أنّه خلاف ظاهر الرواية «لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام» إذ ظاهرها الملكية الفعلية للمعدومين، و ظاهر موضوعية الجهة العامة عدم الحكم الفعلي بالملكية إلّا بوجود مصاديق العنوان العام. فهذا الاحتمال أيضا خلاف ظاهر الرواية جدّا.

و هناك وجوه اخرى غير المحتملات المذكورة، لكنها خلاف ظاهر الروايات أيضا، فلا موجب للتعرض لها، هذا.

و يمكن أن يقال- جمعا بين الروايات و الآثار-: إنّ الأرض المفتوحة عنوة ملك

ص: 440

..........

______________________________

لطبيعي المسلمين لا لآحادهم، و المراد بما ورد من «أنّها ملك لجميع المسلمين من الموجودين و المعدومين» عدم اختصاص ملك الطبيعي بزمان دون زمان، و قابلية كلّ واحد من المسلمين لانطباق الطبيعي عليه.

لكنه مع الفرق بين تعلق الخمس و الزكاة بطبيعي السيد و الفقير، بأنّ المتولي لأمر الخمس و الزكاة هو من وجبا عليه، فإنّه يقبضهما إلى من شاء من السادة و الفقراء. بخلاف مالكي الأرض المفتوحة عنوة، فإنّه ليس لمالكيها حق التصرف لا عينا و لا منفعة، بل كل ذلك لولي الأمر. فإن اقتضت المصلحة بذل العين أو منفعتها لشخص جاز ذلك. و إن اقتضت بناء مسجد أو مدرسة في الأرض المفتوحة عنوة، و كان ذلك مصلحة عامة للمسلمين، جاز ذلك كله.

و من هنا يسهل الخطب في الدور و الخانات و غيرهما ممّا هو في تصرف المسلمين حتى مع العلم بكونها معمورة حال الفتح، فإنّ اليد مع العلم بعمرانها حين الفتح حجة مع الاحتمال المزبور، و هو جواز إعطاء وليّ الأمر نفس الأرض أو منفعتها لشخص. و هذه اليد حجة على الملكية، و يجوز الاعتماد عليها في جميع التصرفات الخارجية و الاعتبارية.

المقام الثاني: في اعتبار إذن الامام عليه السّلام في صيرورة الأرض خراجية و عدمه.

و قد ظهر ممّا تقدّم اعتباره، و ثبت تحققه في زمان الإمام أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه. كما يدلّ عليه مرسلة العباس الوراق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا، كانت الغنيمة كلها للإمام. و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

و إنّما الإشكال في الأراضي المفتوحة عنوة بعد عصره عليه أفضل الصلاة و السلام، فإنّ الإذن فيها غير محرز. و مقتضى الأصل عدمه، و كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام، و عدم جريان أحكام الأراضي المفتوحة عنوة عليها، و أنّ من أحيى شيئا منها ملكه.

فإن كان الموضوع لآثار المفتوحة عنوة و أحكامها مركّبا من الحرب مع الكفار مقرونا بإذن الإمام عليه السّلام، أمكن إحراز عدم الإذن بالأصل، و إحراز الفتح بالوجدان، و هذا هو موضوع الأنفال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 16

ص: 441

..........

______________________________

و كذا إذا كان القيد الآخر- و هو كون الأرض محياة- مشكوكا فيه، فيثبت عدم كونها محياة- حال الفتح- بالاستصحاب.

و كذا في الشكّ في بعض العناوين الأخر مع سبق عدمها، كالشك في وقوع الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين، أو على أن تكون للكفّار، و عليهم الجزية، فإنّ استصحاب عدم وقوع الصلح عليها و عدم كونها ممّا يوجف عليه بخيل و ركاب يقتضي كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

و الحاصل: أنّ المعتبر في الأرض الخراجية قيود ثلاثة:

أحدها: كونها مفتوحة عنوة.

ثانيها: كون الفتح بإذن الإمام.

ثالثها: كونها محياة حال الفتح. و هذا هو المشهور بين الأصحاب. و الأصل في جميعها يقتضي العدم، فتصير الأرض بناء على هذا من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

المقام الثالث: في طريق ثبوت الموضوع من الفتح عنوة، و إذن الامام، و حياة الأرض حال الفتح. لا إشكال في ثبوتها بما يثبت به سائر الموضوعات من العلم الحاصل من الشياع، و الاطمئنان الذي هو علم عقلائي، و البينة المستندة إلى العلم. و أمّا الظن الحاصل من الشياع أو غيره فلا عبرة به.

و يشترط في الشياع المفيد للعلم أن يكون الشياع في كل طبقة إلى زمان وقوع القضية، فلو كانت قضية شائعة في عصر كمال الشيوع، لكن كان الشياع مستندا إلى عدد قليل من أهل التاريخ مثلا، لم يحصل به العلم بنفس القضية، و إن حصل العلم بوجودها في كتب التاريخ، لكنه لا يفيد شيئا.

و أمّا البينة فلا بدّ في اعتبارها من قيامها على بينة سابقه عليها سماعا، و تلك السابقة على سابقتها سماعا أيضا، و هكذا إلى زمان وقوع القضية. و إلّا كما إذا شهد عدلان في عصرنا بما حدث في صدر الإسلام، و استندت شهادتهم و علمهم إلى ما لا يوجب العلم بالقضية، كانت حجية هذه البينة محل التأمل و المنع، إذ لا بدّ في حجية البينة من استنادها إلى الحسّ.

ص: 442

..........

______________________________

المقام الرابع: قد عرفت عدم طريق لإحراز الشروط الثلاثة المذكورة في الأراضي المفتوحة عنوة، كما عرفت مقتضى الأصول النافية فيها. لكن الشيخ الأعظم قدّس سرّه قد تشبّث لثبوت الاذن في أرض العراق بوجوه:

أحدها: ما دلّ على أنّها ملك المسلمين.

ثانيها: رواية الخصال المتقدمة (في ص 401).

ثالثها: ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن المجتبى عليه السّلام في بعض الغزوات، و دخول بعض خواصّ أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه من الصحابة- كعمّار رضوان اللّه عليه- في أمرهم.

رابعها: إمكان الإكتفاء عن الإذن- المنصوص في مرسلة الورّاق المتقدمة في (ص 441)- بالعلم من شاهد الحال برضاهم صلوات اللّه عليهم بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين و قوّته.

خامسها: حمل ما صدر من الغزاة من فتح البلاد الإسلامية على الوجه الصحيح، و هو كونه بأمر الإمام عليه السّلام، هذا.

أمّا الوجه الأوّل، ففيه: أنّ ما استدلّ به الشيخ قدّس سرّه من الروايات الدالة على أنّ العراق ملك المسلمين كصحيحة الحلبي «1» و في ء للمسلمين» كرواية أبي الربيع الشامي «2» على: أنّ أرض العراق مفتوحة بإذن الإمام عليه السّلام غير ظاهر، لاحتمال عدم اعتبار إذنه في خصوص أرض السواد كما قيل، فتأمّل. أو في الأرض مطلقا. و لاحتمال عدم اعتباره إذنه في زمان عدم بسط يده عليه السّلام. و لاحتمال إلحاقها بالأراضي الخراجية حكما لا موضوعا تقية أو لمصلحة المسلمين.

و مع هذه الاحتمالات كيف يدلّ النص على كون الحرب بإذن الإمام عليه السّلام؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 4

(2) المصدر، ح 5

ص: 443

..........

______________________________

و أمّا الوجه الثاني- و هو رواية الخصال- ففيه: أنّه لا يدلّ على كون الحرب بإذنه عليه السّلام.

و أمّا الوجه الثالث- و هو حضور الامام المجتبى عليه السّلام- ففيه أولا: عدم ثبوت حضوره عليه السّلام في الحرب.

و ثانيا- بعد تسليمه- لا يدلّ على الإذن و الرضا، لقيام احتمال التقية.

و أمّا الوجه الرابع: ففيه: أنّ مقتضى مرسلة الوراق المتقدمة في (ص 441) و مقتضى صحيحة معاوية بن وهب «1» اعتبار أمير أمّره الإمام عليه السّلام. و العلم بالرضا على فرض تحققه لا يثبت شيئا من الإذن، و أمر أمير أمّره الإمام عليه السّلام، بل مقتضاهما عدم كفاية الرضا في خراجية الأرض. بل الرضا يوجب كون الغنيمة- من المنقول و غيره- ملك الامام عليه السّلام.

و أمّا الوجه الخامس، ففيه أوّلا: أنّ الحرب لا تتصف بالصحة و الفساد، لأنّ مورد الصحة و الفساد- بمعنى التمامية و النقصان- هو المركّبات ذوات الأجزاء، و الحرب ليست من المركبات.

و ثانيا: أنّ كلّا من الإذن و عدمه ذو أثر شرعي، و هو ملكية الأرض للمسلمين بناء على ثبوت الإذن، و ملكية الأرض للإمام عليه السّلام و كونها من الأنفال بناء على عدم الاذن، فالحمل على أحدهما لا وجه له.

و ثالثا: أنّ مورد الحمل على الصحة هو ما إذا كان الفاعل معتقدا للشرط، و بدون اعتقاده للشرط لا تجري قاعدة الصحة. و المفروض أنّ المتصدّين للحرب لا يرون إذن الامام شرطا حتى يحمل فعلهم على الصحة، و هو كون الحرب بإذن الإمام عليه السّلام، بل هم لا يعتقدون بإمامتهم فضلا عن اعتبار إذنهم.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في تصرفات المسلمين في أرض السواد و غيرها من الأراضي المفتوحة عنوة، سواء علم باجتماع الشرائط فيها من الحرب و القتال و إذن الامام عليه السّلام و العمران حال الحرب، أم لم يعلم بوجودها، أم علم بوجود بعضها دون الكل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 444

..........

______________________________

وجه عدم الاشكال هو: أنّه مع العلم بوجود الشرائط من القتال و الإذن و الحياة تكون الأرض مفتوحة العنوة موضوعا، و هي و إن كانت ملكا لكافة المسلمين، إلّا أنّه يجوز لولي المسلمين بعض التصرفات فيها من الإقطاع و إخراج خمسها منها، بناء على تعلق الخمس بالأرض كتعلقه بالغنائم المنقولة. و مع هذا الاحتمال تكون اليد حجة.

و لا مجال معها لاستصحاب بقائها على ملك المسلمين، أو عدم انتقالها عنهم، لحكومة اليد عليه. فكلّ من جرت يده على قطعة من الأرض المفتوحة عنوة حكم بملكيتها له، و صحة نقلها و انتقالها عنه بإرث و غيره.

و مع العلم بفقدان الشرائط كلّا أو بعضا تكون الأرض من الأنفال المختصة بالإمام صلوات اللّه عليه، فمن أحياها ملكها، و تنتقل بالسبب الاختياري و القهري إلى غيره.

و لا يصغى إلى دعوى العلم الإجمالي بكون كثير من أرض العراق محياة حال الحرب، فلا بدّ من الاحتراز عن كلّ العراق. و ذلك لأنّه مع العلم التفصيلي بعمران أرض العراق لا مانع من التصرف، لجواز الإقطاع أو إخراج خمسها، فضلا عن العلم الإجمالي.

و مع الغضّ عنه لا أثر للعلم الإجمالي هنا أيضا، لخروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء. و لاحتمال كونها من موات أرض العراق التي هي ملك الامام عليه السّلام، و يملكها من يحييها.

و الحاصل: أنّ التصرف في أرض العراق و لو فرض كلّها- فضلا عن معظمها- عامرة حين الفتح لا إشكال فيه. فيد كلّ من استولى على قطعة من قطعاتها حجة كسائر الأيدي المالكية.

هذا كله في الطبقة الأولى التي ملكت قطعات الأرض المفتوحة عنوة، ثم انتقلت إلى الطبقة الثانية بالناقل الاختياري أو القهري، و هكذا إلى هذه الطبقة المعاصرة، فجميع هذه التصرفات نافذة، و اللّه العالم.

ص: 445

[الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة]

الرابع (1) ما عرض له الموت بعد العمارة.

فإن كانت (2) العمارة أصلية، فهي مال الإمام عليه السّلام. و إن كانت (3) العمارة من معمّر، ففي بقائها على ملك معمّرها أو خروجها عنه و صيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا خلاف (4) معروف في كتاب إحياء الموات،

______________________________

(1) 4- ما عرض له الموت بعد العمارة أي: القسم الرابع من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف في (ص 407) هو الأرض التي عرض لها الموت بعد العمارة. و هذا القسم يتصور على نحوين:

أحدهما: أن تكون عمارة الأرض أصلية لا من معمّر، ثم عرضها الموت.

و الآخر: أن تكون عمارتها من معمّر، ثم عرضها الموت.

فإن كانت عمارتها أصلية، فهي ملك الإمام عليه السّلام، كما كانت ملكه عليه السّلام في حال عمرانها. و قد تقدم في القسم الثاني دليل كون العامرة بالأصل ملك الامام عليه السّلام، فإنّه يصدق عليها بعد الموتان «أنّها أرض لا ربّ لها» و هذا العنوان من الأنفال.

(2) هذا هو النحو الأوّل الذي تقدم بقولنا: «أحدهما: أن تكون عمارة الأرض ..

إلخ».

(3) هذا إشارة إلى النحو الثاني، و هو كون العمارة من معمّر لا أصلية، ففي بقائها على ملك معمّرها، أو خروجها عن ملكه و صيرورتها ملكا للمعمّر الثاني خلاف، منشؤه اختلاف الأخبار.

(4) مبتدء مؤخّر، و خبره «ففي بقائها» يعني: اختلف الفقهاء في حكم الأرض المعمورة التي خربت مع كون المعمّر أو وارثه معلوما، فعمّرها شخص آخر، و أنّها تبقى على ملك الأوّل أم يتملّكها المحيي الثاني؟

و قد نقل السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بعض كلماتهم، و أشار إلى آراء جماعة آخرين، فقال: «ففي المبسوط و المهذّب: أنّها في حكم العامر. و في الجامع [الخلاف] أنّها لا تملك.

و في التحرير و اللمعة: أنّها لا تخرج بإحياء الغير عن ملك الأوّل. و بالثلاثة صرّح في السرائر. و في جامع المقاصد: أنّه لا يجوز إحياؤها مطلقا و لا تملك بالإحياء .. و به- أي بعدم ملكية المحيي الثاني- صرّح في النهاية و جهاد الشرائع و النافع و الكتاب

ص: 446

منشؤه اختلاف الأخبار (1) [1].

______________________________

- أي القواعد- و التحرير و الإرشاد و المختلف. و نسبه في المسالك إلى الأكثر».

ثم قال: «قلت: لم نجد الخلاف نحن من أحد قبل المصنف في التذكرة، فإنّه نقل عن مالك: أنّ المحيي الثاني يملك. و قال- أي العلامة- لا بأس بهذا القول عندي. و حكاه عنه في بعض فتاواه في المسالك، و اختاره هو في موضعين منه و الروضة. و في الكفاية: أنه أقرب. و في المفاتيح: أنه أوفق بالجمع بين الأخبار .. إلخ» فراجع «1».

(1) حيث إنّها على طائفتين: إحداهما تدلّ على بقائها على ملك المعمّر الأوّل، كرواية سليمان بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة، و يستخرجها، و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال عليه السّلام: الصدقة. قلت:

فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه» «2» و قريب منها غيرها «3».

ثانيتهما: تدلّ على أنّها للمعمّر الثاني، كعموم الأخبار الدالة على أنّ «من أحيى أرضا ميتا فهي له» «4» الشامل لإحياء ما عرضه الموت. و خصوص صحيحة الكابلي المتقدمة في (ص 411)، و المراد بالخراب الخراب العرضي، إذ يطلق على الخراب الأصلي كلمة «الميّت و الميتة».

و اختلاف الأخبار صار منشأ للخلاف، و صيرورة المسألة ذات قولين، أحدهما:

أن الأرض لمعمّرها الأوّل، و ثانيهما: أنّها للمعمّر الثاني.

______________________________

[1] لا إشكال في كون القسم الرابع- و هو ما عرض له الموت بعد العمارة الأصلية له، و لم يتملكه أحد قبل صيرورته مواتا- مال الامام عليه السّلام، لعدم حدوث سبب ملكيته لأحد حتى يخرج عن ملكه عليه السّلام. و أمّا إذا تملكه أحد قبل الموات، و كذا الموات بالأصل إذا ملكه

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 9 و 10، و حكى هذه الأقوال في الجواهر بقوله: «فالمحكي عن ..» فلاحظ جواهر الكلام، ج 38، ص 22 و 23

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(3) المصدر، ص 329، الباب 3، ح 3

(4) المصدر، الحديث: 1 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7

ص: 447

..........

______________________________

شخص بالإحياء ثم عرضها الموات، ففي بقائها على ملكه مطلقا، فلا يجوز تصرف أحد إلّا بإذنه؟ أو زوالها كذلك، و صيرورتها ملكا للإمام عليه السّلام و لمن عمّرها، بناء على كون الخراب مزيلا للملكية، أو بقائها على ملك المحيي، لكن يجوز للغير إحياؤها، و به يصير أحقّ بها، و عليه أجرة الأرض أو زوالها إذا كان تملكها بالإحياء، و بقائها إذا كان تملكها بغير الإحياء كالشراء و نحوه. وجوه بل أقوال.

لعلّ الأوفق منها بالقواعد- الذي هو مقتضى الجمع العرفي بين شتات الروايات أيضا- أن يقال: ببقاء الأرض على ملك المحيي، و عدم خروجها عنه بمجرّد الخراب، و إنّما تخرج عنه بالإعراض، فإذا أحياها شخص بعد إعراض المحيي الأوّل ملكها.

فإنّ روايات الباب المشتملة على قيود و عناوين- «كالأرض الخربة التي هي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للإمام عليه السّلام» كصحيحة حفص بن البختري «1» و صحيحة محمّد بن مسلم «2» و غيرهما «3». و «كالأرض التي جلا أهلها» «4» و «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها» «5» و كقوله عليه السّلام: «كل أرض خربة باد أهلها» «6» و قوله عليه السّلام: «و هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها» «7» و غير ذلك «8» من قبيل هذه القيود التي هي في مقام تحديد الأراضي الأنفال، الظاهر في اعتبارها في الموضوع و في ثبوت المفهوم لها- تقيّد المطلقات، و نتيجة التقييد هي: أنّ الأرض التي لا مالك لها- كالتي هلك أهلها و لا وارث لهم، أو كان لها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(2) المصدر، ص 368، ح 12

(3) المصدر، ص 367، ح 10

(4) المصدر، ح 9

(5) المصدر، ح 7، و ص 372، ح 25

(6) المصدر، ص 365، ح 4

(7) المصدر، ص 371، ح 20

(8) المصدر، ص 367، ح 10 و غيره.

ص: 448

..........

______________________________

مالك و لكن أعرض عنها- تكون في كلتا الصورتين ملك الامام، فمن أحياها ملكها. و هذا الإعراض يستفاد من روايتين:

إحداهما: صحيحة معاوية بن وهب «1» و الأخرى رواية الكابلي «2».

إذ في الأولى: «فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها».

و في الثانية: «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و يؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي، و له ما أكل منها. فإن تركها و أخبرها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمرها و أحياها، فهو أحق بها من الذي تركها».

فإنّ مورد هاتين الروايتين هو الترك، و من المعلوم أنّ المراد بهذا الترك هو رفع اليد عن الملك و الإعراض عنه، إذ من الواضح عدم صدق الترك على من ذهب إلى سفر مريدا للرجوع عنه إلى محله، و تعمير الخربة، و لا يقال: انّه غاب عنها و تركها، بل يقال: إنّه سيشتغل بتعمير هذه الخربة و إحيائها. و يستفاد الإعراض من ترك الأرض بقول مطلق، إذ لا يقال لمن ترك زرع أرض سنة أو سنتين- لإصلاح الأرض و إعدادها للزرع الأحسن-:

إنّه ترك الأرض.

و بالجملة: المستفاد من النصوص على اختلافها عنوانان:

أحدهما: الأرض التي لا ربّ لها.

و الآخر: الأرض التي أعرض عنها مالكها، و هذا أيضا راجع إلى سابقه، لأنّ رفع المانع عن تملك الغير كرفع اليد عن أصل الملكية، فمن أحيى أرضا لا ربّ لها أو أرضا أعرض عنها مالكها ملكها. فلو دلّ نص على الترك الأعمّ من الإعراض- كصحيح الحلبي و رواية الكابلي اللذين مفادهما أعمّ من الإعراض- فيقيّد بما ظاهره عدم الإعراض، كصحيحتي الحلبي و سليمان، فيقيّد بهما إطلاق صحيح الحلبي و رواية الكابلي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(2) المصدر، ص 329، ح 2

ص: 449

[أحكام القسم الثالث]

ثمّ القسم الثالث (1) إمّا أن تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفّار، فإن كان (2) من المسلمين فملكهم لا يزول إلّا بناقل أو بطروء الخراب، على أحد القولين (3).

و إن كان (4) من الكفّار

______________________________

(1) أحكام القسم الثالث أعني به: ما عرض له الحياة بعد الموت الأصلي، و هذا الكلام تمهيد لبيان حكم الأرض المفتوحة عنوة.

لما كانت مملّكية إحياء الأرض الموات إجماعيا في الجملة، فلذا تصدّى للبحث عن فروع المسألة من اعتبار شرط في أصل التملك، ككون المعمّر مسلما، و عدمه.

و من زوال الملك بطريان الخراب و عدمه.

و من كون الأرض المحياة في دار الكفر أو في دار الإسلام. و غير ذلك مما سيأتي بالتفصيل.

و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو: أنّه لا يخلو إمّا أن يكون معمّر هذه الأرض مسلما و إمّا أن يكون كافرا. فإن كان مسلما فملكه لا يزول إلّا بأحد أمرين:

الأوّل: الناقل الشرعي من بيع أو صلح أو غيرهما.

الثاني: طروء الخراب على الأرض، فإنّه مزيل للملك بناء على أحد القولين المتقدمين في القسم الرابع من صيرورتها بالموت من المباحات، فتكون ملكا لمن عمّرها ثانيا.

و أمّا بناء على بقائها على ملك المحيي الأوّل لم يكن طروء الخراب مزيلا للملك.

و إن كان المعمّر كافرا فسيأتي حكمه.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «كانت» لرجوع الضمير إلى العمارة، و كذا في «كان» الآتي.

(3) اللّذين أشار إليهما في (ص 446) بقوله: «و إن كانت العمارة من معمّر، ففي بقائها على ملك معمّرها، أو خروجها عنه .. خلاف معروف ..» «1».

(4) معطوف على «إن كان من المسلمين» يعني: إن كان معمّرها من الكفار، فحكمه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث: 3 و 1

ص: 450

فكذلك (1) إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام، و إن اعتبرنا (2) الإسلام كانت باقية على ملك الإمام عليه السّلام.

و إن (3) كان في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم (4)، و بالاغتنام (5)، كسائر أموالهم.

ثمّ (6) ما ملكه الكافر من الأرض: إمّا أن يسلم عليه طوعا، فيبقى على ملكه

______________________________

كالسابق من عدم زوال ملكه إلّا بالناقل أو الخراب إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام في المعمّر. و إن قلنا باعتبار الإسلام في معمّرها كان باقيا على ملك الامام عليه السّلام.

(1) أي: لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام في المحيي.

و إن اعتبرنا الإسلام فيه- للنبوي: «موتان الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «عادي الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون»- كان باقيا على ملك الإمام عليه السّلام.

(2) معطوف على «و قلنا» و الترديد لأجل كون المسألة خلافية، فمنهم من اعتبر إسلام المحيي، و منهم من لم يعتبره.

(3) معطوف على «إن كان في دار الإسلام» و حاصله: أنّه إن كانت الأرض المحياة- بعد الموت- في دار الكفر التي يكون فيها الكفار، زال ملكها بمزيل ملك المسلم، و بالاغتنام.

(4) من زواله بناقل شرعي أو بطروء الخراب، على أحد القولين، كما مرّ آنفا.

(5) معطوف على «بما» يعني: يزول ملك الكافر بما يزول به ملك المسلم، و بالاغتنام أيضا، إذ تكون هذه الأرض العامرة بعد الموت من الغنائم التي يتملّكها المسلمون بالغنيمة، كسائر أموال الكفار التي تملك بالغنيمة.

(6) كان البحث المتقدم في حكم الأراضي باعتبار العمران و الموتان، و يكون

________________________________________

ص: 451

كسائر أملاكه.

و إمّا أن لا يسلم عليه طوعا.

فإن بقي يده عليه كافرا (1) فهي (2) [فهو] أيضا كسائر أملاكه تحت يده.

و إن (3) ارتفعت يده عنها، فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها (4) و تخليتها للمسلمين، أو بموت (5) أهلها و عدم الوارث،

______________________________

البحث فعلا في أحكامها باعتبار المالكين، و تفصيله: أنّ الأرض التي ملكها الكافر إن أسلم عليها طوعا، فتبقى على ملكه كسائر أملاكه. و إن لم يسلم عليها طوعا، و كانت تحت يده، فهي أيضا ملكه كسائر أملاكه.

و إن لم تكن الأرض تحت يده و ارتفعت عنها، ففيه صور:

إحداها: انجلاء المالك عنها.

ثانيتها: موت أهلها و عدم الوارث له. و الأرض في هاتين الصورتين ملك الامام عليه السّلام، لأنّها من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

ثالثتها: ارتفاع أيدي أهلها عنها قهرا و عنوة، و الأرض في هذه الصورة كغيرها ممّا لا ينقل- كالأشجار و الأبنية- ملك لكافة المسلمين بالإجماع و النص. و هذه الأراضي هي المسماة بالمفتوحة عنوة.

(1) و هو كما إذا استولى عليها المسلمون، و صالحوا الكفّار على أن تكون الأرض ملكا لهم.

(2) كذا في نسختنا و الأولى بمرجع الضمير- و هو الموصول في «ما ملكه»- تذكير الضمير كما في بعض النسخ.

(3) معطوف على «فان بقي» و تأنيث الضمير في «عنها» باعتبار المرجع و هو الأرض.

(4) إشارة إلى الصورة الأولى التي تقدّمت بقولنا: «إحداها انجلاء المالك عنها» و الضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الارتفاع. يعني: إما أن يكون ارتفاع يدهب بانجلاء المالك أي خروجه و إعراضه عنها، و إمّا بموت أهلها بدون وارث لهم.

(5) معطوف على «بانجلاء» و هذه إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة بقولنا:

ص: 452

فيصير (1) ملكا للإمام عليه السّلام، و يكون من الأنفال الّتي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و إن رفعت (2) يده عنها قهرا و عنوة، فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة- كالنخل و الأشجار و البنيان- للمسلمين كافّة إجماعا (3)، على ما حكاه غير واحد، كالخلاف و التذكرة و غيرهما. و النصوص به مستفيضة.

ففي رواية أبي بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج، قال عليه السّلام: «من يبيعها؟ هي أرض المسلمين. قلت: يبيعها الذي هي في يده؟ قال: يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثمّ قال: لا بأس أن يشتري (4) حقّه منها، و يحوّل حقّ المسلمين

______________________________

«ثانيتها موت أهلها .. إلخ».

(1) يعني: فتصير الأرض في هاتين الصورتين ملكا للإمام عليه السّلام. و ينبغي تأنيث جميع الضمائر الراجعة إلى الأرض.

(2) معطوف على «و إن ارتفعت» و لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا «أو بارتفاع يده عنها قهرا و عنوة» ليكون معطوفا على «بانجلاء»، كعطف «بموت» عليه.

(3) هذا هو الدليل الأوّل على كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا لجميع المسلمين، و قد ادّعاه جماعة كشيخ الطائفة و السيد أبى المكارم و العلّامة و السيد العاملي و غيرهم قدّس سرّهم «1».

لكن صحة الاستدلال به على المطلب منوطة بعدم استناد المجمعين إلى الروايات، و إلّا كانت هي الحجة على المقصود. و احتمال استنادهم إلى النصوص كاف في عدم حجية الإجماع. فحينئذ لا بدّ من البحث فيما يستفاد من النصوص التي ادعي أنّها مستفيضة. منها:

رواية أبي بردة المذكورة في المتن.

(4) كذا في النسخة، و في الوسائل: «اشترى».

______________________________

(1) الخلاف، ج 2، ص 67- 70، كتاب الزكاة، المسألة: 80، غنية النزوع، ص 204- 205، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 184، و ادّعاه العلامة في المنتهى أيضا، ج 2، ص 934، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 239، جواهر الكلام، ج 21، ص 157

ص: 453

عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» «1».

و في مرسلة حمّاد الطويلة: «ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين، و ما غلبوا عليه، إلّا ما حوى العسكر (1) .. إلى أن قال: و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمّرها و يحييها، و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج، النصف (2) أو الثلث أو الثلثين، على قدر ما يكون لهم صالحا (3) و لا يضرّ بهم. فإذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا (4)، و نصف (5) العشر ممّا سقي بالدوالي (6) و النواضح (7) .. إلى أن قال: فيؤخذ ما (8) بقي بعد العشر، فيقسّم بين الوالي و بين شركائه الّذين هم عمّال الأرض و أكرتها (9)،

______________________________

(1) في الوسائل: «و لا ما غلبوا عليه الّا ما احتوى عليه العسكر».

(2) هذا و «الثّلث و الثّلثين» عطف بيان أو بدل ل «الخراج» و المراد به نصف غلّة الأرض أو ثلثها أو ثلثيها.

(3) كذا في النسخة، و في الوسائل: «صلاحا».

(4) أي: بالماء الجاري على وجه الأرض «2».

(5) معطوف على «العشر» أي: أخرج معمّر الأرض نصف العشر إن كان سقيها بالدوالي و النواضح.

(6) جمع الدالية، و هي الناعورة.

(7) جمع «ناضح» و هو البعير الذي يحمل الماء من النهر أو البئر للسقي «3».

(8) في الوسائل: «يؤخذ بعد ما بقي العشر».

(9) معطوف على «عمال» و هو بفتح الألف و الكاف و الراء، جمع «آكر» ك «حفدة» جمع «حافد» مأخوذ من «أكر» بمعنى الحفر و الحرث و الزرع «4» فالمراد هنا الزارعون.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 1

(2) مجمع البحرين، ج 2، ص 377، لسان العرب، ج 2، ص 492

(3) المصدر، ص 419، و لسان العرب، ج 4، ص 619

(4) مجمع البحرين، ج 3، ص 308، لسان العرب، ج 4، ص 26

ص: 454

فيدفع عليهم أنصباؤهم (1) على قدر ما صالحهم عليه، و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» الخبر «1».

و في صحيحة الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟

قال: هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن يدخل (2) [دخل] في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد (3). فقلنا: أ نشتريه من الدّهاقين؟ قال: لا يصلح إلّا أن تشتريها منهم على أن تصيّرها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها.

قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، و له ما أكل من غلّتها بما عمل» «2».

و رواية ابن شريح، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه، و قال (4) [قال] إنّما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها. فقال: لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (5) «3».

______________________________

(1) بفتح الهمزة و سكون النون، جمع «نصيب».

(2) كذا في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب، و في نسختنا «دخل».

(3) هذه الجملة صريحة في أنّ الأرض المفتوحة عنوة- كالعراق- ملك لجميع المسلمين، و أنّ شراءها من الدّهاقين ليس بمعنى تملكها منهم، بل بمعنى جعلها للمسلمين و أن يكون الأمر مفوّضا إلى الوالي.

(4) كذا في الوسائل و بعض نسخ الكتاب، و في نسختنا «قال».

(5) يعني: أن يستحيي المشتري من عيب هذه الأرض. و المراد بالعيب صيرورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، ح 2

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 4

(3) المصدر، ص 275، ح 9

ص: 455

و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، ففيها: «و سألته عن رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج، فبنى بها أو لم يبن، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا (1) جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال [أخذها] (2) «1».

______________________________

المشتري كالكفار في دفع الجزية، و من المعلوم أن في دفع الخراج نوع حقّة على المسلم.

فإن ترك الشراء لأجل هذا العيب فهو، و إن تحمّله و اشتراها فلا بأس.

و على كلّ فالشاهد في قوله عليه السّلام: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» الدال على عدم تملك آحاد المسلمين للأرض المفتوحة عنوة، و أنّ المقصود من الترخيص في الشراء هو تفويض حق الانتفاع، لا تمليك رقبة الأرض.

(1) يعني: إذا أدّوا جزية رؤوسهم إلى وليّ أمر المسلمين.

(2) كذا في نسختنا، و لم ترد هذه الكلمة في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب، و لعلّه الصواب، لرجوع ضمير «هو» إلى المأخوذ.

و توضيح دلالة الرواية على منع بيع الأرض المفتوحة عنوة هو: أنّ السؤال عن جواز أخذ الأجرة من أهل الذمة الّذين نزلوا في بيوت مبنيّة في الأرض الخراجية لأجل الحرث و الزرع، و هم يؤدّون جزية رؤوسهم إلى وليّ المسلمين.

و لعلّ منشأ السؤال احتمال سقوط اجرة البيوت، لأنّ المسلم الذي بيده الأرض عند ما يبذل اجرة عمل الزارع يجعل شيئا من الأجرة بدلا عن سكناهم في تلك الأبنية، فليس له أخذ أجرة السّكنى فيها.

فأجاب عليه السّلام: بأنّ جواز مطالبة الأجرة من أولئك العاملين في الأرض منوط بالاشتراط في عقد الإجارة بين المسلم الذي تكون الأرض بيده و بين أهل الذمة الزارعين فيها. فإن اتفق الطرفان على بذل بدل السكنى فهو، و إلّا لم يجز أخذ شي ء من العاملين.

و هذه الرواية سؤالا و جوابا أجنبية ظاهرا عمّا رامه المصنف من نقل النصوص

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 10

ص: 456

و في خبر أبي الربيع: «لا تشتر من أرض السواد شيئا، إلّا من كانت له ذمّة (1)، فإنّما هي في ء للمسلمين» «1».

إلى غير ذلك (2).

و ظاهره (3) كما ترى عدم جواز بيعها حتّى تبعا للآثار المملوكة

______________________________

الدالة على كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، و لا يجوز تملك رقبتها.

لكن يمكن توجيه الاستدلال بها بما أفاده بعض أجلّه المحشّين من: أنّ مفهوم قوله عليه السّلام: «يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» هو حرمة أخذ الأجرة بدون الشرط، و لا وجه لحرمة الأخذ حينئذ إلّا كون الأرض ملكا للمسلمين كافة لا لخصوص هذا المتصرّف، و المفروض أنّ العمّال الذّميّون قد أدّوا جزية رؤوسهم إلى الوالي، و خرجوا عن الحق الثابت عليهم، فلا موجب لأخذ شي ء آخر منهم. و أما حلّ الأخذ في ما اشترط، فلعلّه لكونه بإزاء إذنه لهم في التصرف في البيوت التي تعلّق حقّه بها، هذا ما أفيد «2».

(1) حاصله: أنّه لا بدّ أن يكون البائع كافرا ذمّيا، فإنّ أمواله- التي منها هذه الأرض- محترمة، و المفروض قيامه بعهدة خراج الأرض، و هذا بخلاف المسلم، فإنّه لا يصحّ أن يبيعها، لعدم كونها ملكا له.

(2) كمضمرة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن شراء أرضهم، فقال: لا بأس أن تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدي فيها كما يؤدون فيها» «3».

(3) كذا في النسخ، و الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى النصوص في قوله:

«و النصوص به مستفيضة». أي: ظاهر النصوص المستفيضة- لإطلاق المنع فيها الشامل للأرض منفردة و منضمّة مع الآثار- هو عدم جواز بيع أرض الخراج مطلقا حتى تبعا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 5

(2) حاشية المكاسب، للمحقق الايرواني، ج 1، ص 168، و أشار إليه العلامة السيد الاشكوري في بغية الطالب، ج 1، ص 144

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 7

ص: 457

فيها (1) على أن تكون جزءا من المبيع، فيدخل في ملك المشتري.

نعم (2) يكون للمشتري على وجه كان (3) للبائع، أعني (4) مجرّد الأولويّة و عدم جواز مزاحمته (5) إذا (6) كان التصرّف و إحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته و لو لعموم الشيعة، كما (7) إذا كان التصرّف بتقبيل السلطان الجائر، أو بإذن الحاكم

______________________________

للآثار المملوكة فيها من الأبنية و الأشجار، على أن تكون الأرض جزءا من المبيع حتى تدخل الأرض لهذه التبعية في ملك المشتري.

(1) هذا الضمير و ضمير «بيعها» و المستتر في «تكون، فيدخل» راجعة إلى أرض الخراج. و الأولى «فتدخل» بدل «فيدخل».

(2) استدراك على عدم جواز بيع رقبة أرض الخراج، بحيث يكون بيعها كبيع سائر الأموال المملوكة في ترتب ملكية الرقبة عليه.

و حاصل الاستدراك: أنّه يترتب على هذا البيع أولوية المشتري بأرض الخراج، كأولويّة البائع بها، و عدم جواز مزاحمته إن كان تصرفه و إحداث الآثار من الأبنية و الأشجار بإذن الإمام عليه السّلام حين التصرف، أو بإجازته بعد التصرف، و لو كان الإذن بلسان العموم، كقولهم عليهم السّلام: «ما كان لنا فهو لشيعتنا» و «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم .. إلخ».

(3) الضمير المستتر فيه و في «يكون» راجعان إلى الأرض، فالأولى «تكون، كانت».

(4) هذا بيان لقوله: «على وجه» يعني: ذلك الوجه هو الأولويّة، لا الملكيّة.

(5) أي: مزاحمة البائع، و لفظ «عدم» عطف تفسيري للأولوية، و يمكن عطفه على مجرد.

(6) قيد للأولويّة و عدم جواز المزاحمة، يعني: أنّ أولوية البائع بأرض الخراج من غيره منوطة بأن يكون تصرفه و إحداث الآثار فيها- من البنيان و الأشجار- بإذن الإمام عليه السّلام أو إجازته و لو بنحو العموم للشيعة كما مرّ آنفا.

(7) مثال للإذن و الإجازة، يعني: أنّ التصرف بإذن الحاكم الشرعي أو تقبيل السلطان المخالف يكون من التصرف الجائز المأذون فيه.

ص: 458

الشرعي، بناء (1) على عموم ولايته لأمور المسلمين، و نيابته عن الإمام عليه السّلام.

لكن (2) ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرّف فيها (3)، قال:

«لا يجوز التصرّف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة (4). و لا يصحّ (5) أن يبني فيها دورا و منازل و مساجد و سقايات (6) و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك.

______________________________

(1) هذا قيد لإذن الحاكم الشرعي، فإنّ نفوذ إذنه موقوف على ولايته لأمور المسلمين.

(2) استدراك على قوله: «نعم يكون للمشتري .. إلخ» و حاصل الاستدراك: أنّ ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف في الأرض المفتوحة عنوة بشي ء من التصرفات الاعتبارية كالبيع و الهبة و نحوهما، و الخارجية كبناء الدور و الدكاكين و المساجد و غير ذلك، فلا ينتقل شي ء من البائع إلى المشتري حتى الأولوية.

و بالجملة: فكلّ تصرف يتوقف على الملك حرام و باطل، و يكون حكم الشي ء الذي بنى في الأرض المفتوحة عنوة حكم أصل الأرض، و هو كونه ملكا لعامّة المسلمين.

و لا يخفى أن المصنف بقوله: «لكن ظاهر» شرع في نقل الأقوال في المسألة، و هي أربعة، و كلام المبسوط أوّلها.

(3) أي: في الأرض المفتوحة عنوة.

(4) هذا من عطف العام على الخاص، و العبارة منقولة بالمعنى، و إلّا فنصّ المبسوط هو: «و لا يصحّ بيع شي ء من هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تمليكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه. و لا يصح .. إلخ».

(5) الأولى التعبير بعدم الجواز، فإنّ الصحة و الفساد من أوصاف المركبات، لا البسائط كالملكية.

(6) جمع «سقاية» و لها معان، منها «الموضع الذي يتخذ فيها الشراب في المواسم و غيرها» «1» فالمراد هنا بناء مكان يوضع فيه الماء للشرب.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 14، ص 392

ص: 459

و متى فعل شيئا من ذلك كان التصرّف باطلا (1)، و هو (2) على حكم الأصل» «1».

و يمكن حمل كلامه (3) على صورة عدم الإذن من الإمام عليه السّلام حال حضوره.

و يحتمل (4) إرادة التصرّف بالبناء على وجه الحيازة و التملّك.

______________________________

(1) الأولى أن يقال: «حراما» لكون المنهي عنه في عبارة المبسوط مطلق التصرف من الخارجي و الاعتباري، و من المعلوم عدم اتصاف بناء الدور و السقاية بالبطلان.

و على كلّ فالوجه في البطلان كون الأرض للمسلمين لا للمتصرّف، فلا ينفذ شي ء من تصرفاته فيها.

(2) هذه الجملة منقولة بالمعنى أيضا، ففي المبسوط: «و هو باق على الأصل» يعني:

أنّ الشي ء الذي فعله المتصرف في هذه الأرض المفتوحة عنوة من الأبنية تابع لأصل الأرض في كونها فيئا للمسلمين.

(3) أي: حمل كلام صاحب المبسوط قدّس سرّه المانع عن مطلق التصرف في الأرض المفتوحة عنوة. و حاصل هذا التوجيه: أنّ كلامه محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السّلام في التصرف مع حضوره. و حينئذ يكون المنع عن مطلق التصرف في محله، إذ لا بدّ من إذن وليّ الأمر في التصرف في الأرض.

و هذا الحمل مذكور في مفتاح الكرامة، لقوله- بعد نقل إجماع المسالك على المنع من التصرف-: «و يمكن حمل هذا الإجماع و ما ضاهاه على أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بشي ء قبل أن يسلّمها إليه الامام .. و هذا ممّا لا ريب فيه، لأنّه إذا فتحها الامام عليه السّلام كان أمرها إليه ..» «2».

(4) هذا توجيه ثان لكلام الشيخ في المبسوط، و محصله: أنّه يمكن أن يكون مورد المنع عن التصرف هو التصرف الذي أريد به الحيازة و التملك، لا مجرّد الأولوية.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 34، و حكي هذا المطلب عن جماعة آخرين، فلاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240، جواهر الكلام، ج 22، ص 348 و 349

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 244

ص: 460

و قال في الدروس (1) «لا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام، سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما (2).

______________________________

(1) غرضه أنّ الشهيد رحمه اللّه فصّل بين زماني الحضور و الغيبة، بنفوذ التصرفات في زمان الغيبة، و عدم نفوذها في عصر الحضور إلّا بإذنه عليه السّلام.

و عبارة الدروس تضمّنت أقوالا ثلاثة:

أحدها: المنع مطلقا، و هو كلام الشيخ في المبسوط. و قد تقدم.

و ثانيها: التفصيل بين الأرض و بين الآثار المحدثة فيها، بمنع التصرف في نفس الأرض، و بالجواز في الثاني، و هو مختار الحلّي قدّس سرّه.

و ثالثها: التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة، و هو مختار الشهيد، و اختاره المحقق الثاني أيضا.

و هل مرادهما من جواز البيع و الوقف في زمن الغيبة جواز بيع رقبة الأرض على الاستقلال و مجرّدة عن الأبنية المحدثة فيها؟ أم أنّ المراد بيعها تبعا للآثار بحيث لا يصحّ بيعها مستقلّا. فيه احتمالان، استظهر السيد العاملي قدّس سرّه الأوّل، فنسب إلى الشهيد و المحقق الثاني التزامهما بالتفصيل بين عصر الحضور و الغيبة، بمنع البيع و الوقف في زمان حضوره عليه السّلام، و بجوازهما في هذه الأزمنة.

قال قدّس سرّه في مفتاح الكرامة: «و قضيّة ما في الدروس أنه يصح بيعها منفردة في زمن الغيبة، و نحوه ما في جامع المقاصد» ثم نقل عبارة الدروس المذكورة في المتن «1».

و عليه فاستظهر السيد قدّس سرّه من عبارتيهما جواز التصرف في رقبة الأرض على نحو الاستقلال في عصر الغيبة، هذا.

و لكن المصنف ناقش في هذا الاستظهار، بأنّ غرض الشهيد قدّس سرّه من جواز البيع في زمن الغيبة ليس بيع رقبة الأرض مجردة عن الآثار، بل مقصوده جعل الأرض جزءا من المبيع أو الموقوفة، و استشهد لذلك بما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه و سيأتي.

(2) المراد من هذه الجملة بنظر المصنف هو جواز بيع الأرض و وقفها- في زمن

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240، و نحوه في ص 243 و كذا نسبه الى الدروس صاحب الجواهر، فراجع، ج 22، ص 350

ص: 461

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (1).

و أطلق (2) [1] في المبسوط: أنّ التصرّف فيها لا ينفذ.

و قال (3) ابن إدريس: إنّما نبيع و نوقف تحجيرنا و بناءنا (4) و تصرّفنا، لا نفس الأرض» انتهى «1».

و قد ينسب (5) إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور، فيجوز التصرّف في الأوّل (6) و لو بالبيع و الوقف، لا في الثاني (7) إلّا بإذن الإمام عليه السّلام.

و كذا (8) إلى جامع المقاصد.

______________________________

الغيبة- تبعا للآثار، لا مطلقا و لو بتمليك رقبة الأرض للمشتري بدون ما أحدثه فيها من بناء أو غرس أو زرع.

(1) يعني: ينفذ كلّ تصرف في حال الغيبة.

(2) هذا الإطلاق ناظر إلى زماني الحضور و الغيبة، فلا ينفذ تصرفه في كلا الزمانين.

(3) حاصله: أنّ ابن إدريس قدّس سرّه فصّل بين الأرض و بين ما يتعلّق بها، بجواز التصرف فيما يتعلق بها من حقّ التحجير و الأبنية المبنية فيها، و عدم جوازه في نفس الأرض.

(4) هذه الجملة أقرب إلى ما في السرائر، و لكن المنقول عنه في الدروس هو «انما يباع و يوقف تحجيرنا و بناؤنا .. إلخ».

(5) الناسب هو السيد العاملي كما عرفت في عبارته المتقدمة.

(6) و هو زمان الغيبة، و قوله: «و لو بالبيع ..» إشارة إلى التصرفات المتوقفة على الملك.

(7) و هو زمان الحضور، فلا ينفذ التصرف فيها إلّا بإذن الإمام عليه السّلام.

(8) يعني: و نسب أيضا هذا التفصيل إلى المحقق الثاني قدّس سرّه فيجوز التصرف

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى هذا الإطلاق رضا الشارع- بل أمره- بتعطيل الأراضي الخراجية. و هو كما ترى.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 41، السرائر، ج 1، ص 478

ص: 462

و في النسبة نظر (1)، بل (2) الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة (3) من جواز التصرّف فيه (4) في زمان الغيبة بإحداث الآثار، و جواز (5) نقل الأرض تبعا للآثار،

______________________________

في زمان الغيبة دون زمان الحضور إلّا بإذن الإمام عليه السّلام، قال قدّس سرّه معلّقا على قول العلامة قدّس سرّه: «و لا يصح بيعها- أي الأرض المفتوحة عنوة و لا وقفها ..» ما لفظه: «هذا في حال ظهور الامام عليه السّلام. أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كلّه، كما صرّح به في الدروس، و صرح به غيره» «1».

(1) يعني: و في نسبة التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة إلى الشهيد و المحقق الثاني نظر. و وجه النظر ما سيأتي من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(2) يعني: بل الظاهر موافقة الدروس و جامع المقاصد لفتوى جماعة من الفقهاء من جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة بإحداث الآثار من الأبنية و غرس الأشجار فيها، و جواز نقل نفس الأرض أيضا تبعا للآثار، لا مستقلّا. فالأرض تصير مملوكة أيضا تبعا لها، فإذا ذهبت الآثار انقطع حق المشتري عن الأرض رأسا.

(3) قال السيد العاملي قدّس سرّه- بعد نقل عبارة المبسوط و عدّ جماعة ممّن منع من التصرف في رقبة الأرض ببيع و شبهه- ما لفظه: «و في موضع آخر من التذكرة و التحرير: أنه يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرّف. و نحوه ما في السرائر في موضع منها، و المختلف و المنتهى و حواشي الكتاب- أي حواشي الشهيد على القواعد- و اللمعة و الروضة، و قوّاه في موضع من المسالك، و في آخر منه نسبته إلى جمع من المتأخرين، و أنّ العمل عليه» «2».

و قال العلّامة في بيع التذكرة: «نعم يصحّ بيعها- أي الأرض الخراجية- تبعا لآثار التصرف» «3».

(4) أي: في الأرض، و الأولى تأنيث الضمير، و «بإحداث» متعلق بالتصرف.

(5) معطوف على «جواز التصرف» الذي هو جواز تكليفي، و جواز النقل جواز وضعي.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 3، ص 403، و نسب إلى حاشيته على الشرائع أيضا، ص 301 كما في هامش المسالك. و يستفاد من كلامه في حكم بيع بيوت مكة المشرفة، فلاحظ ج 4، ص 97

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240

(3) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 39

ص: 463

فيفعل (1) ذلك بالأرض تبعا للآثار، و المعنى (2) أنّها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال (3) في المسالك- في شرح قول المحقّق: «و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها»-: «إنّ (4) المراد لا يصحّ ذلك في رقبة الأرض مستقلّة. أمّا لو (5) فعل ذلك (6) بها (7) تبعا لآثار التصرّف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز على الأقوى».

قال (8): «فإذا باعها بائع مع شي ء من هذه الآثار دخل (9) في المبيع على سبيل التبع، و كذا الوقف و غيره (10. و يستمرّ كذلك ما دام شي ء من الآثار باقيا،

______________________________

(1) أي: فيفعل النقل بالأرض تبعا للآثار. و الظاهر أنّ هذه الجملة مستدركة، للاستغناء عنها بقوله: «و جواز نقل الأرض تبعا للآثار».

(2) يعني: و معنى التبعية أنّ الأرض مملوكة ما دامت الآثار موجودة، فتنعدم الملكية بانعدامها.

(3) الغرض من نقل عبارة المسالك الاستشهاد بها على ثبوت الفتوى التي نسبها إلى جماعة من جواز بيع أرض الخراج و نقلها تبعا للآثار.

(4) هذا كلام المسالك، و حاصله: أنّ مراد المحقق من عدم جواز البيع و غيره هو عدم صحة البيع و شبهه في رقبة الأرض بنحو الاستقلال، و أمّا بنحو التبعية للآثار فلا بأس به.

(5) كلمة «لو» لم تذكر في نسختنا، و إنّما ذكرت في المسالك و في بعض نسخ الكتاب.

(6) المراد بالمشار إليه هنا و في قوله: «لا يصح ذلك» هو بيع رقبة الأرض.

(7) أي: برقبة الأرض.

(8) أي: قال الشهيد الثاني في شرح عبارة الشرائع: فإذا باع الأرض المفتوحة عنوة بائع مع شي ء من الآثار التي أنشئت فيها دخلت نفس الأرض في المبيع على سبيل التبعية.

(9) كذا في النسخ، و الصواب كما في المسالك «دخلت» لرجوع الضمير الفاعل المستتر إلى الأرض.

(10) كالهبة، فالوقف و الهبة ثابتان للأرض تبعا، و تستمرّ هذه التبعيّة ما دام شي ء

ص: 464

فإذا ذهبت أجمع انقطع حقّ المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها. هكذا ذكره جمع (1)، و عليه العمل» انتهى «1».

نعم (2) ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة، حيث قال (3) «إن قال قائل: إنّ (4) ما ذكرتموه إنّما دلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين، و لا يدلّ على صحّة تملّكها (5) بالشراء و البيع، و مع عدم صحّته (6) لا يصحّ ما يتفرّع عليهما [عليها].

______________________________

من الآثار باقيا، فإذا ذهبت الآثار أجمع انقطع حقّ المشتري و الموقوف عليه- و غيرهما كالمتّهب- عن الأرض، لارتفاع التبعية بارتفاع موضوعها و هو الآثار.

(1) الظاهر أنّ هذه الجمع هي «الجماعة» المتقدمة في المتن (ص 463)، و عدّهم السيد العاملي في ما تقدم من كلامه.

(2) استدراك على الملك التبعي للأرض المفتوحة عنوة، و إشارة إلى قول رابع في المسألة، بأن يقال: إنّه ربما يظهر من عبارة التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس رقبة الأرض، لا جواز بيعها تبعا للآثار.

(3) يعني: قال الشيخ مستشكلا على نفسه بما حاصله: إنّ مقتضى ما ذكرتموه من أدلة أحكام الأرض المفتوحة عنوة هو إباحة التصرف فيها، لا ملكيّتها بالبيع و الشراء، و بدون تحقق ملكيّتها كيف يصح تفريع ما يتوقف على الملكية- كالبيع و الوقف- على الأرض المذكورة؟

و لا يخفى أنّ العبارة المنقولة في المتن تغاير ما في التهذيب يسيرا، كما سنذكره.

(4) في التهذيب: «ان جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرف لكم ..».

(5) في التهذيب: «و لم يدلّ على أنّه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصحّ الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك».

(6) أي: و مع عدم صحة تملّك هذه الأرض لا يصحّ ما يتفرّع على الملكية كالبيع

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 56

ص: 465

قلنا (1) إنّا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام، أرض أسلم أهلها عليها، فهي ملك لهم يتصرّفون فيها، و أرض (2) تؤخذ عنوة، أو يصالح (3) أهلها عليها، فقد أبحنا شراءها (4) و بيعها،

______________________________

و نحوه. هذا بناء على ما نقله المصنف في المتن. و لكن عرفت صراحة عبارة التهذيب في ما يتفرع على البيع و الشراء، و لذا صحّحت نسختنا ب «عليهما» بدلا عمّا في غالب النسخ من «عليها».

(1) هذا أيضا يغاير ما في التهذيب. من قوله: «قيل له: إنّا قد قسّمنا الأرضين في ما مضى على ثلاثة أقسام، أرض يسلم أهلها عليها، فهي تترك في أيديهم، و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها و بيعها. و أمّا الأرضون التي تؤخذ عنوة ..» إلى آخر ما في المتن.

و كيف كان فهذا جواب الإشكال الذي تعرّض له بقوله: «إن قال قائل» و محصل الجواب: أنّ الأرضين على ثلاثة أقسام:

أحدها: الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا، و هي ملك لهم يتصرّفون فيها كتصرف سائر الملّاك في أملاكهم.

ثانيها: الأرض التي تؤخذ من الكفار عنوة، و هذه الأرض ملك لكافّة المسلمين، و قد أبيح لهم بيعها و شراؤها، لأنّها ملك لهم. و المتصدي لبيعها يكون من المسلمين.

ثالثها: أرض الصلح، و هي التي يصالح أهلها عليها مع المسلمين.

(2) معطوف على «أرض أسلم» و هذا هو القسم الثاني من أقسام الأرضين.

(3) معطوف على «تؤخذ» يعني: أو أرض يصالح أهلها عليها، و هذا هو ثالث أقسام الأرضين.

(4) يعني: شراء الأرض المأخوذة عنوة و بيعها. و هذه الجملة ظاهرة- بل صريحة- في جواز بيع و شراء الأرض المفتوحة عنوة.

و الوجه في إباحة بيعها و شرائها هو: أنّ لنا في تلك الأراضي نصيبا، لأنّها أراضي المسلمين. و المتصدّي للبيع و الشراء أيضا من المسلمين، فيتصرف فيما هو ملك له.

ص: 466

لأنّ [1] لنا في ذلك قسما، لأنّها (1) أراضي المسلمين، و هذا القسم (2) أيضا يصحّ الشراء و البيع فيه على هذا الوجه (3).

و أمّا الأنفال (4) و ما يجري مجراها، فلا يصحّ تملّكها بالشراء (5)، و إنّما أبيح لنا التصرّف فيها (6) حسب» «1».

ثمّ استدلّ (7) على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة «2» الدالّة على جواز

______________________________

(1) الضمائر في «شرائها، بيعها، لأنّها» راجعة إلى الأرض.

(2) يعني: الأرض المأخوذة عنوة أيضا كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا في أنّه يصحّ بيعها و شراؤها.

(3) أي: على وجه كون هذه الأراضي المفتوحة عنوة- أو التي صولح عليها- ملكا للمسلمين، فالتصرف في الأرض المفتوحة عنوة جائز بأيّ نحو كان، كالتصرف في الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا.

(4) هذا كلام التهذيب أيضا، و غرضه بيان حكم الأنفال و ما يجري مجراها كالأرض التي هلك أهلها، فلا يصحّ تملكها بالشراء، لأنّها ملك خاص للإمام عليه السّلام. نعم أبيح لنا التصرف فيها فقط.

(5) في التهذيب: «بالشراء و البيع، و إنّما أبيح لنا التصرف فحسب».

(6) هذا الضمير و ضميرا «مجراها، تملكها» راجعة إلى الأنفال.

(7) أي: استدلّ الشيخ في التهذيب- على حكم الأراضي الخراجية- برواية

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا التعليل، إذ ليست ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين من الملكيات المتعارفة الموضوعة لتسلط الملّاك على أملاكهم، بل هي نحو خاصّ من الملك دلّ عليه النص. و ليس هو موضوعا لقاعدة السلطنة، و لا يصح التعليل المزبور إلّا إذا كان الملك موضوعا لقاعدة السلطنة، و من المعلوم أنّ ملك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ليس كذلك، فالتعليل المذكور عليل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 145- 146، ذيل الحديث: 405

(2) تقدمت في ص 453

ص: 467

بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض. و دليله (1) قرينة على توجيه [1] كلامه.

و كيف كان (2) فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار ممّا لا دليل عليه إن

______________________________

أبي البردة، المذكورة في (ص 453) الدالة على جواز بيع آثار التصرف، المعبّر عنه «ببيع حقّه منها» دون بيع رقبة الأرض. لكن الرواية مرميّة بضعف السند، لجهالة أبي بردة.

(1) يعني: و دليل شيخ الطائفة قدّس سرّه قرينة على توجيه كلامه الظاهر في جواز بيع نفس أرض الخراج و شرائها مستقلة. توضيحه: أنّ ما يستفاد ما رواية أبي بردة شراء الحق، لقوله عليه السّلام: «لا بأس أن يشتري حقّه منها، و يحوّل حقّ المسلمين عليه» ضرورة أنّه لو كان المراد بيع نفس رقبة الأرض لم يكن للمسلمين حقّ حتى يحوّله على المشتري.

فالمراد باشتراء الحقّ بيع الآثار و شراؤها لا رقبة الأرض.

فمقصود شيخ الطائفة قدّس سرّه من قوله: «فقد أبحنا شراءها و بيعها» هو بيع آثار الأرض المفتوحة عنوة، لا بيع رقبتها، حتى يوافق مدّعاه دليله الذي مفاده بيع الآثار، لا بيع نفس الرقبة.

(2) أي: سواء أ كانت الرواية مطابقة لكلام الشيخ في التهذيب أم لم تكن مطابقة له، فما ذكروه من حصول ملك الرقبة تبعا للآثار ممّا لم يقم عليه دليل إن أرادوا بالملك انتقال ملكية رقبة الأرض من شخص إلى غيره، بل دلّت النصوص السّت المتقدمة على عدم نفوذ بيع الأرض المفتوحة عنوة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ التوجيه- و هو إرادة خلاف الظاهر- لا بدّ من ارتكابه هنا، و دليله قرينة على التوجيه، فإنّ قوله: «أبحنا شراءها و بيعها» لرجوع الضميرين إلى نفس الأرض، و كذا تعليله بقوله: «لأن لنا في ذلك قسما» كالصريح في إرادة بيع نفس الرقبة، و ذلك يلائم بيع و شراء نفس الرقبة، لأنّ نصيب كل مسلم من عين الأرض.

مضافا إلى جعل الأرض المفتوحة عنوة كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا، في جواز كل تصرف- من بيع الرقبة و غيره- في أرض الإسلام الطوعي.

و عليه، فلا بدّ من توجيه بيع العين و شرائها، و صرفها إلى بيع الآثار و شرائها بما يصلح أن يكون قرينة عليه. و استدلاله بالرواية و اختياره لمضمونها قرينة على إرادة خلاف ظاهر كلامه.

ص: 468

أرادوا الانتقال. نعم (1) المتيقّن هو ثبوت حقّ الاختصاص (2) للمتصرّف ما دام شي ء من الآثار موجودا.

فالذي (3) ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرّف معه حتّى يثبت حقّ الاختصاص، فنقول:

أمّا في زمان الحضور و التمكّن من الاستئذان، فلا ينبغي الإشكال [1] في توقّف التصرّف على إذن الإمام، لأنّه وليّ المسلمين، فله نقلها عينا و منفعة. و من الظاهر أنّ كلام الشيخ- المطلق في المنع عن التصرّف- محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السّلام مع حضوره.

______________________________

(1) استدراك على عدم الدليل على حصول الملك لرقبة الأرض تبعا للآثار، و حاصل الاستدراك: أنّ المتيقن من الأدلة هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي ء من الآثار موجودا، و هذا الحق قابل للانتقال إلى الغير.

(2) يعني: لا ملكية رقبة الأرض للمتصرّف، و هذا الحقّ باق ببقاء الآثار، فمع ارتفاعها ينتفي الحق.

(3) بعد أن ضعّف المصنف قدّس سرّه بيع الأرض المفتوحة عنوة و لو تبعا للآثار، صار بصدد تحقيق المطلب بالنظر في جهتين:

الأولى: في التصرف في نفس الأرض.

الثانية: في حكم ما ينفصل عنها كأثمار الأشجار و أخشاب الأبنية.

و الكلام فعلا في الجهة الاولى، و هي بيان الوجه المجوّز للتصرف الموجب لحقّ الاختصاص، فنقول: أمّا في زمان الحضور و التمكن من الاستيذان فلا ينبغي الإشكال في توقف جواز التصرف في الأرض المفتوحة على إذن الامام عليه السّلام، لأنّه وليّ المسلمين.

______________________________

[1] بناء على عدم انصراف ما دلّ على «حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه أو إذن وليّه» عن هذا السّنخ من الملك الذي ليس لمالكه شي ء من التصرف، و إنّما التصرف لوليّه. لكن لا مطلقا، بل التصرف في منافعه بصرفها في خصوص المصلحة العامّة لملّاكه، إذ مع هذا الانصراف يرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الإباحة.

ص: 469

و أمّا في زمان الغيبة، ففي عدم جواز التصرّف إلّا فيما أعطاه السلطان الذي حلّ قبول الخراج و المقاسمة منه.

______________________________

و مقتضى ولايته عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه.

و الظاهر أنّ إطلاق كلام الشيخ في التهذيب- في المنع عن التصرف- محمول على صورة عدم إذن الامام عليه السّلام مع حضوره و التمكن من استيذانه. و أمّا في زمان الغيبة، ففي التصرف فيه وجوه خمسة:

أحدها: عدم جوازه إلّا في الأرض التي أعطاها السلطان الذي حلّ قبول الخراج و المقاسمة منه، و هو السلطان المخالف المدّعي للخلافة، كما ذهب إليه- في مسألة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة- بقوله: «و الحاصل: أنّ أخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلّا الجائر المخالف» «1».

و قال في جواز أخذ الخراج منه بعد الاستدلال بصحيحة الحذاء: «و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلى من ينتقل إليه، و إن كان حراما بالنسبة إلى الجائر الآخذ له» «2».

و كيف كان فهذا الوجه الأوّل حكاه صاحب الجواهر عن المحقق الثاني، و هو قوله: «و لو لم يكن عليها- أي على الأرض- يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه، حيث حكموا بأنّ المقاسمة و الخراج منوط برأيه، و هما كالعوض عن التصرف، و إذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوّض كذلك» «3».

و يدلّ على هذا القول النصوص المستفيضة الواردة في أحكام تقبّل الأرض الخراجية، التي يستفاد منها كون أصل التقبّل من السلطان مفروغا عنه و مسلّم الجواز عندهم، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان ..» «4».

______________________________

(1) كتاب المكاسب، ج 2، ص 230، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

(2) المصدر، ص 204

(3) جواهر الكلام، ج 21، ص 164، نقله عن فوائد الشرائع للمحقق الثاني، و حكاه عنه سيدنا الأستاذ قدّس سرّه في نهج الفقاهة، ص 336

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 214، الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، ح 3

ص: 470

أو جوازه (1) مطلقا (2)، نظرا إلى عموم ما دلّ على تحليل مطلق الأرض للشيعة (3)، لا خصوص (4) الموات التي هي مال الإمام عليه السّلام.

______________________________

ثانيها: جوازه مطلقا، لعموم دليل تحليل مطلق الأرض للشيعة، و خصوص الموات التي هي من الأنفال التي هي ملك الإمام عليه السّلام.

و قال بهذا غير واحد كشيخ الطائفة في التهذيب، حيث قال: «و أما أراضي الخراج و الأنفال و التي قد انجلى أهلها عنها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام عليه السّلام مستترا» «1». و استدل عليه بالنصوص كصحيحة عمر بن يزيد.

و حكاه الفاضل النراقي عن ظاهر الكفاية «2»، و قوّاه صاحب الجواهر أيضا «3».

و نسب إلى المحقق القمي «4».

(1) معطوف على «عدم جواز» و هذا ثاني الوجوه المتقدم بقولنا: «ثانيها: جوازه مطلقا .. إلخ».

(2) أي: سواء أ كانت الأرض ممّا أعطاه السلطان أم لا، و سواء أ كان التصرف بإذن الحاكم أم لا.

(3) كقوله عليه السّلام: «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم ..» الحديث «5» فإنّ «الأرض» مطلق تشمل الأراضي الخراجية، و لا تختص بأرض الأنفال.

(4) معطوف على «مطلق الأرض» و غرضه دفع توهم اختصاص التحليل بأرض الموات التي هي من الأنفال، و هذا الاختصاص يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر قدّس سرّه، كقوله: «و ربّما كان المراد منها- أي: من نصوص التحليل- خصوص الموات الذي هو من الأنفال، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية ..» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 144

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 222، كفاية الأحكام، ص 77

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 197

(4) جامع الشتات، ج 1، ص 124 (الحجرية).

(5) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

(6) جواهر الكلام، ج 22، ص 197

ص: 471

و ربما يؤيّده (1) جواز قبول الخراج الذي هو كاجرة الأرض، فيجوز التصرّف في عينها (2) مجّانا.

أو عدم (3) جوازه إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام.

أو التفصيل (4) بين من يستحقّ اجرة

______________________________

و ارتضاه المصنف في كتاب الخمس بقوله: «فالظاهر أنّ ما عدا الموات من الأنفال لم يحصل لنا اطمئنان بجواز التصرف فيه لأيّ شخص و بأيّ وجه» «1».

و عليه فكلامه هنا عدول عمّا استظهره هناك. كما أنّه تعريض بما في الجواهر.

(1) يعني: و يؤيّد الاحتمال الثاني، و هو جواز التصرف مطلقا في الأرض الخراجية.

و محصل وجه التأييد: أنّ النصوص دلّت على جواز تقبّل الشيعي خراج الأرض لنفسه من السلطان، و الخراج بالنظر الى الواقع يكون أجرة الأرض الخراجية، و التصرف في أجرتها يوجب جواز التصرف في عينها.

(2) أي: في عين الأرض الخراجية، و التعبير بالتأييد إنّما هو لأجل احتمال كون الخراج حكما تعبديا.

(3) معطوف على «عدم جواز» و هذا هو الاحتمال الثالث، و حاصله: عدم جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه السّلام و جعل المصنف قدّس سرّه في (ص 476) هذا الاحتمال أوفق بالقواعد.

و هو ظاهر الشهيد الثاني قدّس سرّه، و قد نقل المصنف كلامه في بحث الخراج و المقاسمة، فراجع «2».

(4) معطوف أيضا على «عدم» و هذا هو الاحتمال الرابع، و حاصله: التفصيل في جواز التصرف بين من يستحق أجرة الأرض الخراجية و بين غيره ممّن يجب عليه حقّ الأرض، بجواز التصرف في الأوّل، لأنّه على ما في رواية أبي بكر الحضرمي: «ذو نصيب في بيت المال» و هو يقتضي جواز تصرفه في الأرض. و بعدم جواز التصرف في الأرض لغير من يستحق أجرة الأرض.

و هذا التفصيل يظهر من المحقق الثاني و غيره، على ما نقله المصنف عنه في بحث

______________________________

(1) كتاب الخمس، ص 373

(2) كتاب المكاسب، ج 2، ص 222، مسالك الأفهام، ج 3، ص 55

ص: 472

هذه الأرض (1)، فيجوز له التصرّف فيها، كما (2) [لما] يظهر من قوله عليه السّلام للمخاطب في بعض أخبار حلّ الخراج: «و إنّ لك نصيبا في بيت المال» «1»، و بين (3) غيره الذي يجب عليه حقّ الأرض. و لذا (4) أفتى غير واحد- على ما حكي (5)- بأنّه لا يجوز

______________________________

الخراج و المقاسمة بقوله بعد نقل رواية الحضرمي المشار إليها هنا: «فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة .. على اعتبار استحقاق الآخذ لشي ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر» «2».

و الفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الأوّل: أن جواز التصرف في الأوّل منوط بإعطاء السلطان، سواء أ كان المتصرف مستحقا أم لا. بخلاف الاحتمال الرابع، فإنّ الجواز يدور مدار الاستحقاق، سواء أ كان بإعطاء السلطان أم باستقلال المتصرّف، و عدم استيذانه منه.

(1) أي: الأرض المفتوحة عنوة، و ضمير «فيها» راجع إلى الأرض.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ «لما» و هذا تعليل لجواز التصرف في الأرض لمن يستحقّ أجرتها.

(3) معطوف على «بين من يستحق» و ضمير «غيره» راجع إلى «من يستحق».

(4) أي: و لأجل التفصيل بين مستحقّ اجرة هذه الأرض و بين غيره- بجواز التصرف في الأوّل، و عدمه في الثاني- أفتى غير واحد من الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» بعدم جواز حبس الخراج، و عدم جواز سرقته عن السلطان المخالف. و هذا دليل على أنّ من لا حقّ له في الخراج يحرم عليه أن يتصرف في أرض الخراج بدون إذن الحاكم الشرعي، و من دون التقبل من السلطان.

و الحاصل: أنّ غير المستحق للخراج يحرم عليه التصرف في الأرض.

(5) الحاكي غير واحد، كالمحقق الكركي في الرسالة الخراجية، حيث قال: «ما زلنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، ح 6

(2) كتاب المكاسب، ج 2، ص 237، و لاحظ قاطعة اللجاج، ج 1، ص 283، و فيها: «فهل تكون- أي الخراج و المقاسمة و الزكاة- حلالا للآخذ مطلقا، حتى لو لم يكن مستحقا للزكاة، و لا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام؟ أو إنّما يكون حلالا بشرط الاستحقاق .. و تعليلهم للآخذ نصيبا في بيت المال، و أنّ هذا حقّ للّه يشعر بالثاني. و للتوقف فيه مجال».

ص: 473

حبس الخراج و سرقته عن السلطان الجائر و الامتناع عنه (1). و استثنى (2) بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه السّلام.

أو بين (3) ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح،

______________________________

نسمع من كثير ممّن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ على بن هلال قدّس سرّه أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته، و لا جحوده، و لا منعه، و لا شي ء منه، لأنّ ذلك حقّ واجب عليه» «1».

(1) أي: عن الخراج، أي عن أدائه إلى السلطان الجائر.

(2) يعني: و استثنى بعض الفقهاء- كأصحاب الرياض و المناهل و مفتاح الكرامة و الجواهر قدّس سرّهم- من عدم جواز منع الخراج عن السلطان الجائر: ما إذا دفعه إلى الحاكم الشرعي الذي هو نائب عن الإمام عليه السّلام، قال في الجواهر: «فلو فرض عدمها- أي عدم التقية- في بعض الأحوال و الأمكنة و الأزمنة، و لو بالنسبة الى بعض الخراج، دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم السّلام في زمن الغيبة ..» «2».

(3) معطوف على قوله: «بين مستحق الأجرة» و هذا إشارة إلى الاحتمال الخامس، و محصّله: التفصيل في الأرض بين عروض الموت لها بعد أن كانت محياة حين الفتح، و بين بقائها على عمارتها، بجواز إحياء الأوّل، لعموم أدلة الإحياء، فإنّ قولهم عليهم السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» يشمل هذه الأرض التي عرض لها الموت إن لم تكن منصرفة إلى خصوص الأنفال التي هي مال الامام عليه السّلام. و إن كانت الأرض تحت ولايته كالمفتوحة عنوة التي هي ملك قاطبة المسلمين.

و يستفاد هذا الاحتمال الخامس ممّا نقله صاحب الجواهر قدّس سرّه عن المحقق الكركي من قوله: «ما يوجد من هذه الأرض- أي المفتوحة عنوة- مواتا في هذه الأزمنة، إن

______________________________

(1) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) ج 1، ص 285، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 3، ص 55 و 56 و تقدم أيضا في المكاسب المحرّمة، ج 2، ص 214

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 195، رياض المسائل، ج 8، ص 117، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 245، المناهل، ص 313

ص: 474

و بين (1) الباقية على عمارتها من حيث الفتح، فيجوز إحياء الأوّل (2)، لعموم (3) أدلّة الإحياء، و خصوص رواية سليمان بن خالد (4) و نحوها «1».

______________________________

دلّت القرائن على أنّه كان معمورا من القديم و مضروبا عليه الخراج ككثير من أرض العراق، يلحق بالمعمور وقت الفتح. و حيث إنّه لا أولوية لأحد عليه، فمن أحياه كان أحقّ به، و عليه الخراج و المقاسمة» ثم قال في الجواهر: «بل ظاهره المفروغية من ذلك» فراجع «2».

(1) معطوف على «بين» في قوله: «أو بين ما عرض له الموت».

(2) و بالإحياء يصير أولى من غيره بهذه الأرض.

و أهمل المصنف قدّس سرّه حكم ما لو كانت عمارة الأرض باقية، و ذلك اتكالا على وضوحه، من أنّها ملك للمسلمين قاطبة، و ليس بعضهم أولى بها من بعض، لكونها معمورة حسب الفرض، و لا مورد لإحداث عمارة فيها توجب حقّ الاختصاص.

(3) مثل ما في معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «3».

و التعبير بالعموم من جهة إطلاق «شيئا من الأرض» لما كانت مواتا بالأصل، و لما طرأ عليها الخراب، بخلاف ما سيأتي في صحيحة سليمان بن خالد من كون موضوعها عمران الأرض الموات بالعرض.

(4) قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الأرض، فيستخرجها، و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال عليه السّلام: الصدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال عليه السّلام: فليؤدّ إليه حقّه» «4».

فإنّ تأدية الحقّ إلى صاحبها تكشف عن بقاء ملك المالك الأوّل و عدم زواله بالموت. فصدرها دليل على مملّكية الإحياء للمحيي، و ذيلها يدلّ على أنّ الأرض الميتة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) جواهر الكلام، ج 21، ص 165

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 3

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 3

ص: 475

وجوه (1)، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث (2)، ثمّ الرابع (3)، ثمّ الخامس (4).

______________________________

إن كان لها مالك لا تخرج عن ملكه بعروض الموت عليها.

و وجه الخصوصية: أنّ مورد الرواية خصوص الأرض الخربة المسبوقة بالعمارة التي هي موضوع البحث، و دلالتها على المقام إنّما هي بالإطلاق الشامل لها و لغيرها.

(1) مبتدء مؤخّر لخبر مقدّم، و هو قوله: «ففي عدم جواز التصرف».

(2) و هو عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم، لأنّه وليّ أمور المسلمين في عصر الغيبة، كما هو شأن كل مال مملوك للنوع ك «المسلمين» فإنّ أمره بيد الولي، و هو الإمام عليه السّلام في زمان حضوره، و في عصر الغيبة هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم و الفتوى. و لا وجه لسائر الأقوال.

(3) و هو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض، فيجوز له التصرف، و بين غير المستحق فلا يجوز.

و الوجه فيه- أنه بعد التنزل عن الاستئذان من الفقيه- يتجه الفرق بين الفقير فيحلّ له التصرف و الانتفاع بالأرض، لقوله عليه السّلام: «و إنّ لك نصيبا في بيت المال» فإذا حلّ أخذ شي ء من بيت المال- المؤلّف من الخراج و المقاسمة اللذين هما نماء الأرض- جاز التصرف في رقبتها. و بين الغنيّ فلا يحلّ، إذ لا نصيب له في بيت مال المسلمين.

(4) و هو التفصيل بين ما عرض له الموت- من الأرض المحياة حال الفتح- و بين الباقية على عمارتها.

و الوجه فيه: أمّا بالنسبة إلى المنع- مع بقاء العمارة- فلكون الأرض ملكا لجميع المسلمين. و أمّا بالنسبة إلى المحيي- مع فرض طروء الموت عليها- فلما دلّ على ثبوت الحقّ بالإحياء.

و لعلّ وجه كون هذا الاحتمال الخامس بعيدا- بالقياس إلى الاحتمال الثالث و الرابع- هو ابتناؤه على استفادة الإذن من أدلة الإحياء حتى بالنسبة إلى الأراضي التي ليست رقبتها للإمام عليه السّلام، و إنّما هو وليّ على ملّاكها، فلا يبعد اختصاص أدلة الإحياء بغير مملوك الناس.

ص: 476

[حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة]

و ممّا ذكرنا (1) يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة، كأوراق الأشجار و أثمارها، و أخشاب الأبنية، و السقوف الواقعة، و الطين المأخوذ من سطح الأرض، و الجصّ و الحجارة و نحو ذلك، فإنّ مقتضى القاعدة (2) كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين، و لذا (3) صرّح جماعة كالعلّامة و الشهيد

______________________________

و على كلّ فلا وجه للاحتمال الأوّل و الثاني. أمّا الأوّل فلعدم ولاية السلطان الجائر حتى ينفذ في ما أعطاه إلى شخص.

و أمّا الثاني فلمنافاته لعموم ولاية الفقيه في زمان الغيبة.

(1) حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا إليها في (ص 469). أي: و من ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة- و عدم جواز التصرف فيها إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي أو السلطان الجائر- يعلم حال ما ينفصل عن تلك الأرض كأوراق الأشجار و أثمارها، إلى غير ذلك، و أنّ المنفصل عنها كأجزائها المتصلة في حرمة التصرف فيها إلّا بمراجعة من عرفت.

و قد تعرض المصنف في الأجزاء المنفصلة لوجهين، هذا أحدهما، و سيأتي الوجه الثاني بقوله: «و يحتمل» و رجّحه بالسيرة.

(2) و هي: استصحاب ملكية المنفصلات للمسلمين، لكون الاتصال و الانفصال من الحالات المتبادلة، لا من مقوّمات الموضوع. فلا وجه للإشكال في هذا الاستصحاب بتبدل الموضوع.

و يمكن جريان الأقوال المذكورة- في نفس الأرض- فيما ينفصل عنها.

(3) أي: و لأجل القاعدة المذكورة صرّح جماعة بأنّ جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة مشروط بأن لا تكون آلات تلك الأبنية من تراب الأرض، إذ لو كانت من ترابها كانت بحكم نفس الأرض، و ملكا لقاطبة المسلمين.

قال صاحب الجواهر- في رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة و أشجارها-

ص: 477

و المحقّق الثاني و غيرهم- على ما حكي عنهم- بتقييد (1) جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما (2) إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض (3).

نعم (4)، الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين (5)، لأنّها (6) ممّا ينقل.

______________________________

ما لفظه: «و قد قيّد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها، و إلّا كان حكمه حكمها» «1» يعني في عدم الجواز.

(1) متعلّق ب «صرّح».

(2) متعلق ب «تقييد».

(3) حكاه السيد العاملي عن هؤلاء صريحا بقوله: «مع التقييد في الأربعة الأخيرة- و هي التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و مجمع البرهان- بما إذا لم يكن البناء معمولا من ترابها» «2».

و قد نسبه صاحب الجواهر أيضا إلى جماعة كما تقدم آنفا. و لكن لم أظفر بهذا التقييد في الدروس و جامع المقاصد بعد ملاحظة مواضع منهما. نعم هو مصرّح به عن العلّامة و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهما. و لا بدّ من مزيد التتبع.

(4) حاصله: أنّ ما تقدم من أوراق الأشجار و غيرها كان ممّا يحدث بعد فتح الأرض. و أمّا إذا كانت تلك الأشياء موجودة في الأرض حال الفتح، فهي لخصوص المقاتلين، لأنّها من الغنائم المنقولة التي هي ملك المقاتلين فقط. و قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم أو السلطان.

(5) خبر لقوله: «الموجودة» و ضمير «فيها» راجع إلى الأرض».

(6) تعليل لكون الموجودة في الأرض المفتوحة للمقاتلين، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «لأنّها من الغنائم .. إلخ».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 129

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 82، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 17 (الحجرية)؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 145

ص: 478

و حينئذ (1) مقتضى القاعدة (2) عدم صحّة أخذها إلّا من السلطان الجائر، أو (3) من حاكم الشرع.

مع (4) إمكان أن يقال: لا مدخل لسلطان الجور، لأنّ القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض، لا أجزاؤها، إلّا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع

______________________________

(1) يعني: و حين البناء على كون الموجودة في الأراضي الخراجية حال الفتح للمقاتلين كلّهم، فمن أراد من المسلمين غير المقاتلين أن يأخذ هذه الآثار الموجودة حال الفتح، فيعتبر أن يكون الأخذ بإجازة من السلطان الجائر، أو الحاكم الشرعي، لأنّ المفروض أنّ الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة ملك للمقاتلين. فمقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه لزوم كون التصرف بالإذن.

(2) و هي حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(3) الترديد- مع أنه قدّس سرّه رجّح الاحتمال الثالث، و هو: إناطة جواز التصرف بإذن خصوص الفقيه- إمّا لأجل بيان الحكم بناء على الاحتمال الأوّل أو الرابع، و إمّا لأجل عدم إمكان الاستيذان من الحاكم الشرعي.

(4) هذا وجه لعدم الحاجة في أخذ الأشياء- المذكورة في المتن- إلى إجازة الجائر أو حاكم الشرع. و محصل هذا الوجه: خروج الأمور المذكورة عن دائرة ما يتوقف جواز أخذه على إجازة الحاكم أو الجائر، بأن يقال: إنّ مورد التوقف على الإجازة هو منفعة الأرض، لا أجزاؤها كالأشياء المذكورة. إلّا أن يكون أخذها على وجه الانتفاع لا التملك، فحينئذ يجوز الأخذ بإجازة السلطان، مع فرض أنّ الشارع أمضى تصرفاته في عصر الغيبة.

و بعبارة أخرى: الغرض من قوله: «مع إمكان أن يقال» منع ما أفاده قبل أسطر من كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم نفس الرقبة في توقف التصرف فيها على إذن السلطان الجائر.

و وجه المنع: أنّ مورد نفوذ إذن الجائر هو ما حلّ أخذه منه، على ما ذكرناه في توضيح قوله: «إلّا فيما أعطاه السلطان الجائر الذي حلّ قبول الخراج منه».

و حيث إنّ الخراج كالمقاسمة أجرة الأرض، كان حكم الأجزاء المنفصلة عن الأرض أجنبيا عما دلّ على اعتبار إذن السلطان في حلّ التصرف في الأرض المفتوحة

ص: 479

لا التملّك، فيجوز (1) [1].

و يحتمل (2) [2] كون ذلك بحكم المباحات،

______________________________

عنوة. و ذلك لعدم صدق «المنفعة و الخراج» على ما ينفصل من الأرض حتى يلزم الرجوع إلى الجائر في تملّك ما يكون فيها نعم من خشب البناء المهدوم، أو يتولّد منها.

نعم لو قصد المتصرّف مجرّد الانتفاع بتلك الأجزاء لا تملكها جاز الاستيذان من الجائر الذي أمضى الشارع إعطاءه الأرض المفتوحة عنوة للانتفاع بها.

و لا فرق في ما ذكر- من التفصيل بين قصد التملك و قصد الانتفاع- بين كون الأجزاء المنفصلة مقوّمة للأرض المعمورة بما هي معمورة، كأجزاء الدار من الجدران و الأخشاب، و بين منافع الأرض و إن كانت هي أعيانا كالأشجار النابتة فيها و الجصّ المطبوخ منها، و الطين و الآجر المعمولين منها.

و وجه عدم الفرق ما ذكر آنفا من: أنّ مورد اعتبار إذن الجائر هو الانتفاع لا التملّك.

(1) يعني: فيجوز الأخذ من السلطان للانتفاع دون التملك.

(2) هذا راجع إلى الاحتمال الآخر في المسألة، أعني به ما ينفصل عن الأرض

______________________________

[1] يمكن القول بعدم الجواز أيضا، لأنّ الانتفاع خارج عن المنفعة التي هي مورد إجازة السلطان، و داخل في المحرّم الذي هو الركون إلى الظالم.

نعم يمكن أن تكون الأشياء المذكورة داخلة فيما أحلّه الأئمة الطاهرون عليهم أفضل الصلاة و السلام للشيعة إن لم يختص ذلك بالأنفال.

[2] هذا الاحتمال بعيد جدّا، لأنّه مخالف لقاعدة تبعية المنفعة للعين في الملكية، و ذلك لأنّ منافع الأرض كنفسها مملوكة للمسلمين، لقاعدة التبعية، غاية الأمر أنّه يجوز بيعها و صرف ثمنها في مصالح المسلمين، كصرف سائر منافعها في مصالحهم.

بخلاف نفس الأرض المفتوحة عنوة، فإنّها مملوكة للمسلمين، لكن لا يجوز بيعها و شراؤها.

ص: 480

لعموم [1] «من سبق إلى ما لم يسبق (1) [يسبقه] إليه مسلم فهو أحقّ به» «1».

و يؤيّده (2)- بل يدلّ عليه- استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني [2] و ما عمل من التربة الحسينية [3].

______________________________

المفتوحة عنوة من الأجزاء. و حاصل هذا الاحتمال هو كون تلك الأجزاء بحكم المباحات الأصلية في عدم الحاجة في تملكها إلى إجازة أحد، بل من سبق إليه فهو أحقّ من غيره به.

(1) كذا في نسختنا، و في المستدرك و بعض نسخ الكتاب «لم يسبقه».

(2) أي: و يؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم

______________________________

و لا سبيل إلى الخروج عن قاعدة التبعية بالنسبة إلى منافع الأرض المفتوحة عنوة، فلا وجه لتملكها بالحيازة كحيازة المباحات، لاختصاص دليل الحيازة بغير أملاك الناس.

[1] لكنه لا يفيد الملكية، بل الأولوية. مع أنه سيق لبيان حكم آخر، و هو أولوية السابق من اللاحق، فلا إطلاق له بالنسبة إلى المفتوحة عنوة و غيرها.

[2] يمكن دعوى انصراف الأدلة عن مثل هذه التصرفات، فيرجع فيها إلى قاعدة الحل.

[3] يمكن أن يقال- بعد الغض عن دعوى الانصراف المتقدمة-: إنّ ما دلّ على الحثّ و الترغيب في أخذ التربة الحسينية و التبرك بها في الصلاة و غيرها إذن عامّ، و معه لا حاجة إلى إجازة الفقيه أو السلطان الجائر، هذا.

ثمّ إنّ التمسك بالسيرة إنّما يتجه فيما إذا أحرز كون موردها الأشياء المعمولة من أرض العراق المحياة في حال الفتح. و لا سبيل إلى إحرازه.

فالمستند في جواز الأمور المذكورة هو قاعدة الحل الجارية في الشبهات الموضوعية التي منها مورد بحثنا، إذ لا يعلم أنّ تلك الأمور معمولة من قسم المعمور من المفتوحة عنوة، أو من قسم الموات منها.

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 3، ص 480، ح 4، و رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 17، ص 112، ح 4

ص: 481

و يقوّي هذا الاحتمال (1) بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض (2).

______________________________

المباحات- بل يدلّ عليه- استمرار السيرة و استقرارها خلفا عن سلف على بيع ما يعمل من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني، و كذا بيع ما يعمل من التربة الحسينية على ساكنها أفضل الصلاة و التحية، فإنّ هذه السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام دليل على إباحة التصرف فيها، و عدم الحاجة إلى إجازة الحاكم أو الجائر.

و هذه السيرة ذكرها السيد العاملي قدّس سرّه بقوله: «و قد يقال بالجواز في ذلك- أي بجواز رهن بناء الأرض المفتوحة عنوة المأخوذ من ترابها- كما هو ظاهر إطلاق الباقين، عملا بما استمرّت عليه السيرة من بيع الأباريق و الحجلات- و هي الزقاق للشرب- و الحبوب و السبح الحسينية على مشرّفها السلام، و غير ذلك مما يعمل من ترابها» «1» لكنه قدّس سرّه أمر بالتأمّل. و لعلّه لذا عبّر المصنف بالتأييد أوّلا، لكنه لقوة السيرة عدل إلى الدلالة.

(1) يعني: و يؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض بحكم المباحات بعد بقائها بعد انفصالها على جزئيتها من الأرض.

(2) العبارة لا تخلو من اضطراب، إذ لو كان انفصال هذه الأجزاء عن الأرض بعيدا لزم الحكم عليها بما يحكم على نفس الأرض من كونها ملكا للمسلمين، و لا وجه لتقوية الإباحة، مع أنّ مقصوده قدّس سرّه تأييد احتمال الإباحة.

فالأولى أن يقال: «بعد كون هذه الأجزاء من الأرض بعد انفصالها».

هذا تمام الكلام في حكم الأراضي، و بذلك تمّ البحث عن اشتراط البيع بالملك، و سيأتي الكلام في اشتراط الطلق إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

فإن كان من القسم الثاني صار الآخذ لها مالكا لها. و العلم الإجمالي بوجود قطعات معمورة حال الفتح في أرض العراق لا أثر له بعد خروج بعضها عن الابتلاء. فقاعدة الحلّ تجري فيها بلا مانع، كجريانها في الشبهات البدوية غير المقرونة بالعلم الإجمالي.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 82

ص: 482

[الثالث من شروط العوضين: كون الملك طلقا]
اشارة

و اعلم أنّه ذكر الفاضلان (1) و جمع (2) ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية: كونه (3) طلقا. و فرّعوا عليه (4) عدم جواز بيع الوقف إلّا فيما استثني، و لا الرّهن (5) إلّا بإذن المرتهن

______________________________

(1) الثالث من شروط العوضين: كون الملك طلقا و هما المحقق و العلّامة قدّس سرّهما، فإنّهما جعلا الطّلقية شرطا آخر من شرائط العوضين. قال المحقق: «الثاني: أن يكون طلقا» «1».

و قال العلّامة: «و يشترط في الملك التمامية» و لم نعثر على من اعتبر هذا الشرط قبلهما، و لذا قال المحقق الكبير التستري قدّس سرّه في المقابس: «و العبارتان- أي الطلق و التمامية- متداولتان بين متأخري الأصحاب» «2».

(2) كالشهيدين و المحقق الثاني و الفاضل السبزواري و المحدّث البحراني و الفاضل النراقي قدّس سرّهم «3».

(3) أي: كون كلّ من العوضين طلقا.

(4) أي: فرّعوا على اعتبار طلقية الملك في العوضين: عدم جواز بيع الوقف إلّا في الموارد المستثناة التي سيأتي تفصيل البحث فيها.

(5) يعني: و فرّعوا أيضا على اعتبار طلقية الملك: عدم جواز بيع العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن أو إجازته، حيث إنّ الرهن يخرج المرهونة عن الطّلقية، و يوجب تعلق حق المرتهن بها بحيث لا يصحّ البيع إلّا بإذنه أو إجازته.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(3) الروضة البهية (اللمعة و شرحها) ج 3، ص 253، جامع المقاصد، ج 4، ص 97، كفاية الأحكام، ص 89، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 438، مستند الشيعة، ج 14، ص 307

ص: 483

أو إجازته (1)، و لا (2) أمّ الولد إلّا في المواضع المستثناة.

[المراد بالطّلق]

و المراد بالطّلق (3) [1] تمام السلطنة على الملك، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء، و يكون (4) مطلق العنان في ذلك (5).

لكن هذا المعنى (6) في الحقيقة راجع إلى كون الملك ممّا يستقلّ المالك بنقله،

______________________________

(1) الفرق بين الإذن و الإجازة هو السبق و اللحوق، فإن أظهر المرتهن رضاه قبل أن يبيع الراهن كان إذنا له، و إن كان بعده كان إمضاء و إجازة، نظير إجازة بيع الفضولي.

(2) يعني: و فرّعوا على اعتبار طلقية الملك عدم جواز بيع أمّ الولد إلّا في مواضع سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

(3) بعد بيان آثار شرطية الطّلق- من الاحتراز عن البيع في موارد- أراد أن يبيّن مفهوم الشرط و هو الطلق، و محصله: أنّ المراد بالطّلق هو السلطنة التامة للمالك على ملكه، بأن يفعل بملكه ما شاء و أراد، بلا توقف على إذن أحد أو إجازته.

و بعبارة أخرى: الطّلق هو الذي يكون مالكه مطلق العنان في التصرف في ملكه، من غير فرق في ذلك بين التصرف الخارجي و الاعتباري.

(4) معطوف على «يكون» و الضمير المستتر فيه راجع إلى المالك.

(5) أي: في فعله بملكه ما شاء.

(6) أي: تمام السلطنة على الملك. و هذا تمهيد للإشكال على تفسير «الطلق» بما ذكر،

______________________________

[1] الأولى أن يقرّر هكذا: إن أريد بالطلق السلطنة التامة على الملك بجميع أنحاء التصرفات الاعتبارية و الخارجية، فعدم اعتباره غنيّ عن البيان، لوضوح عدم اعتباره في صحة البيع. فإذا حلف على عدم هبة ماله الخاصّ مطلقا أو من شخص خاصّ، فلا إشكال في جواز بيعه و صحته حينئذ، مع عدم السلطنة التامة على هذا المال، لمكان الحلف.

و إن أريد به السلطنة التامة على البيع و إن لم يكن له سلطنة على غير البيع من التصرفات، فمرجعه إلى اشتراط صحة البيع بصحة بيع متعلقة للمالك مستقلّا. و هذا لا معنى له، لأنّه من قبيل جعل الشي ء مشروطا بنفسه.

فالطّلق بعنوانه ليس شرطا، بل الشرط حقيقة هو انتفاء الحقوق الخاصّة المانعة عن تصرف المالك في ملكه. و الطّلق منتزع عن انتفاء تلك الحقوق، فيصحّ أن يقال: يشترط في صحة البيع أن لا يكون المبيع وقفا أو مرهونا، و هكذا.

ص: 484

و يكون نقله (1) ماضيا فيه، لعدم (2) تعلّق حقّ به مانع (3) عن نقله بدون (4) إذن ذي الحقّ، فمرجعه (5) إلى أنّ من شرط البيع أن يكون (6) متعلّقه ممّا يصحّ للمالك بيعه مستقلّا. و هذا [ممّا] لا محصّل له.

فالظاهر (7) أنّ هذا العنوان

______________________________

و حاصله: أنّ مرجع تفسير «الطلق»- بما مرّ- إلى استقلال المالك بنقل ملكه إلى غيره و مضيّه، لعدم تعلق حقّ أحد به يكون مانعا عن نقله بدون إذنه.

فمآل هذا الشرط إلى اشتراط صحة البيع بأن يكون متعلّقه ممّا يصح للمالك بيعه مستقلّا، لأنّ وجود كل ممكن- حتى الموجود الاعتباري- منوط بعدم المانع، فلو تحقق المانع امتنع وجود الممنوع، كالرطوبة المانعة عن وجود الإحراق.

فهو نظير أن يقال: يشترط في صحة الصلاة أن تكون الصلاة صحيحة، و يشترط في جواز البيع جواز بيع المبيع.

(1) يعني: و يكون نقل المالك ماضيا في ملكه.

(2) تعليل لمضيّ الحق و نفوذه.

(3) صفة ل «حق» و ضمير «نقله» راجع الى الملك.

(4) متعلق ب «نقله».

(5) أي: مرجع قيدية «الطلق» إلى: أنّ من شرائط صحة البيع صحة بيع متعلّقه للمالك مستقلّا، و هذا كما في المتن لا محصّل له، إذ لا معنى له إلّا اعتبار صحة بيع المبيع في صحة البيع، نظير أن يقال: جواز البيع مشروط بجواز بيع المبيع.

(6) منصوب محلّا، لكونه اسم «ان» و خبره المقدّم هو «من شرط».

(7) بعد أن استشكل المصنف قدّس سرّه بقوله: «لكن هذا المعنى في الحقيقة .. إلخ» على اعتبار الطّلق في البيع، استظهر عدم اعتبار عنوان الطّلق بالمعنى المذكور في البيع، و قال:

إنّ عنوان الطّلق في نفسه ليس شرطا في صحة البيع حتى يتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و غيره، بل الشرط هو انتفاء كلّ حقّ يمنع المالك عن التصرف في ماله كالنذر و الشرط و الرهن و غيرها.

فليس الطّلق شرطا وجوديّا كالماليّة و غيرها من شرائط العوضين، بل «الطلق» منتزع عن عدم تعلق حق أحد بالعوضين يمنع المالك عن التصرّف في ملكه.

فحينئذ يصحّ أن يقال: يشترط في صحة البيع أن لا يكون العوضان متعلّقين لحق شخص

ص: 485

ليس في نفسه شرطا [1] ليتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أمّ الولد، بل (1) الشرط في الحقيقة انتفاء كلّ من تلك الحقوق الخاصّة (2) و غيرها ممّا ثبت منعه عن تصرّف المالك، كالنذر و الخيار و نحوهما. و هذا العنوان (3) منتزع من انتفاء تلك الحقوق.

______________________________

مانع عن تصرف المالك في ملكه.

و هذا التوجيه أفاده صاحب المقابس أيضا- بعد الاعتراض على جعل الطلق شرطا- بقوله: «و يمكن أن يقال: إنّهم قصدوا بذلك ما ذكروه مفصّلا من عدم كونه وقفا و لا رهنا و لا غير ذلك مما يأتي بيانه .. و وجه التعبير بالعنوان المشترك قصد الاختصار و الضبط» «1».

(1) استدراك على قوله: «فالظاهر أنّ هذا العنوان ليس في نفسه شرطا».

(2) و هي: بيع الوقف و المرهونة و أمّ الولد، يعني: ليس تعلق مطلق الحق مانعا من صحة البيع، حتى ينتزع شرط كلي مطّرد بعنوان «الطلق» من عدم تعلق الحق.

و الوجه في انتزاعه من انتفاء بعض الحقوق هو التزامهم بصحة البيع في جملة من الموارد كالعين المنذورة لمصرف خاص، و كالمبيع بالبيع الخياري الذي تعلّق به حقّ من له الخيار، و غير ذلك.

(3) أي: كون الملك طلقا- بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف فيه- منتزع من انتفاء الحقوق المانعة عن نفوذ التصرف فيه، فالطّلق أمر عدميّ أي عدم مانع من التصرف فيه، فيصح أن يقال: يشترط في البيع أن لا يكون العوض فيه متعلّقا لحق الغير.

______________________________

[1] خلافا للمحقق النائيني قدّس سرّه، حيث إنّه جعل الطلق شرطا وجوديّا، و هو مرسليّة الملك بالنسبة إلى مالكه، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء من بيعه و إجارته و جميع تقلباته. و ليس مرجعه إلى جواز البيع حتى يردّ بأنّه لا معنى لاشتراط جواز البيع بأن يكون المبيع جائز البيع. الى آخر ما أفاده المقرر و هو العلامة الآملي قدّس سرّه «2».

و لا يخفى أنّ ما أفاده الميرزا قدّس سرّه من تفسير الطلق بمرسلية الملك بالنسبة إلى

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 373

ص: 486

فمعنى الطّلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله، غير محبوس عليه (1) لأحد (2) الحقوق التي ثبت منعها (3) للمالك عن التصرّف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع (4) تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف، لا تأسيس لشرط (5)

______________________________

(1) أي: على النقل.

(2) متعلق ب «محبوس» و ضميره راجع الى الملك المستفاد من العبارة.

(3) هذا الضمير راجع إلى الحقوق، يعني: ثبتت مانعية تلك الحقوق عن تصرف المالك في ملكه.

(4) و هو الطّلق، حيث إنّه منتزع عن عدم تعلّق حقوق بالملك مانعة عن تصرف المالك في ملكه، و ليس عنوانا متأصّلا. فكأنّه قيل: يعتبر في البيع أن لا يكون العوضان متعلقين لحقوق تمنع المالك عن التصرف في ملكه، فالمانع حقيقة عن صحة البيع هو تلك الحقوق التي عدمها منشأ انتزاع عنوان الطلق، فعدمها شرط صحته، لا أنّ الطلق المنتزع عن عدمها شرط.

(5) على حدّ سائر شرائط العوضين حتى يتفرع عليه ما بعده من الوقف و الرهن

______________________________

المالك، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء، و كذا تفسير «الطلق» بكون الملك مطلق العنان للمالك، و كون سلطنته عليه تامة في مقابل السلطنة الناقصة.

فيه أوّلا: أنّ مرسلية الملك و تمام السلطنة و نظائرهما من التعبيرات منتزعة عن عدم تعلق حق به يمنع عن تصرف المالك، إذ مع تعلق حق كذائي به لا يصحّ هذه التعبيرات.

فالمدار على منشأ الانتزاع، و هو عدم تعلق حق به يمنع المالك عن التصرف بدون إذن ذي الحق.

و ثانيا- بعد الغض عنه-: ليس الطلق بهذا المعنى الوسيع شرطا لصحة البيع، بل الشرط هو عدم تعلق حق به مانع عن بيع المالك، لا كلّ حقّ كحلف المالك على عدم هبة ماله، أو عدم بيعه من شخص خاص، أو غير ذلك من الحقوق غير المانعة عن بيعه.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون الشرط عدم تعلق حقّ مانع عن البيع متين جدّا.

ص: 487

ليكون ما بعده فروعا، بل الأمر في الفرعيّة و الأصالة بالعكس (1).

[الحقوق الثلاثة المانعة عن البيع]

ثمّ إنّ أكثر من تعرّض لهذا الشرط (2) لم يذكر من الحقوق إلّا الثلاثة (3) المذكورة، ثمّ عنونوا حقّ (4) الجاني، و اختلفوا في حكم بيعه (5).

______________________________

و أمّ الولد.

(1) يعني: أنّ الأصل في الشرطية هي الأمور المذكورة، و «الطّلق» فرع، لا أنّه الأصل و تلك فروع. فالمراد بالعكس هو كون الوقف و أخواته أصلا، و الطلق فرعا.

(2) و هو كون الملك طلقا، بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف في ماله.

(3) أحدها: حق الطبقات اللاحقة في العين الموقوفة.

و ثانيها: حقّ المرتهن المتعلق بالعين المرهونة.

و ثالثها: حق انعتاق الأمة بتشبثها بالحرية بصيرورتها أمّ ولد.

و ممّن اقتصر على مانعية هذه الحقوق الثلاثة المحقق و العلّامة و صاحبا الكفاية و المستند «1». و اقتصر الشهيدان في اللمعة و شرحها على حق الوقف و أمّ الولد «2».

(4) هذا من إضافة الحق إلى من عليه الحقّ، و إلّا فالحقّ للمجني عليه لا للجاني، و لذا قال العلّامة «و يجوز بيع الجاني .. و لا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» «3».

(5) فجوّزه العلامة و جماعة، كما في مفتاح الكرامة، مع توقفه على إجازة المجني عليه- في صورة العمد- و تردد فيه المحقق «4»، و تعرّض له صاحب الحدائق أيضا «5».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، قواعد الأحكام، ج 2، ص 23، كفاية الأحكام، ص 89، السطر الأخير، مستند الشيعة، ج 14، ص 307

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 253 و 256

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265 و 266

(5) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 458

ص: 488

[الحقوق المانعة لنقض الملك التي ذكرها المحقق الشوشتري]

و الظاهر أنّ الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، و قد أنهاها بعض (1) من عاصرناه إلى أزيد من عشرين، فذكر- بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر (2)- النذر (3) المتعلّق بالعين قبل البيع،

______________________________

(1) و هو المحقق الشوشتري في المقابس، و قد أنهاها إلى اثنين و عشرين سببا، و تكلّم المصنف في الأربعة المعروفة مفصّلا، و أشار إلى أربعة عشر منها، و أهمل أربعة منها.

أوّلها: تعلق حق الغرماء بمال المفلّس أو الميت.

ثانيها: تعلق حق المضمون له بالمال إذا شرط أداء الضمان منه.

ثالثها: عدم تمامية سبب الملك في المتبرعات، كالهبة و الهدية و الصدقة قبل القبض بناء على كون القبض شرط اللزوم لا الصحة.

رابعها: عدم تمامية سبب الملك في المعاوضات كبيع الصرف قبل القبض بناء على كونه شرطا للزوم لا الصحة.

(2) يعني: أنّ صاحب المقابس زاد على الحقوق الأربعة المعروفة أمورا اخرى عدّها من أسباب نقص الملك. و ليس المراد أنّه قدّس سرّه قدّم هذه الأربعة في الذّكر، ثم تعرض لغيرها. إذ المبحوث عنه في المقابس مرتّبا هو الوقف و أمّ الولد و العبد الجاني و الارتداد و الرهن و النذر، و هكذا، فالنذر سبب سادس في المقابس، و خامس في المتن. كما أنّ الارتداد سبب رابع هناك و سابع في المتن.

فغرض المصنف قدّس سرّه الإشارة إلى نفس الحقوق المذكورة في المقابس مع الغضّ عن ترتيبها.

(3) مفعول قوله: «فذكر». قال في المقابس في عدّ أسباب نقص الملك: «السبب السادس: تعلق حق النذر و شبهه، كقوله: للّه عليّ أو عليّ عهد للّه أنّ هذا المال المعيّن أو ما في حكمه صدقة للفقراء، أو لفلان. أو الغنم أضحية أو هديا، أو هذا العبد حرّا. أو تكون- أي تكون صيغة النذر أو العهد- للّه عليّ أو عليّ عهد اللّه أن أتصدّق بهذا المال على الفقراء ..» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109

ص: 489

و الخيار (1)

______________________________

(1) معطوف على «النذر» قال في المقابس: «الثاني عشر: ثبوت الخيار للبائع أو للمشتري، أو كليهما، أو غيرهما. أمّا الأوّل- و هو ثبوت الخيار للبائع خاصة- فإنّه يمنع من تصرّف المشتري في المبيع بنقله أو نقل منافعه أو تعريضه لذلك كالرهن، و إن كان ملكا له و جاز له الانتفاع بغير النقل كما هو الأصح، و إنّما منع من النقل، لمنافاته حقّ البائع من الخيار، فلا ينفذ كما نصّ عليه العلّامة في القواعد» «1».

و توضيحه: أنّهم اختلفوا في كون متعلّق الخيار هو العقد، فلا أثر لبقاء العوضين و تلفهما في ثبوته، أم هو العوضين. و تفصيل هذا البحث موكول إلى أحكام الخيار إن شاء اللّه تعالى. لكن لا بدّ من بيان المطلب إجمالا، و الوجه في عدّ حقّ الخيار من موانع الطّلق، أو من أسباب نقص الملك، فنقول:

بناء على قيام حق الخيار ابتداء بنفس العوضين، فوجه منع من عليه الخيار من التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار في المدّة المضروبة واضح، لكون تصرفه تضييعا لحقّ محترم، فلا ينفذ كما نقله صاحب المقابس عن العلّامة.

و بناء على قيام حق الخيار بالعقد، كما لعلّه المستفاد من تعريفه بأنّه «ملك فسخ العقد و إقراره» فلأنّ من له الحق و إن جاز له الفسخ، سواء أ كانت العين باقية فيستردها، أم تالفة فيستردّ بدلها، و لا يتوقف استيفاء الحق على بقاء العين، إلّا أنّ العقد المتعلّق للخيار له تعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما إلى مالكيهما بحلّ العقد، فلا يجوز لمن عليه الخيار التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار، و لا ينفذ.

هذا بالنسبة إلى كافة أقسام الخيار. و قد يجب على من عليه الخيار إبقاء العين في المدة المضروبة من باب وجوب الوفاء بالشرط الضمني، كما في بيع الخيار- المبحوث عنه في خيار الشرط- من أنّه لو شرط البائع على المشتري حفظ المبيع في المدة المعيّنة ليتمكّن من استرداده بعد ردّ الثمن إلى المشتري، لزمه الوفاء به و منع من التصرف فيه.

ثم إنّ صاحب المقابس بعد نقل كلمات القوم، قال: «و لا يبعد أنّ للمشتري نقله عن الملك و عتقه، و يصحّ، و لا يتوقف على إجازة ذي الخيار .. و لكنه لا يجوز الإتلاف،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 120

ص: 490

المتعلّق به (1).

و الارتداد (2).

و الحلف (3) على عدم بيعه.

______________________________

لمنافاته لحقّ ذي الخيار» «1».

(1) أي: بالعين، فالأولى تأنيث الضمير. و التقييد بالعين إمّا لتعلق كافة الخيارات بالعوضين ابتداء، أو بواسطة تعلّقها أوّلا بالعقد، و ثانيا بهما. و إمّا للاحتراز عمّا لو جعل البائع الخيار لنفسه مطلقا سواء بقي المبيع بحاله، أم أتلفه المشتري أو نقله إلى غيره، لبقاء الخيار بعد التلف و النقل، فيسترد البائع البدل. بخلاف ما لو اشترط بقاء العين، فإنّه لا يجوز للمشتري نقله إلى الغير صيانة لحقّ البائع.

(2) معطوف على «النذر» قال في المقابس: «السبب الرابع من أسباب النقص:

الارتداد، و كلّ ما حدّه القتل من المحاربة و اللواط و بعض أقسام الزنا. أمّا الارتداد ففي منعه عن البيع أقوال ..» «2».

و المراد به ارتداد المملوك. فإن كان عن فطرة فحكمه القتل. و إن كان عن ملّة فحكمه الاستتابة ثم القتل إن لم يتب. هذا حكم الرجل المرتدّ بقسميه [1]. و أمّا المرأة مطلقا فحكمها الحبس و الضّرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و مثل الحلف على عدم البيع هو الإيصاء به كما في المقابس، حيث قال: «السبب السابع من أسباب النقص: أن يكون منهيّا عن بيعه لحلف

______________________________

[1] إن كانت المعاملة سفهية أو ممّا يوجب أكل المال بالباطل، لسقوطه بسبب وجوب القتل عن المالية عرفا، فلا إشكال في بطلان البيع، و إلّا ففيه إشكال، بل منع، لإمكان خروج المعاملة عن السفهية و عن أكل المال بالباطل بأن يشتريه من عليه كفارة، فيعتقه، ثم يقتل، فتدبّر.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 121

(2) المصدر، ص 103

ص: 491

و تعيين (1) الهدي للذّبح.

و اشتراط (2) عتق العبد في عقد لازم،

______________________________

أو وصيّة. فالأوّل كما لو حلف أن لا يبيعه، أو لا يخرجه عن ملكه. و الأصحّ أنّه يصحّ بيعه، و إن أثم بذلك، و وجبت عليه الكفارة مع العمد و العلم. و يلزم على قول من أفسد البيع وقت النداء أن يحكم بفساده- أي بفساد البيع هنا- أيضا».

إلى أن قال: «و الثاني: كما لو أوصى بمال لشخص، و شرط في الوصية أن لا يخرجه عن ملكه أو لا يبيعه، فإذا انتقل إلى الموصى له وجب عليه العمل بمقتضى الوصية، عملا بالعمومات. و لو باع فسد بيعه، لكون التمليك وقع على نحو خاصّ كما في الوقف، لا مطلقا، و لأنّ حكمة النهي لا تتمّ إلّا بإبطاله» «1».

ففرّق صاحب المقابس بين الحلف على عدم البيع، فرجّح صحة البيع لو باعه.

و بين الوصية بعدم البيع، فحكم بالبطلان لو باعه الموصى له.

و كيف كان ففي مورد الحلف يتوقف بطلان البيع على أمرين ممنوعين:

أحدهما: اقتضاء الأمر بالوفاء بالحلف- على عدم البيع- للنهي التكليفي عن ضده الخاص و هو البيع.

و ثانيهما: اقتضاء الحرمة التكليفية للوضع أعني به الفساد.

(1) معطوف أيضا على «النذر» و المقصود تعيين الهدي بالإشعار أو التقليد، لصحيحة الحلبي المعمولة بها «2».

قال في المقابس في السبب الثامن: «تعيين الهدي للذبح، و سياقه بإشعاره أو تقليده، فإنّه لا يخرج بذلك عن ملك سائقه، لكنّه لا يجوز له إبطاله و نقله عن الملك، بل يجب ذبحه بمنى إن كان في إحرام الحج، و في مكة إن كان في إحرام العمرة» «3».

(2) هذا أيضا معطوف على «النذر» و المراد به أن يبيع عبدا و يشترط على المشتري عتقه، أو اشتراط عتقه في ضمن عقد لازم غير البيع، كالإجارة و الصّلح، قال

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 119

(2) وسائل، ج 10، ص 126، الباب 27 من أبواب الذبح، ح 1

(3) مقابس الأنوار، ص 119

ص: 492

و الكتابة (1) المشروطة أو المطلقة

______________________________

في المقابس: «و هذا- أي بطلان البيع لو باعه المشتري- بناء على صيرورة الشرط لازما يجب الوفاء به بعد أخذه في العقد مطلقا أو في خصوص هذا الشرط، لتعلّق حقّ اللّه تعالى به و العبد، و عدم اختصاصه بالبائع- حتى يجوز البيع بإسقاط حقّه- أو عدم استحقاقه- أي البائع- لذلك. فعلى هذا لو باعه كان باطلا ..» «1» [1].

و على هذا فالبطلان مبني على كون الشرط موجبا لحدوث حقّ للمشروط له، بحيث يكون العبد متعلّقا لحقّه، و إلّا فلا.

(1) معطوف على «النذر» و هذا سابع الحقوق الموجبة لنقص الملك، قال في المقابس: «السبب العاشر: المكاتبة المشروطة أو المطلقة في غير ما تحرّر منه بالأداء، فإنّها تمنع المولى من التصرف فيه .. إلخ» «2».

و توضيحه: أنّ الكتابة عقد لازم يقع بين المولى و المملوك، و هي معاملة مستقلة بينهما ثمرتها تحرّر المملوك بعد أداء مال الكتابة، و هي على قسمين مطلقة و مشروطة، فالمطلقة أن يقول المولى: «كاتبتك على عوض كذا في مدة كذا، فإذا أدّيت فأنت حرّ» فإن أدّى المملوك من مال الكتابة شيئا تحرّر منه بحسابه.

______________________________

[1] و استدلّ على صحة البيع- بعد الأصل و العمومات- برواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه و لا يشتريه، ثم يبدو له، فيكفّر عن يمينه» «3». فهي تدل على صحة البيع مع الكفارة. بل بدونها كما في رواية أخرى «يبيع و لا يكفّر» «4» لكن لا مجال للعمل بها، لمخالفتها للقواعد، مع الإعراض عنها.

و الضابط المطّرد في بطلان البيع في الموارد المذكورة في المقابس و غيرها هو كون المبيع متعلّق حق الغير، بحيث يتوقف صحة بيعه على إذن ذي الحق، أو دلالة دليل خاص على البطلان، و إلّا فمجرد النهي التكليفي لا يكفي في إثبات البطلان.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 119

(2) مقابس الأنوار، ص 119 و 120

(3) وسائل الشيعة، ج 16، ص 147، الباب 18 من كتاب الايمان، ح 11

(4) المصدر، ح 10

ص: 493

بالنسبة (1) إلى ما لم يتحرّر منه، حيث إنّ المولى ممنوع عن التصرّف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء.

و التدبير (2) المعلّق على موت غير المولى،

______________________________

و المشروطة هي أن يقول المولى لمملوكه- زيادة على ذلك: «فإن عجزت عن الأداء فأنت ردّ في العتق» «1».

و في كلا القسمين يكون المولى- في مدة الكتابة- ممنوعا من إخراج المملوك عن ملكه. مع فرق بين القسمين، و هو: أنّ المنع في المشروطة يكون بالنسبة إلى تمام الرقبة، و في المطلقة يكون بالنسبة إلى ما لم يتحرّر منه، كما إذا اتفقا على كون العوض مائة دينار، فأدّى المملوك خمسين دينارا، فقد تحرر نصفه و بقي نصفه رقّا.

و في كلا القسمين يستمرّ منع المولى من إخراج المكاتب عن ملكه إلى أن تنفسخ الكتابة لأحد أمرين، إمّا لعدم الأداء، لعجز المملوك مثلا، و إمّا لاتفاقهما على التقايل و فسخ الكتابة بناء على صحته. فإن انفسخت صار المكاتب رقّا يجوز للمولى نقله عن ملكه.

هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس. ثم نبّه على أمر، و هو: أنّ جعل الكتابة من أسباب نقص الملك مبني على أمرين، أحدهما: كون عقد الكتابة لازما حتى في المشروطة، خلافا لما عن بعض من جوازها في المشروطة.

و ثانيهما: كونه عقدا مستقلا، لا بيعا و لا عتقا بعوض، إذ لو كانت أحدهما كان عدم جواز بيع المكاتب لأجل انتفاء شرط أصل الملك، لا تماميته، فراجع «2».

(1) قد عرفت أنّ هذا القيد ملحوظ في المطلقة، إذ لم يتحرّر شي ء في المشروطة قبل أداء جميع العوض.

(2) هذا أيضا معطوف على «النذر» و هو ثامن الموانع المذكورة في المتن، قال في المقابس: «السبب الحادي عشر: التدبير، و هو يوجب نقص الملك، و المنع من التصرف في مواضع .. الثاني: إذا علّق عتقه على موت غير المولى كزوج الأمة، و من جعل له

______________________________

(1) راجع شرائع الإسلام، ج 3، ص 125

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 120

ص: 494

بناء (1) على جواز ذلك، فإذا مات المولى و لم يمت (2) من علّق عليه العتق كان مملوكا للورثة (3) ممنوعا من التصرّف فيه.

و تعلّق (4) حقّ الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى و قبل قبوله،

______________________________

الخدمة مدّة حياته ..» «1».

و توضيحه: أنّ التدبير هو تعليق عتق المملوك على وفاة المولى، قال المحقق قدّس سرّه:

«و في صحة تدبيره بعد وفاة غيره- أي غير المولى- كزوج المملوكة، و وفاة من يجعل له خدمته تردد، و أظهره الجواز، و مستنده النقل» «2».

و على هذا فإن قال المولى للملوك: «أنت حرّ بعد وفاتي» جاز له الرجوع عنه، فإذا باعه صحّ. و إن قال: «أنت حرّ بعد وفاة زيد» بأن كان التحرّر متوقفا على موت زيد. فإن مات زيد فلا كلام في حصول الحرية.

و إن مات المولى و بقي زيد حيّا- و هو موضوع البحث- انتقل العبد المدبّر إلى ملك ورثة مولاه، و لكنّهم ممنوعون من التصرف فيه. و ذلك لأنّ للمدبّر حق التحرر- الحاصل بالتدبير- و هو موجب لنقص ملكية الورثة له.

(1) إذ لو قلنا ببطلان هذا التدبير و اختصاص مشروعيته بتعليق الحرية على موت المولى- لا الأجنبي- كان خارجا عن البحث، لكون المملوك رقّا، و لم يتشبّث بالحرّية أصلا.

(2) إذ لو مات كلّ من المولى و من علّق التدبير عليه، فقد تحرّر المدبّر.

(3) أي: لورثة المولى المدبّر.

(4) معطوف أيضا على «النذر» و هذا تاسع الحقوق الموجبة لنقص الملك. قال في المقابس: «الثالث عشر من الأسباب: تعلق حقّ الموصى له بالموصى به قبل قبوله .. إلخ» «3».

و توضيحه: أنّ الوصية التمليكية تقتضي دخول المال في ملك الموصى له معلّقا على موت الموصى، و لا يكفي إنشاء الوصية في حصول الملك المنجّز. و الأمران- أعني بهما

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 120

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 117

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 125

ص: 495

..........

______________________________

الإيجاب و الموت- لا كلام فيهما. إنّما الكلام في دخل قبول الموصى له في تملكه للموصى به. فإن كانت الوصية لجهة عامّة كالفقراء و المساجد انتقل المال إليها بوفاة الموصى، و لم يفتقر إلى القبول بلا خلاف كما في المسالك «1».

و إن كانت الوصية لمعيّن- كزيد- اعتبر قبوله أو عدم ردّه.

و بناء على اعتبار القبول، اختلفوا في كيفية دخله على أوجه ثلاثة ذكرها صاحب المقابس. و عدّ الوصية من موجبات نقص الملك ناظر إلى بعضها.

الأوّل: كون القبول كالموت شرطا في انتقال المال إلى الموصى له، فلو سبق قبوله موت الموصى أو قارنه تملّكه، و إن تأخّر القبول عن الموت دخل في ملك الوارث ملكية متزلزلة. فإن قبل الموصى له انتقل إليه، و إن ردّ الوصية صار ملكا لازما للوارث.

فإن باعه الوارث قبل قبول الموصى له احتمل فساده رأسا، لتعلق حق الغير به.

و احتمل صحة البيع، لكنّها موقوفة على أحد الأمرين: إمّا على إجازة الموصى له- لو قبل الوصية- فيقع البيع له. و إمّا على ردّه للوصية، فيقع البيع للوارث.

و يحتمل التفصيل بين ردّ الوصية، فيصح البيع، و يقع للوارث، لاستقرار الملك له حينئذ. و بين قبول الوصية، فيبطل البيع حتى لو أجازه، لعدم كون الموصى حال البيع مالكا للمبيع بعد فرض انتقال المال إلى الوارث بموت الموصى و عدم قبول الموصى له.

و قد تقدم في مسألة «من باع ثم ملك» اعتبار كون المجيز أهلا للإجازة حين البيع، و عدم كفاية أهليته لها حال الإجازة «2».

الاحتمال الثاني: أنّ القبول شرط للزوم الملك لا الصحة الوصية، فالمال ينتقل بالموت إلى الموصى له قبل قبوله، كتملّك الوارث قهرا بموت مورّثه. فإن قبل الموصى له كان بيع الوارث فضوليا منوطا بإجازة من اوصى له. و إن ردّ الوصية اندرج بيع الوارث في مسألة «من باع ثم ملك».

الاحتمال الثالث: أنّ القبول كاشف عن انتقال المال بموت الوصي إلى الموصى له،

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 121

(2) راجع هدى الطالب، ج 5، ص 244- 336

ص: 496

بناء (1) على منع الوارث من التصرّف قبله (2).

و تعلّق (3) حقّ الشفعة بالمال، فإنّه مانع من لزوم التصرّفات الواقعة من

______________________________

كما أنّ ردّ الوصية كاشف عن تملك الوارث له. و حينئذ فلو باعه الوارث بعد الموت- و قبل الرّد و القبول- كان صحته منوطا بتحقق القبول من الموصى له و إجازته للبيع.

أو ردّه للوصية فيقع للوارث.

و كان فساد البيع في صورة واحدة، و هي إمضاء الوصية و ردّ البيع.

و لو كان البائع غير الوارث كان فضوليّا على كلّ من تقديري قبول الوصية و ردّها. هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس.

و هناك احتمال رابع في قبول الوصية يبتني على كون القبول جزء السبب الناقل للملك كما استظهره الشهيد الثاني من عبارة الشرائع «1»، أو شرطا محضا كالموت، كما استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه منها «2»، و التفصيل موكول إلى محلّه.

(1) يعني: بناء على الاحتمال الأوّل، و هو انتقال المال إلى الوارث، و منعه من بيعه لتعلق حقّ الوصية به. و أمّا بناء على ما عدا الاحتمال الأوّل فليس بيع الموصى به من صغريات نقص الملك كما عرفت.

(2) أي: قبل قبول الوصية.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و هذا عاشر الحقوق الموجبة لنقص الملك، قال في المقابس: «الثامن عشر: تعلق حقّ الشفعة بالمال، و التملك بها قبل الاستقرار. أمّا الأوّل فمانع من لزوم تصرفات من انتقل إليه المال مطلقا ما دام الحقّ ثابتا ..» «3».

و توضيحه: أنّ المذكور في العبارة مما يتعلق بحق الشفعة أمران، أشار المصنف إلى الأوّل منهما، و نقتصر على توضيحه، و هو: أنه لو كانت دار مثلا مشتركة بين زيد و عمرو، فباع زيد حصّته منها من بكر، ثبت حق الشفعة لعمرو، فلو بادر بكر الى التصرف في حصّته ببيع أو هبة أو صلح أو غيرها جاز لعمرو إبطال هذه التصرفات المنافية لحقّه، فإنّها و إن وقعت في ملك المتصرّف، لكنه ممنوع من التصرف فيه، لتعلّق

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 117 و 118

(2) كتاب الوصايا و المواريث، ص 32، و لاحظ جواهر الكلام، ج 28، ص 250- 252

(3) مقابس الأنوار، ص 131

ص: 497

المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها (1).

و تغذية (2) الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى، فوطأها،

______________________________

حقّ الشفيع بالحصة المبيعة، فلو أخذ الشفيع بحقّه بدفع الثمن إلى بكر و ضمّ المبيع إلى حصّته، بطل ما صنعه المشتري.

(1) أي: إبطال تصرفات المشتري في حصّته. و هو مبتدء مؤخّر، و خبره المقدّم «فللشفيع».

(2) معطوف أيضا على «النذر» و هذا حادي عشر موجبات النقص، قال في المقابس: «التاسع عشر: كونه مملوكا، له ولد من أمة قد اشتراها مولاها و هي حبلى، فإنّه لا يحلّ له وطيها حتى يمضي عليها أربعة أشهر، و يجب عليه العزل لو وطأ بعد ذلك. فإن وطأها قبل مضيّ الأربعة أشهر، أو بعد ذلك و لم يعزل عنها، فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد، لأنّه قد غذّاه و أنماه بنطفته ..» «1».

و توضيح حقّ تغذّي الحمل- المانع من بيعه- هو: أنّه لو كان لزيد أمة حبلى فأراد السيّد بيع أمته ثبت حقّ منع بيع الحمل لو اجتمعت أمور:

الأوّل: أن لا يكون الجنين متكوّنا من المولى حتى يكون حرّا، بل من مملوك، كما إذا كان للسيد عبد، فزوّج أمته من عبده، فحملت منه، فإنّ الحمل مملوك- كوالديه- للسيّد.

الثاني: أن يشترط المشتري على البائع دخول الحمل في المبيع و كونه ملكا له، فباعها السيد مع حملها، و لم يستثن الحمل.

الثالث: أن لا ينقضي من زمان الحمل أزيد من أربعة أشهر، كما إذا باعها في الشهر الثالث من مدة الحمل.

الرابع: أن يباشر المشتري هذه الأمة قبل مضيّ أربعة أشهر.

فبتحقق هذه الأمور يثبت حقّ للحمل يمنع من بيعه، و هو تغذّيه من نطفة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 131

ص: 498

فأتت بالولد، بناء على عدم جواز بيعها (1).

______________________________

المشتري، فيعتق به [1].

(1) كذا في نسختنا، و معناه: أنّ هذه الأمة و إن جاز بيعها، لأنّها ولدت من مملوك، لا من حرّ، فليست هي بحكم أمّ الولد كي يمنع بيعها، إلّا أنّ بيع الولد ممنوع، و أنّه يجب عتقه على المشتري.

و لكن الأنسب موافقا لما في المقابس من قوله: «فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد» أن يقال: «بناء على عدم جواز بيعه» حتى يكون إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في المقابس من القول بحرمة بيع الولد كما هو المشهور، و القول بكراهته كما ذهب إليه بعض المتأخرين.

______________________________

[1] كما عن الديلمي في المراسم و أبي الصلاح في الكافي. هذا بدون العزل، و أمّا معه فلا بأس ببيع الولد، هذا.

و بعضهم قيّد الحكم بالوطي في الفرج مع الانزال قبل انقضاء أربعة أشهر و عشرة أيام كما عن الشيخ في النهاية. لكن النصوص خالية عن التقييد بالمدة بأحد الحدّين المزبورين.

و كيف كان فقد علّل عدم جواز بيع الولد في النصوص بأنّ الواطي قد غذّاه و أنماه بنطفته، كما في صحيح إسحاق بن عمّار، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى جارية حاملا، و قد استبان حملها، فوطأها؟ قال: بئس ما صنع. إلى ان قال: إن كان عزل منها فليتق اللّه، و لا يعد، و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد، و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئا من ماله يعيش به، فإنّه قد غذاه بنطفته» «1».

و في رواية السكوني: «لأنّ نطفتك غذّت سمعه و بصره و لحمه و دمه» «2».

و لتنقيح المسألة مقام آخر، و الغرض الإشارة إلى الأقوال و المدارك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 507، الباب 9 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1.

(2) المصدر، ح 3

ص: 499

و كونه (1) مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال (2) الوطء،

______________________________

(1) أي: و كون الولد مملوكا لشريك الواطئ، و هذا أيضا معطوف على «النذر» و أشار به إلى الحقّ الثاني عشر الموجب لنقص الملك، قال في المقابس: «العشرون: كونه مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال الوطي، أو كان وطؤه لشبهة نكاح أو ملك .. إلخ» «1».

و توضيحه: أنّه لو اشترك اثنان- كزيد و عمرو- في شراء أمة، فباشرها زيد من دون أن يستأذن عمروا، فحملت الأمة منه و ولدت، ففي المسألة قولان:

أحدهما: انعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه، و يضمن الواطي للشريك قيمة ولد رقّ، لإتلافه عليه نماء الأمة بإيجاد الولد غير القابل للملك، فيفرض الولد رقّا، و يقوّم على الواطئ، و تؤخذ قيمة الولد منه و تعطى الشريك الآخر و هو عمرو. و بناء على هذا القول تكون المسألة أجنبية عن موجبات نقص الملك، إذ لا ملك حتى يتمّ أو ينقص.

ثانيهما: انعقاد الولد رقّا تبعا لامّه، لعدم حلية البضع للواطي، لا بالنكاح، و لا بالملك المستقل، و لا بالتحليل، فيحكم بأنّ الولد مملوك للشريك الآخر غير الواطي، لكنه ممنوع عن بيعه من غير الواطي، فعليه تقويمه و أخذ القيمة من الواطي، و تسليم الولد إليه.

و بالجملة: فالولد و إن كان رقّا، لكن ليس لمولاه غير الواطى شي ء من التصرفات فيه، إلّا التقويم و أخذ قيمته من الشريك الذي وطأ الأمة المشتركة بلا استئذان من الآخر.

فبناء على هذا القول يكون ما نحن فيه- و هو الولد الرّق- من صغريات نقص الملك، لانعتاقه بمجرّد التقويم، أو بأداء قيمته إلى الشريك، و هو عمرو في المثال.

و ألحق صاحب المقابس بوطي أحد الشريكين ما لو وطأها أجنبي لشبهة حصلت له من نكاح أو ملك فحملت منه، فإنّ الولد لو قيل بحرّيته فلا موضوع للبحث.

و إن قيل برقيّته يمنع السيد من بيعه، بل يقوّم الولد، و تؤدّى قيمته إلى السيد، و ينعتق.

(2) التقييد بالشركة حال الوطي، لأجل أنّ هذه الحالة هي حال تكوّن الولد المعدود نماء للأمة، و إلّا فالشركة السابقة على الوطء- بحيث كان الواطي مالكا مستقلا حين المباشرة- لا توجب شبهة انعقاد الولد رقا. كما أنّ الشركة اللاحقة للوطء كذلك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 135

ص: 500

فإنّه (1) مملوك له، لكن (2) ليس له التصرّف فيه إلّا بتقويمه و أخذ قيمته.

و تعارض (3) السبب المملّك و المزيل للملك،

______________________________

فالمناط هو الشركة في حال المباشرة ليكون من التصرف في ملك الغير بغير إذنه.

(1) أي: فإنّ الولد مملوك للشريك الآخر الذي لم يطأها.

(2) يعني: و إن كان الولد مملوكا للشريك الآخر، إلّا أنّه ممنوع من بيعه و هبته و وقفه، فليس له إلّا التقويم و أخذ قيمة الولد.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و هذا إشارة إلى الحقّ الثالث عشر الموجب لنقص الملك، قال في المقابس: «الحادي و العشرون: تدافع السبب المملّك و المزيل له دائما.

و المسألة مفروضة فيما لو قهر حربي حربيّا ينعتق عليه و أراد بيعه، فأطلق ابن حمزة في كتاب العتق من الوسيلة: أنّه يجوز تملّك من سبي و من سرق و من اشتري من آبائهم و قراباتهم و أزواجهم و من سباهم [و] إن كان كافرا» «1».

توضيحه: أنّ الاستيلاء يوجب تملّك الكافر الحربي الذي هو كالمباح الأصلي في صيرورته ملكا لكلّ من استولى عليه و إن كان المستولي كافرا حربيا مثله. فإذا قهر حربيّ أباه كان القهر سببا لملكية المقهور دائما، و القرابة الخاصة سببا لزوال الملكية.

و مع تعارض السبب المملّك و المزيل يشكل البيع، إذ لا بيع إلّا في ملك، و المفروض هنا توارد السببين في جميع الآنات على الكافر المقهور، و لا موجب لترجيح أحدهما على الآخر. و لذا قيل: إنّ جواز شرائه للمسلم بمعنى الاستنقاذ، و معناه بذل عوض للكافر الحربي القاهر بإزاء رفع يده عن المقهور. كما يظهر من بعض الكلمات المنقولة في المقابس، كقول العلّامة: «و التحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ و ثبوت الملك للمشتري بالتسلّط. و في لحوق أحكام البيع حينئذ نظر» «2».

و سيأتي في مستثنيات خيار المجلس بعض الكلام في كون شراء المسلم للكافر الحربي- من مثله- شراء حقيقة أو استنقاذا، أو أنّه استنقاذ من أحد الطرفين و هو كالبيع من الطرف الآخر.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 135

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 29

ص: 501

كما لو قهر (1) حربيّ أباه.

و الغنيمة (2) قبل القسمة، بناء (3) على حصول الملك بمجرّد الاستيلاء- دون

______________________________

(1) حيث إنّ الغلبة على الحربي مملّكة، و القرابة بالأبوّة موجبة للانعتاق، فيتعارضان.

(2) معطوف أيضا على «النذر» و هذا هو الرابع عشر من موجبات نقص الملك، قال في المقابس: «الثاني و العشرون: اشتراك يقتضي رجوع الأمر في القسمة إلى غير المالك، و عدم تمكنه من البيع قبله لا معيّنا و لا مشاعا، و ذلك كالغنيمة قبل القسمة، فإنّها مشتركة بين الغانمين، و قسمتها إلى الإمام. فإن قلنا بأنّ الملك موقوف على القسمة و تعيين السّهام فلا يجوز البيع قبله، لعدم الملك. و إن قلنا بحصوله بمجرد الاستيلاء لامتناع بقاء المال بلا مالك- و ليس هو للحربي و لا للإمام- فتعيّن أن يكون للغانمين ..» «1».

و توضيحه: أنّ ما غنمه المسلمون- من الأموال المنقولة- من الكفار هل تدخل في ملكهم بمجرد حيازتهم لها و جمعها، أم يتوقف تملكهم لها على قسمة الامام عليه السّلام؟ فبناء على توقف التملك على القسمة تكون المسألة خارجة عن المقام- أي من موجبات نقص الملك- إذ لا ملك حقيقة قبل القسمة.

و بناء على الأوّل- و هو التملّك بمجرد احتواء المسلمين عليها- تندرج في ما نحن فيه، فكلّ جزء من هذه الأموال المغنومة ملك مشاع بين المقاتلين، لكنه لجهالة حصّة كلّ منهم يمنع من التصرف فيه، بل يتوقف على قسمة الإمام لها.

و وجه كونها ملكا للجميع هو خروجها عن ملك الكفار بمجرّد استيلاء المسلمين عليها، فلو بقيت بلا مالك إلى زمان القسمة لزم بقاء المال بلا مالك، و هو ممتنع، فلا بدّ من دخولها في ملك المجاهدين، و يستقرّ ملكهم لها بالقسمة.

(3) اتّضح وجه التقييد بحصول الملك بالاستيلاء، إذ بناء على القول الآخر- و هو إناطة الملك بالقسمة- يكون منع بيع الغنيمة قبل القسمة لأجل انتفاء الملك لا طلقيّته.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 137

ص: 502

القسمة- لاستحالة (1) بقاء الملك بلا مالك.

و غير (2) ذلك ممّا سيقف عليه المتتبّع، لكنّا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب، من ذكر الوقف، ثمّ أمّ الولد، ثمّ الرّهن، ثمّ الجناية، إن شاء اللّه.

______________________________

(1) تعليل لترجيح القول بالتملك بالاغتنام على القول بتوقفه على القسمة، و حاصله: أنّ الغنائم أموال مملوكة للكفّار، و لا تصير من المباحات بحيازتها، فلو توقّف تملّكها على القسمة المتأخرة عن الاغتنام- للزوم جمعها و تبديل ما لا يقبل التقسيم منها- لزم بقاء الملك بلا مالك، و هو ممتنع.

(2) معطوف أيضا على «النذر» و ما بعده من الحقوق. و المراد بالغير أمور أربعة ذكرها المحقق الشوشتري و أشرنا إليها في (ص 489) فراجع.

ص: 503

[مسألة بيع الوقف]
اشارة

مسألة (1)

[الأدلة المانعة عن بيع الوقف]
اشارة

لا يجوز بيع الوقف [1]

______________________________

(1) بيع الوقف الغرض من عقد هذه المسألة التعرض لإحدى موجبات نقص الملك مع بقاء أصله. و هذا مبني على القول بكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليه، و تعلق حقّ الغير- كالبطن المعدوم- بها. و أمّا بناء على القول بانتقال العين إليه تعالى كان أصل الملك منتفيا، لا طلقيته، كما نبّه على ذلك صاحب المقابس قدّس سرّه «1»، و يظهر من كلام شيخه قدّس سرّه في وقف كشف الغطاء، كقوله: «و هو بقسميه- عامّة و خاصّة- مفيد للاختصاص دون الملك، فإنّه للّه، و القول بانفصال الملك في القسم الثاني الموقوف عليه غير بعيد كما مال أعاظم الفقهاء إليه، و إن كان الأقوى خلافه، و جريان الأحكام فيه على نحو جريانها في الوقف العام، و في متعلقات النذور، فإنّ الأقوى خروجها عن ملّاكها، و رجوعها كباقي الكائنات إلى من بيده أزمة الأمور. و ملك الفوائد و المنافع ليس بمقتض لملك العين و لا مانع ..» «2».

______________________________

[1] عرّف الوقف في كلمات الأصحاب تبعا لما في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المروي في عوالي اللئالي «3» بأنّه «عقد ثمرته تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة» كما في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) كتاب العبادات الداخلة في العقود، الباب الأوّل، البحث الأوّل.

(3) عوالي اللئالي، ج 3، ص 261، ح 5، رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 14، ص 47، الباب 2 من أبواب الوقوف، ح 1

ص: 504

[الأول الإجماع]

إجماعا (1) محقّقا في الجملة، و محكيّا

______________________________

(1) استدل المصنّف قدّس سرّه على حرمة بيع الوقف بوجوه:

الأوّل: الإجماع، محصّلا و منقولا. أمّا المحصّل فهو ثابت في الجملة، و غرضه من قيد «في الجملة» ما عدا الصور التي يجوز فيها البيع لطروء المسوّغ.

قال في المقابس: «و إيجابه- أي إيجاب الوقف- لفساد البيع في الجملة ثابت بالإجماع من الخاصة و العامة» «1».

و أما المنقول فقد ادّعي مطلقا على حرمة البيع، و من دون التقييد ببعض الصور كما سيأتي في (ص 544). و في الجواهر: «و من هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه- أي في بيع الوقف- المنع، و إن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل، أو بزعمه. بل في السرائر:

نفى الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبّدا، و نزّل خلاف الأصحاب في المنقطع منه ..» «2».

و المقصود من نقله أنّ دعوى الإجماع على منع بيع الوقف موجود في بعض الكلمات، خصوصا لو قيل بأنّ الوقف المنقطع حبس حقيقة، لاشتراط التأييد في الوقف

______________________________

الشرائع «3» و بعض آخر، أو أنّه «عقد يفيد تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة» كما في القواعد «4». أو أنه «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» كما حكي عن المبسوط و غيره «5» بحذف «العقد» و تبديل الإطلاق بالتسبيل، و لعلّه أولى كما في الجواهر «لإشعاره باعتبار القربة فيه، و أنّه من الصدقات» «6».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 358

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 211

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 387

(5) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 2

(6) جواهر الكلام، ج 28، ص 2

ص: 505

..........

______________________________

فالمنقطع إمّا باطل أصلا، و إمّا صحيح حبسا لا وقفا مصطلحا.

و قد تحصّل: أنّ الإجماع محقّق في المسألة، إنّما الكلام في حجيته مع احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المعتبرة التي لم يستبعد صاحب الجواهر تواترها «1».

______________________________

و على كلّ فالتعاريف المزبورة تناسب تفسير الوقف في اللغة بالحبس كما في اللسان و غيره «2»، فمعنى قوله: «وقفت داري على كذا» بعد تعذر إيقاف نفس الدار على الموقوف عليه هو حبسها عليهم. إنّما الكلام في ما يراد بالحبس، لما فيه من احتمالين.

أحدهما: الممنوعية من التصرفات الناقلة، بمعنى: أنّ الواقف ينشئ منع التقلب في العين و حركتها في وعاء الاعتبار من الموقوف عليه الى غيره. و مقتضاه بطلان الوقف بطروء ما يجوّز بيعه شرعا و إن لم يتحقق البيع خارجا، كما سيأتي من الفقيه الكبير في شرح القواعد و جمع. قال السيد العاملي قدّس سرّه: «إذ المراد به- أي بالتحبيس- المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا» «3» و نحوه في الرياض «4».

ثانيهما: إيقاف ملكية العين على الموقوف عليهم بحيث لا تتجاوزهم إلى غيرهم.

هذا في الوقف على الأشخاص أو العناوين القابلة للتملك، و إلّا فالمراد إيقاف الاختصاص بالموقوف عليه.

قال المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه: «إن الظاهر من قول القائل:- وقفت داري مثلا بعد عدم صحة اعتبار معناه الحقيقي من إرادة إيقاف نفس العين- أن يكون الإيقاف باعتبار الملكية .. ثم إذا قامت قرينة أخرى على عدم اعتبار ذلك انتقلنا من ذلك إلى إرادة نوع خاصّ من الاختصاص يصحّ اعتباره في الأوقاف العامة و أمثاله» «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 357، و نقل في غيره عن ابن إدريس أيضا، فلاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 258، و ج 9، ص 84، مقابس الأنوار، ص 48

(2) لسان العرب، ج 9، ص 351، المصباح المنير، ص 669، مجمع البحرين، ج 5، ص 129

(3) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 2

(4) رياض المسائل، ج 10، ص 91

(5) تعليقة المكاسب (القسم الثاني) ص 22

ص: 506

..........

______________________________

و الملكية الحاصلة من أيّ سبب و إن كانت حقيقة واحدة، إلّا أنّ حكمها يختلف في الوقف عمّا عداه من جهة حكم الشارع بعدم الانتقال عن موضوعها و هو الموقوف عليه.

و يترتب على هذا الاحتمال بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض مسوّغ بيعه، إذ لا منافاة بين قصر ملكية العين أو اختصاصها، و بين جواز النقل، لعدم كون المنع من التصرف مأخوذا في حقيقة الوقف.

نعم تتحقق المنافاة بين حكمين، و هما جواز البيع بعد طروء السبب، و بين حرمته التي كانت قبله. و هي توجب انقلاب لزوم الوقف إلى الجواز، لا الصحة إلى البطلان.

و لعلّ هذا مبنى ما سيأتي من المصنف بقوله: «ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» فانتظر.

و كيف كان فاختار المحقق الأصفهاني قدّس سرّه الاحتمال الثاني، لما في كون الحبس منعا من التصرف الناقل من محذور، سواء أريد به المنع المالكي أم الشرعي، تكليفيا أم وضعيا.

و حيث إنّ المناط ملاحظة إنشاء الواقف، لفرض كون الأدلة الشرعية إمضاء له بمعنى جعل المماثل، فالأولى الاقتصار على توضيح استدلاله بوجهين على عدم كون الحبس منعا عن التصرفات، و سلامة كلامه عمّا أورد عليه. فنقول و به نستعين:

الوجه الأوّل: أنّ منع الغير عن التصرف في العين و إن كان قابلا للإنشاء كإنشاء الإباحة، إلّا أنه لكونه من الإيقاعات القائمة بطرف واحد لا يعقل أن يتوقف وجوده في موطن الاعتبار على قبول الغير. مع أنّه لا شبهة في قابلية إنشاء الوقف للقبول، بل المعروف اعتباره سيّما في الوقف الخاص.

ففي الجواهر بعد تقوية اعتبار القبول في الوقف مطلقا: «فالوحدة المزبورة حينئذ تقتضي اعتباره أيضا» «1». فالمقصود أن الوقف من سنخ المعاني القابلة للحوق القبول به، سواء قيل بدخله فيه أم لا، فهو كالوصية القابلة للرد و الإمضاء. مع أنّ المنع المالكي إيقاع كترخيصه.

الوجه الثاني: أنّ المنع المالكي إن أريد به ممنوعية الموقوف عليه عن بيع الوقف و نقله إلى الغير، ففيه: أنّه لا يتصور هذا المنع إلّا في ظرف بقاء العين على ملك المانع، إذ لا معنى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 6 و 7

ص: 507

..........

______________________________

للمنع عمّا هو أجنبي عنه و لا مساس له به، مع أنّ خروج العين عن ملك الواقف مما لا كلام فيه.

و إن أريد به ممنوعية نفسه عن التصرف، ففيه: أنّ معناه التزامه بعدم تصرفه في العين بعد إنشاء الوقف، و أمّا ممنوعية الموقوف عليه فلا موجب لها، فإنّ نفوذ الوقف شرعا معناه أنّ للشارع اعتبارا مماثلا لما أنشأه الواقف.

هذا توضيح ما أفاده قدّس سرّه في منع كون الحبس منعا عن التصرف الناقل. و لا يتجه شي ء ممّا ذكر على جعل الحبس بمعنى كون الملكية- في مورد قابلية الموقوف عليه للتملك- مقصورة على أشخاص أو عنوان، أو اختصاصها مقصورا على جهة أو فعل كما في وقف مال للصرف في الإحجاج أو الإرسال إلى زيارة المشاهد المقدّسة. قال قدّس سرّه: «و مرجع قصر العين ملكا أو اختصاصا قصر ملكيتها على شخص، المساوق لعدم زوالها عنه، لا أنّ المنشأ و المتسبّب إليه نفس اعتبار الملكية، فإنّه غير مناسب لمفهوم الوقف» «1».

إلّا أن يناقش في الوجه الثاني بما أفيد من «أنّ إيقاع المنع و إنشاءه يكون في زمان مالكيته. فلو كان الحبس هي الممنوعية لكان حصول الممنوعية و خروج العين عن ملكه بإنشائها في زمان مالكيته. و لا يعتبر في جعل المالك و تصرفه في ملكه إلّا كونه ملكا له حال التصرف. نظير الشرائط في ضمن العقد. فلو شرط على المشتري عدم بيعه أو شرط إجارته في رأس السنة الآتية صحّ و إن لم يكن ملكا له في رأسها، و هو واضح» «2». هذا.

فإن كان المنع المالكي نظير باب الشرط الضمني الذي يكفي فيه الملك حين الشرط و إن زالت العلقة بعده فالأمر كما أفيد. و إن كان المنع و الترخيص المالكيّان دائرين مدار الملك حدوثا و بقاء- أي يلزم بقاء الإضافة حين التصرف- لم يتجه تنظير إنشاء الواقف- بناء كون الحبس منعا عن التصرف الناقل- بباب الشرط الضمني، و المسألة محتاجة إلى مزيد التأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 253 و 254

(2) كتاب البيع، ج 3، ص 80

ص: 508

[الثاني مكاتبة الصفار]

و لعموم (1) قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب

______________________________

(1) معطوف على «إجماعا» فكأنه قال: «لا يجوز بيع الوقف للإجماع و لعموم» و هذا دليل ثان على منع بيع الوقف. و هو ما ورد في مكاتبة الصفّار- بألفاظ متقاربة- عن الإمام العسكري «صلوات اللّه و سلامه عليه»، فروى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار، قال: «كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي: أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة، و إذا كان موقّتا فهو صحيح ممضى.

قال قوم: إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين، إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

قال: و قال آخرون: هذا موقت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا، و لم يذكر في آخره: للفقراء و المساكين إلى أن يرث .. الأرض و من عليها. و الذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف، و لم يذكر أحدا. فما الذي يصحّ من ذلك؟ و ما الذي يبطل؟ فوقّع عليه السّلام:

الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه» «1».

و استظهر العلّامة المجلسي قدّس سرّه صحة جميع الشقوق «2». و لعلّه لإطلاق الجواب و عدم التفصيل بين الصور المفروضة في سؤال الصفّار.

و روى الصدوق بإسناده إلى الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن عليهما السّلام في الوقف و ما روى فيها عن آبائه عليهم السّلام، فوقّع: الوقف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّه تعالى» «3».

و روى ثقة الإسلام عن محمّد بن يحيى، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السّلام في الوقوف و ما روي فيها، فوقّع عليه السّلام: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء اللّه» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 307- 308، الباب 7 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 2، تهذيب الأحكام، ج 9، ص 132 و 133، الحديث 9 من أبواب الوقوف و الصدقات.

(2) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 404- 405، و لاحظ أيضا كلام والده في روضة المتقين، ج 11، ص 150

(3) الفقيه، ج 4، ص 179، ح 10، و رواه عنه في وسائل الشيعة، ج 13، ص 295، الباب 2 من أحكام الوقوف، ح 1، لكنه لم يذكر فيه كلمة «تعالى».

(4) الكافي، ج 7، ص 37، باب ما يجوز من الوقف و الصدقة- من كتاب الوصايا- ح 34، و رواه عنه في الوسائل، ج 13، ص 295، ح 1

ص: 509

ما يوقفها (1) أهلها» [1]

______________________________

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سندا، لصحة إسناد الصدوق و الشيخ إلى الصفار، و كذا بطريق الكافي، إلّا أنّ جواب الإمام عليه السّلام مذكور في كلّ منها بلفظ. و إن كان الاختلاف يسيرا غير مؤثر في المعنى.

كما ظهر بما نقلناه من ألفاظ الرواية عدم موافقه ما نقله المصنف في المتن لشي ء منها نعم هو أوفق بنقل الصدوق قدّس سرّه.

(1) هذا الكلمة منقولة في الفقيه و التهذيب بصيغة باب الإفعال، لكنها في الكافي بصيغة الثلاثي المجرّد، و لعلّ الأولى ما في الكافي، قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و قد تكرّر ذكر الوقف في الحديث، و هو تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة. يقال: وقفت الدار للمساكين وقفا. و: أوقفتها لغة رديّة» «1».

و كيف كان فتقريب دلالة هذه المعتبرة على عدم جواز بيع الوقف هو: أنّ الوقف- كما صرّح به المصنف قدّس سرّه في (ص 525) يوجب تعلق حقّ كلّ من الواقف و الموقوف عليه بالعين الموقوفة، فحقّ الواقف هو حبس ماله عن النقل و الانتقال، و حق الموقوف عليه هو الانتفاع بالعين و اختصاصها به. و هذا الغرض ممضى شرعا بالتوقيع الشريف، و من المعلوم أنّ جواز بيع الوقف ينافي هذا المقصود، فلا يجوز.

و الوجه في التعبير عن مكاتبة الصفار بالعموم هو عدم التصريح بحرمة البيع و الشراء فيها، كما صرّح بمنع الشراء بالخصوص في ما سيأتي من رواية ابن راشد، و رواية ربعي الحاكية لصورة وقف مولانا أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلين» لداره الواقعة في بني زريق. فيستفاد- من هذه المكاتبة- منع البيع و الصلح و الهبة و نحوها، لأنّ الشارع أمضى قصد الواقف و نفّذه.

______________________________

[1] الاستدلال به على عدم جواز بيع الوقف مشكل، لأنّه في مقام إمضاء الكيفيات التي يجعلها الواقفون في الوقف من الجهات الراجعة إلى نفس العين الموقوفة من كيفية بنائها و عمارتها، و الموقوف عليه من الصفات الخاصة، إلى غير ذلك ممّا يتعلق بالوقف.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 129، و كذا في لسان العرب، ج 9، ص 360

ص: 510

[الثالث رواية علي بن راشد]

و رواية (1) أبي علي بن راشد، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: جعلت فداك،

______________________________

(1) معطوف على «عموم» و هذا دليل ثالث على حرمة بيع الوقف، و هو ما رواه ثقة الإسلام عن محمّد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد- و هو الحسن بن راشد- عن الإمام الهادي عليه السّلام. و الظاهر اعتبار هذا السند، لوثاقة رواته،

______________________________

و أمّا عدم جواز بيعها فليس في عداد تلك الجهات المجعولة من الواقف، إذ لو كان كذلك فلازمه جواز اشتراط بيعها أيضا، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. فإذا وقفها على أن تباع رأس خمسين سنة ينفذ هذا الشرط، مع أنّه واضح البطلان، إذ المقصود إثبات عدم جواز البيع في نوع الوقف، لا في شخصه.

و الحاصل: أنّ ظهور مثل قولهم عليهم السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» في إمضاء مجعولات الواقفين الخارجة عن حقيقة الوقف و مفهومه، و عن المجعولات التي جعلها الشارع، ممّا لا سبيل إلى إنكاره. فمثل هذا الدليل مساق لدليل إمضاء الشروط الذي هو أجنبي عن أدلة نفوذ أصل المعاملة، مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيرهما.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف ما في بعض الحواشي من الاستدلال بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» بتقريب: أنّ حقيقة الوقف هي التحبيس و المنع عن خروج العين الموقوفة عن الحبس، و كونها غير قابلة للبيع و غيره من التصرفات الناقلة، و الواقف لمّا أنشأ هذا المفهوم و التزم به و بنى عليه، فالشارع أمضى هذا البناء و الالتزام بمثل الحديث المزبور، هذا.

وجه ضعفه: أنّ دليل إمضاء هذا البناء هو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه ممّا يدلّ مطابقة على وجوب الوفاء بعقد الوقف، لا ما جعله الواقف في ضمن الوقف.

فالأولى جعل مثل هذا الحديث من أدلّة إمضاء الكيفيّات المجعولة من الواقفين، لا من أدلة إمضاء نفس عقد الوقف. و النصوص الخاصة الدالة على عدم جواز بيع الوقف- كرواية أبي عليّ بن راشد- كافية في المطلب.

ص: 511

..........

______________________________

و لذا عبّر في الحدائق عنه ب «بالقوي» «1» و صاحب المقابس ب «ما رواه الصدوق في الحسن كالصحيح، و الكليني و الشيخ في القوي» «2». و صاحب المستند بالصحيحة «3».

فالتعبير عنها بالرواية- الموهم للخدشة في السند- لم يظهر وجهه. و لعلّ منشأه توصيف العلّامة المجلسي قدّس سرّه له بقوله: «مجهول هنا، و في الفقيه صحيح» «4» مع أنّ إسناد الشيخ إلى ثقة الإسلام الكليني، و إسناد الصدوق إلى محمّد بن عيسى معتبر، كما يظهر بمراجعة مشيخة الفقيه و التهذيب «5». هذا مع أنه لا حاجة إلى ملاحظة الإسناد بعد ذكر الرواية مسندة في الكافي.

و كيف كان، فمضمون الرواية: أنّ الحسن بن راشد سأل عن حكم أرض موقوفة اشتراها بألفي درهم جاهلا بوقفيّتها. فأجاب عليه الصلاة و السلام بالنهي عن الشراء و بوجوب صرف الغلّة في الموقوف عليه.

و تقريب الاستدلال- كما في المقابس- بوجهين:

أحدهما: أنّ قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» يشمل مورد السؤال- و هو الأرض- و غيره، ضرورة إفادة نفي الجنس للشمول. هذا بناء على كون النسخة بلفظ المفرد. و أمّا بناء على ما نقله صاحب المقابس من «لا يجوز شراء الوقوف» فالشمول وضعي، لدلالة الجمع المحلّى باللام على العموم.

ثانيهما: أنّ قوله عليه السّلام: «و لا تدخل الغلة في ملكك» مطلق، حيث إنّه عليه السّلام لم يستفصل من السائل عن حال بائع الأرض الموقوفة، و أنّه كان هو الواقف أو هو الموقوف عليه أو المتولّي أو المأذون من قبل أحدهم، أم غير مأذون. كما أنه عليه السّلام لم يستفصل عن كون هذا البيع أنفع بحال الموقوف عليه أم لا. فحكمه عليه السّلام بعدم تملّك

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 444

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 49

(3) مستند الشيعة، ج 14، ص 307

(4) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 397

(5) تهذيب الأحكام، ج 10، (المشيخة) ص 8، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 492

ص: 512

إنّي (1) اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي، فلمّا عمّرتها خبّرت أنّها وقف، فقال:

لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك، ادفعها إلى من أوقفت عليه.

قلت: لا أعرف لها ربّا. قال: تصدّق بغلّتها (2)» «1».

[الرابع ما ورد من حكاية وقف بعض الأئمة (ع)]

و ما ورد (3) من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السّلام

______________________________

الغلّة و بقائها على ملك الموقوف عليه- و وجوب إيصالها إليه إن كان معلوما، أو التصدق به إن لم يعلم- ظاهر في أنّ حكم طبيعي الوقف بطلان بيعه و شرائه.

هذا توضيح ما في المقابس في بيان الاستدلال.

ثم تعرّض قدّس سرّه لكلام شيخ الطائفة في التهذيب و الاستبصار من احتمال عدم كون البائع هو الموقوف عليه أو المأذون من قبله، فلا إطلاق حينئذ في الرواية، و أجاب عنه، فراجع «2».

(1) هذه الجملة مغايرة لما في الكافي و التهذيب و الوسائل من قول السائل:

«اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلمّا وفيت [وفّرت] خبّرت أنّ الأرض وقف» و المراد بتوفير الثمن إقباضه للبائع تامّا. هذا بناء على ما في التهذيب. و في الكافي «وفيت المال» و هو واضح.

لكن يظهر من كلام العلّامة المجلسي اختلاف نسخ الكافي في ضبط هذه الكلمة، لقوله: «و في بعض نسخ الكافي: وفيت، و في بعضها: وزنت. و هما أظهر» «3».

(2) هذا الضمير و ضمائر «عمّرتها، أنّها، ادفعها، لها» راجعة إلى الأرض.

(3) معطوف على «رواية» و هذا دليل رابع على حرمة بيع الوقف، و هو كرواية ابن راشد من الأدلة الخاصة، للتصريح فيها بعدم البيع، و إن ضمّ إليه الهبة، و كذا الإرث في بعضها.

قال المحقق الشوشتري- في عدّ حجة المانعين عن بيع الوقف مطلقا- ما لفظه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1، الكافي، ج 7، ص 37 الفقيه، ج 4، ص 179، ح 10، التهذيب، ج 9، ص 130

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 49

(3) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 398

ص: 513

و غيره (1) من الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين، مثل: ما عن ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب و هو حيّ سويّ، تصدّق بداره التي في بني زريق (2)، صدقة لا تباع و لا توهب حتّى يرثها اللّه الذي يرث السماوات و الأرض،

______________________________

«و منها ما روي في كيفية أوقاف الأئمة عليهم السّلام، كوقف عليّ لبعض الأراضي، و وقفه الآخر لبعض الدور، و وقف الكاظم عليه السّلام لبعض الأراضي. و ذكر في الأوّل- أي وقف أمير المؤمنين لبعض الأراضي- أنّه صدقة لاتباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» إلى أن قال: «و هي أخبار متكثرة صحيحة الأسانيد .. و هي تدلّ على بطلان بيع المؤبّد مطلقا من وجوه متقاربة».

و هي وجوه ثلاثة، قال في ثانيها: «ان الظاهر أن ما ذكر فيها من لعن البائع و عدم حلية البيع بمنزلة الأحكام للأوقاف المؤبّدة، و لا خصوصية لها بتلك الأوقاف. و الغرض الإشارة إلى ذلك القسم المعروف من الصدقة أي الوقف، و بيان لوازمه، و تأكيد الأمر في ذلك .. إلخ» «1». و سيأتي تقريب الاستدلال.

(1) كحكاية وقف الإمام الكاظم عليه السّلام كما في معتبرة ابن الحجاج، و فيها: «تصدّق موسى بن جعفر عليه السّلام بصدقته هذه، و هو حيّ صحيح صدقة حبسا بتّا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها و لا ردّ، ابتغاء وجه اللّه و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها، و لا يهبها و لا ينحلها ..» «2».

(2) قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «بضمّ الزاي المعجمة و فتح الراء المهملة: جماعة من الأنصار» «3». و على هذا فالمقصود كون الدار المتصدق بها واقعة في محلّة سمّيت ب «بني زريق».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 314 و 315، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، ح 5

(3) غاية الآمال، ص 438

ص: 514

و أسكن (1) فلانا هذه الصدقة ما عاش و عاش عقبه، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ..» الخبر (2).

فإنّ (3) الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة،

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في المقابس من رواية عجلان بن صالح، لا رواية ربعي المذكورة في المتن، إذ ذيلها في الوسائل: «و أسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و ما عاش عقبهنّ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة ..» «1».

نعم في الاستبصار: «و أنّه قد أسكن صدقته هذه فلانا و عقبه» «2».

(2) المذكور في المتن تمام خبر ربعي الموجود في الكافي و التهذيب و الوسائل.

فلا حاجة إلى كلمة «الخبر» إلّا بناء على ما رواه الصدوق، إذ فيه بعد كلمة المسلمين «شهد ..» أي: شهد بذلك فلان و فلان كما أفاده المحدث المجلسي في شرحه «3».

(3) هذا تقريب الاستدلال برواية ربعي الحاكية لصورة وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لداره التي كانت في بني زريق، و الشاهد في هذه الرواية على حرمة بيع الوقف هو قوله عليه السّلام: «تصدّق .. صدقة لا تباع و لا توهب» و لم يرد فيها مثل ما تقدم في رواية ابن راشد من كون متعلق النهي شراء العين الموقوفة و عدم تملك منفعتها.

فلا بدّ من استفادة حكم الوقف من الجملة المزبورة، فنقول:

إن عنوان «الصدقة» يطلق على معان.

الأوّل: الزكاة، كما في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ «4».

الثاني: الصدقة المصطلحة، و هي تمليك مال للغير تبرعا بقصد القربة، فتمتاز عن سائر أنحاء التمليك المجاني- من الهبة و الهدية و العطية- باعتبار التطوع فيها دون أخواتها. و هي بهذا المعنى تشمل الوقف المفيد للملك بناء على اعتبار القربة فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 304، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، ح 4، الكافي، ج 7، ص 39، ح 40، التهذيب، ج 9، ص 131، ح 558

(2) الاستبصار، ج 4، ص 98، ح 380

(3) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 248، ح 5588، روضة المتقين، ج 11، ص 171

(4) سورة التوبة، الآية 11

ص: 515

..........

______________________________

الثالث: ما يعمّ الوقف المصطلح- بجميع أقسامه- و أخواته من السكنى و العمرى و الرقبى.

الرابع: خصوص الوقف الذي هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، و إطلاق «الصدقة» على الوقف شائع في النصوص، كالحاكية لأوقاف الأئمة عليهم السّلام. و توصف هذه الصدقة ب «الجارية».

الخامس: فعل الخير مطلقا و إن لم يتعلق بالأموال كما تقدم في بحث الولاية (ص 195) من مثل «كل معروف صدقه» و ما روي أيضا من قوله عليه السّلام: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، و إرشادك الضال صدقة» «1».

و حيث أطلقت «الصدقة» على معان، قلنا في تقريب الاستدلال بالرواية: انّ الإمام عليه السّلام وصف صدقته بأنّها «لا تباع و لا توهب»، و هي مقابلة للصدقة التي حقيقتها التمليك القربى التي يجوز للمتصدّق عليه بيعها و هبتها. و يحتمل في هذا التوصيف أمران:

أحدهما: كون الوصف صفة لشخص الصدقة التي تصدق بها عليه السّلام. فالمعنى: أنّه لا يجوز للمتصدّق عليه بيع الدار الواقعة في بني زريق. و بناء على هذا الاحتمال لا تقتضي ذات الصدقة و طبيعيّها المنع من النقل إلى الغير بالبيع و نحوه، و إلّا لما احتاج عدم البيع إلى الاشتراط. و عليه تكون الرواية أجنبية عن حكم بيع الوقف كلّية، لفرض اختصاص موردها بالصدقة المشروط فيها عدم البيع، و لا يعمّ الصدقة التي لم يشترط فيها البيع.

ثانيهما: كون الوصف بيانا لما هو لازم ماهية هذه الصدقة و نوعها، يعني: أنّ من خواصّ طبيعيّ هذه الصدقة عدم نقلها إلى الغير، و أنّ شأنها الدوام ليتحقق غرض المتصدّق. و على هذا يكون المنع من البيع لازما لا ينفك، و فصلا مميّزا للوقف عن الصدقة التي يجوز بيعها و هبتها.

و هذا الاحتمال هو المجدي في استظهار الحكم من الرواية، و قد رجّحه المصنف بوجوه ثلاثة:

الأوّل: ظهور السياق، و بيانه: أنّ الأصل في القيود و إن كان هو الاحترازية.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 7، ص 242، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 1

ص: 516

لا لشخصها (1)، و يبعد كونها (2) شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص.

مع (3) أنّ سياق الاشتراط يقتضي تأخّره عن ركن العقد، أعني الموقوف

______________________________

لا التوضيحية، و هذا الأصل متّبع في كلّ قيد ما لم يقم هناك ما يصرفه عن ظاهره. إلّا أنّ المدّعى وجود الصارف هنا، و هو ظهور المفعول المطلق النوعي- أعني به قوله عليه السّلام:

صدقة- في كون الوصف مقوّما للنوع، لا مشخّصا للمورد، و خارجا عن طبيعيّ المفعول المطلق حتى يكون احترازيا.

و بعبارة أخرى: فرق بين أن يقال: «هذه الدار صدقة لا تباع و لا توهب» و بين أن يقال: «هذه الدار صدقة، و التزم فيها عدم بيعها». فالأوّل ظاهر في اقتضاء ذات هذا النوع من الصدقة لعدم قبول النقل، و الثاني ظاهر في أنّ منشأ عدم البيع هو شرط الشارط. و من المعلوم أنّ الاشتراط منوط في مقام الإثبات بما يدلّ عليه.

(1) أي: لشخص الصدقة، و المراد بالشخص هو تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بداره المعيّنة على خالاته و عقبهنّ. فلو كان قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» وصفا لشخص هذه الصدقة تعيّن أن يؤخذ في مقام الإنشاء بلسان الشرط، لفرض عدم اقتضاء نفس الصدقة للمنع عن البيع، مع أنّ قوله عليه السّلام «لا تباع و لا توهب» بعيد عن سياق الاشتراط.

(2) أي: كون الصفة. و قد تقدم وجه البعد، و هو ظهور المفعول المطلق النوعي في كون القيد مقوّما للنوع.

(3) هذا وجه ثان لاستظهار كون القيد قيدا للنوع لا الشخص، و حاصله: أنّ سياق الشرط الخارج عن النوع يقتضي تأخره عن ركن العقد، لأنّ الشرط التزام في التزام، فلا بدّ أوّلا من تحقق الالتزام الظرفي- و هو العقد- حتى يتحقق الالتزام المظروفي. فالعبارة الوافية به هكذا: «وقفت هذه الدار على الفقهاء مثلا، و اشترطت عليهم أن لا يبيعوها» إذ الالتزام الوقفي متقوّم بالموقوف عليه، لكون الوقف حبسا على بطن أو على جهة أو شبههما. و لا ينبغي بيان الشرط قبل تمامية المشروط.

و ليس الأمر في المقام كذلك، ضرورة أن الشرط وقع قبل أحد ركني الوقف أعني به الموقوف عليهم. فالالتزام الشرطي وقع قبل تمامية الالتزام العقدي، و هذا يقتضي أن

ص: 517

عليهم، خصوصا مع كونه (1) اشتراطا عليهم.

مع أنّه (2) لو جاز البيع في بعض الأحيان

______________________________

يكون الشرط قيدا للنوع، لا للشخص، هذا.

و لا فرق في اقتضاء الاشتراط تأخّر ذكر الشرط عن ركن العقد بين كون المشروط عليه هو الواقف أو الموقوف عليه. و لكن يتأكّد تأخير الشرط فيما لو كان المشروط عليه هو الموقوف عليه، لكونه الممنوع من البيع و الهبة هنا، فيشكل إلزامه بشي ء قبل تعيينه.

نعم لو كان الشرط على الواقف أمكن جواز تقديمه على ركن العقد أو الإيقاع، بأن يقول: «تصدقت بداري كذا، و شرطت على نفسي أن اعطي في كل شهر كذا من المال، و المتصدق عليه خالاتي و عقبهن».

(1) أي: مع كون الشرط شرطا على الموقوف عليهم لا على الواقف، و وجه الخصوصية واضح، فإنّ الشرط من قبيل الحكم على الموضوع، و توقف الحكم على الموضوع بديهي، فلا بدّ في جعل الشرط قيدا للشخص من ذكر الموقوف عليه قبل الشرط.

(2) الضمير للشأن، و هذا وجه ثالث لاستظهار كون القيد مقوّما للنوع، و حاصله:

أنّه لو كان قيدا للشخص لزم كون الشرط مخالفا للمشروع، فيبطل، بل يبطل الوقف أيضا، بناء على مفسديّة الشرط الفاسد، بداهة أنّ البيع في موارد طروء الطواري جائز بلا إشكال، و إطلاق الشرط- و هو قوله صلوات اللّه عليه: «صدقة لا تباع و لا توهب»- يخالف جواز البيع في تلك الموارد، فلا بد من جعله شرطا و قيدا للنوع حتى لا يكون فاسدا من جهة مخالفته للسنة، و هي جواز بيع الوقف في بعض الحالات. فيقال: إنّ نوع الوقف يحرم نقله- لا خصوص الدار الواقعة في بني زريق- و هذا التحريم لا ينافي جواز البيع بطروء المسوّغ.

و هذا الوجه الثالث أفاده المحقق الشوشتري أيضا بقوله: «أنّه لو كان الوقف ممّا يصحّ بيعه في بعض الأحوال خصوصا .. لكان يلزم استثناء تلك الحالة أو الأحوال من

ص: 518

كان اشتراط عدمه (1) على الإطلاق فاسدا، بل مفسدا، لمخالفته (2) للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد، كدفع (3) الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طروء الحاجة، أو صيرورته (4) ممّا لا ينتفع به أصلا.

إلّا أن يقال (5) إنّ هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدّم في رواية ابن راشد

______________________________

ذلك العموم أو الإطلاق، و إذ لم يستثن منه أصلا علم استحكام العموم» «1».

و بالجملة: فالمصنف قدّس سرّه أثبت كون الشرط قيدا للنوع بهذه الوجوه الثلاثة، و سيأتي منه مناقشة الوجه الثالث.

(1) أي: اشتراط عدم البيع على الإطلاق، و هذا الاشتراط المطلق هو مدلول قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» إذ لم يقيّد بعدم طروء مسوّغ بيع الموقوفة. و لا ريب في مخالفة هذا الإطلاق لما ثبت من جواز البيع في الجملة. كما لا ريب في فساد الشرط المأخوذ في شخص هذا الوقف.

(2) أي: مخالفة اشتراط عدم البيع لما هو المشروع من جواز بيع الوقف أحيانا.

(3) أي: المنع عن تحقق الفساد، في قبال رفعه الذي هو إعدامه بعد تحققه.

(4) أي: صيرورة الوقف ممّا لا ينتفع به أصلا كما سيأتي تفصيله في الصورة الاولى و الثانية.

(5) ناقش المصنف قدّس سرّه بأمور ثلاثة في الوجه الثالث المتقدم آنفا.

الأوّل: أنّه لا موضوع للتنافي بين جواز بيع الوقف في بعض الأحيان، و بين إطلاق قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» حتى نلتجئ إلى جعل الوصف مقوّما للنوع، دون الشخص. و ذلك لأنّ التنافي فرع بقاء الإطلاق على حاله، مع إمكان منع الإطلاق من جهة انصرافه إلى غير صورة العذر.

كما أنّ إطلاق قوله عليه السّلام في رواية ابن راشد: «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى عدم طروء مسوّغ البيع.

و على هذا فيكون قوله عليه السّلام: «لا تباع» قيدا للشخص، لا النوع. و الإطلاق لصورة وجود العذر غير مقصود حتى يكون مخالفا للمشروع، فلم يمنع عليه السّلام عن بيع الوقف مطلقا- حتى مع عروض المسوّغ- حتى يكون مخالفا للسنّة، هذا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 49

ص: 519

في (1) انصرافه إلى البيع لا لعذر.

مع (2) أنّ هذا التقييد (3) ممّا لا بدّ منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيّا (4).

______________________________

(1) متعلق ب «نظير» يعني: كما أنّ قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى مورد انتفاء العذر، فلا إطلاق حقيقة، فكأنه قال: «لا يجوز شراء الوقف ما لم يعرض المسوّغ للبيع» فكذا قوله عليه السّلام: «لا يباع» ناظر إلى عدم تحقق الحالات المجوّزة للبيع.

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و حاصله: أنّه لا إطلاق في البين- حتى يكون دليلا على كون القيد قيدا للنوع- سواء أ كان الشرط قيدا للنوع أم الشخص، ضرورة جواز البيع مع طروء المسوّغ على كل حال، فيصير الكلام مجملا، لعدم ظهوره حينئذ في رجوعه إلى النوع أو الشخص.

و بعبارة أخرى: أراد صاحب المقابس قدّس سرّه استفادة كون «لا تباع و لا توهب» فصلا مميّزا للوقف عن غيره، من جهة أنّه لو كان وصفا لشخص ما تصدّق به عليه السّلام لزم تقييده بعدم عروض حالة مجوّزة للبيع، و حيث إنه لا مقيّد في الكلام فلا بدّ من جعل الوصف مقوّما لنوع الوقف ليتمّ الإطلاق.

و لكن يرد عليه: أنّ تقييد «لا تباع و لا توهب» لازم حتى لو جعلناه مقوّما للوقف و صفة للنوع. و الوجه في لا بديّة التقييد هو: أنّ طبيعيّ الوقف- الذي لا يباع- قد ثبت من الشرع صحة بيعه في مورد الخراب أو اختلاف الموقوف عليهم و غيرهما ممّا سيأتي مفصّلا. و لمّا كان إطلاق «لا تباع» مخالفا للسنة لزم تقييده بعدم عروض المجوّز.

و عليه فعدم الإطلاق مشترك بين كون الوصف مقوّما للنوع و بين كونه شرطا للشخص.

(3) أي: لا بدّ من تقييد إطلاق وصف «لا تباع و لا توهب» بعدم عروض المسوّغ حتى لو كان مقوّما لطبيعيّ الوقف.

(4) أي: خارجا عن حقيقة الوقف و مأخوذا في شخص هذا الوقف من باب الشرط، كما هو شأن مطلق الشروط المأخوذة في العقود من حيث كونها خارجة عن حقائق العقود.

ص: 520

مع احتمال (1) علم الإمام عليه السّلام بعدم طروء هذه الأمور المبيحة (2). و حينئذ (3) يصحّ أن يستغني بذلك عن التقييد، على (4) تقدير كون الصفة شرطا. بخلاف

______________________________

(1) هذا ثالث وجوه المناقشة، و غرضه أنّه يمكن ترجيح الإطلاق، و كون القيد قيدا للشخص، و عدم لزوم مخالفة الإطلاق للمشروع حتى يقال بفساد الشرط، بل و مفسديّته.

و بيانه: أنّه من المحتمل بقاء الصدقة المزبورة على حالها، و عدم طروء مسوّغ عليها يجوّز بيعها، مع علم الامام عليه السّلام بذلك، لعلمه الواسع- بإذن اللّه- بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة، فمن جهة علمه عليه السّلام بالغيب لم يقيّد عدم بيع هذه الدار الموقوفة بعدم عروض مجوّز البيع.

و عليه فإطلاق عدم جواز البيع حينئذ لا محذور فيه، لعدم كونه مخالفا للمشروع.

بخلاف ما إذا كان قيدا للنوع، فإنّ مجرد العلم بعدم طروء مسوّغ البيع في شخص هذا الوقف لا يصحّح الإطلاق، لكون حكم نوع الوقف جواز بيعه بطروء المجوّز له، هذا [1].

(2) أي: المبيحة لبيع الوقف، كالخراب و ندرة المنفعة، و تشاجر الموقوف عليهم، و نحوها.

(3) أي: و حين احتملنا اتّكاله عليه السّلام- في إبقاء «لا تباع» على إطلاقه- على علمه بعدم عروض ما يبيح بيع الدار الواقعة في بني زريق، صحّ أن يستغني الإمام بذلك العلم عن التقييد.

(4) متعلق ب «يصح» أي: صحة الاستغناء عن التقييد بناء على كون «لا تباع» خارجا عن حقيقة الوقف، و مأخوذا في شخص هذا الإنشاء من باب الشرط الذي هو التزام ضمن التزام آخر.

______________________________

[1] أقول: بل الإطلاق في صورة كون الشرط قيدا للشخص مع العلم بعدم طروء المسوّغ للبيع غير متجه أيضا، لأنّ الإطلاق عبارة عن عدم القيد. فالمعنى حينئذ يصير هكذا:

لا يجوز بيع هذا الوقف مطلقا أي سواء عرض مسوغ للبيع أم لا، و من المعلوم عدم صحة هذا المعنى. نعم بناء على كون الإطلاق هو الدوام و الاستمرار لا بأس به.

ص: 521

ما لو جعل (1) وصفا داخلا في النوع، فإنّ (2) العلم بعدم طروء مسوّغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع، كما لا يخفى.

فظهر (3) أنّ التمسّك بإطلاق المنع عن البيع على (4) كون الوصف داخلا في أصل الوقف- كما صدر عن بعض من عاصرناه- لا يخلو (5) عن نظر. و إن كان (6) الإنصاف ما ذكرنا: من ظهور سياق (7) الأوصاف في كونها أوصافا للنوع [1].

______________________________

(1) أي: جعل الوصف وصفا مميّزا للوقف عمّا عداه من الصدقات، فإنّه لا يصحّ الاستغناء عن التقييد.

(2) تعليل ل «لا يصحّ» المستفاد من قوله: «بخلاف ما لو جعل ..» يعني:

لو كان عليه السّلام في مقام بيان حكم الأوقاف من حرمة بيعها و شرائها، كان المناسب أن يجعل بطلان البيع مختصا بما إذا لم يتحقق المسوّغ، و لم يكن علمه عليه السّلام بعدم طروئه في وقف خصوص الدار المعيّنة كافيا في بيان الحكم بنحو الإطلاق.

(3) هذا نتيجة ما أفاده بقوله: «الا أن يقال» من وجوه الخدشة في الوجه الثالث المتقدم عن صاحب المقابس، و هو ما ذكره المصنف بقوله: «مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان ..». فغرضه قدّس سرّه الاعتماد على الوجهين الأوّلين في تثبيت كون عدم بيع الوقف فصلا مقوّما لطبيعي الوقف، لا أمرا خارجا عنه مأخوذا شرطا في خصوص إنشائه عليه السّلام.

(4) متعلق ب «التمسك» و المراد بالدخول في أصل الوقف هو الفصل المنوّع كما عبّر به قبل أسطر بقوله: «كون الصفة فصلا للنوع».

(5) خبر قوله: «انّ التمسك» و المراد بالبعض كما عرفت هو المحقق الشوشتري في مقابسه.

(6) استدراك على قوله: «ان التمسك لا يخلو عن نظر» يعني: أنّ الإنصاف صحة المدّعى، لكن لا من ناحية الإطلاق، بل لظهور سياق الأوصاف.

(7) هذه الكلمة قرينة على أن مراده من قوله في (ص 515): «فإن الظاهر من الوصف» هو الظهور الإطلاقي الناشئ من سوق الإنشاء.

______________________________

[1] و أمّا الوجه الثاني- و هو اقتضاء سياق الاشتراط تأخر الشرط عن الموقوف

ص: 522

..........

______________________________

عليه- فيمكن منعه، بقرينة ورود الوصف بعد ذكر الموقوف عليه مع كونه مقوّما لطبيعي الوقف لا للشخص، ففي رواية أيوب بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حكاية وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لعين ينبع: «هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله لا تباع و لا توهب و لا تورث» «1» الحديث. حيث إنّ ذكر وصف عدم كونها مبيعة و لا موروثة متأخر عن الموقوف عليهم، مع أنه ليس شرطا بمعنى الالتزام الخارج عن حقيقة الوقف.

و عليه فسبق الوصف على الموقوف عليه لا يقتضي التنويع، كما أنّ تأخيره عنه لا يساوق الاشتراط.

فالمهمّ في جعل الوصف دخيلا في النوع هو الوجه الأوّل أعني به ظهور التوصيف.

نعم تعبير المصنف قدّس سرّه تارة «بأنّ الصفة فصل للنوع»، و اخرى بأنّ «المنع من البيع تعبد شرعي خارج عن حقيقته» لا يخلو من تهافت، لوضوح كون الفصل مقوّما لماهية المتفصّل، بخلاف التعبد الشرعي الذي هو حكم محمول على موضوع محقّق.

و قد يوجّه بأنّ المراد بوصف النوع هو الخارج عن حقيقة الوقف، و لكنه لازم لها، و يصحّ الترديد بين كون وصف عدم المبيعية لازما للوقف، و أنّ المتسبّب إليه بإنشاء الوقف هو حصة من طبيعي التمليك الملزوم شرعا للمنع عن أنحاء الانتقالات، و بين كونه شرطا التزم به الواقف في ضمن عقد التصدق بماله على البطون. و على هذا ينبغي حمل كلام المصنف لدفع التنافي. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2».

فإن أمكن حمل صريح المتن من «فصل النوع» على الخارج الملازم كالعرض الخاصّ فهو. و إلّا فالتهافت بين التعبيرين باق، كما هو الظاهر. و ليس أحد الكلامين مجملا حتى يمكن رفع إجماله بقرينة غيره، بل كل منهما ظاهر- أو صريح- في مؤداه، و به يشكل الأمر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، ح 2

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 254

ص: 523

[الموانع الثلاث من بيع الوقف]

و ممّا (1) ذكرنا ظهر: أنّ المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة:

______________________________

(1) الظاهر أنّ المراد بالموصول رواية ربعي الحاكية لوقف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين، و إلّا لم يتقدم من المصنف قدّس سرّه سوى عدم جواز بيع الوقف، و لم يذكر منشأ هذا المنع، و أنه تعلّق حقّ اللّه تعالى و حقّ الآدمي بالعين الموقوفة.

و على كلّ فيستفاد الحقوق الثلاثة المذكورة في المتن من رواية ربعي.

أمّا حق الواقف فلأنّه عليه السّلام جعل ماله صدقة جارية ينتفع بها دائما، و بيعه ينافي هذا الحق.

و أمّا حق البطون اللّاحقة، فلقوله عليه الصلاة و السلام: «و عاش عقبه» فإنّه يدلّ على ثبوت الحق للبطون اللاحقة.

و أمّا كونه متعلق حق اللّه تعالى فلاعتبار القربة إنّ الوقف صدقة، و الصدقة يعتبر فيها قصد القربة. فهذه الحقوق الثلاثة تمنع عن البيع فيه.

ثم إنّ المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه نبّه على مانعيّة هذه الحقوق الثلاثة بقوله: «قد اجتمع في الوقف حق الواقف لدوام ثوابه بدوام الانتفاع بالعين، و حقّ اللّه، لأن الصدقات للّه، و حق الموجودين و باقي الطبقات .. إلخ» «1».

و توضيح تعلق هذه الحقوق بالوقف هو: أمّا حقّه تعالى فيمكن أن يراد به أنّ له تعالى حقّ أن يعبد، فكما أنّ جعل أرض مسجدا أو مكانا للعبادة يوجب حقّا للموقوف عليه بالعبادة فيه، فكذا يوجب حقّا له بأن يعبد فيه. و هذا واضح في وقف مشاعر العبادة.

و كذا الحال في الوقف على الذرية، فإنّ غرض الواقف التصدق على الذرية بنحو الاستمرار، و هذه الصدقة عبادة مستمرة من الواقف، فله تعالى حقّ أن يعبد به مستمرّا و يثاب به الواقف.

و أن يراد به أنّ الآخذ للصدقات- و منها الوقف بأقسامه- هو تعالى، بشهادة قوله عزّ من قائل وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ و ما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد اللّه. ثم تلا هذه الآية: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ» «2». و المستفاد منه أنّ الصدقة تكون له تعالى أوّلا، ثم

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 303، الباب 29 من أبواب الصدقة، ح 3

ص: 524

حقّ الواقف، حيث جعلها (1) بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها. و حقّ البطون المتأخّرة عن بطن (2) البائع. و التعبّد (3) الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فإنّ الوقف متعلّق لحقّ اللّه، حيث يعتبر فيه (4) التقرّب، و يكون للّه تعالى عمله

______________________________

للمتصدق عليه ثانيا.

و عليه فالتصرف في الوقف تصرف في ما للغير، و هو ممنوع.

و أن يراد به ما ورد في بعض النصوص من قوله عليه السّلام: «إنما الصدقة للّه عزّ و جلّ، فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة له فيه» «1» إذ المستفاد منه أنّ له تعالى حقّا في الصدقات، فما كان صدقة حدوثا فهي صدقة بقاء، و لا رجوع فيها. و كما لا معنى لرجوع المتصدق فكذا لا يجوز بيعها و لا هبتها، لمنافاة ذلك كله لتعلق حقّ الخالق به.

و أما حقّ الواقف فلأنّ غرضه من الوقف بقاء العين الموقوفة لينتفع بها الموقوف عليه مادّيّا لينتفع هو بالمثوبة المعنوية. و من المعلوم أنّ بيع الوقف يوجب انقطاع الفيض الإلهي بانتفاء موضوعه.

و أمّا حق الموقوف عليه فلأنّ العين حبست لتدرّ على البطن الموجود و البطون اللاحقة على السواء، فلو باعها البطن الموجود كان إزالة لحقّ الطبقات المتأخرة، و هو غير جائز.

(1) أي: جعل العين الموقوفة صدقة جارية، فمرجع الضمير حكمي، أو معنوي باعتبار ذكر «الوقف».

(2) كذا في نسختنا و جملة من النسخ، و الأولى تعريف «بطن» ليكون «البائع» صفة له، أي البطن الموجود البائع، فإنّ بيعه تضييع لحقّ البطون المعدومة فعلا.

(3) يعني: أنّ التعبد الشرعي يدلّ على تعلق حقّ الخالق بالعين الموقوفة- مع الغضّ عن حقّ المخلوق من الواقف و الموقوف عليه- و هذا حقّ ثالث ينشأ من دلالة النص على اعتبار القربة في الوقف، لكونه من الصدقة المتقومة بابتغاء وجهه تعالى، ففي معتبرة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه عزّ و جلّ» «2».

(4) أي: يعتبر في الوقف التقرب، لكونه مندرجا في عنوان «الصدقة» المتقومة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 316، الباب 11 من أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1

(2) المصدر، ص 319، الباب 13، ح 2

ص: 525

و عليه (1) عوضه.

و قد يرتفع بعض هذه الموانع (2) فيبقى الباقي، و قد يرتفع كلّها، و سيجي ء التفصيل [1].

______________________________

بالقربة.

(1) أي: على اللّه تعالى، و ضميرا «عمله، عوضه» راجعان إلى الوقف.

(2) كارتفاع حقّ الموقوف عليهم عن العين في موارد طروء المسوّغ للبيع، و سيأتي التفصيل في صور جوازه.

______________________________

[1] حاصله: مانعية الحقوق الثلاثة عن البيع. لكن للمناقشة فيها مجال، كما نبّه عليه غير واحد من الأعلام من عدم ثبوت أصل الحق، أو عدم صلاحية شي ء من هذه الحقوق عن البيع.

أمّا انتفاء حق الواقف، فلأنّ الوقف يوجب انقطاعه عن العين الموقوفة، و صيرورته أجنبيا عنها كغيره، و إنّما يستحق الأجر و الثواب. و كونها صدقة جارية لا يقتضي تعلق حقّ له بها حتى يكون مانعا عن بيعها. غاية الأمر انتفاعه بها ما دامت باقية لأجل خصوصية عمله، مثل «من سنّ سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها» «1».

و أمّا قصد التقرّب المعتبر في الوقف فغير مانع عن البيع أيضا، لعدم اقتضاء إضافة الوقف إليه تعالى تعلق حقّ له بالعين مانع عن التصرف فيها، فإنّ الصدقة الواجبة و المستحبة تمليك للغير بداع إلهي، مع أنّه يجوز للمتصدق عليه التصرّف فيها بالبيع و الهبة كسائر أمواله. و ليس الوقف كالخمس و الزكاة ممّا يتعلّق حقّه تعالى بالعين أو بماليّتها.

نعم التعبّد الشرعيّ أي النهي عن بيع الوقف أمر مسلّم، لكنه ليس بمعنى الحقّ القابل للإسقاط- المقابل للحكم- و مقتضاه وجوب صرف الوقف في ما عيّنه الواقف، فالتعبير عنه بالحق لا يخلو من مسامحة.

و أمّا حقّ الموقوف عليه- أي البطون اللاحقة- فلو سلّم كون العين فعلا متعلّقة

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 1، ص 265، ح 136، و بمضمونه في البحار، ج 71، ص 258، ح 5 و 6

ص: 526

..........

______________________________

لحقّها، فإنّما يكون مانعا عن بيعها على أن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود، لا على أن يتعلّق حقّهم بالبدل كتعلقه بالمبدل، كما إذا كان البيع صلاحا للوقف.

و عليه فالمانع عن بيع الوقف هو الإجماع و الأخبار و منافاته لمقتضاه، لكونه حبسا للأصل، الذي لا معنى له إلّا الممنوعيّة من التصرّفات الناقلة أو المتلفة له. هذا ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه «1» بتوضيح منّا.

و هو كذلك بالنسبة إلى حق الخالق و الواقف. و أمّا بالنسبة إلى حقّ البطون فيمكن أن يقال: إنّ انتقال الحق إلى البدل منوط بعدم تعلّق حقّهم بنفس العين الموقوفة بما لها من الخصوصيّة، و قيامه بماليّتها التي لا فرق فيها بين بقاء العين و بين بدلها. و لا تبعد دعوى تعلّق حقّ البطون بالعين بما لها من الخصوصية، و من المعلوم منافاة هذا الحقّ للبيع الذي يوجب انتقال الحقّ إلى ماليّتها و هو الثمن.

و لعلّه لهذا ذهب المحقق النائيني إلى تسلّم حق الموقوف عليه، و صلاحيته في نفسه للمنع عن البيع، لكنه قدّس سرّه قال بعدم وصول النوبة إلى مانعيّة هذا الحق، و ذلك لقصور المقتضي. و معه لا مجال للتمسّك بوجود المانع، لما تقرر في محله من أنّ عدم المعلول يستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع.

و الوجه في قصور المقتضي أنّ الملك في الوقف على الطبقات محبوس عن الحركة في وعاء الاعتبار، فهو كمن قطعت رجلاه عاجز عن التحرك خارجا. و لذلك يختلف الوقف- في موارد إفادته الملك كالوقف الخاص- عن الرهن و أمّ الولد ممّا يستند عدم جواز البيع إلى وجود المانع. هذا «2».

و سيأتي في (ص 635) تقرير قدّس سرّه قصور المقتضي بوجه آخر، حاصله: أنّ الملكية المنشئة بالبيع ملكية مرسلة غير محدودة بزمان أو زماني، لا موقتة، لعدم معهودية بيع مال الى وقت معيّن، و المفروض في المقام انتفاء إطلاق الملك و إرساله، فإنّ الطبقة الموجودة من الموقوف عليهم و إن كانت مالكة للعين فعلا، و ليست هي مشاعة بينها و بين البطون

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 107

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 376- 377

ص: 527

..........

______________________________

المتأخرة، إلّا أنّ ملكيتها لها محدودة و موقتة بالحياة، لفرض انتقال الوقف إلى الطبقة اللاحقة بانقراض السابقة. و حينئذ فإن نهض الدليل على كفاية إنشاء الملكية المحدودة قلنا بصحة البيع، و إلّا فمقتضى اعتبار الملك المرسل بطلان بيع الوقف، هذا.

و قد يقال: إنّه لا مانع من صحة البيع بناء على صحة البيع المحدود إلى انقراض الطبقة الحاضرة، بأن يقال: كما يصحّ التمليك المحدود في الوقف، كذلك يصح بيع الوقف و إن كان الملك مقيّدا.

و لو سلّم بطلان البيع، لكون الملك محدودا غير مرسل، أو للغرر، للجهل بأمد البطن البائع، أمكن نقل الوقف بمثل الصلح أو البيع غير محدود، لكن بشرط الانفساخ عند انقراض الطبقة الموجودة، بأن ينشأ النقل هكذا: «بعت العين الموقوفة على أن ينفسخ العقد عند انقراض هذه الطبقة» فالمنشأ تمليك مرسل، و لكنّه مشروط بشرط الانفساخ.

و لو سلّم بطلان هذا النقل لأدائه إلى الغرر، أمكن البيع مطلقا مجرّدا عن شرط الانفساخ، غايته أنّ صحّته فعليّة ما دام البطن البائع موجودا، و تأهلية بالنسبة إلى البطون المتأخّرة، فإن أجازته صحّ بالفعل، و إلّا بطل كما هو شأن البيع الفضولي مطلقا. هذا ما أفيد.

لكنه غير ظاهر. أمّا الأوّل فلعدم كون المحذور ثبوتيا حتى يقاس البيع بالوقف في كونه تمليكا للبطن الموجود محدودا بالانقراض، بل هو إثباتي، و المفروض وفاء الدليل بصحة التمليك المقيّد في الوقف على الطبقات، و قصوره في البيع، مع أنّ البائع للوقف يملّك ما ليس له و هو الملكية المرسلة.

و أما الثاني- فمع الغضّ عن إمكان اختصاص دليل نفوذ الشرط و وجوب الوفاء به بشرط الفعل- يشكل بأنّ نفوذ شرط النتيجة منوط بأخذه في عقد صحيح شرعا حتى يجب الوفاء بالشرط تبعا للوفاء بالعقد، و المفروض في المقام عدم إحراز صحة بيع الوقف كي ينفسخ عند انقراض البطن البائع.

مع أنّ هذا الوجه مبتن على التنزل عن الوجه السابق، و تسليم عدم الدليل على صحة البيع، و لذا أريد تصحيحه من جهة شرط الانفساخ. و هو لا يخلو من شبهة الدور، لتوقف جواز البيع على صحة شرط الانفساخ، و توقف الشرط على المشروط به.

ص: 528

[البيع لا ينافي بقاء الوقف]

ثمّ (1) إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع،

______________________________

(1) عدم التنافي بين الوقف و جواز بيعه بعد الفراغ من الأدلّة المانعة عن بيع الوقف تصل النوبة إلى ذكر الأقوال في المسألة، و أنّ عموم دليل المنع مخصّص ببعض الصور- على ما سيأتي تفصيله- أم لا.

و لا ريب في جواز البيع في الجملة.

و يتجه حينئذ البحث عن أمر قبل التعرّض للأقوال و الصور المستثناة من إطلاق دليل المنع، و هو: أنّه بعد التسالم على أمرين- و هما حرمة البيع قبل عروض المجوّز، و جواز البيع بعد عروضه- هل يبطل الوقف بمجرّد طروء أسباب خاصة مجوّزة للبيع، أم أنّ صفة الوقفية تستمرّ إلى تحقق البيع خارجا، و لا يزول عنوان «الوقف» بعروض المسوّغ؟ فيه قولان، ذهب الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه و صاحب الجواهر إلى الأوّل، و سيأتي تقريب كلاميهما.

و اختار المصنف قدّس سرّه الثاني مستدلّا عليه بما توضيحه: أنّ في الوقف- كسائر الأمور الإنشائية من العقود و الإيقاعات- مرحلتين:

الاولى: إنشاء الواقف، و مفاده اعتبار محبوسية العين عن التصرفات الناقلة أبدا.

______________________________

و أمّا الثالث فلأنّ صحة العقد الفضولي بالإجازة منوطة بكون المجيز أهلا لإمضاء ما أنشأه الفضول، كما هو الحال في البيوع الفضولية المتعارفة. و هذا غير متحقق في المقام، ضرورة أنّ البطن اللاحق المجيز لذلك البيع لم يكن مالكا بالملكية المرسلة حتى تتعلّق إجازته بنفس ما أنشأه البطن السابق المفروض كونه فضوليا بالنسبة إلى البطون المتأخرة.

نعم لو قلنا بعدم اعتبار مطابقة الإجازة للمجاز في الخصوصيات كما تقدم في محلّه حتى مثل إرسال الملك و محدوديته، اتّجه صحة بيع الوقف بالإجازة.

و على هذا فالمحذور في بيع الوقف قصور المقتضي، و لا مانع من ناحية قصد القربة و الواقف و الموقوف عليه، و إن كان في الأخير تأمّل كما سبق ذيل كلام المحقق الخراساني قدّس سرّه.

ص: 529

..........

______________________________

الثانية: إمضاء الشارع له بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» كإمضاء ما أنشأه المتبايعان بمثل آية حلّ البيع. فدليل إمضاء الوقف- لولا المنافي- يقتضي لزومه و عدم جواز فسخه أصلا بطروء الأسباب و العوارض.

لكن لا ريب في تجويز بيع الوقف شرعا، و هذا الجواز ينافي بقاء العين على صفة الوقفية، لتضادّ ذلك المنع المالكي- الممضى شرعا- لجواز البيع.

و هذا التضادّ يوجب تخصيص دليل لزوم الوقف، و نتيجته الحكم ببقاء عنوان الوقف بعد عروض المجوّز، و إنّما يبطل بالبيع خارجا.

و هذا نظير تقييد سلطنة المتهب على ما انتقل إليه- المقتضية لحرمة انتزاع العين من يده إلّا بإذنه- بما دلّ على جواز رجوع الواهب، فكما أنّ هذا الدليل غير مناف لحقيقة الهبة، فكذا دليل جواز بيع الوقف لا يضادّ صحّته.

فإن قلت: مقتضى تضادّ جواز البيع و الحبس- عن النقل و الانتقال- بطلان الوقف بنفس عروض المسوّغ، لا بقاؤه على الوقفيّة حتى يبطل بإيجاد البيع، لكون التنافي بين اعتبارين، و هما اعتبار محبوسية العين عن النقل و بين اعتبار جوازه.

قلت: نعم، لا ريب في التضادّ المزبور، إلّا أنّه موقوف على كون المجعول الشرعي عند طروء المسوّغ هو جواز البيع بنفسه و بعنوان أنّه بيع مشروع حتى يبطل الوقف بمجرّد ترخيص النقل. مع أنّ الأمر ليس كذلك، لكون المقصود من جواز البيع جواز إبطال الوقف إمّا إلى بدل بأن يتصف ذلك البدل بالوقفية و يحلّ محلّ المبدل، و إمّا لا إلى بدل كما في مورد شدّة الحاجة إلى صرف الثمن و إتلافه. و من المعلوم أنّ جواز الإبطال ليس مبطلا، بل المبطل هو ذلك التصرف و النقل الخارجي.

إلّا أن يقال: إن إبطال الوقف يكون من جملة التصرفات التي حبس العين عنها حين إنشاء الوقف و أمضاه الشارع، فتجويز الإبطال ينافي حقيقة الوقف الذي هو حبس العين عن الحركة الاعتبارية.

لكنه يندفع بامتناع دخول الإبطال في جملة التصرفات المحبوسة عنها العين، و وجه

ص: 530

فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه (1). فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز (2) إبطال وقفها إلى بدل (3) أو لا إليه، فإنّ (4) [1] مدلول صيغة الوقف و إن أخذ فيه

______________________________

الامتناع: تأخّر الإبطال عن المحبوسية، لعروضه على عنوان الحبس، و من المعلوم تأخر العرض عن معروضه، و يستحيل أخذ ما هو متأخر رتبة فيما هو متقدم رتبة.

و نتيجة هذا البيان: الحكم ببقاء الوقف في مورد عروض المسوّغ، و إناطة بطلانه بتحقق البيع خارجا، هذا.

(1) كما اختاره الفقيهان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر عليهما السّلام من بطلان الوقف بمجرد عروض المجوّز للبيع.

(2) هذا مختار المصنف قدّس سرّه من بقاء الوقف على ما كان عليه إلى أن يتحقق نقله خارجا.

(3) بطلان الوقف و زوال صفة الوقفية عن العين تارة يكون في الجملة: أي بقيام بدل العين مقام المبدل، كما إذا سقطت العين عن حيّز الانتفاع، و اخرى بالجملة أي انتفاء الوقف رأسا، كما إذا احتاج الموقوف عليه إلى ثمنها. و سيأتي التفصيل في مطاوي الصور المسوّغة للبيع.

(4) تعليل لتحقق التنافي بين الوقف- و هو الحبس المالكي الممضى شرعا- و بين البيع خارجا، لا بين الحكمين، و هما حبس العين و الترخيص في بيعها، و قد تقدّم توضيحه

______________________________

[1] هذا التعليل ربما ينافي قوله: «ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» الظاهر في أنّ عدم جواز البيع ليس مقوّما لمفهوم الوقف، بل من أحكامه الشرعيّة. و قوله هنا: «فإنّ مدلول ..» ظاهر في كون عدم جواز البيع مقوّما لمفهوم الوقف، فكيف التوفيق بينهما؟

و لكن يمكن دفع التنافي بأنّ قوله: «فانّ مدلول» ناظر إلى المنع المالكي، مع الغضّ عن إمضاء الشارع، و من المعلوم أنّ دخل ذلك بنظر الواقف- إمّا بكونه مقوّما لإنشائه أو ملازما له- لا يجدي ما لم يمضه الشارع بذلك النحو. و لا فرق في هذا بين التصريح بالتأبيد، و بين كونه مقتضى إطلاق الإنشاء.

ص: 531

الدوام و المنع عن المعاوضة عليه (1)، إلّا أنّه (2) قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الإنشاء. كما أنّ مقتضى العقد الجائز كالهبة (3) تمليك المتّهب المقتضي

______________________________

آنفا بقولنا: «إنّ في الوقف كسائر الأمور الإنشائية».

(1) يعني: بلحاظ إنشاء الواقف. و غرض المصنف قدّس سرّه تثبيت مختاره- من أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف- حتى بملاحظة مبنى صاحب الجواهر من كون مفهوم الوقف «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» سواء أخذ قيد الدوام فيه مقام الإنشاء، بأن يقول:

«هذه الدار موقوفة دائما و أبدا» أم لم يؤخذ فيه ذلك. فعلى كلّ منهما يكون المنع من البيع ملحوظا في إنشاء الواقف. و أمّا إمضاء الشارع فقد يكون مماثلا له، و قد يكون مغايرا له.

(2) خبر «فإنّ مدلول» و الضمير للشأن، و هذا متعلّق ب «و إن أخذ» يعني: لا يلزم أن يكون المنع الشرعي عن التصرّف مماثلا للمنع المالكي، بل يغايره عند طروء الحالة المجوّزة للبيع.

(3) غرضه بيان نظير للوقف الذي يجوز إبطاله بعروض بعض الأسباب، يعني: أنّ عقد الهبة لا يقتضي إلّا مجرّد التمليك الذي حكمه الشرعي التسلّط على العين الموهوبة. كما أنّ حكمه شرعا جواز انتزاع الموهوبة عن يد المتّهب. فكما أنّ جواز الرجوع في الهبة حكم شرعيّ، فكذلك عدم جواز البيع في الوقف، فإنّه حكم شرعي للوقف لا مقوّم لمفهومه.

______________________________

و هذا بخلاف قوله في صدر العبارة: «لا ينافي بقاء» فإنّه ناظر إلى الحكم الشرعي، و أنّ تجويز البيع مخصّص لدليل لزوم الوقف، و عليه فلا تهافت بين العبارتين.

هذا مضافا إلى أنّ قوله: «فإنّ مدلول صيغة الوقف» ناظر إلى مبنى القائل بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرفات الاعتباريّة أبدا. و سيأتي من المصنف أنّ الوقف الخاص قسم من التمليك. و بناء عليه ليس المنع من البيع ملحوظا في الوقف أصلا، هذا. و يبقى الجمع بينه و بين ما تقدّم من كون الصفة فصلا للنوع.

ص: 532

لتسلّطه المنافي (1) لجواز انتزاعه (2) من يده، و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه، فتأمّل (3).

إلّا أنّه (4) ذكر بعض في هذا المقام: «أنّ الّذي يقوى في النظر- بعد إمعانه- أنّ

______________________________

(1) صفة للتسلط، و قوله: «المقتضي» صفة ل «تمليك المتهب».

(2) أي: انتزاع الموهوب من يد المتّهب.

(3) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الوقف و الهبة، بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرّفات الاعتباريّة من البيع و غيره، و عن الحركة من ملك إلى ملك، إلّا الحركة في ملك البطون على حسب ما أنشأه الواقف. و هذا بخلاف الهبة. فإنّ مفهومها كمفهوم البيع هو أصل التمليك، و يكون اللزوم و الجواز حكمين شرعيّين مترتبين عليهما، كما تقدّم في مسألة لزوم المعاطاة بقوله: «فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعيّة للسبب، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب ..» فراجع «1».

و عليه فليست الهبة- من حيث اللزوم و الجواز- نظيرا للوقف.

و أمّا ما أفاده المصنف في ما يقتضيه الوقف- بناء على كونه تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة- و عدم بطلانه بطروء المجوّز، فهو تامّ لا شبهة فيه.

(4) استدراك على قوله: «إنّ جواز البيع لا ينافي الوقف إلى أن يباع» و الضمير للشأن. و غرضه نقل كلام صاحب الجواهر تبعا لشيخه كاشف الغطاء ثم المناقشة فيه، و ينبغي الإشارة إلى أمور لتوضيح ما في الجواهر.

الأمر الأوّل: أنّ الوقف- كما في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- تحبيس الأصل. و حيث إنّ «الحبس» من المعاني ذات التعلّق و الإضافة، فالمحبوس عنه هو التصرفات الناقلة، و الحركة من ملك شخص إلى ملك شخص آخر، إلّا بالنسبة إلى البطون التي جعل الواقف حركة العين فيها. فالمنشأ بصيغة الوقف منع النقل و المعاوضة بالبيع و الصلح و نحوهما. و بما أنّ الشارع أمضى إنشاء الواقف كان إمضاؤه له منعا اعتباريا عن

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 492

ص: 533

الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه (1)، بل لعلّ جواز بيعه مع كونه وقفا من التضادّ (2).

نعم (3) إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه».

______________________________

المعاوضات.

الأمر الثاني: أنّ الأحكام الشرعية و إن كانت أمورا اعتبارية، و ليست من سنخ الجواهر و الأعراض، و لكن يمتنع اجتماع اثنين منها في فعل واحد، كالوجوب و الحرمة، و الجواز المنع، و من المعلوم أنّ استحالة اجتماع الضدين لا تختص بالموجودات التكوينية، فيمتنع اعتبار الرخصة في فعل و ممنوعيته أيضا.

الأمر الثالث: أنّ من شروط العوضين تماميّة الملك، فما ليس طلقا لم يكن قابلا للمعاوضة عليه.

و بناء على هذه الأمور الثلاثة يقال في تقريب كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه: إنّ تجويز الشارع- عند طروء أسباب خاصّة- بيع العين الموقوفة يكشف عن بطلان الوقف، ليتحقق شرط صحة البيع، و هو كونه طلقا. فلو قيل ببقاء الوقف إلى أن يتحقق البيع خارجا لزم اجتماع الضدين الفعليّين، و هما: إمضاء الشارع لما أنشأه الواقف من الحبس عن البيع، و جواز البيع. و لا مناص من هذا المحذور إلّا استكشاف زوال ذلك المنع بتجويزه للبيع في مورد طروء المسوّغ [1].

و بهذا يظهر أنّ المتنافيين هنا هما الاعتباران الشرعيّان، لا الحكم بالمنع و البيع خارجا حتى يقال ببقاء صفة الوقفية بعد عروض المجوّز و قبل تحقق النقل خارجا.

(1) لانتفاء شرط «الطّلق» لكون الوقف محبوسا عن التصرّفات الناقلة.

(2) خبر «لعلّ جواز».

(3) استدراك على «لا يجوز بيعه» و مقصوده إناطة جواز البيع يبطلان الوقف.

______________________________

[1] هذا ما قيل في تقريب كلام الجواهر، و يستظهر منه بدوا.

و الأولى ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أن عبارة الجواهر- بقرينة كلمة «بل» الدالة على الترقّي- تتضمّن وجهين، و إن كانت الجهة المشتركة بينهما التنافي بين جواز البيع

ص: 534

ثمّ ذكر (1) بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه.

______________________________

(1) يعني: ذكر صاحب الجواهر بعض المبطلات، فمنها: ما لو اعتبر المنفعة في الوقف حدوثا و بقاء، و قد زالت المنفعة، فتنتفي حقيقة الوقف، لانتفاء شرط الصحة، كالحصير- الموقوف على مسجد- و الجذع البالي مما لا منفعة معتدّا بها إلّا بالإحراق مثلا.

و كالحيوان بعد ذبحه.

و منها: ما لو انعدم العنوان المأخوذ في الوقف، كما لو وقف بستانا ملاحظا فيه عنوان البستانية، فخرب البستان، فإنّه و إن لم تبطل منفعتها أصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا، لكن عنوان الوقف- و هو البستان- قد زال.

و منها: ما لو أدّى بقاء الوقف بحاله إلى الخراب، فراجع «1».

و سيتعرض المصنف لكلامه في الصورة الثانية، فانتظر.

______________________________

و الوقف.

الأوّل: أن موضوع جواز البيع مغاير لموضوع المنع، إذ لمّا كانت حقيقة الوقف حبس العين عن التصرفات الناقلة، فلا بدّ من حمل دليل جواز بيع الوقف على غير ظاهره، و هو ما ليس وقفا، بأن يكون دليل الجواز كاشفا عن بطلان الوقف بمجرّد وجود أحد المسوّغات، ليتحقق شرط صحة البيع و هو كونه ملكا طلقا.

و بناء على هذا يكون دليل جواز البيع مخصّصا لدليل نفوذ الوقف من كونه حبسا أبدا، و ليس مخصّصا لدليل المنع عن البيع، لفرض انتفاء الموضوع بنفس عروض المسوّغ، و مع تعدد الموضوع لا مورد للتعارض حتى ينتهي الأمر إلى التخصيص.

الثاني: أنّ بيع الوقف- بعنوان أنّه بيع الوقف- محال، لأنّ حقيقته محبوسية العين عن التصرفات، و هي لا تجتمع مع جواز التصرفات، لوضوح تضاد الممنوعية و الترخيص «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 358 و 359

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 258

ص: 535

و قد سبقه إلى ذلك (1) بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث استدلّ على المنع عن بيع الوقف- بعد النصّ و الإجماع، بل الضرورة- بأنّ (2) البيع و أضرابه ينافي حقيقة الوقف، لأخذ الدوام فيه، و أنّ نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء «1» [1].

______________________________

(1) أي: إلى أنّ الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه. و ضمير المفعول في «سبقه» راجع إلى «بعض» المراد به صاحب الجواهر، فالمراد بالسابق هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه. حيث استدلّ بوجوه أربعة على منع بيع الوقف، و هي النصّ كرواية ابن راشد، و الإجماع المتكرر في الكلمات، و الضرورة الفقهية، و رابعها منافاة البيع للحبس الذي هو مفهوم الوقف و حقيقته.

(2) متعلق ب «استدل» و محصله: أنّ البيع و الوقف متنافيان، و الدليل على أحد المتنافيين دليل على عدم الآخر، و لذلك تصحّ دعوى: أنّ صحة البيع تلازم بطلان الوقف.

كما تصحّ دعوى: أنّ صحة الوقف تلازم بطلان البيع.

______________________________

[1] و قيل بترتب الثمرة على القولين، و هي: أنه لو لم ينقل الوقف بعد طروء المجوّز إلى أن ارتفع، كما إذا عرضت حاجة شديدة إلى ثمن الوقف، فارتفعت قبل البيع، فبناء على بطلان الوقف بعروض المسوّغ لا مانع من البيع، لزوال عنوان الوقف سابقا.

و بناء على مختار المصنف قدّس سرّه يحتمل منع البيع، لكون المقام من موارد عموم الدليل المانع عن بيع الوقف في غير المتيقن خروجه منه، و هو إبطال الوقف بالبيع خارجا.

و يحتمل الجواز استصحابا لحكم المخصص، لليقين بصحة البيع بطروء المسوّغ، و الشك في زواله و هو من الشك في رافعية الموجود أو وجود الرافع، فيستصحب الجواز.

و عموم «الوقوف على حسب ..» غير مانع، لكون المجعول حكما واحدا مستمرا، و لم تتكثر الأفراد بحسب الأزمنة و الحالات، و بما أنّه جاز البيع فقد انقطع الدليل المانع، فيستصحب الجواز.

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة 85

ص: 536

و فيه (1) أنّه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض (2) آثاره- و هو جواز البيع المسبّب (3) عن سقوط حقّ الموقوف عليهم عن (4) شخص العين، أو عنها و عن بدلها،

______________________________

(1) أي: و فيما ذكره بعض. ناقش المصنف قدّس سرّه في كلامي العلمين بتحليل ما أراداه- من التضاد بين الوقف و جواز بيعه، و أن فعلية الجواز مبطل للوقف- و أنّه لا يخلو من وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد من بطلان الوقف بطروء مجوّز البيع ارتفاع بعض أحكام الوقف، و هو منع نقل العين الموقوفة إلى الغير، فيجوز البيع مع كونها باقية على صفة الوقف.

و الوجه في حكم الشارع بجواز البيع انتفاء حقّ الموقوف عليهم، إمّا عن شخص العين الموقوفة، و انتقال حقّ البطون إلى البدل، و إمّا سقوط الحقّ عن العين و بدلها، بأن صار الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود، كما في الحاجة الشديدة إلى صرف الثمن.

فبناء على هذا الاحتمال يكون معنى بطلان الوقف بطروء المسوّغ: ارتفاع منع البيع بجواز البيع، مع بقاء العين على الوقفية. و هذا أمر صحيح و مسلّم، لكنه لا يحتاج إلى الدقة فضلا عن إمعان النظر، ضرورة أنّ وجود أحد المتنافيين رافع للآخر بداهة.

و لا ينبغي أن يكون هذا الاحتمال مرادا لهما، مع بعده عن ظاهر عبارة الجواهر.

الوجه الثاني: أن يكون المراد من بطلان الوقف ما ظاهره من انتفاء صفة الوقف و عنوانه، لا مجرّد ارتفاع حكم تعبدي من أحكام الوقف كما كان في الاحتمال الأوّل.

و الشاهد على إرادة هذا الوجه جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف الذي هو الحبس عن التصرفات الناقلة، فجواز البيع مبطل له، لانتفاء الحقيقة بانتفاء الفصل المقوّم. فبناء عليه يرد على بطلان الوقف بطروء المسوّغ أمران، و سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) المراد به حرمة البيع، و ضمير «هو» راجع إلى الانتفاء باعتبار تأويله بالمنفي، يعني: أنّ المنتفي هو جواز البيع.

(3) صفة ل «جواز» يعني: أنّ منشأ انتفاء الوقف و جواز البيع هو سقوط بعض الحقوق المانعة عن التصرفات الاعتبارية.

(4) متعلق ب «سقوط» يعني: أنّ سقوط حق الموقوف عليهم يختلف بحسب

ص: 537

حيث (1) قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع- فهذا (2) لا محصّل له، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن إمعانه.

و إن أريد به (3) انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر كلامه، حيث (4) جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف، ففيه (5)- مع كونه (6) خلاف الإجماع، إذ

______________________________

الطواري، فقد يسقط عن شخص العين دون ماليّتها كما في تبديل الموقوفة بمثلها، و قد يسقط رأسا كما في الحاجة إلى البيع، و صرف الثمن في الطبقة الموجودة.

(1) متعلق بسقوط الحق عن العين و البدل، يعني بناء على كون الثمن للبطن الموجود، و عدم تعلق حق البطون المتأخرة به.

(2) جواب الشرط في «إن أريد» و الوجه في عدم المحصّل له كون معناه حينئذ: أنّه متى جاز بيع الوقف جاز بيعه.

(3) أي: ببطلان الوقف.

(4) تعليل لكون ظاهر كلام الجواهر هو زوال عنوان الوقف بمجرّد عروض المسوّغ، و منشأ الاستظهار أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه جعل المنع من البيع مقوّما لمفهوم الوقف. و هو مقتضى تفسير الحبس بالمنع عن النقل كما تقدم في (ص 506) عن السيّدين صاحبي الرياض و المفتاح أيضا.

(5) جزاء الشرط في «و إن أريد». و قوله: «فيه» خبر مقدّم، و المبتدأ هو «أن المنع ..».

ثم إنّ المصنف أورد على القول ببطلان الوقف بطروء مجوّز البيع بوجهين، أحدهما:

ناظر إلى مخالفته للإجماع بعد تسليم المبنى من كون الوقف حبسا و منعا عن المعاوضة.

و ثانيهما: ناظر إلى منع المبنى، و أنّ الوقف الخاص تمليك لا حبس.

(6) أي: كون انتفاء أصل الوقف مخالفا للإجماع. توضيح هذا الوجه الأول: أنّ القول بزوال عنوان الوقف بنفس عروض المجوّز- و إن لم تتحقق المعاوضة خارجا- لا سبيل للالتزام به، لكونه مخالفا للإجماع، بشهادة أنّ القائلين بجواز بيع الوقف في بعض الموارد لم يلتزموا ببطلان الوقف بالترخيص في بيعه، حتى يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا أو إلى ملك وارثه إن كان ميّتا.

ص: 538

لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان (1) الوقف و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف- أنّ (2) المنع عن البيع ليس

______________________________

مع أنّ مقتضى بطلان الوقف إمّا صيرورة المال من المباحات، و إمّا عوده إلى ملك الواقف، و إمّا صيرورته ملكا طلقا للموقوف عليه. و الكلّ ممنوع، للإجماع على بقاء صفة الوقفيّة ما لم يتحقق النقل خارجا، هذا.

(1) متعلّق ب «لم يقل» يعني: أنّ المجوّزين للبيع لم يقولوا ببطلان الوقف حتى تعود العين الى ملك الواقف أو وارثه. توضيحه: أنّ الوقف- بناء على كونه حبسا عن التصرفات- يلزمه خروج العين عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه، و هذا الملك يدور مدار الحبس. فلو انتفى الملزوم و هو الحبس بطروء أحد الأسباب- كما هو ظاهر الجواهر من بطلان الوقف به- انتفى اللازم و هو مالكية الموقوف عليه، و لا بدّ من دخول العين في ملك الواقف مرّة أخرى، لأنّ خروجها عن ملكه كان منوطا بالحبس. مع أنّ عودها إلى ملك الواقف مخالف للإجماع، و يتعيّن حينئذ القول بعدم بطلان الوقف بمجرّد طروء المجوّز.

و هذا بخلاف القول ببطلان الوقف بالبيع و شبهه، لاستحالة عود الوقف الى الواقف، و إلّا لزم من وجود البيع عدمه.

كذا علّل المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فتواهم بأنّ المبطل للوقف هو بيعه خارجا، لا عروض المسوّغ للبيع، ثم ناقش فيه، فراجع «1».

(2) هذا هو الوجه الثاني الناظر إلى منع المبنى، و توضيحه: أنّ كلام الفقيهين كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما مبني على كون حقيقة الوقف حبس العين عن المعاوضة عليها، و رتّبا عليه منافاته لترخيص الشارع في البيع، فيبطل بنفس الترخيص، للتضاد.

و لكن هذا المبنى ممنوع، و بيانه: أنّ الوقف- كما سيأتي تفصيله في (ص 573)- على قسمين:

الأوّل: الوقف و العام، و حقيقته فكّ الملك و تحريره من دون أن يتملّكه شخص أو جهة، كالمساجد و المشاهد المشرفة و المدارس و الرّبط، فإنّ وقفها نظير العتق الذي هو تحرير رقبة المملوك، و عدم قابليته لدخوله في ملك أحد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 258

ص: 539

مأخوذا في مفهومه، بل هو- في غير المساجد و شبهها (1)-

______________________________

لكن لا بمعنى صيرورته من المباحات ليتصرف فيه من سبق إليه بما شاء، بل لا يجوز التصرف المنافي للوقف. و هذا القسم لا معنى لجواز بيعه، لانتفاء شرطه و هو الملك.

القسم الثاني: الوقف الخاص، كوقف دار أو بستان على الذّرية أو على جهة معيّنة كعلماء البلد.

و محلّ البحث و النزاع في منع بيع الوقف- لانتفاء شرط الطلق- هو هذا القسم، لكونه ملكا للموقوف عليهم دون القسم الأوّل.

و يقع الكلام في أنّ حقيقته حبس العين عن النقل و الانتقال، فيكون المنع عن البيع مقوّما له، أم أنه تمليك للبطون أو للجهة؟ ذهب إلى الأوّل صاحب الجواهر، و بنى عليه بطلان الوقف بنفس الترخيص في المعاوضة بطروء المسوّغ، و رجّح المصنف قدّس سرّه الاحتمال الثاني، و أنّه تمليك خاصّ، إذ التمليك على نحوين، فقد يكون مطلقا كما في البيع و الهبة و الصلح. و قد يكون مقيّدا، بأن يستمرّ و يدوم و لا ينقطع. و هذا حقيقة الوقف الخاص، و لم يؤخذ فيه منع البيع، و إنّما هو أثره الشرعي.

و الشاهد على أنّ الوقف الخاص تمليك- لا حبس عن التصرف- أمران:

أحدهما: إطلاق «الصدقة» على الوقف في النصوص، كما تقدم في رواية ربعي الحاكية لوقف الدار التي كانت لأمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

________________________________________

ثانيهما: فتوى الأصحاب بجواز إنشاء الوقف ب «تصدّقت» وجه الشهادة: أنّه لا ريب في كون الصدقة من العقود المملّكة كالهبة و الهدية، فإدراج الوقف في عنوان «الصدقة» إنّما هو لإفادة الملك، لكنه ملك يقتضي بنفسه الاستمرار لو لم يطرء مجوّز البيع.

و حيث كان الوقف تمليكا- لا حبسا- فهو باق على ملك الموقوف عليه إلى أن يبطل الوقف بالبيع. هذا حاصل ما أفاده المصنف في المناقشة الثانية. و لكلامه تتمة في ولاية الموقوف عليه على البيع إلى بدل أو لا إلى بدل، و ستأتي.

(1) كالمشاهد المشرّفة و المدارس و الرّبط، مما يكون الوقف فيها تحريرا، و معناه خروج العين عن ملك الواقف، و عدم دخولها في ملك الغير.

ص: 540

قسم (1) من التمليك، و لذا (2) يطلق عليه الصدقة [1]، و يجوز إيجابه بلفظ «تصدّقت» (3). إلّا (4) أنّ المالك له (5) بطون متلاحقة،

______________________________

(1) خبر «هو» أي: الوقف الخاصّ قسم من التمليك، و هو الذي يكون المالك له بطونا متلاحقة. فالوقف الخاص جعل مال ملكا للغير بنحو يقتضي دوام مالكيته و عدم انقطاعها.

(2) أي: و لأجل أنّ الوقف الخاصّ تمليك أطلق عليه «الصدقة الجارية» في النصوص، مع أنّه لا ريب في مملّكيتها، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في معتبرة الحلبي:

«ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و صدقة مبتولة لا تورث، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له» «1».

(3) يعني: لا مطلقا، بل مع قصد الوقف. قال المحقق قدّس سرّه: «أمّا حرمت و تصدّقت فلا يحمل على الوقف إلّا مع القرينة، لاحتمالهما مع الانفراد غير الوقف. و لو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيّته» «2». و الظاهر أنّ الأخذ بنية الواقف إجماعي.

و في الجواهر بعد حكاية الفتوى عن محكي جماعة من القدماء و المتأخرين: «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض مشايخنا» «3».

(4) متعلّق ب «قسم من التمليك» و مبيّن للمراد من هذا القسم، و هو: أنّ المالك ليس شخصا واحدا و لا جماعة خاصة في عصر واحد- كما في الملك المشاع- بل المالك بطون متلاحقة، فالبطن الموجود مالك فعلا، و المعدوم مالك شأنا.

(5) أي: للوقف.

______________________________

[1] لا شهادة في ذلك، لصدق الصدقة الجارية على المساجد و الخانات و نحوهما من الأوقاف العامّة أيضا. نعم إذا أطلق التصدق بالعين الموقوفة ربّما يشهد بالملكية، فتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 292، الباب 1 من أبواب الوقوف و الصدقات، ح 2، و نحوه نصوص أخرى في نفس الباب و ما بعده.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 211

(3) جواهر الكلام، ج 28، ص 3

ص: 541

فإذا (1) جاز بيعه مع الإبدال كان البائع (2) وليّا عن جميع الملّاك في إبدال مالهم بمال آخر.

و إذا (3) جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود- على القول بجوازه (4)- فقد (5) جعل الشارع لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم (6) [1]

______________________________

(1) هذا من آثار كون المالك طبقات متلاحقة، يعني: أنّ البطن الموجود إمّا أن يجوز له بيع العين و تبديلها بأخرى تكون وقفا بدلا عن الأولى، فيكون البائع وليّا على تبديل مالهم بمال آخر. و إمّا أن يجوز له البيع بدون التبديل كما في الحاجة الشديدة إلى ثمن الوقف، فيكون للبائع حقّ إبطال الوقف.

فإن بيع بطل، و إن لم يبع و ارتفعت حاجة البطن الموجود بقي الوقف على حاله.

و لا وجه لبطلانه- بمجرّد عروض الحاجة- قبل أن يباع.

(2) سيأتي في (ص 662) أنّ المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم الوليّ على المعدومين.

(3) معطوف على «فإذا جاز» أي: و إذا جاز لا مع الإبدال، و غرضه بيان ولاية البطن الموجود على البيع الذي هو إبطال للوقف حقيقة، لفرض عدم وجوب الإبدال مع الحاجة إلى الثمن.

(4) إشارة إلى الخلاف في جواز بيع الوقف، و اختار المصنف المنع، و سيأتي التفصيل في الصورة الخامسة.

(5) جواب الشرط في «و إذا جاز» و الباء في «ببيعه» للسببيّة.

(6) أي: بأن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن البائع، و لا حظّ للبطون اللاحقة فيه.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: انّ ما استدلّ به على جواز البيع في فرض حاجة البطن الموجود هو قوله عليه السّلام في رواية جعفر بن حنّان- الآتية في الصورة الرابعة-: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا» و هذا يدل على ولاية البطن الموجود على كل من بيع الموقوفة و صرف الثمن في حوائجهم، و من المعلوم عدم ظهور كلامه عليه السّلام في ولاية البطن الموجود على جعل العين ملكا طلقا لهم ليقع البيع في ملكهم، بحيث لو فرض فسخ العقد عاد المبيع إلى ملكهم طلقا حتى مع ارتفاع الحاجة إلى الثمن عند حصول الفسخ. لوضوح أعمية جواز

ص: 542

فإذا لم يبيعوا لم يبطل (1). و لذا (2) لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع، أو لم يتّفق البيع، كان الوقف على حاله. و لذا (3) صرّح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف و إن بلغ حدّا يجوز بيعه، معلّلا (4) باحتمال طروّ اليسار للموقوف

______________________________

(1) لما تقدّم في مناقشة كلام الجواهر من أنّ معنى جواز البيع جواز الإبطال، و المبطل للوقف هو البيع لا جوازه.

(2) أي: و لأجل عدم بطلان الوقف إذا لم يبعه البطن الموجود- لو فرض ارتفاع الحاجة إلى ثمن الوقف، بأن حصل لهم مال آخر، أو ارتفعت الحاجة من دون توقّفها على بذل مال أصلا- كان الوقف على حاله.

(3) أي: و لأجل عدم بطلان الوقف بطروء المسوّغ صرّح المحقق الثاني، و غرضه إقامة الشاهد على عدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع، إذ مع فرض البطلان به يمتنع عود الباطل صحيحا.

و توضيحه: أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه صرّح بمنع جعل العين الموقوفة رهنا عند الدائن حتى إذا كانت حال الرهن قد جاز بيعها لشدة حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن. و الدليل على المنع أنّ الحاجة الشديدة المجوّزة للبيع و إن كانت حاصلة فعلا، و هي تقتضي جواز جعلها رهنا كجواز بيعها، إلّا أنّه لا يصحّ رهنها، و ذلك لاحتمال طروء اليسار، فإذا طرء اليسار ارتفع سبب جواز البيع، فيؤول الوقف إلى ما كان عليه من عدم جواز بيعه، فلا يمكن استيفاء الغرض المقصود من الرهن- و هو جعله وثيقة للدين، بحيث يمكن أداء الدين منه- من هذا الوقف المرهون.

(4) حال من المصرّح بمنع رهن الوقف، و هو المحقق الثاني قدّس سرّه، و قد عرفت التعليل الظاهر في بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض المجوّز. و لو بطل بنفس تجويز الشارع للبيع- كما ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه- لم يكن لمنع الرهن وجه، ضرورة صيرورته طلقا،

______________________________

البيع و صرف الثمن من كون البطن البائع وليّا على جميع الملّاك في إبطال الوقف و جعله ملكا له، كجواز صرف سهم الامام عليه السّلام في مورد إحراز رضاه صلوات اللّه و سلامه عليه، مع عدم كونه ملكا لمن صرفه. فما أفاده المصنف قدّس سرّه من «أن الشارع جعل لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم» لا يخلو من تأمّل.

ص: 543

عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (1).

[الأقوال في بيع الوقف]
اشارة

إذا عرفت أنّ مقتضى العمومات (2) في الوقف عدم جواز البيع، فاعلم أنّ لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة (3) أقوالا:

[أحدها: عدم الخروج عنه أصلا]

أحدها: عدم الخروج عنه (4) أصلا، و هو الظاهر من كلام الحلّي، حيث قال في السرائر- بعد نقل كلام المفيد- قدّس سرّه-: «و الذي يقتضيه مذهبنا: أنّه بعد وقفه

______________________________

فتصح أنحاء التصرفات فيه، الّتي منها جعله وثيقة لدين، بحيث لو لم يؤدّ الدين استوفى المرتهن حقّه ببيع الرهن.

(1) الأولى نقل نصّ العبارة، قال في شرح كلام العلامة: «و لا رهن الوقف» ما لفظه: «و إن بلغ مرتبة يجوز بيعه، إمّا لخلف بين أربابه، أو لغير ذلك. لأنّ ما يباع للخلف يشترى بثمنه ما يوقف، و ما يباع للحاجة قد يتطرّق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه للرهن عدمها- أي عدم الحاجة- فلا يكون مقصود الرهن حاصلا» «1».

هذا تمام ما أفاده المصنف في مناقشة كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه. و سيأتي بيان الأقوال إن شاء اللّه تعالى.

(2) المتقدمة في (ص 510- 513) مثل «لا يجوز شراء الوقف» و «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها».

(3) قيد ل «الخروج» أي: خروج بعض صور الوقف عن عموم منع البيع، فاختلف الأصحاب في هذا البعض المستثنى من عموم المنع.

(4) الأقوال في بيع الوقف أي: عن عموم المنع، و الظاهر أنّ المراد بكلمة «أصلا» هو منع البيع مطلقا، سواء أ كان مؤبّدا أم منقطعا، كما يستفاد من عبارة السرائر، حيث إنّه نقل كلاما عن الشيخ، و اعترض عليه بأنّه لا إجماع على جواز البيع بعد خراب الوقف و اختلاله، و هذا لا ينافي دعواه الإجماع على منع بيع المؤبّد، كما سيأتي في المتن.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 51

ص: 544

و تقبيضه (1) لا يجوز الرجوع فيه، و لا تغييره عن وجوهه و سبله، و لا بيعه، سواء كان بيعه أدرّ (2) عليهم أم لا، و سواء خرب الوقف، و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره (3)، أو يحصل (4) بحيث لا يجدي نفعا، أم لا (5)» «1».

قال الشهيد رحمه اللّه (6)- بعد نقل أقوال المجوّزين-: «و ابن إدريس سدّ الباب، و هو نادر مع قوّته» «2».

و قد ادّعى في السرائر عدم (7) الخلاف في المؤبّد، قال: «إنّ (8) الخلاف الذي

______________________________

(1) أي: تسليم المال للموقوف عليه أو للمتولّي.

(2) أي: كان البيع أنفع بحال الموقوف عليهم من بقاء العين الموقوفة و الانتفاع بها.

(3) كعدول المؤمنين.

(4) أي: يصير الوقف عديم المنفعة.

(5) ليست كلمة «أم لا» في السرائر، و إنما قال: «لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف، و أنّه لا يجوز حلّه و لا تغييره عن وجوهه و سبله. فمن ادّعى حكما شرعيا، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، لأنّه لا إجماع منّا على ذلك .. و لا يرجع في مثل هذا الإجماع و الأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا».

(6) الظاهر أنّ نقل كلام الشهيد قدّس سرّه هنا لأجل ميلة إلى منع بيع الوقف مطلقا كما ذهب إليه ابن إدريس، بقرينة قوله: «مع قوّته» و إن كان قولا نادرا.

(7) تقدم آنفا أنّه لا منافاة بين دعوى الإجماع على منع بيع الوقف المؤبّد، و بين ما تقدم أوّلا من منع بيع الوقف مطلقا، فإنّ غير المؤبد مختلف فيه و إن كان رأيه فيه المنع كما في الدائم، و لذا ادّعى صاحب المقابس قدّس سرّه: «أن الحلّي و فخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» «3».

(8) في السرائر: «هذا» بدل «أنّ».

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 153

(2) الدروس، ج 2، ص 279

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 545

حكيناه بين أصحابنا إنّما (1) هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين، و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم، و أمّا (2) إذا كان الوقف على قوم و من بعدهم على غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غيره (3) إلى أن يرث اللّه الأرض، لم يجز (4) بيعه على وجه (5)، بغير خلاف بين أصحابنا» انتهى.

و فيه نظر (6) يظهر ممّا سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوّزين في المؤبّد.

و حكي المنع مطلقا عن الإسكافي و فخر الإسلام أيضا (7) إلّا في آلات الموقوف و أجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع.

______________________________

(1) غرضه بيان الفرق بين الوقف المنقطع و الدائم، فالدائم هو المشترط فيه رجوعه إلى غير الموقوف عليهم، بأن يقول: «فإن انقرضوا فهي وقف على ذوي الحاجة من المسلمين مثلا» فإذا كان الوقف متضمنا لهذا الشرط كان مؤبّدا، و إلّا كان منقطعا.

(2) كذا في النسخ، و في السرائر: «فأمّا إذا كان الوقف على قوم، و على من بعدهم».

(3) في السرائر «إلى غير ذلك» أي: غير الموقوف عليه أوّلا.

(4) جواب الشرط في «و أمّا إذا كان» و الأولى اقتران جواب «أمّا» بالفاء كما في الذكر الحكيم من النهي عن قهر اليتيم، و حاصل كلام الحلّي قدّس سرّه: منع بيع الوقف إجماعا لو كان مشتملا على شرط الوقف على آخرين غير من أوقف عليه أوّلا، كما تقدم نظيره في وقف أمير المؤمنين داره في بني زريق على خالاته، ثم على ذوي الحاجة من المسلمين.

(5) في السرائر: «على وجه من الوجوه». و قال في موضع آخر في منع بيع النخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف: «و قد بيّنا أن الوقف لا يجوز بيعه» «1».

(6) غرضه المناقشة في الإجماع صغرويّا، و ذلك لذهاب كثير في الوقف المؤبّد إلى الجواز، كما سيأتي.

(7) يعني كما ذهب ابن إدريس إلى المنع مطلقا بالنسبة إلى عين الموقوفة، و إن خالفاه في جواز بيع الآلات «2».

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 167

(2) حكاه في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 546

قال الإسكافي- على ما [فيما] حكي عنه في المختلف: «إنّ الموقوف عليه [عينه] رقيقا أو غيره (1) لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته، فلا بأس ببيعه و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن (2)، أو صرفه فيما كان تصرف إليه منفعته أو ردّ ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح (3)» «1» انتهى.

و قال فخر الدّين في الإيضاح في شرح قول والده قدّس سرّهما: «و لو خلق حصير المسجد، و خرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق، فالأقرب جواز بيعه» قال (4)- بعد احتمال المنع بعموم النصّ في المنع-:

«و الأصحّ عندي جواز بيعه (5) و صرف ثمنه في المماثل (6) إن أمكن، و إلّا ففي غيره» «2».

______________________________

(1) العبارة تغاير ما في المختلف لفظا، كقوله: «و الموقف رقيقا أو ما يبلغ حاله إلى زوال ..».

(2) في المختلف: «إن أمكن ذلك».

(3) في المختلف «الصلاح» و المستفاد من قوله: «من أصل ما حبس معه» أنّ العين الموقوفة تتضمّن أجزاء و آلات كالنخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف، فتباع هذه الآلة و يصرف ثمنها في نفس البستان إذا كان المتولّي يرى الصلاح في بيع الآلات، التي لا ينتفع بها إلّا بالبيع، و صرف الثمن في أصل العين الموقوفة.

و عليه فهذه الجملة تدلّ على منع بيع الوقف كالبستان، و هو موافق لكلام الحلّي، لكن تجويز بيع الآلات مخالف له.

(4) كذا في النسخ، و لا حاجة إليها بعد ورودها في قوله: «و قال فخر الدين».

(5) في الإيضاح: «جواز البيع».

(6) بأن يشترى به حصير آخر للمسجد إن احتاج إليه، و إلّا ففي غير المماثل مما يحتاج إليه المسجد كالإضاءة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 316

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

ص: 547

و نسبة (1) المنع إليهما على الإطلاق (2) لا بدّ (3) أن تبنى على خروج مثل هذا (4) عن محلّ الخلاف.

و سيظهر هذا (5) من عبارة الحلبي في الكافي أيضا، فلاحظ.

[الثاني الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة]

الثاني (6) الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصّة دون المؤبّد،

______________________________

(1) غرضه أنّ عبارتي الإسكافي و فخر الإسلام صريحتان في جواز بيع آلات الوقف، و إن منعا عن بيع أصل الموقوفة، مع أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه نسب إليهما- في الصورة الأولى و هي كون البيع أنفع للموقوف عليهم من تركه- القول بمنع بيع الوقف.

و هذه النسبة إن قصد بها بيع نفس الموقوفة فهي تامّة، و إن قصد بها المنع مطلقا حتى بالنسبة إلى الآلات فهي ممنوعة بعد تصريحهما بجواز بيع الآلات. قال في المقابس:

«القول الثالث: أنه لا يصح البيع بذلك- أي بكونه أنفع من بقائه على حاله- و هؤلاء منهم من أنكر بيع الوقف من أصله كالإسكافي و أتباعه، إلّا أن الإسكافي أطلق المنع ..

و الحلّي و فخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» «1».

و أراد المصنف قدّس سرّه توجيه نسبة منع البيع إلى الإسكافي و فخر الإسلام بأنّ مقصود الناسب منع بيع نفس العين الموقوفة. و هي في محلها، و ليست المقصود نسبة منع بيع الآلات إليهما، ضرورة وضوح جواز بيع الآلات، و إنّما الكلام في بيع أصل الموقوفة. هذا.

(2) تقدم أنّ المراد بالإطلاق هو «منع بيع الوقف» الشامل للعين و للآلات.

(3) هذا توجيه المصنف لما نسبه صاحب المقابس إلى الإسكافي و الفخر قدّس سرّهما.

(4) أي: مثل بيع الآلات خارج عن محل الخلاف.

(5) المشار إليه هو منع بيع العين الموقوفة، و لم ينقل المصنف فيما سيأتي كلامه، و نقله صاحب المقابس، و قال: «و أمّا الحلبي فنصّ على بطلان ذلك، و خصّ بيع المنقطع بصورة الشرط، و أبطله فيما عداه» «2».

(6) أي: القول الثاني، و الأولى بوحدة السياق أن يقال: «ثانيها» في مقابل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48، و لاحظ الكافي في الفقه، ص 325

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48، و لاحظ الكافي في الفقه، ص 325

ص: 548

و هو المحكيّ عن القاضي (1)، حيث قال في محكيّ المهذّب: «إذا كان الشي ء وقفا على قوم، و من بعدهم على [إلى] غيرهم (2)، و كان (3) الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك، إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها، لم يجز (4) بيعه على وجه من الوجوه. فإن كان (5) وقفا على قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم (6) حسب ما قدّمناه، و حصل الخوف من هلاكه (7) أو فساده، أو كان (8) بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف (9) من وقوع خلف بينهم يؤدّي إلى فساده، فإنّه (10) حينئذ (11) يجوز بيعه و صرف ثمنه في

______________________________

«أحدها».

(1) قال السيد العاملي في عدّ من قال بجواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة و خلف بين أربابه موجب للفساد: «لكن القاضي في المهذّب ذكر ذلك في المنقطع» «1».

(2) الظاهر إرادة الوقف على الطبقات.

(3) معطوف على «كان» و المقصود باشتراط الرجوع إلى غير الموقوف عليه لو انقرضوا هو الوقف المؤبّد، و تقدم نظيره في كلام ابن إدريس قدّس سرّه.

(4) جواب الشرط في «إذا كان».

(5) هذا عدل لقوله: «إذا كان الشي ء وقفا» و المقصود هو الوقف المنقطع.

(6) حيث إنّ شرط رجوع الوقف إلى غير الموقوف عليه يجعله مؤبّدا، بخلاف ما لو قال: «هذا وقف على أولادي» فانقرضوا.

(7) أي: هلاك الوقف و خرابه، و هو إحدى الصور المجوّزة للبيع.

(8) معطوف على «حصل» و إشارة إلى مجوّز آخر للبيع.

(9) معطوف أيضا على «حصل» و إشارة إلى صورة ثالثة.

(10) جواب الشرط في قوله: «فإن كان».

(11) أي: يجوز البيع حين حصول كلّ من خوف هلاك الوقف أو الحاجة إلى البيع، أو خوف النزاع المؤدّي إلى فساد الوقف.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 86

ص: 549

مصالحهم على حسب استحقاقهم. فإن لم يحصل (1) شي ء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه. و لا يجوز هبة الوقف، و لا الصدقة به أيضا (2)» «1».

و حكي (3) عن المختلف و جماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي.

لكنّ العبارة المحكيّة عن كافية لا تساعده (4)،

______________________________

(1) المستفاد من هذه الجملة: التفصيل في خصوص الوقف المنقطع بين الصور الثلاث المجوّزة للبيع، و بين غيرها. و أمّا الوقف المؤبّد فلا يجوز بيعه. و بهذا يثبت ما رامه المصنف بقوله: «الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة».

(2) يعني: كما لا يجوز بيعه.

(3) الحاكي لهذا التفصيل عن العلّامة و جماعة هو المحقق صاحب المقابس، قال قدّس سرّه:

«و أمّا الحلبي، ففي المختلف: أنّه فصّل كما فصّل القاضي. و كذلك نقل عن التذكرة و غاية المراد و التنقيح و المهذّب البارع و غاية المرام و ظاهر جامع المقاصد» «2».

و قال في التذكرة بعد نقل جملة من الكلمات: «فقد اتفق هؤلاء العلماء من أصحابنا على جواز بيعه في الجملة» «3».

و كذلك نسب التفصيل بين المنقطع و المؤبّد إلى الحلبيين المحقق الثاني، فقال:

«و جعلها- أي: جعل العلامة رواية ابن حنّان- دليلا لمن جوّز بيع الوقف الذي ليس بمؤبّد، و هو أبو الصلاح و ابن البرّاج» «4».

(4) أي: لا تساعد التفصيل بين الوقف المنقطع بجواز البيع، و المؤبّد بمنعه- كما نسب إليه في كلام العلامة و جمع ممّن تأخر عنه. و الوجه في عدم مساعدة عبارة الكافي هو ما أفاده في المقابس- بعد العبارة المتقدمة- بقوله: «و الظاهر أنّ المأخذ- أي مأخذ نسبة التفصيل بين المنقطع و المؤبّد إلى الحلبي قدّس سرّه- كتاب الكافي، و هو على ما في النسخة

______________________________

(1) المهذب، ج 2، ص 92

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45، و لاحظ: مختلف الشيعة، ج 6، ص 287، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، غاية المراد، ج 2، ص 25، التنقيح الرائع، ج 2، ص 329، المهذب البارع، ج 3، ص 65، جامع المقاصد، ج 9، ص 70

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444

(4) جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 550

بل ربما استظهر منه (1) المنع على الإطلاق، فراجع.

و حكي التفصيل المذكور (2) عن الصدوق. و المحكيّ عن الفقيه: أنّه قال

______________________________

الموجودة عندي يقتضي التفصيل بغير ما ذكروه، فإنّه قسّم الصدقة أوّلا إلى ما يقتضي تمليك الرقبة، و ما يقتضي إباحة المنافع. ثم قال: و الثاني على ضربين: مشترط و مؤبّد، و المشترط على ضروب» الى أن قال: «و المؤبد: أن يحبس الرقبة و يجعل منافعها لموجود معيّن من نسله، أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب، و على من يتجدد من ولده، و ولد ولده أبدا ما تناسلوا. أو إلى غاية معلومة». إلى أن قال: «و يؤبّدها، و يحرّم بيعها و نقلها عن جهاتها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها، و حرم تغيير شي ء منها».

ثم قال صاحب المقابس: «و مقتضاها عدم جواز بيع المؤبّد مطلقا. و أما غيره، فإن وقع مطلقا أو مشروطا برجوعه إلى ملكه بعد الانقطاع فهذا يجب إرجاعه إليه.

و لا يجوز للموقوف عليه أن يبيعه أبدا. و إن كان مشروطا بأن يكون له بيعه عند الحاجة أو خرابه جاز له ذلك» .. الى أن قال: «أمّا بعد الوقف ففي جواز الإذن في ذلك، و منعه قبل الانقطاع كلام آخر لم ينصّ عليه. و ظاهره المنع من ذلك إلى أن يحصل الانقطاع.

و بالجملة: فكلامه صريح في أنّ الموقوف عليه ليس له البيع بمجرّد الوقف مطلقا، فيكون مذهبه هو مذهب الإسكافي و أتباعه» «1».

(1) أي: من الكافي، و المستظهر كما عرفت صاحب المقابس قدّس سرّه، فاستظهار المنع ترقّ من عدم مساعدة التفصيل.

(2) و هو التفصيل بين الوقف المؤبّد و المنقطع، بجواز بيع الثاني دون الأوّل.

و الحاكي جماعة كالفاضل المقداد و ابن فهد و الشهيد و المحقق الثاني، ففي جامع المقاصد:

«و جوّز الصدوق بيع المنقطع الآخر، دون المؤبّد» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45 و 45، و راجع الكافي في الفقه، ص 324 و 325

(2) لاحظ التنقيح الرائع، ج 2، ص 320، المهذب البارع، ج 3، ص 65، غاية المراد، ج 2، ص 23 جامع المقاصد، ج 9، ص 69

ص: 551

- بعد رواية عليّ بن مهزيار الآتية «1»-: «إنّ هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم. و لو كان عليهم و على أولادهم ما تناسلوا، و من بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها، لم (1) يجز بيعه أبدا «2».

ثمّ (2) إنّ جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي، كما لا يخفى.

ثمّ (3) إنّ هؤلاء إن كانوا ممّن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف

______________________________

(1) جواب الشرط في «و لو كان» و العبارة ظاهرة في ما نسب إليه من التفصيل بين الوقف المؤبد و المنقطع.

(2) لمّا كان مختار الصدوق و القاضي جواز بيع الوقف المنقطع، فهل يختص ذلك بالبطن الأخير أم يجوز البيع لمن تقدّمهم أيضا؟ ظاهر كلاميهما كون المتصدّي هو البطن الأخير.

أمّا كلام الصدوق قدّس سرّه فهو «أن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم» و من المعلوم أنّه لا ينطبق إلّا على الطبقة الأخيرة، إذ لا يصدق «دومن من بعدهم» إلّا على الطبقة الأخيرة.

و أمّا كلام القاضي فهو «فإن كان وقفا على قوم مخصوصين .. إلخ» فإنّه- خصوصا بملاحظة قوله: «و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم»- ظاهر في كون المتصدّين للبيع هؤلاء المخصوصين الذين لا يكون الوقف راجعا إلى غيرهم.

(3) هذه العبارة- إلى الشروع في القول الثالث- تتضمّن أمورا ثلاثة ترتبط بمقالة أرباب القول الثاني، أعني به جواز بيع الوقف المنقطع دون المؤبد. و هم الصدوق و القاضي ابن البراج و أبو الصلاح الحلبي قدّس سرّهم.

______________________________

(1) تأتي في الصورة العاشرة من صور بيع الوقف.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 241، ذيل الحديث: 5575

ص: 552

عليه، فللقول بجواز بيعه وجه (1). أمّا إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته، فلا وجه (2) للحكم (3) بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم.

و قد حكي القول بهذين (4) عن القاضي.

______________________________

الأمر الأوّل: ما يرد على بعضهم من الإشكال، و بيانه: أنّ الوقف المنقطع إمّا أن يبقى على ملك الواقف، و تكون المنفعة أو الانتفاع للموقوف عليهم، نظير حبس المال مدّة على طبقات معيّنة. و إمّا أن يكون الوقف تمليكا للبطون.

فبناء على الثاني يتّجه جواز بيع البطن الأخير العين الموقوفة مطلقا، أو في الجملة، لكون العين ملكا لهم. و بناء على الأوّل يشكل ذلك، لفرض بقاء العين على ملك الواقف، و بانقراض الموقوف عليهم تعود إليه أو إلى ورثته.

و مع وجود هذين القولين- بين المجوّزين لبيع الوقف المنقطع- لا وجه للقول بمصير كلّهم إلى الجواز. و سيأتي بيان الأمرين الآخرين.

(1) لكون البطن الأخير مالكا بالفعل للعين الموقوفة، فله بيعها مطلقا أو في الجملة.

(2) جواب «أمّا» الشرطية التفصيلية التي هي عدل قوله: «إن كانوا».

(3) توضيح وجه عدم الجواز هو: أنه بناء على عود الموقوف في الوقف المنقطع- بعد انقراض الموقوف عليهم- إلى ملك الواقف أو ورثته، ليس للموقوف عليهم بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم، بل لا بدّ من إبقائه رعاية لحقّ الواقف أو ورثته لينقل الوقف إليه.

(4) أي: بهذين الأمرين:

أوّلهما: رجوع الوقف في المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف أو وارثه.

و ثانيهما: جواز بيع الموقوف عليهم له، و صرف ثمنه في مصالحهم.

و حكاية هذين الأمرين عن القاضي، و نسبتهما إليه مذكورة في المقابس- في حكم الوقف المنقطع- بقوله: «و قد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف و ورثته، و حكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة، و صرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم».

ص: 553

إلّا أن يوجّه (1) بأنّه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتّى يكون حبسا، بل هو (2) وقف حقيقيّ و تمليك للموقوف عليهم مدّة وجودهم. و حينئذ (3) فبيعهم له

______________________________

ثم اعترض المحقق الشوشتري على القاضي- في تجويز بيع الوقف المنقطع الموقوف عليه- بقوله: «و هذا عجيب منه، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود، و ما عداه معدوم، فلجواز البيع حينئذ وجه، لانحصار المالك الموجود في البائع. و أمّا المنقطع فليس ملكا له، و المالك الموجود غيره، فلا وجه لصحة البيع حينئذ ..» «1».

(1) استثناء من قوله: «فلا وجه للحكم بجواز بيعه» و هذا إشارة إلى الأمر الثاني، و هو توجيه جواز بيع الوقف المنقطع.

و حاصل التوجيه: أنّ التهافت المزبور مبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا لا فكّا للملك، إذ بناء على الحبس يكون باقيا على ملك الواقف، و مع بقائه على ملكه لا وجه لجواز بيع الموقوف عليهم، و صرف ثمنه في مصالحهم، إذ ليس لهم إلّا المنفعة أو الانتفاع بالعين، و لا سلطنة لهم على بيعها.

و أمّا بناء على خروجها عن ملك الواقف حين الوقف و صيرورتها ملكا موقّتا للموقوف عليهم ما داموا موجودين، و رجوعها ملكا إلى الواقف أو وارثه، فلا مانع حينئذ عن بيعهم لها، إذ المفروض كون الموقوف ملكا لهم، غاية الأمر أنّه متعلّق لحقّ الواقف، بحيث لو لم يبعها الموقوف عليهم، و بقيت على حالها من الوقفية حتى انقرض الموقوف عليهم رجعت إلى ملك الوارث. فيكون تعلّق حقّ الواقف نظير تعلق حقّ البطون اللاحقة بها في الوقف المؤبّد، و هو لا يصلح للمنع عن البيع مع طروء المسوّغ له، هذا.

(2) أي: الوقف المنقطع تمليك للبطون كالوقف المؤبّد.

(3) أي: و حين كون الوقف المنقطع تمليكا للعين- لا حبسها للمنفعة أو الانتفاع- فبيع الموقوف عليهم للوقف يكون نظير بيع البطن الأوّل في الوقف المؤبّد، في أنّ تعلق حقّ سائر البطون أو تعلق حق الواقف لا يمنع من صحة البيع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 554

- مع تعلّق حقّ الواقف- نظير (1) بيع البطن الأوّل مع تعلّق حقّ سائر البطون في الوقف المؤبّد.

لكن هذا (2) الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكيّ عنه القول (3) المتقدّم، حيث إنّه يقول ببقاء الوقف مطلقا (4) على ملك الواقف [1].

[الثالث الخروج عن عموم المنع]

الثالث (5) الخروج عن عموم المنع، و الحكم بالجواز في المؤبّد في الجملة (6).

______________________________

(1) خبر «فبيعهم» و «في الوقف» متعلق ب «تعلّق حق».

(2) هذا هو الأمر الثالث، و غرضه عدم إجداء التوجيه المزبور لدفع الإشكال عن أبي الصلاح و إن كان دافعا له عن ابن البرّاج، وجه عدم الإجداء: التزام أبي الصلاح قدّس سرّه بعدم مالكية الموقوف عليهم للموقوفة حتى يصحّ لهم بيعها.

(3) نائب فاعل «المحكيّ» و المراد بالقول هو: جواز بيع الموقوف عليهم للوقف المنقطع، مع بنائه على بقائه على ملك الواقف مطلقا سواء في المؤبّد و المنقطع.

(4) يستفاد هذا الإطلاق من جعل الصدقة تمليك الرقبة، و جعل الوقف إباحة المنافع، سواء في المشترط و المؤبّد، فراجع «1».

(5) هذا القول الثالث تفصيل بين الوقف المؤبد بجواز البيع في الجملة، مع اختلاف أرباب هذا القول في حكم الوقف المنقطع، فبعضهم سكت عنه، و يظهر من بعضهم عموم الجواز، و يظهر من ثالث المنع عن بيع المنقطع، لرجوعه إلى ورثة الواقف.

(6) عكس ما تقدّم في القول الثاني من جواز بيع المنقطع في الجملة. و سيأتي نقل

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا التوجيه غير مرتبط بكلام القاضي، إذ المنسوب إليه هو رجوع الموقوف في الوقف المنقطع إلى الواقف، فلا بدّ من التزامه بخروجه بمجرّد الوقف عن ملك الواقف، و دخوله في ملك الموقوف عليه. فالتهافت حينئذ يكون بين تعلق حق الواقف- و هو عود الموقوف بعد الانقراض إلى ملكه- و بين جواز بيع الموقوف عليه له، فهذا التوجيه أجنبي عنه كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي، ص 324

ص: 555

و أمّا المنقطع فلم ينصّوا عليه (1)، و إن ظهر من بعضهم التعميم (2)، و من بعضهم التخصيص (3)، بناء (4) على قوله (5) برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف، كالشيخ و سلّار قدّس سرّهما. و من (6) حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ- كالسيّد أبي المكارم ابن زهرة «1»- فلازمه جعله كالمؤبّد.

______________________________

كلام جماعة من أرباب هذا القول كالشيخ و الديلمي و ابن سعيد و الشهيد قدّس سرّهم.

(1) يعني: لم ينصّ- القائلون بالجواز في المؤبّد- على جواز البيع في المنقطع. و حقّ العبارة إضافة «فيه» إليه، بأن يقال: «لم ينصّوا عليه فيه».

(2) أي: تعميم جواز البيع للمنقطع، و يستفاد التعميم من السيد أبي المكارم قدّس سرّه. بل ادّعى السيد العاملي قدّس سرّه «أنّ كلام جماعة كثيرة عام شامل للمؤبّد و غيره، و إن صرّح بعضهم بجواز بيع المؤبد» فراجع «2».

(3) أي: اختصاص الجواز بالمؤبّد.

(4) يعني: أنّ الاختصاص بالمؤبّد عند هذا البعض مبنيّ على التزامه برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف، فلا ملك للموقوف عليه حتى يباع.

و هذا البعض شيخ الطائفة و من تبعه، حيث قال: «و متى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه، أو على قوم بأعيانهم، و لم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي ء بعينه، فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف على ورثة الواقف» «3». و هذا صريح في عود الوقف المنقطع إلى الواقف أو ورثته.

(5) هذا وجه اختصاص الجواز بالمؤبّد، و هو واضح.

(6) مبتدء متضمن معنى الشرط، و قوله: «فلازمه» خبره. و مقصوده: أنّ مثل السيد أبي المكارم- القائل برجوع الوقف المنقطع إلى وجوه البرّ و صرفه فيها- لا بدّ أن

______________________________

(1) الغنية، ص 299

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 258

(3) النهاية، ص 595، المراسم لسلّار الديلمي، ص 197، الوسيلة لابن حمزة الطوسي، ص 770 من الجوامع الفقهية.

ص: 556

[نقل كلمات العلماء]

و كيف كان (1)، فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء، فنقول:

قال المفيد في المقنعة (2) «الوقوف في الأصل صدقات، لا يجوز الرجوع فيها، إلّا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم و التقرّب إلى اللّه بصلتهم (3)، أو يكون (4) تغيير الشروط في الموقوف أدرّ عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله.

______________________________

يلتزم بجواز بيع المنقطع كالمؤبّد عند طروء المسوّغ.

(1) يعني: سواء أ كان حكم السيد أبي المكارم بصرف الوقف في وجوه البرّ- بعد انقراض الموقوف عليهم- مستلزما لاتحاد حكم الوقف المؤبّد و المنقطع في جواز البيع، أم لم يكن مستلزما له، فالمناسب نقل عبائر أرباب القول الثالث للوقوف على مرادهم.

(2) محصّل كلام الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه الشريف: أنّ الوقف صدقة جارية، فإن أراد الواقف الرجوع عن وقفه، فتارة يكون قبل إقباضها من الموقوف عليهم، و اخرى بعد الإقباض منهم.

فعلى الأوّل لا يجوز الرجوع إلّا في صورتين:

الاولى: أن يرتكب الموقوف عليهم منكرا يمتنع معونتهم شرعا، كالارتداد و الإفساد في الأرض.

الثانية: أن يكون تغيير شرط من شرائط الوقف- كالدوام و عدم البيع- أنفع بحال الموقوف عليهم. ففي ما عدا هاتين الصورتين لا يجوز للواقف الرجوع عمّا أنشأه من الوقف، ليحلّ له بيعه.

و على الثاني لا يجوز الرجوع إلّا في ثلاث صور، سيأتي بيانها.

(3) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و هي تعذر التقرب إليه تعالى بالوقف عليهم لينتفعوا به، فيجوز رجوع الواقف قبل تسليم العين إلى الموقوف عليهم، لعدم استحقاقهم شرعا للمعونة.

(4) هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا.

ص: 557

و إذا أخرج (1) الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شي ء منه، و لا تغيير شرائطه، و لا نقله عن وجوهه و سبله (2). و متى (3) اشترط الواقف في الوقف: أنّه (4) متى احتاج إليه في حياته- لفقر- كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه، جاز له فعل ذلك.

و ليس (5) لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيّروا شيئا من شروطه، إلّا أن (6) يخرب الوقف، و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره.

أو يحصل (7) بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه.

و كذلك (8) إن حصلت لهم [بهم] ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه. و لا يجوز

______________________________

(1) هذه الجملة قرينة على أنّ ما تقدم- من الصورتين لجواز الرجوع عن الوقف- ناظر إلى قبل إقباض العين.

(2) محصل ما أفاده الشيخ المفيد قدّس سرّه في الوقف بعد إقباضه من الموقوف عليهم: أنّه تارة يشترط الواقف- في مقام إنشاء الوقف- جواز بيع الموقوفة لو احتاج إلى صرف ثمنها في مصالح نفسه، فيصحّ الوقف و الشرط، و للواقف البيع عند الحاجة. فإن باع فهو، و إن لم يبع حتى مات صار وقفا لازما لم يجز للموقوف عليه بيعه إلا بطروء المسوّغ. و هذا خارج عن مورد البحث.

و اخرى لا يشترط ذلك، و لا يجوز له و لا لغيره البيع حينئذ، إلّا في صور ثلاث:

الاولى: خراب الوقف، و عدم قيام أحد بعمارته.

الثانية: أن لا يكون نافعا بحال الموقوف عليه و إن لم يخرب بعد.

الثالثة: الحاجة الشديدة إلى ثمنه، و أما ما عدا هذه الصور فلا يصح بيع الوقف.

(3) مبتدء متضمن معنى الشرط، و «جاز» خبره.

(4) الجملة في موضع نصب مفعول ل «اشترط» و قوله: «كان» خبر «متى احتاج».

(5) هذا حكم الوقف الدائم، و هو حرمة بيعه إلّا بطروء المجوّز.

(6) استثناء من «ليس» و غرضه بيان مستثنيات منع بيع الوقف، و أوّلها الخراب.

(7) معطوف على «أن يخرب» و الفرق بين الخراب و عدم إجداء النفع واضح.

(8) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة.

ص: 558

ذلك (1) مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات» «1» انتهى كلامه رحمه اللّه.

و قد استفاد (2) من هذا الكلام في غاية المراد تجويز [جواز] بيع الوقف في خمسة مواضع. و ضمّ (3) صورة جواز الرجوع و جواز تغيير [تغيّر] الشرط إلى (4) المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم، و وفاة الواقف، فلاحظ و تأمّل (5).

______________________________

(1) أي: لا يجوز التصرف- ببيع أو هبة- بدون إحدى الحالات الثلاث المتقدمة.

(2) الغرض من هذه العبارة التنبيه على الخلاف في ما يستظهر من عبارة المقنعة، فقد يستفاد منها جواز العدول عن الوقف في صورتين، لو كانتا قبل إقباض العين للموقوف عليهم. و جواز أن يبيعه الموقوف عليهم في صور ثلاث لو تحققت بعد الإقباض.

و قد يستفاد من عبارة المقنعة جواز البيع في صور خمس بضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده. و المستفيد هو الشهيد و المحقق الثاني قدّس سرّهما. قال في غاية المراد: «قال المفيد:

يجوز بيع الوقف إذا خرب و لم يوجد له عامر، أو يكون غير مجد نفعا، أو اضطرّ الموقوف عليه إلى ثمنه، أو كان بيعه أعود عليهم، أو يحدثون ما يمنع الشرع من معونتهم، و التقرب إلى اللّه بصلتهم. فهذه خمسة مجوّزة للبيع، ليس بعضها مشروطا ببعض» «2». و نحوه عبارة المحقق الثاني «3».

(3) هذا منشأ استفادة الشهيد قدّس سرّه مواضع خمسة لجواز البيع من عبارة الشيخ المفيد، و هو ضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده.

(4) متعلق ب «ضمّ» و قوله: «جواز تغيير» معطوف على «جواز الرجوع».

(5) لبعد ما استفاده الشهيد قدّس سرّه من كلام المفيد- من جواز البيع في موارد خمسة- لخروج الصورتين المفروضتين قبل القبض، و هما: الرجوع عن الوقف، و تغيير الشرط.

إذ الوجه في خروجهما: إمّا عدم تمامية الوقف بناء على دخل القبض في الصحة. و إمّا

______________________________

(1) المقنعة، ص 652- 653

(2) غاية المراد، ج 2، ص 24 و نقله عنه في المقابس، ص 43

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 68 و 69

ص: 559

ثمّ إنّ العلّامة ذكر في التحرير: «انّ قول المفيد- بأنّه: لا يجوز الرجوع في الوقف إلّا أن يحدث .. إلى قوله: أنفع لهم من تركه على حاله- متأوّل» «1».

و لعلّه (1) من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

و قال في الانتصار- على ما حكي عنه-: «و ممّا انفردت الإماميّة به: القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و أنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم

______________________________

جواز الوقف و عدم لزومه بناء على دخل القبض في اللزوم، فليست هاتان الصورتان كالصور الثلاث المذكورة بعد القبض كما لا يخفى.

(1) أي: و لعلّ كونه متأوّلا هو مخالفته .. إلخ، و وجه مخالفته للقواعد ما عرفته من دخل القبض في اللزوم أو الصحة، و معه لا حاجة في جواز الرجوع إلى خروج الموقوف عليه عن قابلية المعونة شرعا. و لأجل هذا قال العلامة قدّس سرّه بلزوم تأويل كلام المفيد لئلّا ينافي القواعد المسلّمة.

و عليه فالعلّامة- كالشهيد- ادّعى ظهور عبارة المقنعة في جواز بيع الوقف في صور خمس، و لكنه في التحرير قال بعدم إرادة هذا الظاهر، و أنّه لا بدّ من توجيهه بأن يراد من الجواز في قول المفيد: «لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث» هو الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة، فالمعنى: «أنه يكره الرجوع إلّا أن يحدث، فالرجوع مباح حينئذ، و ليس بمكروه».

و الداعي لهذا التوجيه هو أنّ فقاهة الشيخ المفيد و جلالة شأنه مانعتان عن الأخذ بظاهر كلامه من حرمة رجوع الواقف قبل القبض إلّا في صورتين، لأنّ جواز الرجوع قبل القبض من المسلّمات، و لا يتوقف على إحدى الصورتين.

فتحصّل: أن الشيخ المفيد قدّس سرّه يقول بجواز بيع الوقف المؤبّد في الجملة أي في ثلاث صور، و كذا في مورد اشتراط الواقف جواز بيعه في صيغة الوقف. و أمّا المنقطع فيرجع بعد انقراض الموقوف عليه إلى ورثته كما صرّح به.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 1، ص 284

ص: 560

بيعه. و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة» (1) ثمّ احتجّ باتّفاق الإمامية، ثمّ ذكر (2) خلاف ابن الجنيد، و ردّه بكونه مسبوقا و ملحوقا بالإجماع، و أنّه «إنّما عوّل في ذلك على ظنون له (3)، و حسبان (4)، و أخبار شاذّة لا يلتفت إلى مثلها» انتهى (5).

ثمّ قال: «و أمّا إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدّة فقرهم، فالأحوط [1] ما ذكرناه: من جواز بيعه، لأنّه إنّما جعل لمنافعهم، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه، و لم يبق منفعة فيه إلّا من الوجه الذي ذكرناه (6)» انتهى «1».

______________________________

(1) حاصل كلام السيد المرتضى قدّس سرّه: دعوى الإجماع على منع بيع الوقف الدائم، و جوازه في صورتين، و هما خراب الوقف، و الحاجة الشديدة إلى ثمنه. ثم تعرّض لرأي الإسكافي المانع من البيع مطلقا، و ردّه السيد بتوهين مستنده، و بمخالفته للإجماع.

(2) قال في الانتصار: «فإن قيل: فقد خالف أبو علي بن الجنيد في ما ذكرتموه، و ذكر: أنه لا يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه. و كذلك في من هو وقف عليه: أنّه لا يجوز له أن يبيعه. قلنا: لا اعتبار بابن الجنيد، و قد تقدّمه إجماع الطائفة و تأخّر عنه أيضا، و إنّما عوّل» الى آخر ما في المتن.

(3) مع النهي عن متابعة الظن في الكتاب و السنة.

(4) المراد به الحدس المبتني على الاستحسان و الاعتبارات التي لا تفيد إلّا الظّن.

(5) لا حاجة إلى هذه الكلمة هنا، لبقاء بعض كلام السيد.

(6) و هو البيع و الانتفاع ببدله أو بثمنه.

______________________________

[1] لم يظهر وجه عدوله قدّس سرّه عن الفتوى إلى الاحتياط، مع قوله: «و مما انفردت الإمامية به .. إلخ» فلاحظ و تأمّل.

مع أنّ الأحوط بناء على الوجه الذي ذكرناه وجها للاحتياط ليس في بيعه، بل في إجارته سنين، و صرف أجرته في تعميره، لأنّ غرض الواقف تعلّق بالانتفاع به مع بقاء عينه، لا مطلق الانتفاع و لو ببدله.

______________________________

(1) الانتصار، ص 226 و 227

ص: 561

و قال في المبسوط: «و إنّما يملك (1) الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا، و هو:

أنّه (2) إذا خيف على الوقف الخراب، أو (3) كان بأربابه حاجة شديدة و لا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه. و مع عدم ذلك (4) لا يجوز بيعه» انتهى «1»، ثمّ احتجّ (5) على ذلك بالأخبار.

و قال سلّار- في ما حكي عنه-: «و لا يخلو الحال (6) في الوقف و الموقوف

______________________________

(1) المراد به السلطنة على البيع أي جوازه شرعا. و المقصود استثناء صورتين من منع البيع، إحداهما: خوف الخراب، و ثانيتهما: الحاجة الشديدة إلى الثمن، و عجزهم عن القيام بشؤون الوقف.

و كلمة «الموقوف عليه» غير مذكورة في المبسوط، لذكرها في الجملة المعطوف عليها.

(2) لم تذكر هذه الكلمة في المبسوط، و لا حاجة إليها.

(3) المنقول يختلف عمّا في المبسوط، من «و كان» بدل «أو كان» و «أو لا يقدرون» بدل «و لا يقدرون».

(4) أي: و مع عدم الخراب- أو حاجة الموقوف عليهم حاجة شديدة- لا يجوز بيع الوقف.

(5) يعني: احتج شيخ الطائفة قدّس سرّه بالأخبار على منع بيع الوقف. و لكن هذه النسبة سهو من قلمه الشريف، إذ لم يستدلّ بالأخبار في المبسوط، و إنّما ورد في كتاب الخلاف- في جواز بيع الوقف إذا خرب- ما لفظه: «دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة» «2».

و كذا نقله صاحب الجواهر من الخلاف، ثم قال: «و احتجّ على ذلك بالأخبار» «3».

(6) حاصله: أنّه تارة: يتغيّر الموقوف عليه، كما إذا جعل داره أو ضيعته وقفا على أولاده الفقراء، فاستغنوا، أو ما داموا مقيمين في هذا البلد، فهاجروا عنه.

و اخرى: يتغيّر الوقف، كما إذا كانت دارا، فخربت، أو قلّ الانتفاع بها لجهة أخرى.

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 287

(2) الخلاف، ج 3، ص 551، المسألة 22 من كتاب الوقف.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 362

ص: 562

عليهم: من أن يبقى و يبقوا على الحال التي وقف فيها، أو يتغيّر الحال.

فإن لم يتغيّر الحال (1) فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف و لا هبته و لا تغيير شي ء من أحواله. و إن تغيّر (2) الحال في الوقف حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة، جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو أنفع لهم» انتهى «1».

و قال في الغنية- على ما حكي عنه-: «و يجوز عندنا بيع الوقف (3) للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه.

______________________________

و ثالثة: لم يتغير الوقف و لا الموقوف عليه، و لكن احتاج الموقوف عليه إلى صرف ثمنها في ما هو أنفع له.

و رابعة: لم يتغيّر الوقف و لا الموقوف عليه، و لا حاجة إلى ثمنها.

ففي الصورة الرابعة لا يجوز تغيير ما اشترطه الواقف، و لا التصرف المنافي للوقف من بيع أو هبة.

و في الثالثة جاز البيع لرفع الضرورة اللاحقة بالموقوف عليهم.

و في الثانية يجوز البيع أيضا. و لم يذكر في عبارة المراسم حكم تغيير الموقوف عليه، و لعلّه يعود إلى ورثة الواقف أو الموقوف عليه، على الخلاف في الوقف المنقطع.

(1) هذا إشارة إلى الصورة الرابعة المتقدمة آنفا.

(2) معطوف على «فإن لم يتغير» و هذا يتضمن صورتين يجوز فيهما البيع، إحداهما:

تغيير الوقف بالخراب، و ثانيتهما: الحاجة إلى ثمنه.

و الحاصل: أنّ الشيخ الديلمي قدّس سرّه قائل بجواز بيع الوقف في المؤبّد في الجملة، و لم يظهر منه حكم المنقطع.

(3) مورد كلام السيد هو الوقف المؤبّد، لما في المقابس من قوله: «و أمّا أبو المكارم فإنّه عدّ من شرائط الوقف أن يكون مؤبّدا غير منقطع» «2».

______________________________

(1) المراسم، ص 197، و الحاكي عنه هو المحقق الشوشتري، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 46، و صاحب الجواهر، ج 22، ص 362

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 47

ص: 563

بدليل (1) إجماع الطائفة. و لأنّ غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه، فإذا لم يبق له منفعة إلّا على الوجه الذي ذكرنا جاز» انتهى «1».

و قال في الوسيلة: «و لا يجوز بيعه- يعني الوقف- إلّا بأحد شرطين: الخوف من خرابه، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به» انتهى «2».

و قال الراوندي في فقه القرآن- على ما حكي عنه-: «و إنّما يملك بيعه على وجه عندنا، و هو: إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة» «3» [انتهى].

و قال في الجامع- على ما حكي عنه: «فإن خيف خرابه، أو كان بهم حاجة شديدة، أو (2) خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس، جاز بيعه» «4» انتهى.

و عن النزهة: «لا يجوز بيع الوقف إلّا أن يخاف هلاكه، أو تؤدّي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، و يكون بيع

______________________________

(1) استدلّ السيد على جواز بيع الوقف المؤبّد بوجهين، أحدهما: الإجماع، و الآخر:

ملاحظة غرض الواقف من عود النفع إلى الموقوف عليهم، و من المعلوم أنّ عدم انتفاعهم بالعين يوجب الانتقال إلى البدل، تحقيقا لغرضه.

(2) زاد ابن سعيد الحلي قدّس سرّه في كتابيه على الصورتين المذكورتين في كلام من تقدّمه- من خوف الخراب و الحاجة إلى الثمن- صورة ثالثة، و هي المنازعة المؤدّية إلى ضرر عظيم، يعني: الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

______________________________

(1) الغنية، ص 298، و الحاكي عنه صاحبا المقابس و الجواهر، فلاحظ: مقابس الأنوار، ص 47، و جواهر الكلام، ج 22، ص 362 و 363

(2) الوسيلة، ص 370

(3) فقه القرآن، ج 2، ص 293، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 255

(4) الجامع للشرائع، ص 372، و حكاه عنه و عن النزهة في الجواهر، ج 22، ص 363

ص: 564

الوقف أصلح لهم» «1».

و قال في الشرائع: «و لا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه، لخلف بين أربابه، و يكون البيع أعود» «2».

و قال في كتاب الوقف: «و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه. و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه، بل كان البيع أنفع لهم، قيل:

يجوز بيعه، و الوجه المنع (1)» «3» انتهى.

و مثل عبارة الشرائع في كتابي البيع و الوقف عبارة القواعد «4» في الكتابين (2).

و قال في التحرير: «لا يجوز بيع الوقف بحال. و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف، و لم يجز بيعها. و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا».

ثمّ ذكر كلام ابن إدريس، و فتواه على المنع مطلقا، و تنزيله (3) قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع، و نفيه الخلاف على المنع في المؤبّد.

______________________________

(1) فالمحقّق قدّس سرّه اقتصر على الاختلاف المؤدّي إلى خراب الوقف. و أمّا مجرد كون البيع أعود و أصلح بحال الموقوف عليه فلا يجوّز البيع، لعدم الدليل على الجواز. و مع الشك يستصحب المنع، بناء على إجمال دليل المنع، و عدم شموله لهذه الصورة، و إلّا فالمرجع عموم المنع، لكون الشك في التخصيص الزائد.

(2) قال صاحب المقابس بعد نقل عبارة وقف الشرائع: «و تبعه العلّامة في القواعد، و قال:- بدل: قيل .. إلخ- لم يجز بيعه أيضا على رأي» «5».

(3) معطوف على «كلام» و قوله: «على المنقطع» متعلق بالتنزيل المراد به الحمل و التوجيه.

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، و فيه «فلا يصح» لتفريعه على اشتراط الطّلق.

(3) المصدر، ص 220، و حكاه في المقابس، ص 57

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23 و 395

(5) مقابس الأنوار، ص 57

ص: 565

ثمّ قال: «و لو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلّية- كدار انهدمت و عادت مواتا، و لم يتمكّن من عمارتها- و يشترى بثمنه ما يكون وقفا، كان وجها» «1» انتهى.

و قال في بيع التحرير: «و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا. و لو أدّى بقاؤه إلى خرابه جاز. و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف» «2» انتهى.

و عن بيع الإرشاد (1) «لا يصحّ بيع الوقف إلّا أن يخرب، أو يؤدّي إلى الخلف بين أربابه على رأي» «3».

و عنه في باب الوقف: «لا يصحّ بيع الوقف (2)، إلّا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف [و] يخشى به الخراب» «4».

و قال في التذكرة في كتاب الوقف- على ما حكي عنه «5»-: «و الوجه أن يقال:

______________________________

(1) الحاكي لعبارتي الإرشاد هو صاحب المقابس، لكنه قدّس سرّه نقل «و يؤدّي إلى الخلف» بالعطف بالواو، كما في الإرشاد المطبوع، فلذا تصدى لتوجيهه، لمخالفته لرأي العلّامة في سائر كتبه و لرأي سائر الأصحاب، و لأنه لا مستند له، و استقرب كون «الواو» بمعنى «أو» لو لم تكن النسخة الأصلية بلفظ «أو» فراجع «6».

و يشهد لكون العاطف «الواو» كلام المحقق الثاني من قوله: «و في الإرشاد اعتبر الخراب و الخلف معا» «7».

(2) في المقابس: «لا يجوز بيعه» و في الإرشاد: «و لا يجوز بيع الوقف».

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 1، ص 290

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 165

(3) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 361

(4) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(5) الحاكي غير واحد، منهم صاحب المقابس، ص 57، و فيه: «و الوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه» و ما في المتن موافق لما في الأصل: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، س 16

(6) مقابس الأنوار، ص 57

(7) جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 566

يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكّن من عمارته، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد» انتهى.

و قال في كتاب البيع: «لا يصحّ بيع الوقف، لنقص الملك فيه، إذ القصد منه التأبيد. نعم، لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه، أو ظهور فتنة بسببه جوّز أكثر علمائنا بيعه» «1» انتهى.

و قال في غاية المراد: «يجوز (1) بيعه في موضعين: خوف الفساد بالاختلاف، و إذا كان البيع أعود مع الحاجة» «2».

و قال في الدروس: «لا يجوز بيع الوقف إلّا إذا خيف من خرابه، أو خلف أربابه المؤدّي إلى فساده» «3».

و قال في اللمعة: «لو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه، فالمشهور الجواز» «4» انتهى.

و قال في تلخيص الخلاف- على ما حكي عنه-: «إنّ لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعدّدة، أشهرها: جوازه إذا وقع بين أربابه خلف و فتنة، و خشي خرابه، و لا يمكن سدّ الفتنة بدون بيعه. و هو (2) قول الشيخين، و اختاره نجم الدين و العلّامة» «5» انتهى.

______________________________

(1) لم أقف على هذه العبارة في البيع و الوقف، و لكنّها محصّل كلامه في البيع، حيث إنّه قدّس سرّه نقل مكاتبة ابن مهزيار، الظاهرة في جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف، و رواية جعفر بن حيّان المتضمنة لكون البيع أعود مع الحاجة، ثم قال في آخر كلامه: «و الأجود العمل بما تضمّنه الحديثان السالفان أوّلا» أي: الاقتصار في جواز بيع الوقف على الموردين المذكورين في المتن.

(2) يعني: أن جواز بيع الوقف في مورد اختلاف الموقوف عليهم و خوف الفتنة من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 41

(2) غاية المراد، ج 2، ص 30 (ج 1، ص 465 الحجرية) و عبارة المتن منقولة في الجواهر، ج 22، ص 364

(3) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

(4) اللمعة الدمشقية، ص 94

(5) تلخيص الخلاف للفاضل الصيمري، ج 2، ص 221، و حكاه عنه في الجواهر، ج 22، ص 365

ص: 567

و قال في التنقيح- على ما حكي عنه-: «إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا، جاز بيعه» «1».

و عن تعليق الإرشاد: «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» «2».

و عن إيضاح النافع: أنّه جوّز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال، و نهب الأموال، و لم يندفع إلّا بالبيع. قال: «فلو أمكن زواله و لو بحاكم الجور لم يجز، و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه» انتهى.

و مثله كلامه المحكي عن تعليقه على الشرائع «3».

و قال في جامع المقاصد- بعد نسبة ما في عبارة القواعد (1) إلى موافقة الأكثر-: «إنّ المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا (2) خرب و اضمحلّ بحيث لا ينتفع به، كحصر [كحصير] المسجد إذا اندرست (3)، و جذوعه إذا انكسرت.

______________________________

بقائه على حاله و خشية الخراب هو قول الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و المحقق و العلّامة قدّس سرّهم.

(1) من جواز بيع الوقف إن أدّى بقاؤه إلى خرابه، لخلف أربابه، و يكون البيع أعود.

و المراد به كما في جامع المقاصد اندفاع الخلف بالبيع، و إلّا فلا وجه لجوازه حينئذ.

(2) في جامع المقاصد: «ما إذا خرب» و كذا في ما بعده.

(3) في جامع المقاصد: «كحصر المسجد إذا رث، و جذعه إذا انكسرت».

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، و الحاكي عنه هو السيد العاملي، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و صاحب الجواهر، جواهر الكلام، ج 22، ص 365

(2) تعليق الإرشاد للمحقق الكركي، مخطوط، الورقة 220، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و في المقابس، ص 58

(3) الحاكي عنهما هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و نسب ذلك إلى كتابيه في ج 9، ص 86، و إيضاح النافع و تعليقة الشرائع للفاضل القطيفي مخطوطان.

ص: 568

ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال، و مستنده صحيحة علي بن مهزيار «1».

و يشترى بثمنه في الموضعين (1) ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان، و يتولّى ذلك الناظر الخاصّ إن كان، و إلّا فالحاكم.

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه (2) حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلّة و غيرها، لرواية «2» جعفر بن حنّان (3) عن الصادق عليه السّلام» «3» انتهى كلامه رفع مقامه.

و قال في الروضة: «و الأقوى في المسألة ما دلّ (4) عليه صحيحة (5) عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد.

و علّله عليه السّلام بأنّه (6)

______________________________

(1) في جامع المقاصد: «و يشترى في الموضعين بثمنه .. إلخ».

(2) في جامع المقاصد: «ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة».

(3) كذا في النسخ، و هو الموافق لما في الوسائل، و في الكافي «حيّان»، فما في جامع المقاصد من «حسّان» سهو من الناسخ. و سيأتي نقل الرواية في الصورة الرابعة، حيث استدلّ بها على جواز بيع الوقف لو كان ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.

(4) كذا في النسخ، و في الروضة: «دلّت».

(5) سيأتي نقلها في الصورة العاشرة، و هي بيع الوقف من جهة استلزام بقائه فسادا يستباح به الأنفس.

(6) فيكون جواز البيع حينئذ للمزاحمة مع ما هو أهمّ من حرمة بيع الوقف،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، ح 6

(2) المصدر، ص 306، ح 8

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و 98

ص: 569

ربّما جاء فيه (1) تلف الأموال و النفوس «1». و ظاهره (2) أنّ خوف أدائه إليهما و إلى (3) أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنّة لذلك». قال (4) «و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه و إن احتاج إليه أرباب الوقف و لم تكفهم غلّته، أو كان أعود، أو غير ذلك ممّا قيل، لعدم دليل صالح عليه» «2» انتهى.

و نحوه (5) ما عن الكفاية «3».

______________________________

فيندرج في باب التزاحم، مع أهمية أحد المتزاحمين.

(1) أي: في الاختلاف، كما هو المنصوص.

(2) غرض الشهيد الثاني قدّس سرّه: أنّ المناط- في جواز بيع الوقف لأجل اختلاف أربابه- ليس العلم بترتب تلف الأموال و النفوس على الاختلاف أو الاطمئنان به، لندرة حصول هذا العلم، بل المدار في الجواز هو الظن بتأدية الاختلاف إلى التلف. بحيث يخشى من حصوله. فتعبير بعض ب «خوف الأداء إلى تلف الأموال و النفوس» الظاهر في العلم بوقوع التلف أو الاطمئنان به غير متّجه.

(3) كذا في نسخ الكتاب، و الصحيح كما في الروضة و كذا فيما حكاه عنه السيد العاملي: «أو إلى» فيكون المراد ب «إليهما» خوف أداء بقاء الوقف إلى تلف الأموال و النفوس معا، في قبال خوف أدائه إلى تلف أحدهما.

(4) يعني: قال الشهيد الثاني قدّس سرّه باختصاص جواز البيع بظنّ التلف المترتب على الاختلاف، خلافا لمن جوّز بيع الوقف في حاجة أرباب الوقف إلى الثمن، أو كان بيعه أنفع لهم من بقائه و الانتفاع بغلّته.

(5) أي: و نحو ما في الروضة- من الاقتصار في جواز بيع الوقف على ظنّ التلف بسبب اختلاف أرباب الوقف- ما حكي عن الفاضل السبزواري قدّس سرّه. و الحاكي هو السيد العاملي و المحقق الشوشتري، قال في الكفاية: «و المذكور في كلام الامام مجرّد

______________________________

(1) تقدم مصدرها آنفا.

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 255

(3) كفاية الأحكام، ص 142، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 58

ص: 570

هذه جملة من كلماتهم المرئيّة، أو المحكيّة.

و الظاهر (1) أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه: حصول الظّنّ بذلك،

______________________________

الاختلاف، فلعلّ الوجه العمل به».

لكن في النسبة تأمّلا، لأنّ هذه الجملة أوردها الفاضل في ردّ من قال من الأصحاب بإناطة جواز البيع بأمرين، أحدهما: حصول الاختلاف، و الآخر خوف الخراب.

و أمّا جواز بيع الوقف في مورد الحاجة، أو كون البيع أنفع بحال الموقوف عليهم فلم ينكره الفاضل السبزواري، بل ظاهره اختياره له، لقوله: «و لو لم يقع خلف و كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز بيعه، و قيل: لا، و الذي وصل إليّ في هذا الباب صحيحة علي ابن مهزيار ..» ثم ذكر نصوصا اخرى. و لم يتأمّل فيها دلالة أو سندا.

و المتحصل: أنّ الجزم باتحاد رأي الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري قدّس سرّهما مشكل، فراجع الكفاية متدبّرا فيها.

(1) هذا الاستظهار موافق لعبارة الروضة المتقدمة من أنّ المراد بالتأدية هو الظن بذلك، غايته أنّ مورد كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه هو الظن بتلف الأموال و النفوس المترتب على بقاء الوقف الذي اختلف أربابه فيه. و مورد كلام المصنف هو الظن بخراب العين الموقوفة.

و مقصوده توجيه كلمات القوم المتقدمة، لتعبير بعضهم ب «الخراب» كما في المقنعة و الانتصار و بيع الإرشاد و وقف التذكرة. و بعضهم ب «خوف الخراب» كما في المبسوط و الغنية و الوسيلة و جامع الشرائع و النزهة و الدروس و جامع المقاصد. و بعضهم ب «بتأدية البقاء إلى الخراب» كما في بيع التحرير. و بعضهم ب «يخشى خرابه» كما في الشرائع و إيضاح النافع «1».

فالمراد بالخراب و التأدية إليه و خوفه و خشيته أمر واحد، و هو حصول الظن بالخراب. و يشهد لوحدة مفاد هذه التعابير- و عدم كون النزاع معنويا- تعبير فقيه واحد في كتاب تارة بتأدية البقاء إلى الخراب كما في بيع الشرائع و القواعد، و اخرى ب «يخشى خرابه» كما في وقفهما.

______________________________

(1) تقدمت مصادر الأقوال في ص 556- 568 فراجع.

ص: 571

الموجب لصدق الخوف، لا التأدية على وجه القطع، فيكون (1) عنوان «التأدية» في بعض تلك العبارات متّحدا مع عنوان «خوفها» و «خشيتها» في بعضها الآخر [1].

و لذلك (2) [2] عبّر فقيه واحد تارة بهذا، و اخرى بذاك كما اتّفق للفاضلين، و الشهيد. و نسب بعضهم عنوان «الخوف» إلى الأكثر كالعلّامة في التذكرة (3)، و إلى «الأشهر» كما عن إيضاح النافع، و آخر (4) عنوان «التأدية» إلى الأكثر كجامع المقاصد، أو إلى «المشهور» كاللمعة.

فظهر من ذلك (5) أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحقّقت فيه الشهرة بين المجوّزين، لكن المتيقّن من فتوى المشهور: ما كان من أجل اختلاف أربابه (6).

______________________________

(1) هذا متفرّع على كون المراد بالتأدية إلى الخراب و خوفه و خشيته واحدا، و هو المظنون، لا التأدية الواقعية المعلومة بالوجدان.

(2) أي: و لاتّحاد العناوين الثلاثة عبّر فقيه واحد .. إلخ. فالشهيد في الدروس عبّر بخوف الخراب، و في اللمعة بتأدية بقائه إلى الخراب «1».

(3) حيث قال: «نعم لو كان بيعه أعود .. و خشي تلفه .. جوّز أكثر علمائنا بيعه».

(4) معطوف على «بعضهم» أي: نسب آخر عنوان التأدية .. إلخ.

(5) أي: من كون العناوين المذكورة متحدة معنى.

(6) لا ما كان لأجل تأدية بقاء الوقف إلى الخراب، فإنّ جواز بيعه مختلف فيه.

______________________________

[1] مقتضى الجمع العرفي كون الخوف طريقا إلى الموضوع، لا أن يكون بنفسه موضوعا.

[2] هذا لا يشهد بإرادة فقيه واحد ذلك، لإمكان عدوله عمّا ذكره أوّلا. و على تقدير الشهادة يكون شاهدا على وحدة المراد من عبارتي هذا الفقيه، لا وحدة المراد من عبارة النصّ، بل مرجعه إلى استظهار الوحدة من النصّ، و من المعلوم عدم حجية هذا الاستظهار لغيره.

______________________________

(1) مخطوط، و لم نقف عليه و لا على من حكاه عنه. نعم حكى صاحب الجواهر كون جواز البيع أشهر عن كتاب تلخيص الخلاف، و هو للصيمري لا للقطيفي، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 365

ص: 572

اللهم إلّا أن يستظهر من كلماتهم- إ- كون الاختلاف من باب المقدّمة، و أنّ الغاية (1) المجوّزة هي مظنّة الخراب.

[أقسام الوقف]
اشارة

إذا عرفت (2) ما ذكرنا، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد (3)، و اخرى في المنقطع.

أمّا الأوّل، فالّذي ينبغي أن يقال فيه:

[أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم]

إنّ الوقف على قسمين: أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم (4)، فيملكون منفعته، فلهم استيجاره،

______________________________

(1) يعني: كما يستظهر من النص- كصحيحة ابن مهزيار- أنّ الغاية المجوّزة للبيع هي ظنّ الخراب، سواء أ كان منشؤه اختلاف الموقوف عليهم، أو فقدهم و عدم وجود عامر للموقوفة. هذا تمام الكلام في الأقوال الثلاثة في المسألة و أربابها.

(2) أقسام الوقف بعد الفراغ من بيان الأقوال الثلاثة في بيع الوقف، تصدّى المصنف قدّس سرّه لبيان مختاره في المسألة، بذكر أقسام الوقف، و أنّ مورد المنع و الجواز أيّ واحد منها.

و محصله: أنّ للوقف أقساما ثلاثة، لأنّه إمّا منقطع و إمّا مؤبّد. و المؤبّد إمّا أن ينشأ فيه فكّ الملك و تحريره كالمسجد، لا جعله ملكا لشخص أو جهة، و إمّا أن ينشأ فيه تمليك العين لجماعة طبقة بعد طبقة كالأولاد ما تعاقبوا.

أمّا القسم الأوّل- و هو المنقطع- فسيأتي الكلام فيه بعد بيان حكم المؤبّد و الصور المستثناة من منع بيعه.

و أمّا القسم الثاني فلا يصح بيعه، لانتفاء شرط الملك في المبيع.

و أما الثالث فهو محلّ البحث في بيع الوقف منعا أصالة، و جوازا بالعرض، و سيأتي.

(3) تقدم الفرق بين المنقطع و المؤبّد في مطاوي الأقوال، فلا حاجة إلى الإعادة.

(4) و هو الوقف الخاص، فهو ملك للموقوف عليهم، و كذلك المنفعة تكون ملكا لهم بالتبع، و يتفرع على تملك المنفعة أمران:

أحدهما: جواز إجازة العين الموقوفة، فتدخل الأجرة في ملك الموقوف عليهم.

ثانيهما: تملك اجرة المثل لو انتفع بها من ليس من الموقوف عليهم إن كان انتفاعه بها بغير رضاهم.

ص: 573

و أخذ أجرته ممّن انتفع به بغير حقّ (1).

[و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد]

و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد (2)، بل يكون فكّ ملك نظير التحرير، كما في المساجد (3) و المدارس و الرّبط، بناء (4) على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين،

______________________________

(1) يعني: أنّ الانتفاع به بغير حقّ يوجب الضمان الذي هو كاشف عن الملكية، و إلّا لم يكن ضمان، كما في التصرف في المساجد و نحوها من الأوقاف التي تكون من التحرير.

(2) يعني: كما أنّ تحرير العبد و الأمة فكّ رقبتهما عن طوق الرقية و المملوكية، فكذلك وقف المسجد معناه تحرير العرصة و البناء عن إضافتهما إلى المالك، و عدم انتقال الإضافة إلى غيره، فالمصلّون و العابدون في المساجد غير مالكين للعين و لا للمنفعة، بل لهم حقّ الانتفاع بالصلاة و العبادة فيه. و كذلك الحال في المشاعر المشرّفة.

(3) الظاهر أنّ الخروج عن ملك الواقف و عدم دخوله في ملك غيره مجمع عليه في المسجد. قال العلامة قدّس سرّه: «أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة فهو فكّ عن الملك كتحرير الرقيق، فتنقطع عنه اختصاصات الآدميين» «1».

و قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «ان كل وقف عامّ كان الغرض من وقفه تمليك الانتفاع للموقوف عليهم- دون العين أو منافعها- فلا يصحّ بيعه ما دام وقفا بوجه من الوجوه. و قد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد .. و كذلك المشهد و المقابر المبنية إذا خربت، و المدارس و الخانات و القناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة، و الكتب الموقوفة على المنتفعين، و العبد المحبوس على خدمة الكعبة و نحوها، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة، و البواري الموضوعة لصلاة المصلّين، و غير ذلك ممّا قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين و نحوهم من غير المحصورين، لا تحصيل المنافع بالإجارة ..» «2».

(4) الظاهر أنّه قيد للمدارس و الرّبط، لا للمساجد، قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «و يمكن أن يكون إفراد المصنف المسجد بحكم ليس لأنّ الملك فيه ليس على نهج ما اختاره في الوقف على الجهات العامة، لأنّ كلّا منهما الملك فيه للّه تعالى. بل لأنّ حكم المسجد و المقبرة متفق عليه. و أمّا الحكم في الجهات العامة فمختلف فيه» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 440، س 17

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63 و 64

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 65

ص: 574

كما هو (1) مذهب جماعة «1»، فإنّ (2) الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل [1].

______________________________

(1) أي: كما أنّ عدم دخول المدارس و الرّبط في ملك المسلمين مذهب جماعة.

(2) تعليل لعدم دخول القسم الثاني من الوقف في ملك أحد عينا و منفعة، و إنّما يحلّ للموقوف عليه الانتفاع، كالمستعير المتسلط على الانتفاع، و ليس مالكا للمنفعة، فالموقوف عليه يجوز له السكنى في المدرسة و النزول في الخان الموقوف على عنوان «الزائر» لمشاهدهم عليهم الصلاة و السلام، و العبور على القنطرة. و الثمرة المترتبة على ملك الانتفاع دون المنفعة عدم ضمان المتصرف غير المستحق للانتفاع، هذا.

______________________________

[1] صريح العبارة انقسام الوقف المؤبد إلى قسمين، أحدهما تمليكي، و الآخر تحريري كما في المسجد و ما الحق به.

لكن سيأتي في كلامه وجود قسم ثالث، و هو ما يكون وقفا على المسجد، و أنّ منافعه ملك طلق للمسلمين و إن لم تكن الرقبة ملكا لهم، لوضوح عدم انطباق ضابط القسمين المذكورين عليه.

بل ربما ينافي هذا التقسيم الثنائي ما نسبه بعض الأجلة «2» إلى المصنف في كتاب الوقف من تثليث الأقسام، و هو ما لا يكون وقف منفعة و لا انتفاع، و جعل منه المسجد.

و فرّق بينه و بين وقف الانتفاع- كما في القناطر و الرّبط و الخانات- بأنّ الانتفاع في هذه مدخول «لام» العاقبة إذ يقال: «وقفته لأن يسكن فيه أو ليمرّ عليه أو ليصلّي فيه».

و هذا بخلاف الانتفاع بالمسجد بالعبادة، فإنّه من الفوائد المترتبة عليه، و لذا لا يقال في وقف المسجد: وقفته ليصلّي فيه» بل يقال: «وقفته مسجدا» فالغاية نفس المسجدية،

______________________________

(1) منهم العلامة في التذكرة كما سبق، و في قواعد الأحكام، ج 2، ص 394، و فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 391، و الشهيد في الدروس، ج 2، ص 272، و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 311، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 9، ص 62 و 65، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 5، ص 377 و لاحظ تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 79، 80

(2) و هو العلامة السيد أبو القاسم الاشكوري في تعليقته على الكتاب المسماة ببغية الطالب، ج 1، ص 154

ص: 575

و الظاهر أنّ محلّ الكلام في بيع الوقف (1) إنّما هو القسم الأوّل. و أمّا الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه، لعدم الملك.

و بالجملة: فكلامهم هنا (2) فيما كان ملكا غير طلق، لا فيما لم يكن ملكا.

______________________________

(1) يعني: ما تقدم من الأقوال في حكم بيع الوقف- لو أدّى بقاؤه أو خلف أربابه إلى الخراب- يكون موردها الوقف الخاص الذي هو ملك للموقوف عليهم. و أمّا الوقف التحريري فلا ريب في عدم جواز بيعه، لانتفاء شرط البيع، و هو الملك، إذ ليس هو ملكا لشخص معيّن، و لا لأشخاص معيّنين، و لا لعنوان كلّي، و لا لجهة معيّنة.

(2) أي: في باب البيع، إذ المفروض تفريع عدم جواز بيع الوقف على اعتبار الطلقية، مضافا إلى اعتبار الملكية، و من المعلوم أنّ صحة هذا التفريع منوطة بانتفاء الطلقية و بقاء الملكية، و إلّا يكون عدم جواز بيع الوقف متفرعا على اعتبار الملكية.

ثمّ إنّ ما أفاده المصنف- من هنا إلى بيان صور جواز بيع الوقف- يرتبط بأحكام المسجد الذي عرض عليه الخراب من حيث البيع و الإجارة جوازا و منعا، و قد عقد الكلام في مواضع ثلاثة:

______________________________

لكون موضوع الآثار الشرعية- من فضل العبادة فيه و حرمة تنجيسه و نحوهما- نفس عنوان «المسجد» و لذا لا يصح تخصيص وقف المسجد ببعض دون بعض، مع صحة تخصيص فائدة القنطرة- و هي المرور- بجماعة كالمسلمين أو الزوّار أو أهل بلد معيّن.

و لعلّ قوله في المتن: «بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين» إشارة إلى شبهة الفرق بين المسجد و ما عداه من الأوقاف العامة، و إن كان سكوته عن إلحاق جماعة المدارس و الرّبط و القناطر بالمسجد مؤذن بل ظاهر في الالتزام به، و لذا فرّع عليه عدم ضمان من سكن المدرسة ظلما.

و كيف كان فالظاهر أنّ للوقف بحسب لحاظ الواقف و ما يترتب عليه شرعا من ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو غير ذلك أقساما. هذا في ما قصد عود منافع الوقف إلى موقوف عليه من شخص أو عنوان أو جهة. و قد يكون المقصود إيجاد عنوان و حبس العين عليه من دون لحاظ موقوف عليه، ليتملّك العين أو المنفعة أو الانتفاع كما في المساجد و المشاهد المقدسة.

ص: 576

و حينئذ (1) فلو خرب المسجد و خربت القرية (2) و انقطعت المارّة عن الطريق الذي فيه المسجد (3)، لم يجز (4) بيعه و صرف ثمنه في إحداث مسجد آخر، أو تعميره.

و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به (5) غير واحد.

______________________________

الأوّل: في أرضه بعد خراب البناء.

و الثاني: في ما يوقف للمسجد لانتفاع المصلّين من الحصر و البواري، و الفرش، و الوسائد، و آنية الماء و نحوها.

الثالث: في أجزاء المسجد كالآجر و الجذع و الأخشاب الموضوعة في البناء، و نحوها.

و الكلام فعلا في الموضع الأوّل، و هو حكم بيع أرض المسجد و المشهد و نحوهما من الأوقاف العامة. و اختار قدّس سرّه عدم جواز بيعها و إجارتها، خلافا لما يظهر من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) أي: و حين كون محلّ الكلام هنا هو الملك غير الطلق، لا عدم الملك رأسا، فيتفرّع عليه فساد بيع المسجد لو خرب.

(2) التي فيها مسجد، فالمقصود خراب المجموع.

(3) بأن تغيّرت طريق السفر، فبقي المسجد في الطريق الاولى عديم الفائدة، إذ لا مارّ به حتى يصلّي فيه.

(4) جواب «فلو خرب».

(5) أي: بعدم الخلاف في منع بيع المسجد الخراب، و المعترف جماعة كالسيد العاملي و المحقق الشوشتري و السيد المجاهد و صاحب الجواهر قدّس سرّهم «1». ففي مفتاح الكرامة:

«بلا خلاف من أحد إلّا من أحمد» و في المقابس: «و قد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد، و قالوا: بأنه إذا خرب لم يخرج عن كونه وقفا إذا لم تكن أرضه من الأراضي الخراجية، أو بقيت آثار المسجد ..».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 100، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63، المناهل، ص 508، جواهر الكلام، ج 28، ص 107

ص: 577

نعم (1)، ذكر بعض الأساطين- بعد ما ذكر أنّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ، لا لعدم تمامية الملك، بل لعدم أصل الملك، لرجوعها إلى اللّه، و دخولها في مشاعره- أنّه (2) مع اليأس عن الانتفاع به

______________________________

(1) استدراك على عموم منع التصرفات في الأوقاف العامة من البيع و الصلح و الهبة و الإجارة، و غرضه استثناء إجارة الأوقاف العامة من أنحاء التصرفات الممنوعة، كما ذهب إليه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرح القواعد- عند اليأس من الانتفاع في الجهة المقصودة- من التفصيل بين العرصة بجواز إجارتها بشرطين سيأتي بيانهما، و بين آلات الموقوفة.

و أفاد نحو هذا بالنسبة إلى أرض الموقوفة في باب الوقف من كشف الغطاء، فقال:

«ان جميع الأوقاف العامة من مساجد و مدارس و مقابر و ربط و نحوها إذا خربت و تعطّلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر، مع ضبط الحجج و الإشهاد، و لئلّا يغلب وضعها على أصلها «1».

(2) الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر بعض الأساطين» و توضيح كلام الشيخ الكبير هو: أنّ الوقف العام كالمسجد و المشهد و المقبرة لا يجوز بيعه، لانتفاء الملك كما تقدم من كون الوقف في هذا القسم فكّ الملك و تحريره، و لكن يمكن الانتفاع به بعد الخراب، بأن توجر الأرض لزراعة و شبهها بشرطين:

أحدهما: رعاية الآداب اللازمة المختصة بتلك الموقوفة إن كانت مسجدا، كعدم تلويث العرصة، و مكث من يحرم المكث فيه، و نحوهما.

و ثانيهما: إحكام السّجلّات، و المقصود كتابة وثيقة على كونها مسجدا، و الإشهاد حين الإجارة على ذلك، حذرا من نسيان ذلك مرّ الأيام، فيقضى بكونها ملكا للمستأجر أو لورثته بمقتضى اليد التي هي أمارة الملكية.

فإن تحققت الإجارة، فإمّا أن يوجد وقف مماثل، و إما أن لا يوجد المماثل.

فإن وجد لزم صرف الأجرة فيه، كما إذا كانت الموقوفة المستأجرة مسجدا، فيجب صرف الأجرة في مسجد آخر إن كان، مع رعاية أمور ثلاثة:

______________________________

(1) كشف الغطاء، كتاب العبادات الداخلة في العقود، الباب الأوّل، البحث الثالث عشر، الأمر الأربعون (الحجرية).

ص: 578

في الجهة المقصودة (1) تؤجر للزراعة و نحوها (2)، مع المحافظة على الآداب اللّازمة لها إن كانت مسجدا مثلا، و إحكام (3) السّجلّات، لئلّا يغلب اليد فيقضى بالملك.

و تصرف (4) فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف

______________________________

أوّلها: كونه أقرب إلى مصرف الوقف، فلو تعدّدت المساجد و كانت حاجتها إلى الأجرة المزبورة على السواء لم يجز صرفها في ما عدا الأقرب.

و ثانيها: كونه أشد حاجة، فلو تساوى مسجدان في القرب إلى المصرف، لزم صرف الأجرة في الأحوج منهما إليها.

و ثالثها: كونه أفضل ممّا عداه، فلو تساوى مسجدان في القرب و الحاجة، و لكن كان أحدهما أفضل من الآخر- لكونه مسجدا جامعا و الآخر مسجدا للسوق أو للقبيلة- تعيّن صرف الأجرة في الجامع.

و لو تعارض القرب و الحاجة، أو تعارض الحاجة و الفضيلة، أو تعارض القرب و الفضيلة، قدّم الراجح كما سيأتي توضيحه.

و لو كانت الموقوفة المستأجرة مقبرة درست آثارها لزم صرف الأجرة في مقبرة أخرى مع رعاية الأقرب و الأحوج و الأفضل.

و إن فقد المماثل- كما إذا خرب مسجد القرية و لم يكن فيها مسجد آخر- لزم صرف الأجرة في موقوفة اخرى كالمقبرة و الحسينية و المشهد. فإن تعذّر صرف الأجرة في ذلك صرفت في مصالح المسلمين كبناء جسر أو قنطرة مما ينتفع به الجميع.

هذا كله بالنسبة إلى إيجار العرصة التي كانت مسجدا أو مقبرة. و أما الآلات فسيأتي كلام الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه فيها.

(1) و هي الصلاة في المسجد، و الدفن في المقبرة، و إقامة مجالس العزاء و تعظيم شعائر اللّه في الحسينيات، و نزول الحجاج و المسافرين في الخانات، و هكذا.

(2) كإجارته لدوس الزرع، أو دقّ الأرز، أو تشييد مصنع فيه، كلّ ذلك مع رعاية الآداب الشرعية.

(3) معطوف على «المحافظة» و هذا إشارة إلى الشرط الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما إحكام السّجلات ..».

(4) معطوف على «تؤجر» يعني: بعد تحقق الإجارة- بشرطيها- يجب صرف الأجرة

ص: 579

مقدّما للأقرب و الأحوج (1) و الأفضل احتياطا. و مع التعارض (2) فالمدار على الراجح. و إن تعذّر (3) صرف إلى غير المماثل كذلك. فإن تعذّر (4) صرف في مصالح المسلمين.

و أمّا غير الأرض (5) من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح

______________________________

في الوقف المماثل إن كان.

(1) يعني: يشترط في صرف الأجرة في المماثل تقديم الأقرب، و الأحوج إلى الأجرة، و الأفضل على سائر المساجد. و هذا التقديم مبني على الاحتياط.

(2) يعني: و مع تعارض كلّ من الثلاثة بعضها مع بعض قدّم الراجح، و لهذا التعارض صور:

الاولى: أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى مصرف الوقف، و الآخر أحوج إلى الأجرة و إن كان أبعد من حيث المصرف.

الثانية: أن يكون أحد المسجدين أحوج، و الآخر أفضل.

الثالثة: أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى المصرف و الآخر أفضل.

و حكم هذه الصور ملاحظة الراجح، بأن كانت الأحوجية في إحدى المساجد غالبة على مقدار ما في ثانيها من الأقربية، و في ثالثها من الأفضلية.

و مقتضى تقدم الأحوج أنّه مع التساوي في الحاجة يتخير في صرف أجرة أرض المسجد في أيّ واحد من المساجد الثلاثة المفروضة في كلامه من كون بعضها أقرب و بعضها أحوج و بعضها أفضل.

(3) أي: و إن تعذّر صرف الأجرة في المماثل- و هو المسجد- صرف في موقوفة أخرى كالمشهد و الحسينية و المدرسة مع تقديم الأقرب و الأحوج و الأفضل على غيره كما روعي التقديم في نفس المساجد أيضا.

(4) أي: فإن تعذّر صرف الأجرة في غير المماثل تعيّن صرفه في المصالح العامة.

هذا كله حكم الأرض الموقوفة مسجدا أو مقبرة و نحوهما ممّا يكون حقيقته فكّ الملك. و سيأتي الكلام في حكم ما يتعلّق بها من آلات و أثاث.

(5) توضيح ما أفاده الشيخ الكبير قدّس سرّه في حكم آلات الوقف- كالجذع الباقي بعد

ص: 580

و نحوها، فإن بقيت على حالها و أمكن الانتفاع بها في خصوص المحلّ الذي أعدّت له، كانت (1) على حالها، و إلّا (2) جعلت في المماثل، و إلّا (3) ففي غيره، و إلّا (4) ففي المصالح، على نحو ما مرّ (5).

______________________________

انهدام بناء المسجد، أو البساط و الفرش الموضوعين فيه، و الحيوان الذي ينتفع به أو بأجرته، و ثياب الضرائح المشرفة إذا استغني عنها و نحو ذلك- هو: أنّ الانتفاع بها باقية على حالها إمّا أن يكون ممكنا، و إمّا متعذرا. فإن أمكن الانتفاع بنفس أعيانها فله صور:

الأولى: الانتفاع بها في المحلّ الّذي أعدّت له، و يجب إبقاؤها فيه لينتفع بها في الجهة المقصودة، كافتراش البساط الموقوف في مسجد انهدم.

الثانية: الانتفاع بأعيانها في مكان آخر مماثل لما أعدّت له، كوضع الفرش في مسجد آخر، أو جعل ثوب ضريح ثوبا لضريح آخر، و يجب النقل مع مراعاة الأمور الثلاثة، و هي كون المنتقل إليه أقرب و أحوج و أفضل.

________________________________________

الثالثة: الانتفاع بأعيانها في مكان آخر غير مماثل، كافتراش بساط المسجد في مشهد أو حسينية، و يجب النقل مع مراعاة المراتب الثلاثة المتقدمة.

الرابعة: الانتفاع بأعيانها في مصالح المسلمين العامّة بعد تعذر الانتفاع بها في الصور الثلاث المتقدمة، و هي الاستفادة منها في موضعها المعدّ لها أوّلا، و كذا في المماثل، و في غير المماثل.

و إن تعذّر الانتفاع بالآلات و الأثاث فسيأتي.

(1) جواب «فإن بقيت» يعني: وجب إبقاؤها في المحلّ الذي أعدّت له، و هذا إشارة إلى الصورة الأولى.

(2) أي: و إن امتنع الانتفاع بها في المحلّ الذي أعدّت له جعلت في المماثل، كما تقدم في الصورة الثانية.

(3) أي: و إن امتنع جعلها في المماثل وجب جعلها في غير المماثل، كما تقدّم في الصورة الثالثة.

(4) أي: و إن امتنع جعلها في غير المماثل و الانتفاع بأعيانها لزم صرفها في مصالح المسلمين. كما تقدم في الصورة الرابعة.

(5) يعني: مع ما مرّ- في صرف أجرة الأرض- من تقدم الأقرب و الأحوج و الأفضل.

ص: 581

و إن تعذّر (1) الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه، أشبهت (2) الملك بعد إعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع (3) إلى حكم الإباحة، و العود (4) ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم، و العود (5) إلى المالك.

و مع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول المالك.

و يحتمل (6) بقاؤه على الوقف و يباع، احترازا عن التلف و الضرر، و لزوم

______________________________

(1) معطوف على «أمكن الانتفاع بها» يعني: لو بقيت آلات الوقف و لم تضمحلّ، و لكن تعذّر الانتفاع بأعيانها- من آلات و أثاث- مطلقا سواء في نفس الجهة المقصودة، أو في ما يقوم مقامها من الصرف في المصالح العامة، جرى في حكمها احتمالات:

الأوّل: تكون كالمباحات الأصلية، تملك بالحيازة.

الثاني: تصير ملكا للمسلمين، و تصرف في مصالحهم.

الثالث: تعود إلى ملك الواقف، فإن عرف شخصه أو وارثه فهو، و إن لم يعرف كانت من مجهول المالك، يتصدّق به.

الرابع: تبقى وقفا، كما أن أرض المسجد لم تخرج عن الوقفية بطروء الخراب، فتباع الآلات، و يصرف ثمنها في المماثل مقدّما للأقرب فالأحوج فالأفضل.

و إن لم يوجد المماثل صرف في غير المماثل مع رعاية الأمور الثلاثة. و إن لم يوجد ففي مصالح المسلمين.

(2) جواب الشرط في «و إن تعذّر».

(3) هذا هو الاحتمال الأوّل، فكما أنّ إعراض المالك يجعل ماله كالمباحات الأصلية، فيتملّكه الحائر له، فكذا آلات الوقف بعد سقوطها عن الانتفاع بها تصير من المباح.

(4) معطوف على «الرجوع» و هذا ثاني الاحتمالات، و لعلّه أقرب إلى مقصود الواقف.

(5) معطوف على «الرجوع» و هذا هو الاحتمال الثالث، و قد تقدم توضيحه.

(6) معطوف على «فيقوم» و هذا في قبال الاحتمالات الثلاث المتقدمة المبنية على بطلان الوقف. و الوجه في وجوب البيع هو الجمع بين دليلين.

أحدهما: الاحتراز عن ضياع المال و تلفه، الموجب لتضرر المسلمين.

ص: 582

الحرج، و تصرف (1) مرتّبا على النحو السابق. و هذا (2) هو الأقوى، كما صرّح به بعضهم «1»» «2» انتهى.

و فيه: أنّ إجارة الأرض (3)

______________________________

و ثانيهما: لزوم الحرج على المتولّي من إبقاء هذه الآلات على حالها مع عدم الانتفاع بأعيانها مطلقا، لا في محلها الأوّل و لا في محلّ آخر.

(1) معطوف على «يباع».

(2) أي: احتمال بقاء الآلات على الوقف- و وجوب بيعها و صرف ثمنها في المماثل، ثم في غيره، ثم في المصالح العامة، مع رعاية الترتيب في الكل- هو الأقوى.

هذا تمام ما أفاده الشيخ الكبير، و سيأتي إيراد المصنف عليه.

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلام بعض الأساطين- من إجارة أرض موقوفة طرأ عليها الخراب كالمسجد المنهدم، و بيع الآلات- بما حاصله: أنّه لا ريب في إناطة البيع و الإجارة بالملك. و ليس المراد به خصوص الملك المعيّن و المشاع، بل يعمّ ما إذا لم يتملك العين أصلا، و لكن يصرف منفعته و ما يعود منه في مصلحة المالك، كما هو الحال في مالكية المسلمين للأراضي المفتوحة عنوة، إذ ليست هي ملكا مشاعا لآحادهم كي تتعيّن حصصهم بالتقسيم و الإفراز، و إنّما تصرف منافعها فيما يصلح لهم بإذن الولي و هو الحاكم الشرعي.

و حيث إنّ الكلام في الأوقاف العامة التي حقيقتها تحرير الملك- أي خروجها عن ملك الواقف، و عدم دليل على دخولها في ملك المسلمين- فجواز بيعها و إجارتها منوط بدليل خاص عليه، و المفروض عدمه. و لو شكّ فمقتضى الاستصحاب عدم دخولها في ملك الموقوف عليهم. و بانتفاء الملك لا وجه لصحة البيع و الإجارة. نعم القدر المتيقن من دليل الوقف إباحة انتفاع المسلمين بالأوقاف العامة في الجهة المقصودة، لا غير. و من المعلوم عدم اقتضاء حلية الانتفاع الخاص لجواز بيعها و إجارتها المتوقفين على الملك.

فالنتيجة: أنّ ما أفاده الشيخ الكبير قدّس سرّه- من جواز إجارة الأرض و بيع الآلات في الأوقاف العامة- لا يساعده دليل في مقام الإثبات و إن كان ممكنا ثبوتا.

______________________________

(1) لاحظ تفصيل البحث في الجواهر، ج 14، ص 94

(2) شرح القواعد، مخطوط، الورقة 84- 85

ص: 583

و بيع الآلات حسن (1) لو ثبت دليل على كونها ملكا للمسلمين (2)، و لو على نحو الأرض المفتوحة عنوة (3). لكنّه (4) غير ثابت، و المتيقّن (5) خروجه عن ملك مالكه، أمّا دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل (6).

نعم (7) يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين، لأصالة الإباحة [1].

______________________________

(1) لكونه أقرب إلى نظر الواقف عند فوات استعماله في مورد الوقف.

(2) كون الوقف العام ملكا للمسلمين إمّا بأن تكون الرقبة مملوكة للمسلمين على نحو الإشاعة، كما في الوقف الخاص. و إمّا بأن يجب صرف منافعها في مصالحهم. و حيث إن الملكية بالمعنى الثاني أخفى من ملكية العين بنحو الإشاعة، فلذا أتى بكلمة «و لو» و يترتب على هذه الملكية ضمان المتصرّف فيها بغير إذن الحاكم الشرعي.

و على كلّ، فالمفروض انتفاء كلا الفردين في الوقف العام.

(3) فإنّ معنى مالكية المسلمين لها وجوب صرف منافعها في مصالحهم، كما تقدم في بحث الأراضي بقوله: «فهذه الملكية نحو مستقلّ من الملكية قد دلّ عليه الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك» فراجع (ص 398).

(4) أي: لكن كون الوقف العام ملكا للمسلمين- بمعنييه- غير ثابت.

(5) أي: و المتيقن من دليل الوقف العام خروجه عن ملك مالكه.

(6) و هو الاستصحاب، لليقين بعدم كونه ملكا للمسلمين قبل إنشاء الوقف، و الشك في دخوله في ملكهم بعد الإنشاء، و الأصل يقتضي عدمه.

(7) استدراك على قوله: «أمّا دخوله في ملك المسلمين» و غرضه أنّ ملكية العين و المنفعة منتفية في مثل المسجد، و لكنّ حقّ الانتفاع ثابت للمسلمين، لأصالة إباحة كلّ فعل شكّ في حرمته و حليّته.

______________________________

[1] فيه: أنّ أصالة الإباحة هنا محكومة باستصحاب حرمة الانتفاع الثابتة حال عدم التعذر. و دعوى تبدل الموضوع مدفوعة بكون التعذر و عدمه من الحالات المتبادلة على الموضوع لا المقوّمة له.

ثمّ إنّه لا بأس بالتعرض هنا لبعض الفروع المبتلى بها، و هو حكم المساجد

ص: 584

و لا يتعلّق (1) عليهم اجرة.

______________________________

(1) أي: لا يكون المنتفع ضامنا لاجرة ما استوفاه من المنفعة، لأنّ الضمان تابع للتصرف في مال الغير عينا أو منفعة، و المفروض أنّ الثابت في مثل وقف المسجد حلّية الانتفاع في الجهة المقصودة، لا ملك المنفعة حتى تضمن- بأجرة المثل- لسائر المسلمين.

هذا تمام ما يتعلق بكلام كاشف الغطاء قدّس سرّه.

______________________________

و الأوقاف العامة الواقعة في الشوارع المستحدثة قهرا بأمر الحكومات الإسلامية و غيرها، فنقول و به نستعين:

ينبغي الكلام في مقامين، أحدهما في المساجد، و ثانيهما: في سائر الموقوفات.

أما المقام الأوّل، فملخّص الكلام فيه: أنّ المعروف بين الأصحاب- بل الظاهر عدم الخلاف بينهم- في عدم بطلان المسجدية بالخراب، و إن حكي عن بعض العامة رجوعه بعد الخراب إلى ملك الواقف قياسا على كفن الميت الذي أخذه السّيل، لرجوع كفنه حينئذ إلى ملك الوارث أو غيره ممّن بذله له.

لكنّه قياس مع الفارق، حيث إنّ بذل الكفن حكم تكليفي منوط ببقاء موضوعه أعني به الميت. فإذا ذهب الموضوع بالحرق أو الغرق أو غيرهما يسقط هذا التكليف. و هذا بخلاف المسجدية، فإنّها من الوضعيات الثابتة لنفس الأرض الباقية و إن زالت آثارها و أبنيتها، لأنّ المسجدية كالملكية من الأمور الاعتبارية القائمة بنفس الأرض، و لا تنفكّ عنها بالخراب، إذ المسجدية كالملكية من الاعتباريات التي لها في حدّ ذاتها بقاء و استمرار، فلا ترتفع إلّا برافع، إذ لا يكون الشك في بقائها لأجل الشك في مقتضيها. فإذا شكّ فيها جرى فيها الاستصحاب بلا كلام.

و لكن لا تصل النوبة إلى الاستصحاب بعد كشف السيرة عن كون المسجدية كالحرية غير قابلة للزوال. فالشكّ في بقاء المسجدية من ناحية الشكّ في الرافع غير متصوّر أيضا.

و يدلّ على ذلك السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية للمساجد الخربة التي لم يبق لها آثار أصلا، فإنّ هذه السيرة تكشف عن كون المسجدية من الاعتبارات و العناوين القائمة بنفس الأرض، و أنّ وقف أرض مسجدا غير وقفها مدرسة أو مكانا للزّوّار

ص: 585

..........

______________________________

و المسافرين، أو معبدا للمتعبدين، أو مكانا للراكعين أو الساجدين، أو ما أشبه ذلك، فإنّ هذه العناوين جهات تبطل الوقفية بفواتها.

و ليست المسجدية منها، إذ المقصود من وقف المسجد ليس حفظ جهة الصلاة أو مطلق العبادة، حتى يقال ببطلان المسجدية بفوات الجهة المقصودة، بل المقصود حفظ عنوان خاص، و هو ما يسمى مسجدا أو جامعا أو بيتا للّه تعالى أو ما يؤدّي معناها من لغات شتى. فليس منه ما يصنع في البيوت في بعض البلدان من إعداد مكان للصلاة و يسمّى بالمصلّي، و بالفارسية ب «نمازخانه» فإنّه ليس مسجدا.

و ممّا ذكرنا من بقاء عنوان المسجدية و عدم ذهابه بزوال الآثار يظهر ما في المسالك «من اختصاص بقاء المسجدية و أحكامها بالمساجد المبنية في غير الأراضي المفتوحة عنوة. و أمّا ما فيها حيث يجوز وقفها تبعا لآثار المتصرف، فإنّه ينبغي حينئذ بطلان الوقف بزوال الآثار، لزوال المقتضي للاختصاص، و خروجه عن حكم الأصل» «1».

وجه الظهور: أنّ عنوان المسجدية من العناوين القائمة بنفس الأرض، و لا يبطل بذهاب الآثار أصلا.

نعم إن كان نظره قدّس سرّه إلى عدم صحة جعل المسجدية في الأراضي المفتوحة عنوة- لعدم صحة تملكها حتى تجعل مسجدا، بل المسجدية قائمة بالآثار، و الأرض ليست حقيقة مسجدا، بل هي مسجد حكما. و هذا الحكم منوط ببقاء الآثار- فهو متين كما تقدم في حكم الأراضي المفتوحة عنوة، فيصير النزاع مع المسالك على هذا التقدير صغرويا.

لكن هذا الكلام يجري في العامرة حال الفتح دون الموات حاله، فإنّ بقاء عنوان المسجدية في المساجد المبنية في مواتها مما لا ينبغي الإشكال فيه.

و دعوى السيرة القطعية على اتخاذ المساجد في العراق و غيره من المفتوحة عنوة كما في الجواهر «و العلم بترتيب آثار المسجدية عليها حتى بعد الخراب» «2» غير مسموعة في مطلق المساجد، بل في خصوص المبنية منها في مواتها، فإنّ المتيقن منها هي المساجد

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 397

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 107

ص: 586

..........

______________________________

المبنية في موات المفتوحة عنوة. و أمّا في المبنية منها في معمورتها فالسيرة فيها غير ثابتة.

فدعوى بطلان مسجديتها بذهاب الآثار في غاية القرب.

و ممّا ذكرنا من عدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار يظهر بقاء جميع الأحكام الثابتة لعنوان المسجد حين وجود الأبنية، و عدم ارتفاعها باندراس الآثار، لما مرّ من أنّ عنوان المسجدية من الاعتباريات التي لا تزول بزوال الآثار، لقيامها بنفس الأرض، من دون دخل للآثار في مسجديتها. بل المسجد إمّا معمور و إما مغمور، بلا مساس للعمارة في طروء المسجدية للأرض، فليس العمران مقوّما لعنوان المسجدية و لا شرطا له.

و من هنا يظهر أنّ نظر العرف في ذهاب عنوان المسجدية العرفية بذهاب الآثار ليس متّبعا في ترتيب الأحكام الشرعية الثابتة للمسجد، إذ الموضوع هو ما عرفت ممّا استفيد من السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية على نفس الأرض و لو بعد زوال جميع الآثار و الأبنية، إذ السيرة تكشف عن عدم إحالة الشارع تمييز مفهوم المسجد إلى العرف حتى يكون نظرهم في ذلك متّبعا شرعا.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا عدم الوجه في التفكيك بين الآثار الشرعية، كما يظهر من العروة الوثقى، حيث قال: «مسألة: إذا تغيّر عنوان المسجد بأن غصب و جعل دارا، أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه، و قلنا بجواز جعله مكانا للزرع، ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال. و الأظهر عدم جواز الأوّل، بل وجوب الثاني أيضا» «1».

و قال شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه في حاشيته على هذه العبارة ما لفظه: «إذا خرج عنوان المسجدية و بطل رسمه بالكلية، فالأظهر عدم وجوب تطهيره، و إن كان جواز التنجيس لا يخلو عن إشكال» «2».

و عبارة العروة المتقدمة و إن كان ظهورها البدوي في التفكيك بين الحكمين لا ينكر،

______________________________

(1) العروة الوثقى، كتاب الطهارة، أحكام النجاسات، فصل اشتراط الصلاة بإزالة النجاسة عن الثوب و البدن، المسألة 13

(2) تعليقة العروة، ص 9، طبعة عام 1340 (الحجرية).

ص: 587

..........

______________________________

إلّا أنّ قوله قدّس سرّه في المسألة العاشرة من ذلك الفصل: «لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و إن لم يصلّ فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجيس» قرينة على عدم التفكيك بين وجود التطهير و حرمة التنجيس، هذا.

مضافا إلى: أنّ نفس العبارة ظاهرة بعد التأمل اليسير في الملازمة بين الحكمين، غاية الأمر أنه قدّس سرّه نبّه على أن في المسألة إشكالا عند بعض الأصحاب. فغرض صاحب العروة التنبيه على القول بالتفكيك، لا أنّه يلتزم و يقول به.

فالحري حينئذ التعرض للمنشإ الاشكال. و لعلّه ملاحظة أنّ المسجدية و إن كانت من قبيل الملكات، إلّا أنّ صدقها منوط بالإعداد للصلاة و غيرها من العبادات، كالمفتاح، فإنّ صدقه على حديد مثلا منوط بكونه معدّا للفتح، و بدونه لا يصدق عنوان المفتاح عليه. نعم لا يتوقف صدقة على التلبس الفعلي الخارجي بالمبدء، كما هو الشأن في سائر المبادي التي تكون من الملكات، لكفاية إعدادها في الصدق المزبور. هذا.

و قد عرفت أنّ المسجدية الموضوعة للأحكام الخاصة الشرعية المستفادة من السيرة المتقدمة لا يعتبر فيها الإعداد للصلاة أو غيرها، و إن حكم العرف باعتبار إعداد الأرض للصلاة في المسجدية العرفية.

لكن الرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الحكم الشرعي على ما هو قضية الإطلاق المقامي منوط بعدم بيان الشارع صريحا أو التزاما لتحديد موضوع حكمه كما في المقام، إذ السيرة القائمة على ترتب أحكام المسجد على المعمورة و المغمورة تدلّ التزاما على كون المسجدية التي جعلت موضوعا لأحكام خاصّة عبارة عمّا لا ينفكّ عن الأرض و لو بعد الخراب، و لذا تكون المسجدية من قبيل التحرير.

فالمتحصّل: أن عبارة السيد قدّس سرّه في كتاب الطهارة ظاهرة في بقاء حكم المسجد بعد خرابه أو غصبه. لكنه ذهب في كتاب الوقف إلى سقوط عنوان المسجد باندراس أثره، أو باستيلاء جائر عليه، و جعله دارا و نحوها. فإنه قدّس سرّه و إن حكم بدوا بعدم خروج العرصة عن المسجدية إذا خرب البناء، و بحرمة بيعها و حرمة تنجيسها مع إمكان الصلاة فيها للمارّة

ص: 588

..........

______________________________

و غيرهم، إلّا أنّه نفى البعد عن زوال عنوان المسجد، بشهادة أنّه لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين خرج عن كونه مسجدا. الى أن قال: «بل يمكن أن يقال بجواز بيعه و إخراجه عن المسجدية إذا غلب الكفار عليه، و جعلوه خانا أو دارا أو دكانا. بل الأولى أن يباع إذا جعلوه محلّا للكثافات، أو جعلوه بيت خمر مثلا، صونا لحرمة بيت اللّه عن انتهاك. و الحاصل: أنه لا دليل على أن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا» «1».

و كذلك صرّح في (مسألة 38) بجواز بيع المساجد كسائر الموقوفات العامة و الخاصة في موارد جواز بيع الوقف «2». و في (مسألة 39) ببطلان الوقف بزوال العنوان، فيباع. فراجع «3».

و لكنه لا يخلو عن غموض، لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الحكم بخروج العرصة عن المسجدية مع فرض كون المقصود جعلها مسجدا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

بل السقوط منوط بالدليل. و ما أفاده من زوال العنوان لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة غير ظاهر أيضا، إذ لو كان جعلها مسجدا من قبل وليّ المسلمين و هو الامام المعصوم عليه السّلام أو نائبه العام- بناء على ثبوت عموم ولاية الفقيه- فما الوجه لاقتضاء الخراب أو غصب الظالم أو استيلاء الكفار على بلاد المسلمين لزوال عنوان المسجد؟ مع فرض عدم تحديد إنشاء المسجدية بزمان معيّن أو زماني كذلك. و كذا لا إهمال من حيث الدوام و التوقيت، و الحالات الطارئة عليه، و لذا لا تعدد في المطلوب كما في الأوقاف الخاصة حتى ينتقل الوقف إلى البدل بعد عدم وفاء العين بغرض الواقف، فيتعيّن الإطلاق ثبوتا و إثباتا.

و منه يظهر غموض ما فرّعه قدّس سرّه على بطلان وقف المسجد من جواز بيعه صونا لحرمته عن الهتك.

و ما أفاده قدّس سرّه في (مسألة 38): في أوّل إشكالاته الأربعة على شيخنا الأعظم «من كون

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 247

(2) المصدر، ص 257

(3) المصدر، ص 260

ص: 589

..........

______________________________

الوقف ملكا له تعالى على نحو ملكه لسدس الخمس في آية الخمس، فلا مانع من بيعه مع المسوّغ، و أمره راجع إلى الحاكم الشرعي» «1» غير ظاهر أيضا، فإنّ «اللام» بناء على ظهوره في الملك- لا في مطلق الاختصاص- دلّ على ملكية هذا السدس له تعالى بالملكية الاعتبارية، و لم ينهض عليها في الوقف. و المقصود بقوله تعالى «الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ» هو التوحيد في العبادة، هذا مع الغض عمّا ورد من إرادة مواضع السجود.

فتلخّص: أنّ أحكام المسجد تترتب على المساجد المعمورة و المغمورة على نسق واحد، فتنجيس أنقاض المساجد الباقية في الشوارع حرام، و تطهيرها على تقدير تنجسها واجب، لما مرّ من السيرة على عدم الفرق في جريان أحكام المساجد بين عامرها و خرابها.

و مع هذه السيرة لا يبقى شك في بقاء أحكام المسجد بعد طروء الخراب حتى نحتاج إلى الاستصحاب، و يستشكل في جريان استصحاب وجوب التطهير بكونه تعليقيا.

بل يمكن أن يقال: بعدم شكّ هنا حتى نحتاج إلى الاستصحاب، إذ لو كان الموضوع ما ذكرناه من معنى المسجدية، فلا ريب في بقاء أحكام المسجد بعد الخراب، لعدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار. و لو كان ما يراه العرف من إعداده للصلاة، فلا شك في ارتفاعه حتى يجرى فيه الاستصحاب.

و مع فرض الشكّ في الموضوع و عدم تمييزه- و أنّه هل المسجدية الشرعية التي تستفاد من السيرة المتقدمة؟ أم العرفية التي يعتبر فيها الإعداد للصلاة، و بدونه لا يعتبر العرف عنوان المسجدية للأرض، كما فيما جعل جزء من الشارع أو محلّا للمكائن مثلا- لا مجال أيضا للاستصحاب، للشك في بقاء الموضوع، إذ لو كان الموضوع المسجدية الشرعية الأبدية فلا شكّ في بقاء الموضوع الموجب للعلم ببقاء الأحكام التنجيزية و التعليقية. و إن كان الموضوع المسجدية العرفية، فلا إشكال في انتفائه الموجب للقطع بارتفاع الأحكام مطلقا.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع ذات الأرض، و عنوان المسجدية من الجهات التعليلية، فمنشأ الشك حينئذ هو كون هذه العلة محدثة و مبقية، أو محدثة فقط، هذا.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 257

ص: 590

..........

______________________________

لكنه خلاف ظاهر الأدلة المثبتة للأحكام لعنوان المساجد، فإنّ ظاهر الإسناد هو كون المسجدية جهة تقييدية لا تعليلية، فينسدّ باب الاستصحاب من هذه الناحية أيضا.

هذا كلّه مضافا إلى: أنّه ليس وجوب التطهير من الأحكام التعليقية حتى يشكل جريان الاستصحاب فيها، لأنّ هذا الحكم يستفاد من مثل قولهم عليهم السّلام: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «1» فإنّ المستفاد من مثل هذا الكلام هو وجوب تبعيد النجاسة و حرمة تقريبها حدوثا و بقاء. و عصيان وجوب تبعيد النجاسة عن المسجد تارة يتحقق بتنجيسه، و اخرى بترك تطهيره مع التمكن منه. فالتكليف المستفاد من الكلام المذكور واحد و منجّز، فالمقام أجنبي عن الحكم التعليقي الذي لا يجري فيه الاستصحاب على مذهب بعض.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوى ترتب أحكام المسجد على المساجد الواقعة في الشوارع، سواء أ كانت في الأراضي المفتوحة عنوة أم غيرها، و سواء وقعت في المعمورة حال الفتح أم في مواتها.

نعم الّذي يسهّل الخطب في كثير ممّا يقع من المساجد في الشوارع: أنّ نفس أرض المسجد تقع تحت التراب و التبليط غالبا، بحيث لا تؤثّر النجاسة في نفس الأرض، فالمتنجس غير أجزاء المسجد، كما إذا تنجّس آجر من خارج المسجد، ثم أدخل إلى المسجد، أو العكس. و إن كان الفضاء أيضا من المسجد. إلّا أنّ معروض النجاسة هو الأرض، إذ لا معنى لنجاسة الفضاء.

إلّا أن يقال: إنّ ما دلّ على حرمة إدخال النجاسة في المسجد يشمل إدخالها في الفضاء أيضا. فحينئذ تجب إزالة النجاسة عن المبلّط، كوجوب إزالتها عن نفس أرض المسجد، هذا.

لكن الإنصاف أنّ استفادة هذا المعنى منوطة بظهور أدلة حرمة إدخال النجاسة إلى المسجد في حرمته و إن لم تكن النجاسة متعدية، و هو محل بحث و كلام، لقوّة احتمال إرادة التلويث من إدخال النجاسة. و المفروض فقدان التلويث في المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 3، ص 504، الباب 24 من أبواب أحكام المساجد، ح 2، رواه عن الكتب الاستدلالية، و في التذكرة: «و لقوله عليه السّلام: جنّبوا ..» ج 2، ص 433، الطبعة الحديثة.

ص: 591

..........

______________________________

و إذا شكّ في إرادة مطلق إدخال النجاسة و إن لم تكن متعدية، فالأصل يقتضي جوازه، إلّا إذا استلزم هتك المسجد. و لا بدّ من التأمّل و مراجعة أدلة إدخال النجاسة إلى المسجد ليتضح الحال، وفقنا اللّه تعالى لذلك عاجلا.

و لنختم الكلام في المساجد بما يتعلق بالبيع و الكنائس الواقعة في الشوارع، فنقول: إنّ البحث في البيع و الكنائس المبنية في غير بلاد المسلمين، إذ ما يبنى منهما في بلادهم لا يترتب عليهما أثر أصلا، لكون بنائهما فيها مخالفا لشرائط الذمّة، فيبطل وقفهما، فيكون بناؤهما كالعدم، فلا إشكال في جواز العبور فيما يقع منهما في الشوارع.

و أمّا فيما يبنى منهما في ممالك الكفار سواء أ كان بناؤهما قبل تشريع الدين الإسلامي أم بعده، فإن كان حقيقتهما حفظ عنوان المسجدية و إن كان يسمّى عندهم بالبيع أو الكنائس، فيرجع هذا الكلام إلى اتحاد المسجد و البيعة و الكنيسة مفهوما و إن اختلفت اسما. لكن هذا الاختلاف لا يقدح في حقيقتها، لكون الاسم عنوانا مشيرا لا يختلف المعنون باختلاف العناوين المشيرة، و يلزمه ترتب جميع أحكام المسجد عليهما بناء على صحة هذا الوقف من غير المؤمن، كما يظهر من صحة وقف الكافر على البيع و الكنائس، أو أحد الكتابين كما في الشرائع «1» و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما عن المقتصر الاعتراف به، بل عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه» «2».

لكن في المسالك ما محصله: «هو يتم بناء على عدم اشتراط القربة، أمّا معه فمشكل، من حيث إنّ ذلك معصية في الواقع، فلا يتحقق معنى القربة» «3».

أقول: المراد بالقربة في الوقف هو جعله للّه تعالى. فإن أراد الكافر هذا المعنى من القربة فلا بأس به، و اعتبار صلاحية الفاعل للتقرب بفعله لا دليل عليه، فوقف الكافر من ناحية قصد القربة صحيح.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 214

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 35

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 336

ص: 592

..........

______________________________

و حينئذ نقول: إنّ لوقف أرض من الكافر للعبادة احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن يقصد جعل مكان للّه تعالى، لا بنحو يكون وقفا على عبادة أو متعبدين كما تقدم في وقف المسجد، فهذا الوقف ليس إلّا وقف المسجد.

الثاني: أن يقصد وقفية المكان على العبادة الصحيحة عند اللّه تبارك و تعالى، غايته أنّه يتخيّل انطباقها على عباداتهم.

الثالث: أن يقصد وقفيته على عباداتهم بتخيّل أنّها هي العبادة الصحيحة عنده تعالى شأنه.

و الوقف على النحوين الأوّلين صحيح. أمّا الأوّل فلكونه من وقف المسجد حقيقة.

و أمّا الثاني فلأنّ غاية الوقف- و هي العبادة الصحيحة الواقعية- غرض عقلائي محلّل، فلا مانع من الوقف لها.

و على النحو الثالث باطل، لبطلان غايته، فإنّ العبادة الباطلة حرام، و الوقف عليها وقف على جهة محرّمة كالوقف على عبادة الأصنام مثلا. و لا إشكال في بطلان الوقف على الجهات المحرّمة. هذا في مقام الثبوت.

و أمّا مرحلة الإثبات، فإن أحرز كيفية الوقف فلا إشكال، و إن شك فيها فمقتضى الاستصحاب عدم صيرورة المكان مسجدا. و لا يعارض باستصحاب عدم جعل المكان وقفا على العبادة. و ذلك لعدم ترتب الأثر على هذا الاستصحاب، إذ وجوب التطهير و حرمة التنجيس مثلا من أحكام خصوص المسجد، لا كلّ موقوفة.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا: جواز الاستطراق في الكنائس و البيع الواقعة في الشوارع المستحدثة، و عدم حرمة تنجيسها، كعدم وجوب تطهيرها.

و أمّا المقام الثاني- أعني به سائر الموقوفات غير المساجد- فالظاهر أنّ الأوقاف الموقوفة على جهات خاصة كالمدارس و الخانات و الحسينيات و الدور و البساتين التي وقفها أربابها على الطلبة و الزوار و المآتم و غيرها تبطل وقفيتها بتعذر الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف، سواء أ كان السقوط عن الانتفاع في تلك الجهة بتخريب قاهر كما في المقام، أم بخرابها طبعا، فإنّ الوقف يبطل بخروج الموقوفة عن الانتفاع الخاص، و تصير

ص: 593

[بيع ثوب الكعبة]

ثمّ إنّه ربما ينافي (1) ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني

______________________________

(1) التنافي مبني على توهم التلازم- في عدم جواز البيع- بين نفس العين الموقوفة و بين الآلات و الفرش و غيرهما ممّا يتعلق بها. و غرضه قدّس سرّه بيان وهم و دفعه.

أمّا الوهم فهو: أنّ ما تقدم- من منع بيع الوقف التحريري كالمسجد و ما بحكمه- ينافيه ورود الدليل في موردين على جواز بيع هذا القسم من الوقف:

أحدهما: الخبر الدال على جواز بيع ثوب الكعبة، مع أنه موقوف و ليس ملكا لأحد.

و ثانيهما: ما ذكره الفقهاء من جواز بيع حصير المسجد إذا خلق، و كذا جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

و عليه لا وجه لمنع بيع المسجد و أجزائه، و ما يتعلّق به من أثاث.

و أمّا الدفع فسيأتي.

______________________________

أرضها صدقة مطلقة تصرف في مطلق الوجوه البريّة، أو في خصوص ما هو أقرب إلى غرض الواقف، فمقتضى القاعدة عدم المنع عن العبور في أرض تلك الموقوفات بعد هدمها و جعلها طرقا و شوارع.

و أمّا المقابر، فإن كانت مملوكة، فالعبور فيها تصرف في ملك الغير منوط بإذن مالكه كما هو حكم المملوكات الواقعة في الشوارع، فحكمها حكم المملوكات. و إن لم تكن مملوكة- بل كانت مسبّلة، بأنّ جعلها مالكها موقوفة على دفن المسلمين فيها- فالعبور فيها لا بأس به.

كما لا إشكال في جواز الاستطراق في المقابر الفعلية التي لم تقع في الشوارع، فإنّ الوقفية للدفن لا تمنع عن الاستطراق غير المزاحم لجهة الوقف.

نعم مع المزاحمة لا يجوز، لاقتضاء نفس دليل الوقف حرمة التصرفات المنافية له. إلّا أنّها إن وقعت في الشوارع تصير ساقطة عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف، كسائر الموقوفات على جهات خاصّة.

ص: 594

من الوقف ما ورد (1) في بيع ثوب الكعبة و هبته (2)، مثل (3) رواية مروان بن (4) عبد الملك، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته، و بقي بعضه في يده، هل يصلح له أن يبيع ما أراد؟ قال:

يبيع (5) ما أراد، و يهب (6) ما لم يرد،

______________________________

(1) فاعل «ينافي» و قد تقدم وجه المنافاة آنفا بقولنا: «أمّا الوهم ..».

(2) أي: هبة ثوب الكعبة.

(3) بيان ل «ما ورد» و التعبير بالمثل لأجل ورود جواز بيع ثوب الكعبة في غير هذه الرواية أيضا، كما في معتبرة عبد الملك بن عتبة، فراجع «1».

(4) كذا في موضعين من الوسائل و في المقابس أيضا، و لكن في التهذيب و الكافي:

«مروان عن عبد الملك» «2».

(5) يحتمل في جواز بيع كسوة الكعبة ما قيل: من عدم كونها وقفا، بل تكون من قبيل الحبس، فهي مبذولة لأن يكتسى بها البيت سنة مثلا، ثم تباع و يصرف ثمنها في الخدمة. و على هذا تكون باقية على ملك الباذل لها، مع إذنه في التصرف فيها و في ثمنها على النهج المعهود من بيعها بعد مدّة.

و يحتمل أن تكون مشتراة من منافع الأملاك الموقوفة لمصالح البيت المكرّم، فتكون نظير ما سيأتي من حصير المسجد المشتري من منافع دكّان موقوف لمصالحه، فإنّ أمر البيع بيد الناظر العامّ.

(6) ظاهر جوابه عليه السّلام جعل ثوب الكعبة المعظّمة قسمين، بأن يبيع قسما، و يهب قسما آخر منه.

و لكن يحتمل في جملتي «ينتفع، يطلب» عطفهما على «يهب» فيكون المراد انتفاع المشتري- لكسوة الكعبة- بالهبة.

و يحتمل عطفهما على «يرد» فيكون المعنى: أنّ ما لا يريد الانتفاع

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 752، الباب 22 من أبواب التكفين، ح 3، و كذا ح 2

(2) الكافي، ج 3، ص 148، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره، ح 5، التهذيب، ج 1، ص 434، ح 36 من باب 23

ص: 595

و ينتفع (1) به، و يطلب بركته. قلت: أ يكفّن به الميت؟ قال: لا (2)» «1».

قيل (3) و في رواية أخرى: «يجوز استعماله، و بيع بقيّته [نفسه]».

و كذلك (4) ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت، و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

اللهم إلّا أن يقال (5) إنّ ثوب الكعبة و حصير المسجد ليسا من قبيل

______________________________

به مباشرة و لا طلب بركته يهبه للغير لينتفع به. و لعلّ الأقرب هو الاحتمال الأوّل.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل و الكافي و التهذيب «و يستنفع به» أي: بالثوب.

(2) لعلّ النهي عن التكفين به لأجل كونه حريرا محضا كما احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه «2».

(3) قال في الوسائل و المقابس: «و قال الكليني: و في رواية اخرى: أنه يجوز استعماله و بيع بقيّته» «3».

(4) معطوف على الموصول في «ما ورد» و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو فتوى الأصحاب. يعني: ينافي ما ذكرناه- من عدم جواز البيع- ما ذكروه من بيع حصير المسجد .. إلخ. و هذا التنافي كسابقه أيضا مبني على التلازم المزبور.

(5) غرضه من هذا دفع توهم المنافاة المذكورة في المقامين. و فيه تعرّض للموضع الثاني المشار إليه في (ص 577)، و هو حكم آلات المسجد و الأثاث الموضوعة فيه.

و حاصل ما أفاده: أنّ ثوب الكعبة و حصير المسجد إن كانا كنفس الكعبة و المسجد لكان لما ذكر من التنافي وجه. لكنّه ليس كذلك، إذ الأموال الموقوفة للكعبة و المساجد تكون مملوكة للموقوف عليهم، فللمتولّي التصرف فيها بما يراه مصلحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 752، الباب 22 من أبواب التكفين، ح 1، ج 9، ص 360، الباب 26 من أبواب مقدمات الطواف، ح 3، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

(2) ملاذ الأخيار، ج 3، ص 234

(3) وسائل الشيعة، ج 9، ص 359، الباب 26 من أبواب مقدمات الطواف، ح 2، مقابس الأنوار، ص 64 و لم تظفر بها في الكافي المطبوع. و الظاهر اختلاف نسخ الكافي، بشهادة نقل هذين العلمين عنه.

ص: 596

المسجد (1)، بل هما مبذولان للبيت و المسجد، فيكون (2) كسائر أموالهما. و معلوم أنّ وقفيّة أموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأوّل (3)، و ليس (4) من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العامّ التصرّف [فيه] (5) فيها بالبيع.

نعم (6)، فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد،

______________________________

بخلاف نفس المسجد و الكعبة، فإنّهما ليسا مملوكين لأحد، فلا يجوز بيعهما.

(1) في كون وقف المسجد تحرير الملك، لا تمليكه للمصلّين و العابدين.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «فيكونان» ليطابق تثنية الضمير في «أموالهما».

(3) يعني: يكون تمليكا للموقوف عليهم.

(4) الأولى: «و ليست» لأنّ اسمها ضمير راجع إلى الوقفية.

(5) كذا في نسختنا، و الأولى «فيها» كما في نسخة اخرى.

(6) استدراك على قوله: «ليسا من قبيل المسجد، بل هما مبذولان للبيت و المسجد ..» و غرضه قدّس سرّه التفصيل في مثل ثوب البيت و حصير المسجد، و تقييد إطلاق جواز البيع، و بيانه: أنّ الحصير قد يشترى من منافع موقوفة وقفها صاحبها لصرف منافعها في ما يحتاج إليه المسجد، كما إذا أوقف شخص بستانا على مسجد، لتسدّ به ما يحتاجه من فرش وضوء و ماء و اجرة خادم، و هكذا.

و قد يشتريه شخص من ماله فيوقفه في المسجد.

و ما ذكرناه من أنّ حصير المسجد مبذول له و يجوز بيعه- و ليس وقفه فكّ الملك- ناظر إلى القسم الأوّل دون الثاني، و ذلك لأنّ منافع الأوقاف الموقوفة على المساجد كالدكاكين و البساتين و غيرهما ليست أوقافا، و إنّما الموقوف نفس الدكاكين و البساتين و غيرهما من الأصول، فالمنافع مملوكة للمسلمين، غايته أنّها تصرف في مصرف خاص و هو المساجد. فبيع المنافع و كذا تبديل أثمانها بما يراه المتولي مصلحة للمسجد جائز.

و هذا بخلاف الحصر التي يشتريها الرجل و يضعها في المسجد، و كذا الثوب الذي يلبس به البيت، فإنّهما مملوكان للمسلمين، و لا يجوز بيعهما إلّا بطروء مسوّغ له.

و بعبارة أخرى: الفرق بين شراء شخص حصيرا و وقفه على المسجد، و بين شراء الحصير من عوائد بستان أوقف على المسجد هو: أنّ مقصود المشتري للحصير الانتفاع

ص: 597

فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيّز الانتفاع، بل (1) كان جديدا غير مستعمل، و بين (2) ما يكون من الأموال وقفا (3) على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد. و الثوب الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلّا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

______________________________

بعينه في المسجد بالصلاة و نحوها من الأمور العبادية، فلا يجوز للمتولّي بيعه إلّا بطروء المسوّغ. و هذا بخلاف شراء حصير من عوائد موقوفة كالبستان، فإنّ الحصير لم ينشأ وقفيته من قبل واقف البستان، و إنّما صار وقفا من جهة ابتياعه بغلّة الموقوفة.

و من المعلوم أنّ دليل المنع عن بيع الوقف و شرائه كقوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب، و لا يجوز شراء الوقف» مختص بما ورد عليه الوقف، و ليس فيه دلالة على المنع عن بيع ما اشترى بعائدات الوقف. فحكم هذا الحصير حكم سائر ما يحصل من البستان من جواز صرف أعيانها في المسجد، و جواز تبديلها بما هو أصلح بحاله.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و لو لم يكن أصله موقوفا، بل اشتري للمسجد مثلا، أو بذله له باذل صحّ للناظر بيعه مطلقا، مع المصلحة» «1».

(1) يعني: فلا يدور جواز بيعها مدار خروجها عن حيّز الانتفاع بها، بل المدار فيه نظر المتولّي، و كون البيع أكثر نفعا للمسجد.

(2) معطوف على «بين» و هذا هو القسم الثاني الذي ينشأ فيه وقفيته على الجهة، و لا يجوز تبديله.

(3) أي: ما يكون من الأموال وقفا على المسجد ابتداء- لا باشترائه من مال المسجد- يكون ملكا للمسلمين محبوس بعينه عليهم، فلا يجوز بيعه إلّا في موضع يسوغ فيه بيع الوقف كصيرورته خلقا، أو عدم الانتفاع به من جهة أخرى.

هذا كله ما يتعلق بردّ التنافي بين منع بيع الوقف التحريري، و بين جواز بيع الحصير و ثوب البيت المعظّم. و سيأتي بيان الفارق بينهما بعد اشتراك كليهما في جواز

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 254، و لاحظ مقابس الأنوار أيضا، كتاب البيع، ص 63

ص: 598

[حكم حصير المسجد و أرضه]

ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد (1) أنّ الحصير يتصوّر فيه كونه وقفا على المسلمين (2)، و لكن يضعه في المسجد، لأنّه أحد وجوه انتفاعهم، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به (3) في غيره و لو مع حاجته.

لكن يبقى الكلام في مورد الشكّ (4)، مثل ما إذا فرض حصيرا في المسجد، أو

______________________________

البيع في الجملة.

(1) حاصله: أنّ الفرق بينهما في صورة وقفهما بأن يقفهما شخص من ماله على الكعبة و المسجد- لا في صورة اشترائهما من عائدات أوقاف المسجد، حيث إنّ الثوب و الحصير حينئذ ليسا موقوفين، بل الموقوف أصول تلك العائدات- هو: أنّ الحصر توقف على المسلمين بحيث ينتفعون بها في وجوه الانتفاع، و وضعها في المسجد لأجل كونه أحد وجوه انتفاعهم، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. و هذا بخلاف ثوب الكعبة، فإنّه موقوف على جهة خاصة و انتفاع مخصوص، هذا.

و لا يخفى أنّ هذا بحسب المتعارف، و إلّا فيمكن في ثوب الكعبة ما ذكرناه في حصير المسجد أيضا.

(2) فإذا كان وقفا على المسلمين جاز الانتفاع به في مطلق المسجد، فوضعه في مسجد خاص كالجامع أو السوق ليس لخصوصية بنظر الواقف، بل لانطباق الانتفاع في الجهة المقصودة عليه. و هذا نظير الماء المسبّل، فإنّ مقصود المسبّل سقيه للمؤمنين و المصلّين سواء أ كانوا في هذا المسجد أم في غيره. فوضع حبّ الماء مثلا في مسجد ليس قرينة على أنّ تمام المطلوب هو تسبيل الماء لمن حضر في خصوص هذا المسجد دون غيره.

و عليه فإذا خرب المسجد، أو فرش فيه سجاد- بحيث لم يحتج إلى هذا الحصير الموقوف- لزم نقله إلى مسجد آخر لينتفع به. بل يجوز نقله في الفرض إلى مسجد آخر حتى مع حاجة المسجد السابق، لعدم تقييد وقف الحصير بوضعه في مسجد خاص.

(3) أي: الانتفاع بالحصير في غير المسجد الأوّل حتى مع حاجته إليه.

(4) يعني: ما إذا لم يعلم تقيّد وقف الحصير بمسجد خاصّ، و لا عدم تقيده به، بأن

ص: 599

وضع حبّ ماء فيه، و إن كان الظاهر في الأوّل (1) الاختصاص- و أوضح من ذلك التّرب الموضوعة فيه- و في الثاني (2) العموم، فيجوز التوضؤ منه و إن لم يرد الصلاة في المسجد.

و الحاصل (3) أنّ الحصير (4) و شبهها- الموضوعة في المساجد و شبهها (5)- يتصوّر فيها أقسام كثيرة (6) يكون الملك فيها للمسلمين، و ليست من قبيل نفس

______________________________

كان مقصود الواقف انتفاع المصلّين سواء في هذا المسجد أو غيره.

و كذا لو شكّ- في وضع حبّ الماء في مكان خاص- أنّه مقيّد بما وضع فيه للشرب و التوضؤ أم أنّه لا خصوصية في موضع دون آخر. و يمكن التمسك بقاعدة الحلّ في المشكوك، لكونه شبهة موضوعية.

(1) و هو الحصير الموضوع في مسجد، فإنّ الغلبة توجب الظهور في الاختصاص به. و أوضح منه التّرب الحسينية- على مشرّفها أفضل الصلاة و السلام- الموضوعة في مسجد، فلا يجوز نقلها منه إلى غيره و إن احتيج إليها.

(2) و هو حبّ الماء، و لو أحرز الاختصاص لم يجز التوضؤ منه، و الصلاة في مسجد آخر.

(3) هذا حاصل ما أفاده من قوله: «ثم الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد ..

إلخ».

(4) كذا في النسخ، و المناسب «الحصر» بصيغة الجمع.

(5) كالمشاهد المشرّفة و الحسينيات و نحوها من الأوقاف العامة.

(6) أحدها: أن تكون مشتراة من منافع أوقاف المسجد، و قد عرفت جواز بيعها اختيارا مع المصلحة التي يراها ناظر الوقف.

ثانيها: أن يشتريها الناس من أموالهم للمسجد و نحوه، على أن تكون موقوفة على المسلمين في جميع وجوه الانتفاعات التي منها وضعها في المسجد للصلاة عليها.

ثالثها: أن تكون موقوفة على المسلمين في جهة خاصة كالصلاة فقط، و في مكان خاص كالمسجد الفلاني.

ص: 600

المسجد و أضرابه، فتعرّض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرناه (1).

نعم (2) ما ذكرناه لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد الّتي (3) هي من

______________________________

(1) من عدم جواز بيع الموقوف المؤبّد غير المملوك. و وجه عدم المنافاة: أنّ ما لا يجوز بيعه هو نفس الموقوفة كالمسجد، لكون وقفه تحريرا، فلا ملك حتى يباع.

و ما يصحّ بيعه كالحصير ملك للمسلمين لو اشتري بعوائد موقوفة، و يجوز لمتولّي المسجد بيعه إن كان أصلح بحال المسجد. و مع تعدد الموضوع لا تنافي بين منع بيع أرض المسجد و بين جواز بيع الحصير في بعض الصور.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه في حكم بيع حصير المسجد إذا خلق، و جذعه إذا تكسّر ما لفظه: «و هل يفرّق بين ما كان من ذلك وقفا، و بين ما اشتري من الوقف، أو قبل المتولّي بيعه حتى يجوز بيع الثاني عند الحاجة؟ فيه احتمال. و ذكر في التذكرة: أنّه لا خلاف بين العامة في جواز بيع هذا القسم، لأنّه ملك. و لم يفت هو بشي ء. و جواز البيع في هذا القسم لا يخلو من قوة. فإذا بيع لم يتعيّن شراء مثله، بل يصرف في مصالح المسجد من غير تعيين» «1».

(2) استدراك على جواز بيع مثل حصير المسجد لو اشتري بعوائد موقوفة عليه.

و هذا إشارة إلى الموضع الثالث، و هو حكم أجزاء المسجد. يعني: أنّ ما ذكرناه- من جواز بيع الآلات كالحصر و نحوها ممّا يتعلق بالأوقاف المؤبّدة غير المملوكة- لا يجري في أنقاض المسجد من الأخشاب و الجذوع المنكسرة و الآجر مما لا ينتفع به فيه.

وجه عدم جريانه في مثل الجذع المنكسر هو كون الجذع و أمثاله أجزاء من الموقوفة، و من المعلوم أنّ الحكم الثابت للكلّ ثابت لأجزائه، لأنّه عينها، فيلزم الحكم بعدم جواز بيع أجزائه كنفس العرصة، لكون وقفها فكّا للملك. مع أنّ العلّامة و غيره حكموا بجواز بيع الجذع المنكسر و نحوه، و لا بدّ من توجيه تجويزهم لمثله بأن يقال:

بالفرق بين أرض المسجد و بين أجزاء البناء، بمنع بيع الأرض، و جواز بيع الأجزاء، كما سيأتي.

(3) وصف للجذوع، و المسجد هو العرصة و بناؤها، فالجذوع أجزاء للمسجد،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 117

ص: 601

أجزاء البنيان. مع (1) أنّ المحكيّ «1» عن العلّامة و ولده و الشهيدين و المحقّق الثاني:

جواز بيعه، و إن اختلفوا (2) في تقييد الحكم و إطلاقه كما سيجي ء (3).

إلّا أنّه (4) [أن] نلتزم بالفرق بين أرض المسجد، فإنّ وقفها و جعلها مسجدا

______________________________

فلا يجوز بيعها.

(1) متعلق ب «لا يجري» يعني: أنّ مقتضى القاعدة منع بيعها، و لكن خالف العلامة و جماعة فيه، و قالوا بجواز بيع الجذع المنكسر.

(2) يعني: أنّ العلامة و من تبعه اتفقوا في أصل جواز بيع الجذع المنكسر، و اختلفوا في إطلاقه و تقييده. فقال العلامة في الجذع المنكسر: «الأقرب بيعه و صرف ثمنه في مصالح المسجد» «2» و وافقه فخر المحققين «3».

و قيّد الشهيد قدّس سرّه جواز البيع بما إذا لم يكن الانتفاع بعينه في مسجد آخر «4».

و قيّده المحقق الثاني قدّس سرّه بتعذر أن يشترى بثمنه بدله، و فإن تعذّر شراء البدل صرف الثمن في مصالح المسجد «5».

و قيّده الشهيد الثاني بما إذا لم يكن صرف العين في الوقود لمصالح المسجد كالآجر، فلو أمكن لم يجز البيع «6».

(3) سيأتي أصل جواز بيعه في الصورة الثالثة في حكم النخلة المنقلعة، و يستفاد من مفهوم قوله في (ص 604): «فبناء على ما تقدم من أنّ الوقف في المسجد و أضرابه فك ملك، لم يجز بيعه».

(4) كذا في نسختنا، و الأولى ما في بعض النسخ مجرّدا عن ضمير الشأن.

و كيف كان فهذا توجيه لفتوى الجماعة بجواز بيع مثل الجذع و لو في بعض

______________________________

(1) حكاه عنهم في المقابس، كتاب البيع، ص 63، و كذلك حكاه السيد العاملي عن العلامة و الفخر و الشهيد و المحقق الثاني، في ج 9، ص 127

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 401، و نحوه في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

(4) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279 و 280

(5) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و ج 9، ص 116

(6) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 254

ص: 602

فكّ ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب و الأحجار، فإنّها تصير ملكا للمسلمين (1)، فتأمّل (2).

و كيف كان (3)، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها (4) مع التصرّف في منافعها- كما تقدّم عن بعض الأساطين-

______________________________

الحالات، و قد تقدم توضيحه آنفا.

(1) فيجوز للمتولّي بيعها.

(2) لعلّه إشارة إلى إشكال التفكيك بين وقف الأرض و بين وقف البنيان مع وحدة إنشاء وقف الجميع بمثل: «وقفت هذا مسجدا» فإنّ صيغة الوقف ترد على مجموع العرصة و البنيان على نهج واحد.

(3) يعني: سواء تمّ توجيه التفكيك بين المسجد و بين أجزائه بما تقدم من قوله: «إلّا ان نلتزم ..» أم لم يتم كما تأمّل فيه، فالحكم .. إلخ، و هذا صفوة الكلام في حكم الانتفاع بأرض المسجد و أجزائه، و محصله: أنّ أرض المسجد المنهدم إما أن ينتفع بها بإيجارها كما ذهب إليه الشيخ الكبير، و إمّا أن تبقى على حالها بدون الانتفاع كما هو المختار.

و أمّا أجزاء المسجد ففيها صور ثلاث:

الاولى: أن يرى المتولّي و الناظر المصلحة في صرف أعيان الأجزاء في نفس المسجد، بأن يستفاد منها في إعمار البناء مرّة أخرى، فيتعيّن ذلك، لأنّ مقصود الواقف الانتفاع بالعين الموقوفة مهما أمكن، و المفروض وجوب العمل بالوقف شرعا على حسب ما أوقفه. فإن توقف إبقاؤها على بذل مال صرف من مال المسجد إن كان له مال، و إلّا فمن بيت المال، و إلّا لم يجب على المتولّي صرف شي ء من أموال نفسه لإبقاء تلك الأجزاء.

الثانية: أن لا يرى المتولّي المصلحة في ردّ مثل الجذع المنكسر جزءا للمسجد، و حينئذ فإن قلنا بجواز بيعها كما حكي عن العلّامة و جمع فلا كلام، و إن قلنا بعدم الجواز- كما هو المختار- ففيه صورتان:

الأولى: القول بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف، فيجب صرفه في مصالح نفس هذا المسجد، كإحراقه لطبخ آجره.

الثانية: القول بعدم وجوب مراعاة الأقرب إلى نظر الواقف، و يجب حينئذ صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(4) أي: أنّ الإبقاء يكون تارة مع التصرف في منافع الأرض كما ذهب إليه

ص: 603

أو بدونه (1).

و أمّا إجزاؤه- كجذوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم- فمع (2) المصلحة في صرف عينه (3) فيه (4) تعيّن، لأنّ مقتضى وجوب إبقاء الوقوف و أجزائها [و إجرائها] على حسب (5) ما يوقفها أهلها وجوب (6) إبقائه جزءا للمسجد. لكن لا يجب صرف المال من المكلّف لمئونته (7)، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال.

و إن لم يكن (8) مصلحة في ردّه جزءا للمسجد، فبناء (9) على ما تقدّم من أنّ الوقف في المسجد و أضرابه فكّ ملك، لم يجز بيعه، لفرض عدم الملك.

______________________________

كاشف الغطاء، و يكون اخرى بدون الانتفاع بأجرة الأرض، لعدم الدليل على جواز الإجارة.

(1) أي: بدون التصرف في المنافع، فتبقى العرصة على حالها إلى أن يبعث اللّه من يجدّد بناء المسجد.

(2) جواب الشرط في «و أما أجزاؤه» و هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة آنفا.

(3) كذا في النسخ، و لا بدّ من التأويل بإرجاع الضمير إلى «جزء» و الأولى تأنيث الضمائر الآتية الراجعة إلى «أجزاء».

(4) أي: تعيّن الانتفاع بذلك الجزء في نفس المسجد المنهدم حسب الفرض.

(5) متعلق ب «إبقاء» و بناء على ما في بعض النسخ من «إجرائها» فالظرف متعلق به، و «الإجراء» عطف تفسير للإبقاء.

(6) خبر «أنّ مقتضى» و ضمير «إبقائه» راجع إلى الجذع و نحوه ممّا كان جزءا للمسجد.

(7) أي: لمئونة الإبقاء، لأصالة براءة الذمة عن وجوب الصّرف.

(8) معطوف على «فمع المصلحة» و ضمير «ردّه» راجع إلى مثل الجذع ممّا كان جزءا للمسجد.

(9) و بناء على ما حكي عن جماعة- كالعلّامة و من تبعه- جاز بيعه، و لا يبقى موضوع للصورتين الأخيرتين.

ص: 604

و حينئذ (1) فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب تعيّن صرفه في مصالح ذلك (2)، كإحراقه لآجر المسجد (3)، و نحو ذلك كما عن الروضة (4)، و إلّا (5) صرف في مسجد آخر كما في الدروس «1»، و إلّا صرف في سائر مصالح المسلمين.

قيل (6) بل لكلّ أحد حيازته و تملّكه.

______________________________

(1) أي: و حين المنع من البيع و وجوب الانتفاع بعين الجذع، فإن قلنا .. إلخ.

و هذا إشارة إلى الصورة الثانية من الصور الثلاث.

(2) أي: ذلك المسجد المنهدم، و قوله: «تعيّن» جواب الشرط في «فإن قلنا».

(3) مقدمة لتشييد بناء المسجد مرة أخرى.

(4) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في الحصير البالي و الجذع المنكسر- بحيث لا يمكن صرفهما بأعيانهما في الوقوف لمصالحه، كآجر المسجد- «فيجوز بيعه حينئذ، و صرفه في مصالحه، إن لم يمكن الاعتياض عنه بوقف» «2».

(5) أي: و إن لم نقل بوجوب مراعاة ما هو أقرب إلى نظر الواقف وجب صرف مثل الجذع و الآجر في المماثل إن احتاج مسجد آخر إليه. و إن لم يحتج مسجد إلى هذا الجذع المنكسر أصلا وجب صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(6) أفاده المحقق الشوشتري قدّس سرّه- في حكم أجزاء الأوقاف العامة و آلاتها- بقوله:

«و أمّا إذا بلغت حدّا لا ينتفع بها في تلك الجهة أصلا، فالوجه أنّها تصرف في سائر القرب. بل لكلّ أحد من الموقوف عليهم حيازته و تملكه كأجزاء جلود الكتاب التي لا ينتفع بها في الجلد. و أجزاء الورق الساقطة بعد التصحيف .. و أجزاء الصناديق و شبابيك المشاهد المشرفة بعد الاستغناء عنها .. و ذلك لأنّها قد جعلت للّه سبحانه، و إنّما يجب على أرباب الوقف الانتفاع بها في تلك الجهة الخاصة، و عدم التعدّي عنها مع التمكن،

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 280، و الحاكي عنه و عن الروضة هو صاحب المقابس، ص 63

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 254

ص: 605

و فيه نظر (1).

[حكم المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة]

و قد الحق (2) بالمساجد المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة، و الكتب الموقوفة على المشتغلين، و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة، و البواري الموضوعة لصلاة المصلّين، و غير ذلك (3) ممّا قصد بوقفه الانتفاع العامّ لجميع الناس أو للمسلمين (4) و نحوهم من غير المحصورين، لا لتحصيل (5) المنافع بالإجارة و نحوها و صرفها في مصارفها كما في الحمّامات و الدكاكين و نحوها (6)،

______________________________

و الفرض تعذر ذلك، فجاز لهم الانتفاع بها مطلقا» «1».

(1) لعلّ وجه النظر أنّ الرجوع إلى الإباحة لا دليل عليه و إن قلنا ببطلان الوقف، لقوّة احتمال صيرورته ملكا للواقف أو ورثته. و معه فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتب الملكية على الحيازة.

(2) الملحق هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، و العبارة المنقولة في المتن تغاير- يسيرا- لما في المقابس، و قد تقدم كلامه في (ص 573).

و الوجه في الإلحاق- مع عدم كون المنشأ في هذه الأمور فكّ الملك و تحريره هو جعلها من المباحات التي يجب إبقاؤها على حالها.

(3) فكما لا يصحّ بيع أرض المسجد و إجارتها، فكذا في ما الحق به. و حكم الأجزاء و الآلات أيضا حكم أجزاء بناء المسجد و آلاته.

(4) فمثل البواري للصلاة عليها موقوفة للمسلمين، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة- خصوصا في البلاد يكثر فيها أهل الذمة- موقوفة لانتفاع الناس سواء أ كانوا مسلمين أم من أهل الكتاب.

(5) فالفرق بين وقف المدارس و الحمامات هو: أنّ المدرسة توقف للانتفاع بالسكنى فيها، و الحمّام يوقف ليؤجر، و تصرف إجارتها في الجهة التي عيّنها الواقف، و لذا يعبّر عنه في بعض الكلمات بالوقف الصرفي.

(6) كالمخازن الموقوفة التي تستأجر لإيداع البضائع فيها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 606

لأنّ (1) جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامّة و الأسواق «1».

و هذا كلّه (2) حسن على تقدير كون الوقف فيها فكّ ملك، لا تمليكا.

و لو أتلف (3) شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان وجهان:

______________________________

(1) هذا مضمون تعليل صاحب المقابس لإلحاق المشاهد و نحوها بالمساجد حكما.

(2) أي: و هذا الإلحاق حسن بناء على كون معنى الوقف فيها فكّ الملك، لا تمليك العين أو المنفعة للموقوف عليه، و إنّما يملك الانتفاع. و ربما يشعر قوله: «على تقدير» بعدم كون وقف الأمور المذكورة فكّ الملك، فيكون مفاده التأمّل في إلحاق صاحب المقابس.

و لكنه ليس كذلك، لما تقدم منه من التصريح بالتحرير، كقوله في (ص 540):

«بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك» إذ ليس المراد بشبه المسجد إلّا المقابر و المشاهد و نحوهما.

و كذا قوله في (ص 574) في أقسام الوقف: «بل يكون فك ملك نظير التحرير كما في المساجد و المدارس و الرّبط بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة، فان الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة».

(3) عنون هذا الفرع صاحب المقابس قدّس سرّه بعد إلحاق الأوقاف العامة على الجهات بالمساجد، فقال: «و لو أتلفها متلف على غير جهة الانتفاع المعلومة أثم قطعا. و في مطالبته بالقيمة أو المثل إشكال، من أنّ ما يطلب بقيمة عينه يطلب بمنافعها. و من المعلوم أنّه لو منع شخص الناس من الانتفاع إلى أن فاتت جملة من منافعها، أو انتفع بها في غير الجهة الموضوعة له- كما لو جعل المسجد مسكنا له- أثم، و لكن لم يطلب بها، فكذا لو أتلف العين. و لعدم وضوح الدليل على الضمان إلّا في الأملاك المنسوبة إلى الناس، و هذه صارت ملكا للّه، و إنّما للناس الانتفاع خاصة. و من عموم: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي. و تأدية المثل أو القيمة- مع تعذر الأصل- معدودة من التأدية» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63 و 64

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 607

..........

______________________________

و توضيح المطلب: أنّ الاعتداء على الوقف تارة يكون بإعدامه كهدم تمام بناء المسجد، و جعله قاعا صفصفا، و تغيير تراب أرضه، و أعدادهما لإحداث بناء آخر، أو للزرع فيها، أو هدم بعض بيوت المسجد، و إبقاء بعضها. و كذا الحال بالنسبة إلى الخان و المدرسة و القنطرة كلّا أو بعضا.

و اخرى يكون بالتصرف فيه و استيفاء منفعته في غير الجهة المقصودة للواقف، كما إذا سكن الظالم بنفسه في المدرسة، أو أسكن عمّاله فيها بعد إخراج المشتغلين منها. و كذا الحال في التصرف العدواني على غيرها كالمسجد و الخان و الرباط.

و ثالثة يكون بتفويت منافع الوقف، كما إذا أغلق الظالم باب المسجد، و منع المؤمنين من الصلاة و العبادة فيه، و لم ينتفع هو أيضا به. و كذا لو أخرج الطّلاب من المدرسة و لم يسكن أحدا فيها، بل سدّ بابها.

و محلّ البحث هنا في الضمان و عدمه هو الأوّل أي: إتلاف عين الموقوفة كلّا أو بعضا.

و أمّا الثاني- و هو استيفاء المنفعة- فقد تقدم في (ص 575) حكمه، و هو عدم الضمان، حيث قال: «فإنّ الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل».

و منه يظهر عدم الضمان في الفرض الثالث، و هو تفويت منفعة الموقوفة.

فالكلام فعلا في الإتلاف، و في الضمان احتمالان.

أحدهما: ذلك، لعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» بتقريب: أنّ المناط في الضمان و اشتغال الذمة هو كون اليد عدوانية، و المال محترما، و هما متحققان في المقام.

أما كون اليد معتدية، فلعدم جواز تغيير الموقوفة عن الكيفية التي أنشأها الواقف، و أمضاه الشارع بمثل قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» فضلا عن الهدم و الإتلاف.

و أمّا كون المال محترما فواضح، إذ ليس الوقف من المباحات الأصلية حتى لا يضمن، بل هو أكثر حرمة من جهة تعلق حقّه تعالى به.

و عليه فعهدة المتلف مشغولة ببدل ما أتلفه، و يجب عليه أداء قيمته ليصرف

ص: 608

من (1) عموم «على اليد» فيجب صرف قيمته في بدله. و من (2) أنّ ما يطلب (3) بقيمته يطلب بمنافعه، و المفروض (4) عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن، أو محرزا (5). و أنّ الظاهر (6) من التأدية في حديث «اليد» الإيصال إلى المالك (7)، فيختصّ بأملاك الناس. و الأوّل أحوط (8)،

______________________________

في بدله.

ثانيهما: عدم الضمان، و ذلك لمقدمتين.

الاولى: عدم ضمان منافع الوقف العام المستوفاة.

الثانية: الملازمة بين العين و المنفعة في الضمان، و حيث لا تضمن المنفعة مطلقا- استوفيت أو فاتت- فلا تضمن العين أيضا.

فإن قلت: حديث «على اليد» مثبت للضمان، فتنتفي الملازمة بين العين و المنفعة.

قلت: لا موضوع للحديث في الوقف العام، لاختصاص مفاده بضمان الأملاك، أي وضع اليد على الأموال المضافة إلى الملّاك، بقرينة وجوب أداء البدل إليهم. و حيث إنّ الوقف العام كالمسجد فكّ للملك- لا تمليك للمصلّين و العابدين- كان خارجا عن الحديث موضوعا.

هذا مبنى الوجهين. و قوّى صاحب المقابس الضمان، و جعله المصنف أحوط.

(1) هذا وجه الضمان، و قد تقدّم توضيحه آنفا.

(2) هذا وجه عدم ضمان إتلاف الوقف العام، و قد تقدم أيضا بقولنا: «ثانيهما: عدم الضمان .. إلخ».

(3) هذا إشارة إلى الملازمة بين ضمان العين و منافعها، و هي المقدمة الثانية.

(4) هذا إشارة إلى نفي الصغرى، أي: عدم ضمان منافع الوقف لو استوفاها من لا يستحقّها.

(5) المراد به مكان خزن الأموال و البضائع فيه.

(6) هذا ردّ لما استدلّ به للضمان، و قد تقدّم بقولنا: «فإن قلت .. قلت».

(7) و لا مالك للعين الموقوفة حتى يؤدّى البدل إليه، لتحرر هذه الأوقاف العامة عن الإضافة إلى مالك.

(8) الوجه في كون الضمان أحوط هو احتمال كفاية إضافة مّا في الضمان، و هذه

ص: 609

و قوّاه بعض (1).

[صور جواز بيع الوقف]
اشارة

إذا عرفت جميع ما ذكرناه (2)، فاعلم أنّ الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور:

______________________________

الإضافة متحققة في الوقف العام، لثبوت حق الانتفاع للموقوف عليهم و إن لم يتملّكوا العين و منافعها.

و لعلّه يمكن الاستشهاد لكفاية إباحة الانتفاع بما ورد من ضمان «من أضرّ بطريق المسلمين» مع عدم كونها ملكا لهم، و إنّما يباح لهم الانتفاع بالاستطراق فيها. مضافا إلى السيرة القطعية على الضمان.

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال بعد بيان مستند الوجهين: «و هذا هو الأصحّ» «1».

(2) صور جواز بيع الوقف أي: ما ذكرناه من أوّل مسألة بيع الوقف إلى هنا، و محصّله أمور:

الأوّل: الاستدلال على منع البيع بالإجماع و النصوص.

الثاني: انقسام الوقف إلى مؤبّد و مؤقّت، و المؤبّد إلى ما يكون فكّا للملك و تحريرا له كالمسجد و ما الحق به، و ما يكون تمليكا للموقوف عليه، و أنّ البحث في جواز بيعه بطروء الأسباب مختصّ بالوقف التمليكي، لا التحريري.

الثالث: نقل كلمات الفقهاء، و ما يستفاد منها من أقوال ثلاثة.

فبعد الفراغ من حرمة بيع الوقف في الجملة تعرّض المصنف قدّس سرّه للصور التي قيل بجواز البيع فيها، و جمعها صاحب المقابس قدّس سرّه في ثمان صور «2»، و جعلها في المتن عشرة.

و استفاد صاحب الجواهر قدّس سرّه من أقوال الفقهاء اثني عشر أمرا، و إن كان بعضها مختصّا بالوقف المنقطع، فراجع «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 43- 63

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 366 و 367

ص: 610

[الاولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به]
اشارة

الاولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (1)،

______________________________

(1) الصورة الأولى: أن يخرب بحيث لا ينتفع به ينبغي بيان أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل: أنّ المصنف قدّس سرّه خصّ البحث عمّا يتعلق بخراب الوقف في صور أربع من الصور العشر، و هي الصور الثلاث الأول و الصورة الثامنة، إلّا أنّ المبحوث عنه في الثامنة هو الأداء إلى الخراب لا الخراب الفعلي، بخلاف الصور الثلاث. و الجامع بينها هو عدم الانتفاع أو ندرته بما يلحق بالمعدوم، و ذكر «الخراب» لمقدميته لسقوط الوقف عن قابلية الانتفاع به في الجهة المقصودة.

و يستفاد هذا من الكلمات المنقولة، كقولهم: «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع به» «1».

و سيأتي كلام المصنف في الصورة الثانية من أنّ المناط هو عدم النفع حتى لو كان لعارض غير الخراب.

و قال في المقابس: «الصورة الرابعة: أن يباع بعد خرابه، و ما في حكم ذلك، بأن يصير بحيث لا يجدي نفعا» «2».

و حيث كان الخراب الفعلي مشتركا بين الصور الثلاث الأول، فنقول في الفرق بينها: إنّ العين إمّا أن تسقط عن قابلية الانتفاع المقصود كلية، كما إذا نحرت الناقة الموقوفة، فلم يبق موضوع للانتفاع منها بالركوب و نحوه، فالباقي هو اللحم، و الانتفاع بإعدامه بالأكل أو ببيعه، و إلّا فيفسد و ينتن، فتنتفي قابلية الأكل أيضا. و هذا مورد الكلام في الصورة الاولى.

و إمّا أن تسقط العين عن مقدار معتدّ به من المنفعة، فما بقي منها كالمعدوم عرفا

______________________________

(1) هذا نصّ كلام السيد في الانتصار، كما تقدم في (ص 560) و بمضمونه كلمات جماعة، فراجع الأقوال المنقولة في المتن، في ص 558- 570

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

ص: 611

كالحيوان المذبوح (1)، و الجذع البالي، و الحصير الخلق.

______________________________

لا بالدقة، مع استعداد البقاء كالدار المنهدمة التي يقلّ الانتفاع بعرصتها. و هذا مورد الصورة الثانية، و سيأتي فيها التفصيل بين فرضين.

و إمّا أن يكون خراب الوقف بحيث تقلّ منفعته بالنسبة إلى ما كانت عليه قبل عروض الخراب. فما بقي من المنفعة لم يكن في القلّة كالمعدوم ليلحق بالصورة الثانية، و لم يكن مسلوبا بالمرّة ليلحق بالصورة الأولى.

الأمر الثاني: أنّ سقوط العين عن قابلية الانتفاع- في الصورة الأولى- يراد به تعذر انتفاع البطون اللاحقة لو ترك الوقف بحاله، كما مثّل له بالحيوان المذبوح، فإنّه على شرف الضياع لو لم يبع، لا سقوطها عن إمكان الانتفاع حتى بالنسبة إلى البطن الموجود، إذ معه لا مالية لها، مع أنّ البيع مبادلة مال بمال. فالمراد صيرورة الوقف بحيث لو جاز للبطن الموجود الانتفاع بالعين لكان ذلك بإتلافها.

و الشاهد على أن المراد بالخراب هنا- بحيث لو انتفع البطن الموجود كان بإتلاف العين- هو قوله بعد أسطر: «و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف ..».

إذا تمهّد هذان الأمران، فنقول: إنّ المصنف قدّس سرّه استدلّ في الصورة الأولى أوّلا على جواز البيع، و ثانيا لما يترتّب عليه من أمور:

منها: حكم الثمن من جهة اختصاصه بالبطن الموجود، و عدمه.

و منها: توقف وقفية الثمن على إنشاء الوقف، و عدمه.

و منها: وجوب إبدال الثمن بما هو أصلح للبطون.

و منها: في المتولّي لبيع الموقوفة الخربة.

و منها: ما لو تعذّر شراء بدل العين. و تعرّض في آخر المسألة لحكم ما لو خرب بعض الوقف، و بقي بعضه. و سيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن.

(1) كالناضح الموقوف على المسجد إذا اقتضت المصلحة نحره، أو الشاة الموقوفة عليه أيضا إذا ذبحت، بحيث لو لم ينتفع البطن الموجود بلحم الحيوان ببيعه مثلا، خرج عن

ص: 612

[الأقوى جواز بيعه لعدم المانع]

و الأقوى جواز بيعه (1)، وفاقا لمن عرفت ممّن تقدّم نقل كلماتهم (2)،

______________________________

حيّز الانتفاع به حقيقة. و كذا الحال في الجذع البالي و الحصير الخلق.

(1) هذا شروع في إقامة الدليل على الخروج من عموم منع بيع الوقف، و قد تقدم أنّ جواز بيع الوقف بنظر المصنف قدّس سرّه حكم تعبّدي لا ينافي حقيقته، و لا يوجب بطلانه.

و تقدّم أيضا في جملة الأقوال المنقولة في المتن استثناء صورة خرابه من عموم المنع، فالقول بجواز البيع في هذه الصورة لا يخالف المشهور، و إن حكي المنع عن جماعة، قال في المقابس في عدّ الأقوال: «أحدها: المنع مطلقا، و هو قول المانعين مطلقا، و القاضي و الشيخ في النهاية و ابن سعيد و الطوسي» «1».

و أمّا الدليل على جواز البيع، فالظاهر عدم نهوض ما يجوّزه في خصوص حال الخراب، فالمقصود النظر في ما تقتضيه القاعدة، فنقول: اقتصر في المتن هنا على نفي المانع، أي: قصور ما احتجّوا به على عدم جواز بيع الوقف. و سيأتي تفصيله.

و حيث إنّ إثبات جواز البيع منوط بوجود المقتضي و فقد المانع، فلا بدّ من بيان المقتضي أوّلا، ثم إبطال وجوه المنع. و لم يظهر مراد الماتن قدّس سرّه من المقتضي لجواز البيع، و هو لا يخلو من أحد وجهين.

الأوّل: أن يكون مراده هو المقتضي في كلّ من مقام الثبوت و الإثبات. أمّا المقتضي الثبوتي فهو الملك، لفرض كون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم، فصغرى «لا بيع إلّا في ملك» محقّقة. و أمّا المقتضي الإثباتي فهو إطلاق حلّ البيع، و الأمر بالوفاء بالعقود، و التجارة عن تراض.

الثاني: أن يكون مراده خصوص المقتضي الثبوتي، و هو ما سيأتي في (ص 619) بقوله: «و الحاصل: أن الأمر دائر بين تعطيله .. إلخ».

و كيف كان فالمقصود فعلا عدم شمول الأدلة المانعة- و هي ثلاثة- للمقام، كما سيظهر.

(2) كالمفيد و السيّد و العلّامة في التذكرة قدّس سرّهم، حيث عبّروا بالخراب، و كسلّار القائل بأنّه «لو تغيّر الحال في الوقف حتى لا ينتفع به» و كالسيّد أبي المكارم المجوّز للبيع

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

ص: 613

لعدم جريان أدلّة المنع.

أمّا الإجماع فواضح (1).

و أمّا قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» «1» فلانصرافه إلى غير هذه الحالة (2) [1].

______________________________

في لو ما «صار بحيث لا يجدي نفعا» و غيرهم، فراجع (ص 561- 563- 566).

(1) أمّا أوّلا، فلمنع تحققه على عدم جواز بيع الوقف مطلقا، مع ذهاب معظم المجمعين إلى جواز بيعه عند الخراب و سلب المنفعة، و قد تقدمت كلماتهم.

و لا أقلّ من الشك في شمول الإجماع لما إذا خرب الوقف. و حيث إنّه دليل لبّي فالمتعين الاقتصار على المتيقن من مورده، و هو ما عدا صورة الخراب.

و أمّا ثانيا، فلاحتمال كونه مدركيا، فلا عبرة به حينئذ، لعدم كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام و لا عن دليل معتبر.

(2) يعني: أنّ النهي عن بيع الوقف في رواية علي بن راشد و إن كان إطلاقه شاملا لما إذا خربت الموقوفة، إلّا أنّه ينصرف إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا، و ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق. فصيرورته مسلوب المنفعة غير مندرج في منع بيع الوقف.

و قد سبق التنبيه على هذا الانصراف في (ص 520) بقوله: «ان هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع لا لعذر» و عدّ من موارد العذر عدم الانتفاع به أصلا، فراجع.

فإن قلت: لا وجه للانصراف في رواية ابن راشد، لكون السؤال عن حكم أرض

______________________________

[1] لكنّه ليس بمثابة تطمئنّ به النفس و يقيّد الإطلاق، لعدم كون غلبة الوجود خارجا صارفا للطبيعة إلى فردها الغالب، و هو الوقف العامر، ما لم توجب الغلبة التشكيك في الصدق. بل يمكن منع ندرة الوجود هنا، فإنّ كل عين موقوفة مآلها إلى البوار و الخراب عادة، فليست حالة الخراب قليلة بالقياس إلى حالة العمران.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب الوقوف، ح 10

ص: 614

و أمّا قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» «1» فلا يدلّ (1) على

______________________________

خربة عمّرها المشتري جاهلا بالحال. فالالتزام بجواز بيع الوقف بطروء الخراب ينافي النهي عن الشراء بالنسبة إلى مورد السؤال.

و بعبارة أخرى: لو كان قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» غير مسبوق بالسؤال اتّجه انصراف النهي إلى صورة وجود المنفعة فعلا، و خروج مورد عدم انتفاع الموقوف عليهم عن إطلاق النهي. لكنّ سبق السؤال- و موافقة الجواب له- يمنع الانصراف المزبور.

و عليه فالحكم بمنع شراء الوقف إمّا مختص بمورد السؤال و هو الأرض الميتة، و إمّا هو حكم طبيعي الوقف، سواء أ كان ذا منفعة فعلا أم مسلوب المنفعة كذلك.

قلت: نعم، و إن كان النهي عن شراء الوقف واردا في الأرض الميتة، إلّا أنّ المقصود الاستدلال بإطلاق النهي، و المدّعى الانصراف عمّا إذا سقط عن قابلية الانتفاع رأسا، و ذلك لأنّ غرض الواقف بقاء الموقوفة لتكون صدقة جارية ينتفع بها الموقوف عليه أبدا، و يمتاز الوقف عن أقسام التصدق بالدوام، فلا بد من قابلية البقاء ليترتب عليه حكم الوقف، و المفروض في الصورة الأولى سقوط العين عن الانتفاع.

و عليه فلا مانع من انصراف إطلاق النهي إلى ما إذا كانت المنفعة موجودة بالفعل كالأرض المشغولة بالزرع، أو أمكن الانتفاع بها كالأرض البائرة فعلا مع إمكان الزرع فيها، كما هو مورد السؤال. فلو لم تكن مزروعة بالفعل و لم تصلح للزرع- كما إذا انقطع الماء عنها- فهي ميتة، و يلحقها حكمها، هذا.

و الحاصل: أنّ النهي عن شراء الوقف ليس مطلقا، بل ما دام الانتفاع به ممكنا، و المفروض انتفاء الثمرة رأسا، فشمول النهي له حينئذ لا يخلو من قصور.

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في دلالة مكاتبة الصفار على منع بيع الوقف- الساقط عن قابلية الانتفاع به- بوجهين:

الأوّل: أنّ قوله عليه الصلاة و السلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» ليس دليلا تعبديا على منع بيع الوقف كي يتمسّك بإطلاقه لحرمة بيعه حتى في مورد سلب المنفعة تماما، بل هذا الحديث- بملاحظة سبق السؤال عن خصوصيات مأخوذة في إنشاء

______________________________

(1) تقدمت مصادر الحديث و ألفاظه في ص 510، فراجع.

ص: 615

المنع هنا (1)، لأنّه (2) مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفيّة المرسومة في إنشاء الوقف، و ليس منها (3) عدم بيعه، بل (4) عدم جواز البيع من أحكام الوقف و إن ذكر في متن العقد، للاتفاق (5) على أنّه (6) لا فرق بين ذكره فيه (7) و تركه، و قد تقدّم ذلك (8)،

______________________________

الواقفين- ناظر إلى إمضاء الوقف على حسب ما رسمه الواقف، من تعيين الموقوف عليهم عموما و خصوصا، و كيفية صرف المنفعة فيهم، و غير ذلك مما قرّره من قيود و شروط.

و من المعلوم أنّ عدم جواز بيع الوقف حكم تعبدي سواء ذكر في الإنشاء، كما ورد من قوله عليه الصلاة و السلام: «صدقة لا تباع و لا توهب» أم لم يذكر، كما لو اقتصر الواقف على قوله: «هذه الدار وقف على أولادي بطنا بعد بطن، فإن انقرضوا كانت للفقراء مثلا».

و عليه فالإستدلال بإطلاق الحديث الشريف على حرمة بيع الوقف حتى لو سقط عن الانتفاع به، غير ظاهر، لعدم كونه متكفّلا لحكم منع أصل البيع فضلا عن إطلاقه لمورد الخراب. هذا توضيح أوّل الوجهين، و سيأتي الوجه الثاني.

(1) أي: في الصورة الاولى، و هي خراب الوقف بحيث لا ينتفع بعينه إلّا بالإتلاف أو البيع.

(2) أي: لأنّ قوله عليه السّلام: «الوقوف ..» غير ناظر إلى منع بيع الوقف حتى يتشبث بإطلاقه للمقام، بل هو مسوق لإمضاء ما رسمه الواقف.

(3) أي: و ليس من الكيفية المرسومة عدم بيعه، ضرورة عدم الفرق في كون منع البيع حكما شرعيا- لا مقوّما للوقف- بين أخذه في الإنشاء و عدمه.

(4) ظاهره العطف على قوله: «و ليس منها عدم بيعه» و غرضه إثبات أنّ منع بيع الوقف و إن كان مسلّما، لكنه ليس لأجل لحاظه في الإنشاء، بل لأجل استفادته من أدلة أخرى حتى لو لم يصرّح الواقف به.

(5) تعليل لكون منع البيع حكما تعبديا و لا ربط له بجعل الواقف.

(6) الضمير للشأن، و يمكن رجوعه إلى عدم البيع.

(7) أي: في متن العقد، و ضميرا «ذكره، تركه» راجعان إلى عدم البيع.

(8) أي: تقدّم في (ص 539) كون عدم جواز البيع من أحكام الوقف، حيث قال في مناقشة الجواهر: «إنّ المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه».

ص: 616

و تضعيف (1) قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه [1].

و لو سلّم (2) أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين، فإنّما (3) هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به (4) مع بقاء العين، و المفروض (5) تعذّره هنا.

______________________________

(1) معطوف على «ذلك» أي: تقدّم تضعيف قول كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما من منافاة جواز بيع الوقف لماهيته و حقيقته، حيث قال في (ص 538): «و إن أريد به انتفاء أصل الوقف- كما هو ظاهر كلامه- حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف، ففيه ..».

(2) هذا ثاني وجهي المناقشة في المكاتبة، و توضيحه: أنّه لو أغمض عن كون منع بيع الوقف حكما تعبديا- و التزم بكونه ملحوظا للواقف في مقام الإنشاء، لأنّ غرضه من حبس الأصل و تسبيل المنفعة إبقاء العين على حالها، بحيث لا تنتقل من الموقوف عليهم إلى الغير، و المفروض إمضاء الشارع له- قلنا في جوابه: إنّ اعتبار بقاء العين في متن العقد لا يمنع من بيع الوقف لو صار مسلوب المنفعة، لكون مقصود الواقف انتفاع البطون بالعين، فمع سقوطها عن قابلية الانتفاع بها لا غرض له في إبقائها. و عليه فلا مانع من بيعها من جهة رعاية نظر الواقف و شرطه في الإنشاء.

(3) جواب «لو سلّم» و ضمير «هو» راجع الى إبقاء العين.

(4) هذا الضمير و ضمير «فيه» راجعان إلى الوقف.

(5) يعني: و مفروض كلامنا في الصورة الاولى هو تعذّر انتفاع البطون اللّاحقة بالعين الموقوفة، كالحيوان المذبوح.

______________________________

[1] لا يخفى منافاة كلامه هنا لما سبق في أوّل المسألة من الاستدلال بالمكاتبة على عدم جواز بيع الوقف كما نبّه عليها جلّهم، سواء أ كان المنع مدلولا مطابقيا للحديث بجعل الوقف متقوما بالمنع عن البيع، و هو الّذي نفاه هنا، لكون حرمة التصرفات الناقلة من الأحكام الشرعية لا مقوّما لحقيقته. أم مدلولا التزاميّا له، بجعل إبقاء العين على حالها لازما لحبس العين و تسبيل المنفعة إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها. و هو- كما أفيد- مبنى الاستدلال به في صدر المسألة، لامتياز الوقف- عمّا عداه من التصدق- بكونه صدقة جارية.

ص: 617

..........

______________________________

و قد يوجّه التنافي المزبور بما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه من: أنّ كلام المصنف قدّس سرّه هنا متضمن لوجهين:

أحدهما: ما أفاده بقوله: «لأنّه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف، و ليس منها عدم بيعه» بأن يراد من الجملة الأخيرة أنّ عدم بيعه في حال الخراب- بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه- ليس من الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف، فلا مانع من ناحية إنشاء الواقف من البيع في حال الخراب. و هذا لا ينافي كون عدم جواز بيعه- مع قابلية الانتفاع به- مرسوما في العقد.

ثانيهما: ما أفاده بقوله «بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف» إذ مقصوده من الإضراب و الترقي أنّ أخذ عدم البيع غير دخيل أصلا في المنع، لكونه حكما تعبديا.

و لا يخفى أن المنافي لما في صدر المسألة هو هذا الوجه الثاني دون الأوّل، فإنّ مبنى الاستدلال بالحديث على عدم جواز البيع هو أخذه في أصل الوقف و موضوعه، و إن كان على خلاف مذهب المصنف، فتأمّل «1».

لكن يمكن أن يقال: إنّ حمل العبارة على إفادة وجهين خلاف الظاهر، لظهور كلمة «بل» في كون ما بعدها تتمة لما سبقها، لا أنّها وجه آخر. خصوصا بملاحظة أنّ حمل قول المصنف «و ليس منها عدم بيعه» على «عدم بيعه في حال الخراب» ربما ينافي ما سيأتي في الوجه الثاني من قوله: «و لو سلّم أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين» لظهوره في ابتناء الوجه الأوّل على عدم أخذ بقاء العين في الوقف. و معه يشكل حمله على أخذ عدم البيع في الصيغة إلّا في حال الخراب. و لعلّ أمره قدّس سرّه بالتأمل إشارة إلى ما ذكرناه.

و يشكل كلام المصنف قدّس سرّه هنا بأنّ الحديث لو كان إمضاء لما يرسمه الواقف كان مقتضى الإطلاق الحكم بعدم جواز البيع المدلول عليه مطابقة أو التزاما، و لا موجب لاختصاص الإمضاء بما عدا المنع عن البيع، هذا.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 450

ص: 618

و الحاصل (1) أنّ جواز بيعه هنا (2) غير مناف لما قصده الواقف في وقفه (3)، فهو ملك للبطون (4) يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، و هو الحاكم، أو المتولّي (5).

و الحاصل (6) أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتّى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن

______________________________

(1) هذا حاصل ما أفاده بقوله: «و لو سلّم» و توضيحه: أنّ قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لمّا كان مسوقا لإمضاء ما قرّره الواقف، و ليس ناظرا إلى تأسيس حكم تعبدي كمنع البيع، و كان غرض الواقف من تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة دوام المنفعة، و لم يتعلق قصده ببقاء العين التي انقطعت ثمرتها، فلا مانع من هذه الجهة عن البيع، إذا تصدّاه المالك، و هو صنفان: أحدهما: البطن الموجود المالك للموقوفة فعلا، و ثانيهما: البطون اللاحقة المالكة شأنا حسب ما عيّنه الواقف من جعل العين ملكا للبطون بترتيب خاص، و الوليّ عليهم إمّا المتولّي للوقف إن كان، و إمّا الحاكم الشرعي.

و قد تحصّل إلى هنا: انتفاء المانع عن بيع الوقف في صورة الخراب.

(2) أي: في الصورة الاولى، و هي سقوط العين عن حيّز الانتفاع كالحيوان المذبوح.

(3) حتى يقال بلزوم رعاية الكيفية المرسومة في الوقف، و عدم جواز بيعه.

و الوجه في عدم المنافاة ما تقدم من أن الواقف لم يقصد حبس العين حتى حال خرابها، و لا إطلاق لإنشائه لهذه الحالة.

(4) أي: أعم من البطن الموجود و البطون المعدومة، فالوقف كسائر الأملاك المشتركة يبيعه الملّاك بأنفسهم أو أولياؤهم، أو الجميع كما في المقام.

(5) كما سيأتي تفصيله في (ص 661) بقوله: «ثم إن المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم ..».

(6) هذا الحاصل كما نبّه عليه غير واحد- منهم المحقّقان الأصفهاني «1»

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 264

ص: 619

الموجود به بالإتلاف، و بين تبديله بما يبقى و ينتفع به الكلّ.

______________________________

و الإيرواني «1» قدّس سرّهما- ليس متحصّلا من كلامه السابق، لكون ما تقدم متمحّضا في دفع الموانع عن جواز بيع الوقف إذا خرب. مع أنّ المذكور بقوله: «و الحاصل» إثبات للمقتضي لجواز البيع أو للزومه.

نعم قال المحقق الايرواني: «إلّا أن يكون غرضه التمسك بعموم أدلة المعاملات، مثل: أوفوا، و: أحلّ، بدفع مزاحماتها» فتأمّل في العبارة حقّه.

و كيف كان فتوضيح ما أفاده قدّس سرّه: أنّ المقتضي لجواز البيع- من جهة غرض الواقف عند عروض ما يسقطه عن الانتفاع- موجود، و ذلك لدوران أمر الوقف بين شقوق ثلاثة:

أوّلها: إبقاؤه معطّلا حتى يتلف بنفسه، كعدم الانتفاع بلحم الحيوان المذبوح حتى ينتن، و كترك الحصير الخلق حتى يتلاشى، و هكذا.

ثانيها: الحكم بجواز انتفاع البطن الموجود به بإتلافه، كأكل لحم الحيوان المذبوح، و جعل الحصير و الجذع البالي وقودا.

ثالثها: الحكم بجواز البيع و تبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ، سواء البطن الموجود و البطون المتأخرة.

أمّا الشق الأوّل فبطلانه واضح، لأنّ تعطيل الوقف حتى يتلف تضييع للمال الذي تعلّق به حقوق ثلاثة، و هي حقّه تبارك و تعالى، لنهيه عن فساد المال و الإسراف و التبذير. و حقّ الموقوف عليه بالانتفاع المادّي، و حقّ الواقف بأن يثاب معنويّا.

و أمّا الثاني- و هو اختصاص البطن الموجود بجواز الانتفاع به و إتلافه- فممنوع أيضا، لأنّه و إن كان مالكا بالفعل له، إلّا أنّ المنشأ هو الملك الترتيبي لكافّة الطبقات، فلها حقّ في العين، و من المعلوم منافاة جواز الإتلاف لذلك الحقّ. و لو جاز للبطن الموجود إتلافه لجاز بيعه و صرف ثمنه، لاشتراك البيع و الإتلاف في حرمان البطون المتأخرة من الوقف.

و أمّا الثالث- و هو جواز تبديله بالبيع- فهو المتعيّن، لما فيه من مراعاة الحقوق الثلاثة، لينتفع كافة البطون، فإنّ الواقف و إن قصد حبس العين دائما، و لذلك قد يقترن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 174

ص: 620

و الأوّل (1) تضييع مناف لحقّ اللّه و حقّ الواقف و حقّ الموقوف عليه.

______________________________

الوقف بمثل قوله: «حتى يرث اللّه الأرض و من فيها» إلّا أنّ العين لمّا كان مآلها إلى الخراب و الفناء عادة، فلا بد و أن يكون الملحوظ حال الإنشاء حبسها ما أمكن الانتفاع بها، و لو تعذّر فببدلها، و هكذا إلى أن ينتفي الموضوع بطروء التلف. و رعاية هذا الغرض لا تحصل إلّا بجواز التبديل بمعناه الأعم الصادق على الوجوب أيضا.

(1) و هو تعطيل الوقف المشرف على التلف حتى يتلف بنفسه، فإنّه تضييع للمال و إتلاف له، و هو من الإسراف المحرّم.

قال الفاضل النراقي- بعد جعل الإسراف تضييعا للمال، أو صرفه في ما لا يليق بحاله، أو في ما لا يحتاج إليه- ما لفظه: «أمّا التضييع فمصداقه واضح، و هو إتلافه، كإهراق الماء، و طرح النواة، و إهراق اللبن و الدّبس، و نحو ذلك ممّا لا يعدّ خرجا و صرفا للمال أيضا. بل يقال: إنه جعله بلا مصرف، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا، لا دينية و لا دنيوية» «1».

فإن قلت: إنّ ما دلّ على حرمة التضييع مطلقا- وقفا كان أو غيره- معارض بالعموم من وجه بما دلّ على منع بيع الوقف، الشامل بإطلاقه لمثل المقام، و هو خرابه و سقوطه عن حيّز الانتفاع به. و في مثله لا مجال للتشبث بعموم النهي عن إتلاف المال و إفساده، إلّا بوجود مرجّح له على حرمة بيع الوقف، و لولاه لم يتجه التمسك بعموم حرمة التضييع على جواز البيع هنا، بل يمكن تخصيص عموم النهي، لكون الإتلاف مستندا إلى نهي الشارع عن البيع، فيكون كأمره بإتلاف المال في الهدي، و إعدام آلات اللهو، و غيرهما، هذا.

قلت: لا مورد للمعارضة في المقام فضلا عن تقديم الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

و ذلك لأنّ كلام المصنف: «و الحاصل: أن الأمر دائر ..» إمّا أن يكون بيانا لوجود المقتضي لجواز بيع الوقف الخراب- كما لا يبعد وفاقا لمن أشرنا إليه- و إمّا أن يكون دليلا ثانيا على الجواز كما اختاره البعض. و لا معارضة على كلا الاحتمالين أصلا.

أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنّ المصنف قدّس سرّه منع من شمول الأدلة الناهية عن بيع الوقف للمقام، فلم يبق إلّا عموم حرمة التضييع و الإتلاف.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 633

ص: 621

..........

______________________________

و أمّا على الاحتمال الثاني فلأنّه لا مجال للمعارضة فضلا عن التخصيص، لوجود المرجّح، و هو ثبوت حرمة الإسراف و التضييع بضرورة الدين و بالآيات الكثيرة و الأخبار المتضافرة، كقوله تعالى وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* «1» و أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ «2» و لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ «3» و غيرها «4».

و كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما رواه ابن أبي يعفور عنه: «قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما من نفقة أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلّا في الحجّ و العمرة» «5». و عدّه من الكبائر في رواية العيون «6».

و من المعلوم أنّ النهي عن شراء الوقف- لو سلّم إطلاقه لصورة الخراب- قاصر عن معارضة الكتاب الصريح في حرمة الإسراف و مبغوضيته [1].

و بالجملة: إن المقتضي لحرمة تعطيل الوقف- حتى يتلف بنفسه- موجود، لكونه تضييعا محرّما، و منافيا للحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة. و المانع مفقود، لما عرفت من قصور الدليل المانع من بيع الوقف عن شموله لفرض الخراب، و لو سلّم شموله له لم يصلح للمعارضة مع ما هو قطعي الدلالة و السند.

______________________________

[1] هذا بناء على كون تضييع المال و إفساده و تبذيره من المفاهيم الملقاة إلى العرف و إمكان تخصيص عموم النهي عنه، فيكون مثل الأمر بإتلاف آلات اللهو تضييعا

______________________________

(1) الأنعام، الآية 141 و الأعراف، الآية 31

(2) الغافر، الآية 43

(3) الإسراء، الآية 26 و 27

(4) راجع عوائد الأيام، ص 615 و 616

(5) وسائل الشيعة، ج 8، ص 107، الباب 55 من أبواب وجوب الحج، ح 1، و ص 305، الباب 35 من أبواب آداب السفر الى الحج، ح 1

(6) عيون أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 127، وسائل الشيعة، ج 11، ص 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 33

ص: 622

و به (1) يندفع استصحاب المنع،

______________________________

(1) أي: و بكون تعطيل الوقف تضييعا محرّما منافيا للحقوق الثلاثة يندفع استصحاب المنع. و تقريب الاستصحاب: أنّه- بناء على عدم تمامية الإطلاق في مثل رواية ابن راشد- لا ريب في موضوعية الوقف لحرمة الشراء في الجملة، و يشكّ في زوال الحرمة بصيرورته مسلوب المنفعة، فيستصحب المنع، و من المعلوم عدم الفرق في منع بيع الوقف بين كون الدليل عليه أمارة كإطلاق قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقوف» الشامل للعامر و الخراب، و بين كونه أصلا عمليّا.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بوجهين:

الأوّل: أنّ الأصل محكوم بالدليل الاجتهادي المجوّز للبيع، و هو حرمة تضييع المال و إتلافه، و بقيام الحجة على انتقاض الحرمة المتيقنة سابقا لا معنى للاستصحاب.

______________________________

تشريعا، و إعدامها خارجا تضييعا تكوينا.

و كذا بناء على إباء لسان الأدلة الناهية عن الإسراف و التبذير عن الاستثناء و التخصيص، فإنه مرجّح لأحد المتعارضين على الآخر.

و إن أمكن التأمل في هذا الوجه بأنّ استثناء صرف المال في الحج و العمرة و نحوه- ممّا ورد الترخيص شرعا في التجاوز عن الحدّ- ظاهر في وحدة الموضوع، لا تخطئة نظر العرف و الخروج الموضوعي، و للكلام موضع آخر.

ثمّ إنّه قد يشكل ما أفاده هنا- من جواز بيع الوقف لكونه تضييعا محرّما- بمنافاته لما سيأتي في حكم الصورة السابعة من منع صدق الإضاعة على ترك بيع الوقف، حيث قال: «ان المحرّم هو إضاعة المال المسلّط عليه، لا ترك المال الذي لا سلطان له عليه إلى أن يخرب».

لكن سيأتي هناك أنّ التضييع و الإضاعة و إن اتّحدا معنى لغة كما صرّح به في اللسان و غيره، إلّا أنّ الفارق بين الصورتين إناطة صدق الإضاعة بالإتيان بعمل وجودي يتسبب به الى تلف المال، فلا تصدق على مجرّد الترك.

مضافا إلى: اعتبار كون المال تحت سلطنة الشخص، فلو انتفى الأمران- أي لم يتصرف، و كان المتروك خارجا عن السلطان- لم يصدق الإضاعة.

ص: 623

مضافا (1) إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو انتفاع جميع البطون بعينه، و قد ارتفع قطعا، فلا يبقى ما كان في ضمنه (2).

و أمّا الثاني (3)

______________________________

الثاني: أنّ الركن الثاني- و هو الشك في البقاء- مفقود هنا، لأنّ حرمة بيع الوقف كانت في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو انتفاع جميع البطون بالعين الموقوفة بناء على اقتضاء الأمر بشي ء النهي عن ضده. و لمّا كانت حرمة بيع الوقف لأجل وجوب العمل بمقتضى الوقف- و من المعلوم انتفاء هذا الوجوب، لعدم القدرة على العمل بمقتضى الوقف بعد خرابه- فهي مرتفعة أيضا. و مع القطع بارتفاعها لا معنى لاستصحابها.

نعم يحتمل تحريم البيع بجعل آخر، و لكن الأصل عدمه. كما تقرّر في القسم الثاني ثالث أقسام استصحاب الكلّي، و هو احتمال حدوث فرد من الكلّي مقارنا لزوال الفرد السابق.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الخدشة في الاستصحاب.

(2) أي: في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف.

(3) معطوف على «و الأوّل» و لا حاجة إلى كلمة الشرط رعاية لوحدة سياقه مع ما سبقه و ما لحقه، و هما الأوّل و الثالث.

و كيف كان، فالمراد بالثاني جواز الإتلاف بانتفاع البطن الموجود به خاصة كأكل اللحم و حرق الحصير الخلق، بحيث لا يبقى موضوع ليتعلّق به حق البطون المتأخرة.

و تمسّك المصنف بوجهين لنفي هذا الاحتمال.

الأوّل: منافاته لحقّ سائر الطبقات، لما تقدّم من أنّ التمليك في الوقف نحو خاصّ، فهو ملك فعلي للبطن الموجود، و شأني لغيره من المعدومين. و عليه فلو جاز الانتفاع بإعدام العين كان تضييعا لحقّ سائر البطون، و المفروض تعلق غرض الواقف برعاية حقّهم، فلا يجوز اختصاص الطبقة الموجودة بالإتلاف.

الثاني: أنّ جواز اختصاص البطن الموجود بإتلاف العين يستلزم جواز بيعها و الاستقلال بالتصرف في ثمنها حتى في غير حال طروء الخراب عليها.

و وجه الاستلزام كون إتلاف الوقف و بيعه تصرّفا في مال تعلّق به حقّ الغير

ص: 624

- فمع منافاته (1) لحقّ سائر البطون [1]- يستلزم (2) جواز [2] بيع البطن الأوّل، إذ (3) لا فرق بين إتلافه و نقله.

______________________________

أعني به البطون المتأخرة. و لا ريب في منع نقل الوقف إلى الغير مع قابليته لانتفاع كافة الطبقات به تحقيقا لغرض الواقف، فيتعيّن منع الشقّ الثاني، و هو جواز إتلافه بانتفاع الطبقة الموجودة.

(1) أي: مع منافاة الثاني- و هو أن يجوز للبطن الموجود إتلاف الوقف و استقلاله بالانتفاع به- لحقّ سائر البطون. و هذا هو الوجه الأوّل المتقدم آنفا.

(2) هذا ثاني الوجهين المتقدمين. و وجه الاستلزام ما عرفته من كون كلّ من البيع و الإتلاف تصرّفا في مال متعلّق لحقّ الغير.

(3) تعليل للاستلزام المزبور.

________________________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ حقّ البطون اللّاحقة منوط ببقاء العين مع إمكان الانتفاع بها.

و أمّا إذا خرجت عن الانتفاع فلم يثبت حقّهم، هذا.

ثم إنّه كان المناسب التعليل بتضييع حقّ اللّه و حق الواقف في هذه الصورة، و عدم الاكتفاء بمنافاته لحق سائر البطون.

نعم تقدم الكلام في مانعية هذه الحقوق عن البيع، فراجع (ص 526).

[2] لم يظهر وجه هذا الاستلزام. فإن كان طروء الخراب على الوقف في زمان البطن الأوّل، كان حالهم حال البطن اللاحق في جواز بيع الوقف لهم. و إن لم يطرء الخراب في زمان البطن الأوّل، فما الموجب لجواز بيعهم للوقف؟

و بالجملة: الاستلزام المزبور في غاية الخفاء، هذا.

لكن يتضح وجه الاستلزام بما ذكر في التوضيح من أنّ الظاهر إرادة جواز البيع في حال عمران الوقف، ضرورة أنّه لو جاز التصرف بالإتلاف لجاز بالبيع، إذ لا فرق بينهما من جهة صدق التصرف. نعم لا ملازمة بينهما كلّية، فإنّ المباحات الأصلية أو المالكية يجوز إتلافها دون بيعها.

ص: 625

و الثالث (1) هو المطلوب.

نعم، يمكن أن يقال (2) إذا كان الوقف ممّا لا يبقى بحسب استعداده العاديّ (3) إلى آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم (4) بتبديله بما يبقى لهم (5)، فينتهي (6) ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه، فتأمّل (7).

______________________________

(1) معطوف على «و الأوّل» و المراد بالثالث جواز بيع الوقف الخراب و تبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ.

(2) استدراك على ما أفاده من اقتضاء حرمة تضييع المال- و منافاته للحقوق الثلاثة- لجواز البيع و التبديل. و حاصل الاستدراك: منع تعلق الحقّ مطلقا و في جميع الموارد، لكون الدليل أخصّ من المدّعى.

و بيانه: أنّ بعض الأوقاف يستعدّ البقاء إلى أمد معيّن، و ينتهي أمره إلى الخراب و البوار، و الواقف و إن اعتبر الدوام في إنشائه لينتفع به البطون المعدومة، إلّا أنّه لعلمه بعدم بقاء العين إلى الأبد يقصد حبسها إلى زمان قابليتها للبقاء عادة. فإذا كان بناء الدار الموقوفة ممّا يبقى مائة عام كان الموقوف عليهم بطونا ثلاثة مثلا لا أزيد، فإن خربت في عهد البطن الثالث فهي ملك لهم، و لا حقّ للطبقات المتأخرة فيها حتى يجب تبديلها بوقف آخر، بل يجوز للبطن البائع التصرف في الثمن بتمامه.

و كذا الحال في وقف الحيوان الذي يعيش عادة الى أمد، و يفنى.

(3) لأنّ مصير الموجود المادّي إلى الفناء و البوار.

(4) أي: لمراعاة البطون التي اعتبر الواقف انتفاعها بالوقف، كقوله: «هذه الدار وقف لأولادي نسلا بعد نسل، إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها» مع استعداد بقائها مائة عام مثلا، فلا حقّ للبطن الرابع و الخامس حتى يجب رعايته بتبديل الدار الخربة بمثلها، أو بما يكون أقرب إلى غرض الواقف.

(5) أي: للبطون المتأخرة عن عمر الوقف بحسب العادة.

(6) يعني: فيصير الوقف الخاص ملكا طلقا للبطن الذي أدرك آخر أزمنة بقاء الوقف، فيستقلّ به، و لا حقّ للبطن المعدوم- كالرابع و الخامس في المثال المتقدم- فيه.

(7) لعلّه إشارة إلى منع عدم تعلق حقّ البطون اللاحقة بما انتهى أمده، ضرورة أنّ ماليته باقية، و لا مانع من تعلق حقّهم بماليّته، فيشترى بثمنه ما يبقى للبطون المعدومة.

و لو سلّم عدم تعلق حقّهم به بالنسبة إلى ما بعد زمان استعداد البقاء، لم يكن وجه

ص: 626

و كيف كان (1)، فمع فرض ثبوت الحقّ للبطون اللاحقة، لا وجه [فلا وجه] لترخيص البطن الموجود في إتلافه.

[الثمن لا يخصّ به البطن الموجود]

و ممّا ذكرنا (2) يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع (3) لا يخصّ به البطن الموجود،

______________________________

لصيرورته ملكا للبطن الموجود، بل اللازم الحكم بعوده إلى الواقف أو وارثه، لانتفاء السبب المخرج للوقف عن ملك الواقف إلى ملك آخر من ينتفع بالوقف، فهو كالوقف المنقطع، و يعود إلى الواقف، إلّا بقيام الدليل على عدم عوده إليه.

و على هذا فما تقدّم- من جواز البيع و التبديل رعاية للحقوق الثلاثة- هو المتعيّن.

(1) يعني: سواء قلنا بتعيّن بيع الوقف أم بجوازه، فلا وجه لتجويز إتلافه للبطن الموجود، لفرض تعلق حق البطون اللاحقة به، بل يدور الأمر- بناء على عدم تعيّن النقل- بين جواز البيع و تركه بحاله حتى يتلف. هذا.

و العبارة لا تخلو من شي ء، و لعلّ الأولى إسقاط: «و كيف كان».

هذا تمام الكلام في إثبات جواز بيع الوقف في الصورة الاولى، و سيأتي ما يتفرّع عليه.

(2) أي: و من كون العين الموقوفة متعلقة لحقّ البطون المعدومة يظهر أن الثمن ..

إلخ. و هذا أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع، و هو: أنّ العوض هل يختص بالبطن الموجود، أم هو ملك للبطون على حذو ملكيّة المعوّض؟ فيه قولان:

أحدهما: انتقال الثمن إلى الطبقة الموجودة خاصة، و هو ظاهر عبائر جمع، كما سيأتي ذكره في المتن.

ثانيهما: أنّ الثمن قائم مقام المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم، و شأنيا للمعدومين منهم، و هو ظاهر جماعة، و اختاره شيخنا الأعظم مستدلّا عليه بأنّه مقتضى بدلية الثمن عن المثمن، و سيأتي توضيحه.

(3) كذا في النسخ، لكن في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه «على تقدير المنع» و فسّره بقوله: «يعني: على تقدير منع البطن الموجود من إتلاف العين الذي من مصاديقه بيعه و صرف ثمنه ..» «1» و المفاد واحد، و هو عدم استقلال الطبقة الموجودة بالثمن لو بيع الوقف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 175

ص: 627

وفاقا لمن تقدّم ممّن يظهر منه ذلك- كالإسكافي (1)، و العلّامة (2)، و ولده (3)، و الشهيدين (4)، و المحقّق الثاني (5)، و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة (6)

______________________________

(1) حيث قال في كلامه المتقدم في (ص 547): «.. لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته، فلا بأس ببيعه، و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن» لدلالة الجملة الأخيرة على إبدال العين الموقوفة بما يقوم مقامها ليسبّل منفعتها.

(2) كقوله في التحرير: «و لو قيل بجواز البيع .. و يشترى بثمنه ما يكون وقفا كان وجها» فراجع (ص 565- 566).

(3) كقوله: «.. و الأصحّ عندي جواز بيعه، و صرف ثمنه في المماثل» فراجع (ص 547).

(4) لم يتقدّم في ما نقله المصنف عن الشهيد قدّس سرّه في اللمعة و غاية المراد و الدروس ما يظهر منه حكم الثمن. و لكنّه قدّس سرّه صرّح به في غاية المراد في مسألة الجناية على العبد الموقوف- بعد الاستدلال عليه بأنّ القيمة بدل من العين، و أنّ الإبدال أقرب إلى التأبيد الذي هو مراد الواقف- بقوله: «و الأقرب أنّ البدل يجب كونه من جنس الموقوف، لأنّه أقرب إلى الوقف .. و حينئذ تجب المساواة في الذكورة و الأنوثة، و إن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» «1».

و حكى السيد العاملي عن حواشيه وجوب شراء المماثل إن أمكن، فراجع «2».

و كذا صرّح الشهيد الثاني قدّس سرّه بوجوب صرف الثمن في شراء ما يكون وقفا على ذلك الوجه، فراجع «3».

(5) صرّح به في عبارته المتقدمة في (ص 569) فراجع.

(6) الحاكي عن الفاضل المقداد و أبي العباس ابن فهد و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهم هو السيد العاملي قدّس سرّه، في البيع و الوقف «4». و حكاه صاحب المقابس قدّس سرّه عن التنقيح

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 441 و 442

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 255، حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد، ج 2، ص 442

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259، و ج 9، ص 89، لاحظ التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، المقتصر، ص 212، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169

ص: 628

لاقتضاء البدليّة ذلك (1)، فإنّ (2) المبيع إذا كان ملكا للموجودين

______________________________

و المقتصر، فراجع «1».

(1) أي: عدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود، و كونه مشتركا بين الكلّ.

ثم إنّ ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه الاستدلال على الاشتراك في الثمن بوجه واحد، و هو قوله: «فإنّ المبيع .. إلخ» إلّا أنّه يظهر بالتأمّل فيه- كما نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2» وجهان:

أحدهما: ناظر إلى عدم المقتضي للاختصاص، و هو ما سيأتي بقوله: «و فيه أن ما ينقل إلى المشتري ..».

و ثانيهما: ناظر إلى وجود المانع عنه، أعني به تعلّق حق المعدومين بالعين. و هو قوله: «فإنّ المبيع ..» ثمّ أكّد المصنف الاشتراك بالأولوية من موردين، و سيأتي توضيح ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(2) تعليل لكون مقتضى البدلية اشتراك البطون في الثمن، لوجود المانع من الاختصاص، و توضيحه ببيان أمرين:

أحدهما: أنّ ما أنشأه الواقف- في الوقف الخاص- من جعل العين ملكا ترتيبيا للطبقات ينحلّ إلى نحوين من الملكية.

الأوّل: كون الوقف ملكا فعليا للبطن الموجود.

الثاني: كونه ملكا شأنيا للطبقات المعدومة حال الإنشاء، و تتوقف فعليته على انقضاء البطن السابق.

و الوجه في الالتزام بالملك الشأني هو امتناع فعلية الملكية مع كون المالك معدوما فعلا، فإنّ الملك نسبة بين المالك و المملوك. لكن الملك الشأني ممكن، و هو مقتضى جعل الواقف.

ثانيهما: أنّ البيع مبادلة مال بمال في جهة ما لكلّ من المالين من إضافة إلى صاحبه.

فلا يتصوّر خروج المثمن عن ملك شخص و عدم دخول الثمن في ملكه، أو دخوله في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 265

ص: 629

بالفعل (1) و للمعدومين بالقوّة، كان (2) الثمن كذلك، فإنّ (3) الملكيّة اعتبار عرفي أو شرعي (4) يلاحظها المعتبر عند تحقّق أسبابها (5). فكما أنّ الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف، فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف. و عدم تعقّل (6) الملك للمعدوم إنّما هو في الملك الفعلي لا الشأني.

______________________________

ملك شخص آخر، و لذا وجّهوا مسألة من قال: «اشتر بهذا المال طعاما لنفسك» بالتوكيل و نحوه ممّا لا ينافي حقيقة المعاوضة، كما تقدم تفصيله في تنبيهات المعاطاة «1».

و بناء على هذين الأمرين يتعيّن القول بصيرورة الثمن مشتركا بين الموجود و المعدوم من البطون، فهو ملك فعلي للموجود و شأني للمعدوم، فلا يجوز صرفه و إتلافه للطبقة الحاضرة، لمنافاته لما اعتبره الواقف، و المفروض أنّ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، هذا.

(1) متعلق ب «ملكا» أي: ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم. و منشأ كون الوقف ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم هو اعتبار الواقف و جعله العين ملكا للطبقات.

(2) جواب «إذا كان» و الوجه في الملازمة بين الشرط و جوابه هو اقتضاء حقيقة المعاوضة تعنون الثمن بما كان للمثمن من عنوان و إضافة.

(3) هذا تقريب انحلال إنشاء الواقف بمثل «هذا وقف على ذرّيّتي» إلى ملكيتين فعلية و شأنية، و محصّله: أنّ الملكية المبحوث عنها ليست من الأمور المقولية المتأصلة، بل هي أمر اعتباري، أمرها بيد المعتبر. نعم قد تختلف الأنظار، فقد يعتبرها العرف دون الشرع، لكن في مثل المقام ورد الدليل على إمضاء ما عليه العرف، لكون الوقف من الاعتباريات المتداولة عند العقلاء و الملل.

(4) كاعتبار ملكية الوارث شرعا عند ارتداد المورّث، و كاعتبار ملكية الخمر عرفا لا شرعا.

(5) من حيازة مباح، أو عقد بيع، أو موت مورّث، و غيرها من الأسباب المملّكة عرفا أو شرعا، كالوقف.

(6) هذا دفع توهم استحالة كون البطون اللاحقة مالكة كمالكية البطن الموجود،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 104

ص: 630

و دعوى (1) أنّ الملك الشأني ليس شيئا محقّقا موجودا، يكذّبها (2) إنشاء الواقف له (3) كإنشائه لملك الموجود.

فلو جاز (4) أن تخرج العين الموقوفة إلى ملك الغير

______________________________

إذ الملكية نسبة قائمة بالمنتسبين، و لا ملك للمعدوم.

و محصل الدفع: أنّ الممتنع هو الملكية الفعلية، لا الشأنية، فإنّها ممكنة بل واقعة خارجا، و يترتب الأثر عليها شرعا.

(1) غرض المدّعي: أنه سلّمنا إمكان الملك الشأني للمعدوم، إلّا أنّه ليس شيئا محقّقا موجودا، و الموجود في وعاء الاعتبار هو الملك الفعلي للطبقة الموجودة. و عليه فلو طرء مسوّغ البيع اختصت هي بالثمن، و لم يشاركها البطون المتأخرة حتى يجب التبديل.

و أجاب المصنف قدّس سرّه عن الدعوى بمخالفتها للوجدان، فإنّ الواقف يجعل العين ملكا للموجود و المعدوم. و لو لم يكن مقصوده ملكيتها اقتضائيا للمعدومين- و المفروض استحالة ملكيتهم بالفعل- لزم اختصاص العين بالموجودين حال عمرانها و قبل طروء الخراب، مع أنّ تعلق ملك البطون بها إجماعي. و لو كانت الملكية الشأنية ممتنعة لم يعقل الفرق بين حالتي العمران و الخراب. و عليه فلا مجال لإنكار مالكية المعدوم شأنا.

(2) خبر «دعوى» و الحاصل: أنّ تسلّم أمرين يلزمنا القول بالملك الشأني.

أحدهما: كون الملكية من اعتبارات العرف و الشرع، فقد يكون المعتبر فعليا، و قد يكون شأنيا، و قد يكون مؤلّفا منهما كما في المقام بحسب الطبقات.

ثانيهما: كون إنشاء الواقف متكفّلا لكلّ من الملك الفعلي و الشأني، و المفروض مطابقة الإمضاء للإنشاء.

(3) أي: للملك الشأني للمعدومين، كإنشائه للملك الفعلي للموجودين.

(4) هذا متفرع على كون تمليك العين للطبقات اعتبارا للملك الفعلي للموجود، و للشأني للمعدوم. و هو قياس اقتراني مؤلّف من ملزوم و لازم، و حيث إنّ اللازم- و هو التالي- باطل جزما، فكذا المقدم، و يثبت المطلوب و هو اشتراك الثمن بين الكلّ.

و بيانه: أنّه لو قيل باختصاص الثمن بالموجود، و لم نقل بملكيته الشأنية للمعدومين، لزم عدم تحقق مفهوم المعاوضة، و حيث لم تصدق المبادلة و المعاوضة فلا بدّ من الالتزام

ص: 631

بعوض لا يدخل (1) في ملك المعدوم على نهج (2) دخول المعوّض، جاز (3) أن تخرج بعوض لا يدخل (4) في ملك الموجود. و إليه (5) أشار الشهيد قدّس سرّه في الفرع الآتي، حيث قال: «إنّه- يعني الثمن- صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل (6)، إذ يستحيل (7) أن يملك لا على حدّه» «1».

خلافا (8) لظاهر بعض العبائر المتقدّمة،

______________________________

بخروج الوقف عن ملك الطبقة الحاضرة و عدم دخول الثمن في ملكها فعلا.

و وجه الملازمة: أنّه بعد تسلّم كون الوقف ملكا فعليا و شأنيا، فإن قام البدل مقام المبدل في الفعلية و الشأنية فلا كلام. و إن لم يحلّ محلّه- أي لم يكن ملكا شأنيا للمعدوم- لم يتحقق عنوان المعاوضة، فليكن الثمن باقيا على ملك المشتري و لم ينتقل إلى البطن الموجود فعلا، كما لم ينتقل إلى المعدوم شأنا، إذ المهم عدم صدق البيع و المبادلة بين المالين.

مع أنّه لا ريب في فساد هذا التالي، و أنه لا بدّ من قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من إضافة في ملك- فعلا أو شأنا- أو في حقّ، أو في غيرهما.

(1) صفة للعوض.

(2) متعلق ب «ملك» أي: دخول العوض في ملك المعدومين شأنا، كما كان شأن المعوّض قبل البيع.

(3) جواب الشرط في «فلو جاز» و قد تقدم وجه الملازمة آنفا.

(4) صفة للعوض، و ضمير «تخرج» راجع إلى العين الموقوفة.

(5) الظاهر رجوع الضمير إلى عدم اختصاص الثمن بالموجودين، و سيأتي كلام الشهيد قدّس سرّه في (ص 645).

(6) و حدّه كونه مشتركا بين الموجود و المعدوم.

(7) وجه الاستحالة اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام الثمن مقام المثمن بما له من الخصوصية.

(8) هذا عدل لقوله: «وفاقا لمن تقدّم» و غرضه الإشارة إلى القول الثاني في

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 632

و اختاره (1) المحقّق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول.

______________________________

المسألة، و هو اختصاص الثمن بالبطن الموجود، كقول الشيخ المفيد قدّس سرّه في (ص 557):

«إلّا أن يخرب الوقف .. فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه، و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». فإنّ ظاهره اختصاص الثمن بالموجودين، خصوصا مع اقترانه بجواز البيع عند الحاجة الشديدة إلى الثمن، الّذي حكموا فيه بكون الثمن لهم.

و نحوه قول السيد قدّس سرّه في (ص 559): «و ممّا انفردت الإمامية به: القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا، جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه» و لا يبعد استفادته من كلام الديلمي، فراجع (ص 563).

(1) يعني: اختار المحقق اختصاص بدل الموقوفة بالبطن الموجود، كما تعرّض له في مستحقّ دية العبد الموقوف المقتول. و حيث إنّه لا خصوصية للعبد الموقوف كان اختصاص الثمن بالبطن الموجود حكم الوقف مطلقا عبدا كان أو دارا أو غيرهما.

قال قدّس سرّه في العبد الموقوف- إن لم يقتصّ من الجاني، و إنّما تجب عليه الدية كما إذا كان حرّا- ما لفظه: «و إن أوجبت- أي الجناية- دية أخذت من الجاني. و هل يقام بها مقامه؟ قيل: نعم، لأنّ الدية عوض رقبته، و هي ملك للبطون. و قيل:

لا، بل تكون للموجودين من الموقوف عليهم. و هو أشبه، لأنّ الوقف لم يتناول القيمة» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه- في شرح ما احتمله العلّامة قدّس سرّه من اختصاص الدية بالموجودين- ما لفظه: «كما جزم به في التبصرة، و قوّاه في المبسوط، و في الشرائع: أنه أشبه. و في التحرير: أقرب. و في الإيضاح: أنه قوي، لأنّ الوقف ابتداء متعلق بالعين، و قد بطلت بإتلافه، فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون فيه حق، لأنّهم حال الجناية غير مستحقين، و إذا صاروا مستحقين يخرج التالف عن كونه وقفا ..» «2».

و قريب منه ما في الجواهر، فراجع «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 219

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 97

(3) جواهر الكلام، ج 28، ص 98

ص: 633

و لعلّ وجهه (1) أنّ الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الأمر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به، فإذا فرض جواز (2) بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا، و لا يلزم (3) من تعلّق الحقّ بعين المبيع تعلّقه بالثمن، و لا دليل عليه (4). و مجرّد (5) البدليّة لا يوجب ترتّب جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظيّ يقتضي البدلية و التنزيل، بل هو بدل له في الملكيّة و ما يتبعها (6) من حيث هو ملك.

و فيه (7): أنّ ما ينقل إلى المشتري

______________________________

(1) أي: وجه اختصاص البدل بالموجودين، و هذا الوجه- كما تقدّم آنفا- أشار إليه فخر المحققين قدّس سرّه، و محصله: أنّ العين الموقوفة ملك فعلي للموجودين، و ليس للمعدومين إلّا حقّ في العين، و حيث إنّ المفروض جواز بيعها، فإن نهض دليل على قيام البدل مقام المبدل في جميع الخصوصيات التي منها استحقاق المعدومين له على حدّ استحقاقهم للمبدل فهو. و إن لم تقم حجة على إطلاق البدلية كما هو المفروض، و كذلك لم تقتض نفس البدلية لترتب جميع آثار المبدل، على البدل، لم يكن موجب للقول باشتراك جميع الطبقات في الثمن. هذا.

(2) لما عرفت من أنّ إبقاء الوقف إلى أن يتلف بنفسه تضييع محرّم.

(3) هذا دفع توهم اقتضاء نفس البدلية- ثبوتا- لترتيب لوازم المبدل على البدل.

فإذا كان الثمن بدلا عن الوقف كان كالمثمن ملكا للجميع.

و محصل الدفع ما عرفته من منع اقتضاء البدلية الشركة في كافة الآثار، كما لا دليل عليه في مرحلة الإثبات.

(4) أي: على تعلق حقّ البطون بالثمن.

(5) هذا بيان لما أفاده من عدم استلزام تعلق الحق بالوقف تعلقه بالثمن.

(6) أي: ما يتبع الملكية من ثبوت السلطنة على الثمن و جواز التصرف المشروعة فيه.

(7) غرضه المناقشة في ما وجّه به اختصاص الثمن- أو دية العبد المقتول- بالموجودين، و توضيحها ببيان أمرين:

الأوّل: أنّ ملكية الوقف للموجودين من الموقوف عليهم و إن كانت فعلية، لكنها تختلف عن الملكية الحاصلة بأسباب اخرى كالحيازة و الإرث و العقود الناقلة من البيع و شبهه.

ص: 634

..........

______________________________

و الفارق هو: كونها في الوقف محدودة ببقاء الطبقة الاولى، و بانقضائها يصير الوقف ملكا فعليا للطبقة الثانية، و هكذا، و الكلّ يتلقّون الملك من الواقف، و ليس كالإرث بحيث ينتقل الوقف من السابق إلى اللّاحق. و الموجب لكون ملكية الموقوف عليهم موقّتة- من حيث المنتهى- بحال حياة الطبقة الحاضرة هو جعل الواقف و تمليك ماله لهم بهذا النحو، و لذا لا يجوز للبطن الفعلي التصرف في الوقف بما يزيد على زمان حياته، كما إذا آجر الدار الموقوفة لمدة خمسين عاما و قد انقرض الموجر بعد أربعين عاما، فإنّ الإجارة فضولية بالنسبة إلى عشرة أعوام، و للبطن المتأخر الإجازة و الرّد.

قال المحقق قدّس سرّه: «إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة، ثم انقرضوا في أثنائها. فإن قلنا:

الموت يبطل الإجارة فلا كلام. و إن لم نقل، فهل يبطل هنا؟ فيه تردد، أظهره البطلان، لأنّا بيّنا أن هذه المدة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي، و بين الفسخ فيه» «1».

و قوله: «فيكون .. بالخيار» قرينة على أنّ المراد بالبطلان في قوله: «أظهره البطلان» عدم اللزوم، لكون الإجارة فضولية، و ليس مراده الفساد المقابل للصحة فعلا و تأهّلا.

الثاني: أنّهم اعتبروا في البيع إنشاء التمليك المرسل غير المحدود بزمان أو زماني، فلا يصح بيع المال إلى عشر سنين.

و بناء على هذين الأمرين نقول: إنّه لا مقتضي للقول باختصاص الثمن بالموجودين، و ذلك لأنّ البطن البائع إمّا أن يملّك الوقف- للمشتري- مقيّدا باختصاصه و هو ملكه الفعلي المختص بزمان حياته، و إمّا أن يملّكه مرسلا و غير محدود، أي نقل العين بمالها من الاختصاص الفعلي به، و الشأني بالبطون اللاحقة. فينشئ البيع لنفسه بالأصالة لكونه مالكا بالفعل، و للمعدومين بالولاية الحاصلة من إذن الحاكم الشرعي مثلا.

فعلى الأوّل يلزم كون تملّك المشتري مغيّا ببقاء البطن البائع، لفرض اقتصاره على نقل ملكيته الفعلية، و تنتهي بالموت، و لا بد من عود المبيع إلى الطبقة اللاحقة، و صيرورته ملكا لها لكونها مالكة بالفعل. مع أنه لا سبيل للالتزام بهذا التالي الباطل.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 221

ص: 635

إن كان هو الاختصاص الموقّت (1) الثابت للبطن الموجود، لزم (2) منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق [البائع] إلى البطن اللّاحق، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا (3). و إن كان (4) هو مطلق الاختصاص المستقرّ الذي لا يزول إلّا بالناقل (5)، فهو (6) لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاص الحاصلة للبطون له، فالثمن لهم على

______________________________

و على الثاني- و هو نقل الوقف بجميع اختصاصاته إلى المشتري- يثبت المطلوب، و هو قيام الثمن مقام المثمن، لكونه مقتضى المعاوضة. فيصير ملكا فعليا للموجودين و شأنيا لغيرهم، و لا موجب لاختصاصه بالبطن البائع. و يجب شراء شي ء آخر بهذا الثمن ليكون وقفا ينتفع به جميع الطبقات، هذا.

و مما ذكر ظهر أنّ المناقشة المزبورة ناظرة إلى نفي المقتضي لاختصاص الثمن بالموجودين، لكون ملكية كل طبقة محدودة بحياتها، كما أنّ ما تقدّم من الوجه الأوّل في (ص 629) ناظر إلى وجود المانع عنه، فلاحظ.

(1) المراد بالاختصاص الموقّت هو ملك البطن الموجود فعلا، و المفروض امتناع وقوع البيع عليه.

(2) جواب الشرط في «إن كان» و وجه اللزوم ما تقدّم آنفا من أن التمليك المحدود ينتهي ببلوغ أمده، و حيث كان الثمن مقابل هذا التمليك المؤقّت، فلا بد من رجوع المبيع- بعد انقراض البطن البائع- إلى مالكه الفعلي و هو البطن اللاحق. مع أن بطلان هذا الرجوع من الواضحات.

هذا مضافا إلى ما ينبّه عليه الماتن هنا من أنّ التمليك في البيع مرسل لا مقيّد بزمان أو زماني.

(3) مع أنّه لا دليل على صحة تملك المشتري للمبيع في مدّه موقتة.

(4) معطوف على «إن كان» و إشارة إلى الشقّ الثاني المتقدم آنفا، و لازمه أن يسدّ الثمن مسدّ المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين.

(5) كالبيع و الهبة و الإرث، و لا يزول بانقراض البطن البائع، لكون ملك المشتري مرسلا حسب الفرض.

(6) أي: فاختصاص المبيع بالمشتري اختصاصا مستمرا مستقرا- لا ينقطع بموت البطن البائع- لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاصات .. إلخ.

ص: 636

نحو المثمن (1).

و ممّا ذكرنا (2) تعرف أنّ اشتراك البطون في الثمن أولى

______________________________

(1) فهو ملك فعلي للموجودين و شأني للمعدومين.

هذا ما استدلّ به المصنف قدّس سرّه على اشتراك الثمن، و استشهد عليه بالأولوية من الاشتراك في موردين كما سيأتي، و هما دية العبد المقتول، و بدل الرهن.

(2) أي: من أنّ المنقول إلى المشتري لمّا كان مرسلا غير محدود بحياة الطبقة الموجودة، فلا بدّ من كون الثمن مشتركا بين الكل. و غرضه قدّس سرّه التمسك بالأولوية لإثبات شركة جميع الطبقات في ثمن الوقف. و بيانه: أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم دية العبد الموقوف المقتول على قولين، فمنهم من خصّها بالموجودين كما تقدم في (ص 633) من المحقّق و جماعة، و منهم من جعلها للجميع، فهي ملك فعلي للموجودين و شأني للمعدومين كنفس العين الموقوفة.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «انّ الدية عوض رقبته، و الرقبة ليست ملكا تامّا للموجودين، بل للبطون فيها حقّ و إن لم يكن بالفعل، لكنّه بالقوة القريبة منه ..

فلا سبيل إلى إبطال حقّهم، و حينئذ فيجب أن يشترى به- أي بالعوض و هو الدية- عبد أو بعض عبد يكون وقفا، إبقاء للوقف بحسب الإمكان، و صيانة له عن الإبطال ..

إلخ» «1». و محصّله: أنّ الدية بدل رقبة العبد الموقوف المقتول، فتقوم مقام العبد في الوقفية و اشتراك الكلّ فيها.

و وجه أولوية المقام- أعني به ثمن الوقف المبيع- من الدية هو: أنّ الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين، و نفس بدليتها لا تقتضي اتحادها مع الرقبة حكما.

فإن قامت الحجة على الاتحاد- كما ادّعاه الشهيد الثاني قدّس سرّه- قيل بالشركة تعبدا.

و إن لم تقم- كما ذهب إليه جمع- قيل باختصاص بالبطن الموجود، و عدم سراية حكم العبد إلى ديته. و هذا بخلاف ثمن الوقف، فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة وحدة حكم الثمن و المثمن، و لا يعقل اختصاص العوض بالموجودين مع عدم اختصاص المعوّض بهم.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 385، و قواه في تعليقه على الإرشاد، لاحظ غاية المراد، ج 2، ص 441

ص: 637

من اشتراكهم (1) في دية العبد المقتول، حيث إنّه (2) بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا (3) عن تلف الوقف، فجاز (4) عقلا منع سراية حقّ البطون اللاحقة إليه [1].

______________________________

و الحاصل: أن وجوب الدية أمر، و كونها بدلا عن العبد في جميع خصوصياته أمر آخر، و الدليل على الأوّل قاصر عن إثبات الثاني. بخلاف عوض المبيع، لاقتضاء المعاوضة بدليّة العوض في كلّ إضافة قائمة بالمعوّض.

(1) يلوح من هذه الكلمة ابتناء أولوية ثمن الوقف من الدية على القول باشتراك البطون فيها. و أمّا بناء على اختصاصها بالموجودين فالوجه في الشركة في الثمن قضاء مفهوم المبادلة.

(2) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان إلى الدية، و تذكير الضمير باعتبار الخبر و هو «بدل».

(3) إذ لا معنى لدية النفس إلّا بعد تلف العبد الموقوف، و هذا بخلاف الثمن، لعدم تأخّر عوضية الثمن عن معوضية المبيع.

(4) هذا متفرع على كون الدية بدلا شرعيا لا تقتضيه ذات الجناية على العبد الموقوف، بل تتوقف على الجعل و التعبد.

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، إذ لم يدّع أحد استحالة منع السراية حتى لا يسمع بدعوى إمكان منع السراية.

و بالجملة: لا امتناع عقلا في شي ء من السراية و عدمها حتى يقال بإمكان عدم السراية. لكن مجرّد إمكان عدم السراية عقلا لا يكفي في عدم السراية بعد اقتضاء قاعدة البدلية سراية حق البطون اللاحقة اليه.

و دعوى كون الدية حكما شرعيا لا عوضا حقيقيا، كما ترى، لأنّ دية العبد هي قيمته إن لم تتجاوز دية الحرّ، و إلّا ردّت إليها. فدية العبد هي ماليته. نعم دية الحرّ مجرّد حكم شرعي بالغرامة، لأنّه ليس مالا مملوكا حتى تكون الدية قيمته.

و الحاصل: أنّه لا فرق في كون بدل الوقف كالمبدل متعلّقا لحق البطن الموجود و البطون المعدومة بين الثمن و بين قيمته المسمّاة بالدية.

ص: 638

بخلاف الثمن، فإنّه يملكه من (1) يملكه (2) بنفس خروج الوقف عن ملكهم (3) على (4) وجه المعاوضة الحقيقية، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختصّ بالمعوّض (5).

و من هنا (6) اتّضح

______________________________

(1) فاعل «يملكه» و المراد بالموصول هو الموقوف عليهم مطلقا، الموجود منهم و المعدوم.

(2) الضمير البارز في «يملكه» في المعوضين راجع إلى الثمن. و ضمير «فإنّه» للشأن.

(3) الضمير راجع إلى «من» و الجمع باعتبار المعنى أي الموقوف عليهم.

(4) متعلق ب «يملكه» يعني: أنّ المعاوضة الحقيقية تقتضي الشركة في الثمن.

(5) المراد بالموصول هو البطن الموجود الذي لم يختص بالمعوّض و إن كان مالكا له بالفعل. و وجه عدم الاختصاص تعلق حق البطون به.

(6) أي: و من أولوية ثمن الوقف- في عدم الاختصاص بالموجودين- من دية العبد اتضح ..، و هذا بيان لمورد آخر حكموا فيه بقيام البدل مقام المبدل، و تكون الشركة في ثمن الوقف أولى منه.

توضيحه: أنّ أحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في عوضها، فحقّ الرهانة ينتقل إلى البدل.

قال المحقق قدّس سرّه: «و لو أتلف الرهن متلف الزم بقيمته، و تكون رهنا، و لو أتلفه المرتهن» «1». و صرّح الشهيد الثاني قدّس سرّه بعدم الفرق بين كون المتلف هو الراهن أو المرتهن أو الأجنبي «2». و قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و كأنّ الحكم إجماعي، إذ لا نجد فيه خلافا» «3».

و الوجه في تعلق حق الرهانة بالعوض: أنّ الغرض من الرهن الاستيشاق بالعين ليستوفى الدين من قيمتها. فإن بقيت العين على حالها استوفى المرتهن حقّه منها. و إن تلفت- على نحو يوجب الضمان- كان البدل رهنا، لأنّه و إن لم يجر عليه عقد الرّهن، و إنّما

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 84، و نحوه في قواعد الأحكام، ج 2، ص 120 و 125.

(2) مسالك الأفهام، ج 5، ص 68.

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 196

ص: 639

أيضا (1) أنّ هذا أولى بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه (2) رهنا، لأنّ (3) حقّ الرهنيّة متعلّق بالعين من حيث (4) إنّه ملك لمالكه الأوّل، فجاز أن يرتفع (5)- لا إلى بدل- بارتفاع (6) ملكيّة المالك الأوّل. بخلاف (7) الاختصاص الثابت للبطن المعدوم،

______________________________

جرى على المبدل المتلف، إلّا أنّ مجرّد عوضيّته عن الرهن يقتضي قيام البدل مقامه في كونه وثيقة.

و وجه كون المقام أولى ممّا حكموا به في الرهن هو: أنّ إنشاء الرهن قد تعلّق بالمبدل بما أنّه ملك للمديون، و المفروض زوال ملكه عنه بسبب التلف، فيمكن زوال حق الرهانة عنه، و أن لا يتعلق ببدله الذي هو ملك حادث، و إنّما أقيم مقامه حفظا لحقّ المرتهن. و هذا بخلاف الوقف، ضرورة استناد اختصاصه بكل واحد من البطون إلى الواقف، فهو المملّك للموجودين فعلا، و للمعدومين شأنا، و لم يتفرّع حقّ الطبقات اللّاحقة على ملكية الموجودين ليكون نظيرا للرهن، بل منشأ استحقاق الموقوف عليهم- الموجودين و المعدومين- هو جعل الواقف. و حينئذ فثبوت حق الطبقات بالثمن على نهج تعلقه بالمبيع أولى من تعلق حق الرهانة بالبدل.

(1) يعني: كما اتّضح أولوية الشركة في ثمن الوقف من اشتراك البطون في دية العبد الموقوف المقتول.

(2) أي: بكون البدل رهنا بلا خلاف كما ادّعاه السيد العاملي قدّس سرّه.

(3) تعليل لقوله: «أولى» و قد تقدّم توضيح الأولوية آنفا.

(4) يعني: أنّ هذه الحيثية تقييدية، فيدور الحق مدارها، فانتفاؤها يكون من انتفاء الموضوع، و من المعلوم انتفاء الحق المتعلق به أيضا.

نعم إن لم يكن الأمر كذلك، بل كان موضوع الحقّ نفس العين- لا من حيث كونها ملكا لشخص خاص كحقّ الجناية- فانتقاله عن مالكه إلى غيره لا يوجب سقوط الحق.

(5) أي: جاز أن يرتفع حقّ الرهانة بانتفاء موضوعه، و عدم انتقاله إلى البدل.

(6) متعلق ب «يرتفع».

(7) و بعبارة أوضح: انّ نسبة البطن المعدوم إلى الوقف كنسبة البطن الموجود إليه في أنّ كلّا منهما يتلقّى الملك من الواقف في رتبة واحدة و إنشاء واحد. فإذا تبدّلت العين

ص: 640

فإنّه (1) ليس قائما بالعين من حيث إنّه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقّت نظير (2) اختصاص البطن الموجود، منشأ بإنشائه (3)، مقارن له بحسب الجعل، متأخّر (4) عنه في الوجود [1].

______________________________

الموقوفة بعين اخرى كانت الثانية مثل الاولى في تعلّق حقوق جميع البطون من الموجودة و المعدومة بها.

(1) أي: فإنّ الاختصاص الثابت للبطن المعدوم.

(2) هذا و «منشأ، مفارق، متأخر» صفات ل «اختصاص». و المقصود بكون اختصاص المعدومين نظيرا للموجودين ليس كونه ملكا فعليا للجميع، لاستحالته كما مرّ مرارا، بل المراد كون كل واحد من الاختصاصين مجعولا بجعل الواقف، و ملك المعدوم شأنا مقارن- في مقام الإنشاء- لملك الموجود فعلا، و كلّ من الملكيتين موقتة.

(3) أي: بإنشاء اختصاص البطن الموجود.

(4) إذ اختصاص البطن المعدوم يكون في طول اختصاص البطن الموجود و متأخّر عنه بحسب الوجود الخارجي. و حيث زال الاختصاصان ببيع العين الموقوفة تعيّن حدوث اختصاصين في الثمن، بمقتضى مفهوم المبادلة.

هذا تمام الكلام في أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع في الصورة الأولى، و هو شركة الجميع في البدل، و يقع الكلام في أمر آخر، و هو وجوب تبديل الثمن بالأصلح و عدمه.

______________________________

[1] ظاهره لو لا صريحه أنّ المانع من التزام الملك الفعلي للمعدوم هو عدم اعتبار العرف و الشرع ذلك. و أمّا الملك الشأني فلا محذور فيه ثبوتا، و إنشاء الواقف كاف في تحققه إثباتا.

لكن لا ملكية للطبقة المتأخرة الموجودة ما لم تنقرض الطبقة السابقة، فينبغي التنبيه على اختصاص الملك الفعلي بالبطن السابق، لا لكونها موجودة، بل رعاية لنظر الواقف.

هذا كلّه بناء على القول بالملك الشأني كما هو مقتضى القول بالاستصحاب التعليقي،

ص: 641

..........

______________________________

و نظيره ملكية الموصى له شأنا و إن كان المالك بالفعل هو الموصى. و المناط في الجميع أنّ للأمور الاعتبارية مرتبتين- و هما الاقتضاء و الفعلية- يتعلق الجعل بكلّ منهما. هذا.

لكن قد يمنع من الملك الشأني تارة في خصوص المقام من أنّ الواقف و إن أنشأ ملكية البطون، إلّا أنّ موردها بقاء العين إلى زمانهم، فلو لم تبق كذلك لم تكن ملكهم اقتضاء.

و أخرى مطلقا، بأن الملكية اعتبار بسيط يدور أمرها بين الوجود و العدم، و ليس الملك الشأني سنخا من الملك الاعتباري، و إنّما يراد به قابليته لأن يصير ملكا. و إنشاء الواقف إنّما يكون سببا لحصول الملكية للطبقات المتأخرة حين وجودها بلا حالة منتظرة، كما في الوجوب المعلّق على أمر متأخر، و وجود الإنشاء لا يستلزم وجود المنشأ، هذا.

و مجرّد القابلية ليست من الحقوق المتعلقة بالمبيع لتسري إلى بدله.

فالأولى لإثبات اشتراك البطون في الثمن إمّا الالتزام بتعدد المطلوب، و يكون الوقف بحسب حقيقته ذا مرتبتين. و أنّ ما قصده الواقف و أنشأه- بصيغة الوقف- حبس العين للانتفاع بها مهما أمكن، و ببدلها في ما لم يمكن. و إمّا الالتزام بقصور المقتضي للاختصاص، لأنّ ملك البطن الموجود ليس طلقا، بل محدود بحياته، لعدم كون المنشأ ملكية مرسلة لخصوص الطبقة الحاضرة.

و بعبارة أخرى: ملكية العين للواقف مرسلة غير محدودة بشي ء، و لكنّه بسطها بالوقف على الطبقات، فلكلّ بطن ملكية محدودة ببقائه، و من المعلوم أنّ إعطاء هذه الملكية المحدودة للغير ليس بيعا.

مع أنّ لازم تفويض الملكية الموقتة بحياة البطن البائع عود المبيع- بعد الانقراض- إلى البطن اللاحق، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا. و إن أعطى الملكية المرسلة المنبسطة على جميع الطبقات ولاية على المعدومين كان مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك الجميع على نحو ملكيتهم للمثمن، هذا.

و دعوى كونه معاملة مستقلة فلا يقدح عدم صدق البيع عليها- كما أفيد- و إن كانت ممكنا ثبوتا، إلّا أنّه لا دليل على صحتها إثباتا، لأنّ التجارة إمّا البيع خاصة أو مع الشراء، و لم يعلم كون نقل الوقف معاملة مستقلة غير البيع كي يشملها عموم «العقود».

ص: 642

و قد تبيّن ممّا ذكرنا (1) أنّ الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم (2). فإن كان ممّا يمكن أن يبقى و ينتفع به البطون على نحو المبدل، و كانت مصلحة البطون في بقائه (3) أبقى (4).

______________________________

(1) من أنّ مقتضى المعاوضة ثبوت ما للوقف- من الاختصاص الفعلي بالموجود و الشأني بالمعدوم- للثمن، فيكون ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للمعدومين.

و غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بثمن الوقف على تقدير البيع، و بيانه: أنّ البدل حيث كان مشتركا بين جميع البطون، فلا يخلو من صورتين:

الاولى: أن يكون ممّا يبقى و ينتفع به الطبقات، فيجب إبقاؤه كما وجب إبقاء المبدل قبل طروء المسوّغ، كما إذا أوقف دارا على علماء بلد لسكناهم، فخربت، و ارتفعت قيمة العرصة- لقربها من الشارع العام مثلا- فأبدلت بدار أخرى، فإنّه يجب إبقاء هذا البدل لينتفع الموقوف عليهم بسكناها، لوفائها بالغرض المقصود من الوقف، و اقتضاء مصلحة البطون بقاءها.

الثانية: أن يباع الوقف الخراب بعوض لا يقتضي البقاء مدّة مديدة كي ينتفع به الطبقات اللاحقة، و إنما ينتفع به البطن البائع خاصة، كما إذا بيعت الدار الخربة بمنفعة خان عشر سنين، لانتفاء الثمن بانقضاء زمان تملك المنفعة، فلا يبقى، فإنّه يجب تبديل هذه المنافع بما يستعدّ البقاء كدار صغيرة.

و كذا لو كان الثمن ممّا يبقى، و لكن لم تكن مصلحة البطون المعدومة في خصوص هذا الثمن، كما لو بيعت الدار الموقوفة الخربة بالسجّاد القابل للبقاء مدّة مديدة، إلّا أنّ مصلحة البطون المعدومة تكون في تبديلها خوفا من السرقة و الضياع. ففي مثله لزم تبديل الثمن بما هو أصلح، رعاية لمقصود الواقف.

(2) لاقتضاء حقيقة المعاوضة ذلك كما تقدم مفصّلا.

(3) هذا الضمير و ضمير «به» و المستتر في «كان» راجعة إلى الثمن.

(4) فوجوب إبقاء الثمن منوط بأمرين: أحدهما: قابليته للبقاء إلى زمان الطبقات المتأخرة.

و ثانيهما: اقتضاء مصلحتهم بقاء هذا الثمن بشخصه، و هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة.

ص: 643

و إلّا (1) أبدل مكانه ما هو أصلح.

[عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل]

و من هنا (2) ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل، بل نفس البدليّة

______________________________

(1) أي: و إن لم يمكن بقاء الثمن للانتفاع به، أو كان مستعدا للبقاء و لكن لم تكن مصلحة المعدومين في إبقاء شخص الثمن، فإنّه يجب الإبدال بما هو أصلح، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتضمنة لوجوب الإبدال في موردين.

(2) أي: و من اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام البدل مقام المبدل، ظهر ..،

و غرضه قدّس سرّه: أنّ البدل و إن كان وقفا كالمبدل، لكنّه يفترق عنه من جهتين:

إحداهما: استغناء البدل عن صيغة الوقف. و الثانية جواز تبديله لو كان أصلح بحال الموقوف عليهم.

أمّا الجهة الأولى، فهي: أنّ البدلية قاضية بانتقال الإضافة- القائمة بالمبدل- إلى البدل، و ثبوت أثره له. و لمّا كانت الموقوفة متعلقة لحقّ البطون اللاحقة، فكذا بدلها. و لا موجب لتوقف صيرورة البدل وقفا على تجديد صيغة الوقف، بل ربما كان اعتباره من قبيل تحصيل ما حصل بالبيع.

هذا ما عليه جماعة، كما حكاه صاحب المقابس عن فخر المحققين و الشهيدين و المحقق الثاني و الفاضل الصيمري، خلافا لما يظهر من بعض كالفاضل المقداد «1» من لزوم تجديد الصيغة.

قال في الإيضاح في- شراء عبد بقيمة العبد المقتول-: «العبد المشتري هل يصير وقفا بالشراء، أم لا بدّ من عقد جديد؟ الأقوى الأوّل، لأنّه بالشراء للمصرف ينصرف إلى الوقف» «2».

و اقتصر العلّامة في التذكرة على نقل الوجهين من غير ترجيح، فراجع «3».

و علّل الشهيد قدّس سرّه «4» عدم الحاجة إلى تجديد الصيغة بأنّ مقتضى نفس المبادلة صيرورة البدل وقفا، هذا و أما الجهة الثانية فستأتي.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 396.

(3) تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 443

(4) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 644

تقتضي كونه كالمبدل. و لذا (1) علّله الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد بقوله: «لأنّه صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل، إذ يستحيل أن يملك (2) لا على حدّه» «1» [1].

ثمّ (3) إنّ هذه

______________________________

(1) أي: و لأجل اقتضاء البدلية وقفية البدل قهرا علّل الشهيد عدم الحاجة- إلى صيغة وقف البدل- بأنّ البدل صار مملوكا على حدّ مملوكية الموقوفة المبيعة، من كونها ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين.

(2) أي: أن يملك البدل لا على حدّ المبدل. و وجه الاستحالة عدم صدق المعاوضة و المبادلة لو لم يقم البدل مقام المبدل في ماله من وجوه الاختصاص.

(3) هذا إشارة إلى الجهة الثانية، و محصّلها: أنّ البدل و إن كان كالمبدل ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين، لكنّه ليس كالوقف الابتدائي الذي لا يباع إلّا لعذر.

و الفارق بينهما هو: أنّ للعين الموقوفة خصوصية تعلّق غرض الواقف ببقاء

______________________________

[1] و بيانه: أنّ المبادلة إن اقتضت وقفية الثمن فاعتبار تجديد صيغة الوقف لغو، إذ لا معنى لإنشاء وقفية ما هو وقف بالفعل. و إن لم تقتض المبادلة ذلك، بل قيل بلزوم تجديد الإنشاء، فإمّا أن يكون البدل قبل إيقافه من المباحات الأصلية التي يتملكها الحائز، و هو باطل قطعا، مضافا إلى امتناع وقف المباح، فإنه لا وقف إلّا في ملك.

و إمّا من الأملاك، و هو إما ملك الواقف أو الموقوف عليهم.

و لكن دخوله في ملك الواقف بلا سبب مملّك ممنوع، مضافا إلى عدم الدليل على جعل هذا الملك الحادث وقفا.

و دخوله في ملك الموقوف عليهم إن كان على نحو الملكية الطّلقة أي يختص بالموجودين كان منافيا للبدلية المقتضية لقيام البدل مقام المبدل، و لو فرض ذلك لم يكن وجه للزوم تجديد الإنشاء لكونه ملكا لهم يتصرفون فيه بما شاءوا.

و إن كان ملكية الموقوف عليهم غير طلق على حدّ ملكية المبدل من كونه ملكا فعليا للموجودين و متعلّقا لحقّ المعدومين فقد ثبت المطلوب، و هو استغناء البدل عن الصيغة، بل يصير وقفا بنفس إنشاء وقفية المبدل.

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 645

العين (1) حيث صارت ملكا للبطون، فلهم (2) أو لوليّهم

______________________________

شخصها للانتفاع بها، و المفروض سقوط الخصوصية بطروء الخراب عليها، و لزم تبديلها حذرا من تضييع المال و رعاية لحقّ الواقف و الموقوف عليه.

و الدليل المانع عن بيع الوقف كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» مختص بما تعلّق به إنشاء الواقف، و هو خصوصية العين الموقوفة. و لكن لا إطلاق فيه بالنسبة إلى كون البدل كالمبدل في خصوصياته و أحكامه حتى لا يجوز بيعه و نقله إلّا بطروء الخراب.

بل الأمر موكول إلى وليّ البطون، فإن كان إبقاء هذا البدل أصلح للبطون أبقاه، و إن كان تبديله أصلح جاز له ذلك.

و بعبارة أخرى: النهي عن بيع الوقف حكم شرعي، و متعلقة و مورده- بحسب الانصراف- هو الوقف الابتدائي، و لا يعمّ ما كان وقفا بسبب المبادلة و المعاوضة.

و لا فرق في عدم سراية هذا الحكم من المبدل إلى البدل بين تصريح الواقف بمثل «أنها صدقة لا تباع و لا توهب ..» و بين عدم تصريحه به. و وجه عدم الفرق هو: أنّ الاشتراط المزبور مختص بنفس العين الموقوفة، و حيث خربت و جاز بيعها، فإن دلّ دليل على اشتراك البدل في هذا الحكم أيضا فهو، و إلّا فمقتضى القاعدة جواز التبديل، هذا.

(1) ليس المراد بها العين الموقوفة، لأنّها بيعت حسب الفرض، بل المراد بدلها من عروض أو نقود.

(2) أي: إن كان الموجودون كاملين بالبلوغ و العقل جاز لهم التصرف في بدل العين الموقوفة بما يرونه مصلحة لجميع البطون، فإن كان الصلاح في إبقائه ابقي، و إلّا أبدل.

و إن كان الموجودون قاصرين كان النظر في البدل إلى الوليّ عليهم من وصيّ أو متولّ عيّنه الواقف أو الحاكم الشرعي. هذا.

و المناسب ضمّ الوليّ على سائر البطون إلى البطن البائع أو الوليّ عليه. نعم لو كان وليّ الموجودين الحاكم الشرعي كفى في الإبدال لو كان أصلح. و هذا مقصوده- و إن لم تف العبارة به- بقرينة ظهور قوله قدّس سرّه: «بحسب مصلحة جميع البطون» و صريحه في (ص 661) من قوله: «ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيّم من قبل سائر البطون».

ص: 646

أن ينظر فيه (1)، و يتصرّف فيه بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالإبدال (2) بعين أخرى أصلح لهم (3). بل قد يجب (4) إذا كان تركه يعدّ تضييعا للحقوق. و ليس (5) مثل الأصل ممنوعا عن بيعه [1] إلّا لعذر، لأنّ (6) ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي. و بدل (7) الوقف إنّما هو بدل له في كونه (8) ملكا للبطون، فلا يترتّب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي.

______________________________

(1) أي: في البدل، و الأولى تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(2) هذا و «بحسب» متعلقان ب «يتصرف».

(3) أي: للبطون.

(4) أي: قد يجب الإبدال. و الوجه في وجوبه هو حرمة تضييع الحقوق، المترتب على ترك الإبدال حسب الفرض. و بهذا ظهر وجه الإضراب- عن ثبوت حقّ تغيير بدل الوقف- إلى وجوبه حذرا من تضييع المال.

(5) يعني: و ليس بدل الوقف مثل نفس العين الموقوفة في منع بيعها بدون طروء المسوّغ.

(6) تعليل لقوله: «و ليس مثل الأصل» أي: لأنّ منع بيع العين الموقوفة- بلا عذر- يكون من آثار الوقف الابتدائي، و لا يسري المنع إلى بدله.

(7) غرضه أنّ البدلية لا تقتضي إلّا كون البدل كالمبدل مشتركا بين البطون، و أمّا الآثار التعبدية الثابتة للوقف- كحرمة البيع- فلا تترتب على البدل، إذ لا إطلاق على: أنّ كل ما للمبدل ثابت للبدل، هذا.

(8) أي: كون البدل، و الظرف متعلق ب «بدل» و ضمير «له» راجع إلى الوقف.

______________________________

[1] لم يظهر له وجه بعد بنائه قدّس سرّه على إطلاقه البدلية في جميع الآثار حتى في عدم احتياج وقفية البدل إلى الصيغة، و لا وجه لتقييده إلّا دعوى انصراف مثل قوله عليه الصلاة و السلام: «لا يجوز شراء الوقف» إلى الوقف الابتدائي، لا مطلقا حتى بدله. لكنّها كما ترى.

فالحقّ كون البدل كالمبدل في عدم جواز بيعه إلّا مع العذر.

ص: 647

[عدم وجوب شراء المماثل للوقف]

و ممّا (1) ذكرنا أيضا (2) يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف- كما هو (3)

______________________________

(1) لعلّ مراده من الموصول قوله: «ثمّ إنّ هذه العين حيث صارت ملكا للبطون، فلهم أو لوليّهم أن ينظر فيه ..» و غرضه التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بالبدل، و هي:

أنّ البدل إن كان مماثلا للعين الموقوفة و كانت المصلحة في إبقائه فلا كلام. و إن لم يكن مماثلا- كما إذا بيعت الدار الخربة بالنقود الرائجة كالدراهم و الدنانير، أو بيعت بعوض آخر كالكتب و السجاد و نحوهما من الأعيان المتمولّة- ففيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: وجوب صرف الثمن، و شراء دار مماثلة للموقوفة مطلقا كما صرّح به جماعة كما سيأتي.

الثاني: عدم الوجوب مطلقا، كما ذهب إليه المصنف و جماعة.

الثالث: التفصيل بين ما إذا عيّن الواقف جهة معيّنة كالسكنى في الدار، فيجب شراء المماثل، و بين ما إذا لم يعيّن ذلك و إنّما أوقفها للانتفاع بها كيف ما اتفق، فلا يجب حينئذ، بل يصرف الثمن في ما يراه المتولّي من المصلحة للبطون. كما قوّاه المحقق النائيني قدّس سرّه «1».

و استدلّ المصنف قدّس سرّه على مختاره بنحو ما تقدّم في البدل من جواز تبديله أو وجوبه، و محصله: أنّ ثمن الوقف ملك جميع البطون، و يجب ملاحظة مصلحتهم. فإن اقتضت الإبقاء ابقي، و إن اقتضت التبديل أبدل. و لا دليل على وجوب شراء المماثل للوقف، إلّا كونه أقرب إلى مقصود الواقف، و لكن لا ملزم لرعاية غرضه ما لم يؤخذ في إنشاء الوقف، هذا.

(2) يعني: كما ظهر عدم الحاجة إلى إنشاء وقفية البدل، و كذا جواز تبديله عند اقتضاء المصلحة، فكذلك يظهر عدم وجوب شراء المماثل.

(3) أي: عدم وجوب شراء المماثل ظاهر التذكرة. لكن لم أظفر فيها على كلام ظاهر في ذلك، و لا على من نسب ذلك إلى العلّامة، فإنّه قدّس سرّه و إن عبّر «بأن شراء المماثل أولى» كما في المختلف و في عبارة التذكرة الآتية في (ص 655). لكن مراده من الأولوية هو الوجوب، لتصريحه به بقوله: «و إذا لم يمكن تأبيده- أي تأبيد الوقف- بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب» «2» و كذا في المختلف.

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 391

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، و نحوه كلامه في المختلف، ج 6، ص 289، و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259 و ج 9، ص 88 و 89، و مقابس الأنوار، ص 66

ص: 648

ظاهر التذكرة و الإرشاد (1) و جامع المقاصد (2) و التنقيح (3)

______________________________

و نحوه كلامه في بدل العبد الموقوف المقتول، حيث قال: «و الوجه عندي شراء عبد بالقيمة يكون وقفا، لأنّه ملك لا يختص به الأوّل أي البطن الأوّل- فلم يختصّ ببدله، كالعبد المشترك و المرهون .. إلخ» «1».

و لعلّ المصنف قدّس سرّه ظفر بكلام آخر في التذكرة دال على عدم وجوب شراء المماثل، فلا بدّ من مزيد التتبع.

(1) لعدم تقييد شراء البدل بكونه كالمبيع في الصفات، قال قدّس سرّه: «و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم، و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز» «2».

(2) لا يخفى أن المحقق الثاني تعرّض للمسألة في موضعين: أحدهما في كتاب البيع، و قد تقدم نقله في (ص 569) و الآخر في كتاب الوقف. و حكم في الموضع الأوّل بوجوب شراء البدل إذا كان المسوّغ للبيع هو الخراب أو الخلف «3». و الظاهر اعتماد المصنف على إطلاق كلامه، و عدم تقييده باعتبار المماثلة.

و حكم في الموضع الثاني بوجوب شراء البدل، و بوجوب التوصل إلى ما يكون أقرب إلى غرض الواقف «4». و استفاد السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه منه إرادة المماثل، فلذا قال: «و في جامع المقاصد الحكم بالوجوب في المقامين» «5». و مراده بالمقامين بقرينة وقوعه بعد كلام السيوري هو أصل شراء شي ء بدلا عن الوقف، و وجوب المماثلة.

(3) قال الفاضل المقداد قدّس سرّه فيه: «إذا أمكن شراء غيره يكون وقفا وجب، و إذا أمكن شراء مثله يكون أولى». و قال السيد العاملي قدّس سرّه بعد نقله: «فقد حكم في الأوّل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 442، السطر: 39

(2) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 97

(4) جامع المقاصد، ج 9، ص 71

(5) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 89

ص: 649

و المقتصر (1) و مجمع الفائدة (2) «1»- بل (3) قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح، لأنّ (4) الثمن إذا صار ملكا (5) للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم. خلافا (6) للعلّامة و ولده (7)

______________________________

بالوجوب، دون الثاني» «2».

(1) قال ابن فهد قدّس سرّه: «و مهما أمكن المماثلة كان أولى» «3» و دلالته على رجحان المماثلة و عدم تعيّنها واضحة.

(2) دلالة كلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه إنّما هي لاقتصاره على وجوب شراء البدل إن أمكن، و إطلاقه ينفي اعتبار الشباهة و المساواة في الصفات.

و قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه- بعد نقل وجوب تحصيل الأقرب إلى الوقف عن بعض-: «و لا أعلم على ذلك حجة، و النصّ غير دالّ عليه» «4».

(3) غرضه الترقّي من عدم وجوب شراء المماثل- لعدم اتحاد البدل مع أصل الوقف في جميع الجهات- إلى عدم جوازه في بعض الموارد، إذ المناط في بدل الوقف رعاية ما هو الأصلح بحال الموقوف عليهم، لا نظر الواقف.

(4) هذا تعليل لعدم اعتبار المماثلة، لعدم المقتضي له، لفرض صيرورة البدل ملكا للبطون، فيلزم رعاية مصلحتهم فقد يلزم شراء المماثل، و قد يلزم شراء غير المماثل.

(5) بمقتضى المبادلة و المعاوضة.

(6) عدل لقوله: «كما هو ظاهر التذكرة .. إلخ» و قد تقدم آنفا أنّ كلام العلّامة في التذكرة و المختلف صريح في اعتبار المماثلة.

(7) قال فخر الدين في شرح قول والده قدّس سرّهما في بيع الحصير الخلق و الجذع المتكسّر- ما لفظه: «و الأصحّ عندي جواز البيع، و صرف ثمنه في المماثل إن أمكن ..» «5».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169

(2) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، مفتاح الكرامة، ج 9، ص 89

(3) المقتصر، ص 212

(4) كفاية الأحكام، ص 142

(5) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

ص: 650

و الشهيد (1) و جماعة (2)، فأوجبوا المماثلة مع الإمكان، لكون (3) المثل أقرب إلى مقصود الواقف.

و فيه (4)- مع عدم انضباط غرض الواقف، إذ قد يتعلّق غرضه بكون

______________________________

و حكى السيد العاملي قدّس سرّه عن شرح الإرشاد تصريحه- في شراء عبد بقيمة العبد المقتول- بوجوب المساواة في الذكورة و الأنوثة، فراجع «1».

(1) قال في غاية المراد: «و الأقرب أن البدل يجب كونه من جنس الموقوف، لأنّه أقرب إلى الوقف. و كلام المصنف هنا- يعني في كتاب الإرشاد- يشمل الجنس و غيره.

و حينئذ تجب المساواة في الذكورة و الأنوثة. و إن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» «2».

و نسب السيد العاملي ذلك إلى حواشيه على القواعد أيضا، كما نسبه إلى تعليق الإرشاد للمحقق الثاني، فراجع «3».

(2) كالفاضل الصيمري على ما في المقابس «4»، و الشهيد الثاني كما فيه أيضا «5».

(3) سيأتي هذا التعليل في عبارة التذكرة في (ص 657) و وجه القرب: أنّ غرض الواقف- لو وقف بستانا مثلا- هو الانتفاع بثمرته و التنزه فيه، فلو أبدل- بعد طروء مجوّز البيع- بدار لم يتحقق غرضه من الوقف.

و كذا لو أوقف عمارة لإقامة الزوّار فيها، فبيعت و أبدلت بدكاكين مثلا، لتصرف عوائدها في الزوّار، فإنّه يلزم مخالفة غرضه من الوقف، مع أنّ حقّ الواقف يقتضي رعاية نظره مهما أمكن.

(4) ناقش المصنف قدّس سرّه في التعليل المتقدم بوجهين، أحدهما ناظر إلى منع الصغرى، و الآخر إلى منع الكبرى.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 98

(2) غاية المراد، ج 2، ص 442

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 159، و ج 9، ص 89

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(5) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 255 و 256، و في تعليقته على الإرشاد، لاحظ: غاية المراد، ج 2، ص 441

ص: 651

الموقوف عينا خاصّة (1)، و قد يتعلّق بكون منفعة الوقف

______________________________

أمّا منع الصغرى- و هي كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف- فبيانه: أنّه لم يظهر أقربية شراء المماثل إلى مقصوده، لاختلاف دواعي الواقفين في مقام إنشاء الوقف.

فقد يكون غرض الواقف من وقف داره على ذريّته بقاء شخص الدار بيدهم و الانتفاع بها، لكونها دار آبائه، ورثها منهم، و له عناية ببقاء خصوصية العين الموقوفة.

و كذا لو ورث كتابا كان بخطّ سلفه، فأراد بقاء عينه، فوقفه ليمنع ورثته من التصرفات الناقلة فيه ببيع أو صلح أو هبة.

و قد يكون غرضه إصلاح حال ذريته و عدم وقوعهم في ذلّ الفقر و المسكنة، فيوقف الدار عليهم لينتفعوا باجرتها، و ليس مقصوده سكناهم فيها.

و قد يكون غرضه تسبيل خاص و إيصال نفع معيّن إلى الموقوف عليهم من دون تعلّق نظره بخصوصية العين، كما لو أوقف بستانا للانتفاع بثمرته، فبيع لغور مائه، أو لوقوعه في الطريق العام، و دار الأمر بين شراء المماثل أي بستان آخر في مكان يصعب الوصول إليه لاقتطاف ثمرته، و إن أمكن بيع الثمرة بأقل من قيمة ثمرة البستان الأوّل. و بين شراء دار أو خان أو أرض زراعية تصل منافعها و اجورها إلى الموقوف عليهم.

و لا وجه للقول بأنّ شراء البستان أقرب إلى مقصود الواقف، خصوصا مع إحراز أنّ غرضه من الوقف إيصال النفع إليهم، و لا نظر له إلى خصوصية العين.

و على هذا فالنسبة بين المماثل و بين غرض الواقف عموم من وجه، فقد يجتمعان، كما لو وقف دارا لسكنى العلماء فخربت و أبدلت بدار اخرى فسكنها بعضهم. و قد يفترقان، فلا يكون المماثل موافقا للغرض في جميع الموارد، بل يكون غير المماثل وافيا به.

و من المعلوم أنه لا وجه- مع الشك في غرض الواقف و عدم إحرازه- للتمسك بلزوم رعاية نظره، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة الموضوعية، فإنّه يتجه في ما لو أحرز مقصود الواقف.

فالنتيجة: أنّ اللازم رعاية مصلحة الموقوف عليهم بعد بيع الموقوفة و سقوط خصوصية العين. هذا توضيح الوجه الأوّل، و أما الوجه الثاني- و هو منع الكبرى- فسيأتي.

(1) يعني: من دون عناية بمنفعة العين، فضلا عن النظر إلى مقدار معيّن من المنفعة، فالمقصود كلّه حبس العين عن التصرفات الناقلة، أو تغيير هيئتها الفعلية.

ص: 652

مقدارا معيّنا (1) من دون تعلّق غرض بالعين (2)، و قد يكون (3) الغرض خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع، فدار الأمر بين أن يشترى بثمنه بستان في موضع لا يصل إليهم إلّا قيمة الثمرة (4)، و بين أن يشترى ملك آخر يصل إليهم اجرة منفعته (5)، فإنّ الأوّل (6) و إن كان مماثلا، إلّا أنّه (7) ليس أقرب إلى غرض الواقف-: أنّه (8) لا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب إلى

______________________________

(1) هذا نحو آخر من دواعي الوقف، و قد تقدم بقولنا: «و قد يكون غرضه إصلاح حال ذرّيته ..».

(2) فلو حصل ما قصده من النفع المعيّن فقد تحقق غرضه، سواء أ كان من مماثل الموقوفة أو من غيره.

(3) معطوف على «قد يتعلّق» و هذا نحو ثالث ممّا يمكن أن يكون غرضا للواقف.

(4) لبعد الطريق أو لخوف من ظالم، أو لغيرهما من الموانع، فيتعيّن بيع الثمرة و صرف الثمن في الموقوف عليهم.

(5) أي: منفعة الملك الآخر و لو كان دارا أو عمارة أو غيرهما.

(6) أي: البستان الثاني المفروض تعذّر وصول ثمرته إلى الموقوف عليهم.

(7) أي: أنّ الأوّل- و هو المماثل- ليس أقرب إلى الغرض.

(8) الضمير للشأن، و الجملة مبتدء مؤخّر لقوله: «و فيه» و هذا ثاني وجهي المناقشة في التعليل المتقدم، و محصله: أنّه لو سلّمنا كون المماثل أقرب إلى مقصود الواقف، إلّا أنّه لا دليل على وجوب مراعاة مقاصد الواقف و أغراضه الداعية إلى الوقف، فإنّها من قبيل الملاكات الخارجة عن حيّز الأحكام، و الواقعة فوقها لا تحتها حتى تجب مراعاتها، فأغراض الواقف خارجة عن حيّز إنشاء الوقف. و كلّ ما كان كذلك لا يجب مراعاته.

نعم إذا وقع شي ء من أغراضه في حيّز الإنشاء بحيث كان مدلولا لصيغة الوقف وجب الوفاء به كسائر ما أنشأه في الوقف، بأن يقول: «هذا وقف، و إن طرء عليه ما يوجب بيعه، فليكن بدله مماثلا له».

ص: 653

مقصوده، إنّما اللازم ملاحظة مدلول كلامه (1) في إنشاء الوقف، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

فالحاصل (2) أنّ الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلّا مدلول كلام الواقف، و إذا بيع و انتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلّا مصلحتهم [1] هذا.

قال (3) العلّامة في محكي التذكرة:

______________________________

(1) هذا الضمير و ضمير «مقصوده» راجعان إلى الواقف.

(2) هذا الحاصل محصّل قوله: «و ممّا ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل» إلى ما أفاده هنا.

(3) الغرض من نقل عبارة التذكرة التنبيه على أنّ العلامة قدّس سرّه حكم في موارد بيع الوقف بصرف الثمن في أمور ثلاثة مرتّبة، و استدلّ على رعاية هذا الترتيب بوجهين، و هذا كلّه مخالف لما تقدم من المصنف إلى هنا من قولين: أحدهما وجوب شراء المماثل، و الآخر عدمه، و صرف الثمن في مصلحة الموقوف عليه.

ثم لا يخفى أنّ الماتن قدّس سرّه قد نسب في (ص 648) إلى التذكرة القول بعدم وجوب

______________________________

[1] تقدّم أنّ البدل و إن كان ملكا للبطون، لكنّه على حدّ ملكية المبدل لهم، لا على نحو آخر. و الخروج عن إطلاق البدلية بلا موجب.

فالحقّ وفاقا لجماعة كالعلّامة و ولده و الشهيد و غيره وجوب شراء المماثل مع الإمكان. لكن لا لما نسب إليهم من كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف. و ذلك لما فيه من المنع صغرى و كبرى، بل لأنّ العين الموقوفة توقف بما لها من المشخصات الفردية و الأوصاف النوعية و الجنسية، نظير الضمان الواقعي الذي يكون المضمون فيه جهاته الشخصية و النوعية و الجنسية. و تعذّر الأوصاف الشخصية لا يوجب سقوط سائر الجهات.

و عليه فتعذر بقاء العين وقفا لا يوجب سقوط اعتبار الصفات النوعية، فيجب شراء المثل. و إن شئت فقل: إنّ المماثل يكون من مراتب الموقوفة، فنفس إنشاء الوقف يدلّ على وجوب شراء المماثل.

ص: 654

«كلّ مورد (1) جوّزنا بيع الوقف، فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف. فإن أمكن (2) شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولى (3). و إلّا (4) جاز شراء كلّ ما يصحّ وقفه، و إلّا (5) صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به [فيه] ما شاء، لأنّ (6) فيه (7)

______________________________

شراء المماثل، و هو محتمل- أو ظاهر- أوّل كلام العلامة، و لكنّه صرّح بالوجوب بعد ذلك، فمن العجب نسبة عدم الوجوب إليه.

كما لا يخفى أن ما في المتن منقول عن المقابس، و هو محصل كلام العلامة في التذكرة، و بعضه نصّ عبارة المختلف، كما سيظهر.

(1) في التذكرة: «كل صورة جاز بيع ..» و عنه في المقابس «كل صورة جوّزنا ..».

(2) هذا بيان كيفية صرف الثمن إلى جهة الوقف، فالمرتبة الاولى شراء المماثل.

(3) استفيد من هذه الكلمة مطلق الأولوية، و أنّه لا تدل على التعيين، فلذا نسب المصنف قدّس سرّه إلى التذكرة عدم وجوب تحصيل المماثل.

(4) أي: و إن لم يمكن شراء المثل جاز شراء غير المثل، فيكون وقفا بدل المبيع.

و هذه مرتبة ثانية.

و لا يخفى أنّه سقط هنا من عبارة التذكرة قوله: «و هل يكون- أي شراء مثل العين- واجبا؟ قال بعض العامة: لا يجب، بل أيّ شي ء اشتري بقيمته ممّا يرد على أهل الوقف ..» الى أن قال: «و ما قلناه أولى، لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان.

إذا عرفت هذا، فإنّه إن أمكن شراء شي ء بالثمن يكون وقفا على أربابه يكون أولى. فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى، و إلّا جاز ..» إلى آخر ما نقله المصنف.

(5) في التذكرة: «و إن لم يمكن صرف الثمن» و هذه مرتبة ثالثة.

(6) لم أجد هذه العبارة في التذكرة، و هي منقولة من المختلف، حيث علّل الترتيب المذكور- في التذكرة أيضا- بقوله: «و لأنّ فيه جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف في نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النصّ على عدم تجويز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد. و إذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص ..» «1» إلى آخر ما في المتن.

(7) أي: في الترتيب المزبور، و هذا أوّل الوجهين اللّذين استدلّ العلّامة بهما على

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 289

ص: 655

..........

______________________________

رعاية المراتب الثلاثة، و محصله: أنّ هذا الترتيب مقتضى الجمع بين أمرين:

أحدهما: مراعاة غرض الواقف من انتفاع البطون بالموقوفة مؤبّدا، و لذا قد يؤخذ قيد الدوام في صيغة الوقف.

و ثانيهما: أنّ الشارع أمر بالعمل بما عيّنه الواقف من كيفية و شرط، لقوله صلوات اللّه و سلامه عليه: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

و على هذا، فإن أمكن إبقاء شخص الموقوفة و الانتفاع بها في الجهة التي عيّنها الواقف لم يجز بيعها. و إن امتنع و بيعت لزم صرف ثمنها في المماثل، لكونه إبقاء للعين بحسب نوعها، لفرض تساويهما في الصفات، و كون المنفعة العائدة من البدل و المبدل واحدة.

و إن تعذّر تحصيل المثل وجب صرف الثمن في عين اخرى لتدرّ منافعها على الموقوف عليهم، فيكون البدل إبقاء لجنس الوقف و إن لم يكن إبقاء لنوعه.

و إن تعذّر شراء عين أخرى لقلّة الثمن- أو لجهة أخرى- وجب على المتولي للبيع دفع الثمن إلى البطن الموجود، فيتصرف فيه بما شاء، لكونه عملا بالميسور من غرض الواقف و إن فات غرضه الأقصى، و هو الانتفاع بشخص الموقوفة.

فإن قلت: لا وجه للترتيب المزبور، فإنّ غرض الواقف الانتفاع بالعين على الدوام، و إمضاء الشارع لهذا المقصود يقتضي إبقاء العين على حالها، حتى تسقط بنفسها عن الانتفاع، و لم يتعلّق غرضه بالتبديل بالمماثل أو بغيره، فلو فرض بيع الوقف لم يكن صرف الثمن في المماثل أولى من صرفه في غيره.

قلت: ما ذكر من الترتيب متعلّق غرض الواقف أيضا، لأن أخذ قيد الدوام من جهة، و خراب شخص الموقوفة من جهة أخرى، يوجب الالتزام بإبقاء الوقف بحسب نوعه و إن تعذر بقاء شخصه، لتعدد مطلوب الواقف.

و لو فرض إبقاء شخص الوقف حتى يضمحلّ بالمرّة- بحيث يمتنع حينئذ تبديله بشي ء آخر مماثل أو غير مماثل- لزم فوات غرض الواقف بأجمعه. و من المعلوم أنّ حفظ بعض مطلوبه أولى من تركه كلّية.

ص: 656

جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف من (1) نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النّصّ (2) الدالّ على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث شرط التأبيد، فإذا لم يمكن (3) التأبيد بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب (4)، لأنّه (5) موافق لغرض الواقف، و داخل (6) تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه. و مراعاة (7) الخصوصية

______________________________

و عليه فحفظ الغرض يقتضي إلغاء الخصوصية، و رعاية التأبيد في النوع، بل في ماليّته أيضا. فإذا تعذّر شراء المماثل انتقل إلى غير المماثل مما يكون أصلح بحال الموقوف عليهم.

(1) بيان لغرض الواقف، و هو التأبيد و دوام الوقف.

(2) و هو مكاتبة الصفّار عن الإمام العسكري صلوات اللّه و سلامه عليه «1».

(3) هذا ناظر إلى تعدد مطلوب الواقف، و أنّ أحد مطلوبية بقاء شخص الوقف، و الآخر بقاء نوعه أو جنسه.

(4) أي: وجب التأبيد بحسب النوع، و لا يخفى نصوصية قوله: «وجب» في وجوب شراء المماثل، و مع التصريح بالوجوب- المذكور في كلّ من التذكرة و المختلف- يلزم إرادة التعيين من قوله في أوّل العبارة: «أولى» لا مطلق الرجحان.

(5) أي: لأنّ النوع، و المراد به مصداق الطبيعي، المعبّر عنه بالمثل.

(6) معطوف على «موافق» أي: أنّ الواقف حبس العين الموقوفة مؤبّدة، بأن تكون خصوصيّتها الشخصية محفوظة ما دامت ممكنة، و بانتفائها لا تنتفي الوقفية، بل يزول التأبيد بالنسبة إلى الشخص، و يبقى بالنسبة إلى جهتها النوعية. فالتأبيد منشأ بالإضافة إلى نوع العين الموقوفة بإنشاء الوقفية للشخص، فتأبيد النوع هو تأبيد الشخص الذي وقع عليه العقد، فتدبّر.

(7) يعني: و مراعاة التأبيد بالنسبة إلى خصوص العين الموقوفة- من دون مراعاة جهتها النوعية- توجب فوات الغرض بأجمعه.

______________________________

(1) تقدّمت مصادرها في ص 509، فلاحظ.

ص: 657

الكليّة تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه [1].

و لأنّ (1) قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع أنّه (2) يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل (3)،

______________________________

(1) و العبارة دفع دخل مقدر، و قد تقدم توضيحهما في (ص 656) بقولنا: «فإن قلت .. قلت ..».

(2) معطوف على «لأنّ فيه جمعا» و هذا ثاني الوجهين المستدلّ بهما على وجوب صرف الثمن في المماثل، و بيانه: أنّه لا ريب في كون الوقف الخاصّ متعلّقا لحقّ المعدومين كالموجودين. فلو جاز للبطن الموجود- بعد طروء الحالة المسوّغة للبيع- التصرف في الثمن و إتلافه و عدم شراء شي ء به بدلا عن المبيع، لزم منه تضييع حقّ المعدومين. مع أنّ الواقف جعلهم مستحقّين لمنفعة الموقوفة كاستحقاق الطبقة الموجودة لها، و من المعلوم توقف حفظ غرض الواقف و حقّ البطون المتأخرة على صرف ثمن الوقف فيما يبقى لينتفع به الجميع، هذا.

و لا يخفى أنّ هذا الوجه ينفي المرتبة الثالثة، و هي صرف الثمن في الموجودين، و أنّه لا بدّ من شراء بدل للوقف، و لا يثبت تقدّم المماثل رتبة على غير المماثل.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه استظهر من هذا التعليل عدم وجوب شراء المماثل، و لكنه لا بدّ من رفع اليد عنه بعد تصريح العلّامة قدّس سرّه بالوجوب في الوجه الأوّل.

(3) كذا في النسخ، و لكن في التذكرة و المقابس: «مع أنّهم» و هو الصحيح، لرجوع الضمير إلى البطون.

(4) لأنّ الواقف جعل العين الموقوفة لجميع البطون بإنشاء واحد، فلا موجب لاستقلال البطن الموجود بالثمن.

______________________________

[1] لكن لم يظهر وجه فوات الغرض بأجمعه في صورة مراعاة الخصوصية بالكلية إذ لا يلزم من مراعاتها إلّا فوات الغرض بالنسبة إلى غير الموجود من البطون. و لعلّ مقصوده فوات الغرض بأجمعه بالنسبة إلى البطون اللاحقة، لا فوات الغرض بأجمعه من الوقف.

و لا بدّ من مزيد التأمّل في استظهار مراده قدّس سرّه.

ص: 658

و يقدّر [تعذّر] وجودهم حال (1) الوقف.

و قال (2) بعض علمائنا و الشافعية (3) إنّ ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف، فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأي (4)» «1» انتهى.

و لا يخفى عليك (5)

______________________________

(1) في التذكرة و المقابس «حالة الوقف». و مقصود العلّامة: أنّ عدم وجود البطون المتأخرة لا يمنع من استحقاقهم للوقف، فإنّهم و إن لم يتملّكوه بالفعل، لكن الواقف فرض وجودهم، و جعلهم شركاء للموجودين.

(2) غرض العلّامة قدّس سرّه من نقله التنبيه على وجود المخالف في وجوب شراء بدل الوقف، قياسا لباب المعاوضة على باب الضمان، و قد تقدّم بيان اختصاص البدل بالموجودين في (ص 633 و 637) و هو: أنه لو قتل حرّ عبدا موقوفا ضمن قيمته للموقوف عليهم، فذهب بعض الفقهاء كشيخ الطائفة قدّس سرّه إلى أنّ القيمة للموجودين خاصة. و اختار العلّامة: أنّها مشتركة بين الجميع.

قال قدّس سرّه: «و الوجه عندي: شراء عبد بالقيمة يكون وقفا، لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل- أي البطن الموجود- فلم يختص يبدله، كالعبد المشترك و المرهون. و عدم اختصاصه ظاهر، فإنّه تعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله» «2».

(3) في التذكرة و كذا في المقابس: «و بعض الشافعية».

(4) متعلق ب «يصرف» و الرأي الآخر هو شراء بدل المتلف ليكون وقفا.

(5) لم يتعرض المصنف قدّس سرّه بالتفصيل لتحقيق ما ورد في عبارة التذكرة من مواضع الصحة و التأمّل، و لكنه أحال ذلك إلى ما أفاده من عدم وجوب شراء المماثل، و ما ناقش به في دليل القائل بوجوبه بمناط كونه أقرب إلى غرض الواقف، فلاحظ.

و سنذكر ما يتعلق بكلام العلامة من مواقع الرد و القبول.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، و الحاكي عنه صاحب المقابس قدّس سرّه، كتاب البيع، ص 66 و لكنّه قدّس سرّه لفّق كلام العلامة من التذكرة و المختلف.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 422، و نظيره في المختلف، ج 6، ص 317 و 318، و لاحظ المبسوط، ج 3، ص 289

ص: 659

مواقع الرّد (1) و القبول (2) في كلامه قدّس سرّه.

______________________________

(1) فمنها: حكمه بوجوب شراء المثل على ما صرّح به بقوله: «و أمكن بحسب النوع وجب» إذ فيه: ما تقدم مفصّلا من عدم وجوبه.

و منها: قوله: «و إلّا جاز شراء كل ما يصحّ وقفه في صورة تعذر شراء المثل» إذ فيه: أنّ اللازم حفظ الثمن ليشترى به المثل، إذ بناء على وجوب شراء المماثل- لما نسب إلى العلّامة و غيره- لا وجه لسقوطه، و وجوب شراء كلّ ما يصح وقفه. هذا.

مضافا إلى: أنّه- على تقدير عدم إمكان شراء المماثل- لا بدّ من شراء ما يكون أقرب إلى مقصود الواقف، أو ما يكون أعود للموقوف عليهم، مراعاة لحق الواقف و الموقوف عليهم.

و منها: قوله: «و إلّا صرف الثمن في الموقوف عليهم» إذ فيه: أنّ الواجب حينئذ- كما سيذكره المصنف قدّس سرّه- حفظ الثمن إلى زمان التمكن من شراء عين اخرى.

و منها: قوله: «لأنّ فيه جمعا» إذ فيه: أنّ منافاة الدوام و التأبيد لصرف الثمن في البطن الموجود- الموجب لحرمان المعدومة- من البديهيات، فكيف يكون صرف الثمن في الموجودين وجه جمع بين نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف؟

(2) منها: قوله: «فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف» و وجه قبوله كون البيع حفظا للحقوق، و لذا صرّح المصنف في (ص 667) بوضع الثمن عند أمين حتى يتمكن من شراء بدل الوقف.

و منها: قوله: «و مراعاة الخصوصية بالكلية يفضي الى فوات غرض الواقف بأجمعه» و هو متين أيضا، لأنّ إبقاء الوقف بحاله تضييع محرّم.

و منها: قوله: «و لأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي إلى فوات خروج البطون اللاحقة» و هو صحيح أيضا، لأنّ الواقف جعل العين ملكا للطبقات مرتّبا، فلا يختص بدله بالموجودين.

هذا بعض الكلام في حكم عوض الوقف لو بيع، و له تتمة ستأتي، و يقع البحث في المتولّي للبيع.

ص: 660

[المتولّي للبيع هو البطن الموجود]

ثمّ (1) إنّ المتولّي للبيع

______________________________

(1) تقدم في ص (612) أنّ في بيع الوقف- إذا خرب- أمورا، منها: أنّه بعد ثبوت جواز بيعه، هل يكون المتصدّي للبيع خصوص البطن الموجود، أو الحاكم أو غيرهما؟

و غرض المصنف قدّس سرّه تحقيق هذا الأمر، و أنّ ولاية البيع تكون للبطن الموجود بضميمة الحاكم الشرعي الذي يتولّى أمر البطون المتأخرة. و احتمل أن يكون المتولّي هو الناظر الذي عيّنه الواقف إن كان، ثم تأمّل فيه.

و لا بأس بالإشارة إلى الأقوال في المسألة ثم توضيح المتن.

فمنها: التفصيل بين كون الوقف ملكا له تعالى، فالمتولّي للبيع و شراء البدل هو الحاكم، و بين كونه ملكا للموقوف عليه فالمتولي هو الموقوف عليه. و بين كونه ملكا للواقف ففيه وجهان. هذا ما ذكره العلامة قدّس سرّه في شراء عبد بقيمة العبد الموقوف المقتول «1».

و منها: أنّ المتولّي هو الحاكم مطلقا، سواء قلنا بأنّ الملك له تعالى أو للموقوف عليه أو للواقف، لأنّ الحاكم وليّ الكل. و إن تعذّر الحاكم فالولاية للموقوف عليه. قوّاه فخر الإسلام في الإيضاح «2».

و منها: أنّه الناظر الخاص إن كان، و إن تعذّر فالناظر العام، و إن تعذّر فالموقوف عليه. استجوده الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد معلّلا له بقوله: «قضيّة للشرط في النظر، و عموم حكم الحاكم على البطون، و أولوية الموقوف عليه» «3».

و منها: أنّه الناظر الخاص إن كان، و إلّا فالحاكم، اختاره المحقق الثاني قدّس سرّه «4».

و عليه فلا ولاية للموقوف عليهم. و حكى صاحب المقابس مثله عن الفاضل السيوري «5».

و منها:. أنّه الناظر الخاص إن كان، أو الموقوف عليه إن كان منحصرا، و إلّا فالناظر العام، و هو صريح الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك، و لكنه في الروضة جعل ولاية الموقوف

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443، السطر 2 و 3

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 396

(3) غاية المراد، ج 2، ص 442

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و ج 9، ص 79

(5) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

ص: 661

..........

______________________________

عليه مترتبة على عدم الناظر الخاص «1».

و منها: أنّه هو الموقوف عليه مطلقا- أي سواء أمكن تولّي الحاكم أم لا- لأنّ الملك للموقوف عليه، و حقّ الباقين تابع له، فإن تعذّر الموقوف عليه لحجر أو شبهه فالمتولي هو الواقف أو بعض المؤمنين حسبة. و هذا ما احتمله فخر المحققين، و حكى صاحب المقابس عن الفاضل الصيمري اختياره في كتابه الجواهر «2».

و منها: أنّ المباشر هو الحاكم برضاء الموقوف عليه، أو العكس. اختاره المحقق صاحب المقابس، و وافقه المصنف قدّس سرّه في العكس أي كون التولية للبطن الموجود بضميمة الحاكم، فلا يستقل كلّ منهما بالبيع.

و توضيحه: أنّ البيع منوط بكون البائع وليّا عليه إما بالملك غير المحجور عنه، و إمّا بالولاية من قبل الشارع كالأب و الجدّ له، و الحاكم الشرعي، و إمّا من قبل المالك كالمأذون في المعاملة. و الكلام في تعيين من له الولاية في الوقف الخاص الذي جاز بيعه للخراب.

و حيث إنّه ملك فعلي للبطن الموجود، و شأني للمعدوم، فمقتضى سلطنة المالك على التصرف المشروع في ماله هو ثبوت هذا الحقّ للطبقة الحاضرة، إن لم يكن في البين حجر لصغر و نحوه من الموانع. و لكن لا يستقلّ البطن المالك بالبيع، لكون اختصاصه بالعين موقّتا بحياته، و تعلّق حق المعدومين بالمبيع، مع أنّ البيع إعطاء الملكية المرسلة للمشتري. فلا بدّ من ضمّ المتولّي على البطون المعدومة المالكة شأنا للموقوفة، و هو الفقيه الجامع للشرائط المتولّي لأمر الغائب و القاصر و الممتنع، و المعدوم إمّا غائب كما ورد في تعبير العلّامة قدّس سرّه «3»، و إمّا قاصر، و إن كان قصوره من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و المناط في ولاية الحاكم حسبة هو منعه عن ضياع حقّ.

فالنتيجة: أنّ المتولّي لتبديل الموقوفة هو البطن الموجود و الحاكم، بحيث يكون نظر كلّ منهما دخيلا في أمر البيع و الشراء، بلا فرق بين تعيين الناظر من قبل الواقف

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 256

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

(3) مختلف الشيعة، ج 6، ص 318.

ص: 662

هو البطن الموجود (1) [1] بضميمة الحاكم القيّم (2) من قبل سائر البطون.

و يحتمل (3) أن يكون هذا (4) إلى الناظر إن كان (5)، لأنّه (6) المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف.

______________________________

و عدمه. هذا تقريب مختار المصنف قدّس سرّه و سيأتي احتمال كون التولية للناظر إن كان.

(1) لكونه مالكا بالفعل و إن كانت الملكية محدودة بحياته.

(2) هذا وجه اعتبار ضمّ الحاكم إلى البطن الموجود.

(3) هذا الاحتمال مختار الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدّس سرّهم كما سبق في الأقوال.

بل قال السيد العلّامة الاشكوري قدّس سرّه: «يستظهر الإجماع من كاشف الظلام على تقديم الناظر على غيره. و هو لا يخلو عن وجه» «1».

و الوجه في هذا القول هو كون الناظر منصوبا من قبل الواقف لرعاية شؤون الوقف، و إطلاق النظارة يشمل كلّا من التصرف في نفس العين- من إجارة و ترميم و صرف المنافع في الجهة المعيّنة- و من تبديلها عند عروض المسوّغ للبيع، هذا.

(4) أي: تولية البيع.

(5) هذا من الشرط المحقّق للموضوع، إذ بدون نصبه يتعيّن كون المتولّي للبيع هو الموقوف عليه أو الحاكم مستقلا أو منضما، كما تقدّم في الأقوال.

(6) أي: لأنّ الناظر منصوب لمعظم شؤون الوقف، الّتي منها إبقاؤه بنوعه أي ببدله.

______________________________

[1] إن كان هو المتولّي، و إلّا فذلك وظيفة من جعله الواقف متوليا، إن كان إطلاق كلام الواقف شاملا لكل تصرف له حتى ولاية البيع و التبديل عند طروء المسوّغ. و إن لم يكن شاملا له لا ظهورا و لا صراحة فيرجع إلى الحاكم، لأنّه مع الشك في ولايته على مثل هذا التصرف يكون المرجع أصالة الفساد، فلا بدّ من مراجعة الحاكم.

و بالجملة: فالمدار في جواز التصدي للمتولي و عدمه هو ظهور كلام الواقف في تعميم دائرة ولايته و عدمه.

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 161

ص: 663

إلّا أن يقال (1) بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى (2) التصرّف في نفس العين (3).

و الظاهر (4) سقوط نظارته عن بدل الوقف. و يحتمل بقاؤه، لتعلّق حقّه

______________________________

(1) هذا تضعيف للاحتمال المزبور، و محصّله: أنّ سعة دائرة النظارة و ضيقها تابعة للجعل و قبول الناظر، و لا كلام لو قامت قرينة على اختصاصها بالعين، أو شمولها للبدل.

و محل البحث هو استفادة سعة دائرة النظارة من مجرّد قول الواقف: «جعلتك ناظرا للوقف» و ظاهره جعل القيّم على الوقف مع حفظ عنوانه، لا جعل من يتصدّى إزالة الوقف و إبطاله، لفرض كون البيع مبطلا له.

و عليه فلا إطلاق في جعله ناظرا، خصوصا مع كون جواز البيع حكما شرعيّا يثبت للوقف قهرا، و ليس أمره بيد الواقف ليفوّضه إلى الناظر.

(2) متعلق ب «انصراف» و مقصوده التشكيك في إطلاق حقّ النظارة بالنسبة إلى إعدام موضوع النظارة ببيع و شبهه. و هذا التشكيك أشار إليه في المقابس بقوله: «و أمّا في الوقف الخاص ففي شمول النظارة للبيع و الشراء نظر» «1».

(3) مقصوده قدّس سرّه حقّ التصرف في العين ببيعها و تبديلها، فإنّه مشكوك، و الأصل عدمه. و ليس المراد التصرف في شؤون العين كالإيجار و الترميم و إيصال العوائد إلى الموقوف عليهم، لثبوتها للناظر بلا ريب.

(4) هذا متفرع على ما تقدّم من أنّ ولاية البيع هل تكون للموقوف عليه بضميمة الحاكم، أم للناظر؟ و حاصله: أنّه بعد بيع الوقف الذي آل إلى الخراب و تبديله بالمماثل أو بغير المماثل، فهل تسقط نظارة الناظر عن البدل، لاختصاصها بالأصل؟ أم تبقى، فيه وجهان، استظهر المصنف قدّس سرّه السقوط، لأنّ ما أنشأه الواقف هو جعل عين خاصة وقفا، و جعل ناظر لها، و المفروض زوال العنوان بالبيع، و لا دليل على اقتضاء البدلية قيام البدل مقام المبدل في ما كان له من خصوصية.

و على هذا فيكون النظر إلى الموقوف عليه و الحاكم.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

ص: 664

بالعين الموقوفة، فيتعلّق ببدلها (1) [1].

[لو لم يمكن شراء بدله]

ثمّ إنّه لو لم يمكن شراء بدله (2)

______________________________

(1) يعني: فيتعلّق حقّ الناظر ببدل الموقوفة، و ذلك لأنّ العين ملك للموقوف عليهم و متعلّق حقّ الناظر، و كما تصير البدل بالبيع ملكا لهم، فكذا ينتقل حق النظارة إلى البدل أيضا. كما يقال في نظيره من انتقال حقّ الوصاية إلى البدل لو أتلف الموصى به متلف، فإنّ أمره بيد الوصي، و لا يزول حقّه بإعدام العين الموصى بها.

قال المحقق- في الجنابة على مماليك أوصى المولى بأحدهم لشخص- ما لفظه: «فإن قتلوا لم تبطل- أي الوصية- و كان للورثة أن يعيّنوا له- أي للوصي- من شاءوا، أو يدفعوا قيمته إن صارت إليهم، و إلّا أخذها- أي أخذ الوصي القيمة- من الجاني» «1» و علّله في الجواهر بانتقال حقّ الوصية إلى البدل، فراجع «2».

(2) هذا من جملة الأمور المتعلقة بالثمن، فكان المناسب التعرض له قبل تحقيق متولّي البيع.

و كيف كان فكلامه قدّس سرّه هنا يتضمّن فروعا:

الأوّل: أنّ الوقف الخراب إذا بيع بالنقود الرائجة، و تعذّر فعلا شراء المماثل، أو مطلق البدل، فهل يجوز للمتولي دفع الثمن إلى البطن الموجود، أم يوضع عند أمين إلى زمان التمكن من تحصيل البدل؟

______________________________

[1] فيه: أنّ مجرّد الاحتمال غير كاف في جواز التصدي بعد كون مقتضى الأصل الفساد. و الفرق بين المقام و الوصية أن حق الوصاية و إن تعلّق بعين مشخّصة، لكن لا من حيث تشخصها، بل لكونها مالا للموصي فيتعلّق الحقّ بالبدل أيضا، لأنّ ضمان المتلف اعتبار بقائه بما هو مال. بخلاف حقّ النظارة، فإنّه حق في العين بما هي وقف ابتدائي بجعل الواقف، لا بما هي مال، فلا وجه لقيام الحق بالبدل إلا إطلاق البدلية الممنوع.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 201

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 347، و لاحظ المسالك، ج 5، ص 302 و 303

ص: 665

و لم يكن الثمن ممّا ينتفع به مع بقاء عينه- كالنقدين [1]-

______________________________

الثاني: أنّ البطن الموجود لو طالب- في مدة الانتظار و التفحص عن البدل- شراء ما ينتفع به موقّتا بالبيع الخياري، فهل يجب إجابته؟ أم لا يجب، بل ينتظر وجود البدل الدائم.

الثالث: أنّ الاتّجار بالثمن جائز إن كان صلاحا لجميع البطون؟ أم يتعيّن شراء عين اخرى تكون وقفا بدلا عن المبيع.

و توضيح الفرع الأوّل: أنّ الوقف إذا آل إلى الخراب، فتارة يبدل بعين اخرى ذات منفعة مقصودة، كما إذا عوّضت الدار الخربة بدار عامرة ينتفع الموقوف عليه بسكناها أو بإيجارها، و هذا خارج عن محلّ الكلام، و تقدّم في (ص 643) في قوله: «فإن كان مما يمكن أن يبقى و ينتفع به البطون ابقي».

و اخرى يبدل- أي يباع- بالنقود من الذهب و الفضة المسكوكين، و الأنواط الرائجة. و حيث إن مقصود الواقف تسبيل منفعة العين أعمّ من شخصها و نوعها، و لا منفعة يعتدّ بها في مثل الذهب و الفضة- لندرة مثل التزيّن- فإن أمكن تبديل الثمن بعين اخرى تعيّن ذلك إبقاء للوقف، إمّا لكونه أقرب إلى غرض الواقف كما قال به جمع، و إما لكونه أصلح بحال الموقوف عليهم كما نبّه عليه المصنف قدّس سرّه في (ص 644).

و إن لم يمكن شراء بدل، لعدم وجوده فعلا، و لكن توقّع حصوله بعد مدّة، وجب وضع الثمن عند أمين، و لم يجز دفعه إلى البطن الموجود، ليتصرّف فيه على حدّ تصرفه في نفس الموقوفة، و ذلك لكون الثمن مشتركا بين جميع البطون، لتعلق حق الطبقات اللاحقة به، و لا سلطنة للموجودين عليه، و إنّما كانت سلطنة الانتفاع بالمبدل، فدفع إليهم للانتفاع به بلا مزاحم، و كذلك لهم السلطنة على البدل. و لكن المفروض أن الثمن لا منفعة فيه ليثبت سلطنتهم عليه، و يجب دفعه إليهم لذلك.

______________________________

[1] قد يتوهم وقفية نفس النقدين بأن يتّجر بهما، و يكون الربح للموقوف عليهم.

لكنه فاسد، لعدم صدق حدّ الوقف- و هو كون الموقوف عينا ينتفع بها مع بقائها- عليه، و من المعلوم أنّ النقدين ليس كذلك، بل يقعان في صراط الوقف.

ص: 666

فلا يجوز (1) دفعه (2) إلى البطن الموجود، لما (3) عرفت من كونه (4) كالمبيع مشتركا بين جميع البطون. و حينئذ (5) فيوضع عند أمين حتّى يتمكّن (6) من شراء ما ينتفع به

______________________________

(1) جواب الشرط في «لو لم يكن» و قد تقدم أنّ حرمة دفع الثمن للبطن الموجود منوطة بأمرين:

أحدهما: عدم الانتفاع بنفسه ذهبا أو نوطا.

و ثانيهما: رجاء حصول البدل أو الاطمئنان به، و هذا يستفاد من قوله: «حتى يتمكن من شراء ما ينتفع به» لبعد شموله لمورد اليأس من حصوله.

(2) تقدم أنّ المراد من الدفع المحرّم هو وقوع الثمن تحت يده في مدّة الانتظار و إمساكه لينتفع به. و وجه عدم الجواز عدم سلطنته عليه.

و ليس المراد من الدفع أن يكون الثمن للبطن الموجود خاصة. و ذلك لوضوح بطلانه، لعدم كونه ملكا طلقا له حتى يجوز التصرف فيه كيف ما شاء.

و الحاصل: أنّ الغرض حرمة إعطاء الثمن للبطن الموجود لينتفع بعوائده في مدة التفحّص عن المماثل. أما لو لم يتصرف فيه و كان أمينا في حفظه فهو كسائر الأمناء.

(3) تعليل لعدم جواز الدفع، و قد أوضحناه آنفا.

(4) أي: كون الثمن. و لكن الفارق بينه و بين المبيع أنّ المبيع- كالدار الموقوفة- و إن اشترك البطون فيه، لكن للبطن الموجود حقّ الانتفاع، فلا بدّ من تسلّطه على العين، بخلاف الثمن، إذ لم يسبّل منفعته ليستحق الانتفاع به و التسلّط عليه.

(5) أي: و حين عدم جواز دفع الثمن إلى البطن الموجود فيتعيّن على متولّي البيع وضع الثمن عند أمين.

(6) يعني: أنّ وضع الثمن عند أمين يعمّ صورتين: إحداهما: أن لا يحصل في مدة التفحص عن البدل مماثل للوقف ليشترى سواء وجد بدل موقّت ببيع خياري أم لا.

ثانيتهما: أن يحصل في تلك المدة مماثل موقّت، كما إذا بيعت الدار الخربة بخمسمائة دينار، و لم يف هذا الثمن بدار مماثلة تباع بالبيع اللازم، و لكن وجد من يبيع داره بخمسمائة دينار بخيار إلى سنة مثلا، فيشتريها المتولّي و ينتفع بها البطن الموجود. فإن فسخ البائع ردّ الثمن و يوضع عند الأمين كما كان. و إن أمضى البيع قام البدل مقام المبدل،

ص: 667

و لو (1) مع الخيار إلى مدّة.

و لو طلب ذلك (2) البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته (3)، و لا يعطّل (4) الثمن حتّى يوجد ما يشترى به من غير خيار (5).

نعم (6) لو رضي الموجود بالاتّجار به و كانت المصلحة في التجارة،

________________________________________

فينتفع به الموجودون و المعدومون.

(1) و الفرد الآخر هو التمكن من الشراء اللازم لا الخياري، فيؤخذ الثمن من الأمين حينئذ.

(2) يعني: و لو طلب البطن الموجود- من المتولّي- شراء عين مع الخيار لم يبعد وجوب إجابته. و هذا هو الفرع الثاني المتقدم في (ص 666). و الوجه في وجوب قبول الطلب أنّ الانتفاع بالبدل الموقّت- في مدة الخيار- حقّ له بالخصوص من غير مزاحم، فله اشتراء ما ينتفع به بالبيع الخياري. و لو خولف كان تعطيل الثمن تضييعا لحقّ البطن الموجود، و تفويت منفعة عليه بلا عذر.

فإن فسخ البائع فقد تحقق غرض الواقف من حبس العين- الشامل للشخص و النوع- و تسبيل الثمرة، و إن كان موقتا لا دائما. و يعود الثمن كما كان ينتفع به الكلّ.

و إن لم يفسخ كان البيع بالنسبة إلى البطن الموجود لازما. و إذا وصلت النوبة إلى البطن اللّاحق جاز الإبقاء و التبديل، لأنّ حرمة بيع الوقف مختصة بالوقف الابتدائي، كما تقدم في (ص 647) و لا تسري إلى الأبدال. و عليه فلا يلزم ضرر على البطون المتأخرة لو اشتري بثمن الوقف بدل بالبيع الخياري.

(3) أي: إجابة طلب البطن الموجود.

(4) لأنّ تعطيل الثمن عند الأمين تضييع لحقّ الموقوف عليهم.

(5) أي: بالبيع اللازم ليكون بدلا دائما عن الموقوفة.

(6) هذا هو الفرع الثالث ممّا يترتب على تعذّر البدل، و حاصله: أنّه لو وافق البطن الموجود في الاتّجار بثمن الوقف المبيع في مدّة الانتظار- إلى أن يتمكن المتولّي من شراء البدل- جاز ذلك بشرط كون الاتجار صلاحا للموقوف عليهم، لأنّ الثمن- كالوقف- ملك لهم، و مقتضى قاعدة السلطنة هو الجواز برضاهم، بشرط رعاية مصلحتهم.

ص: 668

جاز مع المصلحة (1) إلى أن يوجد البدل (2). و الرّبح تابع (3) للأصل، و لا يملكه (4)

______________________________

و حينئذ فالربح العائد من التجارة هل يكون مختصّا بالبطن الموجود، كمنفعة الموقوفة قبل بيعها، أم مشتركا بين جميع الطبقات كنفس الثمن غير المختص بالموجودين؟

وجهان، اختار المصنف الثاني، لوجود المقتضي للتعميم، و فقد المانع عنه.

أمّا وجود المقتضي، فلأنّ الثمن بدل الموقوفة المشتركة بين البطون، و مجموع ما اشتري بالثمن و بيع بأزيد منه وقع بإزاء الثمن الذي هو بدل الوقف، فلا محالة يعمّ جميع الطبقات. كما إذا بيع الوقف الخراب بمائة دينار، و اتّجر المتولي بالثمن، فاشترى به متاعا فباعه بمأتين، فإنّ حال المجموع من الثمن و الربح- أعني المأتين- حال نفس الثمن المفروض كونه مائة، و كان للبطون، و كذا المتاع المشتري به، و كذا المائتان اللتان هما بدل المتاع، لاقتضاء البدلية ثبوت اختصاصات المبدل للبدل، على ما تقدم تفصيله في (ص 636) فيكون وقفا.

و أمّا فقد المانع، فلأنّ ما يتوهّم كونه مانعا عن الاشتراك هو قياس هذا الربح بفوائد نفس الموقوفة، بأن يقال: إنّ البطن الموجود لو آجر الدار سنة بمائة دينار كانت الأجرة مختصة به، و لا حقّ لسائر البطون فيها. و كذا لو أوقف حيوانا على البطون، فأنتج، فإنّ النتاج ملك لخصوص الطبقة الحاضرة.

و لكن القياس مع الفارق، لأنّ الواقف جعل منفعة العين الموقوفة مختصة بكلّ واحد من البطون مدة حياته، و لا وجه لشركة الجميع فيها. و هذا بخلاف الربح الحاصل بالتجارة بثمن الوقف، لعدم كون الزيادة منفعة لنفس الموقوفة، بل لبدلها، فيجري عليها حكم البدل من كونه ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم. بمقتضى البدلية، و لا وجه للتبعيض، بجعل ما يعادل أصل الثمن مشتركا بين الكل، و ما زاد عليه مختصا بالموجودين.

(1) الظاهر زيادة هذه الكلمة، للاستغناء عنها بقوله: «و كانت المصلحة».

و يحتمل بعيدا أن تكون «المصلحة» قيدا للتجارة بقاء إلى أن يوجد البدل.

فالمصلحة في قوله: «و كانت المصلحة» قيد للتجارة حدوثا، و هنا قيد لها بقاء، فتدبّر.

(2) فبمجرد التمكن من تحصيل البدل لا يجوز التجارة و إن كانت مربحة.

(3) لكونه ربحا للثمن المشترك بين الجميع.

(4) يعني: و لا يملك الموجودون الربح ملكا طلقا، كما كانت منفعة نفس العين الموقوفة ملكا طلقا للموجودين.

ص: 669

الموجودون، لأنّه (1) جزء من المبيع، و ليس كالنماء الحقيقي (2).

[لا فرق في عروض الخراب للكل و البعض]

ثمّ لا فرق في جميع ما ذكرنا (3) من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض

______________________________

(1) أي: لأن الربح، توضيحه: أنّ النماء الحقيقي يكون من باب التوالد، فإنّ الثمرة تتولّد من الشجرة، بخلاف الربح، فإنّه أمر اعتباري، مثلا: إذا اشترى بثمن الوقف- الذي هو ماءة دينار- عشرين طغارا من التمر، فإذا فرض ارتفاع قيمة التمر بحيث صارت مالية عشرين طغارا مأتي دينار، فالربح- و هو عشرة طغارات- أمر اعتباري محض، إذ المفروض أنّه جزء المبيع الذي هو بدل الثمن، و ليس غيره و متولّدا منه. بخلاف الثمرة كما عرفت.

(2) في كونه ثمرة مسبّلة من قبل الواقف مختصة بمن وجد من البطون. هذا ما يتعلّق بالفروع الثلاثة المترتبة على تعذر شراء بذل الوقف فورا.

(3) كان موضوع ما تقدّم من جهات البحث في الصورة الاولى- إلى هنا- هو خراب العين الموقوفة و سقوطها عن المنفعة المعتدّ بها. و يقع البحث في حكم خراب بعض الوقف و بقاء بعضه عامرا قابلا لانتفاع البطن الموجود به، و له صورتان:

فتارة يكون عمارة النصف فالباقي بحيث يستعدّ البقاء لينتفع به البطن اللاحق.

و اخرى يكون بحيث يمكن انتفاع البطن الموجود به خاصة، و يخرب بعده.

و الكلام فعلا في الصورة الأولى، كما لو انهدم نصف الدار الموقوفة، و بقي نصفه الآخر عامرا قابلا للسكنى فيه فعلا، من دون أن يتوقف استيفاء المنفعة- المقصودة للواقف- منه على صرف ثمن ذلك النصف فيه، و لا إشكال في جواز بيع الخراب، و شراء دار اخرى- و إن كانت صغيرة- لينتفع بها، تحقيقا لغرض الواقف، كما كان جواز البيع و التبديل حكم سقوط كلّ الموقوفة عن المنفعة.

و لكن يفترق خراب البعض عن خراب الكلّ بجواز صرف ثمن البعض بأحد نحوين:

الأوّل: صرفه في إعمار ما بقي بإحداث غرفة أخرى أو طابق مستقل بحيث يكون موجبا لتوفير منفعة هذا النصف الباقي. كما إذا كانت أجرته قبل الصرف خمسين دينارا، و بعده سبعين دينارا، و كانت منفعة دار صغيرة اخرى- لو اشتريت بثمن النصف

ص: 670

الخراب لكلّه أو بعضه، فيباع البعض المخروب و يجعل بدله ما يكون وقفا (1).

و لو كان (2) صرف ثمنه في باقيه (3) بحيث (4) يوجب زيادة منفعة [منفعته] جاز (5) مع رضا الكلّ،

______________________________

الخراب،- عشرة دنانير، إذ من المعلوم أنّ غرض الواقف من حبس الدار و تسبيل منفعتها و هي السكنى أو الانتفاع باجرتها يحصل بشراء دار مستقلّة، و بصرف الثمن في مصلحة النصف الباقي، مع فرض زيادة المنفعة في الثاني.

نعم يشترط في جواز صرف الثمن في النصف الباقي أمران:

أحدهما: زيادة المنفعة على ما يحصل بشراء بدل للنصف الخراب.

و ثانيهما: رضا الموقوف عليهم بهذا النحو من الصرف، و عدم شراء بدل مستقلّ.

و الدليل على اعتبار رضاهم كون ثمن النصف الخراب ملكا لهم، فلهم التصرف فيه بما يرونه من المصلحة.

النحو الثاني: صرف الثمن في عين أخرى موقوفة على نفس هذه الطبقات بحيث تزداد نفعا. و ذلك بشرطين:

أحدهما: كون جهة الوقف في كلتيهما واحدة، كما إذا كانت تلك دارا لسكنى البطون أو للانتفاع باجرتها. فلو كانت الموقوفة الأخرى دكانا أو خانا أو حمّاما لم يجز صرف ثمن نصف الدار فيها و إن اتّحد المنتفع بكلا الوقفين.

ثانيهما: رضا جميع أفراد البطن الموجود بالصرف المزبور.

(1) كما كان في خراب الكلّ. و ما تقدم فيه- من عدم حاجة وقفية البدل إلى تجديد صيغة الوقف، و من كونه كالمبدل ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للمعدوم، و من كون المتولّي للبيع هو الطبقة الحاضرة بضميمة الحاكم، و غير ذلك من الأحكام- جار في خراب البعض، لوحدة المناط.

(2) هذا إشارة إلى امتياز خراب البعض بجواز صرف الثمن بأحد نحوين، و عدم تعيّن التبديل بعين أخرى.

(3) أي: في باقي الوقف، كما تقدّم آنفا من انهدام نصف الدار، و بقاء نصفها الآخر.

(4) هذا إشارة إلى أوّل الشرطين.

(5) جواب الشرط في «و لو كان» و قوله: «مع رضا الكل» إشارة إلى الشرط

ص: 671

لما عرفت (1) من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه على ظنّ المصلحة.

و منه (2) يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم على (3) نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم (4).

و لو خرب (5) بعض الوقف،

______________________________

الثاني. و المراد من الكلّ الحاكم الشرعي الولي على المعدومين، و كبار البطن الموجود، فلو كان فيهم صغير كان الحاكم وليّا عليه أيضا.

(1) تعليل لجواز صرف ثمن المبيع في إعمار ما بقي من الوقف بالشرطين المتقدمين، و محصله: أنّ الثمن كالمثمن ملك البطون، فيجوز للبطن الموجود- بضميمة الحاكم- التصرف فيه بما هو صلاح له و للبطون اللاحقة.

(2) أي: و من جواز صرف ثمن البعض- المبيع- بالشرطين المزبورين يعلم جواز صرف الثمن في مورد آخر، و هو ما تقدم توضيحه بقولنا: «النحو الثاني: صرف الثمن في عين أخرى ..».

(3) صفة ل «وقف آخر» و غرضه الإشارة إلى أوّل الشرطين، و أنّه لا يكفي في جواز صرف الثمن في وقف آخر كون كليهما موقوفين على هذه البطون، بل لا بدّ من اتحادهما نوعا، كدارين، أو خانين، و هكذا.

و لم يصرّح المصنف بالشرط الثاني- و هو رضا الموجودين و الحاكم- تعويلا على وضوحه، و استفادته من قوله: «و منه يعلم».

(4) أي: كان الموقوف عليه في الوقف الأوّل- الذي بيع نصفه الخراب- و في الوقف الثاني واحدا.

(5) هذا ما أشرنا إليه من الصورة الثانية، و هي خراب نصف الوقف، و كون النصف الباقي العامر فعلا ممّا لا يبقى إلى زمان البطن اللّاحق، كما إذا كان اقتضاء بقاء عمارته عشرين سنة، و ينقرض البطن الموجود في هذه المدة، فيسقط عن حيّز الانتفاع في زمان انتقاله إلى البطن اللاحق، فهل يجب فعلا صرف ثمن النصف الخراب في مصلحة النصف العامر و ترميمه، ليستمرّ عمرانه و تتمكن الطبقة المتأخرة من الانتفاع به،

ص: 672

و خرج (1) عن الانتفاع، و بقي بعضه محتاجا إلى عمارة لا يمكن (2) بدونها انتفاع البطون اللّاحقة، فهل (3) يصرف ثمن المخروب (4) إلى (5) عمارة الباقي و إن لم يرض (6) البطن الموجود (7)؟ وجهان (8) [1]

______________________________

أم لا يجب هذا الصرف، فلهم الانتفاع بالنصف العامر، و تبديل ثمن النصف الخراب بعين اخرى، و لا يجب حفظ الوقف للبطون اللاحقة لينتفعوا به؟ وجهان، و لم يرجّح المصنف قدّس سرّه هنا أحدهما، و لكنّه قوّى الثاني في الصورة العاشرة بزيادة قيد، و هو عدم اشتراط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه. فلو اشترط الواقف ذلك وجه صرف الثمن في مصلحة النصف العامر ليبقى إلى زمان البطن اللّاحق. و هذا في الحقيقة وجه ثالث، و سيأتي في الصورة العاشرة التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: خرج بعض الوقف- بسبب الخراب- عن انتفاع البطن الموجود.

(2) الجملة صفة ل «عمارة» أي: عمارة النصف الباقي تكون رعاية للبطن اللاحق، و إلّا فانتفاع الموجودين غير متوقف على إعماره.

(3) الجملة جواب الشرط في قوله: «و لو خرب».

(4) أي: ثمن البعض المخروب بعد بيعه.

(5) متعلق ب «يصرف» و المراد بالباقي هو البعض الباقي، كنصف الموقوفة أو ثلثها أو ربعها.

(6) أي: لم يرض بهذا الصرف، بأن أراد تبديل ثمن الخراب بعين اخرى ينتفع بها كما ينتفع بالبعض العامر من الوقف.

(7) لم يذكر المصنف عدلا لوجوب الصرف، اتكالا على وضوحه، و التقدير:

أم لا يصرف بدون رضى البطن الموجود.

(8) لدوران الأمر بين عدم انتفاع البطن الموجود بالجزء البائر بتبديله بما ينتفع به، و المفروض أنّ جواز بيع الخراب مبني على كونه ملكا للبطن الموجود فعلا، و إطلاق

______________________________

[1] أوجههما وجوب الصرف، لعدم اختصاص الثمن بالموجودين، و عدم انتفاع البطن الموجود بالثمن حينئذ لا ضير فيه بعد أن كان ذلك لاحتياج نفس الموقوف إلى التعمير

ص: 673

آتيان (1) فيما إذا احتاج إصلاح الوقف- بحيث (2) لا يخرج عن قابليّة انتفاع البطون اللاحقة- إلى (3) صرف منفعته الحاضرة التي يستحقّها البطن الموجود، إذا لم (4) يشترط الواقف [1]

______________________________

«الناس مسلّطون على أموالهم» يقتضي جواز صرف الثمن في مصالح نفسه، و لا ملزم له لصرف الثمن في عمارة ما بقي من الوقف رعاية لحال البطون المتأخرة. و عليه فلا يجب الصرف المزبور.

و بين عدم انتفاع البطن اللاحق بالعين، مع تعلق غرض الواقف بتسبيل منفعتها للطبقات على السواء. و عليه فيجب على الموجود إعمار الباقي.

(1) قال في الصورة العاشرة: «و لو دار الأمر بين بيعه و الإبدال به، و بين صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حقّ البطن الذي يفوته المنفعة، أو حقّ الواقف و سائر البطون المتأخرة، المتعلّق بشخص الوقف؟ وجهان، لا يخلو أوّلهما عن قوّة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه».

(2) صفة للوقف المحتاج إلى الإصلاح.

(3) متعلق ب «احتاج» و المراد بالمنفعة الحاضرة ما يعود إلى البطن الموجود بتبديل الثمن بعين اخرى ينتفع بها.

(4) قيد ل «الوجهين الآتيين» يعني: أنّ مورد احتمال الوجهين في تلك المسألة- و هي قسمة عوائد الوقف على الموقوف عليهم بعد إخراج المؤن من منافعه- هو عدم اشتراط الواقف. و أما مع شرطه فالمتعيّن صرف فوائد الوقف في مئونته.

______________________________

لزوم صرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف، فإنّ حفظ تأبيد الوقف أهمّ من حق البطن الموجود الموجب مراعاته لذهاب حقوق البطون اللاحقة.

[1] يمكن أن يقال: إنّ حقوق البطون متأخرة عمّا يرجع إلى حفظ نفس الوقف، لأنّ بقاءه بمنزلة الموضوع لحقوقهم، و البقاء موقوف على صرف مئونة فيه، فتخرج المئونة أوّلا، ثمّ تقسّم عوائده على الموقوف عليهم ثانيا.

و على هذا فتصرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف، فتأمّل.

ص: 674

إخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته (1) في الموقوف عليهم.

و هنا فروع أخر (2) يستخرجها الماهر بعد التأمّل.

______________________________

و هكذا في المقام، فيجب صرف ثمن بعض الوقف في إعمار بعضه الآخر.

(1) كذا في النسخ، و الأولى «قسمتها» لرجوع الضمير إلى المنفعة.

(2) منها: أنّه بناء على وجوب شراء المماثل إذا لم يكن الثمن وافيا بشراء مماثل تام، و دار بين شراء ناقص منه، و بين شراء تامّ من غيره، فهل يقدّم المماثل الناقص أم التام من غيره؟

و منها: أنّه إذا زاد الثمن عن المماثل، فهل يصرف الزائد في شراء مماثل ناقص، لعدم وفائه بمماثل تامّ؟ أم في شراء تام غير مماثل.

و منها: أنّه إذا كان شراء المثل صلاحا للموجودين، و شراء غيره صلاحا للمعدومين، فهل يرجّح حق الموجودين أم حق المعدومين؟

و منها: أنّه إذا كان المثل صلاحا للمعدومين، و لكن كان صلاحا في الجملة للموجودين، كما إذا كانت عوائد المثل في جزء من الزمان- كسنتين مثلا- قليلة، و فيما بعده تصير كثيرة، بحيث ينتفع بها الموجودون انتفاعا معتدّا به، فهل يصرف الثمن في شراء هذا المثل؟ أم يصرف في شراء تامّ غير مماثل.

و منها: ما إذا كان المماثل بعيدا عن محل الموقوف عليهم مع كون غير المماثل قريبا بمكانهم و أعود بحالهم، فالمصلحة في كلّ منهما موجودة، غايته أنّ غير المماثل أنفع و أصلح لهم، فهل يجب شراؤه أم شراء المماثل؟

إلى غير ذلك من الفروع المتصورة في هذا المقام.

هذا تمام الكلام في اولى صور بيع الوقف.

ص: 675

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

صورة

ص: 681

صورة

ص: 682

صورة

ص: 683

صورة

ص: 684

صورة

ص: 685

صورة

ص: 686

المجلد 7

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

لفت نظر

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لا يخفى على الأساتذة الكرام والإخوة الأفاضل أن كتاب « هدى الطالب » مجموعة محاضرات ألقاها سماحة السيد الوالد له حينما كان في مهد العلم مدينة النجف الأشرف و أثناء تواجده في مدينة الأهواز بعد هجرته إلى إيران.

و كانت طريقته كتابة ما يلقيه من المحاضرات فحصل من مجموع ذلك هذا الشرح الذي حاز إستقبالاً وافراً في الحوزات العلمية. وكان آخر ما كتبه بحث الأراضي، و حالت المنية دون أمنيته و هي إتمام الكتاب، فجزاه الله تعالى عن العلم و أهله خير الجزاء،و حشره مع أجداده الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

هذا و كان قد كتب تعليقاً آخر على المكاسب دونه أيام تدريسه إياه في ... السطح على غرار « قوله قوله تبه ... » و هو و إن تكفل شرح كثير من العبارات الغامضة، كما وتضمّن التعليق على بعض الأبحاث أيضاً، لكنه يختلف مع ما مضى من كتاب « هدى الطالب » من حيث التوضيح و التعليق فكان اللازم توحيد ما كتبه أولاً مع المطبوع من حيث المنهجية، و ذلك بإضافة بعض المطالب إليه.

و قد أمرني _ قبيل وفاته - بمتابعة المشروع إتماماً للفائدة، فقمت بإمتثال أمره مع الاعتراف بفقد الكفاءة العلمية - و اقتصرت غالباً على إكمال ما كان يختص بتوضيح الكتاب، معتمداً على ما دونه أعلام شُرّاح المكاسب و محشيه، كالسيد الفقيه الطباطبائي و الشيخ الفقيه المامقاني و المحقق الخراساني و المحقق التقي الشيرازي و المحقق النائيني و المحقق الإصفهاني و المحقق الإيرواني و السيد العلّامة الإشكوري و العلّامة الشهيدي و غيرهم من الأجلة و أخص بالذكر ما إستفدته من محاضرات شيخنا الاستاذ العالم

ص: 5

العامل، الفقيه المحقق سماحة آية الله الكبرى الشيخ الوحيد الخراساني متعنا الله بدوام ظلّه.

هذا مضافاً إلى إستخراج ما تيسر لي إستخراجه من الأقوال المنقولة في المكاسب،خصوصاً ما عبر عنه شيخنا الأعظم لي بمثل و ربما يستدل و قد تخيّل، كما توهم و لا ينتقض و دعوى، و تعميم الحجة، و الإيراد عليه، و قد يقال، و ربما قيد » و نحوه، و ذلك بالتنبع في الكتب التي عاصر المصنّف مؤلّفيها أو قارب عصرهم، كالمصابيح و شرح القواعد و مفتاح الكرامة و المقابس و كشف الظلام و المستند و العناوين و شرح خيارات اللمعة و الجواهر و غيرها و أوردت - غالباً _ نص العبارة تسهيلاً للأمر.

و لذلك كله أرجو من الأساتذة الكرام أن يُحمّلوني مسؤولية ما يجدونه من خلل أو قصور في الأداء و تبيين المراد، أو خطأ في التخريج.

و ختاماً أسأله تعالى القبول و التوفيق لإكماله و أن ينفع به إخواننا المحصلين، إنه خير موفق : و معين.

قم المقدسة _ شعبان المعظم ١٤٢٤

أقل الطلبة محمد علي الموسوي المروج

ص: 6

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة القول في شرائط العوضين]

[تتمة الثاني من شرائط العوضين أن يكون طلقا]
[تتمة مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه وقفا]
[الوقف الدائم]
[تتمة الصور التي يجوز فيها بيع الوقف]
[الصّورة الثّانية أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به]

الصّورة الثّانية (1): أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به، بحيث

______________________________

الصّورة الثانية: أن يخرب الوقف بحيث يقل نفعه

(1) تقدم في الصورة الاولى أنّ عنوان «خراب الوقف فعلا» جامع بينها و بين الصّورة الثّانية و الثّالثة، و أنّ الفارق بينها عدم استعداد العين للبقاء في الاولى، و استعدادها له في الأخيرتين «1» [1].

ففي الصّورة الأولى يكون الانتفاع بالموقوفة مساوقا لإتلافها، كما في أكل لحم الحيوان المذبوح، و لذا دار الأمر فيها بين إبقاء العين حتّى تتلف، و ينتهي أمد الوقف بتلفها، و هو تضييع محرّم، و بين تبديلها، لكون البدل بقاء لمالية نفس الموقوفة.

و في الصّورة الثّانية- الّتي هي محلّ البحث- لا يوجب عدم التبديل تلف العين بالمرّة و لا تعذّر الانتفاع بها كلّيّة، بل يبقى مقدار يسير من المنفعة، كالدّار الموقوفة الّتي انهدمت فخرجت عن قابليّة السّكنى فيها، و لكن أمكن إيجار العرصة- التي

______________________________

[1] كما أنّه قدّس سرّه فرّق بين الصّورة الثانية و الثالثة بقلّة المنفعة في الثانية بما يلحق بالمعدوم عرفا، لقوله: «لا تبلغ شيئا معتدّا به» و قوله: «يصدق عليه أنّه لا يجدي نفعا» و قوله: «و إلّا فمجرّد حبس العين و إمساكه و لو من دون المنفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصّورة الاولى». و قلّتها في الثالثة بما لا يلحق

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 611

ص: 7

..........

______________________________

هي جزء الموقوفة- بشي ء قليل، كما لو كان اجرة الدّار كلّ شهر عشرة دنانير، و اجرة العرصة- كذلك- در همين.

ففي هذه الصّورة يقع التّزاحم بين أمرين تعلّق غرض الواقف بكلّ منهما.

الأوّل: حفظ خصوصيّة العين، لكونها بخصوصيّتها محبوسة للموقوف عليه.

و لازمه رفع اليد عن الانتفاع الخاص كالسّكنى.

الثاني: حفظ خصوصية المنفعة المسبّلة حتى إذا توقف على تبديل العرصة بدار اخرى. و سيأتي في (ص 21) ترجيح هذا على الأمر الأول.

______________________________

بالمعدوم عرفا، كما هو صريح قوله فيها: «أن يخرب بحيث يقل منفعته، لكن لا إلى حد يلحق بالمعدوم» و لا بدّ أن يكون نظره إلى الصورة الثانية التي يلحق فيها ندرة المنفعة بالمعدوم، هذا.

و لكن يشكل الفرق المزبور بما أفيد: من أن المراد بقلّة المنفعة في الصّورة الثانية إن كان ما تقدم في كلامه من لحوقها بالمعدوم- كما في إجارة عرصة الدار بدرهمين شهرا- لم يصحّ الاستدراك عليه بقوله: «نعم لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن الحكم بالجواز» لاتّحاد الاستدراك مع ما قبله موضوعا، و هو ندرة المنفعة بحيث يكون بحكم العدم عرفا.

و إن كان مراده من القلّة ندرة المنفعة بالنّسبة إلى ما كان عليه العين قبل الخراب مع كونها شيئا معتدا به عرفا- كما إذا كان اجرة العرصة نصف اجرة الدار حال عمرانها- فالاستدراك المزبور و إن كان في محلّه، لتعدّد الموضوع، إلّا أنه يلزم اتّحاد الصّورة الثانية و الثالثة «1».

و الحاصل: أن عدّ الصورة الثانية مستقلّة منوط بترك الاستدراك المزبور، ليتعدد موضوع البحث فيها و في الثالثة.

______________________________

(1) مصباح الفقاهة، ج 5، ص 203 و 204

ص: 8

يصدق عرفا (1) أنّه لا منفعة فيه (2)، كدار انهدمت، فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها (3) باجرة لا تبلغ شيئا معتدا به.

فإن كان ثمنه (4) على تقدير البيع لا يعطى به إلّا ما كان منفعته (5) كمنفعة العرصة، فلا ينبغي الإشكال في عدم الجواز.

______________________________

لكن المصنف قدّس سرّه فصّل هنا بين فرضين، و اختار عدم جواز البيع في أحدهما، و استشكل في الآخر.

ثمّ تعرّض لأمرين آخرين:

أحدهما: حكم قلّة المنفعة لموجب غير الخراب، كالاستغناء عن الخانات الموقوفة على المسافرين- في هذه الأزمنة- لاعتياد السفر بالسيارات و الطائرات و نحوهما.

ثانيهما: حكم وقف العنوان، و سيأتي البحث فيهما.

(1) و إن لم يصدق «عدم النفع» حقيقة، من جهة وجود نفع يسير فيه، كما مرّ في إجارة عرصة الدار بدر همين مثلا.

(2) هذا الضمير و ضمير «أنّه» و المستتر في «يخرب، يسقط» راجعة إلى الوقف.

(3) أي: بالعرصة، و قوله: «باجرة» متعلق ب «تؤجر».

(4) أي: ثمن الوقف، و هذا هو الفرض الأوّل، و هو: أن تكون قيمة العرصة بحيث يتعذّر شراء شي ء بها يكون منفعته أزيد من اجرة العرصة، كما إذا كان قيمتها عشرة دنانير، و اجرتها شهرا در همين، و لو بيعت لم يتيسّر شراء شي ء- بالثمن- يكون نماؤه أزيد من در همين. و حكم هذا الفرض منع البيع، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها، و لم يحرز مسوّغ البيع بعد.

(5) أي: منفعة المعطى بالثمن، و المراد بالمعطى هو البدل المشترى بثمن الوقف.

و المقصود مساواة عائدة البدل و المبدل.

ص: 9

و إن كان (1) يعطى بثمنه (2) ما يكون منفعته (3) أكثر من منفعة العرصة، بل يساوي منفعة الدّار (4)، ففي جواز البيع و جهان:

من عدم دليل على الجواز (5) مع قيام المقتضي للمنع.

______________________________

(1) معطوف على «فإن كان» و هذا هو الفرض الثاني، و هو: أن يكون ثمن العرصة- على تقدير البيع- وافيا بشراء دكان مثلا يؤجر بدنانير، فتزيد منفعة البدل على منفعة العرصة فعلا، أعني بها الدر همين.

و في جواز البيع في هذا الفرض و عدمه و جهان، سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: بثمن الوقف.

(3) أي: منفعة المعطى، و هو البدل، كما إذا كانت العرصة في سوق يتخذ فيه محلات للتجارة، أو كانت في شارع عام يبذل لها ثمن كثير، و نحوهما مما يعدّ أجرة نفس العرصة قليلا بالنسبة إلى منفعة البدل.

(4) أي: منفعة الدار قبل انهدامها، فإذا كانت اجرتها شهرا عشرة دنانير، كان منفعة ما يشترى بثمن العرصة عشرة دنانير أيضا. و الوجه في الإضراب واضح، لأنّ شبهة جواز البيع تتأكّد عند مساواة البدل لمنفعة نفس الدّار الموقوفة المنهدمة.

(5) هذا وجه منع البيع، و حاصله: وجود المقتضي و فقد المانع. أمّا وجود المقتضي فلتعلّق غرض الواقف بحبس العين الخاصّة كالدّار التي تكون العرصة جزأها، و المفروض إمضاء الشارع هذا الإنشاء، بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». و أمّا فقد المانع، فلأنّ مسوّغ البيع هو خراب الوقف بحيث لا يجدي نفعا، فيجوز بيع الوقف الساقط عن النفع بالمرّة كما تقدّم في الصورة الاولى. و لكن لا ريب في عدم صدق هذا المانع على المقام، لفرض عود منفعة قليلة من العرصة إلى الموقوف عليهم. و يشهد لمنع جواز البيع تصريح العلّامة قدّس سرّه بعدم جواز بيع عرصة الدّار المنهدمة، لبقائها على الوقف.

ص: 10

و هو (1) ظاهر المشهور، حيث قيّدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه بحيث لا يجدي نفعا (2).

و قد تقدّم (3) التصريح من العلّامة في التحرير بأنّه «لو انهدمت الدّار لم تخرج العرصة من الوقف، و لم يجز بيعها» «1».

اللهم إلّا (4) أن يحمل النفع المنفيّ في كلام المشهور على النفع المعتدّ به

______________________________

(1) أي: عدم جواز البيع في هذا الفرض ظاهر فتوى المشهور بجواز البيع إذا لم يجد نفعا أصلا، فمورد بقاء شي ء من النفع- كما في المقام- خارج عن جواز البيع.

(2) تكرّر قيد «عدم إجداء النفع» في كثير من العبائر التي نقلها المصنف قدّس سرّه في أوّل المسألة، ففي المقنعة «أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا» و في الانتصار: «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا» و في المراسم: «حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان» و في جامع المقاصد: «إذا خرب و اضمحلّ بحيث لا ينتفع به» و غيرها فراجع «2».

(3) غرضه قدّس سرّه من الاستشهاد بعبارة التحرير أنّ منع البيع عند عود شي ء من النفع يستفاد من مفهوم قولهم: «بجواز البيع بحيث لا يجدي نفعا». و من المعلوم أنّ دلالة المفهوم بالظهور لا بالصراحة، و لكن العلّامة صرّح بمنع بيع العرصة و ببقاء و قفيّتها.

(4) ظاهره الاستدراك على قوله: «من عدم دليل على الجواز» فيكون مقصوده بيان وجه جواز البيع، و كان الأنسب بسلاسة العبارة أن يقال: «و من أنّ النفع المنفي ...».

و كيف كان فتوضيح ما أفاده: أنّ مراد المشهور- الّذين قيّدوا جواز البيع بعدم

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 565

(2) المصدر، ص 558، 560، 563 و 568

ص: 11

بحسب (1) حال العين، فإنّ الحمام (2) الّذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت

______________________________

إجداء النفع- ليس عدم ترتب المنفعة على الوقف بالدقّة العقلية حتى يكون حصول النفع القليل مانعا عن البيع، بل المراد سلب النفع المعتدّ به المناسب للعين الموقوفة، فلو خربت بحيث كان ما يصل إلى الموقوف عليه يسيرا ملحقا بالمعدوم جاز بيعها عند المشهور أيضا، ضرورة عدم كون البيع منافيا لغرض الواقف من حبس العين و تسبيل الثمرة، لأنّ مقصوده من حبس العين تسبيل منفعة خاصّة كالسكنى في الدّار، فسقوطها عن تلك المرتبة يوجب خروج الوقف موضوعا عن قوله عليه السّلام:

«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». و من المعلوم أنّ أدلّة حلّ البيع و الوفاء بالعقود تقتضي صحة تبديلها بشي ء آخر.

و يشهد لكون المراد من النفع المنفي هو النفع المعتدّ به كلام العلّامة في وقف التحرير، من «جعل عرصة الدّار المنهدمة الساقطة عن المنفعة بالكلّية مواتا وجها في المسألة» وجه الشّهادة: أنّ العرصة لا تصير مسلوبة المنفعة بالدقة العقلية، بل قد يستفاد منها بإيجارها لبعض الأغراض كجعلها مزبلة أو محلّا لبيع أنقاض الأبنية و نحوهما. و لكن لما كانت هذه الاجرة بحكم المعدوم بالنسبة إلى اجرة الدّار العامرة اتّجه القول بخروجها عن الوقف، و صيرورتها مواتا يجوز للكل التصرّف فيها.

(1) يعني: أن لكل عين موقوفة منفعة تناسبها، فإن كانت معتدّا بها لم يجز بيعها، و إن كانت قليلة غير معتنى بها جاز بيعها. مثلا إن كانت الدار تؤجر سنة بألف دينار، فالمقدار المعتدّ به خمسمائة دينار، فلو انهدمت و استؤجرت العرصة بخمسة دنانير لم تكن هذه المنفعة القليلة مقصودة و لا مناسبة لمنفعة الدار، و لا يصدق على العرصة «أنّها ذات منفعة» بل يصدق- عرفا- كونها مسلوبة المنفعة.

(2) غرضه التمثيل للنفع غير اللائق بالموقوفة، كما إذا كانت اجرة الحمّام العامر مائة دينار أو تسعين، و استؤجر عرصتها بعشرة دراهم، ضرورة عدم صدق «وصول النفع إلى الموقوف عليه» على هذه الإجارة.

ص: 12

عرصة تؤجر كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي- كجمع الزبائل (1) و نحوه- يصدق (2) عليه: أنّه لا يجدي نفعا (3). و كذا القرية (4) الموقوفة، فإنّ خرابها بغور أنهارها و هلاك أهلها، و لا تكون (5) بسلب [تسلب] منافع أراضيها رأسا. و يشهد لهذا (6) ما تقدّم عن التحرير: من جعل عرصة الدار المنهدمة

______________________________

(1) جمع «زبالة» بمعنى الفضولات و القاذورات. و لكن لم أظفر في اللّغة بهذا الجمع و لا بمفرده بلفظ «زبالة» التي هي اسم موضع. قال في اللّسان: «الزّبل- بالكسر- السرقين و ما أشبهه» «1» و لعلّ القاعدة تقتضي جمعه على «أزبال» كنظائره من «حبر، و شبل». و الغرض إيجار العرصة لجعلها مزبلة، أو لعرض البضائع فيها.

(2) خبر «فإنّ الحمّام» و ضمير «عليه» راجع إلى الحمّام.

(3) و قد تقدّم عن المشهور جواز البيع عند صدق «لا يجدي نفعا» على الوقف.

(4) هذا مثال آخر لصدق «عدم النفع» عرفا على المنفعة النادرة، فلا يكون خراب القرية الموقوفة بامتناع الانتفاع بها مطلقا حتى بإجارة أراضيها باجرة قليلة، بل يكون بغور نهرها و هلاك أهلها ممّا يوجب سلب معظم منافعها كالزرع. فيصدق عليها مع ما فيها من النفع الجزئي الملحق بالمعدوم «أنّها لا تجدي نفعا» فيجوز بيعها حينئذ.

(5) الأولى «يكون» لرجوع الضمير المستتر إلى خراب القرية، و بناء على ما في نسختنا من قوله «و لا تكون تسلب» فالضمير المستتر راجع إلى القرية، أي:

و لا تكون القرية الخربة مسلوبة المنفعة بالمرّة. و الأولى سوق العبارة هكذا:

«لا بسلب ...»، و يكون «لا» نافية عاطفة.

(6) أي: لحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتدّ به، المقصود من

______________________________

(1) لسان العرب، ج 11، ص 300

ص: 13

مواتا لا ينتفع بها بالكلّية (1)، مع أنّها كثيرا ما تستأجر للأغراض الجزئية.

فالظّاهر (2) دخول الصورة المذكورة (3) في إطلاق كلام كلّ من سوّغ البيع عند خرابه، بحيث لا يجدى نفعا. و يشمله (4) الإجماع المدّعى في الانتصار (5) و الغنية.

______________________________

العين الموقوفة.

(1) عبارة التحرير هي: «و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية- كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكّن من عمارتها- كان وجها» فموضوع الحكم بعود الأرض مواتا هو عدم الانتفاع بها كلّيّة، و إن بقي شي ء يسير من فوائدها.

(2) هذا نتيجة حمل النفع المنفي- في كلام المشهور- على المعتدّ به، و حاصله:

أنّ حكمهم بجواز بيع الوقف- إذا صار بحيث لا يجدي نفعا- مطلق، يشمل صورتين، إحداهما: سلب تمام المنفعة، و الاخرى: سلب جلّ المنفعة. و لم يقيد هذا الإطلاق بسقوط العين عن تمام المنفعة، حتّى لا يجوز البيع عند بقاء شي ء منها.

(3) و هي خروج العين عن النفع المعتدّ به.

(4) الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى الصورة المذكورة، يعني: أن دليل حكمهم بجواز البيع عند الخراب هو الإجماع، الشامل للصورتين المتقدمتين على حدّ سواء.

(5) قال السّيد قدّس سرّه في كلامه المتقدم: «و ممّا انفردت الإمامية به القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه» ثم قال المصنف قدّس سرّه: «ثمّ احتجّ باتفاق الإمامية».

و قال السيد أبو مكارم قدّس سرّه: «و يجوز عندنا بيع الوقف ...» و كلمة «عندنا» ظاهرة في إجماع الإمامية، فراجع «1».

______________________________

(1) الانتصار، ص 226؛ الغنية، ص 298، و تقدّم نقلهما في ج 6، ص 561 و 563

ص: 14

لكن (1) الخروج بذلك (2) عن (3) عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف، الذي هو حبس العين (4)، و عموم (5) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» مشكل (6).

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه- بعد بيان وجه منع البيع و جوازه- ترجيح المنع، و حاصله:

وجود المقتضي لعدم جواز بيع الوقف المسلوب نفعه، و فقد المانع عنه. و تقدّم بيانهما في (ص 10).

(2) أي: بمجرّد صيرورة جلّ منفعة الوقف مسلوبة، و بقاء شي ء يسير منها.

(3) متعلق ب «الخروج» يعني: أن سلب المنفعة المعتدّ بها لا يجوّز البيع مع ظهور دليلين في المنع.

أحدهما: عموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على إمضاء ما أنشأه الواقف من حبس العين أبدا، و منعها عن الحركة الاعتبارية، سواء بقيت العين على ما كانت عليه حال الوقف أم خربت بما يقلّ نفعها. و لا مخصّص للعموم المزبور حسب الفرض.

ثانيهما: عموم «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع المعاملة تعبّدا، سواء أ كان منع البيع مأخوذا في إنشاء الوقف أم غير مأخوذ فيه، و تقريب الظهور: أن كلمتي «الشراء و الوقف» من قبيل الجنس الواقع في حيّز النفي، و من شأنه إفادة العموم.

و لا فرق في عدم الجواز بين كون الوقف عامرا و خرابا، كما لا فرق بين قلّة عوائده و كثرتها، و لم ينهض دليل على تخصيص عموم الحرمة حتى يجوز الشراء حال قلّة المنفعة.

(4) يعني: حبسها أبدا، سواء صرّح الواقف بالتأبيد أم لم يصرّح به، فإنّ غرضه حال الإنشاء هو حبس العين دائما على الموقوف عليه.

(5) معطوف على «عموم» أي: الخروج عن عموم نفي جواز البيع.

(6) خبر قوله: «لكن الخروج» و منشأ الإشكال: عدم المخصّص.

ص: 15

و يؤيّد المنع (1) حكم أكثر (2) من تأخّر عن الشيخ بالمنع (3) عن بيع النخلة

______________________________

(1) بعد ترجيح منع البيع بالعمومين المزبورين، أيّده بفتوى جماعة من الفقهاء- المتأخّرين عن شيخ الطائفة- بمنع بيع النخلة المنقلعة، فإنّ المنفعة المقصودة المسبّلة حال الإنشاء هي ثمرتها، و هي منتفية بعد القلع، فإن أمكن الانتفاع بها لغرض آخر كالتسقيف، و جعلها جسرا على جدول و نحوهما ممّا يكون أجنبيّا عن جهة الوقف- و لا يكون منفعة معتدّا بها- لم يجز بيعها، و يتعيّن الانتفاع المزبور من تسقيف و شبهه. و هذا يؤيّد منع المصنف قدّس سرّه من البيع.

و التعبير بالتأييد لأجل كونه مختار أكثر من تأخّر عن شيخ الطائفة، و من المعلوم عدم كون حكم الأكثر- بل المشهور- من الحجج الشرعية، لكنه صالح للتأييد.

و إن تعذّر الانتفاع بالنخلة المنقلعة مطلقا كانت الفتوى المزبورة أجنبية عمّا نحن فيه من بقاء منفعة قليلة، لتعدّد موضوع المسألتين.

(2) كالحلّي و المحقق و العلّامة و فخر المحققين و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم كما في مفتاح الكرامة و المقابس «1»، قال المحقّق قدّس سرّه: «و لو انقلعت نخلة من الوقف، قيل: يجوز بيعها، لتعذر الانتفاع إلّا بالبيع. و قيل: لا يجوز، لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف و شبهه. و هو أشبه» «2».

(3) متعلق ب «حكم».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 220 و 221. و لاحظ السرائر، ج 3، ص 167؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443 (الحجرية)؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 395؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 290 (ج 3، ص 317، الطبعة الحديثة)؛ إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 279؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 72؛ مسالك الأفهام، ج 5، ص 400؛ حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد، ج 2، ص 451؛ كفاية الأحكام، ص 142

ص: 16

المنقلعة بناء (1) على جواز الانتفاع بها في وجوه اخر كالتسقيف، و جعلها جسرا، و نحو ذلك (2).

بل (3) ظاهر المختلف- حيث جعل النزاع بين الشيخ و الحلّي رحمه اللّه لفظيّا،

______________________________

(1) قيد لكون حكم الأكثر مؤيّدا للمنع عن البيع، و قد عرفت وجه البناء، إذ مع سقوط الوقف عن المنفعة بالمرّة يتعدّد موضوع مسألتنا- و هي بقاء المنفعة القليلة- مع موضوع حكمهم بمنع بيع النخلة المنقلعة.

(2) كأن تعمل زورقا.

(3) غرضه الترقي- من كون منع البيع فتوى الأكثر- إلى كونه مجمعا عليه، و هو إن كان إجماعا تعبديا كان حجة على منع البيع، و إن كان محتمل المدركية كان مؤيّدا أقوى من مؤيّدية حكم الأكثر.

أمّا توضيح النزاع بين شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما فهو: أنه ذهب في كتاب الخلاف إلى جواز بيع النخلة المنقلعة مستدلّا عليه «بأنّه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلّا على هذا الوجه» «1» أي على وجه البيع، فيتعيّن بيعها.

و ردّه الحلّي بقوله: «يمكن الانتفاع بهذه النخلة من غير بيعها، و هو أن تعمل جسرا أو زورقا، إلى غير ذلك من المنافع مع بقاء عينها. و قد بيّنا أنّ الوقف لا يجوز بيعه. فعلى هذا التحرير: لا يجوز بيعها و ينتفع بها من هي وقف عليه بغير البيع» «2».

و ادّعى في المختلف أنّ النزاع بينهما لفظي، لا معنوي، قال قدّس سرّه: «لأنّ الشيخ فرض سلب منافعها، على ما ذكره في دليله، و ابن إدريس فرض لها منافع غير الثمرة».

و حاصل توجيه العلّامة لكلام الشيخ قدّس سرّه هو: أنه لو خرب الوقف، فإن سقط

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 551، كتاب الوقف، المسألة: 23

(2) السرائر، ج 3، ص 167

ص: 17

حيث (1) نزّل تجويز الشيخ على صورة عدم إمكان الانتفاع به في منفعة اخرى (2)- الاتّفاق (3) على المنع إذا حصل فيه انتفاع و لو قليلا (4) كما يظهر (5) من التمثيل بجعله جسرا.

______________________________

عن الانتفاع بالكلّية جاز بيعه. و إن أمكن الانتفاع به في منفعة اخرى- غير ما عيّنه الواقف- كتقطيع النخلة للتسقيف أو لصنع زورق، لم يجز بيعها عند الكلّ.

و على هذا لم يجوّز شيخ الطائفة البيع في صورة إمكان الانتفاع بالوقف في غير ما أراده الواقف، بل هو كأكثر من تأخّر عنه من المانعين.

ثمّ رجّح العلّامة جواز البيع في مورد سلب منافع العين و شراء بدل له أو صرف الثمن فيما كان تصرف فيه منفعة نفس الوقف، أو غير ذلك، فراجع «1».

و سيأتي في الصورة الثالثة البحث عن كون النزاع معنويا أو لفظيّا.

فلاحظ (ص 53).

(1) هذا تقريب جعل المنازعة بين العلمين لفظيّا، و قد عرفته آنفا.

(2) يعني: غير المنفعة المقصودة التي سبّلها الواقف، كالثمر الذي هو ثمرة النخلة الموقوفة.

(3) خبر قوله: «ظاهر المختلف» و وجه الظهور ما عرفته من أن المخالف في المسألة هو الشيخ، و بعد حمل تجويز البيع على مورد سلب المنافع مطلقا لا يبقى مخالف لحكمهم بمنع البيع إن بقي شي ء من المنفعة.

(4) فلا يكون النفع اليسير ملحقا بالمعدوم حتى يسوّغ البيع، فلا تلحق هذه الصورة الثانية بالصورة الاولى.

(5) هذا مثال للانتفاع القليل بالنخلة الموقوفة، و منفعة الجسر و إن كان معتنى بها لكنها قليل بالقياس إلى ثمرة النخلة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 316

ص: 18

نعم (1)،

______________________________

هذا كلّه في ترجيح منع البيع، و سيأتي المناقشة في كلا الدليلين، و هما عموم «الوقوف» و عموم «لا يجوز شراء الوقف» فانتظر.

(1) ظاهره الاستدراك عمّا تقدم في أوّل الصورة الثانية من قوله: «أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتدّ به» فيكون مقصوده بالاستدراك تجويز البيع عند ندرة المنفعة بحيث يلحق بالمعدوم.

لكن تقدّم في أوّل الصورة- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1» أيضا- عدم تعدّد الموضوع قبل قوله: «نعم» و بعده، لأنّه قدّس سرّه صرّح «بأنّه يصدق عرفا أنّه لا منفعة فيه» فلعلّ الأولى تبديل «نعم» ب «و الأولى أن يقال: لو كان الانتفاع قليلا ... الخ» و هو أعلم بما أثبته في الكتاب، جزاه اللّه عن العلم و أهله خير الجزاء.

و كيف كان فتوضيح وجه جواز البيع هو عدم جريان دليل المنع مع فرض وجود المقتضي للصحّة. إذ المانع إمّا قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» و إمّا كون حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و حيث إن هذا الإنشاء ممضى شرعا بمثل قوله عليه السّلام: «الوقوف بحسب ما يقفها أهلها» فلا يصح البيع حتى مع ندرة المنفعة.

و المفروض عدم مانعيّة شي ء منهما.

أمّا الأوّل- و هو قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف»- فلأنّ شموله للوقف المسلوب المنفعة يكون بالإطلاق الأحوالي، فلا يصحّ بيع الوقف في كلتا حالتي العمران و الخراب. لكن تقدّم في الصورة الاولى منع الإطلاق «2»، لانصراف النهي إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا، و ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق، فلا نهي

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 176

(2) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 614 و 615

ص: 19

لو كان قليلا في الغاية بحيث يلحق بالمعدوم أمكن (1) الحكم بالجواز،

______________________________

عمّا لا نفع فيه [1].

و أما الثّاني- أعني به كون حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و هو ممّا يجب الوفاء به- فلأن غرض الواقف و إن كان حبس العين الخاصة كالدار، و تسبيل الثمرة الخاصة كالسكنى فيها، إلّا أن غرضه من حبس العين الخاصة يكون تابعا لغرضه الأصلي و هو التسبيل الخاصّ، فبانتفاء المنفعة لا غرض للواقف في حبس العين أصلا. و لو فرض أن مقصوده حبس العين و إمساكها مطلقا حتى لو صارت مسلوبة المنفعة لزم القول بمنع بيعها في الصورة الاولى. مع أنّه تقدّم هناك كون التبديل رعاية لحقّ الواقف و الموقوف عليه، فكذا يجوز بيعها في الصورة الثانية التي سقطت العين عن المنفعة المعتدّ بها.

(1) جواب الشرط في «لو كان» و الوجه في الإمكان وجود المقتضي لصحة البيع و فقد المانع.

______________________________

[1] و افيد في وجه الانصراف أيضا: أن قوله عليه السّلام- بعد هذه الفقرة:

و لا تدخل الغلّة في ملكك- ظاهر فيما كانت له منفعة معتدّ بها، فلا يشمل محلّ البحث «1».

لكن يمكن أن يقال: إن الحديث الشريف مشتمل على جملتين مستقلتين، و ليست الثانية تتمة للأولى حتى تكون قرينة على اختصاص النهي عن البيع بما إذا كان عامرا ينتفع به بمقدار معتدّ به، و تقدم في أول المسألة نقل وجهين عن صاحب المقابس قدّس سرّه في تقريب الاستدلال، أحدهما بجملة «لا يجوز شراء الوقف» و الآخر بجملة «و لا تدخل الغلّة في ملكك» فراجع «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 176

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 614 و 615

ص: 20

لانصراف (1) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» إلى غير هذه (2) الحالة.

و كذا (3) «حبس العين و تسبيل المنفعة» إنّما يجب الوفاء به ما دام المنفعة المعتدّ بها موجودة (4). و إلّا (5) فمجرّد حبس العين و إمساكه (6)- و لو من دون منفعة- لو وجب الوفاء به لمنع (7) عن البيع في الصورة الاولى.

______________________________

(1) تعليل للإمكان، و غرضه نفي ما يتوهّم كونه مانعا، و هو إمّا إطلاق النهي في رواية ابن راشد، و المفروض انصرافه إلى حالة وجود المنفعة. و إمّا وجوب الوفاء بإنشاء الواقف و العمل على طبقه من حبس العين أبدا، و قد عرفت أيضا عدم مانعيته.

(2) أي: غير حالة كون المنفعة في غاية القلّة بحيث تلحق بالمعدوم.

(3) هذا نفي المانع الثاني، و قد تقدم بيانه، و الأولى سوق العبارة هكذا:

«و لأنّ حبس ...» فيكون معطوفا على «لانصراف».

(4) يعني: أن «حبس العين أبدا» مقدمة للتوصل إلى تسبيل المنفعة، فمع سلبها لم يكن حبس العين متعلق غرض الواقف حتى يجب الوفاء به بإبقاء الموقوفة على حالها.

(5) يعني: و إن وجب الوفاء بعقد الوقف مطلقا حتى مع سلب المنفعة المعتدّ بها، لزم منع البيع في الصورة الاولى أيضا حفظا لغرض الواقف و هو حبس العين الخاصّة، مع أنّه لا ريب في جواز البيع هناك، كما عرفت.

و الأولى بسلاسة العبارة حذف «و إلّا» أو جملة «فمجرد حبس العين ...

الوفاء به» بأن يقال: «و إلّا لمنع وجوب الوفاء عن البيع في الصورة الاولى» و الأمر سهل.

(6) الأولى تأنيث الضمير، لكون «العين» مؤنثا سماعيّا.

(7) أي: لمنع وجوب حبس العين عن البيع حتى في الصورة الاولى، لوحدة المناط، و هو تعلق غرض الواقف بحبس عين خاصة. و وجوب الوفاء بالعقد مانع

ص: 21

ثمّ إنّ الحكم المذكور (1) جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض (2) آخر غير الخراب، لجريان (3) ما ذكرنا فيه.

ثمّ إنّك (4) قد عرفت فيما سبق أنّه ذكر بعض: أنّ جواز بيع الوقف

______________________________

عن البيع في كلتا الصورتين، و حيث جاز التبديل هناك فكذا هنا.

هذا تمام الكلام في ما إذا كان منشأ ندرة المنفعة خراب الوقف، و سيأتي حكم ما لو كان منشأ قلة المنفعة غير الخراب.

(1) و هو جواز بيع الوقف المسلوب معظم منفعته لأجل الخراب، مع الإشكال الذي ذكره بقوله: «لكن الخروج بذلك ... مشكل». فيقال بجواز البيع لو قلّت المنفعة مع قابلية الموقوفة للانتفاع بها، كما إذا وقف بعيرا للسقي فاستغني عنه بعد وضع أنابيب الماء، أو وقف خانا لنزول الزوّار و المسافرين فيه، فتعطّل بعد قطع المسافات البعيدة بالطائرات و السيارات، و كذا لو وقف دارا على ذرّيته ليسكنوها بأنفسهم، و لم يمكنهم ذلك لوقوعها في محلّة لا يقيم فيها- فعلا- ذووا المروّات، و نحو ذلك ممّا تكون العين فيه عامرة، و لكن لا ينتفع بها في الجهة المقصودة للواقف.

فما تقدّم من وجه جواز البيع و منعه يجري هنا أيضا، و بعد ترجيح جانب الجواز هناك- من جهة أن حبس العين مقدمة لتسبيل الثمرة المعينة، و بانتفائها ينتفي حقيقة التسبيل المأخوذ في الوقف، و لا يبقى مجال لحفظ خصوصية العين المسلوبة منفعتها- نقول بجواز البيع هنا، لوحدة المناط.

(2) المراد به ما يكون كاللازم غير المفارق بحسب العادة، كالأمثلة المتقدمة.

(3) تعليل لقوله: «جار» و ضمير «فيه» راجع إلى الموصول في قوله:

«فيما» و هو مورد قلة المنفعة لعارض غير الخراب.

(4) ما أفاده المصنف قدّس سرّه هنا إلى آخر الصورة الثانية تعريض بكلام صاحب الجواهر قدّس سرّه من التزامه بفساد الوقف في موردين:

أحدهما: خراب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتدّ بها في إتلافه، كالحصير

ص: 22

لا يكون إلّا مع بطلان الوقف، و عرفت وجه النظر فيه (1). ثمّ وجّه (2) بطلان الوقف

______________________________

و الجذع و نحوهما مما يكون الانتفاع به بإتلاف العين كالإحراق.

ثانيهما: انعدام عنوان الوقف، كما إذا وقف بستانا ملاحظا في إنشائه عنوان «البستان» فخرب، و سقط عن كونه بستانا.

و قد ذهب صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى بطلان الوقف في هذين الموردين بعد حكمه بأنّ تجويز بيع الوقف كاشف عن بطلانه، لامتناع اجتماع المتنافيين، كما تقدّم توضيحه في أوائل المسألة، فراجع «1».

و توضيح ما أفاده في المورد الأوّل هو: أنّ الوقف مؤلّف من أمرين أحدهما حبس العين، و الآخر تسبيل المنفعة، و من المعلوم تفرع التسبيل على وجود الثمرة خارجا، و لا فرق في إناطة صحة الوقف بوجود كلّ من العين و منفعتها بين الابتداء و الاستدامة، فكما يعتبر وجودهما حدوثا كذلك يعتبر بقاء، فلو خربت الموقوفة و لم ينتفع بها بطل وقفيّتها، ضرورة انتفاء المركّب بانتفاء أحد أجزائه كانتفائه بانعدام تمام الأجزاء.

و الحاصل: أن الشرط الدخيل في صحة الوقف- و هو كون العين ذات ثمرة مسبّلة- يقتضي انتهاء أمد الوقف بانتفاء الثمرة.

(1) أي: في ما ذكره البعض من بطلان الوقف بجواز بيعه، و تقدم إيراد المصنف عليه بقوله: «و فيه: أنّه إن اريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره ... فهذا لا محصّل له.

و إن اريد به انتفاء أصل الوقف- كما هو ظاهر كلامه- ففيه: مع كونه خلاف الإجماع ... أنّ المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه» فراجع «2».

(2) أي: جعل صاحب الجواهر قدّس سرّه الوجه في بطلان الوقف- في الصورة الاولى

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 533 إلى 535

(2) المصدر، ص 537 إلى 539

ص: 23

في الصورة الاولى بفوات شرط (1) الوقف المراعى في الابتداء و الاستدامة، و هو (2) كون العين ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها.

و فيه (3): ما عرفت سابقا من أنّ بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا

______________________________

المتقدمة- فوات شرط الوقف. قال قدّس سرّه: «و الظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتدّ بها منه في إتلافه، كالحصير و الجذع و نحوهما ... و وجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر، و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها» «1».

(1) المراد بالشرط في عبارة الجواهر المتقدمة مقوّم الوقف، و لذا عبّر عنه بشرط الصحة، و هذا الشرط ملحوظ في الوقف حدوثا و بقاء. فلو فرض بقاء العين على الوقفية- مع فرض انتفاء الثمرة- لم يكن حبسها مقدمة لتسبيلها كما هو واضح.

(2) أي: أن الشرط المراعى ابتداء و استدامة هو كون العين مما ينتفع بها مع بقائها.

(3) ناقش المصنّف قدّس سرّه في ما تقدم من الجواهر بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّه لا وجه لبطلان الوقف المؤبّد بمجرّد انتفاء المنفعة. توضيحه: أن الكلام تارة في انتهاء الوقف المنقطع، و هو الموقّت بأمد محدود كجعل داره وقفا على قوم مخصوصين، فينتهي الوقف بانقراضهم، و سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى في (ص 197).

و اخرى في انتهاء أمد الوقف المؤبّد بانتفاء الثمرة المسبّلة، و عدمه، و هو محلّ البحث.

فذهب صاحب الجواهر إلى أنّه كان وقفا صحيحا، و قد انتهى أمده بزوال المنفعة، و أورد عليه المصنّف بأنّه «لا وجه له» و ظاهره امتناعه ثبوتا، لاستلزام

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 358

ص: 24

..........

______________________________

البطلان انقلاب الشي ء عمّا هو عليه، إذ مع وقوع الوقف المؤبّد صحيحا يمتنع انقلابه و صيرورته باطلا بنفاد المنفعة.

الثاني: أنّ القصور في جهة الإثبات، بمعنى أنّه لو سلّمنا إمكان انقلاب الوقف المؤبّد إلى المنقطع كان البطلان منوطا بوفاء الدليل به، لئلّا يكون من القول بغير العلم، لعدم نهوض دليل بالخصوص على الخروج عن مقتضى قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها». و عليه فلا حجة على بطلان الوقف بفوات المنفعة.

الثالث: أن الشرط المزبور- و هو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها- و إن كان دخيلا في الوقف، لوضوح كون الغاية من حبس العين تسبيل ثمرتها، إلّا أنّه يكفي في انعقاد الوقف صحيحا وجود المنفعة حال حدوث الوقفية و إنشائها، و أمّا اعتبار استمرارها فلم يقم عليه دليل.

و الشاهد على كفاية وجود هذا الشرط ابتداء هو ملاحظة شروط سائر العقود الناقلة، كمالية العوضين في باب البيع، فهي معتبرة حين الإنشاء، لكون البيع مبادلة مال بمال. و لا يقدح في صحته و ترتب النقل عليه سقوط المبيع عن المالية بيد المشتري، كما إذا اشترى خلّا فتخمّر، أو سقوط الثمن عن المالية بيد البائع إذا كان من الأنواط التي تنسخها الحكومات، فإنّ السقوط عن المالية لا يوجب الخروج عن الملك.

الرّابع: أنّ جواز بيع الوقف في مورد طروء المسوّغ له لا يوجب انتهاء أمد الوقف، و بطلانه، بل يتبدّل لزوم الوقف بالجواز و التزلزل، فإن بيع بطل، و إن لم يبع بقي وقفا، لما تقدّم في أوائل المسألة من أن مفاد دليل جواز بيع الوقف هو جواز إبطاله، و من المعلوم أن جواز الإبطال ليس مبطلا، بل المبطل هو إنشاء بيع الوقف.

و عليه فتجويز البيع شرعا تخصيص في دليل لزوم الوقف، و صيرورته جائزا بعد عروض المسوّغ.

ص: 25

لا وجه له (1) في الوقف المؤبّد (2). مع أنّه (3) لا دليل عليه. مضافا إلى أنّه (4) لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإنّ (5) الشروط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنّه (6) قد يخرج المبيع عن الماليّة، و لا يخرج بذلك (7)

______________________________

هذا توضيح المناقشة- بوجوه أربعة- في المورد الأوّل مما تقدم في كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(1) إمّا لاستحالة انقلاب الشي ء عمّا هو عليه. فمع فرض تحقق شرط الصحة- و هو تسبيل الثمرة ابتداء، و وقوع الوقف الصحيح- يمتنع بطلانه. نعم لا مانع من جواز إبطاله بالعقد الناقل.

و إمّا للزوم محذور الخلف لو قيل بصيرورة الوقف الدائم منقطعا ينتهي أمده بنفسه بطروء الخراب. و لذا لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف ببطلانه كما تقدّم آنفا.

(2) كما هو محلّ الكلام، و يظهر منه عدم البأس في بطلان الوقف المنقطع- بمعنى انتهاء أمده- بسلب المنفعة.

(3) الضّمير للشأن، و هذا هو الوجه الثاني، و محصّله- كما عرفت- عدم قيام دليل على بطلان الوقف في محلّ البحث، فلا مخصّص لعموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» المقتضي لبقاء العين على صفة الوقفية بعد انتفاء الثمرة.

(4) الضمير للشأن، و هذا هو الوجه الثالث، و تقدّم تقريبه آنفا.

(5) تعليل لقوله: «لا دليل» يعني: أن أدلة شروط العقود ظاهرة في كفاية وجود الشرط حدوثا، و لا دليل على اعتبار وجودها بقاء، سواء أ كانت معتبرة في المتعاقدين أم في العوضين.

(6) الضمير للشأن، و هذا بيان لكفاية وجود الشرط ابتداء.

(7) أي: بالسقوط عن المالية. و حيث إن النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، فلا بأس بانتفاء أحدهما و بقاء الآخر. و المراد بالملك ظاهرا ما هو أعم من النسبة الخاصة بين المالك و المملوك، و من حقّ الاختصاص الثابت في مثل الخمر

ص: 26

عن ملك المشتري (1). مع أنّ (2) جواز بيعه لا يوجب الحكم بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز، كما تقدّم (3) [1].

______________________________

المنقلب عن الخلّ.

(1) بأن يدخل في ملك البائع مرّة اخرى من جهة فساد البيع، الناشئ من فقد شرط المالية بقاء.

(2) هذا هو الوجه الرابع المتقدم آنفا.

(3) يعني في قوله: «إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه ...» فلاحظ «1».

______________________________

[1] ينبغي بيان أمرين:

أحدهما: وجه مناسبة التعرض لكلام صاحب الجواهر قدّس سرّه في هذه الصورة الثانية.

ثانيهما: في تمامية ما أورده المصنف عليه في المقطع الأوّل و هو انتفاء المنفعة.

أمّا الأمر الأوّل، فلعلّ المناسب نقل كلام الجواهر بتمامه في مسألة بطلان الوقف بطروء المسوّغ، و عدمه، إذ ليس في الموردين المذكورين هنا إلّا تطبيق تلك الكبرى. و كذا البحث في ما يترتب على البطلان من انتقال الوقف إلى الواقف أو الموقوف عليه. و لو تعيّن اقتطاع هذين الموردين كان المناسب جدا التعرض للمورد الأوّل منهما في الصورة الاولى، كما هو مقتضى صريح المصنف قدّس سرّه «ثمّ وجّه بطلان الوقف في الصورة الاولى».

نعم البحث عن زوال العنوان يناسب الصورة الثانية كما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 529 إلى 531

(2) حاشية المكاسب للمحقق الاصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 268

ص: 27

______________________________

و أمّا الأمر الثاني، فقد اورد على مناقشة المصنف قدّس سرّه بأجنبيتها عمّا في الجواهر، و ذلك لأن حقيقة الوقف حبس العين و تسبيل الثمرة، و حيث إن مفهوم التسبيل متقوم ذاتا بالثمرة فلا يعقل بقاء الحبس و انتفاء الثمرة الموجب لانتفاء التسبيل، بلا فرق بين الابتداء و الاستدامة. فلا يعقل وقف مجرّد عن المنفعة. و لو فرض بقاء العين- بلا ثمرة- على الحبس كان وقفها بقاء بمعنى آخر أي حبسها من دون منفعة، و هذا مغاير لمعنى الوقف حال الإنشاء من حبس العين و تسبيل الثمرة.

و الحاصل: أن المركب ينتفى بانتفاء أحد أجزائه. هذا بناء على تركب ماهية الوقف.

و بناء على كون حقيقته حبسا للعين لتسبيل الثمرة، فانتفاء الحبس بانتفاء غايته أوضح، لفرض كون التحبيس مقدمة للتوصل إلى تسبيل المنفعة، و أنّ ما لا منفعة فيه لا تحبيس للعين لأجل تلك المنفعة المعدومة. قال المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «إذ الحبس لأجل التوصل إلى غاية لا يعقل بقاؤه بعد عدم إمكان التوصل إلى الغاية» «1».

و بالجملة: لما كان تسبيل المنفعة دخيلا في حقيقة الوقف و مقوّما لماهيته تعيّن بطلانه و انتهاؤه بانتفاء مقوّمه.

و حينئذ فاعتبار اشتمال العين على الثمرة ليس شرطا تعبديا خارجا عن حقيقة الوقف، ليتجه التفصيل بين الابتداء و الاستدامة بكفاية وجوده حدوثا و عدم اعتباره بقاء يقال تارة بأنه لا وجه له، و اخرى بأنّه لا دليل على اعتباره في الاستدامة، و ثالثة بالاستشهاد بشرط المالية في البيع مما لا ريب في اعتباره حال العقد لا إلى الأبد.

إذ في الأوّل: ما تقدم من كون تسبيل الثمرة مقوّما للوقف حدوثا و بقاء، و لا ريب في انتفاء الشى ء بانتفاء مقوّمه. فعدم البطلان مما لا وجه له.

و في الثاني: أنّ الشرط المزبور ليس أمرا تعبديا خارجا عن حقيقة الوقف

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 268، و كذا حاشية المحقق التقي الشيرازي، القلم الثاني، ص 24 و 25

ص: 28

______________________________

حتى يطلب الدليل عليه، بل هو المنشأ بإنشاء الواقف. فكما لا يعقل وقف ما لا نفع فيه حدوثا، فكذا لا يعقل ذلك بقاء.

مضافا إلى عدم كون هذا الوجه مغايرا للأوّل، إذ لو كان ممتنعا لم يعقل قيام الدليل عليه، و إن قام الدليل على البطلان كان هو الوجه.

و في الثالث: أنه ليس أمرا مغايرا لقوله في الوجه الثاني: «لا دليل عليه» و الدليل عليه تقوم حقيقة الوقف بتسبيل الثمرة، فتنتهي بانتفائها.

و أمّا تنظير المقام بشرائط العقود كمالية العوضين، فيشكل بأنّ الوقف ليس من هذا القبيل، إذ حقيقة الوقف هي تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة. و من المعلوم أنّ هذا العنوان لا يتحقق إلّا ببقاء العين مع الانتفاع بها، فمع عدم إمكان الانتفاع بها مع بقائها لا يصح وقفها. و هذا بخلاف شروط العقود الناقلة كمالية العوضين، فإذا زالت مالية أحدهما بعد تمامية العقد و القبض لا يبطل العقد، بل يبقى على ملكية من انتقل إليه و إن خرج عن المالية.

و عليه فالأولى تنظير الوقف بالإجارة المتوقفة على وجود المنفعة في المدة ليستوفيها المستأجر، و لا يكفي كون العين ذات منفعة حال العقد، و لذا يبطل بسقوطها عن قابلية الانتفاع بها بعده.

و الحاصل: أن دعوى كفاية وجود شرائط العقود في الابتداء دون الاستدامة تتّجه في ما يكون خارجا عن ماهية العقد، لا فيما يتقوّم به.

و لا يخفى أن المحقق الإيرواني قدّس سرّه- بعد إبطال وجوه المناقشة الثلاثة و إرجاعها إلى وجه واحد- احتمل تارة و استظهر اخرى أن شيخنا الأعظم قدّس سرّه استفاد من تعبير الجواهر ب «شرط الصحة» أنّ تسبيل الثمرة أمر زائد على حقيقة الوقف، و لذا أورد عليه بأنّه لا وجه له و لا دليل عليه. مع أنّ مقصود صاحب الجواهر من شرط صحة الوقف هو الفصل المقوّم للماهية، و معه لا يبقى موضوع للإيراد عليه «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 177.

ص: 29

ثمّ ذكر: (1) أنّه قد يقال بالبطلان

______________________________

(1) يعني: ذكر ذلك البعض، و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه، و هذا بيان المورد الثاني الذي التزم قدّس سرّه فيه بصحة وقف العنوان، و بطلانه- أي انتهاء أمده- بمجرّد زواله و إن لم يكن من الوقف المنقطع المصطلح.

و الفرق بينه و بين سابقه هو: أن الزائل- في السابق- الفصل المقوّم للوقف بما هو وقف أعني تسبيل المنفعة المأخوذ في ماهية الوقف مهما كانت الموقوفة. و الزائل في هذا المورد هو موضوع الوقف، من جهة انعدام الوصف و العنوان المجعول وقفا.

و كيف كان فينبغي الإشارة إلى ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه في باب الوقف من أنحاء أخذ عنوان في الإنشاء، ثمّ توضيح العبارة المنقولة منه في المتن، فنقول: إنّه إذا وقف دارا أو بستانا على أولاده:

فتارة: يكون المقصود موضوعية العنوان المأخوذ في صيغة الوقف بنحو تمام الموضوع، كقوله: «هذه الدار وقف عليهم ما دامت دارا» فينتهي وقفها بانهدامها و تغيير الصورة الدارية سواء أمكن الانتفاع بها أم امتنع. و هذا وقف منقطع الآخر، لأنّ المجعول للموقوف عليهم هو الملكية المحدودة ببقاء العنوان. و فرقه مع الوقف المنقطع- المقابل للمؤبّد- هو أن الانقطاع هنا بانقضاء الموقوف، و في المنقطع المتعارف بانقضاء الموقوف عليهم.

______________________________

لكن ظهر بما ذكرناه في التوضيح إمكان مغايرة مناط الإشكال الأوّل للآخرين، بجعله ناظرا إلى مقام الثبوت، و جعلهما ناظرين إلى مقام الإثبات.

و في الرابع: أنّه لم يتعرض صاحب الجواهر هنا لبطلان الوقف بطروء المسوّغ حتى يقال: إنّ تجويز البيع ينافي لزوم الوقف لا حقيقته، فإنّ كلامه متمحض في انتهاء الوقف بسلب المنفعة. و لو فرض إرادة جواز البيع من البطلان كان إشكال المصنف عليه مبنائيّا، و قد سبق البحث فيه.

ص: 30

..........

______________________________

و اخرى: يكون المقصود موضوعية العنوان لا بنحو التحديد ببقاء الدار عامرة، بل للانتفاع بها دارا، كما إذا قال: «وقفتها دارا» بمعنى أنّه ينتفع بها دارا، فيستمرّ وقفها بعد انهدامها ما دامت صالحة للانتفاع بها. فإذا خرجت عن قابلية الانتفاع- على وجه لا يرجى عودها- أمكن القول ببطلان وقفها.

و ثالثة: يكون المقصود من وقف الدار تسبيل منفعتها، سواء أ كانت دارا- كما هي حال الوقف- أم غيرها، بأن تجعل خانا أو حمّاما، أو نحوهما، فيكون أخذ عنوان «الدار» في الإنشاء مشيرا إلى وقفية الذات- و هي العرصة المعنونة بعنوان الدار- و لذا يجوز تغيير هيئتها اختيارا.

و رابعة: يكون غرض الواقف- كما في الصورة الثالثة- تسبيل منفعة الدار، لكن علم إرادة الدوام منه، بأن يتعدد مطلوب الواقف، فما دام الانتفاع بها دارا ممكنا تعيّن ذلك، و لا يجوز تغييرها، و لو انهدمت جاز الانتفاع بها مطلقا إما بإحداث دار مثلها أو حمّام أو غيرهما.

هذا ما أفاده في كتاب الوقف «1».

و أمّا كلامه هنا فمحصّله: أنّ غرض الواقف من قوله: «وقفت البستان على أولادي» إن كان هو النحو الأوّل أي كان حبس البستان على الموقوف عليهم حبسا محدودا و موقّتا ببقاء عنوان «البستان»- لكونه ملحوظا جهة تقييدية تدور الوقفية مداره- كان لازمه البطلان بالانهدام، و خروج العرصة عن الوقفية، و لا عبرة بإمكان الانتفاع بها بنحو آخر. و يتجه البحث حينئذ عن رجوعها إلى الواقف أو صيرورتها ملكا طلقا للموقوف عليهم.

فإن قلت: لا وجه لخروج العرصة عن الوقفية بعد زوال عنوان «البستان»

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 109

ص: 31

أيضا (1) بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا- مثلا- ملاحظا (2) في عنوان وقفه (3) البستانية، فخربت (4) [1] حتى خرجت عن قابلية ذلك (5)،

______________________________

لكونها جزءا من الموقوفة، إذ «البستان» مركّب من العرصة و الأشجار، و من المعلوم أن سقوط الأشجار عن الوقفية- لتبدلها بأخشاب- لا يوجب انتفاء وقفية العين.

قلت: إنّ العرصة و إن كانت جزءا من الموقوفة، إلّا أنّ الواقف لم يجعلها وقفا لا بشرط الأشجار، بل بشرطها، فزوال عنوان «البستان» و انتهاء وقفيته يوجب سقوط وقفية العرصة من جهة فقد الشرط.

و إن كان غرض الواقف حبس العرصة على الموقوف عليهم على النحو الثالث أو الرابع، لم يقدح ذهاب عنوان «البستان» في استمرار وقف العرصة، هذا.

(1) يعني: كبطلان الوقف في صورة الخراب.

(2) حال من ضمير الفاعل المستتر في «وقف».

(3) أي: وقف البستان.

(4) كذا في الجواهر أيضا، و الأولى «فخرب، خرج» لرجوع الضمير المستتر إلى البستان.

(5) أي: عن قابلية كونه بستانا.

______________________________

[1] الأولى تبديل قوله: «فخربت» بأن يقول: «فتبدّلت» إذ الكلام في ذهاب العنوان الذي اخذ موضوعا في إنشاء الوقف، لا مشيرا. فالمدار على ذهاب العنوان سواء أ كان ذلك بالخراب أم بغيره، كما إذا وقف بنت مخاض فصارت بنت لبون، و هكذا، فإنّ العنوان قد تبدل بدون الخراب.

نعم لا بأس بذكر الخراب من باب المثال، لكونه في سياق سابقه من كون انعدام المنفعة المعتد بها لأجل الخراب. و الأمر سهل.

ص: 32

فإنّه (1) و إن لم تبطل منفعتها أصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس (2) من عنوان الوقف. و احتمال (3) بقاء العرصة (4) على الوقف، باعتبار أنّها جزء من الوقف، و هي باقية (5). و خراب (6)

______________________________

(1) مقصوده بقاء مقدار معتدّ به من المنفعة بعد انعدام الصورة البستانية، كتشييد دور على الأرض، فينبغي الحكم ببقاء وقفها حينئذ، لكن لمّا كان المجعول وقفا هو عنوان «البستان» كان مقتضاه بطلان وقف العرصة أيضا كما تقدّم آنفا.

(2) أي: ليس الانتفاع بالعرصة- ببناء دار فيها- مقصودا من وقف عنوان «البستان».

(3) مبتدء، خبره «يدفعه» و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه من بيان الاحتمال دفع إمكان القول ببقاء العرصة على الوقفية بعد خراب البستان. و تقدم بقولنا:

«فإن قلت ...».

(4) بفتح العين و سكون الراء المهملة ك «سجدة» و هي «كل موضع واسع لا بناء فيه» «1».

(5) فينبغي بقاء وقفيتها، و عدم زوالها بانعدام وصفها، أي: كونها بستانا.

(6) مبتدء، خبره «لا يقتضي» و هذا تتمة الاحتمال المزبور، يعني: أنّ خراب البستان يقتضي بطلان الوقف في خصوص البستان، و لا يقتضي بطلان الوقف في العرصة.

ثمّ إن ما في المتن من جملة «و خراب غيرها ... بطلانه فيها» موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر «2»، و هو الصحيح. و الموجود في الطبعة الأخيرة «و خراب غيرها و إن اقتضى بطلانه فيها» خطأ قطعا، و لم يشر إلى ما سقط من العبارة في جدول التصويب.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 7، ص 53

(2) جواهر الكلام، مجلّد المتاجر، ص 77

ص: 33

غيرها (1) و إن اقتضى بطلانه فيه لا يقتضي (2) بطلانه فيها، يدفعه (3): أنّ (4) العرصة كانت جزءا من الموقوف من حيث كونه (5) بستانا (6)، لا مطلقا (7). فهي (8) حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه. و لو فرض (9) إرادة وقفها لتكون (10)

______________________________

(1) أي: غير العرصة، و المراد بالغير هو عنوان البستان.

(2) يعني: أنّ انتهاء أمد وقف البستان لا يستلزم انتهاء أمد وقف العرصة.

(3) أي: يدفع الاحتمال، و تقدم توضيح الدفع بقولنا: «قلت ...».

(4) الجملة مرفوعة محلّا، لكونها فاعلا ل «يدفعه».

(5) أي: كون الموقوف.

(6) يعني: أن هذه الحيثية تقييدية، فبذهاب عنوان البستان تزول الوقفية عن العرصة أيضا.

(7) هذا قرينة على كون وقفية العرصة بنحو وحدة المطلوب، إذ ملحوظ الواقف موضوعية العنوان بنحو وحدة المطلوب، لا بنحو تعدد المطلوب حتى يبقى حكم أحدهما بعد زوال حكم الآخر.

(8) يعني: فالعرصة حين كون الموقوف عنوان البستان- لا بذاتها- تكون جزءا للعنوان الذي زال وقفيته بزوال البستان.

(9) هذا تقريب بقاء وقفية العرصة كما تقدم في الفرض الرابع.

(10) أي: سواء أ كانت الموقوفة بستانا كما هو كذلك فعلا، أم دارا، كما لو خرب البستان و بني دار فيها.

و عليه فالمراد بقوله: «لتكون»- بقرينة ما سيأتي من قوله: «و إن قارنت وقفه»- أنّ البستان موجود بالفعل، و مجعول الواقف وقف كل من الذات و العنوان بنحو تعدد المطلوب.

و ليس المراد وقف خصوص الأرض بدون الأشجار الموجودة بالفعل، و إنّما يجب على الموقوف عليه جعلها بستانا في المستقبل من جهة اشتراطه عليه. و ذلك

ص: 34

بستانا أو غيره لم يكن (1) إشكال في بقائها، لعدم (2) ذهاب عنوان الوقف.

و ربما يؤيّد ذلك (3)

______________________________

لأن لازم وقف هذه الأرض وجوب قلع الأشجار الفعلية- الباقية على ملك الواقف- مقدمة لغرس أشجار فيها.

(1) جواب الشرط، و ضمير «بقائها» راجع إلى «وقفها» و تأنيث الضمير باعتبار إضافة «وقف» إلى ضمير المؤنث الراجع إلى العرصة.

(2) يعني: لم يكن ملحوظ الواقف عنوان «البستان» كي ينتهي وقف العرصة، بل كان الملحوظ وقف الذات و العنوان بنحو تعدد المطلوب.

(3) المشار إليه هو بطلان وقفية العرصة فيما كان الموقوف عنوان البستان، و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه تأييد انتهاء مدة وقف العرصة- بذهاب العنوان- بما ذكروه في باب الوصية من أنه لو أوصى بدار لزيد، فانهدمت، ثمّ مات الموصي، بطلت الوصية، لكون الموصى به عنوان «الدار» الذي هو اسم مجموع العرصة و البناء، و المفروض فوات المركّب بفوات أحد أجزائه، و لا تنتقل أرضها إلى الموصى له، بدعوى: تعلق الوصية بكل جزء جزء من الدار، سواء أ كانت عامرة أم منهدمة.

قال المحقق قدّس سرّه: «لو أوصى له بدار فانهدمت و صارت براحا، ثم مات الموصي، بطلت الوصية، لأنّها خرجت عن اسم الدار. و فيه تردّد» «1».

و بيّن صاحب الجواهر وجه التردد و ردّه، فراجع «2».

و بالجملة: فالتزامهم ببطلان الوصية بانهدام الدار- من جهة زوال عنوان الموصى به و هو الدار- صالح لتأييد ما تقدم من سقوط العرصة عن الوقفية بزوال عنوان البستان.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 260

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 463

ص: 35

في الجملة (1) ما ذكروه في باب الوصية من أنّه لو أوصى بدار، فانهدمت (2) قبل موت الموصي، بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها [1].

______________________________

و الوجه في التأييد- دون الشهادة- وجود الفرق بين الوصية بالعنوان و بين وقف العنوان- بعد اشتراكهما في تقييدية الجهة و العنوان- و هو: أنّ تقييدية العنوان ملحوظة في الوصية حدوثا فقط، بمعنى أن يكون المنقول بسبب الوصية إلى المنقول إليه عنوان «الدار».

و أمّا بعد الانتقال إليه و صيرورتها مالكا للموصى له فهو بالخيار بين إبقائها على العنوان الداري و بين إعدامها. و هذا بخلاف الوقف، فإنّ العنوان إذا لوحظ فيه على جهة القيدية فهو ملحوظ كذلك حدوثا و بقاء.

(1) الظاهر كون هذه الكلمة قيدا للمؤيّد و هو فرع الوصية، و مراد صاحب الجواهر قدّس سرّه الإشارة إلى مورد حكمهم بالبطلان، و هو ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا عن الوصية بلا ريب. قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و موضع الخلاف ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا» «1».

و لعلّه أشار بقوله: «في الجملة» إلى تفصيل بعضهم بين كون الموصى به دارا معينة، فلا تبطل الوصية بها، و بين كون الموصى به دارا من دوره- على نحو الكلّي في المعيّن- فانهدمت جميع دوره، فالوصية باطلة. فراجع.

(2) لا بفعل الموصي، و إلّا كان رجوعا عن الوصية، لا من بطلان الوصية بانتفاء موضوعها.

______________________________

[1] مقتضى اتحاد الوقف و الوصية في هذا الحكم جعله دليلا لا مؤيّدا، فلاحظ الجواهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 301

ص: 36

نعم (1) لو لم تكن الدارية و البستانية و نحو ذلك (2) مثلا عنوانا للوقف و إن (3) قارنت وقفه، بل كان المراد به الانتفاع به (4) في كلّ وقت على حسب ما يقبله (5)، لم يبطل (6) الوقف بتغيّر أحواله.

ثمّ ذكر (7) أنّ في عود الوقف

______________________________

(1) استدراك على قوله: «قد يقال بالبطلان» و غرض صاحب الجواهر قدّس سرّه الإشارة إلى بقاء وقفية العرصة إن كان الملحوظ وقف المعنون- لا البستان- لا بنحو تمام الموضوع و لا جزئه، و إنّما اخذ في الإنشاء للإشارة إلى أن متعلق الوقف هو الذات.

و الوجه في جعله عنوان مشيرا هو مقارنة الوقفية و البستانية.

و الظاهر انطباق ما تقدم في الفرض الثالث على قوله: «نعم» و لم يظهر وجه للجزم بكونه تكرارا لقوله: «لو فرض» كما زعمه العلّامة الشهيدي قدّس سرّه «1».

(2) كعنوان «الحمّام» إن كان المقصود وقف الذات الباقية بعد خرابه.

(3) وصلية، يعني: لا فرق في كون مقصود الواقف وقف العرصة بين اقترانها بكونها بستانا أو دارا، و بين عدم الاقتران، كما إذا لم يغرس فنها الأشجار بعد، أو لم يبن فيها دار كذلك.

(4) هذا الضمير و ضميرا «وقفه، به» راجعة إلى الوقف، المراد به الموقوف.

(5) الضمير المستتر راجع إلى الوقف، و البارز إلى الموصول المراد به الانتفاع.

(6) جواب الشرط في «لو لم تكن».

هذا تمام ما أفاده صاحب الجواهر في المورد الثاني أعني به بطلان وقف العنوان بمجرّد تغير أحواله، ثم ذكر احتمالين بعد بطلان الوقف، سيأتي بيانهما.

(7) يعني: ذكر ذلك البعض، و هو صاحب الجواهر، قال قدّس سرّه: «ثم على فرض

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 351

ص: 37

إلى ملك الواقف (1) أو وارثه (2)- بعد البطلان- أو الموقوف عليه (3) وجهين (4).

______________________________

بطلان الوقف بذلك- أي بانعدام العنوان- فهل يعود للواقف و ورثته كالوقف المنقطع؟ أو للموقوف عليه و ورثته، و جهان ... الخ».

و وجه العود إلى الواقف أو ورثته هو: أنّ خروج الموقوفة عن ملكه و دخولها في ملك الموقوف عليه كان محدودا ببقاء العنوان الملحوظ حين الإنشاء من بستان أو دار و إمكان الانتفاع الخاص به، و مع انتفاء ذلك الوجه يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا، و إلى وارثه إن كان ميّتا.

و وجه صيرورته ملكا طلقا للموقوف عليه هو: خروج العين عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه، ملكا غير طلق بمعنى منعه عن التصرف فيها بالانتفاع المنافي لبقاء العين في الملك ما دامت قابلة لتلك المنفعة. و مع فرض ذهاب العنوان و بطلان الوقف به تصير ملكا طلقا له، لأن المنع من مطلق التصرف كان محدودا بما رسمه الواقف من عنوان، فيرتفع المنع بانتفاء العنوان.

ثم رجّح صاحب الجواهر قدّس سرّه في كتاب البيع هذا الوجه، و استشهد له بالنّص و الفتوى المجوّزين للموقوف عليهم بيع الوقف، كما قوّى في كتاب الوقف رجوعه إلى الواقف أو ورثته.

(1) إن كان حيّا حين انعدام عنوان الوقف.

(2) إن مات الواقف قبل زوال العنوان.

(3) معطوف على «الواقف» و المراد بعود الوقف إلى الموقوف عليه صيرورته ملكا طلقا له، و إلّا فالملكية المقيّدة بالعنوان كانت ثابتة له إلى حال بقائه.

(4) اسم «إنّ» و الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر».

هذا ما أفاده صاحب الجواهر، و ناقش المصنف فيه و في تأييده بفرع الوصية و فيما رتّب عليه من وجهين في مآل الوقف بعد نفاد العنوان، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

ص: 38

أقول (1):

______________________________

(1) ناقش المصنف في ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه هما- من بطلان الوقف بزوال العنوان- بوجهين:

الأوّل: مخالفته للإجماع على أن زوال العنوان غير مبطل للوقف، و هذا الإجماع ادّعاه صاحب الجواهر أيضا في مسألة بقاء وقف عرصة الدار المنهدمة، قال: «إذا انهدمت الدار ... لم تخرج العرصة بذلك عن الوقف، و لم يجز بيعها. بلا خلاف أجده بين من تعرّض له ...» لكنه قدّس سرّه جعل مورد البحث- أعني وقف عنوان الدار- غير مندرج في معقد الإجماع «1».

و عليه فاحتجاج المصنف قدّس سرّه باتفاق الأصحاب مبني على إطلاق حكمهم ببقاء وقف العرصة بعد انهدام الدار، سواء أ كان الملحوظ عنوان الدار أم لا، فراجع «2».

و الحاصل: أنّ الفقهاء و إن اختلفوا في حكم بيع الوقف إذا خرب أو خشي خرابه، فمنهم من جوّز البيع، و منهم من منعه، لكن هذا الاختلاف غير قادح في إطباقهم على بقاء الوقف بعد تغيير عنوانه، إذ لا ملازمة بينهما، لكون النسبة بين الخراب و سقوط العنوان عموما من وجه، لصدق «تغيّر العنوان» دون الخراب فيما إذا كانت العين الموقوفة حيوانا بسنّ خاص كبنت لبون أو بنت مخاض مثلا، فإذا تجاوز سنّهما عن هذا الحد، فقد تغيّر العنوان مع عدم صدق الخراب.

و لصدق «الخراب» بدون «تبدل العنوان» في الأرض الموقوفة للزراعة، فانقطع عنها الماء، فإنّه يصدق الخراب على هذه الأرض مع عدم تبدل عنوانها.

و لتصادقهما في الدار المنهدمة و البستان الذي خرب، و زال عنوان بستانيته.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 108

(2) المصدر، ص 109

ص: 39

يرد على [ذلك] (1) ما قد يقال- بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل (2) و لا جواز البيع، و إن اختلفوا فيه (3) عند الخراب أو (4) خوفه، لكنّه (5) غير تغيّر العنوان،

______________________________

فالنتيجة: أنّ استمرار الوقف بعد نفاد العنوان مجمع عليه. و معه لا وجه للالتزام بالبطلان كما صار إليه صاحب الجواهر قدّس سرّه. هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي الوجه الثاني.

(1) كذا في نسختنا، و الظاهر عدم الحاجة إلى هذه الكلمة، كما لم تذكر في بعض النسخ المصححة، فكأنّه قال: «إنّه: يرد- على ما أفاده في الجواهر من قوله:

قد يقال بالبطلان أيضا ...- أوّلا مخالفته للإجماع ... الخ».

(2) الوجه في الإتيان ب «بل» هو: أنّ موضوع جواز البيع هو الوقف أي ما كان باقيا على وقفيته، فلو لم يجز البيع بعد انعدام العنوان كان بقاء وقفية العين أوضح وجها.

(3) أي: في جواز البيع، فمنعه ابن إدريس «1»، و جوّزه جماعة، فراجع الأقوال «2».

(4) الإتيان ب «أو» للتنبيه على اختلاف عبائر المجوّزين، فمنهم من جوّز البيع عند الخراب كسلّار «3»، و منهم من جوّزه عند خوف الخراب و خشيته، كالشهيد في الدروس «4».

(5) أي: لكنّ «خراب الوقف» المختلف حكمه أمر، و «انعدام العنوان» أمر آخر، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، كما تقدم آنفا.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 545

(2) المصدر، ص 547 و ما بعدها

(3) المصدر، ص 563

(4) المصدر، ص 567

ص: 40

كما لا يخفى- أنّه (1) لا وجه للبطلان بانعدام العنوان،

______________________________

(1) الجملة مرفوعة محلّا على أنّها فاعل قوله: «يرد» و هذا ثاني وجهي المناقشة، و ينبغي الإشارة إلى أمرين قبل توضيحه:

الأوّل: أن الفرق بين الأحكام التكليفية المتعلقة بالعناوين، و بين الأحكام الوضعية. هو: أن الحكم التكليفي يقف على نفس العنوان و لا يسري إلى المعنون، كالأمر بالصلاة، فإنّ مركب الوجوب هو عنوان «الصّلاة» الفاني في المعنون، لا نفس المعنون أعني به مصداقه الخارجي، لما تقرر من امتناع اتصافه بالوجوب، ضرورة أن الخارج ظرف سقوط الأمر لا ثبوته.

و هذا بخلاف الأحكام الوضعية، فيمكن تعلقها بالأشخاص و بالطبائع و بالعناوين، فلو قال: «الدار ملك زيد» كان متعلق الحكم هو الموجود الخارجي أعني المعنون بعنوان الدار، و لو قال: «الخمر نجس» كان المتعلق لبّا الجزئيات الخارجية، و يكون العنوان عبرة و طريقا إلى ما في الخارج.

و عليه فمعنى مملوكية الدار لزيد كون كل جزء جزء منها ملكا له، بلا دخل لعنوان «الدراية» فيه.

الثاني: أن حقيقة الوقف إمّا حبس العين على الموقوف عليه أو تمليكها له أو غيرهما. و لا ريب في كون مجعول الواقف اعتبارا وضعيا، لا تكليفيا. و لا يقتضي تعلقه بعنوان الدار أو البستان تحديد حبس العين على الموقوف عليه بزمان استمرار الصورة البستانية أو الدارية حتى لا تكون الأجزاء الخارجية مملوكة للموقوف عليه أو محبوسة عليهم.

إذا تقرّر هذان الأمران، قلنا في توضيح الوجه الثاني: إنّ منشأ المصير إلى بطلان الوقف بزوال العنوان هو أخذ عنوان خاصّ في صيغة الوقف، كقوله: «وقفت البستان على أولادي». و لكن يسأل من صاحب الجواهر قدّس سرّه عمّا أراده من كلمة «العنوان» فإمّا أن يكون مراده به ما يقع مفعولا به في مقام الجعل كالمثال المزبور،

ص: 41

لأنّه (1) إن اريد ب «العنوان» ما جعل مفعولا (2) في قوله: «وقفت هذا البستان» فلا شكّ [في] (3) أنّه ليس إلّا كقوله: «بعت هذا البستان» أو: «وهبته» فإن (4) التمليك المعلّق بعنوان لا يقتضي دوران الملك

______________________________

و إمّا أن يكون مراده به أمرا آخر كالشرط المبني عليه الإنشاء أو المصرّح به فيه، بأن يقول: «وقفت هذا البستان على ذريتي ما دام بستانا». و المفروض عدم اقتضاء شي ء منهما بطلان الوقف بنفاد العنوان.

أمّا الأوّل فلأنّ وقفية البستان لا تكون مقصورة على هذا العنوان، بل تسري إلى كل جزء منه، و تقدّم آنفا سراية الأحكام الوضعية من عناوينها إلى معنوناتها بلا فرق بين الملكية الحاصلة بالوقف أو بالبيع أو بالهبة.

و الشاهد على تعلّق الملكية بالمعنون أنّه لو قال: «بعتك هذا البستان» و تغيّرت صورته البستانية بعد البيع لم ينحل العقد، بل تبقى العرصة و الأجزاء ملكا للمشتري. فكذا الحال في الوقف الذي يكون حقيقته إيقافا للعين عن النقل الاعتباري أو تمليكا أو قصرا، سواء استمرّ العنوان أم تغيّر.

و أما الثاني فسيأتي.

(1) تعليل لقوله: «لا وجه» و تقدم بيان عدم الوجه بناء على أوّل شقيّ الترديد.

(2) المفعول به هو كلمة «هذا» و «البستان» بدل أو عطف بيان له.

(3) هذه الكلمة لم توجد في نسختنا، و إنّما أثبتناها تبعا لما في بعض النسخ، و مناسبة لكلمة الشك.

(4) تعليل لوحدة مدلول «وقفت هذا البستان، و: بعته، و: وهبته» في أنّ الدار مفعول به في الجميع. فكما أنّ البائع يملّك البستان من المشتري على نحو ملكيته له من الذات و العنوان، و لا يكون تمليكه مقصورا على عنوان «البستان»، فلو زال العنوان بقي ملكية المشتري للعرصة لكونها جزءا من المبيع. فكذا في الوقف يتملك

ص: 42

مدار العنوان [1]. فالبستان إذا صار ملكا فقد ملك منه كلّ جزء خارجي و إن لم يكن (1) في ضمن عنوان «البستان». و ليس (2) التمليك من قبيل الأحكام الجعلية (3) المتعلقة بالعنوانات.

و إن أريد (4) ب «العنوان» شي ء آخر، فهو خارج عن مصطلح أهل

______________________________

الموقوف عليه كلّ جزء من العين.

(1) أي: و إن لم يكن كلّ جزء منه جزءا لعنوان البستان، إذ بعد ذهاب العنوان لا تتعنون العرصة بجزئيتها له فعلا، بل كانت جزءا له قبل ذهابه.

(2) هذا دفع دخل مقدر، حاصله: مقايسة الملكية و الحبس بالأحكام التكليفيّة الموقوفة على عناوينها كوجوب الصلاة. و تقدم الدفع بما ذكرناه في الأمر الأوّل في (ص 41) فراجع.

(3) يعني: المجعولة بالأصالة و الاستقلال، و هي خصوص التكليفية، لوضوح عدم كون الوضعيات- عند المصنف- مجعولة كذلك كما تقدّم في أوّل البيع، فراجع «1».

(4) هذا هو الشّق الثاني من المنفصلة، و حاصله: أن مراد صاحب الجواهر قدّس سرّه بالعنوان إن لم يكن وقوع الكلمة مفعولا به في مقام الإنشاء، بأن كان المراد شيئا آخر كالاشتراط، قلنا: إنّ إرادة الشرط من العنوان غير معهودة عند العرف و أهل العلم.

______________________________

[1] إلا أن يفرق بينهما بما أفاده السيد قدّس سرّه من كون البستان موردا في البيع و الهبة، و عنوانا في الوقف «2».

و لعلّه لأنّ غرض الواقف من حبس العنوان تسبيل منفعة خاصة، فكأنّ المنشأ تسبيل منفعة هذا العنوان، لا منفعة العرصة التي غرست الأشجار فيها. و المفروض أن الوقوف على حسب ما يقفها أهلها. و هذا بخلاف البيع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 122 إلى 128

(2) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 254

ص: 43

العرف و العلم، و لا بدّ من بيان المراد منه، هل يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في (1) الموضوع زيادة على عنوانه؟

و أمّا تأييد ما ذكر (2) بالوصية فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه بالوصية

______________________________

مع أنّ اشتراط التوقيت لا يجدي فيما رامه قدّس سرّه من بطلان الوقف بزوال العنوان، سواء أ كان الشرط مصرّحا به كما لو قال: «وقفت هذا على أن يكون بستانا أو: ما دام بستانا» أم منويّا- من غير دلالة عليه في الإنشاء- كما لو اقتصر على جملة: «وقفت هذا البستان» بانيا على كونه موقّتا ببقاء البستان.

وجه عدم الإجداء: منافاة جعل الملكية المحدودة- للموقوف عليه- للتأبيد الذي اعتبروه في الوقف. فيشكل نفوذ هذا الشرط بأدلة الشروط و بخصوص «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

(1) متعلق ب «ما اشترط» يعني: أنّ اشتراط العنوان في العين الموقوفة يكون تارة ملفوظا به و اخرى مقصودا.

و كان المناسب تتميم المطلب بأن يقال: «و صحته محل تأمل» و نحو ذلك، و إلّا كان إطلاق العنوان على الشرط مجرد الخروج عن مصطلح القوم، و هو بحث لفظي، و المهم بيان حكم هذا الشرط صحة و فسادا و إفسادا.

هذا مناقشة المصنف في أصل ما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه هما من بطلان الوقف بانعدام العنوان، و بقي الكلام في تأييده بفرع الوصية.

(2) من بطلان الوقف بزوال العنوان، و حاصل المناقشة: أنّ ما ذكروه في باب الوصية لا يؤيّد بطلان الوقف فيما نحن فيه، لافتراقهما موضوعا، فإنّ مدّعى الجواهر تمامية الوقف هنا و كونه ملكا فعليا للموقوف عليه ما دام العنوان باقيا، و المناسب تأييده بكون الملك فعليا للموصى له، و هو فيما إذا تمت الوصية بعنوان كالدار، فزال العنوان، كما إذا أوصى بدار لزيد فمات الموصي ثم انهدمت الدار، فإنّها تبقى على ملك الموصى له، لصيرورة الملكية المنشأة بالوصية فعلية بالموت. فتكون هذه المسألة

ص: 44

..........

______________________________

نظير الوقف على العنوان.

و حينئذ فإن التزم الفقهاء بخروج الدار المنهدمة عن ملك الموصى له إلى ورثة الموصي كانت متحدة مع المقام. و إن لم يلتزموا بدوران ملك الموصى له مدار العنوان، بل تبقى العرصة على ملكه، كان منافيا لما رامه صاحب الجواهر. و من المعلوم أنّ حكمهم بانتقال الملك إلى الموصى له بموت الموصي و قبول الموصى له «1» شاهد على أن الملكية المنشأة بالوصية و إن كانت متعلقة بعنوان الدار، إلّا أنّ المتعلق حقيقة هو ذات المعنون، و أنّ العنوان معرّف محض.

و بعبارة اخرى: كان مقصود صاحب الجواهر من تأييد الوقف بالوصية هو تعلق كل منهما بعنوان الدار مثلا، فكما أن زوال العنوان يبطل الوصية، فكذا يبطل الوقف. و مقصود المصنف قدّس سرّه إبطال التأييد، ثم التنظير بفرع آخر.

أمّا بطلان التأييد فللفرق بين المسألتين، و هو: اقتضاء الوقف على العنوان صيرورة الموقوفة ملكا فعليّا للعنوان، بخلاف مسألة الوصية، لكون ملك الموصى له قبل موت الموصي شأنيا لا فعليا.

مضافا إلى: أنّ الموصى به هو عنوان «البستان» حال موت الموصي، بشهادة حكمهم بعدم اعتبار وجود الموصى به حال الوصية. فلو تغيّر عنوان البستان لم يكن الموصى به موجودا حال الموت، و الموجود حاله- و هو العرصة- مغاير للموصى به، فتبطل الوصية من هذه الجهة، لا من جهة اعتبار بقاء العنوان في بقاء الوصية.

و أمّا التنظير فتقريبه: أنّ الفرع المماثل للوقف على العنوان هو الوصية بالدار التي صارت بعنوانها ملكا فعليا للموصى له بقبوله و بموت الموصي، ثم زال العنوان، فإنّهم لم يلتزموا بزوال ملك الموصى له، و بعوده إلى ورثة الموصي. و هذا كاشف عن

______________________________

(1) شرايع الإسلام، ج 2، ص 243

ص: 45

بالبستان بعد تمامها (1)، و خروج (2) البستان عن ملك الموصي بموته و قبول الموصى له. فهل يرضى أحد بالتزام بطلان الوصيّة بصيرورة البستان عرصة (3)؟

نعم (4) الوصية قبل تمامها

______________________________

عدم موضوعية العنوان، و كونه معرّفا. فليكن الوقف مستمرّا بعد ذهاب العنوان، لوحدة المناط.

(1) أي: تمام الوصية، و وجه المناسبة ما تقدم من فعلية ملك الموقوف عليه و الموصى له لو زال العنوان بعد الموت.

(2) معطوف على التمامية، و هو أثر لها.

(3) فينبغي أن لا يرضى صاحب الجواهر ببطلان الوقف بصيرورة البستان عرصة.

(4) غرضه أنّ منشأ بطلان الوصية قبل تمامها ليس ما زعمه صاحب الجواهر من تغيّر العنوان، بل لعدم وجود الموصى به- و هو البستان- حال موت الموصي، فهو نظير بطلانها من جهات اخرى:

منها: رجوع الموصي عن وصيته قولا أو فعلا، إمّا بالتصرف الاعتباري في الموصى به ببيع أو هبة أو وقف أو غيرها. و إمّا بالتصرف الخارجي.

قال المحقق قدّس سرّه: «و كذا- أي يتحقق الرجوع- لو تصرّف فيه تصرّفا أخرجه عن مسمّاه، كما إذا أوصى بطعام فطحنه، أو بدقيق فعجنه أو خبزه» «1».

و منها: تلف الموصى به، كما لو أوصى بعبده فمات قبل موت الموصي «2».

و منها: عدم بقاء الاسم لو كان بفعل غير الموصي.

و منها: رد الوصية بعد الموت و قبل قبوله «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 244

(2) المصدر، ص 260

(3) المصدر، ص 243

ص: 46

يقع الكلام في بقائها و بطلانها من جهات (1) أخر.

ثم ما ذكره من الوجهين (2) ممّا لا يعرف له وجه، بعد إطباق كلّ من قال بخروج الوقف المؤبّد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه أبدا [1].

______________________________

(1) لا يخفى أن الجهات المتقدمة لم يقع كلام- في بقاء الوصية و بطلانها- في جميعها، لعدم دعوى الخلاف في بعضها كالبطلان بالرجوع و فوات المتعلق، نعم عدم صدق الاسم- إن كان بفعل غير الموصي- يقع الكلام في مبطليته لها و عدمها.

(2) أحدهما: رجوع العين بعد زوال العنوان إلى ورثة الموقوف عليه كما قوّاه في كتاب البيع، و تقدم في (ص 38).

ثانيهما: رجوعه إلى الواقف أو ورثته كما قوّاه في كتاب الوقف، و استظهره من مكاتبة الصفار و غيرها، فراجع «1».

و حاصل مناقشة المصنف في هذا المقطع من كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه هما هو:

أنّ الوقف على العنوان يكون من الوقف المؤبّد، لا المنقطع. و قد أطبق الفقهاء- القائلين بخروج العين عن ملك الواقف- على عدم عودها إليه أو إلى ورثته.

و يستفاد هذا الإجماع من غير موضع من السرائر، كقوله في عدم جواز انتفاع الواقف بما وقفه: «لما بيناه و أجمعنا عليه من أنه لا يصحّ وقفه على نفسه، و أنّه بالوقف قد خرج عن ملكه و لا يجوز عوده إليه بحال» «2» فعدم دخوله في ملك الواقف متفق عليه.

______________________________

[1] الظاهر أنّ المصنف قدّس سرّه اقتصر على ما أفاده صاحب الجواهر في كتاب البيع، فأورد عليه بأنّ عود الوقف المؤبد إلى الواقف و ورثته مخالف للإجماع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 57

(2) السرائر، ج 3، ص 155

ص: 47

..........

______________________________

و عليه فلا ينبغي إبداء احتمال رجوع الوقف إلى الواقف، خصوصا مع تقويته في كتاب الوقف كما سيأتي نقل كلامه في التعليقة.

هذا تمام الكلام في الصورة الثانية.

______________________________

لكن صريحه قدّس سرّه في كتاب الوقف كونه من المنقطع، كقوله في تقوية رجوع العين إلى الواقف أو ورثته: «لأنّ عقد الوقف- بعد فرض مشروعيته على هذا الوجه- إنّما اقتضى نقلها عن المالك ما دام الموقوف عليه غير منقرض. و متى صار غير موقّت صار باطلا مردودا على الواقف أو ورثته كما هو صريح الصحيح الأوّل، فلا يحتاج حينئذ إلى سبب جديد، لأنّ الناقل عن مقتضى الملك إنّما نقل هذا المقدار. و ليس هذا من التوقيت في الملك أو في الوقف، الذي حكينا الإجماع على عدم جوازه، ضرورة كون ذلك الذى فد اخذت فيه المدّة غاية، لا ما إذا جاءت تبعا لانقراض الموقوف عليه» «1».

و كقوله في صور وقف العنوان كالدار المنهدمة: «أحدها: وقفها ما دامت دارا، فانهدمت، و الظاهر كونها من منقطع الآخر» «2».

و بالجملة: فمناقشة المصنف مبنيّة على كون المقام من الوقف المؤبّد حتى يتجه تمسكه بالإجماع على عود المال إلى الواقف.

إلّا أن يقال: إنّ الغرض إبطال انقطاع الوقف هنا، ثم الإيراد على الجواهر بأنّه بعد تسليم كونه من المؤبد لا سبيل لإبداء احتمال رجوعه إلى الواقف. فتأمّل.

و كيف كان فالظاهر أن الملكية المنشأة بالوقف على العنوان محدودة ببقائه.

بمعنى أنه أخرج الدار عن ملكه ما دامت دارا مثلا، و هي ممكنة ثبوتا، و اقتضاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 57

(2) المصدر، ص 109

ص: 48

______________________________

«الوقوف» و نحوه صحتها شرعا، نظير ما نقله المحقق الشيرازي عن بعض الأعلام في ملكية الأرض المحياة من أنّها تحدث بحدوث صفة الإحياء، و تدوم بدوامها.

و كملكية الخلّ التابعة لبقاء عنوان خليّته أو حليته، فإذا زال عنه ذلك خرج عن الملكية. و دعوى أنّه راجع إلى مزيلية الخراب أو الخمرية أو الحلية عريّة عن البيّنة «1».

و قد يفصّل في المقام بين تبدل الصورة النوعية عرفا- مع بقاء المادة الهيولائية المتصورة بصورة اخرى، كصيرورة النخلة خشبة، لمباينتهما، فيبطل الوقف، كما قال به صاحب الجواهر قدّس سرّه و بين عدم تبدلها كذلك، و إن تبدلت بالدقة، فيستمر. و الوجه فيه كون قوام الوقف بالصورة النوعية العرفية «2».

و نوقش فيه: بأن شيئية الأشياء و إن كانت بصورها النوعية العرفية أو العقلية، إلا أنّها لا تقابل بالمال في المعاوضة، و إنما توجب زيادة مالية المادة.

و عليه فإذا وقف دكانا أو دارا كان ظاهره وقف مادتهما، و لا تدور الوقفية مدار نفس الصور و العناوين، لعدم انفكاكها عن المواد، بل لا يبقى لوقف العنوان- بدون وقف المعنون- معنى محصّل، لكونهما متحدين خارجا. فزوال الوقف بزوال المادة و صورتها، هذا «3».

مضافا إلى: أن الوقف لو كان متعلقا بالعنوان- لا بالعين الخارجية- فإن بقي في ملك الواقف شي ء منها ليجوز له قلعها بعد يبسها لم يكن معنى لكونها للموقوف عليه، و إن لم يبق شي ء منها في ملك الواقف كيف تصير ملكا له بعد زوال العنوان؟

لكن يمكن أن يقال: إنّ هذا تام في الأوصاف الدخيلة في الرغبات، كما إذا اشترى عبدا كاتبا، فتبين كونه أميّا، فيصح، و يثبت له خيار تخلف الوصف، بعد وحدة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، القسم الثاني، ص 26

(2) منية الطالب، ج 1، ص 350؛ المكاسب و البيع، ج 2، ص 394

(3) مصباح الفقاهة، ج 5، ص 209 إلى 212

ص: 49

______________________________

حقيقة المبيع عرفا في الكاتب و غيره. و هذا بخلاف تعدد الصور المتحدة مادة لعدم كون المادة المشتركة مناطا لوحدة الحقيقة، لأن مورد المعاملة هو الصورة الخاصة.

ففرق بين كون المبيع غنما و بين كونه جسما مركبا من أعضاء. و المرجع في تعيين كون مورد المعاملة هو الصورة أو المادة العرف.

و أما ما أفاده في حكم النخلة الموقوفة فقد عرفت تصريح صاحب الجواهر قدّس سرّه من خروج الوقف بتمامه عن ملك الواقف موقتا و محدودا ببقاء العنوان، فيعود إليه بعد زواله. و الإشكال من ناحية اختصاص الملك بالمرسل أمر آخر. مضافا إلى النقض بعود الوقف إلى الواقف بعد انقراض البطون.

ص: 50

[الصورة الثالثة أن يخرب بحيث يقلّ منفعته]

الصورة الثالثة: أن يخرب بحيث يقلّ منفعته، لكن لا إلى حدّ يلحق بالمعدوم (1). و الأقوى هنا المنع، و هو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة،

______________________________

الصورة الثالثة: إذا خرب الوقف بحيث تقلّ منفعته

(1) تقدّم توضيح الفرق بين هذه الصورة و سابقتها في (ص 7) و أنّ مورد الكلام هنا بقاء شي ء من منفعة العين بعد خرابها.

و لا يخفى أن لقلّة المنفعة- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1»- فرضين:

أحدهما: أن تقلّ المنفعة التي لا حظها الواقف مع بقاء مقدار معتد به منها، سواء أ كان الملحوظ جميع المنافع أو نوع خاصّ منها.

ثانيهما: أن تزول المنفعة المقصودة بالمرّة، مع بقاء منفعة غير مقصودة، أو حدوث هذه مقارنا لزوال ما قصد.

و الظاهر أنّ النزاع بين مجوّز البيع و مانعه يكون في الفرض الثاني، بشهادة تعرضهم لحكم النخلة المنقلعة، ضرورة أنّه لم يبق شي ء من الثمرة التي سبّلها الواقف، و إنما الكلام في مانعية الانتفاع الجزئي بالتسقيف و شبهه عن البيع، و عدمها. و أما لو كانت النخلة مثمرة و قلّ تمرها، لم يجز بيعها، هذا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه قوّى منع البيع هنا وفاقا للأكثر، كما تقدّم نقله مؤيّدا للمنع في الصورة الثانية، فراجع (ص 16).

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 178

ص: 51

حيث جوّز الشيخ رحمه اللّه في محكيّ الخلاف بيعها، محتجّا بأنّه «لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه (1)، لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل (2)، و لا يرجى عوده» «1». و منعه (3) الحلّي قائلا: «و لا يجوز بيعها، بل ينتفع بها بغير البيع، مستندا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله مع إمكان الانتفاع. و زوال بعض (4) المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لإمكان التسقيف بها و نحوه «2».

______________________________

(1) أي: على وجه البيع و الانتفاع بثمنها.

(2) هذا التعليل- بظاهره- لا يلائم ما قبله من قوله: «إلّا على هذا الوجه» الظاهر في انتفاء جميع وجوه الانتفاع بنحو السلب الكلي.

و وجه التنافي: دلالة قوله: «لأن الوجه الذي ...» على انتفاء خصوص المنفعة المقصودة للواقف، و أنّه لا عبرة بسائر الانتفاعات.

لكن يرتفع التنافي بأنّ قوله: «إلّا على هذا الوجه» لا يدلّ على حصر الانتفاع بالبيع، و سقوط جميع وجوه الانتفاع، بل المراد عدم العبرة بسائر الانتفاعات، لعدم كونها مقصودة للواقف، و إلّا لو سقطت العين عن المنفعة بالمرّة لم يجز بيعها، إذ كيف يباع ما لا منفعة له أصلا. و سيأتي في (ص 53) بيان ما أراده الشيخ من التعليلين.

(3) أي: و منع ابن إدريس قدّس سرّه البيع، استنادا إلى وجوب إبقاء الوقف على حاله، لأنّه تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، فإن تيسّرت الثمرة المسبّلة فهو، و إلّا فالصرف في منفعة اخرى.

(4) كعدم إثمار النخلة بسبب قلعها، فإنّه لا يستلزم فوات منفعة اخرى، كأن يعمل منها زورق أو جسر، أو يسقّف بها بيت مثلا.

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 551- 552، كتاب الوقف، المسألة: 23

(2) السرائر، ج 3، ص 167

ص: 52

و حكي موافقته (1) عن الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و أكثر المتأخرين.

و حكى في الإيضاح عن والده قدّس سرّه: أنّ النزاع بين الشيخ و الحلّي لفظي.

و استحسنه (2)، لأنّ في تعليل الشيخ (3) اعترافا بسلب جميع منافعها، و الحلّيّ فرض وجود منفعة، و منع لذلك بيعها «1».

قيل (4): و يمكن بناء نزاعهما على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف، كما هو

______________________________

(1) أي: موافقة الحلّي، و الموافق جماعة، و الحاكي صاحب المقابس قدّس سرّه «2».

(2) يعني: و استحسن فخر المحققين كون النزاع لفظيا بين شيخ الطائفة و الحلّي، لمغايرة موضوع المنع و الجواز، و ذلك لأنّ الشيخ اعترف بسلب جميع المنافع فجوّز البيع، و الحلّي فرض بقاء بعضها فمنعه. فلو سلب جميع منافع الموقوفة يكون الحلّي مجوزا، كما أنه لو بقي شي ء منها لكان الشيخ مانعا. و هذا هو معنى النزاع اللفظي.

(3) المقصود من تعليل الشيخ هو الجملة الاولى أعني قوله: «لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه» و إلّا لم يتجه نسبة ذلك إلى الشيخ بملاحظة قوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف ...».

(4) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه «3»، و غرضه جعل النزاع بين العلمين معنويا بأن يتحد موضوع الجواز و المنع.

و حاصله: أن المدار على المنفعة التي اعدت العين الموقوفة لها كالثمرة المترتبة على البستان، أو على مطلق المنفعة العائدة من العين كالسكنى المترتبة على الدار، فإذا خرب البستان و بني دارا لم تخرج العين عن الوقفية، فيكون النزاع بين الشيخ و الحلّي معنويا، لأنّ مناط الجواز عند الشيخ انتفاء خصوص المنفعة المقصودة، و إن بقيت سائر المنافع، لقوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل»، و مناطه

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62، لكنه قال: «كما نقل»، و الحاكي لها عن الجماعة هو السيد العاملي قدّس سرّه، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، و تقدمت المصادر في (ص 16)، فلاحظ.

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62، لكنه قال: «كما نقل»، و الحاكي لها عن الجماعة هو السيد العاملي قدّس سرّه، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92، و تقدمت المصادر في (ص 16)، فلاحظ.

ص: 53

الظاهر من تعليل الشيخ (1) [1]. و لا يخلو عن تأمّل (2).

______________________________

عند الحلي هو انتفاء مطلق المنفعة، لا خصوص ما شرطه الواقف.

(1) غرض صاحب المقابس من تعليل الشيخ هو قوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» فانه كالصريح في دوران البيع منعا و جوزا مدار ما سبّله الواقف من منفعة وجودا و عدما، و أنّه لا عبرة بوجود منفعة اخرى، قال في المقابس:

«و يمكن بناء الخلاف على رعاية المنفعة المعدّ ذلك الوقف لها، و عدمها، فالشيخ على الأوّل، و الحلّي على الثاني. و هذا هو الظاهر من التعليل كما لا يخفى» «1».

(2) لعلّ وجه التأمل عدم مساعدة كلامهما على هذا التوجيه، أمّا الشيخ قدّس سرّه فلأنه علّل أوّلا جواز البيع بقوله: «لأنّه لا يمكن الانتفاع بها إلّا على هذا الوجه» و معناه حصر المنفعة- بقول مطلق- في البيع، لا نفي المنفعة المعدّ لها الوقف. ثم علّل هذا الحصر بقوله: «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل» و ليست هذه الجملة تعليلا لأصل جواز البيع حتى يقال بأنّ مناط الجواز بنظر الشيخ انتفاء المنفعة المقصودة للواقف.

______________________________

[1] لكن تعليل الجواز في المبسوط يأبى احتمال إرادة مطلق الانتفاع، فلاحظ قوله: «إذا قطعت نخلة من أرض الوقف، أو انكسرت، جاز بيعها لأرباب الوقف، لأنّه تعذّر الانتفاع بها على هذا الوجه الذي شرطه، و هو أخذ ثمرتها». و هذا هو مفاد عبارة الخلاف «لأنّ الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل».

و عليه فليس ما أفاده المحقق الشوشتري قدّس سرّه بعيدا عن التعليل. و يعود النزاع بينه و بين الحلّى معنويّا، كما يظهر أيضا من الفقيهين السيد العاملى و صاحب الجواهر قدّس سرّه، فلاحظ «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 92؛ جواهر الكلام، ج 28، ص 110

ص: 54

و كيف كان (1)، فالأقوى هنا المنع.

و أولى منه (2) بالمنع ما لو قلّت منفعة الوقف من دون خراب (3)، فلا يجوز بذلك (4) البيع، إلّا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان (5) أعود، و سيجي ء تفصيله (6).

______________________________

و أمّا الحلّي فلدلالة قوله: «و زوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها» على دوران منع البيع مدار وجود منفعة ما للوقف، و لا يجدي زوال خصوص المنفعة المعدّ لها الوقف. و عليه فبناء النزاع على رعاية المنفعة المعدّ لها الوقف بعيد عن مساق الكلامين.

(1) يعني: سواء أ كان النزاع بينهما لفظيا أم معنويا، فالمختار في المسألة هو منع بيع الوقف الذي بقي مقدار من منفعته. و الوجه في المنع وجود المقتضي و فقد المانع، بالتقريب المتقدم في الصورة الثانية، فراجع (ص 8).

(2) الضمير راجع إلى «هنا» المراد به خراب الوقف بما يقلّ نفعه، و هذا هو الفرع الملحق بالصورة الثالثة. و وجه أولوية منع البيع فيه: أنّ الموضوع لجواز البيع- عند القائل به- هو «خراب الوقف» بأن يكون قلة المنفعة لأجل خراب العين، و من المعلوم عدم صدقه في فرض عمرانها.

نعم يمكن القول بجواز البيع هنا استنادا إلى ما سيأتي في الصورة الرابعة من جواز بيع الوقف لو كان أنفع بحال الموقوف عليه.

(3) كما إذا استغني عن مثل الحمّام الموقوف، و عن الخان الموقوف على الزوار و المسافرين، كما تقدم في الصورة الثانية، فراجع (ص 22).

(4) أي: فلا يجوز البيع بقلة المنفعة التي منشؤها خراب العين.

(5) أي: كان البيع أعود، و ضمير «بيعه» راجع إلى الوقف.

(6) في الصورة الرابعة، و لم يختر المصنف قدّس سرّه جواز البيع، لقوله في (ص 87):

«و الأقوى المنع مطلقا وفاقا للأكثر».

هذا ما يتعلق بالصورة الثالثة، و به تمّ الكلام في بيع الوقف لأجل الخراب، و سيأتي حكم بيعه لجهات اخرى كالحاجة إلى الثمن و غيرها.

ص: 55

[الصّورة الرابعة أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه]

الصّورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع و أعود للموقوف عليه (1).

و ظاهر المراد منه (2): أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا

______________________________

الصّورة الرابعة: إذا كان بيع الوقف أصلح للموقوف عليه

(1) مورد البحث في هذه الصورة بقاء الوقف عامرا لم يطرأ عليه الخراب، خلافا لما سبق في الصور الثلاث، و لم تكن حاجة شديدة للموقوف عليه إلى البيع لصرف الثمن في المئونة كما سيأتي في الصورة الخامسة إن شاء اللّه تعالى.

فمحلّ الكلام هو البيع لمجرد كونه أصلح بحال الموقوف عليه. و تعرّض المصنف قدّس سرّه لجهتين:

إحداهما: راجعة إلى موضوع المسألة، أعني المقصود بأنفعية البيع.

و ثانيتهما: راجعة إلى الحكم، و هو المنع الذي ذهب إليه الجلّ، أو الجواز المنسوب إلى الشيخ المفيد. و سيأتي الكلام في كل منهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) أي: من كون البيع أنفع، و هذا إشارة إلى الجهة الاولى.

و توضيحها: أنّ المراد بقاء أصل الثمن و زيادة نفعه- أو نفع بدله- على ما يعود فعلا إلى الموقوف عليه. كما إذا كانت اجرة الدار الموقوفة مائة دينار شهرا، و لو بيعت بعشرة آلاف و ضورب بالثمن كان الربح الحاصل للموقوف عليه- في الشهر- مائتين. فتزيد حصة كل واحد من الموقوف عليهم على ما حصل بالإجارة.

________________________________________

و كذا لو ابدل الثمن بخان أو دكان، و كانت الاجرة مائتي دينار شهرا.

و ليس المراد بأنفعية البيع صرف أصل الثمن في البطن الموجود، ضرورة كون

ص: 56

مدّة وجود الموقوف عليه (1).

و قد نسب (2) جواز البيع هنا إلى المفيد (3)،

______________________________

البيع أنفع- بهذا المعنى- من إبقاء الوقف و الانتفاع به تدريجا.

و الحاصل: أنّ المقصود بكون البيع أعود و أصلح للموقوف عليه زيادة المنفعة التدريجية- الحاصلة من الثمن أو البدل- على ما ينتفع فعلا من نفس الموقوفة.

ثمّ إنّ الأنفعية تلاحظ تارة بالنسبة إلى خصوص البطن الموجود، مع الغضّ عن الطبقة اللاحقة، و اخرى مطلقا أي بالنسبة إلى جميع البطون، بحيث لو قيل بجواز البيع اعتبر كونه أعود لجميع البطون، لا للطبقة الموجودة خاصة، و سيأتي في العبارة التنبيه عليه.

(1) و هو كل بطن من البطون، يعني: أن النفع الواصل إلى كل طبقة- من ثمن الموقوفة أو بدلها- أزيد مما ينتفع به من نفس الوقف.

(2) الناسب جماعة كالفاضل الآبي «1» و الشهيد «2» و الفاضل الصيمري- على ما حكاه عنه في المقابس «3»- و المحقق الثاني «4» و غيرهم، ففي كشف الرموز: «فهل يجوز تغيير الوقف أو بيعه لمصلحة؟ قال الثلاثة و سلّار: نعم، لو كان أنفع للموقوف عليهم و أصلح» و مراده بالثلاثة الشيخ المفيد و السيد المرتضى و الشيخ الطوسي.

و في الدروس: «و جوّز المفيد بيعه إذا كان أنفع من بقائه» «5».

(3) ظاهره انحصار القائل بالجواز في الشيخ المفيد قدّس سرّه. لكن عرفت نسبة جواز

______________________________

(1) كشف الرموز، ج 2، ص 52 و 53، و نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و في ج 9، ص 86

(2) غاية المراد، ج 2، ص 24

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 43

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 68، و كذا السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 88

(5) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 57

و قد تقدّم (1) عبارته، فراجع.

______________________________

البيع إلى غيره أيضا و إن لم تخل عن تامّل. و كذا نسبه الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى الشهيد و المحقق الثاني، فراجع «1».

(1) غرضه التأمل في نسبة الجواز إلى الشيخ المفيد قدّس سرّه، فإن العبارة التي استفيد منها تجويزه للبيع- إذا كان أنفع بحال الموقوف عليه- هي قوله: «الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف علهم ما يمنع الشرع من معونتهم ... أو يكون تغيير الشرط في الموقوف أدرّ عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله «2»».

و محصله: جواز الرجوع في صورتين:

الاولى: امتناع التقرب إليه تعالى بمعونة الموقوف عليهم و صلتهم.

الثانية: كون تغيير الشرط أنفع للموقوف عليه، بناء على أن يكون مقصوده قدّس سرّه من تغيير الشرط تبديل العين الموقوفة. و على هذا تتّجه نسبة جواز بيع الوقف- إن كان أعود- إلى الشيخ المفيد، هذا.

و لكن الظاهر عدم وفاء العبارة بذلك، لما في «تغيير الشرط» من احتمالين:

أحدهما: ما تقدم من إرادة تغيير شرط من شرائط الموقوفة مع إبقاء الوقف بحاله، فلو غيّر شرط عدم البيع أو شرط الدوام و كان أنفع بالموقوف عليه انتقلت الوقفية إلى الثمن أو البدل. كما إذا قال الواقف: «تصدقت بهذه الدار صدقة جارية مؤبدة لا تباع و لا توهب على أولادي بشرط أن يتهجّدوا» فالمراد تجويز تغيير شرط- كشرط عدم بيعها- إن كان أنفع بحال الموقوف عليه.

و بناء على هذا الاحتمال ينبغي أن يراد بكلمة «الرجوع عن الوقف» في

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 399

(2) المقنعة، ص 652، و تقدم كلامه في الأقوال، فراجع ج 6، ص 557

ص: 58

و زيادة النفع (1) [1] قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود، و قد تلاحظ

______________________________

جملة المستثنى منها فسخ الشرط المأخوذ في صيغة الوقف، لا فسخ أصل الوقف و العدول عنه.

ثانيهما: أن يراد من «تغيير الشرط» الرجوع عن أصل الوقف و إبطاله رأسا و جعله كأن لم يكن. و بناء على هذا الاحتمال لا يكون جواز الرجوع أنفع للموقوف عليهم، بل هو أنفع للواقف المباشر للبيع.

إلّا أن توجّه الأنفعية لهم بإرادة صرف الثمن فيهم، أو التصدق على كل واحد منهم بما يستحقه، و لكن لا قرينة في عبارة الشيخ المفيد على هذا التوجيه.

و يمكن ترجيح الاحتمال الثاني على الأوّل بقرينة كلمة «الرجوع» و بيانه:

أن المراد بالرجوع في الصورة الاولى- و هي امتناع إعانة الموقوف عليهم شرعا- ما هو ظاهره من فسخ أصل الوقف، و ينبغي أن يكون هذا المعنى هو المراد- بمقتضى السياق- من الرجوع في الصورة الثانية. و حينئذ يتعيّن حمل قوله: «تغيير الشرط» على الاحتمال الثاني، أعني به تغيير ما اشترطه في الإنشاء من عدم بيع الوقف كليّة، و تغييره بتجويز البيع لا إلى بدل، هذا.

و لو قيل بعدم قرينية كلمة «الرجوع» على العدول عن أصل الوقف، فلا أقلّ من إجمال عبارة الشيخ المفيد قدّس سرّه و عدم ظهورها فيما نسب إليه من جواز البيع إن كان أعود للموقوف عليه، هذا.

(1) يعني: أن زيادة منفعة الثمن- أو البدل- على منفعة نفس العين الموقوفة قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود، فاللازم على متولّي البيع رعاية مصلحة خصوص البطن الموجود، و عدم العبرة بمنفعة المعدومين، و هذا مبني على ما تقدم

______________________________

[1] هذه الجملة راجعة إلى موضوع المسألة من زيادة نفع البيع على بقائه، لا إلى أصل جواز البيع و المنع، فلعلّ الاولى التعرض لها قبل قوله: «و قد نسب ... الخ».

ص: 59

بالنسبة إلى جميع البطون إذا قيل (1) بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه.

و الأقوى المنع مطلقا (2)،

______________________________

في الصورة الاولى «1» من انتهاء أمد الوقف بالبيع و انتقال الثمن إلى البطن الموجود، بدعوى: أن الوقف على تقدير بقائه يصير ملكا للبطن اللاحق، و بيعه يبطل هذا التقدير، فلذا يختص الثمن بالموجود.

و أمّا بناء على كون الثمن ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم- كما حققه المصنف قدّس سرّه هناك «2»- فلا بد من ملاحظة زيادة المنفعة للجميع، و لا يحلّ بيع الموقوفة لو اختصت زيادة منفعة البدل أو الثمن بالبطن الموجود.

(1) و أمّا إذا قيل بالاختصاص بالبطن الموجود- كما اختاره المحقق قدّس سرّه و غيره في دية العبد الموقوف المقتول «3»- كفى كون البيع أنفع بحال البطن الموجود من إبقاء نفس الموقوفة.

(2) هذا بيان المختار، و المراد بالإطلاق ما يقابل التفصيل بين حاجة الموقوف عليهم إلى البيع، و عدمه. كما نقله السيد الفقيه العاملي «4» عن النهاية و الجامع.

و عدّه المحقق الشوشتري قولا ثانيا في المسألة، فقال: «إنّه يجوز البيع إذا كان أنفع بشرط الحاجة الضرورية إلى ذلك، و قد قال بذلك كثير من الأصحاب» «5».

و تقييد جواز البيع يظهر من الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد، كما نسبه إليه في الجواهر «6».

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 632

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 627

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 219

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 257

(5) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45

(6) غاية المراد، ج 2، ص 28 و 30؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 364

ص: 60

وفاقا للأكثر (1)، بل الكلّ، بناء (2) على ما تقدّم (3) من عدم دلالة قول المفيد

______________________________

(1) كما يظهر من المقابس، فإنه بعد نقل القول الثالث- و هو المنع مطلقا سواء أ كانت حاجة أم لم تكن- أفاد: أنّ المانع عن البيع هنا إمّا يمنع بيع الوقف مطلقا كالإسكافي و الحلّي قدّس سرّه هما، و إمّا يمنعه في الجملة و لم يجوّزه فيما كان البيع أنفع، قال قدّس سرّه:

«و منهم من لم يحكم ببطلان بيعه لبعض الأسباب، إلّا أنّه أسقط منها صورة الحاجة، و كون البيع أنفع من هذه الجهة، و هم: الشيخ في المبسوط و ظاهر الخلاف، و محتمل كتابي الأخبار، و المحقق في بيع الشرائع و وقفه، و ظاهر وقف النافع كما فهمه الشهيد أيضا، و العلّامة في المختلف و التخليص و بيع القواعد و الإرشاد و التذكرة و التحرير و وقفها، و الشهيدان في الدروس و اللمعة و الروضة و المسالك، و الفاضل السيوري في التنقيح، و أبو العباس في المقتصر و ظاهر المهذّب، و الصيمري في بيع غاية المرام و وقفه، و صاحب المفاتيح، و جملة ممّن تأخر عنه» «1».

و عليه فالشهرة محققة على منع البيع فيما كان أعود، و هي تجدي في تحقق الإعراض الموهن لمستند الجواز، و هما روايتا جعفر و الحميري.

(2) قيد ل «بل الكل» غرضه دعوى الإجماع على المنع، و أن الشهرة المحضة- دون الاتفاق- مبنية على وجود المخالف في المسألة، و لمّا كان المجوّز منحصرا في الشيخ المفيد و لم يكن لكلامه ظهور في تجويز البيع- إن كان أعود- لم يصحّ عدّه مخالفا، و لا استيحاش من دعوى الإجماع على المنع حينئذ.

و لو سلّم ظهور كلامه في جواز البيع لزم تأويله و حمله على ما لا يخالف القواعد، كما أفاده العلّامة قدّس سرّه في التحرير.

(3) مراده مما تقدم إمّا ما أشار إليه من قوله قبل سطرين بقوله: «و قد تقدم عبارته». و إمّا ما نقله عن تحرير العلّامة، من كونه متأولا، و عقّبه المصنف بقوله

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 61

على ذلك (1)، و على تقديره (2) فقد تقدم عن التحرير: أنّ كلام المفيد متأوّل.

و كيف كان (3)، فلإشكال في المنع، لوجود مقتضي المنع (4)، و هو (5) وجوب

______________________________

هناك: «و لعلّه من شدة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد ...» «1»، و ظاهر السكوت ارتضاؤه لأصل الحمل و التأويل.

(1) أي: على جواز البيع إن كان أعود.

(2) أي: تقدير دلالة قول المفيد على جواز البيع.

(3) يعني: سواء أمكن توجيه كلام الشيخ المفيد ليتحقق الإجماع على المنع، أم لم يمكن و تحققت الشهرة عليه، فلا إشكال في عدم جواز بيع الوقف إن كان أصلح بحال الموقوف عليهم. و الدليل على الدعوى وجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا المقتضي فأمران:

أحدهما: عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالعقود و العهود، و عدم نقضها، و هو شامل للوقف الذي حقيقته حبس الأصل عن النقل و الانتقال مطلقا، سواء أ كان بيعه أصلح بحال الموقوف عليه، أم لم يكن.

و ثانيهما: خصوص ما ورد في الوقف، كقوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» الدال على وجوب العمل على طبق ما رسمه الواقف من تحبيس الأصل على الموقوف عليه. و كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» الظاهر في منع بيع الوقف و تغييره و تبديله.

و أمّا المانع- أي ما يجوّز البيع إذا كان أنفع- فما يدّعى كونه مانعا رواية ابن حنّان و مكاتبة الحميري، و سيأتي قصورهما عن إثبات جواز البيع.

(4) أي: منع البيع فيما كان أعود.

(5) يعني: و المقتضي للمنع هو ما دلّ- عموما و خصوصا- على وجوب العمل على طبق الإنشاء.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 560

ص: 62

العمل على طبق إنشاء الواقف، و قوله (1) عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» «1»، و غير ذلك (2). و عدم (3) ما يصلح للمنع (4)، عدا رواية ابن محبوب (5) عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنّان [حيّان] (6)

______________________________

(1) معطوف على «وجوب» يعني: و كذا يقتضي المنع عن البيع ما دلّ على النهي عن خصوص بيع الوقف و شرائه.

(2) كالإجماع المتقدم في أوّل المسألة على عدم جواز بيع الوقف، و كالنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المرسل الدال على أن: الوقف تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة «2».

(3) معطوف على «وجود مقتضي المنع».

(4) يعني: المنع عن تأثير مقتضي المنع، فكأنه قال: «و عدم ما يصلح للجواز عدا ...» فإن نفي النفي يؤول إلى الإثبات، نحو «زيد ليس بعديم المال» أي: هو ذو مال.

(5) استدل الشهيد بهذه الرواية على مدعاه من جواز البيع عند الحاجة إن كان أعود، قال قدّس سرّه: «و أمّا الذاكرون الحاجة- أي جواز البيع عند حاجة الموقوف عليهم- فيمكن تعويلهم على ما رواه جعفر بن حيّان ... و هذه تتضمّن قيد كون البيع أعود عند الحاجة» «3». ثم قال: «و الأجود العمل بما يقتضيه الحديثان السالفان» «4» و أحد الحديثين في كلام الشهيد هو خبر جعفر.

(6) هذا الخبر لا يخلو من بحث سندا و دلالة. أمّا السند فلجهالة جعفر. و عدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث: 1

(2) عوالي اللئالي، ج 2، ص 261، الحديث: 5، رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 14، ص 47، الباب 2 من أبواب الوقف، ح 1

(3) غاية المراد، ج 2، ص 28

(4) المصدر، ص 30

ص: 63

«قال: سألت (1) أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل

______________________________

إحراز وثاقته، و العمدة وقوع ابن محبوب في السند، و هو مجد عند من يرى كفاية صحة الطريق إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، مطلقا سواء روى عن مجهول بلا واسطة أو معها كما في المقام، لأن ابن محبوب يروي عن علي بن رئاب، و هو عن جعفر. فيحكم باعتبار الخبر حينئذ. و لعلّه لهذا وصفه العلّامة المجلسي التقي قدّس سرّه بالقوي كالصحيح «1».

لكن المبنى محلّ تأمل، كما تعرضنا له في شرح الكفاية، فراجع «2». و لعلّه عدّه ولده العلّامة من المجهول «3».

و أمّا الشهرة العملية الجابرة لضعف السند فغير محققة في المقام بناء على ذهاب الأكثر إلى المنع مطلقا.

و أمّا الدلالة فالرواية تشتمل على فقرات متعددة، و هي غير صافية من الإشكال كما سيأتي التعرض لجملة منها، و لا بد من توجيهها بما لا يخالف القواعد، كما تصدى غير واحد له، فراجع «4».

و الغرض من نقلها الاستدلال بالسؤال الأخير المتكفل لحكم بيع الوقف عند الحاجة، و تجويزه عليه السّلام له بشرطين:

أحدهما: رضا الموقوف عليهم بأجمعهم.

و ثانيهما: كون البيع خيرا لهم من إبقائه، و سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا هو السؤال الأوّل، و لعلّ مراد السائل: أنّ الواقف وقف أرضا مزروعة على قرابته من أبويه، و شرط في صيغة الوقف: أن يعطي الموقوف عليهم- بعد موت

______________________________

(1) روضة المتقين، ج 11، ص 158

(2) منتهى الدراية، ج 8، ص 145

(3) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 406

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50 و 51

ص: 64

وقف غلّة (1) له على قرابته (2) من أبيه، و قرابته من أمّه،

______________________________

الواقف- مقدار ثلاث مائة درهم من عوائد الموقوفة لرجل ما دام حيّا، و لعقبه بعد موته، بأن قال: «هذه الأرض وقف على قرابتي، و شرطت عليهم إعطاء ثلاث مائة درهم- بعد موتي- لزيد ثم لعقبه».

فالمراد بالوصية هنا الشرط على الموقوف عليهم بإعطاء شي ء للرجل معلقا على موت الواقف، بحيث تكون نماءات الوقف بتمامها ملكا للموقوف عليهم قبل موت الواقف، و كذلك تكون لهم و لورثتهم بعد انقراض ذلك الرجل و عقبه.

و ليس المراد بالوصية هنا معناها المعهود من العقد المستقل ليشكل بأن الوصية إن كانت بعد اجتماع شرائط الوقف فهي باطلة، لعدم بقاء المال على ملك الموصي حتى يصح الإيصاء به. و إن كانت قبلها صحّت و بطل الوقف.

كما أن الظاهر عدم إرادة الاستثناء من الوقف، بأن يستثني الواقف مقدارا من منفعة الوقف لنفسه ثم أوصى به لذلك الرجل، كأن يقول: «وقفت هذه الأرض على قرابتي و استثنيت من علّتها ثلاث مائة درهم» إذ لو كان كذلك لزم دخول الدراهم في ملك ورثة الواقف بعد انقراض الموصى له. مع أنه عليه السّلام جعلها للموقوف عليهم.

(1) قال الشهيد قدّس سرّه: «المراد بالغلّة هنا أرض الغلّة، فحذف المضاف للعلم به» «1».

و يشهد له قوله السائل في السؤال الثاني: «أ رأيت إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها» لرجوع الضمير إلى الأرض لا إلى الغلّة.

و كذا قوله عليه السّلام في جواب السؤال الثالث: «يردّ إلى ما يخرج من الوقف» فيكون المراد بالموصول الغلّة، و بالوقف نفس الأرض.

(2) استفاد العلّامة و غيره من اقتصار السائل- في مقام حكاية الوقف- على

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 28

ص: 65

و أوصى (1) لرجل و لعقبه (2) من تلك الغلّة- ليس (3) بينه و بينه قرابة- بثلاثمائة (4) درهم في كل سنة، و يقسّم الباقي (5) على قرابته من أبيه، و قرابته من امّه. فقال عليه السّلام: جائز للّذي أوصي له بذلك (6).

قلت: أ رأيت (7) إن لم يخرج من غلّة تلك الأرض التي أوقفها إلّا خمسمائة درهم؟ فقال (8): أ ليس في وصيّته أن يعطى الذي اوصي له من الغلّة

______________________________

ذكر القرابة: أنّ مورد السؤال وقف منقطع، لا مؤبّد، فتكون الرواية أجنبية عن بيع المؤبّد إذا كان أنفع. و سيأتي في (ص 80).

(1) تقدّم آنفا بعض محتملات الوصية، و أن الظاهر عدم إرادة وقف بعض الأرض و الإيصاء بمنافع بعضها الآخر. و ذلك لدلالة قوله عليه السّلام: «أ رأيت إن لم تخرج من غلّة تلك الأرض التي وقفها» على أن تمام الأرض موقوفة.

(2) المراد بالعقب مطلق الوارث لا خصوص الأولاد، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام:

«لورثته يتوارثونها» أعم من أن يكون الوارث ولدا أو غيره.

(3) يعني: أنّ الرجل الموصى له ليس من القرابة التي وقفت عليهم الأرض.

(4) متعلق ب «أوصى» فالمال الموصى به ثلاثمائة درهم في كل سنة من منافع الأرض يجب إعطاؤها للرجل.

(5) يعني: ما بقي من الغلة بعد إخراج ثلاثمائة درهم منها.

(6) أي: بثلاثمائة درهم، و جواب الإمام عليه السّلام إمضاء لإنشاء الواقف و تنفيذ لوصيته، و لعلّها كانت شرطا في الوقف كما تقدّم آنفا.

(7) كأنّ السائل تعجب من تنفيذ هذه الوصية من جهة أن استحقاق الموصى له للثلاثمائة درهم- على كل حال- قد يوجب النقص في حصة الموقوف عليهم، كما إذا كان تمام الغلّة خمسمائة درهم، فنصيب كل واحد منهم من المائتين الباقيتين قليل جدّا.

(8) يعني: فقال الإمام عليه السّلام- لإزالة تعجب السائل- بلزوم العمل بالوصية النافذة.

ص: 66

ثلاثمائة درهم، و يقسّم الباقي على قرابته من أبيه و امّه؟ قلت: نعم (1). قال:

ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلّة شيئا حتى يوفى (2) الموصى له ثلاثمائة درهم، ثمّ لهم (3) ما يبقى بعد ذلك.

قلت: أ رأيت (4) إن مات الذي اوصي له (5)؟ قال: إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته (6) يتوارثونها ما بقي أحد منهم. فإن انقطع ورثته (7)، و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميّت،

______________________________

(1) أي: نعم ورد في وصية الواقف إخراج ثلاثمائة درهم على كل حال، سواء بلغت الغلّة آلافا من الدراهم أم كانت خمسمائة درهم.

(2) يعني: حتى يتم للموصى له ثلاثمائة درهم، و تصل إليه.

(3) أي: للقرابة بعد إيفاء الثلاثمائة للموصى له.

(4) هذا سؤال عن حكم الموصى به لو مات الموصى له، و أن الدراهم لورثته أو ترجع إلى الموقوف عليهم.

(5) كذا في نسخ الكتاب و الوسائل، و هو موافق لما في الكافي، و لكن في التهذيب «اوصى» و الأولى ما في المتن.

(6) أي: لعقب الموصى له الذين أوصى الواقف بإعطاء الثلاثمائة درهم لهم بعد موت الموصى له. و المراد بالتوارث ليس هو الإرث المصطلح ليجري عليه الأحكام المختصة به مثل كون حظّ الذكر ضعف الانثى، بل المراد به استحقاق الأعقاب ما كان للموصى له بعد موته و إن كان تلقّيهم للموصى به من الموصي لا من الموصى له، نظير استحقاق البطن اللاحق للعين الموقوفة بعد انقراض البطن السابق، فإنّه ليس من الإرث المصطلح. و وجه مشابهة هذين- أعني الوصية و الوقف- بالإرث هو توقف استحقاق اللاحق على فقد السابق.

(7) أي: فإن لم يبق أحد من ورثة الموصى له انقطع حكم الوصية، فالثلاثمائة درهم لقرابة الواقف من أبيه و امّه الذين اوقفت الأرض عليهم.

ص: 67

يردّ (1) إلى ما يخرج من الوقف، ثمّ يقسّم بينهم، يتوارثون ذلك (2) ما بقوا و بقيت الغلّة.

قلت (3): فللورثة من (4) قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا (5) و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة؟ قال (6): نعم، إذا رضوا كلّهم، و كان البيع خيرا

______________________________

(1) أي: يرجع الموصى به- و هو الثلاثمائة درهم- إلى الموقوف عليهم، و تنضمّ إلى سائر نماءات الموقوفة، فيقسّم الجميع بينهم.

(2) المشار إليه هو ما يخرج من الوقف. و التوارث هنا بمعنى استحقاق كل بطن بعد انقراض سابقه، لا بمعنى تلقّي الملك من السابق.

(3) هذا السؤال الأخير محلّ الاستشهاد بالرواية على جواز بيع الوقف إن كان أنفع، و السائل فرض حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلّة لهم كما سيظهر.

(4) كذا في نسخ الكتاب و كذا في الوسائل و الكافي، و لكنّه في التهذيب «فللورثة قرابة الميت» بدون حرف الجرّ. و المراد بالقرابة هم الموقوف عليهم في صدر الرواية أي أقرباء الواقف من أبيه و امّه، و المراد بالورثة هم نفس القرابة بناء على خلوّ العبارة من حرف الجرّ. و كذا بناء على ذكر «من» لاحتمال كونها بيانية، فكأنه قال: لورثة الواقف الذين هم الموقوف عليهم.

نعم بناء على كونها تبعيضية، فالمراد بقرابة الواقف ما يعمّ البطن الموجود و البطون المتأخرة، و بالورثة ورثة الميت شرعا كالبطن الحاضر.

(5) المراد من الحاجة ما ينطبق على الصورة الرابعة أعني بيع الموقوفة و تبديلها بشي ء آخر يكون الانتفاع به أزيد مما يعودهم من أصل الوقف فعلا، لأنّ غرض السائل تكميل نفع الموقوفة إلى حدّ يفي بمؤونتهم، و هذا الغرض يقتضي أن يكون جواز البيع لأجل التبديل بما هو خير للموقوف عليهم و أنفع لهم.

و سيأتي من المصنف إبداء احتمال آخر، فلاحظ (ص 77).

(6) هذا جواب الإمام عليه السّلام، و هو تجويز البيع، لكن لا كما فرضه السائل من

ص: 68

لهم، باعوا» «1».

و الخبر (1) المرويّ عن الإحتجاج: أنّ الحميري كتب إلى صاحب الزمان

______________________________

الحاجة، بل بشرطين:

أحدهما: رضى جميع الموقوف عليهم، فلا عبرة برضى بعض دون بعض.

و ثانيهما: كون البيع خيرا لهم.

و يحتمل في جواب الإمام عليه السّلام ب «نعم» تصديق السائل في جواز البيع عند الحاجة، لكن بشرطين آخرين، و عدم كفاية الحاجة التي فرضها السائل، فإن اجتمعت الحاجة و الرضا و الخير جاز البيع، و إلّا فلا.

و يحتمل أن يكون تقريرا لأصل جواز البيع، فكأنّه عليه السّلام عدل في الجواب إلى أن شرط جواز البيع هو كونه خيرا لهم و أنفع بحالهم من إبقاء الأرض.

و هذا الاحتمال الثاني هو مبنى الاستدلال برواية جعفر بن حيّان على جواز بيع الوقف إن كان أعود من دون تقييده بالحاجة.

(1) معطوف على «رواية ابن محبوب» أي: «و عدا الخبر المروي ...» و هذا الخبر لاشتماله على مضمون الخبر السابق يمكن أن يستدلّ به على جواز بيع الوقف إن كان أنفع. و البحث فيه سندا و دلالة. أما السند فالرواية مكاتبة الحميري قدّس سرّه إلى الإمام الحجة عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه، رواها أحمد بن علي ابن أبي طالب الطبرسي قدّس سرّه في الاحتجاج، و هو يروي عن الحميري بواسطة واحدة. و لو نوقش في ما روي في الاحتجاج مرسلا أمكن التعويل على خصوص توقيعات الناحية المقدسة إلى الحميري بما نقله النجاشي رحمه اللّه- على ما حكاه عنه في المقابس- من قوله:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 306، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 8، رواه عن الكافي، ج 7، ص 35، كتاب الوصايا، باب ما يجوز من الوقف و الصدقة ...، الحديث: 29، و الفقيه، ج 4، ص 179، الحديث: 630، و تهذيب الأحكام، ج 9، ص 133، الحديث 565، و نقل جملة منه في الإستبصار، ج 4، ص 99، الباب 61، الحديث: 6

ص: 69

- جعلني اللّه فداه-: «أنّه روي عن الصادق عليه السّلام خبر مأثور (1) [1]: أنّ الوقف إذا كان على قوم بأعيانهم و أعقابهم، فاجتمع أهل الوقف على بيعه، و كان

______________________________

«و قال لنا أحمد بن الحسين: وقعت هذه المسائل إليّ في أصلها، و التوقيعات بين السطور» «1». و ظاهره الاطلاع على تمام ما كتبه الحميري إليه عليه الصلاة و السلام، هذا.

و أما الدلالة فالمكاتبة تشتمل على حكمين سألهما الحميري منه عليه السّلام:

الأوّل: حكم بيع الوقف الخاص لو لم يجتمع الموقوف عليهم على البيع، و بيانه: أنّ الحميري روى مرسلا عن الإمام الصادق عليه السّلام جواز بيع الوقف بشرطين:

أحدهما: كونه أصلح من إبقائه، و ثانيهما: اتفاقهم على البيع. فتردّد الحميري في جواز البيع عند فقد شرط الاجتماع. فأجابه عليه السلام بجواز ذلك.

الثاني: حكم الوقف الذي لا يجوز بيعه أصلا، فأجاب عليه السّلام بأن ما لا يجوز بيعه هو الوقف على الإمام عليه السّلام.

(1) يحتمل أن يكون هذا الخبر المأثور هو خبر جعفر بن حيّان كما قيل، أو خبرا آخر مشتملا على نفس المضمون و إن لم يصل إلينا. و حينئذ لو تم سند المكاتبة كشف عن صدور الجملة الأخيرة من رواية ابن حنّان عن الإمام الصادق عليه السّلام.

______________________________

[1] كذا في الوسائل نقلا عن الإحتجاج، لكن فيه «روى عن الفقيه في بيع الوقف خبر مأثور» و «الفقيه» يطلق غالبا على الإمام المظلوم المعصوم موسى الكاظم عليه الصلاة و السلام. فنفي البعد عن كون ذلك عين رواية جعفر بن حيّان- كما في المقابس و غير واحد من الحواشي «2»- ضعيف، لعدم رواية ابن حيان عن الإمام الكاظم عليه السّلام، فلاحظ.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 52

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 51، حاشية المحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 271، حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 178

ص: 70

ذلك أصلح، لهم (1) أن يبيعوه (2).

فهل (3) يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع، أم لا يجوز إلّا أن يجتمعوا كلّهم على ذلك (4)؟

و عن الوقف (5) الذي لا يجوز بيعه؟

فأجاب عليه السّلام: إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه (6). و إذا كان (7) على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون (8)

______________________________

(1) الجملة خبر قوله: «ان الوقف» و جملة «إذا كان ... أصلح» معترضة.

(2) بهذا يتمّ الخبر المأثور عن الإمام الصادق عليه الصلاة و السلام.

(3) هذا سؤال الحميري من الإمام عليه السّلام حول الخبر المأثور، و قد تقدم وجه تردّده الداعي للسؤال منه عليه السّلام.

(4) أي: على البيع.

(5) هذا هو السؤال الثاني، و هو تحديد الوقف الممنوع بيعه، بلا دخل لاجتماع الموقوف عليهم في الجواز، و لعلّ مورد سؤاله الوقف العام، لكون متولّيه الإمام عليه السّلام، أو الوقف على الإمام الذي لا يحلّ لأحد أن يتصرف فيه ببيع و غيره، كما ورد النهي عنه في مكاتبة اخرى.

(6) هذا جواب السؤال الثّاني، و حاصله: أنّ الوقف على عنوان «إمام المسلمين»- المنطبق على الأئمّة المعصومين عليهم السّلام، أو شخصه المقدّس عليه السّلام- يحرم أن يتصدى الغير لبيعه من جهة عدم كونه مالكا لأمر هذا الوقف حتى ينفذ تصرفه فيه.

(7) هذا جواب السؤال الأوّل، و ظاهره تعميم جواز بيع الوقف الخاص لكلتا حالتي اجتماع أهل الوقف و تفرّقهم. فإن اجتمعوا فالمبيع تمام الموقوفة، و إن تفرّقوا فالمبيع خصوص حصّة البائعين.

(8) الظاهر إرادة القدرة الشرعية، يعني: بقدر ما يستحقه البائع من الوقف،

ص: 71

على بيعه مجتمعين (1) و متفرّقين، إن شاء اللّه» «1».

دلّت (2) على جواز البيع، إمّا في خصوص ما ذكره الراوي- و هو كون

______________________________

فلا ينفذ بيع ما زاد على حصته.

(1) الاجتماع على البيع هو اتفاق كلمة أهل الوقف، سواء باعوه صفقة واحدة، أم باع كل منهم حصّته. و الافتراق إختلاف أنظارهم في البيع، بأن يريده بعضهم دون بعض.

(2) غرض المصنف قدّس سرّه تقريب دلالة هذه المكاتبة على جواز البيع، و محصله:

أن قوله عليه السّلام: «فليبع كلّ قوم» يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون تجويز بيع البعض لحصته من الوقف مشروطا بكونه أعود و أنفع للموقوف عليه. و منشأ هذا الاحتمال كون جواب الإمام عليه السّلام ناظر للسؤال، و صدوره في مورد فرض السائل أصلحية البيع، لقوله: «و كان ذلك أصلح».

و عليه فلا منافاة بين هذه المكاتبة و بين رواية جعفر المجوّزة للبيع إذا كان أنفع و أصلح، فهما متوافقتان في الحكم.

ثانيهما: أن يكون تجويز بيع البعض مطلقا و غير مقيّد بكونه أنفع، لعدم ورود قيد «الأصلح» في جواب الإمام عليه السّلام، و إنّما ورد في سؤال السائل، و العبرة بإطلاق الجواب، لاحتمال عدم دخل «الأصلح» في جواز بيع كل واحد من أهل الوقف حصّته.

و بناء على هذا الوجه يقع التنافي بين جواز البيع مطلقا- سواء أ كان أنفع أم لا- و بين مفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه السّلام في خبر جعفر «إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم» لظهوره في انتفاء الجواز بانتفاء رضا الكل، أو بانتفاء خيرية البيع.

و يرتفع التنافي بتقييد إطلاق البيع- في المكاتبة- بمفهوم رواية جعفر، و نتيجة

______________________________

(1) الإحتجاج، ج 2، ص 312- 313، الوسائل، ج 13، ص 306، 307، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 9

ص: 72

البيع أصلح- و إمّا مطلقا، بناء (1) على عموم الجواب. لكنّه (2) مقيّد بالأصلح، لمفهوم رواية جعفر.

كما أنّه يمكن (3) حمل اعتبار رضا الكلّ في رواية جعفر على صورة بيع تمام

______________________________

التقييد اختصاص جواز البيع بكونه أنفع.

(1) قيد ل «مطلقا» يعني: أن دلالة المكاتبة على إطلاق جواز البيع مبنية على عدم قرينية السؤال على ما يراد من الجواب. فلو قيل باختصاص الجواب بمورد السؤال لم يكن إطلاق في البين، كما تقدم آنفا.

(2) أي: لكنّ إطلاق جواز البيع مقيّد بمفهوم الجملة الشرطية في قوله عليه السّلام:

«إذا رضوا كلّهم، و كان البيع خيرا لهم» كما تقدم آنفا.

(3) الضمير للشأن، و غرضه قدّس سرّه قرينية كل واحد من الخبرين على التصرف في الآخر، فكما أن مفهوم خبر جعفر مقيّد لإطلاق جواز البيع بناء على الاحتمال الثاني في المكاتبة، فكذا تكون المكاتبة قرينة على التصرف في خبر جعفر.

و بيانه: أن قوله عليه السّلام فيه: «نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم» يدلّ بمفهوم الشرط على عدم نفوذ البيع بفقد كل واحد من الشرطين، و هما رضا الكل و كون البيع خيرا. و عليه فلا عبرة برضا بعض أهل الوقف في بيع حصّة نفسه منه.

و من المعلوم منافاة هذا المفهوم لقوله عليه السّلام في منطوق المكاتبة: «فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين» الصريح في صحة بيع كلّ صحة برضا أربابه.

و يرتفع هذا التنافي برفع اليد عن ظهور خبر جعفر في كون رضا الكلّ شرطا تعبديّا لجواز البيع كشرطية الأعودية، بل يقال: إن اريد بيع تمام الوقف لزم رضا الجميع، عملا بظاهر قوله عليه السّلام: «إذا رضوا كلهم»، كما هو الحال في التصرف في سائر الأملاك المشتركة و متعلقات الحقوق، و إن اريد بيع بعض أهل الوقف نصيبه منه كفى رضاه، و لا يكون رضا الجميع شرطا في البيع، على ما هو صريح المكاتبة.

ص: 73

الوقف، لا اعتباره (1) في بيع كلّ واحد، بقرينة (2) رواية الاحتجاج.

و يؤيّد المطلب (3) صدر رواية ابن مهزيار الآتية (4) لبيع حصّة ضيعة الإمام عليه السّلام من الوقف.

______________________________

و يؤيّد هذا الحمل ما ورد في صدر مكاتبة ابن مهزيار من قوله عليه السّلام: «أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة، و إيصال ثمن ذلك إليّ، إن ذلك رأيي إن شاء اللّه تعالى» ضرورة أنّ أمره عليه الصلاة و السلام ببيع حصّته دليل على كفاية رضا كل واحد من أهل الوقف ببيع حصته.

(1) أي: اعتبار رضا الكل، و عدم توقف صحته على اجتماعهم عليه.

(2) هذا و قوله: «على صورة» متعلقان ب «حمل».

(3) المراد من المطلب حمل خبر جعفر على صورة بيع تمام الوقف، و نتيجته جواز بيع كل قوم نصيبه منه.

و أمّا جعله مؤيّدا- لا دليلا- فإمّا لاحتمال إرادة الهبة من قوله: «و جعل لك في الوقف الخمس» بأن يكون الوقف بالنسبة إلى أربعة أخماس الضيعة، فيكون خمسها هبة له عليه السّلام.

و إن كان خلاف الظاهر، لأنّ قوله: «ابتاع ضيعة فأوقفها» ظاهر في كون الوقف شاملا لتمام الضيعة.

و إمّا لعدم ظهورها في حكم الوقف المؤبّد.

و إمّا لعدم تحقق القبض كما سيأتي التعرض له في الصورة العاشرة فراجع (ص 179).

(4) سيأتي في (ص 151) استدلال من جوّز بيع الوقف- في الصور الأربع الأخيرة- بها، فانتظر.

هذا كلّه ما يتعلق بقوله في (ص 63): «و عدم ما يصلح للمنع عدا رواية ...» أي جواز البيع إن كان أعود، دليلا و مؤيّدا.

ص: 74

و الجواب (1): أمّا عن رواية جعفر، فبأنّها (2) إنّما تدلّ على الجواز مع حاجة الموقوف عليهم، لا لمجرّد كون البيع أنفع [1].

______________________________

(1) أجاب المصنف قدّس سرّه عن الاستدلال بالخبرين على الجواز، فعن الأوّل بوجوه أربعة، و عن الثاني بوجهين منها، و سيأتي بيانها إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أن الدليل أخص من المدّعى.

توضيحه: أن الغرض من الاستدلال بخبر جعفر بن حيّان إثبات جواز بيع الوقف لمجرّد كونه أنفع، سواء انضمّت جهة اخرى- من حاجة أو ضرورة شديدة- إليه، أم لا. مع أنّ الخبر يدلّ على إناطة الجواز بحاجة الموقوف عليهم أيضا، لأنّ قوله عليه السّلام: «نعم» ناظر إلى الجواز في مفروض السؤال و هو الحاجة، لكنه عليه السّلام قيّده بكونه أصلح لهم. و مقتضاه توقف نفوذ البيع على اجتماع الأمرين، و بهذا يظهر عدم وفاء الخبر بإثبات المقصود.

نعم، لا بأس بالاستدلال به لمن يشترط الحاجة و الأعودية كابن سعيد و الشهيد قدّس سرّه هما.

هذا مع الغضّ عن الشرط الآخر المذكور في جوابه عليه السّلام من اعتبار رضى

______________________________

[1] هذا ينافي ما سيأتي في الصورة الخامسة، من قوله: «مع أنه قد يقال ...»

الظاهر في إلغاء قيد الحاجة. و لم يتأمل فيه المصنف قدّس سرّه.

نعم، لا بأس بإلزام من يكتفى بكون البيع أعود بما ورد في خبر جعفر بن حنّان، بناء على كون «نعم» دالّا على تقرير جواز البيع عند الحاجة، فلو كان عدولا عنه إلى كفاية كونه خيرا لم يتجه ما في المتن.

كما أن الجواب الثالث أيضا مبني على اعتبار قيد الحاجة، حتى يقال بأنّها المراد من الخير. و أمّا الجواب الثاني فمبني على إلغاء الحاجة، و كون مناط جواز البيع الصلاح و النفع، فلاحظ.

ص: 75

فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدّم عن ظاهر النزهة (1). و سيجي ء الكلام في هذا القول (2).

بل يمكن أن يقال (3): إنّ المراد بكون البيع خيرا لهم: مطلق النفع الذي

______________________________

الجميع، و إلّا فيكون جواز البيع دائرا مدار امور ثلاثة: الاحتياج و رضا الجميع و الأعودية. و على كل حال فلا تدل الرواية على كون المناط في جواز البيع الأعودية بالاستقلال.

فإن قلت: يمكن إلغاء قيد «الحاجة» لكونه مأخوذا في السؤال، لا في جواب الإمام عليه السّلام، كما تقدّم نظيره في الاستدلال بالمكاتبة من احتمال دلالتها على الجواز مطلقا لا مشروطا بالأصلحية، حيث قال: «و إمّا مطلقا بناء على عموم الجواب».

فتمام المناط رضا الكل و الأعودية، فيتجه الاستناد إلى الخبر لجواز البيع إن كان أصلح. و أمّا قيد «رضى الكل» فهو إمّا ظاهر في بيع تمام الوقف بمعنى رضا كل واحد ببيع نصيبه، فلا دلالة فيه على اعتبار الاجتماع حتى بالنسبة إلى بيع بعض الوقف. و إمّا لا يؤخذ به من جهة تقييده بالمكاتبة.

قلت: لا مجال لإلغاء القيد هنا، لظهور «نعم» في الجواز في موضوع الحاجة، غايته زيادة الشرطين، لا تخطئة السائل في أصل دخل الحاجة في نفوذ البيع.

(1) حيث قال فيها: «أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة و يكون بيع الوقف أصلح لهم» «1».

(2) أي: القول بجواز البيع لو احتاج الموقوف إليهم إلى البيع، و سيأتي في الصورة الخامسة.

(3) هذا هو الوجه الثاني ممّا أجاب به عن الاستدلال بالرواية، و حاصله: أنّه يمكن إرادة مطلق النفع من «الخير» في قوله عليه السّلام: «و كان البيع خيرا لهم» فالمراد

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74، و تقدم في نقل الأقوال، فراجع هدى الطالب ج 6، ص 564

ص: 76

..........

______________________________

حينئذ: كون فعل البيع أرجح من تركه، كما هو ديدن العقلاء الذين لا يقدمون غالبا على فعل إلّا إذا كان أرجح من تركه. و من المعلوم أنّ الأعودية بهذا المعنى ممّا لم يقل به أحد، لعدم كونها حينئذ شرطا تعبديا، بل أمرا ارتكازيا عقلائيّا.

و بعبارة اخرى: المقصود من هذا الوجه إسقاط خبر جعفر عن الاعتبار بإبداء احتمال آخر في كلام الإمام عليه السّلام لم يقل به أحد، فيشكل العمل به من جهة مخالفته للإجماع.

و توضيحه: أنه عليه السّلام عدل عمّا فرضه السائل- من الحاجة إلى البيع- إلى قوله عليه السّلام: «إذا كان خيرا لهم». و هذه الجملة يحتمل كونها قيدا لجواز البيع، فتدل بمفهوم الجملة الشرطية على انتفاء الجواز بانتفاء الخير، كما هو مبنى الاستدلال.

و يحتمل كونها مبيّنة للموضوع بمعنى أنه عليه السّلام جوّز بيع الوقف، و لم يعلّقه على كونه أصلح بحال الموقوف عليه، و إنّما أتى بجملة «إذا كان خيرا» تمهيدا لذكر الجواب، و هو «باعوا في مورد حاجتهم» و تنبيها على أن رعاية الخير و الصلاح يكون من قبيل الداعي الذي يلاحظه العقلاء في معاملاتهم و أفعالهم الاختيارية، حيث إن إقدامهم على المعاملة مطلقا- سواء أ كان المبيع وقفا أو ملكا طلقا- و ترجيح الفعل على الترك منوط عادة برعاية النفع و المصلحة، و من المعلوم أنّ هذا الأمر الارتكازي العقلائي لا يتوقف على بيان الشارع.

و عليه تكون هذه الشرطية «إذا كان خيرا باعوا» نظير الجمل الشرطية المسوقة لبيان الموضوع، و قد تقرر عدم انعقاد المفهوم لها، لكون السلب فيها بانتفاء الموضوع، لا المحمول، فكأنّه عليه السّلام قال: «إذا كان في بيع الوقف نفع ليس في عدمه، فليبيعوا، لأنّهم لا يقدمون على فعل اختياري إلّا أن يكون فيه الصلاح و الخير».

و معناه عدم كون النفع شرطا تعبّديّا لجواز بيع الوقف، بل هو إرشاد إلى أمر ارتكازي.

ص: 77

يلاحظه الفاعل (1) ليكون منشأ لإرادته (2). فليس (3) مراد الإمام عليه السّلام بيان اعتبار ذلك (4) تعبّدا، بل المراد بيان الواقع (5) الذي فرضه السائل، يعني: إذا كان الأمر

______________________________

و بناء على هذا الاحتمال يجوز بيع الوقف بمجرّد اقترانه بالمنفعة. و هذا مخالف للإجماع، لعدم التزامهم بكفاية مطلق النفع في البيع، و إنّما يقع البحث في جواز البيع إن كان أنفع بعد وجود النفع فيه و عدمه، هذا.

فإن قلت: يمكن منع احتمال إرادة مطلق الخير و النفع من قوله عليه السّلام: «خيرا لهم» و ذلك بقرينة سبق السؤال عما إذا كان البيع أصلح، فالمتحصل من الجواب إناطة الجواز بكون البيع أنفع من تركه، و عدم كفاية مطلق الخير الموجب لحدوث إرادة البيع و اختياره على تركه.

و عليه ينطبق جوابه عليه السّلام على ما نحن فيه من جواز بيع الوقف إن كان أنفع.

قلت: لا سبيل لمنع الاحتمال المزبور، إذ كما يمكن جعل كلمة «الأصلح» قرينة على المراد من الخير، فكذا العكس أي قرينية «الخير و مطلق النفع» على ما يراد من «الأصلح» و يكون الجواب حينئذ واردا مورد السؤال، و ليس أجنبيّا عنه.

و عليه فلا شاهد لسدّ باب الاحتمال المزبور، و هو موجب لطرح الخبر، لمخالفته للإجماع.

(1) يعني: أن فاعل الفعل الاختياري- من بيع و غيره- يلاحظ مطلق النفع، فيقدم على العمل.

(2) أي: لإرادة الفاعل و العامل، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، أو إلى المفعول و هو «الفعل» المستفاد من كلمة «الفاعل».

(3) هذا نتيجة احتمال إرادة مطلق النفع.

(4) أي: اعتبار مطلق النفع الموجب لاختيار فعل شي ء على تركه.

(5) يعني: مفروض السؤال هو كون بيع الوقف ذا مصلحة بالنسبة إلى تركه.

ص: 78

على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز. كما يقال: إذا أردت البيع و رأيته أصلح من تركه فبع. و هذا (1) ممّا لا يقول به أحد [1].

و يحتمل أيضا (2) أن يراد من «الخير» خصوص رفع الحاجة التي

______________________________

(1) أي: جواز بيع الوقف- إن كان فيه مصلحة- لا يقول به أحد، فلا وجه للعمل بهذا الخبر المخالف للإجماع.

(2) يعني: كما يحتمل إرادة مطلق النفع- كما تقدم في الوجه الثاني- فكذا يحتمل ... الخ، و هذا هو الوجه الثالث، و حاصله: أن الخير- بقرينة السؤال- يمكن أن يراد به رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل، فيكون المسوّغ للبيع حينئذ رفع حاجة الموقوف عليهم، لا كون البيع أعود لهم، فيكون ظاهر الرواية غير مطابق للدعوى، فلا يمكن الاستدلال بها عليه.

و بعبارة اخرى: يحتمل في قوله عليه السّلام: «و كان خيرا باعوا»- من جهة كونه مسبوقا بالسؤال عن حكم حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية غلّة الموقوفة لمئونتهم- إرادة رفع الحاجة المفروضة في كلام السائل، لا زيادة المنفعة. فكأنّه عليه السّلام قال: «و كان البيع وافيا بالحاجة باعوا» و هذه الحاجة محتملة لأمرين:

أحدهما: أن يكون احتياج الموقوف عليهم إلى نفس ثمن الموقوفة ليصرف في شئونهم، فيكون تجويز البيع ناظرا إلى كون التصرف في نفس الثمن أنفع- في رفع الحاجة- من إبقاء العين و الانتفاع بالغلّة غير الوافية لهم. و بناء على هذا الاحتمال تصلح الرواية للاستدلال بها في الصورة الخامسة الآتية، و هي البيع لرفع الحاجة.

______________________________

[1] لا يخفى أن مخالفة الإجماع كافية في رفع اليد عن الظهور فضلا عن إسقاط الاحتمال. فحملها على معنى لا يقول به أحد ثم طرحها لأجله أمر غريب «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 179، حاشية العلّامة السيد الاشكوري قدّس سرّه، ص 163

ص: 79

فرضها السائل (1).

و عن المختلف و جماعة: الجواب (2) عنه بعدم ظهوره في المؤبّد،

______________________________

ثانيهما: أن يكون احتياجهم إلى نفع زائد لتفي الغلّة بمؤونتهم، بأن يكون الباعث على البيع تكميل النفع حتى يفي بها، و هذا ينطبق على الصورة الرابعة من تبديل العين بما يكون الانتفاع به أزيد.

و ليس الخبر ظاهرا في الاحتمال الثاني ليكون دليلا على جواز البيع في الصورة الرابعة، فيحتمل أن يراد به الاحتمال الأوّل، فيصير مدلوله أجنبيّا عمّا نحن فيه، هذا.

(1) بقوله: «فللورثة ... أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة».

(2) غرضه الإشارة إلى جواب آخر عن خبر جعفر بن حيّان، و هو كونه أجنبيّا عمّا نحن فيه من جواز بيع الوقف المؤبّد، و ذلك لاقتصار الواقف- كما ذكره السائل- على قرابة الأب و الامّ ممّا ظاهره انقطاع الوقف، و عدم تعرض الواقف لمثل قوله: «فإن انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين». فالاقتصار على ذكر الأعقاب يدل على كون الوقف منقطعا لا مؤبّدا [1] فلا تكون الرواية دليلا على المدّعى، و هو بيع الوقف المؤبّد.

قال العلّامة في التذكرة و المختلف بعد نقل الخبر: «فإن مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد» «1».

______________________________

[1] أو لقوله في آخر الخبر «و لورثة قرابة الميت» إذا لو كان الوقف مؤبّدا

______________________________

(1) مختلف الشيعة ج، 6، ص 289؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444 و نسبه صاحب المقابس إلى الفاضل المقداد و أبي العبّاس ابن فهد و الصيمري أيضا، فراجع مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50؛ التنقيح الرائع، ج 2، ص 329؛ المهذب البارع، ج 3، ص 67؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 487، و استظهره صاحب الجواهر أيضا و إن عبّر عن الرواية بالمكاتبة، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 372 و 373

ص: 80

لاقتصاره (1) على ذكر الأعقاب (2).

و فيه (3) نظر،

______________________________

و لعلّ الأولى تأخير هذه المناقشة عن الوجه الرابع الآتي بقوله: «مع عدم الظفر بالقائل به» لفرض أن شبهة انقطاع الوقف محلّ نظر عنده و إن أمر بالفهم بعده.

(1) هذا الضمير و ضميرا «عنه، ظهوره» راجعة إلى خبر جعفر بن حيّان و الأولى تأنيثها بلحاظ رجوعها إلى «رواية جعفر».

(2) هذا من النقل بالمعنى، إذ الموجود في خبر جعفر «قرابته من أبيه و قرابته من امّه»، و لفظ «الأعقاب» مذكور في ما رواه الحميري عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(3) يعني: و في الجواب المذكور في المختلف نظر، وجه النظر: أن اقتصار السائل- في مقام حكاية فعل الواقف- على ذكر خصوص قرابة الأب و قرابة الام، و عدم تعقيبه بمثل «فإن انقرضوا ... لا يشهد بانقطاع الوقف، لأعميته منه، إذ قد يقتصر في المؤبّد على ذكر صنف من الموقوف عليهم كالأولاد من دون تعيين مآل الوقف لو انقرضوا.

______________________________

كانوا من الموقوف عليهم، لشمول «قرابة الميّت» للقريب مع الواسطة أيضا. فالتعبير عنهم بالورثة كاشف عن كون الموقوف عليهم هم الطبقة الأولى خاصة، و تكون الطبقة الثانية ورثة للقرابة الموقوف عليهم، و ليست منهم.

و لكن اجيب عنه بعدم شهادة التعبير المتقدم بانقطاع الوقف، لوجود مثله في الوصية أيضا، إذ الموصى له ليس خصوص الرجل، بل هو و عقبه، و مع ذلك عبّر في ذيل الرواية عن العقب بالورثة، لقوله: «و إن انقطع ورثته».

و بالجملة: فالتعبير عن الطبقة اللاحقة- وقفا و وصية- بالورثة لا يدلّ على أن استحقاقهم للعين أو للمنفعة بالإرث دون الوقف و الوصية «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 270 و 271

ص: 81

لأنّ الاقتصار (1) في مقام الحكاية لا يدلّ على الاختصاص (2)، إذ يصحّ أن يقال في الوقف المؤبّد: إنّه وقف على الأولاد مثلا (3). و حينئذ (4) فعلى الإمام عليه السّلام

______________________________

و حيث كان الاقتصار متعارفا في كلا قسمي الوقف، أمكن التمسك بالإطلاق الناشي من ترك الاستفصال، إذ لو اختلف حكم الوقف المنقطع- في جواز البيع عند الحاجة- عن المؤبد كان المناسب أن يكلّف السائل تعيين كون الوقف المزبور موقتا أو مؤبّدا. و لمّا لم يستفصل الإمام عليه السّلام و بيّن الحكم بقوله: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان خيرا لهم باعوا» كشف عن اتّحاد قسمي الوقف في جواز البيع إن كان خيرا للموقوف عليهم.

و هذا الجواب أفاده المحقق الثاني، و ارتضاه جمع منهم صاحب المقابس، فقال:

«و يحتمل أن يكون السكوت عن المرتبة الأخيرة العامة إحالة على ظهورها، أو لعدم تعلق غرض في أوّل السؤال بذكرها. و مثل ذلك شائع في الاستعمال. و لمّا كانت حكاية الحال محتملة، و ترك الاستفصال في الجواب، كان دليلا على العموم، كما تقدّم عن المحقق الكركي. و ليس ببعيد و إن كان ظاهر اللفظ يساعد الأوّل، و هو الانقطاع» «1».

(1) أي: اقتصار السائل- في مقام حكاية صورة الوقف- لا مقام جعل الوقف و إنشائه، إذ لو اقتصر الواقف على خصوص قرابة الأبوين في الإنشاء كان منقطعا.

(2) أي: اختصاص الوقف بالقرابة و أعقابهم حتى يكون وقفا منقطعا.

(3) من دون إضافة قوله: «فإذا انقرضوا فهو للفقراء مثلا» فعدم التصريح بمن يوقف عليه بعد الأولاد غير قادح في كون الوقف مؤبّدا.

(4) يعني: فحين عدم دلالة حكاية صورة الوقف على الاختصاص، فلو كان جواز البيع مختصا بالمنقطع كان المناسب أن يستفصل الإمام من السائل: أن المسؤول

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 82

أن يستفصل إذا كان بين المؤبّد و غيره فرق في الحكم، فافهم (1).

و كيف كان (2) ففي الاستدلال بالرواية- مع ما فيها من الإشكال (3)-

______________________________

عنه موقت أو مؤبّد، مع أنّه عليه السّلام لم يستفصل.

(1) لعلّه إشارة إلى أنّه لا مورد في الخبر للاستفصال، لظهور قوله عليه السّلام:

«يتوارثون ذلك ما بقوا و بقيت الغلّة» في كون السؤال عن الوقف المؤبّد.

و يمكن تأييده بأنّ السؤال مسوق لحكم ما جعله الواقف للموصى له، لا لحكم الوقف، فلا مجال لاستظهار تعيين المؤبّد من إطلاق الحكاية.

أو إشارة إلى عكس ما ذكر، بأن يقال: إن ظاهر الحكاية هو حكاية تمام الواقعة، و أنّ الموقوف عليهم هم القرابة، و بعد هذا الظهور في الانقطاع لا محلّ للاستفصال ليكون تركه دالّا على عموم الجواب.

(2) يعني: سواء أمكن التفصّي من شبهة اختصاص الخبر بالوقف المنقطع، أم لم يمكن، فإنّ الاستدلال بها على الصورة الرابعة مشكل، لما عرفت من الوجوه الثلاثة، مضافا إلى إشكالين آخرين، و هما ما ذكره في المقابس من الجمع بين الوقف و الوصية، و إعراض الجل أو الكل عنه.

(3) هذا إشارة إلى الإشكال المذكور في المقابس، و هذا لفظه:

«ثم الظاهر من الوقف هو الوقف المعروف، فقوله:- أوصى لرجل ... الخ- يدلّ على أنّ استحقاق ذلك الرجل بطريق الوصية الجارية بعد موت الواقف، و يلوح من قوله:- و يقسّم الباقي- في موضعين: أنّ استحقاق القرابة أيضا على هذا الوجه.

فإن كان الوقف قد استكمل شرائطه فكيف حكم عليه السّلام بإمضاء الوصية؟

و إن لم يستكمل شرائطه أصلا امضيت الوصية و بطل الوقف، و رجع رقبة الأرض و منافعها الخارجة عن الوصية ميراثا، و لم يثبت فيه حكم توارث القرابة لغلّتها دائما.

و إن كان الوقف معلّقا على الموت كان باطلا أيضا.

ص: 83

على (1) جواز البيع بمجرّد الأنفعية إشكال (2)، مع عدم الظفر بالقائل به (3)، عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد المتقدمة (4).

______________________________

و إن وقع مطلقا و لم يحصل إقباض، فأوصى ثم أقبض لها القرابة، فإن كان الإقباض فسخا للوصية مضى الوقف و بطلت الوصية. و إن لم يكن فسخا فكيف يمكن الجمع بين الأمرين معا؟ فالحديث موضع إعضال و إشكال.

و يخطر بالبال في حله وجوه:

الأوّل: أن يراد بالوقف الوصية، و لا يجب تقدير المضاف حينئذ، و لا حاجة إلى الحمل على الدوام، لتعلق الوصية بالمنفعة و المنقطع بلا إشكال. و لمّا أوصى بدوام انتفاع القرابة من منافع تلك الأرض- و ظاهره أنّ القسمة بالسوية لا على النص المعتبر في الإرث- سمّى ذلك بالوقف، و لوّح بعد ذلك بما يقتضي كونه على وجه الوصية. و حينئذ يرتفع الإشكال المذكور» ثم أجاب قدّس سرّه بوجوه اخر، فلاحظ «1».

(1) متعلق ب «الاستدلال».

(2) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي الاستدلال» فكأنّه قال: «و كيف كان فإشكال في الاستدلال».

(3) أي: بالجواز، و هذا وجه رابع في الجواب عن الاستدلال بالرواية، و حاصله: أنّه بعد الغض عن الإشكالات المتقدمة- و تسليم ظهورها في جواز البيع بمجرد الأعودية- تكون الرواية معرضا عنها، لعدم الظفر بمن قال بمضمونها، فمن جهة الإعراض لا يمكن الاستناد إليها.

(4) تقدّمت عبارته في (ص 58) و تقدّم وجه عدم ظهورها في جواز بيع الوقف المؤبّد.

و قيل أيضا بعدم دلالة عبارته على ذلك أصلا، لأنّها ناظرة إلى حكم الوقف

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 50

ص: 84

و ممّا ذكرنا (1) يظهر الجواب عن رواية الحميري.

ثمّ لو قلنا (2) في هذه الصورة بالجواز كان الثمن للبطن الأوّل البائع يتصرّف

______________________________

قبل القبض، و من المعلوم أنّ القبض إمّا شرط في الصحة و إمّا شرط في اللزوم، و على التقديرين لا مانع عن الرجوع. فمفروض كلامه قبل القبض، كما أنّ مفروضه الرجوع عن الشرط لا جواز البيع.

لكن يمكن التأمل في هذا الوجه بعدم كون القبض شرطا لصحة الوقف أو لزومه- إلّا في بعض الصور- عند الشيخ المفيد قدّس سرّه كما ادعاه في المقابس و استشهد بكلماته، فراجع «1».

(1) يعني: يجري في المكاتبة ما ذكرناه من الوجه الثاني، و هو إرادة مطلق النفع من كلمة «الأصلح» الواردة في ما رواه الحميري عن الإمام الصادق عليه السّلام، كما تقدم توضيحه في (ص 77).

كما يجري الوجه الرابع في المكاتبة، و هو إعراض الأصحاب، المتقدم في (ص 84) فراجع [1].

(2) هذا الكلام إلى آخر الصورة جواب آخر عن القول «بجواز بيع الوقف إن كان أعود» كما ورد في كلام بعضهم. و محصّله: إبطال الوقف و اختصاص الثمن

______________________________

[1] و لعلّ الاولى في الجواب عن المكاتبة أن يقال: إنّها سيقت لبيان جواز البيع فيما ثبت جوازه مع التفرق و الاجتماع، فهي في مقام نفي اعتبار رضا الجميع في البيع. و أما جواز بيعه فلا بد أن يثبت من تقريره- صلوات اللّه عليه و عجل اللّه تعالى فرجه الشريف- لما رواه السائل مرسلا، و هو ذو احتمالات كثيرة، فيصير مجملا لا يصح الاستدلال لا بالمكاتبة و لا برواية جعفر بن حيّان بناء على اعتبار سندها سواء أ كانت هي عين ما رواه السائل مرسلا أم غيرها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 44 و 45

ص: 85

فيه على ما شاء.

______________________________

بالبطن الموجود، مع أنّه لا يمكن الالتزام به.

و توضيحه: أن ما ذكر في عنوان الصورة الرابعة- من جواز البيع إن كان أعود أو أدرّ أو أنفع- و ما استدل به عليه و هو خبر جعفر بن حيّان و المكاتبة، يقتضيان اختصاص الثمن بالبطن الموجود. أمّا ظهور عنوان المسألة- كما مرّ في مثل عبارة النزهة- فلأنّ العائدة- كما قيل- هي المنفعة المالية التي تعود إلى الشخص، فمعنى «كون البيع أعود» كونه أكثر فائدة من المنفعة التدريجية بالغلّة و نماء الوقف.

و من المعلوم أن صدق «البيع أعود» منوط بما إذا جاز للبطن البائع صرف الثمن في مئونة نفسه، لا بأن يبدل الوقف بما يكون فائدته أزيد من فائدة المبدل.

و أمّا ظهور الدليل في اختصاص الثمن بالبطن الموجود فلدلالة خبر جعفر على تجويز البيع- مع حاجة الموقوف عليهم- في رفع حاجتهم، بصرف نفس الثمن [1].

و كذا المكاتبة، فإنّه عليه السّلام جعل حقّ البيع لهم، و ظاهره تملكهم للثمن.

و لم يستفصل عليه السّلام- في ترخيص البيع- عن أن حصة البعض مما يمكن بقاء بدله بعد البيع و انتفاع البطون اللّاحقة به أم لا. و حيث إن الثمن في صورة تعذر انتفاع البطون يكون ملكا طلقا للبائع، فكذا في صورة إمكان انتفاعهم، لاتحاد حكم البيع.

و الحاصل: أن مقتضى عنوان المسألة و الدليل عليه اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و هذا مخالف لما تقدم في الصورة الاولى من أن الموقوفة ملك فعلي للموجود،

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إن الاحتياج- الذي هو ربما يكون قرينة على كون البيع لرفع حاجتهم المتوقف على صرف الثمن في مصالح البطن الموجود- مفقود في المكاتبة، بل هي مسوقة لبيان جواز البيع مجتمعين و متفرقين، و لا إطلاق لها بالنسبة إلى صرف الثمن في البطن الموجود.

ص: 86

و منه (1) يظهر وجه آخر (2) لمخالفة الروايتين للقواعد، فإن (3) مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله كذلك (4)، كما (5) تقدم (6) من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع، فيكون (7) تجويز البيع في هذه الصورة

______________________________

و شأني للمعدوم، و مقتضى المعاوضة الشركة و تعلق حق المعدومين بالثمن على حدّ تعلقه بالمثمن. و بهذا يظهر مخالفة الخبرين للقواعد المسلّمة، هذا.

(1) أي: و من كون الثمن مختصا بالبطن الأوّل يظهر ... الخ.

(2) يعني: غير الوجوه المتقدمة من إعراض الأصحاب عن العمل بهما و غير ذلك.

(3) هذا بيان المخالفة بوجه آخر، و هو اقتضاء البدلية قيام الثمن مقام المثمن في ما له من إضافة.

(4) أي: مشتركة بين البطون.

(5) كذا في النسخ، و الأولى «لما».

(6) حيث قال: «و مما ذكرنا يظهر: أن الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ... لاقتضاء البدلية ذلك ...»، فراجع «1».

(7) غرضه توجيه اختصاص الثمن بالموجودين بما لا يلزم مخالفته لمفهوم المعاوضة و المبادلة.

و بيانه: أنّه لو سلّم دلالة الروايتين على جواز البيع و صرف الثمن في مئونة الموجودين، كشف هذا التجويز عن ترخيص الشارع لهم في إسقاط حقّ الطبقات المتأخرة آنا قبل البيع، و بطلان الوقف، فيقع النقل على العين المختصة بالموجودين، و لازمه اختصاص الثمن بهم، لعدم ما يوجب شركة المعدومين فيه حينئذ.

و نظير إسقاط حق اللاحقين ما ذكروه في التملك الآني في تصرف ذي الخيار

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 627- 629

ص: 87

و التصرف (1) في الثمن رخصة (2) من الشارع للبائع في إسقاط حقّ اللّاحقين آنا مّا قبل البيع- نظير (3) الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب- لئلّا (4) يقع البيع على المال المشترك، فيستحيل (5) كون بدله مختصّا.

______________________________

و الواهب فيما يتوقف على الملك، كما إذا باع الواهب ما وهبه للغير، فإنّ مقتضى توقف البيع على الملك عود المال إلى ملكه آنا- و تحقق الرجوع عن الهبة- ليقع البيع في ملكه.

(1) يعني: التصرف الاختصاصي في ثمن الوقف، كالتصرف في أموالهم المختصة بهم.

(2) خبر قوله: «فيكون».

(3) يعني: كما أن بيع الواهب كاشف عن رجوعه، و إلغاء ملكية المتهب.

(4) يعني: أن الداعي على هذا التوجيه هو عدم وقوع البيع على مشترك، مع كون بدله مختصّا.

(5) أي: حتى يستحيل، و هذا متفرع على المنفي- و هو وقوع البيع على المال المشترك- إذ لو كان المبدل مشتركا بين جميع البطون امتنع- بمقتضى المعاوضة- كون البدل مختصا بالبطن الموجود.

هذا تمام الكلام في الصورة الرابعة.

ص: 88

[الصورة الخامسة أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة]

الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة (1).

و قد تقدّم عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة، بل عن الانتصار (2)

______________________________

الصورة الخامسة: حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن

(1) تقدم الفرق بين موضوع الحكم في هذه الصورة و سابقتها في (ص 56) فالمقصود هنا الانتفاع بالثمن بصرفه في حاجة الموقوف عليهم. و في المسألة قولان:

أحدهما: الجواز. قال به جماعة كالشيخ المفيد و السيد المرتضى و شيخ الطائفة و سلّار و أبي المكارم و ابن حمزة و الراوندي و غيرهم. ففي المقنعة:

«و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». و تكرّر هذا المضمون في كلماتهم المنقولة أوّل المسألة «1». و استدلّ عليه بوجهين و هما: الإجماع و خبر جعفر بن حيّان.

ثانيهما: المنع. و هو ظاهر من لم يستثن هذه الصورة من منع البيع كالمحقق و العلّامة و الصيمري و غيرهم، لقصور دليل الجواز.

(2) قال السيد: «و ممّا انفردت الإمامية به القول بأن ... و أنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه». و قال السيد أبو المكارم:

«و يجوز عندنا بيع الوقف ... أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه» و ظهور «مما انفردت به الإمامية» و «عندنا» في الإجماع لا ينكر.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 557- 564

ص: 89

و الغنية: الإجماع عليه. و يدلّ عليه (1) رواية جعفر المتقدمة.

و يردّه (2): أنّ ظاهر الرواية

______________________________

(1) أي: على الجواز، بتقريب: أنّه عليه الصلاة و السلام جوّز البيع في مفروض كلام السائل، و هو احتياج الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلّة لمصارفهم، و ذلك بعد تقييد مطلق الحاجة بالشديدة بالإجماع المدّعى على عدم جواز بيع الوقف لمطلق الحاجة.

ثمّ إن الغرض صرف نفس الثمن في مئونة الموقوف عليهم. و هذا ينطبق على المقام من جواز بيع الوقف إذا لحق حاجة بأهل الوقف، و ليس المراد تبديل الموقوفة بما يزيد نفعه على منفعتها.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلا وجهي الجواز، ففي الخبر بوجهين، و في الإجماع بوجوه أربعة، و قدّم الإيراد على الخبر.

أما الوجه الأوّل فمحصّله: عدم مطابقة الدليل و الدعوى، لما بين عنوان «الضرورة الشديدة أو الحاجة الشديدة» و بين «الحاجة و عدم كفاية الغلّة»- الوارد في خبر جعفر- من العموم من وجه، و من المعلوم أن الدليل المتكفل لحكم أحد العامين من وجه قاصر عن إثبات حكم العام الآخر.

و بيانه: أن موضوع سؤال الراوي ليس هو الضرورة الشديدة حتى يكون جوابه عليه السّلام تجويزا للبيع في الصورة الخامسة، بل هو «إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة» و المحتاج الذي لا يكفيه الغلّة و المنفعة هو الفقير الشرعي الذي عرّفوه في كتاب الزكاة ب «من يقصر ماله عن مئونة سنته» كما في الشرائع «1».

و الوجه في ظهور الرواية في الفقير الشرعي هو: أن قوله: «إذا احتاجوا» و إن كان بمقتضى حذف المتعلق شاملا لكل ما يحتاجون إليه في امور معيشتهم، لكن

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 159

ص: 90

أنّه يكفي (1) في البيع عدم كفاية غلّة الأرض

______________________________

ضمّ قوله: «و لم يكفهم ما يخرج من الغلّة» إليه يدلّ على وجدان ما يكفيهم لبعض معيشتهم، فحاجتهم إلى مال آخر غير الغلّة التي لا تفي بمؤونتهم يكون في بعض السنة، و هذا هو الفقير الشرعي. كما أن ظاهر السؤال تكرر عدم كفاية الغلّة في سنين عديدة، و لم يختص بعام واحد، إذ لم يقيّد عدم وفاء الغلّة ببعض السنين، فيكون ظاهر حكاية الحال عدم استغناء الموقوف عليهم بهذه الغلّة.

و الوجه في تقييد عدم كفاية الغلّة بالسنة هو كون المتعارف ملاحظة المعاش سنة كاملة.

و على هذا فكأنّ الراوي سأل عن حكم بيع الموقوفة بعد انطباق حدّ الفقير الشرعي على أهل الوقف، و انحصار علاج فقرهم في البيع. و من المعلوم أجنبية هذا عن جواز البيع للضرورة الشديدة، المعبر عنها بالاضطرار العرفي، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، فيجتمعان تارة، كما إذا كان فاقدا لمئونة السنة اللائقة بشأنه، و حصلت له حاجة شديدة إلى صرف مال في غير مئونته المتعارفة، كمرض أو حرق مثلا، فيتصادق عليه عنوانا «الفقير و المحتاج بشدة».

و يفترقان اخرى، فقد يكون فقيرا غير واجد لمصرف سنته، فينفق على نفسه مما ينطبق عليه من الحقوق الشرعية، و لم يكن له حاجة شديدة ليبيع شيئا من أمواله.

و قد يكون محتاجا- مع عدم صدق الفقير عليه لوجدانه مئونة سنته- كما إذا أصابه مرض أو حرق، فاضطرّ إلى صرف مال كثير ربما يكون أزيد من مئونة سنته.

و عليه فلمّا كان بين العنوانين عموم من وجه، و كان جواب الإمام عليه السّلام تجويزا للبيع في مورد عدم الكفاية- أي الفقر- لم يمكن الاستدلال بالخبر على جواز البيع في مورد الضرورة و الاضطرار. هذا توضيح الوجه الأوّل. و أما الوجه الثاني، فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) لقوله عليه السّلام: «نعم» الظاهر في وروده مورد السؤال، و هو عدم كفاية الغلّة.

ص: 91

لمئونة سنة (1) الموقوف عليهم، كما لا يخفى. و هذا (2) أقلّ (3) مراتب الفقر الشرعي. و المأخوذ (4) في عبائر من تقدّم من المجوّزين اعتبار الضرورة و الحاجة الشديدة، و بينها و بين مطلق (5) الفقر عموم من وجه، إذ قد يكون فقيرا (6) و لا يتفق له حاجة شديدة، بل مطلق (7) الحاجة،

______________________________

(1) تقييد عدم كفاية الغلّة ب «السنّة» إمّا لأنّ المتعارف عند الناس ملاحظة فقرهم و غناهم بالنسبة إلى قصور المال عن مئونة السنة، و وفائه بها. و إمّا لأنّ سياق كلام السائل يعطي عدم كفاية غلّة الأرض إلى حصول غلّة اخرى من نفس تلك الموقوفة، و لعلّها لم تغل أكثر من مرة في كل سنة.

(2) أي: عدم كفاية غلّة الأرض لمئونة سنة أهل الوقف يجعلهم فقراء، فيجوز لهم بيع الوقف.

(3) التعبير بالأقل لأجل كون عدم وجدان مئونة سنة كاملة- فعلا أو قوة- موجبا للخروج من عنوان «الغنى» إلى عنوان «الفقر»، و حينئذ فأشدّ مراتب الفقر هو أن لا يملك مئونة يوم واحد.

(4) مبتدء، خبره «اعتبار» يعني: أن ظاهر الرواية لا ينطبق على العنوان الوارد في كلمات المجوزين، و هو الحاجة أو الضرورة الشديدة. و وجه عدم الانطباق ما سيذكره من كون النسبة بين الحاجة و الفقر عموما من وجه.

(5) التعبير ب «مطلق الفقر» لأجل أن الفقير و إن كان محتاجا، لكن بمطلق الحاجة لا بالحاجة المطلقة التي هي الشدة و الضرورة، و المفروض تجويز البيع لمطلق الفقر، لا للمرتبة الشديدة منه حتى يتّحد مع المضطرّ.

(6) هذا مورد افتراق الفقر عن الحاجة الشديدة، بصدق «الفقر» دون الحاجة الشديدة.

(7) معطوف على «حاجة شديدة» فلا يتفق للفقير مطلق الحاجة حتى يتحد مع مطلق الفقر و يجوز بيع الوقف حينئذ. و عليه فما جوّزه الفقهاء لم يدل عليه خبر

ص: 92

لوجدانه (1) من مال الفقراء ما يوجب التوسعة عليه. و قد يتفق (2) الحاجة و الضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على مئونة سنته. فالرواية (3) بظاهرها غير معمول بها.

مع أنّه قد يقال (4): إنّ ظاهر

______________________________

جعفر، و ما دل على جواز بيعه لم يرد في تعبيرهم.

(1) أي: وجدان الفقير، و هذا من إضافة المصدر إلى فاعله.

(2) هذا مورد افتراق الحاجة عن الفقر، إذ قد يحتاج الغني إلى بيع شي ء من أمواله لرفع الضرورة.

(3) هذا نتيجة كون النسبة عموما من وجه، يعني: أنّ خبر جعفر و إن دلّ على جواز بيع الوقف بمجرد انطباق حدّ الفقير الشرعي على الموقوف عليهم، لعدم كفاية الغلّة لمصارفهم، و لكن هذا الظاهر غير معمول به، فيسقط الخبر بإعراض الأصحاب عنه، لأن الفقهاء بين مانع عن البيع مطلقا، و بين مجوّز له عند الحاجة الشديدة، لا عند عدم وفاء الغلة بمئونة أهل الوقف.

(4) هذا ثاني وجهي المناقشة في رواية جعفر، و تقدم في الصورة الرابعة أيضا، و حاصله: أن «الحاجة و عدم كفاية الغلّة» و إن ورد في السؤال، لكن جواب الإمام عليه السّلام ب «نعم» ليس تجويزا للبيع إن احتاج أهل الوقف إلى بيعه، بل تصديق لأصل الجواز، و لكن إذا توفّر شرطان، و هما رضا الكل و كون البيع أنفع.

و على هذا فتكون الحاجة موردا في الخبر لا قيدا حتى يستدل به على الصورة الخامسة من فرض لحوق ضرورة شديدة بالموقوف عليهم. فالرواية أجنبية عن المقام.

و القائل بهذا الوجه- ظاهرا- صاحبا المقابس و الجواهر. ففي المقابس:

«و أما الجواب بقوله:- نعم- فقد اعتبر فيه رضا الكل، و كون البيع أنفع لهم أي لجميعهم ...» ثم ذكر استقلال الجواب عن السؤال و عدم العبرة بالحاجة «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 51

ص: 93

الجواب (1) جواز البيع بمجرّد رضا الكل، و كون البيع أنفع و لو لم يكن حاجة.

و كيف كان (2)، فلا يبقى للجواز عند الضرورة الشديدة إلّا الإجماعان المعتضدان بفتوى جماعة. و في الخروج (3) بهما عن قاعدة عدم جواز البيع (4) و عن قاعدة وجوب (5) كون الثمن على تقدير البيع غير مختصّ بالبطن الموجود

______________________________

و في الجواهر: «... على أن المذكور شرطا في السؤال لم يتعرض له في الجواب، الظاهر في الاكتفاء في جواز البيع بعد رضى الكل بكون البيع خيرا لهم ...» «1».

(1) يعني: بعد إلغاء الحاجة المذكورة في السؤال، و العدول عنها إلى رضا الكل و كونه أنفع.

(2) يعني: سواء تمت المناقشة الثانية في رواية جعفر، أم لم تتم- بأن كانت الحاجة قيدا أيضا لا موردا- فالرواية لأجل الإعراض الموهن لها لا تصلح حجة على جواز بيع الوقف عند الضرورة الشديدة إلى الثمن. و ينحصر الدليل في الإجماعين المنقولين المعتضدين بفتوى جماعة بالجواز.

و لكن يشكل الاستناد إليهما لوجوه أربعة.

(3) خبر مقدم لقوله: «إشكال» فكأنه قال: و إشكال في الخروج بالإجماعين عن قاعدة ... الخ.

(4) أي: عدم جواز بيع الوقف، للإجماع و النصوص الخاصة. و هذا هو الوجه الأوّل، و حاصله: أن الخروج عن هذه القاعدة المسلّمة منوط بحجة شرعية كما تحققت في الصورة الاولى. و لكن الإجماعين المنقولين قاصران عن تخصيص كبرى «لا يجوز بيع الوقف» و لا أقلّ من شبهة كونهما مدركيّين، لاحتمال استناد المجمعين- لو سلّم اتفاق الفقهاء على الجواز- إلى مثل رواية جعفر القاصرة دلالة.

(5) هذا هو الوجه الثاني، و حاصله: أنّ مجوّزي البيع للضرورة الشديدة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 373

ص: 94

- مع وهنه (1) بمصير جمهور المتأخرين و جماعة من القدماء إلى الخلاف (2)، بل (3) معارضته (4) بالإجماع المدّعى في السرائر- إشكال.

______________________________

يخصّون الثمن بالبطن البائع، مع اقتضاء المعاوضة اشتراكه بين الموجود و اللاحق.

فالخروج عمّا يقتضيه المبادلة- بالإجماعين المزبورين- مشكل.

(1) أي: وهن الإجماعين، و هذا هو الوجه الثالث. و محصله: منع صغرى الإجماع، لعدم اتفاق الأصحاب على الجواز، و معه كيف تتجه دعوى الإجماع عليه؟

(2) أي: إلى منع بيع الوقف عند الحاجة و الضرورة، و هذا المنع مذهب جماعة من القدماء كالإسكافي، و نسب إلى الصدوق و القاضي و الحلي «1»، و كذا المتأخرين كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و غيرهم «2».

(3) هذا هو الوجه الرابع، و غرضه أن المنع ليس فتوى جماعة معدودة حتى لا تقدح في إجماع السيدين قدّس سرّهما، بل هو فتوى الكلّ، على ما ادّعاه الحلّي، و حينئذ يتعارض إجماع الجواز مع إجماع المنع، و حيث لا مرجّح لأحدهما فيتساقطان، و لا يبقى حجة على جواز البيع.

و على هذا فكلمة «بل» هنا للترقي من الوهن إلى سقوطه بالتعارض.

(4) أي: معارضة إجماع السيدين. و المناسب تثنية الضمير هنا و في «وهنه» رعاية للمرجع، كما روعي في ضمير «بهما».

هذا تمام الكلام في الصورة الخامسة.

______________________________

(1) تقدم نقل كلماتهم في الأقوال، فراجع ج 6، ص 547- 553

(2) المصدر، ص 565- 568

ص: 95

[الصّورة السادسة أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة]

الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (1)،

______________________________

الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيع الوقف

(1) يعني: الحاجة إلى صرف ثمن الموقوفة في مئونة الموقوف عليهم، كما تقدم في الصورة الخامسة. ثمّ إنّه ينبغي تقديم أمرين قبل توضيح المتن:

الأوّل: أنّ المقصود من شرط البيع هو أن يشترط الواقف في صيغة الوقف سلطنة الموقوف عليهم على إبطال الوقف بالبيع عند حاجتهم الشديدة إلى ثمنه، أو إذا اقتضته مصلحة البطن الموجود خاصة أو مصلحة البطون، كأن يقول: «وقفت الدار على ذريتي و شرطت عليهم بيعها إن كان أعود لهم أو احتاجوا إلى ذلك، أو اقتضت مصلحتهم تبديل الوقف بعين اخرى. أو إذا آلت إلى الخراب» أو نحو ذلك ممّا يكون بنفسه- و مع الغضّ عن الشرط- مجوّزا للبيع.

و ليس المقصود من الشرط جواز بيعها لنفس الواقف إذا احتاج إلى ثمنها.

و ذلك لبطلان شرط الرجوع في الصدقة المتقرب بها إليه تعالى.

الثاني: الظاهر عدم تعرّض من سبق العلّامة لحكم هذه الصورة، بشهادة عدم ورودها في الأقوال المنقولة أوائل المسألة، و لم ينسبها السيد العاملي قدّس سرّه إلى من تقدّم على العلّامة «1». نعم، نسب صاحب المقابس إلى الحلبي جواز اشتراطه في الوقف المنقطع لا المؤبّد، فراجع «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 93

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63، الكافي في الفقه، ص 325

ص: 96

أو إذا كان فيه (1) مصلحة البطن الموجود، أو جميع (2) البطون، أو عند (3) مصلحة خاصة (4)

______________________________

و كيف كان فالأقوال في المسألة أربعة:

الأوّل: نفوذ الشرط و جواز البيع، ذهب إليه العلّامة في الإرشاد «1»، و الشهيدان «2»، و هو مختار المصنف قدّس سرّه و جماعة كأصحاب مفتاح الكرامة و المقابس و الجواهر قدّس سرّه.

الثاني: الإشكال في صحة هذا الشرط كما هو صريح القواعد.

الثالث: تفصيل المحقق الثاني بين كون الشرط عروض المسوّغ للبيع فيجوز، و بين مطلق المصلحة فلا يجوز «3».

الرابع: فساد الشرط، و عدم جواز البيع بحال، كما هو مذهب المانع عن بيع الوقف مطلقا أو في خصوص المقام، بزعم منافاة هذا الشرط لمقتضى الوقف و حقيقته، أو مخالفته للكتاب و السنة كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: في البيع، فقد يكون البيع و التبديل مصلحة لخصوص البطن الموجود، و قد يكون مصلحة لجميع البطون، كما إذا قال: «وقفت الدار على أن تباع إن كان بصلاح خصوص الموجودين».

(2) كما إذا قال: «وقفت الدار و شرطت بيعها إن اقتصته مصلحة جميع البطون، فلا يجوز البيع لو كان خيرا للبطن الوجود خاصة».

(3) معطوف على قوله: «عند الحاجة».

(4) في قبال مطلق المصلحة المفروض في قوله: «إذا كان فيه مصلحة» و المراد بالمصلحة الخاصة ما ورد في كلمات العلّامة و الشهيد قدّس سرّهما من تضرر الموقوف عليهم

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279، غاية المراد، ج 2، ص 452

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 73

ص: 97

على حسب ما يشترط [1].

______________________________

بالضريبة التي يجعلها الظالم، أو خراب الموقوفة، أو خروجها عن حيّز الانتفاع، أو وقوع الفتنة بين أربابه، و نحو ذلك، فكلّ منها مصلحة خاصة مجوّزة للبيع بدون الشرط.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ المصنف قدّس سرّه جمع في عنوان هذه الصورة السادسة بين كلام العلّامة و الشهيد، و لذلك لم يقيد جواز الشرط ب «شراء غيره بثمنه».

و بيانه: أنّ المواضع التي وردت في عبارة القواعد- كزيادة الخراج و الخراب و قلة النفع- لو جاز اشتراط بيع الوقف فيها كان الغرض تبديل الوقف بعين اخرى، كما هو حال البيع بطروء هذه الحالات بدون الشرط.

و لكن الشهيد قدّس سرّه- في عبارته المذكورة في المتن- عنون هذه الصورة بشرط البيع عند الحاجة أو الفتنة، و أهمل قيد «شراء البدل» لوضوح أن جواز البيع لسدّ حاجة أرباب الوقف غير مشروط بالتبديل على ما سبق في الصورة الخامسة، و لعلّه لهذا قال: «و في شراء بدله في هذه المواضع نظر، من أنّه أقرب إلى التأبيد، و هو خيرة ابن الجنيد، و من زوال المتعلّق، و هو قول الشيخ» «1».

و الحاصل: أنّ المصنف لأجل تعميم العنوان للبيع عند الحاجة- أو لمصلحة اخرى كالفتنة و الخلف بين الموقوف عليهم- أسقط القيد المأخوذ في عبارتي الإرشاد و القواعد من وجوب تبديل الوقف بغيره. و هذا لا ينافي وجوب صرف الثمن في شراء البدل في بعض المواضع، رعاية لحق البطون.

و عليه فما في كلام الفقيه المامقاني قدّس سرّه من «أنّ مراد المصنف ليس تجويز البيع بالشرط مطلقا، و لو بدون التبديل، بل المقيّد به، و ذلك بقرينة قوله بعد أسطر:

- ثمّ إنّه لو سلّم المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه، و أما تبديله بوقف

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 98

فقد اختلف كلمات العلّامة و من تأخّر (1) عنه في ذلك (2). فقال في الإرشاد: «و لو شرط بيع الوقف عند حصول الضرر (3)- كالخراج و المؤن من قبل الظالم- و شراء (4) غيره بثمنه،

______________________________

(1) يلوح من هذه الكلمة أن من تقدّم العلّامة لم يستثن هذه الصورة من عموم منع بيع الوقف.

(2) أي: في نفوذ الشرط، و عدمه.

(3) كذا في النسخ، و في الإرشاد: «عند حصول ضرر به» و المقصود تضرر الموقوف عليه بعدم عود منفعة الوقف إليه، لكثرة المؤن التي يأخذها الجائر.

(4) تقدم في التعليقة وجه الحاجة إلى تقييد نفوذ الشرط المزبور بشراء البدل، في قبال صرف الثمن في مئونة أهل الوقف للضرورة الشديدة إليه. كما ظهر وجه الاستغناء عنه في عنوان المصنف لهذه الصورة.

______________________________

آخر فلا تنافي بينه و بين مفهوم الوقف- فالظاهر أنّه اعتمد في إفادة هذا القيد على وروده في عبارتي الإرشاد و القواعد» «1». لا يخلو من شي ء، لما تقدم من عدم اقتصار الماتن على ما في العبارتين، كما اقتصر صاحب المقابس عليه «2»، لعدم ذكر الحاجة و مصلحة البطن الموجود أو جميع البطون فيهما حتى يكون إهمال القيد من جهة الاتّكال على وروده فيهما.

و أما قول المصنف: «ثم إنّه لو سلم المنافاة ...» فلا يتعين للقرينية على أنّ مراده التبديل في جميع مواضع الشرط، لاحتمال إرادة التفصيل بين كون شرط البيع هو الخراب و الضرر فيجب، و لا ينافي التأبيد المعتبر في الوقف، و بين كونه الحاجة إلى صرف الثمن. فيتحقق التنافي في بادئ النظر، و يندفع بأن المنافاة للإطلاق لا لمقتضى الوقف. و عليك بالتأمل في العبارة.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 452

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62 و 63

ص: 99

فالوجه (1) الجواز» انتهى «1».

و في القواعد: «و لو شرط بيعه عند الضرورة (2)- كزيادة خراج و شبهه- و شراء غيره بثمنه، أو عند خرابه و عطلته، أو خروجه عن حدّ الانتفاع، أو قلّة (3) نفعه،

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «و لو شرط» و سيأتي دليل الجواز.

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في القواعد «عند التضرر به» و كذا في متن الإيضاح «2» و جامع المقاصد «3» و مفتاح الكرامة «4»، و هو الأنسب بتمثيله بزيادة الخراج و المؤن كما عبّر به في الإرشاد أيضا. بل المتعين ذلك بقرينة وجوب شراء البدل، مع أنّ جواز البيع في مورد الضرورة و الحاجة إلى الثمن غير مشروط بالتبديل كما سبق في الصورة الخامسة.

و كيف كان فالمذكور في القواعد اشتراط بيعه بطروء إحدى حالات أربع:

الاولى: التضرر الناشئ من زيادة الخراج.

الثانية: خراب الوقف و صيرورته عاطلا لا ينتفع به.

الثالثة: خروجه عن حدّ الانتفاع لجهة اخرى غير الخراب، كوقوع الدار الموقوفة في محلّة لا يسكنها أرباب الوقف و لا يتيسّر لهم إيجارها.

الرابعة: قلّة عوائد الوقف. و تقدم الكلام في حكم بيع الوقف في الصورة الاولى و الثانية و الثالثة- عند طروء إحدى الحالات الثلاث الأخيرة- فراجع.

(3) هذا و قوله: «أو عند خرابه، أو خروجه» معطوفة على قوله: «عند الضرورة».

______________________________

(1) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 72

(4) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 93

ص: 100

ففي (1) صحة الشرط إشكال. و مع البطلان (2) في إبطال الوقف نظر (3)» انتهى «1».

و ذكر (4) في الإيضاح في وجه الجواز (5) رواية جعفر بن حنّان المتقدمة، قال: «فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى (6).

______________________________

(1) جواب الشرط في قوله: «و لو شرط» و هذا هو القول الثاني في المسألة.

و سيأتي بيان منشأ الإشكال.

(2) أي: لو بنينا على بطلان شرط بيع الوقف عند طروء أحد المسوّغات، فهل يبطل نفس الوقف؟ لكون الشرط الفاسد مفسدا، أم يصحّ الوقف و يلغو الشرط، لعدم سراية فساد الشرط إلى الوقف.

(3) وجه النظر ما أفاده فخر المحققين قدّس سرّه بقوله: «جعل الشيخ العقود المتضمنة للشرط ليست معلّقة عليها، بل هي عقود و شروط، و بطلان أحد الجزءين لا يستلزم بطلان الآخر. و يحتمل البطلان، لأنّه إنّما أوقعه على هذا التقدير، و لا يعلم رضاه بدونه ...» ثمّ رجّح عدم مفسدية الشرط هنا، لكون الوقف تبرعا محضا، بخلاف العقود المعاوضية التي يكون للشرط مدخل في العوض، فراجع.

(4) مقصوده قدّس سرّه بيان منشأ الإشكال في نفوذ الشرط، لا منشأ النظر في بطلان الوقف و صحته.

(5) أي: جواز شرط البيع عند حصول مصلحة خاصة من تضرر أو خراب أو قلّة منفعة.

(6) عبارة الإيضاح هي: «فإذا جاز بيعه بغير شرط فمعه أولى».

و وجه الأولوية: ثبوت جواز البيع في مثل الخراب و الحاجة الشديدة و نحوهما- عند من يرى ذلك- بأصل الشرع، و بدون اشتراط الواقف، فيكون الشرط مؤكّدا لجواز البيع.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 395

ص: 101

و في (1) وجه المنع: أنّ الوقف للتأبيد، و البيع ينافيه. قال: و الأصحّ أنه لا يجوز بيع الوقف بحال (2)» انتهى «1».

و قال الشهيد في الدروس: «و لو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم (3) أو وقوع الفتنة بينهم فأولى بالجواز» انتهى «2».

______________________________

(1) معطوف على «في وجه الجواز» يعني: وجّه فخر المحققين المنع بأنّ الوقف ... الخ. و محصل وجه المنع: منافاة اشتراط البيع- بطروء حالة- للتأبيد المقوم للوقف، و قد تقرر في بحث الشرط المأخوذ في العقد اعتبار عدم مناقضته لحقيقة المنشأ، لامتناع القصد الجدّي إلى المتنافيين، كما إذا اشترط عدم العوض في العقود المعاوضية، كالبيع على أن لا يكون ثمن للمبيع، و الإجارة بلا اجرة.

و كذا الحال في الوقف الذي حقيقته حبس العين- دائما- عن التصرفات الناقلة، فيمتنع إنشاء هذا المعنى و شرط البيع المنافي للحبس، و لذلك يبطل الشرط، بل مقتضى انتفاء الإرادة الجدية بطلان أصل الوقف. هذا.

و لا يخفى أن منافاة البيع للتأبيد تكون من جهة أخذ الشرط المناقض لمقتضى الوقف كما هو ظاهر كلام الفخر بشهادة ما سيأتي من مناقشة المحقق الكركي فيه.

و يمكن أن تكون المنافاة لما علم من السّنة، مثل ما دلّ على النهي عن شراء الوقف، فلا تتقوم ماهية الوقف بمنع البيع، و حينئذ فشرط البيع يخالف ما علم اعتباره في الوقف تعبدا، و هو عدم البيع.

(2) هذه الجملة هي منشأ نسبة منع بيع الوقف مطلقا إلى فخر المحققين قدّس سرّه.

(3) تقدم في (ص 98) أنّ الشهيد قدّس سرّه لم يقيّد نفوذ شرط البيع بشراء بدل بالثمن- كما قيّده به العلّامة قدّس سرّه- و وجهه: أنّه جعل الشرط بيع الوقف عند الحاجة إلى

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 393

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

ص: 102

و يظهر منه (1) أنّ للشرط تأثيرا، و أنّه (2) يحتمل المنع من دون الشرط، و التجويز معه.

و عن المحقق الكركي أنّه قال: «التحقيق (3) أنّ

______________________________

صرف الثمن في مئونة الموقوف عليهم، و معه لا مورد للتقييد المذكور في الإرشاد و القواعد.

(1) يعني: يظهر من قول الشهيد: «فأولى بالجواز» أنّ لشرط البيع عند الحاجة أو الفتنة تأثيرا في جواز البيع، إذ لو لا تأثير هذا الشرط لم يكن للأولوية معنى محصلا.

(2) معطوف على «أنّ للشرط» و الظاهر كونه مفسّرا له، بقرينة قول فخر المحققين: «فإذا جاز بغير شرط فمع الشرط أولى» فالمراد من الأولوية كون الجواز مع الشرط أوضح وجها من الجواز بدون الشرط، كما في طروء الخراب و الفتنة و الحاجة إلى ثمنه.

و يحتمل أن يراد من الأولوية القدر المتيقن من جواز البيع، بحيث لو قيل بالمنع منه بعروض المسوّغات قيل بجوازه بالشرط.

و لكن يشكل هذا الاحتمال بأنّ دليل نفوذ الشرط مقيّد بعدم كونه محلّلا للحرام، فلو لم يحرز جواز البيع بطروء حالة على الوقف امتنع إحرازه بالشرط.

و عليه فالأولى أن يراد بالأولوية ما ذكرناه أوّلا. و يتعيّن حمل قوله: «يحتمل المنع» على الاحتمال غير المصادم للظهور، فكأنّه قال: «أن بيع الوقف بلا شرط و إن كان محتمل المنع، لكنه جائز لو خرب أو قل نفعه أو كان أعود للموقوف عليهم.

و هذا الجواز أظهر لو شرط الواقف البيع عند حصول المسوّغ».

(3) محصّل كلام المحقق الثاني قدّس سرّه هو التفصيل بين كون الشرط مسوّغا للبيع بنفسه، و بين عدمه. و استدل على نفوذ الشرط في الشق الأوّل بوجود المقتضي و فقد المانع عنه.

أما وجود المقتضي فلأنّ شرط بيع الوقف بطروء بعض الحالات عليه جائز في

ص: 103

كلّ موضع (1) قلنا بجواز بيع الوقف

______________________________

نفسه، فيجب الوفاء به بمقتضى «المؤمنون عند شروطهم». و الوجه في جوازه وفاء الأدلة الخاصة بجواز بيعه بحصول بعض الأسباب كالخراب و الحاجة و نحوهما.

و عليه يكون شرط البيع عند حصول تلك الحالات مؤكدا للجواز الثابت بأصل الشرع.

و أمّا فقد المانع فلأنّ المانع المدّعى في كلام الفخر قدّس سرّه هو التأبيد المأخوذ في إنشاء الوقف، و لكنه غير مانع، و ذلك لأنّ حبس العين أبدا و منع بيعه مقيّد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع، لفرض صحة بيعه بعروض مثل الخراب أو قلة المنفعة حتى لو أخذ التأبيد في الصيغة.

و عليه فشرط البيع عند حصول السبب ليس إلّا إظهارا للقيد الدخيل في تأبيد الوقف.

نعم يختص نفوذ الشرط بإحراز كون السبب مسوّغا للبيع في نفسه. فلو شك في جواز بيع الوقف لمجرد كونه أعود و أصلح للموقوف عليهم لم ينفع جعله شرطا، بل يوجب البطلان، فلا ينعقد وقفا و لا حبسا كما سيأتي توضيحه.

(1) هذه العبارة ليست نصّ كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، لمغايرتها له كثيرا، و إنّما هي محصّله و مضمونه، و اعتمد المصنف على نقل صاحب المقابس «1»، لقوله فيه:

________________________________________

«و قال المحقق الكركي: التحقيق ...» إلى آخر ما في المتن.

و كيف كان فمراد المحقق الكركي قدّس سرّه من المواضع التي يجوز فيها بيع الوقف هو المواضع الثلاثة المتقدمة في نقل الأقوال، حيث قال: «إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع: أحدها: إذا خرب و اضمحلّ ... ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه.

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليهم حاجة شديدة ...» و استدلّ على كلّ منها في كتاب الوقف، فراجع «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63

(2) جامع المقاصد، ج 9، ص 69 و 70

ص: 104

يجوز (1) اشتراط البيع في الوقف إذا بلغ تلك الحالة، لأنّه (2) شرط مؤكّد، و ليس (3) بمناف للتأبيد المعتبر في الوقف، لأنّه (4) مقيّد واقعا بعدم حصول أحد أسباب المنع (5) [البيع]. و ما لا (6) فلا، للمنافاة، فلا يصحّ (7) حينئذ حبسا،

______________________________

(1) لعموم «المؤمنون عند شروطهم» و هذا بيان المقتضي لنفوذ شرط البيع.

(2) أي: لأنّ اشتراط البيع يكون شرطا مؤكّدا لما دلّ على جواز البيع عند عروض المسوّغ.

(3) أي: و ليس اشتراط البيع بمناف لمقتضى الوقف. و هذا إبطال للمانع عن صحة الشرط المزبور.

(4) أي: لأنّ التأبيد مقيّد تحسب جعل الشارع- بعدم عروض المسوّغ.

(5) كذا في نسختنا. و هو موافق لما في المقابس، و في بعض نسخ الكتاب «البيع» بدلا عن المنع، و هو أولى و المراد واضح.

(6) معطوف على «كل موضع» و هذا بيان الشق الثاني من التفصيل. يعني:

و كل موضع لم نقل بجواز بيع الوقف فيه لم نقل بجواز اشتراط البيع فيه، لكون اشتراط جواز بيعه حينئذ منافيا لحقيقة الوقف المتقومة بالتأبيد، و الشرط المخالف لمقتضى العقد فاسد و مفسد و إن لم نقل بمفسدية الشرط الفاسد في سائر الموارد، لأنّ الشرط المخالف لحقيقة العقد يخلّ بقصد مضمون العقد، و مع اختلال القصد لا عقد حتى يجب الوفاء به.

(7) سقط هنا أسطر من كلام المحقق الكركي، و جملة «فلا يصح ... الخ» ليست نصّ عبارته، و على كلّ فمقصوده من قوله: «فلا يصح» دفع دخل أورده المحقق على نفسه، و حاصل الدخل: قياس شرط البيع- في غير المواضع التي يجوز فيها البيع- بموارد اخرى كشرط رجوع الوقف إلى الواقف عند حاجته، فكما يصحّ الشرط المزبور و يحكم بكونه حبسا، فكذا في المقام. و لا وجه للحكم ببطلان الشرط من جهة منافاته للتأبيد.

ص: 105

لأنّ (1) اشتراط شراء شي ء بثمنه يكون وقفا مناف لذلك (2)، لاقتضائه (3) الخروج عن المالك، فلا يكون (4) وقفا و لا حبسا» «1» انتهى.

أقول: [و] يمكن أن يقال (5)

______________________________

و حاصل الدفع: أن القياس مع الفارق، ضرورة بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس، بخلاف المقام، لأنّ شرط الواقف البيع و تبديل العين بما يكون وقفا ينافي بقاء العين على ملكه، و معه لا وجه لصحة شرط البيع. و مقتضاه فساد الإنشاء، و عدم كونه حبسا، لكون العين في الحبس باقية على ملك الحابس، فإذا بيعت كان ثمنها للحابس.

(1) تعليل لعدم تعنون الإنشاء المزبور بكونه حبسا، و تقدّم وجهه آنفا.

(2) أي: لكونه حبسا.

(3) تعليل للتنافي، يعني: لأن اشتراط شراء شي ء بالثمن يكون وقفا يقتضي خروج الثمن عن ملك الحابس، مع وضوح بقائه عليه.

(4) هذا نتيجة بطلان اشتراط البيع في الإنشاء و مبطليته للوقف، و عدم وقوعه حبسا.

أمّا الأوّل فلعدم قصد التأبيد المعتبر في حقيقة الوقف.

و أما الثاني فلما تقدم آنفا من بقاء العين المحبوسة على ملك الحابس، فلا يصحّ شراء شي ء بثمنه و وقفه، لأنّه يقتضي خروج الثمن عن ملك مالك العين المحبوسة، و المفروض بقاؤه على ملكه فلا يصحّ وقفه.

(5) غرضه المناقشة في الشق الثاني من تفصيل جامع المقاصد- و هو قوله:

«و ما لا فلا للمنافاة»- و حاصله: أنّ مجرّد عدم جواز البيع بدون الشرط في بعض المواضع- كما إذا كان أعود و أصلح لأهل الوقف- لا يوجب عدم جوازه مع

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و 98

ص: 106

..........

______________________________

الشرط بعد وجود المقتضى له و فقد المانع عنه.

أمّا المقتضي الذي اعترف المحقق الثاني قدّس سرّه بوفائه بإثبات الجواز فامور:

أحدها: عموم مكاتبة الصفار، و ثانيها: عموم «المؤمنون عند شروطهم» و ثالثها:

نصّ خاص لم يتمسّك به في جامع المقاصد.

أما تقريب دلالة المكاتبة فهو: أن قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» إمضاء للوقف على حسب الكيفية التي رسمها الواقف، بمعنى كون الإمضاء مطابقا للإنشاء، فإن جعله مطلقا فمطلقا، و إن جعله مشترطا بالسلطنة على البيع لمصلحة كان ممضى كذلك. و ليس مدلول المكاتبة تأسيس حكم تعبدي كحرمة بيع الوقف حتى يكون أجنبيا عن تنفيذ الشرط المزبور.

و أما دلالة عموم «المؤمنون عند شروطهم» فلظهور كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جعل التزام المؤمن بشرطه، و عدم مفارقته له و لا التخلف عنه. و مقتضى إطلاق كونه عند شرطه وجوب الوفاء بالشرط تكليفا، و عدم نفوذ هدمه و مخالفته وضعا. و حيث إن إنشاء الواقف متضمن للسلطنة على بيع الوقف لمطلق المصلحة فهو شرط نافذ، و يصح للموقوف عليهم العمل به.

و أمّا النصّ الخاص، فهو صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الحاكية لما أوقفه أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين، و سيأتي تقريب الاستشهاد به. هذا بيان المقتضي.

و أمّا عدم المانع، فلأنّ المانع المتوهّم منافاة شرط البيع للتأبيد المقوّم للوقف كما سبق في كلام فخر المحققين و المحقق الثاني قدّس سرّه. و لكن الظاهر عدم تحقيق التنافي هنا، لأنّ شرط بيع الوقف ينافي إطلاق الوقف لا مقتضاه و ماهيّته.

و بيانه: أن الشرط المأخوذ في العقد تارة يكون مضادّا لحقيقته، كما إذا كان مفهوم البيع «تمليك عين بعوض» فاشترط فيه أن يكون بلا ثمن، و هو في قوة أن لا يكون البيع بيعا، و بطلانه واضح، لامتناع قصد المتقابلين و المتضادّين. و استحالة

ص: 107

- بعد التمسّك (1) في الجواز بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» و (2) «المؤمنون عند شروطهم»-

______________________________

إمضائهما شرعا حتى لو تحقق القصد من غير الملتفت.

و اخرى يكون منافيا لإطلاق العقد، بحيث لو لا الاشتراط كان الإطلاق مقتضيا لذلك الأمر، كانصراف إطلاق عقد البيع إلى كون الثمن من نقد البلد، فإن اشترط نقدا آخر كان منافيا لهذا الإطلاق لا لذات البيع. و هكذا الحال في سائر العقود.

و الظاهر أن التنافي بين الوقف و شرط البيع يكون من القسم الثاني، بمعنى: أن الوقف- على تقدير عدم تقييده بشي ء- يقتضي التأبيد، فلا تأبيد مع شرط الواقف.

و هذا يؤكّد ثبوت العقد لا أنه ينافيه. و هو نظير شرط الرجوع في الهبة، و شرط خيار الفسخ في المعاملة في كونه منافيا للزوم العقد لا لحقيقته.

و الشاهد على اجتماع الوقف مع جواز البيع هو بقاء وقفية العين عند التجرد عن الشرط و طروء حالة احرز كونها مسوّغة للبيع، و أنّ المبطل لوقفيتها إنشاء البيع خارجا، لا تجويز بيعها شرعا.

نعم بناء على كون جواز البيع مضادا لحقيقة الوقف- كما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه- كان شرط البيع مضادا لحقيقة الوقف، لكن تقدم في أوّل المسألة منعه، فراجع.

و المتحصل: أن المقتضي لمشروعية شرط البيع موجود، و المانع عنه مفقود، من دون تفصيل بين القسمين.

(1) كما تمسّك المحقق الثاني قدّس سرّه و غيره بهذا العموم، و غرضه إثبات المقتضي لصحة الشرط.

(2) معطوف على «عموم» أي: و بعموم «المؤمنون». و التعبير بالعموم لأجل عدم ورودهما في خصوص شرط بيع الوقف.

ص: 108

بعدم (1) ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف،

______________________________

(1) متعلق ب «يقال» و هذا ناظر إلى نفي المانع عن شمول العمومين المزبورين لشرط البيع، و المانع هو التنافي المذكور في جامع المقاصد.

و ليس قوله: «بعدم» مناقشة اخرى في تفصيل المحقق الثاني، بل هو متمم للمناقشة، لوضوح أنّ مجرد عموم «الوقوف» و «المؤمنون» لا يصلح دليلا لنفوذ شرط البيع، ما لم يحرز عدم منافاة الشرط لمقتضى الوقف، إذ مع منافاته له يبطل عند الكلّ.

فإن قلت: إن التعبير ب «عدم ثبوت» لا يجدي في رفع المانع، فيشكل بأنّ المناط في التمسك بدليل الشروط هو إحراز عدم التنافي بين الشرط و مقتضى العقد لا احتماله.

و كما لا وجه للتمسك بأدلة الوقوف و الشروط في فرض العلم بالمنافاة كما هو واضح، فكذلك في فرض الشك فيها. أما بالنسبة إلى عموم «الوقوف» فللشك في عقديته، إذ لو كان الشرط منافيا واقعا لم يكن عقد حتى يمضى شرطه الضمني.

و أما بالنسبة إلى عموم «المؤمنون» فلتعنون الشرط بعدم كونه مخالفا لمقتضى العقد.

و عليه فلا بد من إثبات عدم التنافي، ثم التمسك بدليلي الوقوف و الشروط، إذ التمسك بهما حينئذ يكون تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية. و يتعيّن الرجوع إلى الاصول العملية، و مقتضاها في المقام عدم جواز البيع للاستصحاب.

قلت: نعم، مجرد عدم ثبوت التنافي لا يكفي في التمسك بالعمومين، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه- بقرينة الاستشهاد بجواز بيع الوقف بطروء المسوّغ- هو ثبوت عدم التنافي، و إنّما عبّر بعدم الثبوت «تنزيلا على هو المتعارف في المخاصمات عند المتأدبين من عدم المسارعة إلى الإنكار» «1».

______________________________

(1) حاشية المحقق الإيرواني، ج 1، ص 180

ص: 109

فلعلّه (1) مناف لإطلاقه (2)، و لذا (3) يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروء مسوّغاته، فإنّ التحقيق- كما عرفت سابقا (4)- أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه، فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.

ثمّ إنّه لو سلّم (5) المنافاة فإنّما هو بيعه للبطن الموجود و أكل ثمنه.

______________________________

(1) أي: فلعلّ شرط جواز البيع، و هذا أيضا لتعيين المنافاة للإطلاق، لا لمقتضى الوقف، و ليس المراد مجرد احتمال التنافي للإطلاق، و تقدم في توضيح عدم المانع الفرق بين منافاة شرط البيع لماهية الوقف، فيبطل، و بين منافاته لإطلاقه فيصح.

(2) لاقتضاء إطلاق الوقف التأبيد، و عدم سلطنة الموقوف عليهم على إبطاله بالبيع.

(3) أي: و لأجل منافاة جواز البيع للإطلاق- لا للحقيقة- يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طروء مسوّغاته، و هذا الاجتماع ظاهر قول المحقق الثاني قدّس سرّه: «إن كل موضع يجوز فيه بيع الوقف» «1»، فيمكن إلزامه بصحة شرط البيع أيضا، لنفوذ الشرط المخالف لإطلاق العقد.

(4) يعني: قبل التعرض لكلام الشيخ الكبير و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، حيث قال: «ثم إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع، فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه ...» فراجع «2».

(5) هذا وجه ثان للخدشة في المنافاة المتقدمة في كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، و محصله: أن تعليل بطلان شرط البيع بالتنافي أخص من المدعى، توضيحه: أن المواضع التي جوّز الشارع فيها بيع الوقف- بنظر المحقق الثاني قدّس سرّه- على نحوين:

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 73

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 529- 531

ص: 110

و أمّا تبديله بوقف آخر (1) فلا تنافي بينه (2) و بين الوقف.

فمعنى كونه حبسا (3): كونه محبوسا من أن يتصرّف فيه بعض طبقات

______________________________

فتارة يجب شراء البدل بالثمن، و هما موضعان، أحدهما: خراب الوقف و اضمحلاله. و ثانيهما: حصول خلف بين أربابه.

و اخرى لا يجب التبديل، لكون الغرض من تجويز البيع صرف الثمن في حاجة أرباب الوقف، إذا لحقهم حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلّة و غيرها.

و على هذا، فإن لم يكن شرط سلطنة الموقوف عليهم على البيع منافيا لماهية الوقف- بأن كان منافيا لإطلاقه و عدم تقييده- فلا كلام كما مرّ في الوجه الأوّل.

و إن كان الشرط المزبور منافيا لمفهوم الوقف- و هو حبس العين أبدا و تسبيل الثمرة- كان لازمه التفصيل بين أنحاء شرط البيع، بأن يقال: إن كان الغرض من الشرط صيرورة الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود- كما في مورد جواز البيع لرفع الحاجة و الضرورة- كان منافيا لمقتضى الإنشاء من التأبيد و بقاء العين مهما أمكن لتدرّ منافعها على البطون. و إن كان المقصود من الشرط تبديل الوقف و تعلق حق البطون بالبدل على حدّ تعلقه بالمبدل لم يكن الشرط مضادا للتأبيد.

و من المعلوم أنّ المواضع المعدودة في قواعد العلّامة قدّس سرّه قد صرّح فيها بشراء بدل الوقف بالثمن، كالبيع فرارا من زيادة الخراج.

و عليه فلا وجه لمنع شرط البيع في جميع الموارد بزعم المنافاة، بل ينبغي التفصيل بين المواضع، مع أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه لم يفصّل بينها.

(1) كما هو صريح كلام العلّامة قدّس سرّه: «و لو شرط بيعه عند الضرر ... و شراء غيره بثمنه ...».

(2) أي: بين التبديل المستند إلى الشرط.

(3) هذه الجملة دفع دخل مقدّر يرد على قوله: «فلا تنافي بينه و بين الوقف» و تقريب الدخل: أنّ شرط بيع الوقف و تبديله بوقف آخر- كما اذا

ص: 111

..........

______________________________

شرط البيع عند الخراب أو الفتنة- ينافي مفهوم الوقف، كمنافاته له إذا شرط البيع بالحاجة إلى الثمن.

و وجه المنافاة: أن حقيقة الوقف عندهم «تحبيس الأصل- أي عين خاصة- و تسبيل المنفعة» و المراد من حبسها هو المنع عن النقل و الانتقال، و من المعلوم امتناع القصد إلى المتنافيين، و هما: إنشاء الحبس، و إنشاء السلطنة على عدم الحبس بالبيع.

و الحاصل: أنّ الشرط المزبور يضاد مفهوم الوقف، لا إطلاقه حتى يقال بجوازه و نفوذه بعموم أدلة الشروط.

و تقريب الدفع: أنّ معنى الوقف و إن كان تحبيس الأصل، إلّا أن حبس عين خاصة على نحوين، فتارة يكون المراد حبس شخصها مطلقا، فلا محالة يكون اشتراط جواز بيعها و التصرف فيها منافيا لوقفها بذاتها.

و اخرى يكون المراد حبسها مقيّدا، بمعنى منع تصرف بعض البطون في العين الموقوفة على وجه تصرف المالك في ملكه الطلق من بيعه متى شاء، و تصرفه في الثمن كيفما شاء. و لا منافاة حينئذ بين الوقف و بين شرط البيع عند عروض مصلحة، كما لا منافاة بينه و بين حصول مسوّغ شرعي للبيع كالخراب، فكأنّه قال:

«حبست هذه العين عن التصرفات المالكية كبيعها متى شاء أهل الوقف من دون استبدالها بعين اخرى، و شرطت بيعها عند عروض كذا و استبدالها. أي حبستها بنفسها أو ببدلها».

و عليه فكون وقف العين بمعنى حبسها بشخصها هو مقتضى الإطلاق، و عدم اشتراط حبسها بما هي مال، بأن يقول: «وقفت هذه الدار على ذريتي» لظهور ترك التقييد بالتبديل- عند عروض مصلحة- في حبس نفس العين بخصوصيتها، فلو اشترط جواز التبديل كان قرينة على التوسعة في الحبس و تعلقه بماليتها لا بشخصها،

ص: 112

الملّاك على نحو الملك المطلق (1). و أمّا حبس شخص (2) الوقف فهو لازم لإطلاقه (3) و تجرّده عن مسوّغات الإبدال، شرعية كانت كخوف الخراب، أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد، فتأمّل (4).

______________________________

كما إذا قال: «حبستها بنفسها أو ببدلها».

فالمتحصل: عدم التنافي- في موارد اشتراط التبديل- بين مفهوم الوقف و بين الشرط، هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ تفصيل المحقق الثاني قدّس سرّه بين أنحاء الشرط.

و منه ظهر مختار المصنف في المسألة، و سيأتي الاستدلال على نفوذ الشرط بالنص الخاص.

(1) لجواز التصرف في الملك المطلق بالبيع و الهبة و نحوهما متى شاء المالك، ثم التصرف في ثمن البيع كذلك. و لكن البطون ممنوعة من هذا النحو من التصرف في العين الموقوفة.

(2) أي: حبس شخص العين متفرع على إطلاق الحبس و تجرده عما يجوّز البيع، إمّا بجعل الشارع كالخراب و شبهه، أو بجعل الواقف كمورد الاشتراط في متن العقد.

و نظير الوقف في اللزوم و الجواز عقد البيع، فقد يكون جائزا فيما لو اشترط فيه الخيار لجهة، أو حكم الشارع بجواز الفسخ كما لو تبيّن كون المبيع معيبا. و قد يكون لازما كما إذا بقي على إطلاقه، و لم يحدث بعده أمر مسوّغ للفسخ شرعا، هذا.

(3) في قبال التصريح في الوقف بحبس العين أو بدلها عند طروء المسوّغات، فلا يكون شخص العين محبوسا حينئذ.

(4) لعلّه إشارة إلى عدم تعدد الوقف بالنسبة إلى العين الموقوفة و بدلها بعد البيع، بل الوقفية تنشأ بالنسبة إلى نفس العين. و عليه فإن كان حبس شخصها مقتضى إطلاق العقد صحّ اشتراط البيع حتى مع أكل الثمن. و إن كان مقتضى مطلق الوقف لم يصح حتى لو شرط كون الثمن وقفا.

ص: 113

ثمّ إنّه روى (1) صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام في كيفية وقف

______________________________

أو إلى: أنّ شرط جواز البيع بدون المسوّغات الشرعية قد ينافي ما أفاده المصنف قدّس سرّه في الأمر الرابع مما يعتبر في صحة الشرط- و هو عدم مخالفته للكتاب و السنة- من أن حكم الموضوع قد يثبت من حيث الذات و مجرّدا عن العناوين الطارئة عليه كالمباحات، فينفذ الشرط، لكونه مغيّرا لموضوع الدليل، كتغيره بعروض عنوان عليه كالمقدمية أو النذر أو إطاعة الوالدين. و قد يثبت الحكم للموضوع على نحو لوازم الماهية بأن كان لدليله عموم أو إطلاق ناظر إلى العناوين الخارجية الطارئة عليه، كغالب المحرمات و الواجبات، فيكون اشتراط خلافه التزاما بما خالف الكتاب و السنة، لما تقدم في أوائل المسألة من أن منع البيع وصف لنوع الوقف، حيث قال قدّس سرّه:

«و إن كان الإنصاف ما ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع» «1» هذا.

(1) لا بأس بنقل جمل من صدر الرواية عن الكافي، و هي: أن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «بعث إليّ أبو الحسن موسى عليه السّلام بوصية أمير المؤمنين عليه السّلام، و هي:

بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللّه عليّ ابتغاء وجه اللّه ليولجني به الجنة و يصرفني به عن النار، و يصرف النار عنّي، يوم تبيضّ وجوه و تسودّ وجوه: أنّ ما كان لي من مال بينبع- يعرف لي فيها و ما حولها- صدقة و رقيقها ... إلى أن قال عليه السّلام: و إنّ الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة، حيّا أنا أو ميّتا، ينفق في كلّ نفقة يبتغى بها وجه اللّه في سبيل اللّه و وجهه، و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب، و القريب و البعيد، فإنّه يقوم على ذلك الحسن بن عليّ، يأكل منه بالمعروف، و ينفقه حيث يراه اللّه عزّ و جلّ في حلّ محلّل لا حرج عليه فيه. فإن أراد ...» إلى آخر ما في المتن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 522

ص: 114

ماله في عين ينبع (1)، و فيه (2): «فإن أراد- يعني الحسن عليه السّلام- أن يبيع نصيبا من (3) المال ليقضي (4) [فيقضي] به الدين فليفعل إن شاء،

______________________________

و مورد الاستدلال بهذه الصحيحة فقرتان أو ثلاث.

(1) قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و ينبع- بالفتح فالسكون و ضم الموحدة- قرية كبيرة بها حصن، على سبع مراحل من المدينة، نقل: أنّه لما قسّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الفي ء أصاب علي عليه السّلام أرضا، فاحتفر عينا، فخرج منها ماء ينبع في الماء، كهيئة عنق البعير، فسمّاها عين ينبع» «1».

و قال ابن منظور: «و بناحية الحجاز عين ماء يقال لها ينبع، تسقي نخيلا لآل علي بن أبي طالب» «2».

و قال الفيروزآبادي: «ينبع ك- ينصر- حصن له عيون و نخيل و زروع بطريق حاج مصر» «3».

(2) أي: و في ما ذكره أمير المؤمنين عليه السّلام في كيفية الوقف هو قوله عليه السّلام: «فإن أراد ... الخ».

(3) أي: نصيبا من أعيان الوقف، و هذه الفقرة مما يستدل بها على ما نحن فيه من جواز الاشتراط في ضمن الوقف، بإعطاء السلطنة للموقوف عليه على البيع.

و سيأتي في آخر الكلام المحامل المذكورة في كلمات الفقهاء.

(4) كذا في نسختنا، و لكن في الكافي و التهذيب و الوسائل: «فيقضي».

و يمكن الاستدلال بهذه الجملة على جواز بيع الوقف لحاجة البطن الموجود، و صرف ثمنه في رفع تلك الحاجة، فتأمّل.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 4، ص 394

(2) لسان العرب، ج 8، ص 345

(3) القاموس المحيط، ج 3، ص 87

ص: 115

لا حرج عليه (1) فيه. و إن شاء (2) جعله شروى (3) [سري] الملك. و إنّ (4) ولد عليّ و مواليهم و أموالهم إلى الحسن بن علي. و إن كانت (5) دار الحسن بن علي

______________________________

(1) أي: لا حرج على الإمام المجتبى عليه الصلاة و السلام في بيع نصيب من أعيان الموقوفة لأجل أداء ما عليه من ديون.

(2) أي: و إن أحبّ الإمام المجتبى عليه السّلام جعل نصيبا من الوقف ملكا خالصا لنفسه. و هذه فقرة ثانية تدل على جعل السلطنة على إبطال بعض الوقف.

(3) كذا في نسختنا، و لكن في الكافي «سري الملك» و في الوسائل نقلا عن التهذيب «شروى الملك» و كذا في الوافي. و لكن الموجود في التهذيب «شراء الملك».

و كيف كان فمعنى «السري» النفيس «1» و الرفيع «2»، فالمراد ب «سري الملك» شريف الملك و رفيعه، و هذا كناية عن جعل الوقف ملكا طلقا، فإنّ رفعة الملك و شرافته بتمامية سلطنة المالك عليه، و هو يستلزم بطلان الوقف حينئذ، و هو أعلى من شرط البيع، فلاحظ.

و معنى «شروى الملك» مثله «3»، يعني: يجعل الوقف كالملك الطّلق يتصرف فيه بما شاء.

(4) الجملة مستأنفة أو معطوفة على «فإن أراد» يعني: ورد في هذه الصحيحة:

أنّ أمر ولد عليّ عليه السّلام و أموالهم بيد الحسن عليه السّلام، و ليس المقصود تعيين الناظر للوقف، لما تقدم بقوله عليه السّلام: «و أنه يقوم على ذلك الحسن» فالمراد هنا جعل الولاية بمعنى آخر.

(5) يعني: و إن كان الإمام المجتبى عليه السّلام ساكنا في غير دار الصدقة، و لم يكن محتاجا إلى سكناها، فإن أراد عليه السّلام أن يبيع دار الصدقة و يقسّم ثمنها أثلاثا فليفعل.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 1، ص 216

(2) لسان العرب، ج 14، ص 378

(3) مجمع البحرين، ج 1، ص 245، لسان العرب، ج 14، ص 428

ص: 116

غير دار الصدقة، فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء (1)، [و] (2) لا حرج عليه فيه. فإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثا في سبيل اللّه، و يجعل ثلثا في بني هاشم و بني المطّلب، و ثلثا في آل أبي طالب، و إنّه (3) يضعه فيهم حيث يراه اللّه».

ثم قال: «و إن حدث (4) في الحسن أوفي الحسين حدث، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني عليّ».

______________________________

و قد يستشهد بهذه الفقرة أيضا على جواز بيع الوقف بالشرط، بتقريب: أن المراد بدار الصدقة دار موقوفة، بأن كانت في جملة ما أوقفه أمير المؤمنين عليه السّلام لسكنى الإمام المجتبى عليه السّلام، و جعل سلطنة بيع هذه الدار له عليه السّلام إن لم يتخذها مسكنا لنفسه.

و يحتمل بعيدا إرادة بيع غير دار الصدقة من الدار المملوكة للإمام المجتبى صلوات اللّه و سلامه عليه، و يكون تقسيم ثمنها حينئذ شرطا من الواقف على الموقوف عليه في ضمن عقد الوقف.

(1) فكأنّه عليه السّلام وقف الدار بهذه الكيفية: «هذه وقف على أبي محمد الحسن عليه السّلام و إن استغنى عن سكناها جاز له بيعها».

(2) كذا في النسخ، و ليست «الواو» في الكافي و التهذيب و الوسائل.

(3) يعني: و إنّ الإمام المجتبى عليه السّلام القائم بالوقف يضع الحصص على حسب ما يراه، و مقتضاه عدم اعتبار المساواة في تقسيم ثلث بني هاشم، و ثلث آل أبي طالب.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الكافي و التهذيب و الوسائل: «و إن حدث بحسن و حسين». و حاصله: أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام جعل ولاية الوقف للسبطين عليهما السّلام مقدّما للأكبر منهما، ثم شرط على سيد الشهداء عليه السّلام أن ينصب قيّما على الوقف من سائر أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام من كان مرضيا في هداه و إسلامه و أمانته، و إلّا ففي أولاد السبطين عليهما السّلام كذلك، و إلّا ففي رجل من آل أبي طالب و ذوي آرائهم، و إلّا ففي رجل من بني هاشم، مع الاشتراط على كل واحد من

ص: 117

إلى أن قال: «فإنّه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم، و إنّه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك [هذا] (1) المال (2) على اصوله، و ينفق الثمرة (3) حيث أمره به من سبيل اللّه و وجهه، و ذوي الرّحم من بني هاشم و بني المطّلب و القريب و البعيد، لا يباع شي ء منه و لا يوهب و لا يورث ...» الرواية (4) «1».

و ظاهرها (5) جواز اشتراط البيع في الوقف لنفس البطن الموجود،

______________________________

الأولياء العمل بما رسمه عليه السّلام، و عدم بيعه، فيكون جواز البيع مختصّا بالسبطين عليهما السّلام.

(1) كذا في نسختنا، و ليست كلمة «هذا» في الكافي و التهذيب و الوسائل.

(2) أي: ترك الأعيان الموقوفة، و المراد بتركها عدم بيعها، بأن يبقيها على حالها لينتفع البطون بمنافعها، فيكون شرط البيع مختصّا بالحسنين صلوات اللّه عليهما.

(3) كذا في نسختنا و جملة من النسخ، و هو موافق لما في التهذيب و الوسائل، و لكن في الكافي «و ينفق ثمره حيث أمرته به».

(4) يعني: أن للصحيحة تتمة، و في آخرها تاريخ كتابة صورة الوقف و مكانها و الشهود عليها، و هي «هذا ما قضى به علىّ في ماله، الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو شمر بن أبرهة، و صعصعة بن صوحان، و سعيد بن قيس، و هياج ابن أبي الهياج. و كتب علىّ بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع و ثلاثين».

(5) تقدم آنفا وجه ظهور فقرات ثلاث من هذه الصحيحة في جواز شرط البيع.

أولاها: قوله عليه السّلام: «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين، فليفعل إن شاء».

ثانيتها: قوله عليه السّلام: «و إن شاء جعله سريّ الملك».

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 49- 51، باب صدقات النبي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام، الحديث: 7؛ التهذيب، ج 9، ص 146، الحديث 55 من كتاب الوقوف و الصدقات؛ الوسائل، ج 13، ص 313، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 4

ص: 118

فضلا (1) عن البيع لجميع البطون، و صرف ثمنه فيما ينتفعون به. و السند صحيح، و التأويل مشكل (2)،

______________________________

ثالثتها: قوله عليه السّلام: «و إن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فلبيعها إن شاء». و لكن أمير المؤمنين عليه السّلام شرط في هذه الفقرة توزيع الثمن على وجه خاص، و لم يجعله مختصّا بالإمام المجتبى عليه السّلام.

(1) الوجه في الإتيان ب «فضلا» هو أن البيع لأجل صرف الثمن في منفعة جميع البطون أقرب إلى غرض الواقف من جواز بيعه و اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و كيفية اجتماع البطون على البيع تكون بقيام وليّ البطون اللاحقة بالبيع بانضمام البطن الموجود.

(2) يعني: بعد تمامية أصالتي الصدور و الظهور يشكل تأويل الصحيحة حتى تكون أجنبية عن المقام، و هو شرط البيع في الوقف.

و قد قيل في توجيه قوله عليه السّلام: «فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال، فليبع» امور:

الأوّل: أنّ ما كتبه أمير المؤمنين عليه السّلام محمول على الوصية و أجنبي عن الوقف، بشهادة جملتين:

إحداهما: قوله عليه السّلام: «هذا ما أوصى به و قضى به في ماله عبد اللّه عليّ ...».

و ثانيتهما: قوله في أواخرها: «و لا يحلّ لامرء مسلم يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يغيّر شيئا مما أوصيت به في مالي ...» و لا مانع من استثناء بعض المال للوصي. فغرضه عليه السّلام الإيصاء بالأموال المدرجة في كتابه لمن يقوم بالأمر بعده.

و فيه: أن كلمة «الوصية» وردت في أثناء الكتاب مقترنة بما يدل على الوقف المصطلح، و هو قوله عليه السّلام: «و إن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة، حيّا أنا أو ميّتا» فإنّ الصدقة الموصوفة بكونها بتلة- أي منقطعة عن المتصدق حال حياته و خارجة عن ملكه- لا تنطبق إلّا على الوقف، ضرورة جواز التصرف

ص: 119

..........

______________________________

و الرجوع في الوصية قبل الممات. فحملها على التأكيد في وصية ما كتبه عليه السّلام ينافي قوله عليه السّلام: «حيّا أنا أو ميّتا».

و عليه فلا بد من رفع اليد عن معنى «الوصية» في الفقرتين المتقدمتين، بأن لا يكون المراد بها ما استقر عليه اصطلاح الفقهاء من العهد بشي ء بعد الموت، بل المراد ما بعمّ ذلك و تدبير شئون أمواله، سواء أ كان تصرفه منجّزا أم معلّقا، فيكتبها بعنوان الإيصاء لمن يقوم بالأمر بعده، و معناه جعل كل واحد- مما كتبه- في موقعه، و هذا المعنى شائع في الاستعمال.

الثاني: أنه عليه السّلام وهب الأموال لهما عليهما السّلام، و كتب الوقف لنوع المصلحة، كذا احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه، و لكنه خلاف الظاهر جدّا، مع عدم قرينة عليه، فلا يصار إليه.

الثالث: أنه عليه السّلام اشترط بيع الحاصل من الوقف و ثمرته لأداء الدين، لا بيع الرقبة، كما احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه أيضا و غيره «1».

و فيه: أن المناسب لذلك التعبير ب «فإن أراد أن يقضي به الدين فلا حرج عليه» ليكون مناسبا لقوله قبله: «يقوم على ذلك الحسن بن على، و يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد ... في حلّ محلل لا حرج عليه» و لا حاجة إلى التصريح بكلمة البيع مقدمة لقضاء الدين، إذ لمّا كان المال الموقوف من الضياع و المزارع كان أكله بالمعروف في كل وجه محلل، و كذا أداء الدين منوطا ببيع بعض الحاصل، فذكر البيع و العدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر- و هو نصيب من المال- يدلّان على جواز بيع نفس الوقف.

الرابع: أنّ غاية ما يدل عليه هو جواز بيع الوقف عند الحاجة كأداء الدين،

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 435. مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 120

..........

______________________________

لا مطلقا كما هو مورد البحث، فيكون الصحيح أخصّ من المدّعى، و هو جواز شرط البيع لكلّ مصلحة «1».

و لكنّه غير ظاهر أيضا، لما تقدّم في شرح فقرات الصحيحة من ظهور كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في إعطاء السلطنة على البيع، و هذا هو الاشتراط. و قرينة حصر التمكن من وفاء الدين في بيع نصيب من الوقف مفقودة. و لو سلّم لم يجر هذا الاحتمال في تجويزه عليه السّلام اتّخاذ نفس الوقف سري الملك، لعدم فرض الحاجة فيه إلى بيعه مقدمة لرفع الضرورة.

الخامس: أنّ النصيب الذي جاز بيعه لهما عليهما السّلام خارج من الوقف، بمعنى أنّ الأمير عليه السّلام وقف أمواله بينبع و استثنى نصيبا منها، و فوّض تعيين النصيب إلى السبطين عليهما السّلام، فيتوقف تحديد مقدار الموقوف أيضا على تعيين ذلك النصيب، و لا مانع منه، فان الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، كذا أفاده في المقابس «2».

و لكن مخالفته لظاهر الصحيحة من كون النصيب من جملة الأموال الموقوفة و عدم استثنائه منها مما لا تنكر.

هذا ما قيل في حمل بيع نصيب من المال.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و إن شاء جعله سري الملك» فاستقرب صاحب المقابس قدّس سرّه أنّ الإذن في جعل الوقف مثل الملك وقع على وجه المبالغة في أمر التولية، و في استحقاقهما عليهما السّلام للمنافع. و كان أمير المؤمنين عليه السّلام عالما بأنّهما لا يفعلان إلّا ما هو الصحيح المشروع، و لا يقتطعان شيئا من الوقف، هذا.

و لكنك خبير ببعد هذا الحمل، لعدم قرينة عليه، مع كونه في سياق قوله عليه السّلام:

«فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال» و قد استبعد صاحب المقابس حمله على الإذن

______________________________

(1) حاشية العلّامة السيد الإشكوري على المكاسب، ص 170

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 121

و العمل أشكل (1).

______________________________

في أداء الدين من الوقف، فراجع المقابس «1».

و أمّا قوله عليه السّلام: «و إن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها» فقد يؤوّل- كما في المقابس أيضا- بأنّ دار الصدقة غير داخلة في الأموال التي حكم عليها في أوّل هذا الخبر بأنّها صدقة واجبة بتلة، لأنّ الموقوف هو ماله بينبع و ما حولها و بوادي القري و بديمة و بأذينة، و كلّها ضياع و مزارع، و لم تشتمل على دار يسكنها الإمام المجتبى عليه السّلام. و حينئذ فلعلّ دار الصدقة التي فوّض أمرها إلى الإمام المجتبى عليه السّلام كانت دارا جعل له سكناها ما دامت الحاجة، و بعده عليه السّلام بعنوان الوصية يفعل ما أمره عليه السّلام به، و من المعلوم أن «الصدقة» كما تطلق على الوقف كذلك تطلق على السكنى و الرقبى و العمرى، هذا.

و لكن يمكن ترجيح احتمال إرادة الموقوفة من «دار الصدقة» بما في ذيل الصحيحة من أمره عليه السّلام بأن يترك المال و لا يباع منه شي ء و لا يوهب و لا يورث، فيكون شرط البيع توسعة للسبطين عليهما السّلام تشريفا لهما.

(1) لإعراض المشهور عنه، بل ادعى العلّامة المجلسي قدّس سرّه مخالفة الصحيحة للمقطوع به عند الأصحاب «2»، و من المعلوم أن عدم الاعتناء بما قطعوا به في غاية الإشكال كما لا يخفى على أهله. خصوصا مع ورودها في بيع الوقف العام، و تقدم منع بيعه.

هذا تمام الكلام في حكم الصورة السادسة، و تحصّل أن الاشتراط مجوّز للبيع، عملا بأدلة الشروط و بعموم «الوقوف».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

(2) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 435

ص: 122

[الصورة السابعة أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه]

الصورة السابعة: أن يؤدّي بقاؤه إلى خرابه علما أو ظنّا (1) [1]

______________________________

الصورة السابعة: أداء بقاء الوقف إلى خوف الخراب

(1) تقدم في الصورة الاولى الفرق بينها و بين هذه الصورة، و أنّ مفروض الكلام هنا عدم الخراب فعلا، و إنّما يخاف خراب الموقوفة لو بقيت على حالها.

و تقدم في نقل الأقوال ما استظهره المصنف من وحدة مضمون تعابير الفقهاء بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه تارة، و بخوفه اخرى، و بخشيته ثالثة، و قال: «فظهر من ذلك أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحققت فيه الشهرة بين المجوّزين» «1».

و عنوان هذه الصورة بنحو الإطلاق- في قبال من قيّد جواز البيع بكون منشئه خلف أرباب الوقف- موافق لما في المقابس من قوله: «الصورة الثالثة: أن يباع خوفا من أن يؤول إلى الخراب أو التلف، و فيها أيضا أقوال .... ثالثها:

الجواز في المؤبّد أو مطلقا، و هو قول الشيخ و ابن سعيد في كتابيه ... الخ» و اختاره هو قدّس سرّه فراجع «2».

______________________________

[1] لا يخفى منافاة تفسير خوف الخراب هنا بالعلم أو الظن به لما سيذكره في الصورة الثامنة من تفسير الخوف بما هو أعم منهما و من الاحتمال، مع أن الوارد في كلمات الأصحاب إما خوف الخراب أو خشيته، و إمّا خشية وقوع فتنة بين أربابه

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 572

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 61 و 62

ص: 123

و هو المعبّر عنه ب «خوف الخراب» في كثير من العبائر المتقدمة (1).

و الأداء إلى الخراب (2) قد يكون للخلف (3) بين أربابه، و قد يكون (4) لا له.

______________________________

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه قسّم هذه الصورة تارة بالنظر إلى منشأ خوف خراب الوقف، و اخرى بالنظر إلى ما يبقى من المنفعة بعد الخراب.

أما التقسيم الأوّل فمنشأ الأداء إلى الخراب إمّا خلف الموقوف عليهم، و إمّا غيره كعدم تمكنهم من عمارة الوقف و ترميمه، فهنا فرضان.

و أما التقسيم الثاني فله فرضان أيضا، ضرورة أن الخراب المعلوم أو المظنون قد يبلغ حدّا تسقط العين به عن الانتفاع المعتدّ به، فالباقي كالمعدوم، و قد لا يبلغ هذا الحد، و إنما يوجب نقص المنفعة. فهذه فروض أربعة ستأتي أحكامها.

(1) ففي المبسوط: «إذا خيف على الوقف الخراب» و في الغنية «خيف خرابه» و قريب منهما ما في الوسيلة و فقه القرآن و جامع الشرائع و النزهة و وقف الشرائع، و القواعد، و التحرير و الإرشاد، و بيع التذكرة و الدروس «1».

(2) هذا هو المقسم الأوّل، و هو باعتبار منشأ الأول إلى الخراب.

(3) هذا أول الفرضين من المقسم الأوّل، كما تقدم. و إسناد الخراب إلى الخلف مبني على الغالب من كون الاختلاف موجبا لترك الإقدام على ترميم الوقف، فيؤول الأمر إلى الخراب، و إلّا فلا ملازمة بين الخلف و الخراب كما هو واضح.

(4) أي: قد يكون الخراب لا للخلف بين الأرباب، بل لموجب آخر.

______________________________

كما في التحرير، أو «يخاف منه تلف الأموال» كما في جامع المقاصد.

و عليه فاختصاص الخوف بالعلم و الظن في الصورة السابعة، و عمومه للاحتمال في الثامنة غير ظاهر الوجه.

______________________________

(1) تقدمت مصادر الأقوال في ج 6، ص 562- 567

ص: 124

و الخراب المعلوم (1) [1] أو المخوف قد يكون على حدّ سقوطه من الانتفاع نفعا معتدّا به، و قد يكون على وجه نقص المنفعة.

و أمّا (2) إذا فرض جواز الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر، كانتفاعه السابق أو أزيد، فلا يجوز بيعه، إلّا على ما استظهره بعض من تقدّم كلامه سابقا (3): من أنّ تغيّر عنوان الوقف يسوّغ بيعه،

______________________________

(1) هذا هو المقسم الثاني، و هو باعتبار خراب الوقف كليّة، أو بما يبقى مقدار معتد به من المنفعة.

(2) هذا فرض ثالث من المقسم الثاني، و غرضه قدّس سرّه استثناء هذا الفرض من موضوع البحث في الصورة السابعة، أعني به كون الخراب موجبا لنقص المنفعة أو لقلته بما لا يعتد به.

و محصل هذا الفرض: ما إذا أمكن الانتفاع بالوقف- بعد خرابه- بوجه آخر، كالبستان الذي يبست أشجاره فقطعت، فأجرت العرصة للزراعة مثلا، و كانت الاجرة أزيد من عوائد البستان أو مثلها. و حكم هذا الفرض عدم جواز بيع الوقف حينئذ، إلّا على مبنى صاحب الجواهر قدّس سرّه من بطلان وقفية العين بانعدام عنوانها الملحوظ حين الوقف، و قد تقدم تفصيله في الصورة الثانية، فراجع.

و الحاصل: أن موضوع البحث في الصورة السابعة هو ندرة المنفعة بعد الخراب، أو مجرد نقصها و إن كانت معتنى بها.

(3) حيث قال: «ثم ذكر- يعني صاحب الجواهر- أنّه قد يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف، فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية» فراجع (ص 30).

______________________________

[1] هذه الكلمة مستدركة، لفرض شمول «المخوف» للمعلوم و المظنون بمقتضى تفسير الخوف بالعلم أو الظن.

ص: 125

و قد عرفت (1) ضعفه.

و قد عرفت (2) من عبارة جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى الخراب و لو لغير الاختلاف، و من اخرى تقييدهم به.

[الصّورة الثّامنة أن يقع بين الموقوف عليهم إختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس]

الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم إختلاف لا يؤمن معه تلف المال أو النفس (3)،

______________________________

(1) بقوله: «أقول: يرد على ما قد يقال بعد الإجماع على أنّ انعدام العنوان لا يوجب بطلان الوقف ... الخ» فراجع (ص 39).

(2) غرضه قدّس سرّه الإشارة إلى ما ورد في كلمات الأصحاب حول هذه الصورة السابعة، و ظاهره وجود قولين في المسألة: أحدهما: إطلاق جواز البيع، مهما كان منشأ الأداء إلى الخراب، و هو المحكي عن النهاية.

ثانيهما: تقييد جواز البيع بكون المنشأ إختلاف أرباب الوقف، و هو للأكثر، كما يظهر بملاحظة كلماتهم المنقولة أوائل المسألة «1». و سيأتي تفصيل المصنف قدّس سرّه.

الصّورة الثامنة: وقوع الاختلاف مع خوف تلف المال أو النفس

(3) نقل صاحب المقابس قدّس سرّه عنوان هذه الصورة قولا خامسا في حكم بيع الوقف لدفع الخلف أو لرفعه، فقال: «خامسها: أنه يجوز إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال و النفوس، و هو اختيار المحقق الكركي في تعليق الإرشاد ...» «2». و يستفاد أيضا من الشهيدين قدّس سرّهما و ممّن «3» أخذ بصحيحة ابن مهزيار الآتية التي ورد فيها جواز البيع إذا خيف تلف الأموال و النفوس.

و تقدم في الكلمات المنقولة أوائل المسألة «أو يخاف من وقوع خلف بينهم

______________________________

(1) لاحظ: هدى الطالب، ج 6، ص 562- 567

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 58

(3) غاية المراد، ج 2، ص 30. الروضة البهية، ج 3، ص 255

ص: 126

و إن (1) لم يعلم أو يظنّ ذلك (2).

فإنّ الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه لذلك (3)، خصوصا (4) من عبّر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.

______________________________

يؤدّي إلى فساده- أي فساد الوقف-» «1» كما في مهذّب القاضي قدّس سرّه، من دون عطف «النفوس» على الأموال.

و كيف كان فهذه الصورة تشارك السابعة في جامع الخوف، و تفارقها بامور:

الأوّل: أخذ خصوصية الخلف بين أهل الوقف في الثامنة دون السابعة.

الثاني: أخذ خصوصية العلم أو الظن بالخراب مستقلا، في السابعة، و لحاظ خوف أحد الأمرين من تلف المال أو النفس في الثامنة.

الثالث: تفسير الخوف في السابعة بالعلم أو الظن، و في الثامنة بما يعم الاحتمال.

(1) حرف الوصل ظاهر في شمول الخوف و عدم الأمن لما يعم العلم و الظنّ و الاحتمال.

(2) المشار إليه هو تلف المال أو النفس، و المراد بتلف المال هنا تلف الوقف كما استظهره الشهيد الثاني قدّس سرّه «2».

(3) أي: جواز البيع لخوف أداء الاختلاف إلى تلف المال أو النفس، كقول العلّامة قدّس سرّه: «و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه» «3».

(4) توضيحه: أنّ بعض الفقهاء جوّز البيع عند أداء بقاء الوقف على حاله- مع خلف أربابه- إلى الخراب، كالشهيد الثاني قدّس سرّه، و المحقق و العلّامة في بيع الشرائع

______________________________

(1) المهذب، ج 2، ص 92

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 255

(3) تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 279، الطبعة الحديثة)

ص: 127

[الصورة التاسعة أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم]

الصورة التاسعة: أن يؤدّي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم (1)، من غير تقييد بتلف المال (2)، فضلا عن خصوص الوقف.

______________________________

و القواعد. و من المعلوم ظهور «الأداء» في العلم و الاطمئنان بترتب خراب الوقف على بقائه مع ما بين الموقوف عليهم من المنازعة، فلا عبرة حينئذ بظنّ الأداء إليه و احتماله.

و هذا بخلاف من عبّر من الفقهاء- و هم الأكثر- بخوف الخراب أو خشيته أو «لا يؤمن ...» فإنّ «خوف الخراب» يشمل العلم و الظن و الاحتمال الموهوم، إذ «الخوف» هو الحالة النفسانية الناشئة عن مجرد الاحتمال و إن كان موهوما جدّا.

الصورة التاسعة: اداء الخلف إلى ضرر عظيم

(1) هذه الصورة مذكورة في كلام ابن سعيد قدّس سرّه، لقوله: «أو يؤدي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم» «1» و لعله متحد مع ما في تهذيب شيخ الطائفة من تجويز البيع «لو أدّى كونه وقفا إلى ضرر أو إلى إختلاف، و هرج و مرج، و خراب الوقف» «2».

و كيف كان فتختلف هذه الصورة مع سابقيتها بأمرين:

الأول: عدم أخذ الخوف فيها، بل المناط إفضاء بقاء الوقف إلى تلف الوقف أو تلف مال آخر أو فتنة عظيمة و فساد كبير مع أن عنوان الصورة السابعة و الثامنة «خوف الخراب» كما تقدم.

الثاني: أخذ خوف خصوص الخراب فيهما، بخلاف هذه، إذ لا خصوصية لتلف الوقف هنا.

(2) أي: تلف مال غير العين الموقوفة، لما سيأتي في مكاتبة ابن مهزيار من

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74

(2) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 131

ص: 128

[الصورة العاشرة أن يلزم فساد يستباح به الأنفس]

الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح به الأنفس (1).

و الأقوى (2): الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّا به عرفا، سواء كان لأجل الاختلاف أو غيره.

______________________________

تجويز البيع لتلف الأموال و النفوس، و لا خصوصية لتلف الوقف. و أمّا تعميم الضرر للنقص في العرض فلعدم اختصاص الضرر المنفي بالنقص المالي كما قرّر في محلّه.

الصورة العاشرة: أداء بقاء الوقف إلى فساد تستباح به الأنفس

(1) هذا العنوان قريب من كلام ابن سعيد أيضا، حيث قال: «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» «1» و تقدم في الأقوال نقله عن تعليق الإرشاد للمحقق الكركي، و الحاكي له هو السيد العاملي قدّس سرّه، إلّا أن المنقول عنه في المقابس كما تقدم في (ص 126) الأداء إلى تلف الأموال و النفوس.

و هذه الصورة كالتاسعة لم يؤخذ فيها الخوف، و ظاهر اللزوم هو العلم باستباحة الأنفس لو بقي الوقف بحاله، و انحصر سد الفتنة في بيعه، و لا يكفي مجرد الاحتمال حينئذ أو عدم الأمن من استباحة الأنفس.

و فرقها مع الصور الثلاث المتقدمة توقف جواز البيع هنا على تلف النفوس خاصة، و لا عبرة بتلف الوقف أو سائر الأموال.

حكم الصّور الأربع

(2) فصّل المصنف قدّس سرّه في بيع الوقف- في الصور الأربع الأخيرة- فجوّزه في قسم من الصورة السابعة، و هو أداء بقاء الوقف- علما أو ظنا- الى سقوطه عن الانتفاع المعتد به، سواء أ كان منشأ الخراب إختلاف أرباب الوقف أم غيره. و الشاهد على إرادة الجواز في خصوص هذا القسم هنا ما سيأتي في (ص 149) من قوله: «و أما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة».

______________________________

(1) الجامع للشرائع، ص 372

ص: 129

و المنع (1) في غيره من جميع الصور.

أما الجواز في الأوّل (2)، فلما مرّ من الدليل (3) على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع (4)، فإنّ (5) الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه،

______________________________

و منع البيع في نقص المنفعة كما منعه في الصور التالية لها، فهنا دعويان. و يقع الكلام فعلا في أوّل شقّي التفصيل.

و قد استدل على الجواز بوجود المقتضي و دفع ما يحتمل كونه مانعا عن البيع، ثم نقل وجهين آخرين للجواز و ناقش فيها، و سيأتي بيان الكلّ إن شاء اللّه تعالى.

(1) معطوف على «الجواز» أي: أنّ الأقوى منع البيع في سائر الصور.

(2) و هو ما لو أدّى بقاء الوقف إلى الخراب علما أو ظنّا. و قد استدل على جواز البيع فيه بوجوه ثلاثة كما سيأتي، أوّلها: ما في المتن من وجود المقتضي و فقد المانع. ثانيها: ما ذكره في التنقيح. ثالثها: ما نقل عن العلّامة و جماعة.

(3) ما استدل به المصنف على جواز البيع هنا- من وجود المقتضي و فقد المانع- تقدم مستوفى في الصورة الاولى. و ظاهر المتن دفع المانع، و أمّا المقتضي فغير مذكور في العبارة اتكالا على وضوحه.

و المراد بالمقتضي في مقام الإثبات هو العمومات المقتضية لصحة البيع، كقوله تعالى: أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

و أما المانع فالمذكور في المتن هو الحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة، أعني بها حق الشارع و الواقف و الموقوف عليهم.

(4) حيث قال في الصورة الاولى: «لعدم جريان أدلة المنع. أما الإجماع ...

الخ» «1».

(5) هذا دفع المانع من ناحية غرض الواقف، و تقريب الغرض: أنّ مقصود

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 614

ص: 130

..........

______________________________

الواقف من حبس عين خاصة أبدا هو بقاؤها بشخصها لتكون صدقة جارية ينتفع بها معنويا، كما ينتفع الموقوف عليهم بها مادّيا. و من المعلوم أن تجويز بيعها- عند خوف خرابها و قلة منفعتها لو بقيت بحالها- ينافي هذا الغرض. و حيث إن الوقوف تكون على حسب ما يقفها أهلها لم يجز نقض غرض الواقف.

و المصنف دفع هذا المانع بما محصله: عدم لزوم نقض غرض الواقف، بل يلزم حفظ مقصوده لو بيع الوقف، و بيانه: أن غرض الواقف و إن كان حبس شخص ما وقفه، و عدم تبديله بشي ء آخر، إلّا أنه محدود بعدم العلم أو الظن بانقطاع هذا الشخص، لينتفع به الموقوف عليهم.

و أمّا مع علمه بأوله إلى الخراب و تعذّر الانتفاع به مستقبلا فيدور الأمر بين وجهين:

أحدهما: ترك الوقف حتى يهلك و يخرج عن كونه صدقة جارية، و حينئذ فكما تسقط العين عن حيّز الانتفاع بها فكذا تنعدم ماليتها القائمة بها.

ثانيهما: تبديل الوقف، و هو و إن استلزم إسقاط حق الواقف من الانتفاع المختص بشخص الوقف، إلّا أنّه يوجب حفظ غرضه في الانتفاع بمالية العين القائمة بالبدل. فإن قيل بالوجه الأوّل استلزم عدم رعاية حق الواقف في نوع ماله ليكون صدقة جارية. و إن قيل بالوجه الثاني فقد روعي فيه حقه، فيكون نوع ماله صدقة.

و لا ريب في أن هذا الوجه أوفق بغرض الواقف، لما فيه من رعاية حقه في الوقف، بخلاف ترك البيع الموجب لسقوط حقه شخصا و نوعا.

و المتحصل: أن البيع غير مناف للتبديل.

فإن قلت: كلام المصنف هنا ينافي ما سيأتي في (ص 148)- في ردّ المستدلّ على الجواز بلزوم رعاية غرض الواقف- من عدم الدليل على وجوب متابعة أغراض الواقفين، فإنّ ما يجب الوفاء به هو العقد و الشرط فيه، دون الأغراض

ص: 131

فإذا فرض العلم أو الظّنّ بانقطاع شخصه، فدار الأمر (1) بين انقطاع شخصه و نوعه، و بين انقطاع شخصه لا نوعه، كان (2) الثاني أولى،

______________________________

الخارجة عن حاق الإنشاءات.

قلت: لا تهافت بين كلماته، و ذلك لأنّ غرض الواقف قد يجعل مقتضيا للبيع، بأن يقال: انه كما تعلّق غرضه بحبس شخص العين كذلك بنوعه، لتعدد المطلوب، و هذا سيأتي منعه هناك بما محصله: قصور مقام الإثبات، و عدم الدليل على لزوم مراعاة غرض الواقف، فلا مقتضي للبيع من هذه الجهة. و قد يجعل مانعا عن البيع، و لا بد من إبطال مانعيته عنه كما صنعه هنا، و تقدّم تقريب المانعية و دفعها.

نعم، عبارة المصنف قدّس سرّه هنا لا تخلو من مسامحة من جهة تعبيره بالغرض، مع أن مقصوده تعلق حق الواقف، و الشاهد على هذا التسامح أنه قدّس سرّه أحال عدم مانعية الحقوق الثلاثة- عن البيع- على ما أفاده في الصورة الاولى، و هو قوله: «و الأوّل- أي ترك البيع حتى يتلف- تضييع مناف لحق اللّه و حقّ الواقف و حق الموقوف عليه» «1». و هذا التصريح قرينة على مراده من «غرض الواقف». و إن كان في العدول عن التعبير بالحق إلى «غرض» مسامحة، لوضوح كون الحق أمرا اعتباريا متعلقا بالعين، بخلاف الغرض الداعي إلى الإنشاء، و الخارج عنه.

هذا كلّه بالنسبة إلى عدم المانع من جهة تعلق حق الواقف. و أما عدم مانعية حق الشارع و الموقوف عليهم فسيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذا متفرع على خوف انقطاع الشخص، و هو دوران الأمر بين وجهين كما تقدّم آنفا.

(2) هذا جواب الشرط في قوله: «فإذا فرض» و المراد بالثاني هو رعاية حق الواقف في كون ماله صدقة جارية و لو بنوع الموقوفة، بأن تباع و تبدّل بعين اخرى.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 621

ص: 132

فليس (1) فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.

و أمّا الأدلة الشرعية (2) فغير ناهضة، لاختصاص الإجماع (3)، و انصراف النصوص إلى غير هذه الصورة (4).

و أمّا الموقوف عليهم (5)، فالمفروض إذن الموجود منهم،

______________________________

(1) هذا نتيجة أولوية البيع و التبديل من إبقاء الوقف حتى يهلك، يعني: أن حفظ حق الواقف منحصر في البيع، فضلا عن منافاته له.

(2) غرضه نفي المانع من ناحية الأدلة الشرعية الناهية عن بيع الوقف الشاملة لما يخاف خرابه، مثل الإجماع، و معتبرة علي بن راشد، و فيها: «لا يجوز شراء الوقف». فإنّهما من موانع التمسك بالعمومات القاضية بصحة البيع، و ذلك لأن إمضاء الصدقة الجارية و الحكم عليها بإبقائها ينافي بيعها.

و حاصل ما أفاده قدّس سرّه: أنه لا كاشف عن تعلق حقه تعالى بالوقف المشرف على الخراب حتى يجب رعايته. أمّا الإجماع فغير مانع، لما تقدم في الصورة الاولى من التأمل في تحققه على عدم جواز البيع حتى في ما نحن فيه. و لو شك فيه فمقتضى كونه لبيّا الاقتصار على القدر المتيقن، و هو ما عدا صورة الخراب أو خوفه. مضافا إلى احتمال كونه مدركيا.

و أما معتبرة ابن راشد فلانصرافها إلى غير صورة خشية الخراب، كانصرافها عن صورة فعلية الخراب، لوحدة مناط الانصراف و عدم دخل فعلية الخراب فيه.

و أما عموم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» فلعدم تكفله حرمة البيع تعبّدا، بل هو إمضاء للكيفية التي رسمها الواقف. و قد تقدم أن تعلق حق الواقف بحبس شخص العين محدود بما دام الانتفاع بها ممكنا، لا ما إذا آلت إلى سقوط المنفعة.

(3) يعني: اختصاصه بحال عمارة الوقف و عدم خوف الخراب.

(4) و هي صورة خشية الخراب، كانصرافها عن صورة الخراب الفعلي.

(5) هذا نفي المانع الثالث عن جواز البيع، يعني: أن حق الموقوف عليهم هو

ص: 133

و قيام الناظر العام (1) أو الخاص (2) مقام غير الموجود.

نعم (3)، قد يشكل الأمر فيما لو فرض تضرّر البطن الموجود من بيعه (4)، للزوم (5) تعطيل الانتفاع إلى زمان وجدان البدل، أو كون (6) البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي.

______________________________

كون العين صدقة جارية لهم ينتفعوا بها. و هذا الحق لا ينافي جواز البيع إذا آلت إلى الخراب، لينتفعوا ببدلها. و أمّا حقّهم في البيع فقد روعي بكونهم متصدّين له بضمّ ولي سائر البطون.

(1) و هو الفقيه الجامع للشرائط.

(2) و هو من عيّنه الواقف. هذا تمام ما استدل به المصنف قدّس سرّه على جواز البيع لو أدى بقاء الوقف إلى خرابه. و سيأتي التعرض لبعض فروع المسألة.

(3) هذا استدراك على قوله: «أما الجواز في الأوّل» و غرضه استثناء صورتين من حكمه بجواز البيع، عند خشية الخراب و بيان حكمهما.

(4) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و هي: أنه لو استلزم بيع الوقف تضرر البطن الموجود بعدم انتفاعهم، لكون الثمن غالبا من النقدين أو الأنواط، و توقّف التبديل على التأخير و مضيّ برهة من الزمان، فإنه لا يخلو البيع حينئذ من إشكال، لحرمان الموجودين من الوقف رأسا. أمّا العين فلأنّها بيعت، و أما البدل فلعدم حصوله بعد، و من المعلوم منافاة تعطيل الانتفاع لحقّ الموقوف عليهم. هذا.

(5) بيان لكيفية تضرر الموجودين، و قد تقدم آنفا.

(6) معطوف على «لزوم» أي: لكون البدل. و هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و هي ما إذا أمكن التبديل و لم يلزم تعطيل انتفاع الموجودين، إلا أن منفعة البدل قليلة بالقياس إلى ما بقي من منفعة نفس الموقوفة إلى زمان خرابها، كما إذا فرض أن الزمان الباقي من أزمنة بقاء الموقوفة عام واحد، و لو بيعت قبل مضي هذا العام و استبدلت بعين اخرى كانت منفعة البدل في هذا العام مائة دينار مثلا. و لو ابقيت

ص: 134

و مما ذكر (1) يظهر أنّه يحب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء مع (2) عدم فوات الاستبدال فيه (3)، و مع فوته (4)

______________________________

الموقوفة في هذا العام كانت منفعتها فيه مأتي دينار، فيتضرر البطن الموجود بهذه المائة.

و مقتضى قاعدة نفي الضرر عدم جواز بيعه، لأن جواز البيع حينئذ ضرري، فينفى بقاعدة الضرر.

(1) يعني: و من تضرر البطن الموجود ببيع الوقف في هاتين الصورتين يظهر ... الخ.

و محصله: أن هنا شقّين:

فتارة يمكن كلّ من البيع و شراء البدل في آخر أزمنة إمكان بقاء العين، فيجب الإبقاء، و لا يجوز البيع قبل آخر الأزمنة، إذ لا وجه لرفع اليد عن الغرض- في شخص الوقف- مع إمكان رعايته في برهة من الزمان. كما إذا فرض بقاء العين إلى سنة، و أمكن بيعها و استبدالها قبل مضيّ عام، و امتنع بعده.

و اخرى يمكن البيع في آخر أزمنة الإمكان، و لكن يتعذر شراء البدل في ذلك الوقت بذلك الثمن لقلّته مثلا، ففي جواز تقديم البيع قبل خراب الوقف بسنة إشكال.

و لعلّ وجهه تعارض الغرض القائم بشخص الوقف و نوعه أي ماليته، فمن جهة رعاية الغرض من شخص الوقف لا يجوز تقديم البيع، لقابليته فعلا للانتفاع به.

و من جهة رعاية الغرض من وقف النوع يلزم تقديم البيع و الاستبدال و إن فات الغرض القائم بالشخص.

(2) قيد لقوله: «يجب» و هذا إشارة إلى الشّق الأوّل المتقدم بقولنا: «فتارة يمكن ... الخ».

(3) أي: في آخر أزمنة إمكان بقاء شخص الوقف.

(4) أي: فوت الاستبدال، و هذا إشارة إلى الشق الثاني المتقدم بقولنا:

«و اخرى يمكن».

ص: 135

ففي تقديم البيع إشكال [1].

و لو دار الأمر (1) بين بيعه

______________________________

(1) توضيح هذا الفرع: أنه قد تكون الموقوفة بحاجة إلى عمارة و ترميم، و لم يكن لأربابها مال للصرف فيها، فكان بقاؤها بحالها مؤدّيا إلى الخراب، فيدور

______________________________

[1] لا يخفى أنه مع الشك في انصراف الأدلّة- المانعة لجواز البيع- عن هذه الصورة لا يجوز البيع، لكون الشك في تخصيص عموم المنع.

إلّا أن يقال: إن عمومات نفوذ البيع محكمة ما لم يعلم بالتخصيص، و مع الشك في شمول الأدلة المانعة يتمسك بعمومات الصحة، فيجوز البيع.

ثمّ إنّه يمكن أن يكون منشأ الإشكال تعارض ضرر البطن الموجود المقتضي للانتفاع بشخص العين إلى آخر أزمنة إمكان بقائها، و بين ضرر المعدومين المقتضي لتقديم البيع و التبديل رعاية لحقّهم في الوقف و لو في نوعه لا في شخصه. و بعد تساقط قاعدتي الضرر في الجانبين يرجع إمّا إلى عموم منع بيع الوقف، و إمّا إلى العمومات المقتضية للصحة.

و هذا المطلب و إن كان صحيحا في نفسه، إلّا أن تعارض ضرر البطن الموجود و المعدوم غير مفروض في كلام المصنف، إذ لا قرينة فيه على أنّ مراده بالتّأخير و فوات الاستبدال هو زمان انقراض الموجودين، فربّما يكون التأخير بمقدار سنة أو أقل- كما ذكرناه في التوضيح- مفوّتا للاستبدال، خصوصا لو كان منشأ خوف الخراب الخلف بين الموقوف عليهم، لعدم اقتضاء المصلحة تأخير البيع و التبديل من طبقة إلى طبقة اخرى.

نعم تعارض حق البطون مفروض في الفرع الآتي. و عليه فلعلّ الاولى ما أثبتناه وفاقا لما في بعض الشروح «1» و خلافا لما في بعضها «2».

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 170

(2) غاية الآمال، ص 453

ص: 136

و الإبدال به (1)، و بين (2) صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان

______________________________

الأمر بين تقديرين:

أحدهما: البيع و الاستبدال، رعاية لحق الموقوف عليهم بالانتفاع بالبدل، و لكن يفوت حق الواقف من وقف شخص المال.

ثانيهما: إجارة الموقوفة على ما هي عليها، و صرف عوائدها في العمارة و الترميم، حفظا لحق الواقف لتعلق غرضه بشخص العين، و لحق البطن اللاحق ليتلقّى الوقف قابلا للانتفاع به.

نعم يفوت حق البطن الموجود مدّة الإجارة، لحرمانه عمّا يملكه من المنفعة.

و اختيار أحد الوجهين منوط بملاحظة إنشاء الوقف. فإن شرط الواقف صرف منافعه في إصلاحه و عمارته، ثم صرف ما يفضل من العوائد في الموقوف عليهم، فالأقوى هو الوجه الثاني عملا بالشرط النافذ.

و إن لم يشترط ذلك، وقع التعارض بين حق البطن الموجود المقتضي للبيع و الإبدال، و بين حق الواقف- في إبقاء شخص المال المحبوس مهما أمكن- المقتضي لصرف المنفعة في الترميم، و سقوط حق البطن الموجود.

و الأقوى بنظر المصنف قدّس سرّه هو الوجه الأوّل، و منشأ ترجيحه- كما افيد- إمّا حكومة قاعدة نفي الضرر الجارية في تضرر البطن الموجود على وجوب مراعاة غرض الواقف من وقف شخص المال. و إمّا تزاحم الحقين، و ترجيح حق البطن الموجود على حق الواقف، لكونه مالكا فعليا للوقف، و الأهمية مرجحة لأحد المتزاحمين.

(1) أي: الإبدال بالبيع أي بالثمن، و ليس المراد تبديل الوقف بعين اخرى و لو من دون بيع، و ذلك لاستدراك كلمة «بيعه» حينئذ، فالمراد صرف الثمن في شراء البدل.

(2) معطوف على «بين» و هذا هو التقدير الثاني المتقدم آنفا.

ص: 137

لتعميره (1)، ففي ترجيح (2) حقّ البطن الذي يفوته المنفعة (3)، أو حقّ (4) الواقف و ساير البطون المتأخرة المتعلّق (5) بشخص الوقف، و جهان، لا يخلو أوّلهما عن قوة [1] إذا لم يشترط (6) الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه.

______________________________

(1) متعلق ب «صرف منفعته» و لعلّ الأولى إبداله ب «عمارة» لما في كلام بعض أهل اللغة «من أن التعمير بمعنى إعطاء العمر فعلا أو قولا على سبيل الدعاء» لا إصلاح البناء، فراجع «1».

(2) خبر مقدّم لقوله: «و جهان» و الجملة جواب الشرط في «و لو دار».

(3) فوات المنفعة على البطن الموجود إمّا في برهة من الزمان، كما إذا كانت مدة الإجارة خمس سنوات، و لا ينقرض البطن في مثلها، فينتفع بالوقف بعد عمارتها.

و إمّا في تمام زمان حياته إن كانت آخر مدة الإجارة و الترميم مقارنا لانقضاء البطن الموجود.

(4) معطوف على «حقّ البطن» أي: ففي ترجيح حق الواقف و ساير البطون، و هذا هو الوجه الثاني.

(5) صفة ل «حق الواقف ...».

(6) فلو شرط الواقف ذلك كان الأقوى هو الوجه الثاني، لأن المؤمنين عند شروطهم.

______________________________

[1] لا وجه للبيع مع عموم الأدلة المانعة، كما لا وجه لوجوب صرف المنفعة الحاضرة في عمارته، بل ينتفعون به إلى أن يخرب، فحينئذ يجوز بيعه.

______________________________

(1) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، للراغب، ص 347 و كذا نقل ابن منظور عن الأزهري «و لا يقال:

أعمر الرجل منزله بالألف» فلاحظ: لسان العرب، ج 4، ص 604. نعم في المنجد: أن التعمير كالأعمار جعل المنزل آهلا.

ص: 138

و قد يستدلّ على الجواز فيما ذكرنا (1) بما عن التّنقيح من: «أن بقاء الوقف على حاله- و الحال هذه- إضاعة و إتلاف للمال، و هو منهي عنه شرعا، فيكون البيع جائزا» «1».

و لعلّه (2) أراد الجواز بالمعنى الأعم،

______________________________

(1) هذا ثاني الوجوه المستدل بها على جواز بيع الوقف فيما إذا كان بقاؤه مؤدّيا إلى الخراب و التلف على وجه لا ينتفع به، استدل به الفاضل المقداد، و هو قياس مؤلف من صغرى و كبرى، فالصغرى: أنّ الإبقاء و عدم البيع إضاعة للمال و إسراف، لفرض سقوطه بتلفه عن المالية المعتد بها.

و الكبرى: أن تضييع المال منهي عنه شرعا بلا ريب. و نتيجة هاتين المقدمتين جواز البيع لئلا يتحقق التضييع المحرّم.

(2) أي: و لعلّ الفاضل المقداد قدّس سرّه أراد ... الخ. و محصله: أنه لمّا كان مقتضى حرمة التضييع وجوب البيع لا إباحته- كما هو ظاهر عبارة التنقيح: كان جائزا- أراد المصنف قدّس سرّه توجيه الجواز بما لا يرد عليه ما في المقابس، و بيانه: أن المحقق الشوشتري قدّس سرّه ناقش في الدليل المزبور بوجوه ثلاثة، و قال قبلها: «و لا يخفى أن هذا الدليل يقتضي وجوب البيع فضلا عن جوازه» «2» لوضوح أن الدافع للتضييع المحرّم ليس مجرد جواز بيع الوقف الآئل إلى الخراب، لإمكان ترك الفعل المباح و تحقق إضاعة المال خارجا.

و عليه فكان المناسب أن يقول الفاضل السيوري: «فيكون البيع واجبا».

و لو أراد إثبات مجرد الجواز كان عليه الاستدلال بوجه آخر لا بحرمة التضييع.

هذا توضيح ما في المقابس. و المصنف قدّس سرّه- مع اعترافه بأنّ مقتضى عبارة

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 139

فلا يرد (1) عليه (2) [1] «أنّه يدلّ على وجوب البيع».

و فيه: أن المحرّم (3) هو إضاعة المال

______________________________

التنقيح هو الوجوب لا الجواز- حمل قوله: «جائزا» على الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب أيضا. فلو أراد الفاضل من الجواز الوجوب- لا معناه الخاص و هو الإباحة- لم يرد عليه ما في المقابس، لابتناء إيراد صاحب المقابس على الجمود على ظاهر الجواز، و عدم إرادة الأعم منه و من الوجوب.

(1) هذا نتيجة إرادة الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، و قد عرفته آنفا.

(2) أي: على ما في التنقيح من قوله: «فيكون البيع جائزا».

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه فيما نقله عن التنقيح بوجهين، هذا أوّلهما، و عبارة المتن لا تخلو من إجمال- كما اعترف به المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1»- إذ لم يتضح منها أن مراده منع صغرى القياس أو كبراه، و إن كان صدر الكلام ظاهرا في منع الكبرى و على كلّ فينبغي توضيحها على كلا الاحتمالين.

فإن كان الغرض منع الصغرى- أي عدم صدق «الإضاعة» على ترك بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب- فبيانه: أنّ صدق مفهوم «الإضاعة» منوط بأمرين:

أحدهما: صدور فعل و تصرّف في المال يكون سببا لتلفه، فلا تصدق على ترك المال بحاله إلى أن يتلف بنفسه من جهة انتهاء استعداد بقائه، أو من جهة اخرى عارضة عليه موجبة لخرابه، كالخلف بين أرباب الوقف لو استلزم تلفه.

______________________________

[1] الإنصاف وروده عليه، ضرورة أن النتيجة لحرمة التضييع هي وجوب البيع لا جوازه، و حمل الجواز على معناه الأعم خلاف ظاهر الاستدلال المزبور.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 181

ص: 140

..........

______________________________

ثانيهما: كون المتصرّف مسلّطا شرعا على ما يتصرّف فيه، فلو لم يكن الشخص سلطانا على المال عقلا و شرعا لم يكن ترك التصرف فيه إضاعة و إتلافا له.

فإن قلت: تقدّم في الصورة الاولى الاستدلال بحرمة التضييع على تعيّن البيع، حيث قال: «و الأول- أي الإبقاء حتى يتلف- تضييع مناف لحق اللّه و حق الواقف و حق الموقوف عليه» «1» و المفروض أنّ الإضاعة و التضييع بمعنى واحد كما صرّح به غير واحد من أهل اللغة «2»، فإن صدق «التضييع» على ترك البيع هناك فلتصدق «الإضاعة» عليه هنا، و إن لم تصدق «الإضاعة» هنا فليمنع من صدق «التضييع» هناك.

قلت: و إن كان اللفظان بمعنى لغة، إلا أن الفارق بينهما أمران:

الأوّل: عموم «التضييع» لكلّ من الأمر الوجودي و العدمي، بخلاف «الإضاعة» فإنّ إضافتها إلى المال توجب الاختصاص بالفعل، و لا تشمل الترك.

و لعلّ المصنف استفاد هذه الخصوصية مما قيل في تفسير الخبر الناهي عن إضاعة المال، قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «أراد به الحيوان، أي: يحسن إليه و لا يهمل. و قيل إنفاقه في الحرام و المعاصي و ما لا يحبّه اللّه تعالى. و قيل: أراد به التبذير و الإسراف و إن كان في مباح» «3».

و نحوه- عدا الجملة الاولى- ما في اللسان. فالإحسان و الإنفاق و نحوهما امور وجودية، غير صادقة على الترك و الإهمال.

ثانيهما: عموم مفهوم «التضييع» عرفا لما إذا كان المال المضيّع داخلا تحت سلطان الشخص المتصرف، و خارجا عنه كالوقف الذي يكون الموقوف عليه

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 621

(2) مجمع البحرين، ج 4، ص 367. لسان العرب، ج 8، ص 231

(3) مجمع البحرين، ج 4، ص 367. لسان العرب، ج 8، ص 231

ص: 141

..........

______________________________

مسلوب السلطنة على البيع و سائر التصرفات الناقلة فيه.

و الوجه في عموم «التضييع» هو أن المفهوم منه عرفا مطلق إتلاف المال سواء أ كان بفعل أم بتركه، و سواء أ كان مسلّطا عليه شرعا أم غير مسلّط عليه. و لأجل هذا العموم قدّم المصنف في الصورة الاولى دليل حرمة التضييع على دليل منع بيع الوقف. و هذا بخلاف «الإضاعة» لأن كون المتصرف سلطانا على المال دخيل في صدقها.

و المفروض في المقام انتفاء الأمرين معا. فلم يصدر عمل من المتولي ليكون سببا لخراب الوقف، و إنّما ترك البيع. و كذا لم يكن المتروك- و هو البيع- مقدورا له شرعا، لوضوح أن عموم النهي عن بيع الوقف سالب للسلطنة على التصرفات الناقلة، و حينئذ فالمقام خارج موضوعا عمّا دلّ على حرمة إضاعة الأموال.

و إن كان الغرض منع الكبرى فمقصود المصنف: أن حرمة الإضاعة و إن كانت ثابتة في الجملة، إلّا أن عمومها للمال الذي لا سلطان للشخص عليه، و كان ممنوعا من التصرف فيه شرعا و من حفظه عن التلف غير ثابت. فلا بد من الاقتصار على المتيقن و هو إتلاف المال الذي لا منع شرعا من التصرف فيه.

ثمّ أورد المصنف قدّس سرّه نقضا على المستدلّ- و هو الفاضل المقداد قدّس سرّه- لا يمكن التزامه به، و هو أنّه لو قيل بصدق «الإضاعة المحرّمة» على ترك بيع الوقف، لزم الحكم بوجوب عمارة الأوقاف المشرفة على الخراب في موردين:

أحدهما: إمكان كلّ من العمارة و البيع، فيلزم تقديم العمارة على البيع، و لا يجوز تركها ثم بيع تلك الأوقاف.

ثانيهما: تعذر البيع، فيتعين إصلاح تلك الأوقاف.

و وجه لزوم العمارة في الموردين هو اقتضاء حرمة الإضاعة- الصادقة على تركها على حالها- وجوب حفظ المال المحترم عن التلف، مع أنه لا سبيل للحكم

ص: 142

المسلّط عليه (1)، لا ترك (2) المال الذي لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه، و إلّا (3) [1] لزم وجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخراب بغير (4) البيع مهما أمكن مقدّما على البيع، أو إذا لم يمكن البيع.

______________________________

بالوجوب. و هو كاشف عن عدم صدق «الإضاعة» على ترك المال على حاله حتى يتلف. هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي بيان الوجه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(1) هذه الجملة تكون أقرب إلى منع الكبرى، فالمحرّم ليس مطلق الترك، و لو لما لا سلطنة عليه، بل خصوص إضاعة المال المسلّط عليه.

(2) معطوف على «إضاعة». و هذه الجملة تلتئم مع منع الكبرى بناء على صدق «الاضاعة» على الترك، و لكنه غير محرّم من جهة سلب السلطنة على المتروك.

و كذا مع منع الصغرى، فليس الترك إضاعة بناء على دخل الفعل الوجودي فيها، فجواز الترك خارج موضوعا عن دليل حرمة الإضاعة. و لا يبعد ظهور قول المصنف: «إلى أن يخرب بنفسه» في منع صدق الإضاعة صغرويا.

(3) أي: و إن كان المحرّم إضاعة المال غير المسلّط عليه، لزم ... الخ. هذا بناء على الاستشهاد بالفرع المزبور لمنع عموم الكبرى. و إن كان لمنع ثبوت الصغرى فالمعنى: و إن كان ترك المال الذي لا سلطان له عليه- حتى يتلف- إضاعة لزم وجوب تعمير ... الخ.

(4) متعلق ب «تعمير» و المراد به بذل الموقوف عليهم مالا لعمارتها، و إن امتنع ذلك وصلت النوبة إلى بيعها و تبديلها. هذا إذا كان كل من العمارة و البيع ممكنا، فيقدم العمارة عليه.

______________________________

[1] يمكن منعه بأن يقال: إنّ هذا الوجوب مع عدم انتفاع المعمّر بما يعمّره من الموقوفة ضرري، فينفى بقاعدة الضرر.

ص: 143

و الحاصل (1): أنّ ضعف هذا الدليل بظاهره واضح.

و يتضح فساده (2) على

______________________________

و إن لم يمكن البيع تعين عمارة الوقف من أموال الموقوف عليهم، لا ترك الموقوفة بحالها حتى تخرب. مع أنه لا قائل بوجوب تعمير الأوقاف المشرفة على الخلاف، سواء أمكن بيعها أم لم يمكن، و هذا شاهد على عدم كون ترك العمارة إضاعة، أو عدم كونه إضاعة محرّمة.

(1) هذا حاصل أوّل وجهي المناقشة، الراجع إلى منع عموم كبرى حرمة الإضاعة، أو إلى منع كون ترك البيع صغرى لها.

(2) أي: فساد الدليل المذكور، و هذا ثاني وجهي المناقشة في دليل الفاضل المقداد قدّس سرّه، و هو مبني على القول باختصاص الثمن بالبطن الموجود، و عدم كونه- كالمبيع- مشتركا بين الجميع بأن يكون ملكا فعليا للموجودين، و شأنيا للمعدومين.

فلو قيل بالاشتراك لم يرد هذا على الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز البيع.

و توضيح الوجه الثاني: أنّ الإضاعة المحرّمة متحقّقة في المقام سواء بيع الوقف أم لم يبع. و ذلك لأنّ البيع و إن كان رعاية لحق البطن الموجود بحفظ ماله عن الضياع و التلف. إلّا أنه إضاعة بالنسبة إلى البطون اللاحقة، لحرمانهم من الوقف و بدله. و مقتضى حرمة إضاعة مالهم عدم جواز البيع ليختص الثمن بالموجودين.

و عليه فيلزم اجتماع حكمين في بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب:

أحدهما: الجواز لكون إبقائه على حاله إضاعة لمال الموجودين من الموقوف عليهم، و هي محرّمة.

و ثانيهما: الحرمة، لمنافاة البيع- و صيرورة الثمن ملكا طلقا للموجودين- لرعاية حق البطون المعدومة. و بهذا يسقط الاستدلال بحرمة الإضاعة على جواز البيع هنا.

و لا يخفى أن هذا الجواب يستفاد من تضاعيف كلمات صاحب المقابس قدّس سرّه

ص: 144

القول (1) بكون الثمن للبطن الموجود، لا غير.

و يتلوه (2) في الضعف ما عن المختلف و التذكرة و المهذّب و غاية المرام:

______________________________

قبل نقل كلام الفاضل السيوري و بعده، فراجع «1».

(1) فلو قيل باشتراك الثمن بين الجميع لم يلزم تعارض حرمة الإضاعة بالنسبة إلى الموجودين و المعدومين.

(2) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «بما عن التنقيح» و هذا ثالث الوجوه على جواز البيع. يعني: كما كان استدلال صاحب التنقيح ضعيفا، فكذا ما نقله صاحب المقابس عن العلّامة و ابن فهد و الصيمري قدّس سرّه. و استدل به في التذكرة و المختلف على جواز البيع مع خرابه و تعذر عمارته، أو خوف فتنة بين أربابه يوجب فسادا لا يستدرك، و ليس استدلالا على خصوص ما نحن فيه من خشية الخراب.

و لا يخفى أنّه تقدم في (ص 131) الفرق بين الغرض الذي أبطل المصنف مانعيته عن اقتضاء العمومات صحة البيع، و بين الغرض المستدل به على الجواز في كلام العلّامة قدّس سرّه و من تبعه، فإنّه مبني على وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى غرض الواقف أو على تعدد غرضه و مطلوبه حتى يكون البيع حافظا لمطلوبه أو لما هو أقرب من غرضه. و من المعلوم أن البيع حينئذ يكون مما يقتضيه نفس إنشاء الوقف، و لا حاجة معه إلى التمسك بعمومات صحة البيع كما استدل بها المصنف على جواز البيع.

و عليه فمحصل هذا الوجه: أن مقصود الواقف من حبس شخص ماله هو تسبيل ثمرته، فإن أمكن استيفاء المنفعة من نفس الوقف تعيّن، و إن تعذّر جاز للمتولي إخراج العين عن كونها وقفا و بيعها و تبديلها، تحقيقا لغرض الواقف.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 145

من أنّ الغرض (1) من الوقف استيفاء منافعه، و قد تعذّرت، فيجوز إخراجه عن حدّه (2)، تحصيلا للغرض

______________________________

فإن قلت: للواقف غرضان، أحدهما: حبس شخص المال، و ثانيهما: إطلاق منفعته و تسبيلها للموقوف عليهم. و حيث إنّ بقاء العين يؤدّي إلى التلف، دار الأمر بين رفع اليد عن خصوصية العين، و حفظ المنفعة الخاصة، و بين رفع اليد عن النفع الخاص و إبقاء العين الخاصة على وقفيّتها، و لا مرجّح للأوّل على الثاني، فلا مجوّز للبيع.

قلت: يتعيّن رفع اليد عن شخص الوقف، لوجود المرجّح، و هو عدم اقتصار غرض الواقف على الانتفاع بالشخص على نحو وحدة المطلوب، بل مقصوده من الوقف الانتفاع بالشخص مهما أمكن، و إلّا فبما هو أقرب من مماثل أو غير مماثل.

و الحاصل: أن الغرض الأصلي استيفاء المنافع، و تعذره لا يوجب إبقاء العين على حالها، لأن تركها كذلك تفويت للغرض الأصلي من الوقف.

و نظيره ما ورد به النص في ما لو ساق الحاج القارن هديا لينحره بمنى، فعطب في الطريق و تعذّر وصوله إليه، فينحر في مكانه، لينتفع به. و هذا من موارد الدوران بين إبقاء العين على حالها ليكون تضييعا للمال على مستحقيه، و بين إسقاط الشرط و هو خصوصية المكان، فينحر في محل العطب، و لا ريب في رجحان الثاني على الأوّل.

(1) يعني: أن الغرض الأصلي من وقف عين هو استيفاء منافعها، فوقف شخص العين و إن كان متعلقا للغرض أيضا، إلّا أنه تبعي، فيرفع اليد عنه حفظا للغرض الأصلي.

(2) حدّ الوقف هو المنع من التصرفات الناقلة ما دام عامرا، فإذا تعذرت المنافع جاز إبطال وقفيتها و أن يعامل معها معاملة الملك الطّلق.

ص: 146

منه (1). و الجمود (2) على العين مع تعطيلها تضييع للغرض. كما أنه لو تعطل (3) الهدي ذبح في الحال و إن اختصّ بموضع (4)، فلمّا تعذّر مراعاة المحلّ ترك مراعاة الخاص المتعذّر «1».

و فيه (5): أنّ الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف،

______________________________

(1) أي: من الوقف، و قوله: «تحصيلا» مفعول لأجله علّل به قوله: «فيجوز إخراجه».

(2) هذا دفع دخل مقدر، تقدم توضيحها بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(3) كذا في نسختنا، و في المقابس «عطلت» و الصحيح كما في المختلف و التذكرة «عطب».

و غرض العلّامة من ذكر هذا الفرع الاستشهاد به على لزوم حفظ الغرض الأصلي و لو بإسقاط ما هو شرط فيه. قال في التذكرة: «و لو عطب الهدي في مكان لا يجد من يتصدّق عليه فيه، فلينحره، و ليكتب كتابا، و يضعه عليه، فيعلم المارّ به أنّه صدقة ...» «2».

(4) و هو مكة زادها اللّه شرفا للمعتمر، و منى للحاج «3».

(5) الأولى أن يقال: «إذ فيه» ليكون تعليلا لقوله: «و يتلوه في الضعف».

و كيف كان فحاصل المناقشة: منع تعدد غرض الواقف و مطلوبه بحيث يكون هناك مطلوبان، يقوم أحدهما بنفس العين الموقوفة ما دام الانتفاع بها ممكنا، و الآخر ببدلها إن لم يمكن الانتفاع بشخصها، فإذا تعذر المطلوب الأول تعيّن الثاني.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 288؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444 (الحجرية)؛ المهذب البارع، ج 3، ص 66؛ غاية المرام (مخطوط)

(2) تذكرة الفقهاء، ج 8، ص 289، و لاحظ- للتوسعة في البحث- جواهر الكلام، ج 19، ص 199- 203

(3) شرائع الإسلام، ج 1، ص 263

ص: 147

لأنّه الذي دلّ عليه صيغة الوقف، و المفروض تعذّره (1)، فيسقط (2). و قيام (3)

______________________________

و وجه المنع قصور مقام الإثبات، لأن اللازم مراعاة ما أنشأه الواقف حين الوقف، لا الغرض الداعي إليه و إن لم يحوه الإنشاء، و من المعلوم أن المنشأ وقفية شخص العين، لأن قوله: «وقفت هذا البستان» لا يدل إلّا على وقفية شخص البستان المشار إليه، و لا يدل على وقفية بدله على تقدير تعذر الانتفاع بالمبدل، و لو فرض كون هذا المعنى غرضا للواقف، إلّا أنّه لا دليل على لزوم مراعاته ما لم يقع في حيّز الإنشاء.

و منه يظهر عدم الوجه في وجوب مراعاة ما هو أقرب إلى غرض الواقف.

و تقدم نحو هذا الكلام من المصنف قدّس سرّه في الصورة الاولى، مضافا إلى منع الصغرى، لتعدد أغراض الواقفين، و عدم انضباطها، فراجع «1».

و ليعلم أن منع الاستدلال بحفظ غرض الواقف لا يخلو من تعريض بصاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه بعد نقل كلام العلّامة استجود استدلاله بالجملة الثانية- و هي قوله: «و الجمود على العين ...»- على جواز البيع فيما لو أدّى بقاء الوقف إلى الخراب «2». و حينئذ فمنع المصنف قدّس سرّه لزوم رعاية الأغراض مطلقا ردّ عليه.

(1) هذا الضمير و ضميرا «لأنه، عليه» راجعة إلى استيفاء المنافع من شخص الموقوف.

(2) أي: فيسقط غرض الواقف من الوقف.

(3) مبتدء، خبره «فرع الدليل» و غرضه منع قول العلّامة: «فيجوز إخراجه عن حدّه تحصيلا للغرض منه». وجه المنع: أن قيام غرض الواقف بالانتفاع بالنوع و المالية و إن كان محتملا، لكن لا دليل على وجوب رعاية ما هو أقرب إلى غرضه، مع عدم أخذه في الإنشاء، إذ يكون الغرض المزبور داعيا، و لا يجب مراعاة الدواعي،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 652- 653

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 148

الانتفاع بالنوع مقام الانتفاع بالشخص- لكونه أقرب إلى مقصود الواقف- فرع الدليل على وجوب اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف بعد تعذّر أصل الغرض.

فالأولى (1) منع جريان أدلّة المنع مع (2) خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و جعل ذلك (3) مؤيّدا.

و أمّا المنع (4)

______________________________

لأن مدلول «الوقوف و أوفوا» و نحوهما إمضاء الإنشاءات خاصة.

(1) هذا نتيجة بطلان ثالث الوجوه على جواز البيع، و ينحصر الدليل في العمومات المقتضية للصحة بعد دفع الموانع عنها من الإجماع و حق الواقف و الأدلة اللفظية.

نعم لا بأس بجعل رعاية غرض الواقف مؤيّدا للجواز بعد نهوض حجة عليه.

و وجه صلاحيتها للتأييد موافقة جماعة ممّن اعتبر شراء المماثل للوقف مستدلا عليه «بكونه أقرب إلى غرض الواقف» كما تقدم مبسوطا في الصورة الاولى، فراجع «1».

(2) متعلق ب «منع» و هو يفيد الظرفية هنا، أي: عند خوف الخراب.

(3) أي: جعل اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف مؤيّدا.

(4) معطوف على: «أما الجواز ...» المتقدم في (ص 130) و هذا شروع في إثبات الدعوى الثانية، و هي منع بيع الوقف في نقص المنفعة، و في الصورة الثامنة و التاسعة و العاشرة. و استدل المصنف قدّس سرّه بوجهين:

أحدهما: اجتهادي، و هو ما دل على عدم جواز بيع الوقف، و المذكور منه في المتن نصوص ثلاثة.

و ثانيهما: فقاهي، و هو الاستصحاب، و سيأتي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 652- 653

ص: 149

في غير هذا القسم (1) من الصورة السابعة و فيما عداها من الصور اللاحقة لها، فلعموم (2) قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك» فإنّ (3) ترك الاستفصال فيه (4) عن علم (5) المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض

______________________________

(1) المراد بهذا القسم هو خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، و قد سبق الكلام فيه مفصّلا، و المراد بالغير هو الخراب الموجب لقلّة المنفعة، لا سقوطها بالمرّة.

(2) جواب الشرط في «و أما المنع» و تقدم توضيح دلالة معتبرة ابن راشد على منع بيع الوقف في أوّل المسألة و في الصورة الاولى، فراجع «1».

و محصله: أن النهي عن شراء الوقف وقع جوابا عن سؤال ابن راشد عن حكم شراء أرض موقوفة أمكن الزرع فيها و إن لم تكن مزروعة بالفعل، و لم يستفصل عليه السّلام من السائل عن كونه عالما بأنّ البائع أقدم على بيعها مع عدم حصول مجوّز له- من أداء بقاء إلى ضرر مالي عظيم، أو إختلاف بين أرباب الوقف يخشى وقوع فتنة يستباح بها الأموال و الأنفس، و نحوهما- أم كان السائل جاهلا بحال البائع، و مقتضى عدم علمه به هو حمل فعل البائع على الصحة بوجود المسوّغ للبيع بنظره. و مقتضى ترك الاستفصال تمامية الإطلاق في النهي عن شراء الوقف ما دام له غلّة ينتفع أهل الوقف بها، و إن نقصت عن سائر الحالات و الأزمنة.

و لا فرق في منع البيع بين كون بقاء الوقف مؤديا إلى الخراب أو الاختلاف أو ضرر آخر، و بين عدم الأداء إلى شي ء منها.

(3) هذا بيان العموم المراد به الشمول سواء أ كان وضعيا أم حكميّا.

(4) أي: في قوله عليه السّلام: «و لا يجوز» أي: ترك الاستفصال في الخبر.

(5) متعلق ب «الاستفصال» يعني: أن المشتري كان عالما بعدم حصول مجوّز البيع للبائع.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 511 و 614

ص: 150

الوجوه المجوّزة، و عدمه (1)- الموجب (2) لحمل فعل البائع على الصحة- يدلّ (3) على أنّ الوقف ما دام له غلّة (4) لا يجوز بيعه.

و كذا (5) قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها». و ما دلّ (6) على «أنّه يترك حتى يرثها وارث السماوات و الأرض».

______________________________

(1) معطوف على «علم المشتري» و عدل له، يعني: ترك الاستفصال عن علم المشتري بحال البائع، أو عن جهله به.

(2) صفة ل «عدمه» لأن عدم إحراز حال البائع موضوع لقاعدة حمل فعله على الصحة، و جواز بيع الوقف.

(3) خبر قوله: «فإنّ ترك».

(4) كما هو مفروض المقام من أداء بقاء الوقف إلى نقص المنفعة، لا سقوطها عنها رأسا.

(5) معطوف على «عموم» فكأنه قال: «و أما المنع فلقوله عليه السّلام: الوقوف» و تقريب دلالته: أنه لا شك في كون مدلول إنشاء الواقف حبس العين عن التصرفات الناقلة، سواء اختلف الموقوف عليهم في الانتفاع بها أم لا، و سواء أدّى الخلف بينهم إلى تضرر الموقوفة أو تلف مال آخر أو تلف نفس محترمة، أم لا. و مقتضى كون حديث «الوقوف» دليلا على إمضاء مجعولات الواقف- من الكيفيات المرسومة في صيغة الوقف- هو عدم جواز بيعها ما دامت ذات منفعة، و إن أدّى بقاؤها إلى نقصها أو إلى ضرر آخر، هذا.

(6) معطوف أيضا على «لعموم» و هذا هو النص الثالث الدال على منع البيع، و مضمون «صدقة حتى يرثها وارث السماوات و الأرض» ورد في صورة أوقاف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين و غيره، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه- بقرينة الإتيان بكلمة «يترك»- هو الخبر الحاكي لوقف مولانا الكاظم صلوات اللّه و سلامه عليه، المتكفل لحكم الموقوفة بعد انقراض الموقوف عليهم، و أنّها تبقى صدقة جارية

ص: 151

هذا كلّه، مضافا إلى الاستصحاب (1)

______________________________

فلا يجوز بيعها، كقوله عليه السّلام: «فإذا انقرض ولد أبي و لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأوّل فالأوّل حتى يرثها اللّه الذي رزقها ...» «1». فالأمر بتركها صدقة ينفي جواز بيعها بطروء حالة عليها.

(1) هذا ثاني وجهي منع البيع في الصور المزبورة، و هو مبني على رفع اليد عن إطلاق النصوص المتكفلة للحكم، و تقريبه: أنه لا ريب في عدم جواز بيع الوقف قبل عروض الطوارئ- من خوف الفتنة و تلف المال و الفساد- و يشك في ارتفاع الحرمة بحصول الاختلاف و شبهه، و مقتضى حجيّة الاستصحاب في الشك في الرافع و في رافعية الموجود البناء على المتيقن السابق، لكون المقام من صغريات تخصيص العموم في زمان، و الشك بعده في بقاء حكم المخصّص أو ارتفاعه، مع كون الزمان ظرفا، لا مفرّدا و مكثّرا لأفراد العام. و في مثله يدور الأمر بين الرجوع إلى العام لحجية إطلاقه الأزماني و الأحوالي، و بين استصحاب حكم المخصّص.

و قد بنى المصنف قدّس سرّه في الاصول على مرجعية الاستصحاب فيما عدا زمان تيقّن التخصيص، دون العام، لامتناع دخول الفرد الخارج منه فيه مرّة اخرى، و طبّقه على استصحاب جواز العقد الغبني لو لم يأخذ المغبون بالخيار فورا، فإنّ الخارج من عموم أصالة اللزوم فرد واحد و هو البيع الغبني، و يستصحب تزلزل العقد في ما عدا المتيقن من زمان التخصيص، و يحكم بكون خيار الغبن على التراخي.

و تطبيق هذه الكبرى على المقام هو: أنّ عموم حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود قد خصّص بمثل مكاتبة ابن راشد بمجرد طروء عنوان «الوقف» على المال، و لا ريب في فساد بيعه ما دام عامرا ينتفع به، و لم يكن هناك خلف و لا فتنة بين أربابه، و يشك في حكم الوقف بعروض ما يحتمل كونه مجوّزا للبيع. و منشأ الشك

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 314، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 5، و لاحظ أيضا ص 304، الحديث: 3 و 4

ص: 152

في جميع هذه الصور [1]،

______________________________

إهمال الدليل المخصّص أو إجماله من حيث شموله للحالات الطارئة و عدمه. و حيث إنّه لا مجال للرجوع إلى الدليل الاجتهادي- سواء أ كان هو العام أو الخاص- فالمتعيّن التمسك باستصحاب منع بيع الوقف، هذا.

______________________________

[1] أورد المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه عليه تارة بمنع المبنى، و أنّ المرجع في مثل المقام هو عموم وجوب الوفاء بالعقود بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراده، و من جملته عقد البيع الواقع على العين الموقوفة، و الخارج من العموم هو الوقف الخالي عن العوارض التي يشك في مسوّغيتها للبيع. و أما البيع بعد عروض الطوارئ فيجب الوفاء بمقتضى العموم.

و اخرى بمنع البناء بعد تسليم المبنى، لكون المقام من موارد الشك في التخصيص الزائد الذي لا ريب في مرجعية أصالة العموم فيه حتى عند شيخنا الأعظم قدّس سرّه.

و بيانه: أن المخصص لعموم وجوب الوفاء- و هو النهي عن شراء الوقف- يثبت المنع لموضوعه المقدر وجوده كما هو شأن القضايا الحقيقية، و ذلك الموضوع هو الوقف الذي لم يطرأ عليه ما علم كونه مسوّغا للبيع كالخراب الفعلي، و لا ما يشك في مسوّغيته له. فمفاد النهي حينئذ هو: أنه لو انشى ء شراء الوقف لم يكن نافذا. و لكن المفروض عدم تحقق البيع حال ثبوت الموضوع حتى يستصحب، و إنّما يراد البيع بعد عروض ما يشك في كونه مسوّغا له شرعا، و من المعلوم أن عقد البيع الواقع بعد عروض تلك العوارض مغاير و مباين لما اخذ في دليل المخصص من البيع الواقع قبل عروضها، و الخارج من عموم الأمر بالوفاء هو البيع المقدر وجوده قبل طروء الحالات، و أما البيع بعده فموضوع آخر مقدر الوجود أيضا، و هو مشكوك الخروج عن العام، فيرجع إليه، لأنه شك في تخصيص زائد على ما علم مخصصيته للعام.

ص: 153

و عدم الدليل الوارد (1) عليه عدا المكاتبة (2) المشهورة- التي انحصر تمسّك كلّ

______________________________

(1) المراد بالورود هنا التقدم الصادق على الحكومة المصطلحة التي بنى المصنف عليها في تقدم الأمارات على الاصول العملية. نعم يتجه التعبير بالورود عند من يرى اليقين و الشك في أخبار الاستصحاب بمعنى الحجة و اللاحجة، و الأمر سهل.

(2) هذا رابع الوجوه المستدلّ بها على جواز البيع في الصورة السابعة- بقسميها- و التالية لها. و المستدل بها في مجموع الصور جماعة، إلّا أن كلّا منهم بحسب استظهاره منها استدل بها على ما ذهب إليه من جواز البيع في الجملة، و سيأتي تقريب دلالتها على كل واحدة من تلك الصور.

قال المحقق الشوشتري- بعد نقل المكاتبة و عدّها دليلا ثالثا للجواز- ما لفظه:

«و هذا الخبر بنفسه- أو مع ضمّ غيره إليه صالح في الجملة للاستناد به لجميع الأقوال السابقة. فمن اعتبر وقوع الاختلاف نظر إلى قوله: إن كان قد علم ... الخ» فراجع «1».

______________________________

و لا يقاس المقام بالبيع الغبني، فإنّه فرد واحد خارج من عموم أصالة اللزوم، و لما كان المخصص مجملا كان موردا للبحث عن الرجوع- في ما عدا المتيقن- إلى العام أو استصحاب حكم المخصّص. هذا.

و يظهر من المحقق الأصفهاني قدّس سرّه تقرير هذا الإيراد على المتن «2».

و ثالثة بأنّه أخصّ من المدّعى، إذ قد يختل ركن اليقين السابق، فلا موقع للاستصحاب حينئذ، كما إذا كان بعض تلك العوارض موجودا من أوّل الأمر، و هو غير مانع عن تحقق الوقف قطعا، فلا يقين بمنع شراء الوقف حتى يستصحب. هذا «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 274

(3) حاشية المكاسب، القسم الثاني، ص 41

ص: 154

من جوّزه في هذه الصور فيها (1)- و هي مكاتبة ابن مهزيار، قال: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام: أنّ فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها، و جعل لك في الوقف الخمس، و يسأل [و يسألك] (2) عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها (3) [به]

______________________________

و عدّ صاحب الجواهر قدّس سرّه هذه المكاتبة هي العمدة من الأخبار المجوّزة للبيع، و منها اختلفت أفهامهم و اضطربت أقوالهم «1».

و كيف كان ففي هذه الرواية جهتان: إحداهما: السند، و الاخرى الدلالة.

و لا ريب في صحة السند بطريق ثقة الإسلام و الصدوق و شيخ الطائفة. فرواها في الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، و عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، جميعا عن علي بن مهزيار. و لو صعب أمر سهل لم يكن غمز في الطريق الآخر.

كما لا ريب في طريق الصدوق، لأنه رواها باسناده عن العباس بن معروف عن عليّ بن مهزيار.

و كونها مكاتبة غير قادح في حجيتها كما قرر في محله، فلا وجه لتقديم أدلة منع البيع عليها من هذه الجهة. خصوصا مع شهرتها رواية بل و عملا، كما سيظهر، فلا مجال لرميها بالإعراض عنها. نعم للبحث الدلالي مجال واسع كما سيأتي في المتن.

ثم إن هذه المكاتبة تتضمن سؤالين، و المقصود الاستدلال بالسؤال الثاني على الجواز في الصور الأربع.

(1) متعلق ب «انحصر» و الضمير راجع إلى المكاتبة.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ كما في الوسائل و غيره: «و يسأل».

(3) كذا في نسختنا، كما في الوسائل، و لكن في بعض النسخ كالكافي زيادة كلمة «به».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 367

ص: 155

أو يدعها موقوفة (1)؟ فكتب إليّ: أعلم فلانا أنّي آمره ببيع حصّتي من الضيعة، و إيصال ثمن ذلك إليّ، إنّ (2) [و إنّ] ذلك (3) رأيي إن شاء تعالى، أو يقوّمها (4) على نفسه إن كان ذلك (5) أوفق له».

قال (6): «و كتب (7) [و كتبت] إليه: أنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم بقيّة (8) هذه الضيعة اختلافا شديدا، و [أنّه] (9) ليس يأمن

______________________________

(1) ظاهر هذه الجملة- بعد الإخبار بشراء ضيعة فأوقفها و جعل خمسا منها للإمام عليه السّلام- السؤال عن أنه هل يجوز نقل حصّة الإمام عليه السّلام إلى نفسه أو إلى غيره و إيصال الثمن إليه عليه السّلام، أم لا يجوز ذلك، فيجب إبقاؤها موقوفة؟

و يحتمل في جعل الخمس له عليه السّلام الوصية به، لإطلاق الوقف عليها، كما يحتمل فيه الوقف المصطلح.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ و الوسائل: «و إنّ».

و حاصل الجواب: الأمر ببيع حصة الإمام عليه السّلام إمّا من أجنبي أو من نفس الشخص الذي خصّ خمس الضيعة به عليه السّلام و إيصال الثمن إليه عليه السّلام.

(3) أي: بيع الحصة و إيصال الثمن إليه رأيه عليه السّلام.

(4) أي: يقوّم الحصة على نفسه، بأن يشتريها لنفسه من الإمام عليه السّلام وكالة عنه.

(5) أي: إن كان التقويم على النفس أوفق له.

(6) يعني: قال عليّ بن مهزيار: «و كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام مسألة اخرى، و هي وقوع خلف بين أرباب الوقف.

(7) كذا في نسختنا، و لكن في بعض النسخ كما في الوسائل: «و كتبت».

(8) هذه الكلمة موجودة في الكافي و التهذيب و الإستبصار، و لم ترد في الفقيه و الوسائل، و المراد وقوع الخلف بين أرباب الضيعة الموقوفة، و هي أربع أخماسها لاختصاص خمسها بالإمام الجواد عليه السّلام.

(9) لم ترد «أنه» في نسختنا، و أثبتناها عن بعض النسخ، كما في المصادر

ص: 156

أن يتفاقم (1) ذلك بينهم بعده. فإن كان (2) ترى أن يبيع هذا الوقف، و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من (3) ذلك، أمرته.

فكتب (4) بخطّه: و أعلمه أنّ رأيي: إن كان قد علم الاختلاف بين (5) أرباب الوقف أنّ (6) بيع الوقف

______________________________

الحديثية. و الظاهر أن الجملة عطف تفسير للاختلاف الشديد، يعني: يخاف من بلوغ منازعة أهل الوقف- إلى مرتبة عظيمة- أن يتوتر فيها الأمر.

(1) قال في اللسان: «و تفاقم الأمر، أي: عظم» «1» يعني: يشتدّ النزاع بعد إختلاف أرباب الوقف.

(2) هذا سؤال ابن مهزيار منه عليه السّلام عن أنه لو جاز للواقف- في حالة وقوع الخلف بين الموقوف عليهم- البيع، فليأمر عليه السّلام ذلك الرجل بالبيع، و جعل الثمن حصصا بعدد الموقوف عليهم، و دفعها إليهم.

(3) متعلق ب «يدفع» و المشار إليه هو الثمن، فلو كان الموقوف عليهم عشرة أشخاص قسّم الثمن عشرة أجزاء، و دفع إلى كلّ منهم حصّته.

(4) معطوف على «و كتبت إليه» و الضمير المستتر راجع إلى الإمام عليه السّلام، و المكتوب إليه هو علي بن مهزيار. و تقدير الكلام: أن الراوي عن ابن مهزيار- و هو العباس بن معروف أو أحمد بن محمد بن عيسى- قال: إن الإمام كتب إلى ابن مهزيار: و أعلمه ... الخ. و الجواب منقول عن ابن مهزيار بالمعنى، إذ لو كان منقولا باللفظ كان المناسب تعبير ابن مهزيار ب «كتب إليّ» لا «فكتب إليه».

(5) كذا في نسخ الكتاب، و لكن الموجود في الوسائل و الكافي و التهذيب و الفقيه «ما بين أصحاب الوقف».

(6) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في الفقيه بزيادة «الواو» و لكن في

______________________________

(1) لسان العرب، ج 12، ص 457

ص: 157

أمثل (1) [فليبع] (2)، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» الخبر (3) «1».

حيث (4) إنّه يمكن الاستدلال للجواز بها

______________________________

الكافي و التهذيب و الوسائل بصيغة المضارع لا المصدر، و الجملة خبر قوله: «أن رأيي».

فعلى الأوّل يكون البيع اسم «إنّ» و خبره «أمثل». و على الثاني يتأوّل الفعل المضارع مع «أن» بالمصدر، فيكون مبتدء، و المعنى: «أن رأيي بيع الوقف أمثل».

(1) و هو الأفضل «2»، و المراد به كون البيع خيرا للموقوف عليهم من إبقاء الوقف على حاله، و لا يبعد انسلاخه عن التفضيل هنا، إذ لا خير في الإبقاء بملاحظة التعليل بخوف تلف الأموال و النفوس.

(2) لم ترد هذه الكلمة في نسختنا و الوسائل و التهذيب و الكافي، و وردت في بعض النسخ كما في الفقيه. فإن ثبتت فهي جواب الشرط في «فإن كان» و إن لم تثبت فالجواب محذوف اقيم علته مقامه.

(3) كذا في نسختنا، و هي مستغنى عنها، لكون المنقول تمام المكاتبة لا بعضها.

(4) هذا بيان لما أجمله بقوله: «تمسّك كلّ من جوّزه» من تقريب الاستدلال بالمكاتبة لكل واحدة من الصور المتقدمة. و ليس مقصوده قدّس سرّه عدم وفاء المكاتبة بإثبات جواز البيع في القسم الأوّل من الصورة السابعة، و ذلك لأنّ التمسك بها للجواز في أداء البقاء إلى قلة المنفعة و نقصها يقتضي الاستناد إليها في أدائها إلى

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 36، الحديث 30؛ التهذيب، ج 9، ص 130، الحديث: 4 من أبواب الوقوف و الصدقات؛ الاستبصار، ج 4، ص 98؛ الوسائل، ج 23، ص 304- 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 5 و 6

(2) لسان العرب، ج 11، ص 613

ص: 158

في القسم الثاني (1) من الصورة السابعة، بناء (2) على أنّ قوله: «فإنه ... الخ»

______________________________

سقوطها بالمرّة. و يشهد لاستدلالهم بها في القسم الأوّل كلام صاحب المقابس المتقدم في (ص 154)، و من الأقوال التي نقلها عن جماعة هو قوله: «ثالثها: أنه يصحّ إذا وقع بينهم خلف بحيث يخشى خرابه مع بقائه على حاله» «1».

(1) و هو خراب الوقف الموجب لقلة المنفعة.

(2) توضيحه: أنّ الاستتدلال بهذه المكاتبة على المقصود- و هو بيع الوقف المؤدّي بقاؤه إلى الخراب الذي تقلّ معه المنفعة- منوط بتسليم مقدمات:

الاولى: أن يكون قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس علّة لقوله عليه السّلام: «فليبع» حتى يكون المدار في جواز البيع على صيرورة الوقف معرضا للخراب، ليتعدّى من المورد- و هو الاختلاف- إلى غيره مما يوجب تلف الوقف. فلو كان قوله عليه السّلام: «فإنّه» حكمة للبيع اختصّ بالمورد، إذ التعميم و التخصيص من شئون العلّة لا الحكمة.

الثانية: أن تكون: «ربما» في قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما» دالة على الخوف الناشئ عن العلم أو الظن بالخراب لتنطبق على كلمات القوم، حيث عبّروا عما نحن فيه بالخوف و الخشية و نحوهما.

الثالثة: أن يكون المراد ب «تلف الأموال» تلف الأعيان الموقوفة، لا كلّ مال و إن لم يكن مرتبطا بالوقف.

الرابعة: أن يكون تلف المال- بمقتضى إطلاقه- أعم من تلف تمام الوقف و سقوطه عن المنفعة رأسا- كما في القسم الأوّل من الصورة السابعة- و من تلف بعضه و قلّة المنافع، كما في القسم الثاني منها.

الخامسة: أن يكون تمام المناط في جواز البيع خصوص تلف الوقف، لا هو

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 56

ص: 159

تعليل (1) لجواز البيع في صورة الاختلاف، و أنّ (2) المراد بالمال هو الوقف، فإنّ (3) ضمّ النفوس إنّما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على الاختلاف، لا أنّ (4) المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفى. فيكون حاصل التعليل

______________________________

منضمّا إلى تلف النفوس، بحيث يكون المجموع مجوّزا واحدا للبيع، إذ- بناء على اعتبار الانضمام- لا تنطبق المكاتبة على المدّعى، و هو خشية أداء بقاء الوقف إلى خصوص قلة المنفعة، لا تلف النفوس.

فإن قلت: مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» ترتب جواز البيع على خوف تلفهما معا، و عدم كفاية تلف المال خاصة، فالرواية أجنبية عن المقام.

قلت: لا ظهور للعطف في اعتبار اجتماع الأمرين في جواز البيع، بل المراد ترتب الحكم على كلّ منهما بالاستقلال، فهو نظير قول القائل: «هذا الطريق غير مأمون فلا تسلكها لما فيها من خوف تلف المال و النفس» فلا يستفاد عرفا منه ضمّ خوف هلاك النفس إلى تلف المال.

فالمتحصل: دلالة المكاتبة على هذه المقدمة أيضا.

(1) إشارة إلى المقدمة الاولى.

(2) إشارة إلى المقدمة الثالثة. و تقدّم في نقل الأقوال أنّ المحقق الثاني استظهره من المكاتبة، فراجع «1».

(3) كذا في النسخ، و لا يبعد أن يكون «و أنّ» بالواو ليكون عطفا على «و أن المراد» لوضوح كونه مطلبا مستقلا عن كون المال المتلف هو الوقف.

أو يقال: «و أن المراد تلف المال خاصة، و هو الوقف» حتى يلتئم مع تعليله ب «فإنّ ضمّ ...».

(4) إشارة إلى المقدمة الخامسة.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 569، و لاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 160

بالمكاتبة: أنّه كلّما (1) كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.

و فيه (2): أنّ المقصود جواز بيعه إذا أدّى بقاؤه إلى الخراب علما

______________________________

(1) هذه الكلية مستفادة من العلية المنصوصة، لأنّها كبرى للمورد بحسب الشكل الأول، و من المعلوم اعتبار كلية الكبرى فيه، فكأنّه قيل: الاختلاف موجب لخراب الوقف، و كل موجب له يجوّز بيعه، فالاختلاف يجوّز بيعه.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في القسم الثاني من الصورة السابعة بوجوه ثلاثة:

الأوّل: عدم انطباق الدليل على المدّعى، و بيانه: أنّ المقصود إثبات جواز البيع في صورة العلم أو الظن بتأدية بقاء الوقف إلى الخراب و قلّة منافعه، كما تقدم في عنوان هذه الصورة، و هو المعبّر عنه بالخشية تارة و بالخوف اخرى، و من المعلوم إناطة صدقهما بوجود أمارة مورثة للظن أو الاطمئنان بكون البقاء عرضة لتلف المال و النفس، و لا يكفي مجرّد الاحتمال الموهوم.

و الشاهد على اعتبار الأمارة الظنية- و عدم كفاية الوهم- ملاحظة بعض موارد إطلاق هذه الكلمة، كقولهم بوجوب الإفطار مع خوف الضرر، و بحرمة السفر مع خوف الهلاك.

و لكن الدليل- أعني به التعليل الوارد في المكاتبة- يفيد شيئا آخر، و هو جواز البيع عند الاحتمال الموهوم بالتلف، و ذلك لظهور كلمة «ربما» في الأعم من الوهم و الشك و الظن، و لا يختص بما إذا كان مدخولها مظنونا. و لازم الأعمية هو الحكم بجواز البيع حتى لو كان احتمال أداء بقاء الوقف إلى التلف مرجوحا، و احتمال عدم أدائه إليه راجحا. مع أنه لا سبيل للالتزام بالجواز في الاحتمال الضعيف كما لم يلتزم المجوّزون به، بل خصّصوه بالعلم و الظن، هذا.

و الحاصل: أن المدّعى جواز البيع عند خوف أداء بقاء الوقف إلى الخراب و قلة المنفعة، و عدم جوازه في الاحتمال الموهوم و الشك. و التعليل ب «فإنه ربما»

ص: 161

أو ظنّا (1)، لا مجرّد كونه (2) ربما يؤدّي إليه- المجامع (3) للاحتمال المساوي أو المرجوح، على ما هو الظاهر من لفظة «ربما» (4) [1] كما لا يخفى على المتتبّع

______________________________

يدل على الجواز في الجميع، و لا يمكن الالتزام به، فلا بد من رفع اليد عن المكاتبة و التماس دليل آخر على الحكم.

هذا توضيح الوجه الأوّل، و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) إذ الخوف حالة نفسانية تحصل بالعلم أو الظن بالمخوف، لا بالأعم منهما و من الشك و الوهم.

(2) أي: كون البقاء ربما يؤدي إلى الخراب و لو احتمالا موهوما.

(3) صفة ل «مجرّد كونه». و المراد بمجرد الأداء مطلقه، سواء أ كان معلوما أو مظنونا أو مشكوكا فيه أو موهوما.

(4) يعني: أن إرادة الاحتمال المساوي و المرجوح نشأت من ظهور «ربما» في الأعم. و لعلّ منشأه ما نسب إلى بعض النحاة من: «أنّ ربّ للتقليل و كم للتكثير، فلا يقال: ربما رأيته كثيرا» «1».

______________________________

[1] هذا في غاية الغرابة، فإن كلمة «ربما» عند أهل العربية تدل على قلة مدخولها وجودا، كما في قولك: «ربّ رجل كريم لقيته» يعنى أن الكرام الذين لقيتهم قليلون بالنسبة إلى الرجال الكرام الذين لم ألقهم. في مقابل «كم» الخبرية التي تدل على الكثرة. و قد تستعمل «ربّ» بالتشديد مع «ما» أو بدونها في الكثرة.

قال في شرح الجامي: «و ربّ للتقليل أي لإنشاء التقليل، و لهذا وجب لها صدر الكلام، كما أن- كم- وجب لها صدر الكلام، لكونها لإنشاء التكثير ...» «2».

______________________________

(1) لسان العرب، ج 1، ص 408

(2) شرح الجامي، ص 338، طبعة بمبئي 1319

ص: 162

لموارد استعمالاته- و لا أظنّ (1) أحدا يلتزم بجواز البيع بمجرّد احتمال أداء بقائه إلى الخراب، لأنّ (2) كلمات من عبّر بهذا العنوان- كما عرفت- بين (3)

______________________________

(1) هذا هو الإشكال على الاستدلال، يعني: أن ظهور المكاتبة معرض عنه، لعدم التزامهم بجواز بيع الوقف عند الشك في أن بقاءه يفضي إلى الخراب، فضلا عن الوهم. و من المعلوم سقوط الرواية الصحيحة سندا عن الحجية بترك العمل بظاهرها.

(2) تعليل لعدم الظن بالالتزام، و حاصله: الاستشهاد بكلام المجوّزين على اختصاص جواز البيع بالعلم بالأداء أو خوفه، و عدم شموله للاحتمال.

(3) خبر «لأنّ» يعني: أنّ تعبير المجوزين يكون إمّا «الأداء» الظاهر في

______________________________

هذا مضافا إلى التأمل في أصل الدعوى. قال ابن هشام: «و ليس معناها التقليل دائما، خلافا للأكثرين. و لا التكثير دائما، خلافا لابن درستويه و جماعة، بل ترد للتكثير كثيرا و للتقليل قليلا ...» فراجع «1».

و على كل تقدير لا تدل «ربما» على الاحتمال المتساوي أو المرجوح، بل تدل على وجود مدخولها قليلا أو كثيرا. فعليه يمكن دعوى العلم بتحقق مدخولها.

و لعلّ من عبّر بالخوف- كما تقدم في كثير من العبارات المتعلقة بالمقام- غرضه العلم بالخراب.

و كيف كان، فمناقشة المصنف في معنى «ربّ» ضعيفة جدّا.

فالإنصاف أن كلمة «ربما» تدل على وقوع محذور تلف المال و النفس عند إختلاف أرباب الوقف.

و يمكن تأييد دلالتها على الوقوع بمجي ء الماضي و هو- جاء- بعدها، حيث إن الماضي يدل على تحقق النسبة، فكأنّ الفعل المحقق الوقوع نزّل منزلة الماضي، فأخبر عن وقوعه كما هو كثير في المحاورات العرفية.

______________________________

(1) مغني اللبيب، ج 1، ص 180، طبعة 1964 دمشق

ص: 163

قولهم: «أدّى بقاؤه إلى خرابه» (1) و بين قولهم: «يخشى (2) أو يخاف (3) خرابه».

و الخوف (4) عند المشهور كما يعلم من سائر موارد إطلاقاتهم- مثل قولهم: «يجب الإفطار (5) و التيمم مع خوف الضرر» و «يحرم السفر مع خوف الهلاك» (6)-

______________________________

العلم به، و إمّا «الخوف».

(1) كما ورد في عبارة بيع الشرائع «1».

(2) كما في وقف الشرائع و التحرير «2».

(3) كما في الوسيلة وفقه القرآن و جامع الشرائع «3».

(4) أراد قدّس سرّه بيان معنى «الخوف» بعد أن كان المدار عليه، لا على مطلق الاحتمال.

(5) قال المحقق قدّس سرّه: «المرض الذي يجب معه الإفطار: ما يخاف به الزيادة بالصوم، و يبني في ذلك على ما يعلمه من نفسه أو يظنّه، لأمارة كقول عارف» «4».

و قال في التيمم: «و لا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصّا أو سبعا، أو يخاف ضياع مال. و كذا لو خشي المرض الشديد أو الشّين باستعماله الماء جاز له التيمم. و كذا لو كان معه ماء للشرب، و خاف العطش أن استعمله» «5».

(6) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لو سلك طريقا مخوفا على النفس يغلب معه ظنّ التلف فالأقرب أنه عاص بسفره فلا يترخّص» «6»، و نحوه كلام العلّامة قدّس سرّه، فراجع «7».

و قال المصنف قدّس سرّه: «و كذا لا خلاف بينهم ظاهرا في أن سلوك الطريق المظنون

______________________________

(1) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(2) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(3) لاحظ المصادر في هدى الطالب، ج 6، ص 564- 565

(4) شرائع الإسلام، ج 1، ص 210

(5) المصدر، ص 47

(6) ذكرى الشيعة، ج 4، ص 314

(7) تذكرة الفقهاء، ج 4، ص 400؛ قواعد الأحكام، ج 1، ص 325

ص: 164

لا يتحقق (1) إلّا بعد قيام أمارة الخوف.

هذا، مع أنّ (2) مناط الجواز- على ما ذكر (3)- تلف الوقف رأسا، و هو القسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا فيه البيع، فلا يشمل (4) الخراب الذي لا يصدق معه التلف [1].

______________________________

الخطر أو مقطوعه معصية يجب إتمام الصلاة فيه و لو بعد انكشاف عدم الضرر فيه» «1».

(1) خبر قوله: «و الخوف عند المشهور».

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و هو ناظر إلى منع المقدمة الرابعة. توضيحه: أنّه بناء على إرادة العين الموقوفة من المال- في قوله عليه السّلام: «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» كما استظهره الشهيد الثاني قدّس سرّه- تكون المكاتبة أجنبية عن المدّعى، و هو جواز البيع في القسم الثاني، و منطبقة على القسم الأوّل، الذي قلنا بجوازه فيه، و ذلك لظهور «تلف المال» في سقوطه عن الانتفاع رأسا، و لا يصدق تلفه- بقول مطلق- على الخراب الموجب لقلة نفعه. مع أنّ المقصود بالاستدلال تجويز البيع في صورة نقص المنفعة.

(3) يعني: في تقريب ما اختاره قدّس سرّه، حيث قال: «و الأقوى الجواز مع تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا ...».

(4) يعني: أنّ مناط الجواز لا يشمل نقص المنفعة، للفرق بين التلف و النقص.

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، فإن تلف بعض الوقف يصدق عليه أيضا تلف المال، فإطلاقه يشمل تلف الكل و البعض. و عليه فيمكن التمسك بإطلاقه على المفروض و هو قلة المنفعة الناشئة عن التلف، كصحة التمسك به على الصورة الاولى، و هي تلف العين بحيث لا يبقى لها منفعة أصلا.

______________________________

(1) فرائد الأصول، ج 1، ص 38، طبعة مجمع الفكر الإسلامي

ص: 165

مع أنّه (1) لا وجه- بناء (2) على عموم التعليل- للاقتصار على خوف خراب خصوص الوقف، بل كلّما خيف تلف مال جاز بيع الوقف (3).

و أمّا تقريب (4) الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة

______________________________

(1) هذا ثالث وجوه المناقشة، و غرضه إسقاط المكاتبة عن الحجية بالإعراض من جهة اخرى.

و توضيحه: أن مقتضى عطف «النفوس» على «الأموال» و المقابلة بينهما أن يراد ب «تلف المال» ضياع مطلق المال، لا خصوص الموقوفة. فلو أدّى النزاع إلى تلف مال آخر من الموقوف عليهم أو من غيرهم- مع الأمن من هلاك الموقوفة- لزم الحكم بجواز بيع الوقف تحفظا على الأموال الاخرى. و من المعلوم عدم التزام المجوّز للبيع- استنادا إلى المكاتبة- بهذا الإطلاق، كما لا يمكن الالتزام به لمخالفته للإجماع كما قيل. و هذا شاهد على إعراضهم عن الرواية، و معه لا مجال للتمسك بها في تجويز البيع في القسم الثاني.

(2) الوجه في هذا البناء واضح، إذ مع اختصاص «المال»- الوارد في التعليل- بالوقف لا وجه لجعل تلف مال آخر مسوّغا لبيع الوقف، فيختص قوله عليه السّلام:

«ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال» بتلف الوقف، دون تلف سائر الأموال.

(3) و لا يمكن الالتزام به، لمخالفته للإجماع، و مقتضاه رفع اليد عن ظهور المكاتبة.

و قد تحصل: عدم جواز بيع الوقف فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة.

(4) معطوف على قوله: «حيث إنّه يمكن» و الأولى إسقاط «أمّا» هنا و فيما

______________________________

نعم، إذا اسند التلف إلى الموقوف- كأن يقال: إذا تلف الموقوف جاز بيعه مثلا- كان ظاهرا في التلف المطلق الموجب لانتفاء المنفعة رأسا، دون مطلق التلف كما لا يخفى.

ص: 166

- و هي صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال و النفوس- فهو: أن الحكم بالجواز معلّق (1) على الاختلاف، إلّا أن قوله: «فإنّه ربما» مقيّد بالاختلاف الخاص، و هو الذي لا يؤمن معه (2) من التلف (3)، لأنّ (4) العلّة تقيّد المعلول، كما في قولك: لا تأكل الرّمان لأنّه حامض (5).

و فيه (6): أنّ اللازم

______________________________

سيأتي في (ص 172) من تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة، أو تصدير كلامه السابق ب «أما» بأن يقال: «أما تقريب الاستدلال في القسم الثاني من الصور السابعة ...».

و كيف كان فتقريب دلالة المكاتبة على حكم الصورة الثامنة هو: أنّ جوابه عليه السّلام متضمن لجملتين: إحداهما: تجويز البيع عند ظهور الخلف و المنازعة بين الموقوف عليهم، و كونه خيرا من إبقاء الوقف على حاله. و مقتضى الإطلاق جواز البيع بمجرد العلم بالاختلاف، سواء خيف من بقائه تلف المال و إراقة الدماء أم لا.

ثانيتهما: تعليل الحكم بقوله عليه السّلام: «فإنّه ربما» و ظاهره موضوعية إختلاف خاصّ لجواز البيع، و هو النزاع الذي لا يؤمن معه من ضياع الأموال و هلاك النفوس.

و مقتضى تقديم ظهور العلّة على المعلول تقييد الاختلاف المجوّز للبيع بما إذا خيف من بقاء الوقف تلف المال و النفس، و بهذا يتم الحكم في الصورة الثامنة.

(1) يستفاد التعليق من إناطة «فليبع» بقوله: «إن كان قد علم الاختلاف».

(2) أي: مع الاختلاف.

(3) فيتعين التوفيق بين المعلول و العلّة بتقييد إطلاق جواز البيع في «فليبع».

(4) تعليل لمحذوف، و هو لزوم الأخذ بخصوص العلة لا بعموم المعلول.

(5) فيختص النهي حينئذ بأكل الرمان الحامض.

(6) محصل المناقشة في التقريب المتقدم هو: عدم وفاء المكاتبة بإثبات الجواز في

ص: 167

..........

______________________________

الصورة الثامنة، و ذلك لأن تقديم العلّة على المعلول كما يوجب تقييد الاختلاف بما خيف منه تلف المال و النفس، كذلك يقتضي رفع اليد عن خصوصية الاختلاف، و تعميم جواز البيع لما إذا لم يكن خلف بين أرباب الوقف، و لكن علم إفضاء بقائه إلى تلفها من جهة اخرى، و توقّف سدّ الفتنة على بيع الوقف، فإنّ العلّة كما تخصّص تعمّم. و من المعلوم عدم التزام أحد بجواز بيع الوقف مقدّمة لعلاج مفسدة اخرى أجنبية عنه. و هذا المحذور يوهن العمل بظاهر المكاتبة، و تسقط حينئذ عن الدلالة على حكم الصورة الثامنة.

فإن قلت: يمكن الأخذ بموضوعية مطلق الاختلاف لجواز البيع، و عدم تقييده بقوله عليه السّلام: «فإنه ربما» و ذلك لورود مثله في الأخبار مما يكون علّة للحكم تارة، و حكمة اخرى، و من المعلوم أن ما يصلح للتقييد هو العلّة لا الحكمة.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و أما التعليل فبناؤه على الكشف عن الحكمة في جواز البيع، و الغرض منه كون الاختلاف عرضة لذلك المحذور، لا أنّ أداءه إليه شرط لجواز البيع. و بذلك نصّ الشهيدان، و هو ظاهر الكفاية و المفاتيح، و يشهد له التعليل ب ربما» «1».

و عليه فلا مانع من الأخذ بموضوعية الاختلاف، و عدم تعميم الحكم لما إذا لم يكن منشأ التلف منازعة أرباب الوقف.

قلت: إن حمل «ربما» على الحكمة و إسقاطه عن العلية- ليبقى عموم الاختلاف على حاله- يوجب عدم صلاحيته لتقييد الجواز بخوف تلف المال أو النفس، فإنّ الحكمة كما لا تعمّم لا تخصّص، مع أن مفروض الصورة الثامنة هو الجواز لو أدّى بقاء الوقف إلى التلف لا مطلقا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 59

ص: 168

على هذا (1) تعميم الجواز في كلّ مورد لا يؤمن معه من تلف الأموال و النفوس (2) و إن لم يكن من جهة إختلاف الموقوف عليهم، فيجوز (3) بيع الوقف لإصلاح كلّ فتنة و إن لم يكن لها دخل في الوقف.

اللّهم إلّا أن يدّعى سوق العلّة مساق التقريب (4)، لا التعليل الحقيقي حتى يتعدّى (5) إلى جميع موارده.

لكن (6) تقييد الاختلاف حينئذ (7) بكونه ممّا لا يؤمن ممنوع،

______________________________

و الحاصل: إن كانت جملة «فإنه ربما» علة لزم تعميم الجواز لغير موارد الاختلاف، و لا سبيل للقول به.

و إن كانت حكمة لزم تعميم الجواز لما إذا لم يؤدّ البقاء إلى التلف، و هو غير الصورة الثامنة.

(1) أي: على كون «فإنه ربّما» علّة لجواز البيع عند الاختلاف.

(2) أخذا بعموم العلّة لا بخصوصية المورد.

(3) هذا نتيجة تعميم الجواز لكلّ مورد يخشى فيه تلف الأموال و النفوس.

(4) لا التعليل، يعني: فلا تكون العلّة مبيّنة لمطلب جديد، بل بمنزلة عبارة اخرى لما قبلها، فلا تزيد عما قبلها. فقوله عليه السّلام: «ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس» لا يكون مناطا و موضوعا للحكم حتى يدور جواز البيع مداره، بل بيانا لأمر خارجي قد يترتب على الاختلاف. فالموضوع نفس الاختلاف سواء ترتب عليه مفسدة تلف المال و النفس أم لا.

(5) لأن التعدي من شأن العلة المنصوصة التي يكون الحكم للمورد بسبب انطباقها عليه، لا لخصوصية نفس المورد.

(6) هذا ردّ قوله: «اللهم إلا أن يدّعى» و تقدم بقولنا: «قلت» كما تقدمت الدعوى في «إن قلت».

(7) أي: حين عدم عليته بل كونه تقريبا لما قبله، و وجه عدم التقييد به حينئذ

ص: 169

و هو (1) الذي فهمه الشهيد رحمه اللّه في الرّوضة كما تقدّم كلامه.

لكن الحكم على هذا الوجه (2) مخالف للمشهور. فلا يبقى حينئذ (3) وثوق بالرواية (4) بحيث يرفع اليد بها

______________________________

هو كونه توضيحا لما قبله.

(1) يعني: منع تقييد الاختلاف بما يوجب تلف المال أو النفس هو الذي فهمه الشهيد قدّس سرّه، حيث قال: «و الظاهر أن خوف أدائه إليهما و إلى أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنة لذلك» «1». و حاصله: عدم اعتبار الاختلاف الخاص في جواز بيع الوقف، فيجوز بيعه مطلقا باعتبار أن الاختلاف بحسب نوعه يؤدّي إلى تلف المال و النفس، و لا ينظر إلى أشخاص الاختلاف في كل مورد مورد.

(2) أي: بدون تقييد الاختلاف بعدم الأمن، و الحكم بجواز البيع بمجرد الاختلاف، فإن جواز البيع حينئذ مخالف للمشهور، حيث إنّهم قيّدوا جواز البيع بالاختلاف الخاص، و هو ما لا يؤمن معه من تلف المال و النفس.

(3) أي: حين كون عدم تقييد الاختلاف خلاف المشهور.

(4) لكون فتوى المشهور مخالفة لظاهر الرواية، حيث إن ظاهرها- بعد البناء على عدم تقييد الاختلاف بما لا يؤمن معه من المفسدة- هو كون الاختلاف بنفسه موضوعا لجواز البيع من دون تقييده بترتب محذور تلف المال أو النفس عليه.

و فتوى المشهور هي كون الاختلاف المقيد بعدم الأمن من ترتب المحذور المزبور عليه موضوعا للبيع.

فمضمون الرواية حينئذ لا ينطبق على فتوى المشهور، فيصير موردا لإعراضهم المشهور عنه، و هذا موهن لاعتبار الرواية على الأقوى.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 255 و تقدم في الأقوال أيضا، راجع هدى الطالب، ج 6، ص 570

ص: 170

عن العمومات (1) و القواعد (2)، مع ما فيها من ضعف الدلالة (3)، كما سيجي ء إليه الإشارة.

و ممّا ذكرنا (4) يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة و ردّه (5).

______________________________

إلّا أن يقال: إن الإعراض إن كان عن سند الرواية بحيث لم يعمل المشهور بها أصلا، فهو يسقط الرواية عن الاعتبار. و أمّا إذا عملوا بها غايته أنهم استظهروا منها غير ما استظهرناه منها فهو لا يسقطها عن الاعتبار، لأن مخالفتنا لهم ترجع إلى الاستظهار، و من المعلوم عدم حجية فهمهم علينا.

(1) الناهية عن بيع الوقف، و التعبير بالعموم لشمولها لحالة خوف تلف المال و النفس و عدمه.

(2) المراد به استصحاب منع البيع الثابت قبل طروء خوف التلف.

(3) من جهة عدم ظهور المكاتبة في ما نحن فيه و هو الموقف المؤبد، و كذا عدم ظهورها في لزوم الوقف و تماميته بإقباض العين للموقوف عليه، و غيرهما مما سيأتي في (ص 192).

(4) أي: من جعل قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف» علة منصوصة يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة، و هي أداء الاختلاف إلى ضرر عظيم من دون تقييده بتلف المال.

و حاصل تقريبه: أن مقتضى العلّة كون موضوع جواز البيع هو الضرر من تلف المال أو النفس أو غيرهما بعد حمل النفس أو المال على المثال.

فالمتحصّل: أن مجوّز بيع الوقف هو الضرر العظيم من تلف المال أو غيره، فينطبق على الصورة التاسعة.

(5) و هو: أنّ لازم جعل قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء الاختلاف ... الخ» علّة هو جواز البيع لكل فتنة و إن لم ترتبط بالوقف، و هو مما لا يلتزم به أحد.

مضافا إلى: أن حمل تلف المال أو النفس على المثال لمطلق الضرر العظيم ممنوع

ص: 171

و أمّا تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة فهو: أنّ (1) ضمّ تلف النفس إلى تلف الأموال- مع (2) أنّ خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا (3)- يدلّ على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدّة إلى حيث يخاف منه تلف النفس، و لا يكفي بلوغه إلى مادون ذلك (4)، بحيث يخاف منه تلف المال فقط.

و فيه (5):

______________________________

جدّا، لتوقفه على القطع بعدم خصوصيتهما، و دون إثباته خرط القتاد.

(1) توضيحه: أن الرواية و إن اشتملت على تلف المال و النفس معا، و هو لا ينطبق على الصورة العاشرة التي هي «لزوم فساد يستباح منه الأنفس فقط». لكن مع ذلك يمكن الاستدلال بها على الصورة العاشرة بأن يقال: إن ذكر «تلف المال» في الرواية ليس لأجل دخله في الحكم بجواز البيع حتى يكون هو مع تلف النفس- جمعا- دخيلا في جواز البيع، فلا ينطبق على الصورة العاشرة.

بل لأجل ملازمة تلف النفس لتلف المال غالبا. فذكر «تلف المال» مبني على الغالب، لا لكونه دخيلا في جواز البيع. فالمجوّز للبيع هو خصوص تلف النفس و استباحتها، و هذا المعنى ينطبق على الصورة العاشرة، و يصح أن يكون دليلا عليها.

(2) غرض المستدل من هذه الجملة المعترضة إسقاط موضوعية تلف المال، و أن جواز البيع يدور مدار تلف الأنفس خاصة، فذكر «الأموال» مبني على الملازمة الغالبية بين تلفهما، لا للاحتراز حتى ينتفي جواز البيع لو أدى بقاء تلف الوقف إلى خصوص استباحة الأنفس.

(3) إذ لا مفهوم للقب الوارد مورد الغالب كالوصف الغالبي، كما قيل في آية حرمة الربائب.

(4) أي: ما دون بلوغه إلى تلف النفس، و المراد ب «مادون» تلف المال.

(5) منع المصنف قدّس سرّه التقريب المذكور بإشكالين:

ص: 172

أنّ اللازم على هذا (1) عدم اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ (2) بيع الوقف لرفع كلّ فتنة (3).

مع أنّ (4) ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس.

______________________________

أحدهما: أنّ مقتضى عموم العلّة التعدي عن المورد- و هو إختلاف الموقوف عليهم المؤدي إلى التلف- إلى كل ما يوحب تلف النفس، لما قرر في محله من أن العلة كما تضيّق دائرة المعلول كذلك توسعها، كما في المثال المعروف و هو «لا تأكل الرمان لأنّه حامض» كما لا يخفى.

و عليه فلا يدور جواز البيع مدار الاختلاف الخاص، بل المناط مطلق الفتنة المفضية إلى استباحة النفس.

(1) أي: بناء على اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حدّ يخشى منه تلف النفس.

(2) أي: حين عدم كون المناط خصوص الفتنة بين أرباب الوقف.

(3) مع أنه لا يمكن الالتزام بهذا الإطلاق، كما تقدم في منع الصورة الثامنة.

(4) هذا هو الإشكال الثاني على الاستدلال بالمكاتبة على الصورة العاشرة.

توضيحه: أنّ ظاهر الرواية لا ينطبق على فتوى المشهور في الصورة العاشرة، إذ ظاهرهم اعتبار العلم أو الظن بتحقق الفتنة، و عدم كفاية الشك في ذلك، و ظاهر الرواية- بملاحظة لفظة «ربما»- كفاية مجرد الاحتمال فيه. فالدليل أعم من المدعى.

بل تمكن دعوى المباينة بينهما، إذ ظاهر المشهور كون الاستباحة الواقعية سببا لجواز البيع، حيث إنهم أخذوا العلم أو الظن في ذلك، و من المعلوم كونهما طريقين إلى الواقع، و ظاهر كلمة «ربما» في المكاتبة هو كون الاستباحة المحتملة مجوزة للبيع، فتدبر.

ص: 173

و المقصود (1)- كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة- هو اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.

و الحاصل (2): أنّ جميع الفتاوى المتقدمة في جواز بيع الوقف- الراجعة إلى اعتبار أداء بقاء الوقف علما أو ظنّا أو احتمالا (3)

______________________________

(1) يعني: و الحال أن المقصود كما يظهر من عبارة ابن سعيد قدّس سرّه هو اعتبار الفتنة الواقعية التي يستباح بها الأنفس، لقوله: «أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس» بناء على طريقية العلم و الظن.

و عبارة المحقق الكركي قدّس سرّه في تعليق الإرشاد أوفق بإرادة الفتنة الواقعية، لقوله:

«يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» «1» لعدم أخذ الخوف في الفساد المجوّز للبيع، و ظاهره الفساد الواقعي.

هذا بناء على ما حكاه السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه «2» عن تعليق الإرشاد، و نقله المصنف في أوّل المسألة. و لكن الموجود في المطبوع أخيرا موافق لما في جامع المقاصد من أخذ «الخوف» في جواز البيع، كما حكاه صاحب المقابس عنه، و نصّ عبارة تعليق الإرشاد هو: «و ثانيها: ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال و الأنفس» «3» و هذا متحد مع عبارة ابن سعيد قدّس سرّه.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في منع دلالة المكاتبة على الصورة العاشرة.

(2) هذا حاصل ما أفاده في (ص 155) من انحصار مستند جواز البيع- في الصور الأربع الأخيرة- في مكاتبة ابن مهزيار. و هذه الصور و إن تعدّدت موضوعا، و لكن إختلاف الفقهاء في الاستظهار من المكاتبة أوجب استناد الجميع إليها.

(3) تقدم في (ص 164) نقل تعبيرهم بالخشية و الخوف و العلم و الظنّ. و أمّا

______________________________

(1) لاحظ مصادر الأقوال في ج 6، ص 562 و 568

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 86

(3) حاشية الإرشاد، ص 339

ص: 174

إلى مطلق الفساد (1)، أو فساد خاص (2)، أو اعتبار الاختلاف مطلقا (3)، أو إختلاف خاصّ (4)- مستندة (5) إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة.

و الأظهر (6) في مدلولها هو: إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه

______________________________

الاحتمال فأضافه المصنف قدّس سرّه هنا و في الصورة الثامنة، لتأثر النفس بالاحتمال الموهوم أيضا.

(1) و هو ما يعمّ نقص المنفعة و انتفاءها رأسا.

(2) و هو انتفاء المنفعة رأسا.

(3) يعني: سواء أدّى إلى تلف المال و النفس أم لا.

(4) و هو المؤدي إلى تلف المال أو النفس.

(5) خبر قوله: «ان جميع».

(6) بعد أن منع قدّس سرّه دلالة المكاتبة على القسم الثاني من الصورة السابعة و على ما بعدها، استظهر منها أمرا مغايرا لما ذهب إليه المشهور، و محصله: دلالة الرواية على إناطة جواز البيع بالاختلاف الخاص، و هو ما لو حظ فيه جهات ثلاث:

الاولى: أن يكون موجبا لتلف الأموال و النفوس، فلا عبرة بمطلق الخلف و النزاع و إن لم يؤدّ إلى تلفها. و ليس منشأ هذا التقييد حمل جملة «فإنه ربما» على التعليل ليكون مقيّدا لدائرة الاختلاف الوارد في السؤال، لفرض عدم كون «فإنه» علة حقيقة لتعمّم أو تقيّد. بل منشؤه قرينية الذيل بحسب المتفاهم العرفي على ما يراد من السؤال.

الثانية: أن يحصل الخوف من أداء بقاء الوقف إلى هلاك النفس أو المال، سواء نشأ من العلم بالأداء أو من الظن به، أو من الاحتمال الموهوم.

و الوجه في ضمّ الأخير إلى العلم و الظن ورود كلمة «ربما» في الجواب، و قد مرّ صدقه على الاحتمال.

الثالثة: أن يكون محذور تلف النفس و المال مترتبا على نزاع أرباب الوقف

ص: 175

تلف الأموال و النفوس (1)، لا مطلق الاختلاف (2)، لأنّ الذيل (3) مقيّد.

و لا خصوص (4) المؤدّي علما أو ظنّا، لأنّ (5) موارد استعمال لفظة «ربما» أعمّ من ذلك. و لا مطلق (6) ما يؤدّي إلى المحذور المذكور، لعدم ظهور الذيل في التعليل بحيث يتعدّى عن مورد النصّ، و إن كان فيه (7) إشارة إلى التعليل.

______________________________

فيما يتعلق بحفظه و بالانتفاع به، و توقف حسم مادة الفساد على البيع.

فلو كان المحذور ناشئا من غير إختلاف الموقوف عليهم لم يجز البيع.

فإن قلت: مقتضى ظهور التعليل التعدي من الاختلاف إلى موجب آخر يؤدّي إلى هلاك المال و النفس، إذ العلة كما تضيّق توسّع أيضا.

قلت: نعم لو استقرّ ظهور «فإنّه ربما» في التعليل حتى يتعدى عن مورد السؤال إلى غيره، و لكن المفروض منع الظهور المزبور.

هذا ما استفاده المصنف من المكاتبة، و سيأتي بيان النسبة بينه و بين مختار المشهور.

(1) و إن كانت الأموال غير الأعيان الموقوفة و كانت النفوس غير الموقوف عليهم. و إرادة التعميم من هذه العبارة تظهر من عبارة الآتية، و هي قوله في (ص 195): «لكن في النفس شي ء ... الخ».

(2) هذا إشارة إلى الجهة الاولى.

(3) بناء على ما تقدم في الاستدلال للصورة الثامنة، و لكنه منع التقييد سابقا بقوله: «لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن ممنوع» فلاحظ (ص 169).

(4) معطوف على «لا مطلق» و هذا إشارة إلى الجهة الثانية.

(5) تعليل لقوله: «و لا خصوص».

(6) معطوف أيضا على «لا مطلق» و هذا إشارة إلى الجهة الثالثة.

(7) أي: في الذيل إشارة إلى التعليل، لمكان «فإنّه»، إلّا أنه لا عبرة بالإشارة، لكون موضوع دليل الحجية هو الظهور المنتفي حسب الفرض.

ص: 176

و على ما ذكرنا (1)، فالمكاتبة غير مفتى بها عند المشهور، لأنّ (2) الظاهر اعتبارهم العلم أو الظّنّ بأداء بقائه إلى الخراب غير (3) الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس (4)، فيكون (5) النسبة بين فتوى المشهور و بين مضمون الرواية عموما من وجه.

______________________________

(1) يعني: يظهر من إناطة جواز بيع الموقوفة بالجهات الثلاث المتقدمة عدم عمل المشهور بالمكاتبة، لمخالفتهم لها في جهتين منها:

إحداهما: اعتبار العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب، و عدم كفاية الاحتمال عندهم.

ثانيتهما: أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس. و مع هذه المخالفة لا مجال لدعوى استنادهم إليها في تجويز البيع في الصور المتقدمة. و لا يخفى أنّ ما ذكره قدّس سرّه إشكال عام على الاستدلال بالمكاتبة في الصور الأربع، و لا يختص بتوهين التمسك بها في خصوص الصورة العاشرة.

(2) مقصوده بيان مورد مخالفة المشهور للمكاتبة، و هما موردان تقدّما آنفا.

(3) صفة ل «أداء» أي: لا يعتبر في إختلاف أهل الوقف أن يؤدّى إلى تلف المال و النفس.

(4) هذا ثاني موردي المخالفة.

(5) هذا نتيجة مخالفة فتوى المشهور للمكاتبة في الجهتين المزبورتين.

و وجه كون النسبة عموما من وجه هو كون فتوى المشهور أعم من المكاتبة من جهتين، و أخص منها من جهة. كما أن المكاتبة أعم من فتاواهم من جهة و أخص منها من جهة اخرى.

أمّا أعمية الفتاوى من جهتين:

فالاولى منهما: شمول «تلف المال» لكل من الخراب و قلّة المنفعة، بشهادة تجويز البيع في قسمي الصورة السابعة.

ص: 177

لكن الإنصاف (1):

______________________________

و الثانية: أنّ المؤدّي إلى الخراب أعم من الفتنة الموجبة لاستباحة الأموال و الأنفس، بشهادة تجويز البيع للضرر العظيم كما في الصورة التاسعة.

و أما أخصية الفتاوى من المكاتبة، فلاعتبارهم حصول العلم أو الظن بأداء البقاء إلى الخراب، بشهادة تعبيرهم بالخوف و الخشية، مع أنّ المكاتبة تعمّ الاحتمال الموهوم، بشهادة كلمة «ربما».

و أما أعمية المكاتبة من فتوى المشهور، فلعدم اعتبار العلم و الظن، و الاكتفاء بمجرد الاحتمال. و أما أخصيتها منها فلاختصاص الجواز بالفتنة المبيحة للأموال و الأنفس.

و مادة الاجتماع- بمعنى جواز البيع بمقتضى المكاتبة و فتوى المشهور- هي العلم أو الظن بأداء بقائه إلى الخراب مع الفتنة المبيحة للمال و النفس. و مادة الافتراق من طرف الرواية هو احتمال وقوع الفتنة المبيحة لهما، فيجوز البيع فيها، خلافا للمشهور.

و من طرف فتوى المشهور موردان:

أحدهما: العلم بأدائه إلى الخراب بدون الفتنة الموجبة لاستباحة المال و النفس.

و ثانيهما: خوف الخراب بمعنى قلة المنفعة. ففي هذين الموردين لا دلالة للرواية على الجواز.

و بالجملة: فمع هذه النسبة بين المكاتبة و الفتاوى كيف يصحّ الاستدلال بها؟

فما دلّت عليه لم يعمل به، و ما عمل به لم تدل المكاتبة عليه.

(1) غرضه إصلاح التشبث بالمكاتبة و إثبات عدم إعراض المشهور عنها، و محصله: أنّهم تسالموا على جواز البيع في الجملة، و اختلفوا في خصوصيته و مناطه.

و هذا المقدار كاف في إحراز عملهم بالرواية و جبر ضعف الدلالة بالنسبة إلى المتفق عليه.

ص: 178

أنّ هذا (1) [1] لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية (2)، و قصور (3) مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة (4)، لأنّ (5) [2] إختلاف فتاوى المشهور؟؟؟ إنّما هو من

______________________________

(1) أي: كون النسبة عموما من وجه.

(2) أي: ضعف دلالتها على الجواز فيما عدا القسم الأوّل من الصورة السابعة و ما بعدها من الصور.

(3) معطوف على «ضعف» أي: جبر قصور مقاومتها لمثل قوله عليه السّلام:

«لا يجوز شراء الوقف».

و لا يخفى أن دعوى القصور مما أجاب به المانعون عن المكاتبة، قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و أما المانعون فلهم في الجواب عن الرواية وجوه: الأوّل: أنّها كانت كتابة مشتبهة المعنى، و قد اضطربت فتاوى العاملين بها، و اختلفوا اختلافا فاحشا، فلا يترك لها تلك الأدلة الجلية البيّنة ...» «1». فيكون مقصود المصنف قدّس سرّه من جبر القصور بالعمل إثبات صلاحية المكاتبة لتخصيص عموم النهي عن بيع الوقف.

(4) متعلق ب «جبر».

(5) تعليل لقوله: «لا يمنع» و حاصله: إحراز استناد المشهور إلى المكاتبة و إن تعدّدت أنظارهم في مدلولها، و هذا المقدار كاف في نفي دعوى الإعراض عنها.

______________________________

[1] هذا لا يخلو من غرابة. أما أوّلا فلعدم جبر ضعف الدلالة بالشهرة كما حققه قدّس سرّه في الأصول.

و أمّا ثانيا: فلأنّه بعد تسليم الجبر بها لا بدّ من الأخذ بما فهمه المشهور من الرواية و إن كان ما فهموه غير ظاهر الرواية، إذ المفروض جبران ضعف هذا الظهور بفهمهم.

[2] لا مورد لهذا التعليل، فإنّ مورده اتفاق المشهور على معنى تكون دلالة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 60

ص: 179

حيث الاختلاف في فهم المناط الذي انيط به الجواز، من (1) قوله عليه السّلام: «إن كان قد علم الاختلاف» المنضمّ إلى قوله: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف».

و أمّا (2) دلالة المكاتبة على كون مورد السؤال هو الوقف المؤبّد التام،

______________________________

(1) يعني: أن مثار إختلاف الاستظهار و منشأه هو جملتا «إن كان قد علم ... فليبع» و «فإنه ربما جاء» من حيث كون مطلق الاختلاف موضوعا للجواز أو الاختلاف الخاص، و من كون «ربما» مفيدا لمعنى الخوف المختص بالعلم و الظن، أو لما يعم الاحتمال، و هكذا.

(2) بعد أن فرغ المصنف قدّس سرّه من حجية المكاتبة دلالة بالجبر- كحجيتها سندا- على حكم الصور الأربع، أراد التعرض لبعض وجوه الخلل في دلالتها على ما نحن فيه، و هو جواز بيع الوقف المؤبّد.

و توضيحه: أن المكاتبة ورد فيها سؤالان عن حكم الوقف، و الظاهر كون مورد السؤال في الصدر و الذيل واحدا، فكأنّ عليّ بن مهزيار سأل أوّلا من الإمام عليه السّلام عن حكم ما صنعه الواقف من جعل خمس الضيعة له عليه السّلام، ثم سأل عمّا إذا وقع الخلف بين الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الوقف، و هي أربع أخماس الضيعة. و قد قيل في قصور دلالتها امور:

منها: أن الوقف منقطع لا مؤبد، بقرينة اقتصار الواقف على ذكر البطن الموجود. و هو شخص الإمام الجواد عليه السّلام بالنسبة إلى الخمس، و سائر الموقوف عليهم بالنسبة إلى بقية الأخماس. و لم يتعرض لمن بعدهم، و صرّح الصدوق قدّس سرّه بهذا على

______________________________

دلالة الرواية عليه ضعيفة حتى يكون فهمهم جابرا لهذا الضعف. و المفروض أنّه ليس كذلك، لاختلاف فتاواهم في مناط الجواز، و إختلاف أنظارهم في استفادة مناط الجواز من الرواية. فلم يتفق المشهور على مناط الجواز مع فرض ضعف دلالة الرواية عليه حتى نقول بجبران ضعفها به.

ص: 180

فهي- على تقدير (1) قصورها- منجبرة بالشهرة، فيندفع (2) ما يدّعى من قصور دلالتها من جهات، مثل: عدم ظهورها في المؤبّد (3)، لعدم ذكر البطن اللاحق، و ظهورها (4) في عدم إقباض الموقوف عليهم،

______________________________

ما تقدم كلامه في الأقوال، فراجع «1».

و منها: أن البائع لمّا كان هو الواقف جاز البيع له من جهة عدم تمامية الوقف، إذ لا قرينة في المكاتبة على تحقق القبول من الموقوف عليهم، مع اعتباره في الوقف.

قال الشهيد قدّس سرّه: «لو سلمت المكاتبة فلا دلالة في الصدر، إذ الوقف مشروط بالقبول إذا كان على غير الجهات العامة، و لم ينقل أنّ الإمام عليه السّلام قبل الوقف، و إنّما قبل الجعل و أمر ببيعه. و حمله على هذا أولى، لموافقته الظاهر» «2».

و منها: عدم تمامية الوقف من جهة عدم نحقق القبض، و هو شرط فيه، فجاز بيعه لبقائه على ملك الواقف. و هذا مختار جماعة كالعلّامة المجلسي و أصحاب الوسائل و الحدائق و الجواهر.

و هذه الجهات إن أمكن رفعها لم يكن قصور في دلالة المكاتبة على بيع الوقف المؤبّد في الصور الأربع. و إن أشكل حلّها لم تقدح في الاستدلال، لأنّ غاية ما يلزم ضعف الدلالة، و هو منجبر بعمل المشهور.

(1) هذه الكلمة تشهد بعدم تسلّم جهات الخلل، و إمكان حلّها.

(2) متفرع على وفاء المكاتبة بجواز بيع المؤبّد إمّا مع الجبر و إمّا بدونه.

(3) هذه هي الجهة الاولى، و القائل بعدم ظهورها في المؤبّد هو الصدوق قدّس سرّه.

(4) معطوف على «عدم» و هذه جهة ثانية، أي: و مثل ظهورها في عدم تحقق الإقباض.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 552؛ من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 241، ذيل الحديث: 5575

(2) غاية المراد، ج 2، ص 28

ص: 181

و عدم (1) تمام الوقف، كما عن الإيضاح، و أوضحه (2) الفاضل المحدّث المجلسي، و جزم به (3) المحدّث البحراني، و مال إليه (4) في الرياض.

قال الأوّل (5)- في بعض حواشيه على بعض كتب الأخبار-: «إنّه يخطر

______________________________

(1) معطوف على «عدم إقباض» و هذه هي الجهة الثالثة، يعني: و مثل ظهور المكاتبة في عدم تمامية الوقف بعدم لحوق القبول بالإيجاب، كما لعلّه مراد فخر المحققين قدّس سرّه. حيث قال: «و الجواب عن الرواية حملها على عدم تمام الوقف.

و ظاهرها يدل عليه» «1».

(2) أي: و أوضح العلّامة المجلسي إشكال عدم إقباض الوقف من الموقوف عليهم.

(3) أي: بظهورها في عدم الإقباض، قال صاحب الحدائق قدّس سرّه: «و المعتمد عندي في معنى هذه الرواية ما وقفت عليه في كلام شيخنا المجلسي ...» و قال بعد نقل تمام كلامه: «و إلّا فإنّه لا معنى للخبر غير ما ذكره، فإنّه هو الذي ينطبق عليه سياقه. و يؤيّده- زيادة على ما ذكره- أنّ البيع في الخبر إنّما وقع من الواقف، و هو ظاهر في بقاء الوقف في يده» «2».

(4) لقوله بعد كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه: «و لنعم ما قاله» لكنه قدّس سرّه تنظّر في دلالة المكاتبة- على عدم الاقباض- بما سيأتي من مناقشة المصنف قدّس سرّه، و عوّل في آخر كلامه على العمل بالمكاتبة من جهة اعتضادها بفهم الطائفة و الشهرة و الاجماعات المحكية، فراجع «3».

(5) و هو العلّامة المولى المجلسي قدّس سرّه، أفاده في شرحه على تهذيب الأحكام

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 392

(2) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 442 و 443

(3) رياض المسائل، ج 10، ص 175- 176

ص: 182

بالبال أنّه يمكن حمل الخبر (1) على ما إذا لم يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم، و لم يدفعها إليهم. و حاصل السؤال: أنّ الواقف يعلم أنّه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف و يشتدّ، لحصول (2) الاختلاف بينهم قبل الدفع إليهم في (3) تلك الضيعة أو في (4) أمر آخر. فهل يدعها موقوفة و يدفعها إليهم، أو يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد (5)،

______________________________

لشيخ الطائفة، و كذا في شرحه على الكافي. قال قدّس سرّه: «و الذي يخطر بالبال أنّه ...

الخ».

(1) التعبير بالحمل من جهة عدم ذكر لفظ «القبض» في شي ء من السؤالين، و إن أمكن استفادته من القرائن.

(2) هذا منشأ علم الواقف- قبل الوقف- بحصول الاختلاف بين الموقوف عليهم، و المختلف فيه إما التصدي لشئون الضيعة، كما إذا اطّلعوا على أنّ مالك الضيعة وقفها عليهم و إن لم يدفعها إليهم بعد، فرأى نزاعهم في ذلك، بأن أراد كلّ منهم أن يكون أمرها بيده، أو أراد أحدهم زراعتها، و توزيع غلّتها على الموقوف عليهم، و أراد الآخر إجارتها. و هكذا.

و إمّا أمر آخر غير القيام بشأن الضيعة، كما إذا كانت بينهم عداوة قديمة، و خاف الواقف- من أمارات الحال- أن تشتد تدريجا، فلم يأمن من إقباضهم إيّاها، لأداء تلك الخصومة إلى نزاع في الوقف أيضا. فسأل مالك الضيعة عن أفضل الفردين، هل هو البقاء على الوقف و تسليم الضيعة؟ أم بيعها و توزيع الثمن عليهم.

(3) متعلق ب «الاختلاف» و هذا أحد موردي إختلاف أهل الوقف.

(4) هذا إشارة إلى ثاني موردي الاختلاف، و تقدم بقولنا: «و إمّا أمر أخر غير القيام بشأن الضيعة».

(5) من جهة عدم تسليم الموقوفة للموقوف عليهم.

ص: 183

و يدفع إليهم ثمنها؟ (1) [1] أيّهما أفضل؟» انتهى موضع الحاجة «1».

و الإنصاف: أنّه توجيه حسن (2) [2]

______________________________

(1) إحسانا لمن أراد المالك وقف ضيعته عليهم، إذ السؤال عن الفضل لا عمّا يجب على مالك الضيعة.

(2) فإنّ المكاتبة و إن صارت أجنبية عن الصور الأربع المذكورة، لفرض عدم تمامية الوقف في مورد السؤال، و لكن تسلم بهذا التوجيه من السؤال عن أنّه كيف جاز بيع الحصص غير المقبوضة، مع أن المتسالم عليه اعتبار القبض في الوقف؟

و قد يؤيّد هذا الحمل بما في الحدائق من: أن البائع هو الواقف، و لو تمّ الوقف كان أجنبيّا عنه و لم يجز له البيع.

و قال صاحب المقابس: «و من أعظم ما يدلّ عليه- أي على عدم تحقق القبض- و إن غفل عنه و لم يستند إليه: أنّ خمس الموقوف جعل للإمام عليه السّلام بطريق

______________________________

[1] لا وجه لدفع الثمن حينئذ إليهم بل الثمن ملك الواقف، إذ القبض إمّا شرط الصحة و إما شرط اللزوم. و على التقديرين يكون الرجوع مبطلا للوقف و موجبا لرجوعه إلى ملك الواقف، فيكون الثمن حينئذ ملكا لنفس الواقف لا للموقوف عليهم حتى يدفعه إليهم. فالحمل على ما قبل القبض بعيد غايته.

إلّا أن يراد السؤال عن الأفضل، لا عن الواجب المتعيّن، هذا.

[2] لكن الإنصاف أنّه لا داعي- مع فرض نقصان الوقف و عدم تماميته بعدم تحقق القبض- إلى تعليق جواز البيع بالاختلاف و أمثليته، بل لا وجه لهذا التعليق، ضرورة عدم إناطة جواز البيع به في صورة عدم تمامية الوقف كما لا يخفى.

______________________________

(1) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 400؛ و نحوه في مرآة العقول، ج 23، ص 61

ص: 184

لكن (1) ليس في السؤال ما يوجب ظهوره

______________________________

الإشاعة، و كان الواقف ينتظر أمره عليه السّلام في حصته حتى يبيعها أو يقوّمها على نفسه أو يدعها موقوفة. و من هذا حاله كيف يسلّم الضيعة إلى الموقوف عليهم قبل أن يأتيه أمره؟ فعدم حصوله- أي حصول القبض- كالمقطوع به. و هو ظاهر لا مرية فيه، و لا شبهة تعتريه ...» «1».

(1) غرضه المناقشة في حمل المكاتبة على عدم حصول القبض، و هي مبتنية على مقدمتين:

الاولى: أن أمره عليه السّلام في صدر المكاتبة ببيع حصته من الوقف، و بيع سائر الحصص في الذيل- عند إختلاف أربابه- مبني على سؤال ابن مهزيار و ناظر إليه.

و المفروض أنّ السؤال صالح في نفسه لأن يراد منه استعلام حكم الضيعة مطلقا سواء أ كان قبل دفعها إلى الموقوف عليهم أو إلى وكيلهم، أم بعده. و ليس فيه قرينة على عدم تحقق القبض ليختص الجواب بحكم هذه الحالة.

الثانية: أن الإمام الجواد عليه السّلام لم يستفصل من السائل أنّ الموقوف عليهم تسلّموا الضيعة أم لا؟ و إنّما أمر بالبيع بلا قيد.

و نتيجة المقدمتين انعقاد الإطلاق في جوابه عليه السّلام، و هو حجة. و رفع اليد عنها بحمل السؤال على مورد لم يتحقق فيه القبض طرح لأصالة الإطلاق بلا قرينة على التقييد.

و هذا الإشكال أورده سيّد الرياض على العلّامة المجلسي قدّس سرّهما، بقوله: «لعدم صراحته في عدم القبض، بل و لا ظهوره فيه. و ترك الاستفصال في الجواب عن حصول القبض و عدمه يقتضي عدم الفرق بينهما في الحكم» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 60

(2) رياض المسائل، ج 10، ص 175؛ و حكاه عنه صاحب المقابس بعنوان بعض مشايخنا، مقابس الأنوار، ص 60

ص: 185

في ذلك (1)، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى (2) ترك الاستفصال في الجواب.

كما أنّ (3) عدم ذكر البطن اللّاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر- في مقام حكاية وقف مؤبّد- على ذكر بعض البطون، فترك الاستفصال عن ذلك (4) يوجب ثبوت الحكم للمؤبّد.

و الحاصل (5):

______________________________

(1) أي: في عدم تحقق القبض، و هو كذلك. ثم انّ هذا إشارة إلى عدم قصور المكاتبة من حيث الدلالة، حيث إنه على تقدير ظهورها في عدم تحقق القبض لا تصلح لإثبات جواز بيع الوقف المؤبد التام بإختلاف أربابه.

(2) و هو جواز البيع في الوقف المؤبّد.

(3) هذا إشارة إلى ما تقدم بقوله في (ص 181): «مثل عدم ظهورها في المؤبّد» من قصور آخر في دلالة المكاتبة.

ملخّص القصور: أن عدم ذكر البطن اللاحق يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، فلا تكون المكاتبة دليلا على جواز بيع الوقف المؤبد الذي هو محل البحث.

و محصل دفعه: أن عدم ذكر البطن اللاحق لا يوجب الظهور المذكور، إذ الحكاية تكون بالنسبة إلى الجهة المبتلى بها، و هي في المقام إختلاف البطن الموجود.

فعدم ذكر سائر البطون حينئذ لا يدل على كون الوقف منقطعا حتى لا تنطبق الرواية على الوقف المؤبد. و حيث كان ذكر بعض البطون متعارفا في قسمي الوقف، و لم يستفصل عليه السّلام عن أن مورد السؤال دائم أو منقطع، انعقد الإطلاق في أمره بالبيع لكلا القسمين، كما انعقد بترك الاستفصال عن حصول القبض و عدمه.

(4) أي: عن كون الوقف منقطعا أو مؤبّدا.

(5) هذا حاصل ما تقدم بقوله في (ص 178): «لكن الإنصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية ...» و محصله: أنّ هنا أمرين:

أحدهما: إحراز عمل المشهور بالمكاتبة لجبر ضعف دلالتها على جواز بيع

ص: 186

أنّ المحتاج إلى الانجبار بالشهرة (1) ثبوت حكم الرواية للوقف التام المؤبّد، لا تعيين (2) ما انيط به الجواز [1] من كونه مجرّد الفتنة أو ما يؤدّي الفتنة

______________________________

الوقف المؤبّد الذي تمت وقفيته بالقبض و القبول. و هذا ثابت بشهادة مثل الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و القول بجواز البيع في الجملة للأكثر، و مستنده صحيحة علي بن مهزيار» «1». فلا مجال لشبهة إعراض المشهور عن العمل بالمكاتبة.

ثانيهما: إحراز مناط جواز البيع، و هو أمر اختلف المشهور فيه، كما تقدم في الصورة السابعة إلى العاشرة، فلم تتفق فتاواهم على استظهار مسوّغ واحد منها، بل اختلفت أفهامهم فيها.

و مقصود المصنف قدّس سرّه: أنّ المقدار اللازم في مقام التمسك بالمكاتبة هو إحراز استنادهم إليها في جواز بيع الوقف المؤبّد التام، و هو حاصل كما مرّ. و أمّا استظهار مجوّز خاص فغير ثابت، و لكن لا يقدح عدم ثبوته في تحقق الجبر بالعمل.

(1) و وجه الحاجة إلى الجبر هو ضعف دلالتها على جواز بيع المؤبد التام، إما لشبهة انقطاع الوقف، كما ذهب إليه الصدوق و من تبعه. و إمّا لشبهة عدم تمامية الوقف كما استظهره فخر المحققين و غيره، فلذا احتاج إلى الانجبار بالشهرة كما مرّ بقولنا: «أحدهما إحراز عمل المشهور ...».

(2) معطوف على «المحتاج» يعني: أن تعيين مجوّز البيع غير محتاج إلى جبر ضعفه بالعمل، بل يكفي فيه فهم الفقيه و استظهاره من الرواية.

______________________________

[1] لا يخلو من غموض، إذ ملاك الاحتياج إلى الجبر- و هو ضعف الدلالة بالنسبة إلى مناط الجواز كنفس الجواز- موجود أيضا. فبناء على جبر ضعف الدلالة بالشهرة لا فرق بين كون ضعفها بالنسبة إلى أصل الجواز، و بين كون ضعفها بالنسبة إلى مناطه.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 398

ص: 187

إليه (1)، أو غير ذلك (2) ممّا تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين (3).

نعم (4)، يحتاج إلى الاعتضاد بالشهرة من جهة اخرى، و هي:

______________________________

(1) من تلف خصوص الوقف، أو مطلق المال، أو المال و النفس.

(2) من إحراز الأداء بالعلم أو الظن، أو كفاية الاحتمال الموهوم.

(3) و هما قوله عليه السّلام في جواب المكاتبة: «و أعلمه أن رأيي إن كان قد علم الاختلاف ... الخ» و قوله عليه السّلام: «فإنّه ربما جاء في الاختلاف ... الخ».

ففي الفقرة الأولى يحتمل موضوعية مطلق الاختلاف، كما يحتمل موضوعية الاختلاف الخاص.

و في الفقرة الثانية يحتمل كونه تعليلا حقيقيا أو مجرد تقريب للحكم، كما تقدم تفصيل ذلك كله.

(4) استدراك على قوله: «لا تعيين» من عدم الاحتياج إلى الاعتضاد بالشهرة في تعيين مناط الجواز. و محصّله: وجود الحاجة إلى عمل المشهور بالرواية لأجل جبر ضعف دلالتها من جهة اخرى، و هي ظهور تجويز البيع و توزيع ثمنها على الموقوف عليهم في اختصاصه بالبطن الموجود. و هذا مخالف لما تقرّر في الصورة الاولى من اقتضاء بدلية الثمن عن المبيع كونه مشتركا بين جميع البطون لو كان الوقف مؤبّدا. و العمل بهذا الظاهر يتوقف على أحد امور:

الأوّل: التصرف في مفهوم «المعاوضة» كليّة، بأن يقال بعدم اعتبار قيام العوض مقام المعوّض في جميع ما للمعوّض من خصوصية و إضافة، فينتقل الوقف بالبيع إلى المشتري، و لا ينتقل الثمن إلى الملّاك، بل إلى خصوص المالك الفعلي، لا الشأني. هذا بناء على اشتراك الجميع في الثمن.

و لكن يمكن إبقاء المعاوضة على معناها المعهود، و الالتزام بتكلّف في خصوص بيع الوقف- إن كان لسدّ الفتنة- و هو سقوط حقّ الطبقات المعدومة عن الوقف آنا مّا قبل البيع، و صيرورته ملكا لخصوص الموجودين، فيقع البيع في ملكهم، و من

ص: 188

أنّ مقتضى القاعدة (1)- كما عرفت (2)- لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين جميع البطون، و ظاهر (3) الرواية تقريره عليه السّلام للسائل في تقسيم ثمن الوقف

______________________________

المعلوم اقتضاء المعاوضة اختصاص الثمن بالموجودين، لخروج المعوّض عن ملكهم خاصة.

الثاني: حمل السؤال على الحبس الذي لا يخرج المحبوس عن ملك الحابس، و نتيجته أجنبية الرواية عما نحن فيه من الوقف المؤبّد.

الثالث: حمله على الوقف المؤبّد الذي لم يتحقق شرط صحته أو لزومه، و هو إمّا القبض، و إما صيغة الوقف، و إن وطّن نفسه على إنشاء وقفية الضيعة بعد تلقّي جواب الإمام عليه السّلام، هذا.

ثم استشهد المصنف قدّس سرّه ببعض ما يؤيّد انقطاع الوقف أو عدم تماميته.

و على كلّ فلا بدّ من جبر ضعف الدلالة- من هذه الجهة- بفهم المشهور الوقف المؤبّد و إن لم تكن المكاتبة ظاهرة فيه.

(1) يعني: أنّ ضعف الدلالة مبني على القول باشتراك الجميع في الثمن، فلو قيل باختصاصه بالبطن الموجود في جميع المسوّغات لم يكن في المكاتبة ضعف من هذه الجهة.

(2) يعني: في الصورة الاولى، حيث قال: «و مما ذكرنا يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع لا يخصّ به البطن الموجود ...» فراجع «1».

(3) يعني: و الحال أن ظاهر الرواية تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في اختصاص الثمن بالموجودين، لقول السائل: «فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف، و يدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته» و قرّره عليه السّلام بقوله: «إن كان قد علم الاختلاف بين أرباب الوقف ... فليبع».

و هذا التقرير أحد الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 627

ص: 189

على الموجودين، فلا بدّ (1): إمّا من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلّا (2) بتكلّف سقوط حقّ سائر البطون عن الوقف آنا مّا قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم.

و إمّا (3) من حمل السؤال على الوقف المنقطع، أعني الحبس (4) الذي لا إشكال في بقائه على ملك الواقف (5)، أو (6) على الوقف غير التام، لعدم القبض، أو لعدم تحقق صيغة الوقف و إن تحقّق التوطين عليه، و تسميته (7) وقفا بهذا الاعتبار.

______________________________

(1) مقصوده علاج ضعف الدلالة، و قوله: «إمّا» إشارة إلى ما تقدم بقولنا:

«الأوّل: التصرف في مفهوم المعاوضة كليّة ...».

(2) متعلق ب «رفع اليد» فبناء على هذا التكلف تبقى المعاوضة على معناها الحقيقي. و إن كان من الممكن تبديل «إلّا» ب «أو» أو «إما» ليكون المعنى: «إمّا برفع اليد ... و إمّا بالالتزام بسقوط حق سائر البطون عن الوقف، حفظا لمفهوم المعاوضة الحقيقية».

(3) معطوف على «إمّا» و تقدم توضيحه بقولنا: «الثاني حمل السؤال على الحبس».

(4) يعني: أن المراد ليس هو الوقف المنقطع الذي اختلفوا في خروج الملك فيه عن ملك الواقف و عدمه، بل المقصود من المنقطع هو الحبس.

(5) فيكون تقسيم الثمن على الجماعة تفضلا عليهم و إحسانا لهم، لا لكونه ملكا لهم.

(6) معطوف على «على الوقف المنقطع» و تقدم آنفا بقولنا: «الثالث».

(7) كأنّه أراد دفع توهم، و هو: أنه لو لم يتم الوقف لم يكف مجرّد توطين النفس في صيرورة الضيعة وقفا، لصحة سلب العنوان حقيقة، مع أن الوارد في كلام الإمام و السائل هو «الوقف» فلا بدّ أن يكون قد تمّ الوقف حينئذ، و لا يتجه الحمل الأخير.

ص: 190

و يؤيّده (1): تصدّي الواقف بنفسه للبيع، إلّا أن يحمل (2) على كونه ناظرا، أو يقال (3): إنّه أجنبي استأذن الإمام عليه السّلام في بيعه حسبة.

بل يمكن (4) أن يكون قد فهم الإمام عليه السّلام من جعل السائل قسمة الثمن بين

______________________________

فدفعه المصنف قدّس سرّه بأنّه لا مانع من تسميته وقفا باعتبار ما يؤول إليه، فإنّ التوطين يستتبع التلفظ بالصيغة.

(1) هذا ثاني الوجوه الموجبة لظهور الرواية في الوقف غير التام، يعني: و يؤيّد حمل السؤال على الوقف غير التام تصدّي الواقف للبيع، إذ لو تمّ الوقف و جاز بيعه لبعض المسوّغات جاز للموقوف عليه، لا للواقف المفروض كونه أجنبيّا عن الموقوفة.

و تقدم في (ص 182) أن صاحب الحدائق قدّس سرّه أيّد بهذا المطلب كلام العلّامة المجلسي قدّس سرّه.

و التعبير بالتأييد- دون الدلالة- لأعمية هذا التصدي من بقاء الضيعة على ملكه، و لذا أورد عليه صاحب المقابس قدّس سرّه بما في المتن من احتمال اشتراط النظارة و التولية لنفسه، فجاز له البيع و إن لم يكن مالكا.

أو كون الواقف أجنبيا لكن استأذن من الإمام عليه السّلام بيع الوقف قربة إليه تعالى لئلّا يؤدّي بقاؤه إلى الفتنة، فأمره عليه السّلام به. و لو باع بدون الاستيذان كان فضوليا غير نافذ كما هو واضح.

(2) قال في المقابس: «فيمكن دفعه- أي دفع التأييد- باحتمال كون متولّي الوقف هو الواقف في حياته كما يتفق كثيرا» «1».

(3) معطوف على «يحمل» و الاستيذان منه منوط بعدم متولّ خاصّ له، و إلّا فهو المتصدّي لذلك، و لا يصير من الامور الحسبية.

(4) الظاهر أن الداعي إلى بيانه هو سدّ باب ما يقتضيه ترك الاستفصال من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 61

ص: 191

الموجودين مفروغا عنها- مع أنّ المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف و بدله- أنّ (1) مورد السؤال هو الوقف الباقي على ملك الواقف (2)، لانقطاعه (3)، أو لعدم تمامه.

و يؤيّده (4): أنّ ظاهر صدره المتضمّن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه السّلام

______________________________

جواز بيع الوقف المؤبّد، إذ المراد بقوله: «بل يمكن ... الخ» أن قاعدة البدلية و إن اقتضت كون الثمن مشتركا بين جميع البطون، و لكن الإمام عليه السّلام لمّا فهم من مفروغية قسمة الثمن بين البطن الموجود- عند السائل- أن مورد السؤال باق على ملك الواقف، لم يحتج إلى الاستفصال. فترك الاستفصال حينئذ لفهم الإمام عليه السّلام جهة السؤال، فلا يحتاج إلى الاستفصال حتى يقال: إن تركه أمارة على عموم الجواب للوقف المؤبد، و الاحتياج إلى الاستفصال إنما يكون فيما لم يعلم جهة السؤال.

(1) الجملة منصوبة محلّا، لكونها مفعولا ل «فهم».

(2) لا خصوص المؤبّد، و لا الأعم منه و من المنقطع. و الوجه في عدم احتمال شي ء منهما علمه عليه السّلام بجهة السؤال و كون الوقف منقطعا، أو غير تام.

(3) علّة لبقاء الضيعة على ملك الواقف.

(4) هذا ثالث الوجوه الموجبة لظهور الرواية في غير الوقف المؤبد التام.

وجه التأييد أنّ الواقف جعل خمس الضيعة لشخص الإمام عليه السّلام، و لم يذكر أنّه وقفه عليه عليه السّلام و على أعقابه، و من المعلوم أنّ الوقف على الشخص ليس وقفا مؤبّدا.

و تقدم في (ص 185) أن صاحب المقابس جعل عدم حصول القبض مقطوعا به، هذا.

و لكن التعبير بالتأييد دون الدلالة و الظهور لأجل إمكان ردّه، بأن يقال: إن الخمس جعل وقفا على عنوان الإمام الذي هو كلي، غاية الأمر أنّ مصداقه في كل عصر منحصر في واحد. و بلحاظ انطباق هذا العنوان على الإمام الجواد صلوات اللّه عليه قال السائل: «و جعل لك في الوقف الخمس».

ص: 192

هو هذا النحو (1) أيضا (2).

إلّا أن يصلح (3) هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التّام،

______________________________

أو غير ذلك ممّا فصّل الكلام فيه صاحب المقابس قدّس سرّه، فراجعه «1».

(1) أي: كون الوقف منقطعا أو غير تام من جهة عدم القبض أو القبول.

(2) يعني: كما أن ذيل المكاتبة ظاهر في انقطاع الوقف أو عدم تمامه.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه في عداد ما يوجّه به المكاتبة: «رابعها: ما ذكروه من عدم حصول القبول أو القبض، فلم يكن- أي الوقف- لازما من طرف الإمام عليه السّلام قطعا، و لا من طرفه. لكن الرجوع في الوقف بعد التقرب به أمر مرغوب عنه شرعا مطلقا. و إذا كان- أي الوقف- على الإمام فالأمر فيه أشدّ، بحيث إنّه يتلو اللازم- أي الوقف اللازم- في الحكم ...» «2».

و قد تحصّل إلى الآن وجود الخلل في دلالة المكاتبة، من جهة شبهة انقطاع الوقف أو عدم تماميته. و مع عدم ظهورها في المؤبّد يشكل الاستناد إليها في تخصيص عموم النهي عن شراء الوقف.

(3) غرضه إصلاح الخلل و جبر ضعف الدلالة بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام، لانحصار مستندهم- في تجويز البيع في الصور الأربع المتقدمة- في المكاتبة، و يقال: إنّ و هن ظهورها يرتفع بعمل المشهور بها في جواز بيع الوقف المؤبد بعروض الفتنة و الاختلاف.

و بالنسبة إلى ظهورها في اختصاص الثمن بالموجودين: إمّا أن نلتزم بسقوط حق المعدومين آنا مّا قبل البيع، و إمّا أن نمنع تقرير الإمام عليه السّلام لجواز توزيع الثمن على الموجودين خاصة.

و تقريب المنع هو: أن دفع الثمن إلى الموقوف عليهم ورد في السؤال، لا في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 52 و 53

(2) المصدر، ص 54

ص: 193

و يقال (1): إنّه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصّصا لقاعدة المنع عن بيع الوقف، و موجبا لتكلّف (2) الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع، أو (3) نمنع تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.

و يبقى الكلام في تعيين المحتملات (4) في مناط جواز البيع، و قد عرفت (5) الأظهر منها.

______________________________

الجواب، و من المعلوم أنّ العبرة بكلام المعصوم عليه السّلام و تقريره، و هو صلوات اللّه عليه و إن جوّز البيع، لكنه لم يتعرض لحكم الثمن، فيحتمل أنّه قرّر السائل في التوزيع على الموجودين. و يحتمل أنّه بيّن حكم البيع من دون نظر إلى ما يفعل بالثمن. و مع هذا الاحتمال يرتفع المحذور المتقدم أعني به ظهور الخبر في اختصاص الثمن بالموجودين.

(1) معطوف على «يصلح» و مفسّر له.

(2) التعبير بالتكلّف لأجل أن الالتزام بسقوط حقّ اللاحقين مخالف لمفهوم المبادلة.

(3) معطوف على قوله: «و يقال»، يعني: يصلح هذا الخلل و أمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبّد التام، و نمنع تقرير الإمام عليه السّلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين حتى يكون مخالفا لمفهوم المبادلة. و عليه فيتعين استفادة حكم الثمن من دليل آخر، و لو كان ما يقتضيه حقيقة المعاوضة من اشتراك الكلّ فيه.

و المتحصّل إلى هنا: انجبار ضعف ظهور المكاتبة- في الوقف المؤبد- بعمل المشهور بها، و يبقى تعيين مفادها في بعض الصور المتقدمة.

(4) أي: محتملات المكاتبة، حيث قال في (ص 174): «و الحاصل: أن جميع الفتاوى في جواز بيع الوقف ... مستندة إلى ما فهم أربابها من المكاتبة المذكورة».

(5) حيث قال في (ص 175): «و الأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز بالاختلاف الذي ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس ...».

ص: 194

لكن في النفس شي ء (1) من الجزم بظهوره (2). فلو اقتصر (3) على المتيقّن من بين المحتملات- و هو الاختلاف المؤدّي علما أو ظنّا إلى تلف خصوص مال الوقف، و نفوس الموقوف عليهم- كان (4) أولى.

و الفرق (5) بين هذا القسم و القسم الأوّل من الصورة السابعة الذي جوّزنا

______________________________

(1) و هو أن كلمة «ربما» تستعمل في الاحتمال و العلم و الظن، و استعمالها في الجميع شائع، و لم تثبت أظهريته في الاحتمال حتى يكون الكلام ظاهرا فيه، فيصير الكلام مجملا. و لا بدّ حينئذ من الأخذ بالمتيقن، و هو العلم و الظن، بل العلم فقط، إلّا أن يثبت إجماع عليه.

(2) أي: بظهور الخبر في ما جعلناه سابقا أظهر محتملاته، فهذا تأمّل في حسبان أظهرية الخبر في شموله للاحتمال الموهوم بأداء بقاء الوقف إلى الخراب، حيث قال هناك: «و لا خصوص المؤدّي علما أو ظنّا».

(3) هذا نتيجة الدغدغة في ما استظهره سابقا من المكاتبة. و مقصوده الاقتصار على المتيقن المستفاد منها و هو العلم أو الظن بأداء الاختلاف إلى تلف خصوص الوقف و خصوص أهله، فلا عبرة بالاحتمال، و لا بغير الاختلاف من موجبات الخراب و التلف، و لا بتلف غير الوقف و غير الموقوف عليهم.

(4) جواب قوله: «فلو اقتصر».

(5) غرضه بيان الفرق بين ما ركن إليه أخيرا بقوله: «و هو الاختلاف المؤدي ...» و بين تجويزه البيع في أوّل قسمي الصورة السابعة.

و محصل الفرق: أنّ المناط في القسم الأوّل هو الخراب المسقط لمنفعة الوقف رأسا. و لكن المناط المستفاد من المكاتبة- بقرينة مورد السؤال و هو الضيعة- تلف المال، سواء صدق عليه تلف الوقف أم لا، لوضوح عدم استلزام تلف الضيعة انعدام تمام منافعها، فلو لم تصلح للزراعة- بسبب غور مائها مثلا- أمكن الانتفاع بها بإيجارها لأمر آخر.

ص: 195

فيه البيع: أنّ المناط في ذلك القسم العلم أو الظّنّ بتلف الوقف رأسا (1).

و المناط (2) هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال و إن لم يتلف الوقف، فإنّ (3) الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف.

و ليس المراد من التلف في الرواية [1] تلف الوقف رأسا حتى يتّحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا (4) ما هو الغالب في تلف الضيعة (5) التي

______________________________

فلو كانت عوائد الضيعة العامرة ألف دينار سنة، و أدّى إختلاف أربابها إلى نقص العوائد بمقدار خمسمائة دينار، صدق «أداء الاختلاف إلى تلف المال» لكون ما يعود منها مالا كنفس الضيعة، و إن لم يصدق عنوان تلف الوقف بقول مطلق. و العبرة في المكاتبة بتلف المال، لا بتلف الوقف حتى يختص مدلولها بالقسم الأوّل من الصورة السابعة.

(1) لأنه جعل عنوان القسم الأول: تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتدّ به عرفا.

(2) معطوف على «المناط» و المشار إليه بقوله هنا: «ما استقرّ عليه رأيه أخيرا، حيث قال: «فلو اقتصر على المتيقن من بين المحتملات ... كان أولى».

(3) تعليل لوجه العدول عن تجويز البيع في خصوص أوّل قسمي الصورة السابعة، و تقدم توضيحه آنفا.

(4) المشار إليه هو تلف الوقف رأسا.

(5) نعم، قد يكون تلف غير الضيعة- كالدار و الحمام و الدكان الموقوفة-

______________________________

[1] هذا صحيح إن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة، و إلّا فظاهر التلف المطلق هو تلف الوقف رأسا، فيتحد مع القسم الأوّل من الصورة السابعة، و إن لم يكن المراد بتلف المال تلف العين الموقوفة بل أعم منها و من منافعها، كان أعمّ مطلقا من القسم الأوّل.

ص: 196

هي مورد الرواية (1)، فإنّ تلفها غالبا لسقوطها عن المنفعة المطلوبة منها بحسب شأنها (2).

ثمّ إنّ (3) الظاهر من بعض (4) العبائر المتقدمة- بل المحكي عن الأكثر (5)- أنّ الثمن في هذا البيع (6) للبطن الموجود. إلّا أنّ ظاهر كلام جماعة (7)

______________________________

بمعنى سقوطها عن الفائدة رأسا، كما تقدم في الصورة الثانية و الثالثة.

(1) و لا بد من أن يراد بتلف الضيعة قلة عوائدها لا الخراب بالمرّة، لأنّ موردية الضيعة للسؤال توجب نصوصية جواز البيع فيها.

(2) يعني: و ليس تلفها بسقوطها عن المنفعة رأسا.

(3) غرضه من هذه العبارة إلى آخر البحث تحقيق جهة اخرى مما يتعلق بالمكاتبة، و هي تعيين حكم الثمن من حيث اختصاصه بالموجودين حال البيع، أو شركة الجميع فيه، و توجيه كلام المحقق الثاني قدّس سرّه و من تبعه بوجهين كما سيأتي.

(4) كقول الشيخ المفيد قدّس سرّه: «فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه».

(5) لم أقف على من حكاه عن الأكثر- بقول مطلق بعد ملاحظة مفتاح الكرامة و المقابس «1» و الجواهر و بعض آخر. و لعلّ مراد الحاكي أن الاختصاص رأي أكثر القدماء، و هو لا يخلو من وجه، فإنّ السيدين ادّعيا الإجماع على ذلك، و نقله السيد العاملي عن المفيد و أبي يعلي، و الشيخ في النهاية و المبسوط، و القاضي في المهذّب «2».

(6) أي: بيع الوقف لدفع الخلف بين الموقوف عليهم، في قبال بيعه لأجل الخراب الفعلي كما تقدم في الصورة الاولى، فلقائل أن يقول بوجوب التبديل هناك دون ما نحن فيه.

(7) و هم العلّامة- في التذكرة و المختلف- و أكثر من تأخّر عنه كالفاضل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 254، و ج 9، ص 88

ص: 197

- بل صريح بعضهم كجامع المقاصد «1»- هو: أنّه يشترى بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا (2) لمطلوب الواقف بحسب الإمكان.

و هذا (3) منه قدّس سرّه مبني على منع ظهور الرواية في تقرير السائل في قسمة

______________________________

السيوري و ابن فهد و الشهيد الثاني و الفيض الكاشاني و غيرهم، كما حكاه عنهم السيد العاملي قدّس سرّه «2».

(2) تعليل لوجوب شراء البدل.

(3) أي: وجوب شراء بدله إن أمكن، و غرضه توجيه فتوى المحقق الثاني بعدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود. و توضيحه: أنه قدّس سرّه استدلّ بمكاتبة ابن مهزيار على جواز البيع إذا حصل خلف بين أربابه، كما أنه استدل برواية جعفر بن حيّان على جوازه إن لحقت حاجة شديدة بالموقوف عليهم. و حكمه بوجوب شراء البدل في الأوّل يمكن توجيهه بوجهين:

إمّا منع ظهور جواب الإمام عليه السّلام- في المكاتبة- في تقرير السائل في قسمة الثمن على الموجودين خاصة، بأن يكون الجواب ناظرا إلى أصل جواز البيع في مورد الاختلاف.

و إمّا منع العمل بهذا الظهور بعد تسليمه، و وجه المنع معارضته بما هو أقوى منه من اقتضاء المعاوضة و المبادلة قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من اختصاص و إضافة، و حيث إنّ المثمن ملك فعلي للموجودين، و شأني للّاحقين، كان الثمن مثله، و لا يختص بالطبقة الحاضرة حال البيع. هذا مبنى نظر المحقق الثاني قدّس سرّه.

لكن لا يتم شي ء منهما. أمّا الثاني فلمنافاته لقوله باختصاص الثمن بالموجودين لو بيع الوقف للحاجة الشديدة. وجه المنافاة: أن الدليل على اختصاص

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 97، و تقدم كلامه في الأقوال، فراجع ج 6، ص 569

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 254 و ج 9، ص 88

ص: 198

الثمن على الموجودين، أو على (1) منع العمل بهذا التقرير في مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل كالمبدل.

لكن الوجه الثاني (2) ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع للحاجة الشديدة، تمسّكا برواية جعفر [1]، فيتعيّن الأوّل، و هو منع التقرير،

______________________________

الثمن بالبطن الموجود- فيما إذا كان مسوّغ البيع حاجة أرباب الوقف- هو تقرير رواية جعفر بن حيّان المتقدمة، و هذا التقرير بعينه موجود في المقام و هو إختلاف الموقوف عليهم. فالبناء على حجية التقرير هناك بحيث تخصص به عمومات المنع عن بيع الوقف ينافي البناء على عدم حجية التقرير في المكاتبة في صورة خلف أرباب الوقف. فلا وجه للتفكيك في الحجية بين التقريرين، بل لا بدّ من الالتزام بحجيته في المقامين أو الالتزام بعدمها فيهما، و لا معنى للتفصيل بينهما.

و بالجملة: أن المعاوضة لو اقتضت اشتراك الجميع في البدل كالمبدل، امتنع الحكم بصرف الثمن في حاجة الموجودين، بل اللازم كونه مشتركا بين الكلّ، فتصريح المحقق الثاني بعدم وجوب شراء البدل في هذا البيع مناف لمفهوم المبادلة.

و أمّا الأوّل- و هو منع التقرير- فيرده كونه خلاف مقتضى التأمل في المكاتبة، لأنّ الظاهر مطابقة الجواب للسؤال بتمامه، لا لجهة دون اخرى.

و عليه فينبغي جعل البيع للحاجة و لدفع الخلف من باب واحد، و عدم وجوب التبديل في المقامين.

(1) معطوف على «على منع» و إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا: «و إمّا منع العمل ...».

(2) غرضه إبطال الوجه الثاني بالمنافاة، و تقدم توضيحه آنفا.

______________________________

[1] هذا بناء على تصريحه في كتاب البيع، و لكنه في باب الوقف أوجب شراء البدل في مورد الحاجة أيضا، لقوله: «و إذا كان المجوّز للبيع حاجة الموقوف عليهم،

ص: 199

لكنّه (1) خلاف مقتضى التأمل في الرواية.

______________________________

(1) أي: لكنّ منع التقرير مخالف لظهور المكاتبة بعد التأمّل فيها.

هذا تمام الكلام في الوقف المؤبّد، و يقع الكلام في المنقطع إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

و أمكن شراء ما تكفيهم غلته و يكون وقفا وجب» «1».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 71

ص: 200

[و أمّا الوقف المنقطع]

و أمّا (1) الوقف المنقطع، و هو: ما إذا وقف على من ينقرض- بناء على

______________________________

(1) معطوف على قوله: «أمّا الأوّل» و كان المناسب التعبير هنا ب «و أما الثاني» ثم إنّ «الوقف المنقطع» يطلق تارة على ما إذا جعل المال على من ينقرض- سواء أ كان شخصا معيّنا كزيد. أم جمعا معينين كأولاده- و السكوت عمّا يصنع به بعد الانقراض.

و أخرى على الوقف المقترن بمدّة كعشرين سنة مثلا- إن لم يرد به الحبس- و هو مورد تسالمهم على البطلان.

قال السيد العاملي في شرح قول العلّامة قدّس سرّهما: «أو قرنه بمدّة لم يقع» ما لفظه:

«كما في الغنية و السرائر و الشرائع، و كذا الإستبصار، و هو معنى إجماع الخلاف و الغنية و السرائر و غيرها، إذ هو تفريع على اشتراط الدوام» «1». و في الجواهر:

«فلو وقفه و قرنه بمدة بطل قطعا مع فرض إرادته وقفا» «2».

و بالجملة: فالمقصود بالمنقطع الآخر هو المعنى الأوّل أي الوقف على من ينقرض غالبا. و المعروف في حكمه الصحة، على خلاف بينهم في مآل الوقف بعد انقراض الموقوف عليه، كما سنشير إليه. و لم يعرف القول بالبطلان إلّا من بعض

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 16

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 51

ص: 201

صحته كما هو المعروف (1)-

______________________________

الأصحاب على ما حكاه شيخ الطائفة عنه، حيث قال قدّس سرّه: «فإذا علّقه بما ينقرض، مثل أن يقول: وقفت هذا على أولادي و أولاد أولادي، و سكت على ذلك.

أو وقف على رجل بعينه، أو على جماعة بأعيانهم، و سكت على ذلك، فهل يصحّ ذلك أم لا؟ من أصحابنا من قال: يصحّ. و منهم من قال: لا يصحّ ...» «1».

(1) التعبير بالمعروف- دون المجمع عليه- في قبال القول بالبطلان رأسا كما حكي في المبسوط. قال في الجواهر في شرح عبارة المحقق: «و قيل: يجب إجراؤه حتى ينقرض المسمّون، و هو أشبه» ما لفظه: «بمعنى أنه يصحّ وقفا، كما هو صريح جماعة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الشيخين و المختلف و التذكرة و أكثر الأصحاب. بل قد عرفت احتمال كونه مذهب الجميع بناء على احتمال إرادة المساواة في الحكم من التصريح بكونه حبسا» «2» [1].

______________________________

[1] غرضه قدّس سرّه أن جمعا كثيرا من القائلين بصحة الوقف على من ينقرض عبّروا بكونه حبسا كما نقله السيد العاملي عن صريح جماعة و ظاهر آخرين كابني حمزة و سعيد و المحقق و العلّامة و فخر المحققين و الشهيدين و ابن فهد و الفاضل المقداد و المحقق الثاني و غيرهم. و من يظهر منه كونه وقفا هو الشيخ المفيد و ابن إدريس و محتمل كلام بعض آخر. و عليه لا يكون القول بصحة الوقف المنقطع- بعنوانه لا بعنوان الحبس- معروفا، بل و لا مشهورا.

و لعلّه لهذا اقتصر صاحب الرياض قدّس سرّه على نقل قولين في الوقف على من ينقرض غالبا، أحدهما البطلان، و الآخر صحته حبسا لا وقفا، و أن القول بصحته وقفا نادر جدّا غير معروف أصلا «3».

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 292

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 54

(3) رياض المسائل، ج 10، ص 106

ص: 202

______________________________

إلّا أن صاحب الجواهر قدّس سرّه ذهب إلى إرادتهم الوقف المنقطع من الحبس، عند من يرى رجوع المال بعد انقراض المسمّين إلى الواقف أو ورثته، بقرينة ما يفهم من أدلتهم، و أن الحبس عقد آخر غير الوقف المنقطع آخره، إذ المقصود منه التسليط على العين لاستيفاء منفعتها لا تمليك الرقبة، فلا معنى لإنشاء الوقف و وقوع الحبس.

و استشهد ببعض كلماتهم لذلك، كقول المحقق الثاني قدّس سرّه بعد نقل عبارة التذكرة:

«فعلى هذا تكون بعض أقسام الوقف حبسا، و حينئذ فالنزاع يرجع إلى التسمية فقط»، فراجع «1».

و لا بأس بالإشارة إلى ما استدل به على صحة الوقف المنقطع. و هو وجوه:

فمنها: الأصل، المراد به إما أصالة عدم اشتراط الوقف بالتأبيد، إذ مفهومه «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» الصادق عليه كصدقه على المؤبد، فلو اعتبر فيه كان منشؤه اشتراطه شرعا، و هو مشكوك فيه، فينفى بالأصل.

و إمّا أصالة عدم مانعية الانقطاع بناء على جريان الأصل في شرائط المركبات و أجزائها و موانعها، و كذا في الامور الاعتبارية الإنشائية. و معه لا مجال لأصالة الفساد المقتضية لعدم ترتب الأثر على فاقد الشرط المشكوك الدخل، أو واجد المانع كذلك. و تقدم بعض الكلام فيه في مقدمة ألفاظ العقود «2».

لكن لا تصل النوبة إلى الأصل العملي إلّا مع عدم الإطلاق اللفظي و المقامي، في أدلّة العقود، و في خصوص الوقف كما سيظهر.

و منها: الأمر بالوفاء بالعقود، إمّا لكون الوقف من العقود لاعتبار القبول فيه مطلقا، و إمّا لكون المراد بالعقد في الآية مطلق العهد كما في صحيحة ابن سنان، و الوقف عهد و إن أنشئ بالإيجاب خاصة، فيكون نافذا.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 55؛ جامع المقاصد، ج 9، ص 20

(2) راجع هدى الطالب، ج 2، ص 318- 325

ص: 203

______________________________

و منها: عموم قوله عليه السّلام في مكاتبة الصفار: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لظهوره في إمضاء الوقف الموقت بكلا تفسيريه الواردين في سؤال المكاتب، و هو قوله: «قال قوم: إنّ الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها. و قال آخرون:

هذا موقّت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا، و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين و الذي هو غير موقت أن يقول: هذا وقف و لم يذكر أحدا» «1».

لدلالته على أنّ المعهود من عنوان «الوقف الموقت» في عرف المكاتب- و هو الصفار- ما يذكر فيه الموقوف عليه، إمّا مع قرينة التأبيد كالوقف على أشخاص أو جهة، ثم تعقيبه بكونه للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، كما هو رأي قوم. و إمّا بالاقتصار على شخص و عقبه ما بقوا، و عدم تعيين مآل الوقف بعد انقراضهم. و الأوّل مؤبّد، و الثاني منقطع الآخر بحسب مصطلح الفقهاء. و يقابلهما غير الموقت أي ما لم يذكر الموقوف عليه أصلا، و هو باطل.

و بالجملة: فالقرينة الداخلية- و هي قول الصفار: «قال قوم ... و قال آخرون»- تشهد بأنّ المراد بالموقت ليس هو المقترن بمدّة و أجل، و إن كان المتبادر منه هو المحدود بزمان، بل المراد التصريح بالموقوف عليهم.

و منه يظهر متانة ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من تفسير إجمال صحيحة ابن مهزيار بصحيحة الصفار، حيث قال: «و معنى هذا الذي رواه علي بن مهزيار من قوله: كل وقف إلى وقت معلوم واجب، معناه: أنّه إذا كان الموقوف عليه مذكورا، لأنّه إن لم يذكر في الوقف موقوف عليه بطل الوقف. و لم يرد بالوقت الأجل، و كان هذا تعارفا بينهم. و الذي يدل على ذلك ما رواه محمد بن الحسن الصفار ...» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 307- 308، الباب 7 من أبواب الوقوف و الصدقات، الحديث: 2

(2) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 132؛ الإستبصار، ج 4، ص 100

ص: 204

______________________________

لكن قد يشكل هذا التفسير بذكر «الورثة» في كلتا الكليتين في صحيحة ابن مهزيار من قوله: «واجب على الورثة ... باطل مردود علي الورثة» مع عدم الدخل في الصحة و البطلان.

و لعلّه قد يوجّه تارة بما ذهب إليه جمع من المحدثين و الفقهاء من إبقاء «الوقت» على ظاهره و هو المدة، و إرادة الحبس من الوقف.

قال العلّامة المجلسي الأوّل قدّس سرّه: «اعلم أن ظاهر الجواب: أنّ الوقف بحسب ما يوقف. فإن كان مؤبّدا بأيّ وجه كان سواء ضمّ الفقراء و المساكين ... أو لم يضمّ فهو وقف مؤبّد. و إن كان موقّتا بأن يكون إلى مدة معلومة أو على شخص معيّن- و الغالب انقراضه- فليس بوقف بالمعنى الأخص، و لكنه حبس صحيح، لا يجوز بيعه ما دام المحبوس عليه حيّا، و بعده يرجع إلى ورثة الواقف. و هذا معنى قوله عليه السّلام:

باطل مردود على الورثة، أي يبطل بعد المدة، لا أنّه باطل عند الصيغة ...» «1».

لكن الحمل على الحبس مع تصريحهم بكون الوقف مجازا فيه منوط بقرينة مفقودة. و مجرّد إنشاء الوقف لمن ينقرض لا يصلح قرينة على إرادة الحبس، لتوقفها على المنافاة عرفا بين مفهوم الوقف و التقييد المزبور حتى يكون التقييد قرينة على إرادة خلاف الظاهر، و المفروض عدم دخل التأبيد- بهذا المعنى- في مفهوم الوقف.

و منافاة ظهور صدر مكاتبة ابن مهزيار للإجماع على بطلان الوقف الموقّت بمدّة، لا توجب الحمل على الحبس ما لم تنهض قرينة عليه.

و اخرى بما اختاره صاحب الجواهر قدّس سرّه بعد إبقاء «الوقف» على معناه المقابل للحبس، من أنّ الصحة تكون باعتبار بقاء الموقوف عليه الموقت، و الفساد بلحاظ

______________________________

(1) روضة المتقين، ج 11 ص 150، و أفاد نحوه نجله العلّامة في ملاذ الأخيار، ج 14، ص 403، و غيرهما، فلاحظ الوسائل، ج 13، ص 308؛ الحدائق الناظرة، ج 22، ص 135؛ رياض المسائل، ج 10، ص 106؛ مفتاح الكرامة، ج 9، ص 16 و 17

ص: 205

______________________________

انقراضه. قال قدّس سرّه: «ففي مثل المفروض هو موقّت ما دام الموقوف عليه موجودا، و غير موقت إذا انقرضوا، فيثبت له حكم كلّ منهما من الصحة و الفساد، ضرورة أن قوله عليه السّلام في الصحيح الأوّل:- هو كذلك عندي- تقرير للكليتين المفسّرين بالصحيح الآخر- أي صحيح الصفار- الذي هو كالصريح في صحة الوقف بالتفسير الثاني منهما، و هو مفروض مسألتنا» «1» و استشهد على ذلك بما ورد في الذيل من كونه مردودا على الورثة، إذ لو كان باطلا من أوّل الأمر لكان مردودا على الواقف الذي لم ينتقل المال عنه حتى يرد عليه مرة اخرى.

و لكن يمكن التأمل فيه بأن ظاهر المكاتبة التفصيل بين الموقت و غير الموقت، بالصحة في الأوّل و البطلان في الثاني، لا أنّ الموقت يصح في مدة بقاء الموقوف عليه، و يبطل بعده، حتى يكون إنشاء وقف متصفا بالصحة في زمان حياة الموقوف عليه و بالفساد بانقضائه.

و بعبارة اخرى: انّ توصيف «الوقف» بالصحة و الفساد تارة يكون بلحاظ حالات الوقف، بمعنى أنّه يحكم على فرد واحد من طبيعي الوقف بالصحة في مدة، و بالبطلان في مدة اخرى.

و اخرى يكون المتصف بهما هو الطبيعي بلحاظ حصصه، فبعضها محكوم بالصحة من أوّل الأمر، و ما دام عنوان «الوقف» و بعضها محكوم بالبطلان كذلك، لفقد شرط أو اقتران مانع، فلا ينقلب الصحيح باطلا. و الظاهر من الصحيحة هو الثاني، فالموقت صحيح، سواء أ كان الموقوف عليه دائما أم منقرضا، و غير الموقّت باطل.

و انتهاء الوقف في المنقطع بانقراض الموقوف عليه لا يوجب توصيفه بالباطل، إذا البطلان بانتفاء الموقوف عليه نظير انتفاء الوقف بانتفاء الموقوفة في كونه من انتفاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 56 و 57

ص: 206

فإمّا (1) أن نقول ببقائه

______________________________

(1) اعلم: أن محتملات مآل العين- بعد انقراض الموقوف عليه- ثلاثة، كما في كتب الأصحاب:

أوّلها: العود إلى الواقف أو ورثته، و هو قول الأكثر كما في المسالك.

ثانيها: الانتقال إلى ورثة الموقوف عليهم، نسب إلى الشيخ المفيد و ابن إدريس قدّس سرّهما.

ثالثها: الصرف في وجوه البرّ، نسب إلى السيد أبي المكارم قدّس سرّه.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «ثم على بالقول بصحته وقفا، فهل يرجع إلى ورثة

______________________________

العارض بانتفاء موضوعه، و هو ضروري.

و قوله عليه السّلام: «مردود على الورثة» لا يكون قرينة على إرادة الوقف المنقطع، كما لا يكون قرينة على إرادة الحبس، فلعلّ ذكره بالخصوص لأمر ما يقتضيه، و إلّا فالوقف إن كان صحيحا فقد وجب على الواقف، و إن كان باطلا فقد ردّ إليه.

إلّا أنّ إبهام جملة «النفوذ على الورثة و الرّد عليهم» لا يقدح في الاستدلال بالمكاتبة على مشروعية الوقف المنقطع و مضيّه على الواقف، و عدم دلالتها على صحة الحبس كما ورد في كلمات من اشير إليهم، مع تصريح مثل الشهيد الثاني قدّس سرّه بكون الوقف مجازا فيه، و عدم ما يصلح للقرينية عليه.

فلو كان تبادر المدة من «الوقت» مانعا عن إرادة الموقوف عليهم، كان تبادر «الوقف» المصطلح مانعا عن الحمل على الحبس، و ليست قرينية التعارف المستفادة من مكاتبة الصفار أضعف من قرينية انقراض الموقوف عليهم حتى نلتجئ إلى إرادة الحبس.

و المتحصل: وفاء المكاتبة بإثبات صحة الوقف المنقطع، و يقع الكلام في ما أفاده المصنف قدّس سرّه من تعيين المالك له، و جواز بيعه و عدمه.

ص: 207

على ملك الواقف (1)، و إمّا أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم (2).

______________________________

الواقف أم إلى ورثة الموقوف عليه، أم يصرف في وجوه البرّ؟ أقوال أيضا» «1».

و أمّا الاحتمال الرابع- و هو المذكور أوّلا في المتن من بقائه على ملك الواقف- فمبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا حقيقة كما في المسالك و غيره، لبقائه على ملك الحابس.

و أمّا بناء على مفروض الكلام من كون المنقطع كالمؤبّد وقفا حقيقة، فيظهر من بعض القول به.

ففي الجواهر: «و المصرّح ببقاء العين هنا- مع ندرته- مدّع أنّ هذا الوقف له حكم الحبس، و إنّما الذي يخالفه- أي يخالف بقاء الموقوفة على ملك الواقف- الوقف المؤبّد، دونه أي دون المنقطع» «2».

و قال في المقابس: «كل وقف منقطع يجري عليه حكم الحبس على الأصحّ، فيكون باقيا على ملك الواقف» «3».

و عليه فلا بدّ أن يقال في توجيه بقاء مالكية الواقف: إنّ الوقف إما يوجب زوال ملك الواقف و هو الدائم، و إمّا يوجب سلب سلطنته الفعلية على التصرف، و إن كان مالكا.

و بالجملة: فالغرض توجيه ما صنعه المصنف قدّس سرّه من تربيع الاحتمالات، و عدم اقتصاره على الثلاثة المعروفة في كلمات الأصحاب.

(1) كما نقله صاحب الجواهر عن بعض، و يظهر من صاحب المقابس أيضا.

(2) كما هو المعروف، لأن وزان الوقف المنقطع وزان المؤبّد في كونه تمليكا، و صيرورة الواقف أجنبيا عن المال بالمرّة.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 16، و كذا في مسالك الأفهام، ج 5، ص 356

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 56

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 208

و على الثاني (1)، فإمّا أن يملكوه ملكا مستقرّا (2) بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند انقراضهم، و إمّا (3) أن يقال بعوده إلى ملك الواقف، و إمّا (4) أن يقال بصيرورته في سبيل اللّه.

فعلى الأوّل (5): لا يجوز للموقوف عليهم البيع، لعدم الملك.

______________________________

و الفارق بينهما أنّ خروج المال عن الملك في المؤبد دائمي، و في الموقّت ما دامي أي ما دامت حياة الموقوف عليه، و هو منوط بقابلية الملك للتحديد، و عدم اعتبار إرساله.

(1) و هو انتقال المال إلى ملك الموقوف عليه إلى أن ينقرض، و فيه أقوال ثلاثة، تقدّمت آنفا.

(2) لا مؤقّتا، فالمراد بالاستقرار هنا عدم عوده إلى الواقف، و عدم صرفه في وجوه البرّ. فصيرورته ملكا مستقرا هو كونه كسائر أموال الموقوف عليه التي تنتقل إلى ورثته بعد انقراضه، كما إذا وقف دارا على ثلاثة بطون من أولاده، فينتقل- بعد انقراض البطن الثالث- إلى ورثتهم، لا إلى خصوص البطن الرابع.

(3) هذا هو الاحتمال الثاني بناء على تملك الموقوف له مدّة الوقف، فيكون تملكه مؤقتا لا دائما، فيعود إلى الواقف أو ورثته.

(4) هذا ثالث الاحتمالات، و قد نسب إلى السيد أبي المكارم و العلّامة في المختلف.

(5) لا يخفى أن الغرض الأصلي من التعرض للوقف المنقطع هنا- أي في موانع كون الملك طلقا من الوقف و الرهن و نحو هما- هو بيان حكم بيعه جوازا و منعا بالنظر إلى الاحتمالات الأربع المتقدمة.

فبناء على الاحتمال الأوّل- أعني به بقاء المال على ملك الواقف، و كون ثمرة هذا الوقف تملك الموقوف عليه للمنفعة، كما أن فائدة السكنى مجرد تسليطه عليها- إمّا أن يكون البائع هو الموقوف عليه، و إما الواقف.

ص: 209

و في جوازه (1) للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال،

______________________________

فإن كان هو الموقوف عليه لم يصحّ، لانتفاء المقتضي، و هو الملك.

فلو باع، فإن قلنا بصحته من الواقف- كما سيأتي في بعض الصور الأربع- كان بيع الموقوف عليه فضوليا منوطا بإجازة الواقف، و إن قلنا بعدم جوازه من الواقف بطل رأسا.

و إن كان البائع هو الواقف فقد فصّل المصنف قدّس سرّه بين صور أربع، فتارة يكون المشتري أجنبيا، و المراد به أن لا يكون له مساس بمنفعة الموقوفة، فليس هو الموقوف عليه، و لا من انتقل حق الموقوف عليه إليه بصلح.

و هذا على نحوين، إذ قد يبيع الواقف، و هو غير مالك للمنفعة أصلا. و هذا محل البحث في الصورة الاولى. و قد يبيع بعد أن تملّك المنفعة مرة اخرى، كأن تصالح عليها مع أرباب الموقوفة، و هذه هي الصورة الرابعة في كلام المصنف.

و اخرى يكون المشتري مستحقا لمنفعة الموقوفة، و هو على نحوين أيضا، فقد يكون هو الموقوف عليه، فتنضمّ العين إلى المنفعة، و كونهما معا ملكا له. و هذه هي الصورة الثانية.

و قد يكون غير الموقوف عليه، كما إذا تصالح أجنبي مع الموقوف عليه على منفعة الوقف، فانتقلت إليه، فأراد شراء العين من الواقف. و هذه هي الصورة الثالثة.

(1) أي: في جواز البيع. و هذا شروع في حكم الصورة الاولى، و الأصحاب بين مستشكل في جواز البيع، و مآله إلى المنع، و بين مصرّح بصحته، و بين متوقف و متردّد.

و استشكل المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما «1» في جواز البيع. و منشأ الإشكال هو الغرر اللازم من الجهل بقدر الانتفاع المستثنى، و يتضح وجهه بالنظر إلى أمرين:

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

ص: 210

..........

______________________________

الأوّل: أنّ العين الموقوفة على من ينقرض و إن كانت ملكا للواقف حسب الفرض، و لكنها مسلوبة المنفعة، لكونها مستحقة للموقوف عليه مدة حياته. و لمّا لم يكن أمد استحقاق المنفعة مضبوطا بالأعوام لم يعلم المشتري أن عوض الثمن هل هو المبيع المسلوب منفعته سنة أو مسلوبها عشر سنين؟ فيصدق «البيع الغرري» عليه، لدخل قصر المدة و طولها في مالية المبيع زيادة و نقصا.

و الشاهد على أن الجهل بزمان تسليم المنفعة يوجب غررية البيع ما ذكروه في بطلان بيع مسكن المطلّقة بالأقراء، لجهالة وقت انتفاع المشتري بدلك المسكن، لدوران زمان عدّتها بين ستة و عشرين يوما و لحظتين، و تسعة أشهر، و سنة، و خمسة عشر شهرا «1». فلو باع المالك هذا المسكن فلا بدّ أن يبيعه مسلوب المنفعة، فإن علم أمد العدة- كما إذا كانت بالأشهر- صحّ البيع، فهو نظير بيع دار مؤجّرة سنة. و إن لم يعلم لزم الجهل بوقت تسليم المنفعة- و هي السكنى- للمشتري، فيبطل البيع.

قال المحقق قدّس سرّه: «لو طلّقها ثم باع المنزل، فإن كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع، لأنّها تستحق سكنى غير معلومة، فيتحقق الجهالة ... و لو كانت معتدة بالشهور صحّ، لارتفاع الجهالة» «2».

و المقام أولى بالبطلان، لإمكان استثناء البائع- لمسكن المعتدّة- أطول مدة يقطع بعدم زيادة العدة عليها، و هي خمسة عشر شهرا، بخلاف ما نحن فيه، إذ لا سبيل للعلم بمدة حياة الموقوف عليه حتى يستثنيها الواقف.

الثاني: أنّه لا فرق في مانعية الغرر في البيع بين الجهل بذات العوضين و بين الجهل بشأنهما من وصف أو خصوصية كما في المقام، لكون وقت القدرة على تسليم

______________________________

(1) كما في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 141 و جواهر الكلام، ج 28، ص 128، و لاحظ شرائع الإسلام، ج 3، ص 36

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 43

ص: 211

من (1) حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التّام على وجه ينتفع به، و لذا (2) منع الأصحاب- كما في الإيضاح- «1» بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء، لجهالة مدّة العدّة مع عدم كثرة التفاوت (3).

نعم (4)، المحكيّ عن جماعة

______________________________

المنفعة للمشتري مجهولا.

و المتحصل من هذين الأمرين: فساد بيع الوقف لو كان المشتري أجنبيا عن الموقوف عليه، و لم يستحق المنفعة.

هذا تقريب المنع. و لعلّ التعبير عنه بالإشكال- دون المنع- للشبهة في إطلاق الغرر المنهي عنه في البيع لمثل الجهل بوقت التسليم مع معلومية ذات المبيع و منفعتها كما سيأتي تفصيله في (ص 587). و كذا منع قياس المقام ببيع مسكن المطلقة، فراجع المقابس و الجواهر و غيرهما.

(1) هذا وجه منع البيع، و لم يذكر المصنف قدّس سرّه وجها للجواز، فيظهر منه ترجيح المنع.

(2) أي: و لأجل لزوم الغرر من الجهل بزمان التسليم التام منع الأصحاب من بيع المكان الذي تسكنه المطلقة المعتدة بالأقراء. و أمّا المعتدة بالأشهر فلا مانع من البيع، للعلم بأمد عدّتها و استثناء تلك المدة، كصحته لو كان المبيع مستأجرا مدّة مضبوطة كسنة مثلا.

(3) إذ التفاوت بين أقصر العدد- و هو ستة و عشرون يوما و لحظتين- و بين أطولها- و هو خمسة عشر شهرا- يكون معلوما و مضبوطا بالأيام و الأشهر. بخلاف وقت انقضاء المنفعة بانقراض الموقوف عليه في المقام، فيفسد البيع للغرر.

(4) استدراك على قوله: «إشكال» و غرضه الإشارة إلى القول الثاني، و هو

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 409، و حكاه عن الأصحاب في مفتاح الكرامة عن إيضاح النافع، فراجع ج 9، ص 140

ص: 212

..........

______________________________

ما ذهب إليه جمع في الحبس الذي هو نظير الوقف المنقطع، من: أنّ المالك لو حبس داره لسكنى شخص فيها أي سلّطه على الانتفاع بها مع بقائها على ملكه- سواء قدّر السكنى بعمر نفسه، فيقول: «أسكنتك داري مدة حياتي» أو بعمر الساكن، فيقول: «أسكنتكها مدّة حياتك» جاز له بيع الدار، و ذلك لوجوه تدل على الجواز من القاعدة و النص الخاص و الإجماع.

أمّا الأوّل فهو إطلاق حلّ البيع المقتضي صحته، و انتفاء المانع منه سوى الغرر الناشئ من الجهل بوقت تسليم المنفعة للمشتري، إذ لا سبيل لإحراز مدّة استحقاقها للساكن.

و وجه انتفاء الغرر هو أنّ هذه الجمالة غير قادحة في صحة البيع، إذ الغرر المانع عنها هو ما ينشأ من جهالة العوضين اللّذين هما ركنا المعاملة، أو جهالة أحدهما. و أمّا إذا كان الغرر ناشئا من جهالة غير العوضين لم يكن مانعا عن صحة المعاملة كالمقام، فإنّ الغرر ناش عن الجهالة بمدة حياة الموقوف عليهم، و من المعلوم أنّ هذه الجهالة لا تمنع عن صحة البيع، إذ المبيع معلوم لكلّ من المتعاملين، و الغرر إنّما يكون في منفعتها، للجهل بزمان حياة الساكن. و من الواضح أنّ المنفعة ليست طرفا في المعاوضة.

و هذا نظير شراء البستان المشاهد المعلوم الذي لا يعلم بمقدار عوائده السنوية كما لا يخفى.

و أمّا الثاني فهو معتبرة الحسين بن نعيم عن الإمام الكاظم عليه السّلام حيث سأله أوّلا عن حكم حبس الدار على رجل و على عقبه من بعده، فأجابه عليه السّلام بنفوذه و لزومه، و يستحق المحبوس له و ذريته السكنى فيها. ثم سأله ثانيا عن جواز بيعها، فأجابه بجوازه و عدم مانعية الحبس عن صحة البيع، و لا ينتقض عقد السكنى بالبيع،

ص: 213

- كالمحقق (1) و الشهيدين في المسالك «1» و الدروس «2»

______________________________

و لكن لا تدخل منفعة الدار في ملك المشتري حتى ينقضي السكنى بانقراض الساكن و عقبه.

و المستفاد من تجويزه عليه السّلام للبيع أنّ جهالة وقت تسليم الدار للمشتري لا تمنع عن الصحة إمّا مطلقا، أو في خصوص المورد و نظائره كالوقف المنقطع بعد اتحاده حكما مع الحبس [1]، فلا مانع من بيع الواقف و إن كانت مدة استحقاق الموقوف عليهم مجهولة. و لم يستفصل الإمام عليه السّلام عن أن الحابس يريد بيعها من خصوص الساكن، أو من أجنبي، و مقتضى ترك الاستفصال جوازه مطلقا.

و أمّا الثالث، فهو الإجماع المدّعى في كلام الفاضل المقداد.

و النتيجة: أنه يجوز للواقف البيع، و لا يستحق المشتري استيفاء المنفعة إلّا بعد انقراض الموقوف عليهم.

(1) قال قدّس سرّه: «و لا تبطل- أي السكنى- بالبيع، بل يجب أن يوفى المعمّر ما شرط له» «3».

______________________________

[1] هذا بناء على اتحاد حكم الحبس و المنقطع بإلقاء خصوصية مورد السؤال، و إلّا فيقتصر في العمل بالصحيحة على الحبس، و بها يقيد إطلاق النهي عن بيع الغرر في خصوص دار السكنى. و تبقى شبهة سفهية البيع لو فرض سلب منفعة الدار عشرات السنين كما وردت في كلام السيد العاملي و غيره، فراجع «4».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 427- 429، و الحاكي عنهم السيد العاملي و صاحب المقابس، لاحظ:

مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

(2) الدروس الشرعية، ج 2، ص 282

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 225 و نحوه في المختصر النافع، ص 159

(4) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، آخر الصفحة

ص: 214

و غيرهم (1)- صحة البيع في السّكنى الموقتة بعمر أحدهما (2)، بل (3) ربما يظهر من محكي التنقيح «1»: الإجماع عليه (4).

و لعلّه (5) إمّا لمنع الغرر، و إمّا للنّص، و هو ما رواه المشايخ الثلاثة- في الصحيح (6) أو الحسن (7)- عن الحسين بن نعيم، قال: «سألت أبا لحسن عليه السّلام عن رجل جعل داره سكنى لرجل زمان حياته، و لعقبه من بعده. قال: هي له و لعقبه من بعده، كما شرط.

______________________________

(1) كأصحاب الكفاية و المفاتيح و الرياض على ما حكاه السيد العاملي عنهم قدّس سرّه «2».

(2) أي: الساكن أو المسكن.

(3) إشارة إلى دليل آخر على الصحة، و الوجه في الإضراب ب «بل» واضح، لأنّ المصرّح بأسمائهم لا يتحقق بهم شهرة فضلا عن الاتفاق، فدعوى الفاضل السيوري قدّس سرّه ترقّ من فتوى تلك العدة إلى إطباق الكلّ عليه.

(4) أي: على الصحة، فالأولى تأنيث الضمير. و إرجاعه إلى «المحكي» لا يخلو عن سماجة.

(5) أي: و لعلّ الصحة لوجود المقتضي و عدم مانعية الغرر. و جملة «إما ...

و إما» خبر «و لعلّه».

(6) بطريق الصدوق قدّس سرّه، لأنه رواه بسنده عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن نعيم، و الإسناد صحيح، و ابن نعيم الصحّاف ثقة.

(7) بسند الكليني و شيخ الطائفة عنه، لأنه رواها عن علي بن إبراهيم عن أبيه

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 336، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 139

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140، و لاحظ: كفاية الأحكام، ص 143؛ مفاتيح الشرائع، ج 3، ص 220؛ رياض المسائل، ج 10، ص 191- 192

ص: 215

قلت: فإن احتاج إلى بيعها؟ قال: نعم. قلت: فينقض البيع السكنى؟

قال: لا ينقض البيع السكنى. كذلك سمعت أبي يقول: قال أبو جعفر عليه السّلام لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى، و لكن يبيعه على أنّ الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى على ما شرط ...» الخبر (1).

و مع ذلك (2) فقد توقّف في المسألة العلّامة (3)

______________________________

عن ابن أبي عمير. و عدّه حسنا لمكان إبراهيم بن هاشم. و إن تقرّر- في محلّه- وثاقته.

(1) تتمّة الخبر هو: «و كذلك الإجارة. قلت: فإن ردّ على المستأجر ماله و جميع ما لزمه من النفقة و العمارة فيما استأجر؟ قال: على طيبة النفس، و يرضى المستأجر بذلك لا بأس» «1».

(2) أي: و مع عدم مانعية الغرر- و وجود النص على جواز البيع و دعوى الإجماع عليه- فقد توقّف العلّامة و غيره، و من المعلوم أنّ هذا التوقف يقدح في الإجماع، فليست صحة البيع في السكنى الموقتة بعمر الساكن أو المالك مسلّمة حتى تكون نقضا بما هو مسلّم عند الأصحاب، و تكون وجها لصحة بيع الواقف للوقف المنقطع.

(3) يعني: في بعض كتبه كالقواعد و المختلف و موضع من التذكرة «2»، و إلّا فنسبة التوقف إلى العلّامة بقول مطلق لا تخلو من شي ء، لدلالة قوله في الإرشاد:

«و لا يبطل بالبيع» على الجواز و كذا في موضع من التذكرة، و رجّح في التحرير

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 38، الحديث: 38؛ من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 251، الحديث: 5595؛ التهذيب، ج 9، ص 141؛ الإستبصار، ج 4، ص 104، الباب 65 (باب السكنى و العمرى) الحديث: 4 عنها: وسائل الشيعة، ج 13، ص 267، الباب 24 من أبواب أحكام الإجارة، الحديث: 3

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 403؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 336؛ تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 451، السطر 20 و 21 (الحجرية)

ص: 216

و ولده (1) و المحقق الثاني (2).

و لو باعه (3) من الموقوف عليه

______________________________

المنع، لقوله: «الأقرب أنه لا يجوز البيع» «1».

و لعلّ المصنف قدّس سرّه اعتمد على حكاية فخر المحققين قدّس سرّه من قوله: «قال والدي دام ظله: لا افتي فيها بشي ء» فإنّه موهم لتوقفه في المسألة في جميع كتبه.

(1) قال: «و عندي في هذه المسألة إشكال» «2».

(2) قال بعد نقل وجهي الإشكال: «و للنظر في كلّ من الطرفين مجال» «3».

هذا تمام الكلام في الصورة الاولى، و هي أن يبيع الواقف الوقف المنقطع من أجنبي. و ظاهر المصنف ترجيح المنع.

(3) أي: لو باع الواقف الوقف المنقطع من الموقوف عليه، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة في (ص 210). و فيها و جهان بل قولان، أحدهما الجواز، و الآخر المنع.

و استظهر المصنف قدّس سرّه الجواز أوّلا، لوجود المقتضى و هو الملك، و فقد المانع، إذ ما يتصور كونه مانعا هو الغرر، بتقريب: أن منفعة العين تنقسم- باعتبار اختصاصها بالموقوف عليه- إلى قسمين، فقسم منها مملوكة له، و هي مدة حياته، و قسم منها مملوكة للواقف، و هي ما بعد انقراض الموقوف عليه، من جهة تبعيتها لملك العين، و حيث إن مدّة حياة الموقوف عليه مجهولة فلم يعلم مقدار المنفعة التي يتملكها المشتري بالبيع، فيبطل.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 140؛ إرشاد الأذهان، ج 1، ص 456. لكن نفى صاحب المقابس ظهور عبارة الإرشاد في جواز البيع فضلا عن صراحته فيه، و إن نسبه إليه جمع منهم العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، ج 14، ص 424

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 409

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 125

ص: 217

المختصّ بمنفعة (1) الوقف، فالظاهر جوازه، لعدم الغرر.

و يحتمل العدم (2)، لأنّ معرفة المجموع المركّب من ملك البائع و حقّ

______________________________

و نفى المصنف قدّس سرّه شبهة الغرر هنا، و وجهه: أنّ ما يعتبر العلم به في صحة البيع- و هو العلم بالمبيع ذاتا و صفة- حاصل، و الجهل بخصوصية المنفعة و إن كان محقّقا، لكنه غير قادح في صحته، و لذا جوّزوا بيع الشاة ذات اللبن مع الجهل بقدر ما يحلب منها.

و في المقام لمّا كانت المنفعة مملوكة للموقوف عليه قبل شراء الرقبة و بعده، لم يقدح الجهل بمدّة حياته- المستتبع للجهل بزمان تملك المنفعة بتبعيتها لملك الرقبة- في صحة البيع. نعم لو كان المشتري أجنبيا غير مستحق للمنفعة كان تملك العين مسلوبة الفائدة مدّة غير مضبوطة موجبا لثبوت الخيار له بين الإمضاء و الفسخ- في صورة الجهل- دفعا للضرر.

و هذا القول نقله صاحب المقابس قدّس سرّه عن الفاضل الصيمري حاكيا له عن مشايخه في بيع العين المحبوسة على المحبوس عليه و المعمّر، و استحسنه. فراجع «1».

(1) هذه الكلمة ظاهرة في أن الموقوف عليه مختص بالمنفعة لا بالانتفاع، و لذا يجوز له تفويضها إلى الغير، كما سيأتي.

(2) أي: عدم الجواز، و هذا ثاني الوجهين، و تقدم تقريب الغرر آنفا، و المقصود سراية الجهالة من المنفعة المملوكة للواقف إلى المبيع، بدعوى كونها موزّعة على الواقف و الموقوف عليه، و لم يعلم حصة كل منهما منها، فالعين و إن كانت معلومة، إلا أن مقدارا من المنافع تابعة لها و منضمة إليها، و حيث إن هذه الضميمة مجهولة المقدار سرى الجهل إلى المبيع من حيث المجموع، فيبطل بيعه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65

ص: 218

المشتري لا يوجب معرفة المبيع (1).

و كذا (2) لو باعه ممّن (3) انتقل إليه حقّ الموقوف عليه.

نعم (4)، لو انتقل إلى الواقف ثم باع صحّ جزما.

و أمّا (5) مجرّد رضا الموقوف عليهم، فلا يجوّز البيع من الأجنبي، لأنّ

______________________________

(1) فيصر مجهولا فيبطل البيع.

لكن فيه ما تقدم في تقريب عدم الغرر في بيع السكنى الموقتة بعمر أحدهما، فإن مقتضاه صحة البيع من الموقوف عليهم و غيرهم، إذ الغرر الناشئ في المنفعة من الجهل بمدة الحياة ليس مانعا عن البيع، لعدم كونه في شي ء من العوضين.

(2) يعني: أن الظاهر جواز البيع كما يحتمل عدمه.

و هذا إشارة إلى الصورة الثالثة، و هي ما إذا انتقل حق الموقوف عليه- بالصلح- إلى أجنبي، فصار هو المستحق للمنفعة، ثم اشترى الموقوفة. و الوجه في جواز البيع وجود المقتضي و فقد المانع، كما تقدم في الصورة الثانية.

(3) ليس المراد بمن انتقل إليه الحق البطن اللاحق للموقوف عليه، إذ لو كان كذلك لم يصح التعبير بالانتقال، لأنّه يتلقّى ملك المنفعة من الواقف بمجرد انقضاء من قبله.

(4) ظاهره الاستدراك على قوله: «فالظاهر جوازه» يعني: أن احتمال منع البيع المتطرق في الصورة الثانية و الثالثة لا مجال لها في الصورة الرابعة، و هي التي ينتقل حق الموقوف عليه إلى الواقف. و منشأ الجزم بالصحة كون المنفعة بتمامها ملكا له حال البيع، فلا يبقى منشأ لشبهة الغرر من جهة تبعض المنفعة- بين الواقف و الموقوف عليه- في فترة من الزمان.

(5) هذا كالاستدراك على قوله: «صحّ جزما» و تمهيد للنظر في ما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدّس سرّهما. و توضيحه: أنّه لمّا جزم المصنف قدّس سرّه بصحة بيع الواقف بعد انتقال حق الموقوف عليهم إليه، اتّجه السؤال بأنّ المعتبر في صحة بيع

ص: 219

المنفعة مال (1) لهم، فلا تنتقل (2) إلى المشتري بلا عوض.

______________________________

الواقف هل هو الصلح على المنفعة التي هي حقّ للموقوف عليهم كي ينتقل إليه، فيكون المبيع- عينا و منفعة- مملوكا له، أم أنّه يكفي إذن الموقوف عليهم في صحة تصرفات الواقف و إن لم تدخل المنفعة في ملكه؟

اختار شيخنا الأعظم الأوّل، مستدلّا عليه بما حاصله: أنّ المقصود من بيع الواقف انتقال العين بجميع منافعها إلى المشتري لئلّا يلزم الغرر.

لكن إذن الموقوف عليه لهذا البيع مشكل، سواء أ كان المأذون فيه بيع العين أو المنفعة. أمّا الإذن في بيع العين، فلا معنى له، لكونها ملكا للواقف. و أمّا الرضا بنقل المنافع إلى المشتري فلا معنى له أيضا، و ذلك لأنّ انتقالها إليه لا بدّ أن يكون بعقد ناقل لها و هو الإجارة و الصلح المفيد فائدتها، و المفروض عدم تحقق شي ء منهما.

و معه لا موجب لتملّك المشتري للمنفعة المختصة بالموقوف عليهم، و يكون المنتقل إليه هو العين المسلوبة منفعتها.

نعم، يمكن تصحيح انتقال المنفعة إلى المشتري بأحد وجهين سيأتي بيانهما.

(1) مراده قدّس سرّه من كون المنفعة مالا للموقوف عليهم هو عدم قبولها للانتقال إلى المشتري بلا عوض، فيتوقف تملكها على نواقل المنفعة. و ليس المراد أنّ هذه المنفعة الخاصة مال غير قابل للدخول في ملك الغير. و ذلك لأنّ شأن المال- بما هو مال- ليس عدم الانتقال إلى الغير بلا عوض، فالهبة و الصلح المفيد فائدتها ناقلان للمال، و المفروض عدم تحقق ناقل المنفعة بعد.

(2) يعني: أنّ المنفعة لا تنتقل إلى المشتري، لأن البيع تمليك العين لا تمليك المنفعة، بل المنفعة تملك في البيع بتبعية العين، و المفروض فقدان قاعدة التبعية هنا، إذ المنفعة ملك لغير مالك العين، فلا تجري فيها قاعدة التبعية. فرضا الموقوف عليهم- لو أثّر- يصحّح البيع بالنسبة إلى نفس العين، فتنتقل العين مسلوبة المنفعة إلى المشتري، و انتقال المنفعة إليه منوط بناقل آخر، و لم يتحقق بعد.

ص: 220

اللّهم إلّا أن يكون على وجه الإسقاط (1) لو (2) صحّحناه منهم.

______________________________

(1) هذا أحد الوجهين المصحّحين لبيع الواقف مع عدم انتقال حق الموقوف عليهم إليه قبله، و محصّله: أن يكون إذن الموقوف عليهم إسقاطا لحق الانتفاع بالموقوفة، لأن لكل ذي حق إسقاط حقه، و مع هذا الإسقاط يخلص المال للموقوف عليه عينا و منفعة، فلا جهل و لا غرر في البين، و يصح بيعه حينئذ، و يكون تمام الثمن له.

و يستفاد قابلية المنفعة المملوكة للإسقاط من صاحب المقابس قدّس سرّه، لقوله:

«فإنّ المنفعة مملوكة للمحبوس عليه قطعا، و يجوز المعاوضة عليها بشرائطها. و حينئذ فيجوز إسقاطها قطعا» «1».

و لكن يردّه امتناع إسقاط المنفعة، إذ القابل للإسقاط- مع العوض أو بدونه- هو مقولة الحق المقابل للملك، كحق الخيار و الشفعة و التحجير. و أمّا الملك- عينا كان أو منفعة- فنقله إلى الغير يكون بالنواقل الشرعية المعهودة.

فإن كان موجودا خارجا صحّ نقله إلى الغير بالهبة المختصة بتمليك الأعيان.

و إن كان كليّا ذميّا كالديون كان قابلا للإبراء الذي لم يستبعد المصنف قدّس سرّه في أوّل البيع كونه تمليكا.

و إن كان منفعة- كالمقام- انتقلت إلى الغير بالإجارة و الصلح المفيد فائدتها.

و على هذا فلا يكون إذن الموقوف عليهم في البيع إسقاطا للمنفعة المملوكة كما لا يكون تمليكا لها للمشتري، لعدم السبب المملّك من إجارة أو صلح. و نتيجته كون بيع الواقف تمليكا للعين مجرّدا عن المنفعة، و يعود محذور الغرر حينئذ.

(2) يعني: لو صحّحنا الإسقاط منهم، و غرضه التأمل في المصحّح الأوّل.

و تقدم آنفا عدم قابلية المنفعة للإسقاط، و أنّ انتقالها يكون بالناقل المملّك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66، و كذا عبّر بالإسقاط في ص 65، فراجع.

ص: 221

أو يكون (1) المعاملة مركّبة من نقل العين من طرف الواقف، و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزّعا عليهما (2).

______________________________

و لعلّ وجه التأمل: أنّ المنفعة إذا كانت ملكا للموقوف عليهم فإسقاطها إعراض عن ملكيتها، و خروج المال عن الملكية يسبب الإعراض محل الإشكال.

نعم، إذا كان للموقوف عليهم حقّ الانتفاع بالعين الموقوفة من دون أن يكونوا مالكين للمنفعة فلإسقاط حقّهم مجال.

(1) معطوف على «يكون» و هذا ثاني وجهي التصحيح، و حاصله: أن يكون بيع الواقف للموقوفة- مع رضا الموقوف عليهم- معاملة مركّبة من تمليك العين من قبل نفسه، و تمليك المنفعة من طرف الموقوف عليهم، بحيث يكون كلاهما مصبّ العقد، و تصير المنفعة كالعين معوّضا، و يكون الثمن مبذولا بازائهما معا.

و بعبارة اخرى: تكون المنفعة حينئذ في عرض العين في مقام إنشاء المعاملة، و تعلق القصد بتمليك كلّ منهما.

لكن لمّا لم يكن في العقود المعاوضية المعهودة ما ينقل به العين و المنفعة معا، كان الإنشاء القابل لنقلهما منحصرا في الصلح، فالواقف يصالح على العين- أصالة- ببعض العوض، و على مقدار من المنفعة- وكالة عن الموقوف عليه- ببعضه الآخر.

و هذا الوجه نقله صاحب المقابس و غيره عن الشهيد الثاني قدّس سرّه، لقوله:

«و ليس ببعيد جواز الصلح عليها- أي على المنفعة- لاحتماله من الجهالة ما لا يحتمله البيع، و صحته على العين و المنفعة. فعلى هذا لو كان مشتري العين غيره- أي غير الموقوف عليه- و جوّزناه، جاز له أن يصالح المشتري على تلك المنفعة المستحقة له مدة عمره بمال معلوم، و يصير المشتري حينئذ مالكا للجميع، كما لو كان هو المعمر» «1».

(2) أي: على الواقف و الموقوف عليهم، و تثنية الضمير باعتبار الطرفين،

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 430؛ المقابس، ص 65- 66

ص: 222

و لا بدّ أن يكون ذلك على وجه الصلح، لأنّ غيره (1) لا يتضمّن نقل العين و المنفعة كليهما، خصوصا (2) مع جهالة المنفعة [1].

و ممّا ذكرنا (3) يظهر وجه التأمّل فيما حكي عن التنقيح: من «أنّه لو اتّفق

______________________________

لا أشخاص الموقوف عليهم.

(1) أي: غير الصلح لا يتضمّن نقلهما معا، لوضوح كون البيع ناقلا للأعيان، و الإجارة للمنافع، و هكذا غيرهما.

(2) يعني: أنّ جهالة المنفعة مانع آخر، فإنّ الإنشاء المتضمن لنقل العين و المنفعة معا بنحو العرضية لا يكون بيعا، لما عرفت من أنّه تمليك للعين.

مضافا إلى: أنّ جهالة المنفعة مانعة عن صحة الإنشاء البيعي. فينحصر التخلص- من جهتي المنع- في الإنشاء بعنوان الصلح.

(3) يعني: و من عدم جواز نقل العين و المنفعة بإنشاء واحد غير الصلح- و عدم كفاية مجرد رضا الموقوف عليهم ببيع العين- يظهر وجه التأمّل فيما حكاه صاحب المقابس عن الفاضل المقداد قدّس سرّهما من تجويز بيع الوقف المنقطع عند توافق الواقف و الموقوف عليه.

______________________________

[1] قد يورد على هذه الخصوصية بأنّ المحذور أمر واحد، و هو جهالة المنفعة، فلو كانت معلومة أمكن نقل العين و منافعها بإنشاء واحد، بأن يبيع العين بمنافعها، فيفيد فائدة البيع بالنسبة إلى العين، و فائدة الإجارة بالنسبة إلى المنفعة.

و المانع عن هذا البيع هو الجهل بقدر المنفعة.

و الحاصل: أن التعبير ب «خصوصا» ظاهر في تعدد جهة الإشكال، أوّلهما:

فقد العقد الناقل للعين و المنفعة، و ثانيهما: الجهالة، مع أن المحذور هو الجهالة فحسب «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 276

ص: 223

الواقف و الموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز»

______________________________

قال المحقق الشوشتري: «و أمّا السيوري فجوّز بيع الموقوف عليه إذا اتفق على ذلك مع الواقف أو وارثه، معلّلا بأنّه باق على ملك الواقف و وارثه. و الظاهر اعتبر الاتفاق لجواز بيع الموقوف عليه. و أمّا الواقف فلا يتوقف بيعه على إذن الموقوف عليه، إلّا إذا جعل المنافع داخلة- أي منضمة إلى العين- فيتوقّف من هذه الجهة. و قد صرّح هو في السكنى بأنّه إن أسكنه مطلقا كان بيع المالك رجوعا. و إن كان موقّتا لم يجز رجوع المالك في المنفعة الموقتة ... بل إن كان المشتري عالما لزم البيع ... و إلّا تخيّر بين الصبر و الفسخ» «1».

و محصل كلام التنقيح في بيع الوقف المنقطع جواز بيع كلّ من الواقف و الموقوف عليه برضا الآخر، لكون الأوّل مالكا للعين، و الآخر للمنفعة. و استظهر المحقق الشوشتري منه أن مقصوده إناطة جواز بيع الموقوف عليه برضا الواقف. و أما بيع الواقف فلا يعتبر فيه إذن الموقوف عليه. و استشهد بكلامه في باب السكنى من جواز تصدّي المسكن للبيع و صحته، و إن كان خياريا في فرض جهل المشتري.

و لا فرق في منع البيع بين الاحتمالين، و هما: أن يكون مقصوده إناطة بيع الموقوف عليه برضا الواقف، و أن يكون مراده توقف بيع الواقف على إذن الموقوف عليه. و الوجه في عدم الفرق ما تقدم في (ص 211) من أن بيع الموقوفة لا يتكفّل نقل المنفعة المملوكة إلى المشتري، و حيث إنه لا ناقل آخر للمنفعة فتبقى في ملك الموقوف عليهم، و يعود محذور الغرر.

نعم، يتجه ما أفاده الفاضل المقداد قدّس سرّه- من جواز البيع- بتسليم أمرين:

أحدهما: أن يكون عقد السكنى مفيدا لإباحة الانتفاع و السلطنة عليه، لا تمليك المنفعة. و لعلّه لهذا ذهب الأكثر إلى أنه لا يجوز للساكن إجارة الدار التي

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 65؛ التنقيح الرائع، ج 2، ص 329- 330، و لاحظ باب السكنى، ص 336

ص: 224

سواء (1) أراد بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، كما يدلّ عليه (2) كلامه المحكيّ عنه في مسألة السّكنى،

______________________________

جعل له سكناها، إذ لو كان مدلول الإنشاء جعل منفعة الدار- و هي طبيعي السكنى فيها- للساكن من دون لحاظ قيامها بشخصه لزم صحة إيجارها.

ثانيهما: أن يكون ثمرة الوقف المنقطع مجرد حق الانتفاع بالعين، فلم ينتقل إليه العين و لا المنفعة.

فإن تمّ الأمران اتجه جواز بيع الموقوفة، لأن رضا الموقوف عليه إسقاط لحقّ انتفاعه، و من المعلوم أن لكل ذي حق إسقاط حقه، فيزول تعلق الموقوف عليه بالوقف، و يجوز للواقف بيعه حينئذ، لصيرورته ملكا خالصا له.

لكنّ في قابلية حق الانتفاع للإسقاط تأمّلا سيأتي.

(1) يعني: يعني: أن للتأمل في كلام التنقيح مجالا، سواء أ كان مقصوده بيع الواقف مع رضا الموقوف عليه، أم بيع الموقوف عليه مع رضا الواقف.

(2) يحتمل في مرجع هذا الضمير و جهان:

الأوّل: ما أفاده العلّامة الشهيدي قدّس سرّه «1» من أنه «تجويز البيع عند اتفاق الواقف و الموقوف عليه. و لعلّ نظره في موضع الدلالة إلى قوله- أي: قول الفاضل المقداد قدّس سرّه: و لو من دون نظر مالك الانتفاع أو المنفعة، حيث إنّه يدل على جواز البيع مع رضا الواقف و الموقوف عليه بطريق أولى».

و وجه الأولوية: أنّ جواز البيع مع استقلال مالك العين- و عدم رضا الموقوف عليهم- يدلّ على جوازه مع رضا مالك المنفعة أو الانتفاع بطريق أولى.

و بناء على هذا يكون مقصود المصنف قدّس سرّه من الاستشهاد بعبارة التنقيح تثبيت ما نسبه إليه من جواز البيع، بلا نظر إلى خصوصية كون البائع هو الواقف أو الموقوف عليه.

______________________________

(1) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 358

ص: 225

حيث (1) أجاز استقلال مالك العين بالبيع و لو (2) من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة.

نعم (3) لو كان للموقوف عليه

______________________________

الثاني: ما يخطر بالبال من أنّ مرجع الضمير «كون البائع هو الموقوف عليه» فكأنّ المصنف ساق كلامه هكذا: «سواء أراد التنقيح بيع الواقف أو بيع الموقوف عليه، و إن كان الظاهر أنه أراد بيع الموقوف عليه. و يدل على هذا الظهور كلامه في باب السكنى». و بناء على هذا الاحتمال يكون المصنف موافقا لصاحب المقابس قدّس سرّه في ما استظهره من عبارة التنقيح.

و لعلّ هذا الاحتمال أنسب بما أفاده الفاضل المقداد قدّس سرّه في شرح قول المحقق:

«و لو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى» من أنّ مفروض الكلام هو بيع المالك لا الساكن، حيث قال: «بخلاف الأوّل- أي كون السكنى مؤقتة بأمد- فإن الساكن ملك منفعة العين بالعقد، ثم المشتري إن كان عالما فلا خيار له، و وجب عليه الصبر، و إلّا تخيّر بين الفسخ و الصبر، و هو إجماع ...» «1» فإنّ المفهوم من هذا الكلام أنّ من يتوقف بيعه على الرضا هو الساكن لا المسكن. فليكن الأمر كذلك في الوقف المنقطع.

(1) هذا موضع الاستظهار من كلام التنقيح.

(2) يستفاد هذا الإطلاق من عدم تقييد جواز بيع المالك بكونه عن رضا الساكن.

(3) استدراك على قوله: «يظهر وجه التأمل» و غرضه توجيه كلام الفاضل السيوري، و تقدم توضيحه بقولنا: «نعم يتجه ما أفاده الفاضل المقداد ...» فلاحظ (ص 224).

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 336

ص: 226

حقّ الانتفاع (1) من دون تملّك للمنفعة- كما في السكنى على قول (2)- صحّ (3) ما ذكره، لإمكان سقوط الحقّ بالإسقاط، بخلاف المال (4)، فتأمّل (5).

______________________________

(1) هذا إشارة إلى الأمر الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما: أن يكون ثمرة الوقف المنقطع ... الخ».

(2) لعلّ نظره قدّس سرّه إلى ما عزاه صاحب المقابس إلى ظاهر الشيخ و القاضي، بل الأكثر، من أن فائدة عقد السكنى هو ملك الانتفاع بالسكنى و نحوها- لا ملك المنفعة كما اختاره الحلّي، و لذا جوّز للساكن إيجار دار السكنى «1»- فقال في الإيراد على جواز الصلح عليه- كما تقدّم في (ص 222) عن المسالك- ما لفظه: «و لا يخفى أنّه إن كان مالكا للانتفاع بالسّكنى و نحوها- لا المنفعة- ففي جواز المعاوضة عليه نظر، لأنّها تختص بالعين و المنافع. نعم يجوز إسقاط الحق و لو بعد أن يبذل له شي ء لذلك، كما يجوز إسقاط الخيار و الشفعة .... و إن كان مالكا للمنفعة كما هو اختيار الحلّي صحّ ما ذكره» «2».

(3) جواب الشرط في «لو كان» أي: صحّ ما ذكره صاحب التنقيح من جواز بيع الوقف المنقطع بالرضا.

(4) المراد به المنفعة، فإنّها كالعين مملوكة، و نقلها إلى الغير بالإجارة و الصلح، لا بالإسقاط. فالأولى- كما افيد- تبديل المال بالملك، إذ لا ريب في صدق «المال» على بعض الحقوق كحق التحجير، و لذا يجوز المصالحة عليه بعوض.

لكن لا يبعد أن يكون المال هو الملك، بناء على ما تقدم في أوّل البيع من التأمل في صدق المال على الحقوق مطلقا حتى ما يقبل النقل و الانتقال «3».

(5) لعلّه إشارة إلى: إمكان دعوى عدم سقوط حق انتفاع الموقوف عليهم

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 169

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(3) راجع هدى الطالب، ج 1، ص 109

ص: 227

و تمام الكلام في هذا المسائل (1) في باب السكنى و الحبس إن شاء اللّه تعالى.

و على الثاني (2): فلا يجوز البيع للواقف، لعدم الملك، و لا للموقوف عليه لاعتبار الواقف بقاءه في يدهم إلى انقراضهم (3).

______________________________

بالإسقاط، لعدم كون سقوطه بالإسقاط لازما مساويا للحق، فيمكن أن يكون حقّا غير قابل للإسقاط كحق الولاية و الحضانة. و إن أبيت إلّا عن ملازمة الحق للسقوط بالإسقاط فلا مانع من تسميته بالحكم.

و على كل حال فلم يثبت سقوطه بالإسقاط لو لم يثبت عدم سقوطه به.

و الشك فيه مجرى استصحاب بقائه، فلاحظ و تأمل.

(1) مثل: كون أثر السكنى ملك المنفعة، أو ملك الانتفاع، أو التسليط على الانتفاع كما في العارية. و: أن المجعول لو كان حقّ الانتفاع فهل هو من الحقوق القابلة للإسقاط أم لا؟

و: هل يجوز للمالك المسكن الاستقلال بالبيع، أم يلزم الاستيذان من الساكن؟

هذا تمام الكلام في حكم بيع الوقف المنقطع بناء على القول ببقائه على ملك الواقف.

(2) معطوف على قوله في (ص 209): «فعلى الأوّل» و المراد بالثاني هو انتقال المال- بالملك المستقر- إلى الموقوف عليهم.

و حاصل ما أفاده: عدم جواز بيعه، لا للواقف، لانتفاء المقتضي، و هو الملك، و من المعلوم أنه لا بيع إلّا في ملك. و لا للموقوف عليه، فإنّ الوقف و إن كان ملكا له لكنه ليس طلقا، و ذلك للزوم مراعاة ما أنشأه الواقف كون العين مملوكة للموقوف عليهم إلى زمان الانقراض، ثم انتقالها إلى ورثتهم بالإرث، و صيرورتها ملكا طلقا لهم. و لا ريب في منافاة البيع لهذا المنشأ.

(3) يعني: فلا يكون ملكا طلقا للموقوف عليهم حتى يجوز بيعه.

هذا بناء على بعض كلمات المصنف في الوقف المؤبّد من كون منع البيع من

ص: 228

و على الثالث (1): فلا يجوز البيع للموقوف عليه و إن أجاز الواقف،

______________________________

اعتبارات الواقف الممضاة شرعا.

و أمّا بناء على ما تكرّر منه من عدم دخل منع البيع في حقيقة الوقف، بل هو أمر اعتبره الشارع تعبدا، فقد يشكل ما أفاده هنا من لزوم رعاية مجعول الواقف.

(1) معطوف أيضا على قوله: «فعلى الأوّل» و المراد بالثالث تملك الموقوف عليه موقّتا ببقائه، و انتقال الوقف بعد الانقراض إلى الواقف.

و محصّل ما أفاده قدّس سرّه: أنه لا يجوز البيع أصلا. أما عدم جوازه للموقوف عليه فلأنه و إن كان مالكا فعلا، إلا أن الواقف اشترط بقاء العين في يده لانتفاعه بها و رجوعها إليه بعد الانقراض.

و لا فرق في منع البيع بين إجازة الواقف له، و عدمه. أما مع عدم الإجازة فواضح. و أمّا معها فلعدم العبرة بها من جهة منافاة الإجازة لما اعتبره في إنشاء الوقف و أمضاه الشارع من كونه أجنبيا عن الموقوفة مدّة حياة الموقوف عليه.

و أما عدم جوازه للواقف فلعدم الملك فعلا، سواء أجاز المالك الفعلي و هو الموقوف عليه أم لا. أما مع عدم الإجازة فواضح، و أمّا مع الإجازة فلعدم سلطنته على بيع المال، فلا يكون أهلا للإجازة، و إن كان مالكا بالفعل، ضرورة كون الملكية الحاصلة بالوقف غير قابلة للانتقال إلى غير الموقوف عليه حتى يتمشى منه إنفاد بيع الواقف.

نعم، بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه»- المتقدمة في بيع الفضول- يمكن القول بصحة بيع الواقف هنا، فإنّه و إن لم يكن مالكا للموقوفة حال حياة الموقوف عليه، فيكون فضوليا، إلّا أنه يوصف بالصحة و اللزوم بعد انقراض الموقوف عليه، و انتقال المال إليه، لفرض عدم اشتراط البيع الفضولي بوجود مجيز حال العقد على مال الغير، و كفاية وجوده حال الإجازة.

ص: 229

لمنافاته (1) لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين. كما لا يجوز (2) للواقف غير المالك فعلا و إن أجاز الموقوف عليه، إلّا (3) إذا جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم اعتبار مجيز له في الحال، بناء على أنّ الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة، لعدم تسلّطه على النقل (4)، فإذا انقرض الموقوف عليه و ملكه الواقف لزم البيع (5) [1].

ثمّ إنّه (6)

______________________________

(1) يعني: أن بيع الموقوف عليه ينافي ما اعتبره الواقف من بقاء العين.

(2) أي: لا يجوز البيع، و تقدم وجهه بقولنا: «و أما عدم جوازه للواقف فلعدم ... الخ».

(3) هذا استثناء من عدم جواز البيع للواقف، و تقدم بقولنا: «نعم بناء على الالتزام بصحة البيع في مسألة ... الخ».

(4) أي: لعدم تسلط الموقوف عليه على إجازة البيع و التصرفات الناقلة، بمقتضى إنشاء الواقف.

(5) كما يلزم البيع في سائر موارد «من باع ثم ملك» بناء على القول بالصحة كما إذا باع زيد مال عمرو ثم تملكه منه بالشراء أو بالإرث، فراجع «1».

(6) توضيحه: أنه نسب إلى القاضي ابن البراج قدّس سرّه فتويان:

______________________________

[1] قد يقال: بعدم الجواز هنا و إن جوّزنا بيع ملك الغير مع عدم مجيز له حال العقد، لعموم أدلة المنع عن بيع الوقف. هذا.

لكنه غير ظاهر، لأنّ أدلة المنع لا تخرج الوقف عن صلاحيته للبيع كالخمر و الخنزير، بل تدل على مانعية الوقف، و لذا يصح البيع بارتفاع هذا المانع.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 242 و ما بعدها

ص: 230

..........

______________________________

إحداهما: بقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف، و رجوعه بعد الانقراض إلى الواقف أو ورثته.

و الاخرى: جواز البيع للموقوف عليه في مورد وجود المسوّغ.

و أورد المحقق الشوشتري قدّس سرّه عليه بالتنافي بين الفتويين، لتوقف جواز بيع الموقوف عليه على كونه مالكا للموقوفة، و مع فرض بقائها على ملك الواقف لا سلطنة لغيره على البيع، فكيف جاز للموقوف عليه؟

قال في المقابس: «و قد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف و ورثته، و حكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة، و صرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم ... و هذا عجيب منه، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود، و ما عداه معدوم، فلجواز البيع حينئذ وجه، لانحصار المالك الموجود في البائع. و أمّا المنقطع فليس ملكا له، و المالك الموجود غيره، فلا وجه لصحة البيع حينئذ. و الذي يظهر منهم في مسائل السكنى و توابعها عدم جواز بيع المحبوس عليه أصلا ...» «1».

و محصل استعجاب صاحب المقابس منه هو: أن الوقف المنقطع يكون كالحبس باقيا على ملك الواقف، كبقاء المحبوس على ملك الحابس. و مع عدم دخوله في ملك الموقوف عليهم لا مقتضي للبيع، فلا معنى لتجويزه.

و ذبّ المصنف عن مقالة القاضي قدّس سرّهما باحتمال أن يكون مسلكه في المسألة الأولى- و هي من يملك الوقف المنقطع- مالكية الموقوف عليهم للموقوفة ماداميّا و محدودا بالانقراض، لا مجرّد ملكية المنفعة أو الانتفاع كما التزموا به في الحبس.

فالفرق- بنظر ابن البرّاج- بين الوقف المنقطع و الحبس هو صيرورة الوقف ملكا لأهله، دون المحبوس الباقي على ملك الحابس.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64؛ المهذب، ج 2، ص 92

ص: 231

قد اورد (1) على القاضي قدّس سرّه حيث جوّز للموقوف عليه بيع الوقف المنقطع مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف.

و يمكن دفع التنافي بكونه (2) [1] قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة،

______________________________

و على هذا فلا يترتب على تجويز البيع للموقوف عليهم محذور، و ذلك لوجود المقتضي و هو الملك المؤقت، و فقد المانع، إذ المانع هو الوقفية، و المفروض عدم مانعيتها، لفرض طروء المسوّغ.

نعم قد يشكل هذا الذّب بتوقفه على التزام القاضي قدّس سرّه بأن مالك الوقف المنقطع هو الموقوف عليه لا الواقف، فإن احرز تمّ التوجيه، و إلّا لم يتم، و يتجه إيراد صاحب المقابس عليه حينئذ.

(1) الوارد هو التنافي و التهافت بين الفتويين، فلو قيل «اورد بالتنافي» كان أولى، و إن كان حذف ما يعلم بقرينة «دفع التنافي» جائزا.

و كيف كان فقد تقدم توضيح التنافي بقولنا: «و أورد المحقق الشوشتري قدّس سرّه عليه بالتنافي ...».

(2) أي: بكون ابن البراج قدّس سرّه قائلا بالوجه الثالث الذي هو مورد الكلام فعلا،

______________________________

[1] هذا عين الالتزام بالتنافي لا دفع له إن كان القاضي قائلا بجواز البيع للموقوف عليهم مع بقاء الوقف على ملك الواقف. و لا يندفع هذا التنافي برفع اليد عن المبنى.

نعم يندفع لأجل عدم الموضوع للتنافي. و لعل المراد بيع الموقوف عليهم برضا الواقف. نظير ما ذكره في التنقيح على ما عرفت. و هذا و إن كان خلاف الظاهر، لكنه أولى من توجيه المصنف.

و عليه فإيراد صاحب المقابس مبني على مالكية الواقف، و تنظر المصنف قدّس سرّه فيه مبني على مالكية الموقوف عليه، فلم يردا على مورد واحد، و إلّا فكلاهما يمنعان البيع على الأوّل، و يجوّزانه على الثاني، و مثله أشبه بالنزاع اللفظي.

ص: 232

و هو ملك الموقوف عليهم، ثم عوده (1) إلى الواقف. إلّا أن الكلام في ثبوت هذا القول (2) بين من اختلف في مالك الموقوف في الوقف المنقطع، و يتّضح ذلك (3) بمراجعة المسألة في كتاب الوقف (4).

و على الرابع (5):

______________________________

و لأجل هذا الاحتمال ناسب التعرض لكلامه و للإيراد عليه في هذا القسم الثالث.

(1) التعبير بالعود إلى الواقف هو منشأ الإيراد و دفعه. أما كونه منشأ الإيراد فلأنّ صاحب المقابس استفاد منه عود منافعها إلى ورثة الواقف، و معناه عدم انتقال نفس العين، و إنّما خرجت منافعها بالوقف عن ملكه، فيكون كالحبس. و هذا قول الأكثر كما في المسالك. و التعبير بالعود و الرجوع حينئذ مسامحة كما نبّه عليها المحقق الثاني قدّس سرّه «1» و استحسنها السيد العاملي قدّس سرّه «2».

و أما كونه منشئا للدفع فلأنّ المصنف احتمل إرادة رجوع العين و منافعها معا إلى الواقف بعد انقراض الموقوف عليهم لينطبق على القسم الثالث، كما تقدم الإشارة إلى الأقوال في (ص 205- 206).

(2) أي: القول بتملّك الموقوف عليه للعين في الوقف المنقطع، و الظاهر ثبوت هذا القول، و إن لم تكن المسألة صافية من الإشكال.

(3) أي: ثبوت القول بمالكية الموقوف عليه يتّضح بالمراجعة إلى كتاب الوقف.

(4) مثل ما في المسالك و الجواهر في شرح «فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف» فراجع «3».

(5) معطوف أيضا على «فعلى الأوّل» و المراد بالوجه الرابع هو تملك الموقوف عليه، و صرفه في سبل الخير بعد الانقراض. لا عوده إلى الواقف و لا دخوله في ملك

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 20

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 21

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 356؛ جواهر الكلام، ج 28، ص 54- 59

ص: 233

فالظاهر [1] أنّ حكمه (1) حكم الوقف المؤبّد- كما صرّح به المحقق الثاني على

______________________________

ورثة الموقوف عليهم.

و حكم الوقف المنقطع- على هذا- حكم الوقف المؤبّد، و الفارق بينهما التصريح في الإنشاء و عدمه، لكون المعهود من صيغة الوقف المؤبّد هو «وقفته على كذا، ثم يوضع في سبل الخير إلى أن يرث ... الأرض و من عليها» و لم يؤخذ هذا القيد في الوقف المنقطع، لكونه حبسا على من ينقرض غالبا. فلو عقّبه بذلك كان مؤبّدا، كما لو قال: «هذه الدار وقف على فقهاء البلد، ثمّ هي في وجوه البرّ إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها».

و حيث كان الوقف المنقطع بناء على الاحتمال الرابع- و هو المنسوب إلى السيد ابن زهرة و غيره- مؤبّدا حكما لم يجز بيعه إلّا في موارد بيع المؤبّد.

هذا ما يتعلق بالقول الرابع. و به تم الكلام في ما يختص بكل واحد من الأقوال و الاحتمالات، و سيأتي بيان الحكم المشترك بينها.

(1) أي: حكم الوقف المنقطع- بناء على الاحتمال الرابع- حكم المؤبّد.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: بجواز بيعه بعد انقراض الموقوف عليهم، إذ المفروض أنّ الوقف منقطع الآخر، و بانقراض الموقوف عليهم ينتهي أمد الوقف، فيبطل.

و صيرورته بحكم الوقف المؤبد في عدم جواز البيع بدون أحد مسوّغاته أوّل الكلام، لأنّ هذا التأبيد لم ينشأ بإنشاء الواقف، بل المنشأ خلافه، فالتأبيد محتاج إلى دليل مفقود، و مجرّد صيرورته مال اللّه ليصرف في سبيل اللّه لا يصلح لإثبات التأبيد له، بل غايته عدم جواز تملكه، لا عدم جواز بيعه و صرف ثمنه في الامور البريّة. فالعمومات المقتضية لصحة البيع محكّمة هنا.

لا يقال: إنّ مقتضى الاستصحاب عدم جواز بيعه.

فإنّه يقال: إنّ الموضوع- و هو الوقفية- قد ارتفع بانقراض الموقوف عليهم، و معه لا وجه للاستصحاب.

ص: 234

ما حكي عنه «1»- لأنّه (1) حقيقة وقف مؤبّد [1] كما لو صرّح بكونه في سبيل اللّه بعد انقراض الموقوف عليه الخاص.

ثم إنّ ما ذكرنا (2) في حكم الوقف المنقطع فإنّما هو بالنسبة إلى البطن الذي

______________________________

(1) أي: لأن الوقف المنقطع- المحكوم بصرفه في وجوه البر- وقف مؤبّد حقيقة، غايته أنه لم يصرح فيها بالتأبيد، و لا بمصرفه بعد انقراض المسمّين.

(2) أي: من بيان محتملات من يكون مالكا للوقف المنقطع، و حكم كل واحد منها.

______________________________

فإن قلت: إنّ هذا في استصحاب الشخص، و أمّا استصحاب الكلّي فلا بأس به.

قلت: انّه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و هو التقارني، لأنّه يشك في طروء المنع عن البيع مقارنا لارتفاعه، فيستصحب المنع، و قد قرر في محله عدم حجية الاستصحاب فيه.

[1] هذا وجيه إذا قام دليل على عموم التنزيل، و أنّ آثار الوقف المؤبد تترتب على الوقف المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم. و أين هذا الدليل؟ فليس هذا وقفا مؤبّدا بإنشاء الواقف، و لا تعبّدا. فمقتضى عمومات صحة البيع جواز بيعه، لأنّ الشك يرجع إلى ضيق دائرة المخصّص و سعتها، و في مثله يرجع إلى عموم العام ما لم يتردّد مفهوم الخاص بين المتباينين كما حقق في محله.

لا يقال: إنّ مقتضى عمومات منع بيع الوقف هو عدم جواز البيع هنا.

فإنّه يقال: إنّ الحكم تابع لموضوعه، فإن عدم جواز بيع الوقف منوط ببقاء موضوعه أعني الوقف، و أمّا إذا خرج عن الوقفية- كما هو المفروض في الوقف المنقطع، حيث إنّ الوقفية محدودة ببقاء الموقوف عليهم- لم يصح التمسك بالعمومات المانعة عن بيع الوقف.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 235

..........

______________________________

و غرضه من هذا الكلام التنبيه على بعض ما يفترق فيه الوقف المنقطع عن الدائم، مثل من يجوز له البيع إن كان الموقوف عليه بطونا، كما إذا وقف داره على زيد و أولاده و أحفاده خاصة.

و توضيحه: أنّه لو قيل بجواز البيع في بعض الوجوه الأربعة- كما حكي عن القاضي في الوجه الثالث من جوازه للموقوف عليه- فهل يعمّ الجواز جميع البطون، كصحته في الوقف المؤبّد للكلّ عند طروء المسوّغ، أم يختص الحكم بالبطن الأخير كأولاد الأولاد في المثال المزبور؟ اختار شيخنا الأعظم قدّس سرّه الثاني، و فصّل في جواز بيع ما عدا البطن الأخير. فهنا دعويان:

الاولى: اختصاص الجواز في المحتملات المتقدمة بالأخير، و لعلّ وجهه: أن المانع عن بيع الوقف اجتماع حقه تعالى و حق الواقف و حق الموقوف عليهم، و هذا مختص بالوقف المؤبد، و كذا بما عدا البطن الأخير في المنقطع. و أمّا البطن الأخير فينحصر المانع فيه في الحقّين الأوّلين، و لا حقّ من ناحية الموقوف عليهم، لفرض كونه آخر السلسلة، و عدم وجود مالك شأني حتى يجب مراعاة حقه بإبقاء الوقف مقدّمة للانتفاع. و عليه فلا مانع من بيعه من هذه الجهة.

نعم لو بقي انتقل إلى الوارث، لأدلة الإرث، و لكن لا يلزم حفظ الموضوع، كوضوح عدم كون الانتقال إلى الورثة غرضا عقديا للواقف كي يلزم رعايته.

الثانية: أنّه إن قلنا بعدم كون الوقف المنقطع ملكا للموقوف عليه- كما هو الحال في الاحتمال الأوّل من بقائه على ملك الواقف- لم يجز لشي ء من البطون البيع، لعدم المقتضي و هو الملك.

و إن قلنا بتملكهم له، لم يجز للبطون المتقدمة على البطن الأخير البيع من جهة تعلق الحقوق الثلاثة بالعين. فيشترك الوقف المنقطع مع المؤبّد في هذا الحكم جوازا و منعا، فإطلاق النهي في معتبرة ابن راشد شامل للمنقطع، كما أنّ مسوّغات بيع

ص: 236

لا بطن بعده (1) يتلقى (2) الملك من الواقف.

و أمّا حكم بيع بعض البطون (3) مع وجود من بعدهم، فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع (4) فهو (5) كما تقدم. و أما (6) على تقدير القول بملكهم، فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبّد، فيشترك (7) معه في المنع في الصور التي منعنا، و في الجواز في الصور الّتي جوّزنا، لاشتراك (8) دليل المنع،

______________________________

الوقف كالخراب و خوف الفتنة تجوّز البيع في كلا القسمين.

و يترتب على جواز البيع كون الثمن مشتركا بين البطن البائع و ما بعده إلى البطن الأخير، كاشتراك ثمن الوقف المؤبّد إن كان البيع للخراب، فيجب شراء شي ء يكون وقفا، كما تقدم تفصيله في اولى صور بيع الوقف. و إن كان للصرف في الحاجة اختص بالموجودين، على الخلاف في المسألة.

(1) يعني: حتى يلاحظ حق البطن اللاحق الذي له حق في الموقوفة، بل مورد البحث هو الوقف الذي يختص بالبطن الموجود.

(2) صفة ل «بطن بعده» و البطن الذي لا بطن بعده هو البطن الأخير.

(3) يعني: غير البطن الأخير.

(4) بأن يختلف حكم المنقطع و المؤبد، فالمؤبد ملك فعلي لكلّ طبقة وجدت، و شأني لمن لم يوجد. و المنقطع ملك للواقف و ورثته، و لم ينتقل عنه إلى الموقوف عليهم.

(5) جواب «و أما» و المراد بالموصول عدم جواز البيع، المتقدم في حكم بيع ما عدا البطن الأخير.

(6) معطوف على «فإن قلنا» و عدل له، و الأولى تبديله ب «و إن قلنا».

(7) يعني: فيشترك بيع غير الأخير- في المنقطع- مع المؤبّد.

(8) تعليل لقوله: «فيشترك» و حقّ العبارة أن تكون هكذا: «لاشتراك دليلي المنع و الجواز» لعدم كون المشترك فيه خصوص المنع عن البيع.

ص: 237

و يتشاركان أيضا (1) في حكم الثمن بعد البيع (2).

______________________________

(1) يعني: كاشتراكهما في البيع منعا و جوازا، و عليه فجهة الاشتراك أمران.

(2) في اختصاص الثمن بالبطن الموجود، أو لزوم شراء عين به لتكون وقفا كالمثمن. هذا بناء على عدم انصراف أدلة منع بيع الوقف و جوازه إلى المؤبّد، و إلّا فالمتجه جواز البيع بناء على مالكية الموقوف عليهم للموقوفة في المنقطع، و صرف ثمنه في حوائجهم.

هذا تمام الكلام في بيع الوقف، الذي هو من موانع طلقية الملك، و سيأتي الكلام في سائر الموانع إن شاء اللّه تعالى.

ص: 238

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها]
اشارة

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: صيرورة المملوكة أمّ ولد لسيّدها (1)،

______________________________

بيع أمّ الولد

(1) يعني: أن الجارية التي صارت أمّ ولد لسيّدها لا تكون ملكا طلقا له حتى يصح نقلها إلى الغير، لكونها متشبثة بالحرية، إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة، قال المحقق قدّس سرّه: «أمّ الولد مملوكة، لا تتحرر بموت المولى، بل من نصيب ولدها. لكن لا يجوز للمولى بيعها، ما دام ولدها حيّا، إلّا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى، و لا وجه لأدائه إلّا منها» «1».

ثمّ إنّ المصنف قدّس سرّه- بعد ما أشار إلى كون منع بيع أمّ الولد من المسلّمات في الجملة- تعرّض في هذه المسألة لمباحث:

الأوّل: اختصاص المنع بالبيع، أو عمومه لسائر العقود، سواء أ كانت ناقلة للملك مع عدم تعقبها بالتحرر، أم معرّضة للنقل إلى الغير كالرهن.

الثاني: اشتراط منع بيعها بحياة الولد بعد وفاة السيد. و لو مات الولد و كان له ولد فهل يمنع من بيعها، أم يختص المنع ببقاء نفس الولد الصّلبي؟

الثالث: هل تصير الأمة أمّ ولد و لو بعلوقها بالنطفة؟ أو بمطلق الحمل؟ و

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 139

ص: 239

فإنّ ذلك (1) يوجب منع المالك عن بيعها، بلا خلاف بين المسلمين، على الظاهر المحكيّ عن مجمع الفائدة (2).

و في بعض الأخبار دلالة على كونه (3) من المنكرات في صدر الإسلام،

______________________________

يعتبر انفصال الولد بالوضع؟

الرابع: إناطة صدق «أمّ الولد» بكون الحمل في زمان تملك المولى لها، فلا عبرة بالحمل منه قبل ذلك.

الخامس: أن منع بيعها قاعدة كلية مستفادة من النصوص و الإجماع، فالعمومات المقتضية لصحة نقلها مخصّصة. و جواز بيعها في كل موضع منوط بدليل عليه.

السادس: مواضع الاستثناء من عموم منع البيع.

و سيأتي التعرض للجميع بتبع المتن.

(1) أي: فإنّ صيرورة الأمة أمّ ولد لسيّدها يوجب منع سيدها عن بيعها، فلا تكون ملكا طلقا.

(2) قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه فيه: «و عدم جواز بيعها ما دام ولدها حيّا- مع إيفاء ثمنها أو القدرة عليه- مما لا خلاف فيه بين المسلمين» «1» فدعوى عدم الخلاف قطعية بنظر المحقق الأردبيلي لا مظنونة، إذ لم يقل «لا خلاف فيه بين المسلمين ظاهرا» كما لا ريب في حكاية عدم الخلاف عنه في مفتاح الكرامة.

و عليه فتقييد المصنف بقوله: «على الظاهر» مبني على اعتقاده. و لعلّه لأجل ما حكي عن الصدوق و ابن ميثم شارح النهج من أنّ أمّ الولد كسائر التركة تنتقل إلى الورثة.

(3) أي: كون بيع أمّ الولد من المنكرات.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169؛ و الحاكي عنه و عن الغنية و الحدائق هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

ص: 240

مثل ما روي (1) من قول أمير المؤمنين عليه السّلام لمن سأله عن بيع أمة أرضعت ولده، قال له: «خذ بيدها، و قل: من يشتري أمّ ولدي؟» «1».

و في حكم البيع (2)

______________________________

(1) هذا خبر السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السّلام: «أنّ عليّا عليه السّلام أتاه رجل، فقال: انّ أمتي أرضعت ولدي، و قد أردت بيعها؟ فقال: خذ بيدها، فقل ...

الخ».

و تقريب الدلالة: أنّ مورد السؤال و إن كان بيع الأمة المرضعة، لا بيع الأمة التي ولدت من سيّدها، إلّا أنّه لا مجال لتوهم تعدّد الموضوع، و ذلك لأنّ إطلاق «أمّ الولد» فيه على الأمة المرضعة إمّا لكونها أمّ الولد حقيقة، و إن كان خلاف الظاهر.

و إمّا لثبوت الحكم في الامّ الرضاعية أيضا. و حينئذ يكون الاستدلال به على الامّ النسبية بالأولوية. هذا.

و المناقشة في دلالتها على كون بيعها من المنكرات الإسلامية- كما في بعض الحواشي- ضعيفة جدّا، فلاحظ و تأمّل.

و كذا يدلّ على إنكار بيعها ما ورد في صحيح عمر بن يزيد الآتي في (ص 299) من قوله: «لم باع أمير المؤمنين عليه السّلام أمّهات الأولاد؟».

المبحث الأوّل: عموم المنع لكل ناقل عن ملك المولى

(2) هذا شروع في المبحث الأوّل، و هو: اختصاص المنع بالبيع، أو عمومه للعقود الاخرى، إمّا لكونها ناقلة كالهبة و الصلح، و إمّا لاستلزامها للنقل كالرهن لو توقّف استيفاء الدين على بيع أمّ الولد. ذهب السيد المجاهد قدّس سرّه إلى الاختصاص، و المصنف قدّس سرّه إلى العموم، مستشهدا بكلمات الفقهاء في مواضع أربعة، كما سيظهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 309، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث: 1

ص: 241

كلّ تصرف ناقل للملك غير المستعقب بالعتق (1) أو مستلزم (2) للنقل كالرّهن، كما يظهر (3) من تضاعيف كلماتهم في جملة من الموارد:

منها (4): جعل أمّ الولد ملكا غير طلق،

______________________________

(1) يعني: أنّ الممنوع منه هو العقد الناقل للأمة إلى ملك الغير مع عدم ترتب عتقها عليه، كما إذا باعها من أجنبي، أو صالحه عليها، أو أقرضها منه، أو وقفها عليه، إذ لو صحّ هذا النقل بقيت على رقيّتها و لم تتحرّر.

و أمّا إذا كان النقل إلى الغير مستلزما لتحرّرها فلا مانع منه، كما إذا وهبها لولدها، أو صالحه عليها، فإنّ امتناع تملك العمودين يوجب عتقها بمجرد القبول.

و كذا لو نقلها إلى أجنبي بشرط العتق، إمّا بنحو شرط الفعل، و إمّا بنحو شرط النتيجة على القول بصحته في مثل التحرير. فالعقد الناقل في هذه الموارد صحيح، و لا يندرج في الدليل المانع عن بيع أمّ الولد، بناء على عمومه لجميع نواقل الأعيان.

(2) معطوف على «ناقل» فإنّ الرهن قد ينتهي إلى نقل الوثيقة، كما إذا لم يؤدّ المديون دينه، و قد لا يفضي إلى النقل، بل ينفك الرهن و يبقى على ملك الراهن، كما إذا و فى دينه. و نظير الرهن ما إذا ضمن مولاها دينا، و اشترط كون الأمة مال الضمان.

(3) يعني: يظهر أنّ حكم كل تصرف ناقل أو مستلزم للنقل يكون حكم البيع في المنع.

(4) يعني: من جملة الموارد التي يظهر منها عدم جواز التصرف الناقل أو المستلزم للنقل- في أمّ الولد- و إن لم يكن بيعا هو عدّ الفقهاء «أمّ الولد» ملكا غير طلق كالوقف و الرهن، اللذين لا يستقلّ المالك بالتصرف فيهما.

و توضيحه: أنّ ملاحظة معنى «الطّلق» و مانعية الاستيلاد عنه توجب الجزم بإرادة المنع عن جميع التصرفات الناقلة، و ذلك لأنّ «الطلق» عبارة عن تمامية الملك

ص: 242

كالوقف و الرّهن (1). و قد عرفت (2) أنّ المراد من «الطّلق» تمامية الملك، و الاستقلال في التصرف. فلو جاز (3) الصلح عنها و هبتها لم تخرج عن كونها طلقا بمجرّد عدم جواز إيقاع عقد البيع عليها (4). كما أنّ المجهول (5) الذي يجوز

______________________________

و السلطنة في التصرف، فإذا جاز الصلح عن شي ء و هبته مثلا خرج عن الطلقية بمجرّد عدم جواز بعض التصرفات الآخر كالبيع للجهالة أو غيرها.

و بالجملة: فلا يخرج الملك عن الطلق إلّا بالمنع عن جميع التصرفات الناقلة، و المفروض أنّ الاستيلاد عدّ من موجبات خروج الملك عن الطلق، فلا بدّ أن يكون مانعا من جميع التصرفات، لا خصوص البيع.

(1) قال المحقق قدّس سرّه: «الثاني- يعني من شرائط البيع- أن يكون طلقا، فلا يصح بيع الوقف ... و لا بيع أمّ الولد ... و لا بيع الرهن إلّا مع الإذن» «1».

(2) يعني: قبيل بحث بيع الوقف، حيث قال: «و المراد بالطّلق تمام السلطنة على الملك ...» فراجع «2».

(3) متفرع على كون «الطلق» بمعنى السلطنة على التصرف، و يقابله «عدم الطّلق» و هو- بقول مطلق- لا يصدق إلّا بسلب أنحاء التصرفات.

(4) بل يكون عدم طلقيته بلحاظ البيع مثلا، و لازمه بقاء طلقيته بالنسبة إلى الهبة و نحوها، مع أنّهم عدّوا «أمّ الولد» غير طلق بقول مطلق من دون تقييد بعقد دون آخر. و عليه فلا بدّ من منع مطلق التصرف الناقل لها.

(5) غرضه إقامة الشاهد على أنّ المناط في عدم الطلقية ليس مجرد منع البيع، بل لا بدّ من المنع عن كل عقد ناقل الملك. فلو كان البيع ممنوعا شرعا و جاز نقله بالصلح مثلا، كان المال طلقا.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(2) هدى الطالب، ج 6، ص 484

ص: 243

الصلح عنه وهبته و الإبراء (1) عنه- و لا يجوز (2) بيعه- لا يخرج (3) عن كونه طلقا.

______________________________

و توضيحه: أنّهم حكموا باعتبار العلم بالعوضين في البيع، فلا يصحّ بيع المجهول، للغرر المنهي عنه، سواء أ كان المال عينا خارجية، كصبرة من طعام مجهولة الكيل و الوزن، فلا يصحّ بيعها و إن صحّ هبتها أو الصلح عليها. أم دينا غير منضبط المقدار، فإنّه يجوز للدائن الصلح عليه، و إبراء المديون، و لم يجز بيعه من المديون أو من شخص آخر. و مجرد منع بيع المجهول لا يقتضي جعل «المال المجهول» في عداد ما ليس بطلق [1].

و عليه فلا تدور الطلقية مدار خصوص جواز البيع، كما لا يدور عدم الطلقية مدار منع خصوص البيع، بل يتوقف صدق «عدم الطلق» على منع كافة النواقل، فالوقف و الرهن و أمّ الولد لا يقع عليها شي ء من التصرفات، لكونها غير طلق.

(1) هذه الكلمة قرينة على أن مراد المصنف بالمال المجهول هو الأعم من العين الشخصية و الكلّية.

(2) معطوف على «يجوز» و الضمائر البارزة راجعة إلى المجهول.

(3) خبر «أن المجهول» و ضميره راجع إليه، و المراد به المال المجهول.

______________________________

[1] اورد عليه بعدم تمامية الاستشهاد بمنع بيع المجهول، و ذلك لأنّ الكلام فعلا في موانع الطّلق، الذي هو صفة في المبيع يمنع من استقلال المالك في التصرف فيه، مثل كونه وقفا أو رهنا، فلو كان المنع لخصوصية في البيع مثل كونه غرريا، أو في المتعاملين كعدم البلوغ، أو في الأسباب، كان أجنبيّا عما نحن فيه، إلّا أن تكون الجهالة قائمة بالعوضين لا بالمتعاملين «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 276

ص: 244

و منها (1): كلماتهم في رهن أمّ الولد، فلاحظها.

و منها (2): كلماتهم في استيلاد المشتري في زمان خيار البائع،

______________________________

(1) هذا هو المورد الثاني، و لا يخفى أنّ مسألة جواز رهن أمّ الولد خلافية، كما يظهر بمراجعة مفتاح الكرامة و الجواهر، و هي غير معنونة بالاستقلال في بعض الكتب كالشرائع، إلّا أن ظاهر المتن الإشارة إلى الإجماع المحكي على المنع.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و في رهن أمّ الولد في ثمن رقبتها مع إعسار المولى إشكال، و مع يساره أشكل. و [في] غير الثمن أشد إشكالا» «1».

و قال السيد العاملي- في شرح الفقرة الاولى منه- ما لفظه: «نسب في الإيضاح و حواشي الكتاب للشهيد إلى الأصحاب: المنع من رهن أمّهات الأولاد.

و ظاهرهما الإجماع على ذلك. و لعلّهما فهما ذلك من اشتراطهم في الرهن أن يكون ممّا يجوز بيعه. و هو محلّ تأمّل ...» فراجع «2».

(2) أي: و من جملة الموارد التي تشهد بمنع مطلق التصرف الناقل للملك هو كلمات الفقهاء في موضعين: أحدهما في خيار الغبن، و الآخر في أحكام مطلق الخيار.

فقالوا في الأوّل: لو باع جارية دون قيمتها السوقية و أولدها المشتري، ثم تبيّن للبائع غبنه، فرجع إلى المشتري للفسخ، لم ينفذ ذلك بالنسبة إلى العين و انتقل حقّه إلى قيمتها، بمعنى أنّه يرد الثمن المسمّى إلى المشتري، و يأخذ منه قيمة الأمة.

و هذا الحكم شاهد على مانعية الاستيلاد عن تأثير الفسخ في عود كلّ من العوضين إلى صاحبه.

قال المحقق قدّس سرّه: «و لا يسقط ذلك الخيار- أي: خيار الغبن- بالتصرف، إذا لم يخرج عن الملك، أو يمنع مانع من ردّه كالاستيلاد في الأمة» «3».

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 84، و لاحظ: جواهر الكلام، ج 25، ص 139

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 22

ص: 245

فإنّ المصرّح به (1) في كلام الشهيدين (2) في خيار الغبن: أنّ البائع لو فسخ يرجع

______________________________

و نحوه عبارة القواعد «1».

و قال السيد العاملي في شرحها: «كما صرّح بجميع ذلك في الشرائع و التحرير و التذكرة و غاية المراد و المهذب البارع و التنقيح و غاية المرام و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و الروضة و المسالك. و نقله الشهيد في حواشيه عن شمس الدين.

و في الروضة و المفاتيح: أنه المشهور ...» «2».

و قالوا في الموضع الثاني- أعني به أحكام مطلق الخيار-: إنّ المشتري لو باع أو وقف أو وهب في مدة خيار البائع لم ينفذ إلّا بإجازته. و استثنوا الاستخدام، و عدم مانعيته عن الفسخ إلّا إذا استولد الأمة.

قال العلّامة قدّس سرّه: «نعم، له الاستخدام و المنافع و الوطء، فإن حبلت فالأقرب الانتقال إلى القيمة مع فسخ البائع» «3» و عقّبه السيد العاملي قدّس سرّه بقوله: «كما هو خيرة التحرير و الإيضاح و جامع المقاصد. و هو قضية كلام السرائر و المختلف، و ظاهر كنز الفوائد» «4».

و المتحصل من كلماتهم في الموضعين: مانعية الاستيلاد عن استرداد العين، و انتقال حق سيّدها إلى القيمة. فيعلم منه أنه لا خصوصية في البيع، بل نقل العين غير نافذ و إن كان بفسخ البيع الخياري.

(1) هذا هو الموضع الأوّل، و هو خيار الغبن.

(2) في اللمعة و شرحها. قال في اللمعة: «و كذا- أي لا يسقط الخيار- لو تلف العين أو استولد الأمة» و يرجع إلى القيمة كما صرّح به الشهيد الثاني في الشرح «5»،

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 67

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 572

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 70

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 604

(5) الروضة البهية، ج 3، ص 466 و 470

ص: 246

إلى القيمة، لامتناع انتقال أمّ الولد. و كذا في كلام العلّامة و ولده و جامع المقاصد ذلك (1) أيضا (2) في زمان مطلق الخيار (3).

و منها (4): كلماتهم في مستثنيات بيع أمّ الولد ردّا و قبولا (5)، فإنّها كالصريحة في أنّ الممنوع مطلق نقلها، لا خصوص البيع.

______________________________

و يستفاد من اللمعة أيضا، و لم يتعرض الشهيد لهذا الفرع في خيار الغبن في الدروس «1» و لا صرّح بالرجوع إلى القيمة في غاية المراد «2»، نعم صرح به الشهيد الثاني في تعليق الإرشاد و الروضة و المسالك «3»، فراجع.

(1) هذا هو الموضع الثاني. يعني: و كذا المصرّح به في كلام العلّامة و غيره:

أنّ البائع لو فسخ العقد يرجع إلى القيمة دون العين، لصيرورتها أمّ ولد، و قد امتنع نقلها عمّن استولدها. و من المعلوم أنّ التعليل ب «امتناع انتقال أمّ الولد» يشمل كل ناقل، سواء أ كان بيعا أم غيره.

(2) يعني: كحكمهم بالرجوع إلى القيمة لو كان البائع مغبونا و فسخ.

(3) كما إذا باعها و شرط الخيار لنفسه شهرا، فحملت من المشتري، و فسخ البائع، فلا رجوع إلى العين بل إلى القيمة.

(4) أي: و من جملة الموارد، و هذا رابعها و أخيرها، مثل ما يأتي في المتن في ما لو جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها: «فيجوز له التصرف الناقل فيها، كما هو المحكي في الروضة عن بعض» حيث عبّروا بالتصرف الناقل لا خصوص البيع، فراجع (ص 408).

(5) أي: سواء بنينا على ردّ المستثنيات أم على قبولها، لكونها محلّ النزاع،

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ص 275؛ و كذا اقتصر على نقل الأقوال في حكم خيار الشرط من دون ترجيح، فلاحظ، ص 271

(2) غاية المراد، و كذا حاشية الإرشاد، ج 2، ص 99

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 206

ص: 247

و بالجملة (1): فلا يبقى للمتأمّل شكّ في ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل. و مع ذلك كلّه (2)، فقد جزم بعض سادة مشايخنا بجواز غير البيع من

______________________________

و المهم عدم الاقتصار على «البيع» لاقتضاء مناسبة الحكم و الموضوع تعميم المنع و الجواز لمطلق الناقل.

(1) هذا ملخص ما أفاده من قوله: «و في حكم البيع كل تصرف ناقل للملك ...» إلى هنا، و توطئه للرد على صاحب المناهل.

(2) أي: و مع عدم بقاء شكّ للمتأمّل فقد جزم السيّد المجاهد بجواز نقل أمّ الولد بغير البيع، قال قدّس سرّه: «هل يلحق بالبيع الصلح، فلا يصح للمولى نقل أمّ الولد- مع وجود ولدها- منه إلى غيره بطريق الصلح، أو لا يلحق، بل لا يجوز النقل بطريق الصلح في جميع الصور؟ ظاهر الدروس الأوّل. و التحقيق أن يقال: إن كان الصلح فرعا على البيع فلا إشكال في الإلحاق. و إن كان عقدا مستقلا غير فرع- كما هو المختار- فلا يلحق. و أنّ المعتمد جواز نقلها بكل ناقل عدا البيع، للعمومات الدالة على لزوم الوفاء بالعقود، و بالشروط، و على تسلّط المالك على ملكه، خرج منها خصوص البيع بالدليل. و لا دليل على خروج غيره، فيبقى مندرجا تحتها. و يؤيّد ذلك عدم التنبيه على المنع من غير البيع في الروايات و معظم الفتاوى» «1».

و محصّله: جواز تمليك أمّ الولد للغير بما عدا البيع، لوجود المقتضي، و فقد المانع. أمّا المقتضي فامور:

أحدها: عموم الأدلة الإمضائية كالأمر بالوفاء بكل عقد إلّا ما خرج، و يشك في خروج الصلح على أمّ الولد و هبتها عنه، و أصالة العموم تنفي التقييد بغيرها.

ثانيها: عموم أدلة الشروط، و ظاهره صدق الشرط- بنظر السيد المجاهد قدّس سرّه- على الالتزام الابتدائي كالهبة و الصلح.

______________________________

(1) المناهل، ص 320، التنبيه السادس

ص: 248

النواقل، للأصول (1)، و خلوّ (2) كلام المعظم عن حكم غير البيع.

و قد عرفت (3) ظهوره (4) من تضاعيف كلمات المعظم في الموارد المختلفة.

______________________________

ثالثها: إطلاق حديث السلطنة، فإنّ منع الصلح و الهبة تحديد لها، مع أنّ إطلاق السلطنة المجعولة شرعا يقتضي جواز كل تصرف خارجي و اعتباري في المال، الصادق على أمّ الولد قطعا.

و أمّا عدم المانع من الشمول، فلاختصاص الدليل المانع عن التصرف بالبيع، فهو الخارج عن العموم المقتضي للصحة، و يبقى غيره من النواقل مندرجا فيه.

(1) يحتمل إرادة الأصل العملي، مثل عدم اشتراط عقدي الصلح و الهبة بعدم كون المتصالح عليه و الموهوب أمّ ولد. لكن لا مجال لإرادة هذا الأصل هنا، لتصريح السيد المجاهد بالأصل اللفظي، و هو العموم المراد به الشمول، لا خصوص المستند إلى الوضع في قبال ما يستند إلى مقدمات الحكمة.

(2) ظاهر عطفه على «الأصول» كون خلوّ كلمات القوم دليلا آخر، لكن السيد قدّس سرّه جعل اختصاص الفتاوى بمنع البيع مؤيّدا لجواز النقل بالصلح و الهبة.

(3) هذا إيراد المصنف قدّس سرّه على كلام المناهل، و غرضه منع ما أفاده ثانيا من خلوّ الفتاوى عن حكم غير البيع، وجه المنع ما تقدم من تعبيرهم بالنقل- دون خصوص البيع- في الموارد الأربعة. و هذه الكلمات إن بلغت حدّ الإجماع القطعي صلحت لتخصيص العمومات المقتضية للصحة كما لا يخفى.

و استشهد المصنف- مضافا إلى الموارد الأربعة المتقدمة- بكلام شيخ الطائفة و الحلي و بإجماع فخر المحققين، و بإرساله إرسال المسلمات في الرياض، و بظهور عبارة المقابس، ثم استظهر كونه ممّا اتفق عليه المسلمون. و مع هذا كيف تتجه دعوى خلو كلام المعظم عن حكم غير البيع؟

(4) أي: ظهور ثبوت حكم البيع لغيره من النواقل.

ص: 249

و مع ذلك (1) فهو الظاهر من المبسوط و السرائر، حيث قالا: «إذا مات ولدها جاز بيعها و هبتها و التصرف فيها بسائر أنواع التصرف (2)» «1».

و قد ادّعى (3) في الإيضاح الإجماع صريحا على المنع عن كلّ ناقل، و أرسله (4) بعضهم- كصاحب الرياض و جماعة- إرسال المسلّمات، بل عبارة

______________________________

(1) أي: مضافا إلى ظهور كلمات الفقهاء في عموم الحكم- لغير البيع- يكون ثبوت الحكم لغير البيع ظاهر المبسوط و السرائر، لدلالة منطوق الجملة الشرطية على جواز غير البيع لو مات ولدها حال حياة السيّد، فيكون مفهومها ظاهرا في منع البيع و الهبة و سائر التصرفات لو لم يمت الولد.

(2) كالصلح عليها و وقفها، و إقراضها بناء على صحة إقراض الجواري كما ادّعي عدم الخلاف فيه «2».

(3) هذا هو الشاهد الثاني، و حاصله: أنّ اتحاد البيع و الهبة في المنع ليس ممّا انفرد به شيخ الطائفة و الحلي قدّس سرّهما، بل ادّعى فخر المحققين الإجماع على المنع عن جميع نواقل الملك من هبة و صلح و غيرهما.

قال قدّس سرّه: «للاستيلاد أحكام: أحدها: إبطال كل تصرف ناقل للملك عنه إلى غيره- غير مستلزم للعتق بذاته- بلا شرط يرتقب، إجماعا» «3».

(4) هذا هو الشاهد الثالث على تعرض الفقهاء لحكم غير البيع، و منعهم عن مطلق التصرف الناقل للملك. و عبارة الرياض قريبة من كلام الإيضاح، لكنها خالية عن دعوى الإجماع «4»، كخلوّ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه عنه «5». و عدم الإشارة إلى

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 185؛ السرائر، ج 3، ص 21

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 21

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 631

(4) رياض المسائل، ج 13، ص 109

(5) الروضة البهية، ج 6، ص 369

ص: 250

بعضهم (1) ظاهرة في دعوى الاتّفاق (2)، حيث قال: «إنّ الاستيلاد مانع من صحة

______________________________

خلاف في المسألة ظاهر في كون المنع عن كل تصرف ناقل من مسلّمات الفقه.

و تعبير صاحب الحدائق قدّس سرّه ظاهر في تسالمهم على عدم الفرق في النقل بين المعاوضي و غيره، لقوله: «و الحق بالبيع هنا سائر ما يخرجها عن الملك أيضا كالهبة و الصلح و غيرهما للاشتراك في العلّة» «1».

و ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على منع كل تصرف، فلاحظ «2».

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه، و العبارة هكذا: «و إذا تحقق الاستيلاد بشرائطه المعتبرة- سواء وقع في حال الصحة أو المرض- فهو مانع ... الخ».

ثم إن الظهور الذي ادّعاه المصنف قدّس سرّه مبني على رجوع قول المقابس: «على خلاف في ذلك» إلى خصوص التصرفات المعرّضة لأمّ الولد للدخول في ملك الغير كما هو الظاهر، خصوصا بقرينة تصريحه بالإجماع في الجملة على الحكم بعده. و إلّا فلو رجع قوله: «على خلاف في ذلك» إلى قوله: «فهو مانع من صحة التصرفات الناقلة للأمة» كان صريحا في عدم الاتّفاق.

(2) الظاهر أنّ المراد من الاتفاق هو إطباق المسلمين- لا خصوص الفرقة المحقة- كما يظهر من المقابس، لقوله بعد العبارة المتقولة في المتن: «و هذا من الموانع التي لا تقبل التدارك، و لا ترتفع برضا الجارية، و لا بموت ولدها بعد التصرف. بل يطرد الحكم في جميع الصور إلّا في المواضع المستثناة. و كلّ من الحكمين إجماعي في الجملة بين الأصحاب، و إن خالف العامة في الثاني، فلم يستثنوا شيئا، كما هو المنقول عن المذاهب الأربعة» «3».

و بهذا يتجه الإتيان بكلمة «بل» إذ لو كان غرض المصنف استظهار اتفاق

______________________________

(1) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 448

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 374

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

ص: 251

التصرفات الناقلة (1) من ملك المولى إلى ملك غيره، أو المعرّضة لها للدخول في ملك غيره كالرهن، على خلاف في ذلك (2)».

ثم إنّ (3) عموم المنع لكلّ ناقل،

______________________________

خصوص الإمامية عليه لم يزد كلام المقابس على الإيضاح- المدّعي للإجماع صريحا- و لم يحتج إلى الاضراب ب «بل».

(1) سواء أ كانت معاوضية كالبيع و الصلح المعاوضي، أم غير معاوضية كالهبة و الوقف، و القرض إن لم يعدّ من العقود المعاوضية المصطلحة.

(2) أي: في الرهن مما لا يوجب النقل، و لكنه يجعل أمّ الولد عرضة للخروج عن ملك الراهن.

(3) غرضه استظهار إطباق المسلمين على عموم منع نقل أمّ الولد، و عدم اختصاصه بالبيع، فيكون موافقا لما ادعاه صاحب المقابس قدّس سرّه بناء على ظهور «الاتفاق» في الإجماع عند الكلّ. و استند المصنف قدّس سرّه في هذه الدعوى إلى وجوه ثلاثة، اثنان منها طائفتان من النصوص، و ثالثها تعليل الحكم في كلمات الأصحاب.

فالطائفة الاولى هي رواية السكوني المتقدمة في (ص 241) الظاهرة في كون بيع «أمّ الولد» من المنكرات، بناء على إرادة مطلق المملّك، بشهادة فهم الفقهاء عدم خصوصية للمنع عن البيع، فيكون النهي عن الشراء من باب التنبيه على العام بذكر الخاص.

و الطائفة الثانية: ما سيأتي في (ص 299) من النصوص الدالة على جواز بيعها لو لم يؤدّ مولاها ثمنها إلى البائع، و عدم جواز بيعها فيما عدا ذلك، كصحيحة عمر بن يزيد عن أبي إبراهيم عليه السّلام، إذ التأمل فيها يورث الاطمئنان بأنّ المنع عن البيع من جهة كونه مملّكا للعين، لا لخصوصية في عنوان البيع و الشراء.

و الوجه الثالث هو التعليل الوارد في كلام جماعة من أنّ ملاك المنع عن البيع هو تشبثها بالحرية، و رجاء انعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها، فلو جاز

ص: 252

و عدم اختصاصه بالبيع قول جميع المسلمين (1) [1].

و الوجه فيه (2): ظهور أدلة المنع [2] المعنونة بالبيع في (3) إرادة مطلق النقل، فإنّ (4) مثل قول أمير المؤمنين عليه السّلام في الرواية السابقة: «خذ بيدها، و قل:

______________________________

نقلها إلى الغير بهبة أو صلح أو قرض كان منافيا للحكمة المزبورة. قال المحدث البحراني قدّس سرّه في تعليل عموم المنع: «و لأنّه لو جوّز غيره- أي غير البيع- لانتفى فائدة منعه و تحريمه، و هي بقاؤها على الملك لتعتق على ولدها» «1».

(1) يعني: فضلا عن المؤمنين، و إلّا كان تكرارا لما ذكره من استظهار الإجماع من الكلمات.

(2) أي: في كون المنع قول جميع المسلمين.

(3) متعلق ب «ظهور».

(4) تعليل لظهور أدلة منع البيع في إرادة كل تصرف ناقل للملك، و هذا هو

______________________________

[1] لكن كون ذلك قول المؤمنين- فضلا عن المسلمين- لا يخلو من تأمّل، لما في مفتاح الكرامة من قوله: «و قد ألحق جماعة بالبيع سائر ما يخرجها عن الملك لظهور الاشتراك في العلة، و لأنّه لو جوّز غيره لانتفى فائدة منعه، و هي بقائها على الملك لتعتق» «2» و لا بد من مزيد التتبع.

ثم إنّ ذلك إجماع منقول و موهون بجزم السيد المجاهد بجواز غير البيع من سائر النواقل، و ليس إجماعا تعبديا، للاستدلال ببعض الوجوه المذكورة في المتن و غيره، و الإجماع التقييدي ليس بحجة.

[2] أي: بحسب المناط، و إلّا فلا ظهور في الكلام أصلا، و كذا في الظهور الآتي.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 448 و 456

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

ص: 253

من يشتري أمّ ولدي؟» يدلّ (1) على أنّ مطلق نقل أمّ الولد إلى الغير كان من المنكرات. و هو (2) مقتضى التأمّل فيما سيجي ء من أخبار بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها، و عدم جوازه فيما سوى ذلك (3).

هذا، مضافا إلى ما اشتهر (4)- و إن لم نجد نصّا عليه- من أنّ الوجه في المنع هو بقاؤها رجاء لانعتاقها من نصيب ولدها بعد موت سيّدها [1].

______________________________

الوجه الأوّل.

(1) خبر قوله: «فإنّ مثل».

(2) يعني: و عموم المنع لكلّ ناقل مقتضى التأمل في أخبار بيع أمّ الولد، و هذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(3) أي: سوى ثمن رقبتها.

(4) هذا هو الوجه الثالث، و تقدم في كلام صاحب الحدائق، و قال في المقابس:

«و إنّما منع من التصرف الناقل لتشبثها بالحرية، من حيث إنّها لو بقيت و بقي ولدها بعد المولى، و كان ممّن يستحق إرثا اعتقت- كلّا أو بعضا- من نصيب الولد، لعدم استقرار ملكه على امّه» «1» و ظاهر العبارة كون التعليل مسلّما عندهم، لا مجرّد اشتهاره. لكن ليس دليلا، لكونه- مع عدم النص عليه- من العلّة المستنبطة التي ليست بحجة.

______________________________

[1] تكرر التعليل بتشبثها بالحرية في كلماتهم، كالمحقق و الشهيد الثانيين و أصحاب المدارك و الرياض و المقابس و الجواهر قدّس سرّه «2»، و استدلّ في موضع من

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

(2) جامع المقاصد، ج 13، ص 134؛ مسالك الأفهام، ج 8، ص 45؛ الروضة البهية، ج 6، ص 371؛ نهاية المرام، ج 1، ص 292؛ رياض المسائل، ج 13، ص 111؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 381، و ج 32، ص 319

ص: 254

و الحاصل (1): أنّه لا إشكال في عموم المنع لجميع النواقل.

ثمّ إنّ المنع (2) مختصّ بعدم هلاك الولد،

______________________________

(1) هذا نتيجة ما أفاده في ردّ كلام السيد المجاهد قدّس سرّه من اختصاص المنع بالبيع، و به تمّ المبحث الأوّل.

المبحث الثاني: اختصاص المنع بحياة الولد

(2) هذا إشارة إلى اشتراط منع بيع أمّ الولد بعدم هلاك الولد في حياة سيّدها، فلو مات الولد و لم يخلّف ولدا كما إذا مات صغيرا، أو كبيرا و لكنه لم يجنب كانت

______________________________

المسالك على اشتراط كون الولد حرّا بالنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أعتقها ولدها» «1».

و استدل السيد العاملي على ذلك بمفهوم قوله عليه السّلام في خبر زرارة الآتي في (ص 294): «حدّها حدّ الأمة إذا لم يكن لها ولد». فإنّ مفهومها «أنّها إذا كانت لها ولد» ليست على حدّ الأمة التي يباح التصرف فيها بتلك الأنواع «2»، هذا.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه تبع في منع هذا المفهوم السيد المجاهد قدّس سرّه من حمل الحدّ على حدّ الجناية. و لعلّه بقرينة نقل الصدوق خبر زرارة في باب الحدود.

قال في المناهل: «و أما ثانيا فلاحتمال أن يكون المراد ما يترتب على المعصية، و يكون المقصود بيان اشتراك أمّ الولد و الأمة في الحدود الشرعية تارة و اختلافهما اخرى» «3».

و لكن الظاهر بعد حمل الحد على حدّ الجناية، و المراد منه عدم مساواتها للأمة في التصرفات الناقلة، و حينئذ فلا قصور في مفهوم خبر زرارة عن إثبات العلّة المتكررة في الكلمات من كونها متشبثة بالحرية بالولد، و لا بد من مزيد التأمّل.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 10، ص 525

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 263

(3) المناهل، ص 319

ص: 255

فلو هلك جاز (1) اتفاقا نصّا و فتوى.

و لو مات (2) الولد و خلّف ولدا:

______________________________

أمّ الولد ملكا طلقا. قال في الجواهر- في اشتراط منع البيع بعدم موت الولد- ما لفظه: «بلا خلاف أجده فيه، بل لعلّ الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى النصوص ...

و إلى عموم تسليط الناس على أموالهم، المقتصر في الخروج عنه على أمّ الولد، التي لا تشمل الفرض- أي فرض موت الولد في حياة السيد- حقيقة كما هو واضح» «1».

و يدل عليه من النصوص ما رواه في الكافي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في رجل اشترى جارية يطأها، فولدت له ولدا، فمات ولدها. قال: إن شاءوا باعوها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها. و إن كان لها ولد قوّمت على ولدها من نصيبه» «2» بناء على كون قوله عليه السّلام: «باعوها في الدين» خارجا مخرج التمثيل «3»، فيجوز بيعها مطلقا، بل نقلها بغيره كالهبة. فالحكم- كما أفاده المصنف قدّس سرّه- مسلّم فتوى و نصّا.

إنّما الكلام لو ترك ولدا، بمعنى أنّه خلّف ولد الأمة ولدا، فمات الولد في حياة أبيه، و بقي ولده- و هو حفيد السيد- بعد وفاة جدّه، فهل يمنع من بيعها حينئذ أم لا؟ فيه وجوه، بل أقوال، سيأتي التعرض لها.

(1) أي: جاز بيعها و نقلها كما دلّ عليه النصّ و الفتوى. و مقصوده من الفتوى إجماعهم على الحكم. قال في المقابس: «و لما ذكرنا أجمعوا أيضا على أنّ الحكم بالمنع مطلقا مشروط ببقاء ولدها» «4».

(2) يعني: لو مات ولد الأمة في حياة أبيه، و خلّف ولدا، ففي إجراء حكم ولد

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 375، و قريب منه في ج 34، ص 378

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 105، الباب 5 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 2

(3) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 450

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69

ص: 256

..........

______________________________

الأمة على ولد الولد- من منع بيعها و نقلها إلى الغير- أقوال ثلاثة:

الأوّل: اللحوق مطلقا، لوجوه ثلاثة:

أحدها الاستصحاب، بتقريب: أنّ منع بيعها كان ثابتا حال حياة ولدها البطني، و يشك في بقائه و ارتفاعه بموته، فيستصحب المنع، لكونه من الشك في الرافع.

ثانيها: صدق الاسم، فإنّ «الولد» كما يصدق على الصلبي المتكوّن من السيد و المملوكة، كذلك يصدق على الحفيد، لكونه ولدهما بالواسطة، فيندرج في إطلاق الأدلة المانعة من التصرفات الناقلة لأمّ الولد.

ثالثها: تغليب جانب الحرية على الرّقية، إذ لو لم يكن ولد الوالد بحكم أبيه لزم بقاء أمّ الولد على الرقية إلى أن يحصل موجب آخر لانعتاقها. و لو كان بحكم أبيه أمكن تحررها بعد وفاة السيد. و مقتضى تغليب جانب الحرية إلحاق ولد الولد بالولد الصلبي.

القول الثاني: عدم اللحوق مطلقا، لوجهين:

أحدهما: أن المتبادر من «الولد» عند الإطلاق هو الصّلبي، فيكون إطلاق «الولد» على «ولد الولد» مجازا لا يصار إليه بلا قرينة.

ثانيهما: أنه لو سلّم كون «الولد» مشتركا معنويا بين المولود بلا واسطة و معها، قلنا بظهور «الولد» في نصوص المسألة و معاقد الإجماعات- من أنّه يجوز بيعها بعد موت ولدها- في خصوص الصلبي، هذا.

و اختار هذا القول جماعة منهم أصحاب الرياض و المناهل و الجواهر، و مال إليه في المقابس «1».

القول الثالث: التفصيل بين كون ولد الولد وارثا لجدّه- و هو السيّد- لفقد

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 113؛ المناهل، ص 320؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 378

ص: 257

ففي (1) إجراء حكم الولد عليه (2)، لأصالة (3) بقاء المنع [1]، و لصدق (4) الاسم [2]، فيندرج في إطلاق الأدلة، و تغليبا (5) للحرية [للحرمة].

______________________________

الولد الصّلبي من غير هذه الأمة، فيكون ولد الولد بحكم الولد في انعتاق جدّته عليه من نصيبه من الإرث. و بين عدم كونه وارثا- لوجود الولد الصلبي- فلا تكون الأمة محكومة بحكم أمّ الولد.

و حكى صاحب المقابس هذا القول عن ابن فهد و صاحب المدارك قدّس سرّهم «1».

و تردّد بعضهم في حكم المسألة و لم يختصر شيئا، كالعلّامة في القواعد، و الشهيد في الدروس «2».

(1) خبر مقدم لقوله: «وجوه» و الجملة جواب الشرط في: «و لو مات».

(2) أي: على ولد الولد، و هذا إشارة إلى القول الأوّل.

(3) إشارة إلى الوجه الأول و هو الاستصحاب.

(4) معطوف على «لأصالة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني. قال فخر المحققين قدّس سرّه: «إن حكمه حكم الولد مطلقا، و هذا هو الأقوى عندي، لأنّه ولد» «3».

(5) معطوف على «لأصالة» أي: و لتغليب الحرية كما تكرر في المقابس «4»

______________________________

[1] لا يخفى أنّه على تقدير صدق «أمّ الولد» عليها يشملها إطلاق أدلة المنع، و لا مجال معه للاستصحاب. و كذا على فرض عدم الصدق أو الشك فيه، لعدم إحراز بقاء الموضوع.

[2] نعم، لكن ليس مطلق الصدق كافيا و موضوعا، إذ مورد كثير من الأدلة هو الولد البطنى للأمة، و يشهد له أخبار الحمل، لقيامه بنفس الأمة لا بولدها.

______________________________

(1) نهاية المرام، ج 2، ص 318؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 259؛ الدروس الشرعية، ج 3، ص 223

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 636

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 69 و 75 و 76

ص: 258

أو العدم (1)، لكونه (2) حقيقة في ولد الصّلب، و ظهور (3) إرادته من جملة من الأخبار (4)

______________________________

و غيره [1]، و الموجود في بعض نسخ الكتاب «تغليبا للحرمة».

و كيف كان فالمراد واحد. فعلى تقدير كون النسخة «للحرمة» فالمقصود تغليب منع نقل أمّ الولد على جوازه.

(1) معطوف على «إجراء» أي: ففي عدم إجراء حكم الولد على ولد الولد.

و هذا إشارة إلى القول الثاني.

(2) أي: لكون «الولد» حقيقة في خصوص الصلبي، و مجازا في الولد مع الواسطة.

(3) معطوف على «كونه» أي: لظهور إرادة الولد الصلبي، و هذا هو الوجه الثاني، و هو إشارة إلى طائفتين من الأخبار:

إحداهما: ما دلّ على منع بيع أمّ الولد كخبر السكوني المتقدم في (ص 241) و فيها: «من يشتري أمّ ولدي؟» إذ المراد بالولد هو المرتضع الذي يكون بحكم الولد الصلبي، و لا يصدق على ولد الولد.

ثانيتهما: الأخبار المجوّزه لبيع أمّ الولد بعد موت ولدها في حياة السيد، كرواية أبي بصير المتقدمة في (ص 256) و غيرها من أخبار الباب، فإنّ إطلاق جواز بيعها بعد موت الولد الصّلبي ينفي صدق «أمّ الولد» عليها لو خلّف الولد ولدا، و إلّا لم يجز بيعها، لأنّها لا زالت أم ولد.

هذا مضافا إلى الإجماع على الجواز بعد موت الولد.

(4) أي: الأخبار المتكفلة لأحكام أمّ الولد، في قبال الطائفة الثانية المجوّزة لبيعها.

______________________________

[1] لا دليل عليه إن اريد بذلك غير أدلة الاحتياط التي تمسك بها المحدثون في الشبهة التحريمية الحكمية. و إن اريد به أخبار الاحتياط فقد ثبت في محله ضعفها.

ص: 259

و إطلاق (1) ما دلّ من النصوص و الإجماع على الجواز بعد موت ولدها.

أو التفصيل (2) بين كونه وارثا، لعدم (3) ولد الصلب للمولى، و عدمه (4)، لمساواة (5) الأوّل مع ولد الصلب في الجهة المقتضية للمنع [1]، وجوه [2].

______________________________

(1) معطوف أيضا على «كونه» قال في الرياض: «لو مات الولد جاز بيعها، مضافا إلى الاتفاق، و النصوص المستفيضة، منها الصحيح: و إن مات ولدها قبل أن يعتقها فهي أمة إن شاءوا أعتقوا، و إن شاءوا استرقّوا».

(2) معطوف أيضا على «إجراء» و إشارة إلى القول الثالث المنسوب إلى ابن فهد الحلّي و صاحب المدارك قدّس سرّهما.

(3) يعني: أنّ منشأ كون ولد الولد وارثا للسيد هو انتفاء الولد الصّلبي.

(4) معطوف على «كونه» أي: بين عدم كون ولد الولد وارثا من جهة وجود الولد الصّلبي.

(5) هذا وجه التفصيل بين كونه وارثا و عدمه، فوجه كونه بحكم الولد هو مساواته للولد الصلبي في الجهة المقتضية لمنع بيعها، و هي انعتاقها من نصيب ولدها من الإرث.

هذا إذا كان ولد الولد وارثا، و أمّا لو لم يكن وارثا- بأن كان للميت ولد صلبي آخر يرثه- فالجهة المقتضية لمنع البيع مفقودة في ولد الولد، فتبقى الأمة مملوكة.

______________________________

[1] لكن لم تثبت عليتها بحيث يدور الحكم مدارها، فالمتّبع ظواهر الأدلة، و عدم العبرة بالعلل المستنبطة.

[2] أوسطها أوسطها، لما عرفت. و لأنّ المرجع في المخصص المجمل المفهومي- لتردده بين الأقل و الأكثر- هو عموم العام أعني به في المقام عمومات البيع و غيره من النواقل.

ص: 260

حكي أوّلها عن الإيضاح، و ثالثها عن المهذّب البارع و نهاية المرام.

و عن القواعد (1) و الدروس و غيرهما: التردّد «1».

بقي الكلام (2)

______________________________

(1) قال فيه: «و لو كان ولد ولدها حيّا احتمل إلحاقه بالولد إن كان وارثا، و مطلقا، و العدم».

هذا تمام الكلام في المبحث الثاني، و لم يختر المصنف قدّس سرّه شيئا من الأقوال، فهو من المتوقفين.

المبحث الثالث: اعتبار انفصال الولد، و عدمه

(2) غرضه قدّس سرّه تعيين موضوع الأحكام المختصة بعنوان «أمّ الولد».

و توضيحه: أنّ المفهوم من «أمّ الولد» لغة و عرفا كل ذات ولد حرّة كانت أم أمة، كما أنّ المراد بالولد هو المنفصل عن امّه. إلّا أنّ المقصود ب «أمّ الولد» في هذه المسألة هي المملوكة التي حملت من سيّدها، سواء وضعت جنينها أم لم تضعه.

و الشاهد على هذا التعميم صحيحة ابن مارد الآتية في (ص 265) حيث انيط جواز بيع المملوكة و عتقها بعدم كونها ذات حمل من السيّد. و كذلك ما ورد في بعض النصوص من إطلاق «أمّ الولد» على الجارية التي أسقطت بعد ثلاثة أشهر «2» من الحمل، مع عدم صدق «الولد» على مثله، لعدم تمام خلقته.

و لا ريب في مغايرة هذا المعنى لما يفهم من لفظ «أمّ الولد» عرفا، و ذلك لأنّ صدق «الولد» منوط بخروج الجنين، فإنّ تولّده- الموجب لصدق الولد عليه- هو خروجه عن بطن امّه، فما لم يخرج لا يصدق عليه الولد، بل يصدق عليه الحمل.

______________________________

(1) تقدمت المصادر آنفا في ص 258

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 104، الباب 3 من أبواب الاستيلاد، حديث: 1

ص: 261

في معنى (1) «أمّ الولد» فإنّ (2) ظاهر [1] اللفظ اعتبار انفصال الحمل، إذ لا يصدق «الولد» إلّا بالولادة. لكن المراد هنا (3) ولدها مجازا (4) [و لو حملا]

______________________________

و عليه فإطلاق «أمّ الولد» على الأمة الحامل إمّا أن يكون مجازا بعلاقة المشارفة، لكون الحمل مشرفا على الولادة، فهو ولد مجازا، و امّه أمّ ولد كذلك.

و إمّا أن يكون حقيقة، بدعوى: أنّ الولد و إن كان ظاهرا في المنفصل، إلّا أنّه لا يعتبر انفصاله عن الامّ، بل يكفي الولادة من الوالد، فيكون إطلاق الولد على الحمل حينئذ على وجه الحقيقة، لأنّ الحمل ولد للوالد، حيث إنّه ولد منه في رحم امّه، و حمل لأمّه، و ليس ولدا لها ما لم يولد منها أي لم يخرج من بطنها، هذا.

(1) معناها في مصطلح الشارع معلوم، فالمراد كونه حقيقة أو مجازا.

(2) هذا وجه مغايرة المعنى العرفي و الشرعي، و حاصله: كفاية الحمل في منع بيع أمّ الولد، مع أنّه لا ريب في إناطة صدق «أمّ الولد» بالولادة التي هي مبدأ الاشتقاق للمتضايفين و هما الولد و الوالدة.

(3) أي: في مسألة عدم بيع أمّ الولد، لخروجها بالاستيلاد عن كونها ملكا طلقا لسيّدها.

(4) كذا في نسختنا المعتمد عليها. و في بعض النسخ «ولدها و لو حملا» و المفاد واحد، إذ المقصود أنّ صدق «الولد» على الحمل يكون مجازا بعلاقة المشارفة المصحّحة لاستعمال «الولد» في غير ما وضع له.

______________________________

[1] لمّا كان موضوع الحكم بعدم جواز بيع أمّ الولد أمّ من ذلك- كما يستفاد من النصوص- فلا ثمرة حينئذ للبحث عن صدق الولد على الحمل و عدمه، إذ له ثمرة فيما إذا كان الموضوع عرفيا. و أمّا مع تصريح النص بالموضوع، و كونه أعمّ من العرفى فلا جدوى في البحث عن المفهوم العرفي.

ص: 262

للمشارفة. و يحتمل (1) أن يراد الولادة من الوالد دون الوالدة [1].

و كيف كان (2)،

______________________________

و المراد بقوله: «مجازا» كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1» هو عموم المجاز، الصادق على كلّ من الحقيقي و هو الولد المنفصل عن امّه، و المجازي و هو الحمل، من دون اختصاص «الولد» بأحدهما، حتى يصدق على الأمة «أمّ الولد» بمجرد تحقق مسمّى الحمل.

(1) هذا وجه كون إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقيّا، بالتصرف في المولود، بأن يراد انفصاله عن الأب، لا الامّ، فيتحد المعنى الشرعي و العرفي.

(2) يعني: سواء أ كان إطلاق «أمّ الولد» على الحامل حقيقة أو مجازا، فلا إشكال في صدق الموضوع شرعا بمجرّد الحمل، إنّما الكلام في المراد بالحمل هل

______________________________

[1] لكن الولادة من الوالد فقط لا يوجب كون الإطلاق حقيقيا، ضرورة أنّ موضوع البحث هو «أمّ الولد» بحيث يضاف الولد إليها، و يقال: إنّه ولدها، و المفروض أنّ صحة هذا الإطلاق منوطه بخروجها عن بطنها. فالحمل و إن كان ولدا حقيقة للوالد، لكنه يكون ولدا للوالدة مجازا، فهي أمّ ولد الوالد، لا أنّها أمّ لولد نفسها.

و يمكن التفكيك بينهما، و كون الموضوع مع الغض عن الروايات هو أمّ ولد نفسها الملازم لكونه ولدا للوالد أيضا.

و قد ظهر من إمكان التفكيك في صدق الولد على الحمل بين ولديته للوالد و بين ولديتها للوالدة- بكونه ولدا للوالد و حملا لأمّه، و عدم اتصافه بالولدية لها إلّا بعد خروجه عن بطنها- أنه ليس المقام من التضايف حتى يلازم صدق أحدهما صدق الآخر. فما أفاده المحقق الإيرواني قدّس سرّه «2» لا يخلو من التأمّل، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 456

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 183

ص: 263

فلا إشكال- بل (1) لا خلاف- في تحقق الموضوع بمجرّد الحمل. و يدلّ عليه (2):

الصحيح عن محمّد بن مارد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل

______________________________

يعتبر فيه ولوج الروح أم يكفي كونه مضغة أو علقة أو نطفة؟ سيأتي.

(1) التعبير ب «بل» لأجل إمكان وجود الخلاف في تحقق «أمّ الولد» بالحمل و إن لم يكن فيه إشكال بنظر المصنف قدّس سرّه.

(2) أي: و يدل على تحقق الموضوع- و هو أمّ الولد- بمجرد الحمل: الصحيح عن محمد بن مارد. و التعبير ب «عن محمد»- كما في المقابس أيضا «1»- يحتمل أن يكون لغرض تصحيح الطريق، و هو إسناد الشيخ قدّس سرّه إلى الحسن بن محبوب، لا للجهل بحال ابن مارد أو القدح فيه. و يشهد لهذا الاحتمال تعبير صاحب المقابس في غير موضع بصحيح محمد بن مارد. و عليه فلا إشكال في السند. و يندفع ما أفاده الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد من التعبير ب «بما رفعه الشيخ إلى ابن مارد» «2».

و يحتمل أن يكون للشبهة في وثاقة ابن مارد، بشهادة تعبير المصنف عنها- فيما سيأتي- بالرواية المؤذن بضعفها سندا، فيكون منشأ الضعف جهالة ابن مارد.

و على أحد الاحتمالين يبتني تضعيف جمع لها، و دعوى بعض- كصاحبي الرياض «3» و الجواهر- جبرها بعمل الأصحاب.

لكن الظاهر صحة الرواية، لأن إسناد الشيخ إلى ابن محبوب معتبر، و محمد بن مارد التميمي وثقه النجاشي قدّس سرّه «4»، و لذا وصفه العلّامة المجلسي قدّس سرّه بالصحيح «5».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) غاية المراد، ج 3، ص 398

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 109؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 373

(4) كما في معجم رجال الحديث، ج 17، ص 181

(5) ملاذ الأخيار، ج 12، ص 501

ص: 264

يتزوّج أمة، فتلد منه [يتزوّج الجارية تلد منه] (1) أولادا، ثم يشتريها، فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثمّ يبدو له في بيعها. قال: هي أمته إن شاء باع ما لم (2) يحدث عنده حمل [بعد ذلك] (3) و إن شاء أعتق» «1».

و في رواية السكوني عن جعفر بن محمّد، قال (4): «قال علي بن الحسين صلوات اللّه عليهم أجمعين في مكاتبة يطؤها مولاها فتحبل، فقال: يردّ عليها

______________________________

و كيف كان، فموضع الاستشهاد بهذه الرواية- على كون المانع من البيع مطلق العلوق في زمان مملوكيتها للسيد، و صيرورتها أمّ ولد شرعا- هو قوله عليه السّلام:

«ما لم يحدث عنده حمل» لعدم تقييد الحمل بولوج الروح فيه، أو بكمال الخلقة، فيصدق على مطلق العلوق بما هو مبدأ نشوء آدمي حتى النطفة التي تنعقد ولدا لو بقيت في الرّحم، فلو ألقتها صدق عليها عنوان «أمّ الولد».

(1) كذا في نسختنا، و لكن في بعض نسخ الكتاب و المقابس و الوسائل:

«يتزوج أمة فتلد منه».

(2) يدل مفهوم هذه الجملة على مانعية إحداث الحمل عن البيع.

(3) لم تذكر هاتان الكلمتان في نسختنا، فإثباتهما موافقة لبعض النسخ و الوسائل.

(4) هذا موافق لما في المقابس تبعا لما في الفقيه، و لكن رواها في الوسائل عن الكافي و التهذيب بنحو آخر، فرواها الكليني قدّس سرّه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان أمير المؤمنين عليه السّلام، قال في مكاتبة يطؤها مولاها، فتحمل، قال عليه السّلام: يردّ عليها مهر مثلها، و تسعى في قيمتها ...».

و التعبير عنها بالرواية لمكان النوفلي و السكوني، لعدم التنصيص على وثاقتهما. نعم بناء على الاكتفاء بعموم توثيق تفسير القمي و كامل الزيارة اتجه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 589، الباب 85 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1، و ج 16، ص 105، الباب 4 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1

ص: 265

مهر مثلها، و تسعى في رقبتها، فإن عجزت فهي من امهات الأولاد» «1».

لكن (1) في دلالتها

______________________________

الاعتماد عليهما، أو إحراز صدورها بقرينة اخرى كعمل الأصحاب.

و كيف كان فالشاهد في حكمه عليه السّلام بصيرورة المكاتبة أمّ ولد بالحمل لو عجزت عن أداء مال الكتابة. و لم يقيّد «الحمل» في الرواية بمرتبة خاصة، فيكفي صدقه عرفا، المانع من بيع الامّ شرعا.

و عدّ صاحب المقابس هذه الرواية من جملة ما دلّ على كفاية المضغة، فراجع «2».

(1) غرضه قدّس سرّه المناقشة في دلالة رواية السكوني على كفاية مطلق الحمل في صيرورة الأمة أمّ ولد، و إنّما تدل على ذلك ببعض مراتب الحمل، و هو بعد ولوج الروح في الجنين.

و بيانه: أنّ مورد السؤال هي المكاتبة التي لا يجوز لمولاها المباشرة، لا بالملك و لا بالعقد، فلو فعل- و لم تطاوعه- استحقت مهر المثل، و مفروض السؤال تحقق الحمل. و حكم عليه السّلام بأن المباشرة و الحمل لا يمنعان عن سعيها لأداء مال الكتابة.

و لو فرض عجزها عن فكّ رقبتها فهي ذات ولد، يحرم بيعها، و تنعتق بعد موت سيّدها من نصيب ولدها إن بقي حيّا بعد وفاة أبيه.

و حيث إنّ حكمه عليه السّلام بكونها ذات ولد متأخر عن الحمل و وجوب السعي عليها و عجزها عن أداء القيمة- و توقّف ذلك على مضيّ زمان يكمل فيه خلقة الجنين و يلج فيه الروح- لم تدل الرواية على كفاية مطلق الحمل في صدق «أمّ الولد» على الأمة، بل تختص بما إذا تمّت خلقته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 97، الباب 14 من أبواب المكاتبة، الحديث: 2؛ الكافي، ج 6، ص 188، الحديث 16؛ الفقيه، ج 3، ص 154، الحديث: 3563؛ التهذيب، ج 8، ص 269، الحديث: 981

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 266

على ثبوت الحكم (1) بمجرّد الحمل (2) نظر، لأنّ (3) زمان الحكم بعد (4) تحقق السعي و العجز عقيب الحمل، و الغالب (5) ولوج الرّوح حينئذ [1].

ثم الحمل (6) يصدق بالمضغة اتّفاقا، على ما صرّح به (7) في الرياض «1»،

______________________________

و الحاصل: أنّ قرينة وجوب السعي- ثم العجز- تمنع عن كون الحمل في مورد السؤال نطفة أو مضغة أو علقة، و بهذه القرينة تفترق رواية السكوني عن رواية ابن مارد المجرّدة عن القرينة المعيّنة للحمل.

(1) أي: حكم أمّ الولد، و هو منع بيعها.

(2) أي: سواء تمّ أم لم يتمّ.

(3) هذا وجه النظر، و قد تقدم آنفا. و المراد بالحكم هو عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد.

(4) خبر قوله: «لأن زمان» أي: يكون زمان حكمه عليه السّلام بكونها أمّ ولد متأخرا عن السعي و العجز المتأخرين عن الحمل.

(5) يعني: و الحال أنّ الغالب بحسب العادة ولوج الروح حين تأخر زمان الحكم بكونها أمّ ولد عن زمان السعي و العجز.

(6) غرضه التعرض لمراتب الحمل، و أنّه يصدق على جميعها أو على بعضها.

و بدأ ببيان حكم المضغة، فلو أسقطتها كانت أمّ ولد، و ذلك للإجماع المتضافر نقله، و لصحيحة ابن الحجاج.

(7) أي: بالاتفاق، قال قدّس سرّه في ما به يتحقق الاستيلاد: «بعلوق أمته منه ... بما

______________________________

[1] لا تكفي الغلبة في اعتبار ولوج الروح، لإمكان تحقق العجز قبل ولوج الروح فيه، كما إذا عجزت عن تأخير النجم في وقته، فإنّ العجز يتحقق حينئذ في وقت لم تلجه الروح.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 109

ص: 267

و استظهره (1) بعض آخر، و حكاه عن جماعة هنا و في باب انقضاء عدّة الحامل.

و في صحيحة ابن الحجّاج، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحبلى يطلّقها زوجها ثم تضع سقطا- تمّ أو لم يتمّ- أو وضعته مضغة، أ تنقضي عدّتها [عنها]؟ فقال عليه السّلام: كلّ شي ء وضعته (2) يستبين أنّه حمل- تمّ أو لم يتمّ- فقد انقضت عدّتها و إن كان مضغة (3)» «1».

ثم الظاهر (4) صدق «الحمل» على العلقة،

______________________________

يكون مبدأ نشوء آدميّ و لو مضغة ... على الأظهر الأشهر، بل عليه عامّة من تأخّر، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ... و هو الحجة في الجملة».

(1) هو صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث استظهر الاتفاق بقوله: «و يكفي العلوق بالمضغة إجماعا كما هو الظاهر، و المحكي في كلام جماعة منهم، هنا و في حكم عدّة الحامل، و منهم الشيخ و القاضي و فخر الإسلام و أبو العباس و غيرهم» «2».

و حاصله: أنّ المحقق الشوشتري قدّس سرّه ادّعى الإجماع على صدق الحمل على المضغة، كما حكاه عن آخرين.

(2) لا يخفى مخالفة ما في المتن لما في الوسائل و غيره من كتب الأخبار، مثل «سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها، فوضعت سقطا» و عدم ذكر «أ تنقضي عدتها عنها» في الوسائل، و إن ذكر في الفقيه «أ ينقضي بذلك عدتها» و عدم ذكر «وضعته».

(3) هذه الجملة هي الغرض من ذكر الصحيحة، لصراحتها في صدق الحمل على المضغة.

(4) هذا فرع ثان، و هو صدق «الحمل» على العلقة و عدمه، و فيه خلاف.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 15، ص 421، الباب 11 من أبواب العدد، الحديث: 1

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 268

و قوله (1) عليه السّلام: «و إن كانت مضغة» تقرير لكلام السائل، لا بيان لأقلّ مراتب الحمل- كما (2) عن الإسكافي-

______________________________

فذهب فخر المحققين قدّس سرّه- مدعيا عليه الإجماع- إلى ذلك، قال: «يظهر ثبوت الاستيلاد و أحكامه بالوطي بوضعها علقة و ما بعدها إجماعا، و في ما قبله قولان، أقواهما المنع» «1». و قوّاه المصنف قدّس سرّه، لصدق الحمل. و تظهر ثمرة كونها ذات ولد في ما لو باعها مولاها قبل الإلقاء، فيبطل كما سيأتي التنبيه عليه في المتن.

فإن قلت: إنّ قوله عليه السّلام في صحيحة ابن الحجاج: «و إن كانت مضغة» ظاهر في أنّ أقل ما يصدق به الحمل هو المضغة، فلا عبرة بإسقاط النطفة و العلقة، و لا تصير أمّ ولد، كما لا تخرج المطلّقة عن العدة بذلك، لعدم إحراز الحمل.

قلت: ليس كلامه عليه السّلام بيانا لأقلّ مراتب الحمل، و إنّما أتى بكلمة «المضغة» لتقرير ما ورد في سؤال ابن الحجاج من قوله: «أو وضعته مضغة» فقرّره عليه السّلام بكفاية إسقاط المضغة، و من المعلوم عدم كونه تحديدا للحمل كي يدلّ بمفهومه على عدم العبرة بإلقاء النطفة أو العلقة.

(1) هذا دفع دخل مقدر، تقدما بقولنا: «إن قلت ... قلت».

(2) هذا راجع إلى المنفي، يعني: أنّ الإسكافي قائل بأن أقل مراتب الحمل هو المضغة. قال العلّامة قدّس سرّه: «قال ابن الجنيد: فإن أسقطت مضغة فما زاد عليها من الخلق فقد انقضت عدّتها. و هو يدل بمفهومه على عدم الانقضاء بدونها» «2».

و ليس هذا قول الإسكافي خاصة، إذ حكى صاحب المقابس قدّس سرّه «3» عن الشيخ و القاضي و الشهيدين في الدروس و المسالك الخلاف في صدق الحمل على العلقة، أو التردد فيه.

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 631، و كذا في المهذب البارع، ج 4، ص 100

(2) مختلف الشيعة، ج 7، ص 528

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

ص: 269

و حينئذ (1) فيتجه الحكم بتحقق الموضوع بالعلقة كما عن بعض، بل عن الإيضاح و المهذّب البارع: الإجماع عليه.

و في المبسوط (2)- في ما إذا ألقت جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر

______________________________

فدعوى الإجماع من الإيضاح و المهذب البارع على صدق الحمل على العلقة في غاية الغموض، و إن كان الحق الصدق. لكن دعوى الإجماع مع تردّد جماعة بل مخالفتهم مشكلة.

(1) أي: و حين كون قوله عليه السّلام تقريرا لا تحديدا، فيتجه الحكم بصدق «أمّ الولد» بإسقاط العلقة، كما ذهب إليه جمع في باب الاستيلاد، و كذا في عدة طلاق الحامل، كالمحقق و العلّامة في القواعد و صاحب الجواهر «1»، ففيه: «و يكفي في إجراء حكم أمّ الولد علوقها بما هو مبدأ إنسان و لو علقة، بلا خلاف أجده بل في الإيضاح الإجماع عليه». و يظهر منه في الطلاق أيضا، فراجع «2».

(2) توضيحه: أنّ شيخ الطائفة عقد مسائل أربع لما إذا وضعت أمّ الولد ما في بطنها بنفسها أو باعتداء عليها.

إحداها: أن تضع ولدا كاملا، حيّا أو ميّتا.

ثانيها: أن تضع بعض جسد الآدمي من يد أو رجل، أو جسدا قد بان فيه شي ء من خلقة الآدمي.

ثالثها: أن تضع جسدا ليس فيه تخطيط ظاهر، لكن ادّعت القوابل وجود تخطيط خفي فيه، و لو بقي في الرحم تظهر الخطوط فيه.

رابعها: ما نقله المصنف في المتن، و هو أن تلقي جسدا خاليا من تخطيط ظاهرا و باطنا، لكن قالت القوابل إنّه مبتدأ خلق آدمي، و أنّه لو بقي في الرحم لتخلّق و تصوّر بصورة الآدمي.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 37؛ قواعد الأحكام، ج 3، ص 141؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 375

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 254- 256

ص: 270

و لا خفي، لكن قالت القوابل: إنّه مبدأ خلق آدميّ، و إنّه لو بقي لخلق (1) و تصوّر- «قال قوم: إنّها لا تصير أمّ ولد بذلك، و قال بعضهم: تصير أمّ ولد.

و هو مذهبنا» انتهى «1». و لا يخلو (2) عن قوة، لصدق الحمل.

و أمّا (3) النطفة: فهي بمجرّدها لا عبرة بها ما لم تستقرّ في الرّحم، لعدم

______________________________

و رجّح الشيخ قدّس سرّه صدق «أمّ الولد» في المسائل الأربع، بناء على أن يكون الجسد الخالي من التخطيط هو الدم الجامد المتكوّن من النطفة، و هو العلقة المبحوث عنها.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و الأولى ما في المبسوط «لتخلّق».

(2) أي: ما قاله البعض من صيرورتها أمّ ولد لا يخلو من قوة، لصدق «الحمل» على ما يكون منشأ خلق الآدميّ.

(3) هذا فرع ثالث من فروع المبحث الثالث، و هو صدق الحمل بالنطفة قبل تبدل صورتها بالعلقة، و عدمه، فصّل المصنف قدّس سرّه بين صورتين: إحداهما عدم استقرارها في الرّحم، و الثانية: استقرارها فيه.

و الظاهر أنّ المراد بالاستقرار حصول اللقاح، إذ لو استقرّت في الرحم و لم يطرء عليها عارض صلحت لأن تكون مبدأ نشوء آدمي، و هي اولى مراحل تكوّن الجنين، و انقلبت تدريجا إلى العلقة و ما بعدها من المراحل.

و المراد بغير المستقرة خلافها أي ما لم يحصل اللقاح و العلوق، أو حصل، و لكن النطفة- لعدم سلامة الجهاز الجنسي و شبهه- لا تصلح لتكوّن الجنين منها.

أمّا الصّورة الاولى فذهب المصنف قدّس سرّه إلى عدم صدق الحمل عليها، فلو ألقتها الأمة لم تكن ذات ولد. و ما ادعاه الفاضل المقداد- من الإجماع على عدم العبرة بإسقاط النطفة في عدة المطلقة- محمول على عدم كونها مستقرة في الرحم، و أنّها لو بقيت لم تتخلق و لم تتصور بصورة آدمي.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 186

ص: 271

صدق كونها حاملا (1). و على هذا الفرد ينزّل إجماع الفاضل المقداد (2) على عدم العبرة بها (3) في العدّة.

و مع (4) استقرارها في الرّحم، فالمحكيّ (5) عن نهاية الشيخ تحقق الاستيلاد

______________________________

و أمّا الصورة الثانية ففيها خلاف كما سيأتي.

(1) و المفروض أنّ موضوع انقضاء العدة بالوضع هو الحامل. و لا أقلّ من الشك في صدقها على مجرد كون النطفة في جوفها، ثمّ ألقتها.

(2) قال قدّس سرّه- في ردّ من اكتفى بوضع العلقة لكونه مبدء خلق آدمي- ما لفظه:

«و المبدئية غير كافية إجماعا، و إلّا لكفت النطفة، لأنّها مبدء أيضا، لكنها غير كافية إجماعا، و إنّما الاعتبار بصدق الحمل، و إنما يصدق حقيقة بعد التخلق، فلذلك قال المصنف: مع تحققه حملا» «1».

و لا يخفى بعد الحمل المزبور، لعدم التخلق بمجرد الاستقرار في الرحم، و توقف التخلق على تبدل صورة النطفة بغيرها، فلا يصدق الحمل بمجرد استقرار النطفة في الرّحم.

(3) أي: عدم العبرة بالنطفة- أي بإسقاطها- في انتهاء عدّة المطلّقة. و مقتضى وحدة المناط بين المطلقة الحامل و أمّ الولد- في هذه الجهة- هو عدم العبرة بالنطفة غير المستقرة في صيرورة الأمة أمّ ولد، و لا يبطل بيعها لو بيعت قبل الإسقاط.

(4) كذا في نسختنا، و في بعضها «و أمّا مع» و لا حاجة إليها، لعدم سبق «أمّا» لتكون عدلا لها.

(5) الحاكي صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «و أمّا النطفة فذهب الشيخ في النهاية إلى إجراء الحكم عليه هنا» و ظاهره الإطلاق و عدم التفصيل بين الاستقرار و عدمه، قال في النهاية في عدة طلاق الحامل: «فعدّتها أن تضع حملها- سواء كان

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 3، ص 342؛ و حكاه عنه صاحب المقابس، ص 68

ص: 272

بها، و هو (1) الّذي قوّاه في المبسوط في باب العدّة- بعد أن نقل عن المخالفين عدم انقضاء العدّة به- مستدلا بعموم الآية (2) و الأخبار (3)، و مرجعه (4) إلى صدق الحمل.

و دعوى (5): أنّ إطلاق «الحامل» حينئذ مجاز بالمشارفة،

______________________________

ما وضعته سقطا أو غير سقط، تامّا أو غير تام» «1». و من المعلوم شمول «غير السقط» للنطفة بقسميها. و لعله لذا نسب الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى الشيخ الحكم بانقضاء العدة بوضع النطفة مطلقا و إن لم تستقر في الرّحم «2». و لكن حمل كلامه على صورة الاستقرار في الرحم كما في الرياض و الجواهر «3».

(1) أي: تحقق الاستيلاد بالنطفة المستقرة في الرّحم قوّاه شيخ الطائفة في المبسوط بقوله: «الثالثة: أن تلقى نطفة أو علقة، فلا يتعلّق بذلك شي ء من الأحكام عندهم، لأنّه بمنزلة خروج الدم من الرّحم، و يقوى في نفسي أنّه يتعلّق به ذلك، لعموم الآية و عموم الأخبار» «4». و لعلّ التعليل ب «لأنه بمنزلة» قرينة على إرادة النطفة المستقرة في الرّحم، فلا يعمّ ما لا يكون منشأ خلقة آدميّ.

(2) و هو قوله تعالى: وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «5».

(3) كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في (ص 268) و فيها:

«فقال عليه السّلام: كل شي ء وضعته يستبين أنّه حمل- تمّ أو لم يتمّ- فقد انقضت عدّتها».

(4) يعني: و مرجع استدلال الشيخ- بالآية و الأخبار- إلى صدق الحمل على النطفة المستقرة في الرحم.

(5) غرض المدّعي منع صدق «اولات الأحمال» حقيقة على من استقرّت

______________________________

(1) النهاية، ص 546؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) مسالك الأفهام، ج 9، ص 255

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 110؛ جواهر الكلام، ج 32، ص 254

(4) المبسوط، ج 5، ص 240

(5) الطلاق، الآية: 4

ص: 273

يكذّبها (1) التأمّل في الاستعمالات.

و ربّما يحكى (2) عن التحرير موافقة الشيخ،

______________________________

النطفة في رحمها، فيكون إطلاق «الحامل» عليها مجازا بعلاقة الأول، لتبدلها بالجنين في المستقبل، فيكون نظير ما تقدم في (ص 262) من كون «الولد» مجازا بالمشارقة في مطلق الحمل و إن كان بعد ولوج الروح، مع أنّه لا ريب في كون موضوع الحكم هو «أمّ الولد» بمعناه الحقيقي، لا المجازي.

و هذا نظير ما ذكروه في عدة الحامل من عدم انتهائها بإلقاء النطفة، لعدم صدق «اولات الأحمال» عليها.

و ردّ المصنف هذه الدعوى بمنع المجازية، و أنّ «الحمل» صادق عرفا على ما يكون منشأ تكوّن آدميّ، سواء أ كان في مرحلة النطفة أم ما بعدها من العلقة و المضغة.

(1) خبر «و دعوى» و وجه التكذيب عدم لحاظ علاقة و عناية فيها.

و لو كانت تلك الاستعمالات مجازية لكانت متقومة بلحاظ العلقة المصححة لها.

(2) غرضه قدّس سرّه التأمل فيما نسبه جمع إلى العلّامة في التحرير من انتهاء عدة الحامل بإلقاء النطفة، ليكون موافقا للشيخ في المبسوط.

ففي المقابس: «قال العلّامة: و عندي في إلقاء النطفة نظر. و اختار في التحرير قول الشيخ، و هو المحكي عن الجامع، و نقل السيوري إجماعهم على أنّه لا عبرة بها في العدة، و هو المشهور بينهم في الموضعين على ما يظهر، و المسألة موضع إشكال» «1».

و نسبه الفاضل الأصفهاني إلى العلّامة جازما به، لقوله: «خلافا للشيخ فاعتبرها- أي النطفة- و هي خيرة التحرير» «2». و كذا صاحب الجواهر قدّس سرّه «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) كشف اللثام، ج 2، القسم الثاني، ص 133 (الحجرية)

(3) جواهر الكلام، ج 32، ص 256

ص: 274

مع (1) أنّه لم يزد فيه على حكاية الحكم عن الشيخ.

نعم، في بعض نسخ التحرير لفظ يوهم ذلك (2).

______________________________

(1) هذا وجه التأمل فيما نسب إلى التحرير، يعني: مع أنّ العلّامة لم يزد في التحرير شيئا على ما حكاه عن الشيخ، و من المعلوم أن الحكاية أعم من الاختيار.

قال العلّامة في طلاق التحرير ما لفظه: «لا فرق بين أن يكون الحمل تامّا أو غير تام بعد أن يعلم أنّه حمل و إن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عين أو ظفر أو يد أو رجل أو لم يظهر، لكن يقول القوابل بأنّ فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلّا أهل الصنعة. أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن، لكن شهد القوابل أنّه مبدء خلق آدمي، لو بقي لتخلّق و تصوّر. أمّا لو ألقت دما لا يعلم، هل هو ما يخلق الآدمي فيه أو لا، فإنّ العدة لا تنقضي به. و قال الشيخ:

لو ألقت نطفة أو علقة انقضت به العدة» «1». انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

(2) استدراك على قوله: «مع أنه لم يزد» و غرضه توجيه ما حكاه صاحبا كشف اللثام و المقابس عن تحرير العلّامة، و حاصل الاستدراك: أنّ في بعض نسخ التحرير لفظا يوهم موافقة العلّامة للشيخ من كفاية إلقاء النطفة في انتهاء عدة الحامل.

و لم أظفر بالنسخة المشتملة على ذلك اللفظ الموهم. و لعلها النسخة التي نقل عنها صاحب الجواهر قدّس سرّه في عدة الحامل مدعيا في موضع آخر كونها نسخة مصحّحة.

و هي خالية من جملة: «قال الشيخ» فالعبارة فيها هكذا: «لو بقي لتخلّق و تصوّر، أمّا لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة» «2».

و هي- كما ترى- صريحة في كفاية إلقاء النطفة، لا موهمة لها. و لعلّ غرض المصنف قدّس سرّه نسخة اخرى. و اللّه العالم.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 2، ص 71 (ج 4، ص 159، الطبعة الحديثة)

(2) جواهر الكلام، ج 32، ص 255

ص: 275

نعم (1) قوّى التحرير موافقته فيما تقدّم عن الشيخ في مسألة الجسد الذي ليس فيه تخطيط. و نسب القول المذكور (2) إلى الجامع «1» أيضا.

و اعلم (3) أنّ ثمرة تحقق الموضوع- فيما إذا ألقت المملوكة ما في بطنها-

______________________________

(1) هذا أيضا استدراك على عدم موافقة العلّامة للشيخ قدّس سرّهما، و غرضه توافقهما في صدق وضع الحمل لو ألقت جسدا خاليا من التخطيط، و هو الذي تعرض له المصنف قدّس سرّه في إلقاء المضغة، فراجع (ص 267). و منشأ الموافقة هو قول العلّامة:

«أو يلقي دما منجمدا [متجسدا] ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن».

(2) أي: القول بتحقق الاستيلاد بمجرد استقرار النطفة في الرحم، و قد عرفت أنّ الناسب صاحبا كشف اللثام و المقابس.

(3) غرضه التنبيه على ما يترتب على إسقاط الحمل من الثمرة شرعا، مع أنّهم اعتبروا في كون الأمة أمّ ولد بقاء الولد حيّا بعد وفات سيّدها، فلو مات الولد في حياته لم تتحرر امّه، و كذا لا عبرة بإسقاط الجنين سواء ولجه الروح أم لا، فلا جدوى حينئذ في ما تقدم من البحث عن صدق الحمل على المضغة و ما قبلها.

وجه عدم الإجداء كون الموضوع «أمّ الولد» و هو غير صادق حسب الفرض لو أسقطته تامّ الخلقة، فكيف بها لو كانت نطفة أو علقة.

فأفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ الأمة التي ألقت ما في بطنها و إن بقيت مملوكة يجوز بيعها، و لكن تظهر ثمرة كونها «أمّ ولد» في ما لو باعها المولى- قبل إلقاء النطفة أو العلقة أو المضغة- بزعم عدم كونها حاملا و عدم صيرورتها أمّ ولد بعد، فأسقطت و تبيّن وقوع البيع مدة الحمل، إذ يحكم ببطلانه، لكون المبيع حال العقد ملكا غير طلق لا يجوز التصرف الناقل فيه.

______________________________

(1) الجامع الشرائع، ص 471

ص: 276

إنّما (1) تظهر في بيعها الواقع قبل الإلقاء، فيحكم ببطلانه (2) إذا كان الملقى حملا.

و أمّا بيعها بعد الإلقاء، فيصحّ بلا إشكال (3). و حينئذ (4) فلو وطأها المولى ثمّ جاءت بولد تامّ، فيحكم ببطلان البيع الواقع بين أوّل زمان العلوق و زمان الإلقاء. و عن المسالك الإجماع على ذلك (5).

______________________________

نعم، لو لم يبعها المولى لم يكن البحث عن تحقّق الحمل بالمضغة أو بما قبلها ذا ثمرة عملا، لعدم كونها فعلا من امهات الأولاد.

(1) الجملة خبر قوله: «أن ثمرة» و ضميرا «بطنها، بيعها» راجعان إلى المملوكة.

(2) أي: ببطلان البيع، إذ المفروض وقوع العقد على أمّ الولد.

(3) لخروجها عن عنوان «أمّ الولد» قبل البيع، و إن قلنا بصدق المشتق حقيقة على ما انقضى عنه المبدأ، لما دلّ من النص و الفتوى على جواز بيعها بعد موت ولدها.

(4) أي: و حين ظهور الثمرة في بيعها قبل إلقاء الحمل، فالمدار في بطلان البيع على وقوعه حال تحقق الحمل، سواء أ كان البيع بعد الوطء الموجب للحمل بلا تخلل زمان معتدّ به، أم بعده مع تخلل الزمان المعتد به، لصدق كون البيع في كلتا الصورتين واقعا على «أمّ الولد» المتحققة بالحمل الناشئ عن الوطء.

(5) أي: على بطلان البيع، قال في المسالك: «أن المولى لو وطئ أمته جاز له بيعها مع عدم تبيين الحمل، ثم إن ظهر بها حمل منه تبيّن بطلان البيع، لكونها أمّ ولد، و هذه المقدمات كلها إجماعية» «1».

و قال المحقق الشوشتري بعد حكاية مضمون كلامه: «و لم يفرق بين أزمنة وقوع البيع. و قد وردت روايات كثيرة فيمن اشترى جارية فوطئها فوجدها حبلى:

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 288

ص: 277

فذكر (1) صور إلقاء المضغة و العلقة و النطفة في باب العدّة إنّما هو لبيان انقضاء العدّة بالإلقاء (2)، و في (3) باب الاستيلاد لبيان كشفها عن أنّ المملوكة بعد الوطء صارت أمّ ولد (4).

______________________________

أنه يردها إلى البائع» «1».

(1) غرضه أنّ الفقهاء قدّس سرّهم تعرّضوا لإلقاء النطفة و ما بعدها- من مراحل تكوّن الجنين- في موضعين، أحدهما باب عدة طلاق الحامل، و ثانيهما باب الاستيلاد.

و المناط في الأوّل هو الموضوعية، و في الثاني الطريقية.

يعني: لوحظ إلقاء الحمل بمراتبه- من النطفة و العلقة و غيرهما- موضوعا في باب العدة، لأنه موضوع لحكم الشارع بانقضاء العدة. و لوحظ طريقا في باب الاستيلاد، لأنّ الموضوع عنوان «أمّ الولد» و الإلقاء المزبور كاشف عن تحققه حين البيع. فلو علم بالحمل بأمارة اخرى غير الإلقاء ترتب عليه الحكم و هو فساد البيع أيضا.

(2) كقول العلّامة في عدة الحامل: «تنقضي العدة من الطلاق و الفسخ بوضع الحمل في الحامل و إن كان بعد الطلاق بلحظة، و له شرطان: الأول: أن يكون الحمل ممّن له العدة ...، الثاني: وضع ما يحكم بأنّه حمل علما أو ظنا، فلا عبرة بما يشك فيه. و سواء كان الحمل تاما أو غير تام، حتى العلقة إذا علم أنها حمل، و لا عبرة بالنطفة» «2».

(3) معطوف على «في باب» و المعطوف و المعطوف عليه متعلقان ب «ذكر».

(4) قال في القواعد في شرائط الاستيلاد: «الثالث: أن تضع ما يظهر أنه حمل و و لو علقة. أما النطفة فالأقرب عدم الاعتداد بها» «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 140

(3) المصدر، ص 259

ص: 278

لا (1) أنّ البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة علقة، و لذا (2) عبّر الأصحاب عن سبب الاستيلاد بالعلوق (3) الذي هو اللّقاح.

نعم (4) لو فرض عدم علوقها بعد الوطء إلى زمان،

______________________________

(1) يعني: أنّ ذكر صور إلقاء المضغة و غيرها- من مراتب الحمل- في باب الاستيلاد لبيان كشفها عن صيرورة المملوكة بعد الوطء أمّ ولد، لا لبيان أنّ البيع صحيح إذا وقع قبل صيرورة النطفة علقة، و باطل إذا وقع بعد صيرورتها علقة.

و ببيان أوضح: إنّ ذكر صور إلقاء المضغة و غيرها في باب الاستيلاد إنّما هو من باب الطريقية، لكون إلقائها كاشفا عن صيرورة المملوكة أمّ ولد. لا من باب الموضوعية، بأن يكون ذكر المضغة و غيرها لأجل تحديد الموضوع، و أنّ عنوان أمّ الولد يتحقق بمرتبة خاصّة من الحمل، حتى يقال بصحة البيع بعد الوطء إلى زمان تبدل النطفة بالعلقة.

(2) أي: و لأجل طريقية إلقاء المضغة و غيرها إلى إحراز كون المملوكة أمّ الولد- لا موضوعيته- عبّر الأصحاب عن السبب و الموضوع بالعلوق، و هو اللقاح أعني به ماء الفحل، و منه تلقيح النخل، و هو وضع طلع الذّكر في طلع الانثى أوّل ما ينشقّ.

(3) قال المحقق قدّس سرّه: «و هو- أي الاستيلاد- يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» «1» و ظاهره كونه مجمعا عليه، لعدم الإشارة إلى الخلاف فيه في المسالك و الجواهر «2»، بل نفى الريب فيه صاحب المدارك «3».

(4) استدراك على بطلان البيع لو وقع بعد العلوق، و حاصله: أنه لو وطأها

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138

(2) مسالك الأفهام، ج 10، ص 525؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 372

(3) نهاية المرام، ج 2، ص 315

ص: 279

صحّ البيع [1] قبل العلوق.

ثمّ (1) إن المصرّح به

______________________________

السيد و لم تحمل منه مدّة، ثم باعها، و حملت بعده صح البيع، لعدم صيرورة المملوكة بعد أمّ ولد، و لازمه صحة البيع و إن ألقته بعد ذلك، سواء أ كان الملقى ولدا تامّا أم ناقصا.

(1) هذا إشارة إلى فرع آخر من فروع المبحث الثالث، و هو أنّه هل يشترط في ترتب أحكام الاستيلاد كون منشأ الحمل هو الوطء، أم يكفي لحوق الولد بالمولى شرعا و إن كان العلوق بالمساحقة، إما بأن يساحق الزوج أمته، فينزل على ذلك العضو من دون تحقق الدخول، أو باستدخال قطنة من منيّه، و نحوهما، فحملت منه، فإنّه يوجب لحوق الولد به، و إن لم يصدق عليها كونها مدخولا بها. نظير ما ذكروه في عدة غير المدخول بها، كما لو حملت بمساحقة زوجها المجبوب. قال المحقق قدّس سرّه:

«أمّا لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين، قيل: يجب العدة، لإمكان الحمل بالمساحقة. و فيه تردد، لأنّ العدة تترتب على الوطء. نعم لو ظهر حمل اعتدّت منه بوضعه، لإمكان الإنزال» «1».

و إمّا بأن تساحق زوجة السيد أو مملوكته- المدخول بهما- أمة المولى، فحملت، فإنّ الفعل و إن كان محرّما، لكن لا يمنع من كون الأمة فراشا، فيلحق الولد بالمولى.

______________________________

[1] هذا ينافي ما أفاده بقوله: «لا أن البيع الواقع قبل تحقق العلقة صحيح إلى أن تصير النطفة علقة».

و الظاهر أنّ ما ذكره المصنف قدّس سرّه في هذه الأسطر لا يخلو من النظر و التهافت، فتأمّل فيها.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 34

ص: 280

في كلام بعض (1)- حاكيا له عن غيره-: أنّه لا يعتبر في العلوق أن يكون بالوطء (2)، فيتحقق بالمساحقة، لأنّ (3) المناط هو الحمل، و كون ما يولد منها ولدا للمولى شرعا، فلا عبرة بعد ذلك (4) بانصراف الإطلاقات إلى الغالب من كون الحمل بالوطء (5).

______________________________

و بالجملة: المراد من العلوق كلّ ما يوجب لحوق الولد شرعا بالأب و إن لم يكن بالوطء.

(1) كصاحب الرياض قدّس سرّه، قال: «ثمّ إنّ إطلاق العبارة ... و به صرّح من الأصحاب جملة: أنه لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء» «1». و ممّن صرّح به من الأصحاب الشهيد الثاني قدّس سرّه كما سيأتي.

(2) قال المحقق: «و هو- أي الاستيلاد- يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه» «2» و نحوه ما في اللمعة «3». و في الروضة: «و لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه، و لا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضا كالصوم و الإحرام و الحيض و الرهن أمّا الأصلي بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا، لعدم لحوق النسب» «4».

(3) تعليل لعدم إناطة العلوق بالوطء، و المفروض أنّ المساحقة تلحق الولد بالمساحق أو بمن منه الماء، و هو المولى.

(4) أي: بعد كون المناط هو الحمل و لحوق الولد بالمولى.

(5) لما قرّر في محلّه من عدم صلاحية الانصراف الناشئ من غلبة الوجود لتقييد الإطلاق، إذ المدار في التقييد بالانصراف على ظهور اللفظ في المعنى المنصرف إليه، و مجرد كون الحمل غالبا بالوطء لا يوجب الظهور.

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 110

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 138

(3) اللمعة، ص 203

(4) الروضة البهية، ج 6، ص 370

ص: 281

نعم (1)، يشترط في العلوق بالوطء (2) أن يكون على وجه يلحق الولد بالواطئ و إن كان محرّما (3)، كما إذا كانت في حيض، أو ممنوعة الوطء لعارض آخر (4). أمّا الأمة المزوّجة فوطؤها زنا (5) لا يوجب لحوق الولد.

ثم إنّ المشهور (6) اعتبار الحمل في زمان الملك، فلو ملكها بعد الحمل

______________________________

(1) بعد أن نفى اشتراط اللحوق بخصوص المباشرة، و كفاية الحمل بسبب آخر، نبّه على اعتبار شرط فيه، و هو كونه على وجه يلحق الولد- شرعا- بالمولى، بأن تكون الأمة فراشا له، و لا يمنع حرمة المباشرة- لعارض- عن لحوق الولد بالمولى، كما إذا باشرها حائضا أو في نهار شهر رمضان أو في حالتي الإحرام و الاعتكاف.

نعم لو زوّج أمته حرم وطؤها، لعدم ملك البضع، فلو باشرها و حملت لم يلحق به الولد- و إن كان مالكا لرقبتها- لنفي الولد عنه شرعا، و ثبوت الحدّ عليه.

(2) ذكر «الوطء» من باب المثال، لما تقدم من أنّ المناط هو لحوق الولد بالمولى سواء أ كان بالوطء أم بالمساحقة أم بغيرهما.

(3) أي: عارضا، و إلّا فملك اليمين يقتضي حلية المباشرة أصالة.

(4) كالرّهن المانع من تصرف المالك في العين.

(5) لعدم كونه مالكا لوطئها مع كون البضع ملكا بالعقد للزوج.

المبحث الرابع: اعتبار كون الحمل في زمان الملك

(6) غرضه تحقيق موضوع حكم الشارع بمنع البيع- أي: أمّ الولد- من جهة اخرى، و هي اعتبار حدوث الحمل في ملك السيد، فلا عبرة بتملكها بعده، أم كفاية حملها منه لو تزوّجها ثم اشتراها.

و توضيحه: أنّ الأمة قد تلد مملوكا، كما إذا زوّجها مولاها من حرّ مع اشتراط رقيّة الولد- بناء على صحة هذا الشرط- ثم اشتراها. و قد تلد من حرّ، كما إذا زوّجها مولاها منه، فحملت، ثم اشتراها الزوج من السيد. و قد تلد من

ص: 282

لم تصر أمّ ولد، خلافا للمحكيّ عن الشيخ و ابن حمزة، فاكتفيا بكونها أمّ ولد قبل الملك. و لعلّه (1) لإطلاق العنوان [1]،

______________________________

سيّدها.

و لا ريب في موضوعية هذا القسم الثالث لأحكام أمّ الولد. كما أن المشهور خروج القسم الأوّل. إنّما الكلام في القسم الثاني، فحكي عن الطوسيين قدّس سرّهما صيرورتها أمّ ولد، ففي المبسوط: «أن تعلق الأمة بحرّ في غير ملكه، بأن يطأ أمة غيره بشبهة، فتعلق منه بولد حرّ، فلا تصير أمّ ولد في الحال. فإن ملكها قال قوم:

لا تصير أمّ ولده. و قال بعضهم تصير أمّ ولده. و هو الأقوى عندي» «1».

و الوجه فيه أمران، الأوّل: إطلاق «أمّ الولد» عليها حقيقة عرفا و لغة، و هي الموضوع لأحكامها في النصوص، لعدم تقييدها بكون العلوق في زمان الملك.

الثاني: وجود علّة منع بيع «أمّ الولد» فيها، و هي تشبثها بالحرية، و انعتاقها مما يرثه ولدها، و من المعلوم عدم الفرق في هذا المناط بين كونها حال حدوث الحمل أمة للمولى، و بين كونها زوجة له، ثم دخلت في ملكه، هذا.

لكن ناقش المصنف في كلا الوجهين كما سيأتي.

(1) أي: و لعلّ اكتفاءهما بكونها أمّ ولد- قبل الملك- لأجل صدق عنوان «أمّ الولد» عليها حقيقة بلا عناية، لكونها ذات ولد.

______________________________

[1] لا شبهة في إطلاق العنوان عليها، لكنه ليس بهذا الإطلاق موضوعا لأحكام خاصة، فالتشكيك في صدق عنوان أمّ الولد عرفا على المملوكة التي لم يكن حملها بالملك- بل بالتزويج- ضعيف.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 186؛ الخلاف، ج 6، ص 426؛ الوسيلة، ص 342- 343، و الحاكي عنهما جماعة، فلاحظ: رياض المسائل، ج 11، ص 109؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 68؛ جواهر الكلام، ج 34، ص 373

ص: 283

و وجود (1) العلّة، و هي كونها في معرض الانعتاق من نصيب ولدها.

و يردّ الأوّل (2): منع إطلاق يقتضي ذلك (3)، فإنّ (4) المتبادر من «أمّ الولد» صنف من أصناف الجواري باعتبار الحالات العارضة لها بوصف المملوكية، كالمدبّر (5) و المكاتب [1].

______________________________

(1) معطوف على «إطلاق» و هو إشارة إلى العلّة المستنبطة التي يحتمل اعتماد الطوسيّين عليها. و هي التشبث بالحرية.

(2) هذا ردّ الوجه الأوّل، و محصّله: منع إطلاق «أمّ الولد» على الأمة التي كان حملها سابقا على الملك، فإنّ المتبادر من هذا العنوان هو الأمة التي حملت بالولد من مولاها في حال مملوكيتها له، لا مطلقا، و إن كانت زوجة له. فكما أنّ «المكاتب» و «المدبّر» وصفان لبعض المماليك باعتبار عروض حالة التدبير و الكتابة عليهما، و اتصافهما بالعناوين المزبورين، فكذا عنوان «أمّ الولد».

و عليه فلا يراد هنا معناها لغة و عرفا الصادق على مطلق الجارية ذات الولد- سواء أ كان من مولاها أم من زوجها أم من غيرهما لشبهة- حتى يندرج المقام فيه، و يقال بكفاية كون ولدها ابنا للسيد و إن حملت به قبل تملّكها.

(3) أي: يقتضي شمول العنوان للأمة التي سبق حملها على الملك.

(4) هذا تعليل لمنع الإطلاق، قال في الرياض: «لانصرافه- أي إطلاق أمّ الولد- بحكم التبادر إلى التي علقت به في الملك، لا في الأمرين» «1».

(5) و هو الذي أنشأ المولى حريّته معلّقا على وفاته، فقال له: «أنت حرّ بعد

______________________________

[1] هذا لا يخلو من خفاء. و فرق واضح بين عنوان «أمّ الولد» و بين غيره من العناوين التي لا تنطبق على غير المملوك كالمكاتب و المدبّر، لأنّ هذين الوصفين من

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 13، ص 109- 110؛ و لاحظ المسالك، ج 10، ص 526؛ الجواهر، ج 32، ص 323- 374

ص: 284

و العلّة المذكورة (1) غير مطّردة و لا منعكسة، كما لا يخفى.

مضافا (2) إلى

______________________________

وفاتي» فلا يقال للمملوك «انه مدبّر» لو أوصى المولى بعتق عبده بعده.

و كذا لا يقال: «إنّه مكاتب» إلّا إذا عقد المولى معه الكتابة مشروطة أو مطلقة.

(1) هذا ردّ الوجه الثاني، و حاصله: أنّ تشبّثها بالحرية ليست علّة منصوصة، لتكون مناط الحكم، بل هي مستنبطة، و لذا لا تكون مطّردة بأن يقال: «كلّ أمة هي في معرض الانعتاق من نصيب ولدها أمّ ولد» و لا منعكسة بأن يقال: «كل أم ولد تكون في معرض الانعتاق من نصيب ولدها».

أما عدم اطّراد العلّة، فلأنّ المستولدة التي مات قريبها و خلّف تركة، و لم يكن له وارث سواها، تشترى حينئذ من التركة و تعتق، لترث قريبها، على ما ذهب إليه جماعة، بل ادّعى بعض الإجماع عليه، فإنّ العلة- و هي معرضيّتها للانعتاق من نصيب ولدها- موجودة فيها، و مع ذلك يجوز بيعها، و لا تمنع العلة المزبورة عن بيعها، فليست العلّة المذكورة مطردة و مقتضية للحكم بعدم جواز البيع في جميع مواردها.

و أمّا عدم انعكاس العلة فكما لو ارتدّ الولد، فإنّ أمّ الولد حينئذ لا تباع، مع أنّ الولد لارتداده لا يرث من أبيه حتى تنعتق امّه من نصيبه. فالعلة- و هي معرضية الأمة لانعتاقها من نصيب ولدها- مفقودة، و مع ذلك لا يجوز بيعها. و شأن العلة دوران الحكم مدارها وجودا و عدما.

(2) هذا وجه آخر لمنع كلام الشيخ و ابن حمزة قدّس سرّهما، و حاصله: أنّ رواية

______________________________

الأوصاف المختصة بالمملوك. بخلاف «أمّ الولد» فإنّه غير مختصّ بالمملوكة، و لذا لا يلاحظ فيه عنوان المملوكية، دون غيره من الصفات المختصة بالمملوك، فلا يكون أمّ الولد كغيره.

ص: 285

صريح رواية محمد بن مارد المتقدمة «1».

ثمّ (1) إنّ المنع عن البيع [عن بيع أمّ الولد]

______________________________

ابن مارد تحدّد الموضوع، لقوله عليه السّلام- في الأمة التي تزوجها الرجل و ولدت له، ثم تملكها و لم تحمل منه بعده-: «هي أمته» فلا يعبأ بصدق «أمّ الولد» عليها عرفا و لغة بعد صراحة الرواية في التقييد.

هذا تمام الكلام في المبحث الرابع.

المبحث الخامس: عموم منع نقل «أمّ الولد»

(1) هذا شروع في بيان حكم بيع أمّ الولد بعد الفراغ عما يتحقق به الموضوع.

و هل أنّ الأصل فيه المنع إلّا ما ثبت جوازه؟ أم أنّ الأصل هو المنع عن البيع عدا ما خرج، ليكون هو المرجع في موارد الشك في جواز البيع و منعه.

فأفاد قدّس سرّه: أنّ المستفاد من النصوص و الإجماع- مؤيّدا بفهم الأصحاب- هو عموم منع التصرف الناقل لها عن ملك سيّدها إلى غيره، و لا يخرج منه إلّا بدليل، كالاضطرار إلى بيعها لوفاء ثمنها لو اشتراها السيد نسيئة، و لم يكن له ما يؤدّيه به، و نحوه من مواضع الاستثناء الآتية بالتفصيل إن شاء اللّه تعالى.

و بناء على استفادة القاعدة الكلّية يتعيّن الحكم بمنع البيع فيما لم يحرز جوازه، خلافا لمن أنكر هذا العموم، و تمسّك بآية حلّ البيع و قاعدة السلطنة على صحة بيع أمّ الولد في غير ما نهض الدليل على المنع، كما سيأتي عن المحقق الأردبيلي و السيد المجاهد و صاحب المقابس قدّس سرّهم.

أمّا النصوص التي يستفاد منها عموم المنع، فمنها: رواية السكوني المتقدمة في (ص 241) الدالة على كون بيع أمّ الولد الرضاعية من المنكرات، فتدل بالأولوية على المنع في أمّ الولد الصلبي. و لو كان المنع عن بيعها ثابتا في بعض الموارد لم يتجه إنكاره

______________________________

(1) تقدمت في ص 265

ص: 286

..........

______________________________

مطلقا.

و منها: روايته الاخرى المتقدمة في (ص 265) التي حكم عليه السّلام بكون المكاتبة- العاجزة عن أداء مال الكتابة- أمّ ولد، لإمكان اتّكاله عليه السّلام على وضوح الحكم عند السائل، و علمه بافتراق «أمّ الولد» عن المكاتبة حكما، و منع بيعها، و مقتضى الارتكاز عدم جواز نقلها مطلقا.

و منها: رواية محمد بن مارد المتقدمة في (ص 265) و فيها: «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل بعد ذلك» لظهور المفهوم- و هو: إن حدث عنده حمل بعد التملك لم يجز بيعها- في منع البيع بمجرّد حدوث الحمل في ملك السيّد، و مقتضى إطلاق المفهوم عدم الجواز مطلقا.

و منها: رواية عمر بن يزيد الآتية في (ص 299) المتضمنة للسؤال عن وجه بيع مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لأمّهات الأولاد، ثم سأل الراوي عن جواز بيعهن فيما سوى الدين، فقال أبو ابراهيم عليه السّلام: «لا» فإنّها صدرا و ذيلا تدل على المنع.

أمّا الصدر فلظهوره في كون المنع مسلّما، و لذا استفسر عمر بن يزيد من الإمام الكاظم عليه السّلام لرفع استبعاده عمّا أوجب إقدامه عليه السّلام على البيع.

و أمّا الذيل فلصراحته في عدم جواز البيع في غير الدين، و هذا هو العموم المدّعى.

و أمّا الإجماع، فقد ادّعي على المنع أيضا، ففي جامع المقاصد: «فإنّه لا يجوز بيع أمّ الولد ما دام حيّا، اتفاقا، إلّا في المواضع المستثناة من كلام الفقهاء» «1».

و في الرياض: دعوى نفي الخلاف في منع البيع «2».

و قال في الكفاية: «و ظاهر كلام الأصحاب عدم جواز بيع أمّ الولد» «3».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 13، ص 132

(2) رياض المسائل، ج 13، ص 111

(3) كفاية الأحكام، ص 225

ص: 287

قاعدة كلية (1) [1] مستفادة من الأخبار- كروايتي السكوني

______________________________

و نقل فخر المحققين عن والده قدّس سرّهما الإجماع على منع البيع. لكن لم أجده في الطبعة الحديثة من المختلف، فراجع «1».

و المتحصل: أنّ الأصل في بيع أمّ الولد هو المنع إلّا ما خرج بالدليل.

فإن قلت: يشكل دعوى الإجماع على عموم المنع مع ما سيأتي من اختلافهم في كثير من المواضع المستثناة، و التزام جمع بجواز البيع في جملة منها. نعم لا بأس بدعوى الإجماع على المنع في الجملة، لكنه لا يجدي للمرجعيّة في موارد الشك.

قلت: الظاهر عدم التنافي بين الإجماع عن المنع عن نقلها، و بين كون جملة من المواضع خلافية، و ذلك لأن الاتفاق على المنع ناظر إلى حكم أمّ الولد بالعنوان الأوّلي، و موارد الاختلاف من قبيل طروء عنوان ثانوي عليها، و من المعلوم أنّه لا تمانع بين كون حكم الشي ء بالعنوان الأوّلي متفقا عليه، و بين كونه حين طروء العنوان الثانوي عليه مختلفا فيه.

و عليه فالمقام نظير حكمهم بحلية اكل لحم الغنم بما هو هو، و بحرمته بعنوان المغصوب و المنذور التصدق و نحوهما. فامّ الولد يحرم بيعها بما هي أمّ ولد، و يجوز عند بعض الطوارئ، كأداء ثمن رقبتها.

(1) كما في الجواهر أيضا، لقوله: «و بذلك و نحوه ظهر لك أنّ المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلّا ما خرج بالدليل، أو جوازه إلّا ما خرج؟ و الظاهر الأوّل» «2».

______________________________

[1] هذا هو التحقيق. و منعه ضعيف، إذ لا قصور في إطلاق مفهوم قوله عليه السّلام في صحيح ابن مارد: «إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 634؛ مختلف الشيعة، ج 8، ص 132

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 382

ص: 288

و [محمد] ابن مارد المتقدمتين، و صحيحة عمر بن يزيد الآتية و غيرها (1)- و من (2) الإجماع على أنّها لا تباع إلّا لأمر يغلب ملاحظته على ملاحظة الحقّ

______________________________

(1) كرواية السكوني المتقدمة أوّل المسألة، فلاحظ (ص 241).

(2) معطوف على «من الأخبار».

______________________________

و التفكيك في الإطلاق- كما في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه تبعا للمحقق الخراساني قدّس سرّه «1»: «بأنّ قوله عليه السّلام- ما لم يحدث عنده حمل- لا إطلاق فيه، لكونه مسوقا لبيان حكم المغيّى، و في موضوع عدم حدوث الحمل- لا لبيان حكم الغاية و في موضوع حدوث الحمل، فلا يستفاد منها في موضوع الحمل إلّا المنع في الجملة و مهملا. و الاختلاف بين الغاية و ذي الغاية يتحقق بذلك» «2». غير ظاهر، إذ فيه:

أوّلا: أنّ الأصل العقلائي يقتضي كون المتكلم في مقام البيان من جهة شكّ في كونه في مقام بيانها، و غاية ما ذكره هو الشكّ في كونه في مقام البيان.

و ثانيا: أنّ مثل هذه التشكيكات يوجب سقوط الإطلاقات طرّا عن الاعتبار، و حملها على التشريع فقط، و هذا بمكان من الضعف.

و ثالثا: أنّ التعرض في كلام الإمام عليه السّلام لما ذكره السائل من عدم الحمل قرينة على كونه عليه السّلام في مقام البيان من جهة حكم الغاية لا حكم المغيّى فقط، لكفاية ذكر عدم الحمل في كلام الراوي في الجواب عنه بجواز البيع و العتق. فتكرير الإمام عليه السّلام له دليل على كونه عليه السّلام في مقام بيان حكم الحمل، و هو الغاية. فالإطلاق ثابت بالنسبة إلى كلّ من حكم الغاية و المغيّى.

نعم لا بأس بالمناقشة في رواية السكوني، إذ هي لا تدلّ على أزيد من أنّ لأمّهات الاولاد حكما خاصا بهنّ.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 115

(2) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 183

ص: 289

الحاصل منها بالاستيلاد- أعني تشبّثها بالحرّية (1)- و لذا (2) كلّ من جوّز البيع في مقام، لم يجوّزه إلّا بعد إقامة الدليل الخاص.

______________________________

لكن لا يخفى عدم ثبوت الإجماع التعبدي هنا، لقوة احتمال استنادهم في ذلك إلى النصوص المتقدمة، فلاحظ.

(1) تقدم في (ص 254) تكرر هذه الكلمة في كتب الأصحاب، و إن رماها المصنف قدّس سرّه بكونها علة مستنبطة لا منصوصة، فلا تصلح للاستناد.

(2) هذا تشبث بفهم الأصحاب لإثبات عموم المنع، و هو مؤيّد، لا دليل. يعني:

و لأجل كون منع بيع أمّ الولد قاعدة كلية- خارجة من عموم الوفاء بالعقود و حلّ البيع- فكلّ من جوّز بيعها في موضع اعتمد على دليل يخصّص عموم المنع، لا إلى العمومات المقتضية للصحة، لفرض العلم بتخصيصها بالنصوص المانعة عن بيع أمّ الولد. و من الواضح أنّ المرجع في مورد الشك في بيعها هو العام الثاني المانع، لا العام الفوق المعلوم تخصيصه.

______________________________

و بعبارة اخرى: لا تدلّ إلّا على صغروية هذه المكاتبة العاجزة عن أداء مال الكتابة لأمّ الولد. و أمّا حكم أمّ الولد من عدم جواز بيعها و غيره فلا يظهر من هذه الرواية.

إلّا أن يقال: بوضوح الحكم عند السائل، إذ لو لم يكن منع بيع أمّ الولد معلوما له لم يجد مجرّد عدّ هذه المكاتبة من أمّهات الأولاد، و لم يتلقّ السائل وظيفته الفعلية بالنسبة إلى هذه المكاتبة. مع أن ظاهر سكوته عليه علمه بالحكم بنفس جعلها أمّ ولد.

و كيف كان فالمناقشة مختصة برواية السكوني، و لا تتأتى في صحيحة ابن مارد، لما مرّ، و لا في صحيح عمر بن يزيد، لقوة ظهور قول السائل فيه: «لم باع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أمّهات الأولاد» في كون عدم جواز بيعهن مركوزا عند أذهان المتشرعة، و اقتضاء هذا العنوان لعدم جواز البيع، و السؤال إنما يكون من وجود المانع الذى جوّز البيع، كما يظهر من كلام الإمام عليه الصلاة و السلام.

ص: 290

فلا بد (1) من التمسك بهذه القاعدة المنصوصة المجمع عليها حتى يثبت بالدليل ما هو أولى بالملاحظة (2) في نظر الشارع من الحقّ المذكور. فلا يصغى (3)

______________________________

(1) هذه نتيجة استفادة القاعدة الكلية- في بيع أمّ الولد- من النصوص و الإجماع.

(2) كتعلق حق الغير بها، أو تعلق حقها بتعجيل العتق، و غيرهما ممّا سيأتي في مواضع الاستثناء، فلاحظ (ص 295) و ما بعدها.

(3) هذا إشارة إلى القول المخالف في المسألة، و هو إنكار عموم منع بيع أمّ الولد، فيقتصر في تخصيص عمومات الصحة على ما نهض الدليل على منع البيع، و يقال بجواز البيع في الموارد المشكوكة، و قال به المحقق الأردبيلي و السيد المجاهد و نسب إلى فخر المحققين و صاحب المدارك أيضا.

ففي مجمع الفائدة: «و لكن لا يبعد أن يقال: إنّ الاستصحاب و أدلة العقل و النقل تدلّ على جواز التصرف في الأملاك مطلقا، فيجوز مطلق التصرف في أمّ الولد ببيعها مطلقا و غيره إلّا ما خرج بدليل. و ما ثبت الدليل- و هو الإجماع هنا- إلّا في منع البيع مع بقاء الولد و عدم إعسار المولى بثمنها ...» «1».

و قال السيد المجاهد- بعد الاستناد إلى عمومات صحة العقود و الشروط-:

«لا يقال: يعارض العمومات المذكورة عموم ما دلّ على النهي عن بيع أمّ الولد، و هو أخصّ من تلك العمومات، فينبغي تخصيصها به. لأنّا نقول: لم نجد عموما يدلّ على ذلك بحيث يكون أصلا يرجع إليه في موارد الشك، و إن كان الشهيد الثاني ادّعى وجوده. فإذا: الأصل فيها العمومات المذكورة» «2».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 171

(2) المناهل، ص 319 و 320، و نسب إلى الإيضاح أصالة الجواز، و هو كذلك في كتاب البيع، ج 1، ص 428، و لكن الموجود في باب الاستيلاد هو قوله: «و الأقوى عندي: أنّه لا تباع أمّ الولد» و ظاهره أصالة المنع، فراجع، ج 3، ص 636، و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 291

إذا إلى منع الدليل على المنع كلّيّة، و التمسك (1) بأصالة صحّة البيع من حيث قاعدة تسلّط الناس على أموالهم (2) حتى يثبت المخرج (3).

ثمّ (4) إنّ المعروف بين العلماء ثبوت الاستثناء عن الكلّيّة المذكورة

______________________________

(1) معطوف على «منع».

(2) التمسك بقاعدة السلطنة مبني على كونها مشرّعة للأسباب كما يقتضيه استدلال المحقق الأردبيلي بها على مملّكية المعاطاة. و أمّا بناء على كون مدلولها نفي حجر المالك عن التصرفات المشروعة فيشكل الاستناد إليها في المقام، لعدم إحراز قابلية أمّ الولد للنقل حتى يتجه صحة بيعها بها.

(3) أي: ما يخصّص أصالة صحة بيع أمّ الولد.

(4) غرضه قدّس سرّه أن منع بيع أمّ الولد من العمومات الشرعية المخصّصة بمواضع سيأتي ذكرها. و لكن حكي عن السيد المرتضى قدّس سرّه إنكار الاستثناء، و لو تمّت الحكاية كان هذا القول مقابلا- بتمام المقابلة- لمن أنكر أصالة المنع، و ذهب إلى أصالة صحة البيع. و في صحة ما نسبه ابن إدريس إلى السيّد تأمّل.

و الأولى نقل كلامه المنقول في المقابس- في حكم بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها المعسر- وقوفا على حقيقة الأمر، ففيه: «حيث قال- أي السيد-:

و مما انفردت به الإمامية القول بجواز بيع امهات الأولاد بعد وفات أولادهن، و لا يجوز بيع أمّ الولد و ولدها حيّ. و هذا موضع الانفراد، فإنّ من يوافق الإمامية في جواز بيع أمّهات الأولاد يخالفها في التفصيل الذي ذكرناه. ثم استدلّ- أي السيد- بإجماع الإمامية، و أطال الكلام في الأدلة الدالة على جواز البيع ردّا على المخالفين» «1».

و قال في السرائر: «و قال السيد المرتضى: لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 70؛ الانتصار، ص 175، المسألة التاسعة من كتاب التدبير

ص: 292

..........

______________________________

لا في الثمن، و لا في غيره» «1».

و الظاهر أن منشأ نسبة منع البيع إلى السيد مطلقا هو قوله: «و لا يجوز بيع أمّ الولد و ولدها حيّ» إذ لم يفصّل قدّس سرّه بين كون ثمنها دينا على السيد و عدمه.

لكن وجّه صاحب المقابس كلام السيد بما لا يكون مخالفا لإجماع الأصحاب على جواز البيع في الفرض المزبور، قال قدّس سرّه: «و عبارته ليست نصّا في المخالفة، و إنّما قصد بها الرّد على المخالفين، حيث لم يوافقوا على التفصيل بين بقاء الولد و موته. و لمّا كان التفصيل بذلك- أي بين حياة السيد و موته- مجمعا عليه بين الأصحاب، فلذلك نقل الإجماع عليه» «2».

و محصّله: أنّ نظر السيد نفي مذهب المخالفين من منع البيع مطلقا، سواء بقي الولد أم مات، و ليس مقصوده دعوى الإجماع على الجواز بعد وفاة الولد حتى يقال بمخالفته للأصحاب المفصّلين بين كون ثمنها دينا على مولاها، و عدمه.

و ارتضى المصنف قدّس سرّه هذا الحمل. و عليه فالكليّة المزبورة مخصّصة عند جميع الإمامية. و لو فرض تمامية نسبة عموم المنع إلى السيد، قلنا إنه لا عبرة به لمخالفته للنصوص المعتبرة، و هي على طائفتين:

الاولى: ما دلّت على جواز بيعها في موضع خاص، و هو ثمن رقبتها. و سيأتي التعرض لها قريبا، فلاحظ (ص 299).

الثانية: ما دلّت على أنّ أمّ الولد أمة، و يجري عليها حكم سائر الإماء، مع عدم سبق سؤال عن بيعها في خصوص الدين و لا في غيره، و من المعلوم جواز التصرف الناقل في مطلق الأمة ببيع و هبة و نحوهما. نعم يقيّد الإطلاق بمقدار قيام الحجة على المنع، مثل كون الولد حيّا، و لم يكن ثمنها دينا على مولاها.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 21

(2) المقابس، ص 71

ص: 293

في الجملة (1). لكن المحكيّ في السرائر عن السيد قدّس سرّه عموم المنع و عدم الاستثناء.

و هو (2) غير ثابت. و على تقدير الثبوت فهو ضعيف، يردّه (3)- مضافا إلى ما ستعرف من الأخبار- قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و قد سأله عن أمّ الولد، قال: «تباع و تورث، و حدّها حدّ الأمة» «1» بناء على حملها (4) على أنّها قد يعرض لها ما يجوّز ذلك.

______________________________

فإن قلت: هذه الرواية لا تدل على جواز بيعها في الجملة، لظهورها في اتحاد حكمها مع سائر الإماء، فكما يصحّ نقلها كذا يصح نقل أمّ الولد، و هذا ينافي تلك القاعدة التي استفادها المصنف من النصوص و الإجماع من أصالة منع بيعها.

قلت: نعم، و إن كان ظاهرها معارضا لتلك القاعدة، إلّا أن الرواية محمولة على أنّ أمّ الولد قد يعرض عليها ما يجوّز البيع. و ليس المراد مماثلة أمّ الولد لمطلق الأمة في جواز البيع متى شاء السيد.

(1) و هي القدر المتيقن من تخصيص عموم المنع، و إن لم نقل بجواز بيعها في جميع المواضع الواردة في كلمات الفقهاء.

(2) أي: و عموم المنع- عند السيد- غير ثابت، لما تقدم من توجيه كلامه في المقابس.

(3) هذه خدشة اخرى في عموم المنع- لو سلّم التزام السيد قدّس سرّه به- و محصّلها دلالة الأخبار المعتبرة على جواز البيع إمّا في خصوص الدين، و إمّا من دون التقييد به.

(4) إذ لو لم تحمل عليه لكان مقتضاها جواز البيع مطلقا لا في خصوص طروء المسوّغات، فلا بد من هذا الحمل الذي هو جمع عرفي بين هذه الرواية و بين ما دلّ على عدم جواز بيعها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 52، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 3

ص: 294

[و أمّا المواضع القابلة للاستثناء]
اشارة

و أمّا المواضع (1) القابلة للاستثناء- و إن [و قد] وقع التكلّم في استثنائها

______________________________

إلّا أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «و حدّها حد الأمة» يأبى عن هذا الحمل، لكونه كالنص في كون أمّ الولد كغيرها من الإماء من دون تفاوت بينهما. فلا بد حينئذ من معاملة التعارض، و تقديم ما دلّ على المنع عن بيع أمّ الولد لأرجحيته، فلاحظ.

المبحث السادس: المواضع القابلة للاستثناء من عموم المنع

(1) هذا شروع في ذكر موارد يمكن تخصيص عموم منع البيع فيها، و اختلفوا في ضبطها و عدّها، فاقتصر الشهيد قدّس سرّه في اللمعة على ثمانية مواضع، و تنظّر في التاسع «1».

و في جامع المقاصد جواز بيعها في أربعة عشر موضعا «2»، و أضاف الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى ما في متن اللمعة، فبلغ المجموع عشرين موضعا، ثم قال: «و في كثير من هذه المواضع نظر» «3». و أنهاها صاحب المقابس قدّس سرّه إلى ثمانية و ثلاثين موضعا على ما فيها من الوفاق و الخلاف «4».

و أفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ الاستثناء ينشأ من وجود ما يصلح كونه أولى بالرعاية من حقّ الاستيلاد، و جواز بيعها لا بدّ أن يكون لانطباق أحد عناوين أربعة:

أوّلها: تعلق حق الغير بها، كما إذا مات مولاها مديونا بثمنها، و لم يخلّف شيئا لأدائه، فحقّ البائع أولى بالرعاية من حق أمّ الولد.

ثانيها: تعلق حقّها بتعجيل العتق، كما إذا مات أحد أقارب أمّ الولد، و ليس له وارث سواها، فتشترى من مولاها لتعتق، و لو بقي شي ء من التركة كان إرثا لها.

ثالثها: تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد، كما إذا رهنها المولى في دين، ثم

______________________________

(1) اللمعة، ص 94

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 98- 99

(3) الروضة البهية، ج 3، ص 260- 261

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 70- 94

ص: 295

لأجل وجود ما يصلح أن يكون أولى بالملاحظة من الحقّ- فهي (1) صور، يجمعها:

[القسم الأول ما تعلّق حقّ للغير بها]
اشارة

تعلّق حقّ للغير بها، أو تعلّق حقّها بتعجيل العتق، أو تعلّق حقّ سابق على الاستيلاد، أو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل.

[المورد الأول ما إذا كان على مولاها دين و لم يكن ما يؤدّي هذا الدّين]

فمن موارد القسم الأوّل: ما إذا كان على مولاها دين، و لم يكن ما يؤدّي هذا الدّين (2). و الكلام في هذا المورد قد يقع فيما إذا كان الدّين ثمن رقبتها، و قد يقع فيما إذا كان غير ثمنها.

و على الأوّل (3)، يقع الكلام تارة بعد موت المولى، و اخرى في حال حياته.

أمّا بعد الموت (4)، فالمشهور الجواز، بل عن الروضة:

______________________________

استولدها، و تعذر الوفاء، فيجوز بيعها، لتقدم حق الارتهان على حق الاستيلاد.

رابعها: عدم تحقق الحكمة المانعة عن نقلها إلى الغير، كما إذا ارتدّ ولدها قبل وفاة السيد، فإنّ الحكمة من عدم بيعها- و هي الانعتاق من نصيب الولد- منتفية، فيجوز بيعها.

(1) جواب الشرط في «و أمّا».

القسم الأوّل: تعلق حق الغير بامّ الولد 1- أن يكون على مولاها دين

(2) هذا هي المورد الأوّل، و هو يتضمن صورتين ممّا ذكره في المقابس، و الجهة الجامعة بين الصورتين هو بيعها في الدين، ففصّل المصنف قدّس سرّه بين كون الدين ثمن رقبتها، و بين كونه مالا آخر في ذمة السيّد، فهنا مقامان. و على الأوّل فتارة يبحث عن جواز بيعها بعد وفاة السيد، و اخرى في حياته.

(3) هذا شروع في المقام الأوّل، و هو حكم بيع أمّ الولد مقدمة لأداء ثمنها إلى البائع.

(4) أي: جواز بيعها إن كان ثمنها دينا على السيد و لم يؤدّه في حياته.

ص: 296

أنّه موضع وفاق (1).

و عن جماعة (2) «أنّه لا خلاف فيه». و لا ينافي ذلك (3) مخالفة السيد في أصل المسألة، لأنّهم (4) يريدون نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء في بيع أمّ الولد،

______________________________

و استدلّ عليه- بعد الإجماع المتضافر نقله- بإطلاق قاعدة السلطنة، و بصحيح عمر بن يزيد، و إن ناقش في الاستناد إلى حديث السلطنة، كما سيأتي.

(1) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «أما مع الموت فموضع وفاق» «1».

(2) الحاكي عن جماعة عدم الخلاف هو السيد العاملي «2»، و كذا في المسالك و مجمع الفائدة «3»، بل في جامع المقاصد: دعوى الإجماع عليه، فراجع «4».

(3) أي: و لا ينافي عدم الخلاف- الذي ادّعاه جماعة- مخالفة السيد المرتضى و منعه بيعها مطلقا، سواء في دين ثمنها أو في دين آخر ممّا في ذمة مولاها.

وجه عدم التنافي: أنّ مقصود مدّعي الإجماع إمّا نفي الخلاف بين القائلين بالاستثناء، لا عدم الخلاف بين جميع الفقهاء حتى تقدح مخالفة السيد في تحقق صغرى الإجماع من جهة إنكاره بيع أمّ الولد مطلقا. و إمّا نفي الخلاف بين الفقهاء المجوّزين لبيعها في ثمن رقبتها، لإتفاقهم على الجواز بعد وفاة السيد، و إن اختلفوا فيه حال حياته.

و بكلّ من الوجهين تتجه دعوى الإجماع على الجواز مع عدم معارضته بمخالفة السيد قدّس سرّه له.

(4) تعليل لقوله: «لا ينافي» وجه عدم المنافاة الالتزام بأحد الأمرين كما مرّ آنفا.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 261

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262، و لاحظ: نهاية المرام، ج 2، ص 315؛ كفاية الأحكام، ص 225؛ رياض المسائل، ج 13، ص 111

(3) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 170

(4) جامع المقاصد، ج 13، ص 140

ص: 297

أو القائلين باستثناء بيعها في ثمن رقبتها، في قبال صورة حياة المولى المختلف فيها.

و كيف كان (1)، فلا إشكال في الجواز في هذه الصورة (2)، لا لما قيل:

«من قاعدة تسلّط الناس على أموالهم» لما (3) عرفت من انقلاب القاعدة إلى

______________________________

(1) أي: سواء تمّ توجيه دعوى الإجماع أم لم يتم، فالحكم بالجواز مما لا شبهة فيه، لوفاء الدليل به. و هو إمّا عمومات صحة البيع و حليته، و قاعدة السلطنة بتقريب: أن «أمّ الولد» مال من أموال السيّد، و مقتضى سلطنة الملّاك على أموالهم جواز التصرف الناقل، إلّا ما خرج بدليل، و من المعلوم أن إطلاق السلطنة يزيل الشك في جواز بيع أمّ الولد إن كان ثمنها دينا.

و نسب صاحب المناهل «1» إلى فخر المحققين الاستدلال بقاعدة السلطنة، و ارتضاه، و ذكره صاحب الجواهر قدّس سرّه «2» وجها لتردّد المحقق لا للاعتماد عليه بوجه.

________________________________________

قال في الإيضاح في شرح قول والده: «و في اشتراط موت المولى نظر» ما لفظه: «و الأوّل- أي عدم الاشتراط- أولى، لأنّها مملوكة، و الأصل جواز التصرف في الملك بالبيع و غيره، خرج المتفق على منعه، بقي الباقي على الأصل» «3».

لكن تقدم في (ص 291) ما ربما يستفاد عدوله في باب الاستيلاد عنه.

و ناقش المصنف فيه بأنّ قاعدة السلطنة و نحوها مما يقتضي الصحة قد علم انقلابها- في أمّ الولد- إلى قاعدة المنع، فلا بد في موارد الشك من الرجوع- في هذا المال الخاص- إلى عموم المنع، لا إلى عمومات صحة العقود المفروض تخصيصها.

(2) و هي صورة بيعها- بعد وفاة المولى- في ثمن رقبتها.

(3) تعليل لقوله: «لا» و قد اتّضح وجهه آنفا.

______________________________

(1) المناهل، ص 319

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 376

(3) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428

ص: 298

المنع في خصوص هذا المال (1). بل (2) لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عمر بن يزيد، قال: «قلت لأبي إبراهيم عليه السّلام (3): أسألك عن مسألة، فقال: سل.

قلت: لم باع أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه أمّهات الأولاد؟ قال: في فكاك

______________________________

(1) أي: أمّ الولد، و المراد من الانقلاب هو تخصيص العموم و تقييد الإطلاق.

(2) معطوف على «لا لما قيل» فكأنه قال: «لا إشكال في الجواز، لما رواه المشايخ ... الخ».

(3) هذا موافق لما في التهذيب و الفقيه، و في الكافي: «قلت لأبي عبد اللّه أو لأبي إبراهيم» من تردد الراوي في أن المسؤول هو الإمام الصادق أو الكاظم عليهما السّلام.

ثم إن هذه الصحيحة تضمّنت أسئلة ثلاثة، و المقصود من ذكرها الاستدلال بجوابه عليه السّلام عن السؤال الثاني من جواز بيع أمّ الولد في ثمنها بعد وفاة السيّد.

و لا بأس بتوضيح ما ورد فيها، إذ الظاهر حصول شبهة لعمر بن يزيد نشأت ممّا وصل إليه من أنّ أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين باع أمّهات الأولاد، و ظاهره تكرّر بيعهن، و لعلّ منشأ الشبهة حكم المخالفين بأنّ أمّ الولد حرّة، و إنكارهم بيعها، فاستجاز عمر بن يزيد من الإمام عن أن يسأل و يستعلم، فأجازه عليه السّلام. فسأل عن وجه فعل أمير المؤمنين عليه السّلام، فأجابه الإمام عليه السّلام بأنّ البيع كان في فكاك رقابهن.

و كأنّ السائل لم يقنع بهذا الجواب، لعدم كون البيع في فكاك رقابهن بيّنا، فسأل مرة اخرى «فكيف ذلك؟» فأجابه عليه السّلام بما حاصله: أنه يجوز بيعها إذا اجتمعت امور ثلاثة:

الأوّل: أن يكون ثمن الجارية دينا في ذمة مولاها، و لم يؤدّه إلى بائعها. و هذا مفاد قوله عليه السّلام: «و لم يؤدّ ثمنها».

الثاني: موت المولى حال كونه مديونا لثمنها، و هذا مدلول قوله عليه السّلام:

«و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه» لظهور «لم يدع» في موت المولى، و إلّا لعبّر بمثل «و لم يكن له من المال ...».

ص: 299

رقابهنّ. قلت: فكيف ذلك؟ قال: أيّما رجل اشترى جارية فأولدها و لم (1) يؤدّ ثمنها، و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه (2)، اخذ منها ولدها و بيعت (3)، و ادّي ثمنها.

قلت: فيبعن (4) فيما سوى ذلك من دين؟ قال (5): لا (6)» «1».

و في رواية (7) اخرى لعمر بن يزيد

______________________________

الثالث: عدم ترك مال لأداء الدين، و تفريغ الذمة عن ثمن الجارية، و هذا أيضا مفاد الجملة المتقدمة.

ثم سأل عمر بن يزيد عن جواز بيع أمّ الولد فيما عدا ثمنها من ديون اخرى لو كانت على السيّد. فنفى عليه السّلام ذلك.

و بالجملة: فالصحيحة وافية بإثبات المدّعى، و هو جواز بيع أمّ الولد بعد وفاة السيد إن كان مديونا بثمنها.

(1) كذا في النسخ، و في الوسائل و الكافي و الفقيه و التهذيب: «ثم لم يؤدّ».

(2) كذا في النسخ، و هو موافق لما في التهذيب و الفقيه، و لكن في الكافي «عنها»، و في الوسائل: «عند» و هذا الأخير غير ظاهر. فلعلّه من سهو النسّاخ.

(3) كذا في الكافي و الفقيه و التهذيب، و لكن في الوسائل: «فبيعت».

(4) كذا في نسختنا، و هو موافق لما في الكافي و التهذيب و الوسائل، و في بعض نسخ الكتاب «فتباع» و هو موافق لما في الفقيه.

(5) الضمير المستتر في «قال» في المواضع الأربعة رجع إلى أبي إبراهيم عليه السّلام.

(6) أي: لا يجوز بيعهن في ما سوى أداء أثمانهن.

(7) التعبير بالرواية لاشتمال السند على معلّى بن محمد، و هو و إن كان من مشايخ الإجازة، إلّا أنّه لا توثيق له بالخصوص، و لكن ضعف السند منجبر بعمل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 1؛ الكافي، ج 6، ص 193، الحديث: 5؛ الفقيه، ج 3، ص 139، الحديث: 3512؛ التهذيب، ج 8، ص 238، الحديث:

95 من كتاب العتق (المسلسل 862).

ص: 300

عن أبي الحسن (1) عليه السّلام، قال: «سألته عن أمّ الولد، تباع (2) في الدّين؟ قال:

نعم (3)، في ثمن رقبتها (4)» «1».

و مقتضى إطلاقها (5)،

______________________________

الأصحاب، لاستنادهم إليها في الحكم بجواز بيعها في حياة المولى إن كان ثمنها دينا عليه، كما سيأتي.

(1) و هو الإمام الكاظم عليه السّلام بقرينة كون الراوي من أصحابه.

(2) بتقدير همزة الاستفهام أي: أتباع في الدين؟

(3) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في الكافي و الوسائل، و لكن في التهذيب «نعم تباع ...».

(4) و دلالتها على المدّعى- و هو جواز البيع في ثمن رقبتها بعد وفاة السيد- إمّا لأنّ قوله عليه السّلام: «نعم» في جواب السؤال ب «تباع في الدين؟» بصيغة المجهول الظاهرة في كون البائع غير المولى. و فيه إشعار بكونه سؤالا عمّا بعد الموت.

و إمّا لأنّ تجويز البيع مطلق شامل لحالتي حياة السيد و موته.

و على كل الوجهين تصلح الرواية للاستدلال بها على الصورة المتقدمة.

(5) شرع قدّس سرّه بتحقيق مدلول الروايتين من حيث وفائهما بإثبات جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة السيّد، و عدمه. و كلمات المصنف- كما نبّه عليه المحقق الإيرواني قدّس سرّه «2» مع اندماجها- تقع في مراحل:

الاولى: التمسك بروايتي عمر بن يزيد لجواز بيعها.

الثانية: التمسك بهما للمنع.

الثالثة: ترك الاستدلال بهما، إمّا للمعارضة، و إمّا لعدم الدلالة، ثم الانتقال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 51، الباب 24 من أبواب بيع الحيوان، الحديث: 2؛ الكافي، ج 6، ص 192، الحديث: 2؛ التهذيب، ج 8، ص 238، الحديث: 92 من كتاب العتق (المسلسل 859).

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 184

ص: 301

..........

______________________________

إلى عموم المنع و القاعدة الكلية التي استفادها المصنف من النصوص و الإجماع.

و في هذه المرحلة عارض هذا العموم بعموم صحة العقود و حلّ البيع كما ذهب إليه جمع، ثم رجّح عموم المنع.

الرابعة: الرجوع ثانية إلى رواية ابن يزيد لإثبات جواز البيع حال الحياة، و تقديمها على معارضها و هي صحيحة ابن مارد.

أمّا المرحلة الاولى، فيمكن الاستدلال على جواز بيع أمّ الولد- في حياة مولاها- تارة بخصوص رواية عمر بن يزيد من جهة إطلاق الجواز، و عدم اختصاصه بحال الموت، بعد عدم كون قول السائل «تباع» قرينة على وفاة السيد.

و التقييد بالموت و إن استفيد من صحيحته، إلّا أنّه لا موجب لحمل المطلق على المقيد هنا، لكونهما مثبتين، فلسان أحدهما تجويز البيع بعد وفاة السيد، و الآخر تجويزه لأداء الدين مطلقا، و لا منافاة بينهما، فيؤخذ بهما.

و اخرى بكلتا الروايتين، بدعوى: إطلاق الصحيحة كإطلاق الرواية، و ذلك بمنع ما فيها من قرينة على وقوع بيع الأمير عليه الصلاة و السلام بعد وفاة مواليهن.

أمّا قول السائل: «لم باع أمير المؤمنين عليه السّلام؟» فلا يقتضي تحقق البيع بعد موت السيد، لما في المقابس من قوله: «و ذلك لأنّه لا فرق في حياته و موته في أنّ المباشر هو المولى مع وجوده، و الوارث بعد موته. فلا وجه لمباشرته عليه السّلام إلّا بطريق الوكالة أو الولاية حيث وجد سببها، كامتناع المولى أو الوارث، أو صغر أو نحو ذلك. فالوجه في إسناده- أي إسناد البيع- إليه: إمّا ذلك، فيعم الصورتين- أي حياة السيد و موته- أو حكمه عليه السّلام بالبيع عموما أو في الموارد الخاصة، لأنّ مثل ذلك مما يرجع فيه إليه عليه السّلام، لتعلق حق اللّه تعالى و حقّ أمّ الولد ببقائها لتحصيل انعتاقها مع حصول شرائطه» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 72

ص: 302

بل إطلاق الصحيحة- كما قيل (1)- ثبوت الجواز مع حياة المولى كما هو مذهب

______________________________

و أمّا قوله عليه السّلام: «بيعت» فلا يشهد بكون المتصدّي للبيع غير المولى بعد وفاته، و ذلك «لأنّ التعبير بالمجهول في مقام سوق القضية بنحو الكلية- من دون اختصاص الحكم بمالك دون مالك- شائع جدّا» «1».

و أما قول السائل: «فيبعن» فليس قرينة أيضا على موت المولى، لأعميته منه و من حال حياته، خصوصا إذا كان المقصود تعميم جواز البيع لصورتي الموت و الحياة.

مضافا إلى أنّه كلام السائل، فلو فرض ظهوره في إرادة البيع بعد الوفاة لم يكن حجة، إذ العبرة بما ورد في جوابه عليه السّلام.

و أمّا قوله عليه السّلام: «و لم يدع من المال» فهو و إن كان ظاهرا في البيع الواقع بعد موت المولى، و يؤمي إليه أيضا قوله: «بيعت» لكنه لا يقتضي تقييد الإطلاق، لاحتمال كون الغرض بيان إحدى الصورتين في مقام التمثيل. و إطلاق الخبر الثاني يكشف عن كونه تمثيلا، لا تخصيصا و لا بيانا، لأنّ بيع أمير المؤمنين عليه السّلام كان في هذه الصورة خاصة. و قد فهم الأصحاب ذلك أيضا كما يظهر منهم، حيث لم يخصّصوا الحكم بذلك و لم يعتبروا مفهومه «2».

و يحتمل أن يراد من قوله عليه السّلام: «و لم يدع» أنّ المولى لم يترك من ماله شيئا، كما إذا أنفق ماله مثلا، و لم يبق منه ما يؤدّي به ثمن أمّ الولد.

و عليه فلا تختص الصحيحة حينئذ بوفاة المولى.

(1) المصرّح بإطلاق صحيحة عمر بن يزيد لحال حياة المولى جماعة، منهم الشهيد الثاني و أصحاب الرياض و المناهل و المقابس «3» قدّس سرّهم. و هو مقتضى استدلال

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 278

(2) مقابس الأنوار، ص 71 و 72

(3) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46؛ رياض المسائل، ج 11، ص 405- 406، و ج 13، ص 111؛ المناهل، ص 319؛ مقابس الأنوار، ص 71

ص: 303

الأكثر (1)، بل لم يعرف الخلاف فيه صريحا (2). نعم تردّد فيه الفاضلان (3).

و عن نهاية المرام و الكفاية (4) «أنّ المنع نادر، لكنّه لا يخلو عن قوّة».

______________________________

آخرين بالصحيحة على جواز بيعها في ثمن رقبتها و إن كان في حياة السيد، كالعلّامة و الشهيد و المحقق الثاني «1» و الفاضل الأصفهاني، و غيرهم قدس اللّه أسرارهم.

قال في المسالك بعد نقل الصحيحة: «و هذه الرواية كما دلّت على جواز بيعها في ثمن رقبتها في هذه الحالة مطلقا- الشاملة لموت المولى و عدمه- دلّت على عدم جواز بيعها في غيره من الديون، الشامل لما لو استغرقت التركة» «2».

(1) قال في موضع من الرياض: «بل مطلقا على الأظهر الأشهر» «3».

(2) ولدا ادّعى صاحبا الرياض و المقابس «4» الإجماع عليه.

(3) يعني: في بعض المواضع، كالمحقق في بيع الشرائع، و العلّامة في بيع القواعد و التحرير «5». و إلّا فلا تفصيل بين حياة المولى و موته في كلام المحقق في نكاح الشرائع و عتقه «6» و النافع- كما قيل- و لا في كلام العلّامة في المختلف و الإرشاد و عتق القواعد «7».

(4) هذا إشارة إلى المرحلة الثانية، و هي استظهار منع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى، خلافا للأكثر، و هذا القول و إن كان نادرا كما ذكره صاحب المدارك قدّس سرّه، و لكنّه لا يخلو من قوة من جهة عدم الاعتماد على رواية ابن يزيد،

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 8، ص 130؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 223؛ جامع المقاصد، ج 13، ص 134

(2) مسالك الأفهام، ج 8، ص 46

(3) رياض المسائل، ج 13، ص 405

(4) رياض المسائل، ج 13، ص 111؛ مقابس الأنوار، ص 71

(5) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 23؛ تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 280، الطبعة الحديثة)

(6) شرائع الإسلام، ج 2، ص 312، و ج 3، ص 139

(7) قواعد الأحكام، ج 3، ص 60 و ص 259؛ إرشاد الأذهان، ج 2، ص 81

ص: 304

..........

______________________________

بناء على مبناه من اختصاص أدلة حجية الخبر الواحد بالصحيح. و ينحصر الدليل في صحيحة ابن يزيد، و هي بقرينة قوله عليه السّلام: «و لم يدع من المال» مختصة بإفادة الجواز بعد موته، فيبقى البيع قبله مندرجا في ما دلّ على عموم المنع.

قال قدّس سرّه- بعد نسبة الجواز إلى الأكثر، و جزم جدّه قدّس سرّه به في المسالك، و ظهور «لم يدع» في الموت- ما لفظه: «و القول بالمنع نادر، لكنه لا يخلو عن قوّة» «1».

و قريب منه كلامه في باب الاستيلاد «2».

و تصدّى صاحب الجواهر قدّس سرّه لتوجيه دلالة الروايتين على منع البيع حال الحياة بقوله: «نعم قد يقال. إنّ الإطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن يزيد الآخر ... ضرورة ظهور قوله:- و لم يدع- في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة ... الخ» «3».

و توضيحه: أنّ رواية عمر بن يزيد و إن كانت مجوّزة لبيعها مطلقا، إلّا أنها تقيّد بصحيحته المختصة بحال الموت. و الوجه في اختصاصها به أمران:

أحدهما: ظهور قوله عليه السّلام: «و لم يدع» في كونه قيدا للكيفية التي سأل الراوي عنها بقوله: «و كيف ذلك؟». و الكيفية التي جاز فيها البيع هي أداء ثمن رقبتها بعد الموت. و أمّا بيعها في حياة المولى فلم يذكره الإمام عليه السّلام، و إنّما قرّر السائل فيما كان مرتكزا عنده من عموم المنع. و من المعلوم أنّ مفهوم تقييد الجواز بما بعد الموت هو انتفاء الجواز بانتفاء القيد.

______________________________

(1) نهاية المرام، ج 1، ص 294؛ كفاية الأحكام، ص 173، حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 262

(2) نهاية المرام، ج 2، ص 316

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 376- 377

ص: 305

و ربما يتوهم (1) القوة (2) من حيث توهّم تقييدها (3) بالصحيحة السابقة، بناء على (4) اختصاص الجواز فيها بصورة موت المولى- كما يشهد به (5) قوله فيها:

______________________________

و عليه فيكون عموم المنع- المستفاد من تقريره عليه السّلام- بضميمة تقييد الجواز بالموت بمنزلة العام المخصّص، و العام المخصّص يفيد الحصر. و يتعين حينئذ تقييد إطلاق ما في رواية عمر بن يزيد «نعم تباع في ثمن رقبتها» بما إذا لم يؤدّ المولى الدين في حياته.

ثانيهما: أنّ قوله عليه السّلام: «لا» في ذيل الصحيحة في جواب سؤال ابن يزيد:

«فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟» صريح في عدم جواز البيع إلّا في مورد واحد، و هو المشار إليه ب «ذلك» و هو الدين في ثمن الرقبة بعد الموت. و من المعلوم أنّ بيعها حال الحياة- و إن كان لوفاء الدين في ثمن أمّ الولد- داخل تحت عموم «ما سوى» كما يدخل فيه سائر ديون السيّد. و بعد تقيّد الصحيحة بالجواز المختصّ بما بعد الموت يقيّد إطلاق الجواز في الرواية الاخرى. و نتيجة هذا التقييد فقد الدليل المخصّص لعموم منع أمّ الولد ليقال بجواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها.

(1) لعلّ الأنسب بمقام صاحب الجواهر قدّس سرّه عدم التعبير عما أفاده بالتوهم في الموضعين.

(2) قد ظهر أنّ مناط منع البيع حال الحياة فقد الدليل عند صاحب المدارك قدّس سرّه لعدم استناده إلى رواية عمر بن يزيد، كما أنّ مناطه بنظر صاحب الجواهر قدّس سرّه تقييد إطلاق الرواية بالصحيحة، لصراحتها في الاختصاص بالبيع بعد الموت.

(3) أي: تقييد رواية اخرى- لعمر بن يزيد- بصحيحته.

(4) هذا البناء هو مبنى التقييد، إذ لو كان مفاد الصحيحة مجرد جواز البيع في صورة موت السيد- من دون دخل للموت فيه- لم تصلح الصحيحة للتقييد.

(5) أي: يشهد باختصاص الجواز قوله عليه السّلام: «و لم يدع».

وجه الشهادة: ظهوره في أنّ المولى لم يخلّف مالا يؤدّى به ثمنها، فهو ظاهر في

ص: 306

«و لم يدع من المال ... الخ»- فيدلّ (1) على نفي الجواز عمّا سوى هذا الفرد (2)، إمّا لورودها (3) في جواب السؤال عن موارد بيع أمّهات الأولاد، فيدلّ (4) على الحصر. و إمّا (5) لأنّ نفي الجواز في ذيلها فيما سوى هذه الصورة (6) يشمل بيعه (7) في الدين مع حياة المولى.

______________________________

الموت، فيقيّد به إطلاق قوله عليه السّلام في خبر آخر لعمر بن يزيد: «نعم في ثمن رقبتها» إن لم يكن ظاهرا في بيعها حال وفاة المولى، لظهور قول الراوي: «تباع في الدين» في كون البائع غير المولى، الظاهر في موته.

و بالجملة: فبعد تقيّد الروايتين أو تقييد المطلق منهما بمقيّدها، يكون المتحصل جواز بيع أمّ الولد في خصوص ثمن رقبتها بعد موت سيّدها.

(1) يعني: فيدل قوله عليه السّلام: «فيدع» على نفي الجواز في غير هذا الدين المخصوص.

(2) و هو دين ثمنها بعد وفاة السيد.

(3) أي: لورود الصحيحة، و هذا إشارة إلى أوّل الوجهين، و تقدم توضيحهما بقولنا: «أحدهما ... ثانيهما».

(4) أي: فيدلّ قوله عليه السّلام: «فيدع» على الحصر.

(5) معطوف على «إمّا» و هذا إشارة إلى ثاني الوجهين، و هو قوله في الجواهر:

«بل هو صريح ...».

و لعلّ الأولى تبديل «أمّا» بالواو، لأنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه جمع بين الوجهين، و جعلهما قرينة على الحصر، و ليس المقصود وفاء أحد الوجهين به على سبيل منع الخلو كما يستشمّ من كلمة «إمّا» و الأمر سهل.

(6) أي: سوى صورة موت المولى، و بقاء ثمنها في ذمته.

(7) كذا في النسخ، و الصحيح «بيعها».

ص: 307

و اندفاع التوهم بكلا وجهيه واضح (1).

______________________________

(1) هذا منع قوّة عدم جواز البيع- حال حياة المولى- بالوجهين المتقدمين عن الجواهر.

أمّا منع الأوّل، فلعدم كون السؤال من تمام موارد جواز بيع أمّ الولد، حتى يكون جوابه مفيدا للحصر بما ذكره من المورد. بل الظاهر أنّ السؤال كان عن المسوّغ الذي باع الأمير صلوات اللّه و سلامه عليه لأجله أمّ الولد، و إن أجاب الإمام الكاظم عليه السّلام بنحو القضية الكلية المنطبقة على بيع الأمير عليه السّلام «في فكاك رقابهن». و حينئذ فاللازم ملاحظة هذه الكلية و ما اخذ فيها من قيود. و لا ريب في أنّ المتيقن من القيد هو عدم أداء الثمن و فقد المال الذي يؤدى به الدين، و أمّا قيدية الموت فغير معلومة، و إن كان جوابه عليه السّلام ناظرا إلى صورة الموت.

فالنتيجة: أنّه لا وجه لاستفادة الحصر من الجواب، فيمكن أن يكون هناك وجه آخر لجواز البيع.

و أمّا منع الثاني، فلظهور السؤال الثاني- كالأوّل- في بيعها في الدين بعد الموت، و الجواب أيضا ظاهر في عدم بيعها بعد الموت، فلا يشمل نفي الجواز في ذيلها بيعها في الدين مع حيوة المولى، لوضوح أنّ «بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى» و إن كان بيعا لها في ما سوى حال الموت، و لكنه ليس بيعا لها في ما سوى ثمن رقبتها، و المراد بقوله عليه السّلام: «في ما سوى ذلك» أي: سوى دين ثمنها من دون تقييد بالموت.

و عليه فالوجهان المزبوران لا يصلحان لإثبات عدم جواز البيع في حال حياة المولى حتى يكونا دليلين على خلاف المشهور، كما لا يخفى.

و قد تحصّل مما أفاده المصنف قدّس سرّه في المرحلة الثانية: قصور صحيحة ابن يزيد و روايته عن إثبات منع البيع في حياة المولى.

ص: 308

نعم، يمكن أن يقال (1):

______________________________

(1) هذا شروع في المرحلة الثالثة، و هي ترك العمل بالخبرين- بالنسبة إلى حكم البيع في حياة السيد- إمّا لقصور الصحيحة و الرواية، و إما للمعارضة. و على كلّ منهما يتعين الرجوع إلى قاعدة المنع العامة، أو قاعدة اخرى.

أمّا قصور الصحيحة فللجمود على ظاهرها من اختصاص الجواز بما بعد وفاة السيد. و أما قصور الرواية فلظهور قول السائل: «تباع في الدّين؟»- بصيغة المجهول- في كون البائع لها شخصا آخر بعد موت السيد.

و عليه فلا إطلاق فيها لتجويز البيع حال الحياة، كما لم يكن إطلاق في الصحيحة. و حينئذ فالمرجع القاعدة الكلية في بيع أمّهات الأولاد، و هو المنع.

و أمّا بناء على عدم اختصاص رواية ابن يزيد بالبيع بعد وفاة المولى و شمولها لحال الحياة، فتقع المعارضة بينها و بين صحيحة ابن مارد المتقدمة في (ص 265) و فيها قوله عليه السّلام: «هي أمته، إن شاء باع ما لم يحدث عنده حمل، و إن شاء أعتق» لظهور المفهوم في أنّ الأمة المستولدة بالتزويج لو اشتراها و تملكها- و حملت بعد الشراء- لا يجوز بيعها مطلقا، سواء أراد السيد بيعها في ثمنها أم في غيره من الديون، أم فيما ليس دينا أصلا.

و النسبة بينهما عموم من وجه، و ذلك لأخصية صحيح ابن مارد من رواية ابن يزيد من جهة، لاختصاص الصحيح بحياة المولى بقرينة قوله: «إن شاء باع» و أعميته منها من جهة اخرى، لعدم اختصاصه ببيعها في ثمن رقبتها.

و أخصية رواية ابن يزيد من الصحيح من جهة، لاختصاصها ببيعها في ثمن رقبتها، و أعميتها منه من جهة اخرى، لعدم اختصاصها بحياة المولى.

ففي مورد الاجتماع- و هو بيعها في ثمن رقبتها مع حيوة المولى- يتعارضان و يتساقطان، فيرجع إلى أصالة المنع عن البيع التي استنبطها المصنف قدّس سرّه من روايات السكوني و محمد بن مارد و عمر بن يزيد المتقدمات، و غيرها.

ص: 309

- بعد الغضّ (1) عن دعوى ظهور قوله: «تباع في الدّين» في كون (2) البائع غير المولى في ما بعد الموت- إنّ النسبة بينها (3) و بين رواية ابن مارد المتقدمة عموم من وجه، فيرجع (4) إلى أصالة المنع الثابتة بما تقدّم من القاعدة المنصوصة المجمع عليها.

نعم (5)، ربما يمنع عموم القاعدة

______________________________

(1) إذ مع عدم الغضّ عن هذه الدعوى لا تكون النسبة عموما من وجه، لأنّ رواية عمر بن يزيد تدل حينئذ على جواز بيعها في ثمن رقبتها بعد موت المولى، و لا تدلّ على جواز بيعها مع حياته حتى تكون أعمّ من وجه من صحيح ابن مارد المختص بعدم جواز بيعها مع حياة المولى، ليقع التعارض بينهما في المجمع، إذ على هذا لا مجمع بينهما، لتعدد الموضوع.

(2) متعلق ب «ظهور».

(3) أي: بين رواية ابن يزيد.

(4) هذا نتيجة تساقط المتعارضين- بالعموم من وجه- في المجمع، و هو بيعها في ثمنها في حياة المولى. فلا بدّ من الرّجوع إلى العام الفوق، و هو إمّا القاعدة المستنبطة المانعة عن بيع أمّ الولد كما عليه المصنف قدّس سرّه. و إمّا العمومات المقتضية لصحة العقود إلّا ما خرج منها بالدليل، كما يظهر من صاحب المقابس.

(5) استدراك على مرجعية أصالة المنع بعد تعارض الروايتين، و غرضه المناقشة في مرجعيتها- في مورد الاجتماع المزبور- بما حاصله: أنّ عموم القاعدة المانعة عن البيع على وجه يشمل صورة تعلق حق للمالك بامّ الولد- ليحتاج جواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى إلى تخصيص عموم تلك القاعدة- غير ثابت، فلا مانع حينئذ من التمسك بقاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع مع حياة المولى.

و الظاهر أنّ المنكر لأصالة المنع هنا هو صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنه اختار مذهب المشهور من جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مطلقا في حياة المولى و مماته،

ص: 310

على هذا الوجه (1) بحيث (2) يحتاج إلى المخصّص، فيقال (3): بمنع الإجماع في محلّ الخلاف، سيّما مع كون المخالف جلّ المجمعين، بل كلّهم إلّا نادرا، و حينئذ (4) فالمرجع إلى قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

لكن التحقيق خلافه (5)، و إن صدر هو

______________________________

و استدل عليه بوجوه، قال في أوّلها: «انّ الأصل في كل ملك جواز نقله إلى الغير بالبيع و غيره. و أمّ الولد ملك المولى إجماعا، و لا دليل يعتمد عليه في المنع من بيعها مطلقا غير الإجماع، و هو مفقود هنا» «1». و سيأتي تقريب منع عموم القاعدة.

(1) أي: عموما شاملا لمورد الاجتماع بين الروايتين المتعارضتين، إذ لو ثبت عموم في الجملة لم يكن مرجعا في مورد الشك.

(2) هذا شأن العموم، إذ لو ثبت لكان القول بجواز البيع في ثمن رقبتها مع حياة المولى متوقفا على المخصّص.

(3) هذا تقريب لمنع عموم قاعدة عدم جواز البيع، و حاصله: أنّ الإجماع الذي كان مستند هذه القاعدة مفقود في محل الخلاف، و هو بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى، لذهاب جلّ المجمعين- بل كلّهم إلّا نادر- إلى جواز البيع في هذه الصورة، فلا إجماع في هذا الفرض حتى يستند إليه عموم قاعدة «عدم جواز بيع أمّ الولد» على وجه يشمل صورة وجود المولى، و يحتاج خروج الفرض عنه إلى التخصيص.

فإذا لم يكن هنا عام يقتضي بطلان البيع، فالمرجع في مورد الاجتماع قاعدة السلطنة القاضية بجواز البيع.

(4) أي: و حين منع الإجماع في محلّ الخلاف.

(5) هذا الضمير و ضمير «هو» راجعان إلى منع عموم القاعدة المدلول عليه ب «يمنع».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 71

ص: 311

عن بعض المحققين (1)، لأنّ المستفاد من النصوص (2) و الفتاوى: أنّ استيلاد الأمة يحدث لها حقّا مانعا عن نقلها، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى (3) منه بالمراعاة.

و ربما توهّم (4) معارضة هذه القاعدة بوجوب أداء الدين، فيبقى قاعدة

______________________________

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه. فعموم المنع ثابت، و هو يقتضي عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها مع حياة المولى و إن كان خلاف المشهور، إذ المنسوب إليهم جوازه.

(2) تقدّم في (ص 255) نقل النص الذي استفيد منه تشبث أمّ الولد بالحرية، و كذلك جملة من الكلمات. كما تقدم في (ص 251) دعوى صاحب الحدائق قدّس سرّه إلحاق الأصحاب النقل بغير البيع بالبيع، لاشتراك علّة المنع في جميع النواقل، و هو التشبث بالحرية.

و لعلّ كلام المصنف هنا لا يخلو من منافاة لقوله هناك و في (ص 254) من عدم وجدان نصّ عليه. فلاحظ.

(3) مثل كون ثمنها دينا في ذمة مولاها المعسر، فإنّه أولى بالمراعاة من حقها بالاستيلاد.

(4) هذا انتصار للمشهور القائلين بجواز بيعها في ثمن رقبتها مع حياة المولى، و حاصله: وقوع التعارض بين قاعدة المنع عن البيع و بين وجوب أداء الدين فيتساقطان، و يرجع إلى قاعدة السلطنة المقتضية لجواز البيع، و إلى استصحاب جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

و هذه المعارضة أوردها صاحب المقابس في منع ما حكي عن ابن حمزة قدّس سرّه من اختصاص جواز بيعها في ثمنها بموت السيّد، فردّه المحقق الشوشتري قدّس سرّه بالتمسك بالاستصحاب، و بوجوب أداء الدين، قال قدّس سرّه: «يمكن الرّد عليه باستصحاب الحكم الثابت في حياة المولى ... و بما دلّ على تقديم الدّين على الإرث ...» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 71

ص: 312

«السلطنة» و أصالة (1) بقاء جواز بيعها في ثمن رقبتها قبل الاستيلاد.

و لا يعارضها (2) أصالة بقاء المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها، لأنّ (3) بيعها قبل العجز ليس بيعا في الدّين، كما لا يخفى.

و يندفع (4) أصل المعارضة بأنّ أدلة وجوب أداء الدين مقيّدة بالقدرة

______________________________

(1) معطوف على «قاعدة» أي: فتبقى أصالة الجواز ... الخ.

(2) أي: لا يعارض أصالة بقاء الجواز أصالة بقاء المنع. توضيحه: أن استصحاب جواز البيع قبل الاستيلاد معارض باستصحاب المنع حال الاستيلاد قبل العجز عن ثمنها و إعسار المولى عنه. فلا يصلح الاستصحاب لإثبات الجواز، فلا يثبت مذهب المشهور و هو جواز البيع.

و هذه المعارضة تظهر من السيد المجاهد قدّس سرّه القائل بجواز بيعها في حياة السيد، حيث قال في جملة كلامه: «لا يقال: يعارضها- أي عمومات الصحة- أصالة بقاء عدم جواز بيعها. لأنّا نقول ... بل أصالة بقاء جواز البيع يقتضي الحكم به حينئذ، فيتحقق التعارض بين الاستصحابين» فراجع «1».

(3) هذا تعليل لعدم معارضة الأصلين، توضيحه: أنّ الاستصحاب منوط ببقاء موضوعه، و هو مفقود في استصحاب المنع، لأنّ موضوعه عدم كون البيع في ثمن رقبتها.

و إن شئت فقل: إنّ الموضوع في جواز البيع هو إعسار المولى، و في المنع عن البيع هو إيساره، فهما نظير السفر و الحضر. و ليس اليسر و العسر في المقام نظير تبدل حالات الموضوع، بل نظير السفر و الخصر و الفقر و الغنى بالنسبة إلى الأحكام.

(4) هذا دفع ما تقدم من المعارضة بين منع بيع أمّ الولد في حياة السيد و بين وجوب أداء الدين. و التعبير ب «أصل المعارضة» لأجل عدم الموضوع للمعارضة

______________________________

(1) المناهل، ص 319

ص: 313

العقلية و الشرعية، و قاعدة المنع تنفي القدرة الشرعية (1)،

______________________________

بين أصالتي المنع و الجواز، إذ بعد وجود عموم «المنع عن بيع أمّ الولد» لا يبقى مجال للأصل العملي.

و تقريب الدفع: أنّ دليل وجوب أداء الدين لا يصلح لمعارضة قاعدة المنع، و ذلك لارتفاع موضوعه، ضرورة تقيّد وجوب أداء الدين عقلا و شرعا بالقدرة على أدائه. أمّا عقلا فلاقتضاء الخطاب القدرة على متعلقه.

و أمّا شرعا فلدلالة الآية الشريفة على اعتبار اليسار. و أنّه لا يجب شي ء على المعسر، و يجب إنظاره و إمهاله حتى يتيسّر له الأداء. و من المعلوم أن قاعدة منع بيع أمّ الولد تسلب سلطنة السيّد على بيعها، فينتقي اليسار المأخوذ في موضوع دليل وجوب أداء الدّين.

و أما حرمة بيع أمّ الولد فلم يؤخذ في موضوعه إلّا عنوان «أمّ الولد» و هو محفوظ سواء وجب بيعها لأداء الدّين أم لا.

و بعبارة اخرى: انّ موضوع وجوب البيع- لأداء الدين- ما يكون صالحا للبيع، و هو قاصر عن إثبات الصلاحية، لعدم كونه مشرّعا لجواز بيع ما لم يحرز جواز بيعه.

مثلا لو كان للمديون مال بمقدار الدين أو أزيد منه، لكن حجر شرعا عن التصرف فيه- بأن كان مرهونا- لم يصلح الأمر بأداء الدين لتجويز بيعه مقدّمة لأداء دين آخر منه. فكذا الحال في أمّ الولد، فإنّ حق الاستيلاد مانع من بيعها و إن كان في ثمن رقبتها مع حياة المولى.

و عليه فلا يصحّ توجيه فتوى المشهور- بجواز بيعها في هذه الصورة- بما افيد من تعارض قاعدة المنع و وجوب أداء الدين، و الرجوع إلى قاعدة السلطنة.

(1) فتكون حاكمة على دليل وجوب أداء الدين، لارتفاع موضوعه- و هو اليسار- بسلب سلطنة المولى على نقل أمّ الولد.

ص: 314

كما في المرهون (1) و الموقوف [1].

______________________________

(1) لوجود المانع، و هو تعلق حق الغير به، فلا يستقل الراهن ببيعه. و كذا الحال في الموقوف، فإنه و إن كان ملكا للموقوف عليه، لكن تعلق الحقّ به يخرجه عن قابلية البيع.

هذا تمام ما أفاده المصنف في المرحلة الثالثة، و يأتي الكلام في المرحلة الرابعة، و هي الانتصار لمذهب المشهور برفع التعارض بين خبري ابن يزيد و ابن مارد، و ترجيح الأوّل على الثاني.

______________________________

[1] هذا بناء على تسليم عموم القاعدة. و أمّا بناء على عدمه فالظاهر جواز بيعها في حياة السيد، «لأن مجرد عدم جواز بيعها في بعض المواضع لا يوجب سلب السلطنة على البيع في أداء الدين، لعدم إحراز مزاحم لوجوب الوفاء بالدين في خصوص هذا المورد. نعم حيث إنّ اليسار مأخوذ في موضوعه، أو أنّ الإعسار خارج عنه، فلا بد من التمسك بقاعدة السلطنة تحقيقا لليسار أو دفعا للإعسار. و لا يكفي الأمر بأداء الدين مع الشك في جواز البيع الموجب للشك في صدق اليسار.

و عليه فمع إحراز موضوع الوفاء بقاعدة السلطنة، أو نفي عنوان المخصّص لا بأس بالتمسك بدليل وجوب أداء الدين» هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «1».

و الظاهر عدم توارد المعارضة و الدفع على أمر واحد، فإنّ المصنف قدّس سرّه سلّم عموم منع بيع أمّ الولد، فنفى المعارضة بالحكومة. و صاحب المقابس قدّس سرّه أنكر أوّلا عموم المنع، ثم عارض منع البيع حال الحياة بوجوب أداء الدين، و قدّمه عليه، فأوجب بيعها في حياته لأداء الدين. و من المعلوم أنّه لا يرد على هذه المقالة تقيد وجوب أداء الدين باليسار، لوضوح أنّ المحقق الشوشترى يعترف به، و لكن يدّعي تحقق اليسار، لعدم الدليل على منع بيع أمّ الولد في هذه الحالة حتى يقاس بالمرهون و الموقوف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 279

ص: 315

فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال (1): برجحان (2) إطلاق رواية

______________________________

(1) توضيحه: أن منشأ تعارض خبري ابني يزيد و مارد بالعموم من وجه- و تساقطهما في الجمع- هو ظهور الثاني في منع البيع مطلقا سواء أ كان في ثمن رقبتها أم في غيره، بأن يكون مفهوم قوله عليه السّلام: «ما لم يحدث عنده حمل» عدم جواز بيعها مطلقا إن حملت عنده بعد ما تملكها، فكان هذا المفهوم معارضا لرواية ابن يزيد الظاهرة في جواز البيع في ثمن رقبتها مطلقا سواء في حياة المولى و بعد وفاته.

و المقصود فعلا إثبات إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى، لعدم قرينية قوله: «تباع» في كون البيع مختصا بما بعد الموت. ثم ترجيح هذا الإطلاق على إطلاق صحيح ابن مارد لثمن رقبة أمّ الولد، و مرجوحية إطلاقه من وجوه:

أحدها: أن قوله: «تمكث عنه ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها» كناية عن مضيّ مدة مديدة من زمان شراء الأمة، و من البعيد جدّا عدم أداء دين ثمنها في تلك المدة.

ثانيها: ظهور قول السائل: «ثم يبدو له في بيعها» في إرادة بيعه اختيارا، و أنّ الداعي إلى البيع هو عدم الرغبة في إبقاء أمّ الولد في ملكه، لا اضطرارا لأجل أداء ثمنها.

ثالثها: أنّ فتوى المشهور- و هي الجواز- تعاضد دلالة رواية ابن يزيد على الجواز في صورة حياة المولى.

و الحاصل: أنّ أرجحية إطلاق رواية ابن يزيد لحال حياة المولى- لهذه الوجوه المزبورة- من إطلاق صحيح ابن مارد لعدم جواز بيعها في ثمن رقبتها في حال حياة المولى، تكون دليلا على قول المشهور، و هو جواز بيعها في ثمنها مع حياة المولى.

(2) إن كان مقصوده قدّس سرّه منع إطلاق رواية ابن مارد و سلامة رواية ابن يزيد عن المعارض، كان التعبير بالرجحان مسامحة، لانتفاء التعارض الموضوع للترجيح.

و إن كان غرضه إبقاء إطلاق رواية ابن مارد و تضعيفه من جهة كون غالب أفراده و مصاديقه ممّا لا يبقى ثمن الأمة مدة طويلة في عهدة سيّدها- بحيث يصلح

ص: 316

عمر بن يزيد على إطلاق رواية ابن مارد، الظاهر (1) في عدم كون بيعها في ثمن رقبتها، كما يشهد به (2) قوله: «فتمكث عنده ما شاء اللّه لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها». مع أنّ (3) ظاهر البداء في البيع ينافي الاضطرار إليه (4) لأجل ثمنها.

و بالجملة (5): فبعد منع ظهور سياق الرواية فيما بعد الموت، لا إشكال في رجحان دلالتها (6) على دلالة رواية ابن مارد على (7) المنع، كما يظهر بالتأمل (8).

______________________________

قول السائل «ثم يبدو له في بيعها» للبيع في ثمن رقبتها و للبيع بداع آخر- فالتعبير بالرجحان في محلّه، لبقاء الإطلاقين على حالهما، و يتجه ترجيح أحدهما على الآخر.

و لا يبعد أن يكون هذا مراد المصنف قدّس سرّه، لا منع إطلاق صحيحة ابن مارد بالمرّة.

(1) صفة ل «إطلاق رواية ابن مارد» و هذا الظهور الانصرافي- لكونه ناشئا من غلبة الأفراد- لا يوجب و هنا في حجية أصالة الإطلاق.

(2) أي: كما يشهد بعدم كون بيع أمّ الولد- في صحيح ابن مارد- في ثمن رقبتها قول السائل: «فتمكث» و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(3) هذا هو الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(4) أي: إلى البيع، و ضمير «ثمنها» راجع إلى الأمة المذكورة في صحيح ابن مارد.

(5) هذا خلاصة ما أفاده بقوله: «أن يقال برجحان إطلاق رواية عمر بن يزيد ...» و كان المناسب التنبيه أوّلا على إطلاق نفس رواية ابن يزيد لحالتي الموت و الحياة، ثم ترجيح إطلاقها على إطلاق الصحيحة.

(6) أي: دلالة رواية ابن يزيد على الجواز.

(7) متعلق ب «دلالة» و «على دلالة» متعلق ب «رجحان».

(8) الظاهر أنّ وجه الرجحان هو قوّة الإطلاق في الرواية، و ضعفه في الصحيحة،

ص: 317

مضافا إلى: اعتضادها (1) بالشهرة المحققة. و المسألة محلّ إشكال.

ثمّ على المشهور من الجواز (2)، فهل يعتبر فيه عدم ما يفي بالدّين و لو من

______________________________

و نتيجة ذلك كون حمل الأمة مقتضيا لعدم جواز البيع. فهذا الحكم اقتضائي، و جواز بيعها في رواية ابن يزيد فعليّ. و هذا جمع عرفي مطّرد في كل حكم ثبت بالعنوان الأوّلي، و حكم ثبت بالعنوان الثانوي، فإنّهم يحملون الأوّلي على الاقتضائي، و الثاني على الفعلي.

(1) أي: اعتضاد رواية ابن يزيد بالشهرة الفتوائية، و هذا هو الوجه الثالث، و هي قرينة خارجية للترجيح، كما أنّ الوجهين السابقين مرجّحان داخليّان.

و قد تحصّل من كلمات المصنف في المراحل الأربع أنّ قول المشهور- من جواز بيعها في ثمن رقبتها حال حياة المولى- هو مقتضى القاعدة. و لكنه قدّس سرّه استشكل في حكم المسألة، و لعلّه لما تقدم من اختصاص رواية ابن يزيد بحال موت السيد، بقرينة «تباع» فيكون المرجع عموم المنع.

(2) تعرّض المصنف- بناء على القول بالجواز- لفروع المسألة كما في المقابس و غيره أيضا.

الأوّل: أنّه لا ريب في عدم جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها إن كان للمولى مال بقدره ممّا عدا مستثنيات الدين، لصدق اليسار عليه، فتبقى أمّ الولد على حالها حتى تتحرّر بعد موت السيد من نصيب ولدها.

كما لا ريب في جواز بيعها- إن كان ثمنها دينا على السيد- و لم يكن له مال أصلا حتى من المستثنيات ليوفي دينه.

إنّما الكلام فيما لو انحصر ماله- الوافي بأداء الدين- في المستثنيات من الدار و المركوب و الخادم و نحوها، فهل يجوز بيعها في ثمن رقبتها و بقاء مستثنيات الدين في ملكه، فينتفي تحرّرها بعد موت السيد، أم لا يجوز بيعها، فيصرف شي ء من المستثنيات في تفريغ ذمة المولى من ثمنها؟ فيه قولان، المنسوب إلى الأكثر الثاني،

ص: 318

المستثنيات كما هو ظاهر إطلاق كثير (1)، أو ممّا عداها (2) كما عن جماعة (3)؟

______________________________

و إلى جماعة كالمحقق و العلّامة و الشهيدين قدّس سرّه الأوّل، و قوّاه المصنف قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) كما في المقابس أيضا «و هذا هو الظاهر من فتاوى معظم الأصحاب هنا، حيث اعتبروا عدم تملكه لشي ء آخر غيرها ممّا يوفي ثمنها، و لم يستثنوا شيئا» «1».

(2) أي: ممّا عدا مستثنيات الدّين، فيتحقق الإعسار بفقد ما عداها، و ملكه للمستثنيات لا يوجب كونه موسرا حتى لا تباع أمّ ولده.

(3) كالمحقق و العلّامة و الشهيدين قدّس سرّهم، ممّن اعتبر في جواز بيعها إعسار المولى، و هو- شرعا- عدم تملك ما يفضل على مستثنيات الدين. قال في بيع الشرائع: «أو- أي يجوز بيعها- في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها» «2». و قال في نكاحه: «و يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها» «3».

و مثله في الموضعين عبارة القواعد «4».

و لعل مراده من «غيرها» ما يفضل عن مستثنيات الدّين. و صرّح أصحاب مجمع الفائدة و الحدائق و المناهل «5» باعتبار ذلك، خلافا لصاحب الجواهر، ففيه:

«و حينئذ لا وجه لاعتبار الإعسار المفسّر بما سمعت، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات و غيرها في الدين، فيكون المعتبر حينئذ عدم شي ء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح» «6».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(3) المصدر، ص 312

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23 و ج 3، ص 259؛ الدرس الشرعية، ج 2، ص 222؛ الروضة البهية، ج 3، ص 257؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 170

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 170؛ الحدائق الناظرة، ج 18، ص 448؛ المناهل، ص 319

(6) جواهر الكلام، ج 22، ص 377

ص: 319

الأقوى هو الثاني (1) [1]، بل لا يبعد أن يكون ذلك مراد من أطلق (2)، لأنّ (3) الحكم بالجواز

______________________________

(1) و هو جواز بيعها في ثمن رقبتها و إن كان السيد مالكا لمستثنيات الدين.

(2) يعني: لم يقيّد جواز البيع بالإعسار، بل قال: «لم يكن للمولى غيرها» إذ «الغير» شامل لمستثنيات الدين و غيرها. قال شيخ الطائفة: «لا يجوز بيعها إلّا في ثمنها إذا كان دينا على مولاها و لم يكن له غيرها» «1».

(3) تعليل لقوله: «الأقوى» و محصّله: أنّ رواية عمر بن يزيد- الدالة على جواز بيعها في ثمن رقبتها في حياة المولى- ناظرة إلى أنّ مانعية الاستيلاد عن البيع ترتفع لو كان ثمنها دينا، و تصير ملكا طلقا، و يتعيّن بيعها في هذا الدّين، كما يؤخذ المديون في سائر الموارد ببيع أمواله- عدا المستثنيات- لأداء دينه.

و عليه فلا إطلاق في قوله: «و لم يدع من المال ما يؤدّي عنه» ليشمل ما لو خلّف السيد دار السكنى و نحوها من المستثنيات، ليقال بإناطة جواز بيع أمّ الولد بعدم ترك شي ء من الأموال و إن كانت ممّا استثناه الشارع للمديون، و لم يلزمه ببيعها، هذا.

______________________________

[1] بل الأقوى هو الأوّل، لشمول قوله: «و لم يدع من المال ما يؤدى عنه» للمستثنيات، فإن تركها صدق أنّه ترك من المال ما يؤدى عنه، إذ المراد ب «ما يؤدى عنه» الواقع في كلام السائل هو المال الذي يمكن أداء الدين به و إن كان من المستثنيات، إذ ليس الحكم فيها عدم جواز بيعها حتى يكون وجود هذا المال كعدمه نظير الوقف، و الإمام عليه الصلاة و السلام قرّره على ذلك، و حكم صلوات اللّه عليه بجواز بيعها في ثمن رقبتها، فتكون طلقيّة أمّ الولد بعد عدم مال للمولى حتى المستثنيات.

______________________________

(1) المبسوط، ج 6، ص 185

ص: 320

في هذه الصورة (1) في النصّ و الفتوى مسوق لبيان ارتفاع المانع عن بيعها من جهة الاستيلاد (2)، فتكون ملكا طلقا كسائر الأملاك التي يؤخذ المالك ببيعها من دون بيع المستثنيات (3).

فحاصل السؤال في رواية عمر بن يزيد: أنّه هل تباع أمّ الولد في الدين على حدّ سائر الأموال التي تباع فيه (4)؟

و حاصل الجواب: تقرير ذلك (5) في خصوص ثمن الرقبة، فيكون ثمن الرقبة بالنسبة إلى أمّ الولد كسائر الديون بالنسبة إلى سائر الأموال.

و مما ذكر (6) يظهر: أنّه لو كان نفس أمّ الولد ممّا يحتاج إليها المولى للخدمة،

______________________________

(1) أي: صورة كون الثمن دينا في ذمة السيّد، فيجوز بيعها حال حياته.

(2) أي: أنّ الاستيلاد لا يمنع من البيع في هذه الصورة.

(3) فكما أنّ بيع سائر الأموال في الدين مشروط بعدم كونها من مستثنيات الدين، و إلّا لا يلزم المديون ببيعها، فكذا يكفي في بيع أمّ الولد عدم وجود غير مستثنيات الدين فلا تباع المستثنيات لا في ثمن رقبة أمّ الولد و لا في سائر الديون.

(4) أي: في الدين.

(5) أي: تقرير جواز البيع في خصوص ثمن الرّقبة، لا في سائر ديون سيّدها.

هذا كلّه في أصل جواز بيع أمّ الولد مع وجود مستثنيات الدين، و سيأتي ما فرّعه على الجواز من أمرين.

(6) من جواز بيعها إن لم يكن عند المولى شي ء غير مستثنيات الدّين، و هذا

______________________________

و مما ذكرنا يظهر ضعف دعوى «حكومة ما دلّ على استثنائها، و عدم وجوب صرفها في الدين على قوله: و لم يدع من المال ما يؤدى عنه» فلاحظ و تأمّل.

و على ما ذكرنا من عدم استثناء المستثنيات هنا يسقط ما فرّعه على خروج المستثنيات من عدم بيع نفس أمّ الولد إذا احتاج إليها للخدمة، و من عدم بيع الكفن.

ص: 321

فلا تباع (1) في ثمن رقبتها، لأنّ (2) غاية الأمر كونها بالنسبة إلى الثمن كجارية اخرى يحتاج إليها.

و مما ذكرنا (3) يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز، فإذا كان للميّت (4) كفن و أمّ ولد، بيعت في الدّين، دون الكفن، إذ يصدق أنّ الميّت لم يدع ما يؤدّي عنه الدين عداها (5)،

______________________________

متفرّع على تقديم جواز بيع أمّ الوالد على استثناء بعض الأموال عن بيعها وفاء للدين.

و حاصل هذا الفرع: أنّ من مستثنيات الدين الخادم اللائق بحال المديون، فلو كانت أمّ الولد مما يحتاج إليها السيد للخدمة كانت هي من جملة المستثنيات، و لا يجوز بيعها حينئذ. فكما لا تباع جارية المديون- المحتاج إلى خدمتها- لوفاء الدين، لكونها كدار السكنى و النفقة، فكذا لا تباع أمّ الولد و إن كان في ثمن رقبتها.

(1) جواب الشرط في «لو كان».

(2) تعليل لعدم بيعها، و تقدم توضيحه آنفا.

(3) أي: من جواز بيعها مع وجود مستثنيات الدين- إن لم يكن للمولى مال يفي به الدين- يظهر ...، و هذا فرع آخر مما يتفرع على جواز بيع أمّ الولد.

و حاصله: أنّ ما يستثنى من تركة الميّت الكفن، و مئونة التجهيز لخروجها من الأصل قبل أداء الدين. فلو ترك الكفن و أمّ الولد- مع كون ثمنها دينا على الميت قدّم المستثنى، و هو الكفن، و بيعت في ثمن رقبتها، و ذلك لصدق الضابطة الواردة في رواية عمر بن يزيد: من أنّ السيد لم يدع من المال شيئا ليؤدّى به الدّين سوى نفس أمّ الولد، لفرض عدم كون الكفن و مئونة التجهيز مالا يؤدّى به الدّين.

(4) أي: للميّت المعسر، حيث لم يكن له في حياته- سوى المستثنيات- مال لأداء ثمن أمّ ولده، فإعساره بعد الموت بعدم مالكية مئونة التجهيز.

(5) أي: عدا أمّ الولد، فتباع في ثمنها.

ص: 322

لأنّ (1) الكفن لا يؤدّي عنه الدين.

ثم (2) إنّه لا فرق بين كون ثمنها بنفسه دينا للبائع (3)، أو استدان الثمن (4)

______________________________

(1) تعليل لصدق: أن الميّت لم يخلّف مالا يؤدّى به عنه دينه.

هذا تمام الكلام في أوّل ما فرّعه المصنف قدّس سرّه على جواز بيع أمّ الولد في حياة السيد مقدمّة لأداء الدّين، و ما ترتّب عليه من فرعين. و سيأتي الكلام في الفرع الثاني.

(2) هذا فرع ثان من فروع جواز بيعها في حياة السيد، و توضيحه: أنّ كون ثمن أمّ الولد على عهدة السيد يتصور على أنحاء:

الأوّل: أن يشتري الأمة بثمن كلّيّ في ذمته- كمائة دينار- و لم يؤدّ منه شيئا إلى البائع، و لم يكن له مال غيرها ليوفي به الدين، ثم صارت عنده أمّ ولد. و هذا المورد هو القدر المتيقن من جواز بيعها في ثمنها.

الثاني: أن يقترض السيد بقدر ما عيّن من ثمن الجارية، فيشتريها، و لم يكن له مال يفي بدينه.

الثالث: أن يشتري الجارية بثمن في ذمّته- كالنحو الأوّل- إلّا أنه استدان من شخص آخر مقدار الثمن، و دفعه إلى البائع، مع فرض عدم تملّك مال يؤدّي به الدين.

و هل يختصّ جواز بيعها في ثمن رقبتها بالنحو الأوّل؟ لكون الثمن للبائع في ذمة السيّد، بخلاف الأخيرين، فإن الدّين ليس في ثمنها و إن كان لأجل ثمنها.

أو يفصّل بين النحو الثاني و الثالث، بجواز بيعها في الثاني دون الثالث؟ جزم المصنف قدّس سرّه بعدم جواز بيعها في الأخير، و نقل تأمّل صاحب المقابس قدّس سرّه في الثاني.

(3) هذا هو النحو الأوّل، المعهود من إطلاق «كون الثمن في الذمة».

(4) هذا هو النحو الثاني، و لعلّ وجه إلحاقه بالأوّل كون الدين بشخصه ثمنا للجارية، فلو بيعت في أداء هذا الدين فقد بيعت في ثمنها.

ص: 323

و اشترى به. أمّا (1) لو اشترى في الذمة، ثم استدان ما أوفى به البائع، فليس بيعها في ثمن رقبتها، بل ربما تؤمّل (2) فيما قبله، فتأمّل (3).

و لا فرق (4) بين بقاء جميع الثمن في الذمّة أو بعضه،

______________________________

(1) هذا هو النحو الثالث، و حكمه عدم جواز البيع، لأنّ ما استقرّ في ذمة السيد ليس ثمنا، بل ما أوفى به الثمن دين عليه.

(2) المتأمل- بل المانع- هو المحقق الشوشتري، قال قدّس سرّه: «و لو استدان لأداء الثمن و أدّاه منه، أو اشتراها بذلك الثمن الذي استدانه بعينه، و سلّمه إلى البائع، فقد سقط حق البائع عنه و عن الأمة، و بقي حق الدين، و حكمه كسائر الديون» «1»، ثم نقل كلام ابني زهرة و إدريس قدّس سرّه هما القائلين بجواز بيعها لو استدان لثمنها مع عجزه عن وفاء الدين، ثم قال: «و الأصح ما ذكرناه».

و لا يبعد ما ذكره، لعدم صدق «ثمن أمّ الولد» على ما في ذمته، لأنّه ليس عوضا عن الأمة، و أنّ ما في ذمته مال الغير الذي استدانه منه. و ليس عنوان الثمنية للأمة منطبقا عليه. و الجمود على ظاهر عنوان «ثمن رقبتها» يقتضي المصير إلى ما ذهب إليه في المقابس، فتدبّر.

(3) إشارة إلى: أنّ معنى قوله: «تباع في ثمن رقبتها» هل هو نفس الثمن الكلّي الواقع في ذمته بدلا عن الأمة؟ فكأنّه قيل: «تباع في دين هو نفس ثمن الأمة» فيصدق على نفس الثمن الكلي في الذمة، و على المال الذي استدانه و اشترى بعينه الجارية، و لا يصدق على غير هاتين الصورتين من الصور. بل يمنع صدقه على المال الذي اقترضه و اشترى بعينه الجارية، لعدم اشتغال ذمته به بعنوان كونه ثمنا للجارية، كما لا يخفى.

أم معناه «الدين الذي نشأ لأجل ثمن الجارية» فيصدق على جميع الصور.

(4) هذا فرع ثالث من فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها حال حياة المولى،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

ص: 324

و لا بين (1) نقصان قيمتها عن الثمن أو زيادتها (2) عليه.

______________________________

و محصّله: أنّه لا فرق في الجواز بين عدم أداء شي ء من ثمنها إلى البائع، و بين أداء بعضه و بقاء بعضه الآخر في ذمة السيّد.

و الوجه في عدم الفرق صدق «أنّها بيعت في ثمنها» فإنّ «الثمن» و إن كان مجموع ما يقع عوضا في المعاملة، فيقول البائع: «بعتكها بمائة» مثلا، و ليس «الثمن» كليا ليصدق على كل جزء منه، فالجزء بعض الثمن لا هو الثمن، إلّا أنّه يصدق «ما لم يؤد ثمنها» ما دام بقي شي ء من ثمنها في ذمة المولى، لأنّ عدم أداء كل الثمن يتحقق بعدم أداء بعضه.

قال في المقابس: «انّه لا فرق بين بقاء جميع الثمن في ذمة المولى أو بعضه، لاشتراك السبب، و لإطلاق الأخبار حتى صحيحة عمر بن يزيد، فإنّ قوله:- لم يؤدّ ثمنها- شامل لما إذا لم يؤدّ جميعه، سواء لم يؤدّ منه شيئا أصلا، أو أدّى بعضه دون بعض. مضافا إلى إطلاق أوّله و آخره. و كلام معظم الأصحاب أيضا مطلق ...» ثم نقل خلاف الشيخ في كتاب التهذيب، و إن أطلق الحكم في الإستبصار، فراجع «1».

(1) هذا رابع الفروع، و حاصله: أنّه يجوز بيعها في ثمن رقبتها، سواء زادت عليه، بأن اشتراها بمائة دينار، فارتفعت إلى مائة و خمسين، أم ساوته، أم نقصت عنه، بأن صارت ثمانين دينارا.

و الوجه في عدم الفرق بين هذه الحالات إطلاق النصّ المجوّز لبيعها لأداء دينها، قال في المقابس: «و لا فرق أيضا بين مساواة القيمة للثمن الباقي في الذمة أو نقصانها عنه، و بين زيادتها عليه ... لإطلاق النصّ و الفتوى، مع ندرة المساواة و غلبة الاختلاف في مثل ذلك» «2».

(2) أي: زيادة القيمة الفعلية على ثمنها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار كتاب البيع، ص 75

(2) مقابس الأنوار كتاب البيع، ص 75

ص: 325

نعم (1) لو أمكن الوفاء ببيع بعضها اقتصر عليه، كما عن غاية المراد التصريح به (2).

و لو كان (3) الثمن مؤجّلا لم يجز للمولى بيعها قبل حلول الأجل و إن كان

______________________________

(1) هذا فرع خامس، و هو كالاستدراك على الفرعين السابقين، و محصله: أنّ جواز بيعها في ثمنها يدور مدار أداء الدين، فلو بقي نصف ثمنها في عهدة السيد، و ارتفعت قيمتها إلى ضعف ثمنها لم يجز بيع أزيد من ربعها. و لو بقي تمام الثمن في ذمته اقتصر على بيع نصفها، و هكذا. و الوجه في الاقتصار عدم صدق «بيعها في ثمن رقبتها» على بيع بعضها الآخر، فلا يجوز، لكون الاضطرار إلى بيع البعض لا الكل، فهو نظير الإكراه على البعض الذي لا يدعو إلى فعل الجميع.

قال في المقابس: «و لو بيع بعضها و ادّي بقيمته جميع الثمن لم يجز بيع الباقي، لعدم كون هذا البيع في أداء الثمن، فيكون باطلا» «1».

(2) أي: بالاقتصار على بيع بعض أمّ الولد. قال قدّس سرّه فيه: «و اعلم أنّه- أي أن العلّامة قدّس سرّه- شرط في منع البيع القدرة على الثمن أو إيفائه، و هو لا يصدق إلّا بالقدرة على المجموع، أو إيفائه المجموع. و حينئذ مفهومه: صحة بيعها إذا قدر على البعض أو أوفى البعض. و هو جيّد إن اريد به بيع ما يقوم بما يفي، لا بيع الجميع لو فضل عن الباقي في الذّمة» «2». و حكاه عنه في المقابس «3».

و اقتصر صاحب الجواهر قدّس سرّه على بيان الوجهين من دون ترجيح «4».

(3) هذا سادس فروع جواز بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها، و هو في الواقع تقييد الجواز بكون الدّين حالّا، يطالب المولى به. فلو كان مؤجّلا، كما لو اشتراها بمائة دينار إلى سنة مثلا، و حملت منه أو ولدت له قبل مضيّها، لم يجز بيعها قبل حلول

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(2) غاية المراد، ج 2، ص 55

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 378

ص: 326

..........

______________________________

الأجل، و ذلك «لأنّ قوله: و لم يؤدّ ثمنها و إن كان مطلقا من حيث كونه حالا و مؤجّلا، إلّا أنّ المتعارف من هذا التعبير أن يكون- أي عدم الأداء- من باب العدم المقابل للملكة، لا السلب المقابل للإيجاب. فلا يقال:- لم يؤدّ الثمن- إلّا إذا كان الثمن أدائيّا، و المؤجّل ليس كذلك، إذ ليس للدائن استحقاق الأداء، و لا المديون مستحقا عليه الأداء» «1».

و بيانه: أنّ جواز بيعها في ثمن رقبتها إمّا أن يكون لأجل تزاحم حق الاستيلاد مع حق الدائن و البائع، كما يستفاد من تعليل صاحب المقابس بقوله:

«لأنّ ذلك- أي الأجل- زمان الاستحقاق، و لإمكان الإبراء أو تبرع آخر بالأداء» «2» [1]. و إمّا لأجل تعارض دليل حرمة بيعها مع دليل وجوب أداء الدين، و تقديم الثاني على الأوّل.

و المفروض عدم تحقق شي ء منهما في المقام. أمّا التزاحم فلفرض عدم حقّ فعليّ للدائن، و لا سلطنة فعلية له على المولى. فلا مزاحم فعليّ لحق الاستيلاد.

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا التعليل من العلّة، لأنّ الاستحقاق قد حصل بنفس العقد، لأنّه المملّك للعوضين فيما لم يكن للقبض دخل في التمليك. نعم حلول الأجل يوجب السلطنة على الطالبة. فالتعليل بدعوى انصراف إطلاق «البيع في ثمن رقبتها» عن المؤجل لعلّه أولى.

بل تمكن دعوى ظهور نفس الكلام في المعجّل، حيث إنّ قوله: «و لم يدع من المال ... الخ» ظاهر في كون الدّين حالا، و عدم مال يفي به فعلا. و هذا لا يلائم المؤجل، لأنّ الإخبار عن عدم المال الوافي بالدّين في المستقبل- مع إمكان حصول ما يفي به فيما بعد- في غاية البعد، فتدبّر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 280

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 327

مأيوسا من الأداء عند الأجل (1).

و في اشتراط (2) مطالبة البائع، أو (3) الاكتفاء باستحقاقه و لو (4) امتنع عن

______________________________

و أمّا التعارض، فلعدم خطاب فعلي بوجوب أداء الدين حتى يقدّم على دليل بيع أمّ الولد.

(1) لعدم موضوعية اليأس فعلا مع كون الاستحقاق استقباليا.

(2) هذا سابع الفروع، و هو أيضا- كما صرّح به- ناظر إلى ما يحتمل كونه شرطا لجواز بيعها في الدّين. و توضيحه: أنّه لو اشتراها بثمن في ذمته و استولدها، فيحتمل في جواز بيعها وفاء للدين وجوه:

الأوّل: اشتراطه بمطالبة البائع، و جعله في المقابس مقتضى الاحتياط، و الاقتصار على موضع اليقين في مخالفة الأصل. و الظاهر إرادة أصالة منع بيع أمّ الولد.

الثاني: عدم اشتراط جواز بيعها بمطالبة الثمن، بل يكفي استحقاق البائع للدين ببلوغ الأجل، حتى مع امتناعه عن تسلّم الثمن. و وجهه اقتضاء إطلاق «جواز بيعها في ثمنها» سواء أ كانت هناك مطالبة من البائع أم لم تكن. و حيث إنّ الدين مستحق هنا ببلوغ الأجل، فلا يقاس هذا الفرع بالفرع المتقدم الذي موضوعه عدم فعلية الاستحقاق.

الثالث: التفصيل بين رضا البائع بتأخير أداء الدين و إسقاط ماله من حقّ الحلول- و إن لم يكن هذا الحق من الحقوق القابلة للإسقاط- فلا يجوز بيعها حينئذ.

و بين عدم مطالبته بالثمن و إن لم يرض بالتأخير، فيجوز بيعها حينئذ، لاستحقاقه للثمن بالحلول.

(3) هذا هو الوجه الثاني، و هو مقتضى إطلاق رواية ابن يزيد المجوّزة لبيعها في ثمنها.

(4) وصلية، فالمناط في الجواز هو استحقاق البائع للثمن، سواء رضي بتسلّمه من المولى أم أبى، فيوضع عند الحاكم أو أمين.

ص: 328

التسلّم، أو الفرق (1) بين رضاه بالتأخير و إسقاطه لحقّ الحلول و إن لم يسقط بذلك (2)، و بين عدم المطالبة، فيجوز في الثاني دون الأوّل (3) [في الأوّل دون الثاني] وجوه (4)، أحوطها الأوّل، و مقتضى الإطلاق الثاني (5).

و لو تبرّع (6) متبرع بالأداء، فإن سلّم إلى البائع برئت ذمّة المشتري،

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثالث، أي: التفصيل بين الرضا بالتأخير و عدم المطالبة.

(2) أي: بالإسقاط، كعدم سقوط الأجل لو أسقطه المديون ليصير الدّين حالا.

(3) كذا في بعض النسخ المصححة، و هو موافق لنصّ عبارة المقابس، فما في نسختنا من قوله: «فيجوز في الأوّل دون الثاني» لعلّه سهو من النسّاخ.

(4) مبتدء مؤخّر لقوله: «ففي اشتراط».

(5) قال في المقابس: «و الأوّل مقتضى الاحتياط، و الاقتصار على موضع اليقين في مخالفة الأصل، مع كون الغالب مطالبة صاحب الحق بحقه. و الثاني مقتضى الإطلاق. و الثالث طريق الجمع» «1».

و الحقّ دوران الجواز مطلقا مدار إطلاق دليل جواز البيع، فمع إطلاقه يجوز مطلقا، و بدونه لا بدّ من الاقتصار على المتيقن، و هو اعتبار مطالبة البائع.

(6) هذا فرع ثامن من فروع كون ثمن الأمة دينا على المولى، و محصّله: أنّه هل يشترط في جواز البيع عدم وجود من يتبرّع بأداء الدّين، أم لا؟ فصّل المصنف قدّس سرّه- كما في المقابس أيضا «2»- بين تسليم الثمن للبائع، فيسقط الدين حينئذ و يصح بيعها، لانتفاء الموضوع و هو الدين. و بين تسليمه للمولى إن كان حيّا، أو للورثة إن كان ميّتا.

و في وجوب القبول وجهان، وجه الوجوب: احتمال اختصاص جواز البيع بصورة الاضطرار و العجز عن أداء الدين و لو بالتكسّب، و أنّ مجرّد عدم ملكية ما يقابل الدّين غير كاف في جواز البيع، فيجب حينئذ عليهم القبول لئلّا تباع أمّ الولد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 329

و لا يجوز بيعها (1). و إن سلّم (2) إلى المولى أو الورثة [1]، ففي وجوب القبول نظر (3).

______________________________

و وجه عدم الوجوب كون قبول الهبة- مقدمة لأداء الدين- منة لا يجب على المولى و لا على ورثته قبولها. و عليه فلا مانع حينئذ من تقدم حق الدائن و جواز بيع أمّ الولد.

(1) لسقوط الدين عن ذمة السيّد، و لا مجوّز لبيعها.

(2) تسليم ما يقابل الثمن إلى السيد أو وارثه يمكن أن يكون بعنوان الإباحة و البذل، و أن يكون بعنوان التمليك و الهبة. و الظاهر إرادة الهبة بقرينة توقفه على القبول، و تنظّره في وجوبه.

فلو كان التبرّع للسيّد بعنوان البذل أمكن القول بعدم جواز بيع أمّ الولد، لأنّ إباحة المال محقّقة لسلطنة المولى على أداء دينه، و المفروض كفاية هذا المقدار في أداء الدين، و عدم توقفه على الملك- بقبول الهبة مثلا- كتوقف جملة من الامور عليه كالبيع و الوقف و العتق. فلا حاجة إلى القبول حينئذ حتى يتكلم في وجوبه و عدمه.

(3) كما في المقابس أيضا، و لعلّ وجه الوجوب احتمال اختصاص جواز البيع

______________________________

[1] اورد عليه بعدم الوجه في الجمع بين المالك و الوارث في العنوان، سواء أ كان التبرع بذلا أم هبة. لأن المكلّف بوجوب التكسب مقدمة لأداء الدين هو المديون دون ورثته، و لا يجب عليهم تفريغ ذمة المورّث من أموالهم و لا مما أبيح لهم التصرف فيه، بل من أموال الميت، فلا يجب على الورثة قبول الهبة. و على تقدير القبول فهو- كما لو كان التبرع بذلا- كسائر الأموال التي يملكون التصرف فيها.

و الحاصل: أن التنظر في وجوب القبول يتّجه بناء على كون التبرع هبة، و المتهب هو السيد لا الوارث «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 281؛ حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 185

ص: 330

و كذا (1) لو ارضي البائع باستسعائها في الأداء.

و لو (2) دار الأمر بين بيعها

______________________________

بصورة الاضطرار و العجز عن أداء الدين و لو بالتكسّب، و عدم كفاية مجرد عدم تملك ما يقابل الدّين في جواز البيع، فيجب حينئذ القبول لئلّا تباع أمّ الولد.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الإطلاق يدفع هذا الاحتمال، فلا يجب عليهم القبول. كما يمكن الالتزام بعدم وجوب القبول، لكونه منة لا يلزم تحمّلها، لما في قبول الهبة لكلّ أحد و من كلّ أحد مهانة و نقص يوجب الحرج المنفي شرعا.

(1) يعني: ففي جواز البيع نظر، و هذا فرع تاسع، و هو ملحق حكما بالفرع الثامن. و محصله: أنّه لو أرضى السيد أو الورثة- أو ثالث- البائع بأن تسعى أمّ الولد و تكتسب لتوفي ثمنها، فهل يجوز للسيد أو الورثة بيعها، من جهة صدق عدم وجود مال فعلا يؤدّى به الدين؟ أم يجب الاستسعاء ما دام البائع راضيا بتأخر تسلم الثمن. و لعلّ وجهه انصراف دليل جواز البيع عن هذه الصورة التي لا مطالبة لذي الحق فعلا و إن جازت له.

(2) هذا فرع عاشر، و محصله: أنّه لو دار الأمر في بيعها في ثمن رقبتها بين أن يشتريها أبوها أو أخوها أو ابن أخيها أو غيرهم ممّن تنعتق أمّ الولد عليه قهرا، و بين أجنبي، فتبقى رقّا إلى أن تتحرر من نصيب ولدها من الإرث، ففي تقديم الأوّل، أو التخيير بينه و بين الأجنبي، و جهان.

وجه الوجوب- كما في المقابس- أمران: أحدهما: تغليب جانب الحرية، و حصول الانعتاق الذي هو الغرض الموجب لمنع بيعها.

ثانيهما: الجمع بين الحقين أي حق البائع المستحقّ للثمن. و حق أمّ الولد للتحرّر.

و وجه عدم الوجوب إطلاق الرواية المجوّز لبيعها إن لم يجد ما يؤدّي به الثمن.

و يجري الوجهان لو كان المشتري أجنبيا، و دار الأمر بين بيعها منه بشرط أن يعتقها، و بين بيعها منه مجرّدا عن الشرط.

ص: 331

ممّن ينعتق (1) عليه، أو (2) بشرط العتق، و بيعها (3) من غيره (4)، ففي وجوب تقديم الأوّل و جهان (5).

و لو (6) أدّى الولد ثمن نصيبه

______________________________

(1) كذا، و الصواب «تنعتق».

(2) أي: من لا تنعتق أمّ الولد عليه قهرا من الأصناف الأحد عشر، فالمراد كون المشتري أجنبيّا دائرا بين شخصين، أحدهما يشتريها بشرط أن يعتقها، و الثاني يأبي الشرط المزبور.

(3) معطوف على «بيعها» أي: و بين بيعها.

(4) أي: غير من ينعتق عليه و غير من يرضى شرط العتق، فتبقى أمّ الولد عنده رقّا.

(5) لكن احتمل في المقابس تفاصيل في المسألة، قال قدّس سرّه: «ففي وجوب البيع عليه- أي على من ينعتق أو من يقبل شرط الإعتاق- دون غيره به، و ممّن لم يكن كذلك، أو التخيير بينهما، أو التفصيل بين ما إذا اشتراه بما يشتريه به غيره، و ما إذا كان بأقلّ منه، فيتعيّن في الأوّل دون الثاني. أو- أي يفصّل- بين ما إذا كان البائع المولى أو الورثة، أو بينهم أيضا بين ما انحصر الوارث في الولد، و ما إذا شاركه غيره ممّن لا ينعتق عليه. أو بين حصصهم في هذه الصورة، فيجب على الولد أن يبيع على من ينعتق عليه إن أمكن، و لا يجب على غيره، إشكال» «1».

(6) هذا فرع حادي عشر، و هو مفروض في موت السيّد و بقاء ثمن أمّ الولد في ذمته، و انتقال أمواله إلى ورثته، و لكن لم يف نصيب ولدها بالدين، كما إذا كان ثمنها مائة دينار، و نصيب الولد من التركة خمسين دينارا، فأدّاها إلى البائع أو من يقوم مقامه، و بقي نصف ثمنها دينا، فينعتق منها نصفها، و يتوقف تحرّر جميعها على ما ذكروه في باب العتق بالسراية، و هو: أن الولد إن كان موسرا- أي له مال غير

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75

ص: 332

انعتق (1) عليه، و حكم الباقي يعلم من مسائل السراية (2).

______________________________

ما ورثه من أبيه- انعتق تمامها، و يقوّم عليه نصيب الباقي. و إن كان معسرا سعت في باقي ثمنها، فإن أدّته انعتق نصيب سائر الورثة منها.

ثم إنّ وجه ربط هذا الفرع بفروع بيع أمّ الولد في ثمن رقبتها هو حصول التعارض بين دليلين.

أحدهما: ما دلّ على انتقال التركة بمجرد الموت إلى الورثة.

و ثانيهما: ما دلّ على انعتقا هذه الأمة على الولد بالملك لإرث كان أو غيره.

و حيث إنّ صحيحة عمر بن يزيد- من جواز بيعها في الدين- ناظرة إلى صورة موت المولى، و انتقالها بالإرث، فلا بدّ من تخصيص إحدى القاعدتين بالاخرى، إمّا بالالتزام بأنّ ما ينتقل إلى الوارث غير الجارية المستولدة التي بقي ثمنها، فتنعتق. و إمّا بالالتزام باختصاص انعتاق أمّ الولد بصورة استقرار الملك بالإرث، و هو بعد أداء الدين، غاية الأمر أنّ سائر الديون لا تمنع من استقرار الإرث، بخلاف ثمن رقبتها.

و الظاهر تخصيص قاعدة الانعتاق، لما دلّ على جواز بيعها في الثمن.

و بهذا يتّجه ما في المتن من أنّه لو أدّى الولد نصيبه انعتقت عليه بمجرد الأداء، إذ المخصّص لقاعدة الانعتاق هو جواز بيعها لوفاء الثمن، فإذا أدّى ثمن نصيبه ارتفع الموضوع- و هو الدين بمقدار نصيبه- فلا يجوز البيع. فتبقى قاعدة الانعتاق بلا مانع، و ينعتق باقيها بما ذكروه في باب السراية.

(1) كذا في النسخ، و الأولى «انعتقت» و في المقابس «انعتق نصيبه» فيتجه بناء الفعل للمذكّر.

(2) قال المحقق قدّس سرّه: «و إذا ملك شقصا ممّن ينعتق عليه، لم يقوّم عليه إن كان معسرا. و كذا لو ملكه بغير اختياره» «1». و قال في عتق شقص العبد المشترك: «قوّم عليه إن كان موسرا، و سعى العبد في فكّ ما بقي منه إن كان المعتق معسرا» «2».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 3، ص 113

(2) المصدر، ص 111

ص: 333

و لو أدّى (1) ثمن جميعها، فإن أقبضه البائع فكالمتبرع (2). و إن كان (3) بطريق الشراء، ففي وجوب قبول ذلك (4) على الورثة نظر (5)، من الإطلاق (6)،

______________________________

(1) أي: الولد، و هذا هو الفرع الثاني عشر، و مفروضه موت المولى و بقاء الثمن في ذمته، و انتقال التركة إلى الورثة. و المذكور في المتن- كالمقابس «1»- صورتان، فتارة يؤدّي ولد الجارية ثمنها إلى البائع تفريغا لما في ذمة أبيه، فيكون متبرعا بأداء دين أبيه، و لا ريب في منع بيع امّه حينئذ.

و اخرى يمضي إلى سائر الورثة، و يشتري منهم حصصهم من الامّ، كما لو كان الورثة عشرة، فاشترى الولد أنصبة التسعة منهم.

و هل يجب على الورثة بيعها من الولد لتنعتق عليه، أم يجوز الامتناع، فتكون كسائر التركة ملكا لهم، و يجوز لهم بيعها- من غير ولدها- في ثمن رقبتها؟ فيه و جهان، مقتضى إطلاق «بيعها في ثمنها» جواز الامتناع، فتباع من أجنبي مقدمة لوفاء الدين. و مقتضى الجمع بين حق الاستيلاد و الدّين وجوب بيعها للولد، فيؤدّي الورثة ثمنها بالعوض المأخوذ من ولدها.

(2) حيث تقدم في الفرع التاسع سقوط الدين بالتبرع، و عدم توقفه على القبول.

(3) معطوف على «فإن أقبضه» أي: و إن كان أداء الولد ثمن جميع امّه بطريق شرائها من إخوته و سائر الورثة- ليوفوا دين المورّث بما يأخذوه من الولد- ففي وجوب القبول نظر.

(4) أي: الشراء من الورثة.

(5) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي وجوب» و الجملة بتمامها جواب الشرط ل «و إن كان».

(6) هذا وجه عدم وجوب القبول على الورثة، و المراد به عدم تقييد «بيع الأمة في ثمنها» ببيعها من ولدها، فلا مانع من كون المشتري لها أجنبيّا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 75

ص: 334

و من الجمع (1) بين حقّي الاستيلاد و الدّين.

و لو امتنع (2) المولى من أداء الثمن من غير عذر، فلجواز بيع البائع لها

______________________________

(1) هذا وجه وجوب القبول، و تقدم بيانه آنفا.

(2) هذا هو الفرع الثالث عشر، و هو مبني على إلحاق الامتناع عن أداء الدين بعدم الأداء حتى يجوز بيعها لوفاء ثمنها. و حاصله: أنّه لو امتنع مولى الجارية من أداء ثمنها إلى البائع مع كونه موسرا، و انحصر طريق استيفاء حقّه في المقاصة، بأن يأخذ الجارية من مولاها و بيعها من آخر مقاصة، فهل يجوز له ذلك إمّا مستقلا و إمّا بالاستئذان من الحاكم، أو لا يجوز ذلك؟ استدل صاحب المقابس لكلّ من الجواز و المنع، ثم رجّح المنع.

أمّا وجه الجواز فامور:

الأوّل: تنزيل يسار المولى- مع الامتناع عن أداء الثمن- منزلة إعساره، فكما لا يمنع الغريم من استرداد عين ماله مع إعسار المديون، فكذا يجوز للبائع هنا.

الثاني: إطلاق بعض النصوص، كرواية عمر بن يزيد الثانية المجوّزة للبيع في ثمن الرقبة، بدعوى شمول إطلاقها لصورة وجود المال، إلّا إذا كان المولى موسرا غير ممتنع عن أداء الثمن، فيجوز البيع فيما عداه. و منه المقام، و هو امتناع المديون من الأداء من مال آخر.

الثالث: أنّ حق البائع مقدّم عند التزاحم- مع حق الاستيلاد- من جهة سبقه زمانا، لأنّ بناء المعاوضة على التقابض من الطرفين، و المفروض عدم قبض الثمن.

و أمّا وجه المنع فامور ثلاثة أيضا، و هي المنقولة في المتن عن المقابس:

الأوّل: أنّ الشارع اعتبر لأمّ الولد حقّا يمنع من بيعها، و من المعلوم عدم سقوط هذا الحق بامتناع المولى الموسر عن أداء ثمنها، و لٰا تَزِرُ وٰازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرىٰ، فينبغي إلزام المولى بالوفاء، لا بيع الجارية.

الثاني: ظهور الفتاوى في منع بيعها في هذه الحالة.

الثالث: أنّ أمّ الولد متشبثة بالحرية و إن لم يتحرر منها شي ء في حياة مولاها،

ص: 335

مقاصّة مطلقا (1)، أو مع إذن الحاكم وجه (2).

و ربما يستوجه (3) خلافه (4)، لأنّ المنع (5) لحقّ أمّ الولد، فلا يسقط بامتناع المولى، و لظاهر (6) الفتاوى، و تغليب (7) جانب الحرّية.

و في الجميع نظر (8) [1].

______________________________

فلو جاز بيعها بقيت على الرّقية. و حيث إن الشارع غلّب جانب الحرية لم يجز للبائع أخذها و بيعها من آخر للحصول على ثمنها.

هذا ما استدلّ به صاحب المقابس، و سيأتي مناقشة المصنف فيها.

(1) في قبال اشتراط جواز بيعها باستيذان الحاكم، فالمراد بالإطلاق استقلال بائع الجارية باستردادها و بيعها، سواء أذن الحاكم أم لم يأذن.

(2) و الدليل على هذا الوجه الامور الثلاثة، و قد تقدم بقولنا: «أما وجه الجواز فامور ...».

(3) المستوجه صاحب المقابس قدّس سرّه، لقوله: «و الأوجه المنع، عملا بظاهر الفتاوى ... الخ» «1».

(4) أي: خلاف الجواز الذي لا يخلو من وجه.

(5) هذا أوّل الامور الثلاثة، يعني: لأنّ منع بيعها يكون لأجل حق الاستيلاد، فلا يسقط هذا الحق بامتناع المولى عمّا يجب عليه من إيصال الثمن للبائع.

(6) معطوف على «لأنّ المنع» يعني: أن قولهم: «أم الولد مملوكة لا يجوز بيعها» مطلق، يشمل ما لو امتنع المولى الموسر عن تسليم الثمن للبائع.

(7) معطوف على «ظاهر» أي: و لتغليب جانب الحرية.

(8) أمّا في الأوّل، فلعدم قيام حجة على اعتبار حقّ لأمّ الولد حتى يؤخذ

______________________________

[1] في النظر نظر، إذ موضوع جواز بيعها في ثمن رقبتها هو إعسار المولى،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 75- 76

ص: 336

و المراد بثمنها (1): ما جعل عوضا لها

______________________________

بإطلاق مانعيته عن نقلها إلى الغير بالبيع و شبهه، و إنّما ينتزع حقّها من النهي عن بيعها. و حينئذ فلو فرض إطلاق بعض النصوص- بحيث يقتضي جواز بيعها- لم يكن منشأ لانتزاع الحق حتى يقال بأنّ حقّها لا يسقط بامتناع مولاها عن أداء الثمن.

و أمّا في الثاني، فلأنّ الفتاوى إن بلغت حدّ الإجماع، فهو الحجة، و إلّا فلا حجة فيها.

مضافا إلى: أنها غير مسوقة لبيان عدم ترخيص البائع في بيعها، بل ناظرة إلى حكم المولى و منعه من نقلها عن ملكه.

و أمّا الثالث: فلأنّه اعتبار محض لا حجة عليه شرعا، مع أنّ مورد تغليب جانب الحرية هو ما لو تحرّر بعض المملوك، و المفروض في المقام عدم تحرر شي ء منها بعد.

(1) هذا هو الفرع الرابع عشر، و الغرض منه بيان ما يراد ب «الثمن» الذي يجوز بيع أمّ الولد مقدمة لوفائه، فأفاد قدّس سرّه: أنّ «الثمن» و إن كان ظاهرا في ما يقابل المثمن، فيختص بعقد البيع، و لا يشمل ما إذا كان انتقال الجارية إلى المولى بعقد آخر كالصلح المعاوضي، فلا يجوز بيعها حينئذ لأداء عوض الصلح إلى المصالح، إلّا أنّ

______________________________

فصورة إيساره مع الامتناع داخلة في صور المنع عن بيعها.

مضافا إلى: أنّ أدلة المقاصة لا تشرّع البيع فيما لا يجوز بيعه كأمّ الولد و الوقف، بل موضوعها ما يجوز فيه البيع.

نعم تعليل المقابس بالوجوه الثلاثة لا يخلو من العلّة، إلّا قوله: «و لظاهر الفتاوى» و إن كان فيه أيضا: أنّه إن لم يكن إجماعا لا يجدي، لعدم كونه حجة.

كما أنّ قوله في أدلة الجواز: «تنزيلا للإيسار مع الامتناع منزلة الإعسار» غير ظاهر، لعدم دليل على هذا التنزيل. و عصيان المولى لا يوجب سقوط حقّ الاستيلاد الثابت لأمّ الولد.

ص: 337

في عقد مساومتها (1) و إن كان صلحا.

و في إلحاق (2) الشرط المذكور في متن العقد

______________________________

المراد بالثمن ما جعل عوضا في العقد المعاوضي، إمّا لظهوره عرفا في مطلق العوض، و إمّا لمناسبة الحكم و الموضوع.

قال في المقابس: «و المعتبر في الثمن مقابلته بالأمة في عقد المعاوضة و إن كان صلحا و نحوه على الأشبه، لمساواة الجميع في المعنى المقتضي للبيع، و لقوله عليه السّلام: في فكاك رقابهن. فذكر البيع و الثمن في بعض النصوص و في الفتاوى محمول على الغالب» «1».

(1) و هي «المجاذبة بين البائع و المشتري على السلعة و فصل ثمنها» «2». لكن المراد به هنا المجاذبة بين المتعاوضين سواء أ كان العقد بيعا أم غيره.

(2) هذا هو الفرع الخامس عشر، و محصله: أنّه تقدّم جواز بيع أمّ الولد في ثمنها لو كان في ذمة المولى و لم يكن له مال يفي به. و هل يجوز البيع لو أدّى الثمن أو كان له مال يفي به، و لكن شرط بائع الجارية- في العقد- على المشتري شيئا يحتاج الوفاء به إلى المال، و هو معسر لا مال له إلّا أمّ الولد، كما لو شرط الإنفاق على البائع سنة مثلا، فعجز عن الوفاء بما التزم به، بحيث توقف إنفاذه على بيعها، مقدمة للوفاء بالشرط، فيكون كجواز بيعها في ثمنها، أم لا؟

و بعبارة اخرى: هل يكون الشرط كالثمن في جواز بيعها أم لا؟

استشكل المصنف- وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما- في الإلحاق.

فوجه الإلحاق كون الشرط كالمبيع في أنّ له قسطا من الثمن، و معدودا جزءا منه، فالعجز عن الوفاء به كالعجز عن أداء الثمن، فيجوز بيعها، إن لم يكن «بيعها في ثمنها» منصرفا عنه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 76

(2) لسان العرب، ج 12، ص 310؛ مجمع البحرين، ج 6، ص 94

ص: 338

بالثمن (1)- كما إذا اشترط الإنفاق على البائع (2) مدّة معيّنة- إشكال (3).

و على العدم (4)، لو فسخ البائع، فإن قلنا بعدم منع الاستيلاد من الاسترداد

______________________________

و وجه عدم الإلحاق: عدم كون الشرط جزءا منه، لأنّ الثمن عبارة عمّا يقع تلو «باء» المقابلة، و الشرط و إن كان منشأ لتفاوت ما يبذل بإزاء العين، إلّا أنّه خارج عن الثمن، فلا يجوز بيعها حينئذ فيه، لعدم صدق «بيعها في ثمنها» عليه [1].

(1) متعلق ب «إلحاق الشرط» و المراد بالإلحاق جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط.

(2) متعلق ب «اشترط» يعني: اشترط البائع على المشتري للأمة: أن ينفق على البائع مدة.

(3) مبتدء مؤخر لقوله: «و في إلحاق» و تقدّم وجه الإشكال جوازا و منعا.

(4) يعني: و على عدم الإلحاق: لو فسخ البائع لأجل تخلف الشرط- بعد أن أولدها المشتري- فعلى القول بعدم منع الاستيلاد عن النقل، فلا مانع من الاسترداد بلا إشكال. و على القول بمنع الاستيلاد من الاسترداد و صيرورتها بالاستيلاد كالتالف انتقل إلى القيمة الفعلية سواء زادت عن ثمنها الذي اشتراها به أم نقصت عنه.

و الظاهر عدم جواز الاسترداد و إن قلنا بجواز بيعها في قيمتها، و ذلك لعدم صدق «بيعها في ثمنها» على بيعها للوفاء بالشرط، لما اشير إليه من عدم كون الشرط جزء للثمن حتى يصدق البيع في ثمنها عليه.

نعم، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين أمكن أن يقال بكشف ذلك عن ارتفاع مانعية الاستيلاد النقل، فيجوز استردادها حينئذ. و المسألة تحتاج إلى التأمل.

______________________________

[1] و هو الحق، فلا يجوز بيعها للوفاء بالشرط. و مع الشك في الصدق لا يجوز أيضا، لعموم المنع.

نعم، بناء على الإشكال في أصالة المنع يتمسك بما دلّ على جواز البيع من العمومات.

ص: 339

بالفسخ استردّت. و إن قلنا (1) بمنعه عنه فينتقل إلى القيمة.

و لو قلنا (2) بجواز بيعها حينئذ (3) في أداء القيمة، أمكن القول بجواز استردادها، لأنّ (4) المانع عنه (5) هو عدم انتقالها، فإذا لم يكن بدّ من نقلها لأجل القيمة، لم يمنع (6) عن ردّها إلى البائع، كما لو بيعت على البائع في ثمن رقبتها (7).

______________________________

(1) معطوف على «فإن قلنا» يعني: و إن قلنا بمنع الاستيلاد عن استرداد نفس الجارية، انتقل حق البائع إلى القيمة.

(2) هذا تتمة لقوله: «و على العدم» لا أنه مقابل له، و حاصله: أنّه لو فسخ ذو الخيار و قلنا بانتقال حقّه إلى القيمة، لا العين رعاية لحق الاستيلاد، و لم يتمكّن المولى من أداء القيمة إلا ببيعها، أمكن القول بجواز ردّ عينها إلى البائع و عدم تعيّن بيعها، و ذلك لوحدة المناط، إذ بعد جواز انتقالها عن المولى لا فرق بين نقلها إلى المشتري، ثم تسليم القيمة إلى البائع، و بين نقلها- ابتداء- إلى البائع ذي الخيار.

و امتناع استرداد عينها بالفسخ لا ينافي جواز استردادها وفاء للقيمة التي هي كالثمن. كما أنّ عدم جواز بيعها مقدمة للوفاء بالشرط- على ما تقدم في الفرع السابق- لا ينافي جواز بيعها في أداء القيمة.

و عليه فالمقام نظير جواز بيعها في ثمن رقبتها من البائع لا من أجنبي حتى يؤدّى ثمنها إلى البائع.

(3) أي: حين الالتزام بمنع الاستيلاد عن استرداد العين و الانتقال إلى القيمة.

(4) تعليل لإمكان القول بجواز استرداد العين، و تقدم بيانه آنفا.

(5) أي: عن استرداد العين.

(6) أي: لم يمنع الاستيلاد عن ردّ أمّ الولد إلى البائع.

(7) إذ بعد جواز بيعها في أداء ثمنها لا فرق بين أن يكون مشتريها هو البائع أو أجنبيا.

هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المنعقد لبيان حكم بيعها في ثمنها إن كان دينا على المولى.

ص: 340

هذا مجمل القول في بيعها في ثمنها.

و أمّا بيعها في دين آخر (1)، فإن كان مولاها حيّا، لم يجز إجماعا، على

______________________________

بيع أمّ الولد في دين آخر غير الثمن

(1) هذا هو المقام الثاني الذي أشرنا إليه في (ص 296) و هو حكم بيعها في ما إذا كان مولاها مديونا بمال آخر غير ثمنها، ذهب المصنف قدّس سرّه إلى المنع مطلقا، سواء اريد بيعها في حياة السيد أم بعد وفاته.

أمّا في حال الحياة فللإجماع عليه كما صرّح به صاحب المقابس- في الصورة الثانية من صور جواز بيعها- بقوله: «و هو- أي المنع- مجمع عليه بين الأصحاب.

و يدلّ عليه الأخبار السالفة» «1».

و أمّا بعد موته فلوجهين، أحدهما: استصحاب المنع الثابت حال الحياة.

و ثانيهما: إطلاق روايتي عمر بن يزيد. ففي الرواية الاولى- و هي صحيحته المفصّلة- سأل من الإمام عليه السّلام عن جواز بيع أمّهات الأولاد في دين آخر غير أثمان رقابهن، فنفى عليه السّلام ذلك. قال في المقابس: «و هذا السؤال و جوابه كالنّص في عدم جواز بيعها في أداء غير الثمن من الديون بعد موته و إن استغرقت قيمتها» «2».

و في الرواية الثانية سأل منه عليه السّلام عن جواز بيعهن في الدين، فخصّ عليه السّلام الجواز بما إذا كان الدين ثمن رقابهن، و من المعلوم دلالة مفهوم القيد- أو الحصر- على منع بيعهن في مطلق الدين، و أنّ المستثنى من حرمة البيع هو خصوص ما ورد في المنطوق، هذا.

و عليه فالدليل واف بإثبات منع البيع، لكن ذهب بعض الأصحاب إلى الجواز كما سيأتي.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77

(2) المصدر، ص 78

ص: 341

الظاهر المصرّح به في كلام بعض (1).

و إن كان بيعها بعد موته، فالمعروف (2) من مذهب الأصحاب المنع أيضا، لأصالة (3) بقاء المنع في حال الحياة، و لإطلاق روايتي عمر بن يزيد المتقدمتين منطوقا و مفهوما (4). و بهما (5) يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز

______________________________

(1) و هو صاحب المقابس كما تقدم كلامه آنفا.

(2) كما في المقابس أيضا «1». لكنه قدّس سرّه نقل خلاف جماعة، كما سيأتي في المتن أيضا.

(3) كما في المقابس أيضا، و المراد به الاستصحاب، لا القاعدة الكلية التي استفادها المصنف قدّس سرّه من الإجماع و النصوص- كما زعمه بعض- و ذلك لمنافاة إرادة هذه القاعدة لتعبير المصنف بالبقاء، و لأنّ شمول القاعدة لحالتي الموت كشمولها لحال الحياة في عرض واحد.

(4) إطلاق المنطوق في صحيحته، و إطلاق المفهوم في روايته الثانية.

(5) أي: و بإطلاق المنطوق و المفهوم في روايتي ابن يزيد يخصّص ما دلّ بعمومه على الجواز، و توضيحه: أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه ذهب إلى تقديم الدّين على الإرث بالإجماع و الآية الشريفة مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهٰا أَوْ دَيْنٍ و النصوص الكثيرة، و قال: «فإذا انتفى العتق الذي كان هو الغرض من منع المولى و الورثة من التصرفات- و ليس بعد موت المولى أمر يترقب للإعتاق- تعيّن جواز البيع، إذ الواسطة بينهما غير معقولة هنا، و هذا هو المدّعى».

ثم أيّد مقالته بمقطوعة يونس، و قال: «فقوله- و ليس على الميت دين- يدلّ على أنّه إذا كان على الميت دين لم يثبت الحكم المذكور، فيحمل على صورة استغراقه لقيمتها» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77

(2) المصدر، ص 78

ص: 342

ممّا يتخيّل (1) [1] صلاحيّته لتخصيص قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد،

______________________________

و محصله- أنّ قوله عليه السّلام في المقطوعة: «و إن كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد» جملة شرطية، مفهومها جواز بيعها لو كان على المولى دين مطلقا و لو في غير ثمنها. بل مقتضى إطلاق الدّين عدم الفرق بين مساواته لقيمة أمّ الولد و بين كونه أقلّ منه. لكن هذا الإطلاق يقيّد بصورة استغراق الدّين لقيمتها. و أما إطلاق الدّين لما إذا كان في ثمنها أو في دين آخر فباق على حاله. هذا ما في المقابس.

و ناقش المصنف فيه بأنّ النسبة بين إطلاق روايتي ابن يزيد و مفهوم هذه المقطوعة عموم مطلق، لدلالة مفهوم رواية يونس على جواز بيعها في مطلق الدين بعد موت المولى، و أنّها ليست لولدها حتى تنعتق عليه. و دلالة روايتي ابن يزيد على اختصاص جواز بيعها- بعد موت السيد- في ثمن رقبتها، و منع بيعها في غير ذلك من الديون، و من المعلوم اقتضاء الصناعة تقييد إطلاق مفهوم المقطوعة بالروايتين.

(1) لعل المتخيّل صاحب المقابس، و من يقول بجواز بيعها في كل دين، بناء على عدم انتقال تركة المديون إلى ورثته إلّا بعد الأداء.

______________________________

[1] التخصيص منوط بكون النسبة بينهما و بين مفهوم مقطوعة يونس- بعد فرض اعتبارها- أخص مطلقا. و ليس كذلك، لكون النسبة بينهما عموما من وجه، لأعميتهما من المقطوعة، لشمولهما للحياة و الموت، لأنّه مقتضى إطلاقهما كما رجّحه المصنف قدّس سرّه من شمولهما لحال الحياة أيضا، حيث قال في (ص 316): «فالأولى في الانتصار لمذهب المشهور أن يقال ...». و أخصيّتهما منها، لاختصاصهما بغير ثمن أمّ الولد. و أعمية المقطوعة منهما، لشمولها للثمن و غيره، و أخصيتها منهما، لاختصاصها بالموت. ففي مادة الاجتماع- و هو غير الثمن بعد الموت- يقع التعارض بينهما. فوجه تخصيص مفهوم المقطوعة بروايتي ابن يزيد- كما في الجواهر أيضا «1»- غير ظاهر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 377

ص: 343

كمفهوم (1) مقطوعة يونس: «في أمّ ولد ليس لها ولد، مات ولدها، و مات عنها صاحبها و لم يعتقها، هل يجوز لأحد تزويجها؟ قال (2): لا، لا يحلّ (3) لأحد تزويجها إلّا بعتق من الورثة. و إن كان لها ولد و ليس على الميّت دين فهي للولد. و إذا ملكها الولد عتقت بملك ولدها لها. و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيبه، و تستسعي في بقية ثمنها» «1».

خلافا (4)

______________________________

(1) يعني: مفهوم قوله عليه السّلام: «و إن كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد» لدلالته على أنّه لو كان للميت دين فليست للولد، بل لا بدّ من صرفها في أداء الدين.

(2) الظاهر أن القائل هو الإمام عليه السّلام، لعدم رواية يونس كلام غير المعصوم عليه السّلام.

(3) هذا تفصيل لجملة الجواب المحذوفة.

(4) حال لقوله: «فالمعروف» و عدل له، و هذا نقل القول المقابل للمشهور، و هو جواز بيعها بعد موت المولى في ديونه الاخرى غير ثمن رقبتها. قال في المبسوط:

«إذا كانت له جارية، و لها ولد، فأقرّ في حال مرضه بأنّ ولدها منه، و ليس له مال غيرها، فإنّه يقبل إقراره ... و الجارية تكون أمّ ولده. فإن كان عليه دين يحيط بثمنها تباع فيه بعد موته. و إن كان له مال غيرها قضي به الدين و جعلت في نصيب ولدها و تنعتق عليه ...» «2».

______________________________

فالمتعين نفي حجية المقطوعة، لعدم ثبوت كونها كلام المعصوم عليه السّلام. و الظن بكونه كلامه عليه السّلام لا يغني من جوع. فمقتضى روايتي ابن يزيد- مضافا إلى قاعدة المنع- عدم جواز بيعها في غير ثمنها في زمان موت المولى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 106، الباب 5 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 3

(2) المبسوط، ج 3، ص 14

ص: 344

للمحكيّ (1) عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ (2) مع استغراق الدّين. و الجواز ظاهر اللّمعتين (3) و كنز العرفان و الصيمري «1».

______________________________

هذا ما أفاده في بيع المبسوط. و لكنه قدّس سرّه خصّ في كتاب أمّ الولد جواز بيعها بما إذا كان الدّين ثمنها، لا سائر وجوهه «2». و صرّح ابن حمزة أيضا بجواز بيعها في مطلق الدين «3».

(1) قال في المقابس: «و حكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في المبسوط: أنّه جوّز البيع حينئذ إذا كان الدين مستغرقا للتركة ... الخ»، و لكن الموجود في الدروس المطبوع نسبته إلى ابن حمزة لا إلى الشيخ، فراجع «4».

(2) أي: حين كون المولى مديونا في غير ثمنها.

(3) ففي اللمعة و شرحها: «و سابعها: إذا مات مولاها، و لم يخلّف سواها، و عليه دين مستغرق، و إن لم يكن ثمنا لها، لأنّها إنّما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها، و لا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تعتق، و تصرف في الدّين» «5». خلافا لما في الدروس و المسالك من اختصاص جواز البيع بكون الدّين ثمنها «6».

و عليه فمراد المصنف قدّس سرّه بقوله: «و الجواز» هو ما اختاره في المبسوط من جواز البيع في الدين المستوعب للتركة. و ليس المقصود حكاية تفصيل آخر عن الشهيدين و غيرهما قدّس سرّهم- بين استغراق الدين و عدمه- لتكون الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأوّل: المنع مطلقا، و هو للمشهور.

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ غاية المرام (مخطوط) ج 1، ص 280

(2) المبسوط، ج 6، ص 185

(3) الوسيلة، ص 343 و في الحجرية من الجوامع الفقهية، ص 764

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 77؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 223

(5) الروضة البهية، ج 3، ص 258

(6) الدروس، ج 2، ص 223؛ مسالك الأفهام، ج 8، ص 47، و ج 10، ص 528

ص: 345

و لعلّ وجه تفصيل الشيخ: أنّ (1) الورثة لا يرثون مع الاستغراق، فلا سبيل (2) إلى انعتاق أمّ الولد الذي (3) هو الغرض من المنع عن بيعها.

و عن نكاح المسالك: أنّ الأقوى (4) انتقال التركة إلى الوارث

______________________________

و الثاني: الجواز في غير الدين مطلقا و إن لم يكن مستغرقا.

و الثالث: الجواز في غير ثمنها من الديون إن كانت مستغرقة.

و الحاصل: أنّ في المسألة قولين، و مصبّ الجواز و المنع هو استغراق الدين في غير ثمنها. و ذلك لما جعله المصنف قدّس سرّه مقسما في أوّل موارد الاستثناء، حيث قال:

«و من موارد القسم الأوّل: ما إذا كان على مولاها دين، و لم يكن له ما يؤدّي هذا الدين» لظهوره في كون محل البحث هو الدين المستوعب لقيمة أمّ الولد.

(1) خبر «لعلّ» و تقدم في (ص 342) نقل هذا الوجه عن المقابس، فالمنع و الجواز في هذا المورد مبني على مسألة الإرث، من أنّ مقتضى تأخّره عن الوصية و الدين هل هو منع انتقال التركة إلى ورثة المديون، أم أنه لا يمنع من الانتقال، و يتخير الورثة- في الوفاء- بين الدفع من التركة أو من غيرها؟ هذا.

فما ذهب إليه شيخ الطائفة قدّس سرّه- من جواز بيعها في الدين المستغرق لقيمتها- مبني على عدم الانتقال، كما وجّهه به الشهيد الثاني قدّس سرّه «1».

(2) يعني: مع استغراق الدين للتركة لا تنتقل إلى الورثة حتى يقال بانعتاقها من نصيب ولدها، لفرض تقدم الدين على الإرث.

(3) صفة ل «انعتاق».

(4) كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه مؤلّف من امور:

الأوّل: أنّ التركة تنتقل إلى الورثة مطلقا حتى لو كان على الميت دين مستوعب لها، و هذا موافق للمشهور و مخالف للشيخ قدّس سرّه.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 8، ص 47

ص: 346

..........

______________________________

الثاني: حجر الوارث عن التصرف في التركة إمّا مطلقا، و إمّا فيما يقابل الدين، و هذا حكم كلّي الدين، و لا ينطبق على المقام أعني به استغراق الدين قيمة أمّ الولد، و ذلك لفرض الانعتاق بمجرد الإرث، فلا يبقى مجال للمنع عن التصرف رعاية لحقّ الدّيّان.

الثالث: أنّ أمّ الولد تنعتق من نصيب ولدها، لانتقالها إليه، و انعتاقها عليه بمجرد تملكه لها.

الرابع: أنّ الواجب على الولد تقويم نصيبه من امّه، و دفعه للدّيان، و لا يجب دفع قيمة ما ينعتق منها بالسراية فيما زاد على نصيبه من مجموع التركة.

و قد أوضح قدّس سرّه مورد العتق بالسراية قبل العبارة المنقولة في المتن، و أنّه يكون تارة على عهدة الولد، كما إذا كان نصيبه من مجموع التركة يفي بقيمة ما زاد على نصيب الولد من امّه، فيرد النقص على حصته من سائر الأموال. كما إذا خلّف الميت أمّ الولد- و قيمتها مائة دينار- و خمسمائة دينار، و انحصر الوارث في ولدها و أخ له من أبيه، فحصّة كل واحد ثلاثمائة دينار، فينعتق نصف الأمة من نصيب ولدها منها، و يسري العتق إلى الباقي، و يؤدّي الولد إلى أخيه خمسين دينارا من حصته من الخمسمائة دينار، و هي قيمة نصيبه من أمّ الولد.

و اخرى على عهدة الامّ، كما إذا لم يف نصيب ولدها من مجموع التركة بقيمة ما زاد على نصيبه من الامّ، كما إذا خلّف مولاها في المثال المتقدم خمسين دينارا، فحصة الولد من الام و الخمسين هو خمس و سبعون دينارا، و هو ينقص بخمس و عشرين عن قيمتها، فينعتق منها ثلاثة أرباعها، و يسري العتق إلى الربع الآخر، و يجب عليها السعي في قيمة الربع الأخير ليدفع إلى الوارث الآخر.

و لا بأس بنقل جملة مما في المسالك وقوفا على حقيقة الأمر، قال قدّس سرّه: «لا ريب أنّ مجرد الاستيلاد ليس سببا للعتق. نعم تتشبث به بالحرية، و إنّما تعتق بموت المولى، لأنّ ولدها ينتقل إليه منها شي ء، أو ينتقل جميعها إذا كان هو الوارث خاصة، فتنعتق

ص: 347

مطلقا (1)، و إن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدّين (2)، فينعتق نصيب الولد منها (3) كما لو لم يكن دين، و يلزمه (4) أداء قيمة النصيب من ماله «1».

______________________________

عليه ما يرثها منها ... و لو بقي منها شي ء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من التركة يفي به. و إلّا عتق بقدره. و لو عجز النصيب عن المتخلّف منها سعت فيه هي، و لا يلزم ولدها السعي فيه. و لا يسري عليه لو كان له مال من غير التركة، لما سيأتي إن شاء اللّه تعالى أنّ السراية مشروطة بالملك الاختياري، و ليس الإرث منه. و إنّما سرى عليه في باقي نصيبه من التركة لإطلاق النصوص الكثيرة:

أنّها تعتق من نصيبه من التركة، و إلّا لكان الأصل يقتضي أن لا يعتق عليه سوى نصيبه منها» «2».

ثم نقل عن نهاية الشيخ «وجوب السعي على الولد إن كان ثمنها دينا على مولاها و لم يخلّف غيرها» ثم نفاه بأصالة البراءة عن وجوب السعي عليه.

و قال فيما لو كانت الديون محيطة بتركة المولى: «ان الأقوى انتقال التركة إلى الوارث مطلقا» إلى آخر ما حكاه في المتن.

(1) يعني: سواء أ كان على الميّت دين مستوعب للتركة أم لم يكن. و هذا إشارة إلى الأمر الأوّل.

(2) هذا إشارة إلى الأمر الثاني، فيكون استغراق الدين نظير سائر موارد الحجر، من حيث عدم منافاته للملك.

(3) يحتمل رجوع الضمير إلى أمّ الولد، نظير ما إذا لم يكن دين. و يحتمل رجوعه إلى التركة، و هو مبنى رابع الوجوه المذكورة في المقابس، و سيأتي بعض الكلام فيه في (ص 356).

(4) أي: و يلزم الولد أداء قيمة نصيبه إلى الدّيّان، و هذا إشارة إلى الأمر الرابع.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 8، ص 47

(2) المصدر، ص 44

ص: 348

و ربّما ينتصر (1) للمبسوط على المسالك:

أوّلا (2): بأنّ المستفاد ممّا دلّ على أنّها تعتق

______________________________

(1) المنتصر للمبسوط هو المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث أورد على ما في المسالك بوجوه أربعة، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(2) هذا الإشكال ناظر إلى منع ما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه من لزوم تقويم نصيب الولد منها، و دفع القيمة إلى الديان.

و ملخص الإشكال: أنّ المستفاد من دليل انعتاقها من نصيب ولدها كون ذلك الانعتاق بدون تقويم عليه. و الكلام إنّما هو في حصص سائر الورثة منها، إذا لم يف نصيب الولد من جميع التركة بقيمة امّه، من أنّه تقوّم عليه أم تسعى هي في أداء قيمتها؟

و بعبارة اخرى: انّ مورد استغراق الدين خارج عن مفاد أدلة الانعتاق على الولد، توضيحه: أنّ دليل «انعتاقها ممّا يرثه ولدها من أبيه» ظاهر في أنّ الولد يستحقّها بالإرث مجّانا و بلا عوض، حيث إنّها تنتقل إلى الولد آنا و تنعتق عليه قهرا، كما هو مفاد مثل قوله عليه السّلام فيما رواه محمد بن قيس: «فإن كان لها ولد، و ترك مالا، جعلت في نصيب ولدها» «1». فلو توقف انعتاقها من نصيبه على بذل غرامة للغير كانت النصوص قاصرة عن إثبات هذا النحو من الانعتاق.

و على هذا، فإن لم يكن دين الميت محيطا بالتركة، انعتقت الامّ- كلا أو بعضا- بحسب نصيب ولدها من تركة أبيه.

و إن كان الدّين مستغرقا كما هو المفروض، و بنينا على انتقال التركة إلى الورثة- كما يلتزم به المشهور و الشهيد الثاني- منعنا عن اقتضاء هذا الانتقال للانعتاق على الولد. لما اشير إليه من اختصاص انعتاق الامّ على ولدها بالانتقال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1، و نحوه سائر أحاديث للباب.

ص: 349

من نصيب ولدها (1): أنّ (2) ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب من غير أن تقوّم عليه أصلا (3). و إنّما الكلام في باقي الحصص (4) إذا لم يف نصيبه من جميع

______________________________

إليه عن استحقاق، و عدم استتباعه للغرامة و العوض. فلا وجه لهذا النحو من الانعتاق، و لا مانع من بيعها حينئذ في الدين، و لا يبقى موضوع للتقويم على الولد.

فإن قلت: لا مانع من انتقالها إلى الولد، و انعتاق حصته منها، و لزوم دفع قيمة تلك الحصة إلى الديان، نظير ما ذكروه من التقويم على الولد و بذل قيمة حصص سائر الورثة إليهم على تقدير وفاء التركة بها.

قلت: مورد تقويم أمّ الولد على ولدها هو حصص سائر الورثة، كما إذا انتقلت، و لم يف نصيب الولد بقيمتها، فينعتق منها بمقدار نصيب الولد منها، و يسرى العتق إلى ما بقي منها رقّا، و يتعيّن بذل قيمة حصصهم إمّا على الولد و إمّا عليها بالسعي.

و على كلّ فليس مورد التقويم نصيب الولد منها ليجب دفع بدله إلى الغرماء.

و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين عدم انعتاقها على الولد، فيجوز بيعها في الدين، و بين أن تنعتق عليه مجانا. و لمّا كان الانعتاق المستلزم للتقويم و دفع البدل خارجا عن دليل انعتاق أمّ الولد، تعيّن الالتزام بعدم الانعتاق هنا و بيعها في الدين.

و بهذا يتجه ما ذهب إليه شيخ الطائفة قدّس سرّه من بيعها في الدين المستوعب، و يشكل ما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(1) مثل ما تقدم آنفا في معتبرة محمد بن قيس، و كذا في مقطوعة يونس المتقدمة في (ص 344) و غيرها.

(2) خبر قوله: «أن المستفاد» و ضمير «استحقاقه» راجع إلى الولد.

(3) مع أنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه حكم بالتقويم، حيث قال: «و يلزمه أداء قيمة النصيب ...».

(4) يعني: أنّ حصص سائر الورثة من أمّ الولد لمّا كانت في حد ذاتها مملوكة

ص: 350

التركة بقيمة امّه، هل تقوّم عليه، أو تسعى هي في أداء قيمتها؟

و ثانيا (1): بأنّ النصيب

______________________________

لهم- و لا موجب لانعتاقها عليهم قهرا، لعدم كونها أحد العمودين بالنسبة إليهم، و لا للعتق بالسراية كما في العتق الاختياري- فيقع الكلام في تقويمها على الولد، أو وجوب السعي عليها. و على كلّ فلا موجب لتقويم حصة الولد و دفع البدل إلى الديان كما في المسالك.

(1) هذا الإشكال راجع إلى الانتقال و أثره و هو الانعتاق على الولد، و حاصله: قصور أدلة الانعتاق من نصيب الولد عن شمولها للمقام بعد تسليم المبنى، و هو انتقال التركة في الدّين المستوعب إلى الورثة، فهنا مطلبان، أحدهما: تسليم المبنى، و ثانيهما: منع البناء.

أمّا الأوّل، فوجهه: التخلّص من محذور بقاء الملك بلا مالك، لعدم قابلية الميت للتملّك، و لا ريب في عدم تلقّي الدّيان التركة من الميت، فإمّا أن تبقى بلا مالك، و هو ممتنع، و إما من انتقالها إلى الورثة مع حجرهم عن التصرف.

و أمّا الثاني- و هو المتعين- فوجهه: أنّ الظاهر من «عتقها» من نصيب الولد» هو النصيب الفعلي لا الشأني، و من المعلوم إناطة فعليته و استقراره بإخراج الدين و الحقوق المتعلقة بأصل المال كالحج الميقاتي و الخمس و الزكاة و نحوها.

فلو خلّف الميت أموالا، و لزم صرفها في أداء الدين المحيط بها، لم يبق للولد نصيب من امّه كي تنعتق عليه، لا مجانا و لا بعوض من ماله، لفرض تأخر الإرث عن الدّين، فلا موضوع لأداء قيمة نصيب الولد إلى الديان.

و عليه، فإن اريد من «انتقال أمّ الولد إلى الولد» الانتقال المستقرّ، كان منافيا لتأخر الإرث عن الدين. و إن اريد من انتقالها إليهم انتقالها على حدّ سائر الأموال- مع الدين- فمثل هذا الانتقال غير المانع عن تعلق حق الديان به لا يمنع عن أداء

ص: 351

إذا نسب إلى الوارث (1)، فلا يراد منه إلّا ما يفضل من التركة بعد أداء الدين، و سائر ما يخرج من الأصل (2). و المقصود منه (3) النصيب المستقرّ الثابت، لا النصيب (4) الذي يحكم بتملّك الوارث له، تفصّيا (5) من لزوم بقاء الملك بلا مالك.

و ثالثا (6): أنّ ما ادّعاه من الانعتاق على الولد

______________________________

الدين به. و يتجه ما أفاده شيخ الطائفة قدّس سرّه من بيعها مقدمة لوفاء الدين.

و الفرق بين هذا الإشكال و سابقة: أنّ مقتضى الثاني عدم الدليل على أصل الانعتاق، و مقتضى الأوّل عدم الدليل على خصوصية كونه بعوض، لظهور الأدلة في كون الانعتاق لا مع بدل.

و بهذا الوجه أورد صاحب الجواهر أيضا على ما نقله عن الدروس، فراجع «1».

(1) كما إذا قيل: «إنّ نصيب الوارث من مجموع ما تركه الميت مائة دينار مثلا» فإنّ المقصود حصّته بالنسبة إلى ما يفضل من التركة بعد أداء الدين و سائر ما يخرج من الأصل.

(2) فقبل الإخراج يكون النصيب شأنيا، بمعنى أنه لو زاد شي ء على ما يخرج من الأصل كان مائة دينار.

(3) أي: المقصود من النصيب المنسوب إلى الوارث هو المستقر، فالانعتاق يكون من هذا النصيب، لا من النصيب الفرضي غير المشمول لدليل الانعتاق.

(4) معطوف على «النصيب المستقر».

(5) هذا وجه التزامهم بانتقال التركة إلى الورثة مطلقا و إن كان الدين مستوعبا لها، و تقدّم بيانه آنفا.

(6) هذا الإشكال متوجه أيضا إلى انتقال الامّ إلى الولد في فرض استغراق

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 34، ص 378

ص: 352

..........

______________________________

الدين للتركة، و جعله صاحب المقابس قدّس سرّه رابع الوجوه.

و محصّله: المنع من دعوى الانعتاق التي أفادها في المسالك مع كون الملك هنا غير مستقرّ من جهة تعلق حقّ الديان بالتركة، و ذلك لأنّ مستند هذه الدعوى:

إن كان ما دلّ على عدم ملك العمودين و انعتاقهما بمجرّد الملك، لقوله عليه السّلام:

«و أما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما» «1» ففيه: عدم شمول الدليل لهذا النحو من الملك غير المستقرّ، لظهوره في الملك المطلق الذي ليس متعلقا لحقّ الغير، لا كلّ ما يطلق عليه الملك و لو كان محجورا عن التصرف فيه كما في المقام، من جهة تعلق حق الدّيان به، و لذا لا يصح عتق غير أمّ الولد- كما لو ترك الميت عبدا أو أمة- لتعلق حقهم به. و لم ينهض دليل على كفاية مطلق الملك في الانعتاق، و لم ينصّ عليه الأصحاب.

بل يشهد لعدم كفايته أنّه لو وقف عبده على من ينعتق العبد عليه- كأبيه و امّه على تقدير تملكه له اختيارا أو قهرا- و قلنا بصحة هذا الوقف، لم ينعتق العبد على الموقوف عليه و إن انتقل إليه، بناء على ترتب الملك على الوقف الخاص.

و الوجه في عدم انعتاقه على الموقوف عليه تعلق حق الغير من الواقف و الموقوف عليه و البطون به. و من المعلوم عدم الفرق- في عدم كفاية مطلق الملك للانعتاق- بين تعلّق حق الوقف بالمملوك الموقوف و بين تعلق حقّ الدّيّان بامّ الولد.

و إن كان مستند هذه الدعوى دليل انعتاقها من نصيب ولدها، ففيه ما تقدم في الوجه الثاني من ظهور «النصيب» في ما زاد على الدّين.

فالمتحصل: أنّه إمّا أن لا تنتقل أمّ الولد- مع فرض استيعاب الدين- إلى الولد انتقالا تامّا مستقرا، فلا انعتاق حينئذ، و لا مانع من بيعها في الدين. و إمّا أن يكون هناك انتقال تام مصحّح للانعتاق، و لكنّه مناف لكون الإرث المستقرّ متأخرا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 10، الباب 7 من أبواب العتق، الحديث: 6

ص: 353

بمثل هذا الملك (1) ممّا (2) لم ينصّ عليه الأصحاب، و لا دلّ (3) عليه (4) دليل معتبر (5). و ما يوهمه (6) الأخبار و كلام الأصحاب من إطلاق الملك، فالظاهر (7) أنّ المراد به غير (8) هذا القسم، و لذا (9) لا يحكم بانعتاق العبد الموقوف على من ينعتق عليه (10، بناء (11) على صحة الوقف و انتقال الموقوف إلى الموقوف عليه.

و رابعا (12):

______________________________

عن الدين.

(1) و هو الملك المقرون بالحجر عن التصرف.

(2) خبر «أن ما ادعاه».

(3) لانصراف الدليل إلى الانعتاق من نصيب الولد بما أنّه ملك تامّ و مستقرّ.

(4) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى الانعتاق على الولد.

(5) فكيف يدّعى كفاية هذا الملك في الانعتاق؟

(6) يعني: أنّ كلمة «الملك» في «إذا ملكوا» أو «تنعتق من نصيب الولد» و إن كانت موهمة لإرادة مطلق الملك و لو المحجور من التصرف فيه، و لكنها ظاهرة في الملك المستقر، و لا يراد به الأعم منه و من المحجور المشرف على الزوال لتعلق حق الديان به.

(7) خبر «و ما» و دخول الفاء عليه لتضمن الموصول معنى الشرط.

(8) أي: غير ما تعلّق به حق الدّيان.

(9) أي: و لأجل إرادة الملك المطلق لا يحكم ...، و تقدم توضيح هذا الشاهد بقولنا: «بل يشهد لعدم كفايته أنّه ...».

(10) فلو انعتق على الموقوف عليه لزم من وجوده عدمه، و هو محال، فيلزم بطلان الوقف بالانعتاق.

(11) فلو قيل ببطلان هذا الوقف لم يتم الاستشهاد بهذا الفرع للمقام.

(12) جعله صاحب المقابس قدّس سرّه ثالث الوجوه، و هو ناظر إلى تقويم نصيب

ص: 354

أنّه يلزم [1] على كلامه أنّه متى كان نصيب الولد من أصل التركة بأجمعها

______________________________

الولد، و حاصله: أنّ مقتضى كلام المسالك- من أداء قيمة النصيب من ماله إلى الدّيان- أن يخسر الولد تمام قيمة امّه أو بعضها لهم، و انعتاقها عليه في صور ثلاث.

و وجه اللزوم انعتاقها في ملك الولد مع استغراق الدّين، إذ المفروض انتقال التركة إلى الوارث، و بانتقالها إليه ينعتق نصيب الولد من امّه. فلو لم يكن الدين محيطا بالتركة كان انتقالها إليه و انعتاقها عليه أولى.

و الصور الثلاث التي أدرجها المقابس في هذا الوجه الرابع هي:

الاولى: أن يساوي نصيب الولد من مجموع التركة تمام قيمة امّه. و هذا يكون تارة مع استغراق الدين، كما إذا كانت التركة مأتي دينار و كذا الدين، و كان الوارث ولد هذه الأمة و ابنا من غيرها، و كانت قيمة أمّ الولد مائة دينار، فإنّ نصيب ولد الأمة- و هي المائة- يساوي قيمة امّه.

و اخرى بدون استغراق الدين للتركة، كما إذا فرض الدين في المثال مائة دينار.

و نصيب الولد في الفرضين يستوعب قيمة الأم، مع زيادة نصيبه على القيمة فيهما قبل الدين، و نقصان نصيبه عن قيمتها بعد أداء الدين في الفرض الأوّل.

فإن كان الدين مستغرقا انعتق الامّ من نصيب الولد، و يغرم قيمتها للديان، فترد عليه الخسارة، لأنّه يغرم القيمة من ماله الشخصي.

______________________________

[1] التعبير باللازم مسامحة- لأنّ صاحب المسالك صرّح بالانعتاق و التقويم في الدين المستوعب، لا أنّه لازم كلامه. فلعلّ إشكال المقابس عليه هو: أنّ الانعتاق مع تغريم الولد قيمة نصيبه للديان ممّا لا قائل به، و لا ممّا قام عليه دليل، و إلّا فأصل الانعتاق مما ذهب إليه الشهيدان في اللمعتين و الصيمري و السيوري قدّس سرّهم.

و بعبارة أخرى: التعبير باللزوم منوط بكون الصور الثلاث المذكورة في الإشكال الرابع خارجة عن مورد كلام المسالك حتى يتجه جعل التقويم على الولد

ص: 355

..........

______________________________

و إن كان الدين غير مستوعب للتركة- ككون الدين في المثال المزبور مائة دينار- انعتقت الامّ من نصيب الولد، و هو المائة التي هي نصف التركة، فتقوّم عليه، و لا يرث من سائر التركة، فلا يغرم في هذه الصورة من ماله الشخصي شيئا.

الثانية: أن يكون نصيب الولد في الدين غير المستغرق- بعد إخراج الديون و الوصايا- مساويا لقيمة أمّ الولد، كما إذا كانت التركة ثلاث مائة دينار، و كان الدّين مائة دينار، و الوارث هذا الولد و ولدا آخر من امرأة اخرى، فإنّ نصيب الولد بعد إخراج الدين عن مجموع التركة يكون مائة دينار، و هي تساوي قيمة الامّ كما لا يخفى.

______________________________

فيها من لوازمه. فلو كانت مندرجة فيه فلا لازم و لا ملزوم في البين.

و قد يبنى ورود الإشكال و عدمه على ما يراد من مرجع الضمير في عبارة المسالك المنقولة في المتن، و هي «فينعتق نصيب الولد منها».

فإن اريد به التركة بأن يكون مقصود الشهيد الثاني قدّس سرّه قياس صورة استغراق الدين على ما لم يكن دين، لأنّه لو لم يكن دين انعتق على الولد نصيبه من جميع التركة على ما صرّح به في عبارته المنقولة في (ص 335) فإذا انعتقت على الولد اتّجه عليه الإشكال الذي حاصله:

أنّه لو قلنا بانعتاق أمّ الولد في جميع الصور، فإنّما هو من جهة عدم قابلية أمّ الولد لأن تكون مخرجا للدّين. و أمّا سائر التركة فلا مانع من أن تكون مخرجا للدين.

مع أنّ مقتضى التزام المسالك «بأنّه يقوّم عليه مقدار قيمة النصيب من ماله» هو انعتاق أمّ الولد في جميع الصور- حتى في غير الدين المستغرق- من نصيب الولد من التركة، فلا يكون شي ء مما يرثه من التركة مخرجا للدين، بل إنّما يقوّم عليه بمقدار سهمه من الدين الذي لو لا أمّ الولد لكان للوارث أن يؤديه من عين التركة، و لو امتنع لكان للديان أخذه منها. و هذا مما لا يقول به الأصحاب، و ممّا ينبغي

ص: 356

..........

______________________________

أو أقلّ من قيمة الامّ، كما إذا كان الدّين في المثال مائتي دينار، فإنّ نصيب الولد- بعد إخراج هذا الدين- خمسون دينار، و هي نصف قيمة امّه، فيغرم حينئذ من ماله الشخصي خمسين دينارا لأخيه.

ثم إن هذه الصورة بقسميها من أقسام صورة عدم استغراق الدين للتركة، و ليست مستقلة و في قبال الصورة الاولى كما لا يخفى.

الثالثة: أن يكون نصيب الولد من أصل التركة مساويا لنصف قيمتها أو ثلثها أو أزيد أو أقل، كما إذا كان التركة مائة و عشرين دينارا، و قيمة الامّ تسعين دينارا، مع استغراق الدّين، و كون الوارث كالمثال السابق، فإنّ نصيب الولد من مجموع التركة يساوي ستين دينارا، و هي ثلثا قيمة امّه، فينعتق ثلثاها، و يغرم ستين دينارا للديان، فيبقى باقي الدين على الامّ فإنها- لانعتاقها بالسراية- تسعى في ربع الدين، و هو ثلاثون دينارا، و على الولد الآخر أيضا ثلاثون دينارا.

______________________________

القطع ببطلانه، سواء قيل بالتقويم على الولد أم قيل بسعي الام فيه.

و إن أريد به أمّ الولد لم يرد عليه الإشكال. و الظاهر ذلك، لأن الشهيد الثاني قدّس سرّه بصدد بيان عدم مانعية إحاطة الدين بالتركة عن انتقالها إلى الوارث، غاية الأمر يجب دفع ما قابل سهمه ممّن ينعتق عليه إلى الدّيّان جمعا بين الحقين. و هذا لا يلازم التقويم عليه في جميع الصور حتى مع عدم إحاطة الدين بالتركة، و لا يلازم القول بانعتاق الأمّ على الولد بمقدار تمام نصيبه من التركة.

و لو فرض رجوع ضمير «منها» إلى التركة حتى يكون مختاره انعتاق الامّ على الولد بمقدار نصيبه من التركة لم يرد الإشكال على المسالك، لظهور كلامه فيما لم يكن دين على الميت، فلو كان عليه دين لم يظهر منه ذلك، فله أن يلتزم بانعتاقها عليه بمقدار نصيبه من تمام التركة، أو بمقدار نصيبه من الامّ. فراجع «1».

______________________________

(1) منية الطالب، ج 1، ص 364- 365

ص: 357

يساوي قيمة أمّه تقوّم (1) عليه، سواء كان هناك دين مستغرق أم لا، و سواء كان (2) نصيبه الثابت في الباقي (3) بعد الديون و نحوها (4) يساوي قيمتها أم لا.

و كذلك (5) لو ساوى نصيبه من الأصل نصفها أو ثلثها أو غير ذلك (6)، فإنّه يقوّم نصيبه عليه (7) كائنا ما كان، و يسقط من القيمة

______________________________

(1) أي: تقوّم الامّ على ولدها، و هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و تقدم توضيحها، و أنّها تفرض تارة مع استغراق الدين للتركة، و اخرى بدونه.

(2) هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و ضمير «نصيبه» راجع إلى الولد.

(3) المراد من الباقي باقي التركة، أي ما عدا أمّ الولد.

(4) مما يخرج من الأصل كمئونة التجهيز و الكفن.

(5) يعني: و تقوّم على الولد لو ساوى ...، و هذا إشارة إلى الصورة الثالثة، و هي تتصور تارة مع استغراق الدين، كما عرفت، و اخرى بدونه، كما إذا كان الدين ستين دينارا مع كون التركة مائة و عشرين دينارا، و قيمة أمّ الولد تسعين دينارا، فإنّ نصيب الولد- و هو ما يساوي ستين دينارا من التركة- ثلثا قيمة الامّ، فينعتق ثلثاها، و عليه ثلاثون دينارا للدّيّان، و على الامّ أن تسعى للديان في ثلثها، و هو ثلاثون دينارا. و باقي التركة- و هو الثلاثون- للولد الآخر.

(6) كالربع و الخمس، بحسب نصيب كل واحد من الورّاث.

(7) أي: يقوم نصيب الولد على الولد ربعا كان النصيب أم ثلثا أم نصفا.

______________________________

لكن الظاهر رجوع الضمير إلى التركة، لكون عبارة المسالك مسوقة لبيان انعتاق الام على الولد لو وفت حصته من مجموع التركة بقيمة امّه، لا انعتاق خصوص نصيبه منها، كما يشهد به عبارته المفصّلة المنقولة في (ص 335).

و أمّا ما أفاده الميرزا قدّس سرّه أخيرا من ظهور عبارة المسالك في ما لم يكن دين على الميّت، فلم يظهر وجهه بعد صريح قوله: «على تقدير استغراق الدين» و هو أعلم بما قال.

ص: 358

نصيبه (1) الباقي الثابت- إن كان له نصيب (2)- و يطلب (3) بالباقي (4). و هذا (5) مما

______________________________

(1) يعني: فيما إذا لم تكن التركة منحصرة بامّ الولد، فإنّ امّه تقوّم عليه، و يسقط من القيمة نصيبه من سائر التركة. فإن ساوى نصيبه منها القيمة فلا يغرم شيئا، كما إذا كانت التركة مأتين و أربعين دينارا، و الدّين ستين دينارا، فإنّ الولد لا يغرم من ماله الشخصي شيئا، لأنّ نصيبه من جميع التركة مائة و عشرون دينارا، و قيمة الام تسعون دينارا، فتنعتق كلّها من نصيب ولدها، و يسقط من قيمتها حصّتها من سائر التركة، و يصرف ما زاد من سهمه من بقية التركة على قيمتها- و هو الثلاثون- في دين الميت، و الولد الآخر يوفي أيضا باقي الدين أعني الثلاثين.

و بالجملة: فتنعتق الامّ كلّها في هذا المثال، و يسقط نصيب ولدها الثابت في بقية التركة من قيمة الامّ، و لا يطالب بشي ء في وفاء الدين، إذ المفروض بقاء ما يساوي نصف الدين من التركة للولد. و إن لم يكن له نصيب، كما إذا انحصرت التركة في أمّ الولد، فإنّ نصيبه منها- و هو النصف- يقوّم عليه بخمسة و أربعين دينارا، و يطالب بتمام هذه القيمة للدّيّان، و ليس له نصيب من غير الام حتى يسقط نصيبه الثابت فيه من الخمسة و الأربعين.

(2) كما عرفت في هذا المثال.

(3) كذا في النسخ، و الاولى «يطالب» أو «يطالبه» كما في المقابس، و المطالب هم الديان.

(4) كما عرفت في مثال كون التركة مائة و عشرين دينارا، و الدّين ستين دينارا، فإنّ الولد يضمن حينئذ ثلاثين دينارا للدّيان، لكون قيمة نصيبه من التركة- و هو النصف- ستون دينارا، فيسقط من الستين خمسة عشر دينارا، لأنّها نصيبه من غير الام من سائر التركة، و يطالب للديّان بخمسة و أربعين دينارا كما لا يخفى.

(5) أي: الانعتاق القهري على الولد- مع الضمان و غرامة قيمة نصيبه- ممنوع، لمخالفته للإجماع.

ص: 359

لا يقوله أحد من الأصحاب، و ينبغي القطع ببطلانه «1».

و يمكن دفع الأوّل: بأنّ المستفاد (1)

______________________________

فملخّص هذا الإشكال على المسالك: أنّ الانعتاق القهري مع الضمان و غرامة الولد لقيمة ما ينعتق عليه من الام ممّا لم يقل به أحد إلّا الشيخ في الخلاف، مع أنّه رجع عنه في المبسوط، بل نسب إليه أنّه لم يقل بذلك إلّا في الدين غير المستغرق، فقال: إنّه يجب على الولد فك الباقي من ماله بعد بذل ما قابل سهمه الذي ورثه من الميت، و وافقه على ذلك ابن حمزة. و المستند الخبر المذكور في باب الاستيلاد.

و الحاصل: أنّ ملخّص الإشكالات الأربعة الراجعة إلى كلتا دعويي المسالك:

- من انعتاقها من نصيب الولد، و من تقويمها عليه و أخذ قيمتها منه- هو: أنّ المراد بالنصيب الذي تنعتق به الامّ هو النصيب الزائد على الدّين، لأنّه الظاهر من النصيب.

و هذا حاصل الإشكال الثاني.

كما أنّ المراد بالملك الذي انيط به العتق في ملك العمودين و غيره هو الملك الطّلق، لا مطلق الملك، و إن لم يكن طلقا. و هذا محصّل الإشكال الثالث. فهذان الإشكالان يمنعان الدعوى الاولى، فإن تمّا جاز بيع أمّ الولد كما عن الشيخ قدّس سرّه.

كما أنّ الإشكال الأوّل و الرابع يمنعان الدعوى الثانية أعني بها التقويم على الولد، و ذلك لأنّ ظاهر أدلة الانعتاق من نصيب الولد هو انعتاقها مجّانا، لا بتقويمها على الولد. و هذا مفاد الإشكال الأوّل، لقوله: «إنّ ذلك من جهة استحقاقه لذلك النصيب». كما أنّ حاصل الإشكال الرابع عدم التزام أحد به.

هذا ما يستفاد من ظاهر عبارات المقابس في بيان الإشكالات الأربعة.

و المصنف قدّس سرّه صار بصدد دفعها كما سيظهر.

(1) توضيحه: أنّ الشهيد قدّس سرّه لم يدّع دلالة أدلة «انعتاق أمّ الولد من نصيب

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 78

ص: 360

..........

______________________________

ولدها» على لزوم أداء قيمتها من مال الولد حتى يرد عليه: عدم دلالة تلك الأدلة إلّا على نفس الانعتاق من نصيب ولدها، من دون دلالتها على ضمان الولد أو غيره للقيمة، فتغريم الولد لقيمتها أو وجوب السعي على نفس أمّ الولد في أداء قيمتها إنّما يكون بسبب الجمع بين الأدلة.

و بالجملة: فدليل الانعتاق لا يدلّ على أزيد من نفس الانعتاق الشامل بإطلاقه لوجود الدين و عدمه، و استيعابه للتركة و عدمه.

فانعتاق أمّ الولد و عدم تعلق حق الديان بها- بمثابة يجوز لهم أخذها مع امتناع الولد عن أداء ما يقابلها، كجواز ذلك لهم في غير أمّ الولد من سائر التركة، مع امتناع الوارث عن دفع العين و القيمة- يوجب الالتزام بأحد الوجوه:

الأوّل: سقوط حق الديان عمّا يقابلها من الدين، كسقوطه عن مئونة التجهيز.

الثاني: تعلّق حقّهم بقيمتها على من تتلف في ملكه بالانعتاق، و هو الولد.

الثالث: تعلق حقّهم بقيمتها على رقبتها، فيجب عليها السعي في قيمتها للديان بإزاء حرّيتها.

الرابع: تعلق حقّهم بمنافعها التي هي كعينها من التركة.

أمّا الوجه الأوّل فلا سبيل إليه، فيدور الأمر بين تغريم الولد، و تغريمها، و تعلق حقهم بمنافعها.

أمّا تعلقه بالمنافع من حيث كونها تركة، ففيه: أنّ كونها من التركة منوط ببقائها على الرقية و المملوكية.

أمّا بعد خروجها عن الرقية فهي مالكة لمنافعها، و لا مجال لاستصحاب مملوكية منافعها حين ملكية رقبتها لمولاها، لارتفاعها قطعا، لأنّ تلك الملكية كانت بتبع ملكية العين، و قد زالت. فيدور الأمر بين تغريم الولد و بين تغريم نفس الامّ، بأن تسعى و تؤدّي قيمتها إلى الدّيّان. و لا يبعد ترجيح الثاني.

ص: 361

من ظاهر الأدلة (1) انعتاقها من نصيب ولدها حتّى (2) مع الدّين المستغرق، فالدّين غير مانع من انعتاقها على الولد. لكن ذلك (3) لا ينافي اشتغال ذمّة الولد قهرا بقيمة نصيبه، أو وجوب (4)

______________________________

هذا توضيح ما أفاده المصنف قدّس سرّه في دفع أوّل إشكالات المقابس.

و قد ظهر أنّ مقصوده دفع المجانية التي ادعاها المحقق الشوشتري قدّس سرّه، لا تعيين ما في المسالك من خصوص التقويم على الولد، لعدم تعيّنه من بين الاحتمالات الأربعة المذكورة في المتن كما سيظهر.

(1) لمّا كان الإشكال الأوّل متّجها إلى الانعتاق بالبدل، أراد المصنف قدّس سرّه دفعه بأنّ أدلة انعتاق الامّ من نصيب ولدها و إن كانت ظاهرة في المجانية، و عدم اقتضائها للانعتاق عن غرامة و بدل. إلّا أنّ لزوم البدل هنا مقتضى الجمع بين ما دلّ على كون نفس رقبة أمّ الولد موردا لأحكام كعدم البيع و الإرث، و الانعتاق على الولد، و بين ما دلّ على عدم سقوط حقّ الدّيّان- بعد عدم تعلق حقّهم بعين رقبتها- لاقتضائه إمّا اشتغال ذمة الولد بماليتها، و إمّا اشتغال ذمتها و وجوب السعي عليها، و إمّا استحقاق الديان لمنافعها.

(2) لإطلاق قوله عليه السّلام: «جعلت في نصيب ولدها» «1».

(3) أي: انعتاقها من نصيب ولدها مطلقا- حتى مع استيعاب الدين- لا ينافي اشتغال ذمة الولد، و هذا دفع لقول صاحب المقابس: «من غير أن يقوّم عليه أصلا» من الملازمة بين الانعتاق و بين المجانية و عدم تقويمها على الولد.

و حاصل دفعه: عدم التلازم بينهما، فيمكن الانعتاق مع تغريم الولد، أو وجوب السّعي على الامّ.

(4) معطوف على «اشتغال» أي: لكن انعتاقها لا ينافي وجوب سعيها ... إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 107، الباب 6 من أبواب الاستيلاد، الحديث: 1

ص: 362

سعيها (1) [بيعها] في القيمة، جمعا (2) بين ما دلّ على الانعتاق على الولد، الذي (3) يكشف عنه (4) إطلاق النهي عن بيعها، و بين (5) ما دلّ على أنّ الوارث لا يستقرّ له (6) ما قابل نصيبه من الدين على وجه (7) يسقط حق الدّيّان. غاية الأمر (8)

______________________________

(1) اختلفت نسخ الكتاب في ضبط هذه الكلمة، و الأولى- بل المتعين- ما في النسخة المصححة المعتمد عليها من «سعيها» بقرينة ما سيأتي في ثالث محتملات أداء الدين من قوله في (ص 365): «فتسعى فيها» أي في قيمتها، لا بيعها في ذلك، و كذا قوله هنا: «ما دل على الانعتاق على الولد ... إطلاق النهي عن بيعها».

(2) مفعول لأجله، و هو قيد لاشتغال الذمة، أي: اشتغال ذمة الولد بقيمة نصيبه من امّه، أو اشتغال ذمتها بالقيمة. و تقدّم توضيحه.

(3) صفة ل «ما دلّ».

(4) أي: يكشف عن الانعتاق مطلقا- و إن كان الدين محيطا بالتركة- إطلاق النهي عن بيعها في غير ثمنها، كصحيحتي ابني مارد و يزيد المتقدمتين في (ص 265 و 299) و رواية السكوني و غيرها ممّا يستفاد منه منع بيع أمّ الولد.

(5) معطوف على «بين» يعني: النصوص الدالة على عدم جواز التصرف في التركة، مع فرض إحاطة الدين بها، كقول أبي الحسن عليه السّلام في معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج: «إن كان يستيقن أنّ الذي ترك يحيط بجميع دينه فلا ينفق» «1».

(6) أي: لا يستقر للوارث نصيبه من الإرث إن كان في مقابله دين.

(7) متعلق ب «يستقرّ» فلو استقرّ نصيبه من الإرث- مع وجود الدين- لزم سقوط حق الدّيّان.

(8) غرضه بيان الفارق بين أمّ الولد و بين سائر التركة، حيث إنّ حقّ الدّيّان ينتقل من عينها إلى قيمتها، لتعيّن انعتاقها من نصيب ولدها منها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 408، الباب 29 من أبواب الوصايا، الحديث: 2

ص: 363

سقوط حقّهم عن عين هذا المال الخاصّ، و عدم (1) كونه كسائر الأموال التي يكون للوارث الامتناع عن أداء مقابلها، و دفع (2) عينها إلى الدّيّان، و يكون لهم (3) أخذ العين إذا امتنع الوارث من أداء ما قابل العين.

و الحاصل (4): أنّ مقتضى النهي عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها بعد موت المولى (5) عدم (6) تسلّط الديان على أخذها و لو مع امتناع الولد عن فكّها (7) بالقيمة، و عدم (8) تسلّط الولد على دفعها وفاء عن دين أبيه. و لازم ذلك (9)

______________________________

(1) معطوف على «سقوط» أي: عدم كون هذا المال الخاص محكوما بحكم سائر التركة.

(2) معطوف على «الامتناع» أي: للوارث دفع عين الأموال- غير أمّ الولد- إلى الدّيان لاستيفاء حقّهم منها.

(3) أي: للديان أخذ أعيان التركة- تقاصا- إن امتنع الوارث من وفاء دين المورّث ببدلها.

(4) هذا حاصل ما أفاده من لزوم الجمع بين ما دلّ على انعتاقها و ما دلّ على بقاء حق الديان، و غرضه بيان أنحاء الجمع ثبوتا، و ما يتعيّن القول به إثباتا، كما سيظهر.

(5) كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد من «أنّها تباع في دين ثمنها» دون غيره من وجوه الدّين.

(6) خبر قوله: «إن مقتضى».

(7) المراد بفكّها فك ماليّتها، لما تقدم من عدم تعلق حق الديان بالعين، فالمقصود امتناع الولد عن وفاء دين أبيه باداء قيمة نصيبه إلى الديان.

(8) معطوف على «عدم تسلّط» فلا سلطنة للولد على تسليم امّه للديان، كما لا سلطنة لهم على أخذها.

(9) المشار إليه: عدم تسلط الديان على أخذها، و عدم تسلط الولد على

ص: 364

انعتاقها على الولد.

فيتردد (1) الأمر حينئذ (2): بين سقوط حقّ الدّيان عمّا قابلها من الدّين (3)، فتكون أمّ الولد نظير مئونة التجهيز التي لا يتعلق حقّ الديان بها.

و بين أن يتعلّق حقّ الدّيّان بقيمتها على من تتلف في ملكه و تنعتق عليه، و هو الولد (4).

و بين أن يتعلق حقّ الدّيّان بقيمتها على رقبتها، فتسعى فيها (5).

و بين أن يتعلّق حقّ الديان بمنافعها، فلهم أن يؤجّروها مدّة طويلة يفي أجرتها بدينهم (6)، كما قيل (7): بتعلق حق الغرماء بمنافع أمّ ولد المفلّس.

______________________________

دفعها إليهم.

(1) هذا متفرع على انعتاقها المترتب على عدم السلطنة على العين شرعا.

(2) أي: حين عدم تسلط الديان على العين، فيدور الأمر بين وجوه أربعة.

(3) هذا أوّل الوجوه، و حاصله: أنّه لو فرض كون قيمة أمّ الولد مائة دينار، و هي ربع الدين، سقط من حقّ الديان ربعه. فكما لا يتعلق حق الغرماء بمئونة التجهيز و الكفن، فكذا لا يتعلق بامّ الولد.

(4) هذا ثاني الوجوه، و حاصله: ضمان الولد لقيمة امّه، لكونها تالفة عليه بانعتاقها.

(5) هذا ثالث الوجوه، و هو يشارك سابقه في انتقال حقّ الديان إلى قيمتها، و يفترق عنه بكون الضمان عليها، فتسعى في قيمتها، كما في بعض موارد العتق بالسراية.

(6) هذا رابع الوجوه، و هو عدم تعلق حق الديان لا بالعين و لا بالقيمة، و إنّما يتعلق بمنفعتها و خدمتها، فتؤجر بما يفي بالدين.

(7) القائل صاحب الجواهر قدّس سرّه فيما لو اشترى جارية نسيئة فأولدها ثم فلس، و كانت عليه ديون اخرى، فجاز بيعها لو طالب البائع بثمنها، كما جاز له أخذها،

ص: 365

و لا إشكال (1) في عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على بقاء حقّ الديّان متعلّقا بالتركة (2)، فيدور (3) الأمر بين الوجهين الأخيرين، فتنعتق على كلّ حال،

______________________________

لكونه بمنزلة بيعه، ثم قال: «و ليس للغرماء المنع و إن قلنا بتعلق حقّهم بالمنفعة لو لم تبع، لأولوية حقه منهم ...» «1».

هذا بحسب مقام الثبوت، و سيأتي الكلام فيما يقتضيه مقام الإثبات.

(1) هذا مقام الإثبات، و غرضه قدّس سرّه ترجيح الاستسعاء أو تمليك منفعتها على الاحتمالين الأوّلين، و بيانه: أنّ ما دلّ على بقاء حقّ الدّيّان متعلقا بالتركة، كما يقتضي عدم سقوط التكليف بأداء الدين و وجوب الوفاء به، فيبطل الاحتمال الأول.

فكذا يقتضي عدم تعلق حقوقهم بذمة الولد حتى يجب عليه بذل قيمة امّه إلى الغرماء. و يدور الأمر حينئذ بين الوجهين الأخيرين.

و وجه عدم جواز رفع اليد عمّا دلّ على تعلق الدين بالتركة هو: أنّ الضرورات تتقدّر بقدرها، و دليل منع بيع أمّ الولد في غير ثمنها يقتضي عدم تعلق حقّ الديان بعينها، و لا يمنع من تعلقه بقيمتها أو منفعتها الذي هو نحو من التعلق بالتركة، فتحمل أخباره على هذا النحو من التعلق، جمعا بين الدليلين.

و لعل وجه عدم جواز رفع اليد عن دليل وجوب أداء دين الميّت- مع رفع اليد عنه في موارد مستثنيات الدين- هو: أنه دليل ينبغي إعماله مهما أمكن، و من المعلوم أنّ دليل عدم جواز بيع أمّ الولد في مطلق الدين لا يقتضي سقوط وجوب الوفاء به، بل اللازم العمل بالدليلين جمعا بينهما، فيؤدّى الدين لا من رقبتها.

(2) ظهر آنفا أنّ وجوب أداء الدين مدلول عليه ببقاء حق الديان، فلذا يبطل الاحتمالان الأوّلان معا بعدم سقوط حقهم.

(3) هذا متفرع على سقوط الوجهين الأوّلين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 320

ص: 366

و يبقى الترجيح بين الوجهين محتاجا إلى التأمّل (1).

و ممّا ذكرنا (2) يظهر اندفاع الوجه الثاني، فإن مقتضى المنع عن بيعها مطلقا (3) أو (4) في دين غير ثمنها استقرار (5) ملك الوارث عليها.

و منه (6) يظهر الجواب عن الوجه الثالث،

______________________________

(1) تقدّم آنفا إمكان ترجيح تعلق حقهم بذمتها- و استسعائها في قيمتها- على تعلق حق الديان بمنافعها، و هو مقتضى قوله في (ص 370): «كان ذلك في رقبتها».

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في ردّ أوّل الوجوه الأربعة المذكورة في المقابس، و يأتي الكلام في ردّ الثلاثة الاخرى.

(2) من اقتضاء الجمع بين دليل انعتاقها على الولد و بين دليل عدم استقرار نصيب الوارث من التركة بمقدار ما قابل نصيب الولد من الدين، يظهر اندفاع الوجه الثاني المبني على أنّ المراد بالنصيب هو المستقر الثابت لا الزائل.

وجه الاندفاع: أنّ مقتضى تعلق حق الديان بامّ الولد استقرار ملك الولد لها، و انعتاقها عليها، لما تقدّم من تعلق حقّهم بقيمتها لا برقبتها. فلا مزاحم لنصيب الولد من الامّ حتى يقال بخروجه عن دليل انعتاق العمودين أو خصوص أمّ الولد.

و الحاصل: أنّ النهي عن بيعها- سواء أ كان مطلقا أم في غير ثمنها- لا ينافي استقرار ملك الولد لها، الموجب لانعتاقها.

(3) كما تقدم في (ص 292) عن السيد قدّس سرّه إن لم يتأمّل في النسبة.

(4) معطوف على «مطلقا» و جواز البيع في ثمنها و منعه في دين آخر هو المشهور كما مرّ في (ص 296 و 341).

(5) خبر قوله: «فإنّ مقتضى» و ضمير «عليها» راجع إلى أمّ الولد.

(6) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «و مما ذكرنا» و وجه ظهور الجواب هو: أنّ مقتضى عدم تعلق حقّ الديان بعين أمّ الولد- بحيث يجوز لهم أخذها مع

ص: 367

إذ (1) بعد ما ثبت عدم تعلق حق الديان بعينها- على (2) أن يكون لهم أخذها عند امتناع الوارث من الأداء- فلا مانع عن انعتاقها. و لا جامع (3) بينها و بين الوقف الذي هو ملك للبطن اللاحق كما هو ملك للبطن السابق.

و أمّا ما ذكره رابعا، فهو إنّما ينافي (4) الجزم بكون قيمتها بعد الانعتاق متعلّقا بالولد. أمّا إذا قلنا باستسعائها فلا يلزم شي ء.

______________________________

امتناع الوارث عن أداء ما قابلها من الدّين- هو عدم مانع عن انعتاقها، لاستقرار ملك الولد لها، و عدم كونها في معرض الزوال من ناحية تعلق حق الديان بها، حتى يرد عليه ما أورده صاحب المقابس من قوله: «إن ما ادّعاه من الانعتاق على الولد بمثل هذا الملك مما لم ينص عليه الأصحاب ... الخ».

(1) تعليلية، و هذا تقريب ظهور الجواب.

(2) هذا بيان للمنفي، و هو تعلق حق الديان بالعين، إذ لو كانت أمّ الولد كسائر الأموال التي تركها الميت، جاز للديان أخذها لو امتنع الوارث من الأداء. و المفروض عدم جواز أخذها، و ليس إلّا لتعلق حقهم بقيمتها لا بعينها.

(3) هذا دفع المقايسة- المذكورة في المقابس- بين أمّ الولد و بين العبد الموقوف، و الأولى أن يقال: «بخلاف الوقف».

و كيف كان، فحاصل دفعها: أنّ القياس مع الفارق، حيث إنّ العبد الموقوف على ولده مثلا يكون متعلقا لحق سائر البطون، فلا بد من إبقائه و عدم جواز بيعه لينتقل إلى البطون اللاحقة. بخلاف أمّ الولد، فإنّها ملك للولد دون غيره، إذ المفروض عدم تعلق حق الديان بها.

(4) الظاهر- كما استظهره الفقيه المامقاني قدّس سرّه «1»- أنّ مراد المصنف قدّس سرّه هو: أنّ الإشكال الرابع لا يدفع أصل الانعتاق الذي ادّعاه المسالك، بل يدفع دعوى الضمان

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 459

ص: 368

فالضابط (1) حينئذ:

______________________________

على الولد، إذ للشهيد قدّس سرّه دعويان: إحداهما: الانعتاق، و الاخرى ضمان الولد لقيمتها.

و الإشكال الرابع يدفع الثانية، لأنّه ينافي الجزم بكون القيمة بعد الانعتاق على الولد، دون الاولى، فلا بأس حينئذ بالالتزام بكون القيمة على نفس الامّ، و وجوب السعي عليها فيها، فلا يثبت بإشكال المقابس جواز البيع الذي نسب إلى شيخ الطائفة قدّس سرّه.

(1) يعني: فالضابط في انعتاق أمّ الولد- حين إذ قلنا باستسعائها في ما يزيد على نصيب ولدها منها- هو التفصيل بين كون نصيب الولد من التركة وافيا بقيمتها و عدمه. فهنا صورتان:

الأولى: أن لا يكون انعتاقها مستلزما لورود خسارة على الولد، كما إذا كان نصيبه من التركة ما يساوي قيمة الامّ، و لم يكن دين على المولى، فحينئذ تنعتق الامّ من دون ضمان على أحد. مثلا إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار، و قيمة الام مائة دينار أيضا، فيملك الولد نصيبه من التركة بلا ضمان.

الثانية: أن يكون انعتاقها موجبا لضرر مالي و خسارة، فيكون على عهدة المنعتقة لا على الولد المنعتق عليه. و لا فرق في ضمانها بين كون مجموع نصيب الولد مقابلا بالدين أو بعضه.

فالأوّل: كما إذا كان في المثال المزبور دين مستغرق للتركة، فيصير حينئذ نصيب الولد- و هو المائة- مع الضمان، إذ المفروض وجود الدين، فإذا انعتقت الامّ التي تكون قيمتها مائة دينار، فلا بد من دفع ما يقابل قيمتها إلى الدّيّان، فنصيب الولد مملوك مع الضمان.

و الثاني: كما إذا كان نصيبه من التركة مائة دينار مع كون قيمة الامّ مائة دينار أيضا، فيملك الولد نصيبه المزبور مع ضمان بعضه فيما إذا لم يكن الدين

ص: 369

أنّها تنعتق [أنه ينعتق] (1) على الولد ما لم يتعقبه (2) ضمان من نصيبه. فإن كان (3) مجموع نصيبه أو بعض (4) نصيبه يملكه (5) مع ضمان أداء ما قابله من الدّين، كان (6) ذلك في رقبتها.

______________________________

مستغرقا، بأن كان ما قابل نصيبه منه خمسين دينارا، فهو يملك نصيبه من التركة مع ضمانه لبعض نصيبه- و هو الخمسون- للدّيّان.

(1) كذا في نسختنا، و لا بد من تأويل الأمة بالمملوك، ليصحّ تذكير الضمير، و الاولى ما أثبتناه عن نسخة مصححة اخرى.

(2) أي: ما لم يتعقب الانعتاق ضمان و خسارة على الولد. و هذا إشارة إلى الصورة الاولى.

(3) هذا متفرع على كون الضابط الانعتاق على الولد من دون تعهده بشي ء من قيمتها، كما لو لم يكن دين أصلا.

(4) معطوف على «مجموع» و تقدم توضيحه بقولنا: «و الثاني كما إذا كان نصيبه من التركة ...».

(5) أي: يملك الولد مجموع النصيب- أو بعضه- مع ضمان الدين المقابل للنصيب. و الأولى أن يقال: «بحيث يملكه».

فإن قلت: إن ضمان الولد للدين المقابل للنصيب مناقض لما هو المطلوب من عدم تضمين الولد.

قلت: نعم، لكن لعل المراد ثبوت الضمان على الولد في الجملة و إن استحق مطالبة البدل من امّه، فهذا في قبال عدم الضمان أصلا.

و يحتمل أن يكون غرضه الإشارة إلى وجود قولين في المسألة.

(6) جواب «فإن كان» و قوله: «ذلك» إشارة إلى الموصول في «ما قابله» المراد به الدين، و حاصله: أنّه لو لزم من الانعتاق على الولد ضمان انعتقت عليه، لكن لا مجانا، بل كانت هي الضامنة للدين.

ص: 370

و ممّا ذكرنا (1) يظهر أيضا (2): أنّه (3) لو كان غير ولدها أيضا (4) مستحقّا لشي ء منها بالإرث لم يملك (5) نصيبه مجّانا، بل إمّا أن يدفع (6) إلى الدّيّان ما قابل

______________________________

(1) أي: من انعتاقها مع كونها ضامنة لقيمتها للدّيان، جمعا بين النهي عن بيعها و بين عدم سقوط حقّ الدّيّان رأسا، يظهر أنّه لا فرق- في ضمانها لقيمتها إن لم تكن تمامها من نصيب الولد- بين كون من يستحقّها الدائن و بين كونه وارثا، فإنّ ما دلّ على انعتاقها يوجب حرمان الديان و الوارث عن عينها، و يتعلق الحقّ بماليتها، و يجب عليها السعي لأداء ذلك الحق.

فإذا كانت التركة مائة و عشرين دينارا و الدّين كذلك، و الوارث ولدين، و قيمة الأمة تسعين دينارا، انعتق نصيب ولدها و هو الثلثان، و يملك الولد الآخر ثلثها الباقي مع الضمان لا مجّانا، فيدفع ثلاثين دينارا قيمة نصيبه أعني الثلث من أمّ الولد إلى الدّيّان، فتسعى أمّ الولد في أداء هذا الثلث إلى الدافع. كما لو فرض عدم الدين، فإنّه وجب عليها السعي في دفع قيمة نصيب الولد الآخر إلى ذلك الولد، أو وجب على ولدها دفعها إلى أخيه الدافع.

و على كلّ فقيمة الثلث الزائد على نصيب ولدها تكون عليها، فيجب الاستسعاء.

(2) يعني: كما ظهر ضمانها للديان لو لم يستحقها غيرهم، كما لو لم يكن وارث آخر غير ولدها.

(3) الضمير للشأن، و الجملة فاعل قوله: «يظهر».

(4) يعني: كما لو كان مستحقها الديان، فكذا استحقّها بالإرث غير ولدها.

(5) جواب «لو كان» يعني: لم يملك غير الولد نصيبه من أمّ الولد مجانا بحيث تنعتق عليه بلا عوض، بل لا بد من وصول قيمة نصيبه إليه.

(6) غرضه بيان عدم مجانية ملك النصيب، يعني: أنّ غير الولد لو دفع إلى الديان مقابل نصيبه الموروث- و هو ثلاثون دينارا في المثال المزبور- سعت الامّ في

ص: 371

نصيبه (1)، فتسعى أمّ الولد، كما لو لم يكن دين (2)، فينعتق نصيب غير ولدها عليه (3) مع ضمانها أو ضمان ولدها (4) قيمة حصّته (5) التي فكّها من الدّيّان.

و إمّا (6) أن يخلّي بينها و بين الديّان، فتنعتق أيضا (7) عليهم مع ضمانها أو ضمان ولدها ما قابل الدين لهم.

______________________________

أداء هذا المال المدفوع إلى الديان، كما وجب عليها السعي في أداء نصيب غير الولد لو لم يكن هناك دين أصلا. إذ لو لم تسع في نصيب غير الولد لزم كون انعتاقها على ولدها موجبا للخسارة على غير ولدها ممّن يرثها، مع أنّه لا موجب لتحمل هذا الضرر.

(1) أي: نصيب غير الولد، و هو الثلاثون دينارا في المثال.

(2) يعني: فالسعي واجب إمّا للوارث لو لم يكن دين، و إمّا للديان لو دفع الوارث قيمة حصته إلى الديان.

(3) أي: على غير الولد، فينعتق نصيبه منها بالسراية، و تضمن قيمة النصيب للوارث.

(4) يعني: لو تبرّع ولد الأمة بدفع نصيب أخيه- الذي دفعه هذا الأخ الى الديان- لم يجب عليها السعي، أو قلنا بوجوبه من جهة انعتاقها على الولد من مجموع ما يرثه.

(5) أي: حصة غير الولد.

(6) معطوف على «إمّا أن يدفع» يعني: أن يخلّي الولد الآخر بين أمّ الولد و بين الديان، فتنعتق عليهم أيضا كما انعتقت على ولدها مع ضمان الامّ أو ولدها للديان ما قابل الدين.

(7) يعني: كما انعتقت على الوارث، كما تقدّم بقوله: «فينعتق نصيب غير ولدها عليه» و حينئذ فما قابل الدين يكون في ذمتها، فإمّا أن تسعى للديان، و إمّا أن يضمنه الولد لهم.

ص: 372

و أمّا حرمان الدّيّان (1) عنها عينا و قيمة، و إرث الورثة لها (2)، و أخذ (3) غير ولدها قيمة حصّته (4) منها أو (5) من ولدها، و صرفها (6) في غير الدين، فهو (7) باطل، لمخالفته (8) لأدلة ثبوت حقّ الدّيّان من غير (9) أن يقتضي النهي عن

______________________________

(1) مقصوده قدّس سرّه دفع توهم الفرق بين كون أمّ الولد- بالنسبة إلى الديان- كمئونة التجهيز التي لا يتعلّق بها حق الديان عينا و قيمة، و بين كونها موروثة لما عدا ولدها من الوراث.

و محصل وجه الدفع: أنّ الجمع بين ما دلّ على ثبوت حق الديان و تعلقه بالتركة، و بين النهي عن التصرف في أمّ الولد، يقتضي الالتزام بحرمان الديان عن العين، و انتقال حقهم إلى ماليتها و قيمتها. و حينئذ فإمّا أن تسعى- فيما زاد على نصيب ولدها منها- و إمّا أن يتعهد الولد بأداء الدين. و كذا الحال في حرمان سائر الورثة عن عين أمّ الولد، و استحقاقهم قيمة أنصبائهم منها.

(2) أخذا بعموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فلوارثه» و الخارج منه قطعا هو نفس الولد، فإنه لا يملك امّه.

(3) هذا و «إرث الورثة» معطوفان على «حرمان».

(4) أي: حصة غير الولد.

(5) لعلّ الترديد للإشارة إلى الخلاف في كون حصة غير الولد على عهدة ولدها، أو على الامّ بالسعي.

(6) معطوف على «أخذ» أي: صرف غير الولد قيمة نصيبه- المأخوذة منها أو من ولدها- في غير الدين، لسقوط الدين بصيرورة أمّ الولد من المستثنيات التي لا يتعلق بها حق الغرماء.

(7) جواب «و أما حرمان» و تقدم وجه البطلان آنفا.

(8) أي: لمخالفة الحرمان لأدلة ثبوت حقّ الديان.

(9) يعني: أنّ المنافي لدليل ثبوت حق الديان- و هو النهي عن بيعها و التصرف

ص: 373

التصرف في أمّ الولد لذلك (1).

و ممّا (2) ذكرنا يظهر ما في قول بعض من أورد على ما في المسالك

______________________________

و التصرف الناقل لها- لا يزاحم تعلق الحق بقيمتها، و إنما يوجب الحرمان عن العين.

(1) أي: للحرمان، و هو متعلق ب «يقتضي».

هذا تمام ما أفاده المصنف في ردّ الوجوه الأربعة التي انتصر بها المحقق صاحب المقابس لشيخ الطائفة، و اعترض بها على ما في المسالك.

(2) أي: و من سقوط حقّ الديان عن عين أمّ الولد، و تعلّق حقّهم بقيمتها- على نفسها أو على ولدها على الخلاف- يظهر غموض ما في المقابس من الإشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب.

و بيان الإشكال: أنّهم حكموا تارة بعدم جواز بيعها إلّا في دين ثمنها. و هذا الكلام يدلّ على عدم جواز بيعها في دين غير ثمنها، و أنّ حقّ الدّيّان ساقط عنها، فتكون أمّ الولد كمئونة التجهيز ممّا لا يتعلّق به حق الديان.

و حكموا اخرى بأنّها تسعى في ما فضل عن نصيب ولدها. و هذا الحكم ينافي كون أمّ الولد كمئونة التجهيز، لأنّه يكشف عن تعلق حقّ الدّيّان بها، إذ لا وجه لأداء قيمتها إليهم إلّا تعلق حقّهم بها.

و بالجملة: فالجمع بين حكم المشهور بعدم جواز بيعها في دين غير ثمنها، و بين وجوب سعيها في أداء قيمتها إلى الدّيّان أو تغريم الولد لها، و بين أدلتهم مشكل، لأنّ الحكم الأوّل يقتضي سقوط حق الدّيان رأسا، و هو ينافي تغريم الام أو الولد لقيمتها للديان.

نعم، لو قصدوا دلالة مثل رواية عمر بن يزيد- المانعة عن بيعها في غير ثمنها- على أنّ أمّ الولد مطلقا- أو خصوص نصيب الولد- تكون كالكفن من مستثنيات الدين، فلا تباع، كان له وجه. لكنه مجرد فرض، لعدم ذكرها في عداد المستثنيات حتى تكون كمئونة تجهيز الميت، كما لم تدل النصوص المزبورة على هذا الاستثناء.

ص: 374

بما (1) ذكرناه: «أنّ (2) الجمع بين فتاوى الأصحاب و أدلتهم مشكل جدّا، حيث (3) إنّهم قيّدوا الدّين بكونه ثمنا، و حكموا (4) بأنّها تعتق على ولدها من نصيبه، و أنّ ما فضل عن نصيبه ينعتق بالسّراية، و تسعى (5) في أداء قيمته.

و لو قصدوا: أنّ أمّ الولد أو سهم الولد مستثنى من الدّين- كالكفن- عملا بالنصوص المزبورة (6)، فله وجه. إلّا أنّهم (7) لا يعدّون ذلك (8) من المستثنيات، و لا ذكر في النصوص (9) صريحا» انتهى «1».

و أنت خبير بأنّ النصوص المزبورة (10) لا تقتضي سقوط حقّ الدّيّان، كما لا يخفى.

______________________________

هذا توضيح كلام صاحب المقابس قدّس سرّه.

(1) متعلق ب «أورد» أي: أورد بالوجوه الأربعة المنقولة عن المقابس.

(2) الجملة في محل النصب على المفعولية ل «قول» و هذا كلام المقابس.

(3) هذا بيان إعضال الجمع بين فتاوى الأصحاب و أدلتهم.

(4) معطوف على «قيّدوا» و هذا أحد الحكمين.

(5) معطوف على «ينعتق» و هذا ثاني الحكمين، و المفروض تمانعهما.

(6) الدالة على منع بيعها إلّا في ثمنها.

(7) استدراك على توجيه كلامهم بجعلها من مستثنيات الدين.

(8) أي: أمّ الولد، أو خصوص نصيب الولد منها.

(9) أي: لم يذكر استثناء الامّ- أو خصوص نصيب الولد- في النصوص.

(10) هذا ردّ ما في المقابس، و الأولى تبديله ب «و ذلك» ليكون تعليلا لقوله:

«يظهر».

و كيف كان فمحصّل الإيراد على المحقق الشوشتري هو: أن النصوص المانعة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 78- 79

ص: 375

[المورد الثاني بيعها في كفن مولاها]

و منها (1): تعلّق كفن مولاها بها- على ما حكاه

______________________________

عن بيعها- يعني عن العين و القيمة معا- لا تدلّ على سقوط حق الديان رأسا لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما. فالجمع بين هذه النصوص و بين حق الاستيلاد و حق الديان يقتضي تعلق حق الديان بقيمتها، و وجوب السعي فيها، أو ضمان الولد لها.

فالحكم بالانعتاق عملا بما دلّ عليه، و وجوب السعي عليها في قيمتها أو غرامة الولد لها- عملا بما دلّ على ثبوت حقهم بالتركة- ليس مخالفا للأدلة حتى يشكل الجمع بين فتاواهم و أدلتهم.

هذا تمام الكلام في المقام الثاني من أوّل مواضع الاستثناء، و هو بيعها في دين غير ثمنها.

2- بيع أمّ الولد لتعلق حق الكفن بها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» يعني:

و من موارد جواز بيع أمّ الولد- لتعلق حقّ الغير بها- هو ما إذا مات مولاها، و لم يخلّف كفنا و لا ما يشترى به غير أمّ الولد. فقيل بأنّه إن أمكن بيع بعضها لتحصيل الكفن لم يجز بيع تمامها، و إن توقّف على بيعها بتمامها بيعت.

و عقد صاحب المقابس قدّس سرّه الصورة الثالثة لتحقيق جواز بيعها في الكفن، و سيأتي نقل بعض كلامه.

و يستدلّ للجواز بوجوه ثلاثة، يبتني ثانيها على جواز بيعها في مطلق الدين، و اثنان منها- و هما الأوّل و الثالث- على اختصاص جواز بيعها بأداء ثمن رقبتها.

و توضيح الوجه الأوّل: أنّ الغرض من منع بيع أمّ الولد كلّيّة هو انتقالها- بموت سيدها- إلى ولدها بالإرث، و انعتاقها عليه. فلو فرض عدم جواز بيعها في سائر وجوه الدين، قلنا هنا بجوازه، لانتفاء الحكمة المانعة عن التصرفات الناقلة.

و وجه انتفائها حاجة الميت إلى الكفن المانعة من انتقالها إلى الوارث، لوضوح تقدم

ص: 376

في الروضة (1)- بشرط عدم كفاية بعضها له، بناء (2) على ما تقدّم نظيره في الدين (3)، من أنّ المنع لغاية الإرث، و هو (4) مفقود مع الحاجة إلى الكفن.

و قد عرفت (5) أنّ هذه حكمة غير مطّردة و لا منعكسة.

______________________________

الكفن على الإرث، لأنّه «أوّل ما يبدأ به من المال» كما في الخبر «1». و حيث إنّ التركة منحصرة في أمّ الولد جاز بيعها في كفنه، و لا يبقى موضوع للانتقال و الانعتاق، هذا.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع كون الإرث علة لعدم بيعها، لما تقدم من كونه حكمة، و هي غير مطّردة و لا منعكسة، فلا يدور الحكم مدارها. و حينئذ يمكن منع بيعها، لعدم كونه بيعا في ثمن رقبتها، فتورث و تنعتق على ولدها.

(1) قال في عدّ موارد جواز بيعها: «عاشرها في كفن سيّدها إذا لم يخلّف سواها، و لم يمكن بيع بعضها فيه، و إلّا اقتصر عليه» «2».

(2) هذا قيد لمقدّر، و هو جواز بيعها لتعلق حق الغير- و هو الميت- بها.

(3) لعلّ مقصوده ممّا تقدّم في الدين- مع تبيينه بكلمة: من- هو قوله في جواب صاحب المقابس قدّس سرّه: «لأنّ المستفاد من النصوص و الفتاوى: أن استيلاد الأمة يحدث لها حقا مانعا عن نقلها، إلّا إذا كان هناك حقّ أولى منه بالمراعاة» فراجع (ص 312).

(4) يعني: و الغاية مفقودة، لوضوح تقدم الكفن على الإرث، فيجوز بيعها.

(5) هذه مناقشة المصنف في الوجه الأوّل، و تقدم في (ص 285) بقوله:

«و العلة المذكورة غير مطردة و لا منعكسة» كما تقدم توضيح وجه عدم الطرد و العكس هناك، فراجع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 406، الباب 28 من أبواب الوصايا، الحديث: 1

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 260

ص: 377

و أمّا (1) بناء على ما تقدّم (2) من جواز بيعها في غير ثمنها من الدّين- مع أنّ (3) الكفن يتقدّم على الدّين- فبيعها له (4) أولى.

بل اللازم ذلك (5)

______________________________

(1) معطوف على «بناء على ما تقدم نظيره في الدين» و هذا ثاني وجهي الجواز، و الفارق بينه و بين الأوّل أنّ مقتضى هذا الوجه أولوية جواز بيعها في الكفن من جوازه في الدين.

توضيحه: أنّ الحقوق المتعلقة بمال الميت- و هي الكفن و الدين و حق أمّ الولد و الإرث- لا تكون في مرتبة واحدة، فالكفن مقدّم على الدين، لأنّه أول ما يبدأ به، و الدّين مقدّم على حق الاستيلاد عند المزاحمة، و هو مقدّم على الإرث.

و تقدّم حق الميت- من جهة الكفن- على حق الديان ينتج وجوب صرف أمّ الولد في الكفن.

و بعبارة اخرى: يقدّم الكفن على الدين مطلقا و لو كان ثمن رقبتها، فلو مات المولى و خلّف أمّ ولد لم يؤدّ ثمنها، و لم يكن له كفن، بيعت في كفنه بلا إشكال.

فلو بيعت و صرف الثمن في دين المولى من رقبتها، كان ذلك خلاف دليل تقديم الكفن على الدين، فتعيّن صرف الثمن في الكفن. و حيث إنّه لا ريب في تقدّم دين ثمن الرقبة على حق الاستيلاد، فبالأولوية يكون الكفن مقدّما على حق الاستيلاد.

و الحاصل: أن هذا الوجه الثاني يقتضي جواز بيعها في الكفن مطلقا بالأولوية، سواء قيل باختصاص جواز البيع بثمن رقبتها أم بعمومه لوجوه الدين.

(2) يعني: في (ص 345) حيث قال: «خلافا للمحكّي عن المبسوط، فجوّز البيع حينئذ مع استغراق الدين، ... الخ».

(3) هذا مناط الأولوية، كما عرفت توضيحه.

(4) أي: للكفن.

(5) أي: جواز بيعها، و هذا هو الوجه الثالث المبني على حصر جواز بيعها في

ص: 378

أيضا (1) بناء (2) على حصر الجواز في بيعها في ثمنها، بناء على ما تقدّم (3) من أنّ وجود مقابل (4) الكفن الممكن صرفه في ثمنها لا يمنع (5) عن بيعها،

______________________________

ثمنها لا مطلق الدين، و محصله استكشاف الحكم هنا من جواز بيعها في ثمن رقبتها.

و توضيحه: أنّه إذا خلّف المولى أمّ ولد لم يؤد ثمنها، و دنانير تفي بمئونة التجهيز، يحكم بصرف المال في الكفن، لما دلّ على كونه أوّل ما يتعلق بالتركة، و جاز بيعها لأداء ثمنها. و وجوب صرف المال في تجهيز الميت يدلّ بالالتزام على تقدم حق الميت على حق الاستيلاد عند المزاحمة و عدم وفاء التركة بهما. فكما يقدّم حقّ الميت على حق الاستيلاد في فرض الدين الخاص- و هو ثمن رقبتها- فكذا يقدّم في فرض عدم هذا الدين، لاستفادة أقوائية حقّ الميت من حق الاستيلاد.

فإن قلت: مقتضى هذا الوجه تقدم حق الميت على حق الاستيلاد فيما لو كان هناك دين، ليقال بتقدم حقه على حقّ الديان، و تقدم حقهم على حق الاستيلاد، و من المعلوم أنّ هذا التقدم لا يجدي لو لم يكن هناك دين، و دار الأمر بين حق الميت و حق الاستيلاد.

قلت: المقصود تقديم حقّ الميت على الاستيلاد، و إنّما ذكر الدين الخاص- أعني ثمن رقبتها- لمجرّد طريقيته إلى استفادة كون حق الميت أعظم من حق الاستيلاد، هذا.

(1) أي: كما جاز بيعها في الكفن لو قيل بجواز بيعها في مطلق وجوه الدين.

(2) كما بنينا في الوجه الأوّل على اختصاص الجواز بدين ثمنها، و هذا الحصر هو مفاد قوله في (ص 341): «و أمّا بيعها في دين آخر، فإن كان مولاها حيّا لم يجز إجماعا ... و إن كان بعد موته فالمعروف من مذهب الأصحاب المنع».

(3) الظاهر أنه إشارة إلى قوله في (ص 322): «و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز ...».

(4) كما إذا ترك دنانير معدودة يمكن صرفها في كفنه و تجهيزه.

(5) خبر قوله: «ان وجود»، و «الممكن» صفة للمقابل.

ص: 379

فيعلم (1) من ذلك تقديم الكفن على حقّ الاستيلاد، و إلّا (2) لصرف مقابله في ثمنها و لم تبع.

و من ذلك (3) يظهر النظر فيما قيل (4):

______________________________

(1) غرضه استظهار جواز البيع في الكفن مما ذكر: من عدم مانعية دين الثمن من لزوم صرف ما يقابل الكفن فيه، و عدم جواز أداء ثمنها به، فالمشار إليه ب «ذلك» هو عدم مانعية وجود مقابل الدين عن بيعها في ثمنها.

(2) أي: و إن لم يكن حق الكفن مقدّما على حقّ الاستيلاد لجاز صرف تلك الدنانير- المقابلة للكفن- في ثمن رقبتها، و عدم بيعها في ثمنها، مع أنّ ذلك المقابل يصرف في الكفن، و تباع هي في ثمنها.

و قد تحصّل من كلمات المصنف في هذه الوجوه الثلاثة: أن الأوّل منها ممنوع، لابتنائه على غاية غير مطردة و لا منعكسة. و الثاني منها- و هو الأولوية- منوط بالالتزام بجواز بيعها في مطلق الدين. و الثالث منها- كالأوّل- مبني أيضا على الاختصاص. و سيأتي المناقشة في ما بناه صاحب المقابس على جواز البيع في مطلق الدين.

(3) مراده بالمشار إليه هو قوله: «بل اللازم ذلك أيضا» و محصله: عدم توقف جواز بيعها في الكفن على القول بجواز بيعها في مطلق الدين، بل يتجه حتى على اختصاص جواز البيع بثمن رقبتها.

(4) القائل صاحب المقابس قدّس سرّه، قال في الصورة الثالثة ما لفظه: «و القول بجوازه حينئذ مع استيعاب قيمته لقيمتها مأخوذ من القول به في الصورة السابقة مع الاستيعاب، فإنّ الكفن مقدّم على الدين، كما أنّه مقدّم على الإرث، فجوازه في الدين المستوعب يقتضي جوازه في قيمة الكفن المستوعبة بطريق أولى، و العلة مشتركة بينهما» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

ص: 380

من أنّ هذا القول (1) مأخوذ من القول بجواز بيعها في مطلق الدّين المستوعب.

و توضيحه (2): أنّه إذا كان للميّت المديون (3) أمّ ولد و مقدار (4) ما يجهّز به، فقد اجتمع (5) هنا حقّ الميت، و حقّ بائع أمّ الولد، و حقّ أمّ الولد (6). فإذا ثبت (7)

______________________________

(1) أي: القول بجواز بيعها في كفنه مأخوذ ... الخ.

(2) أي: توضيح ما ينشأ منه النظر في كلام المقابس أنّه ...، و ملخّصه: أنّ تقدّم حق الكفن على حق الاستيلاد ليس منوطا بتقدم مطلق الدين الذي قد عرفت كونه محلّا للخلاف، و ذهاب المشهور إلى عدم الجواز، بل تقدمه على حق الاستيلاد منوط بتقدم خصوص دين ثمن الرقبة على حق أمّ الولد، فإنّ حقّ البائع المقتضي لجواز بيعها في ثمنها مقدّم على حق أمّ الولد. فإذا كان حق الميت- و هو حق الكفن- مقدّما على دين الثمن الذي هو مقدّم على حق الاستيلاد، فيقدّم حق الميت على حق الاستيلاد.

و بالجملة: فيقدّم حق الميت على حق أمّ الولد عند الدوران بينهما و إن لم يكن دين، فلا يتوقف تقدم الكفن على الاستيلاد على جواز بيعها في مطلق الدين الذي هو محل الخلاف و الإشكال، فلا وجه لما في المقابس من كون جواز بيعها في كفن مولاها مأخوذا من جواز بيعها في مطلق الدين.

(3) أي: المديون بثمن رقبتها، لا مطلق الدين، لما تقدم من أن غرض المصنف ترتيب جواز بيعها في الكفن على القدر المتيقن مما يجوز بيعها فيه، و هو ثمنها، لا مطلق الدين.

(4) كالدنانير المعدودة الوافية بمئونة التجهيز.

(5) جواب الشرط في قوله: «إذا كان».

(6) و المفروض تزاحم هذه الحقوق الثلاثة، لعدم وفاء التركة بها.

(7) يعني: لا ريب في تقدم هذا الحق الخاص- و هو حق بائعها- على حق الاستيلاد بالانعتاق.

ص: 381

عدم سقوط حقّ بائع أمّ الولد، دار (1) الأمر بين إهمال حقّ الميّت بترك الكفن، و إهمال حقّ أمّ الولد ببيعها (2)، فإذا حكم (3) بجواز بيع أمّ الولد حينئذ (4)- بناء على ما تقدّم في المسألة السابقة (5)- كان (6) معناه: تقديم حق الميت على حقّ أمّ الولد. و لازم ذلك (7) تقديمه عليها مع عدم الدين، و انحصار (8) الحق في الميّت و أمّ الولد.

اللّهم إلّا أن يقال (9):

______________________________

(1) جواب «فإذا ثبت» و المراد إهمال حقّي الميت و أمّ الولد، و صرفها في ثمنها.

(2) لأداء ثمنها إلى البائع.

(3) غرضه من هذه الجملة تقديم حق الميت على حقّ البائع، و هو مقدم على حق الأمة.

(4) أي: حين الدوران بين حقي الميت و الاستيلاد.

(5) من قوله في (ص 322): «و مما ذكرنا يظهر الوجه في استثناء الكفن و مئونة التجهيز ...». فالمراد بالمسألة السابقة هو المورد الأوّل من موارد القسم الأوّل.

(6) جواب «فإذا حكم».

(7) أي: و لازم تقديم حق الميت على حق الاستيلاد مع الدين هو تقديم حق الميت على حق أمّ الولد إن لم يكن دين، إذ لا فرق في تقديم حق الميت بين وجود الدين و عدمه.

(8) معطوف على «عدم» أي مع انحصار الحق في الميت و الأمة.

(9) هذا استدراك على قوله: «و لازم ذلك تقديمه عليها» و حاصله: منع استفادة تقدم حق الكفن على حق الاستيلاد مطلقا و لو مع عدم الدين.

و ملخص وجه المنع: أنّ تقديم حق الكفن على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين يكون لأجل تقديم الكفن على الدين، إذ لو لم يقدّم على الدين يلزم

ص: 382

لمّا ثبت بالدليل السابق (1) تقديم دين ثمن أمّ الولد على حقّها، و ثبت بعموم النصّ (2) تقديم الكفن على الدّين، اقتضى (3) [1] الجمع بينهما تخصيص جواز

______________________________

مخالفة النص الدال صريحا على تقديم الكفن على الدين. فالجمع بين دليلي تقديم الكفن على الدين، و تقديم الدين مطلقا- أو خصوص دين الثمن- على حق الاستيلاد، أوجب تقديم حقّ الكفن على حق الاستيلاد، المتأخر عن الدين. فحق الكفن يقدّم على حق الاستيلاد في صورة وجود الدين لا مطلقا.

و عليه فلا يستفاد من تقديم حق الكفن على الدين تقديمه على حق الاستيلاد مطلقا حتى بدون الدين- كما هو مفروض البحث- ليجوز بيعها في الكفن.

فمع الدوران بين الكفن و الاستيلاد يحتاج تقديم حقّ الكفن عليه إلى دليل، و بدون الدليل يرجع إلى عموم المنع عن البيع، على ما أسّسه المصنف قدّس سرّه في بيع أمّ الولد، أو إلى عمومات جواز البيع على ما اختاره غيره، هذا.

(1) و هو ما دلّ على جواز بيعها في ثمنها، كصحيحة ابن يزيد.

(2) المراد به النص الدال على أنّ أوّل ما يبدأ من مال الميت هو الكفن، لشموله لوجود الدين و عدمه.

(3) جواب الشرط في «لما ثبت» و تقدم وجه اقتضاء الجمع التخصيص.

______________________________

[1] لم يظهر وجه لهذا الجمع بعد كون النسبة بين دليلى بيعها في الثمن و حق الكفن عموما من وجه، لافتراقهما في بيعها في الثمن مع عدم الحاجة إلى الكفن، إمّا لوجوده، و إمّا لبذل باذل له.

و في الحاجة إلى الكفن مع عدم الدين.

و اجتماعهما في بيعها في الثمن مع الحاجة إلى الكفن، فإنّ مقتضى دليل جواز البيع في الثمن جوازه فيه، و مقتضى دليل الكفن عدمه، و لا مرجّح لأحدهما على الآخر، فيتساقطان، و يرجع إلى قاعدة المنع كما اختارها المصنف، أو إلى عمومات

ص: 383

صرفها في ثمنها بما (1) إذا لم يحتج الميت إلى الكفن بنفسه (2) أو لبذل باذل. أو بما (3) إذا كان للميّت مقابل الكفن، لأنّ مقابل الكفن غير قابل للصّرف في الدّين (4)، فلو لم يكن غيرها لزم من صرفها في الثمن تقديم الدّين على الكفن (5).

أمّا (6) إذا لم يكن هناك دين، و تردّد الأمر بين حقّها و حقّ مولاها الميّت،

______________________________

(1) متعلق ب «تخصيص» يعني: اختصاص بيعها في ثمنها بعدم الحاجة إليها في الكفن.

(2) يعني: أنّ عدم الاحتياج إلى صرف أمّ الولد في الكفن يكون تارة لأجل أنّ المولى أعدّ لنفسه كفنا قبل وفاته، و اخرى لأجل بذل ذلك له.

(3) معطوف على «بما إذا» أي: اختصاص بيعها في ثمنها بما إذا كان للميّت مال بمقدار الكفن، فيشترى به، و لا تباع أمّ الولد في ثمنها حينئذ.

(4) لكون أوّل ما يتعلق بالتركة هو حق الكفن- كما تقدم في (ص 375)- ثم الدين، ثم الاستيلاد.

(5) مع صراحة النص في تقديم الكفن على الدين.

(6) هذا عدل لمحذوف، فكأنه قال: «هذا إذا كان على الميت دين. و أما إذا لم يكن ... الخ» و غرضه- كما تقدم آنفا- اختصاص تقديم حق الكفن على حقّ الاستيلاد بصورة وجود الدين، حتى يقال: إنّ المقدّم على المقدّم على الشي ء مقدّم على الشي ء. فلو لم يكن هناك دين لم يبق مجال لقياس المساواة، و حينئذ يتردد الأمر بين الحقّين المتزاحمين، و تقديم حق الميّت منوط بدليل عليه، و هو ما دلّ على كون الكفن أوّل ما يبدأ به من المال.

______________________________

صحة البيع كما اختارها غيره.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ بيعها في الكفن عنوان ثانوي، و عنوان «أمّ الولد» بالنسبة إليه عنوان أوّلي، فيحمل على الاقتضائي، و الأول على الفعلي، فيجوز بيعها في كفن مولاها من دون تعارض بين حق الاستيلاد و بين حق الكفن كما لا يخفى.

ص: 384

فلا دليل (1) على تقديم حقّ مولاها، ليخصّص به (2) قاعدة المنع عن بيع أمّ الولد، عدا (3) ما يدّعى من قاعدة تعلّق حقّ الكفن بمال الميت.

لكن الظاهر (4) اختصاص تلك القاعدة بما إذا لم يتعلّق به حقّ سابق مانع من التصرف فيه، و الاستيلاد (5) من ذلك الحق. و لو فرض تعارض الحقّين (6)

______________________________

لكن الظاهر اختصاص صرف المال في الكفن بما إذا لم يتعلق حق سابق به يمنع من التصرف فيه، و المفروض أنّ أمّ الولد قد تشبثت بالحرية في حياة المولى، فلها حقّ الانعتاق على ولدها، و من المعلوم أنّه لا إطلاق لدليل حق الكفن حتى يثبت به تقديمه على حق الاستيلاد. و لو فرض الإطلاق تعارض دليل حق الكفن و دليل حق الاستيلاد، و بعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب منع التصرف الناقل لها، و سيأتي توضيحه.

(1) جواب الشرط في «أمّا إذا ...».

(2) أي: ليخصّص- بما دلّ على تقديم حقّ مولاها- القاعدة الكلية على منع بيع أمّ الولد.

(3) استثناء من قوله: «فلا دليل» و المدّعي صاحب المقابس قدّس سرّه، لما تقدم في عبارته من إطلاق تقديم الكفن على الدين و الاستيلاد.

(4) غرضه المناقشة في إطلاق تقديم حق الكفن على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة من الدين و الاستيلاد و الوصية و الإرث.

(5) يعني: و الاستيلاد حقّ سابق على الكفن، فيمنع من بيع أمّ الولد في كفن مولاها.

(6) أي: تعارض دليل حق الكفن المقتضي لبيع أمّ الولد فيه، مع دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع، فيتساقطان.

و ليس المراد به تزاحم الحقّين، إذ لو كان كذلك تعيّن تقديم الأهم إن كان، و إلّا فالتخيير، فالتساقط و الرجوع إلى الاستصحاب من أحكام تعارض الدليلين لا تزاحم المقتضيين.

ص: 385

فالمرجع إلى أصالة فساد بيعها قبل الحاجة (1) إلى الكفن، فتأمّل (2).

______________________________

(1) الظاهر أنّ المراد بما قبل الحاجة هو زمان الحياة، إذ لو كان المراد به زمان الموت فلا إشكال في انعتاقها، و بحدوث الحاجة إلى الكفن لا تعود رقّا كما هو واضح. و لو كان قبل زمان الموت كما هو الظاهر فلا مجال للاستصحاب، لتبدل الموضوع و هو حياة المولى بموته، فلا يستصحب الحكم الثابت لأمّ الولد في حال حياة المولى.

(2) لعلّه إشارة إلى ما ذكرناه من تبدل الموضوع.

أو إلى: ما ذكرناه أيضا من عدم المجال للاستصحاب مع العنوان الثانوي، لكونه دليلا على ارتفاع فعلية الحكم بالعنوان الأوّلي.

أو إلى: أنّ المقام مورد للرجوع إلى عموم صحة البيع، لا إلى استصحاب حكم الخاص، كما تمسّك بالعموم فيما سيأتي في (ص 435) عند البحث عن إسلام أمّ الولد عن مولى ذمي.

و تقريب الرجوع إلى العام كما في بيان المحقق الأصفهاني قدّس سرّه هو: أنّ عموم حل البيع بمقتضى الانحلال يتكفل أحكاما متعددة لأفراد مقدّرة الوجود، خرج منها بيع مقيّد كبيع أمّ الولد هنا، و حيث إنّ المحلّ غير قابل إلّا لفرد واحد منه فلا جرم تكون جميع تروكه مطلوبة، إذ لا ينعدم ما تقوم به المفسدة من الأفراد إلّا بترك الكل، فالمطلوب بالمنع عن بيع أمّ الولد جميع تروكه. و الخارج عن تحت عموم صحة البيع جميع الأفراد المفروضة في زمان حياة المولى، و عدم الحاجة إلى الكفن، فتروكها هي المطلوبة.

و أمّا سائر أفراد البيع المفروضة بعد الموت فهي على حالها مشمولة لعموم دليل الصحة، و لا دليل على مطلوبية تركها، إلّا أنّ الفرد المردد خارج، و الترك المردّد مطلوب «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 287 و 288

ص: 386

نعم (1) يمكن أن يقال- نظير ما قيل (2) في الدّين-:

______________________________

(1) استدراك على ما أفاده من عدم الدليل على تقديم حق مولاها، و غرضه الجمع العرفي بين دليلي حق الكفن و حق الاستيلاد، بأولوية المقام مما سبق في مطلق الدين.

و توضيحه: أنّه لو كان على مولاها دين غير ثمنها، و لم يخلّف ما يفي بالدين، انعتقت أمّ الولد بمقدار نصيب ولدها، و تعلّق حقّ الديان بقيمتها لا بعينها، فتتحرّر بالسراية، و تسعى للديان في بقية قيمتها، جمعا بين ما دلّ على عدم سقوط حقّهم عن التركة، و ما دلّ على ثبوت حقّ الاستيلاد. و لمّا كان حق الديان في قيمتها متأخّرا عن حقّ الميت في كفنه، فبالأولوية لا بدّ من تعلق حق الميت في مئونة تجهيزه بقيمتها أيضا و إن لم يحرز تعلقه بعينها.

و الوجه في الأولوية عدم احتمال خصوصية موجبة لتعلق حق الغرماء بقيمتها حتى يقتصر في وجوب السعي عليها- أو على ولدها- على مورد الدين، و يقال بانتفاء تلك الخصوصية في حق الميّت.

و بهذا الوجه يجمع بين حقّ الميت في ماله مقدّما على سائر الحقوق، و بين الحق السابق المانع من التصرف في عينها، و يقال بتعلق مئونة التجهيز بذمة الولد، في قبال نصيبه من الامّ، أو بذمة نفسها، فتسعى و لو بإيجار نفسها، و أخذ الأجرة قبل العمل من جهة رعاية فوريّة التجهيز و عدم فوت الوقت.

قال في المقابس- بعد الفرق بين الدين و الكفن-: «و على هذا فلو أمكن باستسعائها تحصيل الكفن وقت الحاجة إليه تعيّن العتق، و لم يجز البيع. و كذلك لو قلنا بتقويمها على ولدها» «1».

(2) كقوله ردّا على المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «بأنّ المستفاد من ظاهر الأدلة انعتاقها من نصيب ولدها حتى مع الدين المستغرق، لكن ذلك لا ينافي اشتغال ذمة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

ص: 387

من أنّ الولد يرث (1) نصيبه، و ينعتق عليه، و يتعلق بذمّته (2) مئونة التجهيز، أو تستسعي (3) امّه و لو بإيجار نفسها في مدّة، و أخذ الاجرة قبل (4) العمل، و صرفها في التجهيز. و المسألة محلّ إشكال (5).

[المورد الثالث إذا جنت على غير مولاها في حياته]

و منها (6): ما إذا جنت على غير مولاها

______________________________

الولد قهرا بقيمة نصيبه، أو وجوب سعيها في القيمة جمعا ...» فلاحظ (ص 362).

(1) أي: يرث الولد نصيبه من امّه، و ينعتق ذلك النصيب.

(2) أي: بذمة الولد، كما احتمل تعلق حق الديان بقيمة الام في ذمة ولدها، لكونها تالفة عليه.

(3) معطوف على «يتعلق» و تقدّم هذا في الدين احتمالا ثالثا، فراجع (ص 365).

(4) التقييد بالقبل لكونه وقت الحاجة إلى شراء الكفن قبل القيام بالعمل.

(5) لعلّ منشأ الإشكال أن حمل «تعلق حق الميت بالتركة» على تعلقه بذمة التركة- التي هي أمّ الولد- لا يخلو من تكلّف.

و على هذا فما يتحصّل من كلمات المصنف قدّس سرّه في هذا المورد قصور مقام الإثبات، و عدم وفاء الدليل بجواز بيعها في كفن سيّدها.

3- لو جنت على غير مولاها

(6) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد ثالث ممّا قيل باستثنائه من عموم المنع عن بيع أمّ الولد، و هو ما إذا جنت في حياة مولاها، فإن كان المجني عليه مولاها فسيأتي في المورد الرابع. و إن كان أجنبيا فحكمه التخيير.

و الوجه في عدّ جناية أمّ الولد من موارد تخصيص عموم منع بيعها هو دعوى عموم منع بيعها- سواء أ كان البائع سيّدها أو غيره- حتى يتجه الاستثناء بجواز بيعها بعد انتقالها قهرا إلى المجني عليه.

و كيف كان فالبحث في هذا المورد في مقامين، أحدهما: في حكم جنايتها عمدا،

ص: 388

في حياته (1)، أمّا بعد موته فلا إشكال في حكمها، لأنّها بعد موت المولى تخرج عن التشبث بالحرية، إمّا إلى الحرية الخالصة (2)، أو الرّقية الخالصة (3).

و حكم جنايتها عمدا (4): أنّه إن كان في مورد ثبت القصاص (5)،

______________________________

و ثانيهما، في حكمها خطأ.

(1) يعني: أنّ المقصود بعدّ مورد الجناية من القسم الأوّل- الذي تعلق حق الغير بها- هو وقوع الجناية في حياة المولى، لكونها بسبب الاستيلاد متشبثة بالحرية، و مولاها ممنوع شرعا عن بيعها، فلو جنت بعد موت المولى لم تكن متشبثة بالحرية، بل إمّا صارت حرة خالصة من نصيب ولدها، فيكون جنايتها جناية الحرة لا المملوك حتى يسترقّ. و إمّا عادت إلى الرقية المحضة إن بيعت بعد موت سيدها في ثمن رقبتها، فهي رق قنّ.

(2) لانعتاقها بالتقويم على نفسها أو ولدها إن كان دين الميت غير ثمن أمّ الولد.

(3) كما إذا كان دين المولى ثمن أمّ الولد، فإنّها تباع لأدائه، فتكون رقا خالصا.

و حكم جناية الحرّة الخالصة و الرق الخالص واضح.

(4) يعني: في حال حياة المولى، لأنه مورد البحث و هذا شروع في المقام الأول.

ثم إنّ الجناية إن كانت عمدا- في مورد ثبوت القصاص نفسا أو طرفا- فللمجني عليه الخيار بين القصاص نفسا أو طرفا- على ما تقتضيه الجناية- و بين استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب الجناية، فالمقدار الذي يسترق منها يصير ملكا طلقا للمسترق، فيبطل حق الاستيلاد و يجوز بيعها.

و إن كانت خطأ فحكمها التخيير بين تسليم الجاني كلّا أو بعضا على حسب ما تقتضيه الجناية، و بين فكه- بأقل الأمرين من أرش الجناية و قيمة الجاني على المشهور، أو الأرش مطلقا على قول- للمولى، كما سيأتي في (ص 397).

(5) بأن تحقّقت شروط القصاص، و أمكن ذلك و لم تتعيّن الدية.

فمن الشروط التساوي في الدّين، فلو كانت الجانية مسلمة، و كان المجني عليه كافرا، لم يقتصّ منها و تعيّن الدية.

ص: 389

فللمجنيّ عليه القصاص، نفسا (1) كان أو طرفا، و له (2) استرقاقها كلّا أو بعضا على حسب جنايتها (3)، فيصير المقدار المسترقّ منها ملكا طلقا (4).

______________________________

و منها كون المجني عليه محقون الدم شرعا.

و منها: العقل. و غيرها مما ذكر في كتاب القصاص «1».

و لو تحققت الشرائط و تعذر القصاص تعيّنت الدية، كما إذا جنت بقطع يد و لم يكن لها يد أو رجل ليتقصّ منها.

(1) المراد من ثبوت حق القصاص للمجني عليه- في الجناية على النفس- هو ثبوته لوليّ الدم. فحق القصاص للمجني عليه إنّما هو في الجناية على الطرف و الجرح.

(2) معطوف على «فللمجني عليه» و هذا هو تخييره بين القصاص و الاسترقاق.

(3) فإن كان أرش الجناية مساويا لقيمة أمّ الولد استرقّها بتمامها، و إن كان الأرش أقلّ من قيمتها استرقّ منها بالنسبة، كما إذا قدّر الجرح بخمسين دينارا، و قيمتها مائة دينار و امتنع مولاها من دفع المال، فللمجروح استرقاق نصفها.

قال المحقق في جناية العبد عمدا: «و لو قتل العبد حرّا، قتل به، و لا يضمن المولى جنايته، لكن ولي الدم بالخيار بين قتله و استرقاقه ... و لو جرح حرّا، كان للمجروح الاقتصاص منه. فإن طلب الدية فكّه مولاه بأرش الجناية. و لو امتنع كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية. و إن قصر أرشها كان له أن يسترقّ منه بنسبة الجناية من قيمته» «2».

و لو زاد أرش الجناية على قيمتها لم يضمنها المولى، لأنّه لا يعقل مملوكه.

(4) فيجوز للمسترقّ معاملة الملك الطّلق مع أمّ الولد بأن يبيعها أو يهبها، و هذا الحكم هو الموجب لعدّ جناية أمّ الولد من موارد جواز بيعها.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 216- 204

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 205

ص: 390

و ربما تخيّل بعض (1) أنّه يمكن أن يقال: إنّ رقّيّتها للمجني عليه لا تزيد (2) على رقّيّتها للمالك الأوّل، لأنّها (3) تنتقل إليه (4) على حسب ما كانت عند الأوّل.

ثمّ ادعى (5) أنّه يمكن أن يدّعى ظهور أدلة المنع- خصوصا صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة- في عدم بيع أمّ الولد مطلقا.

______________________________

و خالف صاحب الجواهر قدّس سرّه في صيرورتها ملكا طلقا بعد الاسترقاق، كما سيأتي.

(1) و هو صاحب الجواهر، قال فيه ما نصه: «بل لو قيل إنّه للمجني عليه استرقاقها، أمكن أن يقال: إنّها لا تزيد على رقيتها للمالك الأوّل، لأنّها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأوّل» «1».

و حاصل مرامه قدّس سرّه: أنّ ملكية المسترق لأمّ الولد لمّا كانت مترتبة على ملكية المولى المستولد لها و متلقّاة منه، لم ينتقل إلى المجني عليه إلّا الملكية على الوجه الثابت لمستولدها. و من المعلوم أن تلك الملكية لم تكن طلقا، و كذا بعد الاسترقاق، فلا يجوز بيعها للمولى الثاني أيضا.

و عليه فلا تكون الجناية موجبة لجواز بيعها بعد الاسترقاق، بل حال أمّ الولد بعد الاسترقاق كحالها قبله.

(2) خبر قوله: «إنّ رقيتها» و المراد بعدم الزيادة أنّ ملكية المسترق تكون على حدّ ملكية المولى المستولد، و لا يوجب الاسترقاق تغييرا في ملكية المسترق من حيث الطّلقية و عدم الطّلقية.

(3) أي: لأن أمّ الولد، و هذا تعليل لعدم حدوث تغيير في المملوك بالاسترقاق.

(4) أي: إلى المجني عليه.

(5) يعني: ادّعى البعض و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه حيث قال فيه: «لا يقال:

إنّ أمّ الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد، أمّا إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 379

ص: 391

..........

______________________________

جواز بيعه لها وجه، لعموم تسلط الناس على أموالهم مع عدم المانع بالنسبة إليه. لأنّا نقول: يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أمّ الولد مطلقا» «1».

و مراده بالإطلاق عدم جواز بيعها حتى لغير المولى المستولد لها.

و المتحصّل من كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه- في منع بيعها عند المجنيّ عليه- أمران:

أحدهما: عدم المقتضي لصيرورة الأمة بالاسترقاق ملكا طلقا، و هو الذي أفاده أوّلا بقوله: «يمكن أن يقال».

و ثانيهما: وجود المانع عن الملك الطّلق، و هو ما نقله المصنف عنه ثانيا بقوله:

«يمكن أن يدّعى» و محصّله: إطلاق الدليل المانع عن بيع أمّ الولد [1].

و ناقش الماتن في كليهما كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

[1] لكنه عدل في كتاب القصاص عما أفاده هنا إلى جواز بيعها بعد الاسترقاق، سواء أ كانت الجناية عمدا أو خطأ، مدّعيا أنّه لا وجه لاستثناء هاتين الصورتين من عموم المنع عن بيعها، لعدم كون البائع سيّدها المنهي عن بيعها.

قال قدّس سرّه: «نعم إذا استرقها المجنيّ عليه ملكها ملكا تامّا، له بيعها، لأنّه ليست أم ولد بالنسبة إليه. بل لا يبعد جواز شراء المولى إيّاها منه، و لا يلحقها حكم الاستيلاد، لأنّه ملك جديد بسبب جديد ... الخ» «2».

و الاعتبار يؤيّد جواز البيع أيضا، فإنّ التخيير بين الإتلاف- الذي هو السلطنة على إعدامها- و بين الاسترقاق يقتضي الرقية المطلقة، فلا مانع من بيعها، فراجع و تأمّل.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 379

(2) المصدر، ج 42، ص 118

ص: 392

و الظاهر (1) أنّ مراده بإمكان القول المذكور مقابل امتناعه عقلا، و إلّا (2) فهو احتمال مخالف للإجماع و النص الدال على الاسترقاق (3)، الظاهر (4) في صيرورة الجاني رقّا خالصا.

و ما وجّه [1] به هذا الاحتمال

______________________________

(1) هذا إشكال على الأمر الأوّل، و محصّله: أنّ مراد الجواهر بالإمكان إن كان الاحتمال المتطرق في مقام الثبوت- بمعنى عدم كون القول المزبور ممتنعا عقلا- فهو و إن كان صحيحا، لكن مجرد إمكان شي ء ثبوتا لا يجدى ما لم يقم عليه دليل في مقام الإثبات. و إن كان هو الاحتمال المساوق لمساعدة الدليل عليه في مقام الإثبات، فمنعه واضح، لمخالفته للنص و الإجماع المقتضيين لترتب آثار المملوك القنّ على أمّ الولد بسبب جنايتها.

(2) أي: و إن كان مراده بالإمكان وفاء الدليل بكون ملكية أمّ الولد للمسترق على حدّ ملكيتها للمستولد، فهو مخالف للإجماع.

(3) مثل ما في معتبرة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقّوه» «1».

و ظاهر «الاسترقاق» ترتيب أحكام الرق المطلق عليه من جواز نقله إلى الغير ببيع و شبهه. و هذا حكم جناية المملوك مطلقا سواء أ كان أمّ ولد أم غيرها.

(4) هذا الظهور ناش عن إطلاق الاسترقاق، و ليس انتقالا اختياريا حتى يقال: إنّ المجني عليه أو وليّه يتلقّى الملك من مولى الجاني، و لا تزيد ملكيته عن ملكيته، بل هو انتقال قهري بحكم الشارع.

______________________________

[1] قد عرفت عدوله عنه في كتاب القصاص، و لم يذكره هنا اختيارا، بل احتمالا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

ص: 393

- من (1) أنّها تنتقل إلى المجنيّ عليه على حسب ما كانت عند الأوّل- فيه (2): أنّه ليس في النصّ إلّا الاسترقاق، و هو جعلها رقّا له كسائر الرقيق، لا انتقالها (3) عن المولى الأوّل إليه حتى يقال: إنّه إنّما كان على النحو الذي كان للمولى الأوّل (4).

و الحاصل (5) [1]: أنّ المستفاد بالضرورة من النصّ و الفتوى: أنّ الاستيلاد

______________________________

(1) بيان للموصول في «ما وجّه» و تقدم بيان التوجيه.

(2) خبر قوله: «و ما وجّه».

(3) معطوف على «الاسترقاق» يعني: ليس في النصّ انتقالها اختياريا حتى يمكن القول بانتقالها إلى المجني عليه أو وليّه على النحو الذي كان للمولى الأوّل.

(4) من عدم جواز انتقالها عنه.

(5) غرضه أنّ الاسترقاق خارج موضوعا عن حيّز الأدلة المانعة عن بيع أمّ الولد، لأنّها تنهى عن بيعها في شأن من شئون سيّدها إمّا لأداء دين ثمنها أو غيره، و إمّا للصرف في كفنه. و أمّا الاسترقاق لأجل جنايتها فليس راجعا إلى شئون مولاها، فلا بأس به.

______________________________

[1] الأولى سوق العبارة هكذا: «و ما ادعاه من ظهور أدلة المنع ... فيه: أن المستفاد» و وجه الأولوية أن المذكور بعد كلمة «و الحاصل» إبطال للمانع الذي أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه. و لم يسبق من المصنف ردّه حتى يكون هذا حاصله، إذ المذكور قبله ناظر إلى منع كلام الجواهر في مرحلة الاقتضاء.

لكن سبق من المصنف مثل ذلك. فقد يذكر مطلبا آخر بقوله: «و الحاصل» و هو غير متحصل من سابقه، كما مرّ في بيع الوقف «1»، و سيأتي في خيار الغبن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 619

ص: 394

يحدث للأمة حقّا على مستولدها (1) يمنع (2) من مباشرة بيعها، و من البيع لغرض عائد إليه، مثل قضاء ديونه و كفنه، على خلاف في ذلك (3).

______________________________

و حينئذ، فإن أراد المسترقّ بيعها فلا مانع منه، لأنّها ليست أمّ ولد له، و المفروض أنّ حق الاستيلاد ثابت على مستولدها فقط.

نعم إن اريد بقوله عليه السّلام: «لا تباع» عدم قابليتها للبيع مطلقا كما استظهره في الجواهر من أدلة عدم جواز بيعها- خصوصا صحيح ابن يزيد- لم يكن حقّ الاستيلاد مختصا بالمستولد، بل لا يجوز لمسترقها أيضا بيعها. لكن هذه الاستفادة في غاية الإشكال.

و قد ظهر مما ذكرنا: أنّ مقصود المصنف قدّس سرّه من قوله: «و الحاصل» رفع المانع عن صيرورة أمّ الولد ملكا طلقا للمجني عليه بالاسترقاق، بتقريب: أنّ دليل حق الاستيلاد المانع عن البيع لا يثبت هذا الحق إلّا على مستولدها، دون من يكون أجنبيا عنها، كمن يسترقها بالجناية. و بعد قصور دليل حق الاستيلاد عن إثبات الحق على غير المولى المستولد لا مانع من إطلاق الاسترقاق المقتضي لكون أمّ الولد ملكا طلقا للمسترق، هذا.

(1) الأولى إضافة «فقط» إليه، إذ المقصود اختصاص الدليل المانع عن البيع بالسيّد.

(2) نعت ل «حقّا» فالممنوع هو البيع، سواء أ كان البائع سيّدها، أم كان غيره و لكن عاد نفع البيع إلى السيد، كقضاء ديونه بثمنها، بناء على جواز بيعها في مطلق الدين كما اختاره بعض، و كبيعها في كفن السيد بناء على جوازه. فإن جاز البيع في هذين الموردين فللدليل المخصّص لعموم المنع.

(3) أي: في جواز البيع لغرض عائد إلى المستولد، كقضاء ديونه- غير ثمن رقبتها- و كفنه.

هذا حكم جنايتها عمدا على غير مولاها.

ص: 395

و إن كانت (1) الجناية خطأ، فالمشهور أنّها (2) كغيرها من المماليك،

______________________________

(1) معطوف على «و حكم جنايتها عمدا» و الأنسب بالسياق أن يقال:

«و حكم جنايتها خطأ» و هذا شروع في المقام الثاني، و حاصله: أنه لا قصاص في جناية المملوك خطأ، أمّ ولد كان أم غيرها. و اختلفوا في حكمها على أقوال ثلاثة:

الأوّل: تخيير المولى بين أمرين:

أحدهما: دفعها إلى المجنيّ عليه أو وليّه. فإن استوعبت الجناية قيمة أمّ الولد استرقها تماما. و إن لم تستوعبها كان للمجني عليه منها مقدارا يعادل الجناية. فلو كان قيمتها مائة دينار، فإن بلغ أرش الجناية مائة أو زاد عليها دفعت إلى المجني عليه و استرقها. و إن كان الأرش أقلّ من قيمتها، استرقّ المجنيّ عليه منها بقدر الجناية.

ثانيهما: فكّ رقبتها ببذل الفداء إلى المجني عليه. و اختلفوا في مقدار الفدية.

فالمشهور- كما في المقابس «1»- أنّه أقلّ الأمرين من قيمتها و أرش الجناية، فلو كان قيمتها مائة دينار، فإن كان قدر الجناية ثمانين دينارا اقتصر على الأرش. و إن كان قدرها مائة و عشرين دينارا دفع قيمتها- و هي المائة- إلى المجني عليه، و لا شي ء عليه و لا على أمّ الولد.

القول الثاني: كون الفداء بأرش الجناية بلغ ما بلغ، نسب إلى جماعة كالشيخ في الخلاف، و غيره.

القول الثالث: أنّه يلزم السيد أرش الجناية، و لا تخيير بين الفداء و دفعها إلى المجني عليه، كما عن المبسوط، و سيأتي.

(2) أي: أنّ أمّ الولد تكون كسائر المماليك في تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء. قال الشهيد الثاني- بعد حكاية التخيير بين الدفع و الفداء-:

«و ليس الحكم مختصّا بامّ الولد، بل بكلّ مملوك» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

(2) مسالك الأفهام، ج 10، ص 531

ص: 396

يتخيّر (1) المولى بين دفعها أو دفع (2) ما قابل الجناية منها إلى المجنيّ عليه، و بين (3) أن يفديها بأقلّ الأمرين (4) على المشهور (5)، أو بالأرش، على ما عن الشيخ (6) و غيره.

______________________________

(1) هذا وجه الشبه في لفظ «كغيرها».

(2) المراد من دفع مقابل الجناية هو استرقاقها بقدر ما جنت.

(3) معطوف على «بين دفعها» و هذا عدل الدفع و التسليم إلى المجني عليه، المفروض وجوبه على المولى تخييرا.

(4) من الأرض و القيمة. فإن كان الأقلّ هو الأرش، فلا إشكال فيه كما هو ظاهر. و إن كان هو القيمة، فلكونه بدلا عن العين، فيقوم مقامها، إذ الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و المولى لا يعقل مملوكه. فلا وجه للزائد عليه.

(5) يعني: أو يفديها بالأرش تعيينا و إن كان أكثر من القيمة، لأنّه الواجب أوّلا بالجناية.

(6) اعلم أنّ لشيخ الطائفة أنظارا ثلاثة في المسألة، فحكم تارة بالتخيير بين الفداء و تسليمها إلى المجني عليه، فإن اختار السيد الفداء كان بالأرش، لا بأقل الأمرين منه و من قيمتها.

و اخرى بتعين الأرش في رقبتها، و تخيير المولى بين الفداء و البيع.

و ثالثة بتعين الأرش على المولى، و عدم تخييره بين الفداء و التسليم للبيع.

و ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه من التخيير بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء بخصوص الأرش مذكور في جراح المبسوط في حكم جناية العبد، قال قدّس سرّه: «إذا جنى العبد تعلّق أرش الجناية برقبته، فإن أراد السيد أن يفديه، فبكم يفديه؟ عند قوم بأقلّ الأمرين ... و عند آخرين بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، أو يسلّمه للبيع، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر. و هذا أظهر في رواياتنا

ص: 397

و عن الخلاف و السرائر و استيلاد المبسوط (1):

______________________________

على ما بيّنّاه» «1» و نحوه في جنايات الخلاف. و هو ظاهر المحقق قدّس سرّه «2».

(1) قال في استيلاد المبسوط: «أمّ الولد إذا جنت وجب بها أرش، فإنّ الأرش يتعلق برقبتها بلا خلاف، و هو بالخيار بين أن يفديها أو يبيعها عندنا. و عندهم على السيد أن يفديها و يخلّصها من الجناية» «3». و نحوه كلام ابن إدريس قدّس سرّه «4».

و قال في الخلاف- بعد ما نقل أنّ جناية أمّ الولد على سيدها عند الفقهاء إلا أبا ثور- ما لفظه: «و عندنا أنّ جنايتها مثل جناية المملوك سواء، على ما مضى فيه من أنّ السيد بالخيار بين أن يؤدي أرش جنايتها أو يسلّمها».

و قال في جناية العبد: «تعلّق أرش الجناية برقبته. فإن أراد السيد أن يفديه كان بالخيار بين أن يسلّمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته» «5» أي بالغا ما بلغ.

و الظاهر أنّ غرض المصنف قدّس سرّه من بيان كلام الخلاف و السرائر و المبسوط إثبات التنافي بين دعويين:

الاولى: ما في استيلاد المبسوط و كذا السرائر من نفي الخلاف عمّا نسب إلى المشهور من كون الجناية على رقبة الجانية، و تخيير المولى بين دفعها أو دفع ما قابل الجناية منها إلى المجني عليه، و بين الفداء بأقل الأمرين من قيمة الأمة و دية الجناية.

الثانية: ما ادّعاه من نفي الخلاف- في ديات المبسوط- عن كون جنايتها على السيد إلّا من أبي ثور القائل بأنّ جنايتها في ذمتها تتبع بها بعد العتق.

______________________________

(1) المبسوط، ج 7، ص 7؛ و الحاكي الشهيد الثاني في المسالك، ج 10، ص 531 و حكاه صاحب المقابس عمّن نقله عن الشيخ. فلاحظ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79. و كذا ما يأتي.

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 208

(3) المبسوط، ج 6، ص 187

(4) السرائر، ج 3، ص 22

(5) الخلاف، ج 6، ص 419، كتاب الجنايات، المسألة: 5، و ص 271، المسألة: 88

ص: 398

أنّه (1) لا خلاف في أنّ جنايتها تتعلّق برقبتها (2).

لكن عن ديات المبسوط: أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف إلّا من أبي ثور، فإنّه جعلها (3) في ذمّتها تتبع بها بعد العتق (4).

______________________________

فإنّ المنافاة بين هاتين الدعويين ظاهرة، و لذا وجّهه في المقابس بأنّ المراد بنفي الخلاف في ديات المبسوط هو نفي الخلاف بين العامة. و لعلّه بقرينة استثناء أبي ثور.

(1) الضمير للشأن، و الجملة خبر مبتدء محذوف، و تقديره: «و المنقول عن الخلاف أنه ... الخ».

(2) الأولى زيادة «و يتخير المالك بين ... الخ» كما ورد في عبارته المنقولة، لئلّا يتوهم كون التعلق برقبتها قولا في مقابل التخيير.

(3) أي: جعل أبو ثور جناية أمّ الولد في ذمّتها، فتنعتق بموت المولى، و تسعى في أرش الجناية.

و الفرق بين تعلق الجناية برقبتها و بذمتها هو: أنّه على الأوّل تصير رقبتها مستحقة للمجني عليه أو وليّه، فيستحق دفعها إليه، إلّا أنّ للمولى فكّ رقبتها بماله إمّا بأقل الأمرين من الأرش و قيمتها، و إمّا بخصوص الأرش.

و على الثاني لا يتعلق حق الجناية برقبتها، فهي كما كانت قبل الجناية ملك لمولاها و متشبثة بالحرية، و ليس للمجني عليه استرقاقها، فتتحرّر بموت المولى، و تكون الجناية دينا في عهدتها، فيجب عليها أداؤها.

(4) هذا مضمون كلام المبسوط، و له تتمة ذكرناها في التعليقة. و على كلّ فهذه العبارة تغاير العبارتين المتقدمتين من جهتين:

إحداهما: تعيّن الأرش و عدم تخيير السيد بين الفداء و تسليم أمّ الولد إلى المجني عليه. خلافا لما تقدّم عن المشهور- بل ادعي عدم الخلاف فيه- من كون المولى بالخيار.

ثانيتهما: أنّ الأرش هو أقل الأمرين من قدر الجناية و قيمة أمّ الولد، و هذا

ص: 399

و هو (1) مخالف لما في الاستيلاد من المبسوط.

و ربما يوجّه (2) بإرادة نفي الخلاف بين العامة، و ربما نسب إليه الغفلة كما عن المختلف (3).

و الأظهر (4): أنّ المراد بكونها على سيّدها عود خسارة الجناية

______________________________

و إن وافق المشهور، لكنه خلاف ما تقدم منه من كون العبرة بأرش الجناية و إن زاد على قيمة أمّ الولد.

(1) أي: كون جنايتها على سيّدها مخالف لما في الاستيلاد، كما أنّه مخالف لما في الجراح.

(2) يعني: يوجّه ما في ديات المبسوط بأنّ المراد نفي الخلاف بين العامة، كما يفصح عنه عبارة الخلاف. و يوجّه ما في استيلاد المبسوط: بأن المراد نفي الخلاف بين الخاصة، فيرتفع المنافاة بين كلامي المبسوط في الاستيلاد و الديات.

ثم إن الموجّه هو صاحب المقابس قدّس سرّه «1».

(3) كذا في الجواهر أيضا «2»، و الناسب إلى المختلف هو الشهيد قدّس سرّه في الدروس.

(4) يعني: أن الأظهر في رفع التنافي- بين ما في ديات المبسوط و بين ما في استيلاده- أن يقال: إنّ المنافاة مبنية على إرادة وجوب الفدية على السيد تعيينا من «كون الجناية على السيد» كما هو ظاهر عبارة ديات المبسوط.

لكن يمكن منع ذلك، و إرادة خسارة المولى و نقصان ماله بسبب الجناية، لأنّه إمّا يدفع نفس الجانية أو غيرها من أمواله و هو الفداء. و على التقديرين يتضرّر المولى بسبب الجناية. و هذا المعنى لا ينافي ما في استيلاد المبسوط و غيره من تعلق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 79

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 378؛ الدروس الشرعية، ج 2، ص 224، و لكن لم أظفر في المختلف- في الطبعة الحديثة و الحجرية- بما حكاه الشهيد عنه، و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 400

على السيّد، في مقابل عدم خسارة المولى- لا من عين الجاني (1)، و لا من مال آخر (2)- و كونها (3) في ذمة نفسها تتبع بها بعد العتق، و ليس المراد وجوب فدائها.

و على هذا (4) أيضا (5) يحمل ما في رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

الجناية برقبة الجاني، و تخيير المولى بين دفعها إلى المجني عليه و بين الفداء بمال آخر، هذا [1].

(1) بأن لا يسلّمها للمجني عليه ليسترقّها أو يبيعها.

(2) بأن لا يفديها لا بخصوص الأرش و لا بأقل الأمرين من الأرش و قيمتها.

(3) معطوف على «عدم الخسارة» و مفسّر له، إذ معنى عدم تحمل المولى للخسارة كون الجناية في ذمة نفسها.

(4) أي: و على إرادة كون الخسارة على السيد- من ماله المردّد بين الجاني و بين سائر أمواله- يحمل ما ورد في رواية مسمع بن عبد الملك من أنّ جناية أمّ الولد في حقوق الناس على سيّدها، يعني: أنّ الأمة لا تتحمّل شيئا ممّا جنته، و لا شي ء في ذمّتها أصلا.

(5) يعني: كما حمل كلام المبسوط على ذلك، و عدم إرادة وجوب فدائها على السيّد.

______________________________

[1] و لكن الظاهر عدم مساعدة عبارة ديات المبسوط على توجيه المصنف، لأنه قال بعد العبارة التي نقلها المصنف بلا فصل ما لفظه: «فإذا ثبت أنّ عليه الضمان، فالذي عليه أقل الأمرين من أرش جنايتها أو قيمتها. فإن كان الأرش أقلّ فليس للمجني عليه أكثر من أرش جنايته. و إن كان الأرش أكثر، فليس عليه إلّا القيمة، لأنّه هو القدر الذي هو قيمتها» «1» فتدبّر.

______________________________

(1) المبسوط، ج 7، ص 160 و اختاره القاضي في المهذب، ج 2، ص 488

ص: 401

«قال: أمّ الولد جنايتها في حقوق الناس على سيّدها، و ما كان من حقوق اللّه (1) في الحدود (2) فإنّ ذلك (3) في بدنها (4)» «1».

فمعنى كونها (5) على سيّدها: أنّ الأمة بنفسها لا تتحمّل من الجناية شيئا [1].

و مثلها (6) ما ارسل عن عليّ عليه السّلام: «في المعتق عن دبر هو من الثلث،

______________________________

(1) كذا في النسخ، و لكن في الوسائل: زيادة «عزّ و جلّ».

(2) كشرب الخمر و الزنا و نحوهما من المحرّمات المستوجبة لحدّ أو تعزيز.

(3) يعني: أنّ ما كان من حقوقه تعالى فهو في بدنها، و لا يتحمّل السيد شيئا عنها.

(4) كذا في النسخ، و المناسب زيادة «الخبر» إذ للرواية تتمة.

(5) أي: معنى كون جنايتها- في حقوق الناس- على سيدها هو أنّ الأمة بنفسها ... الخ.

(6) أي: و مثل رواية مسمع ما أرسله الصدوق قدّس سرّه عن أمير المؤمنين عليه السّلام، و رواه الشيخ مسندا عنه عليه السّلام. و الظاهر اعتماد المصنف على نقل المقابس «2»، و إلّا

______________________________

[1] لعلّ تقييد إطلاق جناية المملوك بغير «أمّ الولد» أولى من التصرف في ظهور «على سيّدها» بالحمل على كون الخسارة على السيد، و ذلك لما أفاده المحققان التقي الشيرازي و الأصفهاني قدّس سرّهما، من مخالفة الحمل المزبور لظاهر المقابلة بين جنايتها في حقوقه تعالى و بين جنايتها في حقوق الناس، و أنّ الضرر في الأولى متمحض في بدنها، و في الثانية متمحض على السيد. و لا يصدق تحمل السيد للخسارة- بقول مطلق- إلّا بتعيّن الفداء في ذمته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 76، الباب 43 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

(2) مقابس الأنوار، ص 79 من كتاب البيع

ص: 402

و ما جنى هو و أمّ الولد فالمولى ضامن لجنايتهم» «1».

و المراد من جميع ذلك (1): خروج دية الجناية من مال المولى المردّد بين ملكه الجاني (2) أو ملك آخر.

______________________________

ففي الوسائل هكذا: «المعتق عن دبر فهو من الثلث، و ما جنى هو و المكاتب ...».

و طرح صاحب المقابس كلتا الروايتين لضعف السيد، و موافقة العامة «2».

و لم يحملهما على ما في المتن.

(1) أي: أن المراد- من كون «أرشها على سيّدها» الوارد في الرويتين و كذا في ديات المبسوط- هو تحمل المولى لخسارة جناية أمّ ولده إما بتسليم الأمة إلى المجني عليه، و إمّا بدفع أرش الجناية.

(2) صفة ل «ملك» و تذكير الوصف بلحاظ الملك، و إن كانت الجناية من أمّ الولد.

______________________________

و توجيه ذلك بأنّ دفع الأمة خارجا ضرر على السيد كالفداء ممنوع بأنّ تسليمها للمجني عليه كما أنّه ضرر على المولى من حيث خروج المال عن ملكه، كذلك ضرر على أمّ الولد من حيث صيرورتها رقّا خالصا و انقطاع تشبثها بالحرية.

و يؤيّده: أنّ الخسارة المالية من حيث نفس أمّ الولد غير ملحوظة، و إلّا فجنايتها في حقوق اللّه المنصوص في كونها في بدنها أيضا خسارة في مال السيد.

فيعلم أنّ التقابل بين ضرر متوجه إلى السيد في ماله، و ضرر متوجه إلى عين الأمة في بدنها.

فالأولى ترك رواية مسمع بإعراض المشهور عن الفتوى بها «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 78، الباب 8 من أبواب كتاب التدبير، الحديث: 2؛ الفقيه، ج 3، ص 124، الحديث: 3468

(2) مقابس الأنوار، ص 80 من كتاب البيع

(3) حاشية المحقق التقي على المكاسب، القسم الثاني، ص 54؛ حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 290

ص: 403

و كيف كان (1)، فإطلاقات حكم جناية مطلق المملوك (2) سليمة عن المخصّص.

و لا يعارضها (3)

______________________________

(1) يعني: سواء تمّ توجيه كلام المبسوط و الروايتين بإرادة تحمّل الخسارة، أم لم يتم- لوجود القرينة في كلام الشيخ على إرادة تعيّن الأرش، و كذا ظهور الروايتين في ذلك- فالمعوّل عليه هو إطلاق النصوص المتكفّلة لحكم جناية المملوك، سواء أ كان الجاني قنّا أم أمّ ولد، أم مكاتبا، مثل معتبرة زرارة المتقدمة في (ص 393) الواردة في عبد قتل حرّا، و معتبرة فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال في عبد جرح حرّا، فقال: إن شاء الحرّ اقتصّ منه، و إن شاء أخذه إن كانت الجراحة تحيط برقبته، و إن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه. فإن أبى مولاه أن يفتديه كان للحرّ المجروح من العبد بقدر دية جراحه، و الباقي للمولى، يباع العبد، فيأخذ المجروح حقّه، و يردّ الباقي على المولى» «1».

و الحاصل: أنّ ما ذهب إليه المشهور- من التخيير بين دفع المملوك الجاني إلى المجني عليه، و بين التفدية- يستفاد من النصوص الواردة في جناية المملوك خطأ، بلا فرق بين أصنافه من المدبّر و أمّ الولد و القنّ.

(2) الشامل لأمّ الولد التي هي محل البحث، يعني: فلا مانع من شمول إطلاقات حكم جناية مطلق المملوك لأمّ الولد.

(3) الظاهر أنه تعريض بما في الجواهر من قوله- بعد نقل استثناء بيعها لو جنت على مولاها أو على أجنبي عن الروضة-: «و فيه: أنّ التعارض من وجه، و لا دليل على الترجيح، بل لعلّه للثاني، باعتبار اقتصار النص و الفتوى على الجواز فيما عرفت. فيتجه حينئذ القول في الجناية الموجبة للمال التزام المولى به من غير ثمنها» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 154، الباب 8 من أبواب ديات النفس، الحديث: 2

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 378

ص: 404

أيضا (1) إطلاق المنع

______________________________

و حاصله: أنّ إطلاق ما دلّ على منع بيع أمّ الولد معارض بإطلاق ما ورد في جناية المملوك من دفعه للمجني عليه و جواز بيعه. و مورد الاجتماع هو جناية أمّ الولد، لأنّ دليل المنع يقتضي عدم بيعها سواء جنت في حياة المولى أم لا، و دليل التخيير بين الفداء و التسليم إلى المجني عليه يقتضي الاسترقاق و جواز البيع. و لعلّ الترجيح لدليل منع بيعها، لقوة الدلالة الناشئة من اقتصار النص و الفتوى على جواز بيعها في ثمن رقبتها و نحوه.

و عليه فينبغي تقييد إطلاق جناية المملوك، بعدم كونه أمّ ولد.

و محصل الجواب: أنّ دفعها إلى المجني عليه خارج عن عموم الدليل المانع عن نقل أمّ الولد عن ملك السيّد إلى غيره، الظاهر في كون المنهي عنه هو النقل الاختياري.

وجه الخروج: أنّ الوارد في نصوص الجناية هو التسليم و التخلية بينها و بين المجني عليه، و من المعلوم أنّ استرقاقها ليس نقلا اختياريا من السيد حتى تشمله الأدلة المانعة عن بيعها- بعد جعل البيع عنوانا لجميع النواقل الاختيارية- ضرورة أنّ الجناية تتعلق برقبتها، فتملّك المجني عليه لها و استحقاقه لذلك نشأ عن فعل نفس أمّ الولد بلا وساطة فعل المولى. فحقّ الاستيلاد بطل بفعلها لا بفعل المولى حتى يكون من النقل الاختياري الممنوع.

غاية الأمر أنّ للمولى ولاية التبديل بالفداء، كولاية من عليه الخمس في دفع حق السادة من غير المال الذي تعلّق به حقّهم. فلو لم يفد المولى فللمجني عليه استرقاق الجاني. فليس الاسترقاق من سنخ النقل الاختياري المشمول لأدلة المنع.

حتى يتحقق مورد يتصادق عليه الدليلان و يدّعى تعارضهما.

(1) يعني: كما لا يعارضها نفي الخلاف الذي ادّعاه في ديات المبسوط على كون جنايتها على السيد، لما عرفت من توجيه الجناية على السيد بما لا ينافي إطلاقات تخيير المولى بين التسليم و الفداء.

ص: 405

عن بيع أمّ الولد «1»، لأنّ (1) ترك فدائها و التخلية بينها و بين المجني عليه ليس نقلا لها.

خلافا (2) للمحكيّ عن موضع من المبسوط و المهذّب و المختلف (3) «2»: من تعيين الفداء على السيّد.

و لعلّه (4) للروايتين المؤيّدتين بأنّ استيلاد المولى هو الذي أبطل

______________________________

(1) تعليل لنفي المعارضة، و تقدم بيانه آنفا.

(2) هذا ليس قولا رابعا من شيخ الطائفة قدّس سرّه زائدا على ما تقدم من الأقوال الثلاثة، بل هو ما سبق في (ص 399) من قوله: «لكن عن ديات المبسوط: أنّ جنايتها على سيّدها بلا خلاف». و ما على السيد قد يعبّر عنه بأرش الجناية كما في ديات المبسوط و الخلاف، و قد يعبّر عنه بالفداء كما في جراح المبسوط، و نقلنا كلماته قدّس سرّه فلاحظها.

(3) قال العلّامة- بعد نقل عبارات الخلاف و المبسوط و المهذّب-: «و الوجه ما قاله في الخلاف، لعموم الأدلة الدالة على أن السيد لا يعقل عبده. و قوله في المبسوط ليس بعيدا من الصواب، لأن المولى باستيلاده منع من بيع رقبتها، فأشبه ما لو أعتق الجاني عمدا».

(4) أي: و لعلّ تعيين الفداء على المولى- و عدم تعلق شي ء برقبتها و لا بذمّتها- يكون للروايتين. و استدلّ بهما في المقابس أيضا لهذا القول.

أمّا تقريب دلالة خبر مسمع فهو: أنّ حرف الاستعلاء في «على سيدها» ظاهر في تحمّل المولى للخسارة و الضرر، فلا يراد منه التكليف المحض. كما يراد ذلك لو كان المتعلق عملا من الأعمال، مثل آية الحج و سائر الأحكام التكليفية، كقوله

______________________________

(1) تقدم في أوائل المسألة، فراجع ص 241، و كذا صحيحة ابن مارد في ص 265

(2) المبسوط، ج 7، ص 160؛ المهذب، ج 2، ص 488؛ مختلف الشيعة، ج 9، ص 455، و الحاكي عنهم صاحب المقابس، ص 79

ص: 406

..........

______________________________

تعالى: «كتب عليكم كذا» أو «عليك أن تفعل كذا» فالمراد ثبوت مقتضى الجناية على المولى وضعا، و اشتغال ذمته ببدل الجناية، و كون المجني عليه مالكا للفداء في عهدة السيد.

و عليه فلا شي ء في رقبة أمّ الولد ليلزم دفعها إلى المجني عليه، و لا في ذمتها ليلزمها بعد العتق.

و أمّا تقريب دلالة مرسل الصدوق فهو: ظهور قوله عليه السّلام: «فالمولى ضامن» في كون مقتضى الجناية- و أثرها- ثابتا في ذمة السيد و عهدته، كما هو المتعارف من إطلاق الضمان في سائر الموارد، كالأمانات المفرّط فيها، و العارية المضمونة و نحوها.

و من المعلوم أنّ المجني عليه لو كان مستحقا لنفس الرقبة و جاز له استرقاقها لم يصدق عليه ضمان المولى، كعدم صدقه على استحقاق دفعها إليه بالأولوية.

و الحاصل: أنّ ظهور الروايتين في كون المتعهّد بجبر الجناية من ماله هو المولى مما لا ينكر. و هذا يعارض النصوص الدالة على كون الجناية في رقبتها، و يتخير المولى بين دفعها و بين فدائها.

و يؤيّد الروايتين الوجه الاعتباري المذكور في المبسوط و المختلف، من تطبيق كبرى مسلّمة على المقام، و هي: أنّ عدل الواجب التخييري يصير تعيينيا بالعرض بتعذر سائر الأفراد، كما لو تعذر العتق و صوم شهرين متتابعين في الكفارة. و لا فرق في هذه الكلية بين كون تعذر بعض الأعدال قبل الموجب و بين كونه بعده.

و هذه القاعدة تنطبق على المقام، إذ الجناية توجب أحد الأمرين تخييرا:

الدفع و الفداء، و يتعذر الدفع هنا، لأنّ السيد بالاستيلاد منع شرعا عن نقل الأمة إلى غيره، سواء أ كان بعقد أو بغيره، و المفروض أنّ تسليمها إلى المجني عليه إخراج اختياري، و هو ممنوع. فالاستيلاد كالعتق إتلاف للمحلّ شرعا، كما أنّ قتلها بعدها إتلاف لها حقيقة، هذا. و سيأتي الجواب عن الاستدلال و التأييد.

ص: 407

أحد (1) طرفي التخيير، فتعيّن الآخر (2)، بناء (3) على أنّه لا فرق بين إبطال أحد طرفي التخيير بعد الجناية، كما لو قتل أو باع عبده الجاني (4) و بين إبطاله قبلها (5)، كالاستيلاد الموجب لعدم تأثير أسباب الانتقال فيها (6).

و قد عرفت (7) معنى الروايتين، و المؤيّد مصادرة (8) لا يبطل به (9) إطلاق النصوص.

______________________________

(1) و هو الدفع إلى المجني عليه بناء على كونه من النقل الاختياري الممنوع.

(2) بمقتضى القاعدة المسلّمة من صيرورة الواجب التخييري بالذات تعيينيا بالعرض.

(3) قيد ل «للتأييد» يعني: أنّ التأييد بالكبرى الكلية مبني على عدم الفرق في تعيينية الفرد الباقي بين التعذر السابق على الموجب و اللاحق له.

(4) فلو قتل المولى عبده الجاني أو باعه لم يبق موضوع للدفع إلى المجني عليه، و يتعيّن الأرش.

(5) أي: إبطال أحد طرفي التخيير قبل الجناية.

(6) أي: في أمّ الولد.

(7) هذا جواب استدلال المبسوط و المهذّب و المختلف، و مقصوده من «معنى الروايتين» هو الحمل المتقدم بقوله: «و المراد من جميع ذلك خروج دية الجناية من مال المولى ...».

قال في المقابس: «و يمكن الحمل على أنّ للمولى الفداء كما في الدروس، أو:

على أنّ الحق متعلق بالمولى، سواء كان بالفداء أو بدفع أمّ الولد. لأنها ماله» «1».

(8) لأن مانعية الاستيلاد من الاسترقاق الذي ليس من النقل الاختياري أوّل الكلام، بل عرفت آنفا أنّ أدلة المنع عن النقل لا تشمله أصلا.

(9) أي: بالمؤيّد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 408

[المورد الرابع إذا جنت على مولاها بما يوجب صحة استرقاقها]

و منها (1): ما إذا جنت على مولاها بما (2) يوجب صحة استرقاقها لو كان

______________________________

4- جنايتها على مولاها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» أي: و من مواضع الاستثناء عن عموم منع بيع أمّ الولد، هو جنايتها على مولاها. و البحث كما في سابقه في مقامين، أحدهما جنايتها عليه عمدا، و الآخر خطأ.

و لعلّ أوّل من استثنى هذه الصورة هو الفاضل المقداد مقيدا بما إذا كانت الجناية محيطة بقيمتها، قال قدّس سرّه: «الرابع أن تجني جناية تستغرق قيمتها» «1» بناء على إطلاق المجني عليه لما إذا كان مولاها أو أجنبيا، كما فهمه المحقق و الشهيد الثانيان من قول بعض «2». و الظاهر أنّ مرادهما من البعض هو الفاضل السيوري، و إلّا فالشهيد قدّس سرّه عدّ في اللمعة «جنايتها على غير مولاها» «3» من مواضع الاستثناء، و لم يتعرض لجنايتها على مولاها، فراجع.

و المقصود أنّ أصل استثناء هذا المورد عن عموم المنع أوّل الكلام، فإن تمّ إطلاق كلام السيوري قدّس سرّه فهو، و إلّا فهذا مجرد فرض لا قائل به، و لا ريب في مخالفته للمشهور. و سيأتي توجيه الجواز في هذا المورد بوجوه.

و كيف كان فحكم جنايتها على سيّدها عمدا هو جواز الاقتصاص منها، لا التخيير بينه و بين الاسترقاق، لأنّ الرقية حاصلة قبل الجناية، و استرقاقها مرة اخرى بسبب الجناية تحصيل للحاصل، و هو محال.

(2) هذا القيد إمّا ناظر إلى وجود شرط الاسترقاق بأن كان مولاها مسلما لا كافرا، بحيث، لو كان المجني عليه غيره لاسترقّها، و إمّا إلى كون الجناية محيطة

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 129

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 98؛ الروضة البهية، ج 3، ص 260

(3) اللمعة، ص 94

ص: 409

المجنيّ عليه غير المولى، فهل تعود ملكا طلقا (1) بجنايتها على مولاها، فيجوز له التصرف الناقل فيها- كما هو المحكيّ في الروضة (2) عن بعض، و عدّها (3) السيوري من صور الجواز- أم لا (4)؟ كما هو المشهور، إذ (5) لم يتحقق بجنايتها على مولاها إلّا جواز الاقتصاص (6) منها، و أمّا الاسترقاق (7) فهو تحصيل الحاصل.

______________________________

بقيمتها كما تقدم عن كنز العرفان، و أخذه المحقق صاحب المقابس في عنوان الصورة الخامسة «1». و الأقرب بسياق الكلام هو الاحتمال الأوّل.

(1) بأن يكون أثر الجناية زوال مانعية الاستيلاد عن النقل، و صيرورتها ملكا طلقا.

(2) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه فيها: «و زاد بعضهم مواضع اخر ... و ثالث عشرها:

إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها ... و رابع عشرها إذا قتلته خطأ».

(3) أي: و عدّ الفاضل المقداد جناية أمّ الولد على مولاها- بمقتضى إطلاق كلامه- من صور الجواز.

(4) معطوف على قوله: «فهل تعود ملكا طلقا».

(5) تعليل لفتوى المشهور بعدم جواز التصرف الناقل في أمّ الولد، و محصله: أنّ التخيير الثابت- في جنايتها العمدية على الأجنبي- بين الاقتصاص و الاسترقاق، غير جار في الجناية على سيّدها، لتعذر الاسترقاق من جهة حصوله قبل الجناية، فيتعين عدله لو أراد هو أو وليه الأخذ بحقّه و عدم العفو عنها.

(6) يعني: دون جواز البيع المترتب على الاسترقاق لو كان المجني عليه أجنبيا.

(7) و هو أحد العدلين فيما لو كانت الجناية على الأجنبي، فالاسترقاق ممتنع هنا، لكونه تحصيلا للحاصل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 410

و ما يقال في توجيهه (1) من: «أنّ الأسباب الشرعية تؤثّر بقدر الإمكان، فإذا لم تؤثّر الجناية الاسترقاق أمكن أن يتحقق للمولى أثر جديد، و هو استقلال جديد في التصرف فيها (2). مضافا (3) إلى: أنّ استرقاقها لترك القصاص

______________________________

(1) أي: في توجيه الاسترقاق. و الموجّه للاسترقاق بوجوه ثلاثة هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه هذا أوّلها. قال في المقابس: «أو أنها- أي الجناية- لما كانت مقتضية لصيرورتها ملكا طلقا للمجني عليه أو وليّه، و كان الملكية موجودة قبلها، فلا يمكن حصولها، و إلّا لزم تحصيل الحاصل، فأثّرت حينئذ في حصول وصفها، و هو تماميتها و صيرورتها طلقا، فيصح البيع حينئذ» «1».

و محصله: ما أفاده في المتن من أنّ الاسترقاق الذي هو من موجبات الملكية و إن امتنع تأثيره هنا في نفس الملكية، لحصولها، لكن لا مانع من تأثيره في وصفها و هو الطلقية. فالاسترقاق يوجب ارتفاع المانع عن بيعها كما ذهب إليه الفاضل المقداد قدّس سرّه خلافا للمشهور.

(2) لئلّا ليلزم إلغاء تأثير الجناية رأسا.

(3) هذا هو الوجه الثاني من وجوه جواز البيع، قال في المقابس: «مضافا إلى تنزيل ذلك- أي استرقاقها- منزلة بيعها في ثمنها و فكّ رقبتها» «2».

توضيحه: أنّه قيس الاسترقاق بالبيع في الثمن، فكما يجوز بيعها لفكّ رقبتها عن الثمن، فكذلك يجوز استرقاقها لفكّها عن القصاص، فتدبّر.

و بعبارة اخرى: أنّ الإمام عليه السّلام باع أمّ الولد لأجل فك رقبتها من دين ثمنها.

و هذا فك لرقبتها صوريّا لا حقيقيا، لصيرورتها بالبيع مملوكة لمولى ثالث غير البائع و غير المستولد المديون. فجواز فك رقبتها المرهونة بثمنها ببيعها ليس بأعظم من فك رقبتها- من القتل قصاصا- باسترقاقها، فلا بد من جوازه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 411

كفكاك (1) رقابهنّ الذي انيط به الجواز في صحيحة ابن يزيد المتقدمة. مضافا إلى (2): أنّ المنع عن التصرف لأجل التخفيف لا يناسب الجاني عمدا» فمندفع (3) بما لا يخفى.

______________________________

و عبارة المصنف لا تخلو عن سوء التأدية، و حقّها أن تكون هكذا: «مضافا إلى أنّ استرقاقها لفكها عن القصاص كبيعها لفكّ رقبتها عن الثمن» كما لا يخفى.

(1) يعني: يكون الاسترقاق نظير بيع أمّ الولد في فكّ رقبتها عن الثمن الذي يكون على المولى، كما سبق في أول موارد الاستثناء، فراجع (ص 296).

(2) هذا هو الوجه الثالث، قال في المقابس: «و إلى: أنّه إذا قتلت مولاها عمدا لا تستوجب التخفيف عليها بالإعتاق، بل ينبغي المعاملة معها على عكس مرادها. كما اتفق نظير ذلك في بعض الموارد، كطلاق المريض» «1».

و محصله: أنّ منع السيد عن التصرفات الناقلة تخفيف بالنسبة إلى أمّ الولد، و التخفيف لا يناسب الجناية العمدية، بل المناسب لها التشديد عليها بجواز تلك التصرفات. فمعنى استرقاقها حينئذ إزالة تشبثها بالحرية، و جعلها رقّا طلقا كسائر المماليك.

(3) خبر قوله: «و ما يقال» و «الفاء» لتضمن الموصول معنى الشرط.

و غرضه عدم العبرة بالاستحسان و القياس و نحوهما من الوجوه الاعتبارية التي لا ترجع إلى محصّل، و لذا لم يعتمد صاحب المقابس عليها، و قال: «و الحقّ ما ذهب إليه معظم الأصحاب من أنّها لا تباع لذلك، و إنّما يجوز القصاص منها في العمد، و قد نصّ الشيخ و غيره على ذلك في الرّهن، لإطلاق الأخبار المانعة عن بيعها مطلقا أو فيما عدا ما استثني فيها، و ليس ما نحن فيه من ذلك» «2».

ثم ردّ الوجوه بقوله: «و ما ذكرناه للقول الآخر فمدفوع بمنع سببية الجناية

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 412

..........

______________________________

للتملك ... الخ» فراجع «1».

و توضيح اندفاع الوجوه هو:

أمّا الأوّل فلما فيه من: أن الاسترقاق يوجب حدوث الملك في محلّ قابل له، و بعد حدوثه يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة عليه من جواز التصرفات الخارجية و الاعتبارية إن لم يكن مانع يمنعها. و أمّا إذا لم يكن المحل قابلا له- لوجوده قبل الجناية- فلا مورد و لا وجه للاسترقاق.

و حديث «تأثير الأسباب الشرعية بقدر الإمكان» أجنبي عن المقام، فإنّ مورده هو الآثار العرضية التي تكون من قبيل المعلولات لعلة واحدة، كإتلاف مال الغير الذي هو سبب لأثرين شرعيّين عرضيّين، أحدهما تكليفي، و هو وجوب أداء بدله، و الآخر وضعي، و هو اشتغال ذمته ببدله. فإذا كان هناك مانع عن الحكم التكليفي- كما لو كان المتلف صبيّا مميّزا- أثّر في الضمان فقط.

و من المعلوم أنّ المقام ليس كذلك، لأنّ الاسترقاق سبب للملكية، و هي موضوع لآثار شرعية لا تترتب إلّا بعد حدوثها بموجبها أعني به الاسترقاق، فإن لم يكن المحل قابلا لحدوث الملكية فيه- كما نحن فيه- لم يترتب شي ء من الآثار المترتبة على الملكية المسببة عن الاسترقاق، فلا معنى للاسترقاق هنا.

و أمّا الوجه الثاني فقد دفعه صاحب المقابس بقوله: «و التنزيل منزلة الثمن لا دليل عليه» «2». و توضيحه: أنّ المولى- قبل الجناية- ممنوع من التصرفات الناقلة، و تبدل هذا المنع بالجواز لا دليل عليه إلّا ما دلّ على جواز استرقاق المملوك الجاني، و المفروض استحالته هنا، لعدم معقولية حصول ملك جديد بسبب الجناية حتى يتغير موضوع منع التصرف، و يتبدّل بموضوع آخر يستقل المالك بالتصرف في ماله، هذا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 413

..........

______________________________

و يمكن أن يكون نظر المصنف في دفع الوجه الثاني إلى أمر آخر غير ما في المقابس، و هو: منع مقايسة فكاك الرقبة من القصاص بفكّها من الثمن، و ذلك لأنّ جواز بيعها في ثمنها مع فرض إعسار المولى منحصر في بيعها. بخلاف فكاك رقبتها من القصاص، لعدم تعيّنه على المجني عليه، لإمكان العفو.

و لو سلّم، أمكن منع القياس بعدم جامع بينهما، إذ ليس في البيع فكّ، بل تبديل إضافة الملكية. بخلاف الاسترقاق، فإنّه فك لها عن الجناية. و لم يستكشف مناط قطعي في البيع ليتعدى منه إلى الاسترقاق.

و أما الوجه الثالث، فقد دفعه في المقابس أيضا بقوله: «و قتلها عمدا لمولاها يقتضي القصاص منها و إن عتقت لحقّ ولدها، فعفو أولياء المولى عنها باختيارهم لا يقتضي تسبب القتل للتخفيف، و هو ظاهر» «1».

و حاصله: أنّ جنايتها العمدية غير مقتضية للتخفيف حتى يقال بعدم مناسبة العمد للتخفيف على الجاني، بل تقتضي التشديد و التغليظ عليها بالاقتصاص منها، و هذا الحق باق للمولى، أو لولي الدم، و استيفاؤه جائز. فلو عفوا باختيارهم فهو و إن كان تخفيفا عليها، لكنه ليس ممّا يقتضيه القتل، فلمولاها الإمساك عليها و أن لا يعرّضها لشي ء من النواقل. هذا.

مضافا إلى: أنه من العلة المستنبطة التي لا يعلم دوران الحكم الشرعي مدارها، فهو مجرّد استحسان لا يعتدّ به في الأحكام الشرعية، فإنّ العقول قاصرة عن إدراك ملاكاتها، و لا سبيل إلى معرفتها إلّا بيان المعصوم صلوات اللّه عليه.

فتلخص: عدم الوجه في الاسترقاق أصلا، فلا موجب لجواز بيعها جزما. فما عن المشهور من عدم جواز بيعها هو الأقوى، و اللّه العالم بأحكامه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 414

و أمّا الجناية (1) على مولاها خطأ، فلا إشكال في أنّها لا تجوّز التصرف فيها، كما لا يخفى. و روى الشيخ- في الموثّق (2)- عن غياث، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام، قال: «أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا سعاية عليها» «1».

و عن الشيخ و الصدوق بإسنادهما عن وهب بن وهب، عن جعفر عن أبيه صلوات اللّه و سلامه عليهما: «أنّ أمّ الولد إذا قتلت سيّدها خطا فهي حرّة لا سبيل عليها، و إن قتلته عمدا قتلت به» «2».

______________________________

(1) هذا شروع في المقام الثاني، و هو حكم جنايتها خطأ على مولاها، فلا يجوز نقلها عن ملكه، لعدم استحقاق السيّد على ماله مالا، فتتحرّر من نصيب ولدها، و لا يجب عليها أن تسعى في دية الجناية.

و يدل عليه موثق غياث بن إبراهيم و خبر وهب بن وهب. نعم يعارضهما ما ورد في خبر حماد بن عيسى من وجوب السعي عليها لو قتلت مولاها خطأ، و سيأتي في المتن الإشارة إلى الجمع بينه و بين موثق غياث ببعض الوجوه.

(2) و عبّر عنه صاحب المقابس قدّس سرّه بالقوي «3»، و رجال السند ثقات، إلّا طلحة بن زيد، و لعلّ إختلاف التعبير لأجل ما يستفاد من كلام شيخ الطائفة في شأن الرجل: «و هو عامي المذهب، إلّا أن كتابه معتمد» «4»، و رواية كامل الزيارة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200، الحديث: 791، عنه في الوسائل، ج 19، ص 159، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث: 2، و لفظ الحديث- المذكور في المتن- يختلف عما في التهذيب و وسائل الشيعة ببعض الكلمات، و بتقديم و تأخير في بعضها الآخر

(2) المصدر، الحديث: 792 في التهذيب، و في الوسائل، الحديث: 3، و رواه الصدوق في الفقيه، ج 4، ص 162، الحديث: 5367

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(4) الفهرست، ص 112 (طبعة النجف الأشرف)

ص: 415

و عن الشيخ عن حمّاد، عن جعفر، عن أبيه عليهما السّلام: «إذا قتلت أمّ الولد مولاها سعت في قيمتها» «1».

و يمكن حملها على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها (1).

و عن الشيخ (2) في التهذيب و الإستبصار

______________________________

و تفسير القمي عنه، فراجع «2».

(1) كما في المقابس أيضا «3»، يعني: أنّ مورد وجوب السعي عليها قصور نصيب ولدها منها- أو من مجموع التركة- عن قيمتها، مع فرض عدم انحصار الوارث في ولدها.

و المراد بنفي السعاية في موثق غياث هو عدم وجوبها عليها من حيث القتل.

و لا منافاة حينئذ بين عدم السعي عليها من حيث قتل المولى خطأ، و بين وجوبه عليها من حيث قصور نصيب ولدها.

قال في المقابس: «و الظاهر أنّ بناء الرواية- أي موثقة غياث- على وفاء نصيبه بقيمتها، و لذلك حكم بحرّيّتها مطلقا، فصحّ نفي السعاية مطلقا» «4».

(2) قال في محكيّ التهذيب بعد ذكر هذين الخبرين ما لفظه: «و لا ينافي هذين الخبرين ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه عن الحسن بن علي عن حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام، قال: إذا قتلت أمّ الولد سيّدها خطأ سعت في قيمتها، لأنّ هذا الخبر نحمله على أنّها إذا قتلته شبه العمد، لأنّ من يقتل كذلك تلزمه الدية إن كان حرّا في ماله خاصّة، و إن كان معتقا لا مولى له استسعى في الدية

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 159، الباب 11 من أبواب ديات النفس، الحديث: 1؛ تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200، الحديث: 793

(2) معجم رجال الحديث، ج 10، ص 169

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 80

ص: 416

الجمع بينهما بغير ذلك (1)، فراجع.

[المورد الخامس إذا جنى حر عليها بما فيه ديتها]

و منها (2): ما إذا جنى

______________________________

حسب ما تضمنه الخبر. و أمّا الخطأ المحض، فإنّه يلزم المولى، فإن لم يكن له مولى كان على بيت المال حسب ما قدّمناه» «1».

و الفرق بين الحملين واضح، فإنّ المصنف قدّس سرّه حمل الخبر على السعي في بقية قيمتها التي لا بدّ من دفعها إلى الوارث، لانعتاقها. و الشيخ قدّس سرّه حمله على السعي في الدية. و الحمل الأوّل أقرب بل هو الظاهر، إذ المتبادر من القيمة هو المالية المساوية لقيمة أمّ الولد، لا الدية التي هي أرش الجناية، و بدل ما فات بالجناية. هذا.

و في الإستبصار حمله على صورة موت الولد، و كون السعي على وجه الجواز، و حمل خبري غياث و وهب على كون ولدها باقيا بعد المولى و انعتاقها من نصيب ولدها «2».

(1) المشار إليه هو: حمل رواية حماد على سعيها في بقية قيمتها إذا قصر نصيب ولدها.

هذا ما يتعلق بالمورد الرابع، و قد تمّ الكلام في ما لو جنت أمّ الولد، و سيأتي البحث فيما لو جني عليها.

5- جناية الحرّ على أمّ الولد بما فيه ديتها

(2) معطوف أيضا على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل»، و لعلّ أوّل من احتمل كونه من موارد الاستثناء صاحب المقابس «3» من جهة احتمال عدم الفرق في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 10، ص 200

(2) الإستبصار، ج 4، ص 276، باب أمّ الولد تقتل سيدها خطأ

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81

ص: 417

حرّ عليها (1) بما فيه ديتها، فإنّها (2) لو لم تكن مستولدة كان للمولى التخيير بين

______________________________

المملوك الذي جنى عليه حرّ بين أمّ الولد و غيرها. من تخيير المولى- في الجناية المحيطة بقيمة المملوك- بين الإمساك و لا شي ء له، و بين دفعه إلى الجاني و أخذ قيمته، قال المحقق قدّس سرّه: «فإذا جنى الحرّ على العبد بما فيه ديته، فمولاه بالخيار بين إمساكه و لا شي ء له، و بين دفعه و أخذ قيمته» «1».

و استدلّ له في المسالك بقوله: «لئلّا يجمع بين العوض و المعوّض، و لرواية أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أنف العبد أو ذكره أو شي ء يحيط بقيمته: أنه يؤدّي إلى مولاه قيمة العبد، و يأخذ العبد» «2».

و ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على الحكم، و جعله الحجة بعد خبر أبي مريم المنجبر ضعفه بالعمل، و جعل قاعدة «عدم الجمع بين العوض و المعوض» مؤيّدا له «3».

و اقتصر في المقابس على بيان احتمالين في المسألة، و أضاف المصنف احتمالا ثالثا، و ردّه.

و كيف كان، فعدّ هذا المورد من موارد الاستثناء مبني على الاحتمال الأوّل، و هو نقلها إلى الجاني بعد دفع قيمتها إلى السيد.

(1) أي: على الأمة، ليصحّ جعلها مقسما لما إذا كانت مستولدة و غير مستولدة.

(2) أي: فإنّ الأمة- كسائر المماليك عدا أمّ الولد- يتخير مولاها بين الإمساك و الدفع إلى الجاني.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 4، ص 208

(2) مسالك الأفهام، ج 15، ص 130

(3) جواهر الكلام، ج 42، ص 127

ص: 418

دفعها إلى الجاني و أخذ قيمتها (1)، و بين إمساكها، و لا شي ء له، لئلّا يلزم الجمع بين العوض و المعوّض. ففي المستولدة يحتمل ذلك (2)، و يحتمل أن لا يجوز للمولى أخذ القيمة (3)، ليلزم منه استحقاق الجاني للرقبة.

و أمّا احتمال (4) منع الجاني عن أخذها و عدم تملكه لها بعد أخذ الدية منه.

______________________________

(1) المراد بالقيمة هنا ديتها، و التعبير بالقيمة من جهة أنّ دية المملوك لا تزيد على قيمته شرعا.

(2) أي: يحتمل تخيير المولى بين الدفع و الإمساك، و منشأ هذا الاحتمال إطلاق أدلة الجناية. و لا ينافيه حقّ الاستيلاد، لأنّه مانع عن النقل الاختياري، لا القهري الشرعي، فلا تعارض بين دليل المنع عن نقل أمّ الولد، و بين دليل هذه المعاوضة القهرية، بعد ضمّ قاعدة «عدم جواز الجمع بين العوض و المعوض» إليه كما لا يخفى.

(3) لكون النقل حينئذ اختياريا، و المفروض منع المولى عنه بسبب الاستيلاد.

فمرجع هذا الاحتمال إلى تعيّن الإمساك الذي هو عدل دفعها و أخذ قيمتها في الاحتمال الأوّل.

(4) هذا احتمال ثالث، و محصله: التفكيك بين أخذ الدية من الجاني و بين دفع الأمة إليه، بجواز الأوّل و منع الثاني، نظرا إلى أنّ الممنوع شرعا هو انتقال أمّ الولد عن ملك المستولد لها، دون أخذ الدية.

و يمكن أن يكون وجهه الجمع بين دليل الجناية و بين حق الاستيلاد المانع عن انتقالها عن ملك مستولدها. و لا يلزم الجمع بين العوض و المعوض، لعدم كون الجنايات من باب المعاوضات، بل من باب الغرامات.

مضافا إلى: أنّ الدية ليست عوضا عن أمّ الولد، بل عمّا فات عنها بالجناية كما لا يخفى.

ص: 419

فلا وجه (1) له، لأنّ الاستيلاد يمنع عن المعاوضة أو ما في حكمها (2)، لا (3) عن أخذ المعوض بعد إعطاء العوض (4) [لا عن أخذ العوض بعد إعطاء المعوّض]

______________________________

ثمّ إنّ هذا الاحتمال الثالث ليس ملازما للاحتمال الثاني، و هو وجوب الإمساك تعيينا، و عدم جواز أخذ القيمة من الجاني كما في بعض الحواشي «1»، فلاحظ و تأمّل.

(1) جواب الشرط في «و أما احتمال» و دفع له، و حاصله: أنّ الاستيلاد يوجب منع المولى عن نقلها. و عليه فإن كان الممنوع مطلق انتقالها عن ملك السيد إلى غيره، تمّ الاحتمال المزبور، لكون أخذ الدية من الجاني مستلزما لانتقالها إليه، فيتجه التفكيك بين جواز أخذ القيمة منه، و منع دفع المجني عليها إليه.

و إن كان الممنوع خصوص النقل الاختياري، لم يتجه التفكيك المزبور، و ذلك لأنّ تملّك الجاني لرقبتها بعوض قيمتها ليس من نقل المولى المستولد لها ليكون منهيّا عنه. و حينئذ فإمّا أن يكون أخذ الدية من الجاني ممنوعا مطلقا، و إمّا أن لا يكون أخذ أمّ الولد كأخذ الدية ممنوعا.

و الحاصل: أنّ أخذ الدية من الجاني إن كان من باب تدارك ما فات بسبب الجناية فالمتعيّن هو الاحتمال الأوّل. و إن كان من باب المعاوضة على الرقبة فالمتعين هو الثاني، و لا يبقى مجال للاحتمال الثالث، هذا.

(2) مما يوجب خروجها عن ملك السيد كالهبة و الصلح.

(3) عاطفة، يعني: فلا يمنع الاستيلاد عن المعاوضة القهرية- التي حكم بها الشارع- بأخذ أمّ الولد بإزاء عوضها و هو ديتها.

(4) كذا في نسختنا، و بناء على بعض النسخ المصححة تكون أمّ الولد عوضا

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الإيرواني، ج 1، ص 189

ص: 420

بحكم (1) الشرع [1].

و المسألة من أصلها موضع إشكال (2)، لعدم لزوم الجمع بين العوض و المعوّض، لأنّ الدية عوض شرعيّ عمّا فات بالجناية، لا عن رقبة العبد. و تمام الكلام في محلّه.

______________________________

و الدية معوّضا. و لا بأس، لاتصاف كلا المالين بالعوضية في مبادلتهما.

(1) متعلق ب «أخذ» يعني: يكون الأخذ مستندا إلى حكم الشارع.

(2) كذا في المقابس أيضا. و غرضهما قدّس سرّهما التأمل في كبرى المسألة المعنونة في باب القصاص، و لا اختصاص للإشكال بالجناية على أمّ الولد.

و وجه التأمّل: الخدشة في الاستدلال عليه بمحذور الجمع بين العوض و المعوّض، ضرورة كون الدية عوضا شرعيا عمّا فات بالجناية، لا عوضا عن رقبة المجني عليه، حتى يقال بلزوم تسليم المملوك إلى الجاني- لو دفع القيمة- حذرا من اجتماع العوض و المعوض عند أحد المالكين. فإن تمّ خبر أبي مريم و لو بانجباره بعمل المشهور فهو الحجة، و إلّا فيشكل الأمر في مطلق المملوك، خصوصا في أمّ الولد من جهة تشبثها بالحرية، و استلزام دفعها إلى الجاني فوات حق الاستيلاد.

هذا تمام الكلام في المورد الخامس.

______________________________

[1] لكن يمكن منعه بأن يقال: إنّ جواز الإعطاء شرعا أوّل الكلام، لإمكان الجمع بين دليلي الجناية و الاستيلاد بما عرفت آنفا من لزوم دية الجناية على الجاني، و عدم انتقالها إلى الجاني، حفظا لحق الاستيلاد. و دعوى لزوم الجمع حينئذ بين العوض و المعوض قد عرفت ما فيها. و قد أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «لأن الدية عوض شرعي عمّا فات بالجناية ... الخ».

ص: 421

[المورد السادس إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقّت]

و منها (1): ما إذا لحقت بدار الحرب، ثم استرقّت [1] حكاه في الروضة.

______________________________

6- إذا لحقت بدار الحرب، ثم استرقت

(1) معطوف أيضا على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا المورد حكاه الشهيد الثاني قدّس سرّه عن بعض. و أما الصورة الاخرى- و هي ما لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون- فأضافها صاحب المقابس قدّس سرّه.

و المراد بلحوقها بدار الحرب أعم من كونه باختيارها أو باستيلاء المشركين عليها- كما صرّح به في المقابس- كما أنّه لا فرق في المسترق بين أن يكون مولاها و غيره.

و المراد بالأسر أن يغزو المشركون على بلاد المسلمين فيأسروها، ثم استعادها المسلمون منهم.

قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و تحقيق المسألة: أنّ المسترق لها إن كان المولى فهي أمّ ولده كما كانت. و إن كان- أي المسترق- من جملة المقاتلين فهو أحقّ بها، بل هو أولى ممّن استولد جارية من المغنم. و الكلام في تقويمها عليه كما إن لم يكن مسترقا و لا غانما. و بيان ذلك: أنّ المشركين إذا غنموا من المسلمين فإنّهم لا يملكون ذلك مطلقا. فإذا غنمه المسلمون منهم، فإن أقام أربابها البيّنة قبل القسمة ردّ عليه بأعيانها، و لا يغرم الإمام للمقاتلة شيئا، كما هو المنقول في التذكرة و المنتهى عن عامة أهل العلم ... و إن جاءوا بالبينة بعد القسمة فلعلمائنا و للشيخ قولان في ذلك ...». ثم قال في آخر كلامه: «و للاستثناء وجه في الصورة الثانية لا الاولى» «1» فراجع.

______________________________

[1] اورد عليه بأنّ اللحوق بدار الحرب إن كان مخرجا لها عن رقيّتها لمولاها

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 88

ص: 422

و كذا لو أسرها المشركون (1)، ثم استعادها المسلمون

______________________________

(1) جواز البيع في هذه الصورة موقوف على امور ثلاثة:

أحدها: أن يكون الآسر لها غير مولاها، فلو كان مولاها لا يجوز بيعها، لإطلاق أدلة المنع.

ثانيها: عدم العلم بكونها ملكا للمولى قبل القسمة، إذ معه كذلك لا يجري عليها القسمة، بل هي باقية على ملك مولاها، و لا تقسّم بين المسلمين المقاتلين.

ثالثها: لزوم القسمة و عدم انتقاضها بثبوت كونها ملكا للمولى بعد القسمة، و غرامة الإمام عليه السّلام قيمتها للمقاتلة، إذ بناء على انتقاضها بالعلم بسبق ملك

______________________________

المستولد، و كان مسترقّها غير مولاها، فجواز بيعها حينئذ ممّا لا إشكال فيه، لخروج هذه الصورة عن قاعدة المنع عن بيعها موضوعا. و إن كان مسترقها مولاها فجواز بيعها لا يخلو عن إشكال، لإطلاق أدلة المنع، فلا يجوز. و من دعوى انصرافها عن هذه الصورة فيجوز هذا ما أفاده صاحب الكفاية قدّس سرّه «1».

أقول: الظاهر جواز بيعها على كل حال. أمّا إذا كان المسترق غير المولى فظاهر. و أمّا إذا كان المولى فلأنّ المنع الذي هو حكم شرعي تابع لموضوعه، و هو بقاء سيادة المولى و مالكيته عليها، إذ عدم جواز نقلها حكم لسيدها المستولد لها فقط. فمع ارتفاع سيادته عنها يرتفع خطاب عدم الجواز عنه، فلا موضوع حتى يكون موردا للإطلاق أو الاستصحاب. فجواز البيع للمستولد لها إذا كان هو المسترق لها لا يخلو من جودة كما ذهب إليه بعض، و إن تنظّر فيه غير واحد كصاحب الجواهر قدّس سرّه.

نعم، بناء على عدم كون اللحوق مزيلا للملكية فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز البيع لمستولدها، إذ المفروض بقاؤها على ملكه، فلا موجب لجواز بيعها.

و تفصيل المسألة موكول إلى محلّه.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 119

ص: 423

و كأنّه (1) [فكأنّه] فيما إذا أسرها غير مولاها (2)، و لم [فلم] يثبت كونها أمة المولى إلّا بعد القسمة (3)، و قلنا بأنّ القسمة لا تنقض، و يغرم الإمام قيمتها لمالكها (4).

لكن المحكيّ (5) عن الأكثر

______________________________

المولى لا تعطى لغيره من المسلمين، فلا يجوز له بيعها. و عدم انتقاض القسمة و غرامة الإمام عليه السّلام هو المحكي عن الشيخ في النهاية، لكن عن الأكثر انتقاض القسمة، و ردّها على مولاها، و هو المنصوص أيضا، و التفصيل في محله في كتاب الجهاد.

(1) الضمير راجع إلى الاستثناء المفهوم من السياق، و غرضه توجيه عدّ الصورة الثانية- و هي ما لو أسرها المشركون ثم استعادها المسلمون- من جملة مواضع الاستثناء. و تقدّم آنفا اشتراط جواز البيع فيها بأمور ثلاثة.

(2) هذا أوّل الشروط، إذ لو أسرها مولاها كانت أمّ ولده، فيمنع نقلها عن ملكه.

(3) هذا ثاني الشروط، فلو أسرها غير المولى و تبيّن قبل قسمة غنائم الحرب كونها وليدة مولاها ردّت إليه. ففي الجواهر: «و أما الأموال و العبيد فلأربابها قبل القسمة، عند عامة العلماء كما في المنتهى و محكيّ التذكرة، بدون غرامة شي ء للمقاتلة» «1».

(4) هذا ثالث الشروط، فلو تبيّن كونها أمّ ولد بعد قسمة الغنائم- و قلنا بجواز نقض القسمة- ردّت إلى مولاها.

(5) نسبه صاحب المقابس إلى الأكثر خلافا لما في النهاية من كون الغنائم بعد القسمة لأربابها، و يغرم الإمام قيمتها لمالكها، قال المحقق قدّس سرّه: «و لو عرفت بعد القسمة فلأربابها القيمة من بيت المال. و في رواية: تعاد على أربابها بالقيمة. و الوجه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 223

ص: 424

و المنصوص (1): أنّها تردّ على مالكها، و يغرم قيمتها للمقاتلة.

______________________________

إعادتها على المالك» «1».

و استدل عليه في الجواهر بقوله: «الذي هو أحق بماله أينما وجده، وفاقا للمحكي عن الشيخ في المبسوط و ابني زهرة و إدريس و الفاضل و الشهيدين و الكركي و المقداد و غيرهم، بل عن الغنية الإجماع عليه» «2».

ثم قال مازجا للشرح بالمتن: «و لكن يرجع الغانم بقيمتها على الإمام عليه السّلام، كما صرّح به غير واحد، مطلقين ذلك، لخبر طربال المنجبر سنده بفتوى من عرفت» «3».

(1) ليست هذه الجملة منصوصة بنفسها، لكنها مضمون رواية طربال، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سئل عن رجل كان له جارية، فأغار عليه المشركون، فأخذوها منه. ثم إنّ المسلمين بعد غزوهم، فأخذوها فيما غنموا منهم. فقال: إن كانت في الغنائم و أقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم، فأخذوها منه ردّت عليه. و إن كانت قد اشتريت و خرجت من المغنم فأصابها، ردّت عليه برمّتها. و اعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه. قيل له: فإن لم يصبها حتى تفرّق الناس و قسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال: يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، و يرجع الذي هي في يده- إذا أقام البينة- على أمير الجيش بالثمن» «4».

و دلالتها على كون الجارية- بعد الأسر- لمولاها مطلقا ظاهرة، سواء وجدها في الغنائم قبل تقسيمها، أم وجدها في يد من اشتراها من المقاتلين بعد تقسيم الغنائم بينهم، و على كلّ فرقبتها ملك مولاها، و على أمير الجيش إعطاء الثمن لمن اشتراها من المقاتلين.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 326

(2) جواهر الكلام، ج 21، ص 225

(3) جواهر الكلام، ج 21، ص 225

(4) وسائل الشيعة، ج 11، ص 75، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 5

ص: 425

[المورد السابع إذا خرج مولاها الذمي عن الذمّة]

و منها (1): ما إذا خرج مولاها عن الذمّة (2) و ملكت أمواله التي هي منها.

[المورد الثامن إذا قتل مولاها الذمي مسلما]

و منها (3): ما إذا كان مولاها ذمّيّا و قتل مسلما،

______________________________

قال في الوسائل: «قد عمل به الشيخ و جماعة، و حملوا ما خالفه على التقية» «1» هذا ما يتعلق بالمورد السادس.

7- خروج مولاها عن الذمة

(1) معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد سابع، قال في المقابس: «الثامنة عشر: إذا خرج مولاها عن الذمة، و ملكت أمواله التي هي- أي أمّ ولده- منها، فيتصرّف فيها بالبيع و غيره. و القول باستثناء ذلك منقول في الروضة عن بعض الأصحاب، و إنّما فرض في الذّمّي، لأنّه هو الذي تجري عليه أحكام المسلمين، و يحكم باستيلاد أمته. و أمّا المستأمن فليس كذلك ... الخ» «2».

(2) إمّا بعدم أداء الجزية، و إمّا بمحاربته للمسلمين، و إمّا بارتكابه للمنكرات جهرا، و إمّا بإعانة الكفار عليهم، و إمّا بغير ذلك، فإنّ الذّمّي إذا خرق الذمة صار حربيا، و يجري عليه حكم الحربي من إباحة أمواله و دمه، فلا مانع من استرقاق أمّ ولده و بيعها.

8- إذا قتل مولاها الذمي مسلما

(3) معطوف أيضا على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» و هذا مورد ثامن مما استثني من عموم منع نقل أمّ الولد، و المستثنى له صاحب المقابس. قال قدّس سرّه في الصورة الرابعة و الثلاثين: «إذا كان مولاها ذمّيّا، و قتل مسلما، فيدفع هو و أمواله إلى أولياء المقتول كما هو المشهور بين الأصحاب و المنقول عليه الإجماع في الانتصار و السرائر

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 75، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث: 5

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 88

ص: 426

فإنّه يدفع (1) هو و أمواله إلى أولياء المقتول.

هذا ما ظفرت به من موارد القسم الأوّل، و هو ما إذا عرض لأمّ الولد حقّ للغير أقوى من الاستيلاد.

______________________________

و غيرهما، و المرويّ في الصحيح و غيره. فإذا استرقّوا القاتل و ملكوا أمواله فامّ الولد منها، لكونها مملوكة، و لهم التصرف فيها بما شاءوا. و إن قتلوه و قلنا بأنّ لهم حينئذ ماله بتمامه بمجرّد الدفع بل القتل، فكذلك ... الخ» «1».

و ما نسبه إلى الأصحاب- من حكم جناية الذمي على مسلم- مذكور في باب القصاص، و مورده قتل المسلم عمدا كما في الجواهر «2». و قد دلّ على الحكم غير واحد من النصوص، ففي صحيح ضريس الكناسي عن أبي جعفر قدّس سرّه: «في نصراني قتل مسلما، فلمّا اخذ أسلم. قال: اقتله به. قيل: و إن لم يسلم؟ قال يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، و إن شاءوا عفوا، و إن شاءوا استرقّوا. قيل:

و إن كان معه عين [مال]؟ قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله» «3».

ثم قال في الجواهر: «و الظاهر أن ذلك حكم قتله المسلم، لا لخروجه بذلك عن الذمة المبيح لنفسه- قتلا و استرقاقا- و لماله، كما في كشف اللثام ... و إلّا لجاز لغير أولياء المقتول، و هو خلاف النص و الفتوى» «4».

و المقصود أنّ جواز استرقاق القاتل الذمي و أمّ ولده منصوص بخصوصه و معقد الإجماع كذلك، و لذا لم يعدّ من صغريات المورد السابق، و هو تخلف الذمي عن شروط الذمة.

(1) أي: يدفع المولى الذمي و أمواله- التي منها أمّ ولده- إلى أولياء المقتول، كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، على ما في الجواهر «5».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 94

(2) جواهر الكلام، ج 42، ص 156

(3) الوسائل، ج 19، ص 81، الباب 49 من أبواب قصاص النفس، الحديث: 1

(4) جواهر الكلام، ج 42، ص 157

(5) جواهر الكلام، ج 42، ص 156

ص: 427

[و أمّا القسم الثاني و هو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد]
اشارة

و أمّا القسم الثاني (1)- و هو ما إذا عرض لها حقّ لنفسها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد- فمن موارده:

[المورد الأول ما إذا أسلمت و هي أمة ذمّيّ]

ما إذا أسلمت و هي أمة ذمّيّ (2)،

______________________________

هذا ما يتعلق بجملة من صور الاستثناء التي جعلها المصنف في القسم الأوّل، و الجامع بينها تعلق حق الغير بامّ الولد. و تقدّم أنّ مناط الجواز في بعضها قصور دليل المنع عن شموله للتملّك القهري الناشئ عن الاسترق اق، و بعد حصول الملكية للمسترق يجوز له بيعها، لاختصاص عدم الجواز بمن استولدها.

و اعتذر صاحب المقابس قدّس سرّه عن إهمال عدّة من الصور في كتب الفقهاء- مع التزام كثير منهم بجواز بيع أمّ الولد في جملة منها- بأنّ مقصودهم الاقتصار على المنصوص بخصوصه، و الغالب وقوعه، و أنّ مرادهم أنه لا يجوز للمولى و من بحكمه كالوارث أن يبيعها باختياره، و لا ريب في خروج كثير من الصور عن ذلك «1».

موارد القسم الثاني

(1) أي: القسم الثاني من مواضع الاستثناء الأربعة، و قوله: «و أما» معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأول» و كان الأنسب بالسياق أن يقول هنا: «و من موارد القسم الثاني» أو تصدير القسم الأول بقوله: «أما القسم الأوّل فموارد منها ...».

و كيف كان فقد جمع المصنف قدّس سرّه تحت هذا العنوان موارد أربعة سيأتي بيانها.

1- إذا أسلمت و هي أمة ذمّي

(2) هذا هو المورد الأوّل، و عقد له صاحب المقابس الصورة السابعة و العشرين، فقال: «إذا كانت مستولدة ذمّيّ، ثم أسلمت دونه، فتباع عليه ...»

و أشار إلى فتوى جماعة ببيعها على مولاها قهرا، كالشيخ و الحلي و الفاضلين و الشهيدين و السيوري و الصيمري و غيرهم، فراجع «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 94- 95

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 92

ص: 428

..........

______________________________

قال ابن إدريس قدّس سرّه: «و لا خلاف بين أصحابنا: أنّ الذمي إذا كانت عنده جارية ذميّة، فأسلمت، فإنّها تباع عليه بغير اختياره، و يعطى ثمنها، لقوله تعالى:

وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و هذا مذهب شيخنا في مبسوطه» «1».

و ظاهر «عندنا» في المبسوط «2» هو الإجماع، لا كون بيعها على الذمي رأيه خاصة.

و لا يخفى أنّ الحكم بوجوب بيعها قهرا على مولاها مورد لتعارض دليلين بالعموم من وجه:

أحدهما: ما دلّ على وجوب بيع العبد المسلم على مولاه الكافر، من النّص و الإجماع المتقدمين في مسألة منع نقل العبد المسلم إلى كافر «3»، و من المعلوم أنّ المنهي عنه هو نقل مطلق المملوك سواء أ كان عبدا أم أمة، و سواء أ كانت الأمة ذات ولد أم لم تكن.

ثانيهما: ما دلّ على منع بيع أمّ الولد رعاية لحقّ الاستيلاد، و إطلاق المنع يعمّ ما لو كان مولاها مسلما أو كافرا.

و مادة اجتماع العامّين من وجه هي أمّ ولد أسلمت عن مولى ذمّيّ.

و حينئذ فإن كان لأحد المتعارضين حكومة على الآخر، أو مرجّح يوجب تقديمه على الآخر، فهو. و إن لم يكن شي ء منهما فمقتضى قاعدة التعارض تساقطهما في مورد الاجتماع، و الرجوع إلى دليل آخر، و هو إمّا عموم ما يقتضي صحة بيعها، و إمّا استصحاب منع البيع.

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 22

(2) المبسوط، ج 2، ص 188

(3) هدى الطالب، ج 6، ص 284

ص: 429

فإنّها تباع عليه (1)، بناء (2) على أنّ حقّ إسلامها المقتضي (3) لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حقّ الاستيلاد المعرّض للعتق. و لو فرض تكافؤ دليلهما (4)

______________________________

و حكم المصنف قدّس سرّه بصحة بيعها، إما لترجيح أحد المتعارضين على الآخر بوجوه ثلاثة، و إمّا لمرجعية عمومات الصحة لو فرض تكافؤ العامين من وجه في مادة الاجتماع، و سيأتي بيان كلا الوجهين إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: فإنّ أمّ الولد- التي أسلمت- تباع على مولاها الذمي قهرا، و في المسألة أقوال اخرى نقلها في المقابس و الجواهر، و الجهة المشتركة بين الكل نفي سلطنة الكافر عليها.

فمنها: أنّها لا تقرّ في يده، بل تكون عند امرأة مسلمة تتولّى القيام بحالها، و يؤمر بالإنفاق عليها ما دام ولدها باقيا، كما عن الخلاف و موضع من المبسوط.

و عن ابن سعيد: أنّ الحاكم يتركها عند من يرى تركها عنده مصلحة.

و منها: ما عن التذكرة من أنه يحال بينها و بين مولاها، و تكسب في يد غيره له، و يؤخذ منه النفقة.

و منها: ما عن المختلف من أنّها تستسعى في قيمتها، فإذا أدّتها عتقت.

و منها: وجوب دفع قيمتها من الزكاة أو من بيت المال لتعتق. و إلّا بيعت.

و منها: غير ذلك، فراجع «1».

(2) لا ريب في ابتناء وجوب البيع على تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد، و وجه التقديم امور ثلاثة سيأتي بيانها. فلو قيل بتكافئ الحقّين و تساقطهما أو بالجمع بينهما مهما أمكن- كما يراه بعض القائلين بعدم تعيّن البيع- لم يتجه القول بوجوب البيع بهذا الطريق، فإن تمّ الطريق الثاني فهو، و إلّا أشكل الأمر.

(3) صفة لحقّ إسلام أمّ الولد.

(4) و تساقطهما في المجمع، و هذا إشارة إلى إثبات صحة البيع بنحو آخر، أي

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 343

ص: 430

كان المرجع عمومات صحة البيع، دون قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم» المقتضية (1) لعدم جواز بيعها عليه، لأنّ (2) المفروض: أنّ قاعدة «السلطنة»

______________________________

العموم المقتضي للصحة. و تقريب التمسك به هو كون الشك في التخصيص الزائد، إذ لو كان دليل حقّ إسلامها مقدّما على دليل حق الاستيلاد لم يلزم تخصيص في عمومات صحة البيع. و إن كان حقّ الاستيلاد مقدّما على حقّ إسلامها لزم تخصيص فيها، هذا [1].

(1) و ذلك لأنّ مقتضى سلطنة المالك على ماله عدم نفوذ تصرف اعتباري فيه من دون رضاه، و حرمة مزاحمته. فالحكم بوجوب بيع الأمة- قهرا- على مولاها مع فرض بقائها بعد الإسلام على ملكه تقييد لإطلاق سلطانه، و بعد تكافؤ حقّي الإسلام و الاستيلاد و تساقطهما يرجع إلى قاعدة السلطنة المانعة عن بيعها عليه قهرا. و لا تصل النوبة إلى عموم حلّ البيع و صحة العقود.

(2) تعليل لقوله: «كان المرجع عمومات صحة البيع دون قاعدة السلطنة» و توضيحه: أنّ مرجعية قاعدة السلطنة في المقام منوطة بعدم وجود دليل حاكم عليها، و المفروض حكومة قاعدة «نفي سلطنة الكافر على المسلم» على قاعدة «سلطنة الناس على أموالهم».

و لعلّ وجه الحكومة: أنّ قاعدة نفي السبيل و إن لم تكن شارحة بمدلولها اللفظي لما يراد من قاعدة السلطنة، إلّا أنه يكفي في الحكومة أن يتعرض الدليل الحاكم إلى عقد الوضع أو عقد الحمل في الدليل المحكوم. و هذه الضابطة تنطبق على قاعدة نفي السبيل، و ينتفي بها سلطنة الكافر على مملوكه المسلم. و بعد سقوط

______________________________

[1] لكن الحق كون المرجع في المقام استصحاب حكم المخصص أعني به ما دلّ على عدم جواز بيع أمّ الولد، لا عموم العام، لعدم كون الشك في التخصيص الزائد، بل في استمرار حكم المخصص كما لا يخفى.

ص: 431

قد ارتفعت بحكومة أدلة نفي سلطنة الكافر على المسلم [1]. فالمالك ليس مسلّطا قطعا (1)، و لا حقّ له في عين الملك جزما (2).

______________________________

قاعدة السلطنة لا يبقى مانع من الرجوع إلى عموم ما دلّ على حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود.

(1) و إن كان مالكا لأمّ ولده قطعا، لعدم خروجها عن ملك الكافر بمجرّد قبول الإسلام، و إلّا لم يكن معنى للبيع عليه، فإنّ إلزامه بالبيع شرعا دليل كونها ملكا له.

(2) لانتقال حقّه إلى ثمنها لو بيعت.

و قد تحصّل إلى هنا: أنّ أمّ الولد المسلمة ليست موردا لتعارض قاعدة نفي

______________________________

[1] لا يخفى أنّ دليل نفي سلطنة الكافر على المسلم- المقتضي لجواز البيع على الكافر- معارض بدليل منع البيع المقتضي لفساد البيع. و مع التعارض لا حكومة لدليل نفي السلطنة على قاعدة السلطنة. فمنع الرجوع إلى قاعدة السلطنة لحكومة دليل نفي سلطنة الكافر على المسلم غير ظاهر، كما سبق التأمل في هذه الحكومة في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر، حيث قال: «و حكومة الآية عليها غير معلومة» «1».

و لا بأس بتوجيه الحكومة بما في كلام المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2»: بأنّها من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع تنزيلا حتى ينتفي الحكم المترتب عليه، و لا يكون حينئذ منافيا لما دلّ على ثبوت الحكم، إذ لا ملك للكافر تنزيلا- و إن كان مالكا حقيقة- حتى يترتب عليه السلطنة التي هي سبيل على المسلم. لكن لم يعلم كفاية هذا المقدار- بنظر المصنف قدّس سرّه- من كون الحاكم ناظرا بمدلوله اللفظي إلى المحكوم. و لو سلّم فالتنافي بين التأمل في الحكومة هناك و الجزم بها هنا ظاهر، و هو أعلم بما قال في الموضعين.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 304

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 229 و 293

ص: 432

إنّما الكلام في تعارض حقّي أمّ الولد (1) من حيث كونها مسلمة (2)، فلا يجوز كونها مقهورة بيد الكافر، و من حيث (3) كونها في معرض العتق، فلا يجوز إخراجها عن هذه العرضة.

و الظاهر أنّ الأوّل (4) أولى، للاعتبار،

______________________________

السبيل مع قاعدة السلطنة، لحكومة الاولى على الثانية. نعم يتزاحم فيها حقّان كما سبق التنبيه عليه، و سيأتي تقديم الأهم منهما.

(1) غرضه من هذا الكلام تثبيت الأولوية التي أفادها بقوله: «بناء على أنّ حقّ إسلامها المقتضي لعدم سلطنة الكافر عليها أولى من حق الاستيلاد». و وجه الأولوية امور ثلاثة ستأتي في المتن.

(2) يعني: لا من حيث حقّ سلطنة المالك عليها.

(3) معطوف على «من حيث» و هذا حق آخر لام الولد.

(4) و هو حق الإسلام. لمّا كان المقام من تزاحم الحقين، و الحكم فيه تقديم الأهم منهما على المهم إن كان، و إلّا فالتخيير، أخذ في إثبات أهمية حق الإسلام من حق الاستيلاد المقتضي لبقائها إلى أن تنعتق من نصيب ولدها. و قد أثبت المصنف قدّس سرّه أهميته بوجوه:

الوجه الأوّل: الاعتبار، بتقريب: أنّ المولى الحكيم لا يرضى بأن يكون من أسلم و انقاد له مقهورا تحت استيلاء الكافر.

و الظاهر أن مراد المصنف قدّس سرّه ما جعلوه دليلا أو مؤيّد القاعدة نفي السبيل، ففي العناوين: «و ثالثها: الاعتبار العقلي، فإنّ شرف الإسلام قاض بأن لا يكون صاحبه مقهورا تحت يد الكافر، ما لم ينشأ السبب من نفسه، فإنّه حينئذ أسقط احترام نفسه. و هذا و إن لم يكن في حدّ ذاته دليلا، لكنّه مؤيّد قوي مستند إلى فحوى ما ورد في الشرع» «1».

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 352

ص: 433

..........

______________________________

و عليه فيقال في تقديم قاعدة حقّ الإسلام على حق الاستيلاد: إنّ نفي السبيل و وجوب البيع يكون باقتضاء شرافة الإسلام و حرمة الإيمان. و هذا من قبيل حقّ اللّه سبحانه و تعالى، كما حكي عن الشهيد قدّس سرّه الميل إليه و عن الشهيد الثاني القطع به. و من المعلوم أنّ ما كان كذلك لا معنى لتخصيصه ببعض الأفراد، و لا لتقييده بحال دون حال. و مع الإباء عن التخصيص و التقييد يتقوّى ظهور هذا العام أو المطلق، فيكون أظهر في العموم و الشمول لمادة الاجتماع من العام الآخر أعني به منع بيع أمّهات الأولاد [1].

الوجه الثاني: حكومة قاعدة نفي السبيل على جلّ الأحكام الأوّلية، و كونها من مبطلات العقود، «كعدم صحة وصايته على مال مسلم أو على مولّى عليه محكوم بإسلامه حتى بالاشتراك مع وليّ مسلم، و فسخ النكاح لو أسلمت زوجته و لم يسلم هو في العدّة» كما في العناوين «1».

و حيث كان منع بيع أمّ الولد- رعاية لحقّها- موجبا لثبوت السبيل لمولاها الكافر عليها، لزم بيعها تقديما لقاعدة نفي السبيل.

الوجه الثالث: النبوي المنجبر بعمل المشهور الدال على عدم علوّ الكافر على المسلم، و هو يقتضي تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد عند التزاحم، فتباع أمّ الولد على الكافر قهرا.

______________________________

[1] لكن فيه: أنّه و إن كان يشهد بتقديم حق الإسلام، لكنه لا اعتبار به، لعدم لكونه دليلا تعبديا، بل هو أمر اعتباري لا عبرة به كما لا يخفى.

و أمّا قاعدة نفي السبيل و كذا قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- على ما روى-: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» فلا يقتضيان بيعها عليه، لعدم منافاتهما لإضافة الملكية، إذ لو كانا منافيين لها لكانا مقتضيين لخروجها عن ملكيتها له. نعم ينافيان سلطنة الكافر عليها.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 351

ص: 434

و حكومة (1) قاعدة «نفي السبيل» على جلّ القواعد، و لقوله (2) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «1».

و ممّا ذكرنا (3) ظهر: أنّه لا وجه للتمسّك باستصحاب المنع قبل إسلامها،

______________________________

و المتحصل: أن الدليل الاجتهادي يقتضي بيع أمّ الولد في هذه الصورة، و لا تصل النوبة إلى التمسك بالأصل العملي.

(1) معطوف على «اعتبار» أي: و لحكومة ... و هذا هو الوجه الثاني.

(2) معطوف على «للاعتبار» و هذا هو الوجه الثالث.

(3) يعني: و من جواز البيع إمّا لتقديم حقّ الإسلام على حقّ الاستيلاد المقتضي لعدم جواز البيع، و إمّا لمرجعية عمومات صحة البيع عند تكافؤ دليلي الحقّين، ظهر: أنّه لا مجال للتمسك باستصحاب منع البيع، بأن يقال: إنّه لا ريب في موضوعية الاستيلاد لمنع البيع و التصرف الناقل فيها. و يشك في طروء الرافع، و هو الحق المقدّم على الاستيلاد- كحق الإسلام- بحيث يزيل ذلك المنع، و مقتضى الاستصحاب عدم طروئه، فيحكم باستمرار ذلك المنع بعد إسلامها، و نتيجته عدم جواز بيعها مطلقا، لا باختيار مولاها الكافر، و لا قهرا عليه، هذا.

و اعترض المصنف قدّس سرّه عليه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: أن الدليل الاجتهادي على جواز البيع موجود، و هو إمّا عمومات الصحة، و إمّا حقّ الإسلام، و معه لا يبقى شك في المنع حتى تصل النوبة إلى الأصل

______________________________

فالجمع بين دليل منع البيع و دليل نفي السبيل يقتضي عدم جواز البيع، و عدم تسلطه عليها، فترجيح حق الإسلام على حق الاستيلاد بقاعدة نفي السبيل و علوّ الإسلام مرجوح، فتأمل جيّدا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث: 11

ص: 435

لأنّ (1) الشك إنّما هو في طروء ما هو مقدّم على حقّ الاستيلاد، و الأصل عدمه (2).

مع إمكان (3) معارضة الأصل بمثله لو فرض (4)- في بعض الصور- تقدّم الإسلام على المنع عن البيع.

______________________________

العملي. للقطع بعدم سلطنة الكافر على الأمة المسلمة، هذا. و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) هذا تقريب جريان استصحاب المنع، و تقدم بيانه آنفا.

(2) أي: عدم طروء حقّ لأمّ الولد المسلمة مقدّم على حق الاستيلاد.

(3) هذا وجه ثان لعدم المجال للتمسك بالاستصحاب، و حاصله: أنّ استصحاب المنع قبل إسلامها لا يوافق المدّعى، و هو عدم الجواز في جميع الصور، فيكون الدليل أخص من المدعى.

توضيحه: أنّه إذا كان إسلامها بعد الوطء و قبل استقرار النطفة في الرحم- بناء على صيرورتها أمّ ولد باستقرارها في الرحم- تعارض استصحاب المنع مع استصحاب الجواز، و يتساقطان.

و كذا لو أسلمت، ثم وطأها مولاها شبهة، فحملت منه، فيتعارض استصحابا المنع و الجواز.

و كذا لو تقدم الإسلام على ما هو متمّم لمانعية الاستيلاد عن البيع، كما لو استولدها، و لكن جاز بيعها في ثمن رقبتها لإعسار المولى، فأسلمت، و تجدّد اليسار قبل أن يجبره الحاكم الشرعي على البيع، فيستصحب وجوب البيع عليه قبل يساره، كما يستصحب منع البيع الحادث بالاستيلاد مع تجدد اليسار، فيتعارض الاستصحابان، و يتساقطان.

(4) أي: لو فرض تقدم الإسلام على منع بيعها للاستيلاد.

ص: 436

و مع إمكان (1) دعوى ظهور قاعدة «المنع» في عدم سلطنة المالك،

______________________________

(1) مقتضى السياق كون هذا إشكالا ثالثا على استصحاب المنع، و غاية تقريبه أن يقال: إنّ القضية المشكوكة غير المتيقنة، إذ عدم الجواز قبل الإسلام كان لأجل مصلحة المالك، فالبيع لمصلحة المالك و مراعاة مالكيته غير جائز. و هو غير البيع لأجل تقديم حق الإسلام على حقها الآخر. فالمنع المتيقن سابقا غير المنع المشكوك لاحقا، و مع إختلاف القضية المتيقنة و المشكوكة لا مجال للاستصحاب، هذا.

لكن فيه ما لا يخفى، حيث إنّ المتيقن و المشكوك- و هو المنع- واحد، غايته أنّ علة بقائه غير علة حدوثه. و إختلاف علّتي الحدوث و البقاء لا يقدح في الوحدة، و لا تنثلم به. نظير ما إذا علم بجلوس زيد في المسجد إلى الزوال بداعي الصلاة فيه، و شك في بقاء جلوسه بعد الزوال للشك في حدوث داع آخر يقتضي استمراره، فلا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب حينئذ.

هذا ما يقتضيه سوق العبارة من جعل قوله: «و مع إمكان ... الخ» إشكالا ثالثا على استصحاب المنع.

لكن الأولى جعله راجعا إلى أصل المطلب- و هو تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد- بأن يقال: إنه لا تعارض بين دليلي الحقين حتى تصل النوبة إلى الاستصحاب، و ذلك لأنّ دليل منع البيع لا إطلاق له بحيث يشمل صورة وجود حقّ آخر مجوّز للبيع حتى يقع لهذا الإطلاق التعارض بين دليلي الحقين. بل دليل المنع لا يدلّ على أزيد من مانعية حق الاستيلاد عن البيع، فهو لا يقتضي نفي حقّ آخر كحق الإسلام المقتضي لجواز البيع بناء على مذهب المصنف و غيره، و من المعلوم عدم المعارضة بين المقتضي و اللّامقتضي، فيقدّم حق الإسلام على حق الاستيلاد [1].

______________________________

[1] لكن الحق ثبوت الإطلاق و عدم الإهمال، و إلّا فهذا الاحتمال يوجب

ص: 437

و تقديم (1) حقّ الاستيلاد على حقّ الملك، فلا ينافي (2) تقديم حقّ آخر (3) لها على هذا الحقّ (4).

______________________________

(1) معطوف على «عدم» أي: ظهور قاعدة المنع في تقديم حق الاستيلاد.

(2) لأنّ المنافاة فرع الدلالة، كما إذا ورد دليل على وجوب صلاة الجمعة مثلا و آخر على حرمتها، فإنّهما متعارضان، لدلالة كل منهما التزاما على نفي مدلول الآخر. و في المقام لمّا فرض عدم دلالة دليل المنع على نفي حقّ آخر، فإذا ثبت بدليل حق آخر لم يقع التنافي بينهما، لعدم المعارضة بين البيان و اللابيان، هذا.

(3) كحقّ الإسلام فيما نحن فيه.

(4) و هو حقّ الاستيلاد.

و الحاصل: أنّ هنا- أي أمّ الولد التي أسلمت عن مولى كافر- حقوقا ثلاثة، حق المالك، و حق الاستيلاد، و حق الإسلام. و ينتفي حقّ المالك بسبب الاستيلاد لتقدمه عليه، و حقّ الإسلام مقدّم على حق الاستيلاد، فلا منافاة بين تقديم حق الاستيلاد على حق المالك، و بين تقديم حق الإسلام على حق الاستيلاد.

هذا تمام الكلام في المورد الأوّل من القسم الثاني، و تحصّل من كلمات المصنف قدّس سرّه وجوب بيعها على الكافر رعاية لشرف الإسلام و عظمته. و هو موافق لما ذهب إليه صاحب الجواهر في مسألة بيع العبد المسلم، و لكنه قدّس سرّه قوّى خلافه في مستثنيات بيع أمّ الولد، فراجع «1».

______________________________

وقوف جل الإطلاقات.

مضافا إلى عدم الحاجة إلى استثناء الموارد المذكورة في كتب الفقهاء من عدم جواز البيع. مع أنّ المصنف استفاد من أدلة منع بيع أمّ الولد قاعدة عامة لعدم جواز البيع، و هذه الاستفادة تمتنع مع إهمال دليل المنع و عدم إطلاقه، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 342 و 382

ص: 438

[المورد الثاني ما إذا عجز مولاها عن نفقتها]

و منها (1): ما إذا عجز مولاها عن نفقتها و لو بكسبها، فتباع على من

______________________________

2- إذا عجز مولاها عن نفقتها

(1) معطوف على قوله: «فمن موارده» أي: و من موارد القسم الثاني عجز مولاها عن نفقتها، و يتحقق العجز بأن لا يكون للمولى مال من نفسه بمقدار نفقة أمّ الولد، و أن لا تقدر هي على الكسب لتكون نفقتها من كسبها.

و في هذا المورد قال جمع بجواز بيعها، بأن يكون المشتري موسرا قادرا على الإنفاق عليها. و قيّد الشهيد الثاني قدّس سرّه جواز بيع تمام رقبتها بعدم تأدية بيع بعضها بنفقتها، و إلّا وجب الاقتصار على بيع البعض «وقوفا فيما خالف الأصل على موضع الضرورة» «1». و ربما يستفاد جواز بيعها في هذه الصورة- كما في المقابس- من المحقق «2» و العلّامة قدّس سرّه في التحرير، فلاحظ ما نقله عنهما في الصورة الخامسة و العشرين. و في المسألة وجوه اخر كما في المقابس و الجواهر «3»، فراجع.

و كيف كان فلعلّ وجه حكمهم ببيعها على من ينفق عليها هو قاعدة نفي الضرر الحاكمة على الأحكام الأوّلية، فإنّ منع البيع لحقّ الاستيلاد ضرري، فيرفع بقاعدته، نظير حقّ بقاء العذق لسمرة في حائط الأنصاري، فكما ينفى حقّ بقاء العذق و سلطنة سمرة على بقائه في الحائط، فكذلك حق الاستيلاد، لكونه ضرريا. و ارتفاع المنع عن بيعها يلازم جوازه. و لا فرق في الحكم الضرري المرفوع بقاعدة الضرر بين التكليفي و الوضعي.

و مما ذكر يظهر عدم الوجه فيما قد يقال: من أنّ قاعدة الضرر نافية للحكم لا مثبتة له. و ذلك لأنّ المرفوع هو عدم جواز البيع، و ارتفاعه ليس إلّا الجواز الثابت بعمومات صحة البيع، فتدبّر.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 258

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 354

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91؛ جواهر الكلام، ج 31، ص 392

ص: 439

ينفق عليها، على ما حكي عن اللمعة و كنز العرفان و أبي العبّاس و الصيمري و المحقق الثاني «1».

و قال في القواعد: «لو عجز عن الإنفاق على أمّ الولد امرت بالتكسّب، فإن عجزت انفق عليها من بيت المال، و لا يجب عتقها. و لو كانت الكفاية بالتزويج وجب. و لو تعذّر الجميع ففي البيع إشكال» (1) «2».

و ظاهره عدم جواز البيع مهما أمكن الإنفاق من مال المولى (2)، أو كسبها،

______________________________

(1) حاصله: أنّه بعد عجز المولى عن الإنفاق عليها و عجزها عن التكسب لا يجب عتقها على المولى، بل إما أن ينفق عليها من بيت المال، و إمّا أن تتزوج. فإن تزوّجت دواما وجب نفقتها على الزوج، و إن تزوّجت انقطاعا أنفقت على نفسها من عوض بضعها. و إن تعذّر كل من الإنفاق من بيت المال و التزويج، فهل يجب بيعها على مولاها أم لا؟ فيه و جهان، فوجه الجواز حفظ نفسها عن الهلاك، و هو أولى لها من إبقائها متمسكة بالحرية.

و وجه المنع عموم النهي عن بيع أمّ الولد. كذا أفاده في الإيضاح و كشف اللثام «3».

(2) تقدّم آنفا أنّ العلّامة قدّس سرّه اقتصر على الإنفاق عليها من بيت المال و التزويج، و لكن المصنف وفاقا لصاحب المقابس قدّس سرّهما استظهر التعميم، رعاية لحق الاستيلاد المانع عن بيعها مهما أمكن.

قال في المقابس- بعد نقل عبارة القواعد-: «و حاصله: اعتبار عدم حصول الإنفاق، و انسداد أبوابه مطلقا من ماله و كسبه، و مالها- على القول بملكيتها-

______________________________

(1) اللمعة، ص 94؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 280؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99، و الحاكي عنهم المحقق الشوشتري في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 90- 91

(2) قواعد الأحكام، ج 3، ص 117

(3) إيضاح الفوائد، ج 3، ص 289؛ كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 113

ص: 440

[أو مالها] (1)، أو عوض بضعها، أو وجود من يؤخذ (2) بنفقتها، أو بيت المال.

و هو (3) حسن.

و مع عدم ذلك كلّه (4) فلا يبعد المنع عن البيع أيضا،

______________________________

و كسبها، و عوض بضعها دواما و متعة، بل و تحليلا إن كان المحلّل له ينفق عليها، و كذلك المتمتع بها. و إن كان عوض البضع لا يفي بالنفقة، و من بيت المال و وجوه الخيرات، و تبرع المنفقين، و إنفاق من يجب عليهم للرّحم، و قبول الهبة و غيرها من أنواع التمليكات الممكنة، فمع التمكن من ذلك بما يتحمّل عادة وجب الصبر على ذلك ...» «1».

________________________________________

(1) هذه الكلمة مشطوب عليها في نسختنا، و لكنها ثابتة في سائر النسخ، و الأولى إثباتها، لكونها مذكورة في عبارة المقابس المتقدمة التي لا يبعد كونها مأخذا لما في المتن. و على كلّ فالمراد بالمال ما حصل لها من غير جهة الكسب- بناء على القول بمالكيتها- سواء أ كان سابقا على عجز مولاها عن الإنفاق أم لا حقا له.

(2) و هو الزوج الدائم، لأنّه يؤخذ بنفقة الزوجة الدائمة دون المنقطعة، فإنّه لا نفقة لها عليه، و إنّما تستحق عليه عوض البضع فقط. و عبارة القواعد- و هي التزويج- مشتملة على عوض البضع و من يؤخذ بنفقتها، فإنّ المأخوذ بالنفقة ليس إلّا الزوج في النكاح الدائم. فالمراد بعوض البضع هو المهر في النكاح المنقطع.

و احتمال أن يراد ب «من يؤخذ بنفقتها» الحاكم، ممنوع، لتقدم ذكره في القواعد بقوله: «انفق عليها من بيت المال» لوضوح أن ولاية التصرف فيه تكون للحاكم.

(3) يعني: و ما ذكره في القواعد- من عدم جواز البيع مهما أمكن- حسن.

(4) أي: و مع عدم إمكان شي ء ممّا ذكر- من الكسب و المال و عوض البضع و الزوج و بيت المال- فلا يبعد منع بيع أمّ الولد، كما منع منه إن أمكن شي ء من سبل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91

ص: 441

و فرضها (1) كالحرّ في وجوب سدّ رمقها كفاية على جميع من اطّلع عليها.

و لو فرض (2) عدم ذلك

______________________________

الإنفاق عليها.

(1) معطوف على المنع، أي: لا يبعد فرضها كالحرّ في كون سدّ رمقها واجبا كفاية على المسلمين المطّلعين على حالها.

و هذا موافق لما في الجواهر من قوله: «ضرورة أنّ ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع، إذ النفقة حينئذ تجب على المسلمين كفاية، أو في بيت المال، كالحرّ العاجز عنها» «1».

هذا إذا وجد من المسلمين من يسدّ رمقها، و أمّا مع فقده فسيأتي.

(2) هذا ثالث فروض المسألة و آخرها، و هو ما إذا لم يقم أحد من المسلمين بالإنفاق على أمّ الولد، أو قام به و لكن استلزم ذلك ضررا عظيما عليها لا يتحمّل عادة، لكونه نقصا في شأنها و شرفها. و حكم هذا الفرض جواز البيع، لوجوه ثلاثة:

الأوّل: قاعدة نفي الضرر الحاكمة على منع بيعها من جهة حقّ الاستيلاد، و تقدم تقريبه في (ص 439).

الثاني: قاعدة نفي الحرج، فإنّ بقاءها على هذه الحالة- رجاء أن تنتعق من نصيب ولدها- حرج عليها، و هو منفي بالآية الشريفة [1].

الثالث: تنظير المقام بالمورد السابق، من جواز بيع أمّ الولد إذا أسلمت عند

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ الضرر أو الحرج لم ينشأ عن بقاء أمّ الولد ممنوعة عن البيع، بل نشأ من مخالفة من يجب عليه حفظ نفس الأمة عن التلف بإعطاء النفقة، هى الموجبة للضرر أو الحرج، فتدبّر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 380

ص: 442

أيضا (1)، أو كون ذلك ضررا عظيما عليها، فلا يبعد الجواز، لحكومة (2) أدلة نفي الضرر، و لأنّ (3) رفع هذا عنها أولى من تحمّلها ذلك (4) رجاء أن تنعتق من نصيب ولدها. مع جريان (5) ما ذكرنا أخيرا في الصورة السابقة: من احتمال ظهور أدلة المنع في ترجيح حقّ الاستيلاد على حقّ مالكها (6)، لا على حقّها [1] الآخر، فتدبّر.

______________________________

مولى ذمّيّ، و ذلك لأنّ قاعدة منع بيعها إنّما هو لتقديم حق الاستيلاد على حق المالك، فلو حصل لها حقّ يوجب البيع- كالإسلام- لم يناف حقّ الاستيلاد.

و كذا يقال في المقام، و الحقّ الثالث هنا هو حفظ النفس من الهلاك مهما أمكن، فإنّ حفظ حياتها مقدّم قطعا على حقّ الاستيلاد، فعدم جواز بيعها- لكونها متشبثة بالحرية- لا ينافي جوازه رعاية لحق الحياة و عدم تلفها.

و عليه فلا مورد للتمسك هنا بعموم منع البيع حتى ينحصر جواز بيعها في حكومة قاعدتي الضرر و الحرج عليه.

(1) أي: كما عدم الفرض الأوّل، و هو كسبها أو تزويجها.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(3) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو نفي الحرج.

(4) المشار إليه هنا و في «هذا» هو الضرر.

(5) هذا إشارة إلى الوجه الثالث.

(6) فلا إطلاق في أدلة المنع بالنسبة إلى حدوث حقّ للأمة- غير حق الاستيلاد- كي تتزاحم الحقوق أو تتعارض الأدلة.

______________________________

[1] تنظير حق العتق بحق الإسلام و النفقة لا يخلو من شي ء، لعدم إحراز هذا الحق لها في حياة المولى. و لو اريد استفادته مما دلّ على استحباب عتق المملوك كليّة فمنعه واضح. مضافا إلى أن العمل بهذا المستحب لا يتوقف على بيعها ممن تنعتق عليه، لحصول الامتثال بعتقها ابتداء.

ص: 443

[المورد الثالث بيعها على من تنعتق عليه]

و منها (1): بيعها على من تنعتق عليه- على ما حكي عن الجماعة المتقدم إليهم الإشارة «1»- لأنّ فيه (2) تعجيل حقّها.

______________________________

3- بيعها على من تنعتق عليه

(1) معطوف أيضا على قوله في (ص 428): «فمن موارده» و هذا مورد ثالث من القسم الثاني الذي يكون جواز بيع أمّ الولد لأجل عروض حقّ لها أولى بالمراعاة من حقّ الاستيلاد. و هو بيعها من قريبها بحيث تنعتق على المشتري، و لا يستقرّ تملكه لها، كما لو اشتراها أبوها أو أخوها أو ابن أخيها أو ابن اختها، أو غيرهم ممّن لا يتملّكها. و قال بجواز بالبيع هنا جماعة، و اختاره صاحب المقابس أيضا.

قال قدّس سرّه في الصورة التاسعة و العشرين: «فإنّه- أي البيع- صحيح، على ما اختاره الشهيد في اللمعة، و السيوري في كنز العرفان، و أبو العباس، و الصيمري، و المحقق الكركي. و يظهر من الشهيد في الدروس: أنه مسبوق بهذا القول. و هذا هو الظاهر من الروضة و المسالك، و اللازم من قول من جوّز بيع المسلم على الكافر إذا كان ممّن ينعتق عليه».

ثم استدلّ على الجواز بوجود المقتضي ثبوتا، و فقد المانع عنه، و سيأتي توضيحه. و استدلّ في المتن بوجوه ثلاثة، كما سيظهر.

(2) أي: في البيع، و هذا أوّل الوجوه، و هو مذكور في شرح اللمعة بقوله:

«فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث إن المنع عن البيع لأجل العتق» «2» و عبارة المقابس شرح له. و محصّله: وجود المقتضي و فقد المانع.

أمّا الأوّل فلأنّ المعتبر في البيع كون البائع و المشتري أهلا للتمليك و التملك، و المبيع مملوكا، و هو متحقق حسب، الفرض.

______________________________

(1) حكاه عنهم في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93؛ و لاحظ: اللمعة، ص 94؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ غاية المرام (مخطوط)؟؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 259

ص: 444

و هو (1) حسن لو علم أنّ العلّة حصول العتق. فلعلّ الحكمة انعتاق خاص.

اللهم (2) إلّا أن يستند إلى ما ذكرنا أخيرا في ظهور أدلة المنع «1».

أو يقال (3):

______________________________

و أمّا الثاني فلأنّ المانع عن بيعها تمسكها بالحرية، و الغاية من منع بيعها هو الانعتاق من نصيب الولد بعد وفاة السيد. فإذا فرض حصول الانعتاق معجلا في حياته فقد تحققت الغاية، و امتنع بقاء منع البيع بحاله، هذا.

و ناقش المصنف فيه بعدم إحراز كون الانعتاق المطلق علّة لمنع بيعها حتى يقال بامتناع بقاء المعلول- و هو منع البيع- بالتعجيل في عتقها. فلعلّ الحكمة في عدم جواز نقلها عن ملك السيد هي الانعتاق الخاص أي انتقالها إلى ولدها بالإرث، ثم الانعتاق عليه قهرا من نصيبه.

و عليه فعموم منع البيع محكّم، و لا يكون مجرد تعجيل حق الانعتاق مخرجا عنه.

(1) أي: و تعليل جواز البيع- بأنّ فيه تعجيل حقّها- حسن لو علم أنّ علة منع بيعها في حياة السيد هو الانعتاق، و لا سبيل لإحراز المناط القطعي حسب الفرض.

(2) هذا ثاني الوجهين لجواز بيعها على من تنعتق عليه، اختاره المصنف قدّس سرّه اعتمادا على ما تقدم في المورد الأوّل، من ظهور أدلة المنع في تقديم حق الاستيلاد على خصوص سلطنة المالك من حيث حقه المالكي، لا على حقها الآخر كحقّ الإسلام. فدليل المنع قاصر عن شموله لصورة وجود حقوق اخر لها مقتضية للبيع، و من تلك الحقوق حق التحرّر معجّلا، و عدم انتظار وفاة السيّد.

(3) هذا ثالث وجوه الجواز، و هو ناظر إلى خروج هذا المورد عن عموم دليل منع بيع أمّ الولد موضوعا، و بيانه: أنّ نقلها إلى المشتري و إن كان بيعا صورة، لكنه

______________________________

(1) تقدم في ص 437

ص: 445

إنّ هذا عتق في الحقيقة [1].

[المورد الرابع بيعها بشرط العتق]

و يلحق بذلك (2) بيعها بشرط العتق.

______________________________

عتق حقيقة، لامتناع دخولها في ملك المشتري حتى يتحقق المبادلة بين المالين في الملكية. فالغرض إنقاذها من ذلّ الرقيّة، و لذا التزم بعضهم بصرف الشراء إلى الاستتفاذ و عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى العين، و تقدم الإشارة إليه في مسألة بيع العبد المسلم من الكافر «1»، و سيأتي في مستثنيات خيار المجلس إن شاء اللّه تعالى أيضا.

4- بيعها بشرط العتق

(2) أي: و يلحق بصحة بيع أمّ الولد على من تنعتق عليه: بيعها على أجنبي بشرط أن يعتقها. حكي عن غير واحد، قال المحقق الشوشتري في الصورة الحادية و الثلاثين: «إذا بيعت بشرط العتق، فيجوز على ما نصّ عليه المحقق الكركي في الشرح، و السيوري في الكنز. و استقربه الشهيد في اللمعة، و احتمله في الدروس، و منع منه أبو العباس في المهذّب كما هو ظاهر المعظم. و ربما يلزم الجواز على القول به في بيع العبد المسلم من الكافر. و الأقرب المنع في الموضعين عملا بعموم الدليل المانع السالم عن المعارض».

ثم وجّه صحة البيع من جهة اقتضاء دليل الشرط وجوب الوفاء به، و عدم

______________________________

[1] في كونه عتقا منع، إذ لو كان كذلك لم يكن وجه لحكمهم بجواز الفسخ و الرجوع إلى القيمة إذا ظهر كون العبد معيبا فيما إذا بيع على من ينعتق عليه، إذ المفروض كونه عتقا لا بيعا. بل قيل بجواز الرجوع إلى نفس العين، و تنقيح البحث فيه موكول إلى مباحث الخيارات.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 335

ص: 446

فلو لم يف المشتري (1) احتمل وجوب استردادها [1] كما عن الشهيد الثاني (2) «1».

و يحتمل (3) إجبار الحاكم أو العدول للمشتري على الإعتاق،

______________________________

إسقاط شرط العتق لكونه حقّا له تعالى، ثم رجّح المنع مرّة اخرى، فراجع «2».

(1) يعني: بناء على صحة البيع بشرط العتق- إمّا لكونه تعجيل خير و إمّا لكونه عتقا حقيقة كما تقدم في المورد السابق- فإن و فى المشتري بالشرط و أعتقها فهو، و إن تخلّف عن الإعتاق احتمل وجوه ثلاثة:

الأوّل: أنه يجب على البائع فسخ البيع و إعادة أمّ الولد إلى ملكه، لتنعتق بعد وفاته.

ثانيها: أنّ المشتري يلزم بالإعتاق، فإن وجد الحاكم الشرعي أجبره عليه، و إن لم يوجد أجبره عدول المؤمنين.

الثالث: أنّه لا حاجة إلى الإجبار، بل مجرد امتناع المشتري عن العمل بالشرط يحقّق ولاية الحاكم على إعتاقها عليه قهرا، من دون إناطته بإجباره عليه و إبائه عنه.

(2) كما احتمل قدّس سرّه وجوب الفسخ على الحاكم. و لعلّ وجه وجوب استردادها من المشتري هو: أنّ بيع أمّ الولد كما يكون ممنوعا تكليفا مطلقا أي بدون شرط العتق، فكذا مع شرطه إن لم يتعقبه العتق خارجا، فإذا تحقق البيع المشروط بالعتق و لم يتعقبه لزم حلّ ذلك البيع باسترداد الأمة.

(3) معطوف على «احتمل» و هذا هو الاحتمال الثاني، و وجه ولاية الحاكم

______________________________

[1] بناء على كون العتق الخارجي شرطا لصحة بيعها، و أمّا بناء على كون المجوّز للبيع نفس شرط العتق، فوجوب الاسترداد غير ظاهر، بل يجبر المشتري على الوفاء بالشرط، أو تعتق عليه قهرا.

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 260؛ و الحاكي عنه صاحب المقابس، ص 93

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93

ص: 447

أو إعتاقها (1) عليه قهرا.

[المورد الخامس بيعها على من أقرّ بحرّيتها]

و كذلك (2) بيعها ممّن أقرّ بحرّيتها.

______________________________

على الممتنع.

(1) معطوف على «وجوب» و هذا هو الاحتمال الثالث، احتمله في المقابس بناء على صحة البيع.

5- بيعها على من أقرّ بحرّيتها

(2) يعني: و يلحق ببيعها على من تنعتق عليه: بيعها على من أقرّ بأنّها حرّة فعلا و ليست أمة، فيكون شراؤها مقدمة لتعجيل انعتاقها.

قال في المقابس: «الثلاثون: إذا بيعت ممّن أقرّ بحرّيّتها، و هذه أولى بالجواز و إن لم ينصّوا عليها هنا، لأنّ هذا البيع لا يقتضي تملكا في حقّ المشتري بحسب ظاهر إقراره. و يحتمل المنع هنا، لاحتمال كذب المقرّ، فيؤدّي إلى رقيّتها واقعا. و الحرية الواقعية و إن تأخّرت أولى من ذلك» «1».

و الوجه في إلحاق هذا المورد بالبيع على من تنعتق عليه هو كون المعاملة طريقا إلى حريتها من دون استقرار الملكية للمشتري «2».

و أمّا تصوير البيع هنا- مع علم المشتري بعدم دخول المبيع في ملكه، و تقوّم البيع بالتمليك و التملّك- فيمكن بالالتزام بكفاية القصد إلى النقل في نظر المشتري و إن لم يمضه الشارع، كما تعقلوه في مسألة الفضولي إذا كان غاصبا و قصد البيع لنفسه، من كفاية الملكية الادعائية. و كذا في المقام، فالمشتري من حيث كونه مقرّا بحرية المبيع فهو مسلّط للبائع على الثمن مجانا، و لا مانع منه «3».

هذا تقريب صحة بيعها ممن أقرّ بحريتها. و لكن اعترض المصنف على جواز

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 93

(2) راجع هدى الطالب، ج 6، ص 335 و 338

(3) المصدر، ج 4، ص 551

ص: 448

و يشكل (1) بأنّه إن علم المولى صدق المقرّ لم يجز له البيع و أخذ الثمن في مقابل الحرّ (2). و إن علم (3) بكذبه لم يجز أيضا (4)، لعدم جواز بيع أمّ الولد.

و مجرّد (5) صيرورتها حرّة على المشتري في ظاهر الشرع مع كونها ملكا له في

______________________________

البيع بما سيأتي بيانه.

(1) توضيح الإشكال: أنّ المولى إمّا أن يعلم بصدق المقرّ من كون هذه المرأة حرّة واقعا، و إمّا أن يعلم بكذبه و كونها أمة و قد استولدها. و إمّا أن يشك في صدقه و كذبه. و لم يتعرض المصنف لحكم الشك.

و على الأوّلين يعلم البائع بفساد البيع، إمّا لكونها حرّة، و من المعلوم أنّ الحرّ لا يملك و لا يباع، و إمّا لكونها أمّ ولده.

و دعوى جواز بيعها- لما فيه من تعجيل الخير، و هو عتقها من جهة إقرار المشتري بحرّيتها- ممنوعة، لعدم حصول الغرض و هو العتق، و ذلك لأنّ المشتري و إن كان مأخوذا بإقراره في ظاهر الشرع، فيحكم بانعتاقها عليه ظاهرا، لكنها صارت بالشراء ملكا له واقعا، فيلزم بقاؤها على الرقية- في نفس الأمر- إلى أن يحصل موجب لحريتها. و لو دار الأمر بين بقائها على ملك المولى المستولد لتتحرّر- واقعا- بعد وفاته من نصيب ولدها، و بين بيعها و انعتاقها ظاهرا- و إن كانت رقا في الواقع- كان المتعين هو الأوّل.

و عليه فالغاية المقصودة من بيعها على من تنعتق عليه- و هي تعجيل العتق- لا تترتّب على بيعها ممّن أقرّ بحرّيّتها.

(2) لأنّ تملك الثمن بعنوان العوضية منوط بتمليك المثمن، و المفروض عدم دخول الحرّ في الملك.

(3) هذا هو الفرض الثاني، و هو علم المولى بكذب المقرّ.

(4) أي: كما لم يجز للمولى البيع في فرض علمه بصدق المقرّ.

(5) يعني: و مع تعقل قصد البيع جدّا صارت رقّا للمشتري واقعا، بمقتضى كون البيع نقلا و تمليكا.

ص: 449

الواقع و بقائها (1) في الواقع على صفة الرقية للمشتري لا يجوّز (2) البيع، بل الحرية الواقعية و إن تأخّرت أولى من الظاهرية (3) و إن تعجّلت.

[المورد السادس ما إذا مات قريبها و خلّف تركة و لم يكن له وارث سواها]

و منها (4): ما إذا مات قريبها و خلّف تركة، و لم يكن له وارث سواها،

______________________________

(1) معطوف على «كونها» و ضمير «له» راجع إلى المشتري.

(2) خبر قوله: «و مجرّد صيرورتها» و وجه عدم الجواز ما تقدم آنفا من أنّ المقصود بالبيع- في مثل البيع على من تنعتق عليه- هو الانعتاق واقعا، و زوال الرقية عنها بالمرّة، لا مجرّد حريتها في ظاهر الشرع بحسب الإقرار.

مضافا إلى: أن تشبث أمّ الولد بالحرية حكمة، و ليست علّة ليدور جواز نقلها عن ملك المولى مدارها.

(3) لكون الحرية الظاهرية في معرض الزوال برجوع المقرّ عن إقراره، بخلاف الواقعية المترتبة على موت المولى و نصيب الولد منها.

ثم إن المصنف قدّس سرّه تعرض لنظير هذا المورد في مستثنيات بيع العبد المسلم من الكافر المقرّ بحريته «1»، و علّل فساد البيع بخلل إما في المبيع لو كان حرّا واقعا، أو في المشتري إن كان كاذبا، فيلزم دخوله في ملكه، و المفروض انتفاء السبيل على المسلم.

و هذا التعليل لتكفّله لحكم جهل البائع بصدق المقرّ لعلّه أولى مما أفاده هنا، فتدبّر.

6- إذا مات قريبها و له مال، و هي وارثته

(4) معطوف على قوله: «فمن موارده» أي: و من موارد القسم الثاني: ما إذا مات قريبها من أب أو أخ أو اخت، و خلّف تركة، و لم يكن للميت وارث سوى أمّ الولد.

و الحكم في كلّي المملوك هو وجوب شرائه من التركة و إعتاقه، و لو فضل شي ء من الإرث كان له. و نقل الإجماع عليه مستفيض، ففي المستند: «و ادعى

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 6، ص 339

ص: 450

فتشترى من مولاها لتعتق (1) [للعتق] و ترث قريبها.

______________________________

الإجماع عليه في الانتصار و السرائر و الشرائع و القواعد و التنقيح و الروضة و المسالك و المفاتيح» «1».

و في الجواهر- بعد قول المحقق: «و إذا لم يكن للميت وارث سوى المملوك، اشتري المملوك من التركة، و اعتق، و اعطي بقية المال» «2»- ما لفظه: «بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه» «3».

و أمّا أمّ الولد فقد صرّح جماعة بأنّها كسائر المماليك تشترى بالقيمة السوقية، و تعتق و ترث ما بقي من التركة. و ادّعى ابن فهد قدّس سرّه عليه الإجماع كما نقله عنه في المقابس.

قال المحقق الشوشتري في الصورة السادسة و العشرين: «و القول باستثنائها خيرة الشهيدين في الروضة و اللمعة و المسالك، و السيوري في كتابيه، و أبي العباس، و المحقق الكركي، و اختاره ابن سعيد في النزهة أيضا، و نقله من العماني. و حكى أبو العباس في المهذّب إجماع الأصحاب. و ليس ببعيد، فإنّه الظاهر من إطلاق فتاوى الأصحاب في كتاب المواريث». ثم استدل عليه بالنصوص و بوجوه اعتبارية، فراجع «4».

و ذهب المصنف قدّس سرّه أيضا إلى وجوب شرائها من مولاها لتنعتق، و استدل عليه بما سيأتي في المتن.

(1) كذا في بعض النسخ، و هو موافق لما في المقابس الذي يكون كالأصل لكلمات المصنف في هذه المسألة. و في نسختنا «للعتق» و المعنى واحد.

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 19، ص 67

(2) شرائع الإسلام، ج 4، ص 15

(3) جواهر الكلام، ج 39، ص 50

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 91

ص: 451

و هو (1) مختار الجماعة السابقة «1» و ابن سعيد في النزهة «2»، و حكي عن العماني. و عن المهذب «3»: إجماع الأصحاب عليه.

و بذلك (2) يمكن ترجيح أخبار «الإرث» على قاعدة «المنع».

______________________________

(1) أي: جواز البيع، و المراد به الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب، لأنّه مختار الجماعة، لا الإباحة.

(2) أي: و بإجماع الأصحاب على وجوب الشراء يمكن ترجيح ... الخ. و هذا هو الوجه الأوّل. و المراد بأخبار الإرث: ما دلّ على «أنّ الحر إذا مات و لم يكن له وارث حرّ، و له قرابة رقّ، اجبر مولاه على بيعه بقيمة عدل، فيشترى و يعتق».

و ليس المراد بها ما دلّ على مانعية الرق من الإرث، و أنه يجب التنزل إلى الطبقة المتأخرة. إن لم يكن له وارث حرّ في طبقة ذلك الرق.

فمن تلك الأخبار ما ورد في شراء «المملوك» من دون خصوصية كونه أبا للميت أو ابنا له أو امّا أو غيرها، و هو خبر واحد رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّه قال: إذا مات الميت و لم يدع وارثا و له وارث مملوك، قال:

يشترى من تركته، فيعتق، و يعطى باقي التركة [بالميراث]» «4».

و منها: ما ورد في خصوص الأب أو الامّ أو البنت. و أكثر النصوص المعتبرة متكفل لشراء الامّ، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: في الرجل الحرّ يموت و له أمّ مملوكة، قال: تشترى من مال

______________________________

(1) كالعلّامة في المختلف، ج 9، ص 61؛ و الشهيد في اللمعة، ص 94؛ و الدروس، ج 2، ص 344؛ و الفاضل المقداد في كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ و المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 4، ص 98؛ و الشهيد الثاني في الروضة، ج 8، ص 44 و 45؛ و المسالك، ج 13، ص 47.

(2) نزهة الناظر، ص 82، و هو الحاكي عن ابن عقيل.

(3) المهذب البارع، ج 4، ص 106، حكاه عنه في المقابس.

(4) مستدرك الوسائل، ج 17، ص 149، الباب 11 من أبواب موانع الإرث، الحديث: 1

ص: 452

..........

______________________________

ابنها، ثم تعتق، ثم يورثها» «1». بإلقاء خصوصية الامّ و البنت و نحوهما، و إرادة «المملوك» من الجميع.

و النسبة بين هذه النصوص و بين ما دلّ على منع بيع أمّ الولد- كما في المقابس و حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «2»- عموم من وجه، لأنّ دليل المنع يقتضي منع بيع أمّ الولد مطلقا، سواء أ كانت وارثة أم لم تكن. و دليل «شراء المملوك من تركة قريبه» مطلق أيضا يشمل كون الوارث أمّ ولد و غيرها من الأب و الابن و البنت و الاخت، فيجتمعان فيما إذا كان قريب الميت أمّ ولد.

فإمّا إن يخصّص عموم منع نقل أمّ الولد، و يقال بجوازه لو كانت وارثة لقريبها. و إمّا أن يخصّص عموم وجوب شراء المملوك، و يقال بعدم جواز شراء أمّ الولد لو كانت وارثة. و إمّا أن يتساقط الدليلان، و يرجع إلى دليل آخر من عموم صحة البيع، أو استصحاب المنع. و رجّح المصنف قدّس سرّه الاحتمال الأوّل بالإجماع.

______________________________

[1] لكن النسبة بين النصوص المستفيضة الواردة في شراء الام لتنعتق و ترث، و بين عموم المنع هو العموم المطلق، فيتعيّن التخصيص، و إلّا لزم طرحها رأسا، لعدم تكفلها لحكم غير الامّ. و لم يظهر وجه جعل النسبة في المقابس عموما من وجه مع تصريحه بأنّ جملة منها وردت في الأمّ و الاخت و البنت.

ثم لو سلّم ذلك فالترجيح بالإجماع المحتمل مدركيته لا يخلو من شي ء.

و كذا بدعوى كون الشراء للإرث عنوانا ثانويا طرأ على أمّ الولد، فيندرج المورد في العناوين الثانوية المتقدمة على أحكام العناوين الأوّلية. و لو انفتح هذا الباب لم يختص بالمقام، بل يعم جميع الحقوق الثابتة لأمّ الولد الموجبة لجواز بيعها.

و هو كما ترى.

______________________________

(1) الوسائل، ج 17، ص 404، الباب 20 من أبواب موانع الإرث، الحديث: 1

(2) حاشية المكاسب، ص 120

ص: 453

مضافا إلى ظهورها (1) في رفع سلطنة المالك، و المفروض هنا (2) عدم كون البيع باختياره، بل تباع عليه لو امتنع.

و من [موارد] القسم الثالث (3)- و هو ما يكون الجواز لحقّ سابق على الاستيلاد- ما إذا كان علوقها بعد الرّهن (4)، فإنّ المحكيّ عن الشيخ و الحلّي و ابن زهرة و المختلف و التذكرة و اللمعة و المسالك و المحقق الثاني و السيوري

______________________________

(1) هذا ثاني وجهي ترجيح أخبار الإرث على عموم منع بيع أمّ الولد، و محصله: أنّ قاعدة منع بيعها ظاهرة في كون المولى ممنوعا عن النقل الاختياري دون القهري، فلا إطلاق في أدلة المنع يشمل النقل القهري حتى يقع التعارض بينها و بين دليل شراء المملوك ليرث قريبه.

(2) أي: في ما لو مات قريبها و لم يخلّف غير أمّ الولد، حيث إنّها تشترى منه إمّا برضى مولاها و إمّا قهرا عليه.

هذا ما يتعلق بموارد الاستثناء في القسم الثاني.

القسم الثالث: بيعها لحقّ سابق على الاستيلاد

(3) معطوف على قوله: «فمن موارد القسم الأوّل» المتقدم في (ص 296) و تعرّض في هذا القسم لموارد سبعة يجمعها: تعلّق حقّ بها سابق على الاستيلاد، فتتزاحم الحقوق.

1- إذا كان الحمل بعد الرهن

(4) هذا هو المورد الأوّل، و هو ما إذا صارت الأمة مرهونة على دين، ثم حملت من مولاها. و جواز بيعها منوط بتمامية أمرين:

أحدهما: عدم بطلان الرهن بنفسه بمجرد الاستيلاد الموجب لخروج الأمة عن الطّلق.

و ثانيهما: عدم وجوب إبدالها بعد الحمل بمال آخر ليكون وثيقة للدين.

و الأمر الأوّل متفق عليه، و الثاني مشهور كما ذكره في المقابس.

ص: 454

و أبي العبّاس و الصيمري «1»: جواز بيعها حينئذ (1).

و لعلّه (2) لعدم الدليل على بطلان حكم الرهن السابق

______________________________

فبناء عليهما يقع الكلام في جواز بيعها لو لم يؤدّ الدين، و عدمه.

قال المحقق الشوشتري في الصورة الثامنة: «انّه إذا بقيت مرهونة مطلقا على المشهور، و مع الإعسار عن غيره- أي على غير المشهور- ففي جواز بيعها للرهن حيث يجوز البيع له، أقوال: الأوّل جوازه مطلقا، و هو اختيار الشيخ في المبسوط و الخلاف» إلى آخر من سمّاهم في المتن.

(1) أي: حين كون الحمل بعد الرهن، و المقصود تجويز بيعها في الجملة، إمّا مطلقا كما عليه ابن إدريس و غيره، و إمّا مع التفصيل بين كون الراهن موسرا و معسرا كما اختاره شيخ الطائفة في الخلاف و العلّامة في التذكرة.

(2) أي: و لعلّ جواز البيع، استدلّ له في الكلمات بلزوم الأخذ بأسبق الحقّين «2»، و هو في المقام حق المرتهن في العين المرهونة ببيعها لاستيفاء حقّه. كما أشار إليه المحقق في عبارته الآتية، فالمقصود ترجيح حق الرهن على حق الاستيلاد.

و حيث إنّ مجرّد السبق الزّماني ليس من مرجحات التزاحم، فلو كان الحق المتأخر أهمّ من المتقدم قدّم على المتقدم.

نعم في صورة عدم إحراز أهمية أحدهما يكون الحكم على طبق السابق للاستصحاب، فلذا عدل المصنف إلى التمسك به.

______________________________

(1) الحاكي عنهم السيد العاملي و صاحب المقابس، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 124؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 82؛ و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 217؛ الخلاف، ج 3، 230، المسألة: 19 كتاب الرهن؛ السرائر، ج 2، ص 28؛ الغنية، ص 244؛ مختلف الشيعة، ج 5، ص 440؛ تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 220 (ج 2، ص 28 الحجرية)؛ اللمعة، ص 94؛ المسالك، ج 3، ص 170 و ج 4، ص 50 و ج 10، ص 527؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 98 و ج 5، ص 80- 81؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ المهذب البارع، ج 4، ص 105؛ غاية المرام (مخطوط) و تلخيص الخلاف، ج 2، ص 96، و فيه التقييد بالإعسار.

(2) كما في جامع المقاصد، ج 5، ص 80- 81

ص: 455

بالاستيلاد (1) اللاحق، بعد تعارض أدلّة حكم الرّهن و أدلة المنع عن بيع أمّ الولد في دين غير ثمنها (2).

خلافا (3) للمحكي عن الشرائع و التحرير، فالمنع مطلقا (4).

و عن الشهيد (5) في بعض تحقيقاته: الفرق بين وقوع الوطء بإذن المرتهن،

______________________________

توضيحه: أنّ إطلاق دليل الرهن يقتضي جواز بيع العين المرهونة سواء أ كانت أمّ ولد أم لا، و دليل الاستيلاد يقتضي عدم جواز بيعها- إلّا في ثمن رقبتها- سواء أ كانت مرهونة أم لا. ففي المجمع- و هو أمّ الولد المرهونة- يتعارض الدليلان، و بعد التساقط يرجع إلى استصحاب حكم الرهن أعني به جواز البيع، هذا.

(1) متعلق بالبطلان.

(2) استثناء خصوص «بيعها في ثمنها» إنّما هو لوروده في بعض أدلة منع بيع امهات الأولاد كصحيحة عمر بن يزيد و روايته المتقدمتين في (ص 299- 301) و أمّا سائر مواضع جواز بيعها فتستفاد من المخصص أو المقيد المنفصلين.

(3) عدل لقوله: «فإنّ المحكي عن الشيخ ... جواز بيعها». و هذا إشارة إلى القول الثاني، اختاره المحقق و العلّامة في التحرير، ففي الشرائع: «و لو وطأ الراهن فأحبلها، صارت أمّ ولده، و لا يبطل رهنها. و هل تباع؟ قيل: لا مام دام الولد حيّا.

و قيل: نعم، لأنّ حق المرتهن أسبق. و الأوّل أشبه» «1». و وجه المنع تقديم حق الاستيلاد تغليبا لجانب الحرية.

(4) المقصود بالإطلاق ما يقابل تفصيل الشهيد قدّس سرّه بين كون الوطء بإذن المرتهن فيمنع من يبعها، و بين كونه بدون إذنه، فيجوز بيعها.

(5) معطوف على «عن الشرائع» أي: و خلافا للمحكي عن الشهيد. و هذا إشارة إلى القول الثالث في المسألة، و وجه الفرق: أنه مع إذن المرتهن يسقط حقه

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 82 و قريب منه في الاستيلاد، ج 3، ص 138

ص: 456

و وقوعه بدونه.

و عن الإرشاد (1) و القواعد: التردّد. و تمام الكلام في باب الرّهن (2).

و منها (3): ما إذا كان علوقها

______________________________

على تقدير وجود الولد، بخلافه بدون الإذن. و قال السيد العاملي بعد حكايته:

«و هو قوي موافق للأصول و الاعتبار إن لم يكن خارقا للإجماع على الخلاف» «1».

(1) هذا أيضا معطوف على «عن الشرائع» و هذا إشارة إلى قول رابع، و هو التردد في حكم المسألة، و عدم ترجيح منع البيع أو جوازه، قال به جمع كالعلّامة في الإرشاد و القواعد. بل استظهر السيد العاملي قدّس سرّه كون التوقف مقتضى اقتصار آخرين على نقل الخلاف من دون ترجيح كالعلّامة في التلخيص، و فخر المحققين، و ابن السيد العميد في تخليص التخليص، و الشهيد في الدروس و غاية المراد، و الفاضل السبزواري في الكفاية «2».

(2) إذ المسألة محرّرة هناك «3»، و إن تعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام هنا. فراجع «4».

2- إذا كان الحمل بعد إفلاس المولى و الحجر عليه

(3) معطوف على قوله: «و من القسم الثالث» و تأنيث الضمير باعتبار موارد القسم الثالث. فالمقصود بيان حكم بيع أمّ الولد- لو حجر الحاكم أموال سيّدها- بشرطين:

أحدهما: أن يكون العلوق و الحمل بعد الحجر، فلو تأخّر الحجر عن الاستيلاد لم يصحّ بيعها لأداء حقّ الغرماء.

ثانيهما: أن تكون أمّ الولد فاضلة عن مستثنيات الدين، فلو كانت خادمة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 123 و 124

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 123 و 124

(3) لاحظ جواهر الكلام، ج 25، ص 208- 211

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 81- 84

ص: 457

بعد (1) إفلاس المولى و الحجر عليه، و كانت (2) فاضلة عن المستثنيات في أداء الدين، فتباع حينئذ (3)، كما في القواعد (4) و اللّمعة و جامع المقاصد «1»، و عن المهذّب و كنز العرفان و غاية المرام «2»، لما ذكر (5) من سبق حقّ الدّيّان بها،

______________________________

لمولاها- مع كونه أهلا للإخدام- كانت من جملة المستثنيات، كما تقدم في الصورة الاولى بقوله: «و مما ذكر يظهر أنه لو كان نفس أمّ الولد مما يحتاج إليها المولى للخدمة فلا تباع في ثمن رقبتها» فراجع (ص 321).

فإن تحقق الشرطان فهل تكون كسائر أموال المفلّس تباع في حقّ الغرماء أم لا؟ ذهب العلّامة في القواعد و جماعة ممّن تأخر عنه إلى الجواز، و مقتضى عدم عدّ غيرهم هذه الصورة من المستثنيات عدم جواز بيعها.

(1) هذا إشارة إلى الشرط الأوّل.

(2) هذا إشارة إلى الشرط الثاني.

(3) أي: حين كون العلوق بعد الإفلاس و الحجر، و كونها زائدة على مستثنيات الدين.

(4) الموجود في القواعد- كما نبّه عليه المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه أيضا في الصورة التاسعة- هو اشتراط جواز بيعها بأن تكون آخر ما يباع من أموال المفلّس، رعاية لحق الاستيلاد مهما أمكن، قال العلّامة قدّس سرّه فيه: «و لا يمنع من وطء مستولدته. و في وطء غيرها من إمائه نظر، فإن أحبل فهي أمّ ولد. و لا يبطل حق الغرماء منها مع القصور، دونها».

(5) يعني: في المورد السابق من تدافع حق الرهن و حق الاستيلاد إذا تأخّر عن الرهن زمانا.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 145؛ اللمعة الدمشقية، ص 94؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99، و ج 5، ص 241

(2) الحاكي عنهم صاحب المقابس في ص 84، و لاحظ: المهذب البارع، ج 4، ص 106؛ كنز العرفان، ج 2، ص 129؛ غاية المرام (مخطوط)، ج 1، ص 280

ص: 458

و لا دليل على بطلانه (1) بالاستيلاد.

و هو (2) حسن مع وجود الدليل على تعلّق حقّ الغرماء بالأعيان. أمّا لو لم يثبت إلّا الحجر على المفلّس في التصرف و وجوب (3) بيع الحاكم أمواله في الدّين، فلا يؤثر (4) في دعوى اختصاصها بما هو قابل للبيع في نفسه، فتأمّل (5).

و تمام الكلام في باب الحجر إن شاء اللّه.

______________________________

(1) أي: على بطلان حق الديان بصيرورة الأمة أمّ ولد، لعدم إحراز أهمية حق الاستيلاد من حقّ الديّان، فلا مانع من استصحاب حقّهم الثابت قبل الاستيلاد.

(2) أي: و جواز البيع لحقّ الديان حسن مع وجود الدليل ... الخ.

ناقش المصنف قدّس سرّه- وفاقا لما في المقابس في جواز البيع هنا- بما حاصله: أنّ صغروية المورد لتعلق حقّين بامّ الولد مبنية على تعلق حق الغرماء بأعيان الأموال التي منها أمّ الولد، إذ تكون حينئذ موردا لحقّين: حقّ الغرماء و حقّ الاستيلاد، و يرجّح الأوّل للسبق مع فرض عدم إحراز أهمية حق الاستيلاد منه.

و أمّا بناء على عدم تعلق حق الدّيان بالأعيان بل بذمة المفلّس، و بيع الحاكم أمواله للصرف في ديونه، لم يكن المورد من تعلّق الحقين، بل تعلق حقّ واحد و هو الاستيلاد المقتضي لعدم جواز بيعها. و تعلّق حقّ الديان بذمة المفلّس لا يشرّع قابلية أمّ الولد للبيع، ضرورة أنّ الحجر يوجب بيع الأموال القابلة للبيع مع الغض عن حق الديان، و المفروض عدم قابلية أمّ الولد في نفسها للبيع، فلا يجوز بيعها.

و بالجملة: فلا يؤثر الحجر في جواز بيع ما ليس قابلا في نفسه للبيع.

(3) معطوف على «الحجر» أي: لم يثبت إلّا وجوب بيع الحاكم ... الخ.

(4) جواب الشرط في «أما لو لم يثبت» يعني: فلا يؤثر الحجر في دعوى اختصاص الأموال التي يبيعها الحاكم بالأموال القابلة للبيع في نفسها. و المراد بالتأثير تشريع القابلية للبيع فيما لا يقبل البيع بنفسه.

(5) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في جواز البيع قهرا على مولى أمّ الولد بين تعلق حق الديان بالأعيان، و بين تعلقه بالذمة، إذ جواز البيع القهري الثابت قبل الاستيلاد

ص: 459

و منها (1): ما إذا كان علوقها بعد جنايتها. و هذا في (2) الجناية التي لا تجوّز البيع لو كانت لا حقة، بل يلزم المولى الفداء. و أمّا لو قلنا (3) بأنّ الجناية اللّاحقة أيضا ترفع المنع لم يكن فائدة في فرض تقديمها.

______________________________

يستصحب، فلا ثمرة حينئذ بين القولين.

أو إشارة إلى: أنّ القابلية للبيع حين الحجر كافية في جواز البيع، و هي حاصلة، إذ المفروض تأخر الاستيلاد عن الحجر.

3- إذا حملت بعد الجناية على غير مولاها خطأ

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و هو ما إذا حملت من مولاها بعد ما جنت على أجنبي خطأ، و جواز البيع هنا مبني على ما حكاه صاحب المقابس عن موضع من المبسوط و التهذيب و المختلف- فيما لو جنت بعد الاستيلاد- من تعيّن الفداء على المولى، خلافا لما نسب إلى المشهور من التخيير بينه و بين تسليمها إلى المجنيّ عليه.

و أمّا بناء على المشهور من أن الجناية اللاحقة للاستيلاد- كالسابقة عليه- ترفع منع بيعها، فلا ثمرة في فرض سبق الجناية على الاستيلاد، لجواز بيعها على كلّ منهما.

و تعرّض صاحب المقابس لهذا المورد في الصورة العاشرة، و أحال التفصيل إلى الصورة الرابعة «1».

(2) أي: جواز البيع في الجناية السابقة على الاستيلاد إنّما هو لو قلنا بالتفصيل بين سبق الجناية و لحوقها، و أنه يتعين في اللاحقة الفداء على المولى، فيقال بجواز البيع في السابقة على الاستيلاد، فيحصل الفرق بين الجناية السابقة و اللاحقة.

(3) كما هو المشهور، فلا جدوى في فرض تقديم الجناية، لأنّ جنايتها مطلقا توجب التخيير بين الفداء و بين دفعها إلى المجني عليه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 85

ص: 460

و منها (1): ما إذا كان علوقها في زمان خيار بائعها، فإنّ المحكي عن الحلّي جواز استردادها (2)

______________________________

4- إذا بيعت الأمة فحملت من المشتري في مدة الخيار

(1) أي: و من القسم الثالث، و هو ما إذا كان العلوق في زمان خيار البائع، بأن كان مغبونا في بيعها، و استولدها المشتري، ثم علم البائع بالغبن، ففسخ العقد، فهل يجوز استردادها أخذا بأسبق الحقّين و هو حق الخيار، أم يتعيّن استرداد قيمتها، لمانعية الاستيلاد عن انتقالها من ملك سيّدها إلى ملك غيره؟

ذهب بعض إلى ثبوت حق الفسخ للبائع، و مقتضى إطلاقه- و عدم تقييده بأخذ القيمة من المشتري بدلا من العين- هو جواز استرداد الرقبة. و حكى صاحب المقابس قدّس سرّه هذا القول عن شيخ الطائفة و أبي المكارم و القاضي و الحلّي قدّس سرّهم.

و لكن المصنف قدّس سرّه لم ينسبه إلّا الحلّي. و وجهه- كما نبّه عليه في السرائر و المقابس- ذهاب الشيخ و من تبعه إلى توقف الملك في العقود الخيارية على انقضاء مدة الخيار، و لا يحصل الملك بنفس العقد، و من المعلوم أنّ استيلاد المشتري تصرف في ملك البائع الذي له الخيار، فاسترداد العين لا يتوقف على فسخ العقد ليعود المبيع إلى ملك البائع.

نعم، بناء على مسلك الحلّي من حصول الملك بنفس العقد- و كون المبيع في زمان خيار البائع ملكا للمشتري- يتجه البحث عن جواز استرداد العين.

و على القول بجواز الاسترداد فمقتضاه خروج أمّ الولد عن ملك سيّدها قهرا عليه.

(2) لم يرد في عبارة السرائر تصريح باسترداد العين، و إنّما نسب ذلك إلى ابن إدريس من جهة التزامه بالفسخ و نفي ما نقله عن الشيخ- من لزوم رد قيمة الولد و عشر قيمة الجارية إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيّبا- لوضوح أنّ إثبات حق الفسخ للبائع مع السكوت عن استرداد الجارية أو قيمتها، ظاهر في اقتضاء

ص: 461

مع كونها (1) ملكا للمشتري، و لعلّه (2) لاقتضاء الخيار ذلك، فلا يبطله الاستيلاد.

خلافا للعلّامة (3) و ولده «1»، و المحقق و الشهيد الثانيين «2»، و غيرهم «3»، فحكموا بأنّه إذا فسخ رجع بقيمة أمّ الولد. و لعلّه (4) لصيرورتها بمنزلة التالف.

______________________________

الفسخ عود الأمة إلى ملكه و إن صارت أمّ ولد للمشتري.

قال في السرائر: «و الذي يقتضيه اصول مذهبنا: أن المشتري لا يلزمه قيمة الولد، و لا عشر قيمة الجارية بحال، سواء فسخ البائع البيع أم لم يفسخ ...» «4».

(1) أي: كانت ملكا له قبل الاسترداد، و إلّا فالفسخ يحصل بكلّ من القول و الفعل كما هو واضح.

(2) أي: و لعلّ جواز إعادتها في ملك البائع لاقتضاء حق الخيار السابق على حق الاستيلاد، فلا يبطل السابق باللاحق.

(3) قال قدّس سرّه في القواعد: «ليس للمشتري الوطء في مدة الخيار المشترك أو المختص بالبائع على إشكال. فإن فعل لم يحدّ، و الولد حرّ و لا قيمة عليه. فإن فسخ البائع رجع بقيمة الامّ خاصة، و تصير أمّ ولد» «5».

(4) أي: و لعلّ حكمهم بالرجوع إلى القيمة- لو فسخ البائع- لأجل أنّ الاستيلاد يجعل الجارية بمنزلة التالف، فكما أن تلف المبيع الخياري مانع عقلي عن ردّه إلى البائع لو فسخ البيع، و يتعيّن ردّ البدل إلى ذي الخيار، فكذا الاستيلاد الموجب لتشبثها بالحرية مانع شرعي عن ردها إلى البائع. و مقتضى الجمع بين حقّ الخيار و حقّ الجارية هو الانتقال إلى البدل، و هو هنا القيمة.

فإن قلت: الرجوع إلى القيمة مناف لما يقتضيه الفسخ، من جعل العقد السابق

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 489

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 313؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 206؛ الروضة البهية، ج 3، ص 465

(3) كابن فهد و الصيمري على ما في المقابس، ص 85

(4) السرائر، ج 2، ص 247 و 248

(5) قواعد الأحكام، ج 2، ص 71

ص: 462

و الفسخ (1) بنفسه لا يقتضي إلّا جعل العقد من زمان الفسخ (2) كأن لم يكن.

و أمّا وجوب ردّ العين فهو من أحكامه (3) لو لم يمتنع عقلا أو شرعا، و المانع الشرعي كالعقلي.

نعم (4)، لو قيل: إنّ الممنوع إنّما هو نقل المالك

______________________________

كالعدم، فكأنّه لم يحصل سبب لخروج المبيع عن ملك البائع، و لا لخروج الثمن عن ملك المشتري. و من المعلوم أنّ قيمة أمّ الولد لم يتعلق بها البيع كي يجب ردّها إلى البائع بدلا عن العين، بل اللازم ردّ ما يقتضيه الفسخ إليه، و هو نفس المبيع.

قلت: معنى الفسخ جعل العقد السابق بمنزلة العدم. و أمّا وجوب ردّ العين أو بدلها فهو من أحكام الفسخ، فإن لم يكن مانع عقلي أو شرعي عن ردّ العين وجب، و إلّا انتقل إلى البدل، و المفروض وجود المانع الشرعي و هو الاستيلاد.

(1) هذا دفع دخل مقدر، تقدم بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(2) بمعنى أنّ الفسخ- في أيّ زمان- يجعل العقد من حينه كالعدم.

(3) أي: من أحكام الفسخ و آثاره، لا من مقتضياته غير المنفكّة عنه حتى يتجه الإشكال.

(4) استدراك على قوله: «رجع بقيمة الولد» و غرضه قدّس سرّه توجيه رجوع أمّ الولد إلى ذي الخيار لو فسخ العقد، و ذلك لانتفاء المانع الشرعي، إذ الممنوع هو النقل الاختياري، و هو مفقود في المقام، إذ لا ينقلها المشتري إلى البائع اختيارا، بل هو يستردّها بحكم الشارع قهرا على المشتري. و من المعلوم اختصاص أدلة منع نقل أمّ الولد بموردين:

أحدهما: نقل المالك لها باختياره.

ثانيهما: نقلها عن ملك سيّدها في ديونه عدا دين رقبتها.

و المفروض في فسخ ذي الخيار انتفاء كلا الموردين، و عليه فلا منافي لحقّ البائع في استرداد العين.

ص: 463

أو النقل من قبله لديونه (1)، أمّا (2) الانتقال عنه بسبب- يقتضيه الدليل- خارج (3) عن اختياره، فلم يثبت (4)، فلا مانع (5) شرعا من استرداد عينها.

و الحاصل (6): أنّ منع الاستيلاد عن استرداد بائعها لها يحتاج إلى دليل مفقود.

اللّهم إلّا أن يدّعى (7): أنّ الاستيلاد حقّ لأمّ الولد مانع عن انتقالها عن

______________________________

(1) أي: غير ثمن رقبتها، و إلّا فيجوز بيعها فيه كما ورد في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص 299).

(2) يعني: أمّا منع الانتقال عن المالك بسبب خارج عن اختيار السيد فغير ثابت، كما لو جنت على غير مولاها عمدا، حيث يجوز للمجني عليه أو وليّه الاسترقاق، كما سبق في مورد القسم الأوّل، فراجع (ص 389).

(3) هذا و «يقتضيه» و صفان ل «سبب».

(4) جواب «أما الانتقال» و الضمير المستتر راجع إلى الانتقال باعتبار مضافه المحذوف و هو المنع.

(5) جواب «لو قيل».

(6) هذا حاصل قوله: «نعم، لو قيل ... فلا مانع شرعا من استرداد عينها» يعني: أنّ حق ذي الخيار بفسخ العقد و استرداد أمّ الولد معلوم، و مانعية الاستيلاد عن استرداد العين- حتى يرجع إلى البدل- منوطة بدليل مفقود، إذ المفروض اختصاص دليل المنع بالنقل الاختياري، و عدم إطلاق له يشمل النقل القهري، كانتقال المبيع إلى البائع بسبب الفسخ.

(7) الغرض من هذه الدعوى ترجيح الانتقال إلى القيمة على حقّ الفسخ المقتضي لجواز استرداد العين، و محصلها: أنّ الاستيلاد يحدث حقّا للأمة، موجبا لسلب سلطنة المولى على التصرفات الناقلة لها عن ملكه، سواء أ كان الإخراج عن الملك لرعاية حق مالكيته، أم لرعاية حقّ غيره كالراهن إذا جعلت رهنا على دين

ص: 464

ملك المولى لحقّه أو لحقّ (1) غيره، إلّا أن يكون (2) للغير حقّ أقوى أو سابق يقتضي انتقالها مع الإمكان شرعا، و المفروض (3) أن تعلق حقّ أمّ الولد مانع شرعا كالعتق و البيع على القول بصحتهما (4) في زمان الخيار، فتأمّل (5).

______________________________

سوى ثمن رقبتها. و لا يرفع اليد عن هذه الكلّيّة إلّا في موردين:

أحدهما: ثبوت حقّ أقوى من حق الاستيلاد، فيقدّم على الاستيلاد بمناط الأهمية.

و ثانيهما: ثبوت حقّ سابق زمانا على حقّ الاستيلاد كحق الديان.

ففي هذين الموردين يقال بجواز نقلها عن ملك سيّدها.

و لكن لم يثبت شي ء منهما في المقام، بشهادة التزامهم بالانتقال إلى البدل فيما لو تصرف من عليه الخيار بعتق المملوك الذي اشتراه، أو بنقله إلى الغير بالعقد اللازم كالبيع- بناء على نفوذ التصرف المخرج عن الملك في مدة الخيار- فلو فسخ من له الخيار انتقل حقّه إلى البدل، و استردّ المثل أو القيمة.

(1) هذا و «لحقّه» متعلقان ب «انتقالها» و المقصود أنّ الممنوع هو انتقالها عن ملك المولى، أو لمصلحة غيره.

(2) استثناء من «مانع عن انتقالها» و إشارة إلى جواز نقلها في مورد أهمية الحق أو سبقه، لو أمكن النقل في نفسه.

(3) و مع وجود المانع الشرعي عن استرداد العين يتعيّن استرداد القيمة. كما إذا أعتق ذو الخيار المبيع أو نقله إلى غيره بالبيع أو الصلح.

(4) و أمّا على القول بعدم نفوذ هذه التصرفات ممّن عليه الخيار لم يكن العتق و البيع مثالا لوجود المانع الشرعي عن استرداد العين.

(5) لعله إشارة إلى: منع كون الاستيلاد مانعا عن انتقالها عن ملك سيّدها مطلقا و إن لم يكن باختياره، فإنّه أوّل الكلام، بل الظاهر من دليل المنع هو النقل الاختياري الراجع إلى مصلحة المولى، دون الانتقال القهري، كخروج المبيع عن ملك

ص: 465

و منها (1): ما إذا كان علوقها بعد اشتراط أداء مال الضمان منها،

______________________________

المشتري بفسخ البائع. و عليه فلا مانع من استرداد أمّ الولد بالفسخ.

5- إذا اشترط أداء مال الضمان منها، ثم حملت

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و توضيحه: أنّ الضمان عندنا عقد يفيد نقل ذمة إلى ذمة اخرى، أي: نقل ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، كما إذا كان زيد مديونا لعمرو بكذا، فضمنه بكر. و يجوز في عقد الضمان اشتراط أداء الدين من مال معين، كما إذا شرط المضمون له على الضامن- أو شرط الضامن عليه- كون هذه الجارية المملوكة للضامن مال الضمان، ثم استولدها الضامن، فهل يجب بيعها لأداء الدين المضمون. و تقديم حق الضمان على حق الاستيلاد، أم لا يجوز بيعها رعاية لجانب الحرية؟

و مبنى المسألة هو: أنّ في شرط الأداء من مال خاص احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن الشرط يقتضي تعلق حق شرعي به، زيادة على اشتغال ذمة الضامن للمضمون له.

الثّاني: أنه يقتضي مجرّد التكليف بالوفاء بتفريح الذمة بالمال المعيّن، من دون المنع عن نفوذ التصرف فيه، فيكون التصرف حراما تكليفا و إن كان صحيحا وضعا.

الثالث: أنّ الشرط لا يقتضي حدوث وضع و لا تكليف، فلو تصرف الضامن في المال الخاص صحّ وضعا و جاز تكليفا، و لكنه أوجب انقلاب لزوم عقد الضمان إلى الجواز، فله الفسخ، و يلزم حينئذ رجوع المضمون له إلى المضمون عنه.

و القول بجواز بيع أمّ الولد التي اشترط كونها مال الضمان- رعاية لأسبق الحقّين- منوط بالالتزام بالاحتمال الأوّل، لتحقق حقّين حينئذ.

و أما على الثاني فالاستيلاد محرّم تكليفا، و من المعلوم أن ترتب حكم الاستيلاد- من منع نقلها عن ملك مولاها- غير مشروط بحلية المباشرة من هذه الجهة.

ص: 466

بناء (1) على ما استظهر (2) الاتفاق عليه من جواز اشتراط الأداء من مال معيّن، فيتعلّق به (3) حقّ المضمون له. و حيث فرض (4) سابقا على الاستيلاد فلا يزاحم به [1] على قول محكيّ في الروضة (5).

______________________________

و أما على الثالث، فمانعية الاستيلاد أوضح وجها.

(1) وجه التقييد: أنّه لو قيل بعدم صحة هذا الشرط في نفسه لم يتعلّق حقّ بالجارية حتى يتزاحم الحقّان.

(2) المستظهر صاحب المقابس، قال قدّس سرّه: «و قد اتفقوا على جواز اشتراط كون الضمان من مال معيّن من أموال الضامن، كما هو الظاهر، و يتعلق به حقّ المضمون له. و وقع الإشكال في أنّ تعلقه كتعلق الدين بالرهن، فلا يسقط الحق عن ذمة الضامن بتعلقه، أو كتعلق الأرش بالعبد الجاني حيث يسقط الحق بموته؟» انتهى موضع الحاجة «1».

(3) أي: بالمال المعيّن.

(4) أي: و حيث فرض كون الحق الناشئ من الشرط سابقا على حق الاستيلاد، لم يزاحم ذلك الحقّ السابق بحق الاستيلاد.

(5) قال في الروضة: «و تاسع عشرها: إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد، ثم أولدها، فإنّ حقّ المضمون له أسبق من حق الاستيلاد كالرهن و الفلس السابقين» «2».

______________________________

[1] قد مرّ عدم العبرة بالسبق الزماني في باب التزاحم. نعم يحكم ببقاء حق المضمون له بامّ الولد للاستصحاب بعد عدم إحراز أهمية أحدهما، و الشك في ارتفاع حقّ المضمون له بالاستيلاد المتأخر عنه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 261

ص: 467

و منها (1):

______________________________

6- لو نذر المولى جعل أمته صدقة، ثم حملت

(1) معطوف أيضا على قوله: «و من القسم الثالث» و هذا المورد، مما أضافه صاحب المقابس على موارد الاستثناء كما صرح به في الصورة الرابعة عشر بقوله:

«و لم أجد من تعرّض لهذه الصورة، و كان ينبغي ذكرها كنظائرها» «1».

توضيحه: أنّ نذر الصدقة تارة يكون بنحو شرط النتيجة، و أخرى بنحو شرط الفعل، و هو إيجاد التصدق و الإتيان به. و كل منهما إمّا مطلق و إمّا مشروط.

فمثال شرط النتيجة أن يقول: «للّه عليّ أن تكون جاريتي صدقة على فلان أو على الفقراء»، و كذا لو علّقه على شرط بأن يقول بعده: «إن شفى اللّه المريض أو إن قدم زيد من الحج» و نحوهما.

و مثال شرط الفعل أن يقول: «أن أتصدق بها» بدل «صدقة» فينشئ النذر هكذا: «للّه عليّ أن أتصدق بجاريتي» إمّا مطلقا، و إمّا معلّقا على شرط.

و عدّ هذا المورد من تزاحم الحقّين مبني على خروج المال المنذور عن ملك الناذر، إمّا بمجرد النذر إن كان مطلقا، و إما بحصول الشرط إن كان مشروطا، كما استظهره صاحب المقابس قدّس سرّه من كلماتهم، فلو باشر السيد جاريته و استولدها بعد النذر- في المطلق- و بعد تحقق الشرط في المشروط، لم يكن من تزاحم الحقّين، لعدم كونها ملكا له حسب الفرض في وقت العلوق و الحمل.

إنّما الكلام فيما لو باشرها- في النذر المعلّق- قبل حصول المعلّق عليه، لبقائها على ملكه، فحقّ النذر يقتضي خروجها عن ملكه بعد تحقق الشرط، و حق الاستيلاد يقتضي بقاءها على ملك السيد لتنعتق بعد وفاته من نصيب ولدها. فهل يؤخذ بأسبق الحقين- أعني به النذر- و تنتقل إلى ملك المنذور له، أم بحق الاستيلاد، أم يحكم بأنّ

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

ص: 468

ما إذا كان علوقها بعد نذر جعلها (1) صدقة، إذا كان النذر مشروطا بشرط لم يحصل قبل (2) الوطء، ثم حصل بعده، بناء (3) على ما ذكروه من خروج المنذور كونها صدقة عن ملك الناذر بمجرّد النذر في المطلق، و بعد حصول الشرط في المعلّق، كما حكاه (4) صاحب المدارك عنهم في باب الزكاة.

______________________________

الاستيلاد بمنزلة إتلاف العين، فيتصدق بقيمتها؟ وجوه.

(1) مقصود المصنف بيان حكم نذر النتيجة، بقرينة قوله بعد أسطر: «و لو نذر التصدق بها» و لذا فالأولى- كما في المقابس- أن يقال: «بعد نذر كونها صدقة» لأنّ «جعلها صدقة» شرط الفعل لا النتيجة، مع أنّه فعلا بصدد بيان نذر النتيجة.

(2) إذ لو حصل الشرط قبل النذر خرج المنذور عن ملكه، كما ذكروه، فلا حكم للعلوق حينئذ.

(3) قيد لمحذوف علم من السياق، و هو تقديم حق النذر على حق الاستيلاد، يعني: أنّ كون هذا المورد من موارد تقديم حقّ على حقّ الاستيلاد منوط بحصول الملكية للمنذور له بعد تحقق الشرط. قال في المقابس: «و القول بذلك قوي عندي، و إن قلنا ببقائها في الملك- كما يظهر من جماعة من الأصحاب- فإذا أحبلها قبل التصدق، فالحكم كما سبق» «1» يعني تصير أمّ ولد.

(4) يعني: كما حكى صاحب المدارك قدّس سرّه عن الأصحاب خروج المنذور- كونها صدقة- عن ملك الناذر، حيث قال- بعد تعيّن النصاب للصدقة لو نذر الصدقة أثناء الحول- ما لفظه: «و أولى منه ما لو جعله- أي النصاب- صدقة بالنذر، لخروجه عن ملكه بمجرّد النذر فيما قطع به الأصحاب» «2».

و مقصوده نذر النتيجة، كما أنّ المراد بنذر الصدقة نذر الفعل.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 86

(2) مدارك الأحكام، ج 5، ص 31

ص: 469

و يحتمل (1) [1] كون استيلادها كإتلافها، فيحصل الحنث (2)، و يستقرّ القيمة جمعا بين حقّي أمّ الولد و المنذور له.

______________________________

(1) هذا الاحتمال في قبال ما تقدم من تقديم حق النذر على حق الاستيلاد، و حاصله: أنّه تقرّر في باب النذر حرمة تعجيز الناذر نفسه عن فعل المنذور، و إيجابه لحنث النذر، و استقرار الكفارة عليه. و ممّا يتحقق به العجز هو إتلاف المال المنذور صرفه في موضع، أو الصدقة به على شخص أو جهة. و يمكن إلحاق استيلاد الأمة بالإتلاف، لكونه مانعا عن إخراجها عن ملك المستولد، و عن التصدق بها.

و حينئذ يمكن الجمع بين حق المنذور له و بين حقّ أمّ الولد، بأن يقال: ببقاء أمّ الولد على ملك المولى، و وجوب دفع قيمتها إلى المنذور له. و حصول الحنث بامتناع ردّ العين لا يوجب عدم دفع القيمة إلى المنذور له.

(2) المقصود بالحنث ليس مخالفة النذر بالمرّة، بل مخالفته بالنسبة إلى التصدق برقبة الجارية، مع إمكان ردّ البدل.

______________________________

[1] لا وجه لهذا الاحتمال. أمّا في صورة إطلاق نذر النتيجة فلأنّ المفروض خروج الأمة المنذورة بمجرد النذر عن ملك الناذر، فلا حكم لاستيلادها بعد النذر، لعدم تحقق العلوق في ملكه مع كون مالكية المستولد للأمة التي يستولدها معتبرة في صيرورتها أمّ ولد. و أمّا في صورة اشتراط النذر فلسبق النذر زمانا على الاستيلاد، و المفروض اعتبار التقدم الزماني عندهم في ترجيح أحد المتزاحمين على الآخر.

و كون الاستيلاد كالإتلاف موجبا لحصول الحنث و استقرار القيمة جمعا بين حقّي أمّ الولد و المنذور له، منوط بتقديم حق الاستيلاد في العين على حق المنذور له، و هو خلف، لتقدم حق النذر عليه زمانا الموجب لترجيحه على حق أمّ الولد. فكون الاستيلاد كالإتلاف من الحنث المحرّم ممنوع.

ص: 470

و لو نذر التصدق بها (1)، فإن كان مطلقا، و قلنا بخروجها عن الملك بمجرد ذلك (2)- كما حكي عن بعض (3)- فلا حكم (4) للعلوق.

______________________________

(1) هذا شروع في حكم نذر الفعل، و هو أن يتصدق بالجارية، و قد فصّل- كما في المقابس أيضا- بين صور ثلاث:

الاولى: كون النذر مطلقا، مع القول بخروج المنذور التصدق به عن ملك الناذر بمجرد النذر.

الثانية: كون النذر مطلقا، مع بقاء المال على ملكه، و إنّما يجب الوفاء بالنذر تكليفا بتمليك المال للمنذور له.

الثالثة: كون النذر معلّقا على فعل اختياري أو غير اختياري، و المباشرة مع الأمة قبل حصول المعلّق عليه. و سيأتي حكم كلّ منها.

(2) أي: بمجرد النذر، و هذه هي الصورة الاولى، و حكمها عدم صيرورة الأمة أمّ ولد حينئذ، لعدم وقوع الوطء في ملكه، مع اعتبار ذلك فيها. و منه يظهر عدم جواز شي ء من التصرفات- التي منها الاستيلاد- فيها.

(3) لعلّ مراده بالبعض هو ابن إدريس و العلّامة على ما حكاه عنهما صاحب المقابس في نذر الإهداء و التصدق، بناء على كون المقصود نذر الفعل لا النتيجة، قال قدّس سرّه: «و في الأخيرين- و هما نذر الإهداء و التصدق- وجهان. و قد تقدّم عن العلّامة في نذر الإهداء أنّه يخرج عن الملك بمجرد النذر، مدّعيا أنه لا يعلم خلافا فيه، فراجع «1».

و قوّى في مسألتنا هذا، حيث قال: «و القول بذلك- أي بالخروج عن الملك بمجرد النذر- قوي عندي» «2».

(4) جواب الشرط في «و لو نذر».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 112

(2) المصدر، ص 87

ص: 471

و إن قلنا (1) بعدم خروجها عن ملكه، احتمل: تقديم (2) حقّ المنذور له في العين، و تقديم (3) حقّ الاستيلاد، و الجمع (4) بينهما بالقيمة.

و لو كان معلّقا (5)، فوطأها قبل حصول الشرط، صارت أمّ ولد، فإذا حصل الشرط وجب التصدّق بها، لتقدم سببه (6).

______________________________

(1) معطوف على «و قلنا» يعني: و إن كان نذر التصدق مطلقا، و قلنا ببقاء المنذور على الملك قبل إنشاء الصدقة به فأحبلها المالك، ففيه احتمالات ثلاث.

(2) هذا هو الاحتمال الأوّل، و محصله: تقديم حق المنذور له، بناء على مرجحية السبق الزماني في باب التزاحم. و قد مرّ ضعفه.

(3) هذا هو الاحتمال الثاني: و محصله: تقديم حق الاستيلاد، إذ المفروض كون الوطء في ملكه. و وجوب الوفاء بالنذر لا يوجب إلّا الحرمة التكليفية، فالوطء حرام، لكن لا يشترط حلية الوطء تكليفا في صيرورتها أمّ ولد، بل المعتبر فيها هي الملكية للمستولد، و المفروض حصولها في المقام.

(4) هذا هو الاحتمال الثالث، و محصله: الجمع بين الحقين، بإبقاء رقبتها في ملكه رعاية لحق الاستيلاد، و التصدق بقيمتها رعاية للنذر.

(5) معطوف على قوله: «فإن كان مطلقا» يعني: إن كان العلوق بعد حصول الشرط، فحكمه حكم النذر المطلق. و إن كان قبل حصول الشرط صارت أمّ ولد.

فلو حصل الشرط احتمل فيه وجوه ثلاثة:

الأوّل: كونه مندرجا في تقديم أسبق الحقين المتزاحمين، و حيث إن سبب وجوب التصدق- و هو النذر- مقدّم على سبب الاستيلاد- و هو العلوق في الملك- تعيّن التصدق بها.

(6) أي: سبب وجوب التصدق، و هذا مبني على مرجحية التقدم الزماني في باب التزاحم. لكنه غير ثابت.

ص: 472

و يحتمل (1) انحلال النذر، لصيرورة التصدق مرجوحا بالاستيلاد، مع

______________________________

(1) معطوف على «وجب التصدق» و هذا الاحتمال متضمن لنحوين:

الأوّل: انحلال النذر بالنسبة إلى أمّ الولد، و وجهه اعتبار رجحان المتعلّق- أعني به التصدق- حين الوفاء بالنذر، و المفروض مرجوحيته بالاستيلاد، فينحلّ النذر، و يتعيّن ترتيب آثار الاستيلاد عليها. و لكن يجب دفع القيمة إلى المنذور له جمعا بين الحقّين.

الثاني: انحلال النذر مطلقا سواء بالنسبة إلى العين و إلى القيمة، فلا يلزم دفع قيمتها إلى المنذور له. نظير تلف المال المنذور الصدقة أو التصدق، الموجب للانحلال.

و بالجملة: فملخص بحث النذر: أنّه إمّا نذر نتيجة، و إمّا نذر فعل، و كلاهما إمّا مطلق و إمّا مشروط بشرط.

فالأوّل: إن كان مطلقا، خرج المنذور بمجرد النذر عن ملك الناذر، فلا يجوز له شي ء من التصرفات لا تكليفا و لا وضعا. فلو استولدها الناذر لم تصر بذلك أمّ ولد.

و إن كان معلّقا، فإن استولدها بعد حصول الشرط فكالمطلق. و إن استولدها قبل حصوله، فيحتمل انحلال النذر، و يحتمل تقدم حق النذر، و كون الاستيلاد كالإتلاف موجبا للانتقال إلى القيمة. و لتحقيق المسألة مقام آخر.

و الثاني- و هو نذر الفعل- فإن كان مطلقا، و قلنا بخروج المنذور عن ملك الناذر بمجرد النذر، فكنذر النتيجة المطلق في عدم جواز تصرف الناذر فيه تكليفا و وضعا. فلو استولدها لم يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على أمّ الولد.

و إن لم نقل بخروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر، بل قلنا بخروجه عنه بتسليم المنذور إلى المنذور له كما هو الحق- لعدم تعلق النذر بالنتيجة بل بالفعل أعني به التصدق- ففي تقديم حق الاستيلاد و انحلال النذر و صيرورته كأن لم يكن، أو الانتقال إلى القيمة، لكون الاستيلاد كالإتلاف، و عدم كونه موجبا للانحلال، أو تقديم حق النذر و وجوب تسليم العين لا بدلها إلى المنذور له، أو الجمع بينهما بدفع

ص: 473

الرجوع إلى القيمة (1) أو بدونه (2). و تمام الكلام يحتاج إلى بسط (3) لا يسعه الوقت.

[المورد السابع إذا كان حملها من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته]

و منها (4): ما إذا كان علوقها

______________________________

القيمة إلى المنذور له، وجوه، بل أقوال. و تنقيح المسألة منوط ببسط في البحث، و لا مجال له فعلا، لضيق الوقت، هذا.

(1) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الاحتمال، فهو الوجه الثاني في المسألة.

(2) أي: بدون الرجوع، و هذا إشارة إلى ثاني وجهي الاحتمال، و هو ثالث الوجوه في المسألة.

(3) و قد بسط المحقق الشوشتري قدّس سرّه الكلام في الصورة الرابعة عشر كما تعرض لجملة من أحكام نذر التصدق في سادس أسباب خروج المال عن الملك الطلق، و هو تعلق حق النذر به، فراجع.

7- إذا حملت من مكاتب مشروط ثم فسخت كتابته

(4) معطوف على قوله: «و من القسم الثالث» و هذا آخر موارده، و هو: ما إذا كانت الأمة ملكا لعبد، كاتب مولاه كتابة مشروطة- أي يتوقف تحرّره على أداء تمام مال الكتابة، و لا ينعتق منه شي ء بنسبة النجوم- ثم عجز عن أداء مال الكتابة، ففسخت، و قد حملت أمته منه قبل حلّ عقد الكتابة. فحكى الشهيد الثاني قدّس سرّه عن بعض الأصحاب أنه يجوز لمولى العبد بيع هذه الأمة المستولدة. و تعرّض صاحب المقابس لتفصيل الكلام في الصورة الخامسة عشر، فراجع «1».

و لمّا كان الكلام في موارد القسم الثالث أعني به جواز بيع أمّ الولد لسبق حقّ على الاستيلاد، و كان الاستثناء مخرجا عن الحكم مع بقاء الموضوع و هو صدق أمّ الولد، و كان صغروية علوقها من المكاتب للقسم الثالث غير خالية عن الخفاء، فلا بأس بتوضيح صغرويته له، فنقول و به نستعين، و بوليّه الإمام المهدي المنتظر صلّى اللّه عليه و على آبائه الطاهرين- ما طلعت الشمس و أضاء القمر- نستجير:

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 87

ص: 474

..........

______________________________

إنّه يشترط في صدق أمّ الولد في هذا المثال امور:

الأوّل: أن يكون المكاتب مالكا للأمة بناء على مالكية العبد مطلقا أو خصوص المكاتب، إذ لو لم يكن مالكا لها لم تصر الأمة بوطيه لها أمّ ولد، لما تقدم في أوّل المسألة من اعتبار مالكية المستولد للأمة في تحقق عنوان «أمّ الولد».

الثاني: اعتبار حرية ولد الأمة تبعا لحرّية أبيه، إذ من أحكام أمّ الولد حرية ولدها و عدم جواز بيعها، و من المعلوم نشو حرية الولد عن حرّية أبيه، و المفروض أنّ المكاتب ليس حرّا فعليا حتى يتبعه الولد في الحرية، بل اقتضائيا، فلا بد في إجراء حكم أمّ الولد من الالتزام بكون الحرّية الاقتضائية كالفعلية في إيجابها حرّية الولد، فالكتابة توجد حالة في المكاتب متوسطة بين الحرية و الرقية.

فلو توقف صدق عنوان «أمّ الولد» بالنسبة إلى المكاتب على حريته المنوطة بأداء مال الكتابة لم تصر أمّ ولد له، إذ المفروض عوده إلى الرقية المحضة بسبب فسخ المكاتبة، فلا وجه لجعله من موارد جواز بيع أمّ الولد، لخروجها عن «أمّ ولد» موضوعا.

و قد أشار المصنف قدّس سرّه إلى هذا الشرط بقوله: «بناء على ان مستولدته أمّ ولد بالفعل الخ».

الثالث: أن لا يختص المنع عن البيع بالمستولد، إذ على الاختصاص لا يكون جواز بيع المولى خارجا و مستثنى عن المنع، لعدم شمول دليل المنع له حتى يخرج عنه، فلا بدّ من تعميم دليل المنع للمستولد و غيره حتى يصح استثناء المولى عنه.

الرابع: اعتبار كون المستولدة ملكا للمولى، إذ على فرض خروجها عن ملكه لا يكون عدم جواز بيعها لحق الاستيلاد، بل لعدم الملك. فالاستثناء موقوف على كون المولى مالكا للأمة المستولدة.

و إلى هذا الشرط أشار المصنف بقوله: «ثم فسخت كتابته» إذ الفسخ يوجب

ص: 475

من مكاتب مشروط (1)، ثم فسخت كتابته، فللمولى أن يبيعها- على ما حكاه في الروضة عن بعض الأصحاب- بناء (2) على أنّ مستولدته أمّ ولد بالفعل غير معلّق على عتقه (3)، فلا يجوز له (4) بيع ولدها.

______________________________

عود كل من المستولد و المستولدة إلى الرقية المحضة للمولى، فيجوز بيعها حينئذ، لسبق حقه المتعلق بالأمة، لكونه مالكا لها قبل الاستيلاد. فهذا الحق لتقدمه على حق الاستيلاد يجوّز بيعها. هذا توضيح صغروية هذا المثال للقسم الثالث.

إلّا أنّ صيرورة المستولدة قبل عتق المستولد أمّ ولد محلّ إشكال كما لا يخفى على من راجع الكتب المبسوطة.

(1) التقييد بالمشروط لأجل تحرّر المكاتب المطلق بنسبة ما يؤديه إلى المولى.

نعم لو لم يؤدّ شيئا من المال كان كالمشروط، كما في المقابس.

(2) هذا التقييد لإفادة موضوع جواز البيع- أعني كون الأمة أمّ ولد- إذ فيه قولان للعلّامة، على ما حكاه عنه في المقابس.

أحدهما: ما في القواعد، و هو كون الأمة أمّ ولد بالفعل بالنسبة إلى المكاتب، فلا يصح له بيعها ما دام ولدها موجودا، لكون المكاتب مالكا ظاهرا للأمة، و يجري على ولده حكم الحرّية في عدم جواز البيع، و لذا لو أدّى مال الكتابة حكم بكونها أمّ ولد من أوّل الأمر. مع أنّ الملك لو كان حاصلا بأداء تمام مال الكتابة لم يجد في صيرورة الأمة المستولدة أمّ ولد، لوضوح اعتبار الملكية حين العلوق.

ثانيهما: ما في التحرير، و هو عدم ثبوت حكم الاستيلاد للأمة إلّا بعد انعتاق المكاتب بأداء جميع المال، و وجهه- كما في المقابس أيضا- أنّ حرية الولد متوقفة على حرية المكاتب، و أمّ ولدية الامّ متوقفة على حريتهما جميعا، فما دام الأب رقا- لعدم أداء تمام المال- لا تصير أمته أمّ ولد، و لا يصير ولده حرّا، فلا موضوع للاستيلاد أصلا.

(3) أي: على عتق المكاتب المشروط بأداء مال الكتابة.

(4) أي: لا يجوز للمولى بيع الولد، للحكم بحريته من جهة كون علوقه في حال

ص: 476

[القسم الرابع و هو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرّض لها]

و القسم الرابع (1) و هو ما كان إبقاؤها في ملك المولى غير معرّض لها

______________________________

كتابة أبيه.

القسم الرابع: عدم كون إبقائها في ملك المولى معرّضا لعتقها

(1) معطوف على قوله في (ص 296): «فمن موارد القسم الأوّل» و كان مقتضى السياق أن يقال: «و من القسم الرابع ...» أو «و أمّا القسم الرابع» ليكون قرينا لقوله: «و أما القسم الثاني».

كما أن الأولى حذف الواو، ليكون قوله: «هو ما كان ...» خبرا للقسم الرابع.

و كيف كان فالمقصود بالقسم الرابع هو عدم تحقق الحكمة المانعة عن النقل، لكون المناط في منع بيعها انعتاقها على ولدها، و من المعلوم توقف الانعتاق على أن يرث الولد أباه، فإذا حرم من الإرث لم يؤثر بقاؤها- في ملكه- في حريّتها، فجاز بيعها.

و الحرمان من الإرث إمّا لعدم ثبوت المقتضي للإرث، و هو النسب الشرعي.

و إمّا لوجود المانع منه.

و الأوّل- أي: عدم ثبوت النسب- إمّا أن يكون من طرف الأب، و إمّا من طرف الامّ، و في كلّ منهما فقد يكون واقعيا كالفجور طوعا أو إكراها عليه، و قد يكون ظاهريا بمقتضى الإقرار، كما سيأتي توضيح الكلّ.

و الثاني- و هو وجود المانع عن الإرث- لا فرق فيه بين كونه القتل، بأن قتل الولد أباه، أو الارتداد، أو الرّقّية.

و أجمل المصنف قدّس سرّه الكلام في هذا القسم، و فصّله صاحب المقابس قدّس سرّه في صور ست، و هي الصورة التاسعة عشر، إلى الرابعة و العشرين، و أشار إلى من استثنى جميعها أو بعضها من عموم منع بيع أمّ الولد. فراجع «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 89- 90

ص: 477

للعتق، لعدم توريث الولد من أبيه لأحد موانع الإرث، أو لعدم ثبوت النسب (1) من طرف الأمّ واقعا، لفجور (2)، أو ظاهرا (3) باعتراف.

______________________________

(1) هذا ناظر إلى انتفاء المقتضي للإرث، في قبال ما تقدم من وجود المانع عنه.

(2) أمّا الفجور من طرف الامّ، فكما إذا تشبّهت أمته المزوّجة أو المحلّلة للغير بأمته التي لم يزوّجها و لم يحلّلها للغير، و لم يعلم المولى به، فوطأها، فإنّ الولد لا يلحق شرعا بامّه و إن لحق بأبيه، لكونه من وطء شبهة.

و أمّا الفجور من طرف الأب، فكما إذا تشبّه مولاها بزوجها أو بمن جاز له وطؤها بالتحليل، و لم يعلم بها الأمة، فوطأها. فإنّه بناء على اعتبار ملكية البضع في صيرورة الأمة أمّ ولد لا يجري على الأمة التي استولدها المولى فجورا- منه أو من نفس الأمة- حكم أمّ الولد، فإنّ الولد لا يلحق بالزاني أو الزانية.

و كيف كان ففي جعل هذا المورد من المستثنيات بناء على اعتبار ملكية البضع- مضافة إلى اعتبار ملكية الرقبة- منع، إذ المفروض عدم صيرورتها أمّ ولد حتى تخرج عن حكمها.

(3) معطوف على «واقعا» إي: عدم ثبوت النسب في مرحلة الظاهر، بأن اعترف المولى بأنّ أمته المزوّجة تشبّهت بأمته غير المزوجة، أو اعترف بأنّه تشبّه بزوج أمته.

و يمكن فرض المورد فيما إذا لم يكن الواطئ مالكا للأمة حين الوطء، كما إذا أكرهته على الزنا ثم ملكها، فإنّه يصدق بعد تملكه لها «أنّها أمّ ولد حرّ» و إن لم يكن الولد ملحقا بالامّ. هذا في فجور الامّ.

و أمّا فجوز الأب، فكما إذا أكرهها على الزنا ثم اشتراها، فإنّ أمّ الولد تصدق عليها بناء على ما عن الشيخ قدّس سرّه من كفاية علوقها بولد حرّ لمولاها في صدق أمّ الولد.

و كيف كان، فإن كان الفجور من طرف الأب لم يلحق به الولد ليرث منه امّه

ص: 478

ثم إنّا لم نذكر في كل مورد من موارد الاستثناء إلّا قليلا من كثير ما يتحمّله من الكلام، فيطلب تفصيل كلّ واحد من مقامه (1).

______________________________

لتنعتق عليه. و إن كان الفجور من طرف الامّ، فالولد و إن كان ملحقا بالأب و يرث أمواله التي منها الامّ، لكنّها لا تنعتق عليه، لعدم كونها امّه شرعا.

فإبقاء أمّ الولد و عدم بيعها خال عن الحكمة- و هي انعتاقها من نصيب ولدها- مطلقا، إذ مع فجور الأب لا يلحق الولد به حتى يرث منه أمّه لتنعتق عليه.

و مع فجور الامّ يلحق الولد بالأب و يرث منه، لكن لا تنعتق عليه، لعدم الامومة شرعا.

لكن المنع عن الإرث الذي يترتب عليه الانعتاق مختص بصورة فجوز الأب الموجب لانتفاء الولد عنه.

و من هنا يظهر أنّ فجور الأمة لا دخل له في المقام، لأنّ المناط في عدم لحوق الولد بالأب- حتى يرثه و ينعتق من نصيبه امّه- هو فجور الأب، لأنّه النافي للإرث و أمّا فجوز الامّ فلا يوجب انتفاء الإرث عن الأب، فتدبّر في عبارة المتن.

(1) كالمقابس فقد استقصى جهات البحث في كثير من مواضع الاستثناء، جزاه اللّه عن الإسلام و أهله خير الجزاء.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه في القسم الرابع من مواضع الاستثناء من عموم بيع أم الولد، و به تم الكلام في ثاني موانع كون الملك طلقا، و سيأتي الكلام في المانع الثالث و هو كون المال مرهونا إن شاء اللّه تعالى.

ص: 479

[مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا]

مسألة و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا: كونه مرهونا (1) [1]

______________________________

بيع الرّهن

(1) هذا ثالث موجبات منع المالك عن التصرف في ملكه، و هو كونه رهنا لازما من قبل الراهن، بأن أقبضه من المرتهن، و تعلّق به حق الرهانة، فينتزع منه «عدم الطّلق» على ما تقدّم قبيل بيع الوقف من معنى «طلقية الملك» و أن المانع تعلق حقّ الغير بالمال. و عليه فالرهن يوجب عدم استقلال المالك في بيعه، فإن أذن له المرتهن في البيع صحّ، و إلّا لم ينفذ فعلا.

و المصنف قدّس سرّه بعد الإشارة إلى تسلّم عدم استقلال الراهن في التصرف، تعرّض لجهات:

الاولى: في ما يراد بمنع الراهن عن البيع، هل هو فساده من أصله، و عدم صحته التأهلية حتى يجديه إجازة المرتهن المتأخرة؟ أو أنه يكون كالبيع الفضولي موقوفا على الإجازة، بناء على صحته كما عليه المشهور.

الثانية: في أنّ إجازة المرتهن هل تكون كإجازة البيع الفضولي دائرة بين الكشف و النقل؟ أم أنها في المقام متمحضة في النقل.

______________________________

[1] إن اريد به قصور سلطنة الراهن المالك للمرهونة عن بيعها بأن يبطل تصرفه راسا، أو يكون موقوفا على إجازة المرتهن، ففيه: أنّ مقتضى العمومات صحة

ص: 480

..........

______________________________

الثالثة: في أن إسقاط حق الرهانة أو فك الرهن بأداء الدين هل يقوم مقام الإجازة، أم أن صحة بيع الراهن موقوفة على خصوص الإجازة؟ و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

البيع و لزومه من ناحية البائع، و عدم صلاحية الرهن للمنع عن ذلك، إذ صلاحيته له منوطة بمنافاته للبيع، و من الواضح عدمها، ضرورة قيام حق المرتهن بالعين أينما كانت، فيمكن بقاء الحق مع عدم كون الراهن مالكا لها.

و يشهد له جواز رهن ملك الغير بإذنه، و عدم اعتبار كون المرهونة ملكا للراهن في صحة الرهن، فحال الاستدامة كالابتداء.

نعم، إن كان المشتري جاهلا بتعلق حق الرهن بالمبيع جاز له الفسخ. فالبيع لازم من ناحية البائع، و جائز من طرف المشتري. كما أنّه يجوز للمرتهن استيفاء دينه من المرهونة على الوجه المقرّر أين ما وجدها. و ليس للمشتري منعه عن ذلك.

هذا ما تقتضيه القواعد.

و أمّا بحسب الأدلة الخاصة، فقد ادّعي الإجماع على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة ببيعها.

و يمكن المناقشة فيه: بأنّه إجماع مدركي، لقوة احتمال استناد المجمعين إلى ما ادّعي من دلالة الأخبار على ذلك. فالعبرة حينئذ بالمدرك، لا الإجماع. فنقول:

إنّ النبوي المشهور- كما عن بعض- و المعتمد عليه- كما عن آخر- «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف» يدلّ بإطلاقه على المنع عن التصرف في المرهونة سواء أ كان خارجيا أم اعتباريا. و منع دلالته على التصرف الاعتباري ممنوع.

لكن الكلام حينئذ فيما يقتضيه هذا المنع، و أنّه التصرف مطلقا أو خصوص الاستقلالي منه؟ مقتضى القاعدة الثاني، لأنّ بطلان التصرف صحّة و لزوما تخصيص زائد في العمومات، فيقتصر على القدر المتيقن، و هو نفي الاستقلال، و وقوف لزومه

ص: 481

فإنّ (1) الظاهر

______________________________

(1) تعليل لكون الرهن سببا لخروج الملك عن الطّلقية، و حاصله: اتّفاق الكلّ

______________________________

على إمضاء المرتهن.

و إن شئت فقل: إنّه يشكّ في أصل الانتقال، لاحتمال بطلان بيع الراهن رأسا، أو في لزوم الانتقال مع تحقق أصل.

أو يقال: إنّه يشك في خروج فرد، أو خروج استمرار حكمه أعني اللزوم، فيقدم الثاني.

و يؤيّده- بل يدلّ عليه- عطف «المرتهن» على «الراهن» في النبوي المزبور، إذ لا إشكال في كون تصرف المرتهن موقوفا على إذن الراهن.

و عليه فلا مجال للترديد في تصرف الراهن بين بطلانه رأسا، و بين وقوفه على إجازة المرتهن، إذ يكون المنع في هذا النبوي المعتمد عليه- كما عن جماعة- قرينة على النهي الوارد في غيره، فلا يدلّ على الفساد، بل على وقوفه على الإجازة.

و من هنا يظهر ضعف ما في المقابس من الميل إلى بطلان بيع الراهن رأسا «للإجماع على المنع من التصرف، و لما حكاه الشيخ من ورود الأخبار في ذلك.

و للنبوي المتقدم، فإنّ إطلاق النهي يدلّ على الفساد، كدلالته عليه في أمّ الولد، و الوقف و غيرهما مما يكون النهى فيه لجهة راجعة إلى الغير. و بهذا يمتاز المقام عن الفضولي» «1».

و ذلك لما في الأوّل: من عدم الإجماع التعبدى كما عرفت، مع وجود المخالف.

و في الثاني: من عدم ظهور النهي في الفساد. و على تقديره فالنبوي قرينة على صرفه إلى نفي الاستقلال. و قياسه على الوقف و نحوه موقوف على دلالة النهي على الفساد، و هو ممنوع كما عرفت آنفا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 108

ص: 482

- بل (1) المقطوع به- الاتّفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون.

و حكي (2) عن الخلاف: إجماع الفرقة و أخبارهم على ذلك «1»، و قد حكي الإجماع عن غيره (3) أيضا.

______________________________

على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون، سواء قيل بالبطلان رأسا أم بالوقوف على الإجازة.

(1) الوجه في الإتيان ب «بل» هو: أنّ نسبة عدم الاستقلال إلى كافة الفقهاء إن كان لأجل الاعتماد على الإجماع المدعى في الخلاف، جاء احتمال عدم تحقق اتفاق الكلّ. و إن كان لأجل تضافر نقل الإجماع، و إمكان تحصيله بملاحظة كلماتهم، كان ذلك مقطوعا به، فإنّها كما في الجواهر «بين صريحة في الإجماع، و بين ظاهرة فيه، و بين مشعرة به، و معه لا بأس بدعوى تحصيل الإجماع» «2».

(2) غرضه الاستشهاد على ما ادّعاه- من الاتّفاق- بكلام شيخ الطائفة قدّس سرّه، المتضمن لأمرين، أحدهما: إجماع الفرقة، و ثانيهما: الأخبار الدالة على عدم استقلال المالك في بيع ماله المرهون.

و لكنه قدّس سرّه لم يشر في الخلاف إليها، كما لم يذكرها في كتابي الأخبار، و لعلّ مراده قدّس سرّه- كما قيل- الأخبار الواردة في منع التصرف في المال المتعلّق لبعض الحقوق.

(3) أي: عن غير الخلاف. و الظاهر إرادة تكرّر دعوى الإجماع على منع مطلق التصرف، لا خصوص عدم جواز بيع المرهونة، فالشيخ قدّس سرّه في المبسوط ادّعى الإجماع على منع أنحاء التصرف، فقال: «و أما استخدام العبد المرهون، و ركوب الدابة المرهونة، و زراعة الأرض المرهونة، و سكنى الدار المرهونة، فإنّ ذلك كله غير جائز عندنا، و يجوز عند المخالفين» «3».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 253، كتاب الرهن، ذيل المسألة: 59، حكى مضمونه في المقابس، كتاب البيع، ص 105

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 195

(3) المبسوط، ج 2، ص 206

ص: 483

و عن المختلف (1)- في باب تزويج الأمة المرهونة- أنّه أرسل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنّ الراهن و المرتهن ممنوعان من التّصرّف».

______________________________

و في السرائر: «لأنّا قد أجمعنا بغير خلاف على أن الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» «1».

و حكى السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه الإجماع على عموم المنع عن السيد أبي المكارم و العلّامة في المختلف و التذكرة، و عن المفاتيح و الرياض، فراجع «2».

(1) هذا إشارة إلى وجه آخر استدل به على عدم استقلال المالك في التصرف في العين المرهونة، و حاصله: أنّ العلّامة قدّس سرّه تمسّك بالنبوي المرسل- الظاهر في حجر الراهن و المرتهن عن التصرف في الرهن- على عدم جواز بعض التصرفات، كتزويج الأمة المرهونة. فإنّه- بعد نقل فتوى الشيخ في الخلاف و المبسوط- قال: «و هو- أي عدم جواز التزويج- المعتمد، لنا: قوله عليه السّلام: الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن. و التزويج نوع تصرّف» ثم قال: «و لو قيل: له العقد دون التسليم و التمكين من الوطء، كان وجها» «3»، فراجع.

ثم إنّ التصرف الممنوع- كما صرّح به في بعض العبائر- أعم من المزيل للملك كالبيع و الهبة، و من المنافي لحق المرتهن، كما إذا رهنها المالك عند شخص آخر، و من المعرّض للنقص، كوطء الجارية أو تزويجها، أو إيجار العين الموجب لقلّة الرغبة في شرائها مسلوبة المنفعة، إن كان الدين حالا، أو مؤجلا و لكنه يحلّ قبل انقضاء مدة الإجارة.

و أما التصرف بما يعود به النفع إلى المرتهن- كمداواة المريض- و رعي

______________________________

(1) السرائر، ج 2، ص 425

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265، و ج 5، ص 115

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 421، و روى النبوي في المستدرك، ج 13، ص 426، الباب 17 من أبواب الرهن، الحديث: 6، عن درر اللئالي لابن أبي جمهور

ص: 484

و إنّما الكلام (1) في أنّ بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على الإجازة (2)،

______________________________

الحيوان و تأبير النخل، و سقي الأشجار، و تجفيف الثمار و نحوها- فلا يمنع الراهن منه «1».

(1) يعني: لا كلام في عدم الاستقلال، و إنّما الكلام في أنّ أثر عدم الاستقلال هل هو البطلان رأسا أم التوقف على الإجازة؟

و هذا شروع في الجهة الاولى، و أشار إلى إختلاف كلماتهم، كما سيأتي التنبيه عليه.

(2) الظاهر أنه إشارة إلى إختلاف القائلين بعدم بطلان بيع الراهن من أصله- و كونه موقوفا- في كون الموقوف عليه هو إجازة المرتهن خاصة، أو هو افتكاك الرهن خاصة، أو أحدهما على التخيير، كما ذكر ذلك كلّه في المقابس، فقال: «و ذهب آخرون إلى أنها لا تبطل من الأصل، و هؤلاء بين قائل بأنّها تقف على إجازة المرتهن، فإن أجاز صحّت و لزمت، و إلّا بطلت، و قائل بأنّها تلزم من طرف الراهن من حين وقوعها، فمتى ارتفع المانع بأن يجيز المرتهن أو ينفك الرّهن نفذت. و قائل بأنّها تلزم بالإجازة أو الانفكاك، و لم يتعرض لغير ذلك. و متردّد في لزومها بالانفكاك» ثمّ نقل عبائر أرباب الأقوال المزبورة، فراجع «2».

و لم يتعرّض في عبارته لما إذا أسقط المرتهن حقّ الرهانة، و إنّما أضافه المصنف قدّس سرّه استقصاء للاحتمالات، من جهة كونه من الحقوق القابلة للإسقاط. و ربّما يستفاد من بعض توقف عقد الراهن على إسقاط المرتهن حقّه، و عدم العبرة بإجازته، لعدم كونه مالكا، كما نقله صاحب الجواهر قدّس سرّه و ناقش فيه، فراجع «3».

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 125؛ مفتاح الكرامة، ج 5، ص 116 و 197

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 106

(3) جواهر الكلام، ج 25، ص 200

ص: 485

أو سقوط (1) حقه بإسقاطه أو بالفكّ.

فظاهر عبائر جماعة من القدماء (2) و غيرهم (3) الأوّل، إلّا أنّ صريح الشيخ في النهاية (4) و ابن حمزة في الوسيلة (5)

______________________________

(1) فالسقوط عدل للإجازة، و يتحقق تارة بإسقاط المرتهن حقه، و اخرى بفكّ الرهن.

(2) كالشيخ المفيد، و شيخ الطائفة في الخلاف و المبسوط، و سلّار، و القاضي في المهذّب، و ابن إدريس قدّس سرّهم، و قد نقل صاحب المقابس عبائرهم، فراجع «1».

ففي المقنعة: «فإذا رهن الإنسان شيئا و قبضه المرتهن منه، لم يكن للراهن و المرتهن أن يتصرّفا فيه ... ثم قال: فإن باع الراهن العقار كان بيعه مفسوخا، و إن أستأنف إجارته كانت باطلة» «2».

(3) يعني: جماعة من المتأخرين، و لم أظفر بمن حكم بفساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن، إلّا ما يظهر من الدروس، و لم أجد نسبة القول إليهم في مفتاح الكرامة و المقابس «3».

نعم، حكم المحقق قدّس سرّه في البيع بمنع بيع الرهن بدون الإذن «4»، و إطلاقه ينفي صحته لو لحقه الإجازة. و لكنه صرّح في كتاب الرهن بوقوف بيع الراهن على الإجازة «5»، و هو أعلم بما قال.

(4) لكون الشيخ قدّس سرّه قائلا- في كتاب النهاية- بجواز العقد الفضولي، و يتفرع عليه صحة بيع الراهن موقوفا على الإجازة.

(5) نسب كلا القولين إلى ابن حمزة، فقال السيد العاملي قدّس سرّه: «و ممّا وافق

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 105 و 106

(2) المقنعة، ص 622

(3) لاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264 و ج 5، ص 116

(4) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

(5) المصدر، ص 82

ص: 486

و جمهور المتأخرين (1)- عدا شاذّ منهم (2)-

______________________________

النهاية- في توقفه على إذن المرتهن و إجازته- الوسيلة و غيرها ممّا تأخر عنها، و هو كثير» «1».

و عدّ صاحب المقابس ابن حمزة من أصحاب القول الأوّل مستظهرا ذلك من قوله: «فإن أذن المرتهن له في التصرف صح» «2».

و على كلّ فدعوى المصنف قدّس سرّه صراحة عبارة الوسيلة في وقوع البيع موقوفا على الإجازة، متوقفة على ظهور «الإذن» في الرضا أعمّ من أن يكون سابقا على البيع أو لا حقا له، و إلّا فمع مقابلة الإذن و الإجازة و اختصاص الأوّل بالسابق يشكل دعوى الظهور فضلا عن الصراحة.

(1) ففي مفتاح الكرامة: «إذا تصرف الراهن بما يمنع منه، فإن كان بعقد أو بعتق كان موقوفا على إجازة المرتهن، كما في النهاية و جامع الشرائع و الشرائع و النافع و التذكرة و التحرير و الإرشاد، و شرحه لولده، و اللمعة، و المقتصر، و غاية المرام، و الميسية، و إيضاح النافع، و المسالك، و الروضة، و الكفاية، و الرياض» «3».

(2) لعلّ مراده بالشاذ هو الشهيد قدّس سرّه على ما حكاه صاحب المقابس «4» عن الدروس، فإنّه جوّز بيع المرتهن إن كان بإذن الراهن أو بإجازته، و اقتصر في بيع الراهن على إذن المرتهن. و ظاهره عدم كفاية لحوق الإجازة في الصحة، فيكون الشهيد قدّس سرّه موافقا للقدماء القائلين بالبطلان.

قال في الدروس- بعد حكمه بمنع الراهن عن إجارة العين المرهونة، و عتق المملوك-: «و لو أذن المرتهن في ذلك كله جاز. و كذا لا يتصرّف فيه المرتهن إلّا

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264

(2) مقابس الأنوار، ص 106؛ الوسيلة، ص 266

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 116

(4) مقابس الأنوار، ص 106

ص: 487

هو كونه (1) موقوفا.

و هو الأقوى (2)، للعمومات [1] السليمة عن المخصّص،

______________________________

بإذن الراهن، أو إجازته، إلّا العتق، فإنّه باطل إن لم يأذن» «1».

و يؤيّده أن السيد العاملي قدّس سرّه لم يعدّ- في عبارته المتقدمة- الدروس من القائلين بالوقوف على الإجازة.

(1) أي: كون بيع الراهن- بدون إذن المرتهن- موقوفا على إجازته.

(2) اختار المصنف قدّس سرّه القول الثاني، و هو صحة بيع الراهن تأهّلا، و توقف نفوذه على إجازة المرتهن، و استدل عليه بوجوه ثلاثة:

________________________________________

الأوّل: عموم وجوب الوفاء بالعقود، و إطلاق حلّ البيع، و التجارة عن تراض. و المانع من شمولها لبيع الراهن هو تعلق حق المرتهن بالمبيع، و يسقط بإجازته المتعقبة، فيلزم البيع.

فإن قلت: التمسك بعمومات إمضاء العقود و البيع موقوف على انتفاء المخصّص، و المفروض دلالة الإجماع و الأخبار على منع الراهن و المرتهن عن التصرف، و مع قيام المخصّص لا مجال للتمسك بالعموم، بل يتعين الحكم ببطلان بيع

______________________________

[1] الأولى التمسك بغير العمومات من الوجوه الآخر، إذ مقتضى العمومات كون العقد سببا تامّا لترتب الأثر عليه.

و لعلّ مراده أن العمومات كما يرجع إليها في أصل التخصيص، كذلك يرجع إليها في التخصيص الزائد. و في المقام لمّا علم أصل التخصيص، و لكن تردد الخاص بين كونه نفس الفرد بأن لا يتحقق النقل أصلا في بيع الراهن، و بين كونه الاستقلال و الوقوف على الإجازة، فالثاني لقلة التخصيص متعين.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 398

ص: 488

لأنّ (1) معقد الإجماع و الأخبار (2) الظاهرة في المنع عن التصرف هو الاستقلال، كما يشهد به (3) عطف «المرتهن» على «الرّاهن» مع (4) ما ثبت في محلّه من وقوع تصرّف المرتهن موقوفا، لا باطلا. و على تسليم (5) الظهور في بطلان

______________________________

الراهن رأسا كما ذهب إليه جمع.

قلت: لا يصلح الإجماع و النص لتخصيص العمومات، و ذلك لوجهين:

أحدهما: أنّ المراد بمنع الراهن عن التصرف هو الاستقلال، و عدم الاستجازة من المرتهن. و الشاهد على إرادة عدم الاستقلال عطف «المرتهن» على «الراهن» مع تسالمهم على صحة تصرفه في الرهن تأهّلا، و توقف نفوذه على إجازة الراهن.

و من المعلوم أن مفاد «المنع» في المعطوف و المعطوف عليه واحد، و هو نفي الاستقلال، لا الفساد.

ثانيهما: أنه لو سلّم ظهور الإجماع في بطلان التصرف رأسا، لم يصلح لتخصيص العمومات، من جهة القطع بعدم تحقق الاتفاق على البطلان، لكثرة القائلين بالصحة و بالوقوف على الإجازة.

و كذا الحال في الأخبار، فإن ظهورها في البطلان موهون بإعراض جمهور المتأخرين، و التزامهم بكون بيع المرتهن كالفضولي موقوفا على الإجازة.

هذا تقريب الوجه الأوّل، و سيأتي الوجهان الآخران.

(1) تعليل لسلامة العمومات عن خروج فرد منها، و إشارة إلى دفع دخل مقدّر، تقدم بيانهما بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(2) المراد بها إما الأخبار التي ادّعاها شيخ الطائفة في الخلاف، فهي كرواية مرسلة بالنسبة إلينا، و إمّا النبوي المرسل في المختلف.

(3) أي: يشهد بأنّ ظاهر «المنع» هو الاستقلال: عطف المرتهن على الراهن.

(4) يعني: مع ملاحظة ما ثبت، فهو تفسير لكيفية الدلالة على نفي الاستقلال.

(5) كذا في النسخ، و الأولى: «و لو فرض تسليم ...».

ص: 489

التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه (1).

هذا كلّه، مضافا إلى ما يستفاد من صحّة نكاح العبد بالإجازة (2)، معلّلا ب «أنّه لم يعص اللّه و إنّما عصى سيّده» «1» إذ المستفاد منه (3): أنّ كل عقد كان النهي عنه لحقّ الآدمي (4) فيرتفع [يرتفع] المنع (5)، و يحصل التأثير بارتفاع المنع

______________________________

(1) أي: خلاف بطلان التصرف رأسا.

(2) هذا ثاني الوجوه، و محصله: استفادة عدم بطلان بيع الراهن رأسا من التعليل الوارد في صحيحة زرارة الواردة في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه، حيث علّل الإمام أبو جعفر الباقر عليه السّلام صحة النكاح بالإجازة ب «أنه لم يعص اللّه، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز» فإنّه يتضمن كبريين: و هما: أنّ سبب اختلال العقد إن كان أمرا محرّما بالأصالة، فهو يمنع عن الصحة، إذ لا يتصور الرضا منه سبحانه و تعالى بمعصيته.

و إن كان عصيان المخلوق بعدم رعاية حقّه لم يوجب الفساد، لإمكان زوال كراهته و حصول الرّضا. هذا مفاد التعليل.

و لا ريب في اقتضاء عموم العلة صحة بيع الراهن، لأنّه لم يرتكب محرّما شرعيا، و إنّما أهمل حق الرهانة، و لم يستأذن من المرتهن، فإن أجاز نفد بيع الراهن.

(3) أي: من التعليل، و مقصوده من الاستفادة الاستظهار. و هو ربما ينافي عدّ هذا التعليل مؤيّدا لصحة البيع الفضولي، لا دليلا عليه، فراجع «2».

(4) فإنّ حقّ السيد أن يتولّى نكاح عبده، فمبادرته و عدم الاستيذان من المولى معصية له، و لكنها تزول بلحوق الرضا و الإجازة.

(5) أي: المنع عن هذا العقد، و هو نكاح العبد بغير إذن مولاه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1 و 2

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 323- 331 و ص 465

ص: 490

و حصول الرّضا، و ليس ذلك (1) كمعصية اللّه أصالة في إيقاع العقد، التي لا يمكن أن يلحقها رضا اللّه تعالى.

هذا كلّه، مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي (2).

لكن الظاهر من التذكرة «1»: أنّ كلّ من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا (3).

______________________________

(1) أي: و ليس معصية السيد نظيرا لعصيان الخالق بإيقاع العقد المنهي عنه- كبيع الخمر- حتى يمتنع نفوذه بالرضا المتأخر.

(2) هذا ثالث الوجوه، و تقريب الفحوى: أن المبيع في الفضولي ليس ملكا للبائع، فصحته تستلزم صحة البيع الأولوية فيما كان المبيع ملكا للبائع، غاية الأمر أنّه ليس طلقا له، لتعلق حقّ المرتهن به، و من المعلوم أن إضافة الحقّ أضعف من الملك.

و يمكن تقريب الفحوى بأن يقال: ان الإجازة في البيع الفضولي تفيد أمرين، أحدهما: استناد العقد إلى المالك، ليتحقق موضوع وجوب الوفاء بالعقد، لوضوح اختصاص الخطاب به بالمالك.

ثانيهما: الرضا المعتبر في العقد.

و لمّا كان العقد صادرا من الراهن المالك، كانت الإجازة دالة على الرضا خاصة، و من المعلوم اقتضاء ما دلّ على صحة البيع الفضولي صحة بيع الراهن بالأولوية [1].

(3) غرضه المناقشة في الفحوى بما أفاده العلّامة قدّس سرّه من إنكار الأولوية، لأنّه

______________________________

[1] لكن يمكن منع الأولوية بدعوى احتمال كون حق الرهن كحق الاستيلاد مانعا عن أصل الانتقال، دون عدم الملكية، فإنّه لا يمنع عن الانتقال في بيع الفضولي، فلا أولوية في البين.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

ص: 491

و فيه (1) نظر، لأنّ من استند في البطلان في الفضولي إلى مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«لا بيع إلّا في ملك» لا يلزمه (2) البطلان هنا، بل الأظهر ما سيجي ء (3) عن إيضاح النافع: من أنّ الظاهر وقوف هذا العقد و إن قلنا ببطلان الفضولي.

______________________________

ادّعى أن كل من قال ببطلان عقد الفضولي قال ببطلان العقد هنا، و هذا ينافي الأولوية. لاقتضائها صحة عقد الراهن و لو مع القول بفساد عقد الفضولي.

(1) أي: و في ما يظهر من التذكرة نظر، و هذا إشكال على دعوى المساواة بين عقد الفضولي و عقد الراهن. و محصل الإشكال: أنّ مستند بطلان بيع الفضولي هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا بيع إلّا في ملك» و من المعلوم أنه لا يصلح لإثبات بطلان عقد الراهن، لكونه مالكا للمبيع. و منشأ البطلان في عقد الفضولي- على ما هو ظاهر الرواية- فقدان الملكية، و المفروض وجودها في عقد الراهن، فيمكن تصحيح عقده دون عقد الفضولي.

نعم، إن كان مستند بطلان بيع الفضولي غير هذا النبوي- من النصوص و الإجماع و حكم العقل بقبح التصرف في ملك الغير «1»- أمكن استظهار المساواة.

و لكن الظاهر أنّ عمدة دليل القائل ببطلان البيع الفضولي هو النبوي المذكور في المتن، و لذا منع المصنف قدّس سرّه دعوى المساواة بوجود الفارق، و هو كون الراهن مالكا، فلا يخاطب بالنهي عن البيع.

و المتحصل من الوجوه الثلاثة: صحة بيع الراهن اقتضاء، و توقفه على الإجازة.

(2) خبر قوله: «من استند» و الضمير البارز راجع إلى الموصول.

(3) يعني: أن الفحوى التي ادعاها المصنف قدّس سرّه حكيت عن الفاضل القطيفي أيضا كما في مفتاح الكرامة «2». لكن لم أجد في المباحث القادمة نقل هذا المطلب عن

______________________________

(1) لاحظ أدلة المانعين في مسألة الفضولي، هدى الطالب، ج 4، ص 471- 512

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 264

ص: 492

و قد ظهر من ذلك (1) ضعف ما قوّاه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان، متمسّكا بظاهر الإجماعات و الأخبار المحكية على المنع و النهي، قال:

«و هو موجب للبطلان و إن كان لحقّ الغير، إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد (2)

______________________________

إيضاح النافع، و لا بد من مزيد التتبع.

(1) أي: و قد ظهر من الوجوه المتقدمة- الدالة على صحة عقد الراهن- ضعف القول الآخر الذي اختاره صاحب المقابس قدّس سرّه، فإنّه ذكر أوّلا اقتضاء الأصل و العمومات و الأولوية الصحة، ثم قال: «و لا يخفى أنّ هذه الأدلة بأسرها مدخولة، لما تقدم من نقل جماعة منهم الإجماع على كونه- أي الراهن- ممنوعا من التصرف، و اتفاق كلمة الأصحاب عليه، كما سبق، و حكاية الشيخ ورود الأخبار بذلك، و نقل العلّامة رواية نبوية فيه. و ظهر أنّه- أي المنع- المناسب للغرض الباعث على وضع عقد الرهن، فإذن لا محيص من القول بالمنع، و هو موجب للبطلان و إن كان لحقّ الغير ...» «1» إلى آخر ما نقله المصنف عنه.

و كلامه يقع في مقامين، أحدهما: استدلاله على فساد بيع الراهن، و ثانيهما:

ردّ الوجوه المستدلّ بها على الصحة.

(2) هذا شروع في المقام الأوّل، و توضيحه: أنّ النهي المتعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها- كالنهي عنها لصيرورة أحد العوضين متعلق حق غير المتعاقدين، كتعلق حق المرتهن بالمبيع الموجب للنهي عن بيعه- يوجب فسادها.

نعم، إذا تعلّق بأمر خارج عنها كالنهي عن المعاملة وقت النداء- إذ النهي عنها يكون لأجل الصلاة، لا لتعلق حق شخص بأحد العوضين- لم يقتض فسادها.

فكأنّه قال: النهي تعلق بالمعاملة لأمر داخل فيها، و كلّما كان كذلك يفسدها، فبيع الراهن باطل لا موقوف، كالنهي عن بيع الوقف و أمّ الولد، لتعلق حق الموقوف عليه بالموقوفة، و تعلق حق الاستيلاد بامّ الولد.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 108

ص: 493

- لا لأمر خارج عنه- و هو (1) كاف في اقتضاء الفساد، كما اقتضاه في بيع الوقف (2) و أمّ الولد (3) و غيرهما (4)، مع استواء الجميع (5) في كون سبب النهي حقّ الغير».

ثمّ أورد على نفسه بقوله: «فإن قلت (6): فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولي و عقد المرتهن، مع أنّ كثيرا من الأصحاب ساووا بين الراهن و المرتهن (7) في المنع

______________________________

(1) أي: تعلق النهي بالأمر الداخل في العقد كاف في اقتضاء الفساد.

(2) كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» المقتضي للفساد.

(3) مثل النهي المستفاد من إنكار بيعها في رواية السكوني التي ورد فيها: «من يشتري منّي أمّ ولدي؟».

(4) كالنهي عن بيع الخمر و الخنزير و بيع الربا.

(5) أي: أنّ سبب البطلان في الوقف و أمّ الولد تعلق حق الغير، و هو متحقق في بيع الراهن أيضا، فلا بد من فساد بيعه.

(6) هذا إشكال على اقتضاء النهي عن العقد للفساد، و حاصله: أنّه على تقدير اقتضاء النهي المتعلق بالمعاملة- لأمر خارج عنها- للفساد يلزم الحكم ببطلان عقد الفضولي و عقد المرتهن، لكون النهي فيهما أيضا لا لأمر خارج، بل لمراعاة حق المالك، مع أنّهما موقوفان على إجازة المالك، لا أنّهما باطلان. فلا بد من الحكم بالصحة في الجميع أو البطلان كذلك. و لا وجه للتفكيك بين بيع الراهن و بين بيع المرتهن و الفضولي، بالفساد في الأوّل، و الصحة- بإجازة المالك- في الأخيرين. كما لم يفكك أكثر الأصحاب بين بيع الراهن و بين بيع المرتهن، و جعلوهما بوزان واحد في تعلق النهي بهما.

(7) حيث عبّر بعضهم بعدم جواز التصرف، و آخر بعدم الصحة، و ثالث بالمنع.

ص: 494

- كما دلّت عليه الرواية (1)- فيلزم (2) بطلان عقد الجميع أو صحته، فالفرق تحكّم.

قلنا (3): إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرّم، و لا تحلّله

______________________________

(1) و هي المرسلة المروية في المختلف.

(2) هذا نتيجة مساواة عقد الراهن و المرتهن في المنع.

(3) هذا جواب الإشكال، و توضيحه: أنّ التصرف المتعلق به النهي تارة يكون تصرفا خارجيا، كالانتفاع بالأكل أو الشرب أو غيرهما من الأفعال الخارجية المتعلقة بالأعيان. و اخرى يكون تصرفا اعتباريا كالعقد أو الإيقاع.

أمّا الأوّل فيكون حراما، و لا تؤثّر الإجازة في حليته.

و أمّا الثاني، فإن وقع بنحو الاستقلال من دون إضافته إلى المالك، فالظاهر أنّه حرام أيضا، و لا يجدي في صحته الإجازة، لأنّ الفعل لا يتغيّر عمّا وقع عليه. و إن وقع على وجه النيابة عن المالك لم يعدّ تصرّفا منهيّا عنه، و لا يكون حراما.

فالعقد الصادر من الفضولي أو المرتهن حرام إن كان على وجه الاستقلال، و لا يجديه الإجازة. و جائز إن كان على وجه النيابة عن المالك، و تجديه الإجازة، فعقد الفضولي و المرتهن يتصوّر على نحوين حرام و جائز.

و أمّا المالك فلا يتصور في عقده النيابة و الاستقلال حتى يكون حراما تارة و جائزا اخرى، بل المتصور فيه هو الاستقلال فقط، لانحصار الملكية فيه، فهو إمّا جائز تكليفا و نافذ وضعا كما إذا لم يكن محجورا عن التصرف في ماله بأحد موجبات الحجر. و إمّا حرام و غير نافذ إن كان محجورا فيه، كما إذا تعلق به حق المرتهن، فتخصّص العمومات المقتضية للصحة بالإجماعات و الأخبار الناهية عن التصرف في العين المرهونة، إذ ليس مطلق الملك مسوّغا للبيع، بل المسوّغ هو الملك غير المحجور عن التصرف فيه، و لذا لا يجوز بيع أمّ الولد و نحوها مما يكون متعلق حق غير المالك، الموجب لنقص سلطنة المالك.

ص: 495

الإجازة المتعقبة (1).

و إن كان (2) عقدا أو إيقاعا، فإن وقع (3) بطريق الاستقلال- لا على وجه النيابة عن المالك- فالظاهر أنّه (4) كذلك، كما سبق في الفضولي، و إلّا (5) فلا يعدّ

______________________________

فمحصل مرام المقابس هو الالتزام ببطلان بيع الراهن، إذ لا يتصور تصرفه على وجه النيابة عن المالك حتى يكون موقوفا على الإجازة. ففرق بين عقد الراهن و عقد المرتهن، و صحة الثاني لا تستلزم صحة الأوّل.

(1) يعني: أن التصرف الخارجي في مال الغير محرّم لكونه بغير إذنه، و لا توجب الإجازة اللاحقة انقلاب الحرمة التكليفية إلى الحلية، لأنّ الشي ء لا ينقلب عمّا وقع عليه. و لذا يبطل الوضوء بماء الغير مع كراهته، و إن رضي بعده.

(2) أي: و إن كان التصرف المنهي عنه- في مال الغير- بالعقد عليه من بيع أو تزويج أو هبة، فله صورتان.

(3) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و موردها الغالب بيع الغاصب، و حكم هذا التصرف الاعتباري حكم التصرف الخارجي في عدم انقلاب المنع إلى الجواز بالإجازة المتأخرة.

(4) أي: أن هذا التصرف بالعقد و الإيقاع محرّم، و باطل كما سبق تفصيله في الموضع الثاني- من بيع الفضولي- الذي عقده صاحب المقابس لحكم بيع الغاصب، حيث قال: «فإذا بطلت هذه الوجوه بأسرها تعيّن بطلان العقد من أصله» «1». و عقد المصنف قدّس سرّه ثالثة مسائل البيع الفضولي لحكم بيع الغاصب، فراجع «2».

(5) هذا إشارة إلى الصورة الثانية أي: و إن لم يقع بطريق الاستقلال- بل على وجه النيابة عن المالك- كان خارجا موضوعا عن التصرف المنهي عنه في مال

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 33

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 539- 614

ص: 496

تصرفا يتعلق به النهي. فالعقد (1) الصادر عن الفضولي قد يكون محرّما، و قد لا يكون كذلك (2).

و كذا (3) الصادر عن المرتهن إن وقع (4) بطريق الاستقلال المستند إلى البناء على ظلم الراهن و غصب حقّه، أو إلى زعم التسلّط عليه بمجرّد الارتهان، كان (5) منهيّا عنه. و إن كان (6) بقصد النيابة عن الراهن في مجرّد إجراء الصيغة (7)، فلا يزيد (8) عن عقد الفضولي، فلا يتعلّق به (9) نهي أصلا.

______________________________

الغير، بل هو جائز، فإن أجازه المالك نفذ، و إن ردّه بطل.

(1) هذا إجمال صورتي التصرف في مال الغير.

(2) أي: محرّما.

(3) معطوف على العقد الصادر من الفضولي. و غرضه أن عقد المرتهن له صورتان، فقد يقصد الاستقلال و وقوع البيع لنفسه، فيكون ممنوعا للنهي عنه. و قد يقصد النيابة عن الراهن، ليقع البيع له، فيكون فضوليا قابلا للنفوذ بإجازة الراهن.

(4) يعني: أن قصد الاستقلال المفسد للبيع يستند تارة إلى البناء على العدوان و الغصب، و قد يستند إلى الجهل- بالحكم أو الموضوع- فيزعم المرتهن ثبوت السلطنة له على بيع العين المرهونة بدون مراجعة الراهن. و لا فرق في البطلان بين الفرضين.

(5) جواب الشرط في «إن وقع».

(6) معطوف على «إن وقع» يعني: أن العقد الصادر من المرتهن إن كان بقصد النيابة كان فضوليا قابلا للصحة بلحوق إجازة الراهن به.

(7) إذ المعهود من «الفضولي» هو إنشاء الإيجاب و القبول، و يكون أمر الوفاء بمقتضى العقد- كالقبض و الإقباض- بيد من له الولاية عليه بعد الإجازة.

(8) جواب الشرط في «و إن كان».

(9) أي: بالصادر عن المرتهن، أي العقد الصادر منه.

ص: 497

و أمّا المالك (1)، فلمّا حجر على ماله برهنه، و كان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه، لانحصار المالكية فيه، و لا معنى لقصده النيابة (2)، فهو (3) منهي عنه، لكونه (4) تصرفا مطلقا، و منافيا للحجر (5) الثابت عليه. فيخصّص (6) العمومات بما ذكر. و مجرّد الملك لا يقضي بالصحة (7)، إذ الظاهر (8) بمقتضى التأمّل:

______________________________

(1) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه إثبات بطلان بيع الراهن، و عدم كونه قابلا للصحة، لا من جهة كونه مندرجا في عنوان «الفضولي» ليصح بالإجازة اللاحقة، و لا من جهة كونه بيع المالك المستقل في التصرف.

أمّا الأوّل فلان صحة الفضولي متوقفة على قصد النيابة عن المالك، و المفروض امتناع تمشّي هذا القصد من الراهن، لكونه مالكا، فلا ينوي إلّا وقوعه لنفسه، لا للمرتهن و لا لغيره.

و أمّا الثاني فلعدم استقلاله في التصرف بعد اقتضاء أدلة الرهن حجر الراهن عنه، مع أنّه لا يكفي في البيع ملك العين، بل لا بد من السلطنة على التصرف أيضا، و هي مفقودة حسب الفرض. فيبطل حينئذ.

و عليه فلا سبيل لتصحيح بيع الراهن لا بعنوان كونه فضوليا و لا بعنوان كونه أصيلا. و يتعين تخصيص عموم الأمر بالوفاء و حلّ البيع بما دلّ على حجر الراهن، هذا.

(2) كما تقدم آنفا بقولنا: «أمّا الأول فلأن صحة الفضولي ...».

(3) جواب الشرط في «فلمّا حجر» و الضمير راجع إلى العقد.

(4) أي: لكون عقد الراهن تصرفا غير مسبوق بإذن المرتهن.

(5) كذا في النسخ، و في المقابس «و منافاته للحجر» و المعنى واحد.

(6) هذا نتيجة عدم ولاية الراهن على التصرف في العين المرهونة.

(7) تقدم آنفا عدم كفاية ملك العين في البيع.

(8) هذه الجملة منقولة بالمعنى، و العبارة في المقابس هكذا: «إذ الظاهر بمقتضى

ص: 498

أنّ الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع ملك التصرف فيه، و لذا (1) لم يصحّ البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك و كان ناقصا، للمنع عن التصرف».

ثم قال: «و بالجملة (2): فالذي يظهر من تتبّع الأدلة [بالتتبع في الأدلة]:

أنّ العقود ما لم تنته إلى المالك، فيمكن وقوعها موقوفة على إجازته (3). و أمّا إذا انتهت إلى إذن المالك أو إجازته، أو صدرت منه، و كان تصرفه (4) على وجه الأصالة، فلا تقع على وجهين (5)، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان

______________________________

التأمل الصادق: أن المراد بالملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل مع التصرف فيه، و لذلك لم يصح البيع ... الخ».

(1) أي: و لأجل أن الملك المسوّغ للبيع هو ملك الأصل و ملك التصرف، لم يصحّ بيع ما كان الملك ناقصا فيه، للحجر عن التصرف لسفه أو فلس مثلا.

(2) هذا ملخّص ما أفاده صاحب المقابس من اقتضاء القاعدة فساد بيع الراهن بدون إذن المرتهن.

(3) يعني: إن كانت العقود على وجه النيابة، لا على وجه الاستقلال، و إلّا فتبطل.

و بالجملة: التصرفات الصادرة من المالك أو بإذنه إمّا صحيحه لازمة، و إمّا باطلة غير قابلة للإجازة، فلا تقع موقوفة.

و عليه فبيع الراهن للمرهونة باطل، بخلاف بيع المرتهن و الفضولي إذا أوقعاه على وجه النيابة، فإنّه قابل للإجازة، و إمّا إذا أوقعاه على وجه الاستقلال، فيكون حراما و باطلا.

(4) هذا الضمير و ضمير «منه» راجعان إلى المالك.

(5) و هما: وقوع القعود بنحو الاستقلال حتى تحرم و تفسد كما إذا أوقعها الفضولي لنفسه. و وقوعها بقصد النيابة عن المالك، فتكون موقوفة على الإجازة.

ص: 499

وضع ذلك العقد على اللزوم (1).

و أمّا التعليل (2) المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح- من قوله: لم يعص اللّه و إنّما عصى (3) سيّده ... إلى آخره- فهو جار في من لم يكن مالكا، كما أنّ العبد لا يملك أمر نفسه. و أمّا المالك المحجور عليه، فهو عاص للّه بتصرفه (4).

______________________________

(1) و أما إذا كان عقد المالك جائزا كما إذا وهب المرهون بإذن المرتهن، كانت هبته جائزة لا لازمة.

(2) هذا شروع في المقام الثاني، و هو المناقشة في دليل القائلين بالصحة، و حاصله: أنّ الاستدلال على الصحة بالتعليل المستفاد من رواية النكاح مخدوش، لأنّ مورد التعليل هو غير المالك كالعبد، فلا يجري في المالك المحجور عن التصرف العاصي للّه تعالى- دون المرتهن- بتصرفه، فلا يقال: «إنّه عاص للمرتهن» لأنّه ليس مالكا. نعم منع اللّه تعالى عن تفويت حقه. و كذا كل مالك محجور لعارض. فالتعدي عن مورد التعليل إلى غيره كالمالك المحجور عن التصرف في ماله قياس باطل.

هذا ما يتعلق بمنع التعليل. و أمّا فحوى صحة بيع الراهن من عقد الفضولي، فقد منعها صاحب المقابس قدّس سرّه قبل قوله: «و بالجملة» بما لفظه: «و تمنع دعوى الأولوية أيضا، فإنّ الحجر هو الفارق بين المقامين». و أما عمومات الصحة فقد تقدم في كلامه أيضا كونها مخصّصة بما دلّ على حجر الراهن عن التصرف.

(3) المراد بمعصية العبد لسيّده هو التخطي عن وظيفة العبودية بعدم الاستيذان، فيكون أمر الصحة و البطلان بيد السيد، فإن أجاز نفذ، و إن ردّ لغا.

(4) مع كونه ممنوعا من التصرف، يعني: أن المرتهن إن كان مالكا للعين المرهونة- كالسيد المالك لرقبة العبد- صدق على بيع الراهن «أنه معصية للمرتهن» فيصحّ بإجازته. و إن لم يكن مالكا- كما هو الفرض- كان بيع الراهن عصيانا له تعالى، فيقع فاسدا، و لا تنفعه الإجازة. كما أن العبد لو تزوّج بذات عدة كان باطلا و لم يجده إجازة السيد. و بهذا ظهر أجنبية التعليل- الوارد في نكاح العبد- عن بيع الراهن.

ص: 500

و لا يقال: إنّه عصى المرتهن، لعدم (1) كونه مالكا. و إنّما منع اللّه من تفويت حقّه بالتصرّف.

و ما ذكرناه (2) جار في كلّ مالك متولّ لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض كالفلس و غيره (3)، فيحكم بفساد الجميع.

و ربما يتّجه الصحة (4) فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة [1].

______________________________

(1) تعليل ل «لا يقال» و تقدم بيانه آنفا.

(2) غرض صاحب المقابس قدّس سرّه من هذه الجملة عدم اختصاص فساد البيع ببيع الراهن، و عمومه لتصرف سائر الملّاك المحجورين، لكونه عصيانا للنهي الشرعي، فيقع باطلا، و لا سبيل لتصحيحه بالإجازة اللاحقة له، كالمفلّس الممنوع من التصرف في أمواله بحكم الحاكم، فلو باع أو اشترى و أجازه الغرماء لم يصح.

و كذا السيد المستولد لجاريته، فإنّ منع إخراجها عن ملكه يقتضي فساد النقل و إن ارتفع المانع كما إذا مات ولدها- بعد البيع- في حياة السيد.

(3) كالسّفه.

(4) حاصله: أنّه إذا كان منشأ منع المالك عن البيع على وجه الاستقلال- بحيث لا يزاحمه أحد- هو مصلحة الغير كعدم تضرر الشريك الآخذ بالشفعة، لم يكن مانع من صحة بيع المالك مع ثبوت حق الشفعة للشريك. كما إذا كانت دار ملكا مشاعا لاثنين، فباع أحدهما حصته من أجنبي، فلا يجوز للمشتري بيع حصّته،

______________________________

[1] فيه: ان هذه المصلحة موجودة في المقام أيضا، فمصلحة المرتهن أيضا تقتضي وقوف بيع الراهن على إجازته. و لم يظهر فرق من هذه الجهة بين بيع الشريك الموجب لثبوت حق الشفعة للشريك الآخر، و بين بيع الراهن للمرهونة، فلا بد من القول بالصحة فيهما معا، أو البطلان كذلك.

ص: 501

فالقول (1) بالبطلان هنا- كما اختاره أساطين الفقهاء- هو الأقوى» انتهى كلامه، رفع مقامه.

و يرد عليه- بعد منع (2) الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه

______________________________

و هذا النهي لأجل مصلحة الشريك ليتمكن من الأخذ بالشفعة و ضمّ المبيع إلى حصة نفسه. فلو باعها المشتري من شخص، و أجازه ذو الحق- و هو الشفيع- صحّ. و هذا بخلاف الراهن، الذي يقع بيعه باطلا رأسا.

(1) هذا نتيجة البحث في بيع الراهن. و عليه فهذه الجملة مرتبطة بما قبل قوله:

«و ربما يتجه الصحة» فلا تغفل.

هذا تمام كلام صاحب المقابس، و أورد المصنف قدّس سرّه عليه بوجوه، سيأتي بيانها.

(2) هذا أوّل الوجوه، و توضيحه: أنّ حقيقة البيع هي المبادلة بين المالين اللّذين هما ركنا البيع، و لا دخل لقصد خصوصية البائع أو المشتري في إنشاء المبادلة أصلا كما تقدم في بحث الفضولي، فقصد البيع لنفسه أو لغيره خارج عن حيّز المعاملة.

فما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه في قوله: «قلنا: ان التصرف ...» من الكبرى، و هي: أن صحة عقد الفضولي بالإجازة المتعقبة منوطة بقصد النيابة عن المالك، فلو وقع بقصد الاستقلال- كما في الغاصب- كان باطلا رأسا ممنوع، لعدم دخل قصد الاستقلال و النيابة عن المالك في حقيقة البيع، فالمهمّ لحوق إجازة المالك و وقوع البيع له، سواء قصد المنشئ النيابة أو الاستقلال.

فإن قلت: النزاع هنا بين المصنف و صاحب المقابس مبنائي، لأنه قدّس سرّه بنى بطلان بيع الراهن على ما أسّسه في بيع الغاصب من فساد البيع الفضولي لو لم يقصد وقوعه للمالك و لا توقّعا لإجازته. و المصنف قدّس سرّه بنى الصحة على عدم دخل قصد النيابة و الاستقلال. و من المعلوم أنّ الإشكال المبنائي لا يجدي إلّا بتحقيق المبنى.

قلت: نعم، و إن كان صريح عبارة المقابس: «كما سبق في الفضولي» تسلّم بطلان بيع الغاصب لأجل استقلاله في التصرف و عدم الاستجازة من المغصوب منه،

ص: 502

الاستقلال و بيعه (1) على وجه النيابة، و منع (2) اقتضاء مطلق النهي

______________________________

فيبطل بيع الراهن هنا من جهة امتناع قصد النيابة، و كونه مالكا، إلّا أن غرض المصنف قدّس سرّه منع المبنى بما فصّله في المسألة الثالثة من بيع الفضولي، و لعلّه قدّس سرّه ترك الإشارة إلى ما حقّقه هناك لقرب العهد، و لا بأس بنقل جملة منه، و هي: «فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز ... فعلم من ذلك أنّ قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الإيجاب حتى يتردّد الأمر في هذا المقام بين المحذورين، بل مفهوم الإيجاب هو تمليك المثمن بعوض، من دون تعرض لمن يرجع إليه العوض» فراجع «1».

(1) معطوف على «بيع» و الضمير راجع إلى ملك الغير.

(2) معطوف على «منع» و هذا ثاني الوجوه، و حاصله: أنّ كل نهي لا لأمر خارج عن المعاملة لا يقتضي الفساد، بل الدال على الفساد خصوص الإرشادي لا المولوي الذي هو ظاهر المنع في ما دلّ على أنّ «الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف».

فهذا الجواب راجع إلى منع الكبرى، و هي «اقتضاء النهي الراجع إلى أحد العوضين للفساد» و الصغرى هي: تعلق النهي بما يرجع إلى أحد العوضين، حيث إنّ المبيع صار متعلق حق المرتهن، و لذا نهي الراهن عن التصرف فيه، و بيعه تصرف فيه، فهو منهي عنه.

و المصنف قدّس سرّه منع كلّية الكبرى، و أنّ كلّ نهي لا يقتضي الفساد، بل إذا كان إرشادا إلى المانعية. و ليس كذلك إذا تعلق النهي بمتعلق حق الغير، فإنّ المراد به نفي الاستقلال، لا البطلان، ضرورة أنّه صحيح و لازم بلا إشكال مع إذن المرتهن قبل البيع، و لا دليل على اعتبار مقارنة الرضا من ذي الحق في صحة المعاملة، كما تقدم في بحث الفضولي. فالإجازة اللاحقة أيضا تنفّذ المعاملة، هذا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 571- 573

ص: 503

لا لأمر خارج (1) للفساد-:

أوّلا (2):

______________________________

(1) تقدم في (ص 493) مثال النهي عن نفس العقد، و النهي عن خارجه.

(2) هذا ثالث الوجوه، و هو ناظر إلى منع ما في المقابس من عدم قصد النيابة في بيع الراهن حتى يمكن تنفيذه بإجازة المرتهن، حيث قال: «و كان عقده لا يقع إلّا مستندا إلى ملكه، لانحصار المالكية فيه، و لا معنى لقصده النيابة، فهو منهي عنه».

و توضيح إيراد المصنف قدّس سرّه عليه: أنّ معاملة الراهن تتصور أيضا بنحوين، و هما: قصد الأصالة و عدمها، كما يتصوّران في الفضولي و المرتهن.

أمّا قصد الاستقلال فكما إذا باع ماله المرهون بانيا على عدم الاستجازة من المرتهن، و هذا ما تصوّره صاحب المقابس و جعله تصرفا منهيا عنه.

و أمّا قصد عدم الاستقلال، فكما لو باع برجاء إجازة المرتهن، من دون نية الاستقلال حال العقد.

و قد يقصد الاستقلال مع عدم النهي عنه، لأن الغصب هو التصرف العدواني في مال الغير، و من المعلوم توقف عنوان الاعتداء على تنجز حرمة التصرف في الرهن لتعلق حق المرتهن به. فمع عدم تنجزه ينبغي صحة بيع الراهن أصالة، كما يتصور في موارد:

منها: ما لو باع ماله المرهون جاهلا بكونه رهنا، كما إذا استدان الوليّ للصبي، و جعل ماله رهنا على الدين، و لم يعلم به الصبي حتى بلغ و باع المال زاعما كونه طلقا، فتبيّن كونه رهنا.

و منها: ما لو علم بالرهن، و جهل حكمه من كونه ممنوعا من التصرف فيه.

و منها: ما لو علم بالحكم و موضوعه، و لكنه نسي كونه رهنا، فباع قاصدا للأصالة.

ص: 504

أنّ (1) نظير (2) ذلك (2) يتصوّر في بيع الرّاهن، فإنّه (4) قد يبيع رجاء لإجازة المرتهن، و لا ينوي الاستقلال. و قد يبيع [استقلالا] (5) جاهلا بالرّهن، أو بحكمه (6)، أو ناسيا. و لا حرمة في شي ء من ذلك (7)، فتأمّل (8).

______________________________

(1) الجملة في محلّ رفع على أنّها فاعل لقوله: «و يرد عليه».

(2) التعبير «بالنظير» لأجل أنّ بيع الراهن بتوقّع الإجازة ليس من النيابة الجارية في بيع الفضولي و المرتهن كما هو واضح، بل هذا المثال نظيرهما في مجرد عدم الاستقلال، كما لا يخفى.

(3) أي: وقوع البيع تارة بقصد الأصالة، و اخرى بقصد النيابة.

(4) أي: فإنّ الراهن العالم بالرهن و بحكمه يمكن أن يبيع لنفسه متوقعا لإجازة ذي الحق، و هو المرتهن.

(5) هذه الكلمة غير مذكورة في نسختنا، و أثبتناها عن بعض النسخ المصححة.

و هو الأولى، للفرق بين الراجي للإجازة و بين الجاهل بالرهن، فالأوّل يبيع متوقعا للإجازة، بخلاف الجاهل و الناسي، فهما يبيعان أصالة، و لكن ليس بيعهما عدوانا على المرتهن، لعدم تنجز النهي عليهما.

(6) يعني: إذا كان الجهل بالحكم قصوريا، لا تقصيريا.

(7) أي: في بيع الجاهل- بالرهن أو بالحكم- أو في بيع الناسي.

(8) هذه الكلمة مذكورة في نسختنا دون سائر النسخ، و الأولى إثباتها، و كتب السيد الاستاد قدّس سرّه في الهامش: «وجه التأمل على ما نقل عنه رحمه اللّه في الدرس:

أنّه يمكن المناقشة في غير المثال الأوّل بأنّ الموجب للفساد النهي الواقعي، و عدم تأثيره في الصور المذكورة في الحرمة لا ينفع في الحكم بالصحة، مع عدم العذر عنه الجهل بالحكم أو لنسيانه» «1».

______________________________

(1) المكاسب، الطبعة الحجرية المطبوعة عام 1286، ص 183

ص: 505

و ثانيا (1): أنّ المتيقن من الإجماع

______________________________

و هو كذلك، ضرورة أنّ دلالة النهي على الفساد غير مترتبة على تنجزه.

و وجه كون النهي واقعيا هو تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة.

(1) هذا رابع الوجوه، و غرضه قدّس سرّه منع كبرى «دلالة النهي عن المعاملة لأمر داخل فيها على الفساد».

و حاصله: أنّ النهي في معاقد الإجماعات و الأخبار لا يدل على الفساد، لقيام قرينة على ذلك، و هي عطف «المرتهن» على «الراهن» و قد تقدم أنّ المنع عن بيع المرتهن إنّما يكون على وجه الاستقلال، دون ما إذا كان على وجه النيابة، فإنّه يصح و ينفذ بالإجازة. فالراهن أيضا كذلك.

و توضيحه: أنّ المقتضي لصحة بيع الراهن تأهّلا موجود، و المانع مفقود.

أما وجود المقتضي في مقام الإثبات فهو عموم الأمر بالوفاء بالعقود، و إطلاق حلّ البيع و التجارة عن تراض، إذ لا قصور في شمولها لبيع الراهن المفروض كونه مالكا للمبيع.

و أمّا فقد المانع فلأنّ المانع هو النبوي المرسل من «منع الراهن و المرتهن عن التصرف في الرهن» و الإجماع على هذا المضمون.

و لكن لا يصلح شي ء منهما للمنع عن الصحة. أمّا المرسل فلتعلّق «المنع» بتصرف كلّ من الراهن و المرتهن، و المفروض قيام القرينة على أن المقصود بمنع المرتهن هو عدم الاستقلال، لا الفساد رأسا، فلو باع موقوفا على إجازة الراهن صحّ بلا إشكال. و مقتضى وحدة السياق إرادة هذا المعنى بالنسبة إلى الراهن، فلو باع برجاء إجازة المرتهن، و أجازه، لم يكن مشمولا للمنع الوارد في المرسلة.

و لو شكّ في عموم «المنع» لما إذا باع متوقعا للإجازة، تعيّن الرجوع إلى عمومات الصحة، لكونه من موارد إجمال المقيّد، لدورانه بين الأقلّ و الأكثر، فيقتصر في التقييد على ما إذا باع و لم يجزه المرتهن.

ص: 506

و الأخبار (1) على منع الراهن كونه (2) على نحو منع المرتهن، على ما يقتضيه عبارة معقد الإجماع و الأخبار، أعني قولهم: «الراهن و المرتهن ممنوعان»، و من المعلوم (3) أنّ المنع في المرتهن إنّما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا، و حاصله (4) يرجع إلى منع العقد على الرهن و الوفاء (5) بمقتضاه على سبيل الاستقلال و عدم مراجعة صاحبه في ذلك (6). و إثبات المنع (7) أزيد من ذلك

______________________________

و أما الإجماع على منع التصرف فكذلك، لذهاب المجمعين إلى صحة تصرف المرتهن بإجازة الراهن، و عدم بطلانه رأسا، فيكون قرينة على المراد من منع الراهن.

و لو شكّ لزم الأخذ بالمتيقن من الدليل اللّبي، و هو الحكم بالفساد على تقدير عدم تعقب الإجازة.

(1) الظاهر أن المراد بالأخبار هو ما ادّعاه شيخ الطائفة قدّس سرّه في الخلاف، لا خصوص ما أرسله العلّامة في المختلف، فإنّه خبر واحد بهذا المضمون.

(2) يعني: لم ينهض دليل بالخصوص على منع الراهن عن التصرف، و إنّما ورد المنع عن تصرفهما معا في دليل واحد.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه إقامة القرينة على أنّ المنع في الراهن ليس بمعنى البطلان، و هي: أنّ المنع في المرتهن متعلق بالاستقلال، كما تقدم آنفا.

(4) أي: و حاصل منع الراهن و المرتهن- بقرينة السياق و بضميمة تسلّم الحكم في تصرف المرتهن- هو منعهما عن التصرف على وجه الاستقلال، و عدم لحوق الإجازة من الآخر.

(5) معطوف على «العقد» أي: منع الوفاء على وجه الاستقلال.

(6) أي: في العقد على العين المرهونة، و الوفاء به.

(7) أي: و إثبات منع تصرّفهما في الرهن أزيد من العقد- على وجه الاستقلال- يحتاج إلى دليل، و هو مفقود.

ص: 507

يحتاج إلى دليل، و مع عدمه يرجع إلى العمومات (1) [1].

و أمّا ما ذكره- من منع جريان التعليل في روايات العبد فيما (2) نحن فيه مستندا (3) إلى الفرق بينهما- فلم أتحقّق (4) الفرق بينهما،

______________________________

(1) لحجية أصالتي العموم و الإطلاق في الشك في التخصيص الزائد، و التقييد كذلك.

(2) متعلق ب «جريان» و المراد ب «ما نحن فيه» بيع الراهن العين المرهونة.

(3) حال ل «منع».

(4) جواب الشرط في قوله: «و أمّا ما ذكره». و هذا خامس وجوه الاعتراض على ما في المقابس، و هو ناظر إلى ما أفاده قدّس سرّه من منع دلالة التعليل- الوارد في نكاح العبد بغير إذنه- على نفوذ بيع الراهن بإجازة المرتهن، حيث قال: «و أمّا

______________________________

[1] الإنصاف عدم ورود هذا الإشكال على المقابس، لأنّه لا ينكر كون بيع المرتهن موقوفا على إجازة الراهن، و إنّما يدّعي الفرق بين بيعه و بيع الراهن في أنّ النيابة عن المالك لا تتصور في بيع الراهن، بخلاف بيع المرتهن، فإنّه يتصور فيه كل من الاستقلال و النيابة، فإن وقع على الوجه الثاني صح و نفذ بإجازة الراهن، و إن وقع على وجه الاستقلال لم يصح. فإذا فرض وقوع البيع من الراهن على وجه النيابة فيلتزم بمقتضى لازم كلامه بالصحة.

بل قد يتأمل في قرينية صحة تصرف المرتهن بالإجازة على ما يراد من منع الراهن، وجه التأمل: أن «المنع» ظاهر في مطلق التصرف حتى الموقوف على الإجازة، و دلالة المقيّد المنفصل على ما يراد بالمنع في المرتهن، لا توجب ظهور «المنع» في طرف الراهن في ذلك. نعم، لا بأس بذلك في القرينة المتصلة، فتأمل.

فالاولى ردّ المقابس بأنّه كما يمكن بيع المرتهن لا على وجه الاستقلال، كذا يمكن بيع الراهن كذلك، و هو الجواب الثالث الذي ذكرناه.

ص: 508

بل الظاهر (1) كون النهي في كلّ منهما (2) لحقّ الغير، فإنّ منع اللّه جلّ ذكره من تفويت حقّ الغير ثابت في كلّ ما كان النهي عنه لحقّ الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي، و نكاح العبد، و بيع الراهن.

و أمّا ما ذكره- من المساواة بين بيع الراهن و بيع الوقف و أمّ الولد- ففيه (3): أنّ الحكم فيهما تعبّد،

______________________________

التعليل المستفاد من الرواية المرويّة في النكاح ... فهو جار في من لم يكن مالكا ...».

و ملخص إشكال المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّه لم يظهر فرق بين مورد التعليل أعني النكاح، و بين المقام و الفضولي و غير ذلك مما يكون النهي لتعلق حق الغير بأحد العوضين، إذ منشأ النهي هو تعلق حق الغير، و من المعلوم أنّه موجود في الكل و لا فرق بين مورد التعليل من عدم كون العبد مالكا، و بين بيع الراهن من كونه مالكا محجورا عن التصرف، رعاية لحق المرتهن و مصلحته.

و عليه فالحقّ صحة التمسك- على صحة بيع الراهن- بالعلة المزبورة.

(1) إذ لا خصوصية- بنظر العرف- للمورد، بل العبرة بعموم التعليل الوارد، كما في مثل «لا تأكل الرمان لأنه حامض».

(2) أي: من نكاح العبد و بيع الراهن.

(3) هذا سادس الوجوه، و هو ناظر إلى ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه من مساواة بيع الراهن لبيع الوقف و أمّ الولد في دلالة النهي في الجميع على الفساد، حيث قال: «و هو كاف في اقتضاء الفساد، كما اقتضاه في بيع الوقف و أمّ الولد و غيرهما، مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير».

و حاصل إشكال المصنف قدّس سرّه عليه: عدم كون مناط المنع- في الجميع- واحدا، و ذلك لأنّ فساد البيع في الوقف و أمّ الولد تعبد محض، و لذا لا يجدي الإذن السابق أيضا في صحتهما. فلو كان النهي عن بيعهما لمراعاة حق الغير لكان الإذن

ص: 509

و لذا (1) لا يؤثّر الإذن السابق في صحة البيع، فقياس الرهن عليه (2) في غير محلّه.

و بالجملة (3): فالمستفاد من طريقة الأصحاب

______________________________

السابق من ذي الحق كافيا في صحتهما. و هذا بخلاف بيع الراهن، لصحته بإذن المرتهن.

(1) أي: و لأجل كون المنع تعبديا في الوقف و أمّ الولد- لا لرعاية الحقّ القابل للإسقاط- لا يؤثر ... الخ.

(2) أي: على كل واحد من بيع الوقف و أمّ الولد.

(3) هذا ملخّص ما أفاده في الجهة الاولى من قوله: «و إنّما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله، أو يقع موقوفا على الإجازة» ثم قوّى الثاني و استدل عليه بوجوه ثلاثة، و ناقش في كلام صاحب المقابس بوجوه ستة تقدمت.

و هذه الخلاصة نبّه عليها صاحب المقابس في آخر عبارته المتقدمة و احتمل فيها الصحة، حيث قال: «و ما ذكرناه جار في كل مالك متوّل لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض ...» فكلام المصنف هنا لا يخلو من تعريض بهذه الكبرى.

و محصّله: أنّ النهي عن معاملة تارة يكون تعبدا محضا و إن تضمّن مصلحة الغير أحيانا، فيبطل كبيع أمّ الولد و الوقف، فلا أثر لرضا الأمة و الواقف و الموقوف عليه بالبيع.

و اخرى يكون رعاية لمصلحة الغير بنحو يصح إسقاط حقّه، ففي هذا القسم لا يبطل العقد رأسا، بل يقع موقوفا على إجازة ذي الحق. و له نظائر:

الأوّل: عقد الفضولي ببيع مال الغير أو إجارته أو هبته أو الصلح عليه، و كذا في غير العقود المعاوضية كالنكاح الفضولي.

الثاني: عقد الراهن بناء على ما حققه المصنف من صحته التأهلية، و دخل إجازة المرتهن في تأثير السبب.

ص: 510

- بل الأخبار (1)- أنّ المنع من المعاملة إن كان لحقّ الغير (2) الذي يكفي إذنه السابق (3)، لا يقتضي (4) الإبطال رأسا، بل إنّما يقتضي (5) الفساد،

______________________________

الثالث: تصرّف المفلّس في أمواله، بعد حجر الحاكم الشرعي، فلا يفسد، بل أمره بيد الغرماء، إجازة و ردّا.

الرابع: تصرف المريض- في مرض الموت- في الزائد على الثلث، فإنّه و إن كان مالكا لأمواله، لكن نفوذ تصرفه موقوف على إجازة الوارث.

الخامس: إذا عقد الزوج على بنت أخ زوجته أو على بنت اختها، فنفوذه موقوف على إمضاء ذات الحق و هي العمة أو الخالة.

السادس: إذا عقد- من له زوجة حرّة- على أمة، فلا يقع فاسدا، بل موقوفا على إجازة الحرة، فإن نفّذته صح، و إن ردّته بطل.

و الحاصل: أنّ المنع في هذه الموارد يراد به عدم الاستقلال في تأثير العقد، و سببيّته لترتب الأثر عليه من دون المراجعة إلى من له الحق، و الاستجازة منه.

(1) يعني: الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة، و تقدم جملة منها في بيع الفضولي دلالة و تأييدا «1»، و كذا ما ورد في نكاح الفضولي، و تصرفات المريض و المفلّس، و العقد على بنت أخ الزوجة و على بنت اختها، و غير ذلك.

(2) يعني: الحق القابل للإسقاط، و إلّا فالنهي عن بيع أمّ الولد يكون إكراما لها، و لكنه ليس قابلا للإسقاط، فهو بحسب الاصطلاح حكم لا حقّ، على ما تقدم في أوّل البيع من الفرق بينهما.

(3) فإن كفى إذنه السابق، فقد كفت إجازته اللاحقة.

(4) خبر قوله: «ان المنع» و الجملة خبر قوله: «فالمستفاد».

(5) أي: يقتضي المنع الفساد، و المراد بالفساد عدم الاستقلال في التأثير، لا البطلان رأسا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 388 و 427- 468

ص: 511

بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحقّ. و يندرج في ذلك (1): الفضوليّ و عقد الراهن، و المفلّس، و المريض، و عقد الزوج لبنت اخت زوجته أو أخيها، و للأمة على الحرّة، و غير ذلك (2)، فإنّ النهي في جميع ذلك (3) إنّما يقتضي الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا، و هو صيرورته سببا مستقلا لآثاره من دون مدخلية رضا غير المتعاقدين.

و قد يتخيّل (4) وجه آخر لبطلان البيع هنا،

______________________________

(1) أي: يندرج في ما إذا كان المنع عن المعاملة رعاية لحقّ الغير.

(2) كما إذا اشترى سلعة حالا، و باعها قبل تسليم الثمن، فهو من مصاديق الفضولي، فإن أجاز البائع صحّ، و إلّا بطل. و كذا لو باع المرتهن الرهن، فإنه موقوف على إجازة الراهن.

(3) أي: في عقد الفضولي و الراهن و المفلّس ... الخ.

هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل على بطلان بيع الراهن، و المناقشة فيه، و يأتي تقريب الوجه الثاني.

(4) المتخيّل صاحب المقابس قدّس سرّه، و هذا وجه ثان للقول ببطلان بيع الراهن رأسا، أفاده في ما لو باع الراهن و افتكّ الرهن قبل إجازة المرتهن، فهل يلزم العقد لزوال المانع، أو يبطل، لتعذر شرطه، حيث قال في جملة كلامه: «و لو قلنا بأنّ من باع شيئا فضولا، ثم انتقل إليه، لزم العقد من حين النقل، فيكون لازما هنا بطريق أولى. و من هنا تبيّن وجه قوة القول بالبطلان، لامتناع صحة صدور عقدين منه متنافيين مع كونهما لازمين، فتجويز أحدهما دليل المنع من الآخر» «1».

و مبنى الإشكال الالتزام بكون إجازة بيع الفضولي كاشفة عن ترتب النقل على العقد، و هو الكشف الحقيقي على ما تقدّم تفصيله في مسألة «من باع ثم ملك»، فراجع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109

ص: 512

بناء على ما سيجي ء (1)، من أنّ ظاهرهم كون الإجازة هنا كاشفة، حيث إنّه يلزم منه (2) كون مال غير الرّاهن- و هو المشتري- رهنا للبائع.

و بعبارة اخرى (3): الرّهن و البيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان

______________________________

و كيف كان فتوضيح ما قرّره المصنف قدّس سرّه من الإشكال هو: أنّ إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير بيع الراهن- من حين العقد- كما سيأتي تحقيقه في المتن. و يترتب عليه صيرورة العين- قبل تحقق إجازة المرتهن مع كونها ملكا للمشتري- رهنا للبائع، حيث إنّ المفروض بناء على الكشف هو انتقال العين إلى المشتري بمجرد العقد. و أمّا حق الرهن فلا يسقط إلّا بإجازة المرتهن، فيلزم كون المبيع في الزمان المتخلّل بين العقد و الإجازة رهنا للبائع مع صيرورته ملكا للمشتري بنفس البيع.

مثلا لو باع الراهن الرهن يوم السبت بدون إذن المرتهن، و أجازه يوم الأحد، فمن جهة كون الإجازة كاشفة يلزم دخول الرهن في ملك المشتري في يوم السبت، و سقوط حق الرهانة عن المال الخارج عن ملك الراهن. و من جهة اخرى تتوقف صحة الإجازة على بقاء حق الرهن إلى يوم الأحد ليتمشّى إجازة المرتهن، و هو يتوقف على كون مال المشتري رهنا عند المرتهن، و هو ممنوع كما سيأتي في قوله:

«و بعبارة اخرى».

(1) سيأتي في (ص 519) تصريح المصنف بأن «القول بالكشف هناك- أي في البيع الفضولي- يستلزمه هنا بالفحوى» و صرّح صاحب المقابس به أيضا بقوله:

«لاحتمال كون الإجازة ناقلة في الفضولي، لكونها جزء المقتضي للنقل ... بخلافها هنا، فإنّها كاشفة قطعا» و عليه فمبنى الإشكال كأنّه مسلّم عند الكلّ.

(2) أي: من كون إجازة المرتهن كاشفة عن تأثير البيع من زمان وقوعه.

(3) هذه العبارة أظهر- من سابقتها- في إثبات التنافي بين الرهن و البيع، و أنّ لازم القول بالكشف اجتماع مالكين على مال واحد في المدة المتوسطة بين بيع الراهن و إجازة المرتهن. و المنافاة- التي ادعاها المتخيّل- مبنية على اعتبار بقاء العين

ص: 513

واحد، أعني: ما قبل الإجازة (1). و هذا (2) نظير ما تقدّم في مسألة «من باع شيئا ثمّ ملكه» من (3) أنّه على تقدير صحّة البيع يلزم كون الملك

______________________________

المرهونة على ملك مالكها في بقاء حق الرهن، فإذا خرجت عن ملك مالكها خرجت عن الرهنية، و من المعلوم امتناع الجمع حينئذ بين بقائها على الرهنية و بين صيرورتها ملكا للمشتري بنفس العقد كما هو قضية كاشفية الإجازة، فإنّ الجمع بينهما جمع بين المتنافيين كما لا يخفى، فلا محالة يقع البيع فاسدا [1].

(1) يعني: في الزمان المتخلل بين بيع الراهن و إجازة المرتهن.

(2) يعني: أنّ اجتماع المالكين- و هما البائع بناء على اعتبار الملكية في المرهونة، و المشتري بناء على كشف الإجازة عن مالكية المشتري للمبيع بنفس العقد- نظير الإشكال المتقدم في «من باع شيئا ثم ملكه» من أن المبيع يكون ملكا لشخصين: أحدهما المجيز، لتوقف صحة الإجازة على كونه مالكا، و الآخر: المشتري الذي اشتراه من الفضولي، على ما تقتضيه كاشفية الإجازة، فقبل تحقق الإجازة يكون المبيع ملكا لشخصين، كما هو الحال في كل عقد فضولي كما ذكروه في محله من بحث الفضولي.

(3) بيان للموصول في «ما تقدم» و غرضه الإشارة إلى ما أفاده صاحب المقابس في رابع الوجوه التي وجّهها على القول بالصحة في ما لو باع الفضولي مال غيره ثم ملكه، حيث قال: «ان العقد الأوّل إنّما صح و ترتب عليه أثره بإجازة الفضولي، و هي متوقفة على صحة العقد الثاني، المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي، فتكون صحة الأوّل مستلزمة لكون المال المعيّن ملكا للمالك، و ملكا

______________________________

[1] لكن الحق عدم التنافي بين البيع و الرهن، بعد وضوح عدم اعتبار مالكية الراهن للمرهونة استدامة كالابتداء، فيمكن الحكم بصحة البيع من هذه الجهة.

نعم إن لم يكن التسليم مقدورا للبائع و المشتري فيشكل صحته من هذه الحيثية، فتدبّر.

ص: 514

لشخصين (1) في الواقع.

و يدفعه (2): أنّ القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع (3)، و إلّا (4) لجرى

______________________________

للمشتري معا في زمان واحد، و هو محال» «1».

(1) الأوّل: المشتري من الراهن، لصيرورته مالكا من يوم السبت بعد الإجازة الكاشفة عن صحة البيع. و الثاني: الراهن، لتوقف صحة إجازة المرتهن على مالكيته حتى يتعلق حق الرهانة بالرهن.

هذا تقريب الوجه الثاني لفساد البيع.

(2) أي: و يدفع تخيّل بطلان البيع، و هذا ردّ الوجه الثاني، و حاصله: أنّ إجازة المرتهن تكشف عن زوال الرّهن آنا مّا قبل البيع، بحيث وقع البيع على غير المرهون، فلا يلزم محذور اجتماع المالكين- و هما البائع و المشتري- في الزمان المتخلل بين العقد و بين إجازة المرتهن، إذ المفروض انكشاف بطلان الرهن بسبب الإجازة قبل البيع آنا مّا، فيكون المالك بعد العقد واحدا و هو المشتري.

و أمّا احتمال انكشاف بطلان الرهن من أصله بالإجازة فلا موجب له، بل مقتضى الاستصحاب خلافه كما لا يخفى.

(3) بأن تكون الاجازة كاشفة عن إسقاط حقه.

(4) يعني: و إن لم تكن الإجازة كاشفة يلزم هذا المحذور فيما إذا كان العاقد فضوليا غير الراهن، لاجتماع المالكين أيضا، كما لو باع الفضولي مال زيد يوم السبت و أجازه يوم الأحد، فلازم الكشف كون المشتري هو المالك من يوم السبت، و لازم إناطة الإجازة بالملك كون المجيز هو المالك إلى زمان الإجازة، فيلزم محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي بناء على الكشف.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 268- 270

ص: 515

ذلك (1) في عقد الفضولي أيضا (2)، لأنّ (3) فرض كون المجيز مالكا للمبيع نافذ (4) الإجازة يوجب (5) تملّك مالكين لملك واحد قبل الإجازة.

و أمّا ما يلزم (6) في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» فلا يلزم في مسألة

______________________________

(1) أي: التنافي بين البيع و الرهن.

(2) يعني: كما جرى في إجازة المرتهن بيع الراهن.

(3) تعليل لجريان محذور اجتماع المالكين في كل عقد فضولي، و تقدم بيانه آنفا.

(4) خبر ثان ل «كون المجيز» أو حال عن المجيز.

(5) خبر قوله: «لأن فرض».

(6) غرضه قدّس سرّه أنّ ملكية العين المرهونة- في الزمان المتوسط بين العقد و الإجازة- للبائع و المشتري، تكون نظير الإشكال الساري في كل عقد فضولي، و هو اجتماع مالكين على ملك واحد.

و أمّا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا فضوليا ثم ملكه» فلا يجري في المقام. فافترق مورد النفي و الإثبات، إذ الإشكال الجاري في المقام هو الإشكال العام الوارد في مطلق الفضولي. و هذا مورد الإثبات.

و أمّا مورد النفي فهو الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» و ذلك الإشكال المختص هو ما أفاده صاحب المقابس- في تلك المسألة- ذيل الإشكال الرابع بقوله:

«فإنّ قلت: مثل هذا لازم في كل عقد فضولي، لأنّ صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة، المتوقفة على بقاء ملك المالك بعده، و المستلزمة لملك المشتري كذلك، فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك و المشتري معا في آن واحد، فيلزم إمّا بطلان عقد الفضولي مطلقا، أو بطلان القول بالكشف، فلا اختصاص للإيراد بما نحن فيه.

قلنا: يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا، و هو الحاصل من استصحاب

ص: 516

إجازة المرتهن. نعم (1)

______________________________

تملكه السابق، لأنّها في الحقيقة رفع لليد و إسقاط للحق، و لا يكفي المالك الصوري في صحة العقد الثاني، فتدبر» «1». انتهى كلامه رفع مقامه.

فملخص الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا ثم ملكه» هو اجتماع المالكين حقيقة على ملك واحد في آن واحد، لاعتبار الملكية حقيقة في البيع، بخلاف الملكية في الإجازة، فإنّ الصوري منها كاف في نفوذ الإجازة. فاجتماع المالكين في سائر العقود الفضولية ليس حقيقيا، و في مسألة «من باع شيئا ثم ملكه» يكون حقيقيا. هذا في صورة إجازة البائع الذي باع فضوليا ثم ملك و أجاز.

و أمّا إذا لم يجز ذلك، فالمانع عن صحته هو أنّ نفس انتقال المبيع إلى الفضولي ليس إمضاء لمضمون العقد الذي أوقعه فضولا حتى يقال: بترتب الأثر على عقد الفضولي من حين وقوعه، بل على القول بصحته لا بدّ من الالتزام بترتب أثره من زمان انتقال المبيع إلى العاقد الفضولي، و مع عدم طيب نفسه كيف يحكم بصحة العقد و لو من حين انتقال المبيع إليه؟ فمقتضى القاعدة البطلان.

و هذا الإشكال المختص بمسألة «من باع شيئا، ثم ملك و لم يجز» لا يجري في المقام، إذ المفروض تحقق الإجازة من المرتهن، و هي تكشف عن أمرين:

أحدهما: انتقال المبيع إلى المشتري حين بيع الراهن.

و ثانيهما: انتهاء زمان الرهن، و خروج العين عن كونها وثيقة.

نعم، يجري فيما إذا سقط حق المرتهن بالافتكاك، إذ لا إجازة حينئذ، مثل من «باع شيئا ثم ملك و لم يجز» و سيأتي ذلك.

(1) استدراك على قوله: «فلا يلزم» يعني: أن محذور مسألة «من باع شيئا ثم ملكه فأجاز» يجري في ما لو باع الراهن و لم تلحقه إجازة المرتهن، و لكن افتك

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 36 و تقدّم كلامه في ج 5، ص 268- 272

ص: 517

يلزم (1) في مسألة افتكاك الرهن، و سيجي ء (2) التنبيه عليه إن شاء اللّه تعالى.

ثم إنّ الكلام (3) في كون الإجازة من المرتهن كاشفة أو ناقلة هو الكلام في

______________________________

الرهن، فإنّ حق الرهانة و إن كان يسقط بإجازة المرتهن و بإسقاط حقّه و بإبراء الدين و بافتكاك الرهن، إلّا أن مبدء سقوط الحق- في الإجازة لكونها كاشفة- هو زمان بيع الراهن. و لكن مبدء انتهاء الرهن في الفك و الإبراء هو زمان حصول أحدهما، فيكون الفك نظير إجازة الفضولي على النقل.

و عليه فلو باع الراهن و افتك الرهن بعده لزم كون ملك المشتري رهنا في الواقع على دين البائع إلى زمان الافتكاك، و هذا هو إشكال لزوم كون مال غير الراهن رهنا للبائع. و سيأتي بيان ذلك عند التعرض لشرح كلام المصنف إن شاء اللّه تعالى.

(1) يعني: بناء على عدم كون الفكّ بعد البيع بمنزلة الإجازة.

(2) يعني: في (ص 528) بقوله: «و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك ...» فانتظر.

هذا ما يتعلق برد الوجه الثاني على بطلان بيع الراهن، و به تمّ الكلام في الجهة الاولى.

(3) هذا شروع في الجهة الثانية، و هي تحقيق كون إجازة المرتهن كاشفة أو ناقلة، و محصله: أنه تقدم في إجازة بيع الفضولي اقتضاء قاعدة امتناع تقدم المسبب على سببه للقول بالنقل، و عدم ترتب الأثر على مجرد العقد من زمان وقوعه، لكن استفيد الكشف من بعض الأدلة الخاصة كصحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين، قال المصنف قدّس سرّه: «نعم صحيحة أبي عبيده الواردة في تزويج الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث- من الزوج المدرك الذي أجاز فمات- للزوجة غير المدركة حتى تدرك و تحلف، ظاهرة في قول الكشف» «1» أي الكشف الحقيقي بمناط الشرط المتأخر، في قبال الحكمي و التعقبي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 69- 71

ص: 518

مسألة الفضولي (1)، و محصّله (2): أن مقتضى القاعدة النقل، إلّا أنّ الظاهر من بعض الأخبار (3) هو الكشف. و القول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى، لأنّ (4) إجازة المالك أشبه بجزء المقتضي، و هي هنا من قبيل رفع المانع [1].

______________________________

و بناء على هذا فالالتزام بكون إجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين المرهونة في ملك المشتري من زمان تحقق بيع الراهن، أولى، ضرورة أنّ إجازة المالك- في البيع الفضولي- تكون بمنزلة الإيجاب الذي هو جزء المقتضي أعني به العقد. و إجازة المرتهن تكون في رتبة عدم المانع، لأنّ حق الرهانة من موانع تأثير تصرف المالك، فإجازة المرتهن رفع للمانع. فإذا جاز تقدم المسبب على المقتضي جاز تقدمه على عدم المانع بالأولوية القطعية، لتأخر رتبة عدم المانع عن رتبة المقتضي و الشرط.

(1) فمن قال في البيع الفضولي بالنقل قال به هنا، و من قال ثمة بالكشف فكذا هنا، لوحدة المناط.

(2) أي: و محصّل الكلام: أن مقتضى تقدم أجزاء السبب على المسبب هو النقل.

(3) كصحيحة محمد بن قيس الواردة في بيع الوليدة بغير إذن السيد «1»، و صحيحة أبي عبيدة المشار إليها آنفا «2»، و غيرهما، فراجع.

(4) هذا تقريب الفحوى، و حاصله: أنّ رتبة عدم المانع متأخرة عن رتبة المقتضي.

______________________________

[1] و فيه: أنّ العقد ليس علة حقيقية لترتب الحكم الشرعي، بل يكون موضوعا للحكم، و ليس من باب التأثير و التأثر أصلا.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 349

(2) المصدر، ج 5، ص 69

ص: 519

و من أجل ذلك (1) جوّزوا (2) عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن (3)، مع أنّ الإيقاعات عندهم لا تقع مراعاة (4).

______________________________

(1) أي: و من أجل كون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع عن تأثير بيع الراهن- و لا دخل لها في المقتضي- جوّزوا للرّاهن عتق مملوكه المرهون إذا تعقبه إجازة المرتهن. مع أن العتق إيقاع، و ادعي الإجماع على عدم جريان الفضولية في الإيقاعات. فلو كانت إجازة المرتهن ناقلة لزم وقوع العتق مراعى بمعنى تأخره و انفصاله عن صيغته.

و عليه فصحة العتق مراعى بإجازة المرتهن تشهد بأنّ مرادهم من منع الإيقاع الفضولي هو ما إذا كان القصور في المقتضي، كما إذا لم يكن المعتق مالكا أو من يقوم مقامه.

(2) ظاهره كون الجواز مذهب الكل أو الجلّ، و هو كذلك، فإنّ السيد العاملي قدّس سرّه لم يحك الخلاف إلّا عن شيخ الطائفة و أتباعه كابني زهرة و حمزة و سلّار «1»، و هو جار على مبناهم من عدم جواز الفضولي مطلقا.

نعم قد يشكل مخالفة الشهيد قدّس سرّه في محكّي الدروس. و قد يوجّه- كما في الجواهر «2»- بأن يكون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة، فتأمّل.

(3) قال المحقق قدّس سرّه: «و في صحة العتق مع الإجازة تردد، و الوجه الجواز» «3».

(4) مقصوده بالمراعى هو الموقوف، أي: لا تقع موقوفة على الإجازة، و إلّا فاصطلاحهم في المراعى هو وقوع الشي ء صحيحا في نفس الأمر، و يكون وجود الموقوف عليه كاشفا محضا عن صحته من حين وقوعه. و اصطلاحهم في الموقوف هو ما بقي من علته التامة جزء لم يتحقق بعد «4».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 117

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 206

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 82

(4) جامع المقاصد، ج 5، ص 145، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 199

ص: 520

و الاعتذار (1)

______________________________

و بعبارة اخرى: الفرق بينهما أن الرعاية ناظرة إلى مقام الإثبات، و الوقف إلى مقام الثبوت.

(1) توضيحه: أنّه لو جني على عبد مرهون، فعفا المولى- و هو الراهن- عن الجناية في الخطاء، أو عفا عن الجناية و عن المال- في العمد- الذي هو بدل عنها و عن الإتلاف، فهل يصح عفوه، أي إسقاط حقّه، أم لا يصح رعاية لحق المرتهن، مع أن العفو مسقط لحقّه؟ ذهب العلّامة في القواعد إلى وجوب أخذ بدل الجناية، ثم العفو، فإن افتكّ الرهن بعد ذلك كشف عن صحة العفو، و إن استمرّ الرهن- لبقاء الدّين في ذمة الراهن- لم يصحّ العفو، قال قدّس سرّه: «فإن عفا الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال لحقّ المرتهن، فإن انفك ظهر صحة العفو، و إلّا فلا» «1» و بيّن وجهين في التذكرة «2».

و أضاف المحقق الثاني قدّس سرّه إلى عفو الراهن عن الجناية: ما لو أعتق الراهن عبده المرهون، فقال: «و مثل هذا- أي ما تقدم في العفو- يأتي في ما لو أعتق الراهن. إلّا أن يفرّق بأنّ عناية الشارع بالفكّ من الرّق- فكان مبنيّا على التغليب- أخرجته عن ذلك، فبقي الحكم هنا الذي يدل عليه الدليل هو البطلان، لوجود حقّ المرتهن المنافي لوقوع العفو» «3».

و غرض المصنف قدّس سرّه منع توجيه جامع المقاصد لصحة عتق الراهن- دون عفوه- بابتنائه على تغليب الشارع لجانب الحرية على الرقية.

و وجه المنع: أن القائلين بصحة عتق الراهن استندوا إلى إطلاق النصوص

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 126

(2) تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 300

(3) جامع المقاصد، ج 5، ص 146

ص: 521

عن ذلك (1) ببناء (2) العتق على التغليب- كما فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن، في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على العبد المرهون- مناف (3) لتمسّكهم في العتق بعمومات العتق، مع أنّ العلّامة (4) قدّس سرّه في تلك المسألة قد جوّز العفو

______________________________

المرغّبة في التحرير- كما في الجواهر «1» أيضا- كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أعتق مسلما أعتق اللّه العزيز الجبار بكلّ عضو منه عضوا من النار» «2». فلو لا هذا الإطلاق لم يجد مجرّد بناء العتق على التغليب في الخروج عن إجماعهم على عدم وقوع الإيقاعات مراعاة.

(1) أي: عن وقوع عتق الراهن موقوفا على إجازة المرتهن.

(2) متعلق بالاعتذار، و هذا مضمون كلام المحقق الثاني قدّس سرّه، و تقدّم آنفا.

(3) خبر قوله: «و الاعتذار» و وجه المنافاة: أنه لو كان العتق لأجل بنائه على التغليب لكان اللازم التمسك به لا بعمومات العتق، هذا [1].

(4) ظاهر العبارة بحسب السياق أنّه إشكال آخر على الاعتذار المزبور، و حاصله: أنّ العلّامة قدّس سرّه ألحق العفو عن الجناية- الذي هو من الإيقاعات- بالعتق

______________________________

[1] لكن فيه ما قيل: من عدم المنافاة، لأنّ مرجع التمسك بعمومات العتق إلى ترجيحها لأجل بنائه على التغليب، كتقديم دليل الحرمة على دليل الإباحة في صورة الدوران بينهما لوجوه مذكورة في محلّها، فتدبر.

مضافا إلى: أن دعوى عدم استنادهم إلى التغليب عهدتها على مدّعيها، و إلّا ففي مفتاح الكرامة: «و قد طفحت عباراتهم في المقام بالاستدلال بأن العتق مبني على التغليب» «3» و لا بد من مزيد التتبع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 206

(2) وسائل الشيعة، ج 16، ص 2، الباب 1 من أبواب العتق، الحديث: 1، و نحوه سائر أحاديث الباب

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 117

ص: 522

مراعى بفكّ الرّهن.

هذا (1) إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه. أمّا إذا أسقط حقّ الرّهن، ففي كون الإسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك الرهن أو إبراء الدّين.

ثمّ (2) إنّه لا إشكال في أنّه لا يقع الرد بعد الإجازة، و هو واضح.

و هل ينفع الإجازة بعد الرّد؟ و جهان:

______________________________

في النفوذ بالإجازة. فلو كان نفوذ العتق بالإجازة لخصوصية في العتق و بنائه على التغليب، لم يكن وجه للتعدي عن العتق إلى العفو، فالتعدي كاشف عن خصوصية في الإجازة و كونها من رفع المانع لا جزء المقتضي، فوزان إجازة المرتهن وزان إجازة المالك. كما أنّ فكّ الرهن كالإجازة رفع للمانع، و لذا اتجه التعدي المزبور كما لا يخفى.

و الحاصل: أن صحة العفو عن الجاني مراعى بالفك في المستقبل توجب الخدشة في ما تقدم، من أن الإيقاعات عندهم لا تقع مراعى.

(1) أي: نفوذ بيع الراهن- و انتقال الرهن إلى المشتري بنفس العقد- إذا رضي المرتهن بالبيع و أجازه. و أمّا إذا لم يجز البيع و إنّما أسقط حقّ الرهانة ليصير مال الراهن بعد الإسقاط طلقا، فهل يكون الإسقاط كالإجازة كاشفا عن تأثير البيع في زمان وقوعه، أو يكون ناقلا؟ سيأتي البحث فيه في الجهة الثالثة، كما سيأتي فيها الفرق بين الإجازة و الإسقاط.

(2) تعرض المصنف قدّس سرّه هنا لفرعين:

أحدهما: أنّه لو أجاز المرتهن بيع الراهن، ثم ردّه، لغا الثاني، لأنّ الإجازة تمّمت تأثير العقد، و لم يبق بعدها شي ء في وعاء الاعتبار ليتعلّق به الرد و الرضا، و هو واضح.

ثانيهما: أنّه لو ردّ المرتهن فأجاز، فهل تنفع الإجازة المسبوقة بالرد في صحة بيع الراهن، أم تلغو؟ و جهان يأتي بيانهما.

ص: 523

من أنّ الرّد (1) في معنى عدم رفع اليد [1] عن حقّه.

______________________________

(1) هذا وجه تأثير الإجازة بعد الرد، و حاصله: أنّ للمرتهن حقّا في العين المرهونة، و معنى ردّ بيع الراهن إبقاء حقّه، و عدم الإعراض عنه، و له إسقاط حقّه فيما بعد، كما هو شأن كل ذي حق.

فإن قلت: بيع الراهن نظير بيع الفضولي في التوقف على الإجازة، و من المعلوم أنّ إجازة المالك المسبوقة بالردّ لا تجدي في تأثير عقد الفضولي، لسقوطه عن الصحة التأهلية بالرد. و لمّا كان مقتضى حقّ الرهانة سلطنة المرتهن على الإمضاء و الردّ، كان ردّه موجبا لجعل عقد الراهن بمنزلة العدم، فلم يبق شي ء في وعاء الاعتبار حتى تلحقه الإجازة.

قلت: الفرق بين إجازة بيع الفضول و الراهن هو: أنّ المجيز لعقد الفضول مالك، و إجازته تجعله أحد طرفي العقد، و تصحّح انتسابه إليه حتى يخاطب بوجوب الوفاء بعهده. و قد تقرّر أنّ البائع الأصيل لو رفع يده عن الإيجاب- قبل انضمام القبول إليه- لم يبق موضوع للقبول.

و عليه فردّ المالك مبطل لإنشاء الطرف الآخر، لكونه بمنزلة ردّ الموجب قبل لحوق القبول به.

و هذا بخلاف المقام، ضرورة أنّ طرفي العقد هما الراهن و المشتري، و إجازة المرتهن و إن كانت دخيلة في التأثير، و لكنها لا تجعل عقد الراهن عقدا للمرتهن، لكونه أجنبيا عن المبيع كأجنبيته عن الثمن، فردّه لا يوجب سقوط الإنشاء عن

______________________________

[1] هذا لازم معنى الرد لا معناه، فان حقيقة الرد هو المنع عن نفوذ المعاملة و إسقاط العقد عن قابلية التأثير و جعله كالعدم، في مقابل الإجازة التي هي تنفيذ مضمون العقد. و لازم الإجازة سقوط حق المجيز المرتهن، فالرد يكون مانعا عن لحوق الإجازة.

ص: 524

فله إسقاطه (1) بعد ذلك (2). و ليس ذلك (3) كردّ بيع الفضولي [1]، لأنّ (4) المجيز هناك (5) في معنى أحد المتعاقدين (6)، و قد تقرّر (7) أنّ ردّ أحد المتعاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر، بخلافه (8) هنا، فإنّ المرتهن أجنبي له حقّ في العين.

______________________________

الصحة التأهلية، و لذا لا مانع من الرضا به، و ترتب الأثر عليه.

(1) أي: إسقاط الحق، و ضميرا «حقّه، له» راجعان إلى المرتهن.

(2) أي: بعد الرّد.

(3) أي: و ليس ردّ المرتهن نظيرا لردّ المالك البيع الفضولي. و هذا إشارة إلى دخل، تقدّم بيانه بقولنا: «إن قلت ...».

(4) تعليل لقوله: «و ليس» و هو دفع الدخل، و تقدم بقولنا: «قلت ...».

(5) أي: في بيع الفضولي، حيث قال في تنبيهات الإجازة: «انّ الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد، و إلّا لم يكن مكلّفا بالوفاء بالعقد» «1».

(6) يعني: أن المجيز و إن لم يكن صورة أحد المتعاقدين، لقيام الإنشاء بالفضول و الأصيل، و لكن حيث إنّ المخاطب بوجوب الوفاء هو المجيز، فإجازته تصحّح انتساب العقد إليه، و تجعله أحد المتعاقدين لبّا.

(7) يعني: في أحكام الصيغة، حيث قال: «و الأصل في جميع ذلك: أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغا الإيجاب السابق ...» «2» و علّله بعدم تحقق معنى المعاقدة.

(8) أي: بخلاف الرد هنا يعني: في مسألة بيع الراهن بدون إذن المرتهن، فإنّ هذا الرد غير مبطل لإنشاء الراهن، لكون المرتهن أجنبيا عن المبيع أي غير مالك له و إن كان حقه متعلقا به.

______________________________

[1] بل على ما ذكرنا من معنى الرد يكون مثل رد بيع الفضولي.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 182

(2) هدى الطالب، ج 2، ص 605

ص: 525

و من (1) أنّ الإيجاب المؤثّر إنّما يتحقق برضا المالك و المرتهن، فرضا كلّ منهما جزء مقوّم للإيجاب المؤثّر (2). فكما أنّ ردّ المالك في الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم، كذلك ردّ المرتهن. و هذا (3) هو الأظهر من قواعدهم.

ثم إنّ (4) الظاهر أنّ فكّ الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة، لسقوط حقّ

______________________________

(1) هذا وجه عدم نفع الإجازة المسبوقة بالرد، و حاصله: أنّ العين المرهونة ليست ملكا طلقا للراهن لتعلق حق المرتهن بها، فمن له السلطنة على نقلها إلى المشتري هو الراهن و المرتهن معا، و لا يكفي فيه رضا خصوص المالك قطعا. و حينئذ يندرج المقام في الضابطة المقررة في بيع الفضولي من قدح تخلّل رد المالك بين العقد و الإجازة، بناء على أن المراد بالمالك من يكون رضاه دخيلا في ترتب الأثر، إذ لا ريب في دخل رضا المرتهن في تصرفات الراهن. فكذا يكون ردّه مسقطا لعقد الراهن عن قابلية التأثير.

(2) فليس إيجاب الراهن- بمجرّده- إيجابا مؤثرا على تقدير انضمام القبول به، بل تأثيره مشروط برضا المرتهن المستكشف بإذنه أو إجازته.

(3) أي: عدم نفع الإجازة بعد الرد هو الأظهر ... الخ، لأنّه مقتضى دخل الإجازة جزءا أو شرطا في موضوع الحكم الشرعي أعني به الملكية، أو غيرها مما يترتب على العقد، و من المعلوم أنّ انعدام جزء أو شرط من الموضوع يسقط سائر أجزائه و قيوده عن قابلية التأثير، لكونه كالمركب الارتباطي، هذا.

(4) هذه ثالثة جهات البحث في المسألة، و هي: أنّ الراهن لو باع الرهن بلا إذن من المرتهن، ثم فكّ الرهن بأداء الدين أو بإبراء الدائن، فهل يكفي سقوط حقّ المرتهن في نفوذ البيع، أم ينحصر تصحيح العقد بإجازة المرتهن حتى بعد سقوط حق الرهانة؟ فيه قولان: أحدهما كون الفك بمنزلة الإجازة، و الآخر التردد في كونه بمنزلتها.

ص: 526

المرتهن بذلك (1)، كما صرّح به (2) في التذكرة (3)، و حكي (4) عن فخر الإسلام

______________________________

(1) أي: بالفكّ، هذا وجه السقوط، و توضيحه: أنّ المانع عن نفوذ العقد الصادر من المالك الراهن منحصر في حق المرتهن، فإذا سقط ارتفع المانع عن نفوذه، و قد تقدّم اعتراف المصنف قدّس سرّه بكون إجازة المرتهن من قبيل رفع المانع. و لا فرق في ارتفاعه بين روافعه من الإجازة و الافتكاك أو الإسقاط، فلا ينبغي التأمل في لزوم المعاملة بسقوط حق المرتهن كما هو جماعة منهم العلّامة و ولده و الشهيد، و المحقق و الشهيد الثانيين.

و بعبارة اخرى: إضافة العين إلى المرتهن إضافة- يعبّر عنها بحق الرهانة- أحدثت سلطنة مزاحمة لسلطنة الراهن على العين، فإذا ارتفعت هذه السلطنة بأيّ رافع أثّرت سلطنة المالك، لصيرورتها تامة حينئذ. فإنشاء الراهن تمليك العين و تبديلها يصير بلا مزاحم، فيؤثّر أثره.

و من هنا يتضح الفرق بين المقام و بين «من باع شيئا ثم ملك» حيث إنّ إنشاء التبديل هناك حدث قبل إضافة الملكية المتقدمة رتبة على إنشاء المبادلة، بخلافه هنا، فإنّ إنشاء التبديل وقع بعد إضافة الملكية الملحوظة قبل الإنشاء، غاية الأمر أنّ هذا الإنشاء زوحم بمانع، و هو سلطنة الراهن، فإذا زال المزاحم لا يبقى مانع عن التأثير.

(2) أي: بكون الفك كالإجازة، و سقوط حق المرتهن.

(3) قال فيها: «و لو باع- أي الراهن- و لم يعلم المرتهن، ففكّ، لزم البيع، لانتفاء المعارض» «1» و احتمل الصحة في كتاب الرهن «2».

(4) الحاكي عن الفخر و الشهيد و المحقق الكركي هو السيد العاملي قدّس سرّهم بقوله:

«و قد قوّى اللزوم في العقود الفخر في الإيضاح و الشهيد في حواشيه و المحقق الثاني،

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

(2) تذكرة الفقهاء، ج 13، ص 386

ص: 527

و الشهيد في الحواشي، و هو (1) الظاهر من المحقق و الشهيد الثانيين.

و يحتمل عدم لزوم العقد بالفكّ- كما احتمله في القواعد (2)- بل

______________________________

لأنها لازمة في أصلها ...» «1».

(1) أي: كون الفك بمنزلة الإجازة ملزما لبيع الراهن ظاهر ... الخ، قال المحقق الثاني- في شرح قوله العلّامة قدّس سرّهما: «فلو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر» بعد بيان الوجهين- ما لفظه: «إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه، فكيف يحكم ببطلانه بعده؟ و بهذا يظهر أنّ الحكم باللزوم هو الأقوى» «2».

و قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح عبارة الشرائع: «و في عتقه مع إجازة الراهن تردد» ما لفظه: «و على هذا، لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم» «3» و نحوه في الروضة. و الظاهر عدم خصوصية للعتق جوازا و منعا.

(2) لقوله في الجملة المنقولة عنه آنفا: «نظر» و كذلك احتمل الوجهين في رهن التذكرة، كما أشرنا إليه أيضا. أمّا لزوم العقود بالفك فقد نقدم.

و أما عدم لزومها به فلوجوه ثلاثة ذكرها المصنف ثم ناقش فيها:

الأوّل: أنّ بيع الراهن- حال حصوله- لم يكن مشمولا لدليل الإمضاء كوجوب الوفاء بالعقود، و حلّ البيع، لكونه تصرفا في متعلق حق المرتهن، و المفروض عدم لحوق إجازته به حتى تنفّذه، و يصير سببا تامّا للنقل. فالمانع من التأثير مقترن بالبيع، و الذي حصل بعده هو سقوط حقّ الرهانة بسبب الفك أو بموجب آخر، و لكن لا دليل على كفاية السقوط، ضرورة اختصاص التعليل المذكور في صحيحة زرارة- الواردة في نكاح العبد بلا إذن السيد- بالإجازة، و لا وجه للتعدي عنها إلى سقوط الحق.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 118 و لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 2، ص 19

(2) جامع المقاصد، ج 5، ص 75

(3) مسالك الأفهام، ج 4، ص 48؛ الروضة البهية، ج 4، ص 84

ص: 528

بمطلق (1) السقوط الحاصل بالإسقاط (2) أو الإبراء (3) أو بغيرهما (4)، نظرا (5) إلى أنّ الراهن تصرّف فيما فيه حقّ المرتهن (6)، و سقوطه (7) بعد ذلك لا يؤثّر في تصحيحه.

و الفرق (8) بين الإجازة و الفكّ: أن مقتضى ثبوت الحقّ له هو صحة

______________________________

و نتيجة ذلك: أن بيع الراهن حين صدوره كان مقترنا بالمانع، و خارجا عن أدلة الإمضاء، و في زمان انتفاء المانع- بسقوط حق الرهانة- لا عقد حتى يعمّه خطاب «أَوْفُوا». و سيأتي بيان الوجهين الآخرين.

(1) لمّا كان مورد تنظّر العلّامة قدّس سرّه خصوص فك الرهن بعد بيع الراهن، نبّه المصنف قدّس سرّه على جريان الاحتمالين في مطلق موجبات سقوط حقّ الرهانة، و لا خصوصية للفكّ. و عليه فليس المراد ب «بل» الترقي، بل المقصود مجرد التعميم.

(2) أي: إسقاط المرتهن حقّ الرهانة مع بقاء الدين في ذمة الراهن.

(3) أي: إبراء المرتهن عهدة الراهن من الدّين، و يتبعه خروج العين عن كونها رهنا.

(4) كما لو ضمن شخص دين الراهن، فانتقل إلى ذمة الضامن، فتخرج العين عن حق الرهانة أيضا.

(5) هذا وجه احتمال عدم لزوم العقد، و تقدم توضيحه آنفا.

(6) نظير تصرف العاقد الفضولي ببيع مال الغير فضولا، فانتقاله إليه باشترائه من المالك لا يصحّح العقد الذي أوقعه فضولا قبل الاشتراء.

(7) يعني: سقوط حق المرتهن بعد تصرف الراهن لا يؤثر في تصحيح تصرفه.

(8) إشارة إلى توهم و دفعه.

أمّا التوهم فهو: أنّ الملاك في عدم تأثير العقد إن كان وقوعه على ما فيه حق المرتهن، و عدم تغير العقد عمّا وقع عليه، فهذا الملاك بعينه موجود فيما إذا أجاز المرتهن أيضا، إذ الإجازة كالفكّ لا تؤثر في العقد الذي وقع على متعلق حق المرتهن.

و أمّا دفع التوهم فقد أشار إليه بقوله: «ان مقتضى ثبوت الحق» و توضيحه:

ص: 529

إمضائه للبيع الواقع في زمان حقّه. و إن لزم (1) من الإجازة سقوط حقّه.

و بالجملة (2): فالإجازة تصرّف من المرتهن في الرهن حال وجود حقّه- أعني حال العقد- بما يوجب سقوط حقّه، نظير إجازة المالك (3). بخلاف الإسقاط أو السقوط بالإبراء أو الأداء (4)، فإنّه (5) ليس فيه دلالة على مضيّ العقد حال وقوعه.

______________________________

أنّ من لوازم الحق سلطنة ذيه على إسقاطه بإمضاء العقد الواقع على متعلق حقه، فبإمضائه يلزم العقد و يسقط حقّه. و هذا بخلاف سقوط الحق بالافتكاك أو غيره، فإنّه ليس فيه دلالة على إمضاء العقد و تنفيذه، فمجرّد سقوط الحق لا يقتضي لزوم العقد.

(1) يعني: أن الإجازة تصرّف من المرتهن، و يترتب عليه سقوط الحقّ، لانتهاء بيع الراهن إلى اللزوم بسبب هذه الإجازة.

(2) هذه الجملة بيان للفرق بين الإجازة و سقوط حقّ الرهانة، و محصلها ما تقدم من: أن للإجازة متعلّقا و هو عقد الراهن، فهو المجاز، فإن المرتهن الملتفت إلى بيع الراهن له السلطنة على إمضائه و فسخه. و لكن إسقاط الحق لا دلالة فيه على إمضاء العقد و إعمال الحق أصلا، بل قد لا يعلم المرتهن به حتى يجيزه أو يردّه.

فمن هذه الجهة يكون إسقاط الحق نظير ما إذا باع الغاصب مالا بقصد دخول الثمن في ملكه، ثم تملّك المال بإرث أو اتّهاب، فإنّ المغصوب منه- لجهله بتصرف الغاصب- لا يتمشى منه الإجازة و الرد.

(3) لكون كل منهما سلطانا على عقد الفضولي و الراهن، فله الإجازة و الرّد.

(4) يعني: أداء الدين، الموجب لفكّ الرهن، كما يوجبه الإبراء و الإسقاط و غيرهما.

(5) أي: فإنّ كل واحد- من الإسقاط و السقوط- لا تعلّق له بعقد الراهن حتى يمضى به.

ص: 530

فهو (1) أشبه شي ء ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما ثم تملّكهما، و قد تقدم الإشكال فيه عن جماعة (2).

مضافا إلى: استصحاب (3) عدم اللزوم الحاكم على عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»

______________________________

(1) هذا نتيجة الفرق بين إجازة المرتهن و بين سقوط حقّ الرهانة، يعني: فبيع الراهن ثم سقوط حقه يكون شبيها بمسألة «من باع ثم ملك» فكما استشكل جماعة في تلك فكذا في هذه.

(2) و المصنف قدّس سرّه أيضا رجّح هناك القول بالبطلان، حيث قال: «فالأقوى:

العمل بالروايات، و الفتوى بالمنع عن البيع المذكور»، و هي ما لو باع الفضولي لنفسه ثم اشتراه من المالك، و أجاز. و كذا لو لم يجز، فراجع «1».

(3) هذا ثاني الوجوه على ما احتمله العلّامة قدّس سرّه من عدم لزوم بيع الراهن بمجرد الفكّ، و هو استصحاب ما كان قبل فك الرهن من عدم لزوم العقد، لعدم تعقبه بالإجازة قبل الفك، و لا سلطنة للمرتهن بعد الفك حتى تنفعه الإجازة، فيبطل.

فإن قلت: إن المقتضي لصحة بيع الراهن- و هو صدوره من المالك- موجود، و المانع من اللزوم هو حق المرتهن، فمع سقوطه يندرج العقد في عموم الأمر بالوفاء، و يلزم.

قلت: لا مجال للرجوع إلى العموم في المقام، لحكومة الاستصحاب عليه.

وجه الحكومة: أنّ الاستصحاب منقّح للموضوع، و يحرز الخاص، كما إذا شك في فاسقية زيد بعد سبقها، فتستصحب، و يحرز بالاستصحاب موضوع الخاص، فلا يكون محكوما بحكم العام ك «أكرم العدول أو صلّ خلفهم». فعدم جريان العموم في مثل المقام إنما هو لأجل إحراز عنوان الخاص، فلا شك في التخصيص حتى يتمسك بالعام.

و عليه، فلا وجه للإشكال على حكومة الاستصحاب على العام كما في بعض

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 328

ص: 531

بناء (1) على أن هذا العقد غير لازم (2)، فيستصحب حكم الخاصّ.

و ليس (3) ذلك محلّ التمسك بالعام، إذ (4) ليس في اللفظ عموم زماني حتى يقال: إنّ المتيقن خروجه هو العقد قبل السقوط، فيبقى ما بعد السقوط داخلا في العامّ.

______________________________

الحواشي. نعم هذه الحكومة ظاهرية لا واقعية كما هو واضح.

(1) إذ بناء على بطلان بيع الراهن بدون إذن المرتهن- كما يراه صاحب المقابس قدّس سرّه- لا مجال لهذا الاستصحاب، ضرورة عدم إجداء الإجازة فضلا عن الفك و الإسقاط.

(2) هذا تقريب الاستصحاب، و الغرض منه إثبات فساد بيع الراهن، لا صحته و تزلزله كما في البيوع الخيارية. فالمقصود استصحاب عدم الملكية.

و لعلّ الأولى في تقريبه ما حكاه صاحب الجواهر قدّس سرّه عن المستدلّ به، حيث قال: «مضافا إلى استصحاب حال العقد قبل الفك من عدم التأثير» «1».

(3) أي: و ليس بيع الراهن- بعد الفك و سقوط حقّ المرتهن- محلّا للتمسك بالعام. و هذا إشارة إلى توهم منع التمسك بالاستصحاب، و تقدم بقولنا: «فإن قلت ...».

(4) تعليل لقوله: «ليس» و دفع للتوهم المزبور، و توضيحه: أنّ الزمان لم يؤخذ مفرّدا و مكثّرا للموضوع ليكون العقد في كل زمان موضوعا مستقلا لحكم العام حتى يقال: إنّ العقد المقيد بزمان معيّن قد خرج عن حيّز العام، و يشك في خروجه في غير ذلك الزمان، فيتمسك بالعام، لكونه من الشك في التخصيص الزائد.

بل الزمان اخذ ظرفا للحكم، فإذا خرج فرد كان ذلك فردا واحدا، و لا يكون خروجه في زمان آخر تخصيصا زائدا ليتمسك بالعام.

فتلخص: أنّ سقوط حق المرتهن ليس كالإجازة ملزما للعقد، بل العقد باق

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 202

ص: 532

و يؤيّد ما ذكرناه (1)- بل يدلّ عليه (2)-: ما يظهر من بعض الروايات من

______________________________

على ما كان عليه من عدم اللزوم.

(1) أي: و يؤيّد عدم صيرورة بيع الراهن لازما بالفك ما يظهر، و هذا ثالث الوجوه، و توضيحه: أن النصوص الخاصة دلّت على عدم نفوذ نكاح العبد لو تزوّج بغير إذن السيّد، و علم به و لم يلحقه إجازته.

و قد أشار إليها في مبحث إجازة الفضولي «1».

فمنها: صحيحة ابن وهب: «جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام، فقال: إني كنت مملوكا لقوم، و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مولاي، ثم أعتقوني بعد ذلك.

فاجدّد نكاحها حين اعتقت؟ فقال عليه السّلام: أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم، و سكتوا عنّي، و لم يغيّروا عليّ، فقال عليه السّلام: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل» «2».

و جعله المصنف قدّس سرّه في بادئ الأمر مؤيّدا لا دليلا، لاحتمال دخل الإجازة بالخصوص فيما لم يكن اللزوم لعدم المقتضي، و كون القصور لأجله، لا لأجل وجود المانع، فإنّ العبد لا مقتضي لنفوذ تصرفاته، لكونه مسلوب السلطنة و لا يقدر على شي ء. بخلاف الراهن السلطان على التصرف في ماله، غاية الأمر أنّ حق المرتهن صار مانعا عن نفوذ تصرفاته، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي في المقتضى.

و هذا الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال بالصحيحة على نفوذ بيع الراهن بسقوط حق المرتهن، فتكون الصحيحة مؤيدة.

(2) وجه الدلالة: ظهور الرواية في أن عقد النكاح لمّا لم يجب الوفاء به حال حدوثه- لكونه تصرفا في ملك السيد بغير إذنه- كان كذلك بقاء، و لا يقتضي العتق دخول هذا العقد في عموم وجوب الوفاء بالعقود. و الظاهر عدم الفرق في هذه الجهة

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 175

(2) وسائل الشيعة، ج 14، ص 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 533

عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيّده بمجرّد (1) عتقه ما لم يتحقق الإجازة (2) و لو بالرضا (3) المستكشف من سكوت السيّد مع علمه (4) بالنكاح، هذا.

و لكنّ الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور (5)، من جهة أنّ (6) عدم تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلّا لمزاحمة حقّ المرتهن المتقدّم على حقّ المالك

______________________________

بين نكاح العبد و بين بيع الراهن، فتكون هذه النصوص دليلا على عدم تأثير فكّ الرهن في ترتب الأثر على البيع السابق.

(1) متعلق ب «صحة».

(2) أي: إجازة السيد قبل العتق، فيكون من أنحاء العقد الفضولي.

(3) متعلق بالإجازة و إشارة إلى الفرد الخفيّ منها، إذ قد تحصل بقول السيد:

«أجزت» و قد تحصل بالفعل الدال على الرضا بنكاح العبد كإهداء شي ء لزوجته، و قد تحصل بمجرد السكوت و عدم إظهار الكراهة.

(4) إذ لو لم يعلم السيد بالنكاح لم يكن سكوته إجازة قطعا، لعدم دلالته على الرضا.

(5) و هو احتمال عدم لزوم بيع الراهن بالفك المتقدم في (ص 528)، و منشأ ضعفه عدم تمامية الوجوه الثلاثة المتقدمة، كما سيظهر.

(6) هذا منع الوجه الأوّل، و حاصله: أنّ عدم نفوذ بيع الراهن إنّما هو لأجل المانع لا لعدم المقتضي، فإذا ارتفع المانع أثّر المقتضي. مثلا: إذا القي الثوب الذي فيه رطوبة مانعة عن الاحتراق في النار، فما دامت الرطوبة باقية لا يحترق الثوب، و أمّا بعد زوال الرطوبة فيحترق بها.

و في المقام تكون أدلة الإمضاء مقتضية لتأثير بيع الراهن في النقل، و عدم فعلية التأثير إنّما هو لوجود المزاحم و هو حق المرتهن المفروض سبقه على البيع، و لكن لا ريب في أن مزاحمة المانع ما دامية لا مطلقة، فمع سقوط حقّه بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا مزاحم، فيؤثّر.

ص: 534

بتسليط (1) المالك، فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي (2)، و إنّما هو (3) من جهة المانع، فإذا زال أثّر المقتضي.

و مرجع ما ذكرنا (4) إلى: أنّ أدلة سببية البيع- المستفادة من نحو أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» و «الناس مسلّطون على أموالهم» «2» و نحوه ذلك (5) عامّة (6)، و خروج زمان الرّهن يعلم أنّه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق، فإذا زال المزاحم وجب تأثير السبب (7).

و لا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع (8)،

______________________________

(1) متعلق ب «حق المرتهن» أي: حقّه الحاصل في الرهن بسبب تسليط الراهن.

(2) المقتضي في مقام الثبوت هو الملك، و المقتضي في مقام الإثبات هو عمومات الصحة، من آية الوفاء و حديث السلطنة.

(3) أي: عدم الأثر، و هو النقل و الانتقال.

(4) أي: كون عدم تأثير بيع الراهن لمزاحمة حق المرتهن، لا لقصور المقتضي.

(5) كآية التجارة عن تراض، و حلّ البيع.

(6) فبيع المال المملوك صحيح، سواء أ كان مرهونا أم لم يكن.

(7) فلو لم يؤثّر لزم عدم كون البيع سببا للتمليك، و هو خلف.

(8) هذا منع الوجه الثاني، و حاصله: عدم جريان استصحاب عدم التأثير هنا، لأن البناء على تأثير البيع السابق- بعد سقوط حق المرتهن- يكون من نقض اليقين باليقين، لا من نقض اليقين بالشك، و ذلك لأنّ مناط المستصحب- أعني به جواز العقد- هو حقّ المرتهن المزاحم للزوم، و المفروض سقوط حقّه و العلم بارتفاعه، و من المعلوم تبعية الحكم بالجواز لمناطه، فيرتفع بانتفاء المناط.

______________________________

(1) المائدة، الآية: 1

(2) عوالى اللئالي، ج 1، ص 222، الحديث: 99 و ج 3، ص 208، الحديث: 49

ص: 535

للعلم (1) بمناط المستصحب و ارتفاعه. فالمقام (2) من باب وجوب العمل بالعام، لا من مقام استصحاب حكم الخاص، فافهم (3).

و أمّا قياس ما نحن فيه (4) على نكاح العبد بدون إذن سيّده، فهو قياس

______________________________

و بعبارة اخرى: يعتبر في صدق «نقض اليقين بالشك» وحدة موضوع القضية المتيقنة و المشكوكة، كاليقين بعدالة زيد يوم الجمعة، و الشك في بقائها يوم السبت. و هذا الأمر غير متحقق في المقام من جهة تبدل الموضوع، لأن المتيقن السابق عدم تأثير بيع الرهن، لكونه متعلق حق الرهانة، و المشكوك اللاحق هو بيع المال الطّلق، لسقوط حق المرتهن عنه، و يعمه الأمر بالوفاء حينئذ.

و بهذا ردّ صاحب الجواهر الاستصحاب، فراجع «1».

(1) تعليل ل «لا مجال» و المناط حق المرتهن، و المستصحب هو عدم التأثير.

(2) هذا نتيجة عدم كون المورد موضوعا لدليل الاستصحاب، و أنّه بعد ارتفاع المانع يرجع إلى العموم.

(3) لعلّه إشارة إلى: أنّ مجرد العلم بارتفاع مناط الحدوث لا يكفي في العلم بارتفاع الحكم الناشئ عنه، لاحتمال كون المناط حكمة غير مطردة، لا علة يدور الحكم معها وجودا و عدما. فالشكّ في بقاء الحكم موجود مع وحدة القضية المتيقنة و المشكوكة.

فالأولى أن يقال: إنّ التخصيص لمّا كان من الأوّل، فبعد زمان التخصيص يرجع إلى العام و إن لم يكن له عموم زماني كما ثبت في الاصول، بعد كون العقد عقد المالك، بخلاف عقد الفضولي و إجازته بعد التملك «2».

(4) غرضه قدّس سرّه منع الوجه الثالث، و هو استفادة الحكم من بطلان نكاح العبد

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 203

(2) راجع هدى الطالب، ج 5، ص 342

ص: 536

مع الفارق، لأنّ المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيّده قصور تصرّفاته عن الاستقلال في التأثير، لا مزاحمة حق السيّد لمقتضى النكاح (1)، إذ (2) لا منافاة بين كونه عبدا و كونه زوجا.

و لأجل ما ذكرنا (3) لو تصرّف العبد لغير السيّد ببيع أو غيره، ثمّ انعتق العبد، لم ينفع في تصحيح ذلك التصرف. هذا [1].

______________________________

بمجرد العتق، و توضيحه: أنّ القياس مع الفارق، حيث إنّ عقد العبد ليس فيه مقتضى الصحة. فعدم نفوذ عقده لأجل عدم المقتضي، لا لأجل المزاحمة مع حق السيّد ليكون من قبيل المانع، كحق الرهن الذي هو مانع عن نفوذ عقد الراهن.

و لأجل عدم المقتضي لا يصح سائر تصرفاته و لو لغير المولى بعد انعتاقه. فلو كان عدم النفوذ لأجل المزاحمة مع حق السيد لكان اللازم نفوذه بمجرد ارتفاع المزاحم أعني الرقية و صيرورته حرّا.

(1) حتى يصح نكاح العبد بارتفاع المزاحم و إجازة السيد أو عتقه، كما يصح بيع الراهن بسقوط حق المرتهن أو إجازته.

(2) تعليل لعدم المزاحمة، و أنّ منشأ بطلان نكاح العبد هو قصور المقتضي، و من المعلوم أن سقوط المانع- و هو حقّ السيد- لا يجبر قصور المقتضي، و لا يوجب تماميته في التأثير.

________________________________________

(3) يعني: و لأجل عدم المقتضي لنفوذ تصرفات العبد، لا ينفع انعتاقه في نفوذ تصرفه لغير المولى أيضا، كما لو اشترى أو باع لزيد بلا إذن مولاه و لا إجازته، فمجرد سقوط حق العبودية بالانعتاق لا يصحّح ذلك التصرف.

هذا ما يتعلّق برد الوجوه الثلاثة المستدل بها على بطلان عقد الراهن بدون إذن المرتهن و إجازته، و عدم الجدوى في سقوط حق الرهانة.

______________________________

[1] لكن الإنصاف عدم شهادة هذا الشاهد بعدم المقتضي، و ذلك لأنّ عدم

ص: 537

و لكن مقتضى ما ذكرنا (1) كون سقوط حقّ الرهانة بالفكّ أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك (2) ناقلا

______________________________

(1) أي: مقتضى كون عدم تأثير بيع المالك لأجل مزاحمة حق المرتهن- و إناطة تأثيره بسقوط حقه- هو ناقلية سقوط حق الرهانة لا كاشفيته، لأن المزاحم و هو حق المرتهن مانع عن التأثير، فما دام موجودا يمتنع تأثير المقتضي، فلا محالة يكون ترتب الأثر من حين سقوط الحق لا من زمان وقوع العقد.

و غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام التنبيه على إشكال كون فك الرّهن ناقلا، و هو منافاته لما ذهب إليه القائلون بلزوم العقد بالفك من جعله كاشفا عن صحة عقد الراهن. فحال الفكّ عندهم حال الإجازة في البيع الفضولي، مع أنّ مقتضى الصناعة الالتزام بالنقل، لئلّا يلزم تعلق حق الرهانة بمال انتقل إلى المشتري، كما تقدم تقريبه في (ص 513) بقوله: «حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن و هو المشترى رهنا للبائع».

و المصنف قدّس سرّه قرّب كون الفك ناقلا، و نظّره بالإجازة الكاشفة في مسألة «من باع ثم ملك» ثمّ قال بتعين القول بالكشف للإجماع.

(2) من موجبات سقوط حق الرهانة، كوفاء الدين، و كضمان الغير له،

______________________________

نفوذ تصرفه يمكن أن يكون لمنافاته لحقّ المولى، حيث إنّه ليس للمملوك أن يحدث عقدا من نكاح أو غيره بلا إذن مولاه و مالكه.

إلّا أن يقال: إنّ مجرد منافاة الحق للتصرف تمنع عن نفوذه ما دام الحق موجودا، و أمّا إذا ارتفع فلا وجه لعدم نفوذ العقد بعد ارتفاعه، إذ شأن المانع المنع عن التأثير ما دام موجودا، لا مطلقا، فلا بد أن يكون عدم النفوذ حتى بعد صيرورته حرّا لأجل عدم المقتضي لصحة العقد، فلاحظ حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه «1».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 191

ص: 538

و مؤثّرا (1) من حينه، لا كاشفا عن تأثير العقد من حين وقوعه- خصوصا (2) بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة (3) ممّن قارب عصرنا: من أنّ مقتضى مفهوم الإجازة إمضاء العقد من حينه- فإنّ (4) هذا غير متحقق في افتكاك الرهن، فهو (5) نظير بيع الفضولي، ثم تملكه للمبيع، حيث إنّه لا يسع

______________________________

و كالحوالة، و الإقالة المسقطة للثمن إن كان الرهن على ثمن في ذمة المشتري.

(1) هذا معنى النقل، لأنّ الإسقاط و السقوط كالإيجاد و الوجود، فلا يؤثّر السقوط المتأخر عن العقد إلّا حال تحققه، لا سابقا عليه.

(2) مقصوده بهذه الكلمة أن الكشف في الإجازة على نحوين، فتارة يقال باقتضاء نفس مفهومها إمضاء العقد من حينه، كما هو مختار جماعة. و اخرى بأنّ مقتضى القاعدة في الإجازة هو النقل، و إنّما قيل بالكشف في خصوص البيع الفضولي لأجل التعبد، كما هو مختار المصنف قدّس سرّه.

و على كلا القولين في الإجازة لا بدّ من القول بالنقل في الفك و السقوط، و لكن بناء على القول الأوّل تتأكد مخالفة الفك للإجازة الكاشفة، لحصول المباينة بين مفهوم الفك الذي هو رفع المانع، و بين مفهوم الإجازة الذي هو إمضاء العقد.

(3) كالسيد الطباطبائي و المحقق القمي قدّس سرّهما، و تقدم كلامهما في أوّل بحث الإجازة، فراجع «1».

(4) تعليل لقوله: «لا كاشفا عن تأثير العقد» يعني: فإنّ اقتضاء الإجازة- مفهوما أو تعبدا لإمضاء العقد من حينه- غير جار في الفك و الإسقاط.

(5) أي: فبيع الراهن ثم فكّه يكون نظيرا لمسألة «من باع ثم ملك».

و وجه المماثلة بينهما: أنه- بناء على كاشفية الإجازة في مطلق العقود الفضولية- لا بد من التصرف في مدلولها بجعل إجازة الفضولي- الذي تملّك المبيع-

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 16

ص: 539

القائل بصحته (1) إلّا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأوّل (2)، لا من حين العقد (3)، و إلّا (4) لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه، كما كان يلزم في تلك المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من حين العقد، هذا.

و لكن (1)

______________________________

كاشفة عن انتقال المال إلى المشتري من زمان دخوله في ملك الفضولي، كما لو باع زيد يوم الخميس مال عمرو من بكر، ثم اشتراه يوم الجمعة من عمرو، و أجاز يوم السبت بيع يوم الخميس، فانتقال المبيع إلى بكر يكون من يوم الجمعة لا من يوم الخميس، إذ لو كشفت إجازته عن دخول المال في ملك بكر من يوم الخميس لزم اجتماع مالكين على مال واحد، و هو ممتنع.

(1) أي: بصحة بيع الفضولي ثم تملكه للمبيع. و أما القائل ببطلانه كالمحقق صاحب المقابس ففي سعة من محذور اجتماع المالكين.

(2) و هو عمرو في المثال المتقدم، الذي انتقل المال عنه يوم الجمعة إلى الفضولي.

(3) و هو عقد الفضولي يوم الخميس.

(4) أي: و إن كان فكّ الرهن كاشفا عن تأثير بيع الراهن حال حدوثه لزم كون ملك المشتري رهنا للبائع.

(5) أي: لو قلنا بكاشفية الإجازة في «مسألة من باع ثم ملك و أجاز» عن تأثير بيع الفضول حال حدوثه- أي يوم الخميس- لزم اجتماع مالكين على المبيع، أحدهما المشتري بمقتضى كاشفية الإجازة، و الآخر المالك- و هو عمرو- ليصحّ منه البيع يوم الجمعة.

(1) استدراك على قوله: «و لكن مقتضى ما ذكرنا كون سقوط حقّ الرهانة بالفك ناقلا ...» يعني: أن القاعدة تقتضي ناقلية فك الرهن و سقوطه، و لكن مصير

ص: 540

ظاهر كلّ من قال بلزوم (1) العقد هو القول بالكشف.

و قد تقدّم عن القواعد- في مسألة عفو الرّاهن عن الجاني على المرهون-: أنّ الفكّ يكشف عن صحّته (2).

و يدلّ على الكشف أيضا (3): ما استدلّوا به على الكشف في الفضولي:

من أنّ العقد سبب تامّ ... إلى آخر ما ذكره في الروضة و جامع المقاصد (4).

______________________________

القائلين بصحة بيع الراهن- المتعقب بالفك- إلى الكشف يمنعنا من جعل الفك ناقلا.

و عليه يكون حاله حال إجازة المرتهن و إجازة العقود الفضولية.

(1) أي: لزومه بالفك. و الحاصل: أن الفقهاء على قولين، أحدهما: لزوم عقد الرهن، و استكشافه بالفك. و ثانيهما: بطلان عقده و عدم تصحيحه بالفك.

فالقول الثالث- و هو الصحة و كون الفك ناقلا- ممّا لا قائل به. و إن شئت التفصيل فراجع رهن الجواهر «1».

(2) أي: عن صحة العفو، و تقدم كلامه في (ص 521) و الغرض منه ظهور قوله: «فإن انفك ظهر صحة العفو» في كون الفك كاشفا.

(3) يعني: كما دلّ عليه ظاهر كلّ من قال بلزوم العقد بالفك، و صرّح به العلّامة قدّس سرّه، و غرضه أن بعض أدلة كاشفية الإجازة في البيع الفضولي يقتضي- بالأولوية- أن يكون فكّ الرهن كاشفا، لأنّهم استدلّوا هناك «بأنّ العقد سبب تام في التأثير ...» و من المعلوم أنّ عقد الراهن- لكونه مالكا- أولى بالسببية، إذ لا مزاحم إلّا حق المرتهن.

(4) نقله المصنف عنهما في أوّل بحث الإجازة بقوله: «ان العقد سبب تام في الملك، لعموم قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة، فإذا أجاز تبيّن كونه تاما يوجب ترتب الملك عليه، و إلا لزم أن لا يكون الوفاء

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 201- 203

ص: 541

ثم (1) إنّ لازم الكشف- كما عرفت (2) في مسألة الفضولي- لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن (3)،

______________________________

بالعقد خاصة، بل به مع شي ء آخر. و بأنّ الإجازة متعلقة بالعقد فهو رضي بمضمونه و ليس إلّا نقل العوضين من حينه» «1».

(1) بعد ترجيح كون الفكّ كاشفا عن تأثير بيع الراهن، تعرّض المصنف قدّس سرّه لفرع يترتب عليه، و هو: أنه هل يجب على الراهن فك الرهن إمّا بأداء الدين، و إما بتبديله برهن آخر ليتمكن من الوفاء بعقد البيع و تسليم المبيع للمشتري، أم لا يجب ذلك؟

و تقدم نظيره في ثمرات الكشف و النقل بالنسبة إلى وظيفة الأصيل المتعامل مع الفضولي، فلو كان البائع فضوليا كان المشتري هو الأصيل، فقيل بوجوب الانتظار و التربص عليه حتى يجيز المالك أو يرد، بناء على الكشف، و بجواز نقض العقد بناء على النقل.

ففي المقام لا يجوز للراهن- قبل فكّ الرهن- الإقدام على ما يناقض البيع، إمّا بفسخه قولا أو فعلا و ردّ الثمن إلى المشتري، و إمّا بإبطاله بأن يأذن للمرتهن في بيع المرهونة ليستوفي دينه أو لجهة اخرى. و الوجه في عدم جواز فعل المنافي هو كون البيع عقدا للمالك، و لازما من قبله، فيجب الوفاء به حتى ينكشف تماميته بالفك أو سقوط حقّ المرتهن بمسقط آخر.

(2) حيث قال في الثمرات: «و منها: جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل و إن قلنا بأنّ فسخه غير مبطل لإنشائه ... و أمّا على القول بالكشف فلا يجوز التصرف فيه، على ما يستفاد من كلمات جماعة» «2».

(3) و هو أحد الأقوال في المسألة، قال العلّامة قدّس سرّه: «و الأقرب اللزوم- أي

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 74؛ الروضة البهية، ج 3، ص 229؛ هدى الطالب، ج 5، ص 14- 17

(2) هدى الطالب، ج 5، ص 107 و 112

ص: 542

كالمشتري (1) الأصيل، فلا يجوز له (2) فسخه، بل و لا إبطاله بالإذن (3) للمرتهن في البيع.

نعم، يمكن أن يقال (4): بوجوب فكّه من مال آخر، إذ لا يتمّ الوفاء بالعقد

______________________________

لزوم العقود- من جهة الراهن قبل الفك» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه في شرحه: «كما هو خيرة الإيضاح و جامع المقاصد، لأنه صدر منه العقد في حال كونه مالكا، فحقّه أن يكون لازما، و لا مقتضى للجواز إلّا حق المرتهن، و هو منحصر في جانبه، فيختص به، لأنّ العقد فضولي بالنسبة إليه خاصة، دون العاقد الآخر مع الفضولي، فالعقد فيما نحن فيه لازم من جهة الراهن البائع، و المشتري، و جائز من جهة المرتهن خاصة» «2». و اختاره صاحبا المقابس و الجواهر، فراجع «3».

(1) يعني: كلزوم البيع على المشتري من الراهن، و لعلّ المقصود لزوم العقد على المشتري من البائع الفضولي.

(2) أي: للراهن. و الفرق بين الفسخ و الإبطال أن الفسخ إيقاع منوط بالإنشاء و لو فعلا، بخلاف الإبطال فقد يتحقق بالإذن للمرتهن غفلة عمّا أنشأه بنفسه من البيع.

(3) سواء أذن للمرتهن بيع الرهن مرة اخرى من نفس المشتري من الراهن، أو من غيره، و سواء أ كان بقصد استيفاء الدين أم لغاية اخرى.

(4) هذا في مقام الترقي، يعني: لا يجوز للراهن فسخ البيع و لا إبطاله، بل يمكن أن يقال بوجوب فك المرهونة على الراهن من مال آخر، لتوقف وجوب الوفاء ببيعه على ذلك، فوجوب الفك يكون من باب المقدمة.

و من هنا يظهر أن حقّ التعبير أن يكون هكذا: «بل يمكن أن يقال بوجوب

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 113

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 118

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109؛ جواهر الكلام، ج 25، ص 202

ص: 543

الثاني (1) إلا بذلك (2)، فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع.

و يمكن أن يقال (3): إنّه إنّما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه.

و أمّا دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب (4)، و لذا (5) لا يجب على من باع مال

______________________________

فكه ... الخ» لا «نعم» لظهوره في الاستدراك على ما سبق من وجوب الوفاء، مع أنّ مقصوده تثبيته و حرمة نقض البيع.

(1) و هو بيع الراهن، لكونه عقدا ثانيا بالنسبة إلى عقد الرهن.

(2) أي: إلّا بفك هذا الرهن- المبيع حسب الفرض- لتسليمه للمشتري.

(3) غرضه التأمل في وجوب الفك، المتقدم بقوله: «نعم يمكن أن يقال».

و حاصله: أنّ وجوب الوفاء لا يقتضي رفع سلطنة الغير، بل مقتضاه عدم نقض البيع. فإن كان المحل خاليا عن حق الغير و سلطنته ترتّب اللزوم على العقد، و إلّا فوجوب الوفاء ليس إلّا حرمة نقضه، لا إفراغ المحلّ عن سلطنة الغير.

و عليه، فلا يقتضي وجوب الوفاء بالعقد فكّ الرهن.

(4) لعدم كونه من مقتضيات وجوب الوفاء بالعقد، لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما.

(5) أي: و لأجل أن معنى لزوم الوفاء عدم جواز النقض- لا إتمام العقد بتحصيل السلطنة أو طلب الإسقاط من ذي الحق- لا يجب ... الخ.

و توضيح هذا الفرع الذي جعله شاهدا على المقام هو: أنّ الفضول لو باع مال الغير بقصد وقوعه لنفسه، ففيه احتمالان:

أحدهما: كون هذا البيع كسائر العقود الفضولية من أن من بيده أمر العقد إن أجاز، وقع العقد له، و وجب عليه الوفاء به، و لا شأن للفضولي أصلا. و إن ردّه كان إنشاء الفضولي عقدا صوريا، لا عبرة به.

و ثانيهما: كون هذا البيع لازما على الفضولي، و يجب الوفاء به، و لكن لا يجب عليه شراء المال من مالكه مقدمة لإيجاد الشرط- و هو الملك- و تسليم المبيع للمشتري، بل إن اتفق دخوله في ملك الفضولي وجب الوفاء بعقده، و إن

ص: 544

الغير لنفسه أن يشتريه (1) من مالكه، و يدفعه إليه (2) [1]، بناء على (3) لزوم العقد بذلك (4).

و كيف كان (5)، فلو امتنع،

______________________________

لم يتفق ذلك لم يجب.

و ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من جعل هذا الفرع شاهدا للمقام- مبني على الاحتمال الثاني، فيقال: كما لا يجب على الأجنبي إيجاد شرط الوفاء بالعقد، فكذا لا يجب على الراهن إعدام المانع عن نفوذ بيعه، بتخليص المبيع من حقّ الرهانة، هذا.

(1) الجملة في محل رفع على الفاعلية ل «يجب» و ضمائر «يشتريه، مالكه، يدفعه» راجعة إلى مال الغير.

(2) أي: إلى المشتري، المستفاد من السياق.

(3) و أما بناء على بطلان هذا البيع رأسا، أو كونه موقوفا على إجازة المالك- كما ربما يظهر من فروع «من باع ثم ملك» «1»- فلا مجال للاستشهاد به، فكونه شاهدا مبني على الاحتمال الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما ...».

(4) أي: بمجرد بيع مال الغير لنفسه.

(5) يعني: سواء قلنا بوجوب الفك على الراهن أو عدم وجوبه، فلو امتنع الراهن البائع من فكّ الرهن بعد بيعه و كان له مال آخر- سوى الرهن- يمكن فكّ الرهن به، ففيه و جهان:

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، فإنّ العقد هناك ما لم ينتقل المبيع إلى الفضولي لا يصير عقدا له، و من المعلوم أنّ موضوع وجوب الوفاء هو عقد العاقد، و هذا الموضوع كسائر موضوعات الأحكام لا يجب تحصيله، لعدم اقتضاء الحكم وجوب إيجاد موضوعه، بخلاف عقد الراهن، فإنّ العقد عقده، فيجب عليه الوفاء به.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 5، ص 330- 334

ص: 545

..........

______________________________

أحدهما: اقتضاء حق المرتهن جواز بيع العين المرهونة مقدمة لاستيفاء الدّين، و من المعلوم أنّ لازم جواز البيع قهرا على الراهن هو إبطال العقد الصادر من الراهن و المشتري.

ثانيهما: عدم جواز البيع، و لكن بجبر الراهن على فك الرهن بأداء الدين من سائر أمواله.

أمّا جريان الوجهين- بناء على احتمال وجوب فك الرهن- فلما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «1» بما توضيحه: أمّا بيع الرهن- قهرا على الراهن- فلجوازه عند الامتناع من فكّ الرهن و أداء الدين، و الامتناع المجوّز للبيع عليه أعمّ من الاختياري و القهري الناشئ من مبادرته بنقل الرهن إلى غيره بالبيع، فجاز بيع خصوص العين المرهونة لتعلق حق المرتهن بها سابقا على نقل الراهن. و لا يلزم حينئذ بفكّ الرهن من مال آخر.

و أمّا الوجه الثاني- و هو الإجبار على الفك بمال آخر- فلأنّ الواجب على الراهن الذي باع الرهن أن يفكّها منه حتى يسلّم العين للمشتري، و حيث إنّه يمتنع عن الفك، جاز للحاكم أن يجبره عليه، لكونه وليّا على الممتنع.

و أمّا جريان الوجهين- بناء على احتمال عدم وجوب الفك- فلما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه بقوله: «و أمّا على تقدير عدم وجوبه، فالبيع عليه أيضا لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال في إجباره. و وجه دفعه ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله:

جمعا بين حق المشتري و المرتهن اللازمين على الراهن البائع» «2».

و الظاهر أنه قدّس سرّه استظهر من التعليل «بالجمع بين الحقّين» جواز الإجبار على البيع، و هو كذلك. و يبقى الإجبار على الفك خاليا عن الدليل، بعد فرض كون مبنى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 299

(2) غاية الآمال، ص 461

ص: 546

فهل يباع عليه (1)، لحقّ المرتهن، لاقتضاء الرهن ذلك (2)، و إن لزم من ذلك (3) إبطال بيع (4) الرّاهن، لتقدم (5) حق المرتهن، أو يجبر (6) الحاكم الراهن على فكّه من مال آخر، جمعا (7) بين حقّي المشتري و المرتهن (8) اللازمين (9) على الراهن البائع؟

وجهان (10) [1].

______________________________

الإجبار على البيع و الفك هو الاحتمال الثاني أعني به عدم وجوب الفكّ. فكيف يعلّل وجوب الفك بالجمع بين الحقين؟

(1) أي: يباع على الراهن رعاية لحق المرتهن السابق على بيع الراهن.

(2) أي: بيع الرهن قهرا على الراهن الممتنع من أداء دينه و فكّ ماله المرهون.

(3) أي: من بيع الرهن- قهرا على الراهن- لغاية حق المرتهن.

(4) أي: بيع الرهن من المشتري من دون رضا المرتهن.

(5) تعليل لقوله: «يباع عليه».

(6) هذا هو الوجه الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما».

(7) تعليل لجواز الإجبار.

(8) أما حق المرتهن، فلكون العين وثيقة على ما يستحقه من الدين. و هو لازم على الراهن. و أما حقّ المشتري فلاستحقاقه المبيع الذي اشتراه من الراهن ببيع لازم.

فالجمع بين هذين الحقين يقتضي إلزام الراهن بفك الرهن من مال آخر ليخلص المبيع للمشتري.

(9) صفة ل «حقّي» يعين: أنّ الحقّين ثابتان- للمشتري و المرتهن- على عهدة الراهن.

(10) مبتدء مؤخر لقوله: «يباع عليه، أو يجبر» و مجموع الجملة جواب للشرط في قوله: «فلو امتنع».

______________________________

[1] الإنصاف عدم إمكان المساعدة على ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه، و ذلك لأنّ

ص: 547

و مع انحصار (1) المال في المبيع فلا إشكال في تقدم حق المرتهن (2).

______________________________

(1) يعني: أن مصبّ الوجهين المتقدمين هو تملك الراهن مالا آخر- غير الرهن- ليقال بوجوب فكّ الرهن بذلك المال. و أما مع انحصار ماله في العين المرهونة فلا إشكال في تقديم حق المرتهن، و بطلان بيع الراهن.

(2) لتعين حقه في المبيع، إذ ليس للراهن مال آخر حتى يكون مخيرا في وفاء الدين من المرهونة و غيرها.

______________________________

مقتضى وجوب الفكّ هو إجبار الحاكم أو عدول المؤمنين، بل كل أحد- من باب وجوب النهي عن المنكر- على الفك، لا التخيير بين الفك و بين بيع الرّهن عليه، إذ المفروض أنّ بيع الراهن يقتضي وجوب الوفاء الذي هو منوط برفع سلطنة المرتهن بالفك، فيجب عليه الفك. و مع امتناعه عن الفك يجبره الحاكم أو العدول عليه، لكونه ممتنعا عن أداء حقّ الغير.

و مقتضى عدم وجوب الفك- لعدم اقتضاء وجوب الوفاء ذلك بالتقريب المتقدم- هو عدم إجباره على الفك و جواز بيع المرهونة، لاقتضاء الرهن جواز استيفاء الدين من العين المرهونة، و مع الامتناع يجبر على بيعها، و لا وجه لإجبار الراهن على خصوص فكها.

فالمتحصل: أنّه بناء على وجوب الفك يجبر الراهن عليه، و بناء على عدمه يجبر على بيع الرهن.

ص: 548

[مسألة إذا جنى العبد عمدا بما يوجب قتله أو استرقاق كلّه أو بعضه]

مسألة (1) إذا جنى العبد عمدا بما (2) يوجب قتله أو استرقاق كلّه (3) أو بعضه (4)،

______________________________

بيع العبد الجاني عمدا

(1) عدّ بعض الفقهاء تعلق حق المجني عليه برقبة العبد الجاني رابع الامور المخرجة للمال عن الطّلق، و تقدّم في (ص 389 و 396)- فيما لو جنت أمّ الولد على غير مولاها- بيان حكم جنايتها عمدا و خطأ، كما تقدم حكم جناية مطلق المملوك، فراجع.

و المقصود بالبحث هنا مجرّد كون حق الجناية مانعا عن صحة البيع أو عن لزومه، و عدمه. و الأقوال مبنية على بقاء الجاني على ملك مولاه، و عدم اقتضاء الجناية العمدية دخوله قهرا في ملك المجنيّ عليه أو في ملك وليّه، نعم يجوز له الاسترقاق كلّا أو بعضا بقدر الجناية، كما يجوز قتله قصاصا.

(2) أي: باجتماع شرائط القصاص، بأن يكون المجني عليه حرّا مسلما، و تقدم في (ص 389) الإشارة إلى بعض شرائط القصاص.

(3) كما إذا قتل العبد- عمدا- حرّا أو حرّة، أو عبدا أو أمة، أو جنى على طرف من الأطراف، و كانت ديته مستوجبة لقيمة الجاني، فإنّ المجني عليه أو وليّه مخيّر بين قتل الجاني و بين استرقاقه.

(4) كما إذا جنى العبد على طرف من الأطراف، و كانت ديته أقلّ من قيمة العبد، فيسترقّ المجنيّ عليه أو وليّه من الجاني بالنسبة، و التفصيل في محلّه.

ص: 549

فالأقوى صحة بيعه (1)، وفاقا للمحكيّ عن العلّامة (2) و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم (3)، بل في شرح الصيمري: أنّه المشهور (4)،

______________________________

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و اختيرت صحته- أي: صحة البيع- في نهاية الاحكام و التحرير و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و الروضة. و قد سمعت ما في التذكرة. و هو ظاهر جماعة من المحشين و الشارحين، و في الحدائق: أنّه المشهور. قالوا: و البيع حينئذ يكون موقوفا على رضا المجني عليه أو وليه ...» «1».

(2) قال في القواعد: «و يجوز بيع الجاني و إن كان عمدا و عتقه، و لا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» «2».

و قال في التذكرة: «الأقوى بين علمائنا صحة بيع الجاني، سواء كانت جنايته عمدا أو خطأ أوجبت القصاص أو لا، على النفس أو ما دونها» «3».

و المستفاد من كلمات الأصحاب: أن الأقوال في بيعه ثلاثة:

أحدها: الصحة على وجه الجواز.

ثانيها: هي مع اللزوم.

ثالثها: البطلان.

(3) كفخر المحققين قدّس سرّه لعدم التعليق على ما في القواعد، و كصحابي الحدائق و الجواهر «4».

(4) قال في المقابس: «لكنه- أي الصيمري- نسب الجواز- أي جواز البيع-

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266 و لاحظ الدروس الشرعية، ج 3، ص 200؛ جامع المقاصد، ج 4، ص 99؛ الروضة البهية، ج 3، ص 263؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 171

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(3) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 42

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428؛ الحدائق الناظرة، ج 18، ص 458؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 383

ص: 550

لأنّه (1) لم يخرج باستحقاقه للقتل أو الاسترقاق عن ملك مولاه،

______________________________

إلى المشهور، و استدلّ عليه بما يكشف عن اختياره أو الميل إليه» «1».

(1) أي: لأن العبد الجاني لم يخرج عن ملك مولاه، و هذا دليل ما قوّاه من صحة بيع الجاني على وجه الجواز، أي موقوفا على افتكاكه من القتل و الاسترقاق، و ذلك لبقاء الملكية و المالية، إذ مجرّد تعلق الجناية بالعبد لا يخرجه عنهما، فسلطنة المالك على بيعه بلا مزاحم.

و الحاصل: أنّه لا منافاة بين البيع و بين حق الجناية، لتعلقه بالجاني بما أنه جان، لا بما أنّه مملوك لسيده المعيّن. و ليس كحق الرهانة، فإنّه- على ما قيل- يتعلق بالمرهونة بما أنها مملوكة للراهن، فالبيع مناف له. و بهذا يتضح الفرق بين حق الرهانة و بين حق الجناية.

فإن قلت: إنّ القول ببقاء العبد الجاني على ملك سيّده لا يكفي في الحكم بصحة بيعه معلّقا على الافتكاك، و ذلك لأن من شروط البيع قابلية الانتفاع بالمبيع، فلو خرج عن قابليته بطل بيعه رأسا، لا وقوعه موقوفا على إمكان الانتفاع، كالتزامهم ببطلان بيع العبد الآبق من جهة كونه بمنزلة التالف، و كبيع الحيوان المريض المشرف على الموت كما قيل. و لمّا كانت جناية العبد عمدا معرّضة له للقتل أو الاسترقاق- لاستحقاق المجني عليه أو وليّه ذلك، و جواز المطالبة بأحد الأمرين- كان الجاني ملكا لا ينتفع به، بل ساقطا عن التموّل، هذا.

قلت: أوّلا: إنّ جواز القصاص أو الاسترقاق لا يوجب نقصا في جهة من الجهات الدخيلة في النقل و الانتقال- من خروج المبيع عن ملك السيد، أو سقوطه عن المالية، أو كونه مما لا يبذل بإزائه المال، لكون ملكيته في معرض الزوال بالقصاص، أو لكونه متعلقا لحقّ الاسترقاق المنافي للنقل عن ملك السيد- و ذلك:

أمّا عدم خروجه عن ملك السيد بمجرد تحويز استرقاقه، فلأنّ معناه جواز أن

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 96

ص: 551

على ما هو المعروف عمّن عدا الشيخ في الخلاف كما سيجي ء (1).

و تعلّق (2) حقّ المجنيّ عليه به لا يوجب خروج الملك عن قابلية الانتفاع

______________________________

يتملكه المجني عليه، و ليس معناه دخول العبد الجاني في ملك المجني عليه قهرا. كما أن تجويز القصاص ليس بمعنى إسقاط ملكيته، و خروجه عن طرف إضافته إلى السيّد، بل معناه تجويز إعدام الملك. و تقدم نظير هذا في بيع الوقف من أن تجويز بيعه بطروء المسوّغ لا يترتب عليه بطلان الوقفية، بل المبطل هو بيعه خارجا.

و أمّا عدم سقوطه عن المالية- مع كونه مالا في حد ذاته- فلأنّ تجويز القصاص ترخيص في إعدام المال، لا إسقاطه عن المالية فعلا.

و أمّا عدم قبول العبد الجاني لبذل المال بإزائه، فممنوع أيضا، ضرورة عدم تعيّن القتل أو الاسترقاق ليكون بذل المال بإزائه سفهيا و أكلا للمال بالباطل، و ذلك لإمكان العفو، بل ربما يكون العفو موثوقا به «1».

و أمّا منافاة حقّ المجنيّ عليه للبيع فقد تقدم آنفا في الفرق بين حقّي الجناية و الرهانة.

و ثانيا: أن تعلق حق المجني عليه لا يقتضي فساد بيع الجاني من أصله، بل يوجب عدم نفوذه فعلا، و توقّفه على افتكاك العبد عمّا يستحقه المجني عليه من القتل أو الاسترقاق، فإن افتك لزم، و إن لم يفتك- بل قتل أو استرق- كشف عن بطلان بيع السيد عبده الجاني.

(1) سيأتي في (ص 562) نقل إجماع الخلاف- على خروجه عن ملك السيد- بما لفظه: «فإنّه لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل ملكه إلى المجني عليه».

(2) هذا دفع دخل مقدّر، تقدّما بقولنا: «فإن قلت ... قلت» و مقصود المصنف قدّس سرّه ردّ ما أفاده صاحب المقابس قدّس سرّه بقوله: «و التحقيق: أنّه و إن قلنا بكونه مملوكا للمولى صورة، إلّا أنه ليس له أثر معلوم، و لا نفع متبيّن مقداره، لإمكان

______________________________

(1) حاشية المحقق الأصفهاني، ج 1، ص 299

ص: 552

به (1)، و مجرّد (2) إمكان مطالبة أولياء المجنيّ عليه له في كلّ وقت بالاسترقاق أو القتل لا يسقط (3) اعتبار ماليّته.

و على تقدير تسليمه (4)،

______________________________

مطالبة أولياء المقتول بأحدهما- أي القصاص أو الاسترقاق- في كلّ وقت. و مثل هذا يسقط اعتبار ماليّته، و ترفع صلاحيته لما ذكر، إذ مقتضاها الدوام و الاستمرار، كما أشرنا إليه في حكم البيع سابقا» «1».

(1) حتى يكون بذل المال بإزاء هذا الملك- الخارج عن قابلية الانتفاع به- سفهيا.

(2) غرض المستشكل من هذه الجملة إسقاط العبد الجاني عن المالية المقومة للبيع.

(3) خبر قوله: «و مجرّد» و دفع لتوهم سقوطه عن المالية، كما لا مجال لتوهم خروجه عن ملك السيد.

(4) هذا ثاني الوجهين المتقدم بقولنا: «و ثانيا» و الظاهر رجوع الضمير إلى «خروج الملك عن قابلية الانتفاع به» فالمعنى: أنّ تسليم خروج الملك عن قابلية الانتفاع، كما تقدم في كلام المقابس آنفا- مع الالتزام بتعلق حق الغير برقبته- لا يوجب سقوط إضافة الملكية. فالمقصود نقص الملك فعلا، و كون السيد مسلوب السلطنة على عبده الجاني من جهة كون الأمر- في قتله أو استرقاقه أو قبول الفداء أو العفو مجانا- راجعا إلى المجني عليه أو وليّه.

و عليه فالعبد الجاني باق على ملك مولاه متعلقا به حق الغير، كبقاء الرهن على ملك الراهن متعلقا به حق المرتهن. فلو باعه السيد صحّ، لكن لا منجزا، بل موقوفا على افتكاكه عن حقّ المجني عليه، فإن افتك- بالفداء أو العفو- كشف عن لزوم البيع، و إلّا كشف عن بطلانه.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 98

ص: 553

فلا ينقص ذلك (1) عن بيع مال الغير، فيكون (2) موقوفا على افتكاكه [1] عن القتل و الاسترقاق، فإن افتكّ لزم، و إلّا (3) بطل البيع من أصله.

______________________________

و يشهد لبقاء صفة الملكية- و عدم زوالها بالجناية- قوله بعد أسطر: «ان المبيع إذا كان متعلقا لحقّ الغير فلا يقبل» إذ لو كان مراده من ضمير «تسليمه» خروج العبد عن ملك السيد لم يتجه ذلك.

(1) أي: بيع العبد الجاني مع فرض خروج الملك عن قابلية الانتفاع به فعلا.

و وجه عدم كونه أسوأ حالا من البيوع الفضولية المعهودة هو كون الفضولي أجنبيا عن العوضين، و لا ولاية لا عليهما، بخلاف المقام، لفرض بقاء الجاني على ملك السيد، و إن كانت رقبته متعلّق حقّ المجني عليه.

(2) أي: فيكون بيع العبد الجاني موقوفا على افتكاك العبد عن القتل أو الاسترقاق.

(3) أي: و إن لم يفتك- بأن قتله المجنيّ عليه أو استرقّه- كشف عن بطلان البيع من أصله.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الوقوف على الافتكاك غير الصحة التي قوّاها في صدر المسألة، فإنّ صحة عقد الفضولي موقوفة على الإجازة. و ظاهر عبارته هنا الصحة الفعلية. كما أنّ قوله قدّس سرّه بعد ذلك: «فإن افتك لزم» لا يخلو من مسامحة، إذ الصواب أن يقال: «فإن افتكّ صحّ و لزم».

و قوله: «و إلّا بطل البيع من أصله» يدلّ على أنّ المراد بقوله: «فإن افتكّ لزم» هو الصحة المستتبعة للزوم، إذ مقابل البطلان هو الصحة، لا اللزوم. و أما الصحة على وجه اللزوم فقد أشار إليها بقوله: «و يحتمل».

و قد يورد على العبارة أيضا بما في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه بعدم الاستقامة، لأن ضمير «تسليمه» إما أن يعود إلى كلا المنعين- و هما خروج العبد

ص: 554

و يحتمل أن يكون البيع غير متزلزل (1)،

______________________________

(1) هذا إشارة إلى القول الثاني في المسألة، و هو صحة بيعه منجزا، لا موقوفا

______________________________

الجاني عن قابلية الانتفاع و السقوط عن التمول- و إمّا إلى خصوص الخروج عن قابلية الانتفاع.

فعلى الأوّل لا وجه لقوله: «فلا ينقص» إذ بعد تسليم الأمرين يتعيّن البطلان، لا أنه أحسن حالا من البيع الفضولي، ضرورة عدم خروج المبيع الفضولي عن التملك و التمول، و أمّا بيع ما لا نفع فيه أو ما ليس بمتمول فباطل، سواء أ كان أصالة أم فضولا.

و على الثاني لم يتجه قوله: «فإن افتك لزم» إذ بعد تسليم الخروج عن الملك كان بيع السيد فضوليا موقوفا على إجازة المالك الفعلي، و هو المجني عليه كسائر البيوع الفضولية، الواقعة للملّاك بإجازاتهم، و لا دخل للافتكاك في نفوذ البيع السابق أصلا، هذا «1».

لكن يمكن اختيار الشق الثاني كما ذكرناه في التوضيح، و جعل التسليم راجعا إلى الخروج عن قابلية التملك، بأن يكون مراد الشيخ الأعظم منع السيد فعلا عن التصرف في العبد حتى يختار المجني عليه أحد الامور، و ليس في عبارة المتن الخروج عن الملك و الانتقال إلى المجنى عليه حتى يكون بيع السيد فضوليا موقوفا على الإجازة، لا الفك.

و على هذا فلا حزازة في العبارة من جهة التعبير ب «فلا ينقص» باعتبار كون البيع تصرفا في متعلّق حقّ الغير مع بقائه على ملك السيد. و ما أفاده المحقق الإيرواني «من وقوع البيع للمجني عليه و توقفه على إجازته» موافق لما في المقابس من وقوعه له على تقدير الإجازة، لا للسيد الذي لا خيار له في العبد الجاني «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 98

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 192

ص: 555

..........

______________________________

على الفك أو الإجازة، و المحتمل صاحب المقابس قدّس سرّه، و يظهر من قصاص الجواهر «1» وجود القائل به كما نقله فيه عن الفاضل الأصفهاني قدّس سرّه «2».

قال المحقق الشوشتري فيما لو باع المولى عبده الجاني أو رهنه: «و إن كان- أي التصرف- بيعا أو رهنا فلا ريب في أنه لا يرفع الخيار الثابت للولي ... و هل يبطل البيع من أصله؟ أو ينفسخ من حينه، أو يكون كالتلف الطارئ على المبيع، فيثبت الخيار للمشتري مع جهله، للعيب السابق على البيع، لا مع علمه، فيكون كبيع المريض الذي يخاف عليه من الموت إذا مات بعد البيع و القبض، و بيع الأرمد الذي يخاف عليه من العمى، فعمي بعدها و انعتق بذلك، أو يفرّق ... الخ» ثم اختار البطلان، و ردّ الاحتمالات الاخرى، فراجع «3».

و كيف كان فتوضيح ما في المتن من الصحة المنجزة هو: أنّ شرط صحة البيع و لزومه- أعني به كون المبيع ملكا للبائع- موجود، و مقتضاه انتقال الرقبة إلى ملك المشتري، فإن رضي وليّ المجني عليه بالفداء أو عفا فلا كلام. و إن اقتصّ من العبد أو استرقّه جاز. فإن كان المشتري عالما بجنايته الموجبة للقتل أو الاسترقاق كان التلف عليه، و لا يستحق الرجوع إلى البائع بالثمن. و إن كان جاهلا ثبت له الخيار، لأنّ كون العبد معرضا للقتل أو الاسترقاق عيب يوجب الخيار. نظير شراء عبد أرمد مشرف على العمى، لكونه عيبا فيه يستحق المشتري الجاهل به الفسخ.

و حينئذ فإن كان القتل أو الاسترقاق في زمن الخيار- أي قبل علم المشتري بالحال- كان على البائع. و إن كان بعده فهو على المشتري.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 42، ص 138، و يظهر من بيع الجواهر اختيار كونه مراعى، فلاحظ ج 22، ص 384

(2) كشف اللثام، ج 2، ص 272 (الحجرية)

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 101 و 102

ص: 556

فيكون تلفه (1) من المشتري في غير زمن الخيار (2)، لوقوعه (3) في ملكه، غاية الأمر أنّ كون البيع عرضة لذلك (4) عيب يوجب الخيار مع الجهل، كالمبيع (5) الأرمد (6).

إذا عمي، و المريض إذا مات بمرضه.

و يردّه (7): أنّ المبيع إذا كان متعلّقا لحقّ الغير فلا يقبل أن يقع لازما (8)،

______________________________

(1) المراد من تلفه قتله أو استرقاقه، فلا يسلم المبيع للمشتري حينئذ.

(2) إذ لو كان التلف في زمن الخيار كان على البائع، لقاعدة «التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له».

(3) تعليل لكون التلف من المشتري لا البائع، و ذلك في صورتين:

إحداهما: علم المشتري حال البيع بحال المبيع.

و ثانيتهما: جهله به حاله، و لكن علم به بعده و لم يفسخ البيع، لسقوط خيار العيب حينئذ.

(4) أي: كون المبيع عرضة للتلف عيب موجب لخيار المشتري الجاهل بالعيب المشرف عليه.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و الأنسب- كما تقدم عن المقابس- «كبيع الأرمد».

(6) الذي هو في معرض العمى الموجب للانعتاق، و قد عمي بعد البيع، و انعتق بذلك. و كذا المريض الذي يخاف عليه من الموت، و قد مات بعده، فإنّ جهل المشتري بالعيب يوجب الخيار.

(7) أي: و يردّ احتمال صحة البيع على وجه اللزوم: أنّ المبيع- و هو العبد الجاني- قد تعلق به حق الغير، فوقوع بيعه لازما يوجب سقوط الحق، و هو باطل.

فلا محيص عن الالتزام بأحد الأمرين، إما بطلان البيع رأسا، أو وقوفه على الإجازة.

و المتعين هو الثاني. أمّا الصحة فلكون السيد مالكا، و أما إجازة المجني عليه فلتعلق حقه بالعبد.

و على كلّ فلا وجه للالتزام بكون بيع السيد لازما كما زعمه المحتمل.

(8) كما تقدم في حقّ الرهانة أيضا.

ص: 557

لأدائه (1) إلى سقوط حق الغير. فلا بدّ إمّا أن يبطل، و إمّا أن يقع مراعى.

و قد عرفت (2) أن مقتضى عدم استقلال البائع في ماله، و مدخليّة الغير فيه وقوع بيعه مراعى، لا باطلا.

و بذلك (3) يظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين المريض الذي يخاف عليه من الموت، و الأرمد الذي يخاف عليه من العمى الموجب للانعتاق، فإنّ (4) الخوف في المثالين لا يوجب نقصانا في سلطنة المالك مانعا عن نفوذ تمليكه منجّزا، بخلاف تعلق حقّ الغير (5).

اللهم إلّا أن يقال (6): إن تعلّق حقّ المجنيّ عليه

______________________________

(1) أي: لأداء لزوم البيع إلى سقوط حق الغير من المجني عليه و المرتهن.

(2) حيث قال في (ص 554): «فلا ينقص ذلك عن بيع مال الغير، فيكون موقوفا على افتكاكه ... الخ» و غرضه قدّس سرّه تعيين الشق الأخير، و هو الصحة الموقوفة على الافتكاك.

(3) يعني: و بتعلق حق الغير بالعبد الجاني يظهر الفرق بينه و بين المثالين المتقدمين في كلام المحتمل، و هما: بيع المريض المشرف على الموت، و الأرمد المشرف على العمى، حيث إنّ خوف الموت و العمى لا يوجب قصورا في سلطنة المالك، بخلاف حق الغير، فإنّه يزاحم سلطنة المالك، فيمنع من لزوم العقد.

(4) تعليل لظهور الفرق و بيان له. فالحيوان المريض بمرض يخشى منه الموت يصحّ بيعه لتمام سلطنة المالك عليه، و المشتري الجاهل بالحال يثبت له الخيار.

(5) و هو المجني عليه، فإنّ حقه مانع عن نفوذ تمليك السيّد و بيعه منجّزا.

(6) غرضه تأييد ما تقدم في قوله: «و يحتمل» من صحة بيع السيد منجزا و عدم توقفه على فك العبد من حقّ المجنيّ عليه، و كون بيع العبد الجاني و المريض و الأرمد من باب واحد. و حاصله: أن حق الجناية قائم برقبة الجاني أينما كانت، سواء بقي العبد رقّا لسيّده أم انتقل إلى غيره ببيع أو هبة. و للمجني عليه الأخذ بحقّه

ص: 558

لا يمنع من نفوذ تمليكه (1) منجّزا، لأنّ للبائع سلطنة مطلقة (2) عليه، و كذا للمشتري، و لذا (3) يجوز التصرف لهما فيه من دون مراجعة ذي الحق، غاية الأمر أنّ له (4) التسلّط على إزالة ملكهما، و رفعه (5) بالإتلاف أو التملّك (6) [التمليك]. و هذا (7) لا يقتضي وقوع العقد مراعى، و عدم استقرار الملك.

و بما ذكرنا (8) ظهر الفرق بين حقّ المرتهن المانع من تصرّف الغير،

______________________________

- من القصاص أو الاسترقاق- أينما وجد العبد.

و عليه فمقتضى سلطنة المالك على ماله نفوذ بيع العبد الجاني، من دون مراعاته بإجازة المجني عليه، أو بافتكاكه. كما أنّ للمشتري سلطنة التصرف فيه بذلك ما لم يكن مفوّتا.

(1) أي: تمليك المولى العبد الجاني منجّزا، لا مرعيّا بالافتكاك.

(2) بمقتضى حذف المتعلق في حديث «الناس مسلطون على أموالهم» مع عدم نهوض حجة على التقييد.

(3) أي: و لأجل ثبوت السلطنة المطلقة- للبائع و المشتري- على العبد الجاني، ينفذ تصرفهما فيه منجزا.

(4) أي: أنّ لذي الحق سلطنة على إزالة ملك البائع و المشتري، لثبوت الولاية للمجني عليه شرعا.

(5) معطوف على «التسلط» أي: له رفع ملك البائع أو المشتري بالإتلاف، و هو قتل العبد الجاني.

(6) أي: الاسترقاق. و ما في نسختنا أولى ممّا في أكثر النسخ من «التمليك».

(7) أي: ثبوت التسلّط للمجني عليه- على إزالة الملك- لا يقتضي تزلزل ملك المشتري، و كون لزومه مراعى بالافتكاك. و عليه فلا يبقى فرق بين ما نحن فيه و بين الخوف في المثالين- و هما بيع الأرمد و المريض- في كون البيع منجّزا.

(8) أي: بعدم مانعية حق الجناية عن نفوذ التمليك المنجّز- لكون البائع سلطانا مستقلا في التصرف في ماله- ظهر الفرق بين حق الجناية و بين حق الرهانة،

ص: 559

و حقّ (1) المجنيّ عليه غير المانع فعلا، غاية الأمر أنّه (2) رافع [مانع] شأنا.

و كيف كان (3)، فقد حكي عن الشيخ في الخلاف البطلان، فإنّه قال فيما حكي عنه: «إذا كان لرجل عبد، [جان] (4) فجنى، فباعه مولاه بغير إذن المجنيّ عليه، فإن كانت جنايته (5) [جناية] توجب القصاص فلا يصح البيع،

______________________________

حيث إنّ المالك الراهن محجور عن التصرف في المرهونة بدون إجازة المرتهن أو إذنه، هذا.

لكن الإنصاف أنّ هذا الفرق بحسب القواعد غير فارق، لعدم منافاة بين حق الرهانة و بين بيع المرهون، لإمكان تعلق الحق بالعين أينما كانت كحق الجناية.

فالأولى الاستناد في الفرق بينهما إلى ما ثبت بالتعبد من ممنوعية الراهن و المرتهن عن التصرف.

(1) معطوف على «حق المرتهن» فحق المجنيّ عليه لا يمنع صحة تصرف البائع و المشتري فعلا بحيث يكون مراعى بإجازة ذي الحق أو الافتكاك.

(2) أي: أنّ حق المجني عليه رافع شأني، و له اقتضاء رفع تصرف السيد- بالبيع- أو المشتري. و من المعلوم أن المانع الشأني- أي قبل الأخذ بحقّ الجناية بالقتل أو الاسترقاق- لا يزاحم تأثير بيع السيد في النقل إلى الغير.

و قد تحصّل إلى هنا اقتضاء القاعدة للقول بلزوم بيع العبد الجاني، هذا.

(3) أي: سواء قلنا بالصحة الفعلية أو المرعية، فقول شيخ الطائفة قدّس سرّه مخالف لكليهما، لأنّه ذهب إلى عدم صحة بيع العبد الجاني عمدا.

و غرض المصنف قدّس سرّه التعرض للقول الثالث في المسألة، و هو الفساد، المبني على انتقال العبد عن ملك السيد إلى المجني عليه أو وليّه.

(4) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ كالمصدر «فجنى».

(5) كذا في النسخ، و لكن في الخلاف- في الموضعين- «جناية» يعني: كانت

ص: 560

و إن كانت (1) جنايته [جناية] توجب الأرش صحّ (2) إذا التزم مولاه الأرش».

ثم استدلّ (3) «بأنّه إذا وجب (4) عليه القود فلا يصحّ بيعه، لأنّه قد باع منه (5) ما لا يملكه (6)، فإنّه حقّ للمجنيّ عليه. و أمّا إذا وجب عليه الأرش صحّ (7)، لأنّ رقبته سليمة، و الجناية أرشها، فقد التزمه (8) السيد، فلا وجه يفسد البيع» انتهى «1».

______________________________

جناية العبد عمديّة، فيكون أثرها ثبوت حق القصاص لولي المجني عليه.

(1) معطوف على «فإن كانت» و هذا حكم الجناية الخطائية، لأن الخيار للمولى بين الأرش و تسليم الجاني للمجني عليه.

(2) كذا في المقابس، و في الخلاف: «فإنّه يصح بيعه إذا ...».

(3) يعني: قال الشيخ: «دليلنا: أنه إذا وجب».

(4) يعني: أن العبد الجاني إذا ثبت عليه القصاص لم يصح للمولى بيعه، لأنّه باع ما لا يملكه، و يشمله النهي في: «لا تبع ما ليس عندك» فيبطل.

(5) أي: من قبل نفسه- لا من طرف المجني عليه- و المراد: أن السيد باع من ما لا يملكه.

(6) كذا في النسخ، و في الخلاف: «ما لا يملك، لأن ذلك حق المجني عليه» و على تقدير ثبوت الضمير في «يملكه» فالمرجع و المشار إليه ل «ذلك» هو الموصول المراد به العبد الجاني.

(7) في الخلاف: «فإنّه يصح بيعه، لأنّ رقبته سليمة من العيب».

(8) كذا في النسخ، و في الخلاف: «فقد التزامها».

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 118- 117، كتاب البيوع، المسألة: 198، و حكاه المصنف عن مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

ص: 561

و قد حكي (1) عن المختلف: «أنّه حكى (2) عنه في كتاب الظهار: التصريح بعدم بقاء ملك المولى على الجاني عمدا، حيث قال: «إذا كان عبد قد جنى جناية (3)، فإنّه لا يجزئ عتقه عن الكفارة، و إن كان خطأ جاز ذلك (4). و استدلّ بإجماع الفرقة، فإنّه (5) لا خلاف بينهم أنّه إذا كانت جنايته عمدا ينتقل (6) ملكه إلى المجنيّ عليه، و إن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه» (7) انتهى.

و ربما يستظهر ذلك (8) من عبارة الإسكافي المحكية عنه في باب الرهن،

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس «1»، نقله في القول الأوّل، و هو بطلان بيع العبد الجاني عمدا و عتقه و رهنه.

(2) أي: حكى العلّامة في المختلف عن شيخ الطائفة في ظهار الخلاف.

(3) كذا في النسخ، و لكن في الخلاف و المختلف و المقابس «جناية عمد، فإنّه لا يجزئ إعتاقه».

(4) أي: جاز عتق العبد الجاني عمدا في كفارة الظهار.

(5) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الخلاف و المختلف و المقابس «لأنّه».

(6) كذا في النسخ و المقابس، و في الخلاف و المختلف «أنّه ينتقل» و هذه الجملة هي مبنى حكم شيخ الطائفة بفساد عتق العبد الجاني عمدا، لانتقاله قهرا إلى ملك المجني عليه، و حيث إنه «لا عتق إلّا في ملك» فيبطل عتق السيد.

(7) تتمة عبارة الخلاف هي: «لأنّه عاقلته، و على هذا لا شك فيما قلناه».

(8) أي البطلان، و المستظهر هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، فإنّه بعد نسبة البطلان إلى شيخ الطائفة و العلّامة قدّس سرّهما، قال: «و أيضا هو الظاهر من ابن الجنيد، حيث قال ...» «2».

______________________________

(1) الخلاف، ج 4، ص 546، كتاب الظهار، المسألة: 33؛ مختلف الشيعة، ج 7، ص 443؛ مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95

ص: 562

و هي: أنّ من شرط الرّهن أن يكون الراهن مثبتا لملكه إيّاه، غير خارج بارتداد أو استحقاق الرقبة بجنايته على ملكه» انتهى.

و ربما يستظهر (1) البطلان من عبارة الشرائع أيضا في كتاب القصاص، حيث قال: «إنّه إذا قتل العبد حرّا عمدا، فأعتقه مولاه، صحّ، و لم يسقط القود.

و لو قيل: لا يصحّ لئلّا يبطل حقّ الولي من الاسترقاق، كان حسنا. و كذا (2) بيعه و هبته» انتهى.

لكن يحتمل قويّا (3) أن يكون مراده بالصحة: وقوعه لازما غير متزلزل

______________________________

(1) المستظهر صاحب المقابس أيضا، حيث قال: «و ربما يظهر- يعني البطلان- من باب القصاص من الشرائع أيضا كما سيأتي، و كذا من الغنية و المهذّب».

و الوجه في التعبير ب «ربما» ما نقله في المقابس عن المحقق قدّس سرّه من أنه في كتاب البيع تردّد في جواز بيع العبد الجاني مطلقا، و في كتاب الرهن تردّد في جواز رهنه، ثم قال: «و الأشبه الجواز» و يظهر من القصاص ترجيح المنع، ثم نقل عبارة الشرائع المذكورة في المتن، ثم قال: «و يمكن أن يكون هذا رجوعا عمّا ذكره في الرهن- يعني من ترجيح الجواز- كما أنه رجوع عن تردّده في جواز البيع في كتاب البيع.

و كان هذا أولى» «1».

(2) كذا في النسخ و المقابس، و في الشرائع: «و كذا البحث في بيعه و هبته» يعني: أنّ حكم بيع العبد الجاني عمدا و هبته حكم عتقه، فلو قيل بعدم الصحة في الجميع كان حسنا.

(3) غرضه الخدشة فيما استظهره صاحب المقابس من كلام المحقق في القصاص، من بطلان بيع العبد الجاني عمدا، و أنّ المحتمل قويا أن يريد بقوله: «و لو قيل لا يصحّ» أنّه لا يقع لازما، لظهور تعليل بطلان العتق- بكونه مفوّتا لحق وليّ

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 95- 96؛ شرائع الإسلام، ج 4، ص 209

ص: 563

كوقوع (1) العتق، لأنّه (2) الذي يبطل به حقّ الاسترقاق، دون وقوعه مراعى بافتكاكه عن القتل و الاسترقاق.

و كيف كان (3)، فالظاهر من عبارة الخلاف الاستناد في عدم الصحة إلى عدم الملك، و هو (4) ممنوع، لأصالة بقاء ملكه،

______________________________

المجني عليه- في أن المبطل للحق هو اللزوم، و حيث إنّ العتق لا يقع موقوفا و مراعى فيلغو من أصله. و هذا بخلاف البيع، لإمكان وقوعه مراعى بالافتكاك عن حقّ المجني عليه، فلا مانع من صحته متزلزلا.

و عليه فنسبة فساد البيع إلى المحقق قدّس سرّه لا تخلو من خفاء.

(1) أي: كوقوع العتق لازما أو باطلا، و ليس بينهما متوسط، و هو العتق المراعى بالافتكاك أو الإجازة.

(2) أي: لأن وقوع البيع لازما يبطل حق الاسترقاق و إن لم يبطل حق القصاص.

(3) يعني: سواء أ كان مقصود المحقق من عدم صحة بيع العبد الجاني بطلانه رأسا كما استظهره صاحب المقابس، أو صحته مراعى بالافتكاك كما احتمله المصنف، فالظاهر أن منشأ البطلان عند شيخ الطائفة هو عدم كون السيد مالكا للعبد الجاني متعمدا، لقوله تارة: «لأنّه قد باع منه ما لا يملكه» و اخرى: «ينتقل ملكه إلى المجني عليه»، و من المعلوم اشتراط البيع بالملك.

(4) أي: و عدم الملك ممنوع، و مقصود المصنف الخدشة في دعوى الشيخ بوجهين:

أحدهما: استصحاب ملكية العبد، للشك في ارتفاعها بالجناية العمدية، فتستصحب الملكية.

و ثانيهما: ظهور لفظ «الاسترقاق» في النصوص في بقائه على ملك سيّده بعد الجناية ليسترقّه المجني عليه أو وليّه، إذ لو انتقل العبد إليه بمجرد الجناية لم يبق

ص: 564

و لظهور [و ظهور] (1) لفظ «الاسترقاق» في بعض الأخبار (2) في بقاء الملك.

نعم في بعض الأخبار (3) ما يدلّ على الخلاف.

______________________________

موضوع للاسترقاق المملّك.

(1) معطوف على «أصالة» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و في بعض النسخ «و لظهور» و هما بمعنى.

(2) كصحيح زرارة عن أحد هما عليهما الصلاة و السلام: «في العبد إذا قتل الحرّ دفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه» «1».

و نحوه غيره «2».

(3) كخبر علي بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار، واحدا بعد واحد؟ قال: فقال: هو لأهل الأخير من القتلى، إن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه، لأنّه إذا قتل الأوّل استحق أولياؤه، فإذا قتل الثاني استحق من أولياء الأوّل، فصار لأولياء الثاني. فإذا قتل الثالث، استحق من أولياء الثاني، فصار لأولياء الثالث. فإذا قتل الرابع استحقّ من أولياء الثالث، فصار لأولياء الرابع، إن شاءوا قتلوه، و إن شاءوا استرقوه» «3».

______________________________

[1] هذا لو دار أمر عتق العبد الجاني عمدا بين الصحة فعلا و بين البطلان ليكون مقتضى السياق ذلك في بيعه. إلّا أن القائل بصحة العتق مراعى موجود.

و التعليق على الافتكاك تعليق على واقع لا على متوقع، و هو غير مبطل للإنشاء.

مضافا إلى ما احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه من اختصاص التعليق الممنوع بما يذكر في صيغة العتق، فراجع «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 19، ص 73، الباب 41 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 1

(2) المصدر، ص 74، الحديث: 4

(3) المصدر، ص 77، الباب 45 من أبواب القصاص في النفس، الحديث: 3

(4) جواهر الكلام، ج 42، ص 137

ص: 565

و يمكن أن يكون (1) مراد الشيخ بالملك السلطنة عليه،

______________________________

و استدل به صاحب المقابس قدّس سرّه على مدعاه من اقتضاء الجناية دخول المملوك في ملك أولياء المجني عليه، و أن المراد بالاسترقاق- الذي جعل مقابلا للقصاص- الرضا ببقائه رقّا.

و قال في ذيل هذا الخبر: «و فيه دلالة على المطلوب من وجوه عديدة» «1».

فمنها: قوله عليه السّلام: «هو لأهل الأخير» لظهور اللام في الملك، بناء على أن يكون «استرقوه» بمعنى إبقائه في الرق لا التملك.

و منها: قوله عليه السّلام: «استحق أولياؤه» و «استحق من أولياء الأوّل» و «استحق من أولياء الثاني ...».

و منها: «فصار لأولياء الثاني ...» لظهور الاستحقاق و الصيرورة في التملك القهري.

لكن هذا الخبر معارض بغيره، و التفصيل في القصاص.

(1) غرضه قدّس سرّه توجيه فتوى شيخ الطائفة قدّس سرّه- لمخالفته للمشهور- باحتمال أن يكون مراده من انتقال ملك العبد الجاني إلى المجني عليه هو انتقال السلطنة إليه مع بقاء الرقبة على ملك السيد، فيكون نظير ملك حق الفسخ في بابي الخيار و الشفعة، بمعنى كون ذي الخيار و الشفيع مالكا لأمر البيع، و له الفسخ و الإمضاء، فكذا المجني عليه، لتسلطه شرعا على القصاص أو الاسترقاق أو الرضا بالفداء أو العفو مجانا.

و ربما يكون تعبيره في الخلاف بعد قوله: «قد باع منه ما لا يملكه» ب «فإنّه حق للمجني عليه» ظاهرا في هذا الحمل، بأن أراد من عدم الملك عدم الملك التام المستتبع للسلطنة عليه فعلا [1].

______________________________

[1] لكن يشكل بصراحة قوله في باب الظهار بانتقال ملكه إلى المجني عليه،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 97

ص: 566

فإنّه (1) ينتقل إلى المجنيّ عليه، و يكون (2) عدم جواز بيعه من (3) المولى مبنيّا على المنع عن بيع الفضولي، المستلزم (4) للمنع عن بيع كل ما يتعلق به حق الغير ينافيه (5) السلطنة المطلقة من المشتري عليه، كما في الرّهن (6).

______________________________

و حينئذ فيكون بطلان بيعه- كما ذهب إليه بعض آخر- إمّا لرعاية حق المجنيّ عليه، كما استدلّ به على فساد عتقه، و إما لبطلان الفضولي مطلقا.

(1) أي: فإنّ التسلط على العبد الجاني ينتقل إلى المجني عليه، و يكون السيد كالمحجور عن ماله.

(2) هذا نتيجة الحمل المزبور، يعني: و إن كانت الرقبة ملكا للسيد، إلّا أنّ تعلق الحقّ به يوجب كون بيعه فضوليا، و المعروف عن الشيخ في الخلاف بطلان الفضولي رأسا.

(3) أي: البيع الناشئ من المولى، فحرف الجر نشويّة.

(4) صفة ل «المنع» يعني: أنّ بطلان بيع الفضولي مال الغير يستلزم بطلان بيع متعلّق حق الغير، إذ لو صحّ نقله إلى الغير لزم عدم سلطنة المشتري على المبيع سلطنة مطلقة- لتعلق حق المجني عليه به- مع أنّ مقتضى المبادلة تسلطه عليه مطلقا كتسلط البائع على الثمن.

(5) يعني: أن سلطنة المشتري المطلقة تنافي حقّ الغير المتعلق بالمبيع.

(6) حيث إنّ سلطنة المشتري التامة تنافي حق المرتهن، و لذا قيل ببطلان بيع الرهن، كما تقدم.

______________________________

مع عدم اقترانه بما يوهن دلالته على نقل الرقبة، لا مجرد السلطنة، مع وضوح مقابلة الحق للملك و إن كان كلاهما من سنخ الإضافة الخاصة.

ص: 567

[مسألة إذا جنى العبد خطأ صحّ بيعه على المشهور]

مسألة (1) إذا جنى العبد خطأ صحّ بيعه على المشهور (2)، بل (3) في شرح الصيمري:

«أنّه لا خلاف في جواز بيع الجاني إذا كانت الجناية خطا أو شبه عمد (4)، و يضمن المولى أقلّ الأمرين من قيمته و دية الجناية (5).

______________________________

بيع العبد الجاني خطأ

(1) تقدم في حكم جناية أمّ الولد على غير مولاها خطأ حكم جناية مطلق المملوك كذلك، و أنّ الخيار للسيد بين الفداء و تسليم الجاني إلى المجني عليه للاسترقاق أو البيع، فراجع (ص 396).

(2) كما في الحدائق «1»، و يقابله القول بالبطلان إلّا إذا فداه السيد كما عن ابن إدريس، أو أجازه المجني عليه أو وليه كما عن ابن الجنيد.

(3) غرضه الترقي من شهرة صحة البيع إلى كونها إجماعية، في دعوى الفاضل الصيمري قدّس سرّه.

(4) نقل السيد العاملي قدّس سرّه عنهم- في وجه إلحاق غير العمد بالخطإ- ما لفظه:

«لأنه حق غير مستقر في الجاني، لأنّ للمالك أداؤه من غيره. و لأنّه تعلق به من غير اختيار المالك هنا، فلم يمنع البيع، كالزكاة» «2».

(5) فلو كانت دية جناية العبد أكثر من قيمته لم يضمنها المولى، لأن العبد

______________________________

(1) الحدائق الناظرة، ج 18، ص 458

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265

ص: 568

و لو امتنع (1) كان للمجني عليه أو لوليّه انتزاعه، فيبطل البيع. و كذا (2) لو كان المولى معسرا، فللمشتري (3) الفسخ مع الجهالة، لتزلزل ملكه ما لم يفده المولى» انتهى «1».

و ظاهره (4) أنّه أراد نفي الخلاف عن الجواز قبل التزام السيد.

إلّا أنّ المحكيّ عن السرائر و الخلاف: أنّه لا يجوز (5) إلّا إذا فداه المولى أو

______________________________

لا يجني بأكثر من قيمة نفسه، و ليس المولى عاقلته حتى يضمن الزيادة.

(1) يعني: لو امتنع المولى من أن يفدي عبده بأقل الأمرين، جاز للمجني عليه انتزاع العبد، فإن كان المشتري جاهلا بجناية العبد ثبت له الخيار، و إلّا فلا.

(2) معطوف على «امتنع» يعني: و يجوز للمجني عليه انتزاع العبد من يد المشتري لو لم يمتنع السيد من الفداء بل التزم به، و لكن عجز عن البذل من جهة الإعسار.

(3) هذا نتيجة بطلان البيع بانتزاع العبد من يد المشتري، و له خيار العيب، فيستحق الفسخ و استرداد الثمن من السيد، سواء أ كان جهله بامتناع المولى عن أداء أقل الأمرين، أو بإعسار المولى، و عدم قدرته على الفداء.

(4) غرضه قدّس سرّه أنّ مقتضى إطلاق معقد الإجماع هو صحة بيعه سواء أ كان قبل التزام السيد بالفداء أم بعد التزامه به، و إلّا فجواز البيع بعد ضمان أقلّ الأمرين- من الأرش و دية الجناية- هو المتيقن من الجواز. فالمهمّ إحراز الجواز قبل التزام السيد بالفداء.

و لكن قد يتأمّل في الإجماع بما حكي عن ابن إدريس قدّس سرّه من منع بيع العبد الجاني خطأ قبل أن يفديه السيد أو يلتزم به. و ليس نفس البيع التزاما قهريا بالفداء لينفذ.

(5) أي: لا يجوز البيع، و لكن الضمير يعود إلى كلّ تصرف فيه، و لا خصوصية

______________________________

(1) غاية المرام (مخطوط) ج 1، ص 280

ص: 569

التزام (1) بالفداء «1»، لا أنه (2) إذا باع ضمن (3).

و الأوفق بالقواعد أن يقال بجواز البيع (4)، لكونه ملكا لمولاه، و تعلّق حقّ

______________________________

للبيع، و العبارة منقولة عن ابن إدريس بالمعنى، لأنّه قال في حكم الجاني خطأ:

«و لا يجب على السيد سوى تسليمه إلى أولياء المقتول ... إلّا أن يتبرّع المولى و يفديه الدية. فإذا فداه و ضمن عنه ما جناه جاز له حينئذ عتقه و التصرف فيه.

و قبل ذلك لا يجوز له شي ء من ذلك ... و شيخنا أبو جعفر قائل بذلك، موافق عليه» ثم نقل كلام شيخ الطائفة في رهن الخلاف، فراجع.

(1) لم يظهر من عبارة السرائر كفاية الالتزام بالفداء، لظهور قوله: «يفديه بالدية» في دفع الدية قبل إنشاء البيع، إلّا أن يستفاد كفايته من عطف «ضمن عنه» على «فداه».

(2) أي: لا أنّ السيد إذا باع ضمن الفداء- قهرا- ليصح البيع.

(3) خلافا لجماعة ذهبوا إلى عدم اشتراط صحة بيع السيد بأحد الأمرين قبله من الفداء و الالتزام، لكون نفس التصرف بالبيع و العتق و شبههما التزاما و ضمانا بالفداء، ففي بيع القواعد: «و يكون- أي البيع- في الخطأ التزاما للفداء» «2».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «أما كون بيعه في الخطأ التزاما للفداء، فقد صرّح به في التذكرة و نهاية الاحكام و اللمعة و الروضة و المسالك. و في المبسوط: انه الذي ينبغي، لأنّ الخيار للسيد، فإذا باعه فقد اختار الفداء، فتعيّن عليه ... و احتمل في نهاية الاحكام عدم التزام السيد بالفداء، و قوّاه في موضع من التحرير، لأنّ أكثر ما فيه أنّه التزام بالفداء، فلا يلزمه الفداء، كما لو قال الراهن: أنا أقضي الدين» «3».

(4) محصله- كما تقدم في بيع العبد الجاني عمدا أيضا- هو صحة بيع السيد

______________________________

(1) الحاكي صاحب المقابس، كتاب البيع، ص 95، و أشار إليه في ص 99 و لاحظ: السرائر، ج 3، ص 358؛ الخلاف، ج 3، ص 235، كتاب الرهن، المسألة: 28

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266

ص: 570

الغير لا يمنع عن ذلك (1)، لأنّ كون المبيع مال الغير لا يوجب بطلان البيع رأسا، فضلا (2) عن تعلّق حقّ الغير.

و لعلّ ما (3) عن الخلاف و السرائر مبنيّ على أصلهما من بطلان الفضولي و ما أشبهه من كلّ بيع يلزم من لزومه بطلان حقّ الغير، كما يؤمي إليه (4) استدلال الحلّي على بطلان البيع قبل التزامه و ضمانه: بأنّه (5) قد تعلّق برقبة العبد الجاني، فلا يجوز إبطاله (6). و مرجع هذا المذهب (7) إلى أنّه لا واسطة بين

______________________________

قبل الفداء، موقوفا على فك رقبته من حق الجناية. وجه الصحة: أن تعلق حق الغير بالعبد مع كونه ملكا له لا يوجب بطلان البيع، بل يجعله فضوليا منوطا برضا المجني عليه أو وليّه.

نعم من يقول ببطلان العقد الفضولي رأسا- حتى لو كان المبيع ملكا للبائع، و إنما تعلق به حق الغير- قال به هنا أيضا. و لعلّ منشأ حكم ابن إدريس بعدم جواز البيع قبل تخليص الرقبة من حق الجناية هو منع العقد الفضولي مطلقا.

و هو غير قادح بناء على صحته و وقوفه على الإجازة كما يراه المعظم.

(1) أي: عن جواز البيع.

(2) تقدم آنفا وجه الأولوية المعبّر عنها ب «فضلا».

(3) و هو عدم جواز بيع العبد الجاني خطأ قبل بذل الفداء.

(4) أي: إلى بطلان كل بيع يوجب لزومه و نفوذه ذهاب حق الغير.

(5) متعلق ب «استدلال» و الضمير راجع إلى حقّ المجني عليه.

(6) أي: إبطال حق المجني عليه.

(7) أي: مذهب شيخ الطائفة و الحلي من بطلان بيع ملك الغير أو متعلّق حقه.

فإنّ مآله إلى إنكار الواسطة بين اللزوم و البطلان، فإن صحّ البيع كان لازما، و إن فسد لم يترتب عليه أثر. و أما الصحة المراعاة بالإجازة أو إسقاط الحق فلا يلتزم بها.

ص: 571

لزوم البيع و بطلانه، فإذا صحّ البيع أبطل حقّ الغير (1).

و قد تقدّم غير مرّة (2): أنّه لا مانع من وقوع البيع مراعى بإجازة ذي الحقّ أو سقوط (3) حقّه، فإذا باع المولى فيما نحن فيه قبل أداء الدية أو أقل الأمرين- على الخلاف (4)- وقع مراعى، فإن فداه المولى أو رضي المجنيّ عليه بضمانه فذاك (5)، و إلّا (6) انتزعه المجنيّ عليه من المشتري.

و على هذا (7) فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حقّ المجنيّ عليه.

______________________________

(1) و حيث إنه لا يصح إبطال حق الغير لم يصح البيع، كما تقدم في دعوى القائل ببطلان بيع الراهن قبل الاستيذان.

(2) كقوله في (ص 510): «و بالجملة: فالمستفاد من طريقة الأصحاب- بل الأخبار- أن المنع عن المعاملة إذا كان لحقّ الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الإبطال رأسا، بل إنما يقتضي الفساد، بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلّا من دون مراجعة ذي الحق».

و قوله في (ص 557): «ان المبيع إذا كان متعلقا لحق الغير فلا يقبل أن يقع لازما ... و قد عرفت أنّ مقتضى عدم استقلال البائع في ماله ... وقوع بيعه مراعى، لا باطلا».

(3) معطوف على «إجازة» أي: مراعى بسقوط حق ذي الحق.

(4) تقدم في (ص 397) التعرض لاختلاف كلمات شيخ الطائفة قدّس سرّه في أنّ السيد لو اختار الفداء، فهل الواجب عليه دية الجناية مهما بلغت؟ أو أقل الأمرين من قيمة العبد و الدية.

(5) أي: فصار البيع لازما.

(6) أي: و إن لم يبذل السيد الفداء و لم يرض المجنيّ عليه بضمان السيد لأقل الأمرين و التزامه به، جاز للمجني عليه انتزاع العبد الجاني من المشتري.

(7) يعني: فعلى فرض جواز انتزاعه من المشتري- لعدم مانع من وقوع البيع

ص: 572

قال في كتاب الرهن من القواعد (1): «و لا يجبر السيّد على فداء الجاني و إن رهنه أو باعه، بل يتسلّط المجنيّ عليه (3)،

______________________________

مراعى- لا يوجب البيع ضمان البائع لحق المجني عليه، إذ الضمان موقوف على بطلان حق المجنيّ عليه عن العين بسبب البيع و نفوذه، و المفروض عدم لزوم البيع بمثابة يوجب سقوط حق المجني عليه عن العين، فلا ضمان على البائع بمجرد البيع، من جهة إتلاف حق المجني عليه.

(1) الظاهر أن الغرض من نقل عبارة القواعد الاستشهاد بها على قوله:

«فلا يكون البيع موجبا لضمان البائع حق المجني عليه» لصراحة قول العلّامة قدّس سرّه:

«و لا يجبر السيد» في عدم استلزام صحة بيعه و رهنه استقرار حق المجني عليه على عهدة السيّد، حتى لا يجوز لذي الحق انتزاع العبد من المرتهن أو من المشتري.

(2) حاصله: أنه لو رهن السيد عبده الجاني- بعد جنايته الموجبة لصيرورته متعلق حق الغير- فإن فكّه المولى بأداء قيمة العبد إلى المجني عليه، أو أداء الدية إليه، فلا كلام في صحة الرهن. و إن لم يفكّه- و لم يكن نفس الرهن ضمانا للفداء- تسلّط المجنيّ عليه على انتزاع العبد الجاني من يد المرتهن لاستيفاء حقّه. فإن استوعبت الجناية قيمة العبد بطل الرهن، إذ لم يبق منه شي ء للسيد ليرهنه. و إن لم تستوعبها بطل الرهن في ما يقابل الجناية، كما لو كان قيمة العبد مائة دينار، و دية الجناية خمسين، فيبطل الرهن بالنسبة إلى نصف العبد و يصح في النصف الآخر.

و وجه بطلان الرهن- كلّا أو بعضا- تقدم حق الجناية على حق الرهانة.

(3) حذف هنا لفظ «عليه» أو «على العبد» المتعلق ب «يتسلط» فكأنّ العبارة هكذا «يتسلط المجنيّ عليه عليه» أي: على العبد الجاني، لكن حذف حذرا من تكرار كلمة «عليه». كذا وجّهه في جامع المقاصد و مفتاح الكرامة «1».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 59؛ مفتاح الكرامة، ج 5، ص 92

ص: 573

فإن استوعب الجناية (1) القيمة بطل الرّهن، و إلّا (2) ففي المقابل» انتهى «1».

لكن (3) ظاهر العلّامة في غير هذا المقام و غيره (4) هو: أن البيع بنفسه التزام بالفداء. و لعلّ وجهه (5): أنّه يجب على المولى حيث تعلّق بالعبد- و هو

______________________________

(1) كذا في النسخ الكتاب، و الموجود في نسخ القواعد «استوعب الأرش القيمة».

(2) يعني: و إن لم يستوعب الأرش قيمة العبد بطل الرهن فيما يقابل الأرش، و صحّ في ما لا يقابله.

(3) غرض المصنف قدّس سرّه بيان تضارب آراء العلّامة قدّس سرّه في أن بيع العبد الجاني أو رهنه التزام بالفداء أم لا، ففي رهن القواعد لم يجعلهما التزاما به، و لكن في بيع القواعد تصريحه بالالتزام «2»، و تقدم في (ص 568) نقل عبارة السيد العاملي قدّس سرّه.

(4) يعني: و غير العلّامة، كشيخ الطائفة و الشهيدين، على ما نسب إليهم «3».

(5) أي: وجه كون نفس البيع التزاما بالفداء أنّه يجب ... الخ. و توضيحه: أنّ التخيير بين تسليم الجاني إلى المجني عليه، و بين دفع أقل الأمرين من القيمة أو خصوص الدية- على الخلاف- ثابت للمولى مع إمكان العدلين له، كما هو الحال في الواجبات التخييرية، و أمّا مع عدمه و تعذّر أحد العدلين يتعيّن الآخر لا محالة.

و في المقام لمّا تعذّر تسليم العين إلى المجني عليه- لأنّ وجوب الوفاء بالبيع أوجب تعذر التسليم، فإنّ المانع الشرعي كالعقلي- فيتعيّن الفداء.

فعلى هذا يتجه كلام العلّامة من أنّ البيع التزام بالفداء، هذا.

و لا يخفى أن صاحب المقابس قدّس سرّه وجّه- بمثل ما في المتن- عتق السيد قبل

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110 و 111

(2) المصدر، ص 23

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 266، و هو ظاهر سكوت فخر المحققين و المحقق الثاني، فلاحظ إيضاح الفوائد، ج 1، ص 428، و جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 574

مال من أمواله، و في يده- حقّ (1) يتخيّر (2) المولى في نقله عنه إلى ذمّته، أن (3) يوفّي حقّ المجني عليه، إمّا من العين (4) أو من ذمّته. فيجب عليه إمّا تخليص العبد من المشتري بفسخ أو غيره (5)، و إمّا أن يفديه من ماله. فإذا امتنع المشتري من ردّه- و المفروض عدم سلطنة البائع على أخذه قهرا، للزوم (6) الوفاء بالعقد- وجب (7) عليه دفع الفداء.

و يرد عليه (8):

______________________________

الفداء و إلزامه به، فقال: «و بوجه آخر: انّه لمّا كان مكلّفا بأحد الأمرين- الدفع و الفداء- و لمّا أعتق لم يجز له إبطاله، لوجوب الوفاء بكل عهد و عقد مطلقا، فيتعذّر الدّفع، كما لو أتلفه، فتعيّن الآخر، و هو المطلوب» «1».

(1) فاعل قوله: «تعلّق».

(2) أي: يتخير المولى في نقل الحقّ عن رقبة العبد إلى ذمة نفسه ليبذل الفداء.

(3) مؤوّل بالمصدر، و هو فاعل قوله: «يجب» أي: على المولى أداء حق المجني عليه.

(4) و هو العبد الجاني، و المراد بما في ذمة المولى هو كلّي الفداء الذي التزم به.

(5) من إقالة، أو ابتياعه من المشتري، أو اتهابه منه، أو الصلح عليه.

(6) تعليل لانتفاء سلطنة البائع على استرداد العبد- قهرا- من المشتري.

(7) جواب الشرط في «فإذا امتنع» و المراد بهذا الوجوب هو التعييني، من جهة تعذر عدله- و هو دفع العين إلى المجني عليه- كما عرفته آنفا.

(8) أي: على الوجه المتقدم بقوله: «و لعلّ وجهه» و حاصل الرد: أنّه لا يجب على المولى أن يضمن فداء العبد الجاني قبل بيعه، لأنّ اشتغال ذمة السيد بالفداء إمّا لاقتضاء جناية العبد وجوب الفداء عليه تعيينا، و إما لكون بيعه إتلافا.

و لم يثبت شي ء منهما. أما الفداء فلم يجب على المولى تعيينا، لكونه مخيّرا بينه

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 101

ص: 575

أنّ فداء العبد غير لازم [1] قبل البيع، و بيعه ليس إتلافا له [2] حتى يتعيّن عليه الفداء (1). و وجوب الوفاء (2) بالبيع لا يقتضي إلّا (3) رفع يده، لا رفع يد الغير (4).

بل هذا (5) أولى بعدم وجوب الفكّ من الرّهن الذي تقدم في آخر مسألته

______________________________

و بين تسليم العبد للمجني عليه. و أما الإتلاف فلا موضوع له في المقام، لعدم كون إخراج العبد عن ملك السيد تضييعا لحقّ المجني عليه، حتى تشتغل العهدة بقيمة العبد.

فإن قلت: إنّه يجب على المولى الوفاء بالبيع شرعا و يحرم عليه نقضه، و من المعلوم أن الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، فيكون نفس بيع العبد الجاني إتلافا له على المجني عليه. فإمّا أن يبطل البيع ليتمكن ذو الحق من استيفاء حقّه، و إمّا أن يصحّ، و يلزم تعهد السيد بالفداء. و لمّا كان بيعه صحيحا إجماعا تعيّن كونه التزاما بالفداء.

قلت: إن وجوب الوفاء لا يوجب تعذر استرقاق المجني عليه أو وليّه للجاني حتى يتعين لأجله وجوب الفداء على المولى، و ذلك لأنّ مقتضى وجوب الوفاء بالعقد هو حرمة رفع يده، لا رفع يد الغير، فللمجني عليه رفع اليد عن بيع المولى و استرقاق الجاني.

(1) كما تقدم توضيحه بقولنا: «و أما الإتلاف فلا موضوع له ... الخ».

(2) هذا دفع دخل تقدّما بقولنا: «فإن قلت ... قلت».

(3) كذا في النسخ، و الظاهر سقوط لفظ «الحرمة» قبل «رفع يده».

(4) المراد به المجني عليه، فإنّه غير مخاطب بوجوب الوفاء ببيع مولى الجاني حتى يحرم عليه رفع اليد.

(5) أي: العبد الجاني، و غرضه الترقي من عدم لزوم فداء العبد قبل البيع، إلى

______________________________

[1] لكن الوجوب التخييري كاف في المقصود.

[2] هذا ينافي حكمهم بكون البيع بمنزلة التلف الحقيقي في كثير من الموارد كالمعاطاة.

ص: 576

الخدشة في وجوب الفكّ على الراهن بعد بيعه (1)، لتعلّق (2) الدّين هناك بالذّمّة، و تعلق الحق هنا بالعين، فتأمّل (3).

ثمّ (4) إن المصرّح به في التذكرة،

______________________________

أنّ عدم وجوب فك رقبته أولى من عدم لزوم فك الرهن. وجه الأولوية كون متعلق الدين هو ذمة الراهن، و كون متعلق حق الجناية رقبة الجاني، ينتقل معه حيثما انتقل.

(1) حيث قال في (ص 544): «و يمكن أن يقال: إنّه إنما يلزم الوفاء بالبيع ... و أما دفع حقوق الغير و سلطنته فلا يجب».

(2) فيجب الوفاء الذي يتحقق به افتكاك الرهن، بخلاف المقام، فإنّ الحقّ تعلق بنفس العين لا بذمة المولى حتى يجب عليه الوفاء ليتحقق به الافتكاك.

(3) لعلّه إشارة إلى منع الأولوية، حيث إنّ الدين و إن كان متعلقا بالذمة، لكنّ حق الاستيفاء للدائن تعلّق بالعين، فتكون العين المرهونة كالعبد الجاني أيضا متعلقة للحق.

أو إشارة إلى: كون البيع بمنزلة التلف موجبا لتعين الفداء على المولى.

أو إشارة إلى: سائر الوجوه المحتملة.

(4) هذا من فروع المسألة، و هو أنه لو أقدم المشتري على بذل الفداء إلى المجني عليه تخليصا للعبد من الاسترقاق و البيع، فإن كان بإذن البائع استحق الرجوع عليه، و إن لم يكن بإذن السيد فلا.

هذا لو لم يقصد التبرع، فلو قصده فأولى بعدم الرجوع على البائع.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و لو اختار المشتري الفداء، فله، و البيع بحاله، لقيامه مقام البائع في التخيير. و حكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم قضاء الدين عنه» «1».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 44

ص: 577

و المحكيّ عن غيرها (1): أنّ للمشتري فكّ العبد. و حكم رجوعه إلى البائع حكم قضاء الدين عنه (2).

______________________________

(1) قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «و قال في التحرير: يرجع به عليه مع الإذن خاصة، و به نصّ في المسالك» «1».

(2) من التفصيل بين كون الأداء بإذن من عليه الحق، فيرجع، و بين عدم كونه بإذنه- سوا قصد التبرع- أم لا. قال العلّامة قدّس سرّه: «و من أدّى دين غيره من غير ضمان و لا إذن لم يرجع، و إن أدّاه بإذنه بشرط الرجوع، رجع» «2».

هذا تمام الكلام في بيع العبد الجاني، و به تمّ الكلام في اشتراط العوضين بكونهما طلقا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 102 و لاحظ: تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 281، الطبعة الحديثة)؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 172

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 159- 160

ص: 578

[الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم]

مسألة الثالث (1) من شروط العوضين: القدرة على التسليم (2).

______________________________

القدرة على التسليم

(1) و الشرطان الأوّلان هما المالية و الملكية. و أما الطلقية فممّا يعتبر في الملك، فهي شرط الشرط.

(2) أي: كون تسليم العوضين مقدورا للمتبايعين حال العقد- عند الإطلاق و عدم تقييد القبض و تأخيره إلى مدة- كما يعتبر كونهما معلومين لهما كذلك، فلو كان البائع قادرا على التسليم حين تحقق العقد و طرأ العجز عنه بعده ثبت الخيار للمشتري.

و عليه فتعذر التسليم المانع عن الصحة هو المتحقق حين حدوث العقد، و الموجب للخيار هو المتجدد بعده.

ثمّ إنّ عدّ القدرة على التسليم و التسلم من شرائط العوضين- مع أن القدرة عليهما كالعلم بهما من صفات المتعاقدين- لعلّه من جهة غلبة كون العجز لقصور في العين كالحمام الطائر من قفصه و لا يرجى عوده إليه، و السمكة الواقعة في النهر بعد صيدها، و العبد الآبق، و الجمل الشارد، و نحوها.

فلو كان العجز لقصور في المتعاقدين- كما لو تعاوضا على عين معيّنة و هما في سجن لا يرجى إطلاقهما منه- لم يكن مانعا عن صحة البيع من هذه الحيثية.

ص: 579

فإنّ الظاهر الإجماع على اشتراطها في الجملة (1)، كما في جامع المقاصد (2)، و في التذكرة: «أنّه إجماع» (3). و في المبسوط: «الإجماع على عدم جواز بيع السمك في الماء، و لا الطير في الهواء» (4).

و عن الغنية «أنه إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه تحفّظا ممّا لا يمكن فيه (5) ذلك (6)، كالسمك في الماء، و الطّير في الهواء، فإنّ ما هذه

______________________________

(1) أي: على وجه الإيجاب الجزئي، فلا يرد عليه بخروج بيع العبد الآبق مع الضميمة الذي ادعي الاتفاق على جوازه مع عدم القدرة على تسليمه.

ثمّ إنّ دعوى الإجماع مبنية على عدم قدح خلاف الفاضل القطيفي المنكر لشرطية القدرة على التسليم و التسلم مع علم المشتري بالحال و رضاه بذلك.

(2) يعني: أن المحقق الثاني قدّس سرّه ادّعى الإجماع في الجملة على اشتراط القدرة على التسليم، حيث قال: «فيمكن أن يقال: اشتراط القدرة على التسليم في الجملة ... للإجماع على اشتراط هذا الشرط» «1».

(3) قال فيها: «و هو إجماع في صحة البيع» «2».

(4) كذا في المبسوط، و لكن الظاهر أنّ البطلان لانتفاء الملك قبل الحيازة.

و الأولى للاستشهاد- على اشتراط التمكن من التسليم- هو قوله قدّس سرّه: «إذا باع طيرا في الهواء قبل اصطياده لم يجز، لأنّه بيع ما لا يملكه و لا يقدر على تسليمه. و إن كان اصطاده و ملكه ثمّ طار من يده لم يجز بيعه، لأنه لا يقدر على تسليمه» «3».

(5) الضمير راجع إلى الموصول المراد به المعقود عليه.

(6) أي: أن يكون مقدورا عليه، و المقصود القدرة على تسليمه للمشتري.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 101

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

(3) المبسوط، ج 2، ص 157؛

ص: 580

حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف (1)» «1».

و استدل (2) في التذكرة على ذلك، بأنّه: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر» و هذا غرر «2».

______________________________

(1) هذه الكلمة هي مقصود المصنف قدّس سرّه من نقل عبارة الغنية.

و المتحصل من هذه الكلمات تظافر دعوى الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم، و سيأتي التعرض لسائر ما استدل به على الحكم.

(2) الاستدلال بهذا النبوي على بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه منوط بمقدمات ثلاث:

الاولى: إحراز صدور الخبر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و ظاهر تعبير العلّامة في التذكرة ب «لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن بيع الغرر» ذلك، بل في المصابيح- و نقله في الجواهر بلفظ قيل-: «و قد أجمع عليه المؤالف و المخالف، القائل بحجية خبر الواحد و غيره، كالسيد المرتضى و ابني زهرة و إدريس» «3».

الثانية: اقتضاء النهي عن بيع الغرر للفساد، لا مجرد الحرمة تكليفا غير المنافية للصحة. و قد ادّعى فخر المحققين قدّس سرّه الإجماع عليه، لقوله في بيع المجهول: «فيدخل تحت النهي عن بيع الغرر، الذي يدل على الفساد إجماعا» «4».

الثالثة: صغروية العجز عن التسليم للغرر. و هي ثابتة بوجهين:

أحدهما: استدلال كثير من الفقهاء بالنبوي على حكم بيع مثل السمك في الماء، لظهوره في إحراز غررية بيع ما لا قدرة على تسليمه، و كونه خطريا.

ثانيهما: أنّ معنى الغرر «عمل ما لا يؤمن معه من الضرر» كما في المرسل

______________________________

(1) الغنية، ص 211، و الحاكي عنه العلّامة الطباطبائي في المصابيح (مخطوط)

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 386

(4) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 430

ص: 581

و النهي (1) هنا يوجب الفساد إجماعا، على الظاهر (2) المصرّح به في موضع من الإيضاح، و اشتهار (3) الخبر بين الخاصة و العامة يجبر إرساله.

أمّا كون ما نحن فيه غررا (4) فهو الظاهر من كلمات كثير من الفقهاء و أهل اللغة، حيث مثّلوا للغرر ببيع (5) السمك في الماء و الطّير في الهواء،

______________________________

عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين. و ما ذكره أهل اللغة في معنى هذه الكلمة صادق على بيع غير المقدور تسليمه، و سيأتي في المتن نقل كلمات جماعة من اللغويين.

و بناء على هذه المقدّمات يتجه الاستدلال بالخبر على اعتبار القدرة على تسليم العوضين.

(1) هذا إشارة إلى كبرى استلزام النهي عن المعاملة للفساد، كما تقدم في المقدمة الثانية.

(2) يعني: أنّ الظاهر انعقاد الإجماع على الاستلزام، و إن كان هذا الإجماع مصرّحا به في الإيضاح كما تقدم آنفا.

(3) هذا إشارة إلى المقدمة الاولى، و هي أصالة الصدور، و مقصوده أنّ الخبر المرسل ينجبر ضعفه بشهرته عندنا، و المفروض أنّ هذا النبوي مما رواه الفريقان، كما في المستند «1»، فلا يقصر عن الخبر الواحد الموثوق صدوره عن المعصوم عليه السّلام. و وصفه في الجواهر بأنّه مشهور معتبر متلقّى بالقبول «2».

(4) هذا في مقام إثبات الصغرى، و هي كون غير مقدور التسليم من موارد الغرر، و تقدم آنفا في المقدمة الثالثة.

(5) التمثيل بهما ناظر إلى جهة عدم القدرة، فإنّ الخطر نشأ منه، فلا يرد عليه «بأنّ بيعهما إن كان قبل حيازتهما فلا يصح لعدم الملكية».

______________________________

(1) مستند الشيعة، ج 14، ص 322

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 386

ص: 582

مع أنّ (1) معنى الغرر (2)- على ما ذكره أكثر أهل اللغة- صادق عليه، و المروي (3) عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أنّه عمل ما لا يؤمن معه من الغرور (4) [الضرر]» «1».

و (5) في الصحاح: «الغرّة: الغفلة، و الغارّ: الغافل، و أغرّه، أي أتاه على

______________________________

و يمكن أن يقال: إنّ بيعهما يكون بعد الحيازة و فرارهما، فلا يرد عليه ما ذكر من عدم الصحة لعدم الملكية.

(1) غرضه قدّس سرّه أن تمثيل الفقهاء و أهل اللغة ببيع السمك في الماء إنّما هو لصدق معنى «الغرر» اللغوي عليه، لا لخصوصية في المثالين.

(2) المراد بهذا المعنى هو الخطر، فإنّ بيع السمك في الماء و الطير في الهواء خطري.

(3) يعني: و مع أنّ المروي ... الخ. أمّا صدق المروي عنه عليه الصلاة و السلام على بيعهما فهو في غاية الوضوح.

(4) كذا صحّحت في نسختنا، و هو موافق لما في الطبعة الحجرية من الجواهر (ص 85) و لكن الموجود في الطبعة الأخيرة في النجف الأشرف- وفقا لما في المصابيح- كلمة «الغرر» و لم نقف على ما في المتن من كلمة «الضرر».

________________________________________

(5) هذا مكان الفاء لا الواو كما لا يخفى.

و كيف كان فما يستفاد من كلام أهل اللغة في معنى الغرر- مع الإدغام و بدونه- ثلاثة معان: الغفلة، و الخدعة، و الخطر. و المناسب من هذه المعاني للنبوي المذكور هو الخديعة، لأنّ النهي يقتضي مقدورية متعلقه، و الغفلة و الخطر بمعنى الهلاك- اللذان هما معنيان لغرّ لازما لا متعديا- لا يتعلّق بهما النهي.

فالمتعين كون الغرر في النبوي بمعنى الخديعة. و لا ينافي ذلك في ما كلام

______________________________

(1) لم نجد هذه الرواية في جوامع الأخبار و لا فيما بأيدينا من كتب القدماء الفقهية، و نسبها صاحب الجواهر قدّس سرّه إلى ابن أبي المكارم الفقهي، فلاحظ ج 22، ص 387 و نحوه في المصابيح للسيد الطباطبائي (مخطوط)

ص: 583

غرّة منه، و اغترّ بالشي ء، أي: خدع به، و الغرر: الخطر، و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر، و هو (1) مثل بيع السمك في الماء و الطّير في الهواء ... إلى أن قال (2): و التغرير: حمل النفس على الغرر» انتهى «1».

و عن القاموس ما ملخّصه: «غرّه غرّا و غرورا و غرّة- بالكسر- فهو مغرور و غرير- كأمير-: خدعه و أطعمه في الباطل (3) [بالباطل] ... إلى أن قال (4): غرّ بنفسه تغريرا و تغرّة: أي عرّضها للهلكة، و الاسم: الغرر محركة ... إلى أن قال: و الغارّ الغافل، و اغترّ: غفل، و الاسم: الغرّة بالكسر» انتهى «2».

و عن النهاية- بعد تفسير الغرّة بالكسر بالغفلة- «أنّه نهى عن بيع الغرر، و هو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري، و باطن مجهول. و قال الأزهري:

بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة (5)، و يدخل فيه البيوع التي لا يحيط

______________________________

اللغويين من التمثيل لبيع الغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء، لصدق الخديعة عليهما، فإنّ الخدعة تناسب ما ذكروه في كلماتهم من أنّ الغرر هو «ما له ظاهر محبوب و باطن مكروه» أو «توهم حسن ما هو قبيح واقعا».

(1) أي: و بيع الغرر يكون مثل بيع السمك في الماء.

(2) أي: قال صاحب الصّحاح.

(3) كذا في نسختنا، و في المصدر و بعض نسخ الكتاب «بالباطل».

(4) الضمير الفاعل المستتر هنا و في «قال» الآتي راجع إلى صاحب القاموس.

(5) يعني: أنّ العنوان الجامع للبيوع الغررية المنهيّ عنها شرعا هو عدم تعهد البائع بحصول المبيع في يد المشتري، و عدم وثوقه بالحصول، و أظهر الأمثلة بيع

______________________________

(1) الصحاح، ج 2، ص 768- 769، مادة «غرر»

(2) القاموس المحيط، ج 2، ص 100- 101، مادة «غرر»

ص: 584

بكنهها المتبايعان من كلّ مجهول. و قد تكرّر (1) في الحديث. و منه حديث مطرّف: إنّ لي نفسا واحدة، و إنّي لأكره أن اغرّر بها، أي: أحملها على غير ثقة، و به (2) سمّي الشيطان غرورا، لأنّه يحمل الإنسان على محابّه، و وراء ذلك (3) ما يسوؤه» انتهى «1».

و قد حكي أيضا (4) عن الأساس و المصباح و المغرب و المجمل و المجمع:

______________________________

السمك في الماء. و يشمل عنوان «بيع الغرر» بيع المجهول، و هو ما لا إحاطة للمتبايعين بكنهه و حقيقته.

(1) غرض الأزهري إقامة الشاهد على أن بيع الغرر «ما كان على غير عهدة و لا ثقة»، و يكون معنى جملة «لأكره أن اغرّر بها» كراهة حمل النفس على ما تحب و تشتهي، مع عدم الأمن من وقوعها في ما يسوؤها و يضرّ بها.

(2) أي: بسبب أنّ الغرر هو حمل الإنسان على محابّه- في هذه النشأة الفانية- سمّي الشيطان غرورا.

(3) أي: وراء المحاب و المشتهيات- التي تغرّر الإنسان بها- ما يسوؤه.

(4) يعني: كما حكي عن الصحاح و النهاية. و الحاكي عن الجميع صاحبا المصابيح و الجواهر، ففي الجواهر: «و الغرر فيه- أي في الحديث- الخطر، قاله في الصحاح و المصباح و الأساس و المغرب و المجمل، يقال: هو على غرر، أي:

على خطر» إلى أن قال: «و الظاهر أنّ المراد بالمجهول ما يعمّ مجهول الأصل، و مجهول الحصول، فيوافق ما تقدّم في الصحاح و المجمل و المغرب و مجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء، و الطير في الهواء، و هو نصّ في المدّعى» «2».

و المقصود من نقل عبارة الجواهر الإشارة إلى أن تفسير الغرر بالخطر غير

______________________________

(1) النهاية (لابن أثير) ج 3، ص 355- 356، مادة «غرر»

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 386- 387

ص: 585

تفسير الغرر بالخطر «1»، ممثّلا (1) له في الثلاثة الأخيرة (2) ببيع السمك في الماء و الطّير في الهواء.

و في التذكرة (3): «أنّ أهل اللغة فسّروا بيع الغرر بهذين». و مراده من التفسير التوضيح بالمثال (4). و ليس في المحكي عن النهاية منافاة لهذا التفسير (5)، كما يظهر بالتأمّل.

______________________________

مصرّح به في مجمع البحرين، و لكن يستفاد منه ذلك كما استفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه، و حكاه المصنف عنه، و لو نوقش في الاستظهار فالعهدة على الحاكي لا على الماتن. و الأمر سهل.

(1) حال من «تفسير» أي: أن تفسير الغرر بالخطر مقترن بمثال بيع السمك في الماء.

(2) و هي المغرب للمطرزي، و المجمل لابن فارس، و المجمع للعلّامة الطريحي قدّس سرّه.

(3) عبارة التذكرة: «و فسّر بأنّه بيع السمك في الماء و الطير في الهواء» «2».

(4) كما في المصابيح و الجواهر أيضا، لقوله: «و هو محمول على التمثيل».

و غرض المصنف قدّس سرّه: أن اللغويين لم يحدّدوا مفهوم الغرر بذكر المثالين، بل مقصودهم توضيح المفهوم ببيان المثال و ذكر المصداق، فيمكن أن يصدق مفهوم الغرر على غير المثالين لسعته.

(5) مراده بهذا التفسير هو الخطر. و وجه التنافي بين ما نقله العلّامة قدّس سرّه من تفسير الغرر في اللغة بالمثالين بأن يكون معناه الخطر، و بين ما في النهاية من كون

______________________________

(1) لاحظ: أساس البلاغة للزمخشري، ص 322؛ المصباح المنير للفيومي، ص 445؛ المغرب للمطرزي، ص 338؛ مجمل اللغة لابن فارس، ص 532؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 423

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 51

ص: 586

و بالجملة: فالكلّ متفقون (1) على أخذ «الجهالة» في معنى الغرر، سواء تعلّق الجهل بأصل وجوده، أم بحصوله في يد من انتقل إليه، أم بصفاته كمّا و كيفا (2).

و ربما يقال (3): إنّ المنساق من الغرر المنهي عنه: الخطر، من حيث الجهل

______________________________

الغرر «ما فيه ظاهر غار و باطن مجهول» هو: عدم صدق الغرر على بيع الطير في الهواء، إذ ليس فيه ظاهر يغرّ المشتري و باطن مجهول مغترّ به، بل باطنه غير خفي على المشتري كظاهره. مع صدق المعنى المعروف- و هو الخطر- لعدم العلم بحصول الطير في يد المشتري. و عليه فلا جامع بين المعنيين.

و وجه دفع التنافي: أن التمثيل ببيع الطير و السمك لأجل توضيح معنى الغرر، و لا إختلاف بين التفسيرين، و ذلك لظهور بيع الطير في الهواء في قدرة البائع على التسليم، فإذا ظهر عدمها صدق عليه: أن ظاهره غارّ و باطنه مجهول، فيغتر المشتري بإقدامه على الشراء مع عدم حصول المبيع في يده. و بهذا يظهر وحدة المراد من التفسيرين.

قال في الجواهر بعد نقل عبارة النهاية: «و الظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل و مجهول الحصول».

(1) يعني: أن «الجهالة» تستفاد من تعبيرهم تارة ب «ما له ظاهر غارّ، و باطن مجهول» كما عن النهاية، و اخرى ب «عدم الثقة» كتعريف الأزهري، و ثالثة ب «الخطر الذي لا يوثق بالأمن منه» فلاحظ.

(2) فيدل النبوي على اشتراط العلم بالعوضين كمّا و كيفا فيما كان للعلم بالصفات دخلا في المالية.

(3) القائل صاحب الجواهر، و غرضه الخدشة في دلالة النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه، و محصل ما أفاده قدّس سرّه: أن «الغرر» المنهي عنه و إن كان مطلقا شاملا لكلّ من الجهل بأصل حصول العين و الجهل بصفاتها، إلّا أنّه

ص: 587

بصفات المبيع (1) و مقداره (2)، لا مطلق (3) الخطر الشامل لتسليمه و عدمه، ضرورة (4) حصوله في بيع كلّ (5) غائب، خصوصا (6) إذا كان في بحر و نحوه (7)، بل هو (8)

______________________________

لا بدّ من تقييد كلام اللغويين بخصوص الجهل بصفات المبيع و مقداره، لا مطلق الخطر الشامل للتسليم و عدمه، لانتقاضه بموارد يكون أصل الحصول مشكوكا فيه فيها و مع ذلك يجوز البيع، كالمال الغائب، خصوصا إذا كان في البحر أو الطريق المخوف مثلا، و كالثمار و الزرع مع جواز بيعهما. فلو كان الجهل عامّا لأصل الحصول لم يكن البيع في هذه الموارد جائزا أصلا، مع جوازه الكاشف عن عدم الخطر في بيع المجهول حاله من جهة التسليم و التسلّم. خصوصا مع جبر الخطر المحتمل بخيار المشتري لو تعذّر التسليم.

و عليه فالغرر المنهي عنه لا يشمل الجهل بأصل الحصول كبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء.

(1) نظير شراء مقدار معلوم من حنطة غير مرئية، مع الجهل ببعض الصفات الدخيلة في المالية.

(2) كشراء صبرة من حنطة مجهولة الوزن و الكمّ.

(3) معطوف على «الخطر من حيث ...» و ضمير «تسليمه» راجع إلى المبيع.

(4) تعليل لكون المنساق من الغرر المنهي عنه هو الجهل بالمبيع كمّا أو كيفا، لا ما يعم الجهل بالتسليم.

(5) أي: حصول الخطر في بيع كل مبيع غائب عن مجلس البيع أو عن بلد العقد.

(6) وجه الخصوصية: أنّ الخطر في تسليم المتاع المجهول في السفينة الجارية في اللّجة أعظم من الخطر في تسليم المبيع الموجود في مكان قريب من مجلس المعاملة، كما إذا دنت القافلة من البلد، أو اقتربت السفينة من الساحل.

(7) من الطرق التي يشتد خوف التلف و السرقة فيها كالجبال و الفلوات.

(8) أي: بل الجهل بالتسليم يكون أوضح شي ء في بيع الثمار بعد بدوّ

ص: 588

أوضح شي ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما.

و الحاصل (1): أنّ من الواضح عدم لزوم المخاطرة في مبيع مجهول الحال بالنسبة (2) إلى التسلّم و عدمه، خصوصا بعد جبره (3) بالخيار لو تعذّر» «1».

و فيه (4): أنّ الخطر من حيث حصول المبيع في يد المشتري أعظم من الجهل

______________________________

صلاحها، و بيع الزرع قبل الحصاد و بعده، لاحتمال إصابة آفة بهما، فيعجز البائع عن التسليم. و كذا الحال في غيرهما من المنتوجات المبيعة حالا أو سلفا.

فلو كان بيع مجهول الحال- من جهة التسليم- ممنوعا لأجل الغرر، لزم الحكم بالبطلان، مع جواز بيعها قطعا الكاشف عن عدم صدق الغرر.

(1) هذا من كلام الجواهر أيضا، أفاده بعد نقل النبوي المروي في الدعائم.

(2) يعني: يكون متعلق الجهل هو إمكان التسلّم و عدمه، فلا جهل في خصوصيات المبيع و صفاته كمّا و كيفا.

(3) أي: جبر الخطر الموجود في بيع مجهول الحال. و وجه خصوصية جواز بيعه عدم تضرر المشتري أصلا، لتمكنه من الفسخ بتعذر التسليم.

(4) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلام الجواهر بوجهين:

الأوّل: أنّه لا وجه لكون الغرر المنهي عنه مختصا بالخطر الناشي من الجهل بصفات المبيع كمّا أو كيفا، مع وضوح أنّ الخطر المترتب على جهالة الحصول أعظم مما يترتب على الجهل بالأوصاف. فالنهي عن الغرر من ناحية الوصف يستلزم- بالأولوية- النهي عن بيع ما لا قدرة على تسليمه، فيثبت إطلاق «الغرر» لكل من الجهل بأصل الحصول و بالصفة.

فإن قلت: يمكن منع الإطلاق، لاختصاص الغرر- لغة- بالجهل بالصفات، فهو المنهي عنه، دون الجهل بأصل الحصول، فيبقى بيع ما لا قدرة على تسليمه

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 388

ص: 589

بصفاته (1) مع العلم بحصوله (2). فلا وجه (3) لتقييد كلام أهل اللغة، خصوصا (4) بعد

______________________________

مندرجا في عمومات الصحة كحلية البيع و التجارة عن تراض، و وجوب الوفاء بالعقود.

قلت: لا وجه لرفع اليد عن إطلاق «الخطر» الذي فسّر به الغرر، لتوقف رفع اليد عن أصالة الإطلاق- المعوّل عليها عرفا- على قرينة، و هي مفقودة. بل القرينة على شمول «الخطر» لكلّ من الجهل بالحصول و بالصفة موجودة في كلمات اللغويين، و هي التمثيل لما لا قدرة على تسليمه ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء.

و احتمال أن يكون التمثيل بهما لاعتبار العلم بالمبيع صفة، مندفع باشتهار ذكرهما في كلمات الفقهاء مثالا للعجز عن التسليم.

و الحاصل: أنّه لا موجب لجعل الغرر المنهي عنه مختصّا بالجهل بالصفات كما أفاده صاحب الجواهر قدّس سرّه.

الثاني: أنّ الفريقين استدلّوا بالنبوي المتقدم على اعتبار القدرة على التسليم، كما يظهر من عبارة الانتصار، و من المعلوم منافاة استدلالهم لدعوى اختصاص الغرر فيه بالجهل بمقدار المبيع. فلو سلّم ظهور النبوي في النهي عن خصوص الجهل بالصفات- كما ادعاه في الجواهر- كان ساقطا من جهة إعراض الجميع عنه، إذ لا فرق في كونه موهنا بين السند و الدلالة.

(1) هذا الضمير و ضمير «بحصوله» راجعان إلى المبيع.

(2) الذي ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه بقوله: «ان المنساق من الغرر المنهي عنه ... الخ».

(3) هذا متفرع على إطلاق الغرر لكلا القسمين من الجهل بالحصول، و الجهل بالمقدار، و ليس متفرعا على كون الغرر من ناحية الحصول أعظم منه من ناحية الجهل بالصفات.

(4) وجه الخصوصية: أنّ التمثيل يوجب صيرورة اللفظ كالنصّ في المثال أعني

ص: 590

تمثيلهم بالمثالين المذكورين.

و احتمال (1) إرادتهم ذكر المثالين لجهالة صفات المبيع لا الجهل بحصوله في يده، يدفعه (2) ملاحظة اشتهار التمثيل بهما [1] في كلمات الفقهاء للعجز عن التسليم، لا للجهالة بالصفات، هذا.

مضافا إلى (3): استدلال الفريقين من العامة و الخاصة بالنبوي المذكور على (4) اعتبار القدرة على التسليم، كما يظهر من الانتصار، حيث قال فيما حكي عنه: «و ممّا انفردت به الإماميّة: القول بجواز شراء العبد الآبق مع

______________________________

به الجهل بالحصول. فكأنّ المفهوم من لفظ «الغرر» هو مورد المثال، أو القدر المتيقن منه، على تقدير الإطلاق.

(1) الغرض من الاحتمال منع قول المصنف: «خصوصا» وجه المنع: أنّ المثالين أجنبيان عن كون منشأ الغرر و الخطر الجهل بالحصول، و إنّما ذكر هما اللغويون مثالا للجهل بالمقدار، فيتجه مختار صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(2) خبر قوله: «و احتمال» و تقدم توضيح المطلب بقولنا: «و احتمال أن يكون التمثيل بهما ... مندفع باشتهار ...».

(3) هذا وجه آخر للمناقشة في كلام الجواهر، و تقدم بقولنا: «الثاني: أن فقهاء الفريقين استدلّوا ...».

(4) متعلق ب «استدلال».

______________________________

[1] هذا الاشتهار بين الفقهاء لا يدفع الاحتمال المذكور، إلّا أن يكون تمثيلهم بهما لقرينة ظفروا بها في كلام اللغويين.

لكن هذا مجرد احتمال، و لا يكفي في دفع الاحتمال.

نعم يمكن أن يدّعى انسباق الجهل بأصل الحصول من التمثيل بهما في كلام كلّ من مثّل بهما سواء أ كان لغويّا أم فقيها، هذا.

ص: 591

الضميمة [و لا يشترى (1) وحده، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري (2)] و خالف باقي الفقهاء في ذلك (3)، و ذهبوا إلى أنّه لا يجوز بيع الآبق على كلّ حال ... إلى أن قال: و يعوّل مخالفونا في منع بيعه على أنّه بيع غرر، و أنّ نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن بيع الغرر (4) ... إلى أن قال: و هذا (5) ليس بصحيح، لأنّ البيع يخرجه عن أن يكون غررا: انضمام [لانضمام] (6) غيره إليه» انتهى «1».

و هو (7) صريح في استدلال جميع العامة بالنبوي على اشتراط القدرة على التسليم. و الظاهر اتّفاق أصحابنا- أيضا (8)- على الاستدلال به له، كما يظهر

______________________________

(1) هذه الجملة إلى قوله: «المشتري» لم تكن في نسختنا، و إنّما أثبتناها عن نسخة اخرى، كما في الانتصار.

(2) يعني: يكفي في صحة البيع قدرة المشتري على التسلّم و إن كان البائع عاجزا عن التسليم.

(3) أي: في جواز بيع العبد الآبق مع الضميمة.

(4) هذه الجملة تشهد بأمرين، أحدهما: عمل المخالفين بالنبوي، و ثانيهما:

دلالته على فساد بيع ما لا يقدر البائع على تسليمه، و هو المقصود من نقل عبارة الانتصار.

(5) أي: مذهب المخالفين- من منع بيع الآبق مع الضميمه- ليس بصحيح.

(6) كذا في نسختنا و المصدر، و الأولى ما في بعض النسخ من «انضمام» ليكون فاعلا ل «يخرجه».

(7) أي: ما حكي عن السيد في الانتصار صريح، لقوله: «و يعوّل مخالفونا».

(8) أي: كالمخالفين، و غرضه من هذه الجملة إثبات ما ادعاه بقوله: «مضافا إلى استدلال الفريقين ...» و تقدم في (ص 581) ما نقله صاحب الجواهر عن

______________________________

(1) الانتصار، ص 209، و لم أظفر بمن أراده المصنف من الحاكي لعبارة الانتصار

ص: 592

للمتتبع، و سيجي ء في عبارة الشهيد التصريح به (1).

و كيف كان (2)، فالدعوى المذكورة ممّا لا يساعدها اللغة و لا العرف، و لا كلمات أهل الشرع.

و ما أبعد ما بينه (3) و بين ما عن قواعد الشهيد قدّس سرّه، حيث قال: «الغرر لغة: ما كان له ظاهر محبوب و باطن مكروه. قاله بعضهم (4).

______________________________

المصابيح من إجماع المؤالف و المخالف على هذا النبوي، و استدلالهم به لاعتبار القدرة على التسليم.

(1) أي: بكون الغرر شرعا عدم القدرة على التسليم، لقوله بعد أسطر:

«و شرعا هو جهل الحصول» و قوله أيضا: «و يتعلق الغرر و الجهل ... و تارة بالحصول ...».

(2) يعني: سواء ثبت استدلال الجميع بالنبوي على شرطية القدرة على التسليم، أم لم يثبت، فدعوى الاختصاص بالجهل بالمقدار ممنوعة.

(3) أي: ما بين تقييد الغرر بالجهل بالمقدار- كما تقدم عن الجواهر- و بين ما عن الشهيد قدّس سرّه. و وجه كمال البعد بينهما كون كلام الشهيد مقابلا لكلام الجواهر، حيث إنّ الشهيد خصّ الغرر شرعا بالجهل بأصل الحصول دون الجهل بغيره من الصفات، و صاحب الجواهر خصّ الغرر بالجهل بالصفات دون الجهل بأصل الحصول.

ثمّ إنّ الشهيد قدّس سرّه نبّه في كلامه على امور ثلاثة:

أحدها: معنى الغرر في مصطلح الشرع.

ثانيها: النسبة بينه و بين معناه اللغوي.

ثالثها: عدّ موارد من الجهل بالعوضين، سواء قيل ببطلان العقد فيها أم لا.

(4) أي: بعض اللغويين، و تقدم هذا التفسير عن ابن الأثير، فراجع (ص 584).

و قيل: إن المراد بالبعض هو القاضي عياض.

ص: 593

و منه (1) قوله تعالى: متاع الغرور، و شرعا (2) هو جهل الحصول. و أمّا المجهول المعلوم الحصول و مجهول الصفة (3) فليس غررا. و بينهما (4) عموم و خصوص من وجه، لوجود الغرر بدون الجهل (5) في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل، أو وصف الآن (6). و وجود (7) الجهل بدون الغرر في المكيل

______________________________

(1) أي: و من الغرر- بمعناه اللغوي- قوله تعالى ... الخ.

(2) ظاهره كون جهل الحصول مصطلحا شرعيا للغرر، و هذا ينافي ما تقدم عن الجواهر من عدم صدق الغرر على ما لا قدرة على تسليمه.

(3) خلافا لما في الجواهر من تعيّن الغرر في مجهول المقدار.

(4) أي: بين الغرر الشرعي و بين الجهل بالصفة عموم من وجه، لتصادقهما على العبد الآبق المجهول الصفة، و تفارقهما في موردين:

أحدهما: العبد الآبق المعلوم الصفة، لصدق الغرر الشرعي عليه دون الجهل بالصفة.

و ثانيهما: المتاع المقدر بالكيل أو الوزن أو العدّ، مع عدم اعتباره بشي ء منها بعد، لصدق «الجهل» عليه دون الغرر، لحصوله و القدرة على تسليمه حسب الفرض.

و بالجملة: فعلى ما أفاده الشهيد قدّس سرّه من اختصاص الغرر بالجهل بأصل الحصول لا يستقيم الاستدلال بالنبوي لاعتبار معرفة العوضين كمّا و كيفا، بل يختص بالقدرة على التسليم.

(5) هذا مورد الافتراق من جهة صدق الجهل بالحصول، مع العلم بالوصف، لكونه مشاهدا سابقا، أو موصوفا في زمان إباقه بما يخرجه عن كونه مجهولا كمّا أو كيفا.

(6) كذا في النسخ، و في القواعد: «أو بالوصف الآن» في قبال العلم بوصفه سابقا على العقد.

(7) معطوف على «وجود الغرر» و هذا مورد الافتراق من ناحية عدم صدق

ص: 594

و الموزون و المعدود إذا لم يعتبر. و قد يتوغّل في الجهالة، كحجر لا يدرى أذهب، أم فضّة، أم نحاس، أم صخر (1). و يوجدان معا في العبد الآبق المجهول الصفة (2).

و يتعلّق (3) الغرر و الجهل

______________________________

الغرر الشرعي- للعلم بالحصول- مع كونه مجهول المقدار و الوصف. و المذكور في العبارة للجهل بالوصف مثالان:

أحدهما: عدم العلم بكيل المتاع الحاضر مع تيسّر الكيل و الوزن، و إزاحة الجهل بالمقدار.

ثانيهما: التوغل في الجهالة، كما إذا كان أحد العوضين حجرا لم يعلم- قبل التصفية و التخليص من الزوائد- أنه ذهب حتى يكون ثمينا، أم فضة أم نحاس أم صخر أم غير ذلك مما تختلف أسعارها بما لا يتسامح عرفا، فيصدق الغرر بمعنى الجهل بالوصف، دون الغرر الشرعي.

(1) في بعض نسخ القواعد: «أم صفر» و يكون الفرق بينه و بين مطلق النحاس أنه النحاس الجيّد، أو نوع منه، كما في اللسان «1».

(2) هذا مادة اجتماع الغرر الشرعي و اللغوي، للجهل بكلا الأمرين: الحصول و الوصف.

(3) هذا شروع في الأمر الثالث، و هو عدّ موارد من الجهل، و قسّم الشهيد قدّس سرّه الغرر بلحاظ الموضوع، و عدّ له موارد سبعة، ثمّ بيّن أحكامها.

و على كلّ فالظاهر أنّ مراده بالغرر الذي جعله مقسما لأقسام عديدة هو مطلق الجهل، فيكون عطف «الجهل» على «الغرر» تفسيريا.

و ليس المراد به خصوص معناه الشرعي، و هو «الجهل بالحصول» إذ عليه يشكل التقسيم، لأنّ جملة من الموارد مما يعلم بحصولها، فيلزم منه تقسيم الشي ء إلى

______________________________

(1) لسان العرب، ج 4، ص 461

ص: 595

تارة بالوجود (1) كالعبد الآبق، و تارة بالحصول (2) كالعبد الآبق المعلوم الوجود [وجوده] و بالجنس (3) كحبّ لا يدرى ما هو، و سلعة (4) من سلع مختلفة و بالنوع (5) كعبد من عبيد. و بالقدر (6) ككيل لا يعرف قدره،

______________________________

نفسه و إلى غيره. و هو كما ترى. و لا يلزم هذا المحذور لو كان المقسم هو الغرر بمعنى مطلق الجهل، إذ المقصود حينئذ استيفاء صور الجهل.

(1) هذا المورد الأوّل، و هو الجهل بأصل الوجود، بمعنى عدم العلم بحياة العبد الآبق.

(2) هذا المورد الثاني، و هو الغرر الشرعي بنظر الشهيد قدّس سرّه، للعلم بأصل الوجود، و الشك في حصوله بيد المشتري.

(3) معطوف على «بالوجود». و لعلّ الأولى بالسياق أن يقال: «و ثالثة بالجنس» و كذا ما بعدها.

و كيف كان فهذا هو المورد الثالث، و الظاهر أنّ مراده بالجنس- بقرينة التمثيل بالحبّة- هو الحقيقة و الطبيعة النوعية، لا الجنس المنطقي المندرج فيه حقائق مختلفة، لوضوح أن حبّ الحنطة نوع من جنس الحب، و حبّ الشعير نوع آخر منه، و هكذا سائر الحبوب.

كما أنّ المراد بالنوع في المورد الرابع هو الصنف، لا النوع المقول في المنطق على مثل الإنسان، لأنّ مغايرة العبد الزنجي للرومي بما هو خارج عن الحقيقة الإنسانية، فلكلّ نوع أصناف بلحاظ العوارض.

(4) معطوف على «حبّ» كما إذا وضع متاع في صندوق لم يعلم أنّه ذهب أو فضة أو كتاب أو قماش أو شي ء آخر. فالجهل بحقيقته غرر مفسد للبيع.

(5) معطوف على «بالوجود» أي: و يتعلق الغرر و الجهل رابعة بالنوع أي بالصنف.

(6) معطوف أيضا على «بالوجود» أي: و يتعلق الجهل خامسة بالمقدار، كما

ص: 596

و البيع (1) إلى مبلغ السهم. و بالعين (2) كثوب من ثوبين مختلفين (3). و بالبقاء (4)

______________________________

إذا علم وجود الشي ء و حصوله و جنسه و نوعه، و لكن جهل مقداره، إمّا لكونه مكيلا بكيل يعرف قدره في بلد، دون بلد آخر، لإمكان إختلاف المكاييل كاختلاف الأوزان، كالرطل العراقي و المدني و المكّي، فربما يكال الطعام بما لا يكون معلوما للمتبايعين أو لأحدهما.

هذا بناء على ما في نسخ الكتاب من قوله: «ككيل». و لكن في القواعد:

«كمكيل لا يعرف قدره» و هو أولى، كما إذا بيع الطعام- من الحنطة و الشعير- في بلد بالكيل، و لم يكل بعد، فلا يصح بيعه إلّا بعد ضبط مقداره بالكيل.

(1) معطوف على «كيل» أي: و قد يكون الجهل بقدر مساحة الأرض المبيعة، إذ لا بد من ضبطها بالأذرع أو بالأمتار أو بالجربان، فلا يصح لو بيعت أرض مقدّرة مساحتها بمبلغ رمي سهم مجهول، لعدم انضباط حدّه في قدر معيّن، لاختلافه زيادة و نقصا بإختلاف السهام و القسّي و الرّماة، فيبقى المبيع مجهول المقدار.

و لمّا كانت مساحة الأرض دخيلة في ماليّتها كان بيعها قبل تعيين مسحها بالمقياس- كالأذرع و الأمتار- غرريا. نعم لو كان مبلغ السهم معلوما نوعا جاز بيعها، لخروج المبيع عن المجهولية.

(2) معطوف أيضا على «بالوجود» يعني: و يتعلق الجهل و الغرر سادسة بالعين، كما إذا كان لدى البائع ثوبان مختلفان قيمة، بأن كان قيمة أحدهما دينارا، و الآخر دينارين، فاشترى أحدهما من دون تعيين شخصه، فيبطل، للغرر.

(3) التقييد باختلافهما قيمة واضح الوجه، إذ لو لم يكن إختلاف في القيمة الناشئة من إختلاف الخصوصيات الدخيلة في المالية، صحّ البيع، إذ لا غرر في البين.

(4) معطوف أيضا على «بالحصول» أي: و قد يكون الغرر سابعة في الجهل ببقاء المبيع، مع اعتبار بقائه لتسليمه إلى المشتري، كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح.

فإن بيعت بشرط أن يبدو صلاحها- مستقبلا- لم يصحّ عند الجميع، لكونه

ص: 597

كبيع الثمرة قبل بدوّ الصلاح عند بعض (1) الأصحاب. و لو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا (2) عند الكل، كما (3) لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.

و الغرر (4) قد يكون بما له مدخل ظاهر في العوضين (5)، و هو ممتنع إجماعا.

و قد يكون بما يتسامح به عادة لقلّته، كاسّ الجدار (6) و قطن الجبّة، و هو معفوّ

______________________________

غرريا، من جهة أنه فعل الباري عزّ و جلّ، و هو غير مقدور للبائع، فيصير مجهول الحصول. و إن بيعت من دون اشتراط بدوّ الصلاح، لم يصح عند جماعة، لكونه غرريّا عندهم.

قال ابن حمزة قدّس سرّه: «و الغرر الداخل في بيع السلف، و هو بيع المجر، و هو بيع ما في الأرحام، و ثمرة شجرة بعينها قبل بدو صلاحها سنة» «1».

(1) كشيخ الطائفة في النهاية و ابن الجنيد و الشيخ الصدوق قدّس سرّهم، على ما حكاه مصحّح كتاب القواعد عنهم.

(2) لأنّه فعل غيره، المعلوم خروجه عن حيّز قدرته، فيصير مجهول الحصول.

(3) في كونه غررا عند الكل، لجهالة الحصول.

هذا كله في تقسيم الغرر بلحاظ المتعلق.

(4) غرض الشهيد قدّس سرّه بيان حكم الغرر، أي: ما يكون منه قادحا في صحة المعاملة إجماعا، و ما لا يكون كذلك، و ما هو محل الخلاف بينهم، فالأقسام ثلاثة.

(5) أي: له دخل ظاهر في مالية العوضين بحيث لا يتسامح بها، كالجهل بأنّ هذا الحجر حجر ذهب أم فضة أم نحاس، مع فرض اختلافها مالية بما لا يتسامح فيه عرفا، فيبطل بيعه قبل العلم بحقيقته.

(6) أي: أساس الجدار و أسفله الداخل في الأرض، فلا يعلم استحكام الجدار

______________________________

(1) الوسيلة، ص 246

ص: 598

عنه إجماعا. و كذا (1) اشتراط الحمل. و قد يكون [مرددا] (2) بينهما (3)، و هو محل الخلاف (4)، كالجزاف في مال الإجارة (5) و المضاربة (6)،

______________________________

و مقدار استعداده للبقاء، للجهل بكون الأساس من الطين أو الآجر أو غيرهما ممّا يختلف به أمد بقاء الجدار في عمود الزمان. و لا غرر فيه عرفا.

و كذا لو اشترى جبة و لم يعلم مقدار القطن المحشوّ فيها، و لا كونه جيّدا أو رديئا. فهذا المقدار من الغرر مغتفر فيه، و لا يقدح في المعاملة.

(1) أي: و نحوه في العفو اشتراط الحمل، حيث إنّه تابع للحامل كتبعية الأساس للجدار، كأن يشترط المشتري على البائع كون ما في بطن الحيوان- من نتاج- له، مع عدم العلم بخصوصيته، فهذا غرر متسامح فيه.

(2) لم ترد هذه الكلمة في القواعد، و إنّما وردت في بعض نسخ الكتاب.

(3) أي: بين ما له دخل ظاهر في مالية العوضين و عدم التسامح فيه، و بين ما ليس له هذا الدخل، و لذا يتسامح فيه، فإنّ ما هذا شأنه يكون موردا للخلاف.

و هذا ثالث أقسام الغرر بحسب الحكم، و ذكر له موارد أربعة.

(4) كذا في النسخ، و في القواعد زيادة «في مواضع الخلاف».

(5) يعني: لو كانت الاجرة من المكيل أو الموزون كفت مشاهدتها، و لم يشترط صحة الإجازة بالعلم بمقدارها بضبط كيلها أو وزنها.

قال المحقق قدّس سرّه في شرائط الإجارة: «الثاني: أن تكون الاجرة معلومة بالوزن أو الكيل- فيما يكال أو يوزن- ليتحقق انتفاء الغرر. و قيل: تكفي المشاهدة، و هو حسن» «1». و غرض الشهيد الاستشهاد بما استحسنه المحقق من كفاية المشاهدة عنده، خلافا لمن اعتبر العلم بالمقدار.

(6) يعني: اختلفوا في كفاية المشاهدة في مال المضاربة، و عدمها، قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و حكى في المختلف عن الشيخ- يعني في مبسوطه- القول بجواز المضاربة

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 180

ص: 599

و الثمرة قبل بدوّ الصلاح (1)، و الآبق (2) بغير ضميمة (3)» انتهى «1».

و في بعض كلامه تأمّل (4)،

______________________________

بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة. و قوّاه في المختلف، محتجّا بالأصل، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

المؤمنون عند شروطهم» «2».

(1) هذا مورد ثالث ممّا اختلفوا في كون جهالة المبيع قادحة في الصحة، قال العلّامة قدّس سرّه: «مسألة: إذا باع الثمرة بعد ظهورها قبل بدوّ الصلاح سنة واحدة منفردة- بشرط التبقية أو مطلقا- اختلف علماؤنا في ذلك، فذهب الشيخ في التهذيب و الإستبصار إلى جوازه على كراهية، و به قال المفيد و سلّار و ابن إدريس، و قال الشيخ في النهاية: يبطل البيع ...» «3».

(2) هذا مورد رابع اختلفوا في غرريّته، ففي المختلف: «قال الشيخان: لا يجوز بيع الآبق منفردا، فإن بيع كان باطلا ... و قال ابن الجنيد: لا يشترى وحده، إلّا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري، أو يضمن له البائع. و هو الأقرب» «4».

(3) كذا في القواعد، و في نسختنا «مع الضميمة» و هو سهو من الناسخ، و نبّه السيد الاستاذ قدّس سرّه على أنّ في القواعد: «بغير الضميمة».

(4) إذ في تفسير الغرر شرعا ب «جهل الحصول» ما عرفت من عدم اختصاص الغرر بذلك، و شموله له و للجهل بالصفات.

و كذا في جعل ذلك معنى شرعيا للغرر، إذ لم يعهد كون الغرر حقيقة شرعيّة في ذلك.

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 2، ص 137- 138، القاعدة: 199

(2) مسالك الأفهام، ج 4، ص 357 و لاحظ: المبسوط، ج 3، ص 199؛ شرائع الإسلام، ج 2، ص 139؛ مختلف الشيعة، ج 6، ص 253

(3) مختلف الشيعة، ج 5، ص 195

(4) المصدر، ص 215- 216

ص: 600

ككلامه الآخر (1) في شرح الإرشاد، حيث ذكر في مسألة تعيّن الأثمان بالتعيين

______________________________

و كذا في جعل الجزاف في مال الإجارة و المضاربة من موارد الخلاف، إذ الظاهر عدم التسامح في ذلك، و الالتزام بالبطلان فيها عند المشهور.

(1) الغرض من نقل كلام الشهيد قدّس سرّه التنبيه على المسامحة في تعريف الغرر «بالاحتمال المجتنب عنه عند العرف بحيث يوبّخ على مخالفته».

و توضيح ما أفاده في شرح الإرشاد هو: أنّهم ذكروا في فروع بيع الصرف أنّ الثمن يتعيّن بالتعيين، و لا يجوز للمشتري الإبدال، بل عليه تسليم ما عيّنه ثمنا، خلافا لجماعة من أهل الخلاف، حيث قالوا بعدم تشخصه، و بقائه كلّيّا، بدعوى صيرورة البيع- مع كون الثمن شخصيّا- غرريّا، فيفسد.

و وجه كونه غرريا احتمال تلفه قبل إقباضه للبائع، أو ظهور كونه مستحقا للغير، فيبطل البيع. بخلاف ما لو كان الثمن كلّيّا، فإنّه لا بقدح في الصحة، و يجب الوفاء بالعقد بتسليم فرد آخر من الجنس.

قال العلّامة قدّس سرّه: «الدراهم و الدنانير تتعيّنان بالتعيين، فلو باعه بهذه الدراهم أو بهذه الدنانير لم يجز للمشتري الإبدال بمثلها، بل يجب عليه دفع تلك العين، كالمبيع.

و لو تلفت قبل القبض انفسخ البيع، و لم يكن له دفع عوضها- و إن ساواه- مطلقا، و لا للبائع طلبه ... و به قال الشافعي و أحمد، لاختلاف الأغراض بإختلاف الأشخاص ... و قال أبو حنيفة: لا يتعين بالعقد، بل تتعين بالقبض، و يجوز إبدالها بمثلها، و إذا تلفت قبل القبض لا ينفسخ العقد ...» «1».

و نقل الشهيد قدّس سرّه استدلال القائل بعدم تعيّن الثمن- بتعيين المتبايعين- بحديث النهي عن الغرر، و المفروض انطباق الغرر عليه، لاحتمال تلف هذا الشخص المعيّن أو ظهور كونه ملكا لغير المشتري.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 427- 428

ص: 601

عندنا (1): «قالوا- يعني المخالفين من العامة-: تعيينها غرر، فيكون منهيّا عنه.

أمّا الصغرى (2)، فلجواز عدمها (3) أو ظهورها مستحقّة، فينفسخ البيع. و أمّا الكبرى (4)، فظاهرة ... إلى أن قال: قلنا (5): نمنع الصغرى، لأنّ الغرر احتمال مجتنب عنه في العرف (6)، بحيث لو تركه و بخّ عليه. و ما ذكروه (7) لا يخطر ببال

______________________________

ثم اعترض قدّس سرّه عليه بمنع الصغرى: أي عدم صدق الغرر، إذ ليس «الغرر» مطلق الجهالة، بل هو الاحتمال الخاص، أعني به ما يستحق فاعله اللوم و التوبيخ، و من المعلوم عدم استحقاقهما على بيع شي ء بثمن جزئي معيّن حتى يشمله إطلاق النهي عن بيع الغرر، هذا.

(1) قال في شرح قول العلّامة: «و الأثمان تتعين بالتعيين» ما لفظه: «أقول:

هذا تنبيه على خلاف بعض العامة، فإنّ مذهبه أنّها لا تتعين بالتعيين، بل يجوز أن يسلّم غير ما وقع عليه العقد. و الحقّ أنّها تتعيّن، و إلّا لزم عدم الإيفاء بالعقود ... الخ».

(2) أي: صدق الغرر على تعيين الأثمان.

(3) أي: لجواز عدم الأثمان و فقدانها بسرقة، أو سقوطها من كيسه، فلا تكون موجودة عنده حين إنشاء المعاملة.

(4) و هي عموم النهي عن بيع الغرر.

(5) هذا اعتراض شيخنا الشهيد قدّس سرّه على بعض المخالفين- في هذه المسألة- من العامة.

(6) حاصله: أنّ الغرر ليس مطلق احتمال عدم الحصول و إن لم يعتد به العقلاء حتى يكون احتمال عدم الثمن في المثال غررا، بل خصوص الاحتمال العقلائي. فاحتمال عدم الثمن لا يعدّ غررا، فيصحّ معه البيع.

(7) كذا في نسختنا و أكثر نسخ الكتاب، و لكن في غاية المراد: «و ما ذكر».

ص: 602

فضلا عن اللّوم عليه (1)» انتهى «1».

فإنّ مقتضاه (2): أنّه لو اشترى الآبق

______________________________

(1) هذا ما يتعلق بمنع صغرى الغرر، ثم منع الشهيد قدّس سرّه كبرى النهي عنه، فراجع.

(2) أي: فإنّ مقتضى قوله قدّس سرّه: «لأن الغرر احتمال ...» و هذا تعليل للتأمل في ما نقله عن شرح الإرشاد من تحديد الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب عنه عرفا.

وجه التأمل: أنّ مقتضى كون الغرر احتمال عدم الحصول احتمالا عقلائيا موجبا للوم و التوبيخ- لا مطلقا- هو عدم صدق الغرر على موارد ثلاثة، مع وضوح صدقه عليها، مما يكشف عن موضوعية مطلق جهالة الحصول و إن لم يستتبع توبيخا.

فمنها: شراء العبد الآبق أو الحيوان الضالّ- المرجوّ الحصول- بثمن قليل، كما إذا قوّم العبد بألف دينار فأبق، مع كونه مرجوّ الحصول، فبيع بعشرة دنانير.

فمقتضى اختصاص الغرر بما يستحق اللوم على مخالفته عدم صدق الغرر عليه، لعدم توبيخ العقلاء من أقدم على ذلك، لإقدامهم على الضرر اليسير رجاء للنفع الكثير، مع أنّ المعروف عدم جواز بيع الآبق بلا ضميمة.

و منها: شراء حجر من جواهر الأرض- مردّد بين ذهب و نحاس- بثمن بخس، مع كون قيمة الذهب أضعاف قيمة النحاس.

فإن اختصّ الغرر بجهل الحصول و لم يصدق على الجهل بالصفة- كما تقدّم من الشهيد في قواعده من كون الغرر شرعا جهل الحصول- فلا مانع من بيعه.

و إن عمّمنا الغرر للجهل بالصفة- كما هو المعروف- لزم صحة بيع الفلزّ «2» المزبور

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 74- 75

(2) قال في اللسان في معاني «الفلز» ما لفظه: «و الفلز: الحجارة. و قيل: هو جميع جواهر الأرض من الذهب و الفضة و النحاس و أشباهها، و ما يرمى من خبثها» ج 5، ص 392

ص: 603

أو الضّال (1) المرجوّ الحصول بثمن (2) قليل لم يكن (3) غررا، لأنّ العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء للنفع الكثير.

و كذا (4) لو اشترى المجهول المردّد بين ذهب و نحاس بقيمة (5) النحاس، بناء (6) على المعروف من تحقق الغرر بالجهل بالصفة.

______________________________

بالثمن البخس، لعدم اللوم عليه، مع أنّه لا ريب في صدق الغرر عليه.

و منها: شراء المكيل أو الموزون أو المعدود- قبل العلم بالمقدار- بثمن المقدار المتيقن منه، كما إذا اشترى صبرة من طعام- مردّد بين كونه طنّا أو طنّين- بعشرة دنانير، و هي قيمة الطن الواحد، فيلزم صحته لعدم استتباعه اللّوم، مع أنّ الغرر صادق عليه.

و بالجملة: فلو اختص الغرر بموارد استحقاق التوبيخ لزم عدم كون البيع في الموارد المتقدمة غرريا، مع فساد بيعها عند المشهور، و ليس إلّا للغرر.

(1) قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و في المجمع: الضالّة: اسم للبقر و الإبل و الخيل و نحوها. و لا يقع على اللقطة من غيرها. و في النهاية: هي الضائعة من كل ما يقتنى من الحيوان و غيره» «1».

و المراد بالضّال هنا العبد الضائع المتوقع حصوله، كما أنّ «الضالة» هي ما عدا الأناسي من الحيوان، أو مطلقا.

(2) متعلق ب «اشترى».

(3) جواب «لو اشترى» و اسم «يكن» ضمير راجع إلى الاشتراء.

(4) معطوف على «لو اشترى» و هذا هو المورد الثاني.

(5) متعلق ب «اشترى».

(6) و أما بناء على اختصاص الغرر بالجهل بالحصول- كما فسّره الشهيد قدّس سرّه به- فالمثال خارج موضوعا عن الغرر.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 410، و لاحظ: لسان العرب، ج 11، ص 392

ص: 604

و كذا (1) شراء مجهول المقدار بثمن المتيقّن منه، فإنّ (2) ذلك (3) كلّه مرغوب فيه عند العقلاء، بل (4) يوبّخون من عدل عنه (5) اعتذارا بكونه (6) خطرا.

فالأولى (7): أنّ هذا النهي من الشارع لسدّ باب المخاطرة المفضية إلى التنازع في المعاملات (8)، و ليس (9) منوطا بالنهي من العقلاء ليخصّ مورده بالسفهاء أو المتسفّهة.

______________________________

(1) معطوف أيضا على «لو اشترى» و هذا هو المورد الثالث.

(2) تعليل لقوله: «لم يكن غررا».

(3) أي: الاشتراء في الموارد الثلاثة يكون مرغوبا فيه.

(4) غرضه الترقي من مجرد رغبة العقلاء في الشراء إلى توبيخ عدم الإقدام على شراء العبد الآبق بثمن قليل، و لو اعتذر عن ترك الشراء بكونه خطرا لم يقبل منه، إذ لو ظفر به فقد انتفع كثيرا، و لو لم يظفر به فات منه شي ء قليل، و المفروض أن العقلاء يقدمون على مثله.

(5) أي: عن اشتراء الآبق و الضالّ، و الحجر المردد، و المبيع المجهول المقدار.

(6) أي: بكون الاشتراء- في الموارد الثلاثة- خطرا، و الغرر مجتنب عنه عرفا.

(7) غرض المصنف قدّس سرّه- بعد منع ما أفاده الشهيد من اختصاص الغرر المنهي عنه بالاحتمال المجتنب عنه عند العقلاء- إثبات عموم النهي لكل ما يحتمل ترتب المخاطرة عليه، سواء أ كان منشؤه الجهل بالحصول أو بالصفة أو بغيرهما.

و عليه فالغرر الممنوع شرعا لا يدور مدار كون المعاملة سفهية عرفا، بل يعمّ مثل الموارد الثلاثة التي يقدم العقلاء عليها.

(8) و إن كان مورد إقدامهم عليه رجاء لتحصيل النفع الكثير.

(9) أي: و ليس مناط النهي عن الغرر شرعا هو احتراز العقلاء عنه ليختص مورده بمعاملة السفهاء أو المتسفهة.

ص: 605

ثم إنّه قد حكي عن الصدوق في معاني الأخبار (1): تعليل فساد بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية- كبيع المنابذة و الملامسة و بيع الحصاة- بكونها (2) غررا «1». مع أنّه (3) لا جهالة في بعضها (4) كبيع المنابذة،

______________________________

(1) غرض الشيخ الصدوق قدّس سرّه تطبيق النهي عن بيع المنابذة و الملامسة و الحصاة على القاعدة، بأن يكون فسادها من باب الغرر و الجهالة، لا التعبد المحض، و فقد الصيغة المعهودة في البيع. و وجه صدق الغرر عدم العلم بأنّ المنبوذ أو ما أصابه الحصاة ذو قيمة مرتفعة أو منخفضة، فيبقى الجهل بالمبيع و الثمن بحاله، فيبطل.

(2) متعلق ب «تعليل» و الضمير راجع إلى بعض المعاملات المتعارفة في الجاهلية.

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه في تعليل البطلان- بالغرر- بمنع الصغرى، و توضيحه:

أن الشيخ الصدوق قدّس سرّه فسّر بيع المنابذة بأنه تعيين المبيع بالنبذ، بأن يقول المشتري لبائع الثوب «انبذه إليّ، فإذا رميته فقد وجب البيع» أو يقول البائع للمشتري:

«أنبذه إليك فإذا رميته فقد لزم البيع». و الظاهر كون الثوب المنبوذ معلوما عندهما، فلا جهالة فيه حتى يكون غرريا.

و كذا الحال في بيع الحصاة، لكون المبيع معيّنا عند المتبايعين، و يكون إنشاء البيع برمي الحصاة و إصابتها به.

و لمّا لم يكن جهالة في المبيع- بناء على تفسير الغرر في كلام الشيخ الصدوق قدّس سرّه بالنسبة إلى هذه البيوع الثلاثة- فلا بدّ من أن يكون مقصوده جهالة خاصة مبطلة للبيع، بأن لا يسبق تعيين المبيع قبل النبذ، و إنّما اريد تعيينه بنفس النبذ و إلقاء الحصاة عليه، و لمسه، و حينئذ يكون المبيع مجهولا، إذ التعيين إنّما يتحقق بأحد هذه الأمور، لا أنّه يتعين قبل ذلك، ثم يقع النبذ أو غيره.

(4) المراد بالبعض هو بيع المنابذة و الحصاة، و الاقتصار عليهما و عدم ضمّ بيع

______________________________

(1) معاني الأخبار، ص 278

ص: 606

بناء (1) على ما فسّره به (2) من أنّه (3) قول أحدهما لصاحبه: انبذ إليّ الثوب أو أنبذه إليك، فقد وجب البيع، و بيع (4) الحصاة، بأن يقول: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البيع. و لعلّه (5) كان على وجه خاصّ يكون فيه خطر، و اللّه العالم.

و كيف كان (6)، فلا إشكال في صحة التمسّك لاعتبار القدرة على التسليم

______________________________

الملامسة إليهما، إمّا رعاية لما في كلام الشيخ الصدوق قدّس سرّه من تفسير الغرر فيهما، و سكوته عن استلزام الملامسة للغرر، فلم يعلم أنّ النهي عن بيع الملامسة هل يكون من ناحية الغرر كما في المنابذة و الحصاة، أم من جهة التعبد؟

و إمّا لأنّ حكم الجميع واحد، و هو عدم الغرر في المبيع، و الاقتصار على الأوّلين من باب المثال لا لخصوصية فيهما.

(1) و أمّا بناء على كون منشأ النهي عن هذه البيوع الثلاثة فقد الإيجاب و القبول اللفظيين، كان أجنبيا عمّا نحن فيه، حتى لو كان المبيع معلوما و معيّنا، كما تقدم في بحث المعاطاة «1».

(2) الضمير راجع إلى الموصول، المبيّن بقوله: «من أنّه ...».

(3) أي: أنّ بيع المنابذة هو قول أحدهما ... الخ.

(4) معطوف على «بيع المنابذة» أي: لا جهالة في بعضها كبيع الحصاة.

(5) أي: و لعلّ الغرر- الذي علّل الشيخ الصدوق قدّس سرّه فساد البيوع الثلاثة به- كان على وجه خاص، و هو ما تقدم بقولنا: «تعيين المبيع بالنبذ و إلقاء الحصاة عليه».

(6) أي: سواء تمّ صدق الغرر على هذه البيوع الثلاثة أم لا، فلا إشكال في دلالة النبوي على اشتراط البيع بالقدرة على التسليم.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 341

ص: 607

بالنبويّ المذكور، إلّا أنّه (1) أخصّ من المدّعى، لأنّ ما يمتنع تسليمه عادة- كالغريق في بحر يمتنع خروجه منه عادة و نحوه- ليس في بيعه خطر، لأنّ الخطر إنّما يطلق في مقام يحتمل السلامة و لو ضعيفا (2).

لكن هذا الفرد (3) يكفي في الاستدلال على بطلانه لزوم (4) [بلزوم] السفاهة، و كون (5) أكل الثمن في مقابله أكلا للمال بالباطل. بل (6) لا يعدّ مالا

______________________________

(1) أي: أنّ النبوي أخصّ من المدّعى، لكونه أعمّ من امتناع الحصول عادة و من رجائه، كالعبد الآبق في بعض الأوقات، و النبوي أخص، إذ الغرر هو الخطر الذي يطلق غالبا في مقام احتمال السلامة و لو احتمالا ضعيفا، فلا يشمل الممتنع الحصول عادة، مع وضوح بطلان بيعه أيضا كالمتاع الملقى في البحر، مما يمتنع الظفر به عادة.

(2) فمع امتناع الحصول عادة لا يصدق الخطر.

(3) و هو ممتنع الحصول عادة، يعني: أنّ النبوي و إن لم يكن شاملا له، لكن يكفي في بطلان بيعه و جهان:

أحدهما: كون المعاملة سفهية و مستلزمة لأكل المال بالباطل [1].

ثانيهما: أن مثله ساقط عن التمول، مع أن قوام البيع بمالية العوضين، نعم لا ريب في بقائه على ملك مالكه.

(4) كذا في نسختنا، و هو فاعل «يكفي» و بناء على كون النسخة «بلزوم» فهو متعلق بالاستدلال.

(5) معطوف على السفاهة، و تقريب لصدقها على بيع ممتنع التسليم عادة.

(6) معطوف على «لزوم السفاهة» و غرضه الترقي من كون البيع سفهيّا إلى

______________________________

[1] لا يخفى عدم الحاجة إلى هذا الاستدلال بعد شمول النبوي له بالأولوية كما لا يخفى.

ص: 608

عرفا و إن كان (1) ملكا، فيصحّ عتقه، و يكون (2) لمالكه لو فرض التمكّن منه، إلّا أنّه (3) لا ينافي سلب صفة التموّل عنه عرفا، و لذا (4) يجب على غاصبه ردّ تمام قيمته إلى المالك، فيملكه (5) مع بقاء العين على ملكه

______________________________

فقد قوام البيع أعني به التموّل، فليس بذل الثمن بإزائه بيعا فضلا عن كونه بيعا سفهيّا.

(1) أي: و إن كان ممتنع التسليم- عادة- باقيا على ملك مالكه، بشهادة أمرين:

أحدهما: صحة عتق العبد الآبق في كفارة أو غيرها، مع أنّه لا عتق إلّا في ملك.

ثانيهما: أنّه لو فرض التمكن من هذا العبد الآبق أو المال الملقى في البحر لم يكن من المباحات الأصلية التي تملك بالحيازة، بل يجب ردّه إلى مالكه.

و عليه فلا تنافي بين سقوط الممتنع التسليم عن المالية، و بين بقاء صفة الملك.

(2) معطوف على «فيصح» و هذا إشارة إلى الشاهد الثاني على عدم زوال الملك.

(3) أي: أن كون ما يمتنع تسليمه ملكا لا ينافي عدم ماليّته.

(4) يعني: و لأجل سلب صفة التمول عنه مع بقاء ملكيته يجب على من غصبه قبل ذلك ردّ تمام قيمته من باب بدل الحيلولة، حيث إنّه بالغصب ضمن المالية و الشخصية معا، و تعذّر الثانية لا يسقط الاولى، هذا [1].

(5) يعني: فيملك المالك- من الغاصب- تمام قيمة المال الممتنع التسليم، مع

______________________________

[1] لكن فيه: أنّ بدل الحيلولة إنّما يجب بالحيلولة بين المالك و بين تمام المالية بسبب الحيولة بين المالك و بين العين، لا من جهة انتفاء المالية، و إلّا يحكم بعدم ضمان من غصبها بعد التعذر كما لا يخفى.

ص: 609

على ما هو ظاهر المشهور (1).

ثمّ إنّه ربما يستدلّ على هذا الشرط بوجوه اخر (2):

منها (3): ما اشتهر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قوله: «لا تبع ما ليس عندك»

______________________________

بقاء العين على ملكه. لأنّ بدل الحيلولة غرامة، لا عوض حتى يتوهم لزوم اجتماع العوض و المعوّض في ملك العين.

(1) كما نبّه عليه في بحث بدل الحيلولة، كقوله: «أمّا لو خرج عن التقويم- مع بقائها على صفة الملكية- فمقتضى قاعدة الضمان وجوب كمال القيمة مع بقاء العين على ملك المالك ...» فراجع «1».

الاستدلال على شرطية القدرة على التسليم بوجوه اخر

(2) و هي أربعة، كما سيأتي، و كلّها مذكورة في المصابيح و الجواهر.

(3) هذا أوّل الوجوه، قال الفاضل النراقي قدّس سرّه: «و الاستدلال بما دلّ على النهي عن بيع ما ليس عندك كان حسنا، لو لا معارضته مع ما دلّ على جوازه» «2».

و ظاهره تمامية المقتضي سندا و دلالة، لكنه معارض.

و هذا النبوي مروي بطرقنا أيضا، ففي صحيح سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لا يضمن» «3».

و نقل صاحب الجواهر قدّس سرّه الاستدلال به على اشتراط القدرة بقوله: «فإنّه قد وجّه الاستدلال به بأن ليس المنع عن بيع ما ليس عند البائع إلّا لاشتراط القدرة، لا لعدم حضور المبيع» «4». و الموجّه هو السيد الطباطبائي في المصابيح.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 578

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 323

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 368، الباب 2 من أبواب أحكام العقود، الحديث: 4

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 388

ص: 610

..........

______________________________

و توضيح الحال منوط ببيان المعاني المشار إليها في المتن لكلمة «عند» و هي أربعة:

الأوّل: الحضور في مقابل الغيبة. و قد أبطله بالإجماع على جواز بيع الغائب و السّلف.

الثاني: مجرد الملكية، و قد أبطلها بأن المناسب حينئذ ذكر اللام بأن يقال: «ما ليس لك» بدل «عندك».

الثالث: مجرد السلطنة و القدرة على التسليم سواء أ كانت حاصلة حين العقد أم بعده، كما إذا باعه ثم اشتراه من مالكه. فالمراد مطلق السلطنة.

و قد أبطله المصنف بوجهين:

أحدهما: تمسّك العامة و الخاصة بهذا النبوي على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير ثم شرائها من مالكها، فإنّه لو كان المراد مطلق السلطنة على التسليم لكان تمسكهم المزبور منافيا لذلك، لحصول السلطنة حينئذ، خصوصا إذا كان وكيلا عن المالك في بيعه و لو من نفسه. فتمسكهم المزبور يكشف عن عدم إرادة مطلق السلطنة من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما ليس عندك».

ثانيهما: أنّ بيع العين المملوكة للغير مورد الرواية، فلو كان المراد مجرد السلطنة على التسليم لزم منه صحة بيعه، لقدرته على التسليم بالقدرة على مقدمته أعني بيعه من نفسه، إذ المفروض كونه وكيلا في بيعه و لو من نفسه.

الرابع: السلطنة التامة الفعلية المتوقفة على أمرين: أحدهما: الملكية، و الآخر كونه تحت يده و قدرته و إن كان غائبا عنه.

و لمّا بطلت المعاني الثلاثة المتقدمة تعيّن هذا المعنى الرابع، فيدل النبوي على اعتبار أمرين: الملكية، و القدرة على التسليم، فلا بأس بالاستدلال به على اعتبار القدرة على التسليم.

ص: 611

بناء (1) على أنّ «كونه عنده» لا يراد به الحضور (2)، لجواز (3) بيع الغائب و السلف إجماعا، فهي (4) كناية، لا (5) عن مجرّد الملك، لأنّ (6) المناسب حينئذ (7) ذكر لفظة «اللّام». و لا (8) عن مجرّد السلطنة عليه و القدرة على تسليمه، لمنافاته (9) لتمسّك العلماء من الخاصة و العامة على عدم جواز بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم شرائها من مالكها (10).

______________________________

(1) هذا تقريب الاستدلال.

(2) هذا هو المعنى الأوّل.

(3) تعليل لقوله: «لا يراد» و تقدم في بيع الفضولي البحث الدلالي، فراجع «1».

(4) يعني: فالرواية كناية، و الأنسب بقوله: «لا يراد به» أن يقال: «بل هي كناية».

(5) بعد نفي إرادة الحضور الحسّي و تعيّن كون «عندك» كناية، عدّد المعاني الكنائية الثلاثة، و هي الملك، و مجرد السلطنة بدون الملك، و السلطنة التامة.

(6) تعليل لنفي المعنى الكنائي الأوّل، و هو الملك.

(7) أي: حين كون الرواية كناية عن مجرد الملك.

(8) معطوف على «لا» و غرضه نفي المعنى الكنائي الثاني، بأن يكون مدلول الرواية «لا تبع ما لا سلطنة لك عليه أصلا- لا حالا و لا مستقبلا- و لا قدرة لك على تسليمه».

(9) أي: لمنافاة كون «عندك» كناية- عن مطلق السلطنة عليه- لتمسّك العلماء ... الخ، فهذا تعليل لنفي المعنى الكنائي الثاني.

(10) مع تحقق السلطنة على العين الشخصية و القدرة على تسليمها للمشتري، إمّا ببيعها عن مالكها فضولا، و إمّا وكالة عنه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 487 و 491، و ج 5، ص 302- 304

ص: 612

خصوصا (1) إذا كان وكيلا عنه في بيعه و لو (2) من نفسه، فإنّ السلطنة و القدرة على التسليم حاصلة هنا (3)، مع أنّه (4) مورد الرواية عند الفقهاء.

فتعيّن (5) أن يكون كناية عن السلطنة التامّة الفعلية التي تتوقف على الملك مع كونه تحت اليد، حتّى كأنّه عنده و إن كان (6) غائبا.

و على أيّ حال (7) [1] فلا بدّ من إخراج بيع الفضولي عنه

______________________________

(1) وجه الخصوصية واضح، لتسلّط الوكيل على المبيع، و كون تصرفه كالأصيل.

(2) وصلية، إذ تارة يتوكّل في بيع المال للغير، و اخرى في بيعه مطلقا سواء اشتراه الوكيل لنفسه أم لأجنبي.

(3) أي: في بيع العين الشخصية المملوكة للغير، ثم يمضي لشرائها من مالكها و تسليمها إلى المشتري.

(4) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، يعني: مع الغضّ عن تمسك الفقهاء بالرواية على حكم بيع العين الشخصية غير المملوكة للبائع، يكون مورد الرواية هو النهي عن بيع العين الشخصية المملوكة للغير.

(5) أي: بعد نفي المعنيين الكنائيّين يتعيّن كون قوله: «كونه عنده» كناية عن السلطنة التامة الفعلية.

(6) الضمير المستتر و ضميرا «كونه، كأنّه» راجعة إلى الملك.

(7) يعني: سواء أ كان مفاد «لا تبع ما ليس عندك» كناية عن اعتبار مطلق

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على إرادة مطلق السلطنة من النبوي لا موجب لخروج الفضولي عنه، لأنّ المنهي عنه هو بيع ما لا سلطنة عليه أصلا حتى بالواسطة. فإذا كان الفضولي قادرا على شراء المبيع من مالكه و تسليمه إلى المشتري، كان مسلّطا على المبيع.

ص: 613

..........

______________________________

السلطنة على المبيع، أو السلطنة المطلقة أي التامّة، فلا بدّ ... الخ.

و هذا دفع دخل مقدر، حاصله: أنّه بناء على اشتراط السلطنة يلزم فساد بيع الفضولي رأسا، و عدم اقتضائها للصحة، لانتفاء كلّ من الملك و القدرة على التسليم فيه، مع التزام الجلّ بكونه موقوفا على الإجازة، و هذا كاشف عن إرادة معنى آخر من الرواية، و لا يتجه استظهار شرطية القدرة على التسليم في البيع منها.

و دفع المصنف هذا الدخل بوجهين أجاب بهما عن الاستدلال بالنبوي على بطلان البيع الفضولي «1»:

أحدهما: تخصيص عموم «ما ليس عندك» بما دلّ على ترتب الصحة الاقتضائية على إنشاء الفضولي، و عدم كونه مسلوب الأثر، و حيث إن هذا النبوي عام بالنسبة إلى أدلة صحة الفضولي، خصّص بها.

ثانيهما: حمل النهي على الإرشاد، بأن يراد من الفساد المدلول عليه بالنهي عدم وقوعه لبائعه الفضولي، لا مطلقا حتى لمالكه إذا أجاز.

و لكن هذا تصرف مجازي، بخلاف التخصيص، فإنّه ليس مجازا على ما ثبت في محلّه.

______________________________

نعم إذا لم يكن له سلطنة على المبيع حتى بالشراء من مالكه، فلا بدّ من إخراج الفضولي عنه.

و بالجملة: فعلى المعنى الثاني و الرابع لا محيص عن إخراج الفضولي. و أمّا بناء على المعني الثالث فلا. و أمّا المعنى الأوّل فلا يراد من النبوي على ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

______________________________

(1) راجع هدى الطالب، ج 4، ص 496- 498

ص: 614

بأدلّته (1)، أو بحمله (2) على النهي المقتضي لفساده، بمعنى عدم وقوعه لبائعه لو أراد ذلك (3).

و كيف كان (4)، فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن (5).

و أمّا الإيراد عليه (6) بدعوى:

______________________________

(1) متعلق ب «إخراج» و الضمير راجع إلى بيع الفضولي. و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل.

(2) معطوف على «من إخراج» أي: فلا بدّ من حمل النهي في «لا تبع ما ليس عندك» على ... الخ. و هذا إشارة الى الوجه الثاني المتقدم آنفا.

(3) أي: لو أراد البائع الفضولي وقوع البيع لنفسه لا لمالك المبيع.

(4) أي: سواء أخرجنا بيع الفضولي من هذا النبوي تخصيصا أم تخصّصا، فتوجيه دلالة قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «لا تبع ما ليس عندك» على منع بيع ما لا قدرة على تسليمه ممكن، إذ المراد به اعتبار السلطنة المطلقة المنوطة بالملكية و القدرة على التسليم معا.

(5) ليس المراد به مجرّد الاحتمال حتى لا يجدي في مقام الاستدلال، بل المقصود ظهور الكلام في المدّعى.

(6) أي: على الاستدلال بالنبوي، و المورد صاحب الجواهر قدّس سرّه، قال بعد تقريب الاستدلال بالنبوي- كما في المتن- ما لفظه: «و لكن قد يقال: إنّ المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن و في السابق من بيع الشي ء المخصوص، مظهرا له أنّه ماله و عنده، ثم يمضي بعد ذلك إلى صاحبه، و يشتريه منه بأنقص مما باعه، ثم يدفعه إلى الذي باعه إيّاه أوّلا» «1».

و حاصله: أنّ الخبر أجنبي عن المدّعى، إذ مورده بيع مال الغير ثم تحصيله

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 389

ص: 615

«أنّ المراد به (1) الإشارة إلى ما هو المتعارف في تلك الأزمنة (2) من بيع الشي ء الغير [1] المملوك،

______________________________

بالشراء من مالكه و دفعه إلى المشترى، فيكون المنهي عنه بيع ما لا يملكه البائع، و من المعلوم أنّه أجنبي عن بيع المالك لماله مع قدرته على التسليم، هذا.

و أجاب عنه المصنف قدّس سرّه بما حاصله: أنّه لا وجه لهذا الاختصاص، لأنّ المدار على عموم الوارد لا خصوصية المورد، لما ثبت في محله من عدم مخصصية المورد.

(1) أي: بصحيح سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، الحاكي لنهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن عدة امور، منها بيع ما ليس عندك.

(2) أي: أزمنة صدور الروايات، و مراد صاحب الجواهر عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

______________________________

[1] كذا في نسخ الكتاب، و هو نقل بالمعنى. و الأولى إسقاط حرف التعريف، لشدة إبهام الكلمة و نكرتها، و لذا منع بعضهم من اكتساب التعريف بالإضافة، و بعضهم من تعريفها باللام.

قال ابن هشام: «و لا تتعرّف- غير- بالإضافة، لشدة إبهامها».

و قال الفيّومي: «و- غير- تكون وصفا للنكرة، و قوله تعالى: غير المغضوب عليهم، إنّما وصف بها المعرفة، لأنّها أشبهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة، فعوملت معاملته، و وصف بها المعرفة. و من هنا اجترأ بعضهم فأدخل عليها الألف و اللام، لأنّها لمّا شابهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة جاز أن يدخلها ما يعاقب الإضافة، و هو الألف و اللام. و لك أن تمنع الاستدلال، و تقول: الإضافة هنا ليست للتعريف بل للتخصيص، فلا تعاقب إضافة التخصيص، مثل: سوى و حسب، فإنّه يضاف للتخصيص و لا تدخله الألف و اللام» فراجع المغني، ج 1، ص 210، و المصباح المنير، ص 458

ص: 616

ثم تحصيله بشرائه و نحوه (1)، و دفعه (2) إلى المشتري» فمدفوع (3) بعدم الشاهد على اختصاصه بهذا المورد (4)، و ليس في الأخبار المتضمنة لنقل هذا الخبر ما يشهد باختصاصه بهذا المورد [1].

نعم (5)، يمكن أن يقال: إنّ غاية ما يدلّ عليه هذا النبوي- بل النبوي

______________________________

باعتبار ورود جملة «لا تبع ما ليس عندك» في نهي حكيم بن حزام عن بيع شي ء لا يملكه، ثمّ يمضي و يشتريه و يسلّمه.

(1) أي: نحو الشراء، كالاتهاب من المالك، أو التصالح معه عليه.

(2) الضمائر في «تحصيله، بشرائه، دفعه» راجعة إلى الشي ء غير المملوك.

(3) جواب الشرط في «و أمّا الإيراد» و هذا ردّ كلام الجواهر، و تقدم توضيحه آنفا.

(4) أي: بمورد بيع شي ء لا يملكه البائع، ثم يمضي و يشتريه من مالكه. و الوجه في انتفاء الشاهد على الاختصاص هو ورود الجملة- في حديث سليمان بن صالح- في سياق النهي عن بيوع اخرى، و لا قرينة على كون قوله عليه السّلام: «و نهى عن بيع ما ليس عندك» مختصا ببيع ما لا يملكه، ثم يشتريه من مالكه.

(5) استدراك على قوله: «فتوجيه الاستدلال بالخبر على ما نحن فيه ممكن»

______________________________

[1] قد ذكر المصنف قدّس سرّه في ردّ دلالة النبوي المزبور على بطلان الفضولي كلاما عن التذكرة يدل على أنّ مورد النهي هو بيع مال الغير عن نفسه ثم شرائه من مالكه ليدفعه إلى المشترى، فلاحظ، فالجواب مختص بمورد السؤال، و ارتضاه المصنف حيث قال: «و هذا المعنى أظهر من الأوّل» و مراده بالأوّل مجرّد الإنشاء، فراجع «1».

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 617

الأوّل (1) أيضا (2)- فساد البيع، بمعنى (3) عدم كونه علّة تامة لترتب الأثر المقصود،

______________________________

و غرضه قدّس سرّه- بعد دفع إيراد صاحب الجواهر قدّس سرّه عليه- الإشكال على دلالة الخبر على فساد بيع ما لا قدرة على تسليمه. و الإشكال من وجهين:

أحدهما: أنّ غاية ما يدلّ عليه النبوي هو فساد البيع بمعنى عدم كون العقد علة تامة لترتب الأثر المقصود عليه، لا عدم ترتب أثر عليه أصلا، بحيث يكون وجوده كعدمه، فيمكن أن يقع مراعى بانتفاء الغرر، و صيرورة المبيع مقدور التسليم.

و هذا نظير ما تقدم في بيع الفضولي من عدم دلالة النبوي على البطلان رأسا حتى لا يجدي إجازة المالك في ترتب الأثر على إنشاء الفضولي، بل مفاده إسقاط عقد غير المالك عن الاستقلال في التأثير، فلا مانع من صحته تأهّلا.

قال: «و بعبارة اخرى: نهي المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثّرا في حقّه، فلا يدلّ على إلغائه بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له» «1».

و الحاصل: أنّ بيع ما لا قدرة على تسليمه غير فاسد رأسا، بل يقع مراعى، فإن حصلت القدرة صحّ، و إلّا بطل.

هذا تقريب الوجه الأوّل، و يأتي بيان الوجه الثاني.

(1) و هو نهيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الغرر.

(2) يعني كهذا النبوي، و هو: «لا تبع ما ليس عندك» و مقصوده توجه المناقشة في الاستدلال بكلا الخبرين.

(3) غرضه تفسير الفساد لئلّا يتوهم ظهور النبوي في الفساد مطلقا سواء حصلت القدرة على التسليم- بعد البيع- أم لم تحصل، و سواء تبيّن وجود القدرة حاله أم لم يتبيّن.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 496

ص: 618

فلا ينافي (1) وقوعه مراعى بانتفاء صفة الغرر، و تحقّق (2) كونه عنده.

و لو أبيت (3) إلّا عن ظهور النبويّين في الفساد بمعنى لغويّة العقد رأسا

______________________________

(1) يعني: أنّ الفساد- بمعنى عدم العلية التامة- لا ينافي صحة البيع مراعى بانتفاء الغرر، فإن حصلت القدرة على التسليم صحّ، و إلّا لم يصحّ.

(2) هذا معنى انتفاء صفة الغرر، أي: تحقق كون المبيع مقدورا تسليمه.

(3) هذا ثاني الوجهين، و التعبير ب «و لو أبيت» صريح في ابتناء الوجه الأوّل على إنكار ظهور النبوي في فساد البيع من أصله.

و حاصل هذا الوجه الثاني: أنّه بعد تسليم ظهور الخبر في بطلان بيع ما لا قدرة على تسليمه- و عدم الجدوى في حصول القدرة عليه بعد العقد- يتعيّن رفع اليد عن الظهور المزبور، و حمل النهي «عن بيع ما ليس عندك» على عدم العلية التامة في التأثير، و ذلك لأنّه- بناء على دلالة النهي في النبوي على الفساد و اللغوية- يدور الأمر بين ارتكاب أحد أمرين:

إمّا رفع اليد عن الظهور في اللغوية، و الالتزام بجعل الفساد عبارة عن عدم العليّة التامة للتأثير، و لازمه صيرورة البيع مراعى بارتفاع الغرر.

و إمّا حفظ الظهور في اللغوية، و الالتزام بتخصيص النبوي في موارد التزموا بوقوع البيع فيها مراعى- كبيع الرهن- مع كون البائع في تلك الموارد عاجزا شرعا عن التسليم.

فلا بدّ أن يقال: «بيع ما ليس عندك فاسد رأسا، إلّا بيع الرهن، و بيع ما لا يملكه حين البيع، و بيع المحجور، و بيع العبد الجاني عمدا» فإنّها تقع مراعى بإجازة من له الأمر.

و لا ريب في عدم المجال لهذا التخصيص، و ذلك لأن التخصيص و إن كان أولى من المجاز في سائر المقامات، إلّا أنّه في المقام لكثرته ليس أرجح من المجاز أعني

ص: 619

المنافية (1) لوقوعه مراعى، دار (2) الأمر بين ارتكاب خلاف هذا الظاهر (3)، و بين إخراج بيع الرهن (4)، و بيع ما يملكه بعد البيع (5) و بيع العبد الجاني عمدا (6)، و بيع المحجور (7) لرقّ أو سفه أو فلس،

______________________________

به ارتكاب خلاف الظاهر في النهي بحمله على الفساد، بمعنى عدم العلّية المنحصرة.

و مع عدم أرجحية التخصيص من المجاز و بالعكس يتساوى الاحتمالان، فيصير الكلام مجملا، فلا يصح معه الاستدلال.

و عليه فالتمسك بالنبوي على اعتبار القدرة على التسليم ليس في محله، و لا مانع حينئذ من التمسك بالقواعد العامة المقتضية للصحة.

(1) صفة ل «لغويّة» و ضمير «لوقوعه» راجع إلى العقد.

(2) جواب الشرط في «و لو أبيت».

(3) و هو الفساد بمعنى اللغوية و عدم ترتب الأثر.

(4) كما لو باع الرّهن، لتعذّر التسليم فعلا من جهة كونه وثيقة على الدين، مع صحة البيع مراعى بالافتكاك. فلو قيل بلغوية بيع غير المقدور تسليمه حال العقد لزم تخصيص عموم النهي، و إخراج بيع الرهن منه.

(5) هذا مورد آخر مما يصحّ البيع مع العجز عن التسليم حال العقد، لعدم كونه مالكا للمبيع، فباعه فضولا ثم تملّكه، و أجاز، فيصحّ البيع، مع كونه موردا لعموم النهي عن بيع ما ليس عندك.

(6) هذا مورد ثالث مما يصحّ البيع فيه مراعى، و لا يبطل رأسا. كما تقدم تفصيله في محلّه، فلو باعه المولى لم ينفذ، لكون أمر القصاص و الاسترقاق بيد المجني عليه أو وليّه، فإن افتكت رقبته من حق المجني عليه- بالعفو أو بقبول الفداء من المولى- و تمكن المولى من تسليمه صحّ البيع، و إلّا فلا.

(7) هذا رابع الموارد مما لا يبطل فيه البيع رأسا، بل يقع بيع الرّق موقوفا على

ص: 620

فإنّ (1) البائع في هذه الموارد عاجز شرعا عن التسليم (2). و لا رجحان (3) لهذه التخصيصات. فحينئذ (4) لا مانع عن التزام وقوع بيع كلّ ما يعجز عن تسليمه

______________________________

إجازة المولى، و بيع السفيه موقوفا على إجازة وليّه، و بيع المفلّس على إجازة الغرماء.

و لا يخفى أنّهم اصطلحوا «المراعى» على الجهل بوجود الشي ء حال القعد، في قبال «الموقوف» المراد به دخل أمر آخر في تأثير العقد كالإجازة في الفضولي.

و لكن المراد بالمراعى- بقرينة الأمثلة المذكورة- ما هو أعم من كون المتأخر العلم بوجود الشي ء، كما إذا جهل بقدرته على التسليم فانكشف وجودها، و من وجود شي ء بعد العقد.

(1) تعليل للشق الثاني من المنفصلة، و هو التخصيص المدلول عليه بقوله:

«و بين إخراج».

(2) مع عدم بطلان البيع فيها رأسا، بل يقع مراعى.

(3) يعني: لا مرجّح للشق الثاني- أعني به تخصيص عموم النهي- على الشقّ الأوّل، و هو إرادة عدم العلية التامة، و إن كان خلاف ظهور النبوي بدوا.

(4) أي: فحين عدم رجحان التخصيص على ارتكاب خلاف الظاهر، يلزم إجمال النهي في النبويّين بالنسبة إلى بيع ما يعجز البائع عن تسليمه مع رجاء القدرة على تسليمه، و من المعلوم عدم صلاحية المجمل لتقييد إطلاق حلّ البيع و نحوه من أدلة الإمضاء [1].

______________________________

[1] إلّا أن يناقش في هذه الصحة بعدم الدليل عليها، إذ العمومات لا تقتضي إلّا الصحة الفعلية، و أمّا التعليقية فهي أجنبية عن مفادها.

إلّا أن يدّعى أنّ الصحة بمراتبها تستفاد من العمومات، و النبوي خصّصها بمرتبة خاصة، و هي الفعلية، و أمّا المرتبة الاخرى فهي باقية تحت العمومات، فتأمّل.

ص: 621

- مع رجاء التمكّن منه- مراعى (1) بالتمكّن منه في زمان لا يفوت الانتفاع المعتدّ به (2).

و قد صرّح الشهيد (3) في اللمعة بجواز بيع الضّالّ (4) و المجحود- من غير إباق (5)- مراعى بإمكان التسليم، و احتمله (6) في التذكرة.

لكن الإنصاف (7): أنّ الظاهر من حال الفقهاء اتّفاقهم على فساد بيع الغرر

______________________________

(1) مفعول لقوله: «وقوع» و ضمير «منه» في الموضعين راجع إلى «تسليمه».

(2) فلو فات زمان الانتفاع المعتدّ به بالمبيع لم يصح، لكونه سفهيّا.

(3) الغرض من الاستشهاد بكلام الشهيد تأييد ما أفاده بقوله: «فلا مانع» من أن المراد بالفساد عدم العلية التامة للعقد، لا عدم ترتب الأثر رأسا. قال في اللمعة:

«أما الضال و المجحود، فيصح البيع، و يراعى بإمكان التسليم، و إن تعذّر فسخ المشتري إن شاء» «1».

(4) و هو- بقرينة قوله: «من غير إباق»- العبد الضال الذي يرجى الظفر به.

(5) هذا التقييد لإخراج العبد الضال و المجحود عن عنوان الإباق الذي ادعي الإجماع على عدم جواز بيعه منفردا.

(6) يعني: و احتمل العلّامة جواز بيع الضال و المجحود من غير إباق.

لكن الموجود في عبارة التذكرة احتمال صحة بيع الضال فقط، و لم يعطف عليه المجحود، فقال قدّس سرّه: «الضال يمكن حمله على الآبق ... و العدم» «2».

و بالجملة: فصرح الشهيد قدّس سرّه بجواز بيع الضال و المجحود مراعى بإمكان التسليم يؤيّد إرادة عدم العلية التامة للعقد من الفساد، لا عدم ترتب الأثر رأسا.

(7) هذا استدراك على قوله: «فحينئذ لا مانع عن التزام ... الخ» و حاصله:

______________________________

(1) اللمعة الدمشقية، ص 94

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 49

ص: 622

بمعنى عدم تأثيره رأسا، كما عرفت (1) من الإيضاح «1».

و منها (2): أنّ لازم العقد وجوب تسليم كلّ من المتبايعين العوضين (3)

______________________________

أنّ ما استظهرناه من معنى الفساد- و هو عدم العلية التامة لا عدم ترتب الأثر رأسا- خلاف ظاهر حال الفقهاء، لأنّ ظاهرهم الاتفاق على كون فساد البيع عبارة عن عدم ترتب الأثر أصلا. و هذا كاشف عن كون المراد بالنبويين هو الفساد محضا، فلا يصح حملهما على ما ذكرناه من عدم العلية التامة.

(1) حيث قال في صدر المسألة: «و النهي هنا يوجب الفساد إجماعا على الظاهر المصرّح به في موضع من الإيضاح» بأن يكون المراد بالفساد اللغوية رأسا.

(2) أي: و من الوجوه الأخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم هو:

أن لازم العقد ... الخ.

و توضيحه: أنّ مضمون العقد- و هو نقل كل من العوضين عن مالكه إلى صاحبه و صيرورته ملكا للآخر الذي هو حكم وضعي- مستلزم لوجوب تسليم كلّ منهما ما انتقل عنه إلى مالكه، و حرمة حبسه، لأنّه ظلم. و هذا الوجوب كسائر التكاليف يقتضي مقدورية متعلقه، فلا بد من كون التسليم الواجب مقدورا، و إلّا يلزم التكليف بالممتنع، و هو قبيح، فثبت اعتبار القدرة على التسليم.

و بعبارة اخرى: أن البيع الصحيح يستلزم وجوب التسليم تكليفا، و هو متوقف على القدرة، و حيث إنه لا قدرة حسب الفرض على التسليم، فلا وجوب، و بطلان اللازم يكشف عن بطلان الملزوم و هو البيع. و هذا مقتضى القياس الاستثنائي.

(3) حق العبارة أن يقال: «كلّا من العوضين» أو «ما انتقل عنه إلى صاحبه» كما في الجواهر «2». و في المصابيح: «وجوب تسليم كل من المتبايعين ما انتقل عنه

______________________________

(1) تقدم في ص 581، و لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 1، ص 430

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 390

ص: 623

إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا، لاستحالة التكليف بالممتنع.

و يضعّف (1) بأنّه: إن اريد أنّ لازم العقد وجوب التسليم

______________________________

بالبيع إلى صاحبه».

(1) نسب الفقيه المامقاني «1» قدّس سرّه هذا التضعيف و الاعتراض عليه و جوابه إلى العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في المصابيح، و أثبته صاحب الجواهر قدّس سرّه- في ردّ الوجه الثالث- بلفظه، و هو: «أنّه إن اريد إثبات اشتراط القدرة على التسليم بوجوب التسليم منجّزا، فذلك باطل، لأنّه مشروط بالبيع. و إن اريد إثبات اشتراطها بوجوب الإقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب إذا وجب، منعنا الوجوب على الإطلاق، فإنّ التكليف مشروط بالقدرة. و العجز السابق على البيع كالمتجدد، فكما لا يجب التسليم في الثاني، فكذا في الأوّل» «2».

و توضيحه: أنّ صحة البيع وضعا- بمعنى تأثيره في نقل كل من العوضين إلى الآخر- و إن كانت مستلزمة لوجوب الوفاء به تكليفا بمعنى ترتيب آثاره عليه من تسليم المبيع للمشتري، و الثمن للبائع، إلّا أنّ استفادة شرطية القدرة الفعلية على التسليم- حال العقد- من الأمر بالوفاء ممنوعة، و ذلك لأنّ وجوب التسليم إما أن يراد به وجوبه الفعلي المنجّز بحيث يكشف العجز عنه عن الحكم الوضعي في الملزوم أعني بطلان العقد. و إما أن يراد به مطلق وجوبه الشامل للوجوب المطلق و للمشروط بالقدرة.

فإن اريد الأوّل اتجه منع الملازمة بين الحكم الوضعي- و هو نفوذ البيع- و بين التكليفي أعني وجوب التسليم، ضرورة عدم اقتضاء الحكم الوضعي للتكليفي إلّا في الجملة، فيستفاد صحة البيع من إطلاق حلّه و من التجارة عن تراض،

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 462

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 390- 391؛ المصابيح مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 624

وجوبا مطلقا (1)، منعنا الملازمة (2). و إن اريد (3) مطلق وجوبه، فلا ينافي (4) كونه مشروطا بالتمكّن، كما لو تجدّد العجز بعد العقد (5).

______________________________

و نحوهما، و لا يستفاد إطلاق التكليف بالتسليم من وجوب الوفاء بالعقد بعد دخل القدرة على المتعلق في مطلق الخطابات الشرعية.

و إن اريد الثاني، و هو استلزام صحة البيع وجوب التسليم في الجملة- أي مشروطا بالقدرة عليه- فالملازمة بين الوضع و التكليف محققة، و معناه ترتب وجوب التسليم على العقد منوطا بالتمكن منه. و من المعلوم أنّ الوجوب المشروط بالقدرة قاصر عن إثبات اشتراط صحة العقد بالقدرة على التسليم.

و عليه فحكم القدرة على التسليم حال العقد و بعده واحد. فلو كان متمكنا من تسليم المبيع حين البيع ثم طرأ عليه العجز، لم يجب عليه، و لا يستلزم بطلان العقد، بل يتخيّر المشتري بين الفسخ و التربص. فكذا لو كان عاجزا عن التسليم حال البيع، و تمكّن منه في المستقبل. فلا تكليف به فعلا.

هذا توضيح المناقشة، و سيأتي تقرير الاعتراض عليها و الدفع.

(1) أي: منجّزا من جهة تحقق شرطه المعلّق عليه، كما ورد التعبير به في كلام صاحب المصابيح، و ليس المراد وجوب التسليم مطلقا بالنسبة إلى القدرة أي سواء تمكّن منه أم لم يتمكن، ضرورة اشتراط كل تكليف بها عقلا، و لا معنى للإطلاق من هذه الجهة.

(2) أي: بين صحة العقد وضعا و بين وجوب التسليم تكليفا، و تقدم وجه المنع.

(3) معطوف على «إن اريد» و ضمير «وجوبه» راجع إلى التسليم.

(4) أي: أنّ وجوب التسليم- بنحو مطلق الوجوب- لا ينافي وجوب التسليم مشروطا بالتمكن.

(5) فإنّ عدم وجوب التسليم لو تجدّد بعد العقد لا يستلزم بطلانه.

ص: 625

و قد يعترض (1) بأصالة عدم تقيّد الوجوب، ثم يدفع (2) بمعارضته بأصالة عدم تقيّد البيع بهذا الشرط.

و في الاعتراض و المعارضة نظر واضح (3)،

______________________________

(1) يعني: يعترض على التضعيف المزبور بمنع الشق الثاني منه، و هو جعل وجوب التسليم مشروطا بالقدرة عليه.

وجه المنع أنّ تقييد الوجوب بالتمكن منه مخالف لأصالة عدم تقيد الوجوب، و يتعيّن الشق الأوّل، و هو كون وجوب التسليم فعليا بنفس العقد، و يترتب عليه انكشاف انتفاء الملزوم من انتفاء اللازم. قال في المصابيح في تقرير الاعتراض: «لا يقال: الأصل في الوجوب عدم التقييد، و قد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدد، بخلاف السابق، لأنّ القدرة على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا، لكونها مفروضة الحصول على هذا التقدير».

(2) أي: يدفع الاعتراض. قال العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في دفعه: «لأنّ هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع، فإنّ الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم، فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة» «1».

و محصله: أن دليل الصحة- كآية حلّ البيع- لم يقيّد بالقدرة على التسليم، فلو شكّ في التقييد جرى أصالة عدم اشتراطه بها، و هذا الأصل العملي معارض لأصالة إطلاق وجوب التسليم، و بعد التساقط يبقى إطلاق دليل حلّ البيع بحاله، و يقال بصحة البيع حتى مع العجز عن التسليم حال العقد، تمسكا بإطلاق دليل الإمضاء.

(3) أمّا وجه النظر في الاعتراض فهو: أنّ أصالة عدم التقييد إن اريد بها الأصل العملي، ففيه: أنّه لا أصل لها. و إن اريد بها أصالة الإطلاق، ففيه: أنّها من

______________________________

(1) المصابيح، كتاب التجارة (مخطوط) و نقل صاحب الجواهر نصّ كلامه، فراجع: جواهر الكلام، ج 22، ص 391

ص: 626

فافهم (1).

و منها (2): أنّ الغرض من البيع انتفاع كلّ منهما بما يصير إليه،

______________________________

شئون ظواهر الألفاظ كالعموم و الحقيقة و غيرهما، كما إذا قال المولى: «أكرم عالما» و شك في تقيده بالعدالة. بخلاف ما لو كان الدليل عليه لبيّا. و الوجوب فيما نحن فيه- حسب الفرض- ليس مستفادا من اللفظ حتى يتمسك في الشك في تقييده بأصالة الإطلاق، فإنّ الاستدلال المزبور ينادي بأن الوجوب من لوازم العقد، هذا.

و أمّا وجه النظر في المعارضة فهو: أنّ أصالة الإطلاق- بناء على جريانها في ناحية وجوب التسليم- حاكمة على أصالة عدم تقيد البيع بهذا الشرط، لما ثبت في محله من حكومة أصالة الإطلاق في المقيّد على أصالة الإطلاق في المطلق.

(1) لعله إشارة إلى: أنّه بناء على كون القدرة على التسليم من مقوّمات المالية لا من شرائط المتعاقدين- كما يؤمي إليه تعرضهم لها في شرائط العوضين، لا في شرائط المتعاقدين- ينهدم أساس الملازمة بين الحكم الوضعي و بين وجوب التسليم المستكشف منه اعتبار القدرة على التسليم، و ذلك لأنّ مضمون العقد لا يتحقق حينئذ في الخارج، لتقوم المعاوضة بمالية العوضين، و بدونها لا يمكن تأثير إنشاء المعاملة حتى يدّعى التلازم بين مضمون العقد و بين وجوب التسليم، فتدبّر.

(2) أي: و من الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار التمكن من التسليم هو:

أن الغرض ... الخ.

و هذا الوجه الثالث مركّب من دعويين:

إحداهما: كون الغرض من البيع منحصرا في انتفاع كل من المتعاقدين بما ينتقل إليه.

ثانيتهما: توقف الانتفاع- المترقب- على التسليم. فالتسليم مقدمة للغرض الداعي إلى المعاملة.

و الأولى في جوابه أن يقال: إنّ الأغراض الداعية إلى الإنشاءات لا تؤثر

ص: 627

و لا يتمّ (1) إلّا بالتسليم.

و يضعّفه (2): منع توقف مطلق الانتفاع على التسليم، بل منع (3) عدم كون الغرض منه إلّا الانتفاع بعد التسليم، لا الانتفاع المطلق (4).

و منها (5): أنّ بذل الثمن على غير المقدور سفه، فيكون ممنوعا،

______________________________

في صحة المعاملات، بمعنى أنّ تخلّفها لا يبطلها.

(1) أي: و لا يتمّ الانتفاع، فيجب التسليم مقدمة له، فلا بدّ من القدرة عليه، لئلّا يلزم نقض الغرض.

(2) أي: و يضعّف هذا الوجه: منع ... الخ، و قد ضعّفه بأمرين، هذا أوّلهما، و توضيحه: أنّ الغرض من البيع و إن كان هو الانتفاع، إلّا أنّ توقف مطلق الانتفاع على التسليم ممنوع، بشهادة جواز انتفاع المشتري بعتق العبد الآبق، مع عدم توقف هذا الانتفاع الخاص على التسليم، فالدليل أخصّ من المدّعى.

و لو قيل: إنّ مطلق الانتفاع و إن لم يكن منوطا بالتسليم، إلّا أنّ الغرض من البيع هو الانتفاع الخاص أعني المتوقف على التسليم، لا مطلق الانتفاع.

يقال عليه: إنّ الانتفاع المطلق صالح لكونه غرضا من البيع.

(3) معطوف على «منع» و هذا ثاني الأمرين، و محصله: أنّ الغرض من البيع و إن كان هو الانتفاع، لكنه لا يلزم نقض الغرض بالعجز عن التسليم، فإنّ الشرط هو الانتفاع الخاص الحاصل بعد التسليم، لا مطلق الانتفاع و لو قبل التسليم حتى يكون تعذره قادحا.

(4) العبارة لا تخلو من تعقيد، و لا موجب له، و الأولى كما في المصابيح و الجواهر: «منع كون الغرض من البيع الانتفاع مطلقا، بل بعد تسليمه» «1».

(5) أي: و من الوجوه الاخر المستدل بها على اعتبار القدرة على التسليم في

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 391؛ المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 628

و أكله (1) أكلا بالباطل.

و فيه (2): أنّ بذل المال القليل في مقابل المال الكثير المحتمل الحصول ليس سفها (3)، بل تركه (4) اعتذارا بعدم العلم بحصول العوض سفه، فافهم (5).

______________________________

البيع هو هذا الوجه الرابع، المؤلّف من صغرى و كبرى.

فالصغرى هي: أنّ بذل الثمن بإزاء المبيع غير المقدور على تسليمه للمشتري يكون سفهيّا و تضييعا للمال.

و الكبرى: أنّ البيع السفهي ممنوع شرعا، لكونه من موارد أكل مال الغير بالسبب الباطل، لا بالتجارة عن تراض، هذا.

(1) يعني: و تملّك الثمن و التصرف فيه- مع العجز عن تسليم المثمن- أكل له بالباطل المنهي عنه.

(2) هذا ردّ الوجه الأخير، قال في المصابيح و الجواهر: «و على الثالث: المنع من لزوم السفه و التضييع على الإطلاق، فإنّ بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول ممّا يقدم عليه العقلاء، و لا يعدّ مثله سفها و لا تضييعا ...» «1».

و تقدم نظيره من المصنف قدّس سرّه في الإيراد على كلام الشهيد في شرح الإرشاد، فراجع (ص 604).

(3) و على تقدير كونه سفها يكون أخص من المدّعى، إذ لا ريب في عدم السفاهة في بعض الموارد، فلا يكون الدليل عامّا لجميع أفراد الدعوى.

(4) أي: ترك البذل- بزعم عدم اليقين بحصول عوض المال- سفه، و الغرض أن الاستدلال بالسفاهة ينتج عكس المطلوب في بعض الموارد.

(5) لعلّه إشارة إلى عدم صحة التمسك بالسفاهة لإثبات وجوب التسليم، إذ النسبة بين السفاهة و بين التسليم عموم من وجه، لعدم السفاهة مع إمكان الانتفاع بدون تسلم المبيع كالعتق.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 391؛ المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 629

ثم إنّ (1) ظاهر معاقد الإجماعات- كما عرفت (2)- كون القدرة شرطا، كما هو (3) كذلك في التكاليف، و قد اكّد الشرطية في عبارة الغنية المتقدّمة (4)، حيث (5) حكم بعدم جواز بيع ما لا يمكن فيه التسليم، فينتفي المشروط (6) عند انتفاء الشرط. و مع ذلك (7) كلّه فقد استظهر بعض من تلك العبارة: أنّ العجز مانع،

______________________________

هذا تمام الكلام في الوجوه المستدل بها على دخل القدرة على التسليم في البيع، و سيأتي التنبيه على امور ترتبط بالمسألة.

(1) هذا هو التنبيه الأوّل، الباحث عن أنّ مقتضى أدلة دخل القدرة هل هو جعلها شرطا في صحة البيع كشرطيتها في التكاليف؟ أم جعل العجز مانعا، و ما يترتب على الاحتمالين من ثمرة، و كلام المصنف قدّس سرّه هنا توطئة لردّ من جعل العجز عن التسليم مانعا، و لم يجعل القدرة شرطا كما سيأتي.

(2) تقدم نقل بعض دعاوى الإجماع في (ص 580) مما صريحه أو ظاهره شرطية القدرة، فراجع.

(3) أي: كون القدرة شرطا في التكاليف، فإنّه مما لا ريب فيه، و إن اختلفوا في كونه باقتضاء الخطاب أو بحكم العقل.

(4) هي قوله: «إنّما اعتبرنا في المعقود عليه أن يكون مقدورا عليه» فراجع (ص 580).

(5) هذا تقريب التأكيد، لأنّ صاحب الغنية حكم بالانتفاء عند الانتفاء، و هذا ما يعبّر به عن الشرط. و أمّا المانع فيعبر عنه بالانتفاء عند الوجود، لأنّ المانع يمنع عن وجود المقتضي.

(6) و هو جواز البيع، فينتفي بانتفاء شرطه، أعني به القدرة على التسليم.

(7) أي: و مع ظهور معاقد الإجماعات في الشرطية، و تأكيدها في عبارة الغنية، فقد استظهر بعض- و هو صاحب الجواهر قدّس سرّه- من عبارة الغنية و غيرها مانعية العجز دون شرطية القدرة، حيث قال ما لفظه: «نعم قد يظهر من هذه العبارة- أي

ص: 630

لا أنّ القدرة شرط، قال (1): «و يظهر الثمرة في موضع الشّكّ» ثمّ ذكر (2) إختلاف

______________________________

عبارة الغنية- بل و غيرها عند التأمل: أنّ المراد من هذا الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة. و قد يطلق اشتراط القدرة على إرادة كون العجز مانعا، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف» «1».

(1) قال في الجواهر: «و تظهر الثمرة في المشكوك فيه» فإنّه بناء على شرطية القدرة يمتنع بيعه، بخلافه بناء على مانعية العجز.

(2) يعني: ذكر المستظهر لمانعية العجز: إختلاف الأصحاب، حيث قال: «و مما يرشد إلى ذلك: أنّهم قد ذكروا الإجماع كما عرفت على اشتراط القدرة، مع أنهم قد حكوا الخلاف في امور، منها: بيع الضال، فإنّه قد قيل فيه وجوه ...» إلى أن قال:

و منها: بيع الضالة، و فيها احتمالات، أوّلها الصحة ...» «2».

و لا يخفى أنّ المستفاد من عبارة الجواهر امور:

الأوّل: أن المراد بالقدرة في المقام هو عدم العجز، يعني: أنّ العجز مانع.

الثاني: قياس الوضع بالتكليف، حيث إنّ المراد بالقدرة المعتبرة في التكليف هو عدم العجز، لا شرطية القدرة، و إلّا فلا مجال لقاعدة الاشتغال مع الشك في القدرة، بل لا بدّ من جريان البراءة فيه كما لا يخفى.

الثالث: أنّ الثمرة بين شرطية القدرة و مانعية العجز تظهر في موارد الشك، فإنّه بناء على اعتبار القدرة لا يصح البيع إلّا بعد إحرازها. و بناء على مانعية العجز يصح حتى يحرز العجز. فلو باع بزعم عدم القدرة على التسليم، فبان التمكن منه صحّ بناء على مانعية العجز، كما صرّح به في موضع آخر «3».

الرابع: أنّ الوجه في حمل معاقد الإجماعات و غيرها على مانعية العجز هو

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 385

(2) المصدر، ص 385 و 386

(3) المصدر، ص 392

ص: 631

الأصحاب في مسألة الضالّ (1) و الضّالّة، و جعله (2) دليلا على أنّ القدر المتفق عليه ما إذا تحقّق العجز.

و فيه (3)- مع (4)

______________________________

اختلافهم في فروع، و لا يستقيم هذا الخلاف منهم- مع الإجماع المزبور- إلّا بحمل معقد الإجماع على كون المراد بهذا الشرط مانعية العجز الثابت، فيكون مورد اتفاق الغنية و غيرها هو العجز المتحقق. و مورد الخلاف هو العجز المشكوك فيه.

و بعبارة اخرى: لو كانت القدرة على التسليم شرطا إجماعا، لم يتّجه اختلافهم في بيع الضال و الضالة، لأنّ مقتضى لزوم إحراز وجود الشرط بطلان بيعهما، و لا مجال للاختلاف فيه. و هذا بخلاف كون العجز مانعا، فإن احرز العجز لم يصح البيع، و إن شكّ فيه جاز، لأصالة عدم المانع، هذا.

(1) المراد به المملوك و هو العبد، إذا ضاع. و المراد بالضالة ما عداه، كالبعير و الفرس و نحوهما.

(2) يعني: جعل صاحب الجواهر إختلاف الأصحاب- في مسألة بيع الضال و الضالّة- دليلا ... الخ.

(3) أورد المصنف قدّس سرّه على ما في الجواهر- من مانعية العجز- بوجوه أربعة:

الأوّل: أنّ استظهار مانعية العجز من كلمات الأصحاب ممنوع، لمنافاته لظهور بعضها و صريح الآخر، قال العلّامة قدّس سرّه: «الشرط الرابع- من شرائط العوضين- القدرة على التسليم، و هو إجماع في صحة البيع، ليخرج البيع عن أن يكون بيع غرر» «1». و من المعلوم أنّ حمل شرطية القدرة على مانعية العجز نصرّف في الدلالة بلا موجب.

(4) كذا في نسختنا و بعض النّسخ، و في بعضها «و فيه ما عرفت» و الظاهر سقوط كلمة «مع أو مضافا» ليكون قوله: «ان العجز» مبتدء مؤخّرا كما لا يخفى.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 48

ص: 632

ما عرفت (1) من أنّ صريح معاقد الإجماع خصوصا (2) عبارة الغنية المتأكدة بالتصريح بالانتفاء عند الانتفاء، هي (3) شرطية القدرة-: أنّ (4) العجز أمر عدمي، لأنّه (5) عدم القدرة عمّن من شأنه- صنفا (6)

______________________________

(1) يعني: في أوّل المسألة، فراجع (ص 580).

(2) وجه الخصوصية صراحة عبارة الغنية في الشرطية، من جهة تفريع بطلان بيع غير مقدور التسليم على انتفاء الشرط. و لو كان العجز مانعا عن الصحة كان المناسب أن يقال: «فينتفي البيع عند وجود المانع» لوضوح استناد بطلان البيع إلى وجود المانع حينئذ، لا إلى عدمه.

(3) خبر قوله: «ان صريح».

(4) هذا ثاني الوجوه، و محصله: أنّ تعريف «المانع» لا ينطبق على العجز.

و توضيحه: أنّ المانع هو الأمر الوجودي المزاحم لتأثير المقتضي في مقتضاه، كالرطوبة المانعة عن تأثير النار في المحترق. و العجز أمر عدمي لا يصحّ اعتبار مانعيته عن البيع.

ثم إنّ تقابل العجز و القدرة يكون من تقابل العدم و الملكة كالعمى و البصر، فالعجز هو عدم التمكن من فعل فيمن تتمشّى منه القدرة عليه، سواء أ كانت شأنية القدرة عليه باعتبار جنس العقد، كما إذا كان مقتضى العقد التسليم و الإقباض، و إن لم يشتمل على المعاوضة كالهبة. أم كانت باعتبار نوع العقد بأن كان معاوضيّا مقتضيا للتسليم كالبيع و الإجارة و الصلح المفيد فائدتهما. أم كانت باعتبار صنف العقد بأن كان بيعا حالا، إذ من شأنه التمكن من التسليم. فيطلق العاجز في هذه الموارد الثلاثة لو لم يقدر العاقد على الوفاء و الإقباض.

(5) أي: لأن العجز هو العدم في المحلّ القابل للتمكن.

(6) كما في البائع الذي يباشر بيع ماله، فإنّ صنف البائعين المباشرين لبيع أموالهم ممّن يقدر على تسليم المبيع، فالقدرة تكون من حيث الصنف.

ص: 633

أو نوعا (1) أو جنسا (2)- أن يقدر، فكيف يكون (3) مانعا، مع أنّ المانع هو الأمر الوجودي الذي يلزم من وجوده العدم؟

ثمّ لو سلّم (4) صحة إطلاق «المانع»

______________________________

(1) كمن يبادل ماله بمال، سواء أ كان ببيع أم صلح أم غيرهما، فالقدرة ثابتة لهذا الشخص بحسب النوع.

(2) كقدرة هذا العاقد على التسليم من حيث كونه عاقدا و إن لم يكن مالكا، بل كان وكيلا.

(3) أي: فكيف يطلق «المانع» على العجز مع أنّ «المانع» المصطلح وجودي لا عدمي؟

(4) هذا ثالث الوجوه، و حاصله: أنّه لو سلّم إطلاق «المانع» على العجز- لعدم كونه من العدم المطلق، بل من المضاف الذي له حظ من الوجود- قلنا: إنّ الثمرة التي ذكرها الجواهر بين شرطية القدرة و مانعية العجز لا تترتب على النزاع المزبور، و ذلك لأنّ الشك في القدرة و العجز إمّا مسبوق بالعلم بأحدهما، و إمّا غير مسبوق به.

فعلى الأوّل يستصحب ما كان سابقا. فإن كانت الحالة السابقة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. و إن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة.

و لا فرق بين الاستصحابين نتيجة، إذ بناء على شرطية القدرة أو مانعية العجز إن كانت الحالة السابقة المعلومة هي القدرة، فيستصحب القدرة أو عدم العجز. و إن كانت هي العجز فيستصحب العجز أو عدم القدرة. و على كل حال لا تبقى ثمرة للقول بشرطية القدرة و مانعية العجز.

و لا فرق في انتفاء الثمرة- بين شرطية القدرة و مانعية العجز- بين أنحاء الشبهة من كونها موضوعية أو مفهومية أو حكمية.

و بيانه: أن الشك تارة في انطباق المفهوم المبيّن على ما في الخارج، كما إذا

ص: 634

عليه (1) لا ثمرة فيه (2)، لا في صورة الشك الموضوعي أو الحكمي، و لا في غيرهما (3)، فإنّا إذا شككنا في تحقق القدرة و العجز (4) مع سبق القدرة فالأصل بقاؤها، أو (5) لا معه فالأصل عدمها- أعني العجز- سواء جعل القدرة شرطا أو العجز مانعا [1].

______________________________

علم بحدود مفهوم القدرة، و أنّه «ما لا يصل إلى حدّ الاستحالة العادية» و لكن شكّ في خصوص المورد أنّه هل يكون محالا عاديّا بالنسبة إليه أم لا.

و اخرى في حدود المفهوم و سعته و ضيقه، و أن القدرة تختص بغير الخارج عن الأسباب العادية أو تعمّ الخارج عن المتعسّر و إن لم يصل إلى حدّ المحال العادي.

و ثالثة يشكّ فيما خرج عن حيّز عمومات الصحة، من أنّه العجز المستمر أو خصوص العجز حين العقد.

(1) أي: على العجز و عدم القدرة.

(2) أي: في النزاع بين شرطية القدرة و مانعية العجز.

(3) كالشك المفهومي، الملحق بالحكمي.

(4) هذا إشارة إلى الشبهة الموضوعية، يعني- بعد الإحاطة بمفهوم القدرة و العجز، و أنّه تعذر التسليم مثلا لا تعسّره- لو شك في تحققها، فتارة تكون الحالة السابقة محرزة، و هي إمّا القدرة فتستصحب، و يصحّ البيع، و إما العجز فيستصحب و يحكم بالفساد. و اخرى لا تكون محرزة، و لم يتعرض المصنف قدّس سرّه لحكمها، و قد ذكرناه في التعليقة.

(5) معطوف على «سبق» أي: لا مع سبق القدرة، بل مع سبق عدم القدرة، فيستصحب العجز.

______________________________

[1] أقول: تترتب الثمرة على القولين فيما إذا لم تعلم الحالة السابقة. فعلى القول بالشرطية لا يصح البيع، لعدم إحراز الشرط بوجه. و على القول بالمانعية يصح

ص: 635

و إذا شككنا (1) في أنّ الخارج عن عمومات الصحة هو العجز المستمرّ أو العجز في الجملة، أو شككنا (2) في أنّ المراد بالعجز

______________________________

(1) معطوف على «إذا شككنا» و إشارة إلى الشبهة الحكمية، بأن علمنا بتخصيص عمومات الصحة بمثل النهي عن بيع الغرر، و أنّ القدرة على التسليم شرط في الجملة أو أنّ العجز مانع كذلك، و لكن لم نعلم بأنّ المانع هو العجز المستمر في مدة طويلة، أم هو العجز في الجملة أي في مدة قصيرة بعد العقد.

و المرجع في غير القدر المتيقن من المخصّص عن عمومات الإمضاء، فيحكم بالصحة لو كان العجز في فترة قصيرة و أمكن التسليم بعدها.

(2) معطوف أيضا على قوله: «إذا شككنا» و إشارة إلى حكم الشبهة المفهومية، بأن علم دخل القدرة أو عدم العجز، و لكن شك في أنّ القدرة المعتبرة هي ما تقابل تعذر التسليم عرفا، أم تعم ما يقابل التعسّر كذلك، بحيث لو كان في التسليم مشفة صدق عليه العجز أو عدم القدرة.

و الشبهة المفهومية كالحكمية من مرجعية عمومات الصحة في غير القدر المتيقن.

______________________________

البيع، لأنّ المقتضي لصحة البيع موجود و المانع غير محرز، و عدم إحرازه كاف في ترتب الأثر على المقتضي، لا أنّه يحرز عدم المانع بالأصل حتى يستشكل فيه بتساوي الأصل بالنسبة إلى القدرة و العجز.

و إن كان فيه ما لا يخفى، لعدم ترتب الأثر بالفرض على القدرة حتى يجري الأصل في عدمها.

لكن ما ذكرناه من كفاية عدم إحراز المانع مبني على حجية قاعدة المقتضي و المانع كما لا يخفى. و لمّا لم تكن القاعدة معتبرة عند المصنف فلا بدّ من التمسك للفساد فيما لم تعلم الحالة السابقة بأصالة الفساد، للشك في كون الخارج هل هو هذا أم غيره؟ فلا يمكن التمسك بعمومات الصحة.

ص: 636

ما يعمّ التعسّر- كما حكي (1)- أم خصوص التعذّر، فاللازم (2) التمسك بعمومات الصحة، من غير فرق بين تسمية القدرة شرطا أو العجز مانعا.

و الحاصل (3): أنّ التردّد بين شرطية الشي ء و مانعيّة مقابله

______________________________

(1) الحاكي صاحبا المصابيح و الجواهر، و المحكي عنه شيخ الطائفة قدّس سرّه، ففي الخلاف: «إذا كانت له أجمة، يحبس فيها السمك، فحبس فيها سمكا و باعه، لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون قليلا ... و الأمر الآخر: أن يكون الماء كثيرا صافيا، و السمك مشاهدا، إلّا أنّه لا يمكن أخذه إلّا بمئونة و تعب حتى يصطاده، فعندنا أنه لا يصح بيعه، إلّا أن يبيعه مع ما فيه من القصب ... الخ» «1».

و حكى العلّامة عدم جواز بيع ما في تسليمه مشقة عن الشافعي في أحد قوليه، فراجع «2».

و عبّر صاحب الجواهر عمّا يقابل التعذر بالمشقة و التعسّر «3».

و عليه فالظاهر أن مقصودهم من «التعب و المشقة و العسر و ما فيه مئونة» أمر واحد، و هو ما قابل التعذر.

(2) جواب الشرط في قوله: «و إذا شككنا في أن الخارج» و هذا بيان حكم الشبهتين الحكمية و المفهومية، سواء أ كانت القدرة شرطا أم العجز مانعا.

(3) هذا حاصل ما تقدم في الوجهين الثاني و الثالث، من أنّه لا يصح تردد ما هو دخيل في البيع بين شرطية أمر وجودي و هو التمكن من التسليم، و بين مانعية أمر عدمي و هو العجز، مع أنّ المقابلة تكون بين الوجوديين المعبّر عنهما بالضدين.

و لو سلّم كون العجز مانعا لم يجد هنا، لاختصاص ثمرة البحث بما إذا كان

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 155، كتاب البيوع، المسألة: 245؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 403

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 50

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 404

ص: 637

إنّما يصحّ (1) و يثمر (2) في الضدين مثل الفسق (3) و العدالة، لا (4) فيما نحن فيه و شبهه كالعلم و الجهل.

و أمّا إختلاف (5) الأصحاب في مسألة الضّالّ و الضّالّة فليس لشكّ المالك

______________________________

محتمل الشرطية و المانعية وجوديّا كالضدين، كما إذا شك في كون العدالة شرطا في إمامة الجماعة، أو كون الفسق مانعا عنها. فعلى الاشتراط لا بدّ من إحرازها بحجة، و إلّا جرى أصالة عدم كونه عادلا، فلا يجوز الصلاة خلف مجهول الحال. و على المنع تصح الصلاة خلفه، لاستصحاب عدم كونه فاسقا.

و هذا بخلاف المقام، إذ لو كانت الحالة السابقة هي القدرة على التسليم صحّ البيع استصحابا لها، و لو كانت هي العجز لم يصحّ، سواء قلنا بشرطية القدرة أم بمانعية العجز.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و هو عدم كون العجز مانعا.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الثالث، و هو انتفاء الثمرة.

(3) بناء على كون الفسق أمرا وجوديا لا عدميا، بأن يكون عدم العدالة و مقابلا لها تقابل العدم و الملكة.

(4) معطوف على «في الضدين» يعني: لا يثمر في المقام، كما لا يثمر في الشك في شرطية العلم لوجوب إكرام زيد مثلا، أو مانعية الجهل عنه، لكون الجهل عدميا لا وجوديا، مع أنّ «المانع» عنوان للأمر الموجود.

(5) هذا هو الوجه الرابع، و الغرض منه نفي ما استشهد به صاحب الجواهر لإثبات مانعية العجز، لأنّه قدّس سرّه جعل هذا الاختلاف في مقابل اتفاقهم على عدم جواز بيع السمك في الماء و الطير في الهواء دليلا على مانعية العجز المعلوم، إذ لو كانت القدرة الفعلية معتبرة في صحة البيع لم يكن وجه للاختلاف في صحة البيع و بطلانه في الموارد التي أشار إليها الجواهر في كلامه، بل كان اللازم الحكم بالبطلان في الجميع،

ص: 638

في القدرة و العجز، و مبنيّا على كون القدرة شرطا أو العجز مانعا- كما (1) يظهر من أدلتهم على الصحة الفساد- بل لما سيجي ء عند التعرض لحكمها (2).

______________________________

لاشتراكها في عدم الشرط، و هو القدرة الفعلية على التسليم، إمّا وجدانا و إما تعبدا لأصالة عدم تحقق الشرط.

فالاختلاف شاهد على مانعية العجز المعلوم في السمك و الطير في الماء و الهواء دون العبد الضال و الدابة الضالة، إذ يتجه الاختلاف في بيعهما لو شك المالك في القدرة على تسليم المبيع، فإنّ القائل بالجواز يتمسك بأصالة عدم تحقق المانع عن صحة العقد، و القائل بالبطلان يعتمد على النبوي الناهي عن الغرر.

و محصّل إيراد المصنف قدّس سرّه عليه هو: أنّ اختلافهم في بيع الضال لا يشهد بكون العجز مانعا، فالقائل بالبطلان تمسّك بالنهي عن الغرر، و القائل بالصحة منع الغرر، مدّعيا: أنّ المبيع قبل قبضه يكون في ضمان البائع لا المشتري، فلو تعذّر تسليمه بطل البيع من زمان ظهور العجز، لا من حين العقد. و من المعلوم أن مقتضى مانعية العجز الواقعي بطلان البيع من أوّل الأمر.

(1) هذا قيد للنفي لا المنفي، و حاصله: أنّه يظهر من الأدلة التي أقاموها على صحة البيع و فساده عدم ابتناء الخلاف على ما زعمه صاحب الجواهر، بل على ما سيأتي في تلك المسألة إن شاء اللّه تعالى.

أمّا أدلتهم على الفساد فهي حديث الغرر و الإجماع على القدرة على التسليم.

و أما أدلتهم على الصحة فهي المناقشة في الإجماع بتردد مدّعيه- كالعلّامة في التذكرة- في صحة بيع الضال منفردا، فإنّ هذا التردد يوهن الإجماع.

و في الحديث بأنّ الغرر لا يلزم مع فرض كون تلف المبيع قبل القبض من البائع كما سيأتي الكلام في ذلك.

(2) أي: لحكم المسألة، و سيأتي- في بيع العبد الآبق- بقوله: «و أمّا الضال و المجحود و المغصوب و نحوها ... فالأقوى فيها عدم الجواز، وفاقا لجماعة، للغرر المنفي، المعتضد بالإجماع».

ص: 639

ثمّ (1) إنّ العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم (2)، فلا ينفع (3) وجودها حال العقد إذا علم بعدمها حال استحقاق التسليم، كما

______________________________

(1) هذا هو التنبيه الثاني، و المقصود من التعرض له تحقيق مورد اعتبار القدرة على التسليم في البيع، و أنه شرط في مطلق البيوع أم في بعضها.

و محصل ما أفاده: أنّ قدرة البائع- حال العقد- على تسليم المبيع منوط بامور:

الأوّل: أن لا تكون العين عند المشتري، فلو كانت عنده قبل البيع، لعارية أو إجارة أو غصب أو غير ذلك، لم يعتبر تمكن البائع من التسليم، و لم يكن عجزه عنه مانعا أصلا.

الثاني: أن يعتبر التسليم في البيع كما هو الغالب، فلو لم يشترط فيه صحّ و إن كان عاجزا عن الإقباض، كما لو اشترى من ينعتق عليه كالعمودين، و لم يكن المبيع حاضرا عند البائع، لتحرّره بالعقد المملّك، و لا دخل لتسلّم المشتري له فيه أصلا.

الثالث: أن يستحق المشتري تسلّم المبيع بنفس العقد، كما في بيع العين الشخصية التي يقتضي إطلاق العقد تسليمها للمشتري، و كذا العين الكلية الحالة كصاع من صبرة. فلا يشترط البيع بالقدرة على التسليم حال العقد لو لم يستحقه المشتري إمّا لاشتراط تأخيره مدة، و إمّا لتزلزل العقد من جهة كون البائع فضوليا، فلا يستحق التسليم قبل إجازة المالك بناء على النقل. و إمّا لكون المبيع عينا مرهونة إذا باعها الراهن بدون إذن، فلا يستحق المشتري قبضها قبل الفك أو إجازة المرتهن.

هذا إذا كان التسليم معتبرا من جهة كونه وفاء بالعقد. و أما إذا اعتبر من جهة دخله في السبب المملّك، فسيأتي.

(2) إذ لا وجوب قبل الاستحقاق، و لا يلزم كون البيع غرريا مع فرض حصول القدرة على التسليم في زمان متأخر عن العقد.

(3) لصدق «الغرر» المنهي عنه مع فرض العجز عن التسليم في زمان استحقاقه المتأخر عن البيع، و لا ينفع قدرته عليه حال العقد.

ص: 640

لا يقدح عدمها (1) قبل الاستحقاق و لو حين العقد.

و يتفرّع على ذلك (2): عدم اعتبارها أصلا إذا كانت العين في يد المشتري (3)، و فيما (4) لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنّه ينعتق بمجرّد الشراء، و لا سبيل لأحد عليه. و فيما (5) إذا لم يستحق التسليم بمجرّد العقد، إمّا لاشتراط تأخيره (6) مدّة، و إمّا لتزلزل العقد، كما إذا اشترى فضولا، فإنّه (7) لا يستحقّ التسليم إلّا بعد إجازة المالك، فلا يعتبر القدرة على التسليم قبلها (8).

______________________________

(1) فلو كانت القدرة معدومة حال العقد، و موجودة في زمان استحقاق التسليم، صحّ البيع.

هذا ما أفاده المصنف قدّس سرّه من الضابطة في شرطية القدرة، و قد أدرجناها في الامور الثلاثة، و سيأتي ما يتفرّع على كلّ منها.

(2) أي: على كون العبرة- في الشرط المذكور- بالقدرة في زمان الاستحقاق.

(3) تقدم تفريعه على الأمر الأوّل.

(4) معطوف على «إذا كانت» و هذا هو الأمر الثاني، و يتفرع عليه صحة بيع من ينعتق على المشتري لو عجز البائع عن تسليمه إليه.

(5) معطوف أيضا على «إذا كانت» و هذا ثالث الامور الدخيلة في شرطية القدرة على التسليم.

(6) أي: تأخير تسليم المبيع، كما إذا باع داره و اشترط تأخير تسليمها إلى المشتري ثلاثة أشهر، فيكفي في صحة البيع تمكن البائع من التسليم عند الأجل، و لا يجدي قدرته حال العقد.

(7) أي: فإنّ المشتري لا يستحق التسليم بنفس الإيجاب و القبول، لعدم تأثيره فعلا في النقل و الانتقال.

(8) أي: قبل إجازة المالك، الموجبة لانتساب العقد إليه، و لذا يعتبر تمكنه من

ص: 641

لكن يشكل على الكشف (1)، من حيث (2) إنّه لازم من طرف الأصيل، فيتحقق الغرر بالنسبة إليه (3) إذا انتقل إليه ما لا يقدر (4) على تحصيله. نعم هو (5) حسن في الفضولي من الطرفين.

______________________________

التسليم حال الإجازة.

(1) غرضه الإشكال على عدّ بيع الفضولي من أمثلة ما لا يعتبر القدرة على التسليم فيه حال العقد، و كفايته حال الإجازة. و منشأ الإشكال ما ذكروه في ثمرات الكشف و النقل من أنّ تمام الموضوع لوجوب الوفاء- و المؤثّر في الملكية- هو العقد، و يكون الأصيل مأمورا بالوفاء في المدة المتخللة بين العقد و الإجازة، و ممنوعا من التصرف في ما انتقل عنه و ما انتقل إليه.

و بناء عليه يكون البيع غرريا بالنسبة إليه، لعدم وجوب التسليم على المالك قبل الإجازة، و عدم قدرة المشتري من الفضولي على تحصيله، فيلزم الغرر.

نعم لا يلزم الغرر في موردين:

أحدهما: ما لو كان كلا المتبايعين فضوليا، لوضوح أن التمكن من التسليم ملحوط في من يخاطب بوجوب الوفاء، و هو الأصيل و المجيز، لا الفضولي.

ثانيهما: ما لو بنينا في الإجازة على النقل، لعدم تمامية السبب المملّك قبل لحوق الإجازة، فللأصيل الرجوع عن التزامه و حلّ العقد.

(2) هذا تقريب الإشكال بناء على كون الإجازة كاشفة حقيقة عن تأثير العقد من حينه.

(3) أي: بالنسبة إلى الأصيل المشتري من الفضولي.

(4) لكون المال عند مالكه الذي لم يجز بعد عقد الفضول.

(5) أي: عدم اعتبار القدرة على التسليم حسن في الفضولي من الطرفين، لتزلزل العقد بالنسبة إليهما معا.

ص: 642

و مثله (1) بيع الرهن قبل إجازة المرتهن أو فكّه.

بل (2) و كذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السّلم، لأنّ (3) تأثير العقد قبل التسليم في المجلس موقوف على تحقّقه (4)، فلا يلزم غرر.

و لو تعذّر التسليم بعد العقد (5) رجع إلى تعذّر الشرط،

______________________________

(1) أي: و مثل العقد الفضولي بيع الراهن قبل إجازة المرتهن، و المراد مماثلته له في كلا الأمرين، و هما: عدم اعتبار القدرة على التسليم حال العقد، و إشكال لزوم الغرر بناء على كون إجازة المرتهن كاشفة.

نعم بناء على النقل أو كون المشتري من الراهن فضوليا لا يلزم الغرر.

هذا كله في عدم اعتبار التمكن من التسليم فيما يكون وجوبه تكليفيا، للوفاء بالعقد. و سيأتي حكمه فيما لو كان التسليم معتبرا في تأثير العقد.

(2) الأولى أن يقال: «بل و كذا لا يعتبر القدرة على تسليم ثمن السلم حين العقد» يعني: بل يمكن الالتزام بعدم اعتبار القدرة على التسليم فيما يكون لها دخل في تأثير العقد، بحيث لا يترتب مضمونه إلّا بالتسليم و الإقباض، و ذلك لعدم الغرر مع عدمها، إذ الغرر يلزم فيما إذا تحقق مضمون العقد، و ترتّب النقل و الانتقال على العقد، و أمّا إذا توقف تأثير العقد على القبض في المجلس- لا في حال العقد- فلا غرر.

(3) تعليل لعدم اعتبار التمكن من القبض حال العقد.

(4) أي: تحقّق التسليم.

(5) حاصله: أنّه إذا تعذر التسليم- المعتبر في تأثير العقد و صحته- بعد العقد كالقبض في بيعي الصرف و السلم، رجع إلى تعذر شرط الصحة، فيبطل العقد، إذ المؤثّر هو العقد المتعقب بالقبض، فتعذّره يوجب بطلان العقد، إلّا إذا صار ممكن الحصول بعد العقد بعد أن كان متعذرا حينه، فإنّه متى حصل الجزء الأخير للموضوع ترتب عليه الحكم الشرعي.

ص: 643

و من المعلوم (1) أنّ تعذّر الشرط المتأخّر حال العقد غير قادح، بل (2) لا يقدح العلم بتعذّره فيما بعده في تأثير العقد إذا اتّفق حصوله (3)، فإنّ الشروط المتأخرة (4) لا يجب إحرازها حال العقد، و لا العلم بتحقّقها فيما بعد.

و الحاصل (5): أنّ تعذر التسليم مانع في بيع يكون التسليم من أحكامه،

______________________________

(1) يعني: أنّ تعذر الشرط المتأخر عن العقد- المعتبر في صحته- غير قادح، سواء أ كان تعذره حين العقد بعد أن كان مقدورا قبله، أم كان بعد القعد بعد أن كان مقدورا حال العقد. فإن حصل الشرط بعد العقد و لو بعد زمان كفى في صحته، لما عرفت من أنّ القبض جزء المؤثّر، فما لم يتحقق لا يؤثر العقد، و لذا لا يقدح ذلك مع العلم بعدم القدرة حال العقد، هذا.

ثم إنّ العبارة لا تخلو عن حزازة، لأنّ المصنف قدّس سرّه في مقام بيان وجه عدم القادحية فيما إذا تعذر التسليم بعد القعد، و قوله: «و من المعلوم أنّ تعذر الشرط المتأخر ... الخ» بيان لوجه عدم قدح الشرط المتعذر حال العقد لا بعده، حيث إنّ قوله: «حال العقد» ظرف لتعذر الشرط، كما لا يخفى.

(2) هذا ترقّ من عدم قدح تعذر الشرط المتأخر بعد العقد مع الجهل بتعذره، و حاصله: أنّه لو علم في بيع السلم بتعذر تسليم الثمن بعد العقد، و اتفق حصوله بعد البيع، لم يكن العلم المزبور مانعا عن تأثير العقد، إذ لا دخل لقبض الثمن في نفس الإيجاب و القبول حتى يقدح تعذره المعلوم حال الإنشاء و بعده، و المفروض كفاية حصول الشرط المتأخر- اتفاقا- في الصحة قبل انقضاء المجلس.

(3) أي: حصول الشرط المتأخر.

(4) كالإجازة في عقد الفضولي، إذ لا يجب العلم بتحققها بعد العقد، بل يكفي حصولها الاتفاقي.

(5) هذا حاصل ما أفاده من قوله: «ثم إن العبرة في الشرط المذكور ... الخ» من بيان حكم التمكن من التسليم في القسمين- و هما كونه من أحكام العقد، و كونه

ص: 644

لا من شروط تأثيره. و السّرّ فيه (1): أنّ التسليم فيه جزء الناقل، فلا يلزم غرر من تعلّقه (2) بغير المقدور.

و بعبارة اخرى (3): الاعتبار بالقدرة على التسليم بعد تمام الناقل،

______________________________

شرطا للتأثير- و محصله: أن التسليم في غير بيع السلم و الصرف و الهبة يكون من أحكام العقد و آثاره، إذ المؤثر في المنشأ هو نفس العقد، و بعد التأثير يجب ترتيب الأثر عليه، و منه تسليم كل منهما ما انتقل عنه إلى صاحبه و عدم حبسه، لكونه ظلما محرما. فتعذر التسليم حينئذ يكون مانعا عن لزوم العقد.

و أما إذا كان القبض جزء الناقل- بحيث لا يؤثّر العقد إلّا في ظرف وجوده- لم يكن تعذره مانعا، بل موجبا لنقصان في المقتضي.

(1) أي: و السّرّ في عدم كون تعذر التسليم مانعا عن صحة مثل بيع السّلم هو:

أنّ القبض جزء السبب الناقل، فلا يلزم محذور الغرر لو تبيّن العجز عن التسليم، لانكشاف عدم وقوع العقد الناقل حينئذ.

(2) أي: تعلّق العقد.

(3) هذه العبارة تقريب آخر لاختصاص شرطية القدرة على التسليم بما يكون العقد تامّا في التأثير، و حاصله: أنّه لا موضوع للشرطية في ما يكون القبض جزء الناقل، بشهادة عدم قدح عجز البائع عن التسليم حين العقد لو علم بتجدد القدرة بعده.

و لمّا كان القبض في مثل بيع السّلم دخيلا في السبب الناقل، لم يعتبر التمكن منه حال الإنشاء، و حينئذ فإن لم يتحقق القبض في المجلس فلا عقد حتى يبحث عن غرريته بعدم التسليم، و إن تحقق فيه لم يبق موضوع للشرطية، لحصول الثمن في يد البائع سلما. و معه لا معنى للبحث عن اعتبار القدرة على التسليم.

و عليه يختص الاشتراط بما إذا كان القبض واجبا من جهة الوفاء بالعقد، بعد تماميته، و أمّا بيع الصرف و السلّم فلا موضوع لشرطية القدرة فيهما، لكون القبض دخيلا في الصحة، كدخل الإجازة في وجوب الوفاء بالعقد الفضولي.

ص: 645

و لهذا (1) لا يقدح كونه عاجزا قبل القبول إذا علم بتجدّد القدرة بعده، و المفروض (2) أنّ المبيع بعد تحقق الجزء الأخير من الناقل- و هو القبض- حاصل في يد المشتري (3)، فالقبض مثل الإجازة (4) بناء على النقل، و أولى منها بناء على الكشف (5).

و كذلك (6) الكلام في عقد الرهن، فإنّ اشتراط القدرة على التسليم فيه- بناء (7) على اشتراط القبض (8)-

______________________________

(1) أي: و لأجل كون التمكن من التسليم معتبرا بعد تمام السبب الناقل، لم يقدح عجز البائع قبل القبول، لعدم تمامية الناقل حسب الفرض.

(2) يعني: أنّ ما ذكرناه حكم عدم دخل القبض في تأثير العقد. و أمّا في بيع الصرف فلا جدوى في شرطية القدرة على التسليم، بعد حصول المبيع في يد المشتري.

(3) و كذا بيع السلم بعد حصول الثمن في يد البائع.

(4) يعني: في كونه جزء الناقل.

(5) وجه الأولوية عدم كون الإجازة- بناء على الكشف- جزء المؤثر، و المفروض كون القبض جزء الناقل، فيكون أولى من الإجازة الكاشفة.

(6) يعني: كما لا تعتبر القدرة على التسليم- حال العقد- في بيع الصرف، فكذا في عقد الرهن بناء على دخل القبض في صحته بمقتضى الآية الشريفة فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ فإن حصلت بعد العقد و تحقق القبض خارجا صحّ العقد و لزم من جانب الراهن، و إن لم تحصل بطل العقد، لا أنّه يصحّ و يكون غرريّا.

(7) و أمّا بناء على عدم اشتراط الرهن بالقبض، بأن كان من أحكامه، كان الرهن نظير ما عدا بيع الصرف و السلم، من عدم اعتبار القدرة عليه حال العقد.

(8) قال المحقق قدّس سرّه: «و هل القبض شرط فيه؟ قيل: لا، و قيل نعم، و هو الأصحّ» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 75

ص: 646

إنّما (1) هو من حيث اشتراط القبض، فلا يجب إحرازه حين الرّهن، و لا العلم بتحققه (2) بعده، فلو رهن (3) ما يتعذر تسليمه ثم اتفق حصوله في يد المرتهن أثّر العقد أثره، و سيجي ء الكلام في باب الرّهن (4).

اللّهم إلّا أن يقال (5): إنّ المنفي في النبوي هو كلّ معاملة تكون بحسب العرف غررا، فالبيع (6) المشروط فيه القبض- كالصّرف و السّلم- إذا وقع على عوض مجهول قبل القبض (7) أو غير مقدور،

______________________________

(1) خبر قوله: «فإنّ اشتراط».

(2) أي: بتحقق القبض بعد عقد الرهن.

(3) هذا متفرّع على كون القبض شرطا في عقد الرهن- صحة أو لزوما- كشرطية قبض الثمن في بيع السّلم.

(4) لم أظفر بكتاب الرهن للمصنف قدّس سرّه حتى يعلم رأيه في اشتراطه بالقبض و عدمه. كما لم يظهر ذلك مما أفاده في أحكام القبض، فراجع آخر الكتاب.

(5) هذا استدراك على قوله: «ان تعذر الشرط المتأخر حال العقد غير قادح» و حاصله: إثبات اشتراط التمكن من التسليم في السّلم و الرهن و نحوهما، فيبطل العقد بالعجز عنه، توضيحه: أنّ الغرر المنهي عنه لا يختص بما إذا كان التسليم من أحكام العقد لا من شرائط تأثيره، إذ الغرر لا يراد به إلّا مفهومه العرفي، و هو أعم من الغرر الشرعي، فيصدق الغرر العرفي على كل قبض غير مقدور و إن لم يكن بغرر شرعا، لتوقف الانتقال على القبض، فلا غرر شرعا ما لم يتحقق الانتقال. فالبيع المنوطة صحته بالقبض- كالصرف و السّلم- غرري إن لم يكن المبيع مقدور التسليم، و المراد من متعلق النهي هو المفهوم العرفي.

(6) هذا متفرع على كون النبوي مانعا عن كل معاملة غررية بنظر العرف، فالمرجع في صدق «الغرر» هو العرف، لا الشرع.

(7) يعني: و كان مقدار العوض معلوما بعد قبضه، فيبطل البيع من جهة جهالة

ص: 647

غرر (1) عرفا، لأنّ (2) اشتراط القبض في نقل العوضين شرعي لا عرفي، فيصدق (3) الغرر و الخطر عرفا و إن لم يتحقّق شرعا، إذ (4) قبل التسليم لا انتقال، و بعده (5) لا خطر، لكن النهي و الفساد يتبعان بيع الغرر عرفا.

و من هنا (6) يمكن الحكم بفساد بيع غير المالك إذا باع لنفسه- لا عن

______________________________

الثمن. و ذكر العوض المجهول للتنبيه على اشتراك الغرر بين الجهل بالعوض و بين العجز عن التسليم، لاستناد كليهما إلى صدق الغرر.

(1) خبر قوله: «فالبيع» فيصدق الغرر عرفا و إن لم يصدق شرعا، لعدم تمامية العقد الناقل من جهة توقفه على القبض.

(2) تعليل لصدق الغرر العرفي على عدم تحقق قبض العوضين.

(3) هذا نتيجة كون الغرر المنفي عرفيا لا شرعيا.

(4) تعليل لعدم صدق الغرر الشرعي في مثل بيع السلم، قبل قبض الثمن.

(5) يعني: و بعد تسليم الثمن لا خطر، و لازم انتفاء الغرر و الخطر هو الصحة، و لكن المنهي عنه هو عنوان الغرر المستتبع لفساد البيع، و من المعلوم صدق «الغرر» عرفا في بيع الصرف و السلم إن لم يكن التسليم مقدورا فيهما.

(6) أي: و من كون الغرر المنهي عنه عرفيا- لا شرعيا- يتجه فساد بيع الفضولي البائع لنفسه، فإنّه عاجز عن تسليم المبيع للمشتري، قبل إجازة المالك و رضاه بالبيع، و هي غير معلومة الحصول. و لو فرض حصول الإجازة و بتبعها التمكن من التسليم، لم ينفع الفضوليّ، لأنّ إمضاء المالك يوجب انتساب العقد إليه، لا إلى الفضولي.

هذا بناء على عدم دخل رضا المالك- عرفا- في العقد الفضولي، و يكون اعتبار إجازته كاعتبار القبض في الصرف و السلم شرعيّا.

و أمّا بناء على دخل رضاه عرفا فيه يشكل تنظير الغرر الشرعي ببيع الفضولي لنفسه.

ص: 648

المالك (1)- ما لا يقدر على تسليمه.

اللّهم (2) إلّا أن يمنع الغرر العرفي بعد الاطّلاع على كون أثر المعاملة شرعا على وجه لا يلزم منه خطر، فإنّ (3) العرف إذا اطّلعوا على انعتاق القريب بمجرّد شرائه لم يحكموا بالخطر أصلا، و هكذا (4).

______________________________

و لو قيل: إنّ المقصود من الفضولي البائع لنفسه هو الغاصب المستقل في التصرف، المتمكن من التسليم بلا حاجة إلى مراجعة المالك، قلنا: لا وجه حينئذ لاستناد بطلانه إلى النهي عن الغرر عرفا، بعد كون بيعه بيعا عندهم.

(1) إذ لو باع للمالك أمكن حصول القدرة على التسليم بإجازة العقد، فمحذور الغرر العرفي كأنّه مختصّ بقصد وقوع البيع لنفس الفضولي.

(2) هذا استدراك على ما أفاده من اقتضاء النهي في النبوي فساد ما كان غررا عرفا، فيعم بيعي الصرف و السّلم إن كان التسليم غير مقدور.

و حاصل الاستدراك: أنّ الغرر و إن كان عرفيا، إلّا أنّه لا يترتب عليه بطلان البيعين، و ذلك لأنّ الشارع يخطّئ العرف في زعم «الغرر» فيما لو عجز المشتري عن تسليم الثمن حال العقد في بيع السّلم. نظير التخطئة في عدّ أكل المارة باطلا، فيكون جواز الأكل خارجا موضوعا عن النهي عن الأكل بالسبب الباطل، حتى مع بقاء الباطل على معناه العرفي، و عدم إرادة معنى آخر منه كالباطل الواقعي أو الشرعي.

و عليه فمع إحاطة العرف بما نبّه به الشارع- من عدم تمامية السبب الناقل في بيعي الصرف و السلم قبل القبض- لا يرى غرريّتهما لو باع غير قادر حال العقد.

(3) تعليل لمنع الغرر- بنظر العرف- بعد اطّلاعهم على عدم توقف البيع على التسليم في جميع الموارد حتى يكون العجز عنه غررا عرفيا مفسدا للعقد، كما إذا علم بانعتاق القريب بمجرد شرائه، فاشتراه من ينعتق عليه، فانعتق، فإنّه لا غرر في عدم القدرة على التسليم أصلا.

(4) يعني: و هكذا سائر الأمثلة التي لا يعتبر فيها التمكن من التسليم مطلقا أو

ص: 649

فالمناط (1) صدق الغرر عرفا بعد ملاحظة الآثار الشرعية للمعاملة، فتأمل (2).

ثم إنّ الخلاف (3) في أصل المسألة لم يظهر إلّا من الفاضل القطيفي المعاصر

______________________________

حال العقد، و قد تقدّمت في (ص 640) بقوله: «ثم إن العبرة في الشرط المذكور إنّما هو في زمان استحقاق التسليم ... الخ».

(1) يعني: أنّ مناط مانعية الغرر عن صحة البيع هو صدقه العرفي بعد الإحاطة بحكم الشارع من أنّه يعتبر القبض في البيع أم لا يعتبر.

(2) لعلّه إشارة إلى: أنّ المفهوم العرفي لا يناط بالآثار الشرعية، لأنّ العرف بما هو عرف لا نظر له إلى الحكم الشرعي الثابت للموضوع العرفي، فلا يلاحظ في مقام تحديد المفهوم- المتّبع عندهم- الحكم الشرعي المترتب على ذلك الموضوع.

هذا ما يتعلق بالتنبيه الثاني.

(3) السياق قاض بأنّ هذا تنبيه آخر مما يتعلق باعتبار القدرة، و لكنه ليس كذلك، إذ المبحوث عنه هو مخالفة الفاضل الشيخ إبراهيم بن الشيخ سليمان القطيفي- المعاصر للمحقق الثاني، و المناظر معه في جملة من المباحث كمسألة الخراج- في أصل الشرطية، و كان المناسب التعرض لكلامه قبل الخوض في التنبيهات، بعد إقامة الدليل على دخل التمكن من التسليم في صحة البيع.

و كيف كان فكلام صاحب إيضاح النافع يتضمن امورا:

الأوّل: نفي ما صنعه الفقهاء من جعل القدرة في عداد شروط العوضين، و قال بأن الغرض من اعتبارها رعاية مصلحة المشتري، و فرّع على عدم دخلها في البيع صحة العقد في موردين:

أحدهما: تمكن المشتري من التسلّم مع عجز البائع عن التسليم.

ثانيهما: إقدام المشتري- على المعاملة- عالما بعجز البائع عن التسليم.

الثاني: بطلان البيع إذا لم يكن من شأن المبيع أن يقبض عرفا كالطائر الذي فرّ من القفص، و السمك في النهر و نحوهما، لأنّ أكل المال في قباله أكل له بالباطل، و هو منهي عنه. نعم يحتمل جواز المصالحة عليه إن كان فيه غرض عقلائي.

ص: 650

للمحقق الثاني، حيث حكي عنه أنّه قال في إيضاح النافع: «إنّ القدرة على التسليم من مصالح المشتري فقط (1)، لا أنّها (2) شرط في أصل صحة البيع، فلو قدر (3) على التسلّم صحّ البيع و إن لم يكن البائع قادرا عليه (4)، بل (5) لو رضي

______________________________

الثالث: أنّ إطلاق حكم المحقق قدّس سرّه في المختصر النافع- ببطلان بيع الآبق من دون ضميمة- ممنوع، بل يختص الفساد بموارد:

أحدها: عدم رضا المشتري، فيستند البطلان إلى عدم كون التجارة عن تراض.

ثانيها: عدم علم المشتري بالإباق، فلو أقدم على الشراء عالما بالإباق صح البيع، و لو تعذّر الظفر به لم يكن له الرجوع على البائع و استرداد الثمن منه.

ثالثها: عدم علم المشتري بالعجز عن الظفر به، فلو علم بالإباق و لكنه تمكّن عرفا من تحصيله صحّ.

هذا محصّل كلام الفاضل القطيفي رحمه اللّه، و لعلّه لزعم أن الغرر بمعنى «الخدعة» المنتفية مع علم المشتري بالحال، لا بمعنى الخطر، و لذا فصّل بين علم المشتري و جهله.

و سيأتي ما أورده المصنف قدّس سرّه عليه.

(1) فلو لم تقتض مصلحة المشتري تسلّم المبيع لم يقدح عجز البائع عن التسليم في صحة البيع.

(2) أي: لا أنّ القدرة شرط صحة البيع، كما يظهر من عناوين الكتب الفقهية، فقالوا: «و من شرائط العوضين: القدرة على التسليم».

(3) هذا متفرع على كون القدرة مصلحة للمشتري خاصة.

(4) أي: على تسليم المبيع.

(5) الوجه في الإضراب هو أنّ ما قبله صورة عدم علم المشتري بعجز البائع عن التسليم، فمقصود الفاضل تصحيح البيع حتى في صورة إحراز العجز، فضلا عما إذا كان مشكوكا فيه.

ص: 651

بالابتياع مع علمه بعدم تمكّن البائع من التسليم جاز، و ينتقل إليه (1). و لا يرجع على البائع- لعدم (2) القدرة- إذا كان البيع على ذلك (3) مع العلم، فيصحّ (4) بيع المغصوب و نحوه (5).

نعم (6)، إذا لم يكن المبيع من شأنه أن يقبض عرفا، لم يصحّ المعاوضة عليه بالبيع، لأنّه (7) في معنى أكل مال بالباطل. و ربما احتمل إمكان المصالحة عليه (8).

______________________________

(1) أي: و ينتقل المبيع- المتعذّر تسليمه- إلى المشتري.

(2) علة للمنفي و هو الرجوع على البائع، يعني: لا يثبت خيار للمشتري لأجل عدم قدرة البائع على التسليم.

و لكن قيل بجواز رجوعه على البائع من باب تلف المبيع قبل القبض.

و فيه: أنّ مورده التلف، و صدقه على غير مقدور التسليم محل تأمّل.

(3) يعني: إذا كان البيع مبنيّا على رضا المشتري بالابتياع- مع علمه بعدم قدرة البائع على التسليم- صحّ.

(4) هذا متفرع على إلغاء شرطية القدرة على التسليم، و كفاية تمكن المشتري من التسلّم، أو الإقدام على الشراء عالما بعجز البائع عن استنقاذ المال من الغاصب.

(5) كالمجحود، فهو كالمغصوب من حيث عدم قدرة البائع على تسليمه للمشتري.

(6) هذا استدراك على قوله: «لا أنها شرط في أصل صحة البيع» و تقدم توضيحه بقولنا: «الثاني بطلان البيع ... الخ».

(7) تعليل لقوله: «لم يصح» و الضمير راجع إلى البيع و التعاوض، المستفاد من العبارة.

(8) أي: على المبيع الذي لا يتمشّى قبضه عرفا. و وجه جواز المصالحة عليه:

عدم كون الصلح مبادلة مال بمال، حتى لا تصدق في المقام، بل حقيقة الصلح التسالم، و هو متحقق هنا.

ص: 652

و من هنا (1) يعلم أنّ قوله- يعني المحقق في النافع-: «لو باع الآبق منفردا لم يصح» إنّما (2) هو مع عدم رضا المشتري، أو مع عدم علمه، أو كونه (3) بحيث لا يتمكّن منه (4) عرفا. و لو أراد (5) غير ذلك فهو غير مسلّم» انتهى «1».

و فيه (6): ما عرفت من الإجماع،

______________________________

(1) أي: و من عدم كون القدرة شرطا في صحة البيع- بل هي مصلحة للمشتري- يعلم منع إطلاق حكم المحقق قدّس سرّه ببطلان بيع الآبق منفردا.

(2) خبر قوله: «ان قوله» يعني: لا بد من حمل منع المحقق- عن البيع- على أحد الفروض الثلاثة.

(3) هذا الضمير و ضمير «علمه» راجعان إلى المشتري.

(4) أي: من الآبق.

(5) يعني: و لو أراد المحقق قدّس سرّه بمنع البيع غير هذه الفروض أشكل قبوله.

(6) منع المصنف كلام الفاضل بوجهين:

أحدهما: مخالفته للإجماع- سابقا عليه و لا حقا له- على اعتبار التمكن من التسليم في البيع، و معه لا وجه لجعل القدرة عليه من مصالح المشتري.

ثانيهما: لزوم الغرر لو باع ما يعجز عن تسليمه للمشتري، و قد تقدم في (ص 581) استدلال الفريقين بالنبوي- الناهي عن بيع الغرر- على اعتبار القدرة على التسليم. بعد كون الغرر بمعنى الخطر، و لا ريب في عدم اندفاعه بمجرد علم المشتري بعجز البائع، لوضوح أنّ غرض الشارع من النهي عنه المنع عن الإقدام على الخطر مطلقا سواء علم به أم لم يعلم.

فإن قلت: يمكن منع دلالة النبوي على شرطية القدرة على التسليم مطلقا

______________________________

(1) إيضاح النافع (مخطوط) و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 224، مع إختلاف يسير

ص: 653

و لزوم (1) الغرر غير (2) المندفع بعلم المشتري، لأنّ (3) الشارع نهى عن الإقدام عليه. إلّا أن يجعل الغرر هنا (4) بمعنى الخديعة، فيبطل في موضع تحقّقه، و هو عند جهل المشتري (5). و فيه (6) ما فيه.

______________________________

سواء أ كان المشتري عالما بعجز البائع عن التسليم أم جاهلا به، لكونه أخص من المدّعى، و ذلك لابتناء الاستدلال على كون «الغرر» المنهي عنه بمعنى الخطر، و هو أوّل الكلام، لأنّ اللغويين عدّوا من معانيه «الخدعة» و يحتمل إرادتها هنا، و من المعلوم عدم صدقها في صورة علم المشتري بعجز البائع.

و عليه يختص بطلان البيع- من جهة مانعية الغرر- بما إذا كان المشتري جاهلا بعجزه حتى يصدق: أنّ البائع خدعه.

قلت: إنّ الخدعة و إن كانت من معاني الغرر كما تقدم في أوّل المسألة، إلّا أنّ معناه الشائع المفهوم عند الفقهاء هو الخطر، الصادق على صورتي علم المشتري و جهله بعدم قدرة البائع على التسليم.

(1) معطوف على «الإجماع» و هذا إشارة إلى ثاني وجهي المنع.

(2) هذا إشارة إلى أنّ معنى الغرر هو الخطر، و من المعلوم صدقه في حالتي علم المشتري بالعجز، و جهله به. و لو كان بمعنى الخدعة لاختص بصورة الجهل به.

(3) تعليل لعدم جدوى رضا المشتري في صورة علمه بعجز البائع، إذ مع نهي الشارع عن الإقدام على الخطر لا يكون الأمر بيد المشتري حتى ينفعه رضاه.

(4) أي: في الحديث الناهي عن الغرر. و تقدم توضيح هذا الإشكال بقولنا:

«فإن قلت ...».

(5) و لا موجب لبطلانه في موضع عدم تحقق الخدعة، بأن كان المشتري عالما بالحال.

(6) أي: و في جعل الغرر بمعنى الخدعة إشكال، كما تقدم تقريبه بقولنا:

«قلت: ان الخدعة ... الخ».

ص: 654

ثمّ إنّ الظاهر (1)- كما اعترف به بعض الأساطين «1»- أنّ القدرة على التسليم ليست مقصودة بالاشتراط إلّا بالتبع (2)، و إنّما المقصد الأصلي هو التسلّم، و من هنا (3) لو كان المشتري قادرا دون البائع كفى في الصحة،

______________________________

(1) هذا تنبيه ثالث ممّا يتعلق بالمسألة، و محصله: أنّ اشتراط القدرة على التسليم في البيع ليس مقصودا بالأصالة، بل يكون تبعيا، لمقدميته لحصول المبيع عند المشتري، فالشرط- في الحقيقة- تمكّن المشتري من المبيع إمّا بنفسه و إما بواسطة البائع، سواء أ كانت قدرته بلا واسطة أحد أو بواسطة المشتري أو الأجنبي.

و يتفرع عليه صحة البيع في موردين كما أفتى بها جماعة:

الأوّل: عجز البائع عن التسليم، و تمكّن المشتري من تحصيل المبيع.

الثاني: عجز المتبايعين معا عن التسليم و التحصيل، و لكن يوثق حصوله عند المشتري في زمان الاستحقاق، كالحمام الطائر إذا اعتاد العود إلى العشّ أو البرج.

و يحتمل بطلان البيع في هذا المورد كما عن نهاية العلّامة قدّس سرّه، لاعتبار تمكن المشتري من التسلّم أو التحصيل، و المفروض انتفاء القدرة فيه، و لا عبرة باعتياد العود ممّا لا عقل له.

و لكن يردّ هذا الاحتمال: أنّ العادة باعثة على العود، و هي كافية في حصول الوثوق به. هذا كله في حصول المبيع عند المشتري في زمان استحقاق التسلم.

و أمّا لو لم يقدرا عليه في مدة فسيأتي حكمه من الصحة أو الفساد.

(2) أي: بتبع كون المبيع عند المشتري، و تسلّمه له.

(3) أي: و من كون المقصد الأصلي تسلّم المشتري لا تسليم البائع، صحّ البيع لو تمكّن المشتري- خاصة- من التسلّم.

______________________________

(1) و هو كاشف الغطاء، في شرح القواعد، مخطوط

ص: 655

كما عن (1) الإسكافي و العلّامة و كاشف الرّموز (2) و الشهيدين «1» و المحقق الثاني «2».

و عن ظاهر الانتصار «أن صحة بيع الآبق على من يقدر على تسلّمه ممّا انفردت به الإماميّة». و هو (3) المتّجه، لأنّ ظاهر معاقد الإجماع (4)- بضميمة (5) التتبّع في كلماتهم و في استدلالهم (6) بالغرر و غيره-

______________________________

(1) الحاكي عنهم و عن غيرهم هو السيد العاملي «3»، و الحاكي لكلام الإسكافي هو العلّامة، ففي المختلف: «و قال ابن الجنيد: لا يشتري- أي العبد الآبق- وحده، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري، أو يضمن له البائع» و استقربه العلّامة قدّس سرّه «4».

(2) قال الفاضل الآبي: «العبد الآبق إمّا أن يكون بحيث يقدر عليه صاحبه أم لا. فالثاني لا يجوز بيعه منفردا بلا خلاف. و الأوّل قد أجازه المرتضى، نظرا إلى أنّه لا يسمّى آبقا عرفا. و هو حسن» «5».

(3) أي: كون قدرة المشتري كافية في صحة البيع متّجه.

(4) تقدّم حكاية الإجماع عن جماعة في أوّل المسألة، فراجع (ص 580).

(5) و لو لا هذه الضميمة لكان ظاهر معاقد الإجماع هو اعتبار القدرة على التسليم فقط، و عدم كفاية قدرة المشتري على التسلم. لكن الضميمة المزبورة أوجبت ظهورا ثانويّا في معاقد الإجماع، كسائر الظهورات الناشئة من القرائن لذويها.

(6) أي: بالتتبع في استدلالهم بالغرر و غيره، كالاستدلال: «بأنّ الغرض من

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 200؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 172؛ الروضة البهية، ج 3، ص 250

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 100 و 102

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 223

(4) مختلف الشيعة، ج 5، ص 216؛ و لاحظ تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 49؛

(5) كشف الرموز، ج 1، ص 453

ص: 656

مختصّ (1) بغير ذلك (2).

و منه (3) يعلم أيضا (4): أنّه (5) لو لم يقدر أحدهما على التحصيل، لكن يوثق بحصوله في يد أحدهما عند استحقاق المشتري للتسليم- كما لو اعتاد الطائر العود- صحّ، وفاقا للفاضلين (6)، و الشهيدين «1»، و المحقق الثاني «2» و غيرهم (7).

______________________________

البيع انتفاع كل من المتبايعين بما ينتقل إليه» و كالاستدلال «بأنّ بذل الثمن على غير المقدور سفه».

(1) خبر قوله: «لأن ظاهر» و حاصله: أن دليل اشتراط القدرة لا يثبته في مورد تمكن المشتري من التسلّم.

(2) أي: بغير من يقدر على التسلم، و إن كان البائع عاجزا عن التسليم.

(3) أي: و من عدم كون القدرة على التسليم مقصودة بالأصالة يعلم جواز البيع في المورد الثاني، و هو عجزهما معا عن التسليم و التسلّم، و الوثوق بالحصول.

(4) أي: كما علم جواز البيع لو كان المشتري قادرا على التسلّم و التحصيل.

(5) الضمير للشأن.

(6) قال المحقق قدّس سرّه: «و يصحّ بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر، و السموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة» «3».

(7) حكاه السيد العاملي عن المحقق الأردبيلي و المحدث الفيض، و الفاضل السبزواري، فراجع «4».

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199- 200؛ الروضة البهية، ج 3، ص 249؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 173

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 92

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، و نحوه في كتب العلّامة، فلاحظ: تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 51؛ قواعد الأحكام، ج 2، ص 22

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 222

ص: 657

نعم (1) عن نهاية الاحكام: احتمال العدم (2)، بسبب انتفاء القدرة في الحال على التسليم، و أنّ عود الطائر غير موثوق به، إذ ليس له عقل باعث (3) «1».

و فيه (4): أنّ العادة باعثة كالعقل، مع أنّ الكلام على تقدير الوثوق.

و لو لم يقدرا على التحصيل (5)، و تعذّر عليهما إلّا بعد مدّة مقدّرة

______________________________

(1) استدراك على قوله: «صحّ» و الوجه في الاستدراك توقف الجزم بالصحة على منع ما في نهاية العلّامة قدّس سرّه من احتمال البطلان، و تقدم توضيحه في (ص 655).

(2) يعني: احتمل العلّامة قدّس سرّه في النهاية كلّا من الصحة و البطلان.

(3) أي: على العود.

(4) هذا ردّ الاحتمال، و محصله و جهان:

أحدهما: كفاية العادة- و غريزة الحيوان- على العود في حصول الوثوق بحصول الطائر عند المشتري. بل العادة أقوى من العقل في محركيته على العود. قال العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه في المصابيح- في مناقشة احتمال النهاية-: «و فيه: وجود الباعث، و هو الالف ببرجه، و الانس بالفه و إن انتفى العقل» «2».

و ثانيهما: أنّ مورد فتوى المجوّزين هو حصول الوثوق بالعود، فلا وجه للمناقشة في موجبات الوثوق، بل لا بد من التكلم في حكمه بعد فرض وجوده.

(5) حاصل هذا الفرع- الراجع إلى تأخير التسليم عن العقد-: أن المبيع لو كان عينا شخصية، و لم يقدر البائع على تسليمه و لا المشتري على تسلّمه و تحصيله حال العقد و لا بعده- في مدة قليلة يتسامح في تعذر التسليم فيها- فتارة تكون مدة التعذر محصورة و مقدرة بحسب العادة كسنة، و اخرى لا تكون منضبطة، كما إذا أنفذ عبده في حاجة يطول زمانها، لكونها في بلد بعيد كالهند.

______________________________

(1) نهاية الاحكام، ج 2، ص 481، و حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 222

(2) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)

ص: 658

عادة (1)، و كانت ممّا لا يتسامح فيه، كسنة أو أزيد، ففي (2) بطلان البيع، لظاهر (3)

______________________________

ففي الصورة الاولى يحتمل كل من البطلان رأسا، و الصحة مع الخيار لو كان المشتري جاهلا بالحال. و وجه البطلان أمران:

أحدهما: الإجماع المحكي على كون القدرة على التسليم شرطا في صحة البيع، فيبطل بفقدها.

ثانيهما: كون تعذر الحصول في مدة مديدة غررا، و هو منهي عنه، فيبطل البيع.

و وجه الصحة: وجود المقتضي، و هو العقد الصادر من أهله في محله- كما في الجواهر «1»- و فقد المانع من الإجماع و الغرر.

أما الإجماع فلأن مورده ما إذا تعذّر التسليم رأسا، و المفروض إمكانه، و تعذره الفعلي غير قادح.

و أمّا الغرر فغير محقّق، لأنّ المشتري إمّا أن يعلم بالحال و فوات منفعة المبيع مدة مديدة كسنة، فيجب عليه الصبر. و إما إن يجهل ذلك، فيجبر ضرره بخيار تعذر التسليم.

و عليه فالمتجه هو الصحة في الفرض.

و في الصورة الثانية يحتمل أيضا كل من الصحة و البطلان، و إن استشكل المصنف في الصحة، كما سيأتي بيانه.

(1) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و فرقها مع الثانية في ضبط المدة المديدة هنا، دونها في الثانية.

(2) خبر مقدّم لقوله: «و جهان» و الجملة بتمامها جواب الشرط في قوله:

«و لو لم يقدرا».

(3) هذا وجه البطلان، و تقدم تقريب الإجماع و الغرر.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 403

ص: 659

الإجماعات المحكية، و لثبوت الغرر، أو صحته (1)، لأنّ (2) ظاهر معقد الإجماع التعذّر رأسا، و لذا (3) حكم مدّعيه بالصحة هنا، و الغرر (4) منفيّ مع العلم بوجوب الصبر عليه إلى انقضاء مدّة، كما (5) إذا اشترط تأخير التسليم مدّة، و جهان، بل قولان (6)، تردّد فيهما (7) في الشرائع،

______________________________

(1) معطوف على «بطلان» أي: ففي صحة البيع.

(2) هذا وجه الصحة، و حاصله: منع وجهي البطلان، و المفروض وجود المقتضي للصحة ثبوتا و إثباتا للعمومات.

(3) أي: و لظهور معقد الإجماع في التعذر رأسا حكم ... الخ، و غرضه إقامة الشاهد على خروج هذه الصورة عن الإجماع موضوعا، لأنّ مدّعي الإجماع على اعتبار القدرة على التسليم- كالعلّامة قدّس سرّه- رجّح الصحة هنا، و هو كاشف عن اختصاص معقد الإجماع بالتعذر بقول مطلق، أي حالا و مستقبلا.

(4) معطوف على «ظاهر» أي: و لأّنّ الغرر منفي ... الخ.

(5) فكما لا يقدح تأخير التسليم عن العقد، إذا شرطه البائع على المشتري، فكذا لا يقدح مع علمه به.

(6) أحدهما: المنع، و لعلّه المستفاد من مفهوم عبارة التحرير: «و لو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال- لا فيه- فالوجه جوازه، و يتخير المشتري» لظهوره في المنع بتعذر التسليم بعد العقد، سواء أ كانت المدة قصيرة أم مديدة.

و ثانيهما: الصحة، و هو المشهور، بل في الجواهر- بعد توجيه عبارة التحرير- «فلا خلاف محقّق في المسألة» «1».

(7) يعني: تردد المحقق في الوجهين، حيث قال: «و لو باع ما يتعذر تسليمه إلّا بعد مدّة، فيه تردد. و لو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري كان قويّا» «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 404

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17

ص: 660

ثمّ قوّى الصحة (1)، و تبعه في محكّي التحرير و المسالك و الكفاية و غيرها «1».

نعم (2)، للمشتري الخيار مع جهله بفوات منفعة الملك عليه مدّة.

و لو كان مدة التعذر غير مضبوطة عادة (3)- كالعبد المنفذ إلى هند لحاجة لا يعلم زمان

______________________________

(1) يعني: و تبع المحقق في تقوية الصحة العلّامة في محكي التحرير، و الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري و المحدث الكاشاني و غيرهم قدّس سرّهم كصاحبي المصابيح و الجواهر «2».

(2) لمّا رجّح المصنف قدّس سرّه الصحة أراد التنبيه على عدم لزوم البيع إن كان المشتري جاهلا بتأخر التسليم عن العقد مدة لا يتسامح فيها عرفا.

(3) هذا شروع في الصورة الثانية، و هي عدم ضبط مدة تأخير التسليم عن العقد- و لو كانت قصيرة- بما لا يتسامح العرف في فوات منفعة المبيع فيها، كبيع الغائب، مثل العبد الذي أرسله مولاه إلى بلد بعيد لقضاء حاجة تطول مدّته، و لم يكن زمان عوده و تسليمه إلى المشتري مضبوطا، بأن كان دائرا بين شهر أو شهرين.

و مثل الدابة التي أرسلها صاحبها إلى السوق، فباعها جاهلا بوقت عودها- كما إذا تردّد بين ساعتين و ثلاث ساعات، و لم يكن تفاوت ساعة مغتفرا عرفا في بيع الدواب.

و يحتمل في حكم هذه الصورة كل من الصحة و البطلان.

فوجه الصحة ما في الجواهر من قوله: «للعموم المؤيّد بإطلاق الفتوى، فإنّهم لم يشترطوا- في بيع ما يتعذر تسليمه في الحال- انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة، كما لم يشترطوا تعيّنها في أصل البيع. و كلامهم- أي العموم

______________________________

(1) حكاه عنهم في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 271، و لاحظ: تحرير الأحكام، ج 1، ص 165 (ج 2، ص 282، الطبعة الحديثة)؛ مسالك الأفهام، ج 3، ص 174؛ كفاية الأحكام، ص 90

(2) المصابيح (مخطوط) ص 105؛ جواهر الكلام، ج 22، ص 403- 404

ص: 661

قضائها- ففي (1) الصحة إشكال: من حكمهم بعدم جواز بيع مسكن المطلّقة المعتدّة بالأقراء، لجهالة وقت تسليم العين. و قد تقدّم بعض الكلام فيه (2) في بيع

______________________________

المؤيّد بكلامهم- في جواز بيع الغائب و الوديعة و العارية و المغصوب و الآبق و السمك، ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك، و اختلافها زيادة و نقصا اختلافا فاحشا. و لا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم. و فوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في المبيع، و إنّما هو غرر في غيره ... الخ» «1».

و وجه البطلان ما أفاده المصنف قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) خبر مقدّم لقوله: «إشكال» و الجملة جواب الشرط في قوله: «و لو كان».

و وجه الإشكال: عدم انضباط المدة عادة، فيلزم الغرر المبطل للبيع.

و الشاهد على كون الجهل بوقت التسليم غررا ما ذكروه في باب الطلاق من بطلان بيع المنزل الذي تسكنه المطلّقة بالأقراء، من جهة دوران العدة بين المدة الطويلة و القصيرة، فلم يعلم مدة استحقاقها للسكنى، و يلزمه جهل المشتري بزمان استحقاق التسليم، و قد أوضحنا المسألة في الوقف المنقطع، فراجع (ص 211).

(2) أي: في الجهل بوقت تسليم العين.

______________________________

[1] مقتضى ما أفاده المصنف سابقا من كون العبرة من شرطية القدرة على التسليم بزمان استحقاق التسليم هو بطلان البيع، لأنّ زمان استحقاقه هو ما بعد العقد، و المفروض عدم إمكانه فيه. و قياسه بشرط تأخير التسليم مدة باطل، لأنّ زمان الاستحقاق هناك بمقتضى الشرط منفصل عن البيع، فيعتبر القدرة على التسليم في ذلك الزمان. بخلاف المقام، فإنّ استحقاق التسليم يكون زمانه متصلا بزمان العقد، و المفروض تعذره، فيبطل البيع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 405

ص: 662

الوقف المنقطع (1).

ثمّ (2) إنّ الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين،

______________________________

(1) حيث قال: «و في جوازه- أي البيع- للواقف مع جهالة مدّة استحقاق الموقوف عليهم إشكال، من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به» ثم ذكر مسألة بيع مسكن المطلّقة المعتدية بالأقراء.

هذا وجه البطلان، و كان المناسب التنبيه على وجه الصحة، و هو ما نقلناه عن الجواهر آنفا. و لكن قد ينافيه حكمه في كتاب الطلاق ببطلان بيع مسكن المعتدة بالأقراء، فراجع «1».

(2) هذا هو التنبيه الرابع، و محصله: أنّ محتملات ما هو شرط صحة البيع ثلاثة:

الأوّل: أن الشرط هو القدرة على التسليم بوجودها الواقعي سواء احرزت أم كانت مشكوكة.

الثاني: أن الشرط هو العلم بالقدرة بمعنى كون الإحراز تمام الموضوع و إن تبيّن العجز. و المراد بالعلم هنا هو الوثوق، لا اليقين الوجداني غير المجتمع مع احتمال العجز، و لا مطلق الظنّ غير البالغ حدّ الاطمئنان.

الثالث: أنّ الشرط هو القدرة المعلومة، بمعنى كون العلم جزء الموضوع، و جزءه الآخر نفس القدرة بوجودها الواقعي، نظير شرطية الطهارة المحرزة.

و اختاره المصنف قدّس سرّه، لأنّ عمدة الدليل على اعتبار القدرة هو النهي عن بيع الغرر، و من المعلوم توقف الأمن من الوقوع في المخاطرة على القدرة المحرزة لا الواقعية.

و يتفرّع على شرطية القدرة المعلومة صحة البيع لو باع معتقدا التمكّن من

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 32، ص 345

ص: 663

لأنّ (1) الغرر لا يندفع بمجرّد القدرة الواقعية [1].

و لو باع ما يعتقد التمكّن [منه] فتبيّن عجزه في زمان البيع و تجدّدها بعد ذلك، صحّ [2]. و لو لم يتجدّد بطل (2).

و المعتبر هو الوثوق (3)، فلا يكفي مطلق الظّن (4)، و لا يعتبر اليقين (5).

______________________________

التسليم، فبان عجزه حال العقد، و لكن تجددت القدرة بعده. بخلاف ما لو كان الشرط القدرة الواقعية، لاقتضاء فقد الشرط البطلان.

(1) هذا تقريب دلالة الحديث النبوي على كون الشرط القدرة المعلومة، لا الواقعية.

(2) لانتفاء الموضوع- و هو القدرة المعلومة- بانتفاء كل من الموصوف و الوصف. و لو كان الشرط العلم بالقدرة صحّ البيع في الفرض و ثبت الخيار للمشتري الجاهل بالحال، لوجود الشرط و هو إحراز القدرة.

(3) المعبّر عنه بالعلم العادي النظامي، و الوجه في كفايته هو ارتفاع الغرر به.

(4) لعدم ارتفاع الغرر به.

(5) لعدم الدليل على اعتباره بالخصوص.

______________________________

[1] هذا الاستدلال يعطي كون الشرط العلم بالقدرة بنحو يكون العلم تمام الموضوع، ضرورة اندفاع الخطر بنفس العلم، نظير الخطر الناشئ عن احتمال وجود سبع في المكان الكذائي، فإنّ الخطر يرتفع بنفس العلم الموجب للأمان، و لا يرى العالم نفسه تحت الخطر أصلا.

[2] الحكم بالصحة لا يلائم تركب الموضوع من العلم و القدرة الواقعية، إذ لازم تركبه انتفاء الحكم بانتفاء أحد جزأيه، كانتفاء كليهما، فتجدد القدرة لا يجدي في صحة البيع.

ص: 664

ثم لا إشكال في اعتبار قدرة العاقد إذا كان مالكا (1)، لا ما إذا كان وكيلا

______________________________

(1) هذا خامس تنبيهات المسألة و آخرها، و الغرض من التعرض له تحقيق من يعتبر قدرته على التسليم، توضيحه: أنّ العاقد قد يكون مالكا، فيشترط تمكنه من التسليم كما تقدم، و قد يكون وكيلا عن المالك، و هل يعتبر قدرته على الإقباض أم تعتبر في موكّله؟ فيه تفصيل بين نحوي التوكيل.

فإن كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة- لا في مقدمات العقد و لوازمه- اعتبر تمكن الموكّل، لأنّه المخاطب بالوفاء بالعقد، دون الوكيل، لانتهاء مهمّته بنفس الإنشاء.

فلو عجز الموكّل عن التسليم و تمكّن الوكيل منه بطل البيع.

و إن كان وكيلا مفوّضا في التصرف في أموال الموكّل، أو كان مأذونا في إجراء العقد و لوازمه كالتسليم و الأخذ بالخيار و نحوهما، بحيث يصدق عليه عرفا أنه أحد المتبايعين- و كان الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة- كفى قدرة هذا الوكيل، ضرورة أن الشرط- و هو التمكن- أعم من كونه بالمباشرة و بالاستنابة، فإقباض الوكيل إقباض موكّله.

و لو كان الوكيل المأذون في لوازم العقد عاجزا عن التسليم، و موكّله متمكنا منه، ففيه احتمالات:

الأوّل: كفاية قدرة المالك، و عدم قدح عجز العاقد، لأعمية التسليم المعتبر من المباشري و الاستنابي.

الثاني: عدم كفايتها، فيبطل البيع.

الثالث: التفصيل بين كون المشتري عالما بعجز العاقد و بقدرة المالك فيصحّ، و بين عدم علمه بذلك فيبطل. و هذا الوجه مختار المصنف، بلا فرق بين رضا المالك برجوع المشتري عليه للتسلّم، أو رضا المشتري برجوعه إلى المالك، و بين عدم رضا كل منهما بالرجوع إلى الآخر، خلافا لمن قيّد الصحة بالرضا كما سيأتي.

ص: 665

في مجرّد العقد، فإنّه (1) لا عبرة بقدرته، كما لا عبرة بعلمه.

و أمّا لو كان وكيلا في البيع و لوازمه (2)- بحيث (3) يعدّ الموكّل أجنبيا عن هذه المعاملة- فلا إشكال (4) في كفاية قدرته (5).

و هل يكفي قدرة الموكّل (6)؟ الظاهر نعم، مع علم المشتري بذلك (7) إذا علم بعجز العاقد (8)،

______________________________

(1) الضمير للشأن، أي: فلا عبرة بقدرة الوكيل، لأنّه أجنبي عن المتبايعين، فلا عبرة بقدرة غيرهما، كما لا عبرة بعلمه بالقدرة، لعدم توجه خطاب وجوب التسليم إلى الأجنبي.

(2) المراد باللوازم آثار العقد من القبض و الإقباض، و حلّ النزاع في الثمن و المثمن، و الأخذ بالخيار، و المطالبة بالوفاء بالشرط إن كان، و نحوها.

(3) هذا بيان الوكالة المطلقة أي في البيع و لوازمه، فإنّها توجب صدق «البيّع» على الوكيل.

(4) جواب الشرط في قوله: «و أما لو كان».

(5) أي: قدرة الوكيل، لكونه مخاطبا بوجوب التسليم، فيكفي قدرته عليه.

(6) يعني- في صورة كون العاقد وكيلا في البيع و لوازمه- هل يكفي قدرة الموكّل على التسليم أم لا؟ بل لا بدّ من قدرة الوكيل على ذلك.

(7) التقييد بالعلم بقدرة الموكل لأجل كون الشرط القدرة المعلومة لا الواقعية.

(8) حاصله: أنّ اعتبار علم المشتري بقدرة الموكل في الاكتفاء بها إنّما يكون في صورة علم المشتري بعجز العاقد، إذ لا بدّ حينئذ من علم المشتري بقدرة الموكّل ليصح البيع. فلو اعتقد بقدرة العاقد العاجز واقعا، لم يشترط حينئذ علم المشتري بقدرة الموكّل في كفايتها، بل يكفي وجودها الواقعي، و ذلك لأنّ الغرر يرتفع باعتقاد المشتري بقدرة العاقد، و لذا قال المصنف قدّس سرّه: «فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك» أي: بقدرة الموكل.

ص: 666

فإن اعتقد قدرته لم يشترط علمه بذلك.

و ربّما قيّد الحكم بالكفاية (1) بما إذا رضي المشتري بتسليم الموكّل، و رضي المالك برجوع المشتري عليه. و فرّع (2) على ذلك رجحان الحكم بالبطلان في الفضولي. لأنّ (3) التسليم المعتبر من العاقد غير ممكن قبل الإجازة.

______________________________

(1) أي: الحكم بكفاية قدرة الموكّل في الصحة- مضافا إلى الشرط الذي ذكره من علم المشتري بقدرة الموكل- و المقيّد العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه، و صاحب الجواهر قدّس سرّه نقل عبارته بطولها، لكنّه لم يصرّح بالقائل.

قال في المصابيح: «و لو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع و ما يتبعه من اللوازم، و علم الآخر بذلك و رضي بتسليم الموكّل، كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إن رضي الموكّل برجوعه عليه، فلو عجزا معا بطل البيع» «1».

و كيف كان فملخّص ما أفاده هذا القائل هو: أنّه يعتبر في كفاية قدرة الموكّل في الصحة- في صورة كون العاقد وكيلا في البيع و لوازمه- أمران:

أحدهما: علم المشتري بقدرة الموكّل، إذ المعتبر هو القدرة المعلومة.

و الآخر: رضا المشتري بتسليم الموكّل، و رضا المالك برجوع المشتري عليه.

(2) حاصله: أنّ المقيّد المزبور فرّع بطلان الفضولي على اعتبار رضا المشتري بتسليم الموكّل، و رضا المالك برجوع المشتري عليه.

قال في المصابيح- بعد عبارته المتقدمة-: «و أما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه، و من ثمّ ترجّح بطلانه، و ذلك لأن إجازة المالك غير معلومة الحصول، إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا، و قد تحصل، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه، فلا تحصل من العاقد» إلى آخر ما حكاه عنه في المتن «2».

(3) حاصله: أنّ التسليم الصحيح- و هو التسليم برضا المالك- يمتنع من العاقد

______________________________

(1) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)، جواهر الكلام، ج 22، ص 392 و 393

(2) المصابيح، مجلد التجارة (مخطوط)، جواهر الكلام، ج 22، ص 392 و 393

ص: 667

و قدرة (1) المالك إنّما تؤثّر لو بنى العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع، لأنّ بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور (2)، و هو (3) غير متحقق في الفضولي. و البناء على القدرة الواقعية باطل، إذ الشرط هي القدرة المعلومة دون الواقعية ... إلى أن قال (4):

______________________________

قبل الإجازة، و إلّا يكون إجازة.

(1) هذا إلى آخر العبارة نصّ ما في الجواهر و المصابيح. و هذه الجملة دفع دخل مقدّر.

حاصل الدخل: أنّ قدرة الفضولي على التسليم و إن لم تكن معلومة، لكن هذا المقدار لا يوجب بطلان عقده، لفرض قدرة المالك المجيز على التسليم، و هي كافية في الصحة.

و حاصل الدفع: أن المالك و إن كان قادرا على التسليم، إلّا أنّ تمكنه الواقعي لا يؤثر في صحة عقد غير المالك، إلّا إذا اعتقد المشتري تمكّن المالك منه، و وقع الشراء مبنيّا عليه، و المفروض أنّ المشتري الجاهل بالحال لم يعتقد قدرة المالك على التسليم، و لم يرض بتسليم غير العاقد الفضولي.

و يشهد لعدم كفاية قدرة المالك واقعا: أنّه لو أذن المالك لغيره في البيع، اعتبر في صحة الشراء من المأذون رضا المالك بالتسليم، و رضا المشتري بالتسلّم منه، و المفروض فقدان هذا الرضا في بيع الفضولي.

(2) و هو رضا المشتري بتسليم المالك.

(3) يعني: أنّ الشرط المذكور- و هو رضا المشتري بتسليم الموكّل و رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم- غير متحقق في الفضولي. أمّا مع الجهل بالفضولية فواضح. و أمّا مع العلم بها فلكون رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم ملازما للرضا بالبيع، و مخرجا له عن الفضولية، و هو خلف.

(4) يعني: قال هذا المقيّد، و هو صاحب المصابيح.

ص: 668

«و الحاصل: أنّ القدرة قبل الإجازة لم توجد (1)، و بعدها إن وجدت لم تنفع (2)».

ثم قال (3): «لا يقال (4): إنّه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك، و أنّه (5) لا يخرج عن رأيه، فيتحقق له (6) بذلك القدرة على التسليم حال العقد.

لأنّ (7) هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا، لمصاحبة الإذن للبيع. غاية

______________________________

(1) أمّا من العاقد فلعدم إذن المالك في التسليم. و أمّا من المالك فلانتفاء شرط كفايتها، و هو رضا المالك و المشتري بالتسليم.

(2) كما إذا استأذن العاقد من المالك- بعد العقد- تسليم المال، فإنّ هذا التسليم لا ينفع في صحة العقد، لاعتبار القدرة عليه حين القعد لا بعده.

فالمتحصل: أنّه- بناء على اعتبار رضا المشتري بتسليم المالك و رضا المالك برجوع المشتري عليه في التسليم- يبطل عقد الفضولي، لعدم قدرة العاقد على التسليم الصحيح شرعا قبل الإجازة. و مجرد قدرة المالك بدون علم المشتري بها غير مفيد، لما عرفت من اعتبار القدرة المعلومة، لا الواقعية المجرّدة عن العلم. و أما بعد الإجازة فلا تنفع القدرة، لكونها بعد البيع لا حينه.

(3) الضمير يرجع إلى «المقيّد» المستفاد من قوله: «و ربما قيّد».

(4) توضيحه: أنّه يمكن تصحيح الفضولي بأنّه قد يثق العاقد الفضولي برضا المالك، و أنّه يرضى بتصرفات هذا الفضولي، فيحصل للعاقد القدرة على التسليم حين العقد.

(5) أي: و أنّ المالك لا يخالف الفضولي.

(6) أي: فيتحقق للفضولي- بسبب حصول الوثوق بأنّ المالك يمضي و يجيز العقد- القدرة على التسليم، فيصح البيع.

(7) تعليل لقوله: «لا يقال» و قد دفع الإشكال بوجهين، هذا أولهما، و حاصله: أنّ البيع و إن صار صحيحا بما ذكر، لكنه يخرج عن موضوع البحث أعني

ص: 669

الأمر حصوله (1) بالفحوى و شاهد الحال (2)، و هما (3) من أنواع الإذن، فلا يكون فضوليّا (4)، و لا يتوقف صحته (5) على الإجازة.

و لو سلّمنا (6) بقاءه (7) على الصفة فمعلوم أن القائلين بصحّة الفضولي

______________________________

به الفضولي، لاندراجه في بيع المأذون عن المالك، غاية الأمر أنّ الإذن هنا يكون بالفحوى و شاهد الحال، دون الإذن الصريح اللفظي. و من المعلوم عدم الفرق في الخروج عن موضوع الفضولي بين حصول الإذن المالكي بالتصريح أو بالفحوى.

(1) أي: حصول الإذن، و استكشافه يكون تارة من تصريح الآذن، و اخرى من الفحوى.

(2) كذا في نسخ الكتاب و الجواهر، و لكن في نسخة مصوّرة من المصابيح «أو شاهد الحال» و هو أنسب بقوله: «و هما».

(3) يعني: و الفحوى و شاهد الحال يكونان من أنواع الإذن، كما أن التصريح بالإذن نوع آخر منه.

(4) بل يكون مأذونا فيه، و لا ريب في نفوذ هذا البيع.

(5) أي: صحة بيع المأذون لا تتوقف على الإجازة، لاقترانه بالإذن، فوقع صحيحا لا موقوفا على الإجازة.

(6) هذا ثاني الوجهين، و توضيحه: أنّه مع الغض عن الجواب الأوّل- و هو الخروج عن الفضولية و تسليم بقائه على الفضولية- نقول: إنّ التصحيح المزبور أخص من المدّعى، إذ القائلون بصحة عقد الفضولي لا يخصّصون الحكم بالصحة بخصوص هذه الصورة، و هي الوثوق بإرضاء المالك، بل يحكمون بالصحة مطلقا و إن لم يثق الفضولي بإرضاء المالك. فالتصحيح المزبور لا يعمّ جميع العقود الفضولية حتى يصحّح جميعها، بل يختص ببعضها.

(7) أي: بقاء البيع على صفة الفضولية.

ص: 670

لا يقصرون الحكم على هذا الفرض (1)» «1».

و في ما ذكره (2) من مبنى (3) مسألة الفضولي، ثم في تفريع الفضولي، ثم في

______________________________

(1) أي: على فرض وثوق الفضولي بإرضاء المالك، بل يقول الفقهاء بصحة عقد الفضولي مطلقا بلحوق الإجازة. هذا تمام ما في الجواهر.

(2) ناقش المصنف قدّس سرّه في العبارة المنقولة عن المصابيح من بدئها إلى ختمها، كما سيظهر.

(3) المراد بالمبنى هو اعتبار رضا المشتري بالتسليم- في مسألة الوكالة- و عدم كفاية قدرة المالك الموكّل على التسليم، فإنّ هذا المبنى يستلزم بطلان عقد الفضولي، لعدم إحراز هذا الشرط.

أمّا وجه النظر في نفس المبنى فهو: أنّ التقييد بالرضا ممّا لا دليل عليه، و مقتضى العمومات عدم اعتباره، و الغرر المانع عن الصحة يرتفع بقدرة المالك مطلقا، فلا غرر هنا حتى يمنع عن الرجوع إلى العمومات.

و بعبارة اخرى: رضا المالك و المشتري ليس دخيلا في مفهوم القدرة على التسليم، و لا شرطا لاعتبارها، لعدم الدليل، فرضاهما بدون القدرة لا يؤثّر أصلا، فالمؤثّر هو نفس القدرة.

و أمّا وجه النظر في تفريع الفضولي عليه، فهو: أجنبية الفضولي عن العاقد الوكيل في العقد و لوازمه، فاعتبار القدرة فيه لا يلازم اعتبارها في العاقد الفضولي، فلا ملازمة بينهما حتى يترتب عليها بطلان عقد الفضولي، لعدم قدرة العاقد الفضولي على التسليم المعتبر شرعا.

نعم إن قلنا باعتبار رضا الموكّل و المشتري- حتى في الوكيل في مجرد إجراء العقد- يتوجه حينئذ بطلان عقد الفضولي.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 393- 392

ص: 671

الاعتراض الذي ذكره، ثم في الجواب عنه أوّلا و ثانيا، تأمّل، بل نظر، فتدبّر.

______________________________

و أمّا وجه النظر في الاعتراض فهو: أنّ الوثوق بإرضاء المالك لا يوجد القدرة على التسليم حين العقد، بل بعده. و الشرط هو القدرة حينه لا بعده أعني الزمان المتأخر عن زمان رضى المالك.

و أمّا وجه النظر في الجواب الأوّل، فهو: أنّ وثوق الفضولي بإرضاء المالك لا يوجب مقارنة العقد للرضا حتى يخرج هذا العقد عن الفضولية، بل غايته تعقب العقد بالرضا، و أين هذا من المصاحبة؟ فالفضولية باقية على حالها.

و أمّا وجه النظر في الجواب الثاني الذي ذكره بقوله: «و لو سلمنا بقاءه على الصفة ... الخ» فهو: أنّه مبنيّ على المبنى المزبور، و هو رضا المشتري بالتسليم، و عدم كفاية قدرة المالك على التسليم في صحة البيع، و قد عرفت ضعف كل من المبنى و الابتناء، فتدبّر.

هذا تمام الكلام في شرطية القدرة على التسليم، و يأتي الكلام في بعض فروعه كبيع الآبق إن شاء اللّه تعالى.

ص: 672

صورة

ص: 673

صورة

ص: 674

صورة

ص: 675

صورة

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.